روايات الجامع الصحيح ونسخه «دراسة نظرية تطبيقية»

جمعة فتحي عبد الحليم

الطبعة الأولى 1424 هـ - 2013 م جميع الحقوق محفوظة لدار الفلاح ولا يجوز نشر هذا الكتاب بأي صيغة أو تصويره PDF إلا بإذن خطي من صاحب الدار الأستاذ / خالد الرّبّاط أو دار ابن حزم إصدارات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إدارة الشؤون الإسلامية دولة قطر دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق الثراث 18 شارع أحمس - حي الجامعة - الفيوم ت: 01000059200 بالتعاون مع دار ابن حزم بيروت - لبنان

روايات الجامع الصحيح ونسخه دراسة نظرية تطبيقية

مقدمة وزارة الأوقاف القطرية

مقدمة كتاب روايات الجامع الصحيح الحمد لله حمدًا يوافي نعمه، والصلاة والسلام على أشرف خلقه وخاتم رسله، وبعد، فإن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر - وقد وفقها الله لأن تضرب بسهم في نشر الكتب النافعة للأمة - لتحمد الله سبحانه وتعالى على أن ما أصدرته قد نال الرضا والقبول من أهل العلم. والمتابع لحركة النشر العلمي لا يخفى عليه جهود دولة قطر في خدمة العلوم الشرعية ورفد المكتبة الإسلامية بنفائس الكتب القديمة والمعاصرة وذلك منذ ما يزيد على ستة عقود، وقد جاء مشروع إحياء التراث الإسلامي والنشر العلمي الذي بدأته الوزارة منذ عدة سنوات امتدادًا لتلك الجهود وسيرًا على تلك المحجة التي عُرفت بها دولة قطر. ومنذ انطلاقة هذا المشروع المبارك يسَّر الله جلَّ وعلا للوزارة إخراج مجموعة من أمهات كتب العلم في فنون مختلفة معظمها يُطبع لأول مرة، كتفسير العُليمي "فتح الرحمن في تفسير القرآن"، و"مرسوم المصحف" للعُقيلي، و"الدرة الصقيلة في شرح أبيات العقيلة" لأبي بكر عبد الغني المشتهر باللبيب. و"معاني الأحرف السبعة" لأبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي، تحقيق الدكتور حسن ضياء الدين عتر. و"حاشية مسند الإمام أحمد" للسندي، و"شرحين لموطأ الإمام مالك" لكُل من القنازعي والبوني، و"شرح مسند الإمام الشافعي" للرافعي و"نخب الأفكار شرح معاني الآثار" للبدر العيني، و"مصابيح الجامع" للقاضي بدر الدين الدَّمَاميني، و"التقاسيم والأنواع" للإمام ابن حبان، إضافة إلى "صحيح الإمام ابن خزيمة" بتحقيقه الجديد المتقن، ومثله كتاب "السنن الكبرى" للإمام النسائي المحقَّق على عدة نسخ خطية، و"المخلصيات" لأبي طاهر المخلص، و"مطالع الأنوار" لابن قرقول، و"نهاية المطلب في دراية المذهب"

للإمام الجويني بتحقيقه المتقن للأستاذ الدكتور عبد العظيم الديب رحمه الله تعالى عضو لجنة إحياء التراث الإسلامي، و"الأوسط من السنن والإجماع والاختلاف" للإمام ابن المنذر بمراجعة دقيقة للشيخ الدكتور عبد الله الفقيه عضو لجنة إحياء التراث الإسلامي أيضًا، و"التبصرة" للإمام اللخمي، و"حاشية الخلوتي" في الفقه الحنبلي، وأخيرًا كتاب: "الأصل" لمحمد بن الحسن الشيباني، كاملًا محققًا على أصول عدة، وفي الطريق إصدارات أخرى مهمة تمثل الفقه الإسلامي في عهوده الأولى. كما طبعت الوزارة لأول مرة كتاب "جامع الآثار في السير ومولد المختار" لابن ناصر الدين الدمشقي، و"الوجيز في السيرة" و"عصر السيرة" كلاهما للدكتور أكرم ضياء العمري حفظه الله. وفي معتقد أهل السنة والجماعة على مذهب السلف الصالح أصدرت الوزارة كتابًا نفيسًا لطيفًا وهو: "الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد" لابن العطار تلميذ الإمام النووي رحمهما الله تعالى. هذا في جانب ما يُنشر لأول مرة من كتب التراث، أما في الدراسات والتآليف المعاصرة فقد نشرت الوزارة مجموعة متميزة من الرسائل العلمية وغيرها منها: "القيمة الاقتصادية للزمن"، و"نوازل الإنجاب"، و"الأحكام المتعلقة بالتدخين" وغيرها، وفي الطريق - بإذن الله تعالى - ما تقر به عيون الباحثين من دراسات معاصرة في القرآن والسنة، والنوازل بأنواعها المختلفة. واليوم يسر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تقدم للقارئ الكريم بحثا علميًّا مميزًا، بعنوان "روايات الجامع الصحيح للإمام البخاري ونسخه المختلفة"، وهو بحث جديد في بابه، يشرح كيفية التلقي والرواية عند علماء الأمة لصحيح الإمام البخاري، مع ذكر أسباب اختلاف نسخ الصحيح. ويتصف البحث بالمنهجية العلمية، مع حسن العرض والتقسيم والتشجير، ويُلمس فيه مقدار الجهد الذي بذله الباحث. نسأل الله أن ينفع به المسلمين وأن يزيدنا من فضله وتوفيقه. إدارة الشؤون الإسلامية

روايات الجامع الصحيح ونسخه دراسة نظرية تطبيقية تأليف دكتور جمعة فتحي عبد الحليم «الجزء الأول»

مقدمة المصنف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة الحمد لله المنعم، مفضل النبيين، المجزل الجواد الكريم، ذي المن العظيم، الذي ابتدأنا بنعمته في الأزل مشيئةً وقدرًا قبل أن نكون خلقًا بشرًا، وقبل أن نُسوَّى أجسامًا وصورًا، ثم اصطنعنا بعد فأكرمنا بمعرفته، وأرشدنا بنور هدايته، علمنا الدين وكنا جُهّالًا، وبصَّرنا السبيل وكنّا ضُلالا، ولولا فضله علينا ورحمته إيانا ما زَكا منا من أحد ولا اهتدى بجهده إلى خير ورشد، و {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجا* قَيِّمًا} [الكهف: 1، 2] أوضح به مناهج الحق، ونَوَّر سبلَه، وطمس به أعلام الباطل، وعَوَّر طرقه، وشرع فيه الأحكام، وبين فيه الحلال والحرام، ثم بشر وأنذر، ووعد وأوعد، وضرب فيه الأمثال، واقتص عن الأمم السالفة نواصي الأخبار؛ ليكون لنا فيها موعظة وبها اعتبار. والحمد لله {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ وان كانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [الجمعة: 2] جعله مهيمنًا على كتابه، ومبينًا له، وقاضيًا على ما أجمل منه بالتفسير، وعلى ما أبهم من ذكره بالبيان والتلخيص؛ ليرفع بذلك من قدره، ويشيد بذكره، فتكون أحكام شرائع دينه صادرة عن بيان قوله وتوقيفه، ثم قرن طاعته بطاعته، وضمن الهُدى في متابعته، فقال: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ} [النساء: 80]. وأحمد الله الذي جعلنا من أمته؛ فأكرمنا بدينه وسنته، وعلمنا منهما ما لم نكن نعلم، وكان فضله علينا عظيمًا.

نحمده على جميع آلائه قديمها وحديثها، تليدها وطريفها، السالفة منها والراهنة، الظاهرة منها والباطنة، حمدَ المعترفين بأسبابه وبآلائه، العاجزين عن مزيد فضله، ونسأله أن يصلي على محمدٍ عبدِهِ ورسولِهِ أفضل صلاة صلاها على نبي من أنبيائه، وأرفعَها درجةً، وأسناها ذكرًا، صلاةً تامةً زاكيةً غاديةً عليه ورائحةً، كما قد جاهد فيه حق جهاده، وناصحه في إرشاد خلقه وعباده، وعادى فيه الأقربين، ووالى الأجانب الأبعدين، وصدعَ بما أُمر حتى أتاه اليقين، وأن يضاعف من بركاته عليه، ويزلف مقامه لديه، وأن يسلم عليه وعلى آله تسليمًا (¬1). أما بعد: لقد أكرم الله تعالى هذه الأمة الإسلامية المحمدية بخصائصَ كثيرةٍ ومزايا وفيرة، منها ما يتعلق بذات الشريعة المطهرة وأنواع العبادات والمعاملات والطاعات والمثوبات يسرًا وسهولة، ومنها ما يتعلق بخدمة الشريعة ونقلها وتبليغها وتدوينها وضبطها وحفظها، وفي كل ناحية من هاتين الناحيتين خصائص غير قليلة. ومن أهم هذه الخصائص التي أكرم الله بها الأمة الإسلامية في تبليغ الشريعة من السلف إلى الخلف خصيصة الإسناد؛ حيث كان كل واحد منهم ينقل العلم لمن بعده من الخلف سندًا معزوًا إلى قائله، وذلك في كل العلوم حتى إذا منَّ الله على الأمة الإسلامية بتثبيت نصوص الشريعة وعلومها، وأصبحت راسخة البنيان، محفوظة من التغيير والتبديل، تسامح العلماء في أمر الإسناد؛ اعتمادًا منهم على شيوع التدوين وثبوت معالم الدين. ومعنى الإسناد هو مصدر من قولك: أسندت الحديث إلى قائله، إذا رفعته إليه بذكر ناقله. ¬

(¬1) مقتبس من مقدمة الخطابي في «أعلام الحديث».

والإسناد هو حكاية طريق متن الحديث، والسند طريق متن الحديث، وسمي سندًا لاعتماد الحفاظ عليه في الحكم بصحة الحديث أو ضعفه، أخذًا من معنى السند لغة، وهو ما استندت إليه من جدار أو غيره. وحكاية الإسناد ورواية النصوص مُسندةً خصيصةٌ عظيمةٌ، ومَيزةٌ لم تعط للأمم من قبلنا، وهو من الدين بموقع عظيم. ولقد عقد الإمام مسلم في مقدمة «صحيحه» بابًا في بيان أن الإسناد من الدين، وضمنه بعض أقوال العلماء في بيان منزلة الإسناد من الدين (¬1) ومنها: ما نقله عن ابن سيرين ت (110) هـ قال: إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَاخُذُونَ دِينَكُمْ (¬2). وقال أيضًا: لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قَالُوا: سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ (¬3). وعن سليمان بن موسى قال: لَقِيتُ طَاوُسًا فَقُلْتُ: حَدَّثَنِي فُلاَنٌ كَيْتَ وَكَيْتَ. قَالَ: إِنْ كَانَ صَاحِبُكَ مَلِيًّا فَخُذْ عَنْهُ (¬4). ¬

(¬1) وذكر أستاذنا الدكتور مصطفى أبو عمارة في أول كتابه «رواة الحديث وطبقاتهم» مقدمة نفيسة في بيان مكانة الإسناد من الدين، واختصاص الأمة الإسلامية به. (¬2) أخرجه مسلم في المقدمة 1/ 11، وابن سعد في «الطبقات» 7/ 194، والدارمي في «سننه» المقدمة، باب في الحديث عن الثقات 1/ 400 (443)، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» 2/ 15. (¬3) أخرجه مسلم في المقدمة 1/ 11، والدرامي في «سننه» المقدمة، باب في الحديث عن الثقات 1/ 396 (430)، وعبد الله بن أحمد في «العلل» 2/ 559 (4640)، وابن عدي في «الكامل» 1/ 517 (1402). (¬4) أخرجه مسلم في المقدمة 1/ 12، والدارمي في «سننه) المقدمة، باب في الحديث عن الثقات 1/ 395 (428)، والعقيلي في «الضعفاء» 1/ 12.

وعن أبى الزِّنَاد قال: أَدْرَكْتُ بِالْمَدِينَةِ مِائَةً كُلُّهُمْ مَامُونٌ. مَا يُؤْخَذُ عَنْهُمُ الْحَدِيثُ يُقَالُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ (¬1). وعن عبد الله بن المبارك (181) هـ قال: الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ (¬2). وفي بعض الروايات الأخرى عند غير مسلم زيادة: ولكن إذا قيل له: من حدثك؟ بقي (¬3). وقال أيضًا: بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْقَوَائِمُ. يَعْنِي الإِسْنَادَ (¬4). وقال أبو عبد الله الحاكم في كتابه «معرفة علوم الحديث» بعد ذكره لقول ابن المبارك: الإسناد من الدين - قال: فلولا الإسناد، وطلب هذه الطائفة له، وكثرة مواظبتهم على حفظه، لدرس منار الإسلام، ولتمكن أهل الإلحاد والبدع فيه بوضع الأحاديث، وقلب الأسانيد، فإن الأخبار إذا تعرت عن وجود الأسانيد فيها كانت بُتْرًا (¬5). واعتبر الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (124) هـ الأحاديث التي ليس لها أسانيد أنها أحاديث ليس لها خُطُم ولا أَزِمَّة. روى الحاكم بإسناده إلى عتبة بن أبى حكيم أنه كان عند إسحاق بن أبى ¬

(¬1) أخرجه مسلم في المقدمة 1/ 12، وابن عدي في «الكامل» 1/ 259، والخطيب في «الكفاية» ص: 252. (¬2) أخرجه مسلم في المقدمة 1/ 12، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» 2/ 16، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» 58/ 204. (¬3) أخرجه الترمذي في «العلل الصغير» في سننه 1/ 804، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» 3/ 1054. (¬4) أخرجه مسلم في المقدمة 1/ 12 (¬5) «معرفة علوم الحديث» ص: 115.

فروة (¬1) وعنده الزهري، قال: فجعل ابن أبي فروة يقول: قال رسول الله، قال رسول الله، وقال له الزهري: قاتلك الله يا ابن أبى فروة، ما أجرأك على الله، ألا تسند حديثك، تحدثنا بأحاديث ليس لها خُطُم ولا أَزِمَّة (¬2). وقال شعبة بن الحجاج (160) هـ: كل حديث ليس فيه: حدثنا أو أخبرنا، فهو خل وبقل (¬3). وقال سفيان الثوري (161) هـ رحمه الله تعالى: الإسناد سلاح المؤمن فإذا لم يكن معه سلاح فبأَي شيء يقاتل (¬4). وقال أيضًا: الإسناد زين الحديث، فمن اعتنى به فهو السعيد (¬5). وقال الإمام الشافعي (204) هـ رحمه الله تعالى: مثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد، كمثل حاطب ليل، يحمل حزمة حطب، وفيه أفعى وهو لا يدري (¬6). وقال الحافظ بقية بن الوليد الحمصي (197) هـ: ذاكرت حماد بن زيد ¬

(¬1) أحد الضعفاء المتروكين .. ينظر ترجمته في «التاريخ الكبير» 1/ 396 (1260)، و «الجرح والتعديل» 2/ 277، و «الكامل» لابن عدي 1/ 531. (¬2) «معرفة علوم الحديث» ص: 115. (¬3) أخرجه ابن الجعد في «مسنده» ص: 22 (30)، وابن عدي في «الكامل» 1/ 107، وأبو نعيم في «الحلية» 7/ 249. والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» ص: 517 (649)، والخطيب في «الكفاية» ص: 412، والسمعاني في «أدب الإملاء والاستملاء» ص: 7. (¬4) أخرجه ابن حبان في «المجروحين» 1/ 27، والخطيب في «شرف أصحاب الحديث» ص: 88 (76)، والسمعاني في «أدب الإملاء» ص: 8. (¬5) «أدب الإملاء» للسمعاني ص: 6، 8. (¬6) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» 9/ 125، والحاكم في «المدخل إلى كتاب الأكليل» 1/ 28، وأورده الخليلي في «الإرشاد» 1/ 154.

بأحاديث، فقال: ما أجودها لو كان لها أجنحة! يعني: إسنادًا (¬1). وقال العلامة الشيخ عبد الرحمن المُعلِّمى رحمه الله تعالى في فاتحة كتاب «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم الرازي: الإنسان يفتقر في دينه ودنياه إلى معلومات كثيرة لا سبيل له إليها إلا بالأخبار، وإذا كان يقع في الأخبار الحق والباطل، والصدق والكذب، والصواب والخطأ، فهو مضطر إلى تمييز ذلك. وقد هيأ الله تبارك وتعالى لنا سَلَفَ صِدْق، حفظوا لنا جميع ما نحتاج إليه من الأخبار في تفسير كتاب ربنا عز وجل، وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وآثار أصحابه، وقضايا القضاة وفتاوى الفقهاء، واللغة وآدابها والشعر والتاريخ وغير ذلك. والتزموا وألزموا من بعدهم سَوق تلك الأخبار بالأسانيد، وتتبعوا أحوال الرُّواة التي تساعد على نقد أخبارهم، وحفظوها لنا في جملة ما حفظوا، وتفقدوا أحوال الرُّواة وقضَوا على كل راو بما يستحقه، فميزوا من يحتج بخبره لو انفرد، ومن لا يحتج به إلا إذا اعتضد، ومن لا يحتج به ولكن يستشهد، ومن يعتمد عليه في حال دون أخرى، وما دون ذلك من متساهل ومغفَّل وكذاب. وعَمَدوا إلى الأخبار فانتقدوها وفحصوها، وخَلَّصُوا لنا منها ما ضمّنوه كتب الصحيح، وتفقدوا الأخبار التي ظاهرها الصحة، وقد علموا - بسعة علمهم ودقة فهمهم - ما يدفعها عن الصحة، فشرحوا عللها وبينوا خللها، وضمّنوها كتب العلل. وحاولوا مع ذلك إماتة الأخبار الكاذبة، فلم ينقل أفاضلهم منها إلا ما احتاجوا إلى ذكره، للدلالة على كذب راويه أو وهنه، ومن تسامح من ¬

(¬1) أخرجه العقيلي في «الضعفاء» 1/ 162 (203)، والخطيب في «تاريخ بغداد» 7/ 127، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» 10/ 340.

متأخريهم فروى كل ما سمع فقد بيّن ذلك، وَوَكل الناسَ إلى النقد الذي قد مُهدت قواعده، ونصبت معالمه، فبحق قال المستشرق المحقق مرجليوث: ليفخر المسلمون ما شاءوا بعلم حديثهم. اهـ. ولم تقتصر عناية العلماء بالإسناد في الأحاديث المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقط، بل امتدت لتشمل كلام الصحابة رضوان الله عليهم وكلام التابعين، ومن تصفح مقدمة الإمام مسلم وغيرها من كتب الحديث المسندة يجد الكثير من أقوال الصحابة، وآثار التابعين مسندة شأنها شأن الحديث المروي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -. بل امتد الأمر إلى نقل كلام تابعي التابعين بالإسناد، كما نقل مسلم في مقدمة «صحيحه» عن عبد الله بن المبارك المروزي - وهو من تابعي التابعين - قوله مسندًا: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. فهذه الأقوال المنقولة عن كل واحد من الصحابة ومن بعدهم كثير منها منقول بالسند، كما نقل حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالحديث نقل بالسند؛ لأنه أصل من أصول الدين، وكذلك نقل كلام الصحابة رضي الله عنهم بالسند؛ لأنه فهم للدين، وعمل به، وتفسير له من أقرب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأعلمهم بكلامه وهديه. وكذلك نقل كلام التابعين وتابعي التابعين نقلًا بالسند؛ لأنهم أعرف الناس بما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، فكل منقول متوقف قبوله أو ردُّه من حيث النقل على السند ونقد المتن، فإن صح السند ولم تظهر علة في متنه تقدح فيه ثبت نقل الخبر، وإن لم يصح انتفى ثبوته، وبهذا المعيار يحاكم كل ما ينقل. فلذا وجدنا عند العلماء المتقدمين هذا السند يمتد ويتسع، ويتصل بكل علم نقل إليهم، فما نقل من تفسير لآيات القرآن كان بسند، وما نقل من

حديث نبوي كان بسند، وما نقل من تفسير للحديث كان بسند أيضًا؛ وما نقل من أدب أو شعر أو نثر أو فقه أو تاريخ أو لغة كان بسند أيضًا، بل أشد من هذا ما نقل من المسليات أو المضحكات كأخبار الحمقى والمغفلين أو أخبار الأذكياء والنابهين نقل بسند أيضًا. هكذا انكب السلف الصالح من صحابة وتابعين ومن بعدهم على السنة النبوية وما يتعلق بها من علوم، فانتشر الرُّواة والمحدثون في أروقة المدارس وعَرصات المساجد، وأخذوا يبحثون في أسانيد الأحاديث النبوية ومتونها، فنشأ علم مصطلح الحديث، وطبقات الرجال، والجرح والتعديل، والتراجم؛ توخيًا للدقة، وحرصًا على سلامة السنة من أي تحريف. ولقد مرَّ التوثيق والتثبت في المرويات بمرحلتين متميزتين في نقل السنة والعناية بها وهما: 1 - مرحلة ما قبل تدوين المصنفات وجمع الأحاديث في دواوينها المعروفة المشهورة. 2 - مرحلة ما بعد تدوين المصنفات. ففي المرحلة الأولى: كانت العنايةُ منصبةً على نقلة الآثار، والبحث عن أحوالهم، والتفتيش في مروياتهم، بعد جمعها ومعارضتها، ومن يتحمل عنه، ومن لا يكتب عنه. وكانت مرويات الرُّواة هي محور معرفة درجة هؤلاء الرُّواة من الضبط والاتقان، أو الخلل والنسيان، أو التساهل وعدم الدقة والاهتمام. وقد واكب ذلك حصر المرويات، وأودعت في بطون الكتب مرتبة على أنواع مختلفة، فبعضها يحوي الصحيح، وبعضها يحوي الضعيف، وبعضها في معرفة أحوال الرجال، وغيرها من الموضوعات .. إلى غير ذلك. وهذه المرحلة تكاد لا تتعدى القرن الرابع؛ حيث لم ينته هذا القرن إلا

وقد ظهرت معظم الكتب والمصنفات، وأصبح الاعتماد على ما فيها من كتب. المرحلة الثانية: وهي مرحلة ضبط المصنفات بعد مرحلة التدوين، وانقطاع مرحلة الرواية، فكما أبلى المحدثون بلاء حسنًا في المرحلة الأولى، فقد هيأ الله لهذه المرحلة من العلماء من وضع القواعد والمناهج التي تروى بها الكتب. وكان المتقدمون من علماء المسلمين لا يعطون الاهتمام التام للكتاب، إلا إذا كان راويه الثقة الضابط العدل قد قرأه على مؤلفه، أو كان لديه سند متصل بقراءة الكتاب، وتلقاه من شيوخه عن شيوخهم إلى مؤلفه. أما الكتاب الذي يجده العالم وجادة، ولم يسمعه من مؤلفه ولا له منه إجازة، فهو عندهم من قبيل الخبر المنقطع المرسل كما قرره علماء المصطلح، وقد منع الأخذَ منه معظمُ المحدثين والفقهاء من المتكلمين، وأجازه المتأخرون بشروط ضيقة؛ لتعذر شرط الرواية في الأعصار المتأخرة، وهذا منهم فيما يوثق بنسبته إلى مؤلفه، أما ما لا يوثق بنسبته فلا اعتداد به بالاتفاق (¬1). وما هذا كله إلا ليكون النقل صحيحًا والتوثيق تامًّا، ولتأخذ الكلمة العلمية ثبوتها، وصحتها، وضبطها، وتاريخها، وانتقالها إلى الأجيال اللاحقة على أوثق طريق؛ ولهذا قرروا القاعدة المشهورة في أول كتب آداب البحث والمناظرة وهي: إن كنت ناقلًا فالصحة، أو مدعيًا فالدليل. أو كما قال ابن تيمية في كتابه: «مقدمة في أصول التفسير» (¬2): العلم إما ¬

(¬1) ينظر رسالة «الإسناد من الدين» لعبد الفتاح أبو غدة ص: 30 - 35. (¬2) ص: 55.

نقل مُصَدَّق، وإما استدلال مُحَقَّق. ونحن الآن أمام كتاب هو أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، بذل فيه مؤلفه قصارى جهده لانتقاء مجموعة من الأحاديث التي يرى أنها عنده من أصح الصحيح؛ وفقا لقواعد العلماء وجهابذة هذا الفن، بحيث يكفي الباحث الوقوف على الحديث في هذا الكتاب في الدلالة على صحة الحديث. وهذا الكتاب هو: «الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه» لمؤلفه أبي عبد الله، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، الجعفي، المولود يوم الجمعة، بعد الصلاة، لثلاثَ عشرةَ ليلةً خلت من شوال، سنة أربع وتسعين ومائة ببخاري، والمتوفى ليلة السبت، ليلة عيد الفطر، سنة ست وخمسين ومائتين، وكان عمره اثنتين وستين سنة إلا ثلاثةَ عشرَ يومًا، تغمده الله برحمته آمين (¬1). ولذا توافد عليه العلماء صغارًا وكبارًا، للسماع وتلقي «الصحيح» منه. ومما لا شك فيه أنه لم يعرف في تاريخ العلم والحضارة عبر القرون والأجيال، وفي تاريخ التأليف والتصنيف ما عرف عن كتاب «الجامع الصحيح» لمؤلفه محمد بن إسماعيل البخاري. ولنظرة سريعة على التراث الضخم الذي اتصل بهذا الكتاب شرحًا واختصارًا، وغير ذلك مما تناول جانبًا من جوانب هذا الكتاب، ليدل دلالة قاطعة على مدى اعتناء الأمة الإسلامية بهذا الكتاب، الذي رضيته أصحَّ كتاب ¬

(¬1) لم أترجم للبخاري لأن مثله لا يُجهل لأهل هذا الشأن، وليس البخاري ممن يترجم له في أوراق أو كراريس، وقد ألف العلماء الأئمة في سيرته كتبا كثيرة وافية. ومن أوفاها وأكبرها كتاب العلامة الشيخ عبد السلام المباركفوري المتوفى (1342) هـ: «سيرة الإمام البخاري» وطبع قديمًا في مجلد، ثم طبع سنة 1422 هـ في مجلدين، طبعته دار عالم الفوائد بمكة المكرمةـ.

بعد كتاب الله تعالى، وأوثقَ مصدر للحديث النبوي، وتلقيها له بالقبول، ولا يعرف كتاب من كتب البشر تناوله العلماء والمؤلفون بالشرح والتحشية والتعليق مثلما تناولوا هذا الكتاب. وقد كان الشرح والتعليق هو المجال العلميَّ الذي تظهر فيه عناية العلماء والمؤلفين في العصور القديمة، ومقياس اهتمامهم بأثر علمي، فكان أكثر الكتب شروحًا وتعليقًا، هو أعظمَ المؤلفات تقديرًا، وأعلاها منزلة، وأكثرَها شهرة، وكان أقلُّ الكتب شروحًا وتعليقًا، أخملَها ذكرًا وأقعدَها شهرة وصيتًا، ويبقى مغمورًا لا يسترعي انتباهًا ولا يثير اهتمامًا. فإذا أخذ هذا المقياس الذي به تعرف مكانة الكتاب في القرون الماضية، حكمنا بأن «الجامع الصحيح» للبخاري قد فاز بالقدَح المعلى في هذا الميدان، واحتل الصدارة في مكتبتنا الإسلامية. فقد بلغ عدد شروحه والتعليقات عليه مئاتِ المؤلفات، ثم يلي هذا المقياسَ شدةُ العكوف على دراسة الكتاب، والتهافت على روايته ونقله، والتنافس في حمله ونشره، وضمه إلى الصدور، والعض عليه بالنواجذ، وتوارث الأجيال في تلقيه جيلًا بعد جيل، وكابرًا عن كابر، وطبقةً عن طبقةٍ، حتى لا تعرف فترةٌ من الزمان نسج فيها عليه العنكبوت، وساد عليه الظلام وانقطعت روايته، وتوقفت دراسته، وقد تفرد «الجامع الصحيح» بهذه الميزة بعد كتاب الله تعالى، فقد رواه وأخذه عن مؤلفه أكثر من تسعين ألفًا من الرُّواة والحفاظ، وتسلسل نقله وروايته حتى انتهى هذا الكتاب إلى مؤلفه، وبلغ حد التواتر في شهرته وصحة نقله ونسبته إلى المؤلف، لا ينكر ذلك، ولا يشكك فيه إلا من تشكك في المتواترات والحقائق العلمية التي تثبت بالضرورة، ولا يزال هذا الكتاب موضع الاهتمام والعناية، وموضع التأمل والدراسة، في الحلقات العلمية والجامعات الإسلامية وغيرها في العالم.

ولقد خص هذا الكتاب بالإطباق على أنه قد بلغ أقصى درجات الصحة والتحري في نقل الصحيح الثابت، والاحتياط الذي يبلغ إليه اجتهاد المجتهدين وأمانة النقلة والرواة، وأن المؤلف قد أفرغ فيه جهده، وراعى فيه أدقَّ الشروط التي عرفت في هذا الفن، والتزم فيه التزامات لم تعرف عن مؤلِّف في هذا الميدان، ثم ساعدته في ذلك الملكة الراسخة، التي لا يُرزَقُها إلا واضعو الفنون، والصيارفة الحذاق، الذين لا يعرفهم التاريخ إلا في أزمنة طويلة، وعلى مر القرون والأعصار، فيأتون بما يرزقهم الله من ثقوب النظر، وصحة الحدس، وسرعة الخاطر، وسلامة الفكر، والذوق السليم الذي لا يخطئ، ما لا يرزقه أقرانهم ونظراؤهم - على جلالة قدرهم وغزارة علمهم - فيأتون في هذه الفنون والمقاصد من الحكم الصحيح السريع، والوصول إلى الحقيقة، والاهتداء إلى الصواب بما يشبه الإلهام، وبما يخيل إلى كثير من الناس بأنه فوق الطاقة البشرية. ومن الظلم والجهل بالحقائق، والتسرع في الحكم، والتقليد الأعمى، أن نخضع أمثال هؤلاء لهذه القواعد المرسومة المحدودة، التي جاءت في كتب من تأخر زمانه على زمانهم، ونزلت مكانته عن مكانتهم، فيؤخذ مثلًا كتاب «تهذيب الكمال» للحافظ المزي (742) هـ، أو مختصراته للحافظ ابن حجر (852) هـ، أو «ميزان الاعتدال» للحافظ الذَّهَبِيّ (748) هـ - على فضل هذه الكتب وفضل مؤلفيها على المشتغلين بعلم الحديث - فيحكم على «الجامع الصحيح» للبخاري، أو «صحيح مسلم» رحمة الله عليهما، أو «الموطأ» للإمام مالك، فيعاد الأمر ويجدد النظر في هذه الكتب التي تلقتها الأمة بالقبول، وبلغ أصحابها إلى أقصى درجات التحقيق والدقة والتحري، وتشرح تشريح الأجسام، وتسلط عليها المقاييس المحدودة التي تقبل النقاش، ويتسع فيها مجال الكلام.

فهذا النوع من القسوة العلمية، والجفاف الفكري سيُحدث فوضى، تتزلزل بها أركان الدين، ويتورط المسلمون في اضطراب قد أغناهم الله عنه. وليس اتفاق الأمة وعلمائها على أصحية البخاري وفضله على سائر الكتب مجرد اتفاق ومصادفة، ولا عن تواطؤ ومؤامرة، وقد أعاذ الله هذه الأمة التي اختارها لحمل دينه، وتبليغ رسالته من أن تكون فريسة غفلة، أو أن تجتمع على الضلال، بل كان ذلك إلهامًا من الله، ومكافأة على ما قام به مؤلف الكتاب من جهاد في سبيل حفظه للأحاديث النبوية، ثم تحقيقها، وتنقيحها، ومعرفة رجالها ورواتها، وكشف أستار الكذابين والوضاعين، وتمييز الضعفاء والمجروحين، ثم في نقلها ونشرها في الآفاق، وجمعها في مجموعة مهذبة منقحة بحسب الطاقة البشرية. ولذلك يقول الحافظ ابن دقيق العيد في مقدمة كتابه «الاقتراح في فن الاصطلاح» وهو يذكر طرق توثيق الرواة: ومنها: تخريج الشيخين أو أحدهما في الصحيح للراوي، محتجين به. وهذه درجة عالية، لما فيها من الزيادة على الأول، وهو إطباق جمهور الأُمَّةِ أو كلها على تسمية الكتابين بالصحيحين، والرجوع إلى حكم الشيخين بالصحة. وهذا معنى لم يحصل لغير من خُرِّج عنه في الصحيح، فهو بمنزلة إطباق الأمة، أو أكثرها على تعديل من ذكر فيهما، وقد وجد فيها هؤلاء الرجال المخرج عنهم في الصحيح من تكلَّم فيه بعضهم. وكان شيخ شيوخنا الحافظ أبو الحسن المَقْدِسي (¬1) يقول في الرجل الذي يُخَرَّج عنه في الصحيح: هذا جاز القَنْطَرَةَ. يعني بذلك أنه لا يُلتفتُ إلى ما قيل ¬

(¬1) هو الإمام الحافظ الفقيه المالكي شرف الدين، أبو الحسن علي بن المفضل اللخمي المقدسي الإسكندراني، المتوفى سنة (611) هـ له ترجمة في «تذكرة الحفاظ» 4/ 1390.

فيه، وهكذا نعتقد به ونقول، ولا نخرج عنه إلاَّ ببيان شافٍ وحجَّة ظاهرة، تزيد في غلبة الظنِّ على المعنى الذي قدَّمناه، من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين، ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما (¬1). ويؤيد ذلك ما قاله ابن حجر (852) هـ رحمه الله تعالى في الفصل التاسع في سياق أسماء من طعن فيه من رجال الصحيح: وقبل الخوض فيه ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب «الصحيح» لأي راوٍ كان مقتضٍ لعدالته عنده، وصحة ضبطه، وعدم غفلته، ولاسيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في «الصحيح»، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما (¬2). وقد هجر في سبيل ذلك راحته، وحظوظ بدنه، ومطالب نفسه، ونسي لذته، وغادر وطنه، واكتفى من الدنيا ببلغة عيش، وسداد رمق، ولقي في سبيله أذىً كثيرًا ومحنة وبلاءً، فكافأه الله على كل ذلك بأن قيض له أفواجًا من العلماء والأذكياء يخدمون كتابه بصنوف من الخدمة، وأنواع من الجهد لم يخطر ببال أي جماعة قبلهم، ولم تتيسر لكتاب بعد كتاب الله، وأشعل في قلوبهم حب هذا الكتاب والسهر على خدمته، حتى لم يشعروا بلذة إلا في شرحه، ونشره، وتحمله، وروايته، ولم يجدوا راحة إلا في تحقيقه وتنقيحه، حتى تكونت هذه المكتبة الواسعة الزاخرة التي لم توجد لكتاب بشري آخر. وتلك سنة الله في خلقه، فلما حفظ البخاري سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجاهد في سبيلها حق الجهاد، ووقف كل حياته وكل ما كان يملكه ويمتاز به ¬

(¬1) «الاقتراح في فن الاصطلاح» في الباب السابع: في معرفة الثقات من الرواة ص: 29 - 30. (¬2) «هدي الساري» ص: 384.

له، تكفل الله بحفظ كتابه، وانتشاره، وبقائه، وازدهاره، واعتناء الأمة به اعتناءً لا مزيد عليه. ومن جوانب العناية بهذا الكتاب روايته عن مؤلفه وإقبال آلاف العلماء من الأقطار المتباعدة لسماعه منه، ثم روايتهم له والحفاظ عليه حتى أيامنا هذه عبر حلقات من الرُّواة، بحيث لا يتطرق الشك إلى نسبة الكتاب إلى مؤلفه. ولقد كثر الرُّواة لهذا «الصحيح» في عهد مؤلفه، كثرةً لا يعلم عددها إلا الله تعالى. وتميز من هؤلاء الرُّواة رواة انتسخوا لأنفسهم نسخًا من «الصحيح»، وأَولَوها عنايتهم من الدقه في النقل والمعارضة والسماع والضبط والتقييد؛ حتى اشتهرت بعض الروايات، وعن هذه الروايات أخذت في الطبقة التي تليهم نسخًا أخرى وهكذا. ومع كثرة المشتغلين برواية «الجامع الصحيح» عبر العصور المختلفة، وتعرض الإنسان للنقص البشري الذي لا يصل به إلى حد الكمال، فقد تعددت الروايات؛ نظرًا لكثرة الرُّواة لهذا الكتاب، واعتراها ما جبل عليه الإنسان من النقص والتعرض للزلل، ووجود بعض الهفوات، وذلك نتيجة لأسباب كثيرة قد تعرضت لها بالتفصيل في هذه الرسالة. لكن من تمام الحفظ لهذا الكتاب أن قيض له في كل عصر من العصور وزمن من الأزمان من يجمع شتات هذه الاختلافات، ويحررها، ويقارن بينها حتى يصل إلى وجه الصواب فيها؛ ولذا قد اشتهرت بعض النسخ في كل زمان، وشهرة هذه النسخ لجلالة قدر أصحابها، وعنايتهم بالصحيح فيها، ومدارستها، والمقارنة بينها، ووجود هذه الاختلافات، والاحتفاظ بها إلى زماننا هذا لهو من أكبر الأدلة على خدمة هذا الكتاب وصحة نصوصه

وتواترها إلى مؤلفه. فكم من الكتب التي لا يعتنى بها، وإذا حاولت الوصول إلى نصها من خلال الوقوف على نسخة لها أعياك ذلك؛ وذلك لأن عوامل الزمان كفيلة بالقضاء على أهم الكنوز العلمية والمؤلفات الجامعة. وإنك لا تكاد تجد إطباق الأمة في كل مكان وفي كل زمان على قبول كتاب مثلما توفر لكتاب البخاري هذا، فما يلقى القبول في مكان؛ تجده يقل قبولًا في مكان آخر، وكذا ما تجده محل عناية العلماء في زمن من الأزمان تجد هذا الاهتمام يقل في وقت آخر، ومن تأمل النتاج العلمي على مر القرون الأربعة عشر الماضية تبين له أن شهرة كثير من الكتب وعناية العلماء بها كان محصورًا في زمان معين أو حدود مكانية معينة. ومن تتبع عناية العلماء بـ «صحيح البخاري» تظهر له خاصية عجيبة جدًّا، وهي تطور نوع الاهتمام بالكتاب بدءًا من حياة المصنف حتى وقتنا هذا. ففي عصر البخاري تتمثل خدمة الكتاب في المناقشات والتعقبات التي كانت تدور بين البخاري وبين شيوخه وأقرانه للوصول إلى قبول كل ما في الكتاب من مرويات، مما أفرز نوعًا من التأليف خاصًّا بهذا الكتاب في عصر المصنف أو بعده بقليل مثل: «استدراكات الدارقطني وإلزاماته» ثم الاستدراك على الصحيح الذي من شأنه إظهار شروط المصنف إبراز ملامح عمله والثمرات المترتبة عليه. وبجانب ذلك اهتم العلماء برواية الكتاب مما نتح عنه شهرة بعض النسخ، وطواف العلماء بها شرقًا وغربًا في جميع البلاد الإسلامية، حيث لم يقتصر العلماء على رواية الكتاب جملة واحدة والتحديث به فقط، وإنما تعدى ذلك إلى اقتباس بعض الأحاديث ووضعها في مؤلفات خاصة كما فعل الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو البزار (292) هـ في كتابه «البحر الزخار»

المعروف بـ «مسند البزار» حيث روى جملة من الأحاديث عن البخاري وهي في «الصحيح». كذلك فعل البيهقي حيث روى جملة من الأحاديث عن شيخه الحاكم أبي عبد الله بإسناده إلى البخاري، وغير ذلك من العلماء. وظهرت أنواع كثيرة من المؤلفات تتناول جانبًا من جوانب الاستفادة من «الجامع الصحيح» وذلك بالشرح، أو الاختصار، أو كشف غريبه، أو ترجمة رجاله، أو بيان لطائفه، أو جمع أحاديثه أو أطرافه، وغير ذلك من الفنون الحديثية مما لا مجال هنا للتوسع فيه. ولا يزال حتى وقتنا هذا تجد الدراسات تتناول «الجامع الصحيح» من نواحي عدة. وكان لجامعة الأزهر القدح المعلى في هذا الميدان وخاصة كلية أصول الدين بالقاهرة، متمثلة في قسم الحديث وعلومه، حيث أعد فيها كثير من الرسائل العلمية مما يتعلق بهذا الكتاب، فقد كانت رسالتي في الماجستير في تحقيق ودراسة جزء من كتاب «معرفة الصحابة من كتاب المستدرك على الصحيحين» وهو شديد الصلة بكتاب البخاري، وهيأ الله لي الأسباب بتمام النعمة علي بأن أسهم في خدمة هذا الكتاب الجليل. وقد كانت فكرة تناول روايات ونسخ «الجامع الصحيح» للبخاري تراودني منذ زمن بعيد، خاصة وأن كثيرًا من الشراح وعلى رأسهم ابن حجر العسقلاني في كتابه «الفتح» دائمًا يحرص على ذكر هذه الروايات وتوجيه الاختلافات بينها. وتجلى اهتمامي بهذا الموضوع خلال عملي بمشاركة الأستاذ خالد الرباط في الإشراف على تحقيق كتاب "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" للعلامة ابن الملقن، وذلك بمقر دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث بالفيوم، بمعاونة نحو ثلاثين باحثًا، وقد طبع الكتاب بحمد الله في وزارة الأوقاف القطرية، وطُبع طبعة ثانية في دار الفلاح.

ولكن فكرة الرسالة كادت أن تزول بمجرد التفكير في خطورة هذا الأمر وجلالته، حتى شد من أزري أستاذي الأستاذ الدكتور / مصطفى محمد السيد أبو عمارة، وقد كان مشرفًا على رسالتي في التخصص «الماجستير»، وأخبرني بأن الموضوع مَحطُّ عنايته منذ زمن بعيد جدًّا، وحثني على إعداد دراسة عن هذا الموضوع، وعَرْضها عليه، وذلك بعد أن أعطاني ما تجمع لديه من دراسات ومظان لهذا الموضوع، وأحالني على كتاب «تاريخ التراث العربي» للأستاذ / فؤاد سزكين (¬1)، فقد تناول في كتابه هذا جهود العلماء في تدوين السنة، وتحدث عن الإمام البخاري وكتابه «الصحيح» وأماكن وجوده ¬

(¬1) فؤاد سزكين أستاذ جامعيّ تركي، وُلد بإسطنبول سنة (1924 م)، والتحق بالجامعة عام 1942 م. حصل على درجة «الماجستير» في قسم الشرقيات والرياضيات والدراسات الرومانية عام 1947 م، وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم الإسلامية والدراسات الإيرانية وفي الفلسفة عام 1950 م. يقوم حاليًا بصفته أستاذًا لتاريخ العلوم الطبيعية بتدريس العلوم الطبيعية العربية والإسلامية في معهد تاريخ العلوم في فرانكفورت بألمانيا، وهو المعهد الوحيد في العالم الذي يُدرّس فيه تاريخ العلوم الطبيعية الإسلامية بجانب تواريخ العلوم للبيئات الأخرى. من إنتاجه العلمي بجانب مقالاته في العلوم الإسلامية: «تاريخ البلاغة العربية»؛ و «مجاز القرآن» لأبي عبيدة معمر بن المثنَّى (تحقيق)؛ و «تاريخ التراث العربي الإسلامي» وهو مترجم إلى العربية؛ و «دراسات حول مصادر الجامع الصحيح للبخاري»؛ نال جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية عام 1399 هـ، 1979 م.

في مكتبات العالم. والكتاب في أصله مكتوب بغير العربية، حيث ألفه فؤاد سزكين باللغة الألمانية، وصدرت النشرة الأولى للمجلد الأول من الكتاب مترجمًا إلى اللغة العربية سنة 1977 م طبعته الهيئة المصرية العامة للكتاب بترجمة د / محمود فهمي حجازي ود / فهمي أبو الفضل، ومما جاء فيما يتعلق بالحديث عن «صحيح البخاري» ما نصه: وشهرة البخاري تقوم على كتابه «الجامع الصحيح» وقد درسنا هذا الكتاب دراسة ناقدة عميقة، اتضح لنا منها أن هذا الكتاب صادف حظًّا كبيرًا، وهناك بَوْن شاسع بين المكانة الرفيعة - التي زادت وتدعمت مع القرون التالية - والنقد اللاذع الحاد من بعض الشراح الموضوعيين، الذين وجب عليهم أن يفعلوا هذا أثناء شرحهم له في مواضع عديدة من النص. ومما يدعو إلى العجب أن الأبحاث العلمية الحديثة التي يبدو أنها لم تعرف هذا على الإطلاق قد أخذت - دون نقد أو تمحيص - الصفات المنسوبة إلى الكتاب رغم أنها غير صحيحة (¬1). ثم يقول: وبالنسبة للأسانيد فإن مصنف «الجامع الصحيح» للبخاري لا يرقى إلى الكمال، فالأسانيد ناقصة في حوالي ربع المادة، وقد أطلق على هذا الأمر ابتداء من القرن الرابع اسم: التعليق، وبهذا يفقد كتاب البخاري كثيرًا من شهرته بالجمع والشمول، أما البخاري نفسه فقد ثبت أنه ليس عالم الحديث الذي طور الإسناد إلى الكمال كما زعم كيتاني (¬2)، بل هو أول من بدأ معه ¬

(¬1) بنصه من «تاريخ التراث العربي» 1/ 173، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 1977 م. (¬2) ليوني كيتاني Leone C. ، مستشرق إيطالي مشهور، ولد في روما في 1869 م وتخرج في جامعتها، وتعلم سبع لغات منها العربية والفارسية، تقلد سفارة بلاده في واشنطن، زار الهند وإيران ومصر وبلاد الشام، ألّف «حوليات الإسلام» في عشر مجلدات ضخمة، يعتمد عليه الكثيرمن المستشرقين في أبحاثهم حول الإسلام واهتم بالتاريخ الإسلامي عمومًا، ومات عام 1935 م. ينظر: كتاب «المستشرقون» 1/ 429 - 430.

انهيار الإسناد (¬1). ومن نظر في كلامه هذا تبين له بوضوح القدْح الصريح في مكانة الكتاب ومؤلفه، والرد على كلامه هذا قد قام به كثير من الباحثين الذين ألفوا في بيان شروط الصحيح. غير أن الأستاذ / فؤاد سزكين اتجه في حديثه إلى التعريض بكتاب «الصحيح» - متأثرًا في ذلك بالثقافة التي احتك بها، والوسط الذي يعيش فيه - من ناحية أخرى، وهي التشكيك في نص «الصحيح» المتداول بين أيدينا، فأخذ يشير إلى روايات «الصحيح» ونسخه التي بين أيدينا فيقول: وهذه النصوص المتداولة لابد أنها كانت مختلطة ومعقدة للغاية، حتى إن النسخ الأولى المنسوخة عنها تختلف فيما بينها اختلافًا كبيرًا، وعندما اقتصر الاشتغال في القرن السابع الهجري على اختلافات النص في إطار الروايات التي ترجع للنص المتداول للفربري، قام علي بن محمد بن عبد الله اليونيني (ت 701 هـ - 1302 م) بإعداد النص الذي بين أيدينا، ويبدو أن الروايات الأخرى قد ضاعت - للأسف - والنصوص التي وصلت إلينا ترجع في غالبيتها إلى تحرير اليونيني، وجزء منها يرجع إلى الأعمال السابقة على اليونيني، ولكنها تعود إلى روايات استمدت من رواية الفربري، وهي تقدم في قسم منها اختلافات لا تصلح - للأسف - لحل مشكلات النص (¬2). هكذا نص الأستاذ / فؤاد سزكين في طبعة الهيئة المصرية للكتاب، حتى ذكر لي الأستاذ الدكتور / مصطفى أبو عمارة أن هناك طبعة أخرى لهذا الكتاب ¬

(¬1) بنصه من «تاريخ التراث العربي» 1/ 174. (¬2) بنصه من كتاب «تاريخ التراث العربي» 1/ 175 - 176.

يمكن أن يكون قد استدرك فيه ما نسب إليه في هذه الطبعة، وخاصة أن الترجمة أحيانًا تكون غير معبرة عن حقيقة قصد المؤلف باللغة المترجم منها، وهذه الطبعة صدرت سنة 1403 هـ - 1983 م، وأشرفت على طباعتها إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمملكة العربية السعودية. فرجعت إليها بعد أن منّ الله عليّ بالحصول على نسخة منها، فوجدت النص قد تغير تمامًا بالنسبة للنصين الأول والثاني اللذين سبق نقلهما، بينما لم يتغير النص الثالث الذي يتعلق بروايات «الصحيح» (¬1). وتعجبت في بداية الأمر من اختلاف الطبعتين حتى وقفت على مقدمة الطبعة الثانية، وذكر فيها فؤاد سزكين ردود الأفعال عن كتابته في الطبعة الأولى مما يتعلق بالبخاري وكتابه «الصحيح» وقبوله لمراجعات بعض المختصين في ذلك من العرب، مما يعني أن ما جاء في طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب كانت عن قصد، وتعبيرًا عما يعتقده في البخاري وكتابه، وخاصة أنه يتحدث بالعربية وإن ألف بالألمانية والتركية (¬2). ولكن يبقى الإشكال مطروحًا فيما كتبه عن روايات البخاري، حيث لم يغير فيه شيئًا، ولم يكن التعرض للحديث عن روايات «الجامع الصحيح» ونسخه في هذا الموضع فقط، بل ذكر في حاشية الطبعة الثانية لكتابه «تاريخ التراث» أن له دراسة أخرى عن «صحيح البخاري» وهي منشورة باللغة التركية، وقد لخص فيها موضوعه ومنهجه في مقدمة الكتاب، وهذه المقدمة باللغة الإنجليزية تبدأ من الصفحة التاسعة إلى الصفحة السادسة عشرة، وقد أُلحقت ترجمة هذه المقدمة باللغة العربية في هامش الطبعة الثانية من «تاريخ التراث العربي». ¬

(¬1) وهذه النقول في المجلد الأول من طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود من ص: 220 - 227. (¬2) ينظر مقدمته للطبعة الثانية 1/ 8 - 9.

وقد تناول في هذه الدراسة الحديث عن مصادر البخاري في «الصحيح» هل هي مصادر شفوية أم اعتمد على مصادر مكتوبة قبله؟ انطلاقًا من اقتباساته اللغوية الواردة في مواضع مختلفة في «الصحيح» ونقوله في كتاب التفسير عن بعض المصنفات التي ألفت في غريب القرآن أو الحديث. وبعد أن تعرض للمصادر العامة للبخاري ثم المصادر اللغوية اتجهت دراسته إلى روايات «الصحيح» نفسها التي انتقلت إلى الأجيال التالية فيقول: إن كتاب البخاري من وجهة نظر أصحاب الروايات كان موضوع دراسة ممتعة، هناك أسباب عديدة للاعتقاد بأن بعض الصعوبات في النص المنسوب إلى رواية الفربري كانت موضع عناية، على الرغم من فروق النسخ في القراءات المختلفة. ولابد من القول بأن هذه الرواية اختيار مرجوح في المقام الأول، وهناك أيضًا رواية النَّسفي، ونعرف امتيازها عن طريق الأقسام المختلفة التي وصلت إلينا منها في الشروح، وعلى الرغم من كل الجهود فإنه من غير الممكن أن نصل إلى نسخة من «الجامع الصحيح» تقوم على هذه الرواية، فإذا ما توصلنا إلى نسخة منها، فإنا على ثقة من أن المشكلات الموجودة في النص المتاح لـ «صحيح البخاري» أو بعضها على أقل تقدير يمكن أن تتضح (¬1). قلت: إن تناول روايات «الجامع الصحيح» ونسخه، وبيان الأسباب التي أدت إلى ذلك، وصور هذه الاختلافات، وبيان النتائج التي ترتبت على هذه الاختلافات، والعوامل المساعدة في توجيه هذه الاختلافات أصبح ضرورة ملحة في أعناق المختصين بعلم الحديث النبوي الشريف في هذا العصر؛ للرد على كثير من المشكلات الملحة التي تدور بأذهان الدارسين لتاريخ «صحيح ¬

(¬1) ينظر هامش ص: 221 - 225 من ج1 من «تاريخ التراث» طـ جامعة الإمام محمد بن سعود.

البخاري» والتعرض لشرح بعض نصوصه. ولقد كان للمحدثين القدامى السبق في بيان هذه الاختلافات والتوجيه بينها، وذلك في أثناء الشروح التي ألفت لشرح «الصحيح» كما سيأتي في هذه الرسالة كما ألفت بعض المباحث والأقسام في بعض الكتب التي اهتمت بهذا الجانب أيضًا، ولكن المكتبة الحديثية المعاصرة تفتقر إلى تناول بعض هذه القضايا من منظور آخر، وهو جمع شتات ما تفرق من هذه المباحث في المؤلفات الكبيرة مع التركيز على أسباب ذلك والنتائج التي ترتبت على ذلك، وذلك في إطار دراسة هذه الظاهرة من حيث أنها مظهر من مظاهر عناية الأمة بهذا الكتاب، مع إلقاء الضوء على هذه الروايات، والتعريف بأصحابها، ووصف هذه النسخ، ومحاولة الوقوف على مظان هذه الروايات والنسخ مع التركيز على أهم هذه الروايات من أجل الوصول إلى نص «الصحيح» كما وضعه مؤلفه رحمه الله تعالى. وتناول هذه القضايا من هذا المنطلق منزلق خطير ينبغي الإعداد له جيدًا، والتزود بالإمكانيات المادية والعقلية التي تساعد على ذلك، وهو فوق طاقة فرد أو باحث، وإنما يحتاج إلى جهة بحثية لتبني مثل هذه الأمور. وقد يكون هذا الأمر سببًا في عدم إقبال الكثير من الدارسين أو المعنيين بدراسة الحديث إلى الكتابة في هذا الموضوع؛ لأنه يحتاج إلى خبرة معينة في تاريخ النسخ والمخطوطات، وتتبع أماكن نوادر المخطوطات في مكتبات العالم، وإجادة تقييم هذه النسخ، ومعرفة قيمتها الزمنية، كما أنه يحتاج إلى عناية تامة بـ «صحيح البخاري» وذلك من خلال الوقوف على منهج البخاري في تأليف هذا الكتاب وطريقة التحديث به. لذا حينما وقفت على بعض ما كتب في هذا الميدان وجدتها دراساتٍ نظريةً تفتقر إلى التطبيق العملي، مما يجعل الباحث يستمد معلوماته من أقوال

من سبقه، دون محاولة التعرض لإخضاع هذه النقول للمجال التطبيقي على بعض النصوص، أو تتبع وصف هذه النسخ والروايات من خلال تتبع واستقراء لعدد معين من الكتب وغير ذلك. كل ما سبق وغيره من اهتمام العلماء قديمًا وحديثًا بهذا الموضوع جعلني أفكر في هذا الموضوع والكتابة فيه، وهذا ملخص لأهم الدوافع لاختيار هذا الموضوع: 1 - أهمية الموضوع في إضافة دراسة تتعلق بتاريخ أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى. 2 - أن كل الدراسات التي كتبت تتمثل في مباحثَ صغيرةٍ تشكل بعض الجوانب فقط. 3 - إظهار عناية الأمة الإسلامية بهذا الكتاب، ويتمثل ذلك في روايته وضبط كلماته وحروفه. 4 - بيان مناهج المحدثين، وسبقهم غيرهم في وضع الضوابط التي تكفل ضبط الكتاب حين تقييده ومراجعته ووضع ضوابط للمقابلة والتصحيح، وغير ذلك. 5 - التعريف برواة البخاري، وتمييز كل طبقة بحيث لا تلتبس بغيرها من الطبقات. 6 - بيان أهم الروايات في كل طبقة التي عول عليها العلماء وحرصوا على روايتها. 7 - بيان عناية المشارقة والمغاربة وجهودهم في هذا الميدان، والوقوف على أشهر الروايات عند كل منهما. 8 - الوقوف على الأسباب التي أدت إلى الاختلافات بين النسخ. 9 - الوقوف على صور هذه الاختلافات وأهم النتائج التي ترتبت على

ذلك. 10 - محاولة وضع منهج للوصول إلى نص «صحيح البخاري» تتمييز الروايات فيه ويفصل بينها. 11 - بيان بعض الأخطاء التي وقع فيها العلماء؛ نتيجة لتجاهل هذه الفروق بين النسخ. 12 - التعريف بجهود شراح «الصحيح» وبيان الروايات التي اعتمدوا عليها في شروحهم. وغير ذلك من الدوافع.

وعنوان هذه الرسالة هو: (الاختلاف بين روايات «الجامع الصحيح» ونسخه دراسة نظرية تطبيقية) وقد اشتملت هذه الرسالة على مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة ثم الفهارس العلمية. المقدمة: أتكلم فيها عن منزله السنة، وعناية الأمة بها، ومنزلة السند وبيان أهميته، وبيان دوافع اختيار الموضوع، ثم الخطة العامة، وتوضيح مصطلحات العنوان، وأهم الأدوات المساعدة في ذلك، وأهم الدراسات التي تناولت هذا الموضوع من قبل. أما التمهيد: «عناية المحدثين بضبط المرويات» وذلك من خلال محورين: المحور الأول: وضع المحدثين ضوابط وآدابًا لتحمل الرواية (التحمل والأداء). المحور الثاني: وضع المحدثين ضوابط لضبط الكتاب وتقييده والحفاظ عليه. والباب الأول: «طبقات الرُّواة عن البخاري» ويتكون من تمهيد وثلاثة فصول. أما التمهيد أتكلم فيه عن عناية البخاري بكتابه والتحديث به. والفَصْل الأول: «طبقات الرُّواة عن البُخارِيّ»، وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: رواية إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي (295) هـ المبحث الثاني: رواية حماد بن شاكر النَّسفي (311) هـ المبحث الثالث: رِواية أبي عبد الله الفَرَبْريّ. (231 - 320) هـ. المبحث الرابع: باقي الرُّواة عن البُخارِيّ.

رواية أبي طلحة البزدوي (329) هـ رِواية أبي عبد الله المحاملي (330) هـ الفَصْل الثاني: «الرُّواة عن الفَرَبْريّ» وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: رِواية أبي علي ابن السَّكن (353) هـ المبحث الثاني: رِواية أبي زيد المَرْوَزيّ (371) هـ. المبحث الثالث: رِواية أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ (376) هـ المبحث الرابع: رِواية أبي محمد الحَمُّوي (381) هـ المبحث الخامس: رِواية أبى الهيثم الكُشْمِيهَني (389) هـ المبحث السادس: باقي الروايات عن الفربري 6 - رِواية أحمد بن عبد الله الفَرَبْريّ «حفيد الفَرَبْريّ» (371) هـ. 7 - رِواية أبي أحمد الجُرْجانيّ (373) هـ. 8 - رِواية ابن شبويه (378) هـ. 9 - رِواية النُّعَيميّ (386) هـ. 10 - رِواية الإشتيخني (388) هـ. 11 - رِواية الكُشّانيّ (391) هـ. 12 - رِواية الأخسيكثي. 13 - رِواية محمد بن خالد الفَرَبْريّ. الفَصْل الثالث: «أشهر الروايات بين العلماء حتى القرن الخامس الهجري» ويتكون من أربعة مباحث. المبحث الأول: رِواية أبي ذر الهَرَويّ (434) هـ. المبحث الثاني: رِواية الأصيِلي (392) هـ.

المبحث الثالث: رِواية أبي الوَقْت (553) هـ المبحث الرابع: رِواية كريمة المَرْوَزيّة (463) هـ. الباب الثاني: «الاختلاف بين الروايات» وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: صور هذه الاختلافات الفصل الثاني: أسباب هذه الاختلافات .. الفصل الثالث: نتائج هذه الاختلافات. الفصل الرابع: وسائل التوجيه بين هذه الاختلافات. الباب الثالث: عناية الأمة بضبط هذه الاختلافات وفيه ثلاثة فصول. أما الفَصْل الأول: عناية المشارقة بالصحيح: المبحث الأول: ترجمة اليُونِينِيّ (701) هـ المبحث الثاني: نسخة اليُونِينِيّ (701) هـ، أصوله، ورموزه، عمله، مصير هذه النسخة. المبحث الثالث: الطبعة «السلطانية» وما يتعلق بها. والفَصْل الثاني: عناية المغاربة بالصحيح وفيه ثلاثة مباحث. المبحث الأول: عناية المغاربة بالصحيح وأهم الروايات التي اشتهرت عندهم من الصحيح. المبحث الثاني: نسخة أبي علي الصَّدفي (454 - 514) هـ: ترجمته. روايته. نسخته. أهم النسخ المأخوذة منها.

المبحث الثالث: نسخة أبي عمران موسى ابن سعادة (522) هـ ترجمته. روايته. نسخته. أهم النسخ المأخوذة منها. الفصل الثالث: أهم المصنفات التي تعتني بضبط هذه الاختلافات. ويتكون من تمهيد ومبحثين: أما المبحث الأول: ضبط الاختلافات من خلال كتب الشروح. - «فتح الباري» لابن حجر العسقلاني (852) هـ. - «إرشاد الساري» للقسطلاني (923) هـ. - شروح أخرى تذكر إجمالًا. «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (449) هـ «التلخيص» للإمام النووي (676) هـ «الكواكب الدراري» للكرماني (786) هـ «فتح الباري» لابن رجب الحنبلي (795) هـ «التوضيح» لابن الملقن (804) هـ «عمدة القاري» للعيني (855) هـ المبحث الثاني: كتب تقييد الألفاظ. - كتاب «مشارق الأنوار» للقاضي عياض (544) هـ. - كتاب «تقييد المهمل» لأبي علي الجياني (498) هـ. - كتاب «مطالع الأنوار» لابن قرقول (569) هـ. - أهم النتائج والتوصيات. - الخاتمة: وهي في كيفية الوصول لنص صحيح لصحيح البخاري. - الفهارس العلمية.

حول ألفاظ عنوان الرسالة

حول ألفاظ عنوان الرسالة قبل الخوض في مباحث هذه الموضوع يجب تحديد ألفاظ عنوانه والعنوان الذي اخترته للتعبير عن أهداف هذا الموضوع يشتمل على عدة ألفاظ ينبغي تحديد معناها وهي: الاختلاف - الرواية - النسخة - الجامع الصحيح. 1 - الاختلاف: قال ابن فارس: الخاء واللام والفاء أصول ثلاثة: أحدها: أن يجيء شيء بعد شيء يقوم مقامه. والثاني: خلاف قدَّام، والثالث: التغير ... وأما قولهم: اختلف الناس في كذا، والناس خِلْفَة أي مختلفون فمن الباب الأول، لأن كل واحد منهم يُنَحَّي قول صاحبه، ويقيم نفسه مقام الذي نحاه (¬1). وقال ابن سِيده: تَخالف الأمران واختلفا: لم يتفقا، وكل ما لم يتساو فقد تخالف واختلف، وقوله عز وجل: {والنَّخْلَ والزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ} [الأنعام: 141] أي حال اختلاف أُكُله ... والخلاف: المضادة، وقد خالفه مخالفة وخلافًا ... وخالفه إلى الشيء عصاه إليه، أو قصده بعدما نهاه عنه (¬2). وقال الجرجاني: الخلاف: منازعة تجري بين المتعارضين، لتحقيق حق أو لإبطال باطل (¬3). وقال ابن منظور: يقال: القوم خِلْفةٌ: أي مختلفون، وهما خلفان: أي ¬

(¬1) «مقاييس اللغة» 2/ 213 مادة خلف. (¬2) «المحكم» 5/ 123 مادة خلف (¬3) «التعريقات» ص: 101.

مختلفان (¬1). واختلاف الرُّواة أن يروي أحدهم أو بعضهم غير ما يروي باقي الرُّواة. واختلافهم هذا قد يكون عن مصدر الحديث، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقال: اختلف فيه الصحابة رضوان الله عليهم. وقد يكون عن مدار الحديث بأن يكون في مَن فوق الصحابي، فيقال: اختلف فيه على فلان، أو اختلف فيه فلان وفلان عن الأعمش مثلًا. وقد يكون الاختلاف عن المصدر ويكون هو سببَ الاختلاف، فهو يرويه مرة موصولًا مثلًا، ثم يرويه بعد ذلك مرسلة وغير ذلك. وكما يكون الاختلاف على الراوي أو مصدر الحديث يكون الاختلاف على مصنف كتاب من الكتب الحديثية أو غيرها من الفنون، كما يكون الاختلاف عن إمام من الأئمة في الفتوى مثل الأئمة الأربعة أو غيرهم. وقد يزاد الخلاف أكثر من ذلك فيأتي الاختلاف عن الرُّواة ثم عن الرُّواة عنهم إلى آخره. ومما يجب ملاحظته هنا أن العلماء لم يعتبروا الاختلاف في الحديث أو الراوي قدحًا في الروايتين باطراد. فمن الاختلاف ما لا يقدح في الصحة، ولا يؤثر في إعلال الحديث، حيث يكون الاختلاف في الألفاظ أو الأسانيد بما لا يحيل المعنى. ومن تتبع إطلاق العلماء للفظ الاختلاف يجده يطلق أيضًا على ما ظاهره التعارض، ويزول بإمعان الفكر وإزالة الإشكال، ولذا تجد الإمام الشافعي يؤلف كتابه «اختلاف الحديث» وابن قتيبة الدينوري يؤلف كتابه «تأويل مختلف الحديث» وغيرهما من العلماء، ويذكرون جملة من الأحاديث التي يوهم ظاهرها التعارض مع سلامتها في الأصل وصحتها. ¬

(¬1) «لسان العرب» 2/ 1240 مادة: خلف.

2 - الرواية

ويتجلى ذلك الأمر حتى يعتبر المحدثون هذا النوع من التصنيف علمًا برأسه، فترى في أنواع الحديث ما يسمى بعلم مختلف الحديث. ومباحث اختلاف الروايات سواء أكان ذلك في طرق الحديث، أم الرُّواة عن المصنف، يقابل عند الأصوليين مباحث التعارض والترجيح بين الأدلة. وإذا كان هناك كثيرٌ من مسالك الترجيح بين الروايات أو النسخ عند المحدثين، فإن هناك كثيرًا من مسالك الجمع أو الترجيح عند الأصوليين لا يسوع إعمالها عند المحدثين، فمثلا إذا جاز إعمال النسخ الذي هو إزالة أحد الحكمين للآخر في الأدلة، فإنه لا يمكن إعماله كمسلك من مسالك إزالة الاختلاف بين الراويتين. 2 - الرواية: قال الأزهري: روى فلان حديثًا وشعرًا يرويه روايةً، فهو راوٍ، فإذا كثرت روايته، قيل: هو راوية، الهاء للمبالغة في صفة الرواية، ويقال: روّى فلانٌ فلانًا شعرًا؛ إذا رواه له حتى حفظه للرواية عنه (¬1). وقال ابن فارس: الراء والواو والياء أصل واحد، ثم يشتق منه، فالأصل ما كان خلاف العطش، ثم يصرف الكلام لحامل ما يروى منه، فالأصل رويت من الماء ريًّا. وقال الأصمعي: رويت على أهلى أروي ريًّا، وهو راوٍ من قومٍ رواةٍ، وهم الذين يأتونهم بالماء، فالأصل هذا، ثم شبه الذي يأتي القوم بعلم أو خبر فيرويه، كأنه أتاهم يريهم من ذلك (¬2). وقال ابن منظور: رَوَّيتُه الشعر تَرْوِيةً أي حملته على روايته، وأرويته أيضًا وتقول: أَنشِد القصيدة يا هذا، ولا تقل اروها، إلا أن تأمره بروايتها، أي: ¬

(¬1) «تهذيب اللغة» 2/ 1493 مادة: روى. (¬2) «مقاييس اللغة» 2/ 453 مادة: الراء والواو وما يثلثهما، و «مجمل اللغة» 1/ 43 مادة: روى.

باستظهارها (¬1). فالرواية في اللغة تشمل الشعر والحديث وغيرهما. أما عند المحدثين: فيقال: رواية الحديث ويقصد به أداء الحديث، بعد تحمله بوجه من وجوه التحمل، وضبطه، وتحرير ألفاظه، سواء كان الحديث مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، أم موقوفًا، أم مقطوعًا. وقد اشتهر بين العلماء تقسيم الحديث إلى قسمين: علم الحديث رواية: وهو ما يقصد به التعريف السابق وعلم الحديث دراية: ويقصد بالدراية الفقه ويقصد بها أيضًا: علوم الحديث التي يُميز بها بين الصحيح والسقيم وما يتبع ذلك. وأول من أشار إلى ذلك الرامهرمزي (360) هـ في كتابه «المحدث الفاصل» وتبعه بعد ذلك من جاء بعده من المحدثين. وتوجد استعمالات أخرى عند المحدثين للفظة الرواية ومنها: 1 - إضافة الرواية إلى راويها من الصحابة، أو ممن تدور عليهم الأسانيد، أو ممن تدور عليهم الوجوه والطرق، أو من أصحاب الكتب، أو من الرُّواة عن أصحاب الكتب، فيقال مثلًا: رواية أبي هريرة، ورواية المدنيين، ورواية الزهري، ورواية مالك عن الزهري، ورواية البخاري، ورواية الفربري عن البخاري إلى غير ذلك. 2 - إضافة الرواية إلى المروي، حيث تضاف الرواية إلى أمر في المتن، كقولهم: رواية التسبيع أو رواية التثليث في حديث ولوغ الكلب في الإناء. 3 - إضافة الرواية إلى نوعها. حيث تضاف الرواية إلى النوع الذي تضاف إليه من أنواع الحديث، كقولهم: رواية الوصل، أو رواية الإرسال، أو رواية الوقف وغير ذلك. ¬

(¬1) «اللسان» 3/ 1786 مادة: روى.

3 - النسخة

4 - وقد تذكر بدون إضافة فيقال مثلًا: وفي رواية كذا وكذا. واستعمال المحدثين لإضافة لفظ الرواية إلى شيء مما ذكر، أو بدون إضافة، يكون ذلك في مقابلة رواية بأخرى من نفس النوع المضاف إليه، دون ما ينفرد به راويه. ولأئمة القراءات مصطلحات تشبه اصطلاحات المحدثين. يقول العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الغني الدمياطي (1117) هـ: واعلم أن الخلاف إما أن يكون للشيخ كنافع، أو للراوي عنه كقالون، أو للراوي عن الراوي وإن سفل كأبي نشيط عن قالون، والقزاز عن أبي نشيط، أو لم يكن كذلك. فإن كان للشيخ بكماله، أي مما اجتمعت عليه الروايات والطرق عنه فقراءة. وإن كان للراوي عن الشيخ فرواية، وإن كان لمن بعد الرُّواة وإن سفل فطريق، وما كان على غير هذه الصفة، مما هو راجع إلى تخيير القارئ فيه فهو وجه (¬1). والذي يهمنا من كل ما سبق هو إطلاق المحدثين لفظ الرواية على المروي من الكتب، وقد اشتهر هذا الإطلاق بعد القرن الثالث حيث أصبحت عناية المحدثين مركزةً على رواية المصنفات وضبطها، فأصبحت المصنفات تقوم مقام الروايات قبل التصنيف. 3 - النسخة: النسخ في أصله اللغوي يدور في معانيه على: نقل الشيء من مكان إلى مكان وهو هو. ¬

(¬1) «إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر» للبنا الدمياطي ص: 26، نقلا عن كتاب «معرفة مدار الإسناد» لمؤلفه محمد مجير الخطيب 1/ 162 - 164.

والنسخ: اكتتابك كتابًا عن كتاب، حرفًا بحرف، تقول: نسخته وانتسخته، فالأصل نسخة والمكتوب منه نسخة، لأنه قام مقامه، والكاتب ناسخ ومنتسخ (¬1). وأضاف ابن منظور معنى آخر في معاني النسخ حيث يقول: (¬2) نسخ الشيء ينسخه نسخًا وانتسخه، واستنسخه: اكتتبه عن معارضة ا. هـ. ولقد ذكرت كلمة النسخة عند المحدثين القدامى وأطلقوها على مجموعة الأحاديث التي تروى بإسناد واحد، وهي عندهم مرادفة للصحيفة. كما يقال عن صحيفة همام بن منبه، فقد أطلق عليها بعض المحدثين نسخة همام ابن منبه، وهي التي رواها عن أبي هريرة، كما قيل ذلك في الأحاديث التي رواها عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده فقالوا: نسخة عمرو بن شعيب. قال الخطيب (463) هـ في كتابه «الكفاية» وقد عقد بابًا بعنوان: باب ما جاء في تفريق النسخة المدرجة وتحديد الإسناد المذكور في أولها لمتونها قال: لأصحاب الحديث نسخ مشهورة، كل نسخة منها تشتمل على أحاديثَ كثيرةٍ، يذكر الراوي إسناد النسخة في المتن الأول منها، ثم يقول فيما بعده وبإسناده إلى آخرها. فمنها نسخة يرويها أبو اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة. ونسخة أخرى عند أبي اليمان، عن شعيب أيضًا عن نافع عن ابن عمر. ونسخة عند يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن العلاء بن ¬

(¬1) ينظر: «تهذيب اللغة» 4/ 3558 مادة نسخ، و «مقاييس اللغة» لابن فارس 5/ 424، 425 مادة: نسخ. (¬2) «اللسان» 7/ 4407، مادة نسخ.

عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة. ونسخة عند عبد الرزاق بن همام، عن معمر بن راشد، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، وسوى هذا نسخ يطول ذكرها (¬1). وبعد استقرار الأحاديث في بطون الكتب في القرن الثالث الهجري، أطلق العلماء اسم النسخ على روايات الكتب، فيقال مثلًا: نسخة أبي ذر الهروي، ونسخة أبي على الصدفي، ونسخة اليونيني، ونسخة ابن سعادة، ... وهكذا. ومن الملاحظ أن العلماء غالبًا لا يطلقون هذا اللفظ على نسخة أو رواية إلا إذا ظهرت عناية صاحب هذه النسخة بها، وليس مجرد رواية الكتاب تطلق عليها نسخة، فكل نسخة رواية، وليس العكس فصاحب كل نسخة هو في الأصل راوٍ لها. ولذا نجد النسخ يطلق عليها أحيانا رواية فيقال: رواية أبي ذر الهروي، ورواية ابن سعادة، ورواية اليونيني ... وهكذا. ¬

(¬1) «الكفاية في علم الرواية» ص: 321.

الاختلاف في تسمية «صحيح البخاري»

الاختلاف في تسمية «صحيح البخاري» مما لا يخفى على أحد أن عناية المؤلفين واختيارهم لوضع أسماء كتبهم المعبرة عن مضمونها ومحتواها يحتل من اهتمامهم المقام الأول؛ لأن عنوان الكتاب هو الدال على ما فيه. فبعنوان الكتاب يعرف من ينظر إليه موقع هذا الكتاب من العلم الذي ألف فيه. ولذا كان العلماء لهم عناية شديدة بصياغة عنوان الكتاب؛ ليكون دالا بدقة واستيعاب على ما يدخل فيه وما لا يدخل، فهو في كثير من الأحوال يصاغ صياغة التعريف، فيكون جامعًا مانعا كما هو شأن التعريف إذا كان دقيقًا. ومما يصدق عليه القول في ذلك كتاب الإمام أبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى؛ حيث قد اختار لكتابه اسمًا عرف منه شرطه في كتابه ومنهجه فيه، ولذا استلزم ذلك أن يكون الاسم طويلًا، ولذا وقع الاختصار في بعض أجزائه مما يترتب عليه الإخلال بما قصده البخاري. ولذا فمن أهم الأشياء التي ينبغي التحقق منها ونحن نتناول «صحيح البخاري» رحمه الله تعالى، بشيء من الدراسة، هو التحقيق في ألفاظ اسم «صحيح البخاري». ولا يمنع ذلك من اختصار الاسم بما يدل على تميزه عن غيره من الكتب التي ألفت في هذا المجال فنقول مثلًا: «صحيح البخاري» أو «الجامع الصحيح»، أو غير ذلك، فقد ثبت عن البخاري نفسه اختصار اسم «الصحيح». وإنما أعني بالتحقق في اسم الكتاب عندما يساق الاسم ويراد به اسم المصنف كما ذكره مؤلفه، وهذا عادة ما يكون في الفهارس والأثبات

والمعاجم والمشيخات (¬1)، ويكون أيضًا في مقدمات الشروح أو المختصرات للكتاب، أو غير ذلك. ولذلك حينما نتناول التحقيق في اسم «صحيح البخاري» ينبغي تتبع هذه الكتب، وبعد الرجوع إلى المتاح لي من هذه الكتب يمكن تصوير الاختلاف في اسم «الصحيح» في النقاط التالية. 1 - أشمل وأتم ما وقفت عليه وأرجح ما قيل هو أن اسمه: «الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه». وهذا الاسم بهذه الكلمات وبهذا الترتيب ذكره جمع من العلماء منهم: أبو نصر أحمد بن محمد بن الحسين الكلاباذي (398) هـ في أوائل كتابه «رجال صحيح البخاري» (¬2). والحافظ أبو بكر محمد بن خير الإشبيلي (575) هـ في كتابه «فهرسة ما رواه عن شيوخه» (¬3). والعلامة أبو عمرو ابن الصلاح (643) هـ في كتابه المعروف بـ «مقدمة ابن الصلاح» (¬4) وشيخ الإسلام يحيى بن شرف النووي (676) هـ في مقدمته للقطعة التي شرحها من «صحيح البخاري» المسمى بـ «التلخيص» (¬5) وفي أول كتاب «تهذيب الأسماء واللغات» (¬6). ¬

(¬1) المشيخات: هي التي تشتمل على ذكر الشيوخ الذين لقيهم المؤلف وأخذ عنهم أو أجازوه وإن لم يلقهم. الرسالة المسطرفة: 1/ 141 (¬2) 1/ 24. (¬3) ص: 94. (¬4) ص: 167 ط. د / عائشة (¬5) 1/ 213 (¬6) 1/ 73

وأبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد السبتي الأندلسي (721) هـ في كتابه «إفادة النصيح بالتعريف بسند الجامع الصحيح» (¬1). والعلامة سراج الدين عمر بن علي المعروف بابن الملقن (804) هـ في مقدمة شرحه لـ «صحيح البخاري» المسمى بـ «التوضيح» (¬2). والعلامة بدر الدين محمد بن محمود العيني (855) هـ في مقدمة شرحه «عمدة القاري» (¬3) والإمام جلال الدين السيوطي (911) هـ في أول شرحه للصحيح المسمى بـ «التوشيح» (¬4) فهذا العنوان كما سقته وبهذا الترتيب ذكره كل من تقدم وهو الأرجح عندي، والله أعلم بالصواب. وذكره القاسم بن يوسف التجيبي السبتي (730) هـ في «برنامجه» (¬5) بتقديم كلمة (المختصر) فذكرها بعد كلمة الجامع هكذا: «الجامع المختصر المسند الصحيح ..». 2 - لفظ: «الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه». بدون ذكر كلمة: (المختصر)، وكلمة: (حديث) بدلا من كلمة: (أمور). وهو ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني (852) هـ في مقدمة شرحه «فتح الباري». ووجد هكذا مكتوبا على ظهر الورقة الأولى من نسخة أبى زيد المروزي ت (371) هـ عن الفربرى عن البخاري، وهذه النسخة تعتبر أقدم قطعة معروفة ¬

(¬1) ص: 16. (¬2) 2/ 26. (¬3) 1/ 5. (¬4) 1/ 43. (¬5) ص: 68.

حتى الآن من «صحيح البخاري» حيث كتبت في حدود سنة (370) هـ أي قبل وفاة صاحبها بسنة على الأقل، وسوف يأتي مزيد تفصيل لهذه الرواية. وذكر الأستاذ محمد المنوني في بحث له بعنوان «صحيح البخاري في الدراسات المغربية» (¬1) أن في مكتبة الأحمدية بفاس نسخةً من «الصحيح» تنسب إلى رواية ابن الحطيئة عن أبى ذر الهروي عن شيوخه الثلاثة، وقد كتب على أول الجزء الثاني منها ما نصه: الجزء الثاني من «الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله وسننه - صلى الله عليه وسلم - وأيامه». بمثل ما جاء عند ابن حجر في المقدمة. وابن الحطيئة المذكور هذا اسمه: أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد اللخمي الفاسى ساكن مصر والمتوفى بها في سنة (560) هـ (¬2). وجاء أيضًا مكتوبا على ظهر نسخة أبي على الصدفي (¬3). ونسخة أبى على الصدفي هذه لها قيمة كبيرة وسيأتي الحديث عنها تفصيلًا. ويتناول الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في جزء صغير بعنوان: (تحقيق اسمي الصحيحين وجامع الترمذي) الكلام على اسم «صحيح البخاري» ويرجح القول باللفظ الأول الذي سقته سابقًا، ونقله عن بعض من ذكرتهم ممن نقل عنهم اسم «الصحيح»، ونقل عن ابن حجر رحمه الله ما نقلته عنه ثم قال: فالاسم الذي أورده الحافظ ابن حجر فيه قصور شديد والدقة والتمام فيما ¬

(¬1) ص: 142. (¬2) ينظر «وفيات الأعيان» لابن خلكان 1/ 170 - 171. (¬3) فيما ذكره الدكتور عبد الهادي التازي في مقاله المنشور في مجلة معهد المخطوطات بعنوان «صحيح البخاري بخط الحافظ الصدفي»، ص: 36 من العدد التاسع عشر المنشور في سنة 1973 الجزء الأول.

ذكره الآخرون .. ثم قال: والظاهر أن الحافظ رحمه الله تعالى كتب هذا الاسم في حال شغل خاطر فإنه إمام ضابط حاذق دقيق جدًا ... اهـ (¬1). قلت (الباحث): صنيع ابن حجر هذا ليس ذهولًا منه عما قيل عند غيره، وإنما قصد ما ذكر، وذلك يتبين بوضوح بعد ورود هذا الاسم على ظهر ثلاث نسخ مخطوطة، كل واحده منها تتمتع بالدرجة العالية في الصحة والإتقان. وأما عن اختصار العنوان عند بعض العلماء فمنهم من أسقط كلمة (المسند) وكلمة (سننه) كما جاء عند الإمام القاضي أبى محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي المتوفى في حدود سنة (541) هـ وذلك في كتابه المسمى «فهرس ابن عطية» (¬2) فصار هكذا «الجامع الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأيامه» (¬3). ومن العجيب أن هذا الاسم كما وصف لم يثبت على طبعات «الصحيح» التي وقفت عليها، وحقه أن يثبت على وجه كل جزء ليدل على مضمونه بالاسم الذي سمَّى مؤلفه به هذا الكتاب. والاسم الذي اختاره البخاري لكتابه على كل هذه الروايات فيه طول غير مألوف في أسماء الكتب، وليس من السهل أن يورده المتكلم بتمامه عندما يقصد الإشارة إلى الكتاب، ولذلك كان البخاري رحمه الله تعالى كثيرًا ما يعبر ¬

(¬1) ص: 11. (¬2) ص: 45. (¬3) كما وقفت على صور أخرى للعنوان فيها اختصار كبير، ومنها ما جاء عند الحافظ أبى علي الحسين بن محمد الغساني الجياني (498) هـ وذلك في كتابه: «تقييد المهمل» 1/ 59 حيث جاء بلفظ: «الجامع المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه». ومنها ما جاء عند القاضي عياض (544) في مقدمة كتابه «مشارق الأنوار» 1/ 9.

عن الكتاب ببعض الألفاظ المختصرة التي تدل عليه، ومما ثبت في ذلك أنه سماه: «الجامع الصحيح» كما جاء ذلك في قوله: كنا عند إسحاق بن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابا مختصرًا لصحيح سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع «الجامع الصحيح» (¬1). وربما اقتصر في الدلالة عليه بلفظ: «الجامع» كما جاء في قول البخاري: ما أدخلت في كتابي «الجامع» إلا ما صح، وتركت من الصحيح؛ حتى لا يطول (¬2). كما أنه قد يقتصر في الدلالة عليه بكلمة «الصحيح» ومن ذلك قول البخاري: ما كتبت في كتاب «الصحيح» حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين (¬3). وأبعد من ذلك كله تسمية البخاري لكتابه هذا بـ (البخاري)، حيث جعله شريكا له في التسمية والشهرة به بين الناس، كما جاء في قوله من رواية محمد بن أبي حاتم الوراق على ما جاء في بعض المصنفات: لو نُشِرَ بعض أستاذيَّ هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت البخاري ولا عرفوه (¬4). ¬

(¬1) سيأتي تخريجه في ترجمة إبراهيم بن معقل النَّسفي. (¬2) سيأتي تخريجه في ترجمة إبراهيم بن معقل النَّسفي. (¬3) أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» 2/ 9، ابن أبي يعلى في «طبقات الحنابلة» 2/ 249 - 250، النووي في «التلخيص» 1/ 216، المزي في «التهذيب» 24/ 443، الذَّهَبِيّ في «السير» 12/ 402، وكذا أورده ابن حجر في «هدى الساري» ص: 7، كلهم من طريق الفربري، عنه. (¬4) أخرجه الخطيب في «التاريخ» 2/ 7، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» 52/ 75، والمزي في «تهذيب الكمال» 24/ 440، وكذا أورده الذَّهَبِيّ في «السير» 12/ 403، والسبكي في «الطبقات» 2/ 221، الحافظ في «الهدي» ص: 487. قلت: ويتعلق بهذا السياق أمران: أحدهما: تصحف قوله: (أستاذي) إلى: (أستاري) في «هدي الساري»، كما تصحف إلى (إسنادي) في «تاريخ بغداد» و «الطبقات» للسبكي. الآخر: قوله: (كيف صنفت البخاري) كذا هو عند الحافظ في «الهدي» أما عند غيره فجاء مرة: (كيف صنفت التاريخ) وأخرى: (كيف صنفت كتاب التاريخ) وثالثة: (لم يفهموا كتاب التاريخ).

وإذا كان الإمام البخاري قد أطال في تسمية كتابه، فقد جعل اسمه بهذا الطول غير المألوف عنوانا دقيقا شاملًا لكل مزايا الكتاب وخصائصه وموضحًا لمنهجه في تأليفه. فهو جامع حيث لم يقتصر على أحاديث موضوع واحد، وإنما نوّع في موضوعاته وجعله شاملًا لكثير من الفروع من العلم في الأحكام والفضائل والآداب والرقائق والتفسير والأخبار .. إلخ، حتى وصلت أبوابه إلى أكثر من ثلاثة آلاف وأربعمائة بابًا، جمع فيها قدرًا لا بأس به لتحقيق ما زاد من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه. وهو صحيح في كل ما أورده من أحاديثه الأصول، وهي التي أخرجها في متون الأبواب موصولة السند إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأفردها بطابع وصيغة محددة عنده، وهي التصريح بقوله: حدثنا، والعنعنة بشرطها الذي التزمه وتشدد فيه، فكل حديث ورد في كتابه على هذا النحو فهو صحيح عنده. ولا يعكر على وصف الكتاب بالصحة أنه اشتمل على أحاديثَ أخرى ليست من شرطه؛ لأنه قد ميز ذلك، حيث ميز الأحاديث المسندة عن المعلقات والنقول الأخرى، وعلى اعتبار تميز المسند الصحيح، يجب أن نفسر ما رواه إبراهيم بن معقل النَّسفي من قوله: ما أدخلت في كتابي «الجامع» إلا ما صح بأن المراد أنه لم يدخله على هذا النحو، وبهذا الطابع من وصله على الطريقة المعنية، ويؤكد صحة هذا التفسير ما رواه الإسماعيلي من قوله: لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحًا. وهو مسند بالنظر إلى أحاديثه الأصول أيضًا، فهو لم يورد في الكتاب

الدراسات السابقة التي تناولت الموضوع

شيئا من المراسيل والمنقطعات والبلاغات، اللهم إلا ما يكون في غير الأصل، كالتعليقات والتراجم وغير ذلك. وهو مختصر؛ لأنه لم يستوعب فيه كل ما صح عنده من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل اقتصر فيه على مقدار يسير جدًا مما كان يحفظه من صحاح الحديث، فقد صرح في بعض أقواله أنه يحفظ مائة ألف حديث صحيح، وهو لم يقتصر على هذا القدر الموضوع في الكتاب إلا حرصًا على الاختصار لئلا يطول الكتاب كما قال البخاري رحمه الله تعالى: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحيح حتى لا يطول. هذه هي الصفات الأربع التي تميز بها كتاب البخاري، وهي مستمدة كما ترى من عنوانه الذي وضعه له، مع ملاحظة أن وصف الصحة في الأحاديث التي أوردها في الكتاب هو أعلى هذه الصفات، وهي التي جعلت البخاري وكتابه يتبوآن مكانة عالية على مرِّ الزمان. وهناك أمر آخر تجدر الإشارة إليه وهو تعبير الإمام البخاري في تسميته بقوله: أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه, فهذا التعبير جعل به البخاري رحمه الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محور كتابه، حيث اشتمل على ما يتعلق بأمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفاته التي قد يكون منها خاصًا به - صلى الله عليه وسلم -، ليلمح بذلك إلى أن ما يتعلق بشخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - داخل في نطاق عناية المحدثين واهتمامهم بكل ما صدر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو أقر به، أو حتى كان ذلك صفة خُلُقية، أو خَلقية فرحمه الله تعالى رحمة واسعة. الدراسات السابقة التي تناولت الموضوع من الدراسات القديمة التي تناولت الاختلاف بين الروايات وتوجيهها غير الشروح لـ «صحيح البخاري» كتاب «تقييد المهمل وتمييز المشكل» للحافظ أبي علي الحسين بن محمد الغساني (498) هـ حيث تناول في قسم من

الكتاب الاختلافات الواقعة بين الرُّواة، وذلك في أسانيد «الصحيح» فقط دون متونه، حتى جاء بعده القاضي عياض (544) هـ فألف كتابه «مشارق الأنوار» وتناول فيه الاختلافات الواقعة في الأسانيد والمتون التي وقعت من قبل الرُّواة، ووجهها ورجح بينها، ثم ابن قرقول (569) هـ في كتابه «مطالع الأنوار على صحاح الآثار» حيث استدرك على القاضي عياض بعض ما فاته، وله عليه بعض التعقبات (¬1). وقد اختصر القسم الخاص بالاختلافات في الرُّواة في «صحيح البخاري» من كتاب «تقييد المهمل» الحافظ يوسف بن عبد الهادي الحنبلي المتوفى سنة (909) هـ وهو بعنوان: «الاختلاف بين رواة البخاري عن الفربري وروايات عن إبراهيم بن معقل النَّسفي» (¬2). ومما كتب عن روايات الجامع الصحيح، مع الاهتمام باستيعابها ما كتبه العلامة محمد بن يحيى الكاندهلوي حيث كتب مقدمة للإفادات التي جمعها عن الشيخ الإمام رشيد بن أحمد الجنجوهي (1323) هـ على «صحيح البخاري» مع زيادات من عنده حتى صار شرحا كبيرًا وسماه: «لامع الدراري على جامع البخاري» (¬3) إضافة إلى ذلك فقد وقفت على بعض الأبحاث المعاصرة التي تناولت بعض مباحث هذه الرسالة: أولها: بحث بعنوان: (روايات ونسخ الجامع الصحيح) .. دراسة وتحليل للدكتور / محمد بن عبد الكريم بن عبيد أستاذ السنة النبوية وعلومها المشارك ¬

(¬1) وسيأتي الحديث عن هذه الكتب تفصيلًا. (¬2) وهو مطبوع في مجلد نشرته دار الوطن بالرياض سنة (1420) هـ بتحقيق صلاح فتحي هلل. وعندي مصورة من مخطوط هذا الكتاب من دار الكتب المصرية في حوالي 56 لوحة. (¬3) وهو مطبوع في عشرة مجلدات نشرته المكتبة الإمدادية بمكة المكرمة.

بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وهو بحث في حدود سبعين صفحة، تناول فيه الموضوع من خلال ثلاثة أبواب: الباب الأول: تكلم فيه عن الإمام البخاري وعن «الصحيح». والباب الثاني تحدث فيه عن روايات «الجامع الصحيح» وذلك من خلال التعريف بأهم هذه الروايات باختصار شديد، ثم تحدث عن أشهر طبعات «صحيح البخاري» ونسخه المخطوطة. والباب الثالث فهو للحديث عن الاختلافات من خلال أنواع هذه الاختلافات ثم ذكر النقول عن الإمامين أبي علي الجياني وابن حجر رحمهما الله تعالى. وهو في حقيقة الأمر وإن كان لم يتناول الموضوع بعمق، ومحاولة الاستقراء، وتتبع الروايات إلا أنه يعتبر ألقى ضوءًا على الموضوع بما لم يسبق إليه أحد من المعاصرين، فجزاه الله خيرًا. والبحث الثاني: بحث للدكتور / نزار عبد القادر الريان - رحمه الله - أستاذ الحديث المشارك بكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة فلسطين، وهو بعنوان: (الإمام اليونيني وجهوده في حفظ «صحيح البخاري» وتحقيق رواياته). وهو بحث مستلٌّ من المجلة من المجلد العاشر العدد الأول من ص: 223 - 260 لسنة 2002 (¬1). وهو في حدود 37 صفحة، وتناول فيه الموضوع في أربعة مطالب: الأول عن الإمام اليونيني وأسرته العلمية، والمطلب الثاني عن تصنيف البخاري لكتابه «الصحيح»، والمطلب الثالث لرواة «صحيح البخاري» ونسخه التي اعتمدها اليونيني، والمطلب الرابع في نهوض اليونيني لـ «صحيح البخاري» دراسة وجمعًا للروايات، وتدريسًا ومقارنة بين الروايات. ¬

(¬1) وقد حصلت على هذه المستلة من الأستاذ الدكتور / مصطفى أبو عمارة حيث كان عضوًا محكمًا لهذا البحث.

وهي دراسة وإن كان صغيرة إلا أنها مركزة في بابها، غير أنها تحتاج إلى تبسيط وتدعيم بالنماذج التطبيقية، فجزاه الله خيرًا، وأدخله فسيح جناته. البحث الثالث: بحث بعنوان: (صحيح البخاري في الدراسات المغربية من خلال رواته الأولين ورواياته وأصوله) تأليف الأستاذ / محمد المنوني أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب ودار الحديث الحسنية بالمغرب. وهو بحث منشور في مجلة دعوة الحق العدد الأول من السنة السابعة عشر مارس سنة 1975 م وهو في حدود أربعين صفحة. وقد تناول «صحيح البخاري» ورواية المغاربة له، وذلك من خلال راويين فقط هما: إبراهيم بن معقل النَّسفي، ومحمد بن يوسف الفربري ثم تطرق للرواة عنهما تفصيلًا، وأشهر الروايات عنهما، وأماكن وجود هذه النسخ، وهو بحث قيم استفدت منه كثيرًا في المبحث الخاص بعناية المغاربة بـ «صحيح البخاري». البحث الرابع: بحث بعنوان: (صحيح البخاري بخط الحافظ الصدفي) تأليف الدكتور / عبد الهادي التازي، وهو منشور في مجلة معهد المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية، وقد نشر في المجلد التاسع عشر الجزء الأول الصادر في ربيع الآخر سنة 1393 هـ الموافق شهر مايو 1973 م، وهو يشمل الصفحات من ص: 21 حتى ص: 52 أي: حوالي ثلاثين صفحة. وقد خصصه للحديث عن إحدى مخطوطات نسخة أبي علي الصدفي وسيأتي الحديث تفصيلًا عن هذه النسخة. البحث الخامس: بحث بعنوان: (التنويه والإشادة بمقام رواية ابن سعادة) للشيخ عبد الحي الكتاني مخطوط، وهو مقدمة وضعها المؤلف لبيان فضل رواية ابن سعادة (522) هـ التي رواها عن صهره وشيخه أبي علي الصدفي (514) هـ عن أبي الوليد الباجي (474) هـ عن أبي ذر الهروي (434) هـ عن

شيوخه الثلاثة عن الفربري، كما سيأتي الحديث تفصيلًا عن هذه النسخة. وهذه المقدمة وضعها الشيخ عبد الحي الكتاني كمقدمة للمجلد الأول الموافق للخمس الثاني من أصل «الصحيح» وقد نَشَرَ هذا الخمس بالتصوير الشمسي كمخطوط الأستاذ ليفي بروفنسال (¬1) مدير معهد الرباط، وذلك في باريس سنة 1347 هـ - 1928 م، وعندي مصورة لهذه المقدمة وهذا الخمس من نسخة ابن سعادة، وهذه المقدمة في حدود 33 لوحة وهي بخط أندلسي. كما توجد بعض المقالات التي تناولت النسخة اليونينية مثل مقالة الشيخ أحمد شاكر وهي بعنوان: (النسخة اليونينية من صحيح البخاري) وقد وضعتها دار الجيل في مقدمة الطبعة التي طبعوها من النسخة السلطانية، وسيأتي الحديث عن هذه المقالة في مبحث النسخة اليونينية. ومنها مقدمة الدكتور / محمد زهير بن ناصر لطبعة «صحيح البخاري» لدار طوق النجاة وغير ذلك. ووجدت في مجال التعريف ببعض الرُّواة كثيرًا من كتب الفهارس والبرامج ومعاجم الشيوخ والمشيخات، حيث تناولوا التعريف ببعض الرُّواة، وذكر الروايات المختلفة ورواة النسخ المشهورة عن البخاري، وبيان طرق هذه النسخ إلى مؤلفي هذه الكتب. كما اعتنت كتب التراجم والجرح والتعديل وتواريخ الرجال وكتب الطبقات المختلفة بالحديث عن رواة البخاري. وقد أُفرد الرُّواة بالتصنيف فقد صنف الإمام أبو بكر محمد بن عبد الغني ¬

(¬1) ليفي بروفنسال Levi - Provencal ولد في الجزائر، وحصل على درجة الليسانس من كلية الآداب بالجزائر، وعمل في معهد الدراسات العليا المغربية في الرباط، وعمل أستاذًا للعربية والحضارة الإسلامية في جامعة باريس، وفي كلية الآداب بالجزائر. ودعي للعمل أستاذًا زائرًا في جامعة القاهرة ومن أبرز اهتماماته تاريخ الأندلس.

البغدادي الحنبلي المعروف بابن نقطة (629) هـ كتابه «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» وألف الإمام محب الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن رشيد الفهري السبتي الأندلسي (721) هـ كتاب «إفادة النصيح في التعريف بسند الجامع الصحيح» كتبه ابن رشيد وترجم فيه لسلسلة رواة «صحيح البخاري» منه إليه وجعل كتابه سبع حلقات أو قرائن، هي الطبقات بينه وبين البخاري، مقتصرًا في كل طبقة على واحد أو أكثر الذين بهم يتصل إسناده، ويستقيم طريق روايته، وهو طريق أبي ذر الهروي وغير ذلك. والكتاب مطبوع طبعته الدار التونسية للنشر بتحقيق الشيخ الدكتور / محمد الحبيب ابن الخوجة. ومن الملاحظ على كل هذه الدراسات التي كتبت باللغة العربية أنها أبحاث صغيرة، كل منها يختص بأحد مباحث هذه الرسالة. ومما يثير العجب والدهشة أن المستشرقين مع قلة إنتاجهم الفكري بما يتعلق بالدراسات الإسلامية (¬1)، إلا أن موضوع روايات صحيح البخاري كان ¬

(¬1) مما تجدر الإشارة إليه أن المستشرقين كانت لهم عناية بالدراسات الشرقية عمومًا، والعربية خصوصًا، ومن مظاهر عنايتهم بالدراسات العربية والإسلامية محاولتهم اقتناء كثير من المخطوطات العربية. ولاشك أن أهم هذه المجموعات على الإطلاق - كما قَال د / أيمن فؤاد سيد - هي مجموعة المخطوطات الموجودة في مكتبات إستانبول والأناضول والتي يقدر عددها بنحو (250) ألف مخطوط عربي، وكذلك المخطوطات العربية الموجودة في إيران. أما مجموعات المخطوطات العربية الموجودة في أوربا فأهمها المجموعات الموجودة في باريس وبرلين ولندن وليدن ومدريد وروما ودبلن وسان بطرسبرج، وتتركز أهم مجموعات المخطوطات العربية في الولايات المتحدة الأمريكية في برنستون وييل، كما تشتمل مكتبات الهند والدول الإسلامية التي تكون الكومنولث الروسي على مجموعة هامة من المخطوطات العربية والإسلامية. وفي تركيا تتكون مكتبات استانبول وحدها من نحو 150 خزانة وقفية، موزعة الآن على نحو 16 مكتبة جمع القسم الأكبر منها مؤخرًا في المكتبة السليمانية، ولم يبق خارجها إلا المجموعات المحفوظة في متحف طوبقبوسراي، ومكتبة كوبريلي، وغير ذلك. ويوضح سبب كثرة المخطوطات في استانبول إجابة العالم التركي الراحل خوجا شرف الدين عندما سأله صديقه المستشرق الألماني هلموت ريتر عندما قَال له: كيف استطعتم أن تجمعوا كل هذه الكتب؟ أجابه بكلمة واحدة: «بالسيف» وأضاف ريتر: وفي الحقيقة فإن قسمًا كبيرًا من هذه الكنوز كان أسلابًا وغنيمةً، فقد ورث العثمانيون الدول الإسلامية السابقة عليهم، واعتبروا أنفسهم حكام العالم الإسلامي بعد انتقال الخلافة إليهم فكان من الطبيعي أن ينقلوا إلى عاصمتهم - عاصمة الخلافة - بين ما نقلوه من البلاد التي وقعت تحت سيطرتهم الإنتاج الفكري المتمثل في المخطوطات العربية. أما في أوربا فيرجع تكوين المخطوطات الشرقية عمومًا، والمخطوطات العربية خصوصًا إلى فترة الحروب الصليبية، ولكن البداية الحقيقية ترجع إلى القرن السادس عشر الميلادي عندما بدأ اتصال فرنسا بالمخطوطات العربية، غير أنها لم تتعد في هذه الفترة أصابع اليدين، ثم ارتفع عدد المخطوطات في فرنسا في عام 1668 م ليبلغ 468 مخطوطة، ثم ارتفع في فترة حكم لويس الرابع عشر إلى أكثر من 1800 مخطوطة، ثم ارتفع عقب الحملة الفرنسية (1798 - 1801 م) ليصل عدد المخطوطات إلى أكثر من خمسة آلاف مخطوطة عربية وازداد شيئًا فشيئًا حتى وصل العدد في سنة 1993 (7200) سبعة آلاف ومائتي مخطوطة. أما أسبانيا فتتمثل أكبر مجموعة في مكتبة دير الإسكوريال في ضواحي مدريد التي أقامها ملك أسبانيا فيليب الثاني سنة 1576 م تخليدًا لذكرى انتصاره على الفرنسيين عام 1557 م. ومقتنيات هذه المكتبة كثيرة جدًا، حيث جمع فيها ما تركه المسلمون في بلاد الأندلس بعد الاستيلاء عليها. كما ضم إليها في عهد الملك فيليب الثالث عام 1612 م خزانة مولاي زيدان السعدي ملك مراكش التي كان ينقلها في سفينة أثناء صراعه مع إخوته، واختطفها القراصنة الأسبان في عرض البحر، ظنًا منهم أن هذه الصناديق تحتوي على ذهب، وأهدوها إلى ملك أسبانيا، وكانت تضم نحو خمسة آلاف مخطوط عربي، باءت جميع محاولات استعادتها بالفشل، كما أن بابا الفاتيكان أمر بأن لا يخرج من هذه الخزانة أي كتاب خارج نطاق الدير. أما الألمان فقد تركزت مجموعات المخطوطات لديهم في مكتبة برلين، وهي كثيرة جدًا، حتى إن المستشرق هانس روبرت رويمر عمل إحصاء وفهرسة شاملة لجميع المخطوطات الشرقية الموجودة في ألمانيا، وذلك في سنة 1955 م، وتبين من المسح الأولي لهذه المكتبات أن هناك ما يقرب من 14 ألف مخطوط شرقي غير مفهرس. أما في بريطانيا فتركز أهم المخطوطات في المكتبة البريطانية (المتحف البريطاني سابقًا) (10600مخطوط) ومكتبة جامعة كمبردج (1910 مخطوط) ومكتبة البودليانا بإكسفورد (2350 مخطوطًا). ومن أهم المكتبات الغنية بالمخطوطات النفيسة في أوربا مكتبة شيستربتي، الموجودة الآن في دبلن بأيرلندا، وهذه المكتبة جُمعت بعناية فائقة، جمعها السير ألفريد شيستربتي أحد هواة جمع المخطوطات الشرقية في القرن العشرين الذي نجح في جمع (3510) مخطوطة شرقية نادرة، وكانت هذه المجموعة أغلبها من مصر والشام واليمن، وكانت سنة 1930 م في بارودا هاوس بلندن، وعُدَّت في ذلك الوقت واحدة من أشهر مجموعات المخطوطات العربية في العالم، ثم نقلت إلى دبلن بأيرلندا سنة 1950 م، ووقف لها هناك مبنى خاصًا بها. وتحتفظ مكتبة شيستربتي أيضًا بأرشيف ضخم للمراسلات التي دارت بينه وبين تجار الكتب، الذين زودوه بهذه المخطوطات، كما تحتفظ بمعلومات عن مخطوطات أخرى، لم تصل إليه ولا يعلم مصيرها الآن. باختصار وتصرف من كتاب: «الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات» لمؤلفه د / أيمن فؤاد سيد من ص: 507 - 520.

محط اهتمامهم، حيث كتب فيه غير واحد من المستشرقين، مما يدل على أن الموضوع مطروح بقوة، وذلك لأنه يتعلق بتاريخ أصح كتاب عندنا نحن المسلمين بعد كتاب الله تعالى. ومن هذه الدراسات على سبيل المثال: 1 - كتب المستشرق يوهان فك (¬1) عن تاريخ رواية «صحيح البخاري». ¬

(¬1) هو مستشرق ألماني له: كتاب: «تاريخ حركة الاستشراق»، ترجمة عمر لطفي العالم. دمشق، دار قتيبة، نشر سنة: 1417 - 1996. وله كتاب «العربية» ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار، طبع دار الكتاب العربي.

2 - كتب ابن أبي شنب (¬1) عن الرواية التي اشتهرت لـ «صحيح البخاري» في الجزائر. 3 - كتب المستشرق منجانا (¬2)، عن أقدم مخطوط يعرف حتى الآن لـ «صحيح البخاري» وهو من رواية أبي زيد المروزي (371) هـ عن الفربري والمخطوط عبارة عن قطعة من «الصحيح» تبدأ بكتاب الزكاة وتنتهي بكتاب الحج. وكتب منجانا دراسة حول هذه الرواية باللغة الإنجليزية، ونشرت هذه الدراسة عام 1936 م في كامبردج وساعده في بعضها المستشرق مرجليوث (¬3). 4 - كما كتب الأستاذ / فؤاد سزكين عن رواية «صحيح البخاري» في كتابه «مصادر البخاري في الصحيح»، وهو بحث نشر وكتب باللغة التركية، ¬

(¬1) هو محمد بن العربي ابن أبي شنب 1869 - 1929 م ولد في مدينة المدية، وهي بلدة مشهورة من أعمال الجزائر، له كثير من المؤلفات والتحقيقات. تنظر ترجمته في «الأعلام» 6/ 266 وفي كتاب: «محمد بن أبي شنب وآثاره» للشيخ عبد الرحمن الجيلالي، طبع المؤسسة الوطنية للكتاب ـ الجزائر 1983 م (¬2) أستاذ اللغة العربية في جامعة مانشستر بلندن، ويوجد فهرس لمجموعته، وتوجد المخطوطات العربية في المجلد الرابع منه. ومجموعته الآن محفوظة في مكتبة سيلي أوك - برمنجهام / بريطانيا وينظر: «مجموعات المخطوطات العربية» لسزكين ص: 72، و «فهارس المخطوطات العربية» لعواد 2/ 267. (¬3) هو ديفيد صموئيل مرجليوث (1858 - 1940 م) David Samuel Margoliouth مستشرق إنجليزي شهير، أستاذ اللغة العربية في جامعة أكسفورد منذ سنة 1889 م، له من المؤلفات العربية: آثار عربية شعرية نشر بلندن - ليبسيك 1887 م. وعنى بنشر «معجم الادباء» لياقوت الحموي في 7 مجلدات، وكتاب «الانساب» للسمعاني، و «رسائل أبي العلاء المعري» مع ترجمتها إلى اللغة الانكليزية ..

وقد سبق نقل جزء من ملخص هذه الدراسة. 5 - وكتب المستشرق ليفي بروفنسال (1894 - 1956 م) مدير معهد الرباط عن الرواية المغربية لـ «صحيح البخاري» والمعروفة بنسخة ابن سعادة (521) هـ، ونشرت هذه الدراسة باللغة الفرنسية مع مقدمة الشيخ عبد الحي الكتاني لهذه النسخة، وصور الخمس الثاني من هذه النسخة بالتصوير الشمسي وسبق الحديث عنها قريبًا.

تمهيد

تمهيد المحور الأول: وضع المحدثين ضوابط وآداب لتحمل الرواية (التحمل والأداء)

أولا: التحمل

أولًا: التحمل من أهم العوامل التي ساعدت على ضبط الرواية، والنصوص النبوية، والكتب، والأجزاء، والمرويات الحديثية: التلقي والسماع المباشر للروايات من الشيوخ مباشرة، وهو ما يسمى عند المحدثين بالتحمل. والتحمل قد وضع له المحدثون ضوابطَ وآدابًا، وأفردوه بمباحثَ مهمة في كتب المصطلح وعلوم الحديث. سن التحمل: اختلف السلف من المحدثين في السن التي يصح فيها تحمل الراوي للحديث؛ والسبب في اختلافهم هو اعتبار سن التمييز. قال القاضي عياض في «الإلماع» (¬1): وقد حدد أهل الصنعة في ذلك أن أقله سن محمود بن الربيع .. ولعلهم إنما رأوا هذا السن أقل ما يصح به الضبط، وعقل ما يسمع وحفظه؛ وإلا فمرجوع ذلك للعادة، ورُب بليد الطبع غبي الفطرة لا يضبط شيئًا فوق هذا السن، ونبيل الجبلة، ذكي القريحة يعقل دون هذا السن. اهـ. ولقد وضع العلماء طرقًا للتحمل وهي كثيرة، وجمعها العلماء في ثمانية أنواع، وكل نوع، منها تحته صور وأنواع أخرى، ومجمل هذه الطرق هو: أولها: السماع من لفظ الشيخ. ثانيها: القراءة على الشيخ. ثالثها: المناولة. رابعها: الكتابة. ¬

(¬1) ص: 62 - 64.

السماع من لفظ الشيخ

خامسها: الإجازة. سادسها: الإعلام للطالب بأن هذه الكتب روايته. سابعها: وصيته بكتبه له. ثامنها: الوجادة والوقوف على خط الراوي فقط. وتفاصيل هذه الأنواع مبسوطة في كتب علوم الحديث، وأعلى هذه الطرق وألصقها بتوثيق المرويات والنصوص هو السماع من لفظ الشيخ ثم القراءة عليه. السماع من لفظ الشيخ (¬1) إن سماع المرويات من الشيخ سواء كانت مرويات فردية، أو كتبًا بعينها يعد من أفضل الطرق والوسائل التي اتبعها المحدثون من أجل المحافظة على الأصول الخطية للكتاب الواحد، وعدم السماح بتداخل الروايات بعضها في بعض، فقد كان شعارهم: الأسانيد أنساب الكتب (¬2). والسماع من لفظ الشيخ إما أن يكون إملاء أو تحديثًا من غير إملاء، وقد يكون من حفظ الشيخ، وقد يكون من كتابه. والإملاء أعلى رتبة من التحديث من غير إملاء؛ لأن الإملاء يتطلب شدة التحري، ودقة الضبط، ونهاية التحقيق من الشيخ والتلميذ. القراءة على الشيخ أو العرض وهي أن يقرأ الراوي أو غيره من كتاب أو من حفظ والشيخ حافظ لما يقرأ عليه أو ماسك بأصله. وسواء في ذلك كنت أنت القارئ أو قرأ غيرك وأنت تسمع، وقرأت من ¬

(¬1) ينظر «الإلماع» للقاضي عياض ص: 77 - 78، «مقدمة ابن الصلاح» ص: 316، «التبصرة والتذكرة» «فتح المغيث» للعراقي وغيرها. (¬2) «هدى الساري» ص: 5

كتاب أو من حفظك، أو كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه، أو لا يحفظ لكن يمسك أصله هو أو ثقة غيره (¬1). ولقد اشترط المحدثون شروطًا للتحمل: 1 - تعلم اللغة والنحو: لقد اشترط المحدثون في الراوي الذي يحمل الحديث أن يُعنَى بتعلم اللغة العربية والنحو، حتى لا يقع في اللحن والتغيير والتبديل، فالجهل بأساليب اللغة العربية وتصاريف الكلام أوقع بعض المحدثين في التصحيف. ولقد تنبه المحققون من أهل الحديث إلى ما يمكن أن يحدثه الخطأ في الإعراب من تغيير في معاني النصوص فحذروا من ذلك. قال القاضي عياض رحمه الله في «الإلماع» (¬2): وقد وقع الخلاف بين العلماء بسبب اختلافهم في الإعراب. اهـ. ثم ضرب أمثلة كثيرة لذلك. ولذا يقول الأوزاعي: أعربوا الحديث فإن القوم كانوا عربا (¬3). وقال شعبة: من طلب الحديث فلم يبصر العربية فمثله مثل رجل عليه برنس، وليس له رأس. وقال حماد بن سلمة: مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاة لا شعير فيها (¬4). ولذلك نجد الحافظ اليونيني وقد جمع روايات «الصحيح» عرضها على مالك أزمة اللغة: ابن مالك النحوي حتى يوجه هذه الروايات من جهة اللغة، ¬

(¬1) «مقدمة ابن الصلاح» ص: 318 - 319. (¬2) ص: 136 - 137. (¬3) أخرجه الرامهرمزي «المحدث الفاصل» ص: 524، والخطيب في «الكفاية» ص: 297. (¬4) روى هذا الأثر وما قبله الخطيب في «الجامع» 2/ 26 - 27.

وتجمع له شيء من التعليقات سماه «التوضيح لمشكلات الجامع الصحيح» وسيأتي الحديث عنه. 2 - الأخذ عن أهل العناية بالحديث: إن الراوي الذي يريد أن يتحمل ويؤدي لابد له من تفرغ وعناية وتضحية من أجل تحصيل الحديث وضبطه والعناية به، وحفظه في صدره وكتابه فليس كل من ثبتت عدالته يصح الأخذ عنه واعتماده في سماع الحديث. قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: لا يؤخذ العلم إلا عمن شُهد له بطلب الحديث. وقال عبد الله بن عون: لا نكتب الحديث إلا ممن كان عندنا معروفًا بالطلب. وعن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون، ما يؤخذ عنهم شيء من الحديث يقال: ليس من أهله (¬1). لذا يقول الخطيب البغدادي: فأول شرائط الحافظ المحتج بحديثه إذا ثبتت عدالته، أن يكون معروفًا عند أهل العلم بطلب الحديث وصَرْف العناية إليه (¬2). 3 - تقييد الرواية في الأصل حين سماعها: إذا سمع الراوي الحديث وجب عليه تقييده في أصله، وأن لا يعتمد على حفظه وحده، وكتابة الحديث المروي عند السماع أو بعده مباشرة تحافظ على النص المروي من عوامل الزمان، فقد يعتريه نسيان، فيضطر إلى روايته بالمعنى عندما لا تساعده حافظته على استحضار ما سمع، وقد لا تتوافر فيه شروط الرواية بالمعنى. ¬

(¬1) روى هذه الآثار الخطيب في «الكفاية» ص: 251 - 252 (¬2) «الكفاية» ص: 251.

ويزداد الأمر تأكيدًا في الأحاديث والمرويات التي تتغير بتغير الشكل أو الإعراب. ولذا يقول الخطيب البغدادي: ويُروى عن بعض من كان يذهب إلى وجوب اتباع اللفظ أنه كان لا يحدث إلا لمن يكتب عنه، ويكره أن يحفظ عنه حديثه خوفًا من الوهم عليه والغلط فيه حال روايته (¬1). 4 - حفظ الحديث: ومن تمام عناية المحدثين بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومحافظتهم على لفظه ومعناه تأكيدهم على ضرورة حفظه بعد كتابته في أصل المحدث. فالحفظ وسيلة أخرى إضافة إلى الكتابة تعمل على تذكير الراوي باللفظ الذي سمعه من شيخه حتى لا يقع فيه التبديل والتغيير أو التصحيف والتحريف. لقد ابتلي بعض المحدثين بورّاقين أدخلوا عليهم في كتبهم ما ليس منها. قال أشهب: وسئل مالك أيؤخذ ممن لا يحفظ، وهو ثقة صحيح، أيؤخذ عنه الأحاديث؟ فقال: لا يؤخذ منه، أخاف أن يزاد في كتبه بالليل. وقال هشيم: من لم يحفظ الحديث فليس هو من أصحاب الحديث، يجيء أحدهم بكتاب كأنه سجل مكاتب (¬2). ولقد كان لحفظ الحديث أهمية كبيرة عند المحدثين، واتخذوا لتحقيق ذلك عدة وسائل منها: المذاكرة، ولهم في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القدوة الحسنة: قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كنا نكون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنسمع منه ¬

(¬1) «الجامع» 2/ 75. (¬2) أخرجه وما قبله الخطيب في «الكفاية» ص: 237، 238.

الحديث، فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه (¬1). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: تحدثوا وتذاكروا، فإن الحديث يذكر بعضه بعضًا (¬2).وسار على ذلك التابعون ومن بعدهم. وروى الخطيب بإسناده إلى إبراهيم الأصبهاني قال: كل من حفظ حديثًا فلم يذاكر به تفلت منه (¬3). وإذا لم يجد الطالب من يذاكره أدام ذكر الحديث مع نفسه، وكرره على قلبه؛ حتى لا ينساه كما روى الخطيب عن شعبة أنه كان يفعل ذلك (¬4). 5 - عدم الإكثار من تحمل الحديث: قال الخطيب: ولا يأخذ الطالب نفسه بما لا يطيقه، بل يقتصر على اليسير الذي يضبطه ويحكم حفظه ويتقنه (¬5). ثم روى عن ابن علية قال: كنت أسمع من أيوب خمسة، ولو حدثني بأكثر من ذلك ما أردت. وروى عن سفيان قال: كنت آتي الأعمش ومنصورًا فأسمع أربعة أحاديث، خمسة، ثم أنصرف؛ كراهة أن تكثر وتفلت. وقال شعبة: كنت آتي قتادة فأسأله عن حديثين فيحدثني؛ ثم يقول أزيدك؟ ¬

(¬1) أخرجه الخطيب في «الجامع» 1/ 236 (464) وذكره الهيثمي في «المجمع» 1/ 161 وعزاه لأبي يعلى وقال: فيه يزيد الرقاشي وهو ضعيف. (¬2) أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» ص: 545، والخطيب في «الجامع» 1/ 237 (468). (¬3) «الجامع» 1/ 238 (472). (¬4) «الجامع» 1/ 238 - 239 (473). (¬5) «الجامع لأخلاق الراوي» 1/ 231.

فأقول: لا، حتى أحفظهما وأتقنهما (¬1). وهكذا نرى أئمة الحديث لا يكثرون من تحمل الحديث؛ خشية أن يزاحم بعضه بعضًا، وهو وسيلة من الوسائل التي تساعد على التثبت من المحفوظ. 6 - تقديم من عرف بسرعة الحفظ؛ حتى يكرره عليهم بعد ذهاب الشيخ. قال الخطيب: وإذا كان في حفظ بعض الطلبة إبطاء، قدموا من عرفوه بسرعة الحفظ وجودته؛ حتى يحفظ لهم عن الراوي، ثم يعيد عليهم حتى يتقنوا حفظه عنه (¬2). وهكذا نجد المحدثين قد اعتنوا بالتحمل ووضعوا له سنًّا معينة، وشروطًا لا بد منها؛ حتى يصح هذا التحمل، فإذا تحمل الراوي الحديث مراعيًا لهذه الشروط والآداب أصبح مهيئًا للأداء، وإليك الحديث عنه. ¬

(¬1) «الجامع» 1/ 232. (¬2) الجامع 1/ 233.

ثانيا: الأداء

ثانيًا: الأداء 1 - طرق الأداء: لقد حدد المحدثون طرقًا للأداء تتعلق بالرواية، وإذا كان قد سبق الحديث عن أهم طريقين للتحمل، فسوف أتكلم عن أهم طرق الأداء لهاتين الطريقين. إذا سمع الراوي من لفظ الشيخ فله أن يؤدي بإحدى الصيغ التي ذكرها العلماء لذلك، ومنها في المرتبة الأولى أن يقول: سمعت. وهي أرقى الألفاظ الدالة على السماع؛ لكونها صريحة فيه. وله أن يقول: حدثني أو حدثنا، أو يقول: أخبرني أو أخبرنا، أو يقول: نبأنا أو أنبأني أو نبأني، أو يقول: قال لنا، أو ذكر لنا، أو قال لي، أو ذكر لي. وأما إذا كان طريق تحمل الراوي هو القراءة على الشيخ أو العرض، فالأحوط أن يقول: قرأت على فلان. أو يقول: قرئ على فلان. وأنا أسمع. أو يذكر لفظًا من الألفاظ التي سبق ذكرها في الطريق الأول مع تقييد ما يذكره منها بالقراءة، كأن يقول: حدثنا قراءة عليه .. إلخ. 2 - آداب الرواية (أي: الأداء): ولقد نص المحدثون على آدابٍ للأداء ينبغي أن يتحلى بها من أراد التصدي للتحديث (¬1). ¬

(¬1) لقد ذكر المحدثون آدابًا كثيرة للرواية والآداء، ولقد ذكرها الخطيب في كتابيه «الجامع لأخلاق الراوي»، و «الكفاية»، وكذلك القاضي عياض في «الإلماع»، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم وفضله»، وابن جماعة في «تذكرة السامع» وغير ذلك من كتب المصطلح، وسأحاول الاقتصار على الآداب التي تتعلق بضبط المرويات؛ لعلاقتها بهذا المبحث والله أعلم.

ومن هذه الآداب التي تتعلق بالضبط والإتقان: 1 - رفع الصوت عند التحديث: لاشك أن وضوح صوت المحدث أثناء التحديث من العوامل التي تساعد على توثيق المروي، فكلما كان صوت الشيخ واضحًا، كلما استطاع الحاضرون الأمن من دخول تصحيف في المرويات؛ ولذا قد خص المحدثون ما ينشأ عن الخطأ من السمع بنوع خاص، وهو تصحيف السمع. لذا اعتبر المحدثون رفع صوت المحدث من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها؛ حتى يسمعه الطلاب، وخاصة إذا كثر المستمعون؛ مراعاة لضعاف السمع. قال الخطيب: فإن حضر المجلس سيئ السمع، وجب على المحدث أن يرفع صوته حتى يُسمعه (¬1). ولقد عقد الخطيب في كتابه القيم «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» بابًا كاملًا خصه بالحديث عن إصلاح المحدث (¬2): هيئته، وأخذه لرواية الحديث زينته، وهي باختصار شديد: أن يبدأ بالسواك ويقص أظفاره إذا طالت، ويأخذ من شاربه، ويسكن شعث رأسه، وإذا اتسخ ثوبه غسله، وإذا أكل طعامًا زُهْمًا (¬3) أنقى يديه من غَمَره (¬4). ويجتنب من الأطعمة ما كره ريحه، ويغير شيبه بالخضاب؛ مخالفة لطريقة أهل الكتاب، ويستحب لباس الأبيض من الثياب، ويستحب له أن يلبس القلنسوة، ويعتم من فوقها بالعمامة. ¬

(¬1) «الجامع» 1/ 413. (¬2) ينظر «الجامع» 1/ 372 - 416 (¬3) قَال في «القاموس»: الزهومة والزهمة بضمهما: ريح لحم سمين منتن، والزهم بالضم: الريح المنتنة. (¬4) الغَمَر: زنخ اللحم، وما يتعلق باليد من دسمه، كما في «القاموس».

وأن يقتصد في مشيه وينبغي أن يمنع أصحابه من المشي وراءه؛ فإن ذلك فتنة للمتبوع، وذِلّة للمتبع، وأن يبتدئ بالسلام لمن لقيه من المسلمين، وإذا دخل على أهل المجلس فلا يسلم عليهم حتى ينتهي إليهم، ويمنع من كان جالسًا من القيام له؛ فإن السكون إلى ذلك من آفات النفس، ويستحب له أن يصلي ركعتين قبل جلوسه، ويستحب جلوسه متربعًا مع كونه متخشعًا، ويستحب له أن يستعمل لطيف الخطاب، ويتحفظ في منطقه، ويتجنب المزاح مع أهل المجلس؛ فإنه يسقط الحشمة، ويقلل الهيبة. ويستحب له أن ينكر برفق دون الإغلاظ والحُذْق، إلى غير ذلك من الآداب. وهذه الآداب وإن كانت غير متعلقة بما نحن بصدده؛ إلا أن فيها ما يدل على عظمة المحدثين واستيعابهم لجميع أحوال الراوي النفسية والجسدية والعقلية، فاستحقوا أن يكونوا أسبق العلماء في هذا الميدان، فرحمهم الله رحمة واسعة. 2 - كراهة سرد الكلمات سردًا: فقد نص الخطيب على كراهة سرد الحديث واستحباب التمهل فيه وساق في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يسرد الحديث سردكم (¬1). ومن أجل وضوح الصوت وبيانه استحب المحدثون أن يجلس المحدث على منبر أو نحوه حتى يسمعه الحاضرون، وخاصة إذا كثروا. قال الخطيب: إذا كثر عدد من يحضر للسماع، وكانوا بحيث لا يبلغهم صوت الراوي ولا يرونه استحب له أن يجلس على منبر أو غيره حتى يبدو للجماعة وجهه ويبلغهم صوته. ¬

(¬1) أخرجه البخاري كتاب: المناقب، باب: صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - (3568)، ومسلم كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي هريرة (2493).

ثم روى عن أبي السليل القيسي قال: قدم علينا رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا يجتمعون عليه فإذا كثروا صعد على ظهر بيته، فحدثهم منه (¬1). كما رَوى عن أيوب قال: قدم علينا عكرمة فاجتمع الناس عليه حتى أصعد فوق ظهر بيت. اهـ. (¬2) 3 - تكرار الحديث ثلاثًا لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حدث بحديث أعاده ثلاثًا، حتى يفهم عنه، ويحفظ ويضبط، فعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان إذا سلم سلم ثلاثًا، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا (¬3). فلاشك أن الإعادة للحديث تساعد على تثبيت الحفظ، وخاصة إذا كان المستمعون يحفظون حال المجلس. قال الخطيب: إذا كان تعويل السامع على النقل من كتاب المحدث ما سمعه، فلا وجه لإعادته وتكريره، وأما إن كان مُعَوَّلُهُ على حفظه عن الراوي فالأولى بالمحدث تكرير ما يرويه حتى يتيقن السامع حفظه، ويقع له معرفته وفهمه (¬4). 4 - الرواية من أصول المحدث: قال الخطيب: الاحتياط للمحدث والأولى به أن يروي من كتابه؛ ليسلم من الوهم والغلط، ويكون جديرًا بالبعد عن الزلل. ثم روى بإسناده إلى أحمد بن حنبل قال: ما كان أحد أقل سَقَطًا من ابن المبارك، كان رجلًا يحدث من كتاب، ومن حدث من كتاب لا يكاد يكون له ¬

(¬1) «الجامع» 1/ 413 (992). (¬2) «الجامع» 1/ 414 (993). (¬3) أخرجه البخاري كتاب: العلم، باب: من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه (94). (¬4) «الجامع» 2/ 6

سقط كبير شيء. اهـ. (¬1). وقد روى غير ذلك عنه، ومع ذلك فإن الرواية عن الحفظ جائزة لمن كان متقنًا لها متحفظًا فيها. وينبغي مع هذه الحالة أن لا يَغفُل الراوي عن مطالعة كتبه وتعاهدها والنظر فيها. ويحدث بما لا يداخله فيه الشك؛ وما شك في حفظه لزمه أن يمسك عنه. 5 - اتخاذ المستملي وعقد مجالس للإملاء. يستحب عقد المجالس لإملاء الحديث؛ لأن ذلك أعلى مراتب الراوين، ومن أحسن مذاهب المحدثين مع ما فيه من جمال الدين والاقتداء بسنن السلف الصالحين. وقد قال الخليفة المأمون: ما أشتهي من لذات الدنيا إلا أن يجتمع أصحاب الحديث عندي، ويجيء المستملي فيقول: من ذكرت أصلحك الله. اهـ. (¬2) وروى الخطيب بإسناده إلى معروفٍ الخياط قال: رأيت واثلة بن الأسقع يملي على الناس الأحاديث فهم يكتبونها بين يديه. وروي ذلك عن كثير من العلماء. قال الخطيب: وفي المتقدمين جماعة كانوا يعقدون المجالس للإملاء منهم شعبة ابن الحجاج وأَكْرِمْ به؛ ومن الطبقة التي تليه: يزيد بن هارون الواسطي وعاصم بن علي ابن عاصم التميمي وعمرو بن مرزوق الباهلي. ومن الطبقة الثالثة: محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري، وجعفر بن محمد بن الحسن الفيريابي. ثم ساق بأسانيده ¬

(¬1) «الجامع» 2/ 10 - 11 (1024). (¬2) «الجامع» 2/ 55 (1152).

3 - حالات الإمساك عن الأداء

أخبارًا إليهم تدل على ذلك (¬1). وينبغي للمحدث أن يعين لأصحابه يوم المجلس؛ لئلا ينقطعوا عن أشغالهم، وليستعدوا لإتيانه ويعد بعضهم بعضًا به. وإذا عين لهم اليوم ووعدهم بالإملاء فيه، فلا ينبغي له إخلاف موعده إلا أن يقتطعه عن ذلك أمر يقوم عذره به. ومن أفضل الأماكن التي ينبغي أن يحدث فيها المساجد، وخاصة المساجد الجامعة. اتخاذ المستملي: وإذا اتسعت الحلقة ينبغي له أن يتخذ من يبلغ عنه الإملاء إلى من بَعُدَ في الحلقة، ويستحب للمستملي أن يستملي وهو جالس على موضع مرتفع، أو على كرسي، فإن لم يجد استملى قائمًا، ويجب أن يُتخذ المستملي المتيقظ المعروف بالعناية ولا يكون بليدًا مغفلًا. والمستملي في ذلك يجب عليه أن لا يخالف لفظ الراوي في التبليغ عنه، بل يلزمه، وخاصة إذا كان الراوي من أهل المعرفة والدراية بأحكام الرواية. ولقد ذكر الخطيب آدابًا للمستملي: ما يبتدئ به من القول، واستنصات الناس إن سمع منهم لفظًا، ويبتدئ بذكر الله والحمد له، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يذكر اسم شيخ الراوي بما يميزه عن غيره، وغير ذلك من الآداب التي توسع فيها الخطيب في «الجامع»، وابن السَّمْعاني في «أدب الإملاء والاستملاء». 3 - حالات الإمساك عن الأداء: لقد اعتبر المحدثون تحديث الراوي مروياته في حالةٍ لا تساعد على إتقانها من الأشياء التي يجب على المحدث التنزه عنها، وهذه الأشياء منها ما ¬

(¬1) «الجامع» 2/ 55 - 57.

يكره ومنها ما يجب، فلقد اعتبروا أن الجو المناسب لتلقي العلم من ضروريات التحديث؛ ولذلك خصوا بعض الحالات بكراهة التحديث ومن هذه الحالات ما يلي: 1 - التحديث في حال المشي والقيام: إذا كان المحدثون قد وضعوا ضوابط لكي يصل المروي إلى الراوي واضحًا جليًّا لا لبس فيه ولا غموض، فإنهم بالمقابل من ذلك قد كرهوا التحديث في الأوقات التي يكون فيها الخاطر مشغولًا بأشياء أخرى غير الحديث؛ ولذلك يقول الخطيب: يكره التحديث في حالتي المشي والقيام، حتى يجلس الراوي والسامع معًا ويستوطنا فيكون ذلك أحضرَ للقلب وأجمعَ للفهم. ثم روى بإسناده إلى عطاء بن السائب قال: أتينا سعيدًا - يعني: ابن حيان - نسأله عن شيء فوافقناه قائمًا، أو نحن قيام؟ (¬1) ثم ذكر جملة من الآثار تدل على كراهة التحديث والراوي أو الشيخ قائمًا أو ماشيًا أو مضطجعًا، ولاشك أن ذلك أوعى للضبط والتيقظ للمروي. 2 - التحديث في وقت السآمة أو الملل: لقد كره المحدثون إملال السامع وإضجاره بكثرة التحديث؛ لما يحدث ذلك من ضعف الهمة في تلقي المروي، وعدم الاعتناء بضبطه، وهو أمر يتنافى مع طبيعة المرويات الحديثية. يقول الخطيب: ينبغي للمحدث أن لا يطيل المجلس الذي يرويه، بل يجعله متوسطًا ويقتصد فيه؛ حذرًا من سآمة السامع وملله، وأن يؤدي ذلك إلى فتوره عن الطلب وكسله، فقد قال أبو العباس محمد بن يزيد المُبَرِّد فيما بلغني عنه: من أطال الحديث وأكثر القول فقد عرض أصحابه للملال وسوء ¬

(¬1) «الجامع» 1/ 407.

الاستماع، ولأن يَدَعَ من حديثه فَضْلَةً يعاد إليها، أصلح من أن يفضل عنه ما يلزم الطالب استماعه من غير رغبة فيه ولا نشاط له (¬1). وقال الزهري: إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب. وروي مثله عن سفيان بن عيينة، وبشر بن منصور، وغيرهما (¬2). 3 - الاختلاط: الاختلاط هو تغير في الحفظ واختلال في الضبط يصيب الراوي؛ بسبب كبر السن أو ذهاب البصر أو احتراق الكتب أو غرقها أو سرقتها أو غير ذلك. وقد نص المحدثون على أن الراوي إذا اختلط وجب في حقه أن يمتنع عن التحديث، وأنه ينبغي له حال صحته أن يعهد لأهله أن يمنعوه من التحديث إذا ظهرت عليه بوادر الاختلاط. قال الذَّهَبِيّ: ويمنع مع الهرم وتغير الذهن، وليعهد إلى أهله وإخوانه حال صحته: إنكم متى رأيتموني تغيرت فامنعوني من الرواية (¬3). ولقد ذكر أئمة الجرح والتعديل في كتبهم بعض الرُّواة الذين حجبوا عن التحديث بسبب الاختلاط، أمثال جرير بن عبد الحميد الضبي (¬4) وجرير بن حازم (¬5). قال ابن سعد في ترجمة إبراهيم بن العباس السامري: إبراهيم بن العباس اختلط آخر عمره فحجبه أهله حتى مات (¬6). ¬

(¬1) «الجامع» 2/ 127. (¬2) ينظر «الجامع» 2/ 128 - 129. (¬3) «الموقظة» ص: 66. (¬4) «تقريب التقريب» (916). (¬5) «تهذيب الكمال» 4/ 528. (¬6) «الطبقات» 7/ 346.

وقد تنبه المحدثون لخطورة التحديث وقت الاختلاط وتمييز ذلك عن غيره فعقدوا له أبوابًا خاصة في كتب المصطلح وعلوم الحديث، وحدد بعضهم السن الذي يجب فيه الامتناع عن التحديث؛ لأنه مظنة الاختلاط بسب كبر السن. قال الرامهرمزي: فإذا تناهى العمر بالمحدث، فأعجب إليَّ أن يمسك في الثمانين؛ فإنه حد الهرم، والتسبيح والاستغفار أولى بأبناء الثمانين، فإن كان عقله ثابتًا ورأيه مجتمعًا، يَعرِفُ حدثيه ويقوم به وتحرى أن يحدث احتسابًا، رجوت له خيرًا. (¬1). وقال الخطيب: إذا بلغ الراوي حد الهَرَم والحالة التي في مثلها يَحْدُثُ الحذَفَ، فيستحَب له ترك الحديث والاشتغال بالقراءة والتسبيح، وهكذا إذا عمي بصره، وخشي أن يُدْخَلَ في حديثه ما ليس منه حال القراءة عليه فالأولى أن يقطع الرواية، ويشتغل بما ذكرناه من التسبيح والقراءة. اهـ. (¬2). ونظرًا لخطورة الاختلاط على المرويات فقد ذكر المحدثون الرُّواة المختلطين أثناء ترجمتهم، فكثيرًا ما تجد في عبارات الجرح والتعديل: فلان اختلط في آخرة. وقد يذكرون نوع الاختلاط كما قيل في ابن لهيعة: اختلط؛ لاحتراق كتبة وغير ذلك. بل إنهم قد ميزوا عند الرُّواة المختلطين سنة الاختلاط ومن حدث عنهم قبل الاختلاط وبعده؛ حتى تقبل روايته عنه قبل الاختلاط، وترد بعد الاختلاط، وذلك منهم غاية في التحري والدقة والصيانة للمرويات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). ¬

(¬1) «المحدث الفاصل» ص: 354. (¬2) «الجامع لآداب الراوي» 2/ 305. (¬3) ينظر «تهذيب الكمال» 15/ 496.

4 - شروط الأداء

وهكذا نجد المحدثين قد عدوا الحالات التي يمتنع فيها الأداء والتحديث بالمرويات. وهناك بعض الصفات التي منعها المحدثون أو اختلفوا في جوازها أثناء الأداء؛ صيانة للنصوص من التبديل والتغيير والإخلال بها، وعدم الأخذ بها كان سببًا في وقوع كثير من الاختلافات بين النصوص. وقبل ذكر هذه الصفات تجدر الإشارة إلى أن هذه الصفات سيأتي ذكرها أيضًا في الأسباب التي أدت إلى وقوع اختلافات، وإنما نشير هنا إشارة سريعة، ونحيل إلى التفصيل في الموضع الآخر. 4 - شروط الأداء: لقد اشترط العلماء لأداء الراوي ما سمعه أو رواه عن شيخه شروطًا لابد منها؛ حتى يتم نقل المروي كما سمعه التلميذ من الشيخ بعيدًا عن الاختلاف أو الوهم وهى ترجع إلى أمرين: الأول: عدالة الراوي. لقد اشترط العلماء لقبول خبر الراوي أن يكون عدلًا حتى يتم الوثوق به في دينه؛ لأن من لا يوثق به في دينه لا يوثق به في مروياته. ولقد توسع العلماء وخاصة المعاصرين في الحديث عن العدالة، وبيان حقيقتها، وكيفية ثبوتها، والفرق بينها وبين عدالة الشهادة، وغير ذلك. وأكتفي هنا بتعريفها، فلقد اشترط العلماء في الراوي أن يكون عدلًا: والعدل هو: المسلم البالغ العاقل الذي سلم من أسباب الفسق وخوارم المروءة. (¬1). الثاني: ضبط المروي والمراد بالضبط: اليقظة وعدم الغفلة، وأن يكون حافظًا إن حدث من ¬

(¬1) ينظر «قواعد أصول الحديث» د / أحمد عمر هاشم ص: 192 وما بعدها.

حفظه، ضابطًا لكتابه من التبديل، أو التغيير إن حدث منه عالمًا بما يحيل المعنى، إن روى بالمعنى. وينقسم الضبط إلى قسمين: 1 - ضبط الصدر. 2 - ضبط الكتاب. أولا: ضبط الصدر: فهو أن يكون الراوي حافظًا لما سمعه في صدره من غير تغيير أو تحريف أو زيادة أو نقص من وقت تحمله إلى وقت أدائه، هذا إذا كان راويًا باللفظ. أما إذا كان راويًا بالمعنى، فيشترط أن يكون محافظًا على المعنى بحيث لا يزيد ولا ينقص. وقد أجاز الجمهور الرواية بالمعنى بشرط أن يكون الراوي عالمًا بالألفاظ ومقاصدها خبيرًا بما يحيل المعنى - أي: يغيره، أو يخل به - مدركًا للتفاوت بين المعاني، عارفًا بالشريعة وقواعدها، أما إذا لم يكن على علم بما ذكر فقد أجمعوا على أن الرواية بالمعنى غير جائزة. وذهب بعض العلماء إلى منع الرواية بالمعنى مطلقًا. وقيد البعض منعها في الأحاديث المرفوعة، والأصح ما ذهب إليه الجمهور، فهو الذي كان عليه الصحابة وأحوال السلف، ولكن الذين أجازوا الرواية بالمعنى استثنوا منها أحاديث العقائد والأحاديث التي يتعبد بها كما في التشهد والأذكار، والأحاديث المشتملة على جوامع الكلم، ومع كل هذا فهم يرون أن الأولى والأفضل هو رواية الحديث بلفظه .. وإن روى بالمعنى فعلى الراوي أن يعينه بقوله: أو كما قال، أو نحو هذا أو شبهه أو قريبًا منه (¬1). قال الخطيب: قال كثير من السلف وأهل التحري في الحديث: لا تجوز ¬

(¬1) «قواعد أصول الحديث» للدكتور / أحمد عمر هاشم ص: 197.

الرواية على المعنى بل يجب مثل تأدية اللفظ بعينه من غير تقديم ولا تأخير ولا زيادة ولا حذف، وقد ذكرنا بعض الروايات عمن ذهب إلى ذلك، ولم يفصلوا بين العالم بمعنى الكلام وموضوعه، وما ينوب منه مناب بعض وما لا ينوب منابه، وبين غير العالم بذلك، وقد ذكر عن بعض السلف أنه كان يروي الحديث على المعنى إذا علم المعنى وتحققه وعرف القائم من اللفظ مقام غيره. وقال جمهور الفقهاء: يجوز للعالم بمواقع الخطاب ومعاني الألفاظ رواية الحديث على المعنى، وليس بين أهل العلم خلاف في أن ذلك لا يجوز للجاهل بمعنى الكلام ومواقع الخطاب، والمحتمل منه وغير المحتمل. (¬1). ثانيا: ضبط الكتاب: فهو صيانته وحفظه من التغيير والتحريف بحيث يأمن عليه من وقت تحمله إلى وقت الأداء (¬2). والضابط من يكون حافظًا متيقظًا، غير مغفل ولاساه وشاك في حالتي التحمل والأداء (¬3). وكما اهتم المحدثون بالبحث عن مدى حفظ الراوي وتمكنه من مروياته اهتموا أيضًا بالتفتيش عن ضبط كتابه وصيانته. واعتبر المحدثون الخطأ والفساد الواقع في كتاب المحدث من قلة ضبطه واختلال روايته. اختلال الضبط: الضبط بنوعيه السابقين يمكن أن يختل، فإذا وقع ذلك من الراوي لم يعد في مأمن من التغيير والتحريف في المتون والأسانيد وإحالة المعاني، ولذا فإن المحدثين يردون رواية من كان من هذا الصنف. ¬

(¬1) «الكفاية» ص: 300. (¬2) ينظر «نزهة النظر» لابن حجر ص: 29. (¬3) «توضيح الأفكار» لمحمد بن إسماعيل الصنعاني 1/ 8.

ويعرف اختلال ضبط الراوي الذي تُرد به روايته بفحش غلطه بحيث يغلب خطأ الراوي على صوابه. ومما يطعن في ضبط الراوي أيضًا الغفلة، وهي: قلة تعاهد الراوي لمحفوظاته، وعدم عنايته بصناعة الحديث حفظًا ومذاكرة وكتابة .. إلى غير ذلك. وكل ما سبق يندرج في اختلال ضبط الصدر، وضبط الكتاب هو الآخر يمكن أن يتطرق الخلل إليه؛ وذلك بسبب ضياع الأصول أو فسادها أو التغيير في أصلها من قبله أو من غيره. فإذا حدث بأصوله ذلك لم تعد هناك ثقة بذلك الراوي الذي وقع في أصوله هذا التغيير، وكتب المصطلح وقواعد الحديث وأصوله مملوءة بذكر نماذج لكل ما سبق، ولولا خشية الإطالة لنقلت ذلك. ومن أجل عدم وقوع خلل في الحفظ أو الكتب اشترط العلماء تعاهد الراوي لمحفوظاته كما اشترطوا عدم اعتماد الراوي على محفوظاته أثناء الأداء والتحديث. فقد قال الخطيب: وينبغي مع هذه الحال ألا يَغفُل الراوي عن مطالعة كتبه وتعاهدها والنظر فيها، ويجب أن ينظر من كتبه فيما علق بحفظه، فإن تعاهد المحفوظ أولى، والمراعاة له أعم نفعًا (¬1). ثم روى بإسناده إلى علي بن المديني أنه قال: عهدي بأصحابنا وأحفظهم أحمد بن حنبل، فلما احتاج أن يحدث لا يكاد يحدث إلا من كتاب. وقد كان بعض المحدثين يمتنعون من السماع ممن ليس له أصل أو لم يحضر أصله. قال ابن معين: قال لي عبد الرزاق: اكْتُبْ عني ولو حديثًا واحدًا من غير ¬

(¬1) «الجامع» 2/ 14

كتاب. فقلت: لا ولا حرف. اهـ ويدخل هذا الشرط - وهو التحديث من أصل - ضمن العناية والحيطة التي كان عليها المحدثون؛ من أجل المحافظة على السنة حتى لا يدخلها الخطأ أو التغيير. قال الخطيب: الاحتياط للمحدث والأولى به أن يروي من كتابه؛ ليسلم من الوهم والغلط ويكون جديرًا بالبعد عن الزلل (¬1). ¬

(¬1) ينظر «الجامع» 2/ 10 - 12

المحور الثاني: وضع المحدثين ضوابط لضبط الكتاب وتقييده والحفاظ عليه

المحور الثاني: وضع المحدثين ضوابط لضبط الكتاب وتقييده والحفاظ عليه

كتابة الحديث وكيفية ضبطه

كتابة الحديث وكيفية ضبطه أهمية الكتابة: إن الكتابة من أهم وسائل الحفظ التي تساعد الراوي على حفظ ما سمع أو روى، وخاصة في العلوم الإسلامية، والتي تعتمد على ضبط اللفظ المسموع عن الشيخ، سواء كان هذا اللفظ متنًا أو سندًا، وهذا الضبط لا سبيل إليه إلا عن طريق الكتابة والتقييد كما سمع من الشيخ؛ ولأهمية الكتابة عند المحدثين فقد أودعوا كتبهم فصولًا كاملة وجعلوها علومًا برأسها لا ينبغي للمتصدر للرِّوَاية إهمالها، بل إنهم ألفوا فيها المؤلفات الخاصة. ومن هذه المؤلفات كتاب «أدب الكتاب» للإمام أبي بكر محمد بن يحيى بن عبد الله الصولي (335) هـ أودع فية آداب الكتابة عند العرب والمحدثين. وألف القاضي الرامهرمزي (360) هـ كتابه: «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي» (¬1)، ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا الكتاب من أكثر الكتب التي حرص العلماء على سماعه، وتدوين هذا السماع على نسخة الأربعة، حتى إن المحقق قد ساق هذه السماعات فزادت على أكثرَ من تسعين ورقة من الكتاب، وهذه السماعات تستحق أن تدرس وتخرج في مؤلف مستقل؛ حتى يقف العلماء والباحثون على صفحات مشرقة من السماع والإسماع، الذي لا يعرف لأهل فن من الفنون كما عرف به أهل الحديث. كما ألف في هذا المجال - مجال عناية المحدثين بضبط المرويات وتوثيقها - الخطيب البغدادي المتوفى سنة (463) هـ فألف كتبه الثلاثة وهي: «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع»، وهو مطبوع في مجلدين، طبعته مكتبة المعارف بالرياض، بتحقيق الدكتور محمود الطحان، وكتاب «الكفاية ¬

(¬1) حققه د / محمد عجاج الخطيب، ونشرته دار الفكر، وقد اعتمد فيه المحقق على أربع نسخ خطية.

في علم الرِّواية» وهو مطبوع، طبعته دار ابن تيمية بالقاهرة في مجلد واحد، وكتاب «تقييد العلم»، طبعته في جزء لطيف المكتبة العصرية ببيروت سنة 2001 م. وجاء القاضي أبو الفضل عِياض بن موسى اليحصبي (476 - 544) هـ فألف كتابه: «الِإلماع في ضبط الرِّواية وتقييد السماع» ضمنه فصولًا مهمة في ضبط الرِّواية وتقييد السماع، كما يفهم من عنوان الكتاب، وقد بلغ درجة عالية من إرساء القواعد وبيان ما كان عليه العلماء من الدقة والتحري في ضبط الكتاب. وقد لخص هذه الفصول وحررها العلامة تقي الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (577 - 643) المعروف بابن الصلاح في كتابه «علوم الحديث» (¬1)، والمعروف بـ «مقدمة ابن الصلاح» وذلك في النوع ¬

(¬1) وكل من جاء بعد ابن الصلاح وألف في علوم الحديث اقتدى به، أمثال زين الدين عبد الرحيم ابن الحسين العراقي المتوفى سنة (806) هـ حيث ألف كتابه «التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من مقدمة ابن الصلاح»، وغيره مما لا مجال لحصره، وهو معلوم عند أهل الشأن، ومن الكتب التي توسعت في بيان آداب الكتابة كتاب «تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم» للشيخ بدر الدين ابن جماعة الكناني المتوفى سنة (733) هـ وهو مطبوع، طبعته دار الكتب العلمية. ومن الكتب الحديثة التي كتبت في هذا الموضوع مع عنايتهم بجهود المحدثين في ذلك ما يلي: - «الترقيم وعلاماته في اللغة» لأحمد زكي باشا، طبع في القاهرة سنة 1330 هـ ثم أعاد طباعته عبد الفتاح أبو غدة بعنايته سنة 1407 هـ طبعة مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. - ومنها محاضرات ألقاها المستشرق الألماني براجشتراسر، وكان قد ألقاها على طلبة كلية الآداب بجامعة القاهرة سنة 1350 هـ، وطبعت بإعداد وتقديم تلميذه الدكتور / محمد حمدي البكري بالقاهرة سنة 1389 هـ. - ومنها كتاب العلامة عبد السلام هارون، وهو بعنوان «تحقيق النصوص ونشرها» طبع في القاهرة سنة 1374 هـ، ثم طبع بعد ذلك طبعات كثيرة. - ومنها كتاب «تحقيق النصوص» للدكتور / صلاح الدين المنجد، وهو بحث منشور في مجلة معهد المخطوطات بالقاهرة سنة 1375 هـ، ثم طبع عدة مرات في بيروت. - ومنها «تحقيق التراث العربي منهجه وتطوره» للدكتور / عبد المجيد دياب، طبع بالقاهرة سنة 1380 هـ. - ومنها كتاب «مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين» للدكتور / رمضان عبد التواب، طبعة مكتبة الخانجي بالقاهرة سنة 1406 هـ. - ومنها «قطوف أدبية دراسات نقدية في التراث العربي» حول تحقيق التراث للأستاذ / عبد السلام هارون، نشرته مكتبة السنة بالقاهرة سنة 1409 هـ. - ومنها مقالات الدكتور / محمود محمد الطناحي، وهو صفحات في التراث والتراجم، نشرتها دار البشائر الإسلامية 2002 م. - وممن خص المُحّدثين بالتأليف وأبرز جهودهم في هذا المجال من المُحْدَثين: - العلامة المحدث الشيخ أحمد شاكر؛ حيث كتب مقدمة نفيسة في تصحيح الكتب، وصنع الفهارس المعجمة وكيفية ضبط الكتاب، وسبق المسلمين الأفرنج في ذلك، وهذه المقدمة في أول كتاب «سنن الترمذي» وهي مقدمة أودع في جزء منها النوع الخامس والعشرين من أنواع علوم الحديث من مقدمة ابن الصلاح وعلق عليها تعليقات جيدة. - ومنهم: الدكتور / أحمد نور سيف، حيث كتب بحثًا بعنوان «عناية المحدثين بتوثيق المرويات وأثر ذلك في تحقيق المخطوطات»، طبعته دار المأمون للتراث بدمشق سنة 1407 هـ. - وكتب أيضًا د / موفق بن عبد الله بن عبد القادر بعنوان «توثيق النصوص وضبطها عند المحدثين» وهو مطبوع، نشرته دار التوحيد للنشر سنة 2007 هـ. - كما وقفت على دراسة للدكتور / عابد سليمان المشوخي بعنوان «أنماط التوثيق في المخطوط العربي في القرن التاسع الهجري» وضمنها فصولًا في المقابلة والتصحيح والسماعات والإجازات عند المحدثين في هذا القرن.

الخامس والعشرين (¬1) حيث قال: ¬

(¬1) وقد نقل كلام ابن الصلاح هذا العلامة أحمد شاكر في مقدمة تحقيقه لكتاب «الجامع الصحيح» وهو «سنن الترمذي» في ص: 16 إلى ص: 42 من المجلد الأول، وعلق عليه بعض التعليقات، وقد أعاد نشرها بعنايته عبد الفتاح أبو غدة، ونشرها مكتب المطبوعات الإسلامية سنة 1993 م، وسماها «تصحيح الكتب وصنع الفهارس المعجمة وكيفية ضبط الكتاب وسبق المسلمين الإفرنج في ذلك». وهذا القدر المنقول من المقدمة لابن الصلاح هو في كتابه من ص: 171 - 185 من طبعة حلب سنة 1350 هـ، التي حققها العلامة الشيخ راغب الطباخ رحمه الله تعالى، ومن ص: 181 - 208 من الطبعة التي أشرف عليها د / نور الدين عتر، التي صدرت عن دار الفكر سنة 1986 م بدمشق، ومن ص: 362 وحتى ص: 389 من طبعة د / عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) التي طبعتها دار المعارف بالقاهرة، وبهامشها «محاسن الإصطلاح» للإمام سراج الدين البلقيني (805) هـ.

في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده

النوع الخامس والعشرون: في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده: إن على كَتَبةِ الحديث وطَلَبَتِهِ صرفَ الهمةِ إلى ضبط ما يكتبونه أو يُحصِّلونه بخط الغير من مروياتهم، على الوجه الذي روَوْهُ شكلًا ونَقْطًا يؤمَنُ معهما الالتباس، وكثيرا ما يتهاون بذلك الواثق بذهنه وتَيقُّظه، وذلك وخيمُ العاقبة؛ فإن الإنسان معَّرضٌ للنسيان وأولُ ناسٍ أولُ النّاسِ (¬1). وإعجام المكتوب يَمْنَعُ من استعجامه، وشَكلُهُ يمنع من إشكاله، ثم لا ينبغي أن يتعنَّى بتقييد الواضح الذي لا يكاد يلتبس، وقد أحسنَ مَنْ قال: إنما يُشْكَلُ ما يُشْكِلُ (¬2). وقرأت بخط صاحب كتاب «سمات الخط ورقُوُمهُ» علي بن إبراهيم البغدادي (¬3) فيه: أن أهل العلم يكرهون الإعجامَ والإعرابَ إلا في الملتبِس. ¬

(¬1) إشارة إلى قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115]. (¬2) ذكر مثله الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» ص: 608 فقرة (688)، والقاضي في «الِإلمَاع» ص: 135 - 136. (¬3) لم أقف على ترجمته، وقد ذكره صاحب «كشف الظنون» 4/ 1001، ولم يذكر فيه شيئًا غير وصف الكتاب.

وحَكَى غيرهُ عن قومٍ أنه ينبغي أن يُشكلَ ما يُشكِل وما لا يُشكِل؛ وذلك لأن المبتدئ وغير المتبحر في العلم لا يميزُ ما يُشكِل مما لا يُشكِل، ولا صوابَ الإعراب مِنْ خَطئِهِ، والله أعلم (¬1). وهذا بيانُ أمورٍ مفيدة في ذلك: أحدها: ينبغي أن يكون اعتناؤه - من بَيْن ما يَلتبسُ - بضبط الملتبسِ من أسماءِ الناسِ أكثرَ؛ فإنها لا (تستدرك) (¬2) بالمعنى، ولا يستدل عليها بما قبل وما بعد (¬3). الثاني: يُستحبُّ في الألفاظ المُشْكِلة أن يُكرِّرَ ضَبْطَها، بأن يَضبطها في متن الكتاب، ثم يكتبها قبالة ذلك في الحاشية مفردة مضبوطة، فإن ذلك أبلغُ في إبانتها وأبعدُ من التباسِها، وما ضبطه في أثناء الأسطر ربما داخله نَقْطُ غيره وشَكْلهُ مما فوقه وتحته، لاسيما عند دقة الخط وضيق الأسطر، وبهذا جرى رسمُ جماعةٍ من أهل الضبط (¬4) والله أعلم. ¬

(¬1) ينظر «المحدث الفاصل» ص: 608، و «الِإلمَاع» ص: 135 - 136. (¬2) هكذا في طبعة د / عائشة وطبعة د / عتر، أما في طبعة الطباخ ونقلها عنه أحمد شاكر: (تدرك). (¬3) وينظر فيه: النقط والشكل من «المحدث الفاصل» ص: 608 فقرة (886)، و «الِإلمَاع» ص: 135. (¬4) وهذا من أدق أنواع الاحتياط، وقد اختار بعض العلماء طريقة أدق من هذه، وهي التي ذكرها العراقي في شرحه على كتاب ابن الصلاح وهو كتاب «التقييد والإيضاح» قَال في ص: 192: اقتصر المصنف على ذكر كتابة اللفظة المشكلة في الحاشية مفردة مضبوطة ولم يتعرض لتقطيع حروفها، وهو متداول بين أهل الضبط، وفائدته ظهور شكل الحرف بكتابته مفردًا، كالنون والياء إذا وقعت في أول الكلمة أو في وسطها، ونقله ابن دقيق العيد في «الاقتراح» ص: 41 عن أهل الإتقان فقال: ومن عادة المتقنين أن يبالغوا في إيضاح المشكل، فيفرقوا حروف الكلمة في الحاشية ويضبطوها حرفًا حرفًا. اهـ. وقد رأيت ذلك في خط سبط بن العجمي في نسخته من كتاب «التوضيح لشرح الجامع الصحيح» لابن الملقن وهو - أي السبط - من المعروفين بالدقة والإتقان في كتابتهم.

الثالث: يُكرَهُ الخطُّ الدقيق من غير عذرٍ يقتضيه، رُوِّينا عن حنبل بن إسحاق قال رآني أحمد بن حنبل وأنا أكتب خطًّا دقيقًا فقال: لا تفعل؛ أحوج ما تكون إليه يخونك (¬1). وبلغنا عن بعض المشايخ أنه كان إذا رأى خطًّا دقيقًا قال: هذا خط من لا يوقن بالخلف من الله تعالى. والعذر في ذلك هو مثل ألا يجد في الورق سعة، أو يكون رحالًا يحتاج إلى تدقيق الخط؛ ليخف عليه محمل كتابه ونحو هذا، والله أعلم. الرابع: يختار له في خطه التحقيق دون المشق (¬2) والتعليق (¬3). بلغنا عن ابن قتيبة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: شر الكتابة المشق وشر القراءة الهذرمة (¬4) وأجود الخط أبينه (¬5) والله أعلم. الخامس: كما تضبط الحروف المعجمة بالنقط، كذلك ينبغي أن تضبط المهملات غير المعجمة بعلامة الإهمال؛ لتدل على عدم إعجامها، وسبيل الناس في ضبطها مختلف: فمنهم من يقلب النقط فيجعل النقط الذي فوق المعجمات تحت ما يشاكلها من المهملات، فينقط تحت الراء والصاد والطاء والعين ونحوها من ¬

(¬1) ينظر: «أدب الكتاب» للصولي ص: 50. (¬2) هو سرعة الكتابة، «الصحاح» 4/ 1555.وينظر: «أدب الكتاب» ص: 124 - 125. (¬3) هو خلط الحروف التي ينبغي تفريقها، وقد تقدم الإشارة إلى ذلك. (¬4) هي سرعة القراءة. (¬5) أخرجه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» 1/ 262.وينظر: «أدب الكتاب» ص: 49.

المهملات (¬1)، وذكر بعض هؤلاء أن النقط التي تحت السين المهملة تكون مبسوطة صفًّا، والتي فوق الشين المعجمة تكون كالأثافي (¬2). ومن الناس من يجعل علامة الإهمال فوق الحروف المهملة كقلامة الظفر مضطجعة على قفاها، ومنهم من يجعل تحت الحاء المهملة حاءً مفردة صغيرة، وكذا تحت الدال والطاء والصاد والسين والعين وسائر الحروف المهملة الملتبسة مثل ذلك. فهذه وجوه من علامات الإهمال شائعة معروفة، وهناك من العلامات ما هو موجود في كثير من الكتب القديمة ولا يفطن له كثيرون، كعلامة من يجعل فوق الحرف المهمل خطًّا صغيرًا (¬3). وكعلامة من يجعل تحت الحرف المهمل مثل الهمزة، والله أعلم. ¬

(¬1) قَال الحافظ العراقي في «التقييد» ص: 193: أطلق المصنف في هذه العلامة - علامة الإهمال - قلب النقط العلوية في المعجمات إلى أسفل المهملات، وتَبعَ في ذلك القاضي عياضًا، ولابد من استثناء الحاء المهملة؛ لأنها لو نقطت من أسفل صارت جيمًا. اهـ. واعترض الأبناسي عليه أيضًا. ينظر «الشذا الفياح» 1/ 334. (¬2) الأثافي: حجارة ثلاثة توضع عليها القدر، واحدها: أثفية. بضم الهمزة أو كسرها، مع إسكان التاء المثلثة وكسر الفاء وتشديد الياء. (¬3) قَال الحافظ العراقي: اقتصر في هذه العلامة على جعل خط صغير فوق الحرف المهمل وترك فيه زيادة ذكرها القاضي عياض في «الِإلمَاع» ص: 141 فحكى عن بعض أهل المشرق أنه يعلم فوق الحرف المهمل بخط صغير يشبه النبرة، فحذف المصنف منه ذكر النبرة، والمصنف إنما أخذ ضبط الحروف المهملة بهذه العلامات من «الِإلمَاع» للقاضي عياض، وإذا كان كذلك فحذفه لقوله: يشبه النبرة يخرج هذه العلامة عن صفتها، فإن النبرة هي الهمزة كما قَال الجوهري وصاحب «المحكم»، ومقتضى كلام المصنف أنها كالنصبة لا كالهمزة والله أعلم، اهـ. «التقييد والإيضاح» ص: 194.

السادس: لا ينبغي أن يصطلح مع نفسه في كتابه بما لا يفهمه غيره فيوقع غيره في حيرة، كفعل من يجمع في كتابه بين روايات مختلفة ويرمز إلى رِواية كل راو بحرف واحد من اسمه أو حرفين وما أشبه ذلك، فإن بيَّن - في أول كتابه أو آخره - مراده بتلك العلامات والرموز فلا بأس (¬1). ومع ذلك فالأولى أن يتجنب الرمز ويكتب عند كل رِواية اسم راويها بكماله مختصرًا، ولا يقتصر على العلامة ببعضه، والله أعلم. السابع: ينبغي أن يجعل بين كل حديثين دارة تفصل بينهما وتميز، وممن بلغنا عنه ذلك من الأئمة أبو الزناد، وأحمد بن حنبل، وإبراهيم بن إسحاق الحربي، ومحمد بن جرير الطبري رضي الله عنهم (¬2). واستحب الخطيب الحافظ أن تكون الدارات غفلًا، فإذا عارض فكل حديث يفرغ من عرضه ينقط في الدارة التي تليه نقطة أو يخط في وسطها خطًّا، قال: وقد كان بعض أهل العلم لا يعتد من سماعه إلا بما كان كذلك أو في معناه، والله أعلم. الثامن: يكره له في مثل (عبد الله بن فلان بن فلان) أن يكتب عبد في آخر سطر والباقي في أول السطر الآخر، وكذلك يكره في (عبد الرحمن بن فلان) وفي سائر الأسماء المشتملة على التعبيد لله تعالى أن يكتب عبد في آخر سطر، واسم الله مع سائر النسب في أول السطر الآخر، وهكذا يكره أن يكتب (قال رسول) في آخر سطر، ويكتب في أول السطر الذي يليه (الله صلى الله ¬

(¬1) كما فعل اليونيني في نسخته من «صحيح البُخَارِيّ» فإنه يبين مراده بتلك العلامات، وسيأتي في موضع آخر من الرسالة بيان عن روايات اليونيني. (¬2) الرواية عنهم رواها الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» 1/ 273، أما رواية أبي الزناد فانظرها في «المحدث الفاصل» ص: 606 (882) باب الدائرة بين الحديثين.

تعالى عليه وآله وسلم) وما أشبه ذلك (¬1)، والله أعلم. التاسع: ينبغي له أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، عند ذكره، ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره؛ فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته، ومن أغفل ذلك حرم حظًّا عظيمًا (¬2). وقد روينا لأهل ذلك منامات صالحة، وما يكتبه من ذلك فهو دعاء (يثبته) (¬3)، لا كلام يرويه فلذلك لا يتقيد فيه بالرِّواية، ولا يقتصر فيه على ما في الأصل، وهكذا الأمر في الثناء على الله سبحانه، عند ذكر اسمه نحو: (عز وجل) و (تبارك وتعالى) وما ضاهى ذلك. وإذا وجد شيء من ذلك قد جاءت به الرِّواية كانت العناية بإثباته وضبطه أكثر، وما وجد في خط أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه من إغفال ¬

(¬1) قَال الحافظ العراقي في «التقييد» ص: 195: اقتصر المصنف في هذا على الكراهة، والذي ذكره الخطيب في كتاب «الجامع» 1/ 268 امتناع ذلك؛ فإنه روى فيه عن أبي عبد الله بن بطة أنه قَال: هذا كله غلط قبيح فيجب على الكاتب أن يتوقاه ويتأمله ويتحفظ منه. قَال الخطيب: وهذا الذي ذكره أبو عبد الله صحيح فيجب اجتنابه. انتهى. واقتصر ابن دقيق العيد في «الاقتراح» على جعل ذلك من الآداب لا من الواجبات والله أعلم. وقال الأبناسي في «الشذا الفياح» 1/ 335: ولا يختص ذلك بأسماء الله تعالى، بل أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - وأسماء الصحابة، يأتي فيها مثل ذلك. (¬2) بيَّن البلقيني في «محاسن الاصطلاح» الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -. ويلحق بذلك جمل الترضي والترحم على الصحابة رضوان الله عليهم، فتثبت ولا تنقص ويرمز إليها، وينظر في ذلك «الجامع لأخلاق الراوي» 2/ 103 - 107 حيث يقول ناقلًا عن القاضي الرامهرمزي: فينبغي أن لا يمر حديث فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قيل: صلى الله عليه وسلم، ولا يذكر أحد من الصحابة إلا قيل: رضي الله عنه. اهـ. (¬3) كذا في المطبوع، وفي «الشذا الفياح» أيضًا، وصحفت في المطبوع من «الكافي في علوم الحديث» للتبريزي إلى: (لنبيه).

ذلك عند ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم، فلعل سببه أنه كان يرى التقيد في ذلك بالرِّواية وعز عليه اتصالها في ذلك في جميع من فوقه من الرُّواة. قال (الخطيب أبو بكر): وبلغني أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نطقًا لا خطًّا. قال: وقد خالفه غيره من الأئمة المتقدمين في ذلك. وروي عن علي بن المديني وعباس بن عبد العظيم العنبري قالا: ما تركنا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل حديث سمعناه، وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى نرجع إليه، والله أعلم (¬1). ثم ليتجنب في إثباتها نقصين: أحدهما: أن يكتبها منقوصة صورة رامزًا إليها بحرفين أو نحو ذلك (¬2). والثاني: أن يكتبها منقوصة معنى، بأن لا يكتب: (وسلم)، وإن وجد ذلك في خط بعض المتقدمين. سمعت أبا القاسم منصور بن عبد المنعم وأم المؤيد بنت أبي القاسم بقراءتي عليهما قالا: سمعنا أبا البركات عبد الله بن محمد الفراوي لفظا قال: سمعت المقرئ ظريف بن محمد يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن إسحاق الحافظ قال: سمعت أبي يقول: سمعت حمزة الكناني يقول: كنت أكتب الحديث، وكنت أكتب عند ذكر النبي (صلى الله عليه) ولا أكتب (وسلم) فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال لي: ما لك لا تتم الصلاة علي؟ قال: فما كتبت بعد ذلك: (صلى الله عليه) إلا كتبت: (وسلم). ¬

(¬1) ينظر: «الجامع لأخلاق الراوي» 1/ 275 (¬2) كره ذلك - اختصار صلى الله عليه وسلم - التبريزي في «الكافي» ص: 549، باب: التحذير من اختصار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أحمد شاكر في تعليقه على «المسند» 7/ 112: وهي الاصطلاح السخيف لبعض المتأخرين في اختصار كتابة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: ويكره أيضا الاقتصار على قوله (عليه السلام) والله أعلم بالصواب. العاشر: على الطالب مقابلة كتابه بأصل سماعه وكتاب شيخه (¬1) الذي ¬

(¬1) المقابلة في اللغة: المعارضة، فالمحدثون يعبرون عن المقابلة أحيانًا: المعارضة. وتعتبر المقابلة أو المعارضة من أهم مظاهر التوثيق في المرويات والمخطوطات العربية؛ لأنها الوسيلة التي يتم بها التحقيق من سلامة النص وصحته بمطابقته على النسخة الأصل المعتمدة رغبة في إثباته كما كتبه مؤلفه، وإحالة الشيء إلى أصله، ونسبة الكلام إلى قائله هو زبدة التوثيق. ومن فوائد المقابلة تقويم النص واكتشاف الخطأ الذي قد يحدث من المؤلف تارة، ومن النساخ تارة أخرى، بالإضافة إلى اكتشاف السقط إن وجد، واستكماله. ويلاحظ أن فن مقابلة النص من وسائل التوثيق التي تعود إلى زيادة المحدثين في العناية بضبط الحديث، ثم صار من بعدهم تبعًا لهم. ويستدل المحدثون على أهمية المقابلة بمعارضة جبريل عليه السلام للقرآن مع الرسول صلى الله عليه وسلم مرة كل عام، وقد عارضه مرتين في عامه الأخير. (وينظر: «أصول نقد النصوص ونشر الكتب» لبرجستراسر ص: 96، وكتاب «أنماط التوثيق في المخطوط العربي» ص: 47 - 48. وقد بلغت عناية المحدثين بالتأكيد على المقابلة أو المعارضة مبلغًا عظيمًا حتى اعتبر العلماء الكتب التي لم تعارض كأنها لم تكتب، كما روي ذلك عن عروة بن الزبير، كما سيأتي عند ابن الصلاح، وقال الخطيب في كتابه «الجامع لأخلاق الراوي» في باب وجوب المعارضة بالكتاب لتصحيحه وإزالة الشك والارتياب: يجب على من كتب نسخة من أصل بعض الشيوخ أن يعارض نسخته بالأصل، فإن ذلك شرط في صحة الرواية من الكتاب المسموع. اهـ. وقال القاضي عياض في «الِإلمَاع»: ص: 142 وأما مقابلة النسخة بأصل السماع ومعارضتها به فمتعينة لابد منها، ولا يحل للمسلم التقي الرواية ما لم يقابل بأصل شيخه أو نسخة تحقق، ووثق بمقابلتها بالأصل. وما أجمل ما أخرجه الخطيب في «الجامع» 1/ 279 عن الإمام الشافعي حيث قَال: إذا رأيت الكتاب فيه إلحاق وإصلاح فاشهد له بالصحة. ولبعض الشعراء: المح كتابك حين تكتبه ... واحرسه من وهم ومن سقط واعرضه مرتابًا بصحته ... ما أنت معصومًا من الغلط [الِإلمَاع ص: 143]. ولقد كتب في المقابلة أو المعارضة وأهميتها وشروطها وآدابها كثير من المتقدمين، منهم الرامهرمزي، والقاضي عياض، والخطيب البغدادي، وابن السَّمْعَاني، وابن عبد البر، وغيرهم. كما كتب كثير من المُحدثين في إبراز دور المحدِّثين وسبقهم في الارتقاء بهذه الطريقة وريادتهم فيه، وقد سبق ذكر طائفة منهم قبل قليل.

يرويه عنه، وإن كان إجازة. روينا عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما أنه قال لابنه هشام: كتبت؟ قال: نعم، قال: عرضت كتابك؟ قال: لا، قال: لم تكتب (¬1). وروينا عن الشافعي الإمام وعن يحيى بن أبي كثير قالا: من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء ولم يستنج (¬2). ¬

(¬1) ينظر «المحدث الفاصل» ص: 544، «الجامع لأخلاق الراوي» 1/ 275، «الكفاية» ص: 350، «أدب الإملاء» ص: 79 وغيرها. (¬2) ما جاء عن يحيى بن أبي كثير أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» ص: 544، والخطيب في «الجامع» 1/ 275، و «الكفاية» ص: 350، والقاضي في «الِإلمَاع» ص: 143. أما ما جاء عن الشافعي فقد قَال العراقي في «التقييد والإيضاح» ص: 196: هكذا ذكره المصنف عن الشافعي، وإنما هو معروف عن الأوزاعي وعن يحيى بن أبي كثير، وقد رواه عن الأوزاعي أبو عمر ابن عبد البر في كتاب «جامع بيان العلم» [1/ 337 (451)] من رواية بقية، عن الأوزاعي، ومن طريق ابن عبد البر رواه القاضي عياض في كتاب «الِإلمَاع» [ص: 143] بإسناده، ومنه يأخذ المصنف كثيرًا، وكأنه سبق قلمه من الأوزاعي إلى الشافعي، وأما قول يحيى بن أبي كثير فرواه ابن عبد البر أيضًا [(450)]، والخطيب في كتاب «الكفاية» [ص: 350]، وفي كتاب «الجامع» [1/ 275 (577)] من رواية أبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثير، ولم أر لهذا ذكرًا عن الشافعي في شيء من الكتب المصنفة في علوم الحديث ولا في شيء من مناقب الشافعي، والله أعلم. اهـ.

وعن الأخفش قال: إذا نسخ الكتاب ولم يُعارَض، ثم نسخ ولم يعارض خرج أعجميًّا (¬1). ثم إن أفضل المعارضة أن يعارض الطالب بنفسه كتابه بكتاب الشيخ مع الشيخ في حال تحديثه إياه من كتابه، لما يجمع ذلك من وجوه الاحتياط والإتقان من الجانبين (¬2). وما لم تجتمع فيه هذه الأوصاف، نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها، وما ذكرناه أولى من إطلاق أبي الفضل الجارودي الحافظ الهَرَويّ قوله: أصدق المعارضة مع نفسك. ويستحب أن ينظر معه في نسخته من حضر من السامعين، ممن ليس معه نسخة، لاسيما إذا أراد النقل منها، وقد روي عن يحيى بن معين: أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب والمحدث يقرأ: هل يجوز أن يحدث بذلك عنه؟ فقال: أما عندي فلا يجوز، ولكن عامة الشيوخ هكذا سماعهم. قلت: وهذا من مذاهب أهل التشديد في الرِّواية، وسيأتي ذكر مذهبهم إن شاء الله تعالى. والصحيح أن ذلك لا يشترط، وأنه يصح السماع، وإن لم ينظر أصلا في الكتاب حالة القراءة، وأنه لا يشترط أن يقابله بنفسه بل يكفيه مقابلة نسخته بأصل الراوي، وإن لم يكن ذلك حالة القراءة، وإن كانت المقابلة على يدي غيره إذا كان ثقة موثوقا بضبطه (¬3). قلت: وجائز أن تكون مقابلته بفرع قد قوبل المقابلة المشروطة بأصل شيخه أصل السماع، وكذلك إذا قابل بأصل أصل الشيخ المقابل به أصل ¬

(¬1) رواه عن الأخفش الخطيب في «الكفاية» ص: 351 باب المقابلة، وابن عبد البر في «الجامع» 1/ 78. (¬2) ينظر: «الكفاية» ص: 352. (¬3) ينظر: «الكفاية» ص: 351.

الشيخ؛ لأن الغرض المطلوب أن يكون كتاب الطالب مطابقا لأصل سماعه وكتاب شيخه، فسواء حصل ذلك بواسطة أو بغير واسطة، ولا يجزئ ذلك عند من قال: لا تصح مقابلته مع أحد غير نفسه، ولا يقلد غيره، ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة، وليقابل نسخته بالأصل بنفسه حرفًا حرفًا، حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها له، وهذا مذهب متروك، وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في أعصارنا، والله أعلم. أما إذا لم يعارض كتابه بالأصل أصلا، فقد سئل الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني عن جواز روايته منه فأجاز ذلك، وأجازه الحافظ أبو بكر الخطيب أيضا وبيَّن شرطه، فذكر أنه يشترط أن تكون نسخته نقلت من الأصل وأن يبيِّن عند الرّواية أنه لم يعارض (¬1). وحكى عن شيخه أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي: هل للرجل أن يحدِّث بما كتب عن الشيخ ولم يعارض بأصله؟ فقال: نعم، ولكن لابد أن يبين أنه لم يعارض قال: وهذا هو مذهب أبي بكر البرقاني فإنه روى لنا أحاديث كثيرة قال فيها: أَخْبَرَنا فلانٌ، ولم أعارض بالأصل (¬2). قلت: ولابد من شرط ثالث، وهو أن يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم النقل، بل صحيح النقل قليل السقط، والله أعلم. ثم إنه ينبغي أن يراعي في كتاب شيخه بالنسبة إلى من فوقه مثل ما ذكرنا أنه يراعيه من كتابه، ولا يكون منه كطائفة من الطلبة، إذا رأوا سماع شيخ لكتاب قرءوه عليه من أي نسخة اتفقت، والله أعلم (¬3). ¬

(¬1) «الكفاية» ص: 353. (¬2) ينظر «الكفاية» أيضًا ص: 353. (¬3) وصيغ المقابلة كثيرة وعبارات العلماء فيها مختلفة، واستخدمها النساخ والوراقون أنفسهم في الإشارة إلى المقابلة، ومنها ما يقتصر على كلمة واحدة وهي: بلغ، أو قوبل، أو مقابلة، أو قوبلت، ومنها ما يتكون من كلمتين، أو أكثر مثل: بلغ مقابلة، أو بلغ مقابلة وتصحيحًا، وهناك نمط آخر من ألفاظ المقابلة يحدد الصفة التي تمت عليها المقابلة، كأن يقول: بلغ مقابلة على شيخنا، أو بلغ بأصل مؤلفه، أو بلغ مقابلة على نسخة المؤلف، وقد يقول: بلغ مقابلة من أوله إلى آخره على أصل مؤلفه، وأحيانًا يحدد تاريخ المقابلة بذكر السنة، واليوم وقد يضاف إليها اسم المكان. وينظر كتاب «أنماط التوثيق» ص: 52 - 53.

الحادي عشر (¬1): المختار في كيفية تخريج الساقط في الحواشي - ويسمى اللحَق بفتح الحاء - وهو أن يخط من موضع سقوطه من السطر خطًّا صاعدًا إلى فوق، ثم يعطفه بين السطرين عطفة يسيرة إلى جهة الحاشية التي يكتب فيها اللحق، ويبدأ في الحاشية بكتبه اللحق مقابلًا للخط المنعطف، وليكن ذلك في حاشية ذات اليمين. وإن كانت تلي وسط الورقة إن اتسعت له، فليكتبه صاعدًا إلى أعلى الورقة لا نازلًا به إلى أسفل. قلت: وإذا كان اللحق سطرين أو سطورًا فلا يبتدئ بسطوره من أسفل إلى أعلى، بل يبتديء بها من أعلى إلى أسفل، بحيث يكون منتهاها إلى جهة باطن الورقة إذا كان التخريج في جهة اليمين، وإذا كان في جهة الشمال وقع منتهاها إلى جهة طرف الورقة، ثم يكتب عند انتهاء اللحق: (صح). ومنهم من يكتب مع (صح): رجع، ومنهم من يكتب في آخر اللحق الكلمة المتصلة به داخل الكتاب في موضع التخريج ليؤذن باتصال الكلام. وهذا اختيار بعض أهل الصنعة من أهل المغرب (¬2). واختيار القاضي أبي محمد بن خلاد صاحب كتاب «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي» من ¬

(¬1) بعد أن انتهى المؤلف من الكلام على المقابلة وما يتعلق بها بدأ يتكلم على ما ينتج عن المقابلة. (¬2) هو القاضي عياض، وينظر كلامه في «الِإلمَاع» باب التخريج والإلحاق ص: 144

أهل المشرق مع طائفة (¬1). وليس بمرضي؛ إذ رب كلمة تجيء في الكلام مكررة حقيقة، فهذا التكرير يوقع بعض الناس في توهم مثل ذلك في بعضه. واختار القاضي ابنُ خلاد أيضا في كتابه أن يَمُدَّ عطفة خَطِّ التخريج من موضعه حتى يُلحِقُه بأول اللَّحق بالحاشية، وهذا أيضا غير مرضيّ؛ فإنه وإن كان فيه زيادةُ بيانٍ، فهو تَسْخيمٌ للكتاب وتسويدٌ له لاسيما عند كثرة الإلحاقات، والله أعلم. وإنما اخترنا كِتْبةَ اللَّحَقِ صاعدًا إلى أعلى الورقة، لئلا يخرج بعده نقص آخر فلا يجد ما يقابله من الحاشية فارغًا له لو كان كتب الأول نازلًا إلى أسفل، وإذا كتب الأول صاعدًا فما يجد بعد ذلك من نقص يجد ما يقابله من الحاشية فارغًا له. وقلنا أيضًا: يخرجه في جهة اليمين؛ لأنه لو خرجه إلى جهة الشمال فربما ظهر بعده في السطر نفسه نقص آخر، فإن خرجه قدامه إلى جهة الشمال أيضا وقع بين التخريجين إشكال، وإن خرج الثاني إلى جهة اليمين التقت عطفة تخريج جهة الشمال وعطفة تخريج جهة اليمين أو تقابلتا، فأشبه ذلك الضرب على ما بينهما، بخلاف ما إذا خرج الأول إلى جهة اليمين؛ فإنه حينئذ يخرج الثاني إلى جهة الشمال فلا يلتقيان ولا يلزم إشكال، اللهم إلا أن يتأخر النقص إلى آخر السطر فلا وجه حينئذ إلا تخريجه إلى جهة الشمال؛ لقربه منها ولانتفاء العلة المذكورة من حيث أنا لا نخشى ظهور نقص بعده، وإذا كان النقص في أول السطر تأكد تخريجه إلى جهة اليمين؛ لما ذكرناه من القرب مع ما سبق. وأما ما يخرج في الحواشي - من شرح أو تنبيه على غلط أو اختلاف رِواية أو نسخة أو نحو ذلك مما ليس من الأصل - فقد ذهب القاضي الحافظ ¬

(¬1) «المحدث الفاصل» ص: 606 فقرة 884.

عِياض رحمه الله إلى أنه لا يخرج لذلك خط تخريج لئلا يدخل اللبس ويحسب من الأصل، وأنه لا يخرج إلا لما هو من نفس الأصل لكن ربما جعل على الحرف المقصود بذلك التخريج علامة كالضبة أو التصحيح إيذانًا به (¬1). قلت: التخريج أولى وأدل، وفي نفس هذا المخرج ما يمنع الإلباس، ثم هذا التخريج يخالف التخريج لما هو في نفس الأصل في أن خط ذلك التخريج يقع بين الكلمتين اللتين بينهما سقط الساقط، وخط هذا التخريج يقع على نفس الكلمة التي من أجلها خرج المخرج في الحاشية، والله اعلم. الثاني عشر: من شأن الحذاق المتقنين العناية بالتصحيح والتضبيب والتمريض (¬2). أما التصحيح: فهو كتابةُ (صح) على الكلام أو عنده، ولا يفعل ذلك إلا فيما صح رِواية ومعنى، غير أنه عرضة للشك أو الخلاف فيكتب عليه (صح) ¬

(¬1) «الِإلمَاع» ص: 146. (¬2) انتقل المصنف إلى التعريف ببعض ما يلزم من المقابلة ومن ذلك التصحيح. والتصحيح يطلق في المخطوطات على نوعين: النوع الأول: تفعيل من الصحة التي هي ضد السقم، ويكون المعنى على ذلك إزالة السقم من السقيم حتى يكون صحيحًا، ويتأتى ذلك بأن يكتب المصحح على الكلمة المراد تصويبها أو بجانبها في الهامش: صوابه كذا أو لعله كذا. النوع الثاني: وهو ما ذكره هنا ابن الصلاح وهو تثبيت الصحيح وأشهر من فعل ذلك اليونيني في نسخته. ويعد تصحيح المرويات من أشق الأعمال، ولقد وضح ذلك الجاحظ في كتابه «الحيوان» (1/ 79) بقوله: ولربما أراد مؤلف كتاب أن يصلح تصحيفًا أو كلمة ساقطة، فيكون إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ وشريف المعاني أيسر عليه من إتمام ذلك النقص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام، فكيف يطيق ذلك المعارض المستأجر والحكيم نفسه قد أعجزه هذا الباب. اهـ.

ليعرف أنه لم يغفُل عنه، وأنه قد ضبط وصح على ذلك الوجه. وأما التضبيب ويسمى أيضًا التمريض، فيجعل على ما صح وروده كذلك من جهة النقل، غير أنه فاسدٌ لفظًا أو معنًى أو ضعيفٌ أو ناقصٌ، مثل أن يكون غير جائز من حيث العربية، أو يكون شاذًّا عند أهلها يأباه أكثرهم، أو مصحفًا أو ينقص من جملة الكلام كلمة أو أكثر، وما أشبه ذلك، فيمد على ما هذا سبيله خط أوله مثل الصاد، ولا يلزق بالكلمة المعلم عليها كيلا يظن ضربًا، وكأنه صاد التصحيح بمدتها دون حائها كتبت كذلك؛ ليفرق بين ما صح مطلقا من جهة الرِّواية وغيرها، وبين ما صح من جهة الرِّواية دون غيرها فلم يكمل عليه التصحيح. وكتابة حرف ناقص على حرف ناقص إشعارًا بنقصه ومرضه مع صحة نقله وروايته، وتنبيهًا بذلك لمن ينظر في كتابه على أنه قد وقف عليه ونقله على ما هو عليه، ولعل غيره قد يخرج له وجها صحيحًا، أو يظهر له بعد ذلك في صحته ما لم يظهر له الآن (¬1). ولو غير ذلك وأصلحه على ما عنده لكان متعرضًا لما وقع فيه غير واحد من المتجاسرين الذين غيروا وظهر الصواب فيما أنكروه والفساد فيما أصلحوه. وأما تسمية ذلك ضبة، فقد بلغنا عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد اللغوي المعروف بابن الإفليلي: أن ذلك لكون الحرف مقفلًا بها لا يتجه لقراءة، كما أن الضبة مقفل بها (¬2). والله أعلم. قلت: ولأنها لما كانت على كلام فيه خلل أشبهت الضبة التي تجعل على كسر أو خلل فاستعير لها اسمها، ومثل ذلك غير مستنكر في باب ¬

(¬1) «الِإلمَاع» ص: 147 - 148 (¬2) أخرجه القاضي عياض في «الِإلمَاع» ص: 148.

الاستعارات (¬1). ومن مواضع التضبيب: أن يقع في الإسناد إرسال أو انقطاع، فمن عادتهم تضبيب موضع الإرسال والانقطاع، وذلك من قبيل ما سبق ذكره من التضبيب على الكلام الناقص. ويوجد في بعض أصول الحديث القديمة في الإسناد الذي يجتمع فيه جماعةٌ معطوفةٌ أسماؤهم بعضها على بعض علامةٌ تشبه الضبة فيما بين أسمائهم، فيتوهم من لا خبرة له أنها ضبة وليست بضبة، وكأنها علامة وصل فيما بينها أثبتت تأكيدًا للعطف خوفًا من أن تجعل (عن) مكان (الواو) والعلم عند الله تعالى (¬2). ثم إن بعضهم ربما اختصر علامة التصحيح فجاءت صورتها تشبه صورة التضبيب، والفطنة من خير ما أوتيه الإنسان، والله أعلم. الثالث عشر: إذا وقع في الكتاب ما ليس منه فإنه ينفى عنه بالضرب أو الحك أو المحو أو غير ذلك، والضرب خير من الحك والمحو. روينا عن القاضي أبي محمد بن خلاد رحمه الله قال: قال أصحابنا: ¬

(¬1) ويمكن أن يكون ذلك تشبيهًا بضبة الباب التي كان يغلق بها قديمًا. (¬2) هذا ما يعرف في المصطلحات الحديثة بعلامات الفصل بين الأسماء، مما يدل على سبق المسلمين غيرهم في ابتكار هذه العلامات والرموز الدقيقة التي اصطلحوا عليها لتأكيد الصحيح، أو للإشارة إلى الشك في صحة الكلمة، أو بيان السقط، أو لغير ذلك. وللأستاذ العلامة أحمد زكي باشا مؤلَّف صغير اسمه: «الترقيم وعلاماته في اللغة العربية» اعتمد فيه على ما وقف عليه من علامات الوقف والابتداء المؤلفة لخدمة القرآن الكريم، وما تنبه إليه من علامات عند المحدثين، أمثال هذه الإشارات التي أشار إليها ابن الصلاح، مما يؤكد سبق المسلمين في تصحيح الكتب وضبطها أنه كان من إبداع المحدثين لا من صنع المستشرقين، كما يروج البعض في زماننا. والله أعلم.

الحك تهمة (¬1). وأخبرني من أُخبِرَ عن القاضي عِياض قال: سمعت شيخنا أبا بَحْرٍ سفيان بن العاصي الأسدي يحكي عن بعض شيوخه أنه كان يقول: كان الشيوخ يكرهون حضور السكين مجلس السماع حتى لا يُبَشرُ شيء، لأن ما يبشر منه ربما يصح في رِواية أخرى، وقد يُسمَعُ الكتاب مرة أخرى على شيخ آخر، يكون ما بشر وحك من رِواية هذا صحيحًا في رِواية الآخر، فيحتاج إلى إلحاقه بعد أن بُشر وحُكّ وهو إذا خط عليه من رِواية الأول، وصح عند الآخر اكتفي بعلامة الآخر، عليه بصحته. ثم إنهم اختلفوا في كيفية الضرب: فروينا عن أبي محمد بن خلاد قال: أجود الضرب أن لا يطمس المضروب عليه، بل يخط من فوقه خطًّا جيدًا بينًا، يدل على إبطاله، ويقرأ من تحته ما خُطَّ عليه (¬2). وروينا عن القاضي عِياض ما معناه: أن اختيارات الضابطين اختلفت في الضرب، فأكثرهم على مد الخط على المضروب عليه مختلطًا بالكلمات المضروب عليها، ويسمى ذلك (الشق) أيضًا (¬3)، ومنهم من لا يخلطه ويثبته ¬

(¬1) «المحدث الفاصل» ص: 606 فقرة 883، وأخرجه القاضي عياض في «الِإلمَاع» من طريقه ص: 150 باب في الضرب والحك والشق والمحو. وهذا مما يدل على شدة الأمانة العلمية منهم حتى لا تتطرق إليهم التهمة، حتى ولو في كلمة دخيلة على النص. (¬2) «المحدث الفاصل» ص: 606 (¬3) قَال العراقي في «التقييد والإيضاح» ص: 201: (الشق) بفتح الشين المعجمة وتشديد القاف، وهذا الاصطلاح لا يعرفه أهل المشرق، ولم يذكره الخطيب في «الجامع» ولا في «الكفاية» وهو اصطلاح لأهل المغرب، وذكره القاضي عياض في «الِإلمَاع» ومنه أخذ المصنف، وكأنه مأخوذ من الشق، وهو الصدع، أو من شق العصا وهو التفريق، فكأنه فرق بين الكلمة الزائدة وبين ما قبلها وبعدها من الصحيح الثابت بالضرب عليها والله أعلم. اهـ.

فوقه، لكنه يعطف طرفي الخط على أول المضروب عليه وآخره (¬1). ومنهم من يستقبح هذا ويراه تسويدًا وتطليسًا، بل يحوق على أول الكلام المضروب عليه بنصف دائرة وكذلك في آخره، وإذا كثر الكلام المضروب عليه فقد يفعل ذلك في أول كل سطر منه وآخره، وقد يكتفي بالتحويق على أول الكلام وآخره أجمع. ومن الأشياخ من يستقبح الضرب والتحويق ويكتفي بدائرة صغيرة أول الزيادة وآخرها، ويسميها صفرًا كما يسميها أهل الحساب (¬2). وربما كتب بعضهم عليه (لا) في أوله و (إلى) في آخره. ومثل هذا يحسن فيما صح في رِواية وسقط في رِواية أخرى (¬3). والله أعلم. وأما الضرب على الحرف المكرر، فقد تقدم بالكلام فيه القاضي أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي رحمه الله على تقدمه. فروينا عنه قال: قال بعض أصحابنا: أولاهما بأن يبطل الثاني؛ لأن الأول كتب على صواب، والثاني كتب على الخطأ، فالخطأ أولى بالإبطال. ¬

(¬1) «الِإلمَاع» ص: 150 (¬2) رسم الصفر دائرة عند أهل الحساب هو معروف عند المغاربة، وذكره هنا المصنف نقلًا عن القاضي عياض وهو من المغاربة، فالمغاربة حتى اليوم ما زالوا يكتبون الأرقام كما تكتب باللغة الإفرنجية، بخلاف كتابة أهل المشرق فإنهم يكتبون الصفر نقطة. (¬3) وهو ما نجده كثيرًا في نسخة اليونينى التي جمع فيها أكثر من رواية لـ «صحيح البُخَارِيّ» وأحيانًا يكتب كلمة (سقط) عند الكلمة الساقطة أو يقتصر على ذكر كلمة (لا) ثم يكتب فوقها أو بجابنها الرمز الدال على النسخة الساقط منها.

وقال آخرون: إنما الكتاب علامة لما يقرأ فأولى الحرفين بالإبقاء أدلهما عليه وأجودهما صورة (¬1). وجاء القاضي عِياض آخرًا ففصل تفصيلًا حسنًا، فرأى أن تكرر الحرف إن كان في أول سطر، فليضرب على الثاني صيانة لأول السطر عن التسويد والتشويه. وإن كان في آخر سطر فليضرب على أولهما صيانة لآخر السطر، فإن سلامة أوائل السطور وأواخرها عن ذلك أولى. فإن اتفق أحدهما في آخر سطر والآخر في أول سطر آخر فليضرب على الذي في آخر السطر، فإن أول السطر أولى بالمراعاة، فإن كان التكرر في المضاف أو المضاف إليه أو في الصفة أو في الموصوف أو نحو ذلك، لم نراع حينئذ أول السطر وآخره بل نراعي الاتصال بين المضاف والمضاف إليه ونحوهما في الخط، فلا نفصل بالضرب بينهما ونضرب على الحرف المتطرف من المتكرر دون المتوسط (¬2). وأما المحو: فيقابل الكشط في حكمه الذي تقدم ذكره وتتنوع طرقه، ومن أغربها - مع أنه أسلمها - ما روي عن سحنون بن سعيد التنوخي الإمام المالكي: أنه كان ربما كتب الشيء ثم لعقه. وإلى هذا يومئ ما روينا عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه كان يقول: من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مدادٌ (¬3) والله أعلم. الرابع عشر: ليكن فيما تختلف فيه الروايات قائمًا بضبط ما تختلف فيه في كتابه، جيد التمييز بينها كيلا تختلط وتشتبه فيفسد عليه أمرها (¬4). ¬

(¬1) «المحدث الفاصل» ص: 607 فقرة 885. (¬2) «الِإلمَاع» ص: 151 - 152. (¬3) ينظر كلا الأثرين في «الِإلمَاع» ص: 152. (¬4) كذا العبارة في جميع النسخ لمقدمة ابن الصلاح وهي غير واضحة المعنى.

وسبيله: أن يجعل أولًا متن كتابه على رِواية خاصة، ثم ما كانت من زيادة لرِواية أخرى ألحقها، أو من نقص أعلم عليه أو من خلاف كتبه إما في الحاشية وإما في غيرها، معينًا في كل ذلك من رواه ذاكرًا اسمه بتمامه، فإن رمز إليه بحرف أو أكثر فعليه ما قدمنا ذكره من أنه يبين المراد بذلك في أول كتابه أو آخره؛ كيلا يطول عهده به فينسى، أو يقع كتابه إلى غيره فيقع من رموزه في حيرة وعمًى. وقد يدفع إلى الاقتصار على الرموز عند كثرة الروايات المختلفة، واكتفى بعضهم في التمييز بأن خص الرِّواية الملحقة بالحمرة، فعل ذلك أبو ذر الهَرَويّ من المشارقة، وأبو الحسن القابسي من المغاربة، مع كثير من المشايخ وأهل التقييد. فإذا كان في الرِّواية الملحقة زيادة على التي في متن الكتاب كتبها بالحمرة، وإن كان فيها نقص والزيادة في الرِّواية التي في متن الكتاب حوق عليها بالحمرة، ثم على فاعل ذلك تبيين من له الرِّواية المعلمة بالحمرة في أول الكتاب أو آخره على ما سبق والله أعلم (¬1). ¬

(¬1) قلت: وقد أبدع العلامة اليونيني في نسخته حيث راعى آداب المحدثين في ذلك، وما ذكره ابن الصلاح من منهج في كتابة الكتاب المتعدد الروايات، يصلح فعله اليوم في تحقيق الكتب من أكثر من نسخة لها، فتُنزّل النسخة المخطوطة من الكتاب بمقام الرواية منه عند القدامى. وما حكاه ابن الصلاح عن أبي ذر الهروي والقابسي وكلاهما من رواة «الصحيح» سيأتي في رواية أبي ذر ورواية القابسي في الباب الأول من هذه الرسالة، وهذا يدل أيضًا على معرفة المسلمين بأصول التحقيق والمقارنة بين النسخ منذ زمن بعيد، والله أعلم. ومن الأشياء التي لم يذكرها ابن الصلاح وهي معروفة عند المتقدمين من المحدثين: 1 - البدل: وهو أن يكون في النص كلمة أو عبارة كتبت بخط غير واضح وتشكل على القارئ، فيعمد إلى وضع إشارة عليها ثم يكتب في الهامش الكلمة أو العبارة الواضحة ثم تعقب بكلمة: بدل أو يكتب فوقها حرف الباء هكذا: (ب). 2 - ومنها: التقديم والتأخير: وهو أن يسهو الناسخ فيكتب كلمة أو عبارة قبل أخرى، ولئلا يضطر إلى الضرب أو المحو أو الكشط يعمد إلى وضع إشارة تبين ما ينبغي تقديمه وما ينبغي تأخيره، فإذا كان التقديم والتأخير في عبارة طويلة وضع إشارة في بداية العبارة المتقدمة وكتب (يؤخر من) ثم حدد بداية العبارة المتأخرة التي ينبغي تقديمها وكتب يقدم. أما إذا كان التقديم والتأخير في كلمتين فقط، فيكتب على كل منها حرف (م) للدلالة على وجوب تقديم الكلمة الثانية على الأولى كما ورد ذلك في النسخة اليونينية. 3 - يضع الناسخ أحيانًا على بعض الكلمات كلمة (معًا) وذلك إشارة إلى صحة الضبطين في كلمة واحدة كأن يُقال مثلًا معًا. 4 - كثيرًا ما يضع النساخ أول كلمة من الصفحة في أسفل الصفحة التي قبلها؛ وذلك للمحافظة على تسلسل الصفحات فلا تتقدم صفحة على أخرى، وتسمى بالتعقيبة. 5 - ومن الرموز التي استخدمها النساخ أيضًا رمز (حـ) كذا للحاشية التي تكتب زيادة على أصل المروي، وقد تكون بخط الناسخ وقد تكون بخط الراوي. وقد تكتب (خـ) كذا للدلالة على النسخة إذا كان المروي له أكثر من نسخة. وغير ذلك وينظر في ذلك مبحث النسخة اليونينية ورموزها.

الخامس عشر: غلب على كتبة الحديث الاقتصار على الرمز في قولهم: (حَدَّثَنا) و (أَخْبَرَنا) غير أنه شاع ذلك وظهر، حتى لا يكاد يلتبس. أما (حَدَّثَنا) فيكتب منها شطرها الأخير، وهو الثاء والنون والألف، وربما اقتصر على الضمير منها وهو النون والألف. وأما (أَخْبَرَنا) فيكتب منها الضمير المذكور مع الألف أولًا (¬1)، وليس يحسن ما يفعله طائفة من كتابة: (أَخْبَرَنا) بألف مع علامة: (حَدَّثَنا) (¬2) المذكورة أولًا، وإن كان الحافظ البيهقي ممن فعله. ¬

(¬1) أي: تكتب (أنا). (¬2) أي: تكتب (أثنا).

وقد يكتب في علامة (أَخْبَرَنا) راء بعد الألف، وفي علامة (حَدَّثَنا) دال في أولها (¬1). وممن رأيت في خطه الدال في علامة (حَدَّثَنا) الحافظ: أبو عبد الله الحاكم وأبو عبد الرحمن السُّلَمِي والحافظ أحمدُ البيهقي رضي الله عنهم. والله أعلم. وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر فإنهم يكتبون عند الانتقال من إسناد إلى إسناد ما صورته (ح) وهي حاء مفردة مهملة (¬2)، ولم يأتنا عن أحد ممن يعتمد بيان لأمرها؛ غير أني وجدت بخط الأستاذ الحافظ أبي عثمان الصابوني، والحافظ أبي مسلم عمر بن علي الليثي البُخارِيّ، والفقيه المحدث أبي سعيد الخليلي - رحمهم الله تعالى - في مكانها بدلًا عنها (صح) صريحة، وهذا يشعر بكونها رمزًا إلى (صح)، وحسن إثبات (صح) ههنا؛ لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط، ولئلا يُرَكَّب الإسناد الثاني على الإسناد الأول، فيجعلا إسنادًا واحدًا. وحكى لي بعض من جمعتني وإياه الرحلة بخراسان عمن وصفه بالفضل من الأصبهانيين، أنها حاء مهملة من التحويل. أي: من إسناد إلى إسناد آخر. وذاكرت فيها بعض أهل العلم من أهل المغرب، وحكيت له عن بعض من لقيت من أهل الحديث أنها حاء مهملة إشارة إلى قولنا (الحديث) فقال لي: أهل المغرب - وما عرفت بينهم اختلافًا - يجعلونها حاء مهملة، ويقول أحدهم إذا وصل إليها: (الحديث) وذَكَر لي أنه سمع بعض البغداديين يذكر أيضا أنها حاء مهملة، وأن منهم من يقول إذا انتهى إليها ¬

(¬1) يعني تختصر حَدَّثَنَا: (دثنا)، وأَخْبَرَنَا: (أرنا). (¬2) وهى تقع كثيرًا عند مسلم في «صحيحه»، نظرًا لطريقته في سياق الأسانيد، وذكر الاختلاف بينها.

في القراءة: (حا) ويَمُرُّ. وسألت أنا الحافظ الرحال أبا محمد عبد القادر بن عبد الله الرُّهاوي - رحمه الله - عنها فذكر أنها (حاء) من (حائل) أي: تحَوُّلُ بين الإسنادين، قال: ولا يلفظ بشيء عند الانتهاء إليها في القراءة وأنكر كونها من الحديث وغير ذلك، ولم يَعرِفْ غيرَ هذا عن أحد من مشايخه، وفيهم عدد كانوا حفاظ الحديث في وقته. وأختار أنا - والله الموفق - أن يقول القارئ عند الانتهاء إليها: (حا) ويمر فإنه أحوط الوجوه وأعدلها، والعلم عند الله تعالى (¬1). السادس عشر: ذكر الخطيب الحافظ: أنه ينبغي للطالب أن يكتب بعد البسملة اسم الشيخ الذي سمع الكتاب منه، وكنيته ونَسَبَه، ثم يسوق ما سمعه منه على لفظه، قال: وإذا كتب الكتاب المسموع، فينبغي أن يكتب فوق سطر التسمية أسماء من سمع معه، وتاريخ وقت السماع، وإن أحب كتب ذلك في حاشية أول ورقة من الكتاب فكل ذلك قد فعله شيوخنا. قلت: كِتْبَةُ التسميع جنب (ذَكَره) أحوط له وأحرى؛ بألا يخفى على من يحتاج إليه ولا بأس بكتبته آخر الكتاب، وفي ظهره وحيث لا يخفى موضعُه. وينبغي أن يكون التسميع بخط شخص موثوق به، غير مجهول الخط، ولا ضير حينئذ في ألا يكتب الشيخ المسمع خطه بالتصحيح، وهكذا لا بأس على صاحب الكتاب إذا كان موثوقًا به أن يقتصر على إثبات سماعه بخط نفسه، فطالما فعل الثقات ذلك. وقد حدثني بمرو الشيخ أبو المظفر ابن الحافظ أبي سعد المَرْوَزيّ عن أبيه، عمن حدثه من الأصبهانية: أن عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن منده قرأ ¬

(¬1) قلت: وفي نسخة اليونيني جاءت في كل المواضع بالخاء المعجمة، إشارة إلى إسناد آخر. ويراجع المبحث الخاص بالنسخة «اليونينية».

ببغداد جزءًا على أبي أحمد الفرضي وسأله خطه؛ ليكون حجة له، فقال له أبو أحمد: يا بني عليك بالصدق، فإنك إذا عرفت به لا يكذبك أحد؛ وتُصدَّقُ فيما تقول وتنقل، وإذا كان غير ذلك فلو قيل لك: ما هذا خطُّ أبي أحمد الفرضي ماذا تقول لهم؟! ثم إن على كاتب التسميع التحري والاحتياط وبيان السامع والمسموع منه بلفظ غير محتمل، ومجانبة التساهل فيمن يثبت اسمه، والحذر من إسقاط اسم واحدٍ منهم لغرض فاسد. فإن كان مثبت السماع غير حاضر في جميعه ليكن أثبته معتمدًا على إخبار من يثق بخبره من حاضريه، فلا بأس بذلك إن شاء الله تعالى. ثم إن من ثبت سماعه في كتابه فقبيح به كتمانه إياه ومنعه من نقل سماعه، ومن نسخ الكتاب، وإذا أعاره إياه فلا يبطئ به. رُوِّينا عن الزهري أنه قال: إياك وغلول الكتب. قيل له: وما غلول الكتب؟ قال: حبسها عن أصحابها (¬1). وروينا عن الفضيل بن عِياض رضي الله عنه أنه قال: ليس من أفعال أهل الورع ولا أفعال الحكماء أن يأخذ سماع رجل وكتابه فيحبسه عنه؛ ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه (¬2). فإن منعه إياه فقد رُوِّينا أن رجلًا ادعى على رجل بالكوفة سماعًا منعه إياه فتحاكما إلى قاضيها حفص بن غياث، فقال لصاحب الكتاب: أخرج إلينا كتبك، فما كان من سماع هذا الرجل بخط يدك ألزمناك، وما كان بخطه ¬

(¬1) أخرجه ابن المقرئ في «المعجم» ص: 288 (942)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» 3/ 366، والخطيب في «الجامع» 2/ 47 - 48 (482 - 483)، والقاضي في «الإلماع» ص: 189، والسمعاني في «أدب الإملاء» ص: 176. (¬2) أخرجه الخطيب في «الجامع» 1/ 242 - 243 (485 - 486).

أعفيناك منه. قال ابن خلاد: سألت أبا عبد الله الزبيري عن هذا، فقال: لا يجيء في هذا الباب حكم أحسن من هذا، لأن خط صاحب الكتاب دال على رضاه باستماع صاحبه معه. قال ابن خلاد: وقال غيره: ليس بشيء (¬1). وروى الخطيب الحافظ أبو بكر، عن إسماعيل بن إسحاق القاضي: أنه تحوكم إليه في ذلك، فأطرق مليًّا، ثم قال للمدعى عليه: إن كان سماعه في كتابك بخطك فيلزمك أن تعيره، وإن كان سماعه في كتابك بخط غيرك فأنت أعلم (¬2). قلت: حفص بن غياث معدود في الطبقة الأولى من أصحاب أبي حنيفة، وأبو عبد الله الزبيري من أئمة أصحاب الشافعي وإسماعيل بن إسحاق لسان أصحاب مالك، وإمامهم وقد تعاضدت أقوالهم في ذلك، ويرجع حاصلها إلى أن سماع غيره إذا ثبت في كتابه برضاه فيلزمه إعارته إياه، وقد كان لا يتبين لي وجهه، ثم وجَّهتهُ بأن ذلك بمنزلة شهادة له عنده فعليه أداؤها بما حوته، وإن كان فيه بذل ماله، كما يلزم متحمِّلَ الشهادة أداؤها، وإن كان فيه بذل نفسه بالسعي إلى مجلس الحكم لأدائها، والعلم عند الله تعالى. ثم إذا نسخ الكتاب فلا ينقل سماعه إلى نسخته إلا بعد المقابلة المرضية. وهكذا لا ينبغي لأحد أن ينقل سماعًا إلى شيء من النسخ، أو يثبته فيها عند السماع ابتداء إلا بعد المقابلة المرضية بالمسموع؛ كيلا يغتر أحد بتلك النسخة غير المقابلة؛ إلا أن يبين مع النقل وعنده كون النسخة غير مقابلة (¬3) ¬

(¬1) «المحدث الفاصل» ص: 589 فقرة 838. (¬2) «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» 1/ 241 (481). (¬3) قلت: ولإثبات السماع أو القراءة على المخطوط أثر بالغ في توثيق المروي، وخاصة بعد أن أصبح الاعتماد في نقل السنة على المصنفات التي يراد منها جمع ما تفرق في الصحف والأجزاء والنُّسخ، فانصرف العلماء إلى ضبط هذه المصنفات والتحري في نقلها، واستُخْدِمتْ مجالسُ التحديث وسائل لهذا الضبط ببيان من قرئ عليه الكتاب أو تلقي منه، ومن تولى ضبط ذلك المجلس ومن شارك فيه، ومن تولى القراءة وأين كان ذلك، ومتى وما القدر المقروء أو المسموع، وهل شارك الجميع في هذا القدر ... إلى غير ذلك مما يعد وثيقة تاريخية. ويتحقق بإثبات السماع والقراءة على المخطوط ما يلي: أولًا: الإفادة بأن مضمونها قد سمع في حلقة سماع على شيخ معروف بتخصصه في فن يتعلق بموضوع النسخة، وهذا يمنح المخطوط ثقة في صحة مادته ونصه، وذلك بقراءته على الشيخ ومذاكرة الأقران، وتصحيح السامع سواء كان ذلك ناسخًا أم مقابلًا، والسماعات والقراءات المثبتة بعد كل ذلك تعين المعنيين بتواريخ المخطوط على تحديد تاريخه في حالة إغفاله، وهي بعد ذلك تكشف لنا عن قيمة المخطوط ومدى اهتمام الناس به في عصره وبعد عصره، بل ومدى الثقة به وبمؤلفه، وهي في آخر الأمر تعطينا صورة للحركة العلمية، ومدى انتشار الثقافة، بل ومدى عمقها في عصر من العصور. ينظر «المخطوط العربي» لعبد الستار الحلوجي ص: 173، و «عناية المحدثين بتوثيق المرويات» .. ص: 17 - 18. ثانيًا: تشكيل حلقات مترابطة من الرُّواة الذين عن طريقهم نقلت آلاف المخطوطات، فكل سماع أو قراءة يحتوى على أسماء الأشخاص الذين تلقوا هذا الأصل عن سابقتهم، حتى ينتهي ذلك إلى مصنف الكتاب، فهي بمثابة شهادات على شهادات بنقل هذه المادة مصونة مضمونة محررة مضبوطة كما وضعها مؤلفها. «عناية المحدثين بتوثيق المرويات» .. ص: 16. هذا بالإضافة إلى فوائد ثقافية كثيرة منها: 1 - دراسة تاريخ التدريس في الإسلام والتأريخ لظاهرة علمية. 2 - معرفة أسماء كثير من الرجال والشيوخ وبعض المعلومات عنهم. 3 - تحديد مدارس العلم وأماكنه في العصور الأولى. 4 - معرفة بعض جوانب الحياة الاجتماعية الإسلامية. ينظر في أهمية السماعات والقراءات بحث: «إجازات السماع في المخطوطات القديمة»، لصلاح الدين المنجد، وهو بحث منشور في مجلة معهد المخطوطات العربية، الجزء الثاني، المجلد الأول سنة 1950 م من ص: 232 - 252 وللسماع عناصر كثيرة ومنها: ما اشتمل عليه السماع الذي حضره ابن الصلاح، والذي سيأتي ذكره فيما بعد. وهذه العناصر على سبيل الاختصار هي: 1 - اسم المُسمعُ: ويراد به الشيخ إذا كان راويًا للنسخة، أو المؤلف إذا كان يقرأ من نسخته. 2 - أسماء السامعين: وتسرد فردًا فردًا مع ذكر أسماء آبائهم وذكر ما يميزهم. 3 - القدر المسموع من الكتاب: وكانت أمانة العلم تدفعهم إلى النص على ما سمعه من الحاضرين، فقد يتأخر أحدهم عن السماع فيقولون: سمعه مع فوت .. إلى غير ذلك. 4 - اسم القارئ على الشيخ: والمراد بالقارئ من يتولى قراءة الكتاب، ويختار القارئ عادة الشيخ، ويراعي أن يكون ممن عرف بإتقانه وحسن قراءته، وقد يكون من أقران الشيخ، أو من تلاميذه المبرزين، وقد يشترك في القراءة أكثر من شخص. 5 - كاتب السماع: وهو الذي يتولى تدوين وقائع السماع، وقد يكون هو الشيخ المسموع عليه، وقد يكون هو القارئ على الشيخ أو غيره. وكان يشترط في كاتب السماع الأمور الآتية: - الأهلية: بأن يكون موثوقًا به غير مجهول الخط. - التحري والدقة ببيان السامع والمسموع منه بلفظ غير محتمل .. - الأمانة: وذلك بأن يكون أمينًا فيما يثبته: وتلك الشروط ذكرها ابن الصلاح، وهي تؤكد على أهمية أثر كاتب السماع في توثيق المخطوط. 6 - ذكر عبارة: (صح وثبت) أو ما يماثلها، مما يدل على تأكد كاتب السماع من أسماء السامعين. 7 - مكان السماع: وقد يذكر اسم البلد أو المدينة أو المدرسة أو المسجد أو المنزل الذي تم فيه السماع. 8 - تاريخ السماع ومدته: ويحدد فيه التاريخ، وقد يذكر باليوم والشهر والسنة. وقد يذكر مدة السماع: هل هو في مجلس واحد، أو أكثر؟ إلى غير ذلك. 9 - وصف النسخة التي قرئت وسمعها الحاضرون وقيمتها إذا كان المُسمع أحد الرُّواة لا المؤلف نفسه. وهكذا ضرب المحدثون أروع الأمثلة من خلال هذا المنهج التوثيقي المنقطع النظير، فهذا الميدان قد تفرد به المحدثون، ولذا كان من أعظم الأسباب لصيانة المرويات، وخاصة بعد عصر التدوين، وأصبح الاعتماد فيه على المرويات والكتب المصنفة. وهناك ألوان أخرى من أنماط التوثيق التي تميز بها المحدثون أذكرها باختصار، لما لها من أثر في توثيق المرويات ولعدم اهتمام كثير من العلماء بالإشارة إليها: وهما القراءة والمطالعة: أولًا القراءة: وهي عبارة عن قيام واحد أو أكثر من الطلبة بقراءة كتاب يختاره الشيخ ويقوم الشيخ بالتعليق على المسموع من حين لآخر، أو توضيح لغريب، أو لفظة شاذة، والقراءة تدل بذاتها على قراءة الكتاب على عالم متخصص في الفن الذي ألفت فيه النسخة المقروءة. وبين السماع والقراءة عموم وخصوص كما يقول الأصوليون؛ فسماع الكتاب على الشيخ يقتضي قارئًا وسامعًا أو أكثر. وقراءة الكتاب على الشيخ إذا جاءت بعبارة المتكلم الواحد مثل: قرأت هذا الكتاب على فلان. لا تقتضي وجود سامع أو سامعين غير المؤلف. ومجلس السماع يعد سماعًا وقراءة، إذا كان أحد يقرأ على الشيخ وكان آخرون يستمعون، ويعد مجلس سماع وإملاء إذا كان الشيخ يملي وآخرون يقيدون ما يمليه؛ فإنه بالنسبة للسامعين يسمى سماعًا، وبالنسبة للقارئ أو القراء يسمى قراءة وعرضًا. وقد يطلق على القراءة العرض أو المقابلة. وكان من نتائج القراءة على الشيخ ظهور الشروح والمختصرات والحواشي التي أصبح لها أهمية كبيرة في مختلف العلوم. أما المطالعة ويطلق عليها أيضًا النظر، فتعني أن يطالع عالم أو قارئ أو شيخ في الكتاب بقصد الاستفادة منه أو المذاكرة فيه. وعادة ما تبدأ عبارات المطالعة بقولهم: طالعه العبد .. ، أو طالع فيه فلان .. ، أو نظر فيه فلان بن فلان، وقد تذكر معلومات أكثر مثل اسم المطالع كاملًا والجزء أو الكتاب الذي تمت مطالعته وتاريخ المطالعة ومكانها وغير ذلك. وهناك أنماط أخرى ساعدت في توثيق المرويات عند المحدثين وهي: الإجازات التي تكتب آخر المرويات أو أولها. ومنها أيضًا التمليكات التي تكتب على المخطوطات. ولولا الإطالة لتناول البحث التفصيل في ذلك.

والله أعلم. هذا آخر ما ذكره أبو عمرو ابن الصلاح في هذا النوع، وهو طويل جدًّا وهو في غاية النفاسة، وفيه فوائد وفرائد كثيرة تعالج أخطاء كثير من القائمين

بطباعة الكتب في عصرنا الحاضر، فهذه الضوابط إنما كانت نتيجة الدرس والنظر والمباحثة في قرون طويلة، ووقائع متعددة فأنتجت مثل هذه الدقائق والضوابط. ولقد اخترت سوق هذا النوع بتمامه من عند ابن الصلاح رحمه الله تعالى، وإن كان قد تكلم في ذلك من هو قبله؛ لعدة أسباب: أولها: أن ابن الصلاح قد استوعب ولخص ما قيل قبله؛ حيث ذكر ما جاء عند الرامهرمزي والقاضي عِياض والخطيب وغيرهم، كما هو واضح فيما سبق. ثانيها: التأكيد على أن ما اصطلح عليه المتأخرون من علامات للترقيم وضوابط الكتابة لا يمثل إلا جانبًا صغيرًا بالنسبة لضوابط المتقدمين، وليعلم أنصار المستشرقين وتلاميذهم أن في كتب الأوائل من المحدثين على سبيل الخصوص من استوعب هذه القواعد، وأنهم سبقوا المستشرقين في وضع قواعد للكتابة ابتداءً ثم العرض والمقابلة وضوابط التصحيح ثانيًا .. ، إلى غير ذلك من الآداب التي تجب عند السماع والإسماع والرِّواية وغيرها. ثالثها: أن ابن الصلاح قد طبق هذه القواعد، وخاصة ما يتعلق بمجالس السماع. فقد كان ابن الصلاح رحمه الله تعالى أول من جلس للتحديث بدار الحديث الأشرفية سنة (630) هـ والتي بناها السلطان الأشرف رحمه الله تعالى (¬1). ¬

(¬1) هي دار الحديث التي أمر ببنائها الملك الأشرف في دمشق سنة ثمان وعشرين وستمائة، وتم فتحها في سنة ثلاثين وستمائة في ليلة النصف من شعبان، وجعل شيخها الحافظ أبا عمرو بن الصلاح ليملي فيها الحديث، ووقف عليها الملك الأشرف الأوقاف، وجعل بها نعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسمع الملك الأشرف «صحيح البُخَارِيّ» في هذه السنة على الزبيدي. وأصبحت هذه الدار من أشهر دور الحديث في العالم الإسلامي، وولي التدريس فيها جماعة من العلماء بعد ابن الصلاح. ينظر في ذلك: «الدارس في تاريخ المدارس» 1/ 19 - 30.

وكان ابن الصلاح في هذه الدار قد أسمع الطلاب والحاضرين الكتاب العظيم: «السنن الكبرى» للإمام البيهقي رحمه الله تعالى. ولقد سجل لنا التاريخ وحفظ من التلف والضياع سماعًا لهذا الكتاب على الإمام أبي عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى. ونص هذا السماع جاء في آخر المجلد الثامن من «السنن الكبرى» من الطبعة الهندية، رواه عنه بالسند إليه أبو عمرو بن الصلاح في دار الحديث الأشرفية بدمشق الشام سنة (634) هـ في مجالس بلغت في المجلد فقط تسعين مجلسًا، أما مجالس الكتاب كله فبلغت سبعمائة وسبعةً وخمسين مجلسًا، وتحمله عن الحافظ ابن الصلاح وسمعه منه شيوخ العلم والحديث وطلابه في أدق صورة وأضبط سماع لتلك المجالس، التي كانت تساق فيها رِواية ذلك الكتاب الجليل مع العرض والمقابلة له على نسخة المؤلف الإمام البيهقي ونسخة الحافظ ابن عساكر الدمشقي. وهي صورة رائعة ممتعة تعرفنا ما كان عليه المحدثون الكبار من الضبط والإتقان والعناية البالغة والتجويد العجيب لرِواية الحديث بالسماع والإسناد في مجالسهم وفي أخذ الرُّواة عنهم، حتى في الكتب الكبار كهذا الكتاب. وتمثل لنا في قدمها من نحو ثمانمائة سنة ما كأنّا نشهده اليوم في الوسائل الضابطة الدقيقة المصورة كالتلفاز مثلًا. فهي صورة - غير ناطقة ولا صوتية - تسجل تلك المجالس الحديثية، وحال الشيخ المحدث، وحال العلماء الطلاب الحاضرين فيها: سماعًا وتلقيًا، وحضورًا وغيابًا، ويقظة ونومًا، وانتباهًا واشتغالًا، وتحدثًا ونسخًا، وفواتًا

واستكمالًا، كأنك تشهدهم في مجالس التحديث والتسميع لكن ينقصها تسجيل الصوت والكلام، فهي صورة صافية واعية لسماع وتحمل وأداء وأمانة علمية بالغة تميز بها آباؤنا وعلماؤنا المحدثون رضي الله عنهم، وتميز عنهم فيها أيضًا الحافظ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رضي الله عنه (¬1). وكان مجلس السماع على يد ابن الصلاح رحمه الله تعالى لهذا الكتاب بعنايته وقراءته وسماعه منه من أوله إلى آخره في سبعمائة وسبعةٍ وخمسين مجلسًا، وسمع المجلد الثامن منه عدد كبير بلغ ثلاثة وتسعين محدثًا، في تسعين مجلسًا، في مدينة دمشق، وترى في هذا السماع لهذا المجلد الثامن أمورًا يظهر من خلالها عناية الحافظ ابن الصلاح من أهمها: 1 - الضبط لعدد مجالس السماع التي بلغت في هذا المجلس تسعين مجلسًا كما تقدم. 2 - تعيين هذه المجالس بخط أبي عمرو بن الصلاح نفسه المقروء عليه، فهي كالشهادة منه بذلك. 3 - أن كاتب السماع كتب أسماء السامعين وألقابهم وكناهم وأنسابهم تعريفًا بهم. 4 - أنه ضبط أحوال السامعين؛ من سمع المجالس كلها بغير فوات، ومن سمعها بفوات، ومن سمعها مع نوم في بعضها أو إغفاءٍ أحيانًا، ومن سمعها وهو يتحدث خلال السماع، ومن سمعها وهو ينسخ خلال ذلك، ومن سمع وقد جمع كل ذلك، وتعيين حال كل واحد من السامعين. ¬

(¬1) فهي بحق: صفحة مشرقة من تاريخ سماع الحديث عند المحدثين كما سماها وعلق عليها الشيخ العلامة عبد الفتاح أبو غدة؛ حيث ساق نص السماع وعلق عليه بما يزيل أي شك في توصل أحد من العلماء إلى ما توصل إليه آباؤنا الأوائل، ونشره مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب سنة 1992 م

5 - كتابة تاريخ الفراغ من إسماع الشيخ ابن الصلاح، حيث كتب ابن الصلاح بخطه في آخر المجلد العاشر (¬1): بلغ سماع الجماعة - بدار الحديث الأشرفية رحم الله واقفها - وعَرْضُ هذه النسخة على الإتقان من أولِها إلى آخرها بأصلين: أحدهما: أصل الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن علي المعروف بابن عساكر. والثاني: أصل أبي المواهب الحسن بن هبة الله بن صَصْرَى .. وكان الفراغ من سماعهم للكتاب مني، ومن عرض هذه النسخة يوم الإثنين الثامن عشر من شهر ربيع الأول، سنة خمس وثلاثين وستمائة بدمشق - حرسها الله وسائر بلاد الإسلام وأهله - وهو خط عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان المعروف بابن الصلاح غفر الله له ولهم آمين. ¬

(¬1) ص: 350

الباب الأول «طبقات الرُّواة»

الباب الأول «طبقات الرواة»

الباب الأول «طبقات الرُّواة» ويتكون من تمهيد وثلاثة فصول: الفَصْل الأول: «طبقات الرُّواة عن البُخارِيّ»: المبحث الأول: إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي. المبحث الثاني: حماد بن شاكر النَّسفي. المبحث الثالث: رِواية أبي عبد الله الفَرَبْريّ. المبحث الرابع: باقي الرُّواة عن البُخارِيّ. الفَصْل الثاني: «الرُّواة عن الفَرَبْريّ»: المبحث الأول: رِواية أبي علي ابن السَّكن (353) هـ. المبحث الثاني: رِواية أبي زيد المَرْوَزيّ (371) هـ. المبحث الثالث: رِواية أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ (376) هـ. المبحث الرابع: رِواية أبي محمد الحَمُّوييّ (381) هـ. المبحث الخامس: رِواية أبى الهيثم الكُشْمِيهَني (389) هـ. المبحث السادس: باقي الروايات عن الفربري. الفَصْل الثالث: «أشهر الروايات بين العلماء حتى القرن الخامس الهجري»: المبحث الأول: رِواية أبي ذر الهَرَويّ (434) هـ. المبحث الثاني: رِواية الأصيلي (392) هـ. المبحث الثالث: رِواية أبي الوَقْت (553) هـ المبحث الرابع: رِواية كريمة المَرْوَزيّة (463) هـ.

تمهيد

تمهيد عناية البخاري بكتابه «الصحيح» لقد جاء البخاري ومناهج العلماء في التدوين مختلفة، وذلك وفقًا لمتطلبات خاصة بكل زمان ألفت فيه هذه المصنفات. حتى تولد في نفوس المحدثين إحساس بضرورة عمل جديد، تكون غايته خدمة الحديث النبوي خدمة كاملة، تخلصه مما اختلط به وتميز صحيحه من سقيمه، وتسهل الانتفاع به على الناس. فلما جاء البخاري كان هذا الإحساس قد قوي حتى أصبح رغبة ينادي بها العلماء، فكان أولَّ مستجيب لتحقيق هذه الرغبة. وكان النداء بها في مجلسِ أستاذهِ إسحاقَ بنِ إبراهيم بن حنظلة المعروف بابن راهويه. كما جاء ذلك فيما رواه إبراهيم بن معقل النَّسفي قال: سمعت أبا عبد الله بن محمد بن إسماعيل البُخارِيّ يقول: كنت عند إسحاق بن راهويه فقال لنا بعض أصحابنا: لو جمعتم مختصرًا لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع هذا الكتاب - يعني: «الجامع». رواه الخطيب البغدادي في «تاريخه» (¬1). ولم تكن هذه الأمنية هي كل ما وجه البخاري إلى تأليف الكتاب، فقد سمعها معه أقرانه دون أن يحاولوا تحقيقها، ولكن إرادة الله سهلت له ¬

(¬1) أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» 2/ 8 ترجمة البُخَارِيّ، وفي «مسألة الاحتجاج بالشافعي» ص: 36 قال: أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب قال: أنبأنا محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت خلف بن محمد بن إسماعيل البُخَارِيّ به، فذكره. ويوجد مزيد من التفصيل في التخريج وسياق العبارة في مبحث رواية إبراهيم بن معقل النَّسفي.

طريق الفوز، فضمت إلى نداء أستاذه حافزًا آخر له حظه الأسمى عند أمثاله من أقوياء الإيمان، وتمثل له هذا الحافز في رؤياه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفسرها له أحد المعبرين بما يوجهه إلى هذا العمل الجليل، وقد روي عنه أنه قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وكأنني واقف بين يديه، وبيدي مروحة أَذُب بها عنه، فسألت بعض المعبرين، فقال لي: أنت تذب عنه الكذب، فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح (¬1). بهذا الحافز وذاك، تحركت همة البخاري - رحمه الله - لتأليف كتابه الجامع الصحيح، وقد أولاه من العناية ما لم يحظ به كتاب آخر، فانتقاه من ستمائة ألف حديث، وكان لا يكتب فيه حديثا إلا إذا اغتسل وصلى ركعتين واستخار الله، وتيقن من صحته، كل ذلك لأنه أراد أن يجعله حجة فيما بينه وبين الله كما قال، ولشدة تحرَّيه فيه امتدَّ به الزمن في تأليفه إلى ست عشرة سنة فيما روى عنه (¬2). رُوي عن إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي أنه قال: سمعت محمد بن إسماعيل البُخارِيّ يقول: ما أدخلت في كتاب «الجامع» إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول (¬3). ومن ذلك قول البخاري: ما كتبت في كتاب «الصحيح» حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين (¬4). وروي عن إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي قال: سمعت محمد بن إسماعيل ¬

(¬1) «هدى الساري» 1 - 4. (¬2) «هدى السارى» 2 - 202. (¬3) سيأتي في مبحث: إبراهيم بن معقل النَّسفي من هذه الرسالة تخريجه وبيان سياق ألفاظه. (¬4) سبق تخريجة في المقدمة.

البُخارِيّ يقول: خرجت كتابي «الجامع» في بضع عشرة سنة، وجعلته فيما بيني وبين الله حجة (¬1). بل لقد بلغ من توقِّيه له، ومُبالغته في إتقانه، وحرصه على كمال السلامة فيه، أنه أعاد النظر في تأليفه مرات، وتعهده بكثير من التهذيب والتعديل قبل أن يُخْرِجه للناس، وهذا ما عبر عنه بأنه صنفه ثلاث مرات (¬2). لقد حقق البخاري لكتابه غاية الإتقان، بما تأنى في تأليفه، وبما راقب الله فيه، وأعانه على ذلك سعة روايته، وخبرته الدقيقة بنقد الحديث، وإحاطته بعلومه وتاريخ رجاله، وقد تحقق فيه مزايا الجمع، والصحة، والإسناد، والاختصار، وهذه مَعانٍ يفوق ببعضها كل كتاب سبقه، فما بالنا به وقد اجتمعت كلها فيه؟ لقد استعد البخاري لتأليف هذا الكتاب، وتأنى في تأليفه وتَحَرَّى له كما سبق، ومع ذلك لم يقنع بما صنع، بل أراد أن يستوثق من سلامته، وأن يطمئن إلى صدق الجهد الذي بذله فيه، ولذلك عرضه على أشهر الأئمة المعروفين في عصره، فكان له من حسن شهادتهم ما أراد. يقول أبو جعفر محمود بن عمرو العقيلي: لما ألف البخاري كتاب «الصحيح» عرضه على أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وغيرهم، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث (¬3). ¬

(¬1) سيأتي في مبحث: إبراهيم بن معقل النَّسفي من هذه الرسالة تخريجه. (¬2) «هدى الساري» 2 - 201. (¬3) وينظر في معرفة هذه الأحاديث الفصل الثامن من «هدي الساري» في سياق الأحاديث التي انتقدها عليه الدارقطني وغيره. ينظر «هدي الساري» (ص: 346، 382، 410).

قال العقيلي: والقول فيها قول البخاري، وهي صحيحة (¬1). وحَسْبُ الكتاب أن يشهد له هؤلاء الأَعلام النبلاء، هذه الشهادة العالية، وأَن ينضم إليها ما يعرف الناس من كفاءة البخاري، وسعة علمه، ودقة فقهه، وفهمه وشدة تَحَرَّيه، وبالغ ورعه، وقوة اتصاله بالله، حسب الكتاب هذا حتى يُقبِل الناس عليه ويشتغلوا به، ويشدوا الرحال ليسمعوه منه. والرواة الذين وقفت عليهم فيما بين يدي من مصادر وعرف أن لهم رواية أو نسخة من الصحيح خمسة، وقد جعلت المباحث الآتية في التعريف بهذه الروايات، وانظر الجدول الخاص بذلك. ¬

(¬1) «هدى الساري» 1 - 5.

شجرة الإسناد

المبحث الأول رواية إبراهيم بن معقل النسفي (295) هـ

المبحث الأول رواية إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي (295) هـ اسمه ونسبه (¬1): هو الإمام، الحافظ، الفقيه القاضي، أبو إسحاق إبراهِيم بن مَعْقِل ابن الحجاج بن خدّاش بن خديج (¬2) النَّسفي السانجني. لم أقف عند كل من ترجم له على سنة ولادته، وأجمعت كل المصادر على وفاته - رحمه الله تعالى - في ذي الحجة من سنة خمس وتسعين ومائتين. كنيته: أجمع كل من ترجم له - رضي الله عنه - على تكنيته بأبي إسحاق، ولم أقف في مصادر ترجمته التي وقفت عليها على أن له ابنًا اسمه إسحاق، والمعروف من أبنائه: ولده سعيد، وهو ممن روى عنه، وستأتي ترجمته. ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «الإرشاد» 2/ 968 (896)، و «الأنساب» في النسبة إلى سانجن 7/ 33 - 35 (2012)، والنسبة إلى نسف13/ 92 (5006)، و «معجم البلدان» في النسبة إلى سانجن 3/ 178 وفي النسبة إلى نسف 5/ 285، و «اللباب» في 2/ 90، 3/ 308، و «تاريخ دمشق» 7/ 225 - 226، وفي «التهذيب» لابن منظور 2/ 300، و «تذكرة الحفاظ» 2/ 686 (707) الترجمة الثالثة والخمسين من الطبقة العاشرة، و «تاريخ الإسلام» 22/ 102 (107)، و «سير أعلام النبلاء» 13/ 493 (241)، و «العبر» 2/ 100 - 101 وفيات سنة خمس وتسعين ومائتين، و «تبصير المنتبه» في مادة السانجني، و «الوافي بالوفيات» 1/ 771، و «مرآة الجنان» 2/ 223 وفيات سنة خمس وتسعين ومائتين، و «النجوم الزاهرة» 3/ 164 وذكر أنه من وفيات سنة خمس وتسعين ومائتين، و «طبقات المفسرين» للداودي 1/ 22، وترجمه في «طبقاته» أيضًا الأدنروي 1/ 43 (63)، و «شذرات الذهب» 2/ 218. (¬2) كل من ترجم له بلغ في نسبه حتى الحجاج، وزاد ياقوت الحموي: (ابن خداش بن خديح)، وزاد السمعاني: (ابن يزيد بن توشبيب).

نسبته: عرف إبراهِيم بن مَعْقِل بالنسبة إلى نَسَف - بفتح أوله وثانيه ثم فاء - فيقال له: النَّسفي. كما عرف أيضا بالنسبة إلى سانْجَن - بفتح السين المهملة وسكون النون وفتح الجيم وفي آخرها النون - فيقال له: السّانْجَني. ونَسَف: مدينة كبيرة بين جيحون وسمرقند، ويقال لها أيضا: نخشب، وبها قرى كثيرة منها قرية سانْجَن المنسوب إليها إبراهيم أيضًا. والغالب على إبراهيم في النسبة: النَّسفي؛ حيث نسبه إليها كل من ترجم له، وأصبحت علمًا عليه حتى اكتفى بها العلماء في الدلالة على روايته فيقال: رِواية النَّسفي. كما فعل الخَطّابِيّ، والقاضي عِياض، وأبو علي الجَيّانيّ، وابن الملقن، وابن حجر وغيرهم من العلماء. ونسبته إلى سانجن من نسبته إلى القرية التي انتمى إليها، وممن نسبه بهذه النسبة السَّمْعاني (¬1)، وياقوت الحموي (¬2)، وابن العماد (¬3). أقوال العلماء فيه: من أعلى صفات الثناء على هذا الإمام إنعام الله عليه برِواية الصحيح عن البُخارِيّ. قال فيه أبو يعلى الخليلي (¬4): حافظ، ثقة ... وأخذ هذا الشأن عن البُخارِيّ (¬5). ¬

(¬1) «الأنساب» 7/ 17. (¬2) «معجم البلدان» 3/ 178. (¬3) «شذرات الذهب» 2/ 218. (¬4) هو الإمام الحافظ القاضي أبو يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الخليل الخليلي القزويني صاحب كتاب «الإرشاد في معرفة علماء الحديث»، توفي سنة (446) هـ. ينظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» 17/ 666 - 668 (¬5) «الإرشاد» 3/ 968 (896).

وقال أبو سعد السَّمْعاني: كان من أجلَّة أهل السنة وأصحاب الحديث، ومن ثقاتهم وأفاضلهم، كتب الكثير، وجمع «المسند» و «التفسير» وحدث بهما (¬1). وقال أبو العباس جعفر المستغفري في «تاريخ نسف»: كان فقيها، حافظًا، بصيرًا باختلاف العلماء، عفيفًا، صينًا (¬2). وقال الذَّهَبِيّ: له «المسند الكبير»، و «التفسير» وغير ذلك، وحدث بـ «صحيح البُخارِيّ» عنه، وكان فقيها مجتهدًا. وقد وصفه الذَّهَبِيّ في «السير» بالإمامة، والحفظ، والفقه، وتولي القضاء قائلًا: الإمام، الحافظ، الفقيه، القاضي (¬3). وقال في «التذكرة»: الحافظ العلامة أبو إسحاق قاضي نَسَف وعالمها (¬4). رحلاته: ذكر غير واحد ممن ترجموا لإبراهِيم بن مَعْقِل أن له رحلة واسعة؛ مما أثر في تنوع الشيوخ والتلاميذ الذين تلقى عنهم وتلقوا عنه. قال الذَّهَبِيّ: رحل وكتب الكثير (¬5). وقال في «السير»: وله رحلة واسعة (¬6). وقال ياقوت الحموي: رحل في طلب العلم إلى الحجاز والعراق ¬

(¬1) «الأنساب» 13/ 93 مادة النَّسفي. (¬2) نقله عنه الذَّهَبِيّ في «تذكرة الحفاظ» 2/ 686. (¬3) «سير أعلام النبلاء» 13/ 493. (¬4) 2/ 686. (¬5) «تاريخ الإسلام» 22/ 102. (¬6) 13/ 493.

والشام ومصر. (¬1) اهـ. وقال أيضًا: حدث عن قتيبة بن سعيد، وهشام بن عمار (تحرفت في المطبوع إلى عامر) الدمشقي، وحرملة بن يحيى المصري. (¬2) اهـ. مصنفاته: مما سبق من أقوال العلماء فيه نجد أنه وصل في الحفظ والإتقان إلى درجة جعلت الإمام الذَّهَبِيّ يقول فيه: الإمام. وكانت له عناية بالفقه حتى لقب بالفقيه، وكان رحمه الله متعدد الفنون، وله من التصانيف المختلفة ما يدل على سعة علمه، فلم تكن روايته لـ «الصحيح» هي المعول عليها في معرفته، وإنما مصنفاته التي ألفها تدل على مكانته. ومن المصنفات التي أجمعت المصادر على نسبتها إليه: 1 - كتاب «المسند الكبير». قال الذَّهَبِيّ: صنف «المسند» و «التفسير» وغير ذلك. وقال الكتاني في «الرسالة المستطرفة» في المسانيد (¬3): ومسند أبي إسحاق إبراهِيم بن مَعْقِل النسفي قاضي نسف وعالمها، وهو مسند كبير. اهـ. ويبدو أن هذا المسند كان كبيرًا حتى أن العلماء كانوا يتحملون أجزاء منه، فقد نقل السَّمْعاني في «الأنساب» في مادة الطُورخاري (¬4): أن ممن اشتهر بهذه النسبة أبو إسحاق إبراهيم بن أبي علي محمد النَّسفي الطُّورخاري ثم قال: سمع منه أبو محمد عبد العزيز بن محمد النخشبي ¬

(¬1) «معجم البلدان» 3/ 178. (¬2) «معجم البلدان» 5/ 285. (¬3) ص: 53. (¬4) 9/ 92 (2606).

الحافظ وقال: وجدنا سماعه لمسند عثمان من مسند إبراهِيم بن مَعْقِل وقرأنا عليه فمات. اهـ. فمسند عثمان في هذا المسند حينما يروى مستقلا يدل على كبر حجم هذا المسند، وخاصة أن عثمان رضي الله عنه ليس من المكثرين من رواية الحديث؛ لذا وصفه الذَّهَبِيّ قائلا: له «المسند الكبير» (¬1). 2 - كتاب «التفسير»: من المصنفات التي نسبت لإبراهِيم بن مَعْقِل كتاب في تفسير القرآن، كما نسب له أيضا حاجي خليفة في «كشف الطنون» (¬2) تفسيرًا. ووجدت لكتاب «التفسير» هذا ذكرا عند السَّمْعاني في «الأنساب» في النسبة إلى: الوصافي (¬3): ممن انتسب إليها أبو العباس عبد الله بن محمد بن فرنكديك، ثم نقل عن المستغفري قوله: عندي أجزاء بخطه من تفسير إبراهِيم بن مَعْقِل سمعه منه. ولذلك نجد الأدنروي ترجم لإبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي في «طبقات المفسرين» (¬4). 3 - كتاب «الاستقصاءات في النكات»: ولم أجد من ذكره إلا ¬

(¬1) ولقد وجدت أحاديث كثيرة مروية من طريق إبراهيم بن معقل عن غير البُخَارِيّ راجع في ذلك «المستدرك» 3/ 515 من رواية أحمد بن سهل عنه، و «شعب الإيمان» للبيهقي 1/ 96، 3/ 117، 412، 5/ 36، 323، 6/ 23، 291، 293، 354، 7/ 399، و «السنن الكبرى» 6/ 161، 10/ 119، 10/ 121، و «تاريخ دمشق» 7/ 226 وغير ذلك. فلعل هذه النصوص من مسنده. (¬2) 1/ 436. (¬3) 13/ 347 (5187). (¬4) ص: 43 - 44.

البغدادي في «هدية العارفين» (¬1). شيوخه: لقد أخذ إبراهِيم بن مَعْقِل العلم عن علماء ومشايخ من بلدان مختلفة، وعلى رأسهم البُخارِيّ، وذلك نتيجة للرحلات التي قام بها، فقد رحل - كما سبق - إلى بلاد الشام، والعراق، ومصر، والحجاز وغير ذلك (¬2). فمن شيوخه من أهل بلده: 1 - الإمام المحدث شيخ الإسلام الثقة الجوال قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف أبو رجاء الثقفي مولاهم البلخي المولود سنة تسع وأربعين ومائة. والمتوفى سنة أربعين ومائتين (¬3). وسماع إبراهِيم بن مَعْقِل منه ذكره الخليلي في «الإرشاد» (¬4)، والذَّهَبِيّ ¬

(¬1) 1/ 4. (¬2) جمعت شيوخ إبراهيم بن معقل من نصوص الأحاديث التي رواها، وكتب التراجم سواء أكان ذلك في ترجمة إبراهيم أو غيرها، علما بأنه قد يكون منهم الضعيف أو المتروك، وذلك حرصًا على الاستقصاء، ورتبتهم على الأمصار لبيان تنوع مشايخه، وتأكيدًا لرحلته إلى تلك الأمصار. (¬3) سمع مالكًا، وأبا عوانة، وسفيان بن عيينة، وخلقًا بخراسان، والعراق، والحجاز، ومصر، وسمع منه البُخَارِيّ، ومسلم، وأحمد بن حنبل وغيرهم. كان ثبتًا صاحب سنة، رحل إليه العلماء من كل الأقطار. ينظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» 7/ 379، «التاريخ الكبير» 7/ 195 (870)، «الجرح والتعديل» 7/ 140 (784)، «تاريخ بغداد» 12/ 464 (6944)، «الإرشاد» للخليلي 3/ 935، «تهذيب الكمال» 23/ 523 - 537 (4852)، «سير أعلام النبلاء» 11/ 13 - 24 وغيرها. (¬4) 3/ 936، 968.

في «تذكرة الحفاظ» (¬1)، وياقوت الحموي في «معجم البلدان» (¬2)، والسَمْعاني في «الأنساب» (¬3)، والتقي الغزي في «الطبقات السنية في تراجم الحنفية» (¬4). 2 - الإمام المحدث الثقة عيسى بن أحمد (¬5) بن عيسى بن وردان العسقلاني أبو يحيى البلخي، المولود سنة ثمانين ومائة، والمتوفى سنة ثمان وستين ومائتين. وسماع إبراهيم منه ذكره المزي في «تهذيب الكمال» (¬6)، والذَّهَبِيّ في «السير» (¬7). 3 - الإمام الحافظ الثقة محمد بن أبان بن وزير أبو بكر البلخي يعرف بحمدويه المتوفى سنة أربع أو خمس وأربعين ومائتين (¬8). ¬

(¬1) 2/ 686. (¬2) 3/ 178 مادة: سانجن. (¬3) 7/ 17. (¬4) ص: 72 (95). (¬5) روى عن: بقية بن الوليد وعبد الله بن وهب وغيرهما، وحدث عنه: ابن ماجه، والنسائي وغيرهما. قال النسائي: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق. وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال الخليلي: ثقة كبير في العلماء، مشهور يعرف بابن البغدادي. ينظر في ترجمته: «الجرح والتعديل» 6/ 272 (1509)، و «الثقات» 8/ 496، و «الإرشاد» للخليلي 3/ 938، و «تهذيب الكمال» 22/ 585 (4617)، «سير أعلام النبلاء» 12/ 381 (165)، و «شذرات الذهب» 2/ 154 وغير ذلك. (¬6) 22/ 585 (4617). (¬7) 12/ 381 (165). (¬8) حدث عن إسماعيل ابن علية، وابن وهب، وغندر وغيرهم، وعنه الجماعة سوى مسلم، وأبو حاتم وغيرهم. قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ثقة، وقال ابن حبان: حسن المذاكرة جمع وصنف. ينظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» 2/ 78، 81، و «تهذيب الكمال» 24/ 296 - 300، و «سير أعلام النبلاء» 11/ 115 - 116 (40) وغيرهم.

وسماع إبراهيم منه ذكره الخليلي في «الإرشاد» في ترجمة إبراهِيم بن مَعْقِل (¬1). ومن شيوخه الدمشقين: 1 - الإمام هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة بن أبان السلمي، أبو الوليد، الدمشقي، خطيب دمشق ومفتيها ومقرئها ومحدثها، المولود سنة ثلاث وخمسين ومائة، والمتوفى بدمشق، آخر المحرم، سنة خمس وأربعين ومائتين (¬2). وسماع إبراهِيم بن مَعْقِل منه ذكره كل من: الذَّهَبِيّ في «تذكرة ¬

(¬1) 3/ 968. (¬2) روى عنه: مالك، والحكم بن هشام، وإسماعيل بن عياش وغيرهم. وعنه: البُخَارِيّ، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه وغيرهم. قال أبو حاتم عن ابن معين: كَيّس كَيّس، وقال الدارقطني: صدوق كبير. وقال أبو زرعة الرازي: من فاته هشام بن عمار يحتاج إلى أن ينزل في عشرة آلاف حديث. وقال العجلي: ثقة. ينظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» 8/ 199 (2701)، و «تاريخ الثقات» للعجلي ص: 459 (1741)، و «الجرح والتعديل» 9/ 766 - 767 (255)، و «الثقات» لابن حبان 9/ 233، و «الجمع بين رجال الصحيحين» لابن القيسراني 2/ 548 - 549 (2136) أفراد البُخَارِيّ وحده، و «تهذيب الكمال» 30/ 242 - 255 (6586)، و «تاريخ الإسلام» 18/ 520 (575)، و «تذكرة الحفاظ» 2/ 451، و «شذرات الذهب» 2/ 109 - 110 وغير ذلك.

الحفاظ» (¬1) وفي «تاريخ الإسلام» (¬2) وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (¬3). 2 - الحافظ الكبير صفوان بن صالح بن صفوان بن دينار، أبو عبد الملك الثقفي مولاهم الدمشقي، مؤذن جامع دمشق، المولود سنة ثمان أو تسع وستين ومائة، والمتوفى أول سنة تسع وثلاثين ومائتين (¬4). ذكره الحاكِم النيسابوري (405) هـ شيخًا لإبراهِيم بن مَعْقِل في «المستدرك» (¬5) حيث قال: أخبرني أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، ثنا إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي، ثنا صفوان بن صالح، ثنا الوليد بن مسلم، عن يحيى بن عبد الرحمن، عن حبان ابن أبي جبلة عن عمرو بن العاص قال: ما عدل بي رسول - صلى الله عليه وسلم - وبخالد بن الوليد أحدًا من أصحابه في حربه منذ أسلمنا (¬6). ¬

(¬1) 2/ 686 (707). (¬2) 22/ 102 (107). (¬3) 7/ 226. (¬4) روى عن: ابن عيينة والوليد بن مسلم وغيرهما، وعنه: أبو داود، وأبو حاتم وغيرهما. قال أبو حاتم: صدوق، وقال الترمذي: ثقة، وقال ابن العماد: وكان حنفي المذهب. ينظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» 4/ 309 (2939) ترجمة صفوان بن صالح، و «الجرح والتعديل» 4/ 425 (1868)، و «ثقات ابن حبان» 8/ 321، و «تهذيب الكمال» 13/ 191 - 196 (2883)، و «سير أعلام النبلاء» 11/ 475 - 476 (123)، و «شذرات الذهب» 2/ 91 وغير ذلك. (¬5) 3/ 455 كتاب: معرفة الصحابة: باب ذكر مناقب عمرو بن العاص. (¬6) أخرجه الطبراني في «الأوسط» 7/ 331 (6859) من طريق هشام بن عمار، وفي «مسند الشاميين» 3/ 405 (2557) عن صفوان بن صالح ومن طريقه: ابن عساكر في «تاريخ دمشق» 16/ 229 وأبو يعلى في «مسنده» 13/ 274 (7347) من طريق داود ابن رشيد ومن طريقه ابن عساكر 46/ 141 - 142 ثلاثتهم (هشام بن عمار وصفوان بن صالح وداود بن رشيد) عن الوليد بن مسلم، وقال الهيثمي في «المجمع» 9/ 350: أخرجه الطبراني في «الأوسط» و «الكبير» ورجاله ثقات

3 - عبد الوهاب بن الضحاك بن أبان السَّلَمي، أبو الحارث الحمصي: المتوفى سنة خمس وأربعين ومائتين (¬1). ذكره ابن عساكر في «تاريخ دمشق» شيخًا لإبراهِيم بن مَعْقِل، حيث روى من طرق إلى إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي، عن عبد الوهاب بن الضحاك، عن إسماعيل بن عياش بإسناده إلى مالك بن يسار مرفوعًا: «إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها ...» الحديث (¬2). ومن شيوخه العراقيين: 1 - أبو كريب محمد بن العلاء بن كُريب، الهمداني الكوفي: المولود سنة إحدى وستين ومائة، والمتوفى في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين ومائتين (¬3). ¬

(¬1) روى عن: إسماعيل بن عياش، وسفيان بن عيينة وغيرهما، وعنه: ابن ماجه، وأبو عروبة الحراني، وعبدان، قال فيه الدارقطني: متروك. وقال البُخَارِيّ: عنده عجائب. وقال النسائي: ليس بثقة، متروك. وقال الحاكم: روى أحاديث موضوعة. ينظر ترجمته في: «المجروحين» لابن حبان 2/ 147، و «الكامل» لابن عدي 6/ 514 - 516 (1435)، و «معجم البلدان» لياقوت الحموي 3/ 241، و «تهذيب الكمال» 18/ 494 - 497 (3601)، و «تاريخ الإسلام» 18/ 337 - 338 (289) وغير ذلك. (¬2) «تاريخ دمشق» 43/ 56، وأخرجه أيضا ابن قانع في «معجم الصحابة» 3/ 47 (991)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» 5/ 2474 (2618) ترجمة مالك بن يسار. (¬3) روى عنه: ابن المبارك، وأبو بكر بن عياش وغيرهما، وعنه: الجماعة وإبراهيم بن معقل وغيرهم، قال فيه ابن أبي حاتم: صدوق. وقال النسائي: لا بأس به. وقال في موضع آخر: ثقة. وذكره ابن حبان في «الثقات». ينظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» 6/ 414، و «التاريخ الكبير» 1/ 205 (644)، و «الجرح والتعديل» 8/ 52 (239)، و «تهذيب الكمال» 26/ 243، و «سير أعلام النبلاء» 11/ 394 وغير ذلك.

وسماع إبراهِيم بن مَعْقِل منه ذكره ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (¬1) فيمن سمع منهم إبراهيم خارج دمشق، وساق له حديثًا من طريق أبي عبد الله الحاكِم: أنا خلف بن محمد بن إسماعيل البُخارِيّ، أنا إبراهِيم بن مَعْقِل، نا أبو كريب، نا يونس بن بكير ... فذكره. كما ذكر هذا الحديث الذَّهَبِيّ في «تذكرة الحفاظ» (¬2)، وذكر سماع إبراهيم منه أيضًا المزي في «تهذيب الكمال» (¬3) والذَّهَبِيّ في «السير» (¬4). 2 - الحافظ الحجة أحمد بن منيع بن عبد الرحمن، أبو جعفر البَغَويّ ثم البغدادي الأصم، صاحب المسند المعروف، المتوفى سنة أربع وأربعين ومائتين (¬5). ¬

(¬1) 7/ 225. (¬2) 2/ 687. (¬3) 26/ 343. (¬4) 11/ 394. (¬5) حدث عن: هشيم، وسفيان بن عيينة، وابن المبارك، وغيرهم. وحدث عنه: مسلم، وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم. أصله من مرو الروذ، رحل وجمع وصنف «المسند» وثقه النسائي وصالح جزرة. وينظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» 2/ 6 (1508)، «الجرح والتعديل» 2/ 77 (166)، و «الثقات» لابن حبان 8/ 22، و «تاريخ بغداد» 5/ 160 (2606)، «تهذيب الكمال» 1/ 495 (114)، «تاريخ الإسلام» 18/ 12، وفيات سنة 244 هـ، و «سير أعلام النبلاء» 11/ 483، «تذكرة الحفاظ» 2/ 481 (496) وغيرهم.

ذكره ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (¬1) فيمن روى عنهم إبراهيم خارج دمشق. 3 - جُبارة بن المُغَلّس، أبو محمد الحماني الكوفي، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائتين (¬2): وسماع إبراهِيم بن مَعْقِل منه ذكره الذَّهَبِيّ في «تذكرة الحفاظ» (¬3)، و «تاريخ الإسلام» (¬4) وتصحف فيه إلى جنادة. 4 - أبو الحجاج النضر بن طاهر البصري (¬5): وسماع إبراهيم منه ذكره ¬

(¬1) 7/ 225. (¬2) حدث عن شبيب بن شيبة، وأبي بكر النهشلي، وقيس بن الربيع وغيرهم. وحدث عنه: ابن ماجه، وبقي بن مخلد، وعبد الله بن أحمد وغيرهم. قال عبد الله بن أحمد: عرضت على أبي أحاديث سمعتها من جبارة، فأنكر بعضها، وقال: هذه موضوعة. وقال البُخَارِيّ: مضطرب الحديث. وقال ابن معين: كذاب، وقال ابن نمير: كان يوضع له فيحدث. ينظر ترجمته في: «الطبقات الكبرى» 6/ 415، «التاريخ الأوسط» المطبوع خطأ باسم «التاريخ الصغير» 2/ 376، «الضعفاء الكبير» للعقيلي 1/ 206 (256)، «الجرح والتعديل» 2/ 550 (2284)، «المجروحين» 1/ 221، «الكامل» 2/ 443 (369)، «تهذيب الكمال» 4/ 489 (891)، «سير أعلام النبلاء» 11/ 150 (57)، «ميزان الاعتدال» 1/ 43 (81) وغير ذلك. (¬3) 2/ 686. (¬4) 22/ 102. (¬5) روى عن جويرية بن أسماء، وسمع منه حمزة بن داود الثقفي، ومحمد بن صالح الكلبي. قال ابن أبي عاصم: سمعت منه ثم وقفت منه على كذب، ثم رأيته بعدما عمي يحدث عن الوليد ابن مسلم بما ليس من حديث فتتابع في الكذب. ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال ابن حجر في «اللسان»: وقال ابن عدي: والضعف على حديثه بَيّن. وكأن ابن حبان ما وقف على كلام ابن أبي عاصم هذا، فقال في «الثقات»: النضر من أهل البصرة، ربما أخطأ ووهم. وينظر ترجمته في: «الثقات» لابن حبان 9/ 214، «الكامل» لابن عدي 8/ 268 (14/ 1967)، و «الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي 3/ 161 (3527)، و «الميزان» للذهبي 4/ 258 (9070)، و «لسان الميزان» 7/ 198 (8886) وغيرهم.

الخليلي في «الإرشاد» (¬1). ومن شيوخه المصريين: الإمام حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران، الفقيه المحدث الصدوق، أبو حفص التجيبي المصري. المولود سنة ست وستين ومائة، والمتوفى في شوال لتسع بقين منه سنة ثلاث وأربعين ومائتين (¬2). روى عنه إبراهِيم بن مَعْقِل روايات كثيرة، رواها عن ابن وهب عن مالك، منها في «شعب الإيمان» الكثير مما رواه البيهقي عن شيخه أبي عبد الله الحاكِم (¬3). ¬

(¬1) 3/ 968 ترجمة إبراهيم بن معقل. (¬2) روى عن ابن وهب فأكثر جدًّا، وعن الشافعي فلزمه، وحدث عنه مسلم، وابن ماجه، وغيرهم. قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال ابن عدي: حرملة أعلم الناس بابن وهب، وثقه ابن حبان، وقال الذَّهَبِيّ في «الكاشف»: صدوق من أوعية العلم، وقال ابن حجر: صدوق، وقال الإسنوي: كان إمامًا حافظًا للحديث والفقه، صنف «المبسوط»، و «المختصر». وينظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» 3/ 69 (245)، «الجرح والتعديل» 3/ 274 (1224)، «تهذيب الكمال» 5/ 548، «سير أعلام النبلاء» 11/ 389، «الكاشف» 1/ 317 (977) و «طبقات السبكي» 2/ 127، «حسن المحاضرة» 1/ 307 و «التقريب» ص: 156 (1175) وغير ذلك. (¬3) ينظر «الشعب» 1/ 96، 3/ 117، 412، 5/ 36، 323، 6/ 23، 291، 293، 354، 7/ 399، وينظر «السنن الكبرى»: 6/ 161، 10/ 119، 121.

رواية النسفي للصحيح لقد اشتهرت روايه إبراهيم بن معقل النسفي من طريق أبي صالح، خلف بن محمد الخيام، لذا بدأت بترجمته، ثم أتبعت ذلك بالحديث عن روايته. ترجمة أبي صالح الخيام: هو الشيخ المحدث الكبير أبو صالح: خلف بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن نصر البُخارِيّ الخيام نسبة إلى الخيمة وخياطتها الكَرابِيسيّ (¬1). محدث ما وراء النهر (¬2). روى عن: إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي، وصالح بن محمد جزرة، ونصر بن أحمد الكندي ومشايخ بلده ولم يرحل. وروى عنه: أبو عبد الله الحاكِم، وابن منده، ومحمد بن أحمد غُنْجار، وأبو سعد عبد الرحمن بن الإدريسي. قال الخليلي في «الإرشاد»: كان له حفظ ومعرفة، وهو ضعيف جدًّا، روى في الأبواب تراجم لا يتابع عليها، وكذلك متونا لا تعرف. سمعت ابن أبي زُرْعَة والحاكِم أبا عبد الله الحافظين يقولان: كتبنا عنه الكثير ونبرأ من عهدته، وإنما كتبنا عنه للاعتبار. اهـ. ¬

(¬1) هي نسبة إلى بيع الكرابيس وهي الثياب قاله ابن عساكر. (¬2) ينظر ترجمته في: «الإرشاد» للخليلي 3/ 972 (901)، و «الأنساب» للسمعاني 2/ 227، 5/ 226، و «اللباب» لابن الأثير 1/ 475، و «سير أعلام النبلاء» 16/ 70، 16/ 204، «ميزان الاعتدال» 2/ 185 (2548)، «لسان الميزان» 2/ 771 (3208)، «النجوم الزاهرة» 4/ 64، «شذرات الذهب» 3/ 39. كما ترجم له ابن عساكر في «تاريخ دمشق» 7/ 226، وابن ماكولا في «الإكمال» 2/ 461 ذكره أثناء ترجمة صالح بن محمد جزرة فذكر أن خلفًا من تلاميذه.

ثم ساق الخليلي له حديثًا من طريق شيخه الحاكِم، عن خلف في النهي عن المواقعة قبل الملاعبة، ثم قال: سمعت الحاكِم بعقب هذا الحديث يقول: خذل خلف بهذا وبغيره (¬1). وهذ العبارة نقلها عن الخليلي الذَّهَبِيّ في «السير» (¬2): دون قوله: روى في الأبواب تراجم لا يتابع عليها. ودون قوله: وإنما كتبنا عنه للاعتبار. ونقلها أيضًا الذَّهَبِيّ في «الميزان» (¬3) إلا أن العبارة بلفظ: خلط، وهو ضعيف جدًّا، روى متونا لا تعرف. كذا في المطبوع بلفظ خلط بدلًا من: كان له حفظ ومعرفة. وتابع الذَّهَبِيّ ابنُ حجر في «اللسان» (¬4). وقال الذَّهَبِيّ في «السير» (¬5): الشيخ المحدث الكبير ... كان بندار الحديث بما وراء النهر. وذكر أيضًا في الرواة عنه: أبو سعد عبد الرحمن بن الإدريسي، وغمزه ولينه وما تركه. وقال الذَّهَبِيّ أيضًا في «السير» (¬6): المحدث المكثر مسند بخارى. وقال السَّمْعاني في «الأنساب» (¬7): كان مكثرًا من الحديث من غير أن يرحل في طلبه، وكان بندارًا لحديث البُخارِيّين، وقيل: إنه لم يكن بموثوق به، تكلم فيه أبو سعد الإدريسي الحافظ. اهـ. مات - رضي الله عنه - سنة إحدى وستين وثلاثمائة ببخارى عن ست وثمانين سنة. ¬

(¬1) 3/ 972 - 973. (¬2) 16/ 204. (¬3) 2/ 772. (¬4) 2/ 771 (3208). (¬5) 16/ 70. (¬6) 16/ 204. (¬7) 5/ 251.

رواية أبي صالح للصحيح: روى خلف بن محمد «الصحيح» عن إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي، واشتهرت رِواية إبراهيم عن طريقه، وممن روى «الصحيح» من رِواية خلف بن محمد عن إبراهيم النَّسفي الإمامُ الكبير أبو سليمان الخَطّابِيّ المتوفى سنة 388 هـ. قال الخَطّابِيّ في كتابه «أعلام الحديث»: وقد سمعنا معظم هذا الكتاب (يعني بذلك «صحيح البُخارِيّ») من رِواية إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي حَدَّثَناه خلف بن محمد الخيام، قال: حَدَّثَنا إبراهِيم بن مَعْقِل عنه. سمعنا سائر الكتاب إلا أحاديث من آخره من طريق محمد بن يوسف الفَرَبْريّ ... إلخ (¬1). ويُعَد كتابُ الخطابي المسمى بـ «أعلام الحديث» عمدة في رِواية إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي (¬2)، ولو قصد الخَطّابِيّ ذكر متن جميع «الصحيح» من هذه الرِّواية لكان ذلك له أهمية كبيرة في تحديد ملامح هذه الرِّواية وأهم خصائصها. إلا أن الخَطّابِيّ كعادة جميع شراح «الصحيح» كان يقتصر في المتن على موضع الشاهد الذي يقوم بشرحه فقط. وذكر الخَطّابِيّ في مقدمة كتابه هذا أنه يقتصر على شرح الغامض من ¬

(¬1) 1/ 105 - 106. (¬2) والخطابي لم يعتمد على هذه الرواية فقط، فهو يقول: وقد سمعنا معظم هذا الكتاب من رواية إبراهيم بن معقل النَّسفي. اهـ. قلت (الباحث): ولذا نجده عندما انتهت روايته يقول في كتاب التفسير بعد الحديث رقم (4462)، 3/ 1795 - 1796: قلت: إلى هاهنا انتهت رواية إبراهيم بن معقل، وحَدَّثَنَا بما بعده من الكتاب محمد بن خالد بن الحسن، حَدَّثَنَا محمد بن يوسف الفَرَبري، قال حَدَّثَنَا محمد بن إسماعيل، قال: حَدَّثَنَا مسدد .. إلخ.

ألفاظ «الصحيح» قال الدكتور محمد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود محقق كتاب «الإعلام» (¬1): وكتاب «الجامع الصحيح»، للإمام البُخارِيّ - كما هو معروف - ينقسم إلى كتب، والكتاب ينقسم إلى أبواب، والباب يضم أكثر من حديث، فالإمام الخَطّابِيّ قد أتى على جُلِّ الكتب في «الجامع الصحيح»، ثم اختار من كل كتاب بعض أبوابه، ثم اختار من كل باب حديثا أو أكثر، وقد يأتي على أحاديث الباب كلها، وحيث أنه التزم - كما جاء في المقدمة - بشرح المشكل، وتبيين الغامض من المذاهب، والأراء اللغوية، والفقهية، والعقدية، فهو لا يذكر من متن الحديث إلا موضع الحاجة، وقد يحتاج إلى ذكر الحديث بتمامه ... إلخ. قلت (الباحث): فنسخة إبراهيم النَّسفي لا يمكن الاعتماد فيها على كتاب الخَطّابِيّ، اللهم إلا إذا قارنا بين بعض النصوص التي جاءت بما جاء في النسخ الأخرى لـ «الصحيح». وممن ذكر رِواية إبراهيم أيضًا الإمام الحافظ أبو علي الحسين بن محمد الغساني الجَيّانيّ المتوفى سنة 498 هـ، حيث قال في كتاب «تقييد المهمل» (¬2): وما كان في كتابي من رِواية أبي إسحاق إبراهِيم بن مَعْقِل بن الحجاج النَّسفي عن البُخارِيّ: فأخبرني بها أبو العاصي حكم بن محمد بن حكم الجذامي، قال: نا أبو الفضل أحمد بن أبي عمران الهَرَويّ، بمكة سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، قال لي: سمعت بعضه وأجاز لي سائره، قال: نا أبو صالح خلف بن محمد بن إسماعيل البُخارِيّ، قال: نا إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي، قال: نا أبو عبد الله البُخارِيّ. اهـ. ¬

(¬1) ص: 75 وما بعدها. (¬2) 1/ 61 وما بعدها.

فهذا النص عن أبي علي الجَيّانيّ يفيد أن خلفًا الخيام روى عنه «الصحيح» أيضًا أبو الفضل أحمد بن أبي عمران الهَرَويّ. كما يفيد أن الجَيّانيّ سمعه من شيخه أبي العاصي حكم بن محمد بن حكم الجذامي، وشيخه سمعه من أبي الفضل أحمد بن أبي عمران الهَرَويّ، وذلك كان بمكة - حرسها الله تعالى - في سنة اثنتين وثمانين وثلاثماتة، بسماع بعضه وإجازة الباقي. ويضيف أبو علي الجَيّانيّ مَعلمًا آخرَ من معالم هذه الرِّواية حيث يقول (¬1): ورَوَينا عن أبي الفضل صالح بن محمد بن شاذان الأصبهاني، عن إبراهِيم بن مَعْقِل أن البُخارِيّ أجاز له آخر الديوان، من أول كتاب الأحكام إلى آخر ما رواه النَّسفي من «الجامع»؛ لأن في رِواية إبراهيم النَّسفي نقصان أوراق من آخر الديوان عن رِواية الفَرَبْريّ، قد عَلّمت على الموضع في كتابي، وذلك في باب قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح: 15] ... (¬2). ونقل غير واحد من المحدثين قول ابن الصلاح في «مقدمته في علوم الحديث» في عدد أحاديث «صحيح البُخارِيّ» أنها أربعة آلاف حديث، ومنهم برهان الدين الأبناسي (802) هـ في كتابه «الشذا الفياح» (¬3)، والعراقي (806) هـ في «فتح المغيث» (¬4)، والسخاوي (902) هـ في «فتح المغيث» ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 1/ 62. (¬2) وسيأتي ذلك في الأمر الثاني من الأمور التي ساعدت على اشتهار نسخة الفَرَبري. (¬3) 1/ 90. (¬4) ص: 16.

أيضًا (¬1)، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (926) هـ في «فتح الباقي» وغيرهم بما يدل على أن رِواية الفَرَبْريّ أكمل وأتم من رِواية حماد بن شاكر بمائتي حديث، وأكمل من رِواية إبراهيم النَّسفي بثلاثمائة حديث، والقطعة التي ذكرها الجَيّانيّ ووصفها لا تزيد على خمسة وستين حديثًا، اللهم إلا إذا كان هناك تقديم وتأخير في الأبواب والكتب. وأبو علي الجَيّانيّ - رحمه الله تعالى - كان إمامًا كبيرًا ورحل إليه العلماء للسماع منه، ولذلك كل من جاء بعده وروى رِواية إبراهيم النَّسفي فإنما كان ذلك من طريق أبي علي الجَيّانيّ. وعلى سبيل المثال نجد الإمام الشهير، والحافظ الكبير، القاضي أبا الفضل عِياض بن موسى اليحصبي المتوفى سنة (544) هـ يسوق أسانيده في كتابه «مشارق الأنوار» (¬2) إلى «صحيح البُخارِيّ» يقول: وأما رِواية أبي إسحاق النَّسفي فكتب إلي بها الشيخ الحافظ أبو علي الحسين بن محمد الغساني، وسمعت على القاضي أبي عبد الله التميمي كثيرًا مما قيد منها عنه قال: حدثني بها أبو العاصي حكم بن محمد الجذامي ... ثم ذكر إسناد أبي علي السابق. وممن روى رِواية إبراهيم النَّسفي من طريق أبي علي الجَيّانيّ الحافظ الكبير ابن حجر العسقلاني (852) هـ حيث يقول في فاتحة «فتح الباري»: وأما رِواية إبراهِيم بن مَعْقِل فبالإسناد إلى أبي علي الجَيّانيّ: أنبأنا الحكم بن محمد ... إلخ (¬3). ¬

(¬1) 1/ 32. (¬2) ص: 10 من المقدمة. (¬3) «فتح الباري» 1/ 7.

ووقفت على بعض الأحاديث من «صحيح البُخارِيّ» من رِواية أبي عبد الله الحاكِم صاحب «المستدرك» عن أبي صالح خلف بن محمد عن إبراهِيم بن مَعْقِل، عن البُخارِيّ رواها عن أبي عبد الله الحاكِم الإمامُ البيهقي في «السنن الكبرى»، وهذه الأحاديث هي (¬1): الموضع الأول: في كتاب: النكاح، باب: سبب نزول آية الحجاب (¬2) حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهِ. ثم قال البيهقي: رواه البُخارِيّ هكذا. الموضع الثاني: من كتاب: اللعان، باب: كيف اللعان (¬3) عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلاً رَمَى امْرَأَتَهُ فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ... إلخ. الموضع الثالث: من كتاب: الأشربة، باب: ما جاء في تفسير الخمر الذي نزل (¬4): حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، ¬

(¬1) لقد حرصت على تتبع هذه المواضع لما لها من أهمية في الكشف عن معالم هذه الرواية والتي كانت تُعَد في المرتبة الثانية من بين الروايات بعد رواية الفَرَبري، وخاصة إذا قارنا هذه النصوص بالنصوص المتداولة بين أيدينا من «الصحيح»، والتي ترجع إلى تحرير اليونيني لرواية الفَرَبري. (¬2) «السنن الكبرى» 7/ 88 وهو في «الصحيح» في كتاب: التفسير، باب تفسير: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} .. 6/ 109 (4758). (¬3) «السنن الكبرى» 7/ 404 وهو في «الصحيح» في كتاب: التفسير، تفسير سورة النور، باب قوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} .. 6/ 101 (4748). (¬4) «السنن الكبرى» 8/ 290، 291 وهو في «الصحيح» في كتاب: التفسير تفسير سورة المائدة باب قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ} 6/ 53 (4616).

وَإِنَّ بالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ لَخَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ، مَا فِيهَا شَرَابُ الْعِنَبِ. كما وقفت على بعض الأحاديث من «الصحيح» رواها الخَطّابِيّ في كتاب «غريب الحديث» من طريق خلف بن محمد، عن إبراهِيم بن مَعْقِل، عن البُخارِيّ (¬1). تلاميذه (¬2): 1 - أبو الأسد: أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن الوليد بن عبد الملك بن حوصلة، الكوفي، ثم البُخارِيّ. ترجم له الذَّهَبِيّ في «تاريخ الإسلام» في وفيات سنة (354) هـ (¬3)، وقال سمع: صالح بن محمد جزرة، وحامد بن سهل وإبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي توفي في ذي القعدة. وترجم له ابن ماكولا في «الإكمال» فقال: وأبو الأسد الفقيه أحمد ... يروي عن أَحْيَدَ بن عمر بن هارون بن صوان، الفقيه البُخارِيّ، وأخوه أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن أحمد بن الوليد، بخاري، يعرف بأخي أبي الأسد الفقيه (¬4). 2 - أحمد بن سهل بن حمدويه (¬5) أبو نصر، الفقيه، القبائي، البُخارِيّ. ¬

(¬1) وينظر هذه الأحاديث في «الغريب» 1/ 163، 208، 226، 232، 259، 336، 385، 609، 628. (¬2) لقد حصرت تلاميذه من خلال التراجم والأحاديث المروية عنه، ورتبتهم على حروف المعجم. (¬3) 26/ 101. (¬4) وينظر ترجمته في: «الإكمال» لابن ماكولا 1/ 84 مادة: الأسد، والذَّهَبِيّ في «تاريخ الإسلام» 26/ 101 سنة أربع وخمسين وثلاثمائة. (¬5) ينظر ترجمته في: «الإرشاد» لأبي يعلى الخليلي 3/ 974 (903)، و «الإكمال» لابن ماكولا ذكره في ترجمة الحسين بن محمد البابينى 1/ 413، و «تكملة الإكمال» لابن نقطة 2/ 283 (1583) باب: حمدويه، و «تبصير المنتبه» لابن حجر في مشتبه النسبة من حرف القاف 3/ 1151 مادة: القبائي، و «تاريخ دمشق» 7/ 226.

يروي عن سهل بن المتوكل، وصالح بن محمد جزرة، وإبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي. وأكثر من الرِّواية عنه الحاكِم حتى بلغت تسعة وستين موضعًا في كتابه «المستدرك». قال فيه الخليلي في «الإرشاد»: ثقة، متفق عليه، روى عنه حفاظ بخارى، وحَدَّثَنا عنه الحاكِم أبو عبد الله وأثنى عليه. وقال ابن نقطة في «تكملة الإكمال» باب حمدويه: حدث عن عمر بن داود، حدث عنه أبو عبد الله محمد بن أحمد الغُنْجار في «تاريخ بخارى».اهـ. وسماع أحمد بن سهل الفقيه من إبراهِيم بن مَعْقِل ذكره الحاكِم في «المستدرك» (¬1) في كتاب: معرفة الصحابة، باب: ذكر مناقب عمرو بن العاص في سياق إسناده الحديث في فضائل عمرو بن العاص، كما ذكره ابن عساكر في ترجمته في «تاريخ دمشق» (¬2). وقد روى أيضًا أحمد بن سهل الفقيه عن إبراهِيم بن مَعْقِل، عن حرملة، عن ابن وهب، عن مالك «الموطأ». وروى أحاديثَ وآثارًا كثيرةً من روايته البيهقيُّ في «شعب الإيمان» و «السنن الكبرى» (¬3). ¬

(¬1) 3/ 455. (¬2) 7/ 226. (¬3) أرقامها في ترجمة شيخ إبراهيم بن معقل: حرملة بن يحيى.

3 - أحمد بن محمد بن السكن بن أمية بن زر بن عبد الله أبو الفوارس النَّسفي. سمع محمد بن إبراهيم البُوشَنْجِي، وإبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي، وزكريا بن حسين. وعنه: خلف بن أحمد الأمير، والحسن بن أبي الحجاج وغيرهما. توفي سنة ست وستين وثلاثمائة بنَسَف، وكان مسند وقته بنَسَف (¬1). 4 - الحسن بن جعفر بن محمد الشاشي: ذكر له ابن عساكر حديثًا عن إبراهيم، عن البُخارِيّ قوله: خرجت كتابي «الجامع» في بضع عشرة سنة وجعلته بيني وبين الله حجة (¬2). 5 - الحسن بن الحسين البُخارِيّ البزار: يروي عن إبراهِيم بن مَعْقِل، وأكثر من الرِّواية عنه ابن عدي (¬3). روى عن ابن معقل عن البُخارِيّ قوله: ما أدخلت في كتابي «الجامع» إلا ما صح، وتركت من الصحاح حتى لا يطول الكتاب. وروى عن ابن معقل أيضًا عن البُخارِيّ قوله: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني (¬4). ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «الأنساب» للسمعاني 6/ 275، «اللباب» لابن الأثير 2/ 67، «تاريخ الإسلام» 26/ 354 في وفيات سنة ستٍّ وستين وثلاثمائة، «الوافي بالوفيات» 7/ 371 (3364)، «تبصير المنتبه» لابن حجر 2/ 659. (¬2) ينظر «تاريخ دمشق» 52/ 73 ولم أقف على ترجمتة إلا عند ابن عساكر، وسيأتي تخريج هذا النص. (¬3) ينظر ترجمته في: «تاريخ دمشق» 52/ 99، و «التعديل والتجريح» للباجي 1/ 309، 3/ 962، «تاريخ بغداد» 11/ 463. (¬4) سيأتي تخريج النصين قريبًا.

6 - سعيد بن إبراهيم بن معقل بن الحجاج أبو عثمان النَّسفي. رئيس أصحاب الحديث ببلده، سمع أباه إبراهيم، ومعمر بن محمد البلخي، وبمكة علي بن عبد العزيز، وغير واحد. وحدث عنه ابنه عبد الملك، وكان نقمة على القرامطة توفي سنة 341 هـ (¬1). 7 - سهل بن السري بن الخضر، أبو حاتم الحذاء البُخارِيّ الحافظ. روى عن إبراهِيم بن مَعْقِل كما في «تاريخ دمشق» (¬2)، وأحمد بن عبد الواحد البُخارِيّ، وأحمد بن محمد القرشي، وبكر بن منير، وصالح بن محمد جزرة، ومحمد ابن حريث. وأكثر ابن منده من الراوية عنه في «معرفة الصحابة»، وروى عنه أيضا ابن عدي في «الكامل» (¬3) في ترجمته سليمان بن عمرو بن عبد الله النخعي الكوفي. وله ذكر في «تهذيب الكمال» (¬4) في ترجمة الحسن بن شجاع البلخي، وفي ترجمة عبيدة بن بلال التميمي. 8 - صالح بن محمد بن شاذان أبو الفضل الكرجي ثم الأصبهاني. قدم مصر مرتين، وكتب بها عن جماعة من محدثي مصر، ثم خرج إلى مكة، وتوفي بها في رجب سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «الإكمال» لابن ماكولا 1/ 321، «تاريخ الإسلام» 25/ 244 وفيات سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، و «تذكرة الحفاظ» 2/ 686، و «تبصير المنتبه» لابن حجر 4/ 1374. (¬2) 43/ 56. (¬3) 4/ 223 (733). (¬4) 6/ 175، 19/ 256 (3751).

حدث بـ «تاريخ البُخارِيّ»، وحدث عنه جماعة من أهل خراسان وأهل بلده وبغداد وغيرهم، وكان ثقة، روى «الصحيح» عن إبراهِيم بن مَعْقِل، وعنه أخذ أصبغ ابن قاسم بن أصبغ (¬1). 9 - الحافظ عبد المؤمن بن خلف بن طفيل بن زيد بن طفيل، أبو يعلى التميمي النَّسفي: كان أثريًا، ظاهري المذهب، شديدًا على أهل القياس، يتبع أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه كثيرًا. روى عن إبراهِيم بن مَعْقِل كما في «تاريخ الإسلام» و «تذكرة الحفاظ»، وأكثر من الرِّواية عن أبي يعلى صالح بن محمد بن أيوب، وأكثر من الرِّواية عنه أبو مسلم عبد الرحمن بن مهران كما في «تاريخ بغداد» و «تهذيب الكمال» و «تاريخ دمشق»، توفي سنة ست وأربعين وثلاثمائة (¬2). 10 - عبد المؤمن بن عبد المجيد أبو يعلى النَّسفي: ذكر الذَّهَبِيّ أنه ممن روى عن إبراهِيم بن مَعْقِل، وروى أيضًا عن محمد بن إبراهيم البُوشَنْجِي، وروى عنه جعفر بن محمد التوبني، مات بعد الستين وثلاثمائة (¬3). 11 - أبو العباس عبد الله بن محمد بن فرنكديك الوصافي: نسبة إلى ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «طبقات المحدثين بأصبهان» لأبي الشيخ الأنصاري 4/ 297 (680)، وذكر «أخبار أصبهان» لأبي نعيم 1/ 349، و «تاريخ الإسلام» 26/ 304، و «تاريخ دمشق» 23/ 381 - 382 (2830). (¬2) ينظر ترجمته في: «تذكرة الحفاظ» 3/ 886 (837)، و «تاريخ الإسلام» 25/ 354 (591) وفيات سنة ست وأربعين وثلاثمائة، و «سير أعلام النبلاء» 15/ 480 (273)، و «الوافي بالوفيات» 19/ 238 (214)، و «مرآة الجنان» لليافعي 2/ 340، و «شذرات الذهب» 2/ 373. (¬3) ينظر ترجمته في: «تاريخ الإسلام» 26/ 461، 673.

سكة بنَسَف يقال لها: درب وصاف. سمع إبراهِيم بن مَعْقِل وغيره، قال أبو العباس المُسْتَغْفريّ: عندي أجزاء بخطه من تفسير إبراهِيم بن مَعْقِل سمعه منه (¬1). 12 - أبو الحسن علي بن إبراهيم بن أحمد بن عقار الطغامي: صاحب الأوقاف، يروي عن صالح بن محمد الحافظ، وموسى بن أفلح، ويحيى بن بدر السمرقندي، ومحمد بن الحسن صاحب «الأمالي». وروى عن إبراهِيم بن مَعْقِل، كما ذكر ابن عساكر والذَّهَبِيّ في «السير». مات في شوال سنة سبع وأربعين وثلاثمائة كما في «الإكمال» و «تبصير المنتبه». وفي «اللباب» و «تاريخ الإسلام» سنة تسع (¬2). 13 - أبو الحسين محمد بن الحسين بن علي بن يعقوب الكاتب. روى له ابن عساكر عن إبراهِيم بن مَعْقِل عن البُخارِيّ قوله: ما أدخلت في كتاب «الجامع» إلا ما صح، وتركت من الصحاح لحال الطول (¬3). 14 - الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن زكريا بن حسين النَّسفي ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «الأنساب» 13/ 347، «معجم البلدان» 5/ 378، «تاج العروس» للزبيدي 12/ 524، «توضيح المشتبه» لابن ناصر 9/ 182. (¬2) الطغامي: نسبة إلى طغامي من سواد بخارى، ينظر في ترجمته: «الإكمال» لابن ماكولا 5/ 273، 6/ 222، و «اللباب» لابن الأثير 2/ 282، و «تاريخ الإسلام» 25/ 425 (707) وفيات سنة تسع وأربعين، و «سير أعلام النبلاء» 13/ 493 ترجمة إبراهيم بن معقل، «تبصير المنتبه» لابن حجر 3/ 876، 958. (¬3) ينظر: «تاريخ دمشق» 52/ 73 ولم أقف له على ترجمته إلا عند ابن عساكر.

الصكوكي. حدث عنه محمد بن نصر المَرْوَزيّ، وصالح بن محمد جزرة، ومحمد بن إبراهيم البُوشَنْجِي، وإبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي، كما ذكر الذَّهَبِيّ في «التاريخ» و «التذكرة». ذكره جعفر المُسْتَغْفريّ في «تاريخ نَسَف» فقال: كان حافظا مؤلفًا للأبواب، عارفًا بحديث أهل بلده، توفي في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وثلاثمائة قال الذَّهَبِيّ: ما وقع لي حديثه، ولا أكاد أعرفه (¬1). 15 - أبو بكر محمد بن السري (¬2) يلقب بـ (جم) الجويباري (¬3). قال أبو العباس المُسْتَغْفريّ: اسمه محمد بن السري، و (جم) لقب، من سكة الجويبار، شيخ صالح، كان يغسل الموتى، لقي محمد بن إسماعيل البُخارِيّ. وروى عن إبراهِيم بن مَعْقِل، ومحمد بن موسى بن الهذيل. سمع منه عبد الله بن أحمد بن محتاج، وأبو بكر أحمد بن عبد العزيز، وحَدَّثَنا عنه أبو مروان عبد الملك بن سعيد بن إبراهيم، بحديث قد رويناه في أول هذا الكتاب، فيمن اسمه محمد. اهـ. 16 - يوسف بن معروف بن جبير النَّسفي: سمع محمد بن إبراهيم ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» 16/ 233 (165)، «تذكرة الحفاظ» 3/ 930 (883)، «تاريخ الإسلام» 25/ 308 (510) وفيات سنة أربع وأربعين، و «شذرات الذهب» 2/ 369، «معجم المؤلفين» 3/ 303 (13359). (¬2) ينظر ترجمته في: «معجم البلدان» 2/ 191 مادة: جوببار، و «الأنساب» للسمعاني 2/ 126 - 127. (¬3) بضم الجيم وسكون الياء، المنقوطة باثنتين من تحتها، وفتح الباء المنقوطة بواحدة، وفي آخرها الراء المهملة نسبة إلى جويبار إحدى قرى هراة

البُوشَنْجِي، وإبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي وجماعة. مات قبل سنة ستين وثلاثمائة بقليل (¬1). ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «تاريخ الإسلام» 26/ 240 وفيات سنة ستين وثلاثمائة.

مرويات إبراهِيم بن مَعْقِل مما يتعلق بـ «صحيح البُخارِيّ» من خلال النصوص التي وقفت عليها والتي ذكر فيها إبراهِيم بن مَعْقِل، وقفت على أربعة نصوص مما يتعلق بـ «صحيح البُخارِيّ» أو بالبُخارِيّ نفسه، وهذه النصوص هي: أولًا: النص الذي رواه خلف بن محمد بن إسماعيل عنه قال: سمعت أبا عبد الله ابن محمد بن إسماعيل البُخارِيّ يقول: كنت عند إسحاق بن راهويه فقال لنا بعض أصحابنا: لو جمعتم مختصرًا لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع هذا الكتاب، يعني: «الجامع». رواه الخطيب البغدادي في «تاريخه» (¬1). ¬

(¬1) أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» 2/ 8 ترجمة البُخَارِيّ، وفي «مسألة الاحتجاج بالشافعي» ص: 36 قال: أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب قال: أنبأنا محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت خلف بن محمد بن إسماعيل البُخَارِيّ به، فذكره. ومن طريق الخطيب أخرجه كل من: ابن عساكر في «تاريخ دمشق» 52/ 72، والمزي في «تهذيب الكمال» 24/ 441 - 442 (5059) ترجمة البُخَارِيّ، والحافظ ابن حجر في «هدي الساري» ص: 6 - 7 الفصل الأول، وفي «تغليق التعليق» 5/ 419 - 420 في ذكر سبب تصنيفه «الجامع». وذكره الإمام النووي في «تهذيب الأسماء واللغات» 1/ 74 قال: روينا عن إبراهيم بن معقل .. فذكره. والحافظ الذَّهَبِيّ في «تاريخ الإسلام» 19/ 248 - 249 (401) ترجمة البُخَارِيّ وقال: فقال رجل: لو جمعتم .. ، وفي «سير أعلام النبلاء» 12/ 401 ترجمة البُخَارِيّ، ذكر رحلته وطلبه وتصانيفه، والسبكي في «طبقات الشافعية» 2/ 221 ترجمة البُخَارِيّ، والحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» 3/ 508 - 509 ترجمة البُخَارِيّ، والسيوطي في «تدريب الراوي» 1/ 108. وشيخ الخطيب وشيخ شيخه لم أجد من ترجمهما، ولم أجد من روى عن شيخ الخطيب إلا هو، ولا عن شيخ شيخه إلا محمد بن أحمد بن يعقوب.

وهذا النص له أهميته ودلالته في الباعث لمحمد بن إسماعيل البُخارِيّ في تصنيف «الصحيح»؛ لذا لا تجد أحدًا تكلم عن «الصحيح» أو عن البُخارِيّ، رحمه الله تعالى، إلا ويذكر هذه الرِّواية؛ لأنها نص صريح في الباعث على تأليفه. ومن الملاحظ في هذا النص أن الباعث للبخاري كان مجيء هذا الأمر في مجلس شيخه إسحاق بن راهويه، على لسان أحد الحاضرين في المجلس، فتذاكر الحاضرون الأمر، فوقع ذلك الأمر في نفس الإمام البُخارِيّ. وقد تتبعت نص الرِّواية فوجدتها بلفظ: كنت عند إسحاق بن راهويه فقال لنا بعض أصحابنا: لو جمعتم مختصرًا لسنن النبي - صلى الله عليه وسلم -. غير أني وجدت الحافظ ابن حجر في مقدمة «فتح الباري» وقد ساق الرِّواية بسنده إلى الخطيب البغدادي فقال: كنا عند إسحاق بن راهويه فقال: لو جمعتم كتابا ... إلخ. فجعل الباعث هو قول إسحاق؛ حيث قوَّى ذلك من عزمه. وتبعه في ذلك السيوطي في «تدريب الراوي». وفي «تاريخ الإسلام» للذهبي وعند السبكي في «طبقاته» قال: فقال رجل: لو جمعتم كتابا ... إلخ. النص الثاني: رُوي عن إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي أنه قال: سمعت محمد بن إسماعيل البُخارِيّ يقول: ما أدخلت في كتاب «الجامع» إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول (¬1). ¬

(¬1) هذا النص رواه عن إبراهيم اثنان: الأول: الحسن بن الحسين البُخَارِيّ، رواه عنه ابن عدي في «الكامل» 1/ 226، وعنه أحمد بن أبي مسلم الحافظ، وعبد الواحد بن بكر الصوفي، فيما رواه عنهما الخليلي في «الإرشاد» 3/ 962، وأبو سعد الماليني فيما أخرجه عنه الخطيب في «تاريخ بغداد» 2/ 8 - 9، وكذا أخرجه ابن أبي يعلى الفراء في «طبقات الحنابلة» 2/ 252 - 253 عن أحمد بن مهدي، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» 5/ 73 من طريق أبي القاسم بن مسعدة عن حمزة بن يوسف كلاهما الماليني وحمزة بن يوسف عن ابن عدي به. وأخرجه الحافظ المزي في «تهذيب الكمال» 24/ 442 من طريق الخطيب به بهذا اللفظ، وعند بعضهم: الطوال بدل الطول. وأخرجه ابن رشيد الفهري في «السنن الأبين» من طريق الخليلي وعندهما: وقد تركت من الصحاح يعني: خوفًا من التطويل. وأخرجه الذَّهَبِيّ في «السير» 12/ 402 من طريق أحمد بن الحسن بن بندار عن أبي أحمد بن عدي بالإسناد السابق وفيه: وتركت من الصحاح كي لا يطول الكتاب. الثاني: أبو الحسين محمد بن الحسين بن علي بن يعقوب الكاتب أخرجه عنه ابن عساكر 52/ 73، قال: أَخْبَرَنَا أبو الحسن الموحد أنبأنا أبو المظفر النَّسفي أنبأنا أبو عبد الله غنجار عنه به.

وهذا النص أيضا لا تكاد تجد أحدًا تكلم على شرط «صحيح البُخارِيّ» إلا وذكره. حيث يفيد نص البخاري على أصحيته كل ما أدخله في «صحيحه»، كما يفيد أنه لم يشترط استيعاب الأحاديث الصحيحة عنده أو عند غيره. النص الثالث: قال إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي سمعت محمد بن إسماعيل البُخارِيّ يقول: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني (¬1). ¬

(¬1) أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» 2/ 17، وابن أبي يعلى الفراء في «طبقات الحنابلة» 2/ 137 عن أحمد نزيل دمشق، كلاهما (الخطيب وشيخ الفراء أحمد) عن أبي حازم عمر بن أحمد، عن محمد بن محمد بن العباس، عن جده أحمد بن عبد الله قال: سمعت جدي محمد بن يوسف يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البُخَارِيّ يقول: فذكره بزيادة: (وربما كنت أغرب عليه). وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» 52/ 81 من طريق الخطيب، بنحوه، بالزيادة المذكورة. وروي من وجه آخر أخرجه الخطيب 11/ 463، أَخْبَرَنَا أبو سعد الماليني، أَخْبَرَنَا عبد الله بن عدي قال: سمعت الحسن بن الحسين البُخَارِيّ يقول: سمعت إبراهيم بن معقل به .. فذكره.

النص الرابع: ما روي عن إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي قال: سمعت محمد بن إسماعيل البُخارِيّ يقول: خرجت كتابي «الجامع» في بضع عشرة سنة، وجعلته فيما بيني وبين الله حجة (¬1). ¬

(¬1) أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» 52/ 73 من طريق غنجار عن أبي الحسين محمد بن عمران بن موسى الجُرْجَانيّ، عن الحسن بن جعفر بن محمد الشاشي عن إبراهيم بن معقل به .. .

المبحث الثاني رواية حماد بن شاكر النسفي (311) هـ

المبحث الثاني رواية حماد بن شاكر النَّسفي (311) هـ اسمه ونسبه (¬1): هو الإمام المحدث الصدوق حماد بن شاكر بن سَوِيَّه - بفتح السين وكسر الواو وتشديد الياء وآخره هاء - أبو محمد النَّسفي الوراق. راوي «الجامع الصحيح» عن البُخارِيّ. حدث عن عيسى بن أحمد العسقلاني، ومحمد بن إسماعيل البُخارِيّ، وأبي عيسى الترمذي. وحدث عنه بـ «الصحيح» أحمد بن محمد النسوي شيخ الحاكِم أبي عبد الله. وقال ابن النقطة: قال جعفر بن محمد بن المعتز المُسْتَغْفريّ في «تاريخ نَسَف»: روى عن محمد بن إسماعيل «الجامع»، ثقة مأمون، رحل إلى الشام، وروى عن جماعة من الشاميين والغرباء، وروى عن أبي عيسى الترمذي، وعيسى بن أحمد العسقلاني ... حدثني عنه بكر بن محمد بن جعفر بالجامع من أوله إلى آخره وأبو أحمد قاضي بخارى. أقوال العلماء فيه: سبق قول المستغفري فيه: ثقة مأمون. ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: «الإكمال» 4/ 394 باب سويد وسويه، و «التقييد» لابن نقطة ص: 257 - 258 (316)، وترجم له الذَّهَبِيّ في «سير أعلام النبلاء» 15/ 5 (1)، وفي «المشتبه» 1/ 277 مادة: سويه، والصفدي في «الوافي بالوفيات» 13/ 152 (164)، والمرتضى الزبيدي في «تاج العروس» 19/ 552 - 553 مادة: سوو، وابن ناصر الدين في «توضيح المشتبه» 5/ 212، وابن حجر في «تبصير المنتبه» 2/ 701، وينظر «النجوم الزاهرة» 3/ 209.

وقال فيه الذَّهَبِيّ في «السير»: الإمام المحدث الصدوق. وأجمع كل من ترجم له على وصفه براوي «الصحيح» عن البُخارِيّ. وفاته: لم يذكر أحد ممن ترجم له سنة ولادته وأجمعوا على وفاته - رحمه الله تعالى - سنة إحدى عشرة وثلاثمائة.

روايته للصحيح لم تذكر التراجم التي ترجمت لحماد بن شاكر سنة سماعه لـ «الصحيح» من البُخارِيّ ولكن كل من ترجم له نص على أنه راوي «الصحيح» عن البُخارِيّ، ورِواية حماد بن شاكر لـ «الصحيح» نص غير واحد على أنها أنقص بمائتي حديث عن رِواية الفَرَبْريّ، من حيث عدد الأحاديث، كما قال برهان الدين الأبناسي، والعراقي في «فتح المغيث»، والسخاوي، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، حيث قالوا تعقيبًا على قول ابن الصلاح في عدد الأحاديث التي في البُخارِيّ: سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثًا ... . قالوا: هذا مُسلَّم في رِواية الفَرَبْريّ، وأما رِواية حماد بن شاكر فهي دون رِواية الفَرَبْريّ بمائتي حديث ... إلخ (¬1). ورِواية حماد بن شاكر عُرفت فيما - وقفت عليه - من طريقين: أحدهما: من رِواية بكر بن محمد بن جعفر (¬2). قال المُسْتَغْفريّ في «تاريخ نَسَف» في ترجمة حماد: روى عن محمد بن إسماعيل «الجامع»، ثقة مأمون، رحل إلى الشام ... حدثني عنه بكر بن محمد بن جعفر بـ «الجامع» من أوله إلى آخره ... . اهـ (¬3). وقول المُسْتَغْفريّ هذا نقله كثير ممن ترجم لحماد، ومنهم ابن نقطة والذهَبِيّ. الآخر: هو من رِواية أحمد بن محمد بن رميح النسوي (¬4). ¬

(¬1) وسيأتي التفصيل في ذلك عند الكلام على أسباب اشتهار رواية الفَرَبري. (¬2) لم أقف على ترجمته. (¬3) «التقييد» لابن نقطة ص: 316. (¬4) ينظر في ترجمته: «التقييد» لابن نقطة ص: 175 (196)، وترجم له الخطيب وأطال في «تاريخ بغداد» 5/ 6 - 8، والذَّهَبِيّ في «سير أعلام النبلاء» 16/ 169 - 171، و «تذكرة الحفاظ» 3/ 930 - 931 (884) في الطبقة الثانية عشرة، و «العبر» 2/ 307، و «ميزان الاعتدال» 1/ 135 (543)، و «تاريخ الإسلام» 26/ 156 - 157 وفيات سنة (357)، والسيوطي في «طبقات الحفاظ» (377) ترجمة (852)، وابن عبد الهادي في «طبقات علماء الحديث» 3/ 122 - 123 (854)، والصفدي في «الوافي بالوفيات» 7/ 400 (3399) وغيرهم.

قال فيه الذَّهَبِيّ في «السير»: الإمام الحافظ الجوال، أبو سعيد أحمد بن محمد ابن رميح بن عصمة، النخعي، النسوي، ثم المَرْوَزيّ، صاحب التصانيف. اهـ. سمع أبا خليفة الجمحي، وعمر بن أبي غيلان، وابن زيدان البجلي، وأبا العباس السراج وطبقتهم. روى عنه: الدارقطني، والحاكِم أبو عبد الله، وأبو القاسم السراج، وابن رزقويه وغيرهم. قال الحاكِم: قدم نيسابور فعقدتُ مجلس الإملاء، وقرأت عليه «صحيح البُخارِيّ»، وقد أقام بصعدة من اليمن زمانًا، ثم قدم وأكرموه، وأكثروا عنه ببغداد، وما المثل فيه إلا كما قال يحيى بن معين: لو ارتد عبد الرزاق ما تركنا حديثه، وقد سألته المقام بنيسابور ... .اهـ. قال الذَّهَبِيّ: وثقه الحاكِم، وأبو الفتح بن أبي الفوارس، وضعفه أبو زرعة الكشي، وأبو نعيم. ونقل ابن نقطة عن الحاكِم أيضًا أنه قال فيه بعد أن نسبه: هو الحافظ الثقة، مولده بالشرمقان (¬1)، ومنشؤه بمرو، ثم انتقل إلى العراق، ثم انصرف ¬

(¬1) الشرمقان: بفتح أوله وسكون ثانيه وبعد الميم قاف وآخره نون والعجم يقولون جرمقان بليدة بخراسان من نواحي أسفرايين في الجبال بينها وبين نيسابور أربعة أيام. انظر «معجم البلدان» 3/ 338

إلى خراسان وقد شاخ، وذلك في سنة خمسين وثلاثمائة، فعقدت له المجلس في مسجد يحيى بن صبيح، وقرأت عليه «الجامع الصحيح» للبخاري وحضر الناس، فأقام بنيسابور ثلاث سنين، ثم اسُتدعي إلى صعدة، فأدركته منيته بالبادية، فتوفى بالجحفة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة. اهـ. وقال الخطيب في «تاريخه»: حدثني علي بن محمد بن نصر قال: سمعت حمزة ابن يوسف يقول: سألت أبا زرعة محمد بن يوسف عن أحمد بن محمد بن رميح النسوي، فأومأ إلي أنه ضعيف أو كذاب، قال حمزة: الشك مني. قال أبو نعيم الحافظ: كان أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح النسوي ضعيفًا. وقال الخطيب: الأمر عندنا بخلاف ذلك، وهو ثقة ثبت، لم يختلف شيوخنا الذين لقوه في ذلك. ثم ساق الخطيب بأسانيده إلى بعض الأئمة ممن وثقوه، فنقل عن أبي الفتح محمد بن أبي الفوارس قال: كان أحمد بن محمد بن رميح النسوي ثقة في الحديث. ونقل أيضًا عن أبي سعيد الإدريسي قال: أحمد بن محمد بن رميح النسوي لم أرزق السماع منه، ذكر لي أصحابنا حفظه وتيقظه ومعرفته في الحديث. ثم نقل قول الحاكِم فيه: الحافظ ثقة مأمون. وقال ابن حجر في «اللسان»: وإنما ضعفه من ضعفه؛ لأنه كان زيدي المذهب، يتظاهر به، وقد تكلم بعضهم في روايته أيضًا، قاله ابن طاهر. قلت (الباحث): وجاء في ترجمة إسحاق بن إسماعيل الجُوزجاني

عند ابن حجر في «اللسان» بعد ذكره لحديثٍ رواه الدارقطني في «غرائب مالك» عن أحمد ابن محمد بن رميح، عن يعقوب بن يوسف، عن إسحاق بن إسماعيل هذا، فقال (أي: الدارقطني): هذا حديث باطل، ومن دون مالك ضعفاء. «لسان الميزان» (¬1). فهذا النص من الدارقطني فيه تصريح بتضعيف ما دون مالك وفيهم ابن رميح. بينما قال الدارقطني في موضع آخر من «الغرائب» كما في «اللسان»: حَدَّثَنا أحمد بن محمد بن رميح النسوي قال أحمد بن الخضر المَرْوَزيّ قال: ثنا يحيى بن ساسويه .. وقال: غريب إن كان الراوي ضبطه ورجاله كلهم معروفون بالثقة. اهـ (¬2). فهذا أيضًا توثيق من الدارقطني لرجال هذا السند ومنهم ابن رميح. ومما يدل على إمامة هذا الرجل وحفظه، بالإضافة إلى ما سبق، أن الحافظ الذَّهَبِيّ ترجم له في «تذكرة الحفاظ»، و «سير أعلام النبلاء» وكذلك ابن عبد الهادي لما عدَّه في «طبقات علماء الحديث» وقال: الحافظ الجوال ... صاحب التصانيف. توفي - رضي الله عنه - في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة. وإنما أطلت في ترجمة ابن رميح؛ لأن رِواية حماد لم تشتهر إلا من طريقه. ¬

(¬1) 1/ 538 (1105). (¬2) «لسان الميزان» 1/ 395 - 396 (820).

مظان رواية حماد بن شاكر رِواية حماد بن شاكر غير معروفة اليوم، ولم أقف على نسخة مخطوطة تنسب له رواية الصحيح، ولكني من خلال تتبع النصوص عند الأئمة، قد وجدت بعض الأحاديث من الصحيح، رويت من طريق تلميذه أحمد بن رميح. ويبدو - والله أعلم - أن الحاكِم أبا عبد الله هو الذي احتفظ لنا ببعض الأحاديث من هذه الرِّواية من طريق أحمد بن رميح عنه. فقد نقل ابن نقطة عن الحاكِم قوله في ترجمة أحمد بن رميح: ثم انتقل إلى العراق، ثم انصرف إلى خراسان وقد شاخ، وذلك في سنة خمسين وثلاثمائة، فعقدت له المجلس في مسجد يحيى بن صبيح، وقرأت عليه «الجامع الصحيح» للبخاري وحضر الناس، فأقام بنيسابور ثلاث سنين. اهـ فهذا النص يدل على تحديثه بنيسابور، وسماع الحاكِم منه في سنة خمسين وثلاثمائة. ولقد أكثر البيهقي النقل من هذه الرِّواية حيث ذكر في «السنن الكبرى» مواضع رواها عن شيخه أبي عبد الله الحاكِم، عن أحمد بن محمد بن رميح، عن حماد بن شاكر، عن البُخارِيّ. وسأذكر هذه المواضع لما لها من أهمية في الكشف عن معالم هذه الرِّواية التي لا تعرف اليوم، ويمكن من خلالها المقارنة بين هذه الرواية وغيرها من الروايات، وهذه المواضع هي: الموضع الأول: كتاب: الطهارة، باب: النهي عن الإناء المفضض، حديث عاصم الأحول قال: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَ

قَدِ انْصَدَعَ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ - (¬1) .. إلخ. الموضع الثاني: كتاب: الصلاة، باب: كيفية الجلوس في التشهد الأول والثاني، بإسناده إلى محمد بن عمرو بن عطاء، أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: فَذَكَرْنَا صَلاَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ... (¬2). الموضع الثالث: كتاب: الصلاة، باب: الدليل على أن يقنت بعد الركوع. حديث سالم بن عبد الله، عن أبيه أَنَّهُ سَمِعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إِذَا رَفَعَ رَاسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَيَقُولُ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ». وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ (¬3). الموضع الرابع: في كتاب: الصيام، باب: ما كان عليه حال الصيام. حديث نافع عن ابن عمر. أَنَّهُ قَرَأَ: {فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ (¬4). الموضع الخامس: في كتاب: الحج، باب: طواف النساء مع الرجال. ¬

(¬1) «السنن الكبرى» 1/ 30، وهو في «الصحيح» (5638) 7/ 113 - 114 كتاب: الأشربة، باب: الشرب من قدح النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) «السنن الكبرى» 2/ 128، وهو في «الصحيح» كتاب: الأذان، باب: سنة الجلوس في التشهد (828) 1/ 165. (¬3) «السنن الكبرى» 2/ 208، وهو في «الصحيح» كتاب: تفسير القرآن، باب: ليس لك من الأمر شيء 6/ 38. (¬4) «السنن الكبرى» 4/ 200، وهو في «الصحيح» كتاب: الصوم، باب: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} (4506) كتاب: تفسير القرآن، باب: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

حديث ابن جريج: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ - إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ ... (¬1). الموضع السادس: في كتاب: البيوع، باب: ثمر الحائط يباع أصله. حديث نافع مولى ابن عمر: أَيُّمَا نَخْلٍ بِيعَتْ وَقَدْ أُبِّرَتْ وَلَمْ يُذْكَرِ الثَّمَرُ، فَالثَّمَرُ لِلَّذِي أَبَّرَهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْحَرْثُ. سَمَّى لَهُ نَافِعٌ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَ». (¬2). الموضع السابع: كتاب: الشركة، باب: الشركة في البيع. حديث أبي عقيل: أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ إِلَى السُّوقِ يَشْتَرِي الطَّعَامَ فَيَتَلْقَاهُ ابْنُ عُمَرَ ... الحديث (¬3). الموضع الثامن: كتاب: الغصب، باب: لا يملك أحد بالجناية شيئا جنى عليه .. حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: كَانَ لأَبِي بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ .. (¬4). الموضع التاسع: في كتاب: القراض، باب: المضارب يخالف بما فيه زيادة لصاحبه .. ¬

(¬1) «السنن الكبرى» 5/ 78، وهو في «الصحيح» كتاب: الحج، باب: طواف النساء مع الرجال 2/ 152 - 153 (1618). (¬2) «السنن الكبرى» 5/ 298، وهو في «الصحيح» كتاب: البيوع، باب: من باع نخلًا قد أبرت أو أرضًا مزروعة أو بإجارة 3/ 78. (¬3) «السنن الكبرى» 6/ 79، وهو في «الصحيح» (6353) كتاب: الدعوات، باب: الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رءوسهم 8/ 76. (¬4) «السنن الكبرى» 6/ 97، وهو في «الصحيح» 5/ 43 (3842) كتاب: المناقب، باب: أيام الجاهلية.

حديث عروة: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِي بِهِ شَاةً .. (¬1). الموضع العاشر: في كتاب: الوقف، باب: الصدقات المحرمات. حديث عمر - رضي الله عنه -: تَصَدَّقَ بِمَالٍ لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ... (¬2). الموضع الحادي عشر: في كتاب: قسم الفيء والغنيمة، باب: التفضيل على السابقة والنسب. حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ ... (¬3). الموضع الثاني عشر: كتاب: النكاح، باب: ما جاء في تحريم حرائر أهل الشرك دون أهل الكتاب. حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: كَانَتْ قَرِيبَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ عِنْدَ عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّابِ ... (¬4). الموضع الثالث عشر: في كتاب: النكاح، باب من قال: لا ينفسخ النكاح بينهما بإسلام ... حديث ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كَانَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَالْمُؤْمِنِينَ .... (¬5). ¬

(¬1) «السنن الكبرى» 6/ 112، وهو في «الصحيح» 4/ 207 (3642) كتاب: المناقب، باب: سؤال المشركين أن يريهم النبي آية فأراهم انشقاق. (¬2) «السنن الكبرى» 6/ 159، وهو في «الصحيح» 4/ 10 (2764) كتاب: الوصايا، باب: قول الله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ..}. (¬3) «السنن الكبرى» 6/ 349، وهو في «الصحيح» 5/ 63 (3912) كتاب: المناقب، باب: هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة. (¬4) «السنن الكبرى» 7/ 171، وهو في «الصحيح» 7/ 49 (5287) كتاب: الطلاق، باب: نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن. (¬5) «السنن الكبرى» 7/ 187، وهو في «الصحيح» 7/ 48 - 49 (5286) كتاب: الطلاق، باب: نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن.

الموضع الرابع عشر: في كتاب: الجراح، باب: تحريم القتل من السنة. حديث عبد الله بن عمر قال: إِنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الأُمُورِ الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ (¬1). الموضع الخامس عشر: في كتاب: السير، باب: فتح مكة حرسها الله تعالى. حديث عروة قال: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ... (¬2). الموضع السادس عشر: في كتاب: الجزية، باب: من جاء من عبيد أهل الهدنة مسلمًا. حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَهْلِ الْعَهْدِ لَمْ يُرَدُّوا، وَرُدَّتْ أَثْمَانُهُمْ (¬3). الموضع السابع عشر: في كتاب: الجزية، باب: من جاء من عبيد أهل الحرب مسلمًا. حديث عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ ¬

(¬1) «السنن الكبرى» 8/ 21، وهو في «الصحيح» 9/ 2 (6863) كتاب: الديات، باب قول الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ}. (¬2) «السنن الكبرى» 9/ 119، وهو في «الصحيح» 5/ 146 (4280) كتاب: المغازي، باب: أين ركز النبي الراية يوم الفتح. (¬3) «السنن الكبرى» 9/ 229، وهو في «الصحيح» 7/ 49 (5286) كتاب: الطلاق، باب: نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن.

مِنْهُمْ - يعني أهل الحرب - أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ وَلَهُمَا مَا لِلْمُهَاجِرِينَ (¬1). قال البيهقي في كل المواضع السابقة: أخرجه البُخارِيّ في «الصحيح». قال ابن التركماني في «الجوهر النقي»: لم أجد هذا الأثر في «صحيح البُخارِيّ» بعد الكشف (¬2). انفراد نسخة حماد بن شاكر ببعض الأحاديث ولقد وقفت على حديث انفردت به هذه الرِّواية، ذكره أصحاب أطراف الكتب، ومنهم أبو مسعود الدمشقي والمزي في «تحفة الأشراف». هذا الحديث ساقه اليُونِينِيّ في «الصحيح» (¬3) قال: حَدَّثَنا حامد بن عمر عن بشر، حَدَّثَنا عاصم، حَدَّثَنا واقد، عن أبيه، عن ابن عمر - أو ابن عمرو - شَبَّكَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَصَابِعَهُ. وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي، فَلَمْ أَحْفَظْهُ، فَقَوَّمَهُ لِي وَاقِدٌ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ بِهَذَا».اهـ. كذا ساق اليُونِينِيّ هذا الحديث، ورمز لحذف هذا الحديث بأكمله من نسخة الأصيلي وحده. وذكره المزي في «تحفة الأشراف» (¬4) في مسند عبد الله بن عمرو، ¬

(¬1) «السنن الكبرى» 9/ 230. (¬2) قلت: هو في «الصحيح» 7/ 49 (5286) كتاب: الطلاق، باب: نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن. (¬3) كتاب: الصلاة، باب: تشبيك الأصابع في المسجد وغيره 1/ 103 (478، 479، 480). (¬4) 6/ 41 (7428).

بالسياق السابق عند اليُونِينِيّ سندًا ومتنًا ثم قال عقبه: هذا الحديث من رِواية حماد بن شاكر عن البُخارِيّ. وعقب عليه ابن حجر في «النكت الظراف» (¬1) قائلًا: قلت: بل هو في رِواية الفَرَبْريّ أيضًا فيما حكاه أبو مسعود أنه وجده عند إبراهيم - أي الحربي - عن حماد بن شاكر والفَرَبْريّ عن البُخارِيّ. اهـ. ثم قال ابن حجر متعجبًا: نعم! ما رأيته عند أبي ذر عن الثلاثة، ولا في رِواية الأصيلي ولا غيره. اهـ. وقال ابن حجر أيضًا في «الفتح» (¬2) كتاب: الصلاة، باب: تشبيك الأصابع في المسجد بعد ذكره أن البُخارِيّ أورد في الباب حديث أبي موسى وحديث أبي هريرة قال: ووقع في بعض الروايات قبل هذين الحديثين حديث آخر، وليس هو في أكثر الروايات، ولا استخرجه الإسماعيلي ولا أبو نعيم، بل ذكره أبو مسعود في «الأطراف» عن رِواية ابن رميح عن الفَرَبْريّ وحماد بن شاكر جميعًا عن البُخارِيّ قال: حَدَّثَنا حامد بن عمر حَدَّثَنا بشر ... ثم ساقه مثل اليُونِينِيّ حتى قوله: «حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ». ثم قال ابن حجر: وقد ساقه الحميدي في «الجمع بين الصحيحين» نقلا عن أبي مسعود وزاد هو: «قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فصاروا هكذا» وشبك بين أصابعه - الحديث. اهـ. من «الفتح». قلت (الباحث): هو في «الجمع بين الصحيحين» (¬3) للحميدي المتوفى سنة (488) هـ بسياق آخر ونصه: قال: الخامس والعشرون: عن واقد بن ¬

(¬1) 6/ 41. (¬2) 1/ 566. (¬3) 2/ 278 (1435).

محمد، عن أبيه، عن ابن عمر - أو - ابن عمرو. قال: شبك النبي - صلى الله عليه وسلم - أصابعه وقال: «كيف أنت يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فصاروا هكذا؟» قال: فكيف يا رسول الله؟ قال: «تأخذ ما تعرف، وتدع ما تنكر، وتقبل على خاصتك، وتدعهم وعوامهم». هكذا في حديث بشر بن المفضل عن واقد. وفي حديث عاصم بن محمد بن زيد قال: سمعت هذا من أبي فلم أحفظه فقومه لي واقد عن أبيه قال: سمعت أبي وهو يقول: قال عبد الله: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا عبد الله بن عمرو كيف أنت إذا بقيت ...» وذكره. وليس هذا الحديث في أكثر النسخ، وإنما حكى أبو مسعود أنه رآه في كتاب أبي رميح عن الفَرَبْريّ وحماد بن شاكر عن البُخارِيّ. اهـ. وقال ابن الملقن في «التوضيح» كتاب: الصلاة، باب: تشبيك الأصابع بعد أن ساق الحديث مثل ما جاء عند اليُونِينِيّ: والكلام عليه من أوجه: أحدها: هذا الحديث ليس موجودًا في أكثر نسخ «الصحيح»، ولا استخرجه الحافظان الإسماعيلي وأبو نعيم، ولا ذكره ابن بطال، وفي بعض النسخ ملحقًا على الحاشية، وحكى أبو مسعود أنه رأى في كتاب أبي رميح عن الفَرَبْريّ وحماد بن شاكر عن البُخارِيّ، نعم ذكره خلف في «أطرافه» في مسند ابن عمر، وكذا الحميدي في «جمعه» من أفراد البُخارِيّ من حديث واقد بن محمد ... فذكر باقي كلام الحميدي. اهـ. وقال القَسْطَلّانِيّ في «إرشاد الساري» (¬1): وهذا الحديث ساقط في أكثر الروايات ولم يذكره الإسماعيلي، ولا أبو نعيم في مستخرجيهما، وإنما وجد بخط البرزالي، وذكر أبو مسعود في «الأطراف» أنه رآه في ¬

(¬1) 1/ 250 - 251.

كتاب ابن رميح عن الفَرَبْريّ وحماد بن شاكر عن البُخارِيّ، وفي «اليُونِينيّة» سقوطه للأصيلي فقط اهـ. قلت (الباحث): وكأن القسطلاني يستشكل اقتصار اليونيني على حذفه من رواية الأصيلي فقط، وإلا فهو ساقط من رواية أبى ذر وغيره كما سبق. والحديث في «كنز العمال» (¬1) بلفظ: «كيف بك يا ابن عمر إذا عُمّرت في حثالة من الناس يخبئون رزق سنةٍ ويضعف اليقين».اهـ. وعزاه للبُخارِيّ في رِواية حماد بن شاكر عن ابن عمر. والخلاصة: أن الحديث من رِواية حماد بن شاكر، وجمهور الرُّواة على حذفه من «الصحيح» ووضع اليونيني له في نسخته مع خلوها من رواية حماد بن شاكر فيه نظر وخاصة أن ابن حجر وغيره ذكروا أنهم ما رأوه في نسخ الفربري والله أعلم. وقول أبي مسعود الدمشقي، أن هذا الحديث مروي عن الفَرَبْريّ من رِواية ابن رميح عنه لم أجد من ذكره غير أبي مسعود، ولعل العبارة فيها وهم، فإن ابن رميح معروف بالرِّواية عن حماد بن شاكر كما سبق، ولا تعرف له رِواية عن الفَرَبْريّ، وكل من جاء بعد ذلك اعتمد على قول أبى مسعود في ذلك، ولم يذكر أحد من الشراح أو أصحاب الأطراف وجوده عند الفربري والله أعلم. ¬

(¬1) 3/ 439 (7340).

المبحث الثالث رواية أبي عبد الله الفربري (231 - 320) هـ

المبحث الثالث رِواية أبي عبد الله الفَرَبْريّ (231 - 320) هـ اسمه ونسبه (¬1): هو المحدث، الثقة، العالم، راوي «الجامع الصحيح»، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفَرَبْريّ (¬2). ¬

(¬1) «) ينظر مصادر ترجمته في: «المؤتلف والمختلف» للدارقطني 4/ 1896 - 1897، و «الإكمال» لابن ماكولا 7/ 74، و «مشارق الأنوار» 2/ 169، و «الأنساب» 9/ 260، و «معجم البلدان» 4/ 246، و «التقييد» ص: 125 - 126 (142)، و «تكملة الإكمال» 4/ 547، و «اللباب في تهذيب الأنساب» 2/ 418، و «الكامل في التاريخ» 8/ 274، و «مقدمة النووي على شرح البُخَارِيّ» 1/ 238 - 240، و «وفيات الأعيان» 4/ 290، و «برنامج التجيبي» ص: 78، و «إفادة النصيح» لابن رشيد ص: 10 - 14، و «الروض المعطار» لمحمد بن عبد المنعم الحميري ص: 440، و «كشف الأسرار» 3/ 25، و «تاريخ الإسلام» 23/ 613 (1486)، و «سير أعلام النبلاء» 15/ 10، و «العبر في خبر من غبر» 2/ 183، و «الوافي بالوفيات» 5/ 245 (2315)، و «مرآة الجنان» 2/ 280، ومقدمة ابن الملقن لشرح «التوضيح» 1/ 51 - 52، و «الوفيات» لابن قنفذ (320)، و «توضيح المشتبه» لابن ناصر الدين 7/ 70، و «تبصير المنتبه» لابن حجر 3/ 1101، و «شذرات الذهب» لابن العماد 2/ 286، و «ديوان الإسلام» للغزي 3/ 420، و «الأعلام» 7/ 148. (¬2) اختلف الرواة قديمًا وحديثًا في ضبط فاء هذه الكلمة بين الفتح والكسر، وأصل اختلافهم يرجع إلى اختلافهم في ضبط أصل النسبة، وهي كلمة (فربر). وفربر: قرية من قرى بخارى على طرف جيحون مما يلي بخارى، وهي كلمة أعجمية في الأصل، نقلت إلى العربية. وقيل فيها: فِرَبْر بكسر الفاء، وفتح الراء، وإسكان الباء الموحدة، ويقال أيضًا: بفتح الفاء. وممن حكى الوجهين في الفاء في النسبة إليها: القاضي عياض في «المشارق»، وأبو إسحاق بن قرقول في «مطالعه»، وأبو بكر الحازمي، وياقوت الحموي، والذَّهَبِيّ في «السير» وغيرها، والتجيبي في «برنامجه»، وابن ناصر الدين في «توضيح المشتبه» وغيرهم. وممن اقتصر على الفتح: السمعاني في «الأنساب»، وابن النقطة في «تكملة الإكمال»، وابن الأثير في «اللباب»، وابن خلكان في «وفيات الأعيان»، والصفدي في «الوافي». ورجح ابن رشيد الفهري في «إفادة النصيح»: الفتح حيث قال: والأصح الفتح بلدًا ونسبا، ومن ينحو به نحو الأسماء العربية يكسر بلدًا ونسبًا. ولم يصب من قال: إن الفتح في النسب من تغيير النسبة، بل النسب بالفتح إلى المفتوح، وبالكسر إلى المكسور عند من عرَّبه. اهـ. ثم قال مستدلًا على ما رجحه من الفتح: وبالفتح ضبطه خطًا الرواة الدراة، وبالفتح وجدته مقصودًا في البلد والنسب في صدر كتاب البُخَارِيّ في النسخة العتيقة التي كتبت بمكة - شرفها الله - وقرئت وسمعت على أبي ذر وعليها خطه. وكذلك وجدته في غير موضع بخط متقن الأندلسيين غير مدافع في زمانه أبي بكر بن خير - رحمه الله - وكتب عليه: صح صح على النسب والبلد، وقد وجدته بخطه في بعض المواضع بالكسر غير مصحح عليه. وحكى القاضي عياض في «المشارق» 2/ 169 الخلاف في ضبطها بعد أن رجح الكسر. ومما قاله القاضي: وذكره ابن ماكولا بالفتح في النسب والبلد، وكذلك هو في بعض أصول «المؤتلف» للدارقطني، وضبطناه هناك عن شيخنا الشهيد (أي: القاضي أبو علي الصدفي المتوفى 514 هـ) في النسب والبلد - بالكسر - وكذا قيده بخطه. اهـ. قلت (الباحث): ما حكاه القاضي عياض عن الأمير ابن ماكولا لم أجده في كتابه «الإكمال» في مظانه، ولم يزد ابن ماكولا على أن قال: أما الفَرَبري فجماعة منهم: محمد بن يوسف بن مطر الفَرَبري حدث بـ «الجامع الصحيح» عن البُخَارِيّ وروى عنه جماعة. اهـ. «الإكمال» 7/ 84. كذا بلفظه في «الإكمال» واللفظ غير مضبوط لفظًا وضبط شكلًا بالفتح. وذكر ابن حجر أن الفَرَبري بفتح الفاء وسكون الموحدة .. وقيل في أوله بالكسر «تبصير المنتبه» 3/ 1101، وينظر الهامش فإنه أشار إلى أن في «الإكمال» 2/ 119 بكسر الفاء. قال ابن رشيد الفهري: والنسخ العتاق مختلفة في ضبطه في كتاب: الأمير خطًّا لا لفظًا، ولعل القاضي أبا الفضل وقف على ذلك في موضع لم أقف عليه من كلام الأمير أنا وكت (كذا في المطبوع) روايته في هذا الموضع عنده بالفتح فاعتمدها، وإنه ليُلْتَمَع ذلك من طرف خفي من قوله: وكذلك هو في بعض أصول «المؤتلف» للدارقطني، وإن كان ابن ماكولا لم يذكر البلد فيما وجدته وإنما ذكر النسب، ولعله كان مذكورًا في كتاب: أبي الفضل. اهـ. «إفادة النصيح» ص: 13، 14. قلت (الباحث): وممن ذكر الوجهين في الفاء ورجح الكسر: النووي في القطعة التي شرحها من «الصحيح» 1/ 238 - 239: قال: وهي بكسر الفاء وفتح الراء وإسكان الباء الموحدة ويقال: بفتح الفاء أيضًا. اهـ.

ولادته: اتفق كل من ترجم للفربري على أن ولادته كانت سنة إحدى وثلاثين ومائتين. شيوخه: سمع الفَرَبْريّ «الصحيح» من أبي عبد الله البُخارِيّ، وسمع من قتيبة بن سعيد وعلي بن خَشرَم. قال أبو بكر السَّمْعاني في «أماليه» (¬1): وقد سمع الفَرَبْريّ من قتيبة بن ¬

(¬1) هو الإمام الحافظ أبو بكر بن محمد بن أبي المظفر، منصور بن محمد بن عبد الجبار، التميمي السمعاني المروزي، جد الحافظ أبي سعد صاحب كتاب: «الأنساب»، سمع أباه وأبا الخير محمد بن أبي عمران الصفار، كان أحد فرسان الحديث، ذكر له حفيده ترجمة حسنة، وقد أملى مائة وأربعين مجلسًا بجامع مرو، وكل من رآها اعترف له أنه لم يسبق إلى مثلها، مات سنة عشر وخمسمائة، وله ثلاث وأربعون سنة. ينظر «الأنساب»: 7/ 140 - 141، «تذكرة الحفاظ» 4/ 1266 - 1269.

سعيد (¬1) وعلي بن خَشرَم (¬2)، فشارك البُخارِيَّ ومسلمًا في الرِّواية عنهما (¬3). وروى ابن النقطة بإسناده إلى الفَرَبْريّ أنه قال: سمعت من علي بن خَشرَم سنة ثمان وخمسين ومائتين وأنا بفربر مرابطًا (¬4). وقال الذَّهَبِيّ: وقد أخطأ من زعم أنه سمع من قتيبة بن سعيد، فما رآه، وقد ولد في سنة إحدى وثلاثين ومائتين (أي: الفَرَبْريّ)، ومات قتيبة في بلد آخرَ سنة أربعين (¬5). قلت (الباحث): يتلخص مما سبق أن الفَرَبْريّ قد روى عن ثلاثة: الأول: الإمام أبو عبد الله البُخارِيّ - رحمه الله تعالى - وهذا لا خلاف عليه. الثاني: قتيبة بن سعيد. الثالث: علي بن خَشرَم. وسماع الفَرَبْريّ من قتيبة بن سعيد نص عليه أبو بكر السَّمْعاني في «أماليه» كما ذكره النووي في شرحه لـ «الصحيح». ¬

(¬1) قتيبة بن سعيد بن جميل الثقفي، أبو رجاء البغلاني، روى عن: مالك والليث وهشيم وغيرهم، وعنه: الجماعة سوى ابن ماجه وغيرهم. قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ثقة، ولد سنة مائة وخمسين، وقيل: ثمان وأربعين، وتوفي لليلتين خلتا من شعبان سنة أربعين ومائتين. ينظر ترجمته في «تهذيب الكمال»: 23/ 523 - 537. (¬2) هو علي بن خَشْرم بن عبد الرحمن بن عطاء المروزي أبو الحسن. روى عن: إسماعيل ابن علية، وابن عيينة، وهشيم وغيرهم، وعنه: مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم. وثقه النسائي وابن حبان وسلمة بن قاسم، ولد سنة ستين ومائة، ومات سنة سبع وخمسين ومائتين. ينظر ترجمته في «تهذيب الكمال»: 20/ 421 - 423. (¬3) «شرح البُخَارِيّ» للنووي 1/ 239 - 240. (¬4) «التقييد» 1/ 126. (¬5) «سير أعلام النبلاء» (15/ 10 - 11).

وقد خطّأ الذَّهَبِيّ في «السير» (¬1) من زعم أنه سمع منه؛ لأن الفَرَبْريّ ولد سنة مائتين وإحدى وثلاثين ومات قتيبة في بلد آخر سنة أربعين ومائتين، فيكون بينهما تسع سنوات مع اختلاف المصر مما يبعد السماع. أما سماع الفَرَبْريّ من علي بن خَشرَم فهذا ثابت لا خلاف فيه، وقد نص على ذلك كثير ممن ترجم للفربري، وفي أمهات الكتب أحاديث مروية عن الفَرَبْريّ، عن علي بن خَشرَم. فقد أخرج البيهقي في «السنن الكبرى» (¬2) وفي «شعب الإيمان» (¬3) أحاديث من رِواية الحافظ أبي أحمد بن عدي، عن الفَرَبْريّ، عن علي بن خَشرَم وغير ذلك. بل سماع الفَرَبْريّ من علي بن خَشرَم ثابت في بعض نسخ «الجامع الصحيح» كما سيأتي. تلاميذه: لقد روى عن الفَرَبْريّ خلق كثيرون، رحلوا إليه يطلبون الإسناد العالي، وقد أفردتهم ببحث مستقل أقوال العلماء في بيان مكانته: إذا أردنا أن نجمع النصوص وأقوال العلماء التي تُعدِّل هذا الرجل فحقيقٌ أن يكون الجواب على السائل عن ذلك بمثل ما أجاب به يحيى بن معين - رضي الله عنه - (233) هـ فيما رواه ابن رشيد الفهري (721) هـ من طريق مضر بن محمد الكوفي عنه، قال مضر: سأل أحمد بن الوليد - غلام كان معي يخدمني ويكتب - يحيَى بنَ معين، عن أبي بكر بن أبي شيبة وعثمان أخيه، ¬

(¬1) 15/ 10 - 11. (¬2) كتاب: الحج، باب: الحاج أشعث أغبر .. 5/ 58. (¬3) باب: في الصلوات / فضل الجمعة 3/ 104 (3010).

فقال له: يا مجنون، هل رأيت أحدًا يسأل عن مثل هؤلاء اهـ (¬1). ولنذكر بعض الأقوال في ثناء العلماء عليه دفعًا لغمز جاهلٍ على أهل الإسلام متحامل: قال الإمام أبو الوليد الباجي (474) هـ: والفَرَبْريّ ثقة مشهور (¬2). وقال أبو محمد الرشاطي (547) هـ: وعلى الفَرَبْريّ العمدة في رِواية كتاب البُخارِيّ. اهـ (¬3). وقال أبو بكر السَّمْعاني (520) هـ في «أماليه» - وهو جد السَّمْعاني صاحب «الأنساب» - كان ثقة ورعًا. اهـ (¬4). وقال ابن رشيد الفهري (721) هـ: عمدة المسلمين في كتاب البُخارِيّ. اهـ. وقال أيضًا: الثقة الأمين، وسيلة المسلمين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتاب البُخارِيّ، وحبلهم المتين. اهـ. وفاته: اتفق كل من ترجم له على أن وفاته كانت سنة عشرين وثلاثمائة، يوم الأحد لثلاث خلون من شهر شوال، وقيل لعشر بقين منه (¬5) فرحمه الله رحمة واسعة. ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 15، 16. (¬2) «التعديل والتجريح» 1/ 173. (¬3) «إفادة النصيح» ص: 15، 16. (¬4) «التقييد» 1/ 126 (142). (¬5) ذكر وفاته لثلاث خلون من شهر شوال السمعاني في «الأنساب» 10/ 170، وابن الأثير في «اللباب» 2/ 418، وياقوت الحموي في «معجم البلدان» 4/ 245. وقال ابن رشيد الفهري في «إفادة النصيح» ص: 23: وتوفي الفَرَبري فيما رويناه بإسنادنا العالي إلى أبي ذر قال: سمعت أبا إسحاق المُسْتَمْلِيّ يقول: مات محمد بن يوسف بن مطر الفَرَبري - رحمه الله - في شهر شوال لعشر بقين منه من سنة عشرين وثلاثمائة فيما بلغني. اهـ.

هل سمع البُخارِيّ من علي بن خَشرَم؟ ذكر بعض العلماء وهو أبو بكر بن السَّمْعاني في «أماليه» - كما سبق - أن الفَرَبْريّ شارك البُخارِيّ ومسلمًا في السماع من قتيبة بن سعيد وعلي بن خَشرَم. وننبه هنا على أمرين: الأول: أن سماع البُخارِيّ ومسلم من قتيبة بن سعيد وإن كان ثابتًا كما هو ظاهر من أحاديثه في «الصحيحين» إلا أن في ذلك نظرًا بالنسبة للفربري. الثاني: وهو سماع البُخارِيّ ومسلم من علي بن خَشرَم. فالثابت كما هو واضح عند كل من ترجم لعلي بن خَشرَم سماعُ مسلم منه. أما سماع البُخارِيّ منه فلم يثبت, وبعد استقراء «الصحيح» ونسخه المشار إليها في شروح «الصحيح» تحصل لي أن لعلي بن خَشرَم ذكرًا في بعض نسخ «الصحيح» في موضعين: الأول: في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - الذي رواه البُخارِيّ في كتاب التهجد، باب: التهجد بالليل (¬1). قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ... وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ» أَوْ «لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ». قَالَ سُفْيَانُ: وَزَادَ عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ: «وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ». ¬

(¬1) (1120) 2/ 48 - 49.

قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ: سَمِعَهُ مِنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - اهـ. هكذا إسناد الحديث عند جمهور الرُّواة عن الفَرَبْريّ. وفي رِواية أبي ذر قبل قوله: (قال سفيان) الثانية زيادة: (قال علي بن خَشرَم) فصارت هكذا: قال علي بن خَشرَم: قال سفيان: قال سليمان بن أبي مسلم ... إلخ. وغرض البُخارِيّ من هذه الزيادة إن ثبتت عنه أو الفربري وهو الصواب كما سيأتي - هو إثبات سماع سليمان بن أبي مسلم لهذا الحديث من طاوس؛ لأنه ذكره في أول الحديث بالعنعنة. كما نص على ذلك ابن حجر في «الفتح» (¬1). ورِواية أبي ذر هذه جاءت في هامش «اليونينية» (¬2) ورمز لها برمز أبي ذر، ونص عليها ابن حجر في «الفتح» (¬3) والقَسْطَلّانِيّ في «إرشاد الساري» (¬4) والشيخ زكريا الأنصاري في «المنحة» (¬5). وهذه الزيادة توهم في ظاهرها أن الحديث متصل بسماع البُخارِيّ لهذا الحديث من علي بن خَشرَم، عن سفيان، وليس الأمر كذلك. وذلك لأن هذه الزيادة ليست ثابتة في جميع نسخ البُخارِيّ وإنما هي من رِواية أبي ذر وحده كما نص على ذلك ابن حجر في «الفتح». وأيضًا فإنه على فرض ثبوت هذه الرِّواية فإن غاية ما تدل عليه أن ¬

(¬1) 3/ 6. (¬2) 2/ 49. (¬3) 3/ 5 - 6. (¬4) 3/ 194. (¬5) 2/ 192.

هذه الزيادة من زيادات الفَرَبْريّ على البُخارِيّ، فإنه في بعض المواضع من «الصحيح» يزيد زيادات من عنده لم يسمعها من البُخارِيّ. ولذا قال ابن حجر - رحمه الله - في «الفتح» (¬1): ولعل هذه الزيادة عن الفَرَبْريّ فإن علي بن خَشرَم لم يذكروه في شيوخ البُخارِيّ، وأما الفَرَبْريّ فقد سمع من علي ابن خَشرَم كما سيأتي في أحاديث الأنبياء في قصة موسى والخضر، فكأن هذا الحديث أيضا كان عنده عاليًا عن علي بن خَشرَم، عن سفيان، فذكره لأجل العلو. والله أعلم. اهـ. وقد نص على ذلك الذَّهَبِيّ في «السير» (¬2) حيث قال في ترجمة علي بن خَشرَم عند ذكر من حدث عنه: محمد بن يوسف الفَرَبْريّ، ثم قال ما نصه: ووقع لنا روايته عنه في تعلية حديث موسى والخضر، فقال: حَدَّثَناه علي بن خَشرَم، حَدَّثَنا ابن عيينة فذكره، لكن ليس هذا في كل نسخ «الصحيح». اهـ كلامه. قلت (الباحث): ومن الجدير بالذكر أن عليَّ بن خَشرَم معدود في طبقة أقران البُخارِيّ حيث توفي (257) هـ. الموضع الثاني: في باب: حديث الخضر مع موسى عليه السلام، من كتاب: الأنبياء. قال البُخارِيّ (¬3): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَّمَا هُوَ ¬

(¬1) 3/ 6. (¬2) «سير أعلام النبلاء» 11/ 553. (¬3) 4/ 154 (3401 - 3402).

مُوسَى آخَرُ. فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ» ثم ساق الحديث بطوله إلى أن قال في آخره: «وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ». ثُمَّ قَالَ لِي سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ. قِيلَ لِسُفْيَانَ: حَفِظْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْمَعَهُ مِنْ عَمْرٍو؟ أَوْ: تَحَفَّظْتَهُ مِنْ إِنْسَانٍ؟ فَقَالَ: مِمَّنْ أَتَحَفَّظُهُ؟ وَرَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ عَمْرٍو غَيْرِي؟ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ. اهـ. ثم ساق حديثا آخر في سبب تسمية الخضر بهذا الاسم فقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرُ؛ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ».اهـ. هكذا سياق الحديثين كما هو في «اليُونِينيّة» وكما هو عند أكثر رواة البُخارِيّ، لكن وقعت هنا زيادة وهي: قال محمد بن يوسف بن مطر الفَرَبْريّ: حَدَّثَنا علي بن خَشرَم عن سفيان، بطوله. اهـ. وهذه الزيادة أشار إليها اليُونِينِيّ في هامش نسخته، وابن الملقن، وابن حجر، والعيني، والقَسْطَلّانِيّ، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري في شروحهم. وهذه الزيادة يتعلق بها أمران: الأول: من راوي هذه الجملة عن الفَرَبْريّ؟ هل هو الحَمُّوييّ (أبو محمد السَّرْخَسي) كما هو عند اليُونِينِيّ والشيخ زكريا الأنصاري وغيرهما، أم هو المُسْتَمْلِيّ كما هو عند ابن الملقن وتلميذه ابن حجر العسقلاني؟ الأمر الثاني: موضع هذه الزيادة. هل هو عقب الحديث الأول في الحديثين السابقين كما هو عند ابن الملقن وابن حجر؟ أم هو عقب

الحديث الثاني كما هو في هامش «اليُونِينيّة» وكما ذكر الشيخ زكريا والإمام العيني؟ قلت: أما الأمر الأول: وهو راوي هذه الجملة عن الفَرَبْريّ فإنه يُلاحظ شيئان: الأول منهما: أن كلًّا من الحَمُّوييّ - ويعرف أيضًا بالسَّرْخَسي - والمُسْتَمْلِيّ في طبقة واحدة، فكلاهما تلميذ للفربري، ومعروف بالرِّواية عنه. الثاني: أن كلمة الحَمُّوييّ ليست في أصل اليُونِينِيّ، وإنما هي في الحاشية، ومعلم عليها بحرف الإسقاط. وبناء على كلا الأمرين فالوهم وقع في عزو هذه الجملة إلى الحَمُّوييّ عند من عزاها إليه. ويؤيد هذا أن الجملة غير موجودة عند الجمهور من الرُّواة عن الفَرَبْريّ، ولذلك نص ابن الملقن وتبعه ابن حجر على أن هذه الزيادة ليست من رِواية الحَمُّوييّ، وإنما هي من رِواية المُسْتَمْلِيّ. قال ابن الملقن - رحمه الله تعالى - بعد شرح الحديث الأول بعد قول سفيان: سمعته منه مرتين أو ثلاثا وحفظته منه قال: وهذا رواه أبو ذر الهَرَويّ: ثنا أبو إسحاق المُسْتَمْلِيّ، ثنا الفَرَبْريّ، ثنا علي بن خَشرَم، عن سفيان، فذكره. اهـ. وتابع ابنَ الملقن تلميذُه ابن حجر فقال في «الفتح» (¬1): ووقع هنا في رِواية أبي ذر عن المُسْتَمْلِيّ خاصة عن الفَرَبْريّ: حَدَّثَنا علي بن خَشرَم، حَدَّثَنا سفيان بن عيينة ... الحديث بطوله. اهـ. وهذا - والله أعلم - هو ¬

(¬1) 6/ 433.

الصواب. أما ما جاء في هامش «اليُونِينيّة» فقد سبق أن اليُونِينِيّ وضع على كلمة الحَمُّوييّ علامة الإسقاط، فلعل الشيخ زكريا عندما نسب هذا القول إلى الحَمُّوييّ طمس حرف الإسقاط عنده وتبعه في ذلك من عزاه إلى الحَمُّوييّ. ولذا نجد القَسْطَلّانِيّ وهو ممن له عناية خاصة باختلاف الروايات عمومًا ونسخة اليُونِينِيّ خاصة، قد نص على وجود حرف الإسقاط على كلمة الحَمُّوييّ. وهذا يفسر صنيع الإمام العيني في «شرحه» (¬1) حيث ساق العبارة ونسبها إلى الحَمُّوييّ، ونص بعد ذلك على أنها من رِواية المُسْتَمْلِيّ خاصة عن الفَرَبْريّ مما يدل على وقوع اضطراب في العبارة عنده، ولعل ذلك من النساخ وعدم العناية بضبط النص، والله أعلم. فالصواب: - والله أعلم - ما ذكره ابن الملقن وابن حجر من أن هذه الزيادة من رِواية المُسْتَمْلِيّ عن الفَرَبْريّ خاصة. هذا ما يتعلق بالأمر الأول. أما الأمر الثاني: وهو موضع هذه العبارة. فأقول: هذه العبارة وهي قول الفَرَبْريّ: حَدَّثَنا علي بن خَشرَم، حَدَّثَنا سفيان ... إلخ. ذكرت في هامش «اليُونِينيّة» (¬2) وعند الشيخ زكريا (¬3) وعند العيني (¬4) عقب الحديث الثاني، وذكرت عقب الحديث الأول عند ابن ¬

(¬1) «عمدة القاري» 13/ 38. (¬2) 4/ 156. (¬3) 6/ 489 - 490. (¬4) «عمدة القاري» 13/ 38.

الملقن في «التوضيح» وعند ابن حجر في «الفتح» (¬1). وسياق الحديث الأول يناسب هذه الزيادة كما جاءت عند ابن الملقن وابن حجر، فالحديث الأول من رِواية علي بن عبد الله - هو المديني - عن سفيان - وهو ابن عيينة - عن عمرو بن دينار. بينما الحديث الثاني ليس فيه أي ذكر لرِواية سفيان. فكأن الفَرَبْريّ ذكر متابعةً لشيخ البُخارِيّ علي بن المديني عن سفيان، وهي متابعة علي بن خَشرَم، عن سفيان. ومن المعروف - كما سبق - أن علي بن خَشرَم ليس شيخا للبخاري في هذا الموضع، وإنما هو شيخٌ للفربري، وذكر هذه الزيادات عن علي بن خَشرَم؛ لأنها وقعت له بعلو كما نص على ذلك ابن حجر فيما سبق والله أعلم. اهـ. ونخلص مما سبق أن سماع الفَرَبْريّ من قتيبة بن سعيد بعيدٌ كما سبق نقله عن الذَّهَبِيّ. كما أن سماع البُخارِيّ من علي بن خَشرَم غير ثابت عند من ترجموا للبخاري، والمواضع التي وقع فيها ذكر لعلي بن خَشرَم في الصحيح إنما هي من رِواية الفَرَبْريّ عنه. والله أعلم. ¬

(¬1) «الفتح» 6/ 489.

هل ذُكِر الفَرَبْريّ في نص «الصحيح»؟ الفَرَبْريّ قد وقع له ذكر في بعض نسخ البُخارِيّ كما جاء في «اليُونِينيّة» في عدة مواضعَ أذكر بعضها للتمثيل وأحيل إلى الباقي: الأول: في كتاب: العلم، في باب: كيف يقبض العلم (¬1). قال البُخارِيّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ..» الخ. قَالَ الفَرَبْريّ: حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ نَحْوَهُ. اهـ. وعند اليُونِينِيّ رمز إلى سقوط عبارة الفَرَبْريّ من رِواية ابن عساكر وأبي الوَقْت والأصيلي وإحدى النسخ غير المعروفة. اهـ. وفي بعض النسخ كما عند القَسْطَلّانِيّ بحذف: قال الفَرَبْريّ. اهـ. وهذه زيادة من الفَرَبْريّ على كتاب البُخارِيّ وهي قليلة كما ذكر جميع الشراح. وهذه الزيادة فائدتها متابعة مالك عن هشام، فقد تابعه - كما رواه الفَرَبْريّ - جرير؛ رواها عنه قتيبة بن سعيد. الثاني (¬2): في كتاب: المظالم، باب: إثم من ظلم شيئا من الأرض. ¬

(¬1) «اليونينية» 1/ 32 (100)، «التوضيح» لابن الملقن 3/ 492 (100)، «فتح الباري» 1/ 195، «عمدة القاري» 2/ 90، «منحة الباري» 1/ 331، «إرشاد الساري» 1/ 358. (¬2) «اليونينية» 3/ 130 (2454)، «التوضيح» لابن الملقن 15/ 602 (2454)، «فتح الباري» 5/ 105، «عمدة القاري» 10/ 318 - 319، «منحة الباري» 5/ 229، «صحيح البُخَارِيّ» طبعة المجلس الأعلى 4/ 237.

قال البُخارِيّ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا مُوسَى ابْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَخَذَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِخُرَاسَانَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، أَمْلاَهُ عَلَيْهِمْ بِالْبَصْرَةِ اهـ. هكذا نص اليُونِينِيّ، وفي الحاشية عند قوله: قال أبو عبد الله. زيادة قبلها: قال الفَرَبْريّ: قَالَ أَبُو جَعفرِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قال أبو عبد الله ... إلخ. وهذه الزيادة من رِواية أبي ذر وحده عن شيوخه الثلاثة، كما نص على ذلك غير واحد منهم اليُونِينِيّ وابن حجر والعيني وغيرهم. وأبو جعفر هو محمد بن أبي حاتم البُخارِيّ وراق البُخارِيّ، وقد ذكر عنه الفَرَبْريّ في هذا الكتاب فوائد كثيرة عن البُخارِيّ وغيره، رواها عنه الفَرَبْريّ من كتابه في شمائل البُخارِيّ، كما ذكر ابن حجر وغيره. ومعنى هذه الزيادة أن ابن المبارك صنف كتبه بخراسان، وحدث بها هناك، وحملها عنه أهلها، وحدث في أسفاره بأحاديث من حفظه، زائدة على ما في كتبه هذا منها. وهذه الزيادة ليست عند الكرماني في «شرحه». الموضع الثالث (¬1): في كتاب: المظالم، باب: النهبى بغير إذن صاحبه. قال البُخارِيّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ ¬

(¬1) «اليونينية» 3/ 136 (2475)، «التوضيح» لابن الملقن 16/ 19 (2475)، الكرماني 11/ 43، «صحيح البُخَارِيّ» طبعة المجلس الأعلى 4/ 253، «فتح الباري» 5/ 120 - 121، «منحة الباري» 5/ 254 - 255، «عمدة القاري» 10/ 348.

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ ...» الحديث. وَعَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَهُ، إِلاَّ النُّهْبَةَ. اهـ. هذا نص اليُونِينِيّ، وبهامش نسخته بعد كلمة: النهبة من رِواية أبي ذر عن المُسْتَمْلِيّ: قَالَ الفَرَبْريّ: وَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي جَعْفَرٍ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: تَفْسِيرُهُ: أَنْ يُنْزَعَ مِنْهُ، يُريدُ الْإيمَانَ. اهـ. وهذه أيضًا من الفوائد التي زادها الفَرَبْريّ ورواها عن محمد بن أبي حاتم وراق البُخارِيّ عن البخاري. الموضع الرابع (¬1): في كتاب: الرقاق، باب: رفع الأمانة. قال البُخارِيّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا: «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ ...» الحديث. هكذا نص الحديث في «اليُونِينيّة» وفي آخره في الهامش: قَالَ الفَرَبْريّ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: حَدَّثْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ بْنَ عَاصِمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ يَقُولُ: قَالَ الأَصْمَعِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو وَغَيْرُهُمَا: جَذْرُ قُلُوبِ الرِّجَالِ، الْجَذْرُ: الأَصْلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْوَكْتُ: أَثَرُ الشَّيْءِ الْيَسِيرُ مِنْهُ. اهـ. وعزاه لرِواية أبي ذر عن المُسْتَمْلِيّ وحده دون باقي شيوخه، وهما ¬

(¬1) «اليونينية» 8/ 104 (6497)، «التوضيح» لابن الملقن 29/ 564 (6497)، «فتح الباري» 9/ 470، «عمدة القاري» 19/ 42، «إرشاد الساري» 11/ 129.

السَّرْخَسي والكُشْمِيهَني. وفي نسخة المُسْتَمْلِيّ التي اعتمد عليها القَسْطَلّانِيّ زيادة بعد كلمة: اليسير منه: والمجل: أثر العمل في الكف إذا غلظ. اهـ. وما ذكره الفَرَبْريّ هنا أيضا زيادة بيان وتفسير. وهذ الزيادة عن الفَرَبْريّ ليست موجودة عند العيني في «العمدة» ولا عند ابن الملقن في «التوضيح». وهناك مواضع أخرى فيها زيادات للفربري على «الصحيح» وصرَّح الشراح بنسبتها إلى الفَرَبْريّ، وهذه المواضع جاءت في «الفتح» لابن حجر (¬1). سماع الفَرَبْريّ لـ «الصحيح» من البُخارِيّ سمع أبو عبد الله الفَرَبْريّ كتاب «الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه» من مصنفه الإمام أبي عبد الله البُخارِيّ أكثر من مرة، نص على ذلك غير واحد من العلماء. وأبدأ بذكر ما وقفت عليه من عبارات العلماء في ذلك: من أشهر ما قيل في سماع الفَرَبْريّ ما جاء عن الحافظ أبي نصر الكلاباذي (398) هـ أنه قال: كان سماع محمد بن يوسف الفَرَبْريّ لهذا الكتاب من محمد بن إسماعيل البخاري مرتين: مرة بفربر سنة ثمان وأربعين ومائتين، ومرة ببخارى سنة اثنتين وخمسين ومائتين. اهـ. وهذا النص مروي عن أبي نصر الكلاباذي المولود في سنة ثلاث ¬

(¬1) 1/ 242 (141)، 4/ 232، 5/ 38 (2459)، 5/ 410 (2780)، 9/ 60 (5015)، 9/ 568 (5442)، 11/ 385 (6526)، 13/ 130 - 131 (7152)، 13/ 216 (7224)، 13/ 356 (7375).

وعشرين وثلاثمائة، والمتوفى سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة وله كما يقول الذَّهَبِيّ معرفة بـ «صحيح البُخارِيّ» وهو صاحب كتاب: «الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد الذين أخرج لهم البُخارِيّ في جامعه» وعن الكلاباذي: اشتهرت هذه المقالة حتى إنك لا تجد شارحًا لـ «الصحيح» إلا ونقل هذا القول عن الكلاباذي. وممن روى هذا القول عن الكلاباذي راوي «الصحيح» عن الفَرَبْريّ أبو الهيثم محمد بن المكي الكُشْمِيهَني المتوفى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة؛ رواه عنه أبو ذر الهَرَويّ المتوفى سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، رواه عنه بإسناده أبو علي الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» (¬1) كما رواه من طريق أبي ذر أيضًا ابن رشيد الفهري في «إفادة النصيح» (¬2). ورواه عن الكلاباذي أيضا أبو الحسين عبد الملك بن الحسين بن شياوش الكازروني رواه عنه بسنده ابن النقطة في «التقييد» (¬3). ويلاحظ على هذا النص أمرين: الأول: أن هذا النص ليس مرويًّا عن الفَرَبْريّ، وإنما هو من قول الكلاباذي مع ملاحظة أن الكلاباذي ولد سنة (323) هـ أي بعد وفاة الفَرَبْريّ التي هي سنة (320) هـ بثلاث سنوات. الثاني: هو أن النص يفيد سماع الفَرَبْريّ لـ «الصحيح» في مرتين مختلفتين في المكان والزمان: فالأولى: كانت بفربر سنة ثمان وأربعين ومائتين. ¬

(¬1) 1/ 64. (¬2) ص: 126. (¬3) ص: 126.

والثانية: كانت ببخارى سنة اثنتين وخمسين ومائتين. والنص الثاني: ما جاء عن راوي «الصحيح» أبي علي إسماعيل بن محمد الكُشّانيّ قال: سمعت محمد بن يوسف بن مطر يقول: سُمِع «الجامع الصحيح» من أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بفربر في ثلاث سنين: في سنة ثلاث وخمسين، وأربع وخمسين، وخمس وخمسين ومائتين، وسمعت من علي بن خَشرَم سنة ثمان وخمسين ومائتين وأنا بفربر مرابطًا. اهـ. وهذا النص يلاحظ عليه ما يلي: أولًا: جاء نص العبارة عند ابن النقطة بلفظ: سمعت محمد بن يوسف بن مطر يقول: سمع «الجامع الصحيح» من أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بفربر في ثلاث سنين: في سنة ثلاث وخمسين، وأربع وخمسين، وخمس وخمسين ومائتين (¬1). وفي العبارة إشكال وهو لفظة (سمع) هل هي حكاية من الفَرَبْريّ عن سماعه هو (¬2) أو هي حكاية عن إسماع البُخارِيّ لمن أراد سماع «الصحيح» في هذه المدة التي ذكرها ويكون ضبطها بالبناء للمجهول؟ وعلى كلا الاحتمالين لا يبعد سماع الفَرَبْريّ، سواء كان حكاية عن سماعه هو أو إسماع البُخارِيّ لغيره، فلا شك أن الفَرَبْريّ وله عناية بـ «الصحيح» لا يترك إسماع البُخارِيّ بـ «الصحيح» حتى ولو تحصل له سماع خاص. ثانيا: الأمر الثاني الملاحظ على هذه العبارة هو اختلاف الرُّواة في ¬

(¬1) «التقييد» 26. (¬2) ويكون ضبطها (سَمِع) بفتح السين وكسر الميم.

قول الفَرَبْريّ هذا فالنص عند ابن النقطة جاء هكذا: بفربر في ثلاث سنين في سنة ثلاث وخمسين ... إلخ. ووجد في حاشية كتاب «إفادة النصيح» (¬1) عند ذكره القول المتقدم عن الكلاباذي: وجد حاشية فيها تعقيب على ما رواه ابن النقطة في «التقييد» نصه: ثم وقفت على ذلك في المجلس الخامس من «أمالي أبي بكر محمد بن منصور السَّمْعاني» في نسختي التي بخط عيسى الرعيني الضابط، ونص ما ذكر: قال الفَرَبْريّ: سمعت «الجامع الصحيح» من أبي عبد الله بفربر، وكان يقرأ عليه في ثلاث سنين: في سنة ثلاث وخمسين، وأربع وخمسين، وخمس وخمسين. طرة التجيبي نقلتها من خطه. اهـ. هكذا بزيادة جملة: وكان يقرأ عليه. قلت (الباحث): وجاءت العبارة عند التجيبي في «برنامجه» (¬2) مثل سياق ابن النقطة، وجاءت عند السَّمْعاني في «الأنساب» (¬3): في ثلاث سنين، في سنة ثلاث، وأربع، وخمسين ومائتين. فكأن كلمة (خمس) سقطت من النص، كما جاءت عند ابن الملقن في المقدمة: في ثلاث سنين: في سنة ثلاث وخمسين. اهـ. دون باقي النص، وكأنه اقتصر على ذلك لدلالة السياق عليه. ثالثًا: يلاحظ على هذا النص أيضا أنه يفيد تأخر سماع الفربري، حيث كان ذلك قبل وفاة البُخارِيّ بمدة يسيرة حيث توفي في رمضان من سنة ست وخمسين ومائتين. ¬

(¬1) ص: 16، 17. (¬2) ص: 69. (¬3) 9/ 260 - 261.

النص الثالث: الذي يفيد سماع الفَرَبْريّ من البُخارِيّ. قال الفَرَبْريّ: أنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البُخارِيّ - رحمه الله - سنة ثلاث وخمسين ومائتين. رواه عن الفَرَبْريّ تلميذه وراوي «الصحيح» عنه أبو زيد المَرْوَزيّ كما جاء ذلك في سياق إسناد أبي علي الجَيّانيّ لهذه الرِّواية (¬1)، ورواه أبو الفرج محمد بن عبد الرحمن المقرئ في كتاب «الأربعين في الجهاد» في الحديث الأول في سياق إسناده لـ «صحيح البُخارِيّ» من رِواية السَّرْخَسي عن الفَرَبْريّ (¬2) قال: قال الفَرَبْريّ: أنا أبو عبد الله ... فذكره. قلت (الباحث): من خلال هذه النصوص يتبين لنا أن الفَرَبْريّ سمع «الصحيح» من البُخارِيّ ثلاث مرات: سنة ثمان وأربعين، واثنتين وخمسين، وثلاث وخمسين، والله أعلم. ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 1/ 59. (¬2) إلا أنه قال: سنة ثمان وأربعين، وسنة اثنتين وخمسين، وسنة ثلاث وخمسين ومائتين. اهـ. «الأربعين في الجهاد» لأبي الفرج محمد بن عبد الرحمن المقرئ.

أسباب اشتهار رِواية الفَرَبْريّ لقد كتب الله السلامة لـ «صحيح البُخارِيّ» بما هيأ له من سبل الشهرة الواسعة في حياة صاحبه، فقد تسامع الناس بالكتاب في أول عهده بالظهور، وتعرف المحدثون على سمو قدره، فارتحلوا إلى البُخارِيّ من كل مكان ليتلقوا عنه كتابه، حتى بلغ من سمعوه منه عددًا لا يحصيهم إلا الله تعالى. ومن بين من سمع «الصحيح» الإمام الفَرَبْريّ، فممّا مّن الله عليه أن هيأ له أسبابًا للقاء البُخارِيّ والسماع منه، وخصه الله تعالى ببعض الأمور التي جعلت روايته أفضلَ الروايات، وأتقنها، وأعلاها سندًا. قال أبو إسحاق المُسْتَمْلِيّ عن محمد بن يوسف الفَرَبْريّ قال: سمع كتاب «الصحيح» لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل فما بقي أحد يرويه غيري. وهذا النص من الفَرَبْريّ - وإن كان غير مُسَلّم؛ لما سأذكره بعد من رواة آخرين ماتوا بعده - يدل على كثرة الراوة عن البُخارِيّ، ومع ذلك كان مدار الروايات وعمدتها رِواية الفَرَبْريّ. ولا يمكن أن تكون شهرة رِواية الفَرَبْريّ وتميزها على غيرها جزافًا اعتمد على ما توفر لها من الصيت، والسمعة، وحسن الحظ. بل كان ذلك لما توفر لهذه النسخة وهذه الرِّواية من عوامل الحفظ والرعاية ما لم يتوفر لرِواية أخرى من روايات «الصحيح». فلا عجب إذن أن جعلها العلماء عمدتهم في كتاب «البُخارِيّ»، وجعلوا الفَرَبْريّ - كما قال ابن رشيد الفهري -: وسيلة المسلمين إلى

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتاب البُخارِيّ وحبلهم المتين. (¬1) اهـ. وأسباب التفاوت بين الروايات والنسخ كثيرة جدًّا، يصعب حصرها، وهذه الأسباب ترجع إلى تفاوت الرواة في العدالة والضبط، بالإضافة إلى ما يحيط كل راوٍ وكل مرويٍّ من ظروفٍ وملاباساتٍ زمانيةٍ ومكانيةٍ، وهي بدورها تختلف من شخص لآخر. ولذا أفردت مبحثًا خاصّاً بهذه الأسباب في الباب الثاني من هذه الرسالة. ولقد جمعت النصوص التي تتحدث عن رِواية الفربري، وتحصل في النهاية توفر عدة أسباب، هي التي أعطت هذه المكانة لرِواية الفَرَبْريّ وتميزها عن غيرها. ومن هذه الأسباب: أولًا: عدالة الفَرَبْريّ وضبطه، وثناء العلماء عليه: لا شك أن أول الأشياء التي ينبغي أن تتوفر في ناقل الخبر هو عدالته وثقته، حتى يكون خبره مقبولًا. وسبق أن ذكرت ما يتعلق بأقوال العلماء في الفربري، ويكفي فيه قول ابن رشيد الفهري (721) هـ أنه عمدة المسلمين في كتاب البُخارِيّ. اهـ. الأمر الثاني: كمال نسخته وعدم نقصانها: من عوامل المفاضلة بين الروايات كمال الرِّواية وعدم نقصانها، فالإقبال على النسخة الأتم والأكمل أولى للرِّواية منها عن غيرها. قال أبو علي الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» (¬2): وروينا عن أبي الفضل ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 10. وقول الفربري رواه الخطيب «تاريخه» 2/ 9، وابن أبي يعلى «طبقات الحنابلة» 2/ 250، وابن عساكر «تاريخ دمشق» 52/ 74. (¬2) 1/ 62.

صالح بن محمد بن شاذان الأصبهاني، عن إبراهِيم بن مَعْقِل أن البُخارِيّ أجاز له آخر الديوان، من أول كتاب الأحكام إلى آخر ما رواه النَّسفي من «الجامع» لأن في رِواية إبراهيم النَّسفي نقصان أوراق من آخر الديوان عن رِواية الفَرَبْريّ: قد علَّمتُ على الموضع من كتابي، وذلك في باب قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح: 15] (¬1). روى النَّسفي من هذا الباب تسعة أحاديث، آخرها بعض حديث عائشة في الإفك، ذكر منه البُخارِيّ كلمات استشهد بها، وهو التاسع من أحاديث الباب، خرجه عن حجاج، عن النميري، عن يونس، عن الزهري بإسناده، عن شيوخه، عن عائشة، وروى الفَرَبْريّ زائدًا عليه من أول حديث قتيبة: عن مغيرة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلاَ تَكْتُبُوهَا» إلى آخر ما رواه الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ من الديوان، وهو تسع أوراق من كتابي. اهـ. وقال الخَطّابِيّ في «أعلام الحديث» (¬2): وقد سمعنا معظم هذا الكتاب من رِواية إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي عنه، وسمعنا سائر الكتاب إلا أحاديث من آخره من طريق محمد بن يوسف الفَرَبْريّ. اهـ. وقال برهان الدين الأبناسي (802) هـ في كتابه «الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح» (¬3) وهو يعلق على قول ابن الصلاح في عدد أحاديث ¬

(¬1) وهو الباب الخامس والثلاثون من آخر كتاب في «الجامع» وهو كتاب: التوحيد، وهو الحديث رقم (7500) من ترقيم الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، ويكون ما تبقى له تقريبًا ثلاثة وستون حديثا. (¬2) 1/ 105 - 106. (¬3) 1/ 90.

«الصحيح» وهو قوله: قيل: أربعة آلاف حديث ... قال: هذه رِواية الفَرَبْريّ وأما رِواية حماد بن شاكر فهو دونها بمائتي حديث، ودون هذه بمائة حديث، أي: رواية إبراهِيم بن مَعْقِل. اهـ. وراجع أيضا «فتح المغيث» (¬1) للعراقي (806) هـ، و «فتح المغيث» (¬2) للسخاوي (902) هـ، و «فتح الباقي» (¬3) لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (926) هـ. فهذه النصوص وغيرها تدل على أن أتم هذه الروايات هي رِواية الفَرَبْريّ، حيث تزيد على رِواية حماد بن شاكر بمائتي حديث، وتزيد على رِواية إبراهِيم بن مَعْقِل النَّسفي بثلاثمائة حديث، على ما ذكره كل من العراقي والأبناسي والسخاوي وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وإلا فقد سبق أن ذكرت أن القطعة التي ذكرها الجَيّانيّ في إسناده لا تزيد على خمسة وستين حديثا، فالله أعلم. الأمر الثالث: من الأمور التي تميزت بها رِواية الفَرَبْريّ صحة أصله الذي أخد منه: ذكر أبو الوليد الباجي (474) هـ في كتابه «التعديل والتجريح» ما يدل على أن الفَرَبْريّ كان عنده أصل الجامع الذي كان بيد البُخارِيّ حيث قال: وقد أَخْبَرَنا أبو ذر عبد بن أحمد الهَرَويّ الحافظ - رحمه الله - ثنا أبو إسحاق المُسْتَمْلِيّ إبراهيم بن أحمد قال: انتسخت كتاب «البُخارِيّ» من أصله كان عند محمد بن يوسف الفَرَبْريّ. اهـ (¬4). ¬

(¬1) ص: 16. (¬2) 1/ 32. (¬3) ص: 60، 61. (¬4) 1/ 310

ونقل هذا القول عن أبي الوليد الباجي ابنُ حجر في مقدمته «هدي الساري» (¬1)، وراجع أيضا «الفتح» (¬2). ومن النقول التي نص فيها الفَرَبْريّ أنه اطَّلع على أصل البُخارِيّ ما ذكره القاضي عِياض (544) هـ في كتابه الذي لم يسبق إليه وهو «مشارق الأنوار» (¬3) وهو يذكر الخلاف في لفظة: (أبو شريح) قال: قال أبو شريح: كل شيء من البحر، كذا في أصل الأصيلي، وفي سائر النسخ: وقال شريح - صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الفَرَبْريّ: كذا في أصل البُخارِيّ: (شريح).اهـ. أي: بدون ذكر لفظة (أبو) ولذلك يقول ابن رشيد الفهري في كتاب «إفادة النصيح» (¬4): كان عنده أصل البُخارِيّ، ومنه نقل أصحاب الفَرَبْريّ، فكان ذلك حجة له عاضدة، وبصدقه شاهدة. اهـ. فهذه النقول تدل على أن الفَرَبْريّ قد توفر له ما لم يتوفر لغيره من اقتنائه أصل البُخارِيّ الذي كان يحدث منه، ولا شك أن أصلًا كهذا لا يعدله أصل؛ فهو جامع بين السماع والكتابة من أصل البخاري. الأمر الرابع: من الأمور التي ميزت رِواية الفَرَبْريّ على غيرها: علو إسناده لبقائه مدة طويلة بعد البُخارِيّ: من العوامل التي ساعدت على انتشار رِواية الفَرَبْريّ: تأخر وفاة الفَرَبْريّ، فقد مات - رضي الله عنه - لعشر بقين من شوال سنة عشرين وثلاثمائة وقد قارب التسعين عامًا. وقد مات البُخارِيّ - رحمه الله تعالى - في مستهل شهر شوال من ¬

(¬1) 1/ 8. (¬2) 4/ 300. (¬3) 1/ 182 (ط الملك حسن). (¬4) ص: 18.

شهور سنة ست وخمسين ومائتين. لذا بقي الفَرَبْريّ بعد وفاة البُخارِيّ أربعة وستين عامًا، كان فيها مقصد العلماء والطلاب ممن يريدون سماع «الصحيح» عاليًا. وبقاء الفَرَبْريّ هذه المدة بعد وفاة البُخارِيّ، كان له أهميته التي جعلت إسناده عاليًا إلى البُخارِيّ، ولا شك أن طلب الإسناد العالي من آداب المحدثين. لذا نجد الفَرَبْريّ يقول: سمع كتاب «الصحيح» لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل، فما بقي أحد يرويه غيري. وهذا القول من الفَرَبْريّ وإن لم يُسلم له، إلا أنه قاله على ما يعلم مما يدل على بقائه، حتى يظن أنه آخر من حدث عن البُخارِيّ - رضي الله عنه -. الأمر الخامس: تكرار سماعه لـ «الصحيح» من البُخارِيّ: قد سبق القول في مبحث سماع الفَرَبْريّ من البُخارِيّ أنه سمع «الصحيح» أكثر من مرة، فقد ذكر هو نفسه أنه سمعه من البُخارِيّ مرتين، مرة بفربر سنة ثمان وأربعين ومائتين، ومرة أخرى ببخارى سنة اثنتين وخمسين، وهناك بعض الروايات التي تدل على سماعه من البُخارِيّ سنة ثلاث وخمسين، كما جاء عن أبي زيد المَرْوَزيّ عند الجَيّانيّ، عن الفَرَبْريّ أنه سمعه في تلك السنة. فإذا عرفنا أن هناك نصوصًا تدل على سماعه منه أيضًا سنة ثلاث وأربع وخمس وخمسين ومائتين، وتوفي البُخارِيّ بعد ذلك بسنة تبين لنا أهمية سماع الفَرَبْريّ لـ «الصحيح» في آخر حياة البُخارِيّ، مما يدل على أن نسخة الفَرَبْريّ وأصل البُخارِيّ الذي كان في يده، هو من آخر ما استقر عليه البُخارِيّ في «صحيحه» والله أعلم.

الطبقة الأولى من الرُّواة عن الفَرَبْريّ قد ذكر الحافظُ ابنُ حجر - في الأسانيد التي روى «الصحيح» بها في أول «فتح الباري» (¬1) - من تلاميذ الفَرَبْريّ الذين رَوَوْا عنه «الجامع الصحيح» تسعةً، ثم ذكر أيضًا تلاميذ هؤلاء الأئمة الحُفّاظ التسعة الذين رَوَوْا «الجامع الصحيح»، فبلغتْ عدتهم اثني عشر شيخًا، وهذه قائمة بأسماء هؤلاء الشيوخ والتلاميذ مرتبين كما ذكرهم ابن حجر مع زيادات تتعلق بالسماع من الفَرَبْريّ والتحديث بالصحيح (¬2): 1 - الإمام الحافظ المجوِّد الكبير، أبو علي، سَعِيد بن عثمان بن سَعِيد بن السَّكن المصري البزَّاز، البغدادي الأصل المتوفى سنة (353) هـ قال الحافظ الذَّهَبِيّ: سمع بخُراسان «صحيح البُخارِيّ» من محمد بن يوسف الفَرَبْريّ، فكان أولَ مَنْ جَلَبَ «الصحيح» إلى مصر، وحَدَّثَ به (¬3). وروى عنه «الصحيح»: عبد الله بن محمد بن أسد الجُهني (395) هـ. 2 - الإمام المحدث أبو إسحاق إبراهيم بن احمد بن إبراهيم بن أحمد بن داود البلخي، المُسْتَمْلِيّ (376) هـ. كان سماعه لـ «الصحيح» سنة أربع عشرة وثلاثمائة. وروى عنه «الصحيح»: الحافظ أبو ذرّ عَبْد بن أحمد الهَرَويّ (434) (¬4)، وعبد الرحمن بن عبد الله الهَمْداني (411). 3 - أبو نصر أحمد بن محمد بن أحمد الأَخْسِيكَتي. ¬

(¬1) 1/ 5 - 7. (¬2) وسيأتي الحديث عن هذه الروايات بالتفصيل فيما بعد. (¬3) «سير أعلام النبلاء» 16/ 117. (¬4) راوي «الصحيح» عن الثلاثة: المُسْتَمْلِيّ، والحَمُّوي، والكُشْمِيهَني.

وروى عنه «الصحيح»: إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الصفّار الزاهد. 4 - الشيخ الإمام المفتي، القدوة الزاهد، شيخ الشافعية، أبو زَيْد محمد بن أحمد المَرْوَزيّ (371) هـ قال الخطيب البغدادي: خرج أبو زَيْد إلى مكة فَجاوَرَ بها، وَحَدَّثَ هناك بكتاب «صحيح البُخارِيّ» عن محمد بن يوسف الفَرَبْريّ، وأبو زَيْدٍ أَجَلُّ من رَوَى ذلك الكتاب. وقال الذَّهَبِيّ: سُئل أبو زيد: متى لَقِيت الفَرَبْريّ؟ قال: سنة ثماني عشرة وثلاثمائة (¬1). وروى عنه «الصحيح»: الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (430)، والحافظ أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي (392) (¬2)، والإمام أبو الحسن علي بن محمد القابسي (403) (¬3). 5 - الشيخ الثقة الفاضل، أبو علي، محمد بن عمر بن شَبُّويه الشَّبُّويي، المَرْوَزيّ (¬4) سمع «الصحيح» في سنة ستّ عشرة وثلاثمائة من أبي عبد الله ¬

(¬1) «تاريخ بغداد» 1/ 314. و «سير أعلام النبلاء» 16/ 315، و «تقييد المهمل» 1/ 63. (¬2) قال أبو علي الجيَّاني: وكان سماع أبي محمد الأَصيلي وأبي الحَسَن بن القابسي على أبي زَيْدٍ المَرْوَزي واحدًا بمكة سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، ثم سَمعه بعد ذلك أبو محمد ببغداد على أبي زيد المروزي في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. وَحَضَرَ مجلس أبي زَيْدٍ هذا: أبو بكر محمد ابن عبد الله بن صالح الأَبْهَرِي، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد الطائي البصري. رأيتُ هذا مُقَيَّدًا بخطّ أبي محمدٍ في الجزء الأول من «الجامع». «تقييد المهمل» 1/ 63. (¬3) قال الحافظ الذَّهَبِيّ: ضَبَطَ له بمكة «صحيح البُخَارِيّ» وحَرَّرّه وأتقنه رفيقُه الإمام أبو محمد الأصيلي. «سير أعلام النبلاء» 17/ 159. (¬4) قال الحافظ الذَّهَبِيّ: قال أبو بكر السمعاني: لما تُوفَي الشَبُوّي سمع الناس «الصحيح» من الكُشْمِيهَني. «سير أعلام النبلاء» 16/ 423.

الفَرَبْريّ، وحَدَّثَ بَمرْو بـ «الصحيح» في سنة ثمانٍ وسبعين وثلاثمائة على ما ذكر الذَّهَبِيّ في سير أعلام النبلاء. وروى عنه «الصحيح»: سعيد بن أحمد بن محمد الصوفي العَيّار (457) (¬1)، وعبد الرحمن بن عبد الله الهَمْداني (411) أيضًا. 6 - الإمام أبو أحمد، محمد بن محمد بن يوسف بن مكي، الجُرْجانيّ المتوفى سنة 373 أو 374 هـ وروى عنه «الصحيح»: أبو نعيم (430) والقابسي (403) أيضًا. 7 - الإمام المحدث الصدوق المسند، أبو محمد، عبد الله بن أحمد بن حمُّويه بن يوسف بن أعين، الحمُّويي خطيب سرخس (381) هـ (¬2). سمع في سنة خمس عشرة وثلاثمائة «الصحيح» من الفَرَبْريّ. وروى عنه «الصحيح»: أبو ذرّ (434) أيضًا، وأبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المُظَفَّر الدّاوُدِيّ (467) (¬3). 8 - المحدث الثقة، أبو الهَيْثَم، محمد بن مكي بن محمد بن مكي بن زُراع الكُشْمِيهَني المتوفى سنة 389 هـ وقد ذكر الكُشْمِيهَني أنه سمع الكتاب من الفَرَبْريّ بفِرَبْر في ربيع الأول سنة عشرين وثلاثمائة كما في «تقييد المهمل» فيكون سماع الكُشْمِيهَني من الفَرَبْريّ في السنة الأخيرة من حياة الفَرَبْريّ، قبيل وفاته ¬

(¬1) ارتحل في سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، فسمع «صحيح البُخَارِيّ» بَمرْوُ من محمد بن عُمر الشَبُوّي. «سير أعلام النبلاء» 18/ 86. (¬2) «سير أعلام النبلاء» 15/ 12، و «تقييد المهمل» 1/ 64. (¬3) سمع «الصحيح» من أبي محمد بن حَمُّويه السَّرْخَسي بُبوشَنْج، وتَفَرَّد في الدنيا بعُلُوِّ ذلك. «سير أعلام النبلاء» 18/ 223.

بسبعة أشهر، والله أعلم (¬1). وروى عنه «الصحيح»: أبو ذر (434) أيضًا، وأبو سَهْل محمد بن أحمد الحَفْصيّ (ت 466) (¬2)، وكريمة بنت أحمد المَرْوَزيّة (463) (¬3). 9 - وأبو علي إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب الكُشّانيّ (391) وهو آخرُ مَنْ حَدَّثَ بالصحيح عن الفَرَبْريّ (¬4). وروى عنه «الصحيح»: أبو العباس جعفر بن محمد المُسْتَغْفريّ (432). فهؤلاء الرُّواة عن الفَرَبْريّ عند ابن حجر. 10 - محمد بن خالد بن الحسن الفَرَبْريّ (¬5)، فقد ذكر الخَطّابِيّ أنه روى «الصحيح» عن الفَرَبْريّ من طريقه، وذلك في أول شرحه على ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 1/ 64، و «سير أعلام النبلاء» 15/ 12. (¬2) قال أبو سَعْد السمعاني: صحيح السماع، سمع «الجامع الصحيح» عن أبي الهيثم الكُشْمِيهَني، وحمله نظام المُلْك أبو علي الوزير إلى نيسابور حتى حَدَّث بهذا الكتاب بها، وسمع منه أكثرُ علماء الوَقْت بنيسابور، وقُرئ عليه الكتاب في المدرسة النظامية. «(الأنساب» 4/ 196 - 197). (¬3) قال الحافظ الذَّهَبِيّ: كانت إذا رَوَتْ قَابَلَتْ بأصلها، ولها فَهْمٌ ومعرفة مع الخير والتعبُّد. روت «الصحيح» مرات كثيرة، مرّةً بقراءة أبي بكر الخطيب في أيام الموسم، وماتت بِكْرًا لم تتزوج أبدًا. قال أبو الغنائم النَّرْسي: أخرجتْ كريمةُ إليَّ النسخة بـ «الصحيح»، فقعدتُ بحذائها، وكتبتُ سبع أوراق، وقرأتها، وكنت أُرِيدُ أنْ أُعَارِضَ وحدي، فقالت: لا، حتى تُعَارِضَ معي، فعَارَضْتُ معها. «سير أعلام النبلاء» 18/ 233 - 234. (¬4) سمعه في سنة عشرين وثلاثمائة، وهو آخر من روى «صحيح البُخَارِيّ» عاليًا. «سير أعلام النبلاء» 16/ 481. (¬5) ترجمته في «تكملة الإكمال» 4/ 547.

«الصحيح» المسمى «أعلام الحديث» (¬1). ورواه عنه الإمام عبد الواحد بن أحمد، أبو عمر المليحي الهروي 11 - الإمام المسند أبو حامد أحمد بن عبد الله بن نعيم النُّعَيميّ السَّرْخَسي (¬2)، نزيل هراة، المتوفى في ربيع الأول من سنة ست وثمانين وثلاثمائة وهو في عشر التسعين. 12 - حفيد الفَرَبْريّ أبو محمد أحمد بن عبد الله بن محمد بن يوسف الفَرَبْريّ (371). قال السَّمْعاني في الأنساب (¬3) يروي عن جده كتاب «الجامع الصحيح» روى عنه غُنْجار، وتوفي في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة. اهـ. 13 - والإمام الفقيه أبو بكر محمد بن أحمد بن متّ السمرقندي الإشتيخني (¬4) ورواه عنه أبو نصر الدّاوُدِيّ (¬5). 14 - أبو لقمان يحيى بن عمار الختلاني. ذكره الكاندهلوي في مقدمة «شرح صحيح البخاري» المسمَّى «لامع الدراري». فتحصل من كل ذلك أربعة عشر راويًا عن الفَرَبْريّ، والله أعلم، ¬

(¬1) 1/ 106. (¬2) «سير أعلام النبلاء» 16/ 488. وأيضًا: «التقييد» (164)، و «إفادة النصيح» و «الوافي بالوفيات» 7/ 111، و «شذرات الذهب» 3/ 119. (¬3) مادة الفَرَبري 4/ 359 (¬4) بكسر الألف وسكون الشين المعجمة وكسر التاء وفتح الخاء - وإشتيخن المنسوب إليها قرية كبيرة بسمرقند «الأنساب» 1/ 260 - 261 (¬5) ذكر ذلك السمعاني في «الأنساب» 1/ 260، 261.

وسيأتي تفصيل ذلك. وانظر الجدول الخاص بالرواة عن الفربري.

المبحث الرابع باقي الرواة عن البخاري

المبحث الرابع باقي الرُّواة عن البُخارِيّ - أبو طلحة البزدوي، التعريف به وبروايته. - أبو عبد الله المحاملي، التعريف به وبروايته.

رواية أبي طلحة البزدوي (329) هـ

رواية أبي طلحة البّزدوي (329) هـ اسمه ونسبه (¬1): الشيخ الكبير المُسند أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البّزْدي، ويُقال: البَزْدَوِي، النَّسفي دِهْقان (¬2) قرية بَزْدَة. قال الأميرُ ابنُ ماكولا: حَدَّث عن محمد بن إسماعيل بكتاب «الجامع الصحيح»، وهو آخرُ مَنْ حَدَّث به عنه، وكان ثقةً (¬3). وقال الحافظ جعفر بن محمد المُسْتَغْفريّ في «تاريخ نَسَف»: هو آخِرُ مَنْ رَوَى عن محمد بن إسماعيل «الجامع»، ويُضَعَّفُون روايته من جهة صغَره حين سمع، ويقولون: وُجِدَ سماعه بخطّ جعفر بن محمد مولى أمير المؤمنين دِهْقان تُوبَن، فقرءوا كُلَّ الكتاب من أصل حَمّاد بن شاكر، وسمع منه أهل بلده، وصارت إليه الرحلة في أيامه (¬4). مات في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة. ولم أقف على ما يدل على معالم هذه الرِّواية ويبدو أنها لم تشتهر لما قيل في ضعفها والله أعلم. ¬

(¬1) انظر ترجمته في: «الإكمال» 7/ 243، «تكملة الإكمال» لابن نقطة 4/ 622 (4934)، «والتقييد» 452 - 453 (604) و «سير أعلام النبلاء» 15/ 279، و «توضيح المشتبه» 1/ 451 و 7/ 209، و «لسان الميزان» 6/ 100 (8655)، و «تبصير المنتبه» 1/ 141، و «فتح الباري» 1/ 5. (¬2) دهْقان: بكسر الدال المهملة وضمِّها، بعدها هاء ساكنة، ثم قاف، هو زعيم القوم وكبير القرية بالفارسية، منصرفًا وغير منصرف. «عمدة القاري» 21/ 201. (¬3) «الإكمال» 7/ 243. (¬4) «التقييد» 2/ 259، و «سير أعلام النبلاء» 15/ 279.

رواية أبي عبد الله المحاملي (330) هـ

رِواية أبي عبد الله المحاملي (330) هـ اسمه ونسبه (¬1): القاضي الإمام العلامة المحدث: الحسين بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن سعيد بن أبان، أبو عبد الله، الضبي البغدادي، المحاملي، مصنف «السنن». قال السَّمْعاني: هذه النسبة إلى المحامل التي يحمل فيها الناس على الجمال إلى مكة، وهذا بيت كبير ببغداد لجماعة من أهل الحديث والفقه. ولد سنة (235) هـ وأول سماعه سنة أربع وأربعين ومائتين هـ وله عشر سنين، فسمع من: أحمد بن إسماعيل السهمي صاحب مالك، ومن أحمد بن المقدام العجلي صاحب حماد بن زيد، ومن عمرو بن علي الفلاس، ومحمد بن إسماعيل البُخارِيّ رحمه الله، وغيرهم كثير. وصار أسند أهل العراق مع التصدر للإفادة والفتيا ستين سنة. وحدث عنه: دعلج بن أحمد، والطبراني، والدارقطني، وابن شاهين، وغيرهم. مكانته العلمية: قال ابن جُميع الصيداوي: كان عند القاضي المحاملي سبعون نفسًا من أصحاب سفيان بن عيينة. وقال أبو بكر الدّاوُدِيّ: كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل. ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: «الفهرست» ص: 317 - 318، و «تاريخ بغداد» 8/ 19 (4065)، و «الأنساب» 12/ 104 - 105 (4664)، و «تذكرة الحفاظ» 3/ 824 (808)، و «سير أعلام النبلاء» 15/ 258، و «تاريخ الإسلام» 24/ 281، و «الوافي بالوفيات» 12/ 341، و «شذرات الذهب» 2/ 326.

وعقد سنة سبعين ومائتين بالكوفة في داره مجلسًا للفقه، فلم يزل أهل العلم والنظر يختلفون إليه. وعن مناقبه قال محمد بن الإسكاف: رأيت في النوم كأن قائلًا يقول: إن الله ليدفع عن أهل بغداد البلاء بالمحاملي. واستعفى من القضاء سنة عشرين وثلاثمائة، وكان محمودًا في ولايته. وقال ابن شاهين: حضر معنا ابن المظفر مجلس القاضي المحاملي، فقال لي: يا أبا حفص، ما عدمنا من ابن صاعد إلا عينيه. يريد أن المحاملي نظير ابن صاعد في الثقة والعلو. وفاته: أملى المحاملي مجالس عدة، وأملى مجلسًا في ثاني عشر ربيع الآخر سنة ثلاثين وثلاثمائة ثم مرض، فمات بعد أحد عشر يومًا. وهو يوم الخميس لثمان ليال بقين من شهر ربيع الآخر، ونودي عليه في شوارع بغداد، ولم يكن على الأرض محدث أسند منه مع صدقه وثقته وستره. روايته لـ «صحيح البُخارِيّ»: ساق الذَّهَبِيّ في «سير أعلام النبلاء» في ترجمة البُخارِيّ بسنده عن عبد الواحد بن محمد بن مهدي قال: حَدَّثَنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة: حَدَّثَنا محمد بن إسماعيل البُخارِيّ: حَدَّثَنا محمد بن يوسف ... فساق حديث أبي موسى الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» (¬1) فساق حديثًا من «الصحيح» (¬2). ¬

(¬1) «السير» 12/ 398. (¬2) «صحيح البُخَارِيّ» 8/ 12 (6026)، كتاب: الأدب، باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا.

فثبت سماعه شيئًا من «الصحيح» ويبقى سماعه للصحيح كاملًا محل شك. ففي «لسان الميزان» لابن حجر في ترجمة محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري البلنسي، يعرف بالأندرشي: وقال أبو جعفر بن الزبير: رأيت بخطه (¬1) إسناد «صحيح البُخارِيّ» عن السلفي عن ابن البطر عن ابن البيع عن المحاملي عنه. وليس عند السلفي بهذا الإسناد سوى حديث واحد. قال ابن حجر: قلت: اغتر بعض المتأخرين بهذا التركيب، وحدثوا به، والله المستعان. اهـ. (¬2). وفي «الفتح» قال بعد أن ذكر ما قيل من أن البزدوي آخر من روى «صحيح البُخارِيّ»: وقد عاش بعده (¬3) ممن سمع من البُخارِيّ القاضي الحسين بن إسماعيل المحاملي البغدادي، ولكن لم يكن عنده «الجامع الصحيح» وإنما سمع منه مجالس أملاها ببغداد في آخر قدمة قدمها البُخارِيّ، وقد غلط من روى «الصحيح» من طريق المحاملي المذكور غلطًا فاحشًا (¬4). وتخلص مما سبق أن هذه الرواية قد وردت في نصوص لبعض العلماء بما يدل على أمرين: الأمر الأول: ممن عرف عنه رواية عن المحاملي راويان: أحدهما: عبد الواحد بن محمد بن مهدي كما جاء عند الذهبي في «السير». ¬

(¬1) أي: البلنسي المترجم له. (¬2) «اللسان» 5/ 667. (¬3) أي: بعد البزدوي. (¬4) «الفتح» 1/ 5.

الثاني: جاء في «لسان الميزان» ابن البيع ولا يعرف بهذه الكنية إلا أبا عبد الله الحاكم صاحب المستدرك على الصحيحين، ولكن يبدو أنه تصحيف في المطبوع وإنما هو ابن المؤدب كما جاء في إسناد الكرماني. الأمر الثاني: أن ابن حجر يرى أن المحاملي لم تكن له رواية لـ «صحيح البخاري» وإنما هي مجالس أملاها البخاري في بغداد، واعتبر من وقف على رواية المحاملي عن البخاري فظن أن ذلك هو الصحيح. وغلّط ابن حجر من روى «الصحيح» من طريق المحاملي ويقصد به الكرماني (776) هـ لأنه هو الذي روى «الصحيح» من رواية المحاملي وإسناده إليه من طريق شيخه جمال الدين محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري (775) هـ عن رضى الدين أبي إسحاق إبراهيم الطبري (722) هـ عن ركن الدين عبد الرحمن بن أبي حرمى بن بنين عن أبي طاهر أحمد بن محمد بن سلفه (576) هـ عن أبي الخطاب نصر بن أحمد بن البطر القارئ (494) هـ عن أبي محمد عبد الله بن عبيدالله بن يحيى بن زكريا المؤدب (408) هـ عن أبي عبد الله الحسين المحاملي (330) هـ عن البخاري رحمه الله تعالى.

الفصل الثاني «الرواة عن الفربري»

الفَصْل الثاني «الرُّواة عن الفَرَبْريّ» ويتكون من ستة مباحث: المبحث الأول: رِواية أبي علي بن السَّكن (353) هـ المبحث الثاني: رِواية أبي زيد المَرْوَزيّ (371) هـ المبحث الثالث: رِواية أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ (376) هـ المبحث الرابع: رِواية أبي محمد الحَمُّوييّ (381) هـ المبحث الخامس: رِواية أبى الهيثم الكُشْمِيهَني (389) هـ المبحث السادس: باقي الرُّواة عن الفَرَبْريّ: السادس: رِواية أحمد بن عبد الله الفَرَبْريّ «حفيد الفَرَبْريّ» (371) هـ. السابع: رِواية أبي أحمد الجُرْجانيّ (373) هـ الثامن: رِواية ابن شَبُّويه (378) هـ. التاسع: رِواية النُّعَيميّ (386) هـ. العاشر: رِواية الإشتيخني (388) هـ الحادي عشر: رِواية الكُشّانيّ (391) هـ الثاني عشر: رِواية الأخسيكتي الثالث عشر: رِواية محمد بن خالد الفَرَبْريّ الرابع عشر: أبو لقمان يحيى بن عمار الختلاني

المبحث الأول رواية أبي علي بن السكن (294 - 353) هـ

المبحث الأول رِواية أبي علي بن السَّكن (294 - 353) هـ اسمه ونسبه (¬1): هو سعيد بن عثمان بن السَّكن، أبو علي، الحافظ، البزاز، نزيل مصر، وأصله من بغداد. ولد سنة أربع وتسعين ومائتين، نزل مصر بعد أن أكثر الترحال ما بين النهرين: نهر جيحون، ونهر النيل. شيوخه: لقد سمع ابن السَّكن من شيوخ كثيرين ومن أقطار متعددة، فسمع ببغداد من أبي القاسم البَغَويّ، وابن أبي داود وطبقتهما، وسمع بحرّان من الحافظ أبى عروبة وطائفة. وبدمشق من أحمد بن عمير بن جوصا، وسعيد بن عبد العزيز الحلبي، ومحمد ابن خزيم وجماعة من بقايا أصحاب هشام بن عمار. وبخراسان سمع «صحيح البُخارِيّ» من محمد بن يوسف الفَرَبْريّ، فكان أول من جلب «الصحيح» إلى مصر وحدث به، ولحق بمصر محمدَ بن محمد بن بدر الباهلي، وعليَّ بن أحمد بن علان، وأبا جعفر الطحاوي، وغيرهم. وسمع بنيسابور من أبي حامد بن الشرقي، ومكي بن عبدان. وكان رحمه الله واسع الرحلة، وأعانه على ذلك التكسبُ بالتجارة؛ فقد كان معروفًا بتجارة البزِّ. ¬

(¬1) انظر ترجمته في: «تاريخ الإسلام» 26/ 88، «سير أعلام النبلاء» 16/ 117 (85)، «تذكرة الحفاظ» 3/ 937، «الوافي بالوفيات» 15/ 242 (341)، «شذرات الذهب» 3/ 12.

تلاميذه: لقد تتلمذ على يد ابن السَّكن كثير من العلماء، حيث سمعوا منه مروياته ومسموعاته كما سمعوا منه «صحيح البُخارِيّ». وممن سمع منه «الصحيح» وحدث به: عبد الله بن محمد بن أسد القُرْطُبِي (310 - 395) هـ، وأبو جعفر بن عون الله (300 - 378) هـ، والقاضي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مُفَرِّج (315 - 380) هـ. كما حدث عنه أبو سليمان بن زَبَر، وأبو عبد الله بن منده، وعبد الغني بن سعيد الأزدي، وعلي بن محمد الدَّقّاق، وعبد الرحمن بن عمر بن النَّحاس، وجماعةٌ من الأندلسيين والمصريين. مكانته العلمية: وصف ابنَ السَّكن كثيرٌ من العلماء بأعلى صفات المدح والثناء، فقد قال فيه الإمام الذَّهَبِيّ: الإمام الحافظ المجوَّد الكبير (¬1)، وقال فيه أيضًا: الحافظ الحجة (¬2). وقال ابن العماد: صاحب التصانيف وأحد الأئمة ... وكان ثقة حجة (¬3). ولم تقتصر عبارات العلماء على وصفه بالإمامة والحفظ، وإنما وصف رحمه الله تعالى بأنه ممن كان له عناية بعلوم الحديث والتصنيف فيها. قال الذَّهَبِيّ: وعُني بهذا الشأن، وجمع، وصنف وبَعُد صيتُه (¬4)، وقال في «السير»: جمع وصنف، وجرح وعدل، وصحح وعلل (¬5). ¬

(¬1) «سير أعلام النبلاء» 16/ 117. (¬2) «تذكرة الحفاظ» 3/ 937. (¬3) «شذرات الذهب» 3/ 12 (¬4) «تذكر الحفاظ» 3/ 937. (¬5) 16/ 117.

وقال في «التاريخ»: وكان كبير الشأن مكثرًا متقنًا مصنفًا بعيد الصيت (¬1). وقال ابن حجر - بعد أن حكى اختلاف الروايات في أحد شيوخ البُخارِيّ -: والعمدة على ما قال ابن السَّكن فإنه حافظ اهـ (¬2). مصنفاته: مما سبق في أقوال العلماء فيه، يتبين لنا أن ابن السَّكن كان مصنفًا بعيد الصيت مهتمًّا بهذا الشأن. ويبدو أن مصنفاته لم تنتشر عند المشارقة، ومن المصنفات التي وقفت عليها له: كتابه: «الصحيح المنتقى» والكتاب كما هو واضح من اسمه مصنف في الصحيح المجرد، وهذا الكتاب اشتهر عند المغاربة وأهل الأندلس، وكثيرًا ما ينقل منه شراح الحديث، وخاصة ابن حجر في «الفتح». قال الذَّهَبِيّ: كان ابن حزم يثني على «صحيحه المنتقى»، وفيه غرائب (¬3)، وقال في «التاريخ»: وهو كبير (¬4). ومن مصنفاته أيضًا والتي لها قيمة كبيرة جدًّا: كتاب في الصحابة؛ حيث لم يخلُ كتاب أُلِّف في الصحابة بعده إلا وقد استفاد منه. ولكن للأسف فإن الكتابين ما زالا مجهولين في مكتبات العالم، ولم يُعرف عنهما شيئٌ إلا من خلال الكتب التي نقلتْ عنهما. وفاته: تُوفي رحمه الله تعالى في المحرم سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة. ¬

(¬1) 26/ 88. (¬2) «فتح الباري» (3/ 549). (¬3) «سير أعلام النبلاء» 16/ 117. (¬4) 26/ 88.

رِواية ابن السَّكن لـ «الصحيح» مما سبق يتبين لنا أن أبا علي بن السَّكن قد سمع «صحيح البُخارِيّ» من الفَرَبْريّ بخراسان، ويعتبر ابن السَّكن أول الرُّواة عن الفَرَبْريّ موتًا فيما وقفت عليهم؛ حيث توفي سنة (353) هـ، ويبدو - والله أعلم - أن سماع أبي علي بن السَّكن من الفَرَبْريّ كان مبكرًا؛ حيث ولد ابنُ السَّكن سنة (294) هـ وتوفي الفَرَبْريّ (320) هـ فيكون بينهما على أقصى تقدير أربعة وعشرون عامًا. وقد صرح الذَّهَبِيّ في «سير أعلام النبلاء» في ترجمة ابن السَّكن أنه أول من جلب «الصحيح» إلى مصر وحدث به بعد أن سمعه بخراسان من الفَرَبْريّ. ولحق ابنُ السَّكن في مصر محمدَ بن محمد بن بدر الباهلي، ولم أقف على سنة وفاته، كما أدرك أبا جعفر الطحاوي المتوفى سنة (321) هـ مما يعني أنه حدث بـ «الصحيح» بعد سماعه بخراسان قبل سنة (321) هـ. وقد اشتهرت رِواية ابن السَّكن في بلاد الأندلس عن طريق ثلاثة رواة فيما وقفت عليه من تراجم: الأول: عبد الله بن أسد الجهني (310 - 395) (¬1). هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد، أبو محمد، الجهني، ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «تاريخ علماء الأندلس» لابن الفرضي 1/ 248 (759)، «جذوة المقتبس» 234 - 235، «ترتيب المدارك» 2/ 440 - 441، «الصلة» لابن بَشْكُوال ص: 245 - 247 (558)، «بغية الملتمس» 331، 332، «تاريخ دمشق» 21/ 218 - 220، «تاريخ الإسلام» 27/ 315 - 316، «سير أعلام النبلاء» 17/ 83 - 84، «الوافي بالوفيات» 15/ 42 (341)، «النجوم الزاهرة» 3/ 338، «حسن المحاضرة» 1/ 351 - 352 (55)، «شذرات الذهب» 3/ 12، «الأعلام» 3/ 98، وغيرها.

الطُليطِلي، البزّار، القُرْطُبِي، الفقيه الأديب. ولد سنة عشر وثلاثمائة من الهجرة. شيوخه: سمع بقرطبة من قاسم بن أصبغ وغيره، وارتحل فسمع من أبي محمد ابن الورد، وأبي علي بن السَّكن بمصر، وأبي العباس السُّكري، وابن فِراس، وحمزة الكناني وغيرهم. كما سمع بمكة من أحمد بن محمد بن أبي الموت، وصحب القاضي منذر بن سعيد، وكانت رحلته إلى المشرق سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة. وكانت رحلته هذه مع أبي جعفر أحمد بن عون الله وأبي عبد الله بن مُفَرِّج، وسمع معهما «الصحيح» من ابن السَّكن بمصر، ورُغب إليه إذ قدم الأندلس أن يحدث، فقال: لا أحدث ما دام صاحباي حيين، فلما ماتا، جلس للسماع فأخذ الناس عنه. تلاميذه: حدث عنه من كبار العلماء: أبو الوليد بن الفرضي، والقاضي أبو المطرف بن فطيس، وأبو عمر بن عبد البر، وأبو عمر الحذاء، والخولاني وغيرهم. وممن روى عنه «الصحيح»: ابن عبد البر وأبو عمر الحَذّاء. مكانته العلمية: قال القاضي عِياض: من أهل الفقه والرِّواية .. وتوسع في السماع، وكان ضابطًا متقنًا للرِواية، حسنَ الحديث، فصيحَ اللسان، حاضرَ الجواب، جليلَ القدر (¬1). ونقل ابن بَشْكُوال عن أبي عمر بن الحذاء قوله: كان أبو محمد هذا شيخًا فاضلًا، رفيعَ القدر، عاليَ الذكر ... ما رأيت أضبطَ لكتبه وروايته ¬

(¬1) «ترتيب المدارك» 2/ 440 - 441.

منه (¬1). كما نقل عن الخولاني قوله فيه: كان شيخًا ذكيا، حافظًا لغويًا، من أهل العلم متقدمًا في الفهم (¬2). وقال الذَّهَبِيّ: الإمام العلامة، عالم الأندلس (¬3). وقال أيضًا: كان من أوعية العلم، رأسًا في اللغة، فقيهًا محررًا، عالمًا بالحديث، كبير القدر (¬4). وفاته: توفي رحمه الله تعالى في يوم الإثنين لسبع بقين من ذي الحجة سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، ودفن بمقبرة متعة (¬5)، وصلى عليه القاضي أبو العباس بن ذكوان رحمه الله تعالى. الثاني: أبو عبد الله بن مُفَرِّج (315 - 380) (¬6) هو محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مُفَرِّج، أبو عبد الله، ويقال: أبو بكر الأندلسي القُرْطُبِي مولى بني أمية. المعروف والده ¬

(¬1) «الصلة» ص: 245. (¬2) «الصلة» ص: 246. (¬3) «سير أعلام النبلاء» 16/ 83. (¬4) «سير أعلام النبلاء» 16/ 84. (¬5) هي مقبرة مشهورة في بلاد الأندلس وقد أكثر ابن الفرضي (403 هـ) من ذكر كثيرٌ من العلماء الذين دفنوا فيها وذلك في كتابه «تاريخ علماء الأندلس»، ينظر التراجم (150، 187، 214، 417) وغير ذلك من التراجم من هذا الكتاب. (¬6) ينظر ترجمته في: «تاريخ علماء الأندلس» لابن الفرضي 2/ 93 - 95 (1360)، «تاريخ ابن عساكر» 51/ 114 - 117، «تاريخ الإسلام» 26/ 663 - 664، «سير أعلام النبلاء» 16/ 390 - 392، «الوافي بالوفيات» 2/ 515، «مرآة الجنان» 2/ 409، «ونفح الطيب» 2/ 218 - 219 (135) وغيرهم.

بالقنتوري. ولد سنة خمس عشرة وثلاثمائة. شيوخه: سمع بقرطبة من أبيه ومن قاسم بن أصبع، وبمكة أبا سعيد بن الأعرابي، وبمصر محمّدَ بن الصموت وابنَ السَّكن، وخيثمةَ بأطرابُلس الشام، وأبا ميمون بن راشد بدمشق وطبقتهم. ورحل إلى المشرق سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وبقي فيه حتى بعد سنة خمسٍ وأربعين وثلاثمائة. وعدة شيوخه مائتان وثلاثون شيخًا. تلاميذه: روى عنه: الحافظ أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد الصوفي - وهو شيخه - وأبو الوليد عبد الله بن الفرضي، وإبراهيم بن شاكر، وعبد الله بن الربيع التميمي، وأبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي. كان من أئمة هذا الشأن وممن له تصانيف فيه، ومنها: «مسند حديث قاسم بن أصبغ»، و «فقه الحسن البصري» و «فقه الزهري»، وغيرها. قال فيه ابن الفرضي: وكان حافظًا للحديث عالمًا به بصيرًا بالرجال، صحيح النقل، جيد الكتاب على كثرة ما جمع (¬1). وقال أبو عبد الله بن عفيف: كان ابن مُفَرِّج من أغنى الناس بالعلم، وأحفظهم للحديث، ما رأيت مثله في هذا الفن، من أوثق المحدثين وأجودهم ضبطًا. وقال القاضي عِياض في ترجمة أبيه: وأما ابنه أبو عبد الله فتفرد بعلم الحديث، وكان من أعلم أهل الأندلس به وأقومهم عليه وأوثقهم فيه. وقال فيه الذَّهَبِيّ: الإمام الفقيه الحافظ القاضي (¬2). ¬

(¬1) «تاريخ علماء الأندلس» 2/ 91 - 92. (¬2) «سير أعلام النبلاء» 16/ 390.

وفاته: توفي رحمه الله ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثمانين وثلاثمائة، ودفن يوم الجمعة بعد صلاة العصر في مقبرة الرّبض (¬1) قرب قبر أبي جعفر أحمد بن عون الله رحمهما الله تعالى. الثالث: أبو جعفر بن عون الله (300 - 378) هـ (¬2) هو أبو جعفر أحمد بن عون الله بن حدير بن يحيى بن تبع بن تبيع البزاز القُرْطُبِي، ولد سنة ثلاثمائة. شيوخه: سمع بقرطبة من قاسم بن أصبغ ومحمد بن عبد الله بن دليم وغيرهما من أهل قرطبة، ورحل فسمع بمكة من ابن الأعرابي وابن فِراس وأبي الحسن محمد ابن جبريل بن الليث العجيفي. وسمع بطرابلس الشام من خيثمة بن سليمان بن حيدرة الطرابلسي. وبدمشق من الأذرعي أبى يعقوب، وأبي الميمون الدمشقي وغيرهم. وسمع بمصر من أحمد بن سلمة الضحاك الهلالي، وعبد الله بن جعفر بن الورد البغدادي، وبكر بن العلاء القشيري القاضي، وسعيد بن السَّكن وغيرهم. تلاميذه: روى عنه: أبو الوليد بن الفرضي وأبو عمر الطلمنكي وجماعة. أقوال العلماء فيه: قال ابن الفرضي: كان شيخا صالحًا صدوقا، صارمًا في السنة، متشددًا على أهل البدع، وكان لهجًا بهذا النوع، صبورًا ¬

(¬1) هي مقبرة مشهورة في بلاد الأندلس وقد أكثر ابن الفرضي (403 هـ) من ذكر كثيرٌ من العلماء الذين دفنوا فيها وذلك في كتابه «تاريخ علماء الأندلس»، ينظر التراجم (195، 206، 395، 404) وغيرها. (¬2) «تاريخ علماء الأندلس» لابن الفرضي 1/ 54 (183)، و «سير أعلام النبلاء» 16/ 390.

على الأذى فيه، كتب عنه الناس قديمًا وحديثًا، وكتبت عنه (¬1). وقال فيه الذَّهَبِيّ: الشيخ المحدث الإمام الرحال (¬2). وفاته: توفي رحمه الله ليلة السبت لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، ودفن بمقبرة الرَّبض، وصلى عليه القاضي محمد بن يبقى رحمه الله تعالى (¬3). وكان سماع هؤلاء الثلاثة من أبي علي سعيد بن السَّكن بمصر مجتمعين أثناء رحلتهم إلى بلاد المشرق، ثم عادوا إلى بلاد الأندلس، وطلب الناس من عبد الله بن محمد الجهني (395) هـ أن يحدث بما سمع، فامتنع وقال: لا أحدث ما دام صاحباي حيَّين، فلما ماتا جلس للسماع فأخذ الناس عنه (¬4). ورِواية ابن السَّكن يبدو أنها لم تنتشر إلا من خلال هؤلاء الرُّواة الثلاثة عنه، وهؤلاء الثلاثة من بلاد الأندلس، وهذا يفسر لنا اشتهار هذه الرِّواية في بلاد الأندلس. يقول أبو علي الجَيّانيّ: وقد روى «الجامع» عن ابن السَّكن جماعة من أهل الأندلس منهم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى بن مُفَرَّج، ¬

(¬1) «تاريخ علماء الأندلس» 1/ 54. (¬2) «سير أعلام النبلاء» 16/ 390. (¬3) هو أبو بكر محمد بن يبقى بن زَرب القاضي القرطبي المالكي صاحب التصانيف وأحفظ أهل زمانه بمذهب مالك، سمع قاسم بن أصبغ وجماعة فولي القضاء سنة سبع وستين وثلاثمائة إلى أن مات سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. انظر «العبر» 1/ 165، «الديباج المذهب» لابن فرحون (ص: 142). (¬4) «الصلة» 1/ 245 (558).

وأبو جعفر أحمد بن عون الله وغيرهما رحمهم الله أجمعين (¬1). ومن النصوص السابقة يتبين لنا أن رِواية ابن السَّكن سمعها الثلاثة سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة هـ في أثناء رحلتهم إلى المشرق، ولم يعرف تاريخ الرجوع إلى بلاد الأندلس، ولكن مما لا شك فيه أن رجوعهم كان قبل وفاة أولهم موتًا، وهو أبو جعفر بن عون الله حيث توفي سنة (378) هـ حيث كان سماع العلماء لهذة الرِّواية من خلال ابن عون الله وابن مُفَرِّج حتى وفاته سنة (380) هـ، وبعدها جلس ابن أسد الجهني حتى وفاته سنة (395) هـ. وتأخر وفاة الإمام ابن أسد الجهني حتى عام (395) هـ يفسر لنا اشتهار رِواية ابن السَّكن من طريقه في بلاد الأندلس، حيث جعل ذلك روايته أعلى إسنادًا، مما جعل إقبال الناس عليها أولى من غيرها. ومن أشهر العلماء الذين عرفت لهم رِواية عن عبد الله بن أسد الجهني، عن ابن السَّكن: الحافظان الإمامان أبو عمر يوسف بن عبد البر المتوفى سنة (463) هـ، والحافظ أبو عمر أحمد بن محمد بن يحيى الحذاء. ونظرًا لمكانة كلً منهما في بلاد الأندلس والمغرب العربي فقد أقبل الناس على رِواية ابن السَّكن من طريقهما. فقد روى عنهما الإمام الحافظ أبو علي الجَيّانيّ المتوفى سنة (498) هـ (¬2)، وأبو عبد الله بن عيسى القاضي، وعنهما أخذ القاضي عِياض كما في ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 3/ 1068. (¬2) ينظر الجدول الخاص بأسانيد ابن السَّكن.

«مشارق الأنوار» (¬1). ويروي لنا ابن بَشْكُوال في كتابه «غوامض الأسماء المبهمة» (¬2) في ترجمة زينب بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - وابنتها أمامة - أو أميمة - حديثًا من رِواية ابن السَّكن، رواه عن شيخه أبي الحسن يونس بن محمد بن مغيث القُرْطُبِي ت (532) هـ عن أبي عمر أحمد ابن محمد القاضي الحذاء، عن أبي محمد بن أسد، عن ابن السَّكن، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ من حديث أسامة بن زيد (¬3). أما رِواية رفيقَيِ ابن أسد الجهني وهما: ابن عون الله ت (378) هـ وابن مُفَرِّج (380) هـ، فقد عرفت في بلاد الأندلس أيضًا، فقد روى الحافظ أبو عبد الله بن نبات «صحيح البُخارِيّ» رِواية ابن السَّكن من طريقهما، وعنه: محمد بن عتاب، وعنه: ولده أبو محمد عبد الرحمن بن محمد، وعنه: القاضي عِياض ت (544) هـ كما في «المشارق». كما ذكر لنا أيضًا ابن حزم الأندلسي المتوفى سنة (456) هـ أحاديثَ من «الصحيح» في كتابيه «المحلى» و «جمهرة أنساب العرب» من رِواية شيخه عبد الله بن ربيع، عن ابن مُفَرَّج، عن ابن السَّكن، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ (¬4). ¬

(¬1) ينظر الجدول الخاص بأسانيد القاضي عِيَاض. (¬2) ص: 305. (¬3) «صحيح البُخَارِيّ» 7/ 117 (5655) كتاب: المرضى، باب: عيادة الصبيان. (¬4) ينظر «المحلى» 1/ 82 حديث هرقل الطويل وهو في «الصحيح» كتاب: بدء الوحي 1/ 8، 9، 10 (7)، وينظر «المحلى» أيضًا 1/ 106 مسألة رقم (125) من حديث علي في غسل الذكر من المذي، وهو في «الصحيح» كتاب: الغسل، باب: غسل المذي والوضوء منه 1/ 62 (269) وفي «جمهرة أنساب العرب» 1/ 234 / 235، باب بني قمعة بن إلياس.

وبعد أن ظلت هذه الرِّواية - رِواية ابن السَّكن - في بلاد الأندلس عادت إلى بلاد المشرق مرة أخرى في الاشتهار في القرن التاسع وما بعده؛ حيث نجد ابن حجر العسقلاني (852) هـ يروي رِواية ابن السَّكن من طريق أبي علي الجَيّانيّ (498) هـ عن الحافظين ابن عبد البر وأبي عمر الحذاء، عن أبي محمد الجهني عنه (¬1). ومن طريق ابن حجر تتصل هذه الرِّواية بالإمام القَسْطَلّانِيّ في شرحه على «الصحيح» (¬2). ومن الملاحظ أن الإمام شرف الدين اليُونِينِيّ ت (701) هـ - صاحب النسخة المشهورة من «الصحيح» والتي عليها مدار المشارقة حتى اليوم - لم يذكرها من بين الروايات التي جمعها لنسخ «الصحيح» ورواياته، ولم يشر إليها في حواشي نسخته مما يؤكد عدم اشتهار هذه الرِّواية في بلاد المشرق حتى عصر اليُونِينِيّ. مظان رِواية ابن السَّكن من أراد الوقوف على رِواية ابن السَّكن من «الصحيح» وجد صعوبة في ذلك، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى عدم دقة من قاموا بفهرسة نسخ ومخطوطات «الصحيح» في مكتبات العالم المختلفة وليس ذلك خاصًّا برِواية ابن السَّكن وحدها، إلا ما حدث مع بعض الروايات التي اشتهرت مؤخرًا، مثل رِواية أبي ذر الهَرَويّ وبعض الروايات الأخرى. وقد وقفت على ذكر للمجلد الأول من رِواية ابن السَّكن، فقد ذكر ¬

(¬1) ينظر الجدول الخاص بأسانيد ابن حجر العسقلاني. (¬2) ينظر الجدول الخاص بأسانيد القَسْطَلّانِيّ.

الأستاذ محمد المنوني (¬1) أنه يوجد في الخزانة الوقفية بالجامع الأعظم من مدينة تازة المجلد الأول من رِواية ابن السَّكن، وهي بخط عبد المهيمن بن علي بن علي بن حرز الله التميمي عام ثمانية وتسعين وستمائة للهجرة، وهو منقول ومقابل بأصل أبي الحسن ابن مغيث المكتوب بخط أبي عمر الطلمنكي (¬2). والأمر الذي يهمنا في هذا الوصف هو مقابلة هذه النسخة على أصل أبى الحسن يونس بن محمد بن مغيث القُرْطُبِي المعروف بابن الصفار، المتوفى سنة (532) هـ وهو معروف ومشهور بروايته عن أحمد بن محمد بن يحيى بن الحذاء، عن عبد الله بن محمد بن أسد الجهني (395) هـ عن ابن السَّكن (¬3). ومما يدل على اشتهار ابن مغيث بهذه الرِّواية المسندة إلى ابن السَّكن أن ابن خير الأشبيلي في «فهرسته» يسند هذه الرِّواية من جهته (¬4). وهناك بعض الكتب التي نص مؤلفوها على روايتهم لها، ومقارنتها بروايات «الصحيح» منها: ¬

(¬1) أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب ودار الحديث الحسنية في بحث «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية»، ص: 134. (¬2) هو أحمد بن محمد بن عبد الله المقرئ الطلمنكي، كان محدثا إمامًا في القراءات، وثقة في الرواية، سمع بالأندلس من محمد بن أحمد بن مفرج، وأبى جعفر أحمد بن عون الله، وروى عنه الإمامان: ابن حزم وابن عبد البر وطبقتهما، مات بعد العشرين وأربعمائة. ينظر «تذكرة الحفاظ» 3/ 1098 (994)، «الوافي بالوفيات» 8/ 32 (3432)، «طبقات المفسرين» للداودي 1/ 79 (72). (¬3) ينظر الجدول الخاص برواية ابن السَّكن السابق ذكره. (¬4) ينظر «فهرسة ما رواه عن شيوخه» ص: 95.

1 - كتاب «تقييد المهمل وتمييز المشكل» لأبي علي الجَيّانيّ (498) هـ. 2 - كتاب «مشارق الأنوار» للقاضي عِياض (544) هـ. 3 - كتاب «فتح الباري بشرح صحيح البُخارِيّ» لابن حجر العسقلاني (852) هـ. 4 - «إرشاد الساري شرح صحيح البُخارِيّ» للعلامة القَسْطَلّانِيّ (923) هـ. فهذه الكتب ذكر مؤلفوها المقارنات في الألفاظ المختلف فيها من «الصحيح» بين الروايات، ومنها رِواية ابن السَّكن كما يتبين ذلك من مقدمات هذه المصنفات. ومن استقراء النصوص يمكن استخلاص بعض هذه المعالم كما يلي: 1 - اهتمامه وعنايته بنسبة شيوخ البُخارِيّ المهملين: كان ابن السَّكن - رحمه الله تعالى - ممن له عناية خاصة بنسخته من «صحيح البُخارِيّ» التي سمعها من الفَرَبْريّ بخراسان، فقد كان ممن يصنف ويَجْرَح ويعدِّل ويصحِّح ويعلِّل، كما ذكر ذلك الذَّهَبِيّ عنه (¬1). ونسخة ابن السَّكن كانت لها قيمة خاصة جدًّا في التعريف بشيوخ البُخارِيّ الذين أهمل أنسابهم اعتمادًا على شهرتهم، وكانت طريقته في ذلك كما جاء في «الفتح» (¬2) أن يذكر نسبة الشيخ المهمل، ويذكر قبلها كلمة: (يعني) للدلالة على الزيادة من عنده على الرِّواية، فيقول مثلا: يزيد - يعني: ابن زريع -. ¬

(¬1) «سير أعلام النبلاء» 16/ 117. (¬2) 1/ 333.

ولذلك نجد الإمام أبا علي الجَيّانيّ (498) هـ يقول في مقدمة القسم الخاص بالتعريف بشيوخ البُخارِيّ من كتابه الشامل «تقييد المهمل» وهو يعدد من كان له مشاركة في هذا المجال قبله - يقول -: وقد نسب أبو علي ابنُ السَّكن جماعة منهم في نسخته من «الجامع» التي رواها عن محمد بن يوسف الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ (¬1).اهـ. وكثيرًا ما كان أبو علي الجَيّانيّ ينقل أقوال ابن السَّكن في شيوخ البُخارِيّ. فعلى سبيل المثال يقول في حرف الألف ممن اسمه أحمد: قال البُخارِيّ في كتاب الصلاة في موضعين، وفي الجنائز في موضعين، وفي العيدين، وفي الحج في ثلاثة مواضع، وفي الجهاد والمغازي، وبدء الخلق، وتفسير سورة الأحقاف: حَدَّثَنا أحمد، نا ابن وهب. نسبه أبو علي بن السَّكن في نسخته التي رويناها من طريق أبي محمد بن أسد عنه فقال فيه: أحمد بن صالح المصري. اهـ. فابن السكن في روايته قد ميز الشيخ المهمل للبخاري عن ابن وهب فذكر أنه ابن صالح المصري. ثم بدأ الجَيّانيّ يفرد هذه المواضع موضعًا موضعًا، ويؤيد ما ذهب إليه ابن السَّكن إن وافقه، أو يأتي بما يدل على المخالفة من أقوال العلماء إن خالفه. والمواضع في هذا القسم التي ينقل فيها أبو علي الجَيّانيّ نسبة ابن السَّكن لشيوخ البُخارِيّ كثيرة، وفي هذه المواضع يقول الجَيّانيّ: نسبه ابن السَّكن. ثم يذكر من وافقه من العلماء على نسبته هذه، وهو كثير، وأحيانا ¬

(¬1) 2/ 942.

يخالفه أبو علي وينازعه في هذه النسبة، فيقول مثلًا: وهو ضعيف عندي (¬1). ولقد حاولت استقراء هذه المواضع التي نقل فيها الجَيّانيّ عن ابن السَّكن فوجدتها كثيرة (¬2). وينقل أبو علي الجَيّانيّ نقلًا مهمًّا عن ابن السَّكن يمثل قاعدة نهتدي بها ونحتكم إليها في شيوخ البُخارِيّ الذين أهمل أنسابهم فيقول. أَخْبَرَنا أبو عمر أحمد بن محمد بن يحيى بن الحذاء قراءة مني عليه قال: أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد الجهني قال: نا أبو علي سعيد بن عثمان ابن السَّكن الحافظ قال: كل ما في كتاب البُخارِيّ مما يقول فيه: (نا محمد قال: أنا عبد الله)، فهو محمد بن مقاتل المَرْوَزيّ، عن عبد الله بن المبارك. وما كان فيه: (محمد) عن أهل العراق، مثل: أبي معاوية وعبدة ويزيد بن هارون ومروان الفزاري، فهو محمد بن سلام البيكندي. وما كان فيه: (نا عبد الله) غير منسوب فهو عبد الله بن محمد الجعفي المسندي، وهو مولى البُخارِيّ. وما كان فيه: (عن يحيى) غير منسوب، فهو يحيى بن موسى البلخي ¬

(¬1) كما في ص: 1003 أو يقول: وهو وهم كما في ص: 1014. (¬2) ومنها هذه المواضع وهي في المجلد الثالث ينظر: ص: 959، 962، 963، 965، 966، 971، 972، 973، 979، 980، 992، 993، 994، 996، 997، 999، 1003، 1014، 1017، 1018، 10200، 1022، 1023، 1024، 1025، 1026، 1027، 1028، 1029، 1030، 1031، 1032، 1034، 1035، 1037، 1041، 1046، 1050، 1056، 1057، 1059، 1060، 1063، 1065. كل هذه المواضع في نسبة ابن السَّكن لشيوخ البُخَارِيّ الذين أهمل أنسابهم يوافقه أبو على كثيرًا في نسبته ويخالفه أحيانًا.

المعروف بـ (خَت) وسائر شيوخه فقد نسبهم غير أصحاب ابن المبارك فهم جماعة. وما كان فيه: (عن إسحاق) غير منسوب فهو إسحاق بن راهويه (¬1). اهـ. ذكر مثالين برز فيهما قيمة رِواية ابن السَّكن في نسبة شيوخ البُخارِيّ المهملين: الأول: ما جاء في «تقييد المهمل» وغيره: قال البُخارِيّ: وقال أبو صالح: حدثني عبد الله، عن يونس (¬2). هكذا في «اليُونِينيّة»، وفي حاشيتها: أبو صالح سَلَمُويَهْ. فالرِّواية عند جمهور الرُّواة هكذا: أبو صالح حدثني عبد الله. قال الجَيّانيّ: وفي رِواية أبي علي بن السَّكن: وقال أبو صالح سلمويه: حدثني عبد الله بن المبارك، عن يونس. قال أبو علي: وروايته أولى ونسبته أصح، وأبو صالح سلمويه اسمه: سليمان بن صالح، مروزي (¬3) اهـ. ويذكر ابن حجر في «الفتح» مخالفة بعض العلماء لابن السَّكن، ثم يرجح رِواية ابن السَّكن قائلًا: وجزم الإسماعيلي بأنه أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث، وشيخه عبد الله - على هذا - هو ابن وهب. وزعم الدمياطي أنه أبو صالح محبوب بن موسى الفراء الأنطاكي، ولم يذكر لذلك مستندًا .. والمعتمد هو الأول (¬4) اهـ. أي: رِواية ابن السَّكن. ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 3/ 1068 - 1069. (¬2) «صحيح البُخَارِيّ» 3/ 96 (2297) كتاب: الكفالة، باب جوار أبي بكر في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعقده. (¬3) «تقييد المهمل» 2/ 619. (¬4) «الفتح» 4/ 476 - 477.

المثال الثاني: والذي يبين قيمة نسبة ابن السَّكن أيضًا. ما جاء في حديث مغيرة بن شعبة (¬1): وفيه جاء شيخ البُخارِيّ مهملًا هكذا: حَدَّثَنا يحيى قال: حَدَّثَنا أبو معاوية. وكذا جاء: (يحيى عن أبى معاوية) غير منسوب في موضعين آخرين من «الصحيح»، الأول: في كتاب الجنائز، باب الجريد على القبر (¬2). والثاني: كتاب التفسير تفسير سورة الدخان، باب: {يغشى الناس هذا عذاب أليم} (¬3) [الدخان: 11]. قال أبو علي: فنسب ابن السَّكن الذي في الجنائز: يحيى بن موسى، وأهمل الموضعين الآخرين، ولم أجدهما منسوبين لأحد من شيوخنا، فالله أعلم (¬4) اهـ. وقال ابن حجر في «الفتح» معقبا ومتممًا لكلام الجَيّانيّ: فينبغي حمل ما أهمل على ما بين، وقد جَزم أبو نعيم بأن الذي في الجنائز هو يحيى بن جعفر البيكندي، وذكر الكرماني أنه رأى في بعض النسخ هنا مثله. قلت: والأول أرجح؛ لأن أبا علي بن شَبُّويه وافق ابن السَّكن عن الفَرَبْريّ على ذلك في الجنائز وهنا أيضًا، ورأيت بخط بعض المتأخرين: يحيى هو ابن بكير، وأبو معاوية هو شيبان النحوي. وليس كما قال، فليس ليحيى بن بكير عن شيبان رِواية. وبعد أن ردد الكرماني يحيى بين ابن موسى أو ابن جعفر أو ابن معين ¬

(¬1) 1/ 81 رقم (363) كتاب: الصلاة، باب الصلاة في الجبة الشامية. (¬2) 2/ 95 (1361). (¬3) 6/ 131 (4821). (¬4) «تقييد المهمل» 3/ 1060.

قال: وأبو معاوية يحتمل أن يكون شيبان النحوي، وهو عجيب؛ فإن كلًّا من الثلاثة لم يسمع من شيبان المذكور، وجزم أبو مسعود وكذا خلف في «الأطراف» وتبعهما المزي بأن الذي في الجنائز هو يحيى بن يحيى. وما قدمناه عن ابن السَّكن يرد عليهم وهو المعتمد، ولاسيما وقد وافقه ابن شَبُّويه، ولم يختلفوا في أن أبا معاوية هنا هو الضرير. (¬1) اهـ. 2 - أهمية نسخة ابن السَّكن في الترجيح بين الروايات في الأوهام الواقعة في الأسانيد من قبل الرُّواة: خصص أبو على الجَيّانيّ في كتابه «تقييد المهمل» قسمًا خاصًا لبيان الأوهام الواقعة في أسانيد «صحيح البُخارِيّ» الواقعة من قبل الرُّواة. وقد نقل من رِواية ابن السَّكن نقولًا كثيرة فكان أحيانا يوافقه، وأحيانا يخالفه أو يستدرك عليه. ومن الأمثلة على ذلك (¬2): 1 - ما قاله: قال البُخارِيّ في كتاب التفسير، سورة التحريم (¬3): حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُما قَالَ فِي الْحَرَامِ: يُكَفِّرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. هكذا روى البُخارِيّ هذا الإسناد عن شيخه معاذ بن فضالة: هشام، عن يحيى، عن ابن حكيم كما في «اليُونِينيّة»، وكلمة ابن حكيم مصححة ¬

(¬1) 1/ 474، وينظر «هدي الساري» ص: 254. (¬2) وهذه المواضع حاولت تتبعها ومنها: ص: 583، 593، 595، 619، 625، 632، 665، 668، 669، 690، 700. (¬3) 6/ 156 (4911).

في أصل «اليُونِينيّة»، وفي حاشيتها: هو يعلى بن حكيم الثقفي. وعليه علامة التصحيح والنسبة لرِواية أبي ذر الهَرَويّ. وساق الجَيّانيّ (¬1) إسناد الحديث: هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن يعلى بن حكيم عن سعيد، ثم قال: هكذا إسناد هذا الحديث في روايتنا عن أبي علي بن السَّكن، وفي نسخة أبي محمد الأصيلي عن أبي أحمد وأبي زيد: نا هشام، عن يحيى، عن ابن حكيم - لم يسمه - عن سعيد بن جبير. وفي نسخة أبى ذر: عن أبي محمد الحَمُّوييّ، عن الفَرَبْريّ: نا هشام، عن يحيى ابن حكيم، عن سعيد بن جبير. قال أبو علي: وهذا خطأ فاحش، وصوابه: عن هشام عن يحيى - وهو ابن أبي كثير - عن يعلى بن حكيم كما روى عن ابن السَّكن، ورِواية أبي أحمد وأبي زيد مخلصة من الوهم. ثم ذكر الحديث بإسناده إلى إسماعيل بن إبراهيم، عن هشام الدستوائي .. إلخ مؤيدًا لرِواية ابن السَّكن (¬2). 2 - ما جاء في كتاب مناقب الأنصار، باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من المشركين بمكة: قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا عياش بن الوليد، حَدَّثَنا الوليد بن مسلم، حدثني الأوزاعي (¬3) .. إلخ. ¬

(¬1) «التقييد» 2/ 699. (¬2) قلت: والحديث أخرجه مسلم في «صحيحه» (1473) كتاب: الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته من طريق إسماعيل بن إبراهيم أيضا بمثل رواية ابن السَّكن. كما أخرجه البُخَارِيّ أيضًا 7/ 44 (5266) كتاب: الطلاق، باب لم تحرم ما أحل الله لك، ومسلم في الموضع السابق، كلاهما من رواية معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير .. بمثل رواية ابن السَّكن. (¬3) 5/ 46 (3856).

هكذا الحديث عند البُخارِيّ كما في «اليُونِينيّة» وعلى كلمة: (عياش) علامة التصحيح. قال الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» (¬1): هكذا روايتنا عن ابن السَّكن: عياش - بالشين المعجمة - وكذلك قال أبو ذر الهَرَويّ عن مشايخه، وكان في كتاب أبي محمد الأصيلي غير مقيد. وقال بعضهم: هو عباس بن الوليد - بباء معجمة بواحدة وسين مهملة - وزعم أنه ابن الوليد بن مَزْيَد - بزاي معجمة بعدها ياء معجمة باثنتين - الدمشقي، ثم البيروتي وليس هذا بشيء، وقد حَدَّثَنا أبو العباس العُذري عن أبي ذر أنه قال: عباس بن الوليد البيروتي متأخر، ولا أعلم البُخارِيّ ومسلمًا رويا عنه، وإنما يروي عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، وأبو بكر النيسابوري، ومن كان في طبقتهما من المتأخرين. قال: ولا أعلم للعباس بن الوليد بن مزيد رِواية عن الوليد بن مسلم، فإن أكثر ما روى: عن أبيه الوليد بن مزْيَد، وكان من أصحاب الأوزاعي رحمه الله. اهـ. ولذا يقول الجَيّانيّ، أيضا (¬2): والصواب رِواية ابن السَّكن ومن تابعه. 3 - ما جاء في كتاب الحدود، باب الضرب بالجريد والنعال: قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا عبد الله بن عبد الوهاب، حَدَّثَنا خالد بن الحارث، حَدَّثَنا سفيان، حَدَّثَنا أبو حصين: سمعت عمير بن سعيد النخعي (¬3). قال الجَيّانيّ: هكذا رواه أبو علي بن السَّكن وأبو أحمد: سمعت عمير ¬

(¬1) 2/ 534. (¬2) 2/ 668. (¬3) 8/ 158 (6778).

بن سعيد، وروي عن أبي زيد المَرْوَزيّ: عمير بن سعد - بسكون العين دون ياء بعدها - والصواب ما رواه ابن السَّكن وأبو أحمد وغيرهما (¬1). وما كان على الصواب عند ابن السَّكن وغيره قد أزال إشكالًا عند بعض العلماء الذين أعلوا الحديث بالاختلاف في اسم عمير واسم أبيه. قال ابن حجر في «الفتح»: وعمير بن سعيد بالتصغير، وأبوه - بفتح أوله وكسر ثانيه -: تابعي كبير ثقة. قال النووي: هو في جميع النسخ من الصحيحين هكذا. ووقع في «الجمع» للحميدي: (سعد) بسكون العين، وهو غلط، ووقع في «المهذب» وغيره: (عمر بن سعد) بحذف الياء فيهما، وهو غلط فاحش. قلت: ووقع في بعض النسخ من البُخارِيّ كما ذكر الحميدي، ثم رأيته في «تقييد» أبي علي الجَيّانيّ منسوبًا لأبي زيد المَرْوَزيّ، قال: والصواب: سعيد، وجزم بذلك ابن حزم، وأنه في البُخارِيّ: سعد بسكون العين، فلعله تابع الحميدي. ووقع للنسائي والطحاوي: (عُمَر) بضم العين وفتح الميم كما في «المهذب» لكن الذي عندهما في أبيه: (سعيد)، ووقع عند ابن حزم في النسائي: (عمرو) بفتح أوله وسكون الميم والمحفوظ: (عمير) كما قال النووي. وقد أعل ابن حزم الخبر بالاختلاف في اسم عمير واسم أبيه، وليست بعلة تقدح في روايته، وقد عرفه ووثقه من صحح حديثه. (¬2) اهـ. ¬

(¬1) «التقييد» 2/ 746. (¬2) 12/ 67 - 68.

4 - ما جاء في كتاب الرقاق، باب في الحوض (¬1): قال البُخارِيّ وهو يعدد أسانيد حديث أبي هريرة: وقال الزبيدي، عن الزهري، عن محمد بن علي، عن عبيدالله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - اهـ. كذا الإسناد في «اليُونِينيّة». وهناك علامة التصحيح على كلمة: (عبيدالله). قال الجَيّانيّ: كذا رويناه عن أبي علي بن السَّكن: عبيدالله بن أبي رافع، عن أبي هريرة. وفي نسخة أبي محمد وأبي الحسن [أي: القابسي]: عبد الله بن أبي رافع - بتكبير عبد الله - وهو وهم. ورِواية ابن السَّكن أولى بالصواب، وكذلك خرجه أبو مسعود الدمشقي من حديث عبيدالله بن أبي رافع (¬2). ونقل ابن حجر في «الفتح» كلام الجَيّانيّ في رِواية الأصيلى والقابسي عن أبي زيد المَرْوَزيّ، وأقره (¬3). 5 - ما جاء في كتاب جزاء الصيد، باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين (¬4) قال: حَدَّثَنا أحمد بن يونس، حَدَّثَنا إبراهيم بن سعد، حَدَّثَنا ابن شهاب، عن سالم، عن عبد الله رضي الله عنه ... الحديث. كذا الإسناد في «اليُونِينيّة». وقد جاء هذا الإسناد مصحفًا عند أبي زيد المَرْوَزيّ وحده. قال الجَيّانيّ: أتى هذا الحديث مرسلًا في رِواية أبي زيد المَرْوَزيّ وحده: عن سالم بن عبد الله بن عمر ليس فيه: عن ابن عمر. والصواب ما رواه ابن السَّكن وأبو أحمد ومن تابعهما: الزهري عن ¬

(¬1) 8/ 120 - 121 (6586). (¬2) «تقييد المهمل» 2/ 744 - 745. (¬3) «فتح الباري» 11/ 474. (¬4) 3/ 16 (1842).

سالم، عن عبد الله بن عمر متصلًا مسندًا (¬1). وذكر ذلك ابن حجر أيضًا في «الفتح» وأشار إلى علة الوهم قائلًا: تصحفت (عن) فصارت (ابن) (¬2). 3 - وقوع انفردات لرِواية ابن السَّكن دون غيره من الرُّواة: من خلال تتبع النصوص التي ذكر فيها ابن السَّكن تبين أن رِواية ابن السَّكن قد انفردت ببعض الزيادات دون باقي الروايات، وهذه الزيادات منها ما هو في السند، ومنها ما هو في المتن، ومنها ما حكم العلماء بصحته، ومنها ما خالفه العلماء فيها. فمن الزيادات التي جاءت في السند عند ابن السَّكن ووافقه عليها العلماء تلك الزيادات التي سبق ذكرها في نسبة كثير من الرُّواة، وخاصة شيوخ البُخارِيّ الذين أُهمل نسبتهم، والتي سبق ذكرها والمنقولة من كتاب «تقييد المهمل» لأبي علي الجَيّانيّ. أما الزيادات في السند التي خالفه العلماء فيها فقد نبه الجَيّانيّ عليها في «تقييد المهمل» (¬3) قائلًا: ولابن السَّكن انفردات في الأسانيد غريبة قد تقدم التنبيه على كثير منها. اهـ. وهذه الزيادات والانفردات أنواع: النوع الأول: منها ما انفرد ابن السَّكن به مِنْ جَعْلِهِ بعضَ الرُّواة من رجال البُخارِيّ، بحيث لو صح ما رواه ابن السَّكن لكان الراوي على شرط البُخارِيّ. ولم يقع لابن السَّكن من هذا النوع إلا في موضعين: ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 2/ 614. (¬2) «فتح الباري» 4/ 57. (¬3) 2/ 695 - 696.

الأول: ما ذكر في أول كتاب الوصايا حيث قال البُخارِيّ: (حَدَّثَنا عمرو بن زرارة، أَخْبَرَنا إسماعيل عن ابن عون (¬1) ..) إلخ. كذلك ذكر شيخ البُخارِيّ في «اليُونِينيّة»: (عمرو بن زرارة)، وقال الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» في رِواية أبي علي بن السَّكن وحده، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ: (حَدَّثَنا إسماعيل بن زرارة، أنا إسماعيل ابن علية عن ابن عون). جعل مكان: (عمرو ابن زرارة) (إسماعيل بن زرارة) قال أبو علي: وَهِم، ولم أرَ هذا لغير ابن السَّكن. وقد ذكر أبو الحسن الدارقطني وأبو عبد الله الحاكِم في شيوخ البُخارِيّ: إسماعيل بن زرارة الثغري، ولم يذكره أبو نصر الكلاباذي (¬2). وأما عمرو بن زرارة فمشهور من شيوخه، حدث عنه في غير موضع من الكتاب عن عبد العزيز أبي حازم، وهشيم بن بشيد، وزياد البكائي، والقاسم بن مالك (¬3). وقال ابن حجر: ووقع في رِواية أبي علي بن السَّكن بدل: (عمرو بن زرارة) في هذا الحديث (إسماعيل بن زرارة) يعني: الرقي. قال أبو علي الجَيّانيّ: لم أرَ ذلك لغيره. قال وقد ذكر الدارقطني وأبو عبد الله بن منده في شيوخ البُخارِيّ إسماعيل بن زرارة الثغري، ولم يذكره الكلاباذي ولا الحاكِم (¬4). ولم يذكر بنُ القيسراني (507) هـ إسماعيلَ بن زرارة في كتاب ¬

(¬1) 4/ 3 (2741). (¬2) نقل الحافظ في «الفتح» خلاف هذا كما سيأتي، فهل هذا وهم في النقل أو اختلاف في النسخ؟ الله أعلم. (¬3) «التقييد» 2/ 625. (¬4) «الفتح» 5/ 361

«الجمع بين رجال الصحيحين» لكتابي أبي نصر الكلاباذي وأبي بكر الأصبهاني. وقد راجعت كتاب «المدخل إلى الصحيح» لأبي عبد الله الحاكِم فوجدته قد ذكره في الباب الثاني عشر: ذكر مشايخ روى عنهم الشيخان في صحيحيهما وذكره فيمن انفرد بالرِّواية عنهم البُخارِيّ (¬1): إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي. وذكر ابن عساكر في «المعجم المشتمل» (¬2) عن الدارقطني والبرقاني أنهما ذكراه في شيوخ البُخارِيّ. وذكره المزي في «تهذيب الكمال» تمييزًا - وذكر حديث الباب الذي معنا كما هو عند جمهور الرُّواة - وقال: ووقع في رِواية أبي علي بن السَّكن وحده عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ: إسماعيل بن زرارة. وذكر الدارقطني والبرقاني إسماعيل بن زرارة في شيوخ البُخارِيّ كما تقدم، وتابعهما على ذلك الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي وقال: روى عنه في الرقاق والتفسير، ولم يذكره الكلاباذي. وقال الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن سعيد بن يربوع الأشبيلي في كتابه الذي سماه: «لسان البيان لما في كتاب أبي نصر من الإغفال والنقصان»: إسماعيل بن زرارة من الشذوذ الذي لا يلتفت إليه، ولعله من طغيان القلم، والله أعلم (¬3). وقال ابن حجر - بعد أن نقل كلام المزي - في «تهذيب التهذيب» (¬4): ¬

(¬1) 4/ 305 ترجمة رقم (134) (¬2) رقم (173) (¬3) 3/ 119 - 123 (457). (¬4) 1/ 156 - 157

وقد ذكر إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي أيضًا في شيوخ البُخارِيّ الحاكِم وأبو إسحاق الحبال وأبو عبد الله بن منده وأبو الوليد الباجي، وابن خلفون في: «الكتاب المعلم برجال البُخارِيّ ومسلم». اهـ. الموضع الثاني: ما جاء في «صحيح البُخارِيّ» كتاب التفسير، باب: ومن تفسير سورة النساء في قوله تعالى: {وأولى الأمر منكم} (¬1) [النساء: 59]. قال البُخارِيّ: (حَدَّثَنا صدقة بن الفضل، أَخْبَرَنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج ..) إلخ. كذا في «اليُونِينيّة» وقال الجَيّانيّ: روايتنا عن أبي علي بن السَّكن في هذا الإسناد عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ: (حَدَّثَنا سنيد بن داود قال: نا حجاج ..) إلخ. فجعل: (سنيد بن داود) بدل: (صدقة بن الفضل) وانفرد بذكر: سنيد بن داود (¬2). وقال ابن حجر في «الفتح» قوله: (حَدَّثَنا: صدقة بن الفضل). كذا للأكثر، وفي رِواية ابن السَّكن وحده، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ: (حَدَّثَنا: سنيد)، وهو ابن داود المصيصي، واسمه: الحسين، وسنيد: لقب، وهو من حفاظ الحديث، وله تفسير مشهور، لكن ضعفه أبو حاتم والنسائي، وليس له في البُخارِيّ ذكر إلا في هذا الموضع، إن كان ابن السَّكن حفظه، ويحتمل أن يكون البُخارِيّ أخرج الحديث عنهما جميعًا، واقتصر الأكثر على صدقه لإتقانه، واقتصر ابن السَّكن على سنيد بقرينة التفسير (¬3) اهـ. ¬

(¬1) 6/ 46 (4584). (¬2) «تقييد المهمل» 2/ 695، 3/ 1112. (¬3) 8/ 253

وقال المزي في «التهذيب» في ترجمة سنيد بعد أن ذكر حديث الباب الذي معنا: وروى أبو علي سعيد بن عثمان بن السَّكن وحده، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ قال: حَدَّثَنا سُنيد، عن حجاج بن محمد. فذكره بإسناده. قال أبو محمد عبد الله بن أحمد بن سعيد بن يربوع الأشبيلي - صاحب أبي علي الغساني في كتابه الذي صنفه على كتاب أبي نصر الكلاباذي -: والصواب ما روت الجماعةُ وليس بمبعد؛ فإن سنيدًا هذا صاحب تفسير، وذِكْر ابن السَّكن له في التفسير من الأوهام المحتملة؛ لأنه إنما ذكره في بابه الذي هو مشهور به، فهو قريب بعيد وبالله التوفيق (¬1). النوع الثاني: الزيادات التي جاءت وهي بمعنى الإقحام في السند: ومن أمثلة هذا النوع ما يلي: أ - ما جاء في البُخارِيّ: كتاب صلاة الكسوف، باب قول الإمام في خطبة الكسوف: أما بعد (¬2). (وقال أبو أسامة: حَدَّثَنا هشام قال: أخبرتني فاطمة بنت المنذر عن أسماء ..) الحديث. كذا الإسناد في «اليُونِينيّة» لكن قال الجَيّانيّ: وقع في رِواية ابن السَّكن في إسناد هذا الحديث وهم، وذلك أنه زاد في الإسناد رجلًا، أدخل بين هشام وفاطمة: عروة ابن الزبير، والصواب: هشام عن فاطمة (¬3). وتعقبه الحافظ ابن حجر في «الفتح» وقال: لعله كان عنده [أي: ابن السَّكن] هشام بن عروة بن الزبير، فتصحفت (ابن) فصارت (عن) وذلك من ¬

(¬1) «تهذيب الكمال» 12/ 165 (2600). (¬2) 2/ 39 (1061) (¬3) «تقييد المهمل» 2/ 598.

الناسخ، وإلا فابن السَّكن من الحفاظ الكبار (¬1). ب - ما جاء في البُخارِيّ، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ} (¬2) [الفتح: 15] قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا أبو نعيم، حَدَّثَنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة .. إلخ. كذا الإسناد في «اليُونِينيّة». وقال الجَيّانيّ: هكذا إسناد هذا الحديث عند جميع الرُّواة، ما خلا ابن السَّكن، فإنه قال فيه: نا أبو نعيم قال: نا سفيان، نا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. فزاد في الإسناد رجلًا وهو سفيان الثوري (¬3). وقال ابن حجر: ورأيت في رِواية القابسي عن أبي زيد المَرْوَزيّ: (حَدَّثَنا أبو نعيم، أراه: حَدَّثَنا سفيان الثوري: حَدَّثَنا محمد) فحذف لفظ (قال) بين قوله: أراه، وحَدَّثَنا. و: أراه بضم الهمزة، أي: أظنه، وأبو نعيم سمع من الأعمش ومن السفيانين عن الأعمش، لكن سفيان المذكور هنا هو الثوري جزمًا، وعلى تقدير ثبوت ذلك فقائل: أراه. يحتمل أن يكون البُخارِيّ، ويحتمل أن يكون من دونه وهو الراجح. وقد خرجه أبو نعيم في «المستخرج» من رِواية الحارث بن أبي أسامة، عن أبي نعيم، عن الأعمش بدون الواسطة، وهذا من أعلى ما وقع لأبي نعيم من العوالي في هذا «الجامع الصحيح» (¬4). ¬

(¬1) «فتح الباري» 2/ 547. (¬2) 9/ 143 (7492) (¬3) «تقييد المهمل» 2/ 759. (¬4) «فتح الباري» 13/ 467 - 468.

النوع الثالث: انفراد ابن السَّكن بجعل راو مكان آخر، وكلاهما معروف بالرِّواية عن شيخ واحد. ومن ذلك ما يلي: 1 - ما جاء في «الصحيح» من كتاب اللباس، باب الحرير للنساء (¬1) قال: (حَدَّثَنا سليمان بن حرب، نا شعبة. وحدثني محمد بن بشر قال: نا غندر، نا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن زيد بن وهب، عن علي قال: كَسَانِي النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - حُلَّةً سِيَرَاءَ ...) الحديث. كذا في «اليُونِينيّة». وقال الجَيّانيّ: هكذا إسناد الحديث عند رواة الفَرَبْريّ، وعند غيرهم من رواة البُخارِيّ إلا أبا علي بن السَّكن فإن في روايته: (شعبة عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال، عن علي قال: كساني النبي - صلى الله عليه وسلم -) هكذا قال، جعل: (النزال بن سبرة) بدل: (زيد بن وهب)، والحديث محفوظ عن شعبة، عن عبد الملك ابن ميسرة، عن زيد بن وهب، عن علي. وقد تقدم هذا الحديث في «الجامع» في موضعين في كتاب الهبة (¬2) وفي كتاب النفقات (¬3) أيضًا عن حجاج بن منهال، عن شعبة، عن عبد الملك، عن زيد بن وهب. ورواه ابن السَّكن في الموضعين كما روته الجماعة على الصواب من حديث زيد بن وهب، وكذلك خرجه مسلم في كتاب اللباس (¬4) عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن غندر، عن شعبة بهذا. ¬

(¬1) 7/ 151 (5840). (¬2) باب: هدية ما يكره لبسها 3/ 163 (2614). (¬3) باب: كسوة المرأة بالمعروف 7/ 66 (5367). (¬4) باب: تحريم استعمال إناء الذهب 3/ 1645 (2071).

وحَدَّثَناه حكم بن محمد، نا أبو بكر قال: نا أبو بشر الدولابي، نا محمد بن بشار، نا محمد بن جعفر قال: (نا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن زيد بن وهب، عن علي) بهذه القصة (¬1). وقال ابن حجر في «الفتح»: قوله: (عن زيد بن وهب). كذا للاكثر، وتقدم كذلك في الهبة والنفقات، وكذا عند مسلم، ووقع في رِواية أبي علي بن السَّكن [تحرفت في المطبوع من الفتح إلى: علي بن السكن] هنا وحده: (عن النزال بن سبرة) بدل: (زيد بن وهب)، وهو وهم، كأنه انتقل من حديث إلى حديث؛ لأن رِواية عبد الملك عن النزال، عن علي إنما هي في الشرب قائما كما تقدم في الأشربة (¬2)، وقد وافق الجماعة في الموضعين الآخرين (¬3). 2 - ومنها أيضًا ما جاء في «الصحيح» من كتاب الأدب، باب لا تسبوا الدهر (¬4) قال البُخارِيّ: (حَدَّثَنا يحيى بن بكير، حَدَّثَنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، أخبرني أبو سلمة قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه ..) الحديث. كذا الإسناد في «اليُونِينيّة». قال الجَيّانيّ: هكذا رُوِي هذا الإسناد من حديث الليث عن يونس، عن ابن شهاب. وفي روايتنا عن ابن السَّكن: (نا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب). جعل عقيلًا مكان يونس. قال أبو علي: والحديث محفوظ ليونس بن يزيد عن الزهري بهذا الإسناد. ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 2/ 729 - 730. (¬2) باب الشرب قائمًا 7/ 110 (5615، 5616). (¬3) «فتح الباري» 10/ 296 - 297. (¬4) 8/ 41 (6181)

وكذلك ذكره مسلم بن الحجاج من حديث ابن وهب عن يونس (¬1). وقال محمد بن يحيى في كتاب «علل حديث الزهري»: (نا أبو صالح، نا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ..) الحديث. وهذه الرِّواية تقوي ما في رِواية ابن السَّكن إن كان حفظه (¬2). فتبين من كلام الجَيّانيّ أن الحديث محفوظ ليونس عن الزهري، وقد خالفه ابن حجر في «الفتح» فقال: الحديث عند الليث عن شيخين (¬3). 4 - وجود بعض المواضع سقط فيها بعض الرُّواة الذين ثبت ذكرهم عند باقي النسخ أو وجود بعض الأوهام. ومن هذه المواضع: 1 - ما جاء في كتاب الشفعة باب أي الجوار أقرب (¬4) وفي كتاب التفسير باب: ومن سورة الفتح (¬5). حيث جاء شيخ البُخارِيّ هكذا: (علي نا شبابة). هكذا غير منسوب في كثير من الروايات، ومنها رِواية أبي ذر الهَرَويّ كما في «اليُونِينيّة» (¬6)، ونسبه ابن السَّكن فقال: (علي بن عبد الله) قال الجَيّانيّ: وهذا ضعيف عندي (¬7). ¬

(¬1) «صحيح مسلم» (2246) كتاب: الألفاظ من الأدب وغيرها، باب النهي عن سب الدهر. (¬2) «تقييد المهمل» 736 - 737. (¬3) «فتح الباري» 10/ 565. (¬4) 3/ 88 (2259). (¬5) 6/ 136 (4841). (¬6) ص: 1003. (¬7) «التقييد» ص: 1003.

قلت (الباحث): قول الجَيّانيّ هذا فيه نظر؛ فإن الحديث في الموضعين جاء عند الأصيلي غير منسوب، ولم ينسبه أبو مسعود الدمشقي في الموضعين كما ذكر الجَيّانيّ، وقال أبو نصر الكلاباذي في إسناد حديث عائشة - وهو الأول من الموضعين السابقين -: يقال: هو علي بن سلمة اللبقي (¬1). وكذلك نسبه أبو ذر في روايته عن أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ وابن السَّكن، كما ذكر الجَيّانيّ. وكذا نسبته كريمة، كما ذكر ابن حجر (¬2): (علي بن عبد الله). وكذا هو في أصل «اليُونِينيّة». ونسبه ابنُ شَبُّويه: ابنَ المديني. وصنيع الجَيّانيّ يرجح أنه اللبقي. وذكره الكلاباذي وابن طاهر أيضا كما أشار إلى ذلك ابن حجر، وهو الذي ثبت عند أبي ذر عند المُسْتَمْلِيّ كما نبه الجَيّانيّ وابن حجر. قال الحافظ: وهذا يشعر بأن البُخارِيّ لم ينسبه وإنما نسبه من نسبه من الرُّواة بحسب ما ظهر له، فإن كان كذلك فالأرجح أنه ابن المديني؛ لأن العادة أن الإطلاق إنما ينصرف لمن يكون أشهر، وابن المديني أشهر من اللبقي، ومن عادة البُخارِيّ إذا أطلق الرِّواية عن علي إنما يقصد به علي بن المديني (¬3). أما الموضع الثاني من حديث ابن مغفل، فقد جاء في «اليُونِينيّة» ¬

(¬1) «الهداية» 2/ 530. (¬2) «الفتح» 4/ 438. (¬3) «فتح الباري» 4/ 438.

منسوبًا: علي ابن عبد الله، وفي الحاشية نسبه: علي بن سلمة. ورَمَز لرِواية أبى ذر عن المُسْتَمْلِيّ وحده وكذا جاء عند الجَيّانيّ ولم ينسبه أبو نصر. قال ابن حجر: علي بن عبد الله المديني، كذا للأكثر (¬1). ومن الأوهام التي جاءت في رِواية ابن السَّكن: ما جاء في كتاب الأدب، باب منه (¬2) قال البُخارِيّ: وحدثني محمد بن زياد، نا محمد بن جعفر، نا عبد الله بن سعيد .. إلخ. كذا في كل الروايات كما جاء عند اليُونِينِيّ وعند الجَيّانيّ. وفي رِواية عن ابن السَّكن: حَدَّثَنا محمد بن بشار، نا محمد بن جعفر وهو وهم كما نص عليه الجَيّانيّ (¬3). قال أبو نصر في «الهداية» (¬4): هو محمد بن زياد بن عبيدالله بن الربيع بن زياد، ليس له في «الجامع» غير هذا الحديث. اهـ. وقال أبو أحمد بن عدي في «أسامي من روى عنهم البُخارِيّ» (¬5): هو محمد ابن زياد الزيادي بصرى. اهـ. ومن هذه الأوهام التي جاءت في رِواية ابن السَّكن تصحيف اسم (همام) إلى (هشام) في حديث أنس في كتاب اللباس، باب قبالان في نعل (¬6). قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا حجاج بن منهال، حَدَّثَنا همام، عن قتادة، حَدَّثَنا ¬

(¬1) «فتح الباري» 8/ 587. (¬2) 8/ 28 (6113). (¬3) «تقييد المهمل» 3/ 1014. (¬4) 2/ 648. (¬5) ص: 156. (¬6) 7/ 154 (5857).

أنس .. الحديث. كذا الإسناد عند جمهور الرُّواة كما عند اليونينى وكما جاء عند الجَيّانيّ وغيره وذكر الجَيّانيّ في «التقييد» (¬1) أن في نسخة أبي محمد بن أسد عن ابن السَّكن: هشام، عن قتادة. فذكر هشامًا بدل همام وليس بشيء. اهـ. ومن هذه الأوهام سقوط شيخ البُخارِيّ في بعض الأحاديث التي ثبت ذكرها عند باقي الرُّواة، انظر لذلك مثالًا: سقوط شيخ البُخارِيّ محمد هكذا مهملًا وذلك في مواضع، كما ذكر الجَيّانيّ ذلك في «تقييد المهمل» (¬2). 5 - أهمية هذه الرِّواية في التراجم التي وضعها البُخارِيّ. لم تقتصر أهمية هذه الرِّواية في حل الإشكالات في الأحاديث فقط، بل كان لها أثر في تراجم الأبواب، فقد جاء في كتاب البيوع، باب: ما قيل في اللحام والجزار (¬3)، وقبله باب: بيع الخلط من التمر، وبعده باب: ما يمحق الكذب والكتمان في البيع. كذا عند جمهور الرُّواة، وفي رِواية ابن السَّكن وقعت بعد خمسة أبواب كما نص عليه ابن حجر في «الفتح» قائلًا: كذا وقعت هذه الترجمة هنا، وفي رِواية ابن السَّكن بعد خمسة أبواب، وهو أليق؛ لتتوالى تراجم الصناعات (¬4) اهـ. قلت (الباحث): فقد جاء في هذا الموضع الذي أشار إليه ابن حجر قبله باب: ما قيل في الصواغ، ثم ذكر بعده بابًا: في ذكر القين والحداد، ثم بابًا: في الخياط ثم النساج. ¬

(¬1) 2/ 730 (¬2) «تقييد المهمل» ص: 1038، 1039، 1043، 1048. (¬3) 3/ 60 (2081). (¬4) «الفتح» 4/ 34.

المبحث الثاني رواية أبي زيد المروزي (371) هـ

المبحث الثاني رِواية أبي زيد المَرْوَزيّ (371) هـ اسمه ونسبه (¬1): هو محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد، أبو زيد، المَرْوَزيّ، الفاشاني، الإمام المفتي القدوة الزاهد، شيخ الشافعية، راوي «الصحيح» عن الفَرَبْريّ. والمَرْوَزيّ نسبة إلى مرو، والفاشاني نسبة إلى فاشان - بفاء مفتوحة ثم ألف ثم شين معجمة ثم ألف ثم نون - وهي إحدى قرى مرو. قال عن نفسه: ولدت سنة إحدى وثلاثمائة. شيوخه: حدث ببغداد وبنيسابور ودمشق ومكة عن: محمد بن يوسف الفَرَبْريّ، وعمر بن عَلَّك المَرْوَزيّ، ومحمد بن عبد الله السَّعْدي، وأبي العباس محمد بن عبد الرحمن الدَّغولي، وأحمد بن محمد المُنْكدري وأخذ الفقه عن أبي إسحاق المَرْوَزيّ. تلاميذه: أكثر الفقيه أبو زيد المَرْوَزيّ الترحال؛ فسمع منه الكثيرُ من العلماء ببغداد ونيسابور ودمشق ومكة. وممن اشتهر برِواية «الصحيح» عنه: عبد الله بن إبراهيم الأصيلي (392) هـ - وهو من أجلّ الرُّواة عنه - وأبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القابسي (403) هـ، والحافظ أبو نعيم الأصبهاني (430) هـ، ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» 1/ 314، و «الأنساب» 10/ 133 - 134، و «التقييد» ص: 51 (25)، و «اللباب في تهذيب الأنساب» 2/ 407، و «وفيات الأعيان» 4/ 208 (581)، و «تاريخ الإسلام» 26/ 503 - 505، و «سير أعلام النبلاء» 16/ 313 - 315 (221)، و «الوافي بالوفيات» 2/ 71 (375)، و «الطبقات الكبرى» للسبكي 3/ 71 - 77 (110) وغير ذلك

وعبدوس الطُليطلي (390) هـ، وغيرهم (¬1). وحدث عنه الإمام أبو عبد الله الحاكِم (405) هـ وترجم له في «تاريخ نيسابور»، والإمام أبو الحسن الدارقطني (385) هـ، وأبو عبد الرحمن السُّلَمي، وأبو بكر البرقاني، ومحمد بن أحمد المحاملي البغدادي، وعلي بن السمسار، وغيرهم. ثناء العلماء عليه: لقد كان الفقيه أبو زيد المَرْوَزيّ أحد الأئمة الأعلام وأحد شيوخ الإسلام، كان وحيد زمانه، وفريد عصره وأوانه، حافظًا للمذهب الشافعي، إمامًا فيه، مشهورًا بالزهد والورع إلى جانب ما حباه الله به من روايته لـ «صحيح البُخارِيّ». قال الحاكِم: كان أحد أئمة المسلمين، ومن أحفظ الناس للمذهب، وأحسنهم نظرًا وأزهدهم في الدنيا، سمعت أبا بكر البزاز يقول: عادلت الفقيه أبا زيد من نيسابور إلى مكة فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة (¬2). وقال الخطيب: وكان أحد أئمة المسلمين، حافظًا لمذهب الشافعي، حسن النظر، مشهورًا بالزهد والورع، ورد بغداد وحدث بها فسُمع منه .. وخرج أبو زيد إلى مكة فجاور بها وحدث هناك بكتاب «صحيح البُخارِيّ» عن محمد بن يوسف الفَرَبْريّ، وأبو زيد أجلّ من روى ذلك الكتاب (¬3). وقال فيه الذَّهَبِيّ: الشيخ الإمام المفتي القدوة الزاهد شيخ الشافعية (¬4). ¬

(¬1) وينظر ذلك في شجرة الإسناد الخاصة به. (¬2) «سير أعلام النبلاء» 16/ 313. (¬3) «تاريخ بغداد» 1/ 314. (¬4) «سير أعلام النبلاء» 16/ 313.

وقال فيه تاج الدين السبكي (771) هـ، قال: وكان ممن أجمع الناس على زهده، وورعه، وكثرة علمه، وجلالته في العلم والدين (¬1) اهـ. وأقوال العلماء فيه كثيرة، وما ذكرته فيه كفاية لبيان مكانة الرجل. وكان - رحمه الله تعالى - كثير الترحال، وجاور بمكة سبعة أعوام، وكان فقيرًا يقاسي البرد، مع قسوته في تلك البلاد، فإذا قيل له في ذلك، قال: بي علة تمنعنى من لبس المحشو. أي: الجُبة، ويقصد بالعلة الفقر، وكان لا يشتهي أن يُطلع أحدًا على باطن حاله، ثم أقبلت عليه الدنيا في آخر عمره، وقد أسن وتساقطت أسنانه، فكان لا يتمكن من المضغ وبطلت منه حاسة الجماع، فكان يقول مخاطبًا للنعمة: لا بارك الله فيك! أقبلت حين لا ناب ولا نصاب (¬2). وأبو زيد المَرْوَزيّ رحمه الله يعرف بصاحب الرؤيتين؛ لأنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين: أما الرؤيا الأولى: فرواها الذَّهَبِيّ بإسناده إلى أبي سهل محمد بن أحمد المَرْوَزيّ يقول: كنت نائمًا بين الركن والمقام، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا أبا زيد إلى متى تدرس كتاب الشافعي ولا تدرس كتابي؟ فقلت: يا رسول الله، وما كتابك؟ فقال: جامع محمد بن إسماعيل البُخارِيّ (¬3). وقد تكون هذه الرؤية هي التي جعلته يصرف عنايته إلى سماع «الصحيح» والعناية به. ¬

(¬1) «طبقات الشافعية الكبرى» 3/ 71 - 77 (110). (¬2) ينظر «وفيات الأعيان» 4/ 208 (581)، و «سير أعلام النبلاء» 16/ 313 - 314، و «تاريخ دمشق» 51/ 67. (¬3) «سير أعلام النبلاء» 16/ 314 - 315، «تاريخ الإسلام» 26/ 504.

وأما الرؤيا الثانية: قال الحاكِم: سمعت أبا الحسن محمد بن أحمد الفقيه يقول: سمعت أبا زيد المَرْوَزيّ يقول: لما عزمت على الرجوع إلى خراسان من مكة، تقسَّم قلبي بذلك، وكنت أقول: متى يمكنني هذا، والمسافة بعيدة، والمشقة لا أحتملها، وقد طعنت في السن! فرأيت في المنام كأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد في صحن المسجد الحرام، وعن يمينه شاب، فقلت: يا رسول الله، قد عزمت على الرجوع إلى خراسان، والمسافة بعيدة، فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الشاب، وقال: يا روح الله اصحبه إلى وطنه. قال أبو زيد: فأريت أنه جبريل عليه السلام، فانصرفت إلى مرو، ولم أحس بشيء من مشقة السفر هذا أو نحوه. [قال الحاكم:] فإني لم أراجع المكتوب عندي من لفظ أبي الحسن (¬1). اهـ. وفاته: توفي بمرو في يوم الخميس ثالث عشر رجب سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، فرحمه الله رحمة واسعة. ¬

(¬1) نقلًا عن «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي 3/ 73، وينظر «تاريخ دمشق» 51/ 68.

روايته لـ «الصحيح» روى أبو زيد المَرْوَزيّ (371) هـ «صحيح البُخارِيّ»، عن الفَرَبْريّ (320) هـ، عن البُخارِيّ رحمهم الله تعالى. واشتهرت رِواية أبي زيد حتى اعتبرها كثير من العلماء أنها أجلّ رِوايات «الصحيح» نظرًا لجلالة أبي زيد ومكانته بين العلماء، فقد سبق بيان ثناء العلماء عليه وكثرة أتباعه من العلماء؛ حتى أن كبار العلماء في عصره قد رووا عنه وسمعوا منه، ومنهم: أبو عبد الله الحاكِم (405) هـ، وأبو الحسن الدارقطني (385) هـ، وأبو نعيم الأصبهاني (430) هـ وغيرهم. فهذا الحاكِم والخطيب وعبد الكريم السَّمْعاني وابن الأثير كلهم يقولون: حدث أبو زيد ببغداد، ثم جاور بمكة، وحدث هناك بـ «الصحيح» وهو أجلّ من رواه. وكان سماع أبي زيد المَرْوَزيّ مبكرًا جدًّا، حيث رُوي عن أبي محمد الأصيلي (392) هـ أنه قال: سألت أبا زيد المَرْوَزيّ عن مولده، فقال: ولدت سنة إحدى وثلاثمائة. فقلت له: في أي سنة لقيت الفَرَبْريّ؟ فقال: في سنة ثماني عشرة وثلاثمائة (¬1). وعلى ذلك فيكون سماعه لـ «الصحيح» من الفَرَبْريّ وعنده تسع عشرة سنة، فإذا علمنا أنه شاخ وعمَّر حتى جاوز السبعين تبين لنا علو إسناد المَرْوَزيّ عن غيره، حيث توفي سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة؛ ولذلك يقول السَّمْعاني (¬2): وما دام بمرو من الأحياء ما كان يُقْرا على غيره؛ لفضله ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 1/ 63. (¬2) «الأنساب» 10/ 134.

وعلمه وإتقانه. اهـ ومع أن أبا زيد المَرْوَزيّ شاخ وكبر واشتهر بالعلم والفقه والحديث، وحدث بـ «الصحيح» في مكة وبغداد وغيرهما من بلاد المشرق، إضافة إلى أنه أَجَلُّ من روى «الصحيح» عن الفَرَبْريّ؛ إلا أن الرِّواية عنه لم تشتهر إلا من خلال الرُّواة المغاربة كأبي محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي (392) هـ، وأبي الحسن علي بن محمد القابسي (403) هـ. ولذلك نجد تاج الدين السبكي (771) هـ (¬1) يقول _بعد أن نقل قول الحاكِم والخطيب: أبو زيد أجل من روى الكتاب. يقول: وعجبت من إغفال الحاكِم سماع «صحيح البُخارِيّ» منه إن كان أغفله، ثم عجبت من إغفال الناس أخذه عن الحاكِم إن كان لم يغفله. اهـ قلت (الباحث): وإذا كانت رِواية أبي زيد اشتهرت عند المغاربة؛ إلا أنها عرفت كذلك عند المشارقة، كما هو واضح من رِواية أبي نعيم الأصبهاني، وغير واحد منهم ممن نقل ابن عساكر أن لهم رِواية عن أبي زيد، كما هو موضح في جدول الإسناد الخاص بأبي زيد المَرْوَزيّ. ¬

(¬1) «طبقات الشافعية» 3/ 71 - 77.

الرُّواة عن أبي زيد بالتتبع والاستقراء لتراجم العلماء استطعت الوقوف على بعض الرُّواة عن أبي زيد المَرْوَزيّ، وها هي أسماؤهم مع بعض ما وقفت عليه من نقول تتعلق بهذا الشأن. الراوي الأول: هو الحافظ الثبت العلامة عبد الله بن إبراهيم بن محمد الأصيلي وسيأتي الحديث عن روايته في أشهر الروايات. الراوي الثاني: أبو الحسن القابسي (403) هـ (¬1). هو الإمام الحافظ الفقيه العلامة عالم المغرب أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني القابسي المالكي. والقابسي نسبة إلى قابس، وهي مدينة بإفريقية بين الإسكندرية والقيروان. كانت ولادته سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. حج وسمع من حمزة بن محمد الكناني الحافظ وأبي زيد المَرْوَزيّ وابن مسرور الدباغ بإفريقية. كان عارفًا بالعلل والرجال والفقه والأصول والأحكام، مصنفًا، يقظًا دينًا تقيًا، وكان ضريرًا، وهو من أصح العلماء كتبًا، كتب له ثقات أصحابه، وضَبط له بمكة «صحيح البُخارِيّ» وحرره وأتقنه رفيقه الإمام أبو محمد الأصيلي، وكان ذلك سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة كما ذكر الجَيّانيّ (¬2). وممن أخذ عنه: أبو عمران الفاسي، وأبو القاسم الأطرابلسي، وغيرهما. ¬

(¬1) ينظر في ترجمته «وفيات الأعيان» 3/ 230 - 322، «تذكرة الحفاظ» 3/ 1079 - 1080، و «سير أعلام النبلاء» 17/ 158 - 161 (99) وغيرهم. (¬2) «تقييد المهمل» 1/ 63.

ألف كتبًا كثيرة منها كتاب «الممهد» في الفقه، و «أحكام الديانات» وغير ذلك. توفي في ربيع الآخر بمدينة القيروان سنة ثلاث وأربعمائة. وعرفت روايته في بلاد المغرب وشمال إفريقية، وممن وقفت على رِوايتهم عنه: 1 - أبو القاسم حاتم بن محمد بن عبد الرحمن بن الطرابلسي أو الإطرابلسي. ومن طريقه اتصلت رِواية القابسي إلى أبي علي الجَيّانيّ (498) هـ ومن طريق أبي علي إلى عبد الحق بن عطية (541) هـ (¬1) وإلى ابن حجر العسقلاني (852) هـ وعن ابن حجر إلى القَسْطَلّانِيّ (923) هـ كما في مقدمتي شرحيهما. 2 - أبو عمران موسى بن عيسى بن حاج الفاسي الغُفْجُومي (430) هـ. وروى عن الأصيلي أيضًا، ومن طريقه اتصلت رِواية القابسي بالقاضي عِياض (544) هـ (¬2). 3 - المهلب بن أبي صفرة (435) هـ، ومن طريقه رواه القاضي عِياض (544) هـ (¬3). 4 - أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الحضرمي المالكي اللبيدي المتوفى سنة أربعين وأربعمائة (¬4) ومن طريقه إلى القاضي عِياض (544) هـ (¬5). ¬

(¬1) «الفهرست» ص: 46 - 47. (¬2) «مشارق الأنوار» 1/ 37 - 38. (¬3) «مشارق الأنوار» 1/ 37 - 38. (¬4) «السير» 17/ 623 - 624. (¬5) «مشارق الأنوار» 1/ 37 - 38

الراوي الثالث: أبو نعيم الأصبهاني (430) هـ: اسمه ونسبه (¬1): هو أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى ابن مهران المهراني الأصبهاني. ولد أبو نعيم في مشرق أيام رجب عام ست وثلاثين وثلاثمائة. وذكر الحافظ الذَّهَبِيّ أن العلماء قد أجازوا له وعمره ست سنوات، فأجاز له من واسط: المعمر عبد الله بن عمر بن شوذب، ومن نيسابور شيخها أبو العباس الأصم، ومن الشام شيخها خيثمة بن سليمان الأطرابلسي ومن بغداد جعفر الخُلْدي (¬2) وغيرهم كثير كلهم من أكابر العلماء ورءوس العلم. شيوخه: بدأ أبو نعيم طلب العلم في سن مبكرة حتى أجيز في سن السادسة من عمره، بالإضافة إلى رغبته الشديدة في لقاء العلماء حتى تهيأ له ما لم يتهيأ لغيره. قال الذَّهَبِيّ: وتهيأ له من لُقيا الكبار ما لم يقع لحافظ (¬3). وقد تفرد بالسماع والإجازة من علماء، وممن سمع منهم أبو نعيم مسند أصبهان المعمّر أبو محمد بن فارس وأبو أحمد العسال، وأحمد بن محمد القصار، وأبو بكر الآجري، وأبو أحمد الحاكِم وغيرهم. تلاميذه: أخذ عن أبي نعيم جمع كبير من العلماء ممن أصبح لهم شأن كبير ¬

(¬1) ينظر ترجمته في «وفيات الأعيان» لابن حلكان 1/ 91، «سير أعلام النبلاء» 17/ 453، «تذكرة الحفاظ» 3/ 1092 (993)، «طبقات الشافعية» للسبكي 4/ 18 - 25 (253)، «النجوم الزاهرة» 5/ 30، «شذرات الذهب» 3/ 245 وغيرها. (¬2) «تذكرة الحفاظ» 3/ 1092. (¬3) «تذكرة الحفاظ» 3/ 1093.

منهم: الحافظ الخطيب البغدادي، وأبو صالح المؤذن، وأبو بكر بن إبراهيم العطار وغيرهم. أقوال العلماء فيه: اجتمعت لأبي نعيم أسباب كثيرة جعلته ينال مكانة عظيمة بين أقرانه، قال ابن خلكان في «وفيات الأعيان»: كان أبو نعيم من أعلام المحدثين وأكابر الحفاظ الثقات. أما الحافظ الذَّهَبِيّ فقد أطلق عليه محدث العصر فقال: أبو نعيم الحافظ الكبير، محدث العصر .. رحلت الحفاظ إلى بابه؛ لعلمه وحفظه وعلو أسانيده. ويقول الخطيب البغدادي: لم أر أحدًا أطلق عليه اسم الحافظ غير أبي نعيم، وأبي حازم العبدري. ومما يدل على مكانة الرجل العلمية أن له مؤلفات وتصانيف كثيرة عظيمة النفع منها: «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء»، «دلائل النبوة»، و «ذكر أخبار أصبهان»، و «طبقات المحدثين»، و «معرفة الصحابة»، و «المستخرج على البُخارِيّ»، و «المستخرج على مسلم» .. وغير ذلك. وفاته: امتدت حياة أبي نعيم الأصبهاني أربعة وتسعين عامًا حتى وافته منيته يوم الاثنين الحادي والعشرين من محرم سنة ثلاثين وأربعمائة، وقيل: في صفر، وقيل: تسع وعشرون وأربعمائة. ورِواية أبي نعيم الأصبهاني رواها عنه: أبو علي الحسن بن أحمد الحداد، مسند عصره، وشيخ أصبهان في القراءات والحديث، المتوفى سنة خمس عشرة وخمسمائة وقد قارب

المائة (¬1). ومن طريق أبي علي الحداد هذا اتصلت رِواية أبي نعيم الأصبهاني عن أبي زيد المَرْوَزيّ إلى: ابن حجر العسقلاني كما جاء في «مقدمة الفتح». كما اتصلت إلى القَسْطَلّانِيّ في «إرشاد الساري» كما جاء في «مقدمته» (¬2). ولقد وقفت على رواة آخرين ذكرت روايتهم عن أبي زيد ل «الصحيح»، ومنهم: 1 - الحسين بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن الخطاب بن عمر بن الخطاب بن زياد بن الحارث بن زيد بن عبد الله، مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يكنى أبا عبد الله، ويعرف بالعمري. روى عن أبي زيد محمد بن أحمد المَرْوَزيّ الفقيه عن محمد بن يوسف الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ كتاب «الصحيح». كان يسكن في جوار أبي حامد الإسفراييني بقطيعة الربيع (¬3). 2 - أبو الحسين، عبد الوهاب بن جعفر بن علي، الدمشقي، ابن الميداني روى عن: أبي علي بن هارون، وأحمد بن محمد بن عمارة، وأبي ¬

(¬1) ينظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» 19/ 303 - 307، و «شذرات الذهب» 4/ 47. (¬2) 1/ 155 - 158. (¬3) «تاريخ بغداد» 8/ 12 (4050). وقطيعة الربيع هي بالكرخ من بلاد العراق وهي منسوب إلى الربيع بن يونس صاحب المنصور ومولاه. انظر: «معجم البلدان» 4/ 377.

عبد الله بن مروان، والحسين بن أحمد بن أبي ثابت، وأبي بكر بن أبي دجانة، وأبي عمر بن فضالة وخلق بعدهم وعني بالرِّواية والإكثار. روى عنه: أبو علي الأهوازي، وأبو سعد السمان، وعبد العزيز الكتاني، وأبو القاسم بن أبي العلاء، وأحمد بن قبيس المالكي، وطائفة. قال الكتاني: ذكر أنه كتب بمائة رطل حبر، احترقت كتبه وجددها ثم قال: كان فيه تساهل، واتهم في ابن هارون. توفي في جمادى الأولى سنة ثماني عشرة وأربعمائة عن ثمانين سنة، وذكر ابن عساكر في ترجمته لأبي زيد المَرْوَزيّ فيمن روى عنه «صحيح البُخارِيّ» عبد الوهاب الميداني (¬1). 3 - عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن يوسف، أبو محمد بن شماس الهمداني الدمشقي حدث بـ «صحيح البُخارِيّ» عن أبي زيد المَرْوَزيّ. وحدث عن علي بن يعقوب بن أبي العقب، والحسين بن أحمد بن أبي ثابت. روى عنه: علي بن الخضر، وأبو سعد السمان، وعبد العزيز الكتاني، وعلي بن محمد بن شجاع، وجماعة. قال الكتاني: سمّعه أبوه الحديث، ولم يكن الحديث من شأنه. توفي أبو محمد عبد الواحد بن أحمد بن أحمد بن شماس يوم السبت مستهل شهر رمضان سنة تسع عشرة وأربعمائة. سمُّعه والدُه شيئًا كثيرًا حدث بكتاب «الجامع الصحيح» للبخاري عن أبي زيد، وحدث عن علي بن يعقوب بن أبي العقب وغيره، وكان سماعه صحيحًا غير أن الحديث لم يكن من صنعته، وذكر أبو بكر محمد بن علي ¬

(¬1) ينظر: «سير أعلام النبلاء» 17/ 499، «تاريخ دمشق» 51/ 67.

بن موسى الجداد أنه مات سنة ثماني عشرة، والله أعلم. وذكر أبو علي الأهوازي أنه مات في شعبان سنة عشرين وأربعمائة ودفن بباب (¬1) الصغير. 4 - الشيخ الجليل، المسند العالم، أبو الحسن علي بن موسى بن الحسين، ابن السمسار الدمشقي. حدث عن أبي زيد المَرْوَزيّ وروى عنه «الصحيح»، كما حدث عن أبيه وأخيه المحدث أبي العباس موسى، وأخيه الآخر أحمد، وأبي عمر بن فضالة، والدارقطني، وروى عن خلقٍ كثير، وكان مسند أهل الشام في زمانه. روى عنه: عبد العزيز الكتاني، وأبو نصر بن طلاب، وأبو القاسم المصيصي، والحسن بن أحمد بن أبي الحديد، والفقيه نصر بن إبراهيم، وسعد بن علي الزنجاني، وآخرون. قال الكتاني: كان فيه تشيع وتساهل. وقال أبو الوليد الباجي: فيه تشيع يفضي به إلى الرفض، وهو قليل المعرفة، في أصوله سقم. قال الذَّهَبِيّ: ولعل تشيعه كان تقية لا سجية، فإنه من بيت الحديث، ولكن غلت الشام في زمانه بالرفض، بل ومصر والمغرب بالدولة العبيدية، بل والعراق وبعض العجم بالدولة البويهية، واشتد البلاء دهرًا، وشمخت الغلاة بأنفها (¬2). ولقد وقفت على بعض الأحادث من روايته عن أبي زيد المروزي، ¬

(¬1) «تاريخ دمشق» 37/ 202، و «تاريخ الإسلام» 28/ 465. (¬2) ينظر ترجمته في «ميزان الاعتدال» 4/ 78 (5953)، و «المغني في الضعفاء» 2/ 456، و «لسان الميزان» 5/ 105 (5987)، و «شذرات الذهب» 3/ 252، و «سير أعلام النبلاء» 17/ 506، و «معجم البلدان» 2/ 273.

رواها عنه أبو عبد الله محمد بن سلامة المعروف بالقضاعي (454) هـ، وذلك في كتابه «مسند الشهاب» (¬1). 5 - عبدوس بن محمد بن عبدوس، أبو الفرج الطليطلي، سمع ببلده من تمام ابن عبد الله، ورحل مرتين، فسمع من الآجري، وأبي العباس الكندي، وحمزة بن محمد الكتاني، وأبي زيد المَرْوَزيّ. وكان زاهدًا، ورعًا، فقيرًا، متقللًا، سمع منه الناس كثيرًا، وكان ثقة، حسن الضبط. توفي في ذي القعدة سنة 390 هـ (¬2). ¬

(¬1) 1/ 36 (2)، 41 (10)، 61 (43)، 63 (49)، 70 (61)، 98 (110)، وغير ذلك كثير يتناوب الخمسين موضعًا وهي تصلح للمقارنة بين هذه الرواية وغيرها من الروايات. (¬2) «تاريخ الإسلام» 27/ 201.

وصف القطعة الموجودة من نسخة أبي زيد لم يصل من رواية أبي زيد - فيما وقفت عليه - إلا عدة ورقات من مجموعة منجانا، وكتاب «النصيح» للمهلب بن أبي صفرة الذي روى «صحيح البخاري» فيه عن شيخه أبي محمد الأصيلي عن أبي زيد، وجعل هذه الرواية عمدته، وعضدها بروايته عن القابسي عن أبي زيد، وعن أبي ذر عن شيوخه الثلاثة. وهذه النسخة وقف عليها الدكتور فارس السلوم وكتب عنها وصفًا استفدت منه في وصف هذه النسخة. هذه النسخة - نسخة أبي زيد - الموجود منها اثنتان وخمسون ورقة، ثبت في الورقة الأولى ما صورته: الجزء الثاني من «الجامع الصحيح المسند، من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه» تصنيف أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري. وهذا الجزء الذي بين أيدينا يبدأ بكتاب الزكاة، ثم كتاب الصوم، ونبه المصعولي في هامش كتاب الصوم إلى أن نسخة أبي الوقت تخالف نسخة أبي زيد في الترتيب، وأن كتاب الحج متقدم فيها. وفي كتاب الصوم سقط كبير من النسخة، ففي آخر اللوحة الأولى من ورقة (45): باب الصوم من آخر الشهر، ثم ساق إسناد حديث عمران بن الحصين. وفي اللوحة التي تليها: باب من أين يدخل مكة، وهذا من كتاب الحج. وآخر النسخة: باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف. وقد بدأ الناسخ أول الجزء بالتصريح بالسماع من أبي زيد، وكذلك

أوائل الكتب، وهذا ما أعلمنا بنسب النسخة وإسنادها وقدمها. قال أول الجزء: أخبرنا أبو زيد محمد بن أحمد قال: حدثنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا البخاري. ثم يبدأ في أول إسناد كل حديث بقوله: أخبرنا البخاري قال .. ولم يتضح من هو كاتب النسخة، ولا يوجد في النسخة ما يدل عليه، إلا أنه متقن للغاية، فقد قابلها وراجعها، كما تدل على ذلك التصحيحات على هامش النسخة، والعلامات الدالة على بلوغ المقابلة. ولم يعرف تاريخ نسخها إلا أن السماعات والأسانيد المثبتة على طرة النسخة، والتملكات في أولها قد دلت على الحقبة التي تلي كتابتها، وبشكل عام فإن الخط أشبه ما يكون بخطوط القرن الرابع، والله تعالى أعلم. قال فارس السلوم: وأما ما ورد في دراسة منجانا وتبعه سزكين وغيره من تحديد تاريخ كتابتها سنة (370) هـ فهذا لم يوجد على النسخة ما يدل عليه، وقد استنتجه منجانا استنتاجًا، كما يظهر من دراسته ولم يجده نصًا، حيث جعله قبل تاريخ وفاة أبي زيد بسنة واحدة، فإن أبا زيد توفي سنة (371) هـ، فافترض أن النسخة مكتوبة في زمانه لأجل التصريح باسمه فيها فجعله قبيل وفاته بسنة. وقدم الخط، وسوق الإسناد من أبي زيد يدل على هذا التاريخ، وعلى أن النسخة كتبت في حياة أبي زيد، أو على الأقل في حياة راوٍ عن أبي زيد، والأول أرجح؛ لأن النسخة لو كانت لراوٍ عنه لصرح باسمه، مع أنه لا يمكننا الجزم بشيء؛ لأن الكتاب ناقص، فربما كان في الأوراق الساقطة ما يحدد تاريخ النسخ، واسم الناسخ والراوي. وأقدم سماع على النسخة مقروء، مؤرخ في رمضان من عام (464) هـ

أي بعد وفاة أبي زيد بنحو (94) سنة. السماعات: على النسخة سماعات عدة، بعضها على الصفحة الأولى وبعضها في تضاعيف الكتاب. ومن هذه السماعات: السماع الأول: وهو قديم جدًّا، مكتوب أسفل العنوان مباشرة، وصورته هكذا: سمع مني هذا الجزء من أوله إلى آخره - بقراءة الشيخ أبي الحجاج (اسمه واسم أبيه غير واضحين) المصري -: أبو الفتوح ناصر بن موهوب، والفقيه أبو محمد عبد الباقي بن الحسين بن مسافر، وأبو محمد عبد الغني بن عبد الرحمن القرطبي، وعبد السلام بن محمد (...)، وأحمد بن إبراهيم بن الفرات، وأبو الأشبال بن علي الأنماطي، والسري بن حسن بن علي العباسي، وأبو البركات حسن بن علي الأنماطي، وأبو الوفاء عبد الكريم بن علي بن عبيدالله، وعلي بن بركات الأنماطي، وعبد العزيز بن علي بن عطية الصواف، وأبو الحسن علي بن (...) العراقي وابنه، والله عليه وحده (...)، وكتب (...) في رجب سنة ثلاث. هكذا طمس اسم الشيخ المسمع وتاريخ السماع. وتحت هذا السماع سماع آخر لكن بخط مغاير، صورته هكذا: سمع مني أبو محمد عبد الله بن (...) بن شجاع، وكتابه هذا ممسك به إلى آخره. كتابي الذي سمعته على الشيخ أبي حفص عمر بن الحسن الهوزني بقراءة ولدي مروان، في أصل نسختي، وذلك بثغر الإسكندرية حماه الله (...) في شهر رمضان سنة أربع وستين وأربعمائة. وهذا السماع على الشيخ هو بعد استشهاد الهوزني بأربع سنين؛ فإن

الهوزني ولد سنة (392) هـ، وقتل سنة (460) هـ، وكانت رحلته إلى المشرق من الأندلس سنة (444) هـ، وصورة السماع تثبت أن النسخة قرئت على الهوزني، والله أعلم. والهوزني روى عن أبي عبد الله الباجي ومحمد بن عبد الرحمن العواد وطبقته (¬1). وفوق العنوان إلى اليسار سماعٌ مختصرٌ صورته هكذا: قرأت جميعه على (منتخبه أو شيخه) وكتب الفقير إلى ربه: جبريل بن جميل الحنفي، بتاريخ ذي الحجة سنة أربع وسبعين وخمسمائة. وجبريل علم مشهور وهو ابن جميل أبو الأمانة القيسي المصري، سمع من عثمان بن فرج، وعلي بن هبة الله الكاملي، وأبي طاهر السلفي، وغيرهم، توفي سنة (600) هـ مرجعه من الحج، أي أنه تملك النسخة قبل وفاته بخمسة وعشرين سنة (¬2). ثم سماع أسفل منه غير مؤرخ، صورته: سمع جميعه وما قبله أبو الفضل بن الصقلي الحنفي العثماني. ثم سماع أسفل منه على شاكلته، صورته: مسموع عبد الحق بن هبة الله بن طاهر بن حمزة القضاعي، وأوله إلى الجزء (لعله) قبله غفر الله له ولوالديه: وإلى يمين الصفحة سماع آخر على هذا المنوال، صورته: سمعه وما قبله عبد العزيز بن صالح بن حمزة الحنفي: ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «الصلة» 2/ 402 (865)، و «تاريخ الإسلام» 30/ 488 - 489 (264) (¬2) ينظر ترجمته في: «التكملة لوفيات النقلة» 2/ 50 (850)، و «تاريخ الإسلام» 42/ 431 - 432.

وفي تضاعيف الكتاب سماعات مؤرخة على شيخ واحد صورتها هكذا: سمعت على القاضي الأجل تاج الدين، محمد بن عثمان بن عمر، البُلبيسي، التاجر، من أول كتاب الصوم إلى هنا، فسمع بقراءتي (...) الفقيه الإمام جمال الدين، حمزة بن عمر بن أحمد، الهكاري، بسماعه من العز الحراني، بسماعه من ابن البيع بسنده، وأجاز لنا، وصح ذلك ثالث شهر رجب الفرد سنة خمس وأربعين وسبعمائة. وكتب أحمد بن عبد الرحيم بن المتيحي. وعلى يمينه سماع بخط دقيق، صورته: بلغت قراءته من أول كتاب: الصوم إلى باب: الصوم في السفر على القاضي تاج الدين المذكور (...) بسماعه لجميع الكتاب من العز الحراني بسماعه من ابن البيع بسماعه من أبي الوقت فسمع ذلك .. محمد بن إبراهيم بن عرفات، وولد ولده ناصر الدين بن محمد (...) ونوار بنت علي بن شمس الدين (...) والشيخ شمس الدين محمد بن بدر الدين (...) وصح ذلك بمنزل المسمع بالثغر بقراءة كاتب الحروف أحمد بن عبد الرحيم بن المتيحي في شهر ربيع الأول سنة (.. .) وأربعين وسبعمائة, والحمد لله حق حمده وصلى الله على سيدنا محمد (...) ثم في ورقة أخرى سماع على الشيخ نفسه، صورته: بلغت قراءة من أول كتاب: الصوم على الشيخ الجليل الرئيس تاج الدين محمد ابن عثمان بن عمر البلبيسي التاجر، بسماعه من العز الحراني، أنبا ابن البيع، أنبا أبو الوقت، بسنده (لعله) فسمعه الشيخ المحدث الفقيه العدل شهاب (..) أبو العباس أحمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن المتيحي، وصح في سابع عشر رمضان سنة أربع وأربعين وسبعمائة، بمنزل

المسمع بثغر الإسكندرية، وأجاز لنا وكتب عبد الله بن محمد بن إبراهيم الوالي والحمد لله وحده. والشيخ المسمع تاج الدين محمد بن عثمان بن عمر بن كامل، البلبيسي، توفي في الطاعون، في ليلة الثامن والعشرين من صفر، سنة (749) هـ، وهو من أقران الإمام الذهبي والمزي والطبقة؛ فهؤلاء كلهم لهم سماع من العز الحراني. وأما الهكاري فقد ذكره ابن رافع السلامي، في وفيات شهر رجب سنة (749) هـ، وقال: وفي يوم الخميس ثاني عشري الشهر، توفي المحدث الخير، عز الدين أبو يعلى حمزة بن عمر بن أحمد الهكاري، الدمشقي بها وصلي عليه من يومه بجامعها، ودفن بمقابر باب الصغير، سمع من: الجزري، وبنت الكمال، وجماعة، وكتب بخطه وقرأ بنفسه. أي أنه توفي بعد الشيخ المسمع بقليل (¬1). تملكات النسخة: توجد ثلاث تملكات على الورقة الأولى وهي: الأول، صورته: تملكه محمد بن محمد بن عبد السلام المنوفي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين. الثاني، صورته: في نوبة الفقير محمد الشافعي ابن شرف الدين عفا الله عنه. الثالث متأخر، صورته: تملكه محمد بن حسين (...) سنة (810) هـ علاقة النسخة بابن دحية الكلبي: هذه النسخة بالإضافة إلى أنها نسخة أبي زيد المروزي، فهي نسخة ¬

(¬1) وينظر: «اللباب» 2/ 92 (556).

العلامة الحافظ ابن دحية الكلبي صاحب التصانيف المشهورة، فقد أثبت إسناده في أولها، وجاء في الورقة الأولى ما يلي: قال ذو النسبتين العلامة ابن دحية (...) الفاطمي الحسني (...) أيده الله. قرأت جميعه بالأندلس على جماعة من العلماء رحمهم الله منهم: (أبو بكر محمد بن خير الإشبيلي (...)، وحدثني به عن جماعة من شيوخه أقربهم إسناد الإمام أبو الإصبع عيسى بن محمد بن أبي البحر، الزهري، الشنترني، ورحلت به، وسمعته على الفقيه القاضي بأوكش بقية المحدثين بقرطبة، أبي القاسم خلف بن عبد الملك ابن بشكوال الأنصاري، قال: نا به جماعة منهم: الشيخ أبو العباس أحمد بن عبد الله القونكي يعرف بالعطار قالا: حدثتنا الحرة الفاضلة كريمة بنت أحمد الكشميهنية بالحرم الشريف قالت: سمعته على الأديب أبي الهيثم الكشميهني. قال ذو النسبين أيده الله: وأجازنا (به) إجازة عامة أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي الصوفي، قال: نا جمال الإسلام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي قراءة عليه وأنا أسمع، ببوشنج سنة خمس وستين وأربعمائة، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن حمويه السرخسي، قالا: أنبأ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري، أنبا الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة البخاري (...) ويلاحظ على هذا الإسناد ما يلي: 1 - الشيخ المسمع صاحب الإسناد: هو ذو النسبين أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي الأندلسي، ولد أبو الخطاب ابن دحية في ذي القعدة سنة سبع - أو ثمان - وأربعين وخمسمائة، وقيل: سنة (544) هـ، وقيل غير ذلك، وتوفّي في انفجار الفجر ليلة الثلاثاء، رابع عشر ربيع

الأول، سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بالقاهرة، ودفن بسفح المقطم، وهو إمام مشهور، قد حدث في رحلته بـ «صحيح البخاري»، وغيره (¬1). وهذا المجلس يبدو أنه كان في مصر، لما قدمها وبنيت له دار الحديث فيها، والنسخة مكتوبة بخط أقدم من الخط الذي كتب به الإسناد، وكلا الخطين مشرقي، فالسماع في المشرق، والنسخة مكتوبة في المشرق أيضا، ولعلها كتبت في مصر، فالسماع وإن لم يكن مؤرخا إلا أنه لا شك قبل أن يصرف عن التدريس في دار الحديث. 2 - لذي النسبتين إسنادان عن كريمة، وإسنادان عن الفربري. أما روايته عن كريمة، فقد ذكر الإسناد الأول من طريق الشنتريني شيخ شيخه، وهو عيسى بن محمد بن عبد الله بن عيسى بن مؤمل بن أبي البحر الشيخ العالم المعمر، أبو الإصبع، الزهري، الشنتريني. رحل إلى المشرق فسمع من كريمة، والحبال، وأبي معشر الطبري، وأبي الوليد الباجي، وابن دلهاث، وعدة، أخذ الناس عنه، وسكن العدوة. قال ابن بشكوال: كتب لي القاضي أبو الفضل أنه توفي نحو سنة ثلاثين وخمسمائة، وأنه أخذ عنه. وروى عنه أبو بكر بن خير، وقد روى ابن دحية عن ابن خير عنه، عن كريمة من «الصحيح» (¬2) أهـ. والثاني: من طريق أبي العباس العطار القونكي، نسبة إلى قونكة مدينة بالأندلس. ¬

(¬1) ينظر: «وفيات الأعيان» 3/ 448 - 450 (497)، و «تذكرة الحفاظ» 4/ 1420 (1136)، و «تاريخ الإسلام» 46/ 157 (191). (¬2) ينظر: «الصلة» 2/ 440 - 441 (947).

وأما عن الفربري، فطريق كريمة عن الكشميهني عنه، وطريق الداودي عن السرخسي عنه. وهذان الإسنادان غير إسناد النسخة، فإنها نسخة أبي زيد المروزي عن الفربري. ولأنه لم يثبت على النسخة الإسناد إلى أبي زيد، فإن ذلك قد يحتمل أن تكون هي نسخة أبي زيد نفسه، أو منسوخة من نسخته مباشرة، كما ذكر آنفا، والله أعلم بحقيقة الحال. المقابلات والمراجعات: ثبت في الصفحة الأولى من النسخة ما صورته: قال محمد بن أحمد المصعولي: قابلت نسختي هذه بنسخة مقابلة بأصل عليه خط أبي الوقت، وعلمت له: (قت)، ولماسقط عنده: (س قت)، هكذا؛ ليعلم ذلك. وكان معنا نسخة بأصل أبي ذر، فما كان فيه أيضا من الخلاف عليه: (ذ) فإنه له، وما كان عليه: (خ) فإنه له نسخة، والله الموفق. فالمصعولي هذا قابل النسخة، وليست النسخة الأصل بخطه، بل حشاها بالمقابلة على روايتين أخريين، هما رواية أبي الوقت وأبي ذر، وخطه في النسخة مميز عن خط الأصل. وهذه الطريقة التي اعتمدها هي طريقة العلماء في ضبط البخاري وتحقيقه. وسأذكر في الخاتمة المنهج العلمي في تحقيق البخاري، والله الموفق.

المبحث الثالث رواية أبي إسحاق المستملي (376) هـ

المبحث الثالث رِواية أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ (376) هـ اسمه ونسبه (¬1): هو إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن داود، أبو إسحاق المُسْتَمْلِيّ - بضم الميم وسكون السين المهملة وفتح التاء - نسبة إلى الاستملاء، وكان مستمليًا على أبي بكر عبد الله بن محمد بن علي الطرخاني الحافظ (¬2)، البلخي نسبة إلى بلخ، وهي مدينة خراسان العظمى، ويقال: إنها وسطى بلاد خراسان. راوي «الصحيح» عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ. لم أقف له على أخبار مفصلة. حدث عنه: أبو ذر عبد بن أحمد، وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الهمداني بالأندلس، والحافظ أحمد بن محمد بن العباس البلخي. وأبو عبد الله محمد بن أحمد ابن محمد النجار الحافظ ببخارى. كان سماعه لـ «الصحيح» من الفَرَبْريّ في سنة أربع عشرة وثلاثمائة. قال أبو الوليد الباجي: وأبو إسحاق المُسْتَمْلِيّ ثقة مشهور. (¬3) وقال أبو ذر الهَرَويّ: كان من الثقات المتقنين ببلخ، طوف وسمع ¬

(¬1) ينظر ترجمة أبي إسحاق في: «التقييد» لابن النقطة ص: 187 (213)، و «إفادة النصيح» 25 - 28، و «الأنساب» للسمعاني 12/ 244 (3784)، و «تاريخ الإسلام» 26/ 589، و «سير أعلام النبلاء» 16/ 492 (362)، و «مرآة الجنان» 2/ 406، و «النجوم الزاهرة» 4/ 150، و «شذرات الذهب» 3/ 86، و «هدية العارفين» 1/ 6 - 7، و «الأعلام» 1/ 28 - 29، وغيرها. (¬2) «الأنساب» 12/ 244. (¬3) نقله عن ابن رشيد في «إفادة النصيح».

الكثير، وخرّج لنفسه معجمًا، توفي سنة ست وسبعين وثلاثمائة. وقال فيه السَّمْعاني: كان عالمًا عارفًا بأحاديث أهل بلخ ومشايخهم والتواريخ، وجمع علومهم، وكان بندارًا في الحديث. توفي سنة ست وسبعين وثلاثمائة ببلخ. وقال فيه الذَّهَبِيّ: الإمام المحدث الرحال الصادق .. راوي «الصحيح» (¬1). وقال ابن العماد: وكان ثقة صاحب حديث (¬2). روايته لـ «الصحيح» كان أبو إسحاق من الثقات المتقنين، فقد سمع «الصحيح» من الفَرَبْريّ في سن مبكرة حيث سمعه من الفَرَبْريّ في سنة أربع عشرة وثلاثمائة. قال ابن رشيد في «إفادة النصيح»: وبسندنا إلى أبي ذر قال: وكان سماعه - يعني: أبا إسحاق المُسْتَمْلِيّ - من الفَرَبْريّ في سنة أربع عشرة وثلاثمائة (¬3). وقال أبو الوليد الباجي في «التعديل والتجريح»: أنا أبو ذر، ثنا أبو إسحاق المُسْتَمْلِيّ إبراهيم بن أحمد قال: انتسخت كتاب البُخارِيّ من أصله، كان عند محمد ابن يوسف الفَرَبْريّ فرأيته لم يتم بعد، وقد بقيت عليه مواضع مبيضة كثيرة، منها تراجم لم يُثبت بعدها شيئًا، ومنها أحاديث لم يترجم عليها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض. ¬

(¬1) «السير» 16/ 492. (¬2) «الشذرات» 3/ 86. (¬3) ص: 25.

ومما يدل على صحة هذا القول أن رِواية أبي إسحاق المستلمي، ورِواية أبي محمد السَّرْخَسي، ورِواية أبي الهيثم الكُشْمِيهَني، ورِواية أبي زيد المَرْوَزيّ - وقد نسخوا من أصل واحد - فيها التقديم والتأخير، وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم في ما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضعٍ ما فأضافه إليه، ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين أو أكثر من ذلك متصلة ليس بينهما أحاديث. وإني أوردت هذا لما عُني به أهل بلدنا من طلب معنى يجمع بين الترجمة والحديث الذي يليها، وتكلفهم - في تعسف - التأويلَ ما لا يسوغ اهـ (¬1). ويقول ابن حجر معلقًا على ذلك: وهذه قاعدة حسنة يفزع إليها حيث يتعسر وجه الجمع بين الترجمة والحديث، وهي مواضع قليلة جدًّا ستظهر كما سيأتي إن شاء الله تعالى اهـ (¬2). وقال ابن رشيد: وإنما وقع للبخاري رضي الله عنه هذا - أي ترك أماكن مبيضة من الكتاب - لما كان عليه من النفوذ في غوامض المعاني والخلوص من مبهماتها والغوص في بحارها والاقتناص لشواردها، وكان لا يرضى إلا بدرة الغائص وطيبة القانص، فكان رضي الله عنه يتأنى ويقف وقوف تخير لا تحير؛ لازدحام المعاني والألفاظ في قلبه ولسانه، فحم له الحِمام ولم تمهله الأيام اهـ (¬3). وهذه الرِّواية أشهرها الإمام الحافظ أبو ذر عبد بن أحمد مع قرينيه ¬

(¬1) «التعديل والتجريح» 1/ 310 - 311. (¬2) «هدى الساري» ص: 8. (¬3) «إفادة النصيح» ص: 26.

أبي محمد الحَمُّوييّ وأبى الهيثم الكُشْمِيهَني. وستأتي ترجمتهما ويأتي مزيد تفصيل لهذه الرِّواية عند الحديث عن رِواية أبي ذر الهَرَويّ.

المبحث الرابع رواية أبي محمد الحمويي (381) هـ

المبحث الرابع رِواية أبي محمد الحَمُّوييّ (381) هـ اسمه ونسبه (¬1): هو عبد الله بن أحمد بن حمويه بن مردويه بن أحمد بن يوسف بن أعين السَّرْخَسي، يكنى أبا محمد، ويشتهر بالحَمُّوييّ. قال ابن ناصر الدين بعد أن ساق نسبه (¬2): وجدته هكذا منسوبًا في عدة مواضع من نسختي بـ «صحيح البُخارِيّ» قرئت على الحَمُّوييّ في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة، وقرئت كلها في سنة ثمان وسبعين، وقبلها على أبي بكر محمد بن حَمّ، كلاهما عن الفَرَبْريّ اهـ. واشتهر بالحَمُّوييّ نسبة إلى جده جريا على عادة أهل المشرق (¬3). ¬

(¬1) ينظر مصادر ترجمته في: «الأنساب» 4/ 259، و «إفادة النصيح» ص: 29 - 35، و «التقييد» لابن النقطة ص: 321 (383)، و «تاريخ الإسلام» 27/ 33 - 34، و «سير أعلام النبلاء» 16/ 492 (363)، و «المشتبه» 1/ 250، و «الوافي بالوفيات» 17/ 45 (39)، و «توضيح المشتبه» 3/ 325، و «تبصير المنتبه» 2/ 515، و «النجوم الزاهرة» 4/ 161، و «شذرات الذهب» 3/ 100 وغيرها. (¬2) «توضيح المشتبه» 3/ 325 - 326. (¬3) قال ابن رشيد: وحَمُّويه معدول عن محمد - بلسان الفرس - وضبطها حاء مهملة مفتوحة، بعدها ميم مضمومة مشددة، بعدها واو ساكنة، بعدها أختها مفتوحة، بعدها هاء ساكنة، وقد خطه غير واحد من أعلام الأندلسيين بتاء تأنيث مفتوحة وليسوا بحجة في ذلك، والمشرقيون أعرف بأهل بلادهم، وأرى أنه يجري فيه من التعريب ما في نظائره من عمرويه ونفطويه فتفتح ميمه مشددة وتفتح واوه مخففة وتسكن ياؤه، إلا أني لم أسمع أحدًا من أشياخنا المحدثين يقوله معربًا بل يبقيه على عجمته، بيد أني بعد كتبي لهذا الرسم ألفيت في «مشارق القاضي أبي الفضل عِيَاض» رحمه الله في اسم الحموي: والعجم يقولون كل هذا بضم ما قبل الواو، مثل علُّويه وحمُّويه، والعرب بفتح الواو فنقول: علَّوَيه وحَمَّويه وسيَبَويه ونفطويه «إفادة النصيح» ص: 29، وينظر «مشارق الأنوار» 1/ 227. وواصل ابن رشيد فقال: وقد قرأت على شيخنا المحدث الأديب الصوفي الفاضل أبي إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز بن يحيى الرعيني اللَّوْري مقيم دمشق بها حديثًا ذكر فيه أبو الحسن بن رزْقُويَه، فقال لي: النحويون يقولون: رِزْقَويه كسيبويه، والمحدثون يقولون: رزْقُويَهْ، يعني بضم القاف وواو ممدودة وأختها مفتوحه، يكرهون: وَيْه لأنهم يقولون: ويه اسم شيطان، ذكر ذلك السيوطي في «تدريب الراوي» 1/ 338 ونسب القول إلى إبراهيم النخعي. قال ابن رشيد: قلت: وإنما عربه النحاة؛ حيث كرهوا تغيير الاسم العلم بإدغامه، وبقّاه المحدِّثون على حاله من العجمة مع أن له نظيرًا في الأعلام العربية: حَيْوَة الاسم العلم. وقال الإمام الجهبذ أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي نصر النصري - أي: شيخ الإسلام ابن الصلاح صاحب المقدمة الشهيرة - فيما رويناه في الجملة عن غير واحد عنه، وقد ذكر - في حديث رواه - أبا عبد الله بن زيلُويه المقري قال: وقد قيده لنا الراوي لحديثه بكسر الزاي وياء لينة، وضم اللام وسكون الواو وفتح الياء، وهو في هذا لاحق بنظائر مثل عَمرويه ونفطوية، وفيه ما فيها، فأهل العربية يقولونها بواو مفتوحة مفتوح ما قبلها ساكن ما بعدها، ومن ينحو بها نحو الفارسية يقولها بواو ساكنة مضموم ما قبلها مفتوح ما بعدها، بعدها هاء على كل قول، والتاء خطأ «إفادة النصيح» ص: 29 - 31. ثم يقول ابن رشيد: وجرت عادة المحدثين أن يقولوا في النسب إليه: الحموي بياء خفيفة وأخرى ساكنة، ينوون به الوقف، وكان الأصل حموييًا بيائي النسب، ولو عُرب هذا الاسم التعريب القياسى لأدغم وقيل فيه: حَمَّيَّه. وكان ينسب إليه حَمَيّا بتشديد الميم وحَمَّويَّا على طريقة مَرْمِي، وقد أخطأ من قال في النسب إليه: حَموِيَّا بتخفيف الميم؛ لأن تلك نسبة إلى حَمَا وليس منها. اهـ «إفادة النصيح» ص: 31. قلت (الباحث): ونسبه كل من ابن ناصر الدين في كتاب «توضيح المشتبه»، «التوضيح» 3/ 325، وابن حجر في «تبصير المنتبه» 2/ 515 الحَمُّوي بالتثقيل في الميم مع ضمها وبعد الواو ياء النسب. وقال ابن ناصر الدين: ونسبه ابن نقطة على الأصل، فزاد قبل ياء النسب ياء أخرى، فقال بفتح الحاء وضم الميم وتشديدها وبعد الواو ياء مكررة. اهـ. «توضيح المشتبه» 3/ 325.

وينسب أيضا عبد الله بن أحمد الحمويي، ويقال له السَّرْخَسي وهي نسبة إلى سَرخَس من مدن خراسان، ويقال لها سَرْخَس بفتح السين وسكون الراء وفتح الخاء المعجمة وآخره سين مهملة، وسُرخس بضم السين. وكثيرًا ما ينسبه الإمام أبو الفرج ابن الجوزي (597 هـ) إلى جده الأعلى أعين، ولد الحَمُّوييّ عام ثلاثة وتسعين ومائتين. ونزل بوشنج وهراة، وكان رحل إلى بلاد ما وراء النهر. شيوخه: سمع عبد الله الحَمُّوييّ سنة ست عشرة وثلاثمائة من الفَرَبْريّ بفربر «صحيح البُخارِيّ»، سمع بسمرقند أبا عمر العباس بن عمر السمرقندى راوي الدارمي، أبا إسحاق إبراهيم بن خزيم الشاشي راوي «مسند عبد بن حميد» وغيرهم. تلاميذه: سمع منه «صحيح البُخارِيّ» وحدث به عنه الحافظان جمال الإسلام أبو الحسن الداودي وأبو ذر الهَرَويّ مقيم مكة شرفها الله تعالى. كما حدث عنه أبو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم القراب، ومحمد بن عبد الصمد الترابي المَرْوَزيّ، وعلي بن عبد الله ومحمد بن أحمد بن

محمد الهَرَويّان. ثناء العلماء عليه: قال أبو ذر الهَرَويّ: قرأت عليه وهو ثقة وصاحب أصول حسان (¬1). وقال ابن رشيد: وكان أبو محمد ثقة حافظًا عدلًا. ونقل ابن رشيد عن أبي الوليد سليمان بن خلف أنه قال: أبو محمد الحَمُّوييّ شيخ ثقة (¬2). وقال فيه الذَّهَبِيّ: الإمام المحدث الصدوق المسند .. خطيب سَرخس (¬3). وقال فيه ابن العماد: المحدث الثقة (¬4). وله جزء مفيد عد فيه أبواب «الصحيح» وعد ما في كل كتاب من الأحاديث، فأورد ذلك الشيخ محيي الدين في «مقدمة ما شرح من الصحيح» ويعتبر حديثه أعلى شيء يروى في سنة ثلاثين وسبعمائة عند أبي العباس الحجار اهـ (¬5). وفاته: قال ابن النقطة في «التقييد» (¬6): قرأت في تاريخ أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم القراب الحافظ: توفي أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه ¬

(¬1) «التقييد» (383). (¬2) «إفادة النصيح» ص: 34. (¬3) «سير أعلام النبلاء» 16/ 492. (¬4) «شذرات الذهب» 3/ 100. (¬5) «التلخيص» للنووي 1/ 220، و «سير أعلام النبلاء» 16/ 492 - 493، و «تاريخ الإسلام» 27/ 33. (¬6) «التقييد» ص: 321.

السَّرْخَسي في ذي الحجة لليلتين بقيتا منه سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. اهـ. وقال أبو ذر بعد أن ذكر وفاة المُسْتَمْلِيّ في سنة ست وسبعين وثلاثمائة: والحَمُّوييّ بعده ولا أحقه في أي سنة (¬1). وروايته قد اشتهرت من خلال راويين: الأول: هو أبو ذر الهَرَويّ (434) هـ، وقد أشهرها مع قرينيه المُسْتَمْلِيّ والكُشْمِيهَني. وسيأتي الحديث بالتفصيل عن هذه الرِّواية (رِواية أبي ذر). الثاني: أبو الحسن الدّاوُدِيّ (467) هـ اسمه ونسبه (¬2) هو الإمام العلامة، الورع، القدوة، جمال الإسلام، مسند الوَقْت، أبو الحسن، عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود بن أحمد بن معاذ بن سهل بن الحاكِم بن شيرزاد الدّاوُدِيّ - نسبة إلى جده الأعلى داود بن أحمد - البُوشَنْجِي. مولده: ولد الدّاوُدِيّ في ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وثلاثمائة (¬3). شيوخه: روى الدّاوُدِيّ عن أئمة كبار منهم: أبو بكر القفال المَرْوَزيّ، ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 34. (¬2) «سير أعلام النبلاء» 18/ 222 (108)، و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي 5/ 117 - 120، و «الأنساب» للسمعاني 5/ 295 - 296، و «المنتظم» 8/ 296، و «الوافي بالوفيات» 18/ 252 - 253 (303)، و «البداية والنهاية» 12/ 579، و «شذرات الذهب» 3/ 327، و «النجوم الزاهرة» 5/ 99، و «تاريخ الإسلام» 31/ 232 - 236 (217)، و «معجم البلدان» 1/ 508، و «التقييد» لابن نقطة ص: 335 - 336 (405)، و «اللباب» 1/ 487، و «مرآة الجنان» 3/ 95، و «طبقات المفسرين» للداودي 1/ 294 - 296 (373). (¬3) «سير أعلام النبلاء» 18/ 226.

وأبو الطيب سهل الصعلوكي، وأبو حامد الإسفراييني، وأبو سعيد يحيى بن منصور الفقيه، وأبو الحسن بن الصلت المجبر، وعلي بن عمر التمار، وأبو عبد الله الحاكِم الحافظ، وأبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح، وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السَّرْخَسي، وهو آخر الرُّواة عنه. وجماعة كثيرة من هذه الطبقة. قال السبكي: وما أظن شافعيًا اجتمع له مثل هؤلاء الشيوخ (¬1). تلاميذه: روى عنه: أبو الوَقْت عبد الأول بن عيسى السجزي بهراة، وهو أجل من روى عنه، وأبو الحسن مسافر، وأبو محمد أحمد ابنا محمد بن علي البسطامي بنيسابور، وأبو المحاسن أسعد بن علي الحنفي بمالين، وأم الفضل عائشة بنت أبي بكر بن بحر البلخي ببوشنج، وغيرهم. سماعاته: سمع «الصحيح» في صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، و «مسند عبد بن حميد»، و «تفسيره»، و «مسند أبي محمد الدارمي» من أبي محمد بن حمويه السَّرْخَسي ببوشنج، وتفرد في الدنيا بعلو ذلك. رحلاته: رحل إلى: نيسابور وقرأ الفقه على أبي الطيب سهل الصعلوكي. وكان حال التفقه يحمل ما يأكله من بلاده احتياطًا وتورعًا. ورحل إلى هراة، وسمع أبا محمد عبد الرحمن بن أبي شريح. ومرو، وقرأ الفقه على أبي بكر القفال المَرْوَزيّ. وسمع فيها من أبي عبد الله الحاكِم الحافظ، وابن يوسف، وابن يحمش. ¬

(¬1) «طبقات الشافعية الكبرى» 5/ 118.

وبغداد، وسمع فيها من: أبي الحسن بن الصلت المجبر، وابن مهدي الفارسي، وعلي بن عمر التمار، وكان مجيئه إلى بغداد سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، فأقام بها أعوامًا. وقرأ على أبي حامد الإسفراييني حتى برع في المذهب والخلاف، ثم عاد إلى بوشنج وقرأ على أبي سعيد يحيى بن منصور الفقيه، وأخذ في التدريس والفتوى والتصنيف، وعقد مجالس التذكير ورِواية الحديث إلى أن توفي. زهده وورعه: قيل: إنه كان يبالغ في الورع، ومحاسنه جمة. وقال أسعد بن زياد: كان شيخنا الدّاوُدِيّ بقي أربعين سنة لا يأكل لحما، وقت تشويش التركمان، واختلاط النهب، فأضر به، فكان يأكل السمك، ويصطاد له من نهر كبير، فحكي له أن بعض الأمراء أكل على حافة ذلك النهر، ونفضت سفرته وما فضل في النهر، فما أكل السمك بعد (¬1).وقال المختار بن عبد الحميد البُوشَنْجِي: صلى أبو الحسن الدّاوُدِيّ أربعين سنة ويده خارجة من كمه استعمالا للسنة، واحتياطا لأحد القولين في وضع اليدين، وهما مكشوفتان حالة السجود. قال السلفي: سألت المؤتمن عن الدّاوُدِيّ، فقال: كان من سادات رجال خراسان، ترك أكل الحيوانات وما يخرج منها منذ دخل التركمان ديارهم. قال أبو القاسم عبد الله بن علي، أخو نظام الملك: كان أبو الحسن الدّاوُدِيّ لا تسكن شفته من ذكر الله، فحكي أن مُزينًا أراد قص شاربه، ¬

(¬1) «سير أعلام النبلاء» 18/ 224.

فقال: سكن شفتيك. قال: قل للزمان حتى يسكن. ودخل أخو نظام الملك عليه، فقعد بين يديه، وتواضع له، فقال لأخي: أيها الرجل! إنك سلطك الله على عباده، فانظر كيف تجيبه إذا سألك عنهم (¬1). ثناء العلماء عليه: قال ابن النجار: كان من الأئمة الكبار في المذهب، ثقة، عابدا، محققا، درس وأفتى، وصنف ووعظ (¬2). قال ابن الجوزي: درس وأفتى ووعظ وصنف، وكان له حظ من النظم والنثر وكان لا يفتر عن ذكر الله تعالى (¬3). قال السَّمْعاني: وجه مشايخ خراسان فضلا عن ناحيته، والمشهور في أصله وفضله وسيرته وورعه، له قدم راسخ في التقوى. يستحق أن يطوى للتبرك بلقائه فراسخ، وفضله في الفنون مشهور، وذكره في الكتب مسطور، وأيامه غرر وكلماته درر (¬4). قال السبكي: وكان فقيها إماما صالحا زاهدا ورعا شاعرا أديبا صوفيا، وقد سمع مشايخ عدة وكان يصنف ويفتي ويعظ ويكتب الرسائل الحسنة (¬5). قال الحافظ أبو محمد عبد الله بن يوسف الجُرْجانيّ: شيخ عصره، وأوحد دهره، الإمام المقدم في الفقه والأدب والتفسير، وكان زاهدا ورعا ¬

(¬1) «سير أعلام النبلاء» 18/ 225. (¬2) «سير أعلام النبلاء» 18/ 225. (¬3) «المنتظم» 8/ 296. (¬4) «الأنساب» 5/ 295، «سير أعلام النبلاء» 18/ 223. (¬5) «طبقات الشافعية» 5/ 118.

حسن السمت، بقية المشايخ بخراسان، وأعلاهم إسنادا، وكان سماعه لـ «الصحيح» في صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وهو ابن ست سنين (¬1). قال الصفدي: كان من الأئمة الكبار في معرفة المذهب والخلاف والأدب مع علو الإسناد، وله حظ من النظم والنثر (¬2). قال اليافعي: شيخ خراسان علمًا وفضلًا وجلالة وسندًا (¬3). وفاته: قال الحسين بن محمد الكتبي: توفي ببوشنج (¬4) في شوال، سنة سبع وستين وأربعمائة (¬5). روايته لـ «الصحيح» قال علي بن سليمان المرادي: كان أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل يقول: سمعت «الصحيح» من أبي سهل الحَفْصيّ، وأجازه لي الدّاوُدِيّ، وإجازة الدّاوُدِيّ أحب إلي من السماع من الحَفْصيّ. وقد سمع الدّاوُدِيّ «الصحيح» من السَّرْخَسي، وهو يعتبر آخر من رواه عنه، وذلك في صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وسمعه منه أبو ¬

(¬1) «طبقات المفسرين» 1/ 295. (¬2) «الوافي بالوفيات» 18/ 253. (¬3) «مرآة الجنان» 3/ 95. (¬4) بوشنج: بفتح الشين المعجمة وسكون النون وجيم - وقيل: أوله فاء، وبعضهم يقول: بسين مهملة - بليدة نزهة خصيبة في واد مشجر من نواحي هراة بينهما عشرة فراسخ، قال الحموي: رأيتها من بُعد ولم أدخلها، حيث قدمت من نيسابور إلى هراة. «معجم البلدان» 1/ 508. (¬5) «سير أعلام النبلاء» 18/ 226.

الوَقْت السجزي. ويمكن القول أن أبا الوَقْت هو أجلُّ من روى «الصحيح» عن الدّاوُدِيّ، والعمدة عند العلماء في رِواية الدّاوُدِيّ من طريق أبي الوَقْت؛ ولذا قد أفردت هذه الرِّواية في الفَصْل الخاص بأشهر الروايات عن أبي ذر الهَرَويّ.

المبحث الخامس رواية أبى الهيثم الكشميهني (389) هـ

المبحث الخامس رِواية أبى الهيثم الكُشْمِيهَني (389) هـ اسمه ونسبه (¬1): هو محمد بن المكي بن محمد بن المكي بن زُراع بن هارون بن زراع الكُشْمِيهَني المَرْوَزيّ، يكنى أبا الهيثم. وزُراع اختلف العلماء في ضبطها، فقال ابن رشيد (¬2): بزاي في أوله مضمومة، بعدها راء مفتوحة خفيفة، كذا قيده غير واحد، وبالتخفيف ضبط في الأصل العتيق المسموع على أبي ذر بمكة، وكذلك قرأته بخط المتقن أبي بكر بن خير. اهـ. قلت (الباحث): وجرى على ذلك ابن ماكولا في «الإكمال» (¬3) والمرتضى الزبيدي في «تاج العروس» تبعًا لصاحب «القاموس» (¬4). لكن ابن النقطة في كتابه «تكملة الإكمال» نص على التشديد، ونص عبارته: وأما زراع أوله زاي بعدها راء مشددة مفتوحة، فهو أبو القاسم ¬

(¬1) ينظر مصادر ترجمته في: «الأنساب» 11/ 115 - 118 (3446) «الإكمال» لابن ماكولا 3/ 384 - 385، «التقييد» لابن النقطة ص: 110 - 112، و «تكملة الإكمال» له 2/ 650، «إفادة النصيح» ص: 36 - 38، «اللباب في تهذيب الأنساب» 3/ 99 - 100، «تاج العروس» 11/ 188، «تاريخ الإسلام» 27/ 189، «سير أعلام النبلاء» 16/ 491 - 492، «الوافي بالوفيات» 5/ 57 - 58 (2046)، «مرآة الجنان» 2/ 442، «شذرات الذهب» 3/ 133. (¬2) «إفادة النصيح» ص: 36. (¬3) 3/ 384 - 385. (¬4) 11/ 188.

محمد بن المكي (¬1). والكُشْمِيهَني - بضم الكاف وسكون الشين المعجمة وكسر الميم، وبعدها ياء لينة، وفتح الهاء ثم نون بعدها ياء النسب - منسوب إلى قرية كشميهن وهي في خراسان، وهي من عمل مرو، وبينها وبين مرو خمسة فراسخ. ويقال فيها أيضا: كشماهن بالألف بدل الياء وينسب إليها فيقال كشماهني (¬2). شيوخه: رحل أبو الهيثم الكُشْمِيهَني إلى العراق والحجاز، وأدرك الشيوخ فسمع بفربر أبا عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفَرَبْريّ، سمع منه «صحيح البُخارِيّ» وبمرو عمر بن أحمد بن علي الجوهري، وبسرخس أبا العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي (325) هـ (¬3)، وبنيسابور أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم، وبالري أبا حاتم محمد بن عيسى الوسقندي (341) هـ (¬4)، وببغداد أبا محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، وبالكوفة أبا الحسن علي بن محمد بن محمد بن عقبة الشيباني، وبمكة أبا سعيد أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي وجماعة كثيرة سواهم. تلاميذه: روى عنه «الصحيح» كثيرون منهم: أبو ذر الهَرَويّ، وأبو عثمان سعيد بن محمد البحيري، وأبو الخير ¬

(¬1) 2/ 65. (¬2) «الأنساب» 11/ 116، «اللباب» 3/ 99. (¬3) بفتح الدال المهملة وبعدها غين معجمة مضمومة «الأنساب» 5/ 358. (¬4) بالفتح ثم السكون وفتح القاف وسكون النون ودال مهملة نسبة إلى وسقند ينظر «معجم البلدان» 5/ 376.

محمد بن أبي عمران الصفار، وأبو سهل محمد بن أحمد الحَفْصيّ، وكريمة المَرْوَزيّة. كما سمع منه أبو عبد الله محمد بن علي بن حسن الخبازي الجُرْجانيّ (449) هـ المقري مقيم بنيسابور إمام القراء في عصره، وأبو بكر محمد بن أبي سعيد بن سختويه الإسفرايني، وأبو عبد الله محمد بن أحمد الغُنْجار البُخارِيّ، وأبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز المُسْتَغْفريّ الحافظ، وإسماعيل بن أحمد بن عبد الله الحيري النيسابوري الضرير (¬1)، وجماعة غيرهم. ثناء العلماء عليه: عرف العلماء لأبي الهيثم قدره ومكانته حيث كان يشد إليه الرحال؛ طلبًا لسماع «صحيح البُخارِيّ» منه، فقد سمع «الصحيح» من الفَرَبْريّ في سنة عشرين وثلاثمائة. كما أنه عمَّر حتى اعتبره بعض العلماء آخر الرُّواة عن الفَرَبْريّ موتًا. قال ابن رشيد الفهري في «الإفادة» (¬2) وبسندنا إلى أبي ذر قال: وذكر أبو الهيثم أنه سمع الكتاب من الفَرَبْريّ بفربر في ربيع الأول سنة عشرين وثلاثمائة، وروى أيضًا عن غير الفَرَبْريّ، ووجدت لأبي ذر في «معجمه» قال: وأرجو أن يكون ثقة: اهـ. ثم ساق بسنده إلى أبي الوليد قال: وأبو الهيثم الكُشْمِيهَني صاحب عربية، روينا بإسناد عن الحافظ أبي بكر بن ياسر الجَيّانيّ أنه قال فيه: إمام ¬

(¬1) قال ابن قاضي شهبة في «طبقات الشافعية» في ترجمته 1/ 206: وسمع جميع «صحيح البُخَارِيّ» من أبي الهيثم الكُشْمِيهَني عن الفَرَبري عن البُخَارِيّ، وقرأه عليه الخطيب البغدادي في ثلاثة أيام. انظر «تاريخ بغداد» 6/ 314. (¬2) ص: 36، 37.

أديب ثقة. اهـ (¬1). وقال السَّمْعاني في «الأنساب»: اشتهر في الشرق والغرب بروايته كتاب «الجامع»؛ لأنه آخر من حدث بهذا الكتاب غالبًا بخراسان، كان فقيها أديبًا زاهدًا ورعًا، رحل إلى العراق والحجاز وأدرك الشيوخ (¬2). وقال الذَّهَبِيّ في «السير»: المحدث الثقة، وقال: وكان صدوقًا (¬3). وقال ابن نقطة نقلا عن ابن السَّمْعاني في «أماليه»: وكان يُرحل إليه في سماع كتاب «الصحيح» وهو آخر من حدث بذلك الكتاب بمرو عن الفَرَبْريّ، وبقي بعده أبو علي الكُشّانيّ يرويه عن الفَرَبْريّ بكشانية، وكان يسمع قبل أبى الهيثم بمرو من الشيخ الإمام أبي زيد الفاشاني، فلما توفي سمعوه من أبي علي الشَّبُّويي، فلما توفي سمعوه من أبي الهيثم، وحل أبو الهيثم البلد سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة وقرئ عليه الكتاب في مسجد عبدان إلى أوائل شهور سنة تسع وثمانين، وسمع منه الخلق الكثير. اهـ (¬4). وفاته: أجمع كل من ترجم للكشميهني أن وفاته كانت في يوم عرفة سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، ولكن نقل ابن النقطة في «التقييد» (¬5) عن محمد بن طاهر المقدسي أنه قال: وتوفي - على ما بلغني - في سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، فإن صحت وفاة أبي الهيثم فيكون آخر من مات، يعني: من أصحاب الفَرَبْريّ. اهـ. ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 37. (¬2) «الأنساب» 11/ 116 - 115. (¬3) «السير» 16/ 491. (¬4) «التقييد» ص: 112. (¬5) ص: 111.

قلت: ولكن الصحيح ما ذهب إليه الجمهور من أن وفاته كانت سنة تسع وثمانين وثلاثمائة، وهو بذلك آخر من مات من أصحاب الفَرَبْريّ بمرو والله أعلم. وروايته هذه اشتهرت من خلال ثلاثة من الرُّواة: الأول: أبو ذر الهَرَويّ (434) هـ وسيأتي الحديث تفصيلًا عن هذه الرِّواية التي قرن فيها الكشميهني مع روايتي المُسْتَمْلِيّ والسَّرْخَسي. الثاني: الصالحة كريمة المَرْوَزيّة (463) هـ وقد أفردتُ هذه الرِّواية في الفَصْل الخاص بأشهر الروايات عن الفَرَبْريّ الثالث: أبو سهل الحَفْصيّ ت (466) هـ اسمه ونسبه (¬1): هو محمد بن أحمد بن عبيدالله بن عمر بن سعيد بن حفص، أبو سهل الحَفْصيّ المَرْوَزيّ راوي «الصحيح» عن أبي الهيثم الكُشْمِيهَني. كان رجلًا مباركًا من العوام عُرِفَ بروايته «الصحيح» عن الكُشْمِيهَني. وحدث عنه بـ «الصحيح» كثيرون منهم: إسماعيل المؤذن، وأبو حامد الغزالي، ووجيه الشحامي وآخرون. قال عبد الغافر الفارسي في «المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور» (¬2): شيخ مستور سليم النفس والجانب، ظهر له سماع «صحيح البُخارِيّ» عن الكُشْمِيهَني بمرو، وهو آخر من رواه عنه فيما أظنه، فسمع ¬

(¬1) ينظر ترجمته في «الأنساب» 1/ 196 - 197 (1183)، «المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور» ص: 60 (115) «التقييد» ص: 53 (28)، «سير أعلام النبلاء» 18/ 244 (118)، «تاريخ الإسلام» 31/ 213 - 214، «شذرات الذهب» 3/ 325 وغيرهم. (¬2) ص: 60 ونقل عنه ابن نقطة في «التقييد» ص: 53.

منه المشايخ بمرو، وظهر له العز والقبول بذلك السماع، وحمل إلى نيسابور بسبب ذلك، وأكرمه نظام المُلكِ، وقرئ عليه «الصحيح» في المدرسة النظامية، وحضر أولاد القضاة والأئمة والرؤساء، واتفق له مجلس قام بهم وبالفقهاء قل ما عهدنا مثله، وكنا حاضرين، ولما فرغ منه ردَّه مكرمًا إلى مرو، وكان من جملة العوام، إلا أنه كان صحيح السماع كما ذكر ... وكان حضوره سنة خمس وستين وأربعمائة. اهـ. وقال السَّمْعاني في «الأنساب»: شيخ سليم الجانب لا يفهم شيئًا من الحديث غير أنه صحيح السماع، سمع «الجامع الصحيح» عن أبي الهيثم محمد بن المكي الكُشْمِيهَني، وحمله نظام الملك أبو علي الوزير إلى نيسابور حتى حدث بهذا الكتاب بها، وسمع منه أكثر علماء الوَقْت بنيسابور، وقرئ عليه الكتاب في المدرسة النظامية، روى لي عنه أبو عبد الله محمد بن الفضل الفُراويّ جميع «صحيح البُخارِيّ» وأبو محمد عبد الجبار بن محمد الخواري، وأبو القاسم زاهر وأبو بكر وجيه ابنا طاهر الشحامي وجماعة سواهم، وآخر من حَدَّثَنا عنه أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد القشيري (¬1) اهـ. وفاته: توفى رحمه الله تعالى في سنة ست وستين وأربعمائة. روايته لـ «الصحيح»: أبو سهل الحَفْصيّ لم يعرف إلا بروايته لـ «الصحيح» وكما ذكر عبد الغافر الفارسي فإن سماعه صحيح، وتأخر وفاته جعل إسناده عاليًا، فلذا أقبل العلماء على روايته واشتهرت روايته في نيسابور؛ نظرًا لسماع حفاظ وقته منه عندما حدث به في المدرسة النظامية، وحضر مجلسه أولاد القضاة ¬

(¬1) 4/ 196 - 197 (1183).

والأئمة والفقهاء، ولذا نجد أن الحاكِم في «تاريخ نيسابور» قد ترجم لكثير ممن سمعوا «الصحيح» عن أبي سهل الحَفْصيّ وهم كثيرون. وأبو سهل موطنه مرو، ولذا حدث بـ «الصحيح» فيها وفي نيسابور. وذكر الذَّهَبِيّ عن السَّمْعاني أنه قال: لم يحدث بـ «الصحيح» بمرو. وهذا القول لم أقف عليه في «الأنساب» ولكن كل من ترجم له ذكر تحديثه في مرو. أشهر الرُّواة عن أبي سهل الحَفْصيّ: روى «الصحيح» عن أبي سهل كثير من العلماء، وسأبدأ بمن اتصلت الرِّواية إليهم وتداولها العلماء ثم أذكر من وقفت عليهم ممن سمعوا «الصحيح» منه: 1) الحافظ الإمام الفقيه المفتي مسند خراسان وفقيه الحرم أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أبي العباس الصّاعدي الفُراويّ - بالضم وقيل بالفتح - وهي نسبة إلى فُراوة بلدة في طرف خراسان مما يلي خوارزم. ولد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة تقديرًا وسمع «الصحيح» من أبي سهل الحَفْصيّ ومن سعيد بن أبي سعيد العيار، وتوفي سنة ثلاثين وخمسمائة (¬1). وروى عن أبي عبد الله محمد بن الفضل الفُراويّ «الصحيح» كل من: - الحافظ أبو القاسم بن عساكر ت (571) هـ ومن طريق اتصلت رِواية الحَفْصيّ بالقَسْطَلّانِيّ. ¬

(¬1) «التقييد» ص: 102 - 103 (108)، «سير أعلام النبلاء» 19/ 616.

1 - منصور بن عبد المنعم الفُراويّ ت (608) هـ (¬1) ومنه اتصلت إلى ابن حجر في «الفتح» والعيني في «عمدة القاري». 2 - الشيخ الصالح المأمون أبو الفتوح عبد الوهاب بن شاه بن أحمد بن عبد الله النيسابوري الشاذياخي. نسبة إلى موضع بنيسابور. ولد سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة وسمع «الصحيح» من الحَفْصيّ، وسمع «الرسالة» من القشيري وغيرهما. روى عنه السَّمْعاني وقال: كان من أهل الخير والصلاح. وروى عنه أيضًا منصور الفُراويّ وابن عساكر وإسماعيل بن علي المغيثي وغيرهم. توفي سنة خمس وثلاثين وخمسمائة (¬2). وعنه أخذ الرِّواية منصور بن عبد المنعم الفُراويّ أيضًا، ومن طريقه اتصلت للعيني وابن حجر. 3 - الشيخ العالم العدل مسند خراسان أبو بكر وجيه بن طاهر الشحامي النيسابوري. ولد سنة خمس وخمسين وأربعمائة وحدث عنه: ابن عساكر، والسَمْعاني، ومنصور الفُراويّ، قال السَّمْعاني: كتبت عنه الكثير، وكان يملي في الجامع الجديد بنيسابور كل جمعة مكان أخيه اهـ. ¬

(¬1) ترجم له ابن نقطة في «التقييد» ص: 454. وقال: وكان شيخًا مكثرًا، ثقة صدوقًا، سمعت منه «صحيح البُخَارِيّ» بسماعه من وجيه بن طاهر الشحامي ... وأَخْبَرَنَاه به عن جده الأعلى إجازة إن لم يكن سماعًا بسماعه من الحَفْصيّ وغيره. وقال: مولد شيخنا منصور في شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وتُوفي بشاذياخ بنيسابور في ثامن شعبان من سنة ثمان وستمائة رحمه الله. «التقييد». (¬2) «الأنساب» 8/ 10 (2262)، «سير أعلام النبلاء» 20/ 36.

توفى سنة إحدى وأربعين وخمسمائة (¬1). وعنه أخذ الرِّواية منصور بن عبد المنعم الفُراويّ، ومن طريقه اتصلت للعيني وابن حجر أيضًا. وممن صرحت التراجم بسماعه لـ «الصحيح» غير ما سبق: 1 - هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم، أبو الأسعد القشيري الخطيب، ولد سنة ستين وأربعمائة، وتوفي سنة ست وأربعين وخمسمائة (¬2). 2 - إسماعيل بن أحمد بن عبد الملك أبو سعد المؤذن (¬3). 3 - علي بن سهل بن العباس الإمام، أبو الحسن، المفسر الزاهد المتوفي سنة إحدى وتسعين وأربعمائة (¬4). 4 - علي بن أبي نصر بن أحمد، أبو الحسن الفقيه المتوفى سنة ثلاث عشرة وخمسمائة (¬5). 5 - علي بن أحمد بن محمد الغزال، أبو الحسن الإمام المقرئ المتوفى سنة ست عشرة وخمسمائة (¬6). 6 - علي بن الحسن بن محمد الإمام، أبو القاسم الصفار المتوفى سنة ¬

(¬1) ينظر «الأنساب» 8/ 66 - 67 (2305)، «سير أعلام النبلاء» 20/ 109. (¬2) «التقييد» ص: 480 (651)، «سير أعلام النبلاء» 20/ 181. (¬3) «المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور» ص: 137 (340). (¬4) «المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور» ص: 391 (1319)، «الوافي بالوفيات» 21/ 150. (¬5) «المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور» ص: 392 (1323). (¬6) السابق ص: 394 (1327).

اثنتين وعشرين وخمسمائة (¬1). 7 - المظفر بن عبد الملك بن عبد الله الجوينى ت (493) هـ (¬2). 8 - أبو المقدم البسطامي الموفق بن محمد بن هبة الله محمد ت (479) هـ (¬3). 9 - الحسن بن علي بن إسحاق أبو علي نظام الملك فقد روى حديثًا عنه في جزء فيه مجلسان من أمالي نظام الملك (¬4) مظان رِواية الحَفْصيّ: لم أقف على نسخه من «الصحيح» ذكر أنها من رِواية الحَفْصيّ. والفروق التي عند الحَفْصيّ ذكرها الشراح في سياق المقارنة بين الروايات وخاصة شرح ابن حجر. ووقفت على بعض الأحاديث من «الصحيح» المسندة من طريق الحَفْصيّ ومن هذه الأحاديث: 1 - ما جاء في «مشيخة ابن البُخارِيّ» المتوفى سنة (696) هـ قال: أَخْبَرَنا أبو الفتوح محمد بن محمد النيسابوري قراءة عليه وأنا أسمع: أنا أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بنيسابور: أنا أبو سهل الحَفْصيّ أنا محمد بن المكي ... ثم ساق بإسناده إلى سلمة مرفوعًا: «من يقل عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار» (¬5). ¬

(¬1) السابق ص: 395 (1331). (¬2) السابق ص: 452 (1506). (¬3) السابق ص: 460 (1545). (¬4) السابق ص: 44 (14). (¬5) ينظر «المشيخة» 2/ 1123 (623)، والحديث في «الصحيح» 1/ 33 (109) كتاب: العلم، باب: إثم من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وانظر أحاديث أخرى في: «المشيخة» لابن البُخارِيّ (¬1) و «الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين» (¬2) و «التدوين في أخبار قزوين» (¬3) وغير ذلك من الكتب، حيث ذكروا عددًا من الأحاديث كلها من رِواية أبي سهل الحَفْصيّ، عن الكُشْمِيهَني، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ. ¬

(¬1) 2/ 1303 - 1304. (¬2) 1/ 76 (17). (¬3) 1/ 466.

المبحث السادس باقي الروايات عن الفربري

المبحث السادس باقي الروايات عن الفربري 6 - رِواية أحمد بن عبد الله الفَرَبْريّ «حفيد الفَرَبْريّ» (371) هـ. 7 - رِواية أبي أحمد الجُرْجانيّ (373) هـ. 8 - رِواية ابن شَبُّويه (378) هـ. 9 - رِواية النُّعَيميّ (386) هـ. 10 - رِواية الإشتيخني (388) هـ. 11 - رِواية الكُشّانيّ (391) هـ. 12 - رِواية الأخسيكتي. 13 - رِواية محمد بن خالد الفَرَبْريّ. 14 - رواية أبي لقمان يحيى بن عمار الختلاني.

رواية حفيد الفربري (371) هـ

6 - رِواية حفيد الفَرَبْريّ (371) هـ هو أبو محمد، أحمد بن عبد الله بن محمد بن يوسف، الفَرَبْريّ. قال السَّمْعاني: يروي عن جده كتاب «الجامع الصحيح». روى عنه: غُنْجار، وتوفي في سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة (¬1). اهـ. ولم أجد له ذكرًا في ما وقفت عليه من كتب التراجم إلا أن العلماء نقلوا من طريقه عن جده عن محمد بن أبي حاتم وراق البُخارِيّ كتابه «شمائل البُخارِيّ» أو «مناقب البُخارِيّ» ووقفت على بعض من رووا عن أبي محمد أحمد بن عبد الله هذا الكتاب ومن ذلك: ما جاءعن الذهبي في «السير» (¬2) بإسناده إلى أبي طاهر أحمد بن عبد الله بن مهرويه، أَخْبَرَنا أبو محمد أحمد بن عبد الله بن محمد بن يوسف .. به. ثم قال: فما أنقله عنه فبهذا السند. وذكر الخطيب في «تاريخ بغداد» بعض الآثار في فضائل البُخارِيّ من رِواية أحمد بن علي الفارسي عنه (¬3)، وكذا ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (¬4). وذكر ابن عساكر أيضًا من الرُّواة عنه محمد بن محمد بن العباس الضبي (¬5). ولم أقف له على ذكر غير ذلك، والله أعلم. ¬

(¬1) «الأنساب» 4/ 359 مادة الفَرَبري. (¬2) 12/ 392. (¬3) 2/ 6. (¬4) 52/ 57. (¬5) 52/ 60.

رواية أبي أحمد الجرجاني (373) هـ

7 - رِواية أبي أحمد الجرجاني (373) هـ اسمه ونسبه (¬1): هو محمد بن محمد بن يوسف أبو أحمد، القاضي الجُرْجانيّ. روى عن: أبي القاسم البَغَويّ، وابن أبي داود، ومحمد بن إسماعيل المَرْوَزيّ صاحب علي بن حجر، ورحل إلى بلاد كثيرة. وحدث بالصحيح عن الفَرَبْريّ. روى عنه: أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي، وأبو محمد الأصيلي، وأبو نعيم الأصبهاني، وأبو بكر بن أبي علي الذكواني، وأبو الحسن محمد بن علي بن صخر، وغيرهم. أقوال العلماء فيه: قال أبو نعيم: تكلموا فيه وضعفوه، وسمعت منه البُخارِيّ. ولذا ذكره الذَّهَبِيّ في «المغني في الضعفاء». وقد كان الجُرْجانيّ أديبًا، قال محمد بن الحسن الأهوازي: أنشدني القاضي أبو أحمد محمد بن مكي الجُرْجانيّ لنفسه: إذا المرء لم يحسن مع الناس عشرة ... وكان يجهل منه بالمال معجبًا ولم تره يقضي الحقوق فإنه ... حقيق بأن يقلى وأن يتجنبا ورحل أبو أحمد إلى شيراز، وأسمع بها «الصحيح» ذكر محمد بن عبد العزيز القصار في «طبقات شيراز» إنه دخلها، وحدث بها، اجتمع عليه الناس والقضاة والعدول وأقعدوه بباب المصاحف وسمعوا منه (¬2). ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «تاريخ جرجان» ص: 488 (767)، «ذكر أحبار أصبهان» 11/ 288 - 289، و «تاريخ بغداد» 3/ 222 - 223 (1283)، و «التقييد» ص: 104 (111)، و «تاريخ الإسلام» 26/ 549، «المغني في الضعفاء» 2/ 630 (5954). (¬2) «التقييد» ص: 104 (111).

ورحل إلى بغداد وحدث بها، وسُمع منه «الصحيح» عن الفَرَبْريّ كما ذكر الخطيب البغدادي (¬1). ونقل الخطيب عن أبي نعيم قوله: سمعت عن محمد بن محمد بن مكي بأصبهان بعض كتاب «الصحيح»، وسمعت منه بقيته ببغداد. وقال السهمي في «تاريخ جرجان»: رحل إلى الشام ومصر، وروى «صحيح البُخارِيّ» عن الفَرَبْريّ بالبصرة وشيراز. وقال أبو نعيم في «تاريخ أصبهان»: يروي عن العراقيين والخراسانيين، قدم علينا سنة خمسين، ورأيته ببغداد سنة سبع وخمسين، وسمعنا منه أصل كتاب البُخارِيّ عن الفَرَبْريّ عنه (¬2). وفاته: توفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث أو أربع وسبعين وثلاثمائة. الرُّواة عن أبي أحمد الجرجاني من خلال الكتب التي ذكرت أسانيد الكتب وكتب التراجم يمكن القول بأن هذه الرِّواية انتشرت من خلال ثلاثة رواة: الأول: هو أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي (392) هـ وقد بسطت الكلام عليه في أشهر الروايات عن الفَرَبْريّ. الثاني: أبو الحسن علي القابسي (403) هـ. الثالث: أبو نعيم الأصبهاني (430) هـ. وقد سبق التعريف بهم وبمن روى عنهم في رِواية أبي زيد المَرْوَزيّ. ¬

(¬1) «تاريخ بغداد» 3/ 222. (¬2) «تاريخ أصبهان» 1/ 288 - 289.

رواية ابن شبويه (378) هـ

8 - رِواية ابن شَبُّويه (378) هـ اسمه ونسبه (¬1): هو محمد بن عمر بن شَبُّويه أبو علي الشَّبُّويي - بشين معجمة مفتوحة ثم باء موحدة مضمومة بعدها واو مشددة سمع «الصحيح» من الفَرَبْريّ سنة ست عشرة وثلاثمائة. وحدث بالبُخارِيّ سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. قال عنه الذَّهَبِيّ: الشيخ الثقة الفاضل أبو علي محمد بن عمر بن شَبُّويه الشَّبُّويي المَرْوَزيّ ... كان من كبار مشايخ الصوفية. قال: وقد ذكره السلمي في «طبقات الصوفية» وقال: كان من أصحاب أبي العباس السياري. له لسان ذَرِب في علوم القوم، وكان الأستاذ أبو علي الدقاق يميل إليه، وهو الذي رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم، فقال: قلت يا رسول الله: «شيبتني هود وأخواتها» ما الذي شيبك منها؟ قال: قوله: {فاستقم كما أمرت} [هود: 112]. وقال عنه في «تاريخ الإسلام»: سمع «صحيح البُخارِيّ» سنة ست عشرة وثلاثمائة من الفَرَبْريّ، وكان ثقة مقبولا، سمع منه الكتاب أهل مرو سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة، ورواه عنه سعيد بن أبي العيار. اهـ. وسعيد الذي رواه عنه سماه ابن نقطة: أبا عثمان سعيد بن أبي سعيد أحمد بن محمد العيار الصوفي. وقال: قال أبو بكر السَّمْعاني في «أماليه»: كان - يعني «صحيح البُخارِيّ» - يُسْمَع قبل أبي الهيثم - يعني: الكُشْمِيهَني - بمرو من أبي زيد الفاشاني، فلما توفي سمعوه من أبي علي الشَّبُّويي، فلما توفي سمعوه من أبي الهيثم. اهـ. ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «الإكمال» 5/ 107، و «الأنساب» 8/ 55، و «التقييد» (83)، و «اللباب في تهذيب الأسماء» 2/ 183، و «تاريخ الإسلام» 26/ 681، و «سير أعلام النبلاء» 16/ 423 - 424 (309)، و «المشتبه» 2/ 390، و «توضيح المشتبه» 5/ 291، و «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة 1/ 150 (108)، و «تبصير المنتبه» 2/ 804.

رواية النعيمي (386) هـ

9 - رِواية النُّعَيميّ (386) هـ اسمه ونسبه: هو الإمام المسند أحمد بن عبد الله بن نُعيم بن الخليل، أبو حامد النُّعَيميّ (¬1)، السَّرْخَسي، نزيل هراة. سمع من: أبي عبد الله الفَرَبْريّ، وحدث عنه بـ «الصحيح»، وأبي العباس محمد ابن عبد الرحمن الدغولي، والحسين بن محمد بن مصعب السنجي، وإبراهيم بن حمدويه السلمي، وأحمد بن إسحاق بن إبراهيم السَّرْخَسي، وغيرهم. حدث عنه: أبو عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي الهَرَويّ، وأبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو بكر البرقاني، وأبو منصور الحسين بن علي الكرابيسي، وأبو يعقوب القراب، وغيرهم. وفاته: قال أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم القراب الهَرَويّ: توفي أبو حامد أحمد ابن عبد الله بن نعيم السَّرْخَسي نزيل هراة في ربيع الأول، يوم الثاني والعشرين من سنة ست وثمانين وثلاثمائة. روايته لـ «الصحيح» روى عن النُّعَيميّ «الصحيحَ» عددٌ من العلماء وأشهرهم: 1 - الشيخ الصدوق عبد الواحد بن أحمد بن أبي القاسم بن محمد بن داود بن أبي حاتم، أبو عمر المليحي الهَرَويّ. سمع أبا محمد المخلدي، وأبا حامد أحمد بن عبد الله النُّعَيميّ، وأبا ¬

(¬1) بضم النون وفتح العين نسبة إلى جده. ينظر في ترجمته: «الإكمال» 7/ 378، و «الأنساب» 13/ 148 - 149، و «التقييد» ص: 144 (164)، و «اللباب» 3/ 318، و «تاريخ الإسلام» 27/ 116، و «سير أعلام النبلاء» 16/ 488 (358)، و «الوافي بالوفيات» 7/ 111 (3033)، و «النجوم الزاهرة» 4/ 175، و «شذرات الذهب» 3/ 119. وغيرهم.

الحسن الخفاف وغيرهم. وروى عنه «الصحيح» محمد بن إسماعيل بن الفضيل الفضيلي، وخلف بن عطاء بن أبي عاصم أبو بكر الماوردي، ومحبي السنة أبو محمد البَغَويّ، وإسماعيل ابن منصور بن محمد المقرئ. وغيرهم. قال عنه الساجي: كان ثقة صالحًا، قديم المولد، سماعه للبخاري بقراءة أبي الفتح بن أبي الفوارس، وقال الذَّهَبِيّ: روى «صحيح البُخارِيّ» عن النُّعَيميّ. توفى في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وله ست وتسعون سنة (¬1). وأشهر من رواه عن المليحي: الأول: البَغَويّ صاحب «شرح السنة». وهو الإمام الحافظ شيخ الإسلام محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البَغَويّ ولد في بغشور، والنسبة إليها على غير قياس، وهي في بلاد خراسان، توفي سنة (516) هـ وبلغ الثمانين أو تجاوزها (¬2). وقد ساق البَغَويّ بإسناده إلى البُخارِيّ في كتابه «شرح السنة» قرابة اثنين وستين وسبعمائة حديثًا، في جميعها يقول: أنبأنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنبأنا أحمد ابن عبد الله النُّعَيميّ، أنبأنا محمد بن يوسف، أَخْبَرَنا محمد بن إسماعيل البُخارِيّ. وهي تصلح في جملتها للمقارنة بينها وبين بقية الروايات حيث ¬

(¬1) ينظر ترجمته: «التقييد» ص: 383 (496)، و «اللباب» 3/ 256، «تذكرة الحفاظ» 3/ 1131، «السير» 18/ 255، «شذرات الذهب» 3/ 314. (¬2) ينظر في ترجمته: «التقييد» ص: 251 (305)، «سير أعلام النبلاء» 19/ 439 - 442، «شذرات الذهب» 4/ 48 - 49.

يذكرها بأسانيدها ومتنها. الثاني: أبو الفضل محمد بن إسماعيل بن الفضيل بن محمد المزكي الهَرَويّ المعروف بالفضيلي. سمع محمد بن إسماعيل الضبي، وأبا عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي، وسعيد بن أبي سعيد العيار. حدث عنه: السَّمْعاني، وابن عساكر، وأبو روح عبد المعز. قال السَّمْعاني: أملى مدة بجامع هراة، وأجاز لي، وورد مرو وأنا بالعراق. ومن مروياته «صحيح البُخارِيّ» سمعه من المليحي، عن النُّعَيميّ، عن الفَرَبْريّ، عنه. توفي بمرو بقرية الرويق، يوم الإثنين السادس من صفر، سنة أربع وثلاثين وخمسمائة (¬1). 2 - أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الإمام الحافظ المحقق الرحال البغدادي ولد سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، وأول سماعه في سنة ست وأربعين وثلاثمائة بقراءته هو على أبي حامد النُّعَيميّ «صحيح البُخارِيّ»، كما سمع من أحمد ابن الفضل بن خزيمة، وجعفر بن محمد الخلدي، ودعلج بن أحمد، وأبي بكر الشافعي، وغيرهم. وحدث عنه: أبو سعد الماليني، وأبو بكر البرقاني، وأبو بكر الخطيب، وغيرهم. توفي في سنة اثنتى عشرة وأربعمائة (¬2). ¬

(¬1) «التقييد» ص: 35 (9)، «سير أعلام النبلاء» 20/ 64 - 65. (¬2) «سير أعلام النبلاء» 17/ 223 - 224، «تاريخ بغداد» 1/ 352 - 353 وغيرهما.

رواية الإشتيخني (381) هـ

10 - رِواية الإشتيخني (381) هـ اسمه ونسبه (¬1): محمد بن أحمد بن محمد بن مَتَّ أبو بكر السمرقندي الإشتيخني (¬2) حدث بصحيح البُخارِيّ عن الفَرَبْريّ، وكان سماعه في سنة (319) هـ. قال الدّاوُدِيّ: دخلت على ابن مَتّ بإشتيخن، فقال لي: أسمعت جامع البُخارِيّ؟ قلت نعم. قال: ممن؟ قلت: من إسماعيل الحاجبي، فقال: اسمعه مني فإني أثبت فيه، فإني كنت أدرس الفقه وكنت كبيرًا حين سمعته، وكان إسماعيل صغيرًا يحمل على العاتق ولا يقدر على المشي، أفسماعي وسماعه يستويان؟ قال: فسمعته من ابن متّ. روى عن محمد بن يوسف الفَرَبْريّ، وأبي بكر أحمد بن محمد بن آدم الشاشي. وقد حدث عنه: أبو سعد الإدريسي، وعلى بن سختام السمرقندي، وأبو نصر الدّاوُدِيّ .. وغيرهم. قال ابن الأثير الجزري: كان من أئمة أصحاب الشافعي، حدث بـ «صحيح البُخارِيّ» عن الفربري توفي سنة (381) هـ في رجب وقيل: سنة (388) هـ. ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «تاريخ بغداد» 2/ 9 - 10، و «الأنساب» 1/ 260 (172)، و «معجم البلدان» 1/ 196، و «التقييد» ص: 49 (22)، و «اللباب» 1/ 63، و «سير أعلام النبلاء» 16/ 521، و «تاريخ الإسلام» 27/ 172، و «طبقات الشافعية» للسبكي 3/ 99 (114)، و «توضيح المشتبه» 5/ 100 - 101، و «شذرات الذهب» 3/ 129. (¬2) الإشتيخني: بكسر الألف وسكون الشين المعجمة، وكسر التاء المنقوطة باثنين من فوقها بعدها ياء معجمة باثنتين من تحتها ساكنة، وفتح الخاء المنقوطة من آخرها النون قاله السمعاني.

وقال الإدريسي: الإشتيخني: هو الشيخ الفاضل الزاهد كان من أئمة أصحاب الشافعي في الفقه كتبنا عنه بإشتيخن، يروي عن محمد بن يوسف الفَرَبْريّ، والحسن ابن صاحب الشاشي ومات بإشتيخن سنة (388) هـ.

رواية أبي علي الكشاني (391) هـ

11 - رِواية أبي علي الكُشّانيّ (391) هـ اسمه ونسبه (¬1): هو الشيخ المسند الصدوق أبو علي إسماعيل بن محمد بن أبي نصر محمد بن أحمد بن حاجب بن خمانة الكُشّانيّ الحاجبي الخماني (¬2). شيوخه: سمع أبو علي رحمه الله من أبي عبد الله الفَرَبْريّ «الصحيح» - وهو آخر مَن سمع منه - كما سمع من أبي نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الإستراباذي، وأبي حسان مهيب بن سليم، وغيرهم. تلاميذه: روى عنه كثير من العلماء «صحيح البُخارِيّ» طلبًا لعلو إسناده، فقد سمع منه أبو عبد الله الحسين بن محمد الخلال أخو الحسن الحافظ، وأبو سهل أحمد ابن علي الأبيوردي، وأبو عبد الله غُنْجار، وغيرهم. أقوال العلماء فيه: قال السَّمْعاني: هو شيخ ثقة، صالح مشهور، من أهل الكُشّانيّة، رحل ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: «الإكمال» 7/ 185، و «الأنساب» ونسبه في الحاجبي 4/ 5 - 6 (1045) والخماني 5/ 191 (1449) والكُشَّانيّ 11/ 110 - 111 (3443)، و «معجم البلدان» 4/ 462 مادة (كَشَانية)، و «التقييد» ص: 302 (235)، و «تاريخ الإسلام» 27/ 248 وفيات سنة (391) هـ، 27/ 264 وفيات سنة (392) هـ، و «سير أعلام النبلاء» 16/ 481، و «تذكرة الحفاظ» 3/ 1023، و «المشتبه» 2/ 552، و «الوافي بالوفيات» 9/ 205 (4106)، و «توضيح المشتبه» 7/ 332 - 333 (الكُشَّانيّ)، و «تبصير المنتبه» 3/ 1216، و «شذرات الذهب» 3/ 139 وفيات سنة (392) هـ. (¬2) الكُشَّانيّ، بضم الكاف وفتح الشين المعجمة، وفي آخرها النون نسبة إلى الكُشَّانيّة، وهي بلدة من بلاد الضغد أو السغد، وهي بنواحي سمرقند على اثني عشر فرسخًا منها. والحاجبي والخماني نسبة إلى الجد. قاله السمعاني.

إليه الناس وسمعوا منه. وقال الذَّهَبِيّ: الشيخ المسند الصدوق، وقال أيضًا: كان شيخًا معمرًا، وهو آخر من روى «صحيح البُخارِيّ» عاليًا. وفاته: قال أبو سعد الإدريسي: توفي سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وقال المؤتمن الساجي: سنة اثنتين وتسعين. روايته لـ «الصحيح» ذكر كثير من العلماء الذين ترجموا لأبي علي أنه آخر الرُّواة عن الفَرَبْريّ، فقد سمعه في سنة عشرين وثلاثمائة (أي: سنة وفاة الفَرَبْريّ)، وعَمّر حتى توفي بعد سنة تسعين وثلاثمائة، أي: بقي بعد موت الفَرَبْريّ سبعين عامًا يحدث بـ «الصحيح»، ولذا علا إسناده حتى توافد عليه العلماء من كل مكان. قال ابن ماكولا: حدث عن الفَرَبْريّ بكتاب «الجامع» للبخاري، أحسبه آخر من حدث به عنه. اهـ. وقال السَّمْعاني: وفي الوقت الذي رواه لم يكن بقي أحد في الدنيا يروي «الصحيح» عن الفَرَبْريّ اهـ. وقال أيضًا: آخر من روى «الصحيح» في الدنيا عن محمد بن يوسف الفَرَبْريّ. ولذلك نجد كثيرًا من العلماء عرفت لهم رِواية عن أبي علي الكُشّانيّ ومنهم ما يلي: 1 - أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر بن الفتح النَّسفي المُسْتَغْفريّ صاحب التصانيف ت (432) هـ ومن طريقه

اتصلت الرِّواية بابن حجر العسقلاني وشهاب الدين القَسْطَلّانِيّ (¬1). 2 - أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن البغدادي الخلال المؤدب ت (430) هـ سمع بما وراء النهر «الصحيح» عن الكشاني، وروى عنه الخطيب أحاديث من «الصحيح» ذكرها في كتابه «الجامع لأخلاق الراوي» (¬2) وفي «الأسماء المبهمة» (¬3) كما روى عنه أبو الحسن علي بن الحسين بن أيوب البزار، ومن طريقه اتصلت هذه الرِّواية بالقاضي عِياض في «المشارق». 3 - أبو سهل أحمد بن علي الأبيوردي، أحد أئمة الدنيا علمًا وعملًا، ذكره الأديب أبو المظفر محمد بن أحمد في مختصر لطيف سماه «نزهة الحفاظ» وقال فيه: كان من أئمة الفقهاء، كان أبو زيد الدبوسي يقول: لولا أبو سهل الأبيوردي لما تركت للشافعية بما وراء النهر مكشف رأس (¬4). 4 - أبو حامد أحمد بن محمد بن أحيد بن ماما (436) هـ (¬5). 5 - عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد، أبو حفص المعروف بابن شاهين السمرقندي ت (454) هـ (¬6). 6 - عطية بن سعيد بن عبد الله، الأندلسي أبو محمد (403) هـ (¬7). ¬

(¬1) انظر «تذكرة الحفاظ» 3/ 1102 (996)، و «سير أعلام النبلاء» 17/ 564. (¬2) 1/ 251 (511). (¬3) 1/ 26. (¬4) انظر ترجمته في «طبقات الشافعية» 4/ 43 - 44 و «السير» 16/ 481. (¬5) ينظر «الأنساب» مادة: المامايي 5/ 181 (3611)، «تذكرة الحفاظ» 3/ 1117 (1003). (¬6) ينظر «الأنساب» مادة: الشاهيني 47 (2289)، «السير» 18/ 127. (¬7) «السير» 17/ 412.

7 - الحسن بن علي المكي، النخشبي الحمادي (460) هـ (¬1). 8 - أبو أحمد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن يوسف الرشيقي (420) هـ (¬2). 9 - عمر بن منصور بن أحمد بن محمد بن منصور، الخنبي أبو حفص البُخارِيّ (460) هـ (¬3). 10 - أبو طاهر محمد بن علي الشجاعي الشنجي (415) هـ (¬4). 11 - محمد بن إبراهيم بن أحمد أبو بكر الأردستاني (424) هـ (¬5). 12 - منصور بن إسحاق بن محمد أبو سعد الخزرجي السَّرْخَسي (¬6). 13 - أبو القاسم بن مهران المديني (¬7). 14 - محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل، أبو عبد الله غُنْجار البُخارِيّ، ولقبه غُنْجار بلقب غُنْجار الكبير عيسى بن موسى البُخارِيّ (¬8). ¬

(¬1) «الأنساب» مادة: الحمادي 4/ 224 (1202). (¬2) «الأنساب» مادة: الرشيقي 6/ 133 (1789). (¬3) «السير» 18/ 148، «الأنساب» مادة: الخنبي 5/ 206 - 207 (1473). (¬4) «الأنساب» مادة: الشنجي 8/ 159 - 160 (2387)، «السير» 16/ 481. (¬5) «الأنساب» 1/ 160 (94)، «التقييد» 1/ 28 (2)، «السير» 17/ 428. (¬6) «التقييد» 1/ 361 (456)، «التحبير في المعجم الكبير» 11/ 385. (¬7) «التحبير في المعجم الكبير» 1/ 508. (¬8) «سير أعلام النبلاء» 16/ 481، وينظر 17/ 304.

رواية الأخسيكتي (346) هـ

12 - رِواية الأَخْسِيكَتي (346) هـ اسمه ونسبه: أبو نصر أحمد بن محمد بن أحمد الأَخْسِيكَتي المتوفى سنة (346) هـ قال ياقوت الحموي: أَخْسِيكَث: بالفتح، ثم السكون، وكسر السين المهملة، وياء ساكنة، وكاف، وثاء مثلثة، وبعضهم يقوله بالتاء المثنّاة، وهو الأَوْلى، لأن المثلثة ليست من حروف العَجَم: اسم مدينة بما وراء النهر، وهي قصبة ناحية فرغانة. (¬1). وروى عنه «الصحيح»: إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الصفّار الزاهد. كذا ذكر روايته ابن حجر (¬2). وقال شرف الدين في ترجمة القاضي الخالدي: ... سمع جميع كتاب البخاري بروايته عن الشيخ الإمام ركن الدين، أبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل بن إسحاق الزاهد الصفار، مسموعه منه ببخاري في مجالس عدة، أخرها شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، بروايته عن الدهان أبي نصر أحمد بن محمد بن أحمد الأخسيكثي، عن محمد بن يوسف بن محمد الفربري، عن أبي عبد الله البخاري. اهـ. (¬3) هكذا سماه إبراهيم بن إسماعيل، وبهذا الاسم وجدت له ترجمة عند السمعاني في «الأنساب» (¬4) وقال: المعروف بالزاهد الصفار، كان إمامًا زاهدًا ورعًا. ¬

(¬1) «معجم البلدان» 1/ 121. وانظر مقدمة «لامع الدراري» للكاندهلوي1/ 204 - 214. (¬2) «فتح الباري» 1/ 6. (¬3) «تاريخ إربل» 1/ 265 - 266. (¬4) 8/ 318 - 319.

وفي «التحبير في المعجم الكبير» (¬1) قال: أبو إسحاق الأنصاري: أبو إسحاق، إبراهيم بن إسماعيل بن إسحاق بن شيث بن الحكم ... بن عدنان الأنصاري الوائلي البخاري، المعروف بالصفار، إمام فاضل، عالم زاهد، حسن السيرة، عفيف مشهور بذلك عند الخواص والعوام، قائل بالحق، سمع أباه أبا أحمد الصفار الشهيد ... اهـ. وكذا الحافظ الذهبي في «السير» (¬2) قال: العلامة ركن الدين أبو إسحاق إبراهيم. وفي «تاريخ الإسلام» (¬3) ذكر أنه مات في ربيع الأول - وزاد السمعاني أنه في السادس والعشرين - سنة أربع وثلاثين وخمسمائة ببخاري. وأما ما جاء في «الفتح» باسم إسماعيل بن إسحاق، ففيه نظر، أو هو خطأ من النسخ؛ فهو أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل. ¬

(¬1) 1/ 71. (¬2) 21/ 92 (¬3) 36/ 344 (185)

رواية محمد بن خالد الفربري

13 - رِواية محمد بن خالد الفَرَبْريّ روايته عند الخَطّابِيّ (388 هـ) وهو محمد بن خالد بن الحسن الفَرَبْريّ كما نسبه الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الغني بن نقطة (629) هـ في «تكملة الإكمال» باب الفربري (¬1)، وقد ذكر الخَطّابِيّ أنه روى «الصحيح» عن الفَرَبْريّ من طريقه، وذلك في أول شرحه على «الصحيح» المسمى بـ «أعلام الحديث» (¬2). ولم أقف على من ذكره غير ذلك والله أعلم. ¬

(¬1) 4/ 547 (4809). (¬2) 1/ 106.

رواية أبي لقمان يحيى بن عمار الختلاني

14 - رواية أبي لقمان يحيى بن عمار الختلاني ذكره الكاندهلوي في مقدمة شرحه على البخاري «لامع الدراري» فقال في الفائدة العاشرة وهو يعدد الرواة عن الفربري، فذكر الراوي الثاني عشر: (أبو لقمان) يحيى بن عمار الختلاني المعمر 143 سنة، وهذا عمره، ليس سن وفاته، بسط الكلام علي سنده في (قطف الثمر (¬1»، و (اليانع الجني (¬2» وذكراه بعدة طرق، وقالا: هذا السند في غاية العلو، ولم يبلغ هذا الطريق ابن حجر ولا السيوطي؛ لأنهما كانا بمصر، وكان أبو الفتوح بخراسان، وذكر هذا السند شيخ مشايخنا الشاه ولي الله الدهلوي في كتابه «المسلسلات في الحديث المسلسل بالمشارقة» (¬3). اهـ ¬

(¬1) «قطف الثمر في رفع أسانيد المصنفات في الفنون والأثر» هو ثبت لصالح بن محمد بن نوح الفلاني (1218) هـ. ينظر: «هدي الساري إلى أسانيد الشيخ إسماعيل الأنصاري» ص: 658. (¬2) «اليانع الجني» هو ثبت فيه أسانيد عبد الغني بن أبي سعيد الدهلوي (1296) هـ جمعه تلميذه يحيى المحسن الترهي الفريني الهندي. ينظر: «هدي الساري إلى أسانيد الشيخ إسماعيل الأنصاري» ص: 661 - 662. (¬3) مقدمة «لامع الدراري» 1/ 214.

الفصل الثالث «أشهر الروايات بين العلماء حتى القرن السادس الهجري»

الفَصْل الثالث «أشهر الروايات بين العلماء حتى القرن السادس الهجري» ويتكون من أربعة مباحث: المبحث الأول: رِواية أبي ذر الهَرَويّ (434) هـ. المبحث الثاني: رِواية الأصيلي (392) هـ. المبحث الثالث: رِواية أبي الوَقْت (553) هـ المبحث الرابع: رِواية كريمة المَرْوَزيّة (463) هـ.

المبحث الأول رواية أبي ذر الهروي (434) هـ

المبحث الأول رِواية أبي ذر الهَرَويّ (434) هـ ويتكون من ثلاثة مطالب: - المطلب الأول: ترجمة أبي ذر الهَرَويّ (434) هـ. - المطلب الثاني: رِواية أبي ذر وأشهر الرُّواة عنه. - المطلب الثالث: النسخ الموجودة من هذه الرِّواية.

المطلب الأول ترجمة أبي ذر الهروي

المطلب الأول ترجمة أبي ذر الهَرَويّ اسمه ونسبه (¬1): هو الحافظ الإمام، المجود العلامة، عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عُفَيْر بن عَمْرك بن خليفة بن إبراهيم، ينتهي نسبه إلى مالك بن عمرو بن الخزرج، الأنصاري، الخزرجي، الهَرَويّ، ثم المكي، المالكي، الأشعري، المحدث، المصنف، يكنى أبا ذر. راوي «الصحيح» عن الشيوخ الثلاثة، عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ، وشيخ الحرم المكي والمجاور به، والمعروف ببلده بابن السماك. قال: ولدت سنة خمس - أو ست - وخمسين وثلاثمائة. شك أبو ذر (¬2). ¬

(¬1) لقد أطلت في ترجمة أبي ذر الهروي، وحاولت جمع كل ما يتعلق به في هذه الترجمة: نظرًا لمكانة روايته بين المحدثين، ولأني لم أقف على من ترجم له ترجمة موسعة. ومصادر ترجمته التي وقفت عليها هي: «تاريخ بغداد» 11/ 141، و «ترتيب المدارك» للقاضي عياض 2/ 696 - 698 و «الإكمال» لابن ماكولا 3/ 334. و «المنتظم» 15/ 287، و «المنتخب من السياق» 438 - 439، و «معجم البلدان» 5/ 396 - 397، مادة (هراة)، و «التقييد» ص: 391 (510)، و «برنامج التجيبي» ص: 75، و «إفادة النصيح» لابن رشيد ص: 39، و «تاريخ الإسلام» 29/ 404 - 407، و «سير أعلام النبلاء» 17/ 554 - 563، و «تذكرة الحفاظ» 3/ 1103 - 1108، و «مرآة الجنان» 3/ 55، و «نفح الطيب» 2/ 70، و «هدية العارفين» 1/ 437 - 438، و «فهرس الفهارس» 1/ 157 (47)، و «الأعلام» للزركلي 4/ 66، و «معجم المؤلفين» 1/ 707 (5281)، و «تاريخ التراث العربي» 1/ 388، وغير ذلك. (¬2) ينظر «تاريخ بغداد» 11/ 140، و «إفادة النصيح» ص: 44.

والهَرَويّ: نسبة إلى هَراة بلد بخراسان، وهي من أكثر بلاد خراسان عمارة، وأحسنها وجوه أهل، افتتحها الأحنف بن قيس في خلافة عثمان رضي الله عنه، وأهلها أشراف من العجم، وبها قوم من العرب، ومنهم أبو ذر هذا (¬1). وكان مالكي المذهب، ولقي جلة من أعلام مذهب مالك منهم: القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني (403) هـ. والقاضي أبو الحسن بن القصار صاحب أكبر كتاب في مسائل الخلاف بين المالكيين، المتوفى سنة (398) هـ وغيرهما (¬2). وكان سبب تمذهبه بمذهب مالك رضي الله عنه ما ذكره أبو الوليد الباجي في كتابه «اختصار فرق الفقهاء» من تأليفه في ذكر القاضي ابن الباقلاني ونقله عنه الذَّهَبِيّ وغيره. قال أبو الوليد: لقد أخبرني الشيخ أبو ذر وكان يميل إلى مذهبه، فسألته من أين لك هذا؟ قال: إني كنت ماشيا ببغداد مع الحافظ الدارقطني، فلقينا أبا بكر بن الطيب فالتزمه الشيخ أبو الحسن، وقبّل وجهه وعينيه، فلما فارقناه، قلت له: من هذا الذي صنعت به ما لم أعتقد أنك تصنعه وأنت إمام وقتك؟ فقال: هذا إمام المسلمين والذاب عن الدين، هذا القاضي أبو بكر محمد بن الطيب. قال أبو ذر: فمن ذلك الوَقْت تكررت إليه مع أبي كل بلد دخلته من بلاد خراسان وغيرها، لا يشار فيها إلى أحد من أهل السنة إلا من كان على ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 39. (¬2) ينظر «ترتيب المدارك» للقاضي عياض 2/ 696 - 698.

مذهبه وطريقه (¬1). اهـ. شيوخه: سمع رحمه الله تعالى من شيوخ كثيرين، فقد كان واسع الرحلة جدًّا ومن أبرزهم الذين أخذ عنهم رِواية «صحيح البُخارِيّ»: أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المُسْتَمْلِيّ (376) هـ. وأبو محمد عبد الله السَّرْخَسي الحَمُّوييّ (381) هـ. وأبو الهيثم الكُشْمِيهَني (389) هـ. سمعه على الحَمُّوييّ السَّرْخَسي بهراة سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة. وسمع وقرأ على المُسْتَمْلِيّ ببلخ سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، كما رُوي ذلك عن أبي ذر نفسه - فيما نقله عنه ابن رشيد - وقد فرغ منه يوم السبت لست خلون من المحرم من سنة خمس وسبعين وثلاثمائة. وسمع وقرأه على الكُشْمِيهَني، بكشميهَن سنة تسع وثمانين وثلاثمائة من المحرم. وممن سمع منهم ببلده هراة: أبو الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه، وبشر بن محمد المزني. وبالبصرة: من أبي بكر هلال بن محمد بن محمد، وشيبان بن محمد الضُّبَعي. وببغداد: من عبيدالله بن عبد الرحمن الزهري، وأبي عمر بن حيويه، وعلي بن عمر السكري، وأبي الحسن الدارقطني، وطبقتهم. وبدمشق: من عبد الوهاب الكلابي. وبمصر: من أبي مسلم الكاتب. ¬

(¬1) ينظر «سير أعلام النبلاء» 17/ 558، و «تذكرة الحفاظ» 3/ 1104 - 1105.

وبسَرخَس: من زاهر بن أحمد الفقيه، وأبي محمد عبد الله السَّرْخَسي. وببلخ: من أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد المُسْتَمْلِيّ. وبكشمِيهَن: من أبي الهيثم الكُشْمِيهَني. وبمكة: من أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن عثمان الدينوري وغيره. تلاميذه: حدث عن أبي ذر من الخلق ما لا يحصون، وخاصة في روايته لـ «الصحيح». فمن أشهر الطرق التي اشتهرت عند أهل المشرق رِواية ابنه أبي مكتوم عيسى ابن أبي ذر عنه. وسمع «الصحيح» عليه من الأندلسيين العدد الكثير. ومن أشهر الطرق المعروفة إليه اليوم بالمغرب والتي اعتمدها الرُّواة، رِواية القاضي أبي الوليد الباجي عنه، ورِواية أبي العباس أحمد بن أنس العذري عنه، ورِواية أبي عبد الله بن شريح المقرئ عنه، ورِواية أبى عبد الله بن منظور القيسي عنه. وسيأتي تفصيل هذه الروايات. وروى عنه غيرهم خلق كثيرون منهم: موسى بن علي الصَّقَلي، وعلي بن محمد بن أبي الهول، وأبو العباس بن دِلْهاث، وعبد الله بن الحسن التَّنَّيسي، وأبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن، وعلي بن بكار الصوري، وأحمد بن محمد القزويني، وأبو الطاهر إسماعيل بن سعيد النحوي، وعبد الحق بن هارون السَّهْمي، وغيرهم ممن ذكرهم الذَّهَبِيّ وغيره. وممن روى عنه بالإجازة: الإمام أبو عمر بن عبد البر، وأبو بكر الخطيب البغدادي، وأحمد بن عبد القادر اليوسفي، وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن غَلْبُون الخَوْلانيُّ.

أقوال العلماء في الثناء عليه: قال الخطيب البغدادي: خرج أبو ذر إلى مكة فسكنها مدة، ثم تزوج في العرب وأقام بالسروان، وكان يحج في كل عام، ويقيم بمكة أيام الموسم، ويحدث ثم يرجع إلى أهله، وكتب إلينا من مكة بالإجازة لجميع حديثه، وكان ثقة ضابطًا دينا فاضلًا (¬1). وقال القاضي عِياض: وتمذهب بمذهب مالك، ولقي جلة من أعلامه وأخذ عنهم ... واشتغل في الحديث، فتقدم في إمامته وغلب عليه .. ورحل .. إمامًا في الحديث حافظًا له، ثقة ثبتًا متفننًا، واسع الرِّواية، متحريًا في سماعه، كثير المعرفة في الصحيح والسقيم، وعلم الرجال، حسن التأليف في ذلك، وكان مع ذلك زاهدًا متقشفا فاضلًا متقللًا، نزل مكة وجاور بها أزيدَ من ثلاثين سنة (¬2). وقال الحافظ أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري فيما نقله عنه ابن النقطة: عبد بن أحمد بن محمد السماك الحافظ صدوق (¬3). وقال عبد الغافر: كان أبو ذر زاهدًا ورعًا عالمًا سخيًّا لا يدخر شيئا، وصار من كبار مشيخة الحرم، مشارًا إليه في التصوف، خرَّج على «الصحيحين» تخريجًا حسنًا وكان حافظًا كثير الشيوخ (¬4). وقال الذَّهَبِيّ: الحافظ الإمام المجوِّدُ العلامة شيخ الحرم (¬5). ¬

(¬1) «تاريخ بغداد» 11/ 141. (¬2) «ترتيب المدارك» 2/ 696 - 698. (¬3) «التقييد» ص: 392. (¬4) «المنتخب من السياق» ص: 399 (1343). (¬5) «السير» 17/ 554.

وقال أيضًا في «التذكرة»: الإمام العلامة الحافظ .. شيخ الحرم (¬1). وقال ابن رشيد: وغلب عليه الحديث، وكان فيه إمامًا. قال ابن بشكوال: كان حافظًا فاضلًا على هدي السلف الصالح. وذكر الحافظ السلفي أنه سأل عنه أبا نصر الساجي فقال: ثقة ورع (¬2). وقال فيه حاتم بن محمد أبو القاسم الطرابلسي: كان أبو ذر مالكيًّا خيرًا فاضلًا متقللًا من الدنيا، يُبْصِر الحديث وعِلَلَه ويميز الرجال (¬3). مصنفاته: ذكر القاضي عِياض في «المدارك» مصنفات لأبي ذر الهَرَويّ، ونقلها عنه الذَّهَبِيّ وغيره، ومن هذه المصنفات. 1 - كتابه الكبير وهو «المسند الصحيح المخرج على البُخارِيّ ومسلم». كذا سماه القاضي عِياض في «المدارك» وذكره غير واحد، وقال: خرج على الصحيحين تخريجًا حسنًا كما قال عبد الغافر في «تاريخ نيسابور» فيما نقله عنه الذَّهَبِيّ وغيره. وذكره ابن خير الإشبيلي في مؤلفات أبي ذر التي رواها من طريق أبي العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري عن أبي ذر رحمه الله (¬4). 2 - «المستدرك على الصحيحين» وهو كتاب استخرجه على «إلزامات الدارقطني». ¬

(¬1) ص: 3 - 11. (¬2) «إفادة النصيح» ص: 40 - 41. (¬3) «إفادة النصيح» ص: 43. (¬4) «الفهرسة» ص: 286، 287.

قال الذَّهَبِيّ في «السير» (¬1): له مستدرك لطيف في مجلد على الصحيحين علقت منه، يدل على معرفته. اهـ. وقال ابن حجر في ترجمة بشر بن سحيم في «تهذيب التهذيب»: أخرج أبو ذر حديثه في «مستدركه» الذي استخرجه على «إلزامات الدارقطني».اهـ. وذكر هذه العبارة في عدة مواضع من كتابه، انظر ترجمة: ثابت بن وديعة، والحارث بن مالك بن قيس، وحبيب بن سلمة، وحمل بن مالك بن النابغة، ويسار ابن عبد أبي عزة. في كل هذه المواضع يقول: أخرج أبو ذر حديثه في «المستدرك» المستخرج على «الإلزامات». وذكره ابن حجر أيضًا في كتابه «المعجم المفهرس» أو تجريد أسانيد الكتب المشهورة (¬2). قال: «المستخرج على الإلزامات»: تخريج أبي ذر الهَرَويّ للأحاديث التي ذكر الدارقطني أن الشيخين يلزمهما إخراجهما لثبوتهما على شرطيهما، وهي مرتبة على المسانيد في مجلد لطيف. ثم ساق ابن حجر إسناده إلى هذا الكتاب من رِواية شريح بن محمد القاضي، عن محمد بن أحمد بن منظور، عن أبي ذر. وذكره ابن خير الإشبيلى في «فهرسته» (¬3) عقب كتاب «الإلزامات» للدارقطني ثم قال: وتخريج الإلزامات المذكورة تأليف أبي ذر الهَرَويّ أربعة أجزاء، حدثني به الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن موهب، عن ¬

(¬1) «السير» 17/ 559. (¬2) «المعجم المفهرس» ص: 141 رقم (506) (¬3) ص: 203.

أبي العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري، عن أبي ذر مؤلفه رحمه الله اهـ. 3 - كتاب «فوائد أبي ذر الهَرَويّ» (¬1). وهي مروية بسند متصل إلى أبي ذر الهَرَويّ، وهو جزء صغير جمع فيه مؤلفه أحاديث من موضوعات شتى، ولم يرتبها ترتيبًا واضحًا، بل ساق الأحاديث والآثار بعضها إثر بعض. وبلغ عدد النصوص الواردة بهذا الجزء إحدى وعشرين نصًّا تتنوع بين أحاديث مرفوعة وآثار موقوفة، ولم يلتزم الصحة فيما يورده. 4 - كتاب «المعجم» وقد اشتهر باسم «معجم أبي ذر الهَرَويّ» وهذا الكتاب ذكره ابنُ حجر في «اللسان» ترجمة محمد بن عبد الله أبي الفضل الشيباني قائلًا: وقال أبو ذر: كتبت عنه في «المعجم» للمعرفة، ولم أخرج عنه في تصانيفى شيئًا اهـ (¬2) ذكره ابن خير الإشبيلي في «فهرسته» (¬3). قال: حدثني به شيخنا الفقيه أبو القاسم أحمد بن محمد بن بقي رحمه الله قراءة مني عليه، والشيخ أبو الحسن يونس بن محمد بن مغيث رحمه الله مناولة منه لي، قالا: نا به الشيخ أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد بن منظور القيسي رحمه الله، سماعًا منهما عليه بقراءة أبي على الغساني، قال ابن مغيث: وفاتني منه شيء من أوله فأجازه لي، وحديثان عن أبي ذر عبد بن أحمد الهَرَويّ مؤلفه رحمه الله اهـ. وذكره الكتاني في «فهرس الفهارس» وقال - بعد أن عرّف بأبي ذر ¬

(¬1) وهو كتاب مطبوع في مجلد، طبعته مكتبة الرشد وشركة الرياض للنشر والتوزيع بالمملكة العربية السعودية سنة 1418 هـ. (¬2) «لسان العرب» 6/ 249، و «تاريخ دمشق» 54/ 18، و «سير أعلام النبلاء» 17/ 182. (¬3) ص: 154.

الهَرَويّ -: له معجم في مجلد قال في أوله: الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه، وأعوذ بالله من شر نفسي وسيئات عملي، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له .. إلى أن قال: وبعد، فإني أذكر في هذا عن شيوخي الذين كتبت عنهم في سائر البلدان عن كل واحد ما تيسر على حروف المعجم، باب الألف منهم: من اسمه أحمد. ولأبي ذر جزء آخر فيه أسماء شيوخ كثيرة رآهم ولم يكتب عنهم، وعدة من في «معجمه» هذا المذكور ثلاثمائة رجل وثلاثون رجلًا إلا رجلين، وله عن امرأة واحدة، وعدة ما فيه من الأحاديث ستمائة وعشرون حديثا. أرويه من طريق عِياض عن أبي علي الغساني عن ابن عبد البر عنه (¬1). اهـ. 5 - كتاب «مناسك الحج». ذكره ابن خير الإشبيلي في «فهرسته» (¬2) وقال: حدثني به شيخنا الخطيب أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح المقري قراءة عليه وأنا أسمع مرات، قال: حدثني بها أبي رحمه الله قراءة مني عليه، والشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى بن منظور رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع، قالا: نا بها أبو ذر عبد بن أحمد مؤلفها رحمه الله، وكان سماع أبي محمد بن شريح لها على أبي ذر في ذي الحجة من سنة (433) هـ اهـ. كما ذكره أيضا ابن خير (¬3) من مرويات أبى القاسم أحمد بن بقي وأبي الحسن علي بن موهب، عن أبى العباس بن عمر العذرى، عن أبى ذر رحمه الله. ¬

(¬1) «فهرس الفهارس» 2/ 611 (211). (¬2) «الفهرسة» ص: 250. (¬3) في ص: 286.

وذكره الذَّهَبِيّ في «السير» (¬1) وحاجي خليفة في «كشف الظنون». ونقل منه ابن كثير في «البداية والنهاية» (¬2). 6 - «مسانيد الموطأ». ذكره ابن خير الإشبيلي في «فهرسته» (¬3) وذكر أن هذا الكتاب من مروياته عن أبي الحسن شريح بن محمد عن أبي عبد الله عن أبي ذر. وذكره ابن رشيد باسم «مسانيد الموطآت» (¬4). 7 - «فهرسة الشيخ أبي ذر عبد بن أحمد الهَرَويّ». كذا ذكرها ابن خير الإشبيلى (¬5) وذكر أنها من مروياته التي رواها عن أبي الحسن شريح بن محمد عن أبيه وعن أبي عبد الله بن منظور، كلاهما عن أبي ذر، كما أجازه بها أبو الحسن علي بن عبد الله بن موهب، عن أبي الوليد الباجي، عن أبي ذر، ويحتمل أن يكون هو «المعجم». 8 - «فضائل القرآن». ذكره ابن خير في «الفهرسة» (¬6) وذكر أنه من مروياته عن أبي الحسن علي بن عبد الله بن موهب، وأبي القاسم أحمد بن محمد بن بقي، كلاهما عن أبي العباس العذري عن أبي ذر. 9 - «كتاب العيدين» ذكره ابن خير في «الفهرسة» (¬7) من مؤلفات أبي ذر ¬

(¬1) «السير» 17/ 560. (¬2) «البداية والنهاية» 5/ 163. (¬3) «الفهرسة» ص: 89. (¬4) «إفادة النصيح» ص: 43. (¬5) «الفهرسة» ص: 428. (¬6) «الفهرسة» ص: 70. (¬7) «الفهرسة» ص: 286.

رحمه الله ومن مروياته عن أبي الحسن علي بن عبد الله بن موهب، وابن بقي عن العذري عن أبي ذر. كما ذكره الذَّهَبِيّ في «السير» (¬1). 10 - كتاب «الربا واليمين الفاجرة وشهادة الزور»، كذا ذكره ابن خير الإشبيلي في «فهرسته» (¬2)، وذكره ابن رشيد الفهرى في «الإفادة» (¬3) وجعل «شهادة الزور» كتابًا مستقلًا. 11 - كتاب «السنة والصفات»: ذكره ابن رشيد كذلك (¬4)، وذكره ابن خير الإشبيلي مقتصرًا على «السنة» فقط، وذكر أنه من مروياته التي رواها عن شيخه أبي الحسن شريح بن محمد عن أبيه، وخاله أبي عبد الله أحمد بن محمد الخولاني، وأبي عبد الله محمد بن أحمد بن منظور، كلهم عنه (¬5). وذكره الذَّهَبِيّ في «سير أعلام النبلاء» فقال: لأبي ذر الهَرَويّ مصنف على منوال كتاب أبي بكر البيهقي بحَدَّثَنا وأَخْبَرَنا اهـ (¬6). 12 - «دلائل النبوة»: ذكره ابن خير في «الفهرسة» (¬7) من مؤلفات أبي ذر الهَرَويّ التي رويت له عن شيخيه ابن بقي وابن موهب، كلاهما عن العذري، عن أبي ذر. ¬

(¬1) «السير» 17/ 559. (¬2) «الفهرسة» ص: 286 - 287. (¬3) «إفادة النصيح» ص: 43. (¬4) «إفادة النصيح» ص: 43. (¬5) «الفهرسة» ص: 260. (¬6) «السير» 17/ 559. (¬7) «الفهرسة» ص: 286 - 287.

وذكره ابن رشيد في «الإفادة» (¬1). وذكره الذَّهَبِيّ في «السير» (¬2) و «تذكرة الحفاظ» (¬3) نقلا عن عِياض. 13 - «حديث الجِعرانة وخيبر». ذكره ابن رشيد في «الإفادة» (¬4)، وذكره ابن خير في «الفهرسة» (¬5) وتحرف في المطبوع إلى (المعدانة) و (حنين). 14 - «بيعة العقبة». ذكره ابن رشيد (¬6) وكذا ابن خير في «فهرسته» (¬7). 15 - كتاب «الجامع» ذكره ابن رشيد (¬8)، كما ذكره الذَّهَبِيّ في «السير» (¬9). 16 - «الدعوات». ذكره ابن رشيد (¬10) والذَّهَبِيّ في «السير» (¬11) وسماه الدعاء. 17 - «فضل يوم عاشوراء». ذكره ابن رشيد (¬12). ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 43. (¬2) «السير» 17/ 559. (¬3) «تذكرة الحفاظ» 3/ 1106. (¬4) «إفادة النصيح» ص: 43. (¬5) «الفهرسة» ص: 286 - 287. (¬6) «الفهرسة» ص: 43. (¬7) «الفهرسة» ص: 286 - 287. (¬8) «إفادة النصيح» ص: 43. (¬9) «السير» 17/ 559. (¬10) «إفادة النصيح» ص: 43 (¬11) «السير» 17/ 559 (¬12) «إفادة النصيح» ص: 43.

18 - «كرامات الأولياء». ذكره ابن رشيد (¬1) والذَّهَبِيّ في «السير» (¬2). 19 - «الرؤيا والمنامات». ذكره ابن رشيد (¬3) ونقل منه ابن حجر في «الفتح» (¬4). 20 - أجزاء فيها من حديث أبي ذر. ذكر ابن حجر في «المعجم المفهرس» (¬5) عدة أجزاء من حديث أبي ذر رواها بإسناده إلى ابنه أبي مكتوم عن أبيه، وقال: إن أول الجزء: حديث عكرمة بن أبي جهل .. وآخره: «اللهم اجعله هاديًا مهديا واهد به» (¬6). وذكر جزءًا آخر بإسناده إلى أبي الحسين بن المهتدي عن أبي ذر. وأوله حديث شداد بن أوس: «الكيّس من دان نفسه» (¬7). وآخره: «لم يكن شيء أحب إليك من الموت» (¬8). ويليه: قال ابن صاعد فذكره. ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 43. (¬2) «السير» 17/ 560. (¬3) «إفادة النصيح» ص: 43. (¬4) «فتح الباري» 12/ 13. (¬5) «المعجم المفهرس» ص: 283 (1184). (¬6) أخرجه الترمذي 5/ 687 (3842)، كتاب: المناقب، باب: مناقب معاوية بن أبي سفيان، وأحمد 4/ 216 (17895) من حديث عبد الرحمن بن أبي عميرة. (¬7) أخرجه الترمذي 4/ 638 (2459)، كتاب: صفة القيامة، وابن ماجه 2/ 1423 (4260)، كتاب: الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، وأحمد 4/ 124 (17123). (¬8) جزء من حديث طويل أخرجه أبو يعلى في «مسنده» 6/ 306 (3624) والطبراني في «الأوسط» 6/ 123 (5991) من حديث أنس. وقع في المطبوع من «المعجم المفهرس» (عيسى) بدل (شيء)، وهو تحريف والمثبت من مصادر التخريج.

وذكر جزءًا آخر له أوله: حديث ابن عباس: «موت الغريب شهادة» (¬1)، وآخره: «ولو بعود تعرضه عليه» (¬2). رواه بإسناده إلى عبد الله بن الحسن بن عمر بن رداد المقري عن أبي ذر. 21 - «التفسير» ذكر في «كشف الفنون» (¬3). وأضاف ابن رشيد في «إفادة النصيح» كتبًا أخرى له منها كتاب «فضائل مالك ابن أنس»، وكتاب «ما روي في بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» (¬4). مرويات أبي ذر الهَرَويّ: مما عرف به أبو ذر واشتهر بين العلماء رواياته لكثير من الكتب، فلم يشتهر أبو ذر بروايته لـ «صحيح البُخارِيّ» فقط، بل تعدى ذلك إلى كثير من أمهات الكتب، ومن هذه الكتب ما يلي: 1 - مرويات الحافظ الدارقطني. ومنها: كتاب «العلل» ذكره ابن حجر في «المعجم المفهرس» وذكر أنه في مروياته وذكر إسناده إلى أبي مكتوم عيسى بن أبي ذر عن أبيه (¬5). كما ذكره ابن خير الإشبيلي في «الفهرسة» (¬6) من رِواية العذري وأبي ¬

(¬1) أخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» 2/ 712 (2000)، وأبو يعلى 4/ 269 (2381)، والطبراني 11/ 57 (11034) من حديث ابن عباس. (¬2) أخرجه البخاري 7/ 112 (5624)، كتاب: الأشربة، باب: تغطية الإناء من حديث أنس. (¬3) 1/ 441. (¬4) «الإفادة» ص: 43. (¬5) «المعجم» 1/ 59 (586). (¬6) «الفهرسة» ص: 203.

الوليد الباجي عن أبي ذر. ومنها: كتاب «الإلزامات» للدراقطني، ذكره ابن خير في «الفهرسة» (¬1) من رِواية أبي الوليد الباجي وغيره. ومنها: كتاب «الضعفاء والمتروكين» ومقدمته رواها ابن خير في «فهرسته» (¬2) من رِواية ابن منظور عنه. ومنها: كتاب «مسائل عن الدارقطني» فقد نقل الخطيب البغدادي (¬3) أن أبا ذر كتب به إليه من مكة. ومنها: جزء فيه الأحاديث التي خولف فيها إمام دار الهجرة مالك بن أنس ذكرها ابن خير في «الفهرسة» (¬4) من رِواية أبي الوليد الباجي وغيره عن أبي ذر. 2 - مرويات الإمام البُخارِيّ الأخرى بجانب «الصحيح». ومنها: كتاب «التاريخ الكبير» فقد جاء في الكتاب وهوامش نسخته ما يدل على رِواية أبي ذر للتاريخ، فقد جاء في إسناد النسخة ما نصه (¬5): «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: صلى الله على سيدنا محمد نبيه الكريم، أَخْبَرَنا الشيخ أبو ذر عبد بن أحمد ابن محمد الهَرَويّ، قال: أَخْبَرَنا أبو بكر أحمد بن عبدان بن محمد الحافظ قرأت عليه قال: أَخْبَرَنا أبو الحسن محمد بن سهل بن عبد الله المقرئ، قرأت عليه قال: حَدَّثَنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البُخارِيّ». ¬

(¬1) «الفهرسة» ص: 203. (¬2) «الفهرسة» ص: 210. (¬3) «تاريخ بغداد» 14/ 325. (¬4) «الفهرسة» ص: 180 (¬5) في ص: 144 من المجلد الأول.

ورمز المحقق في الحاشية بما يدل على أن هذه الجملة من المخطوطة المحفوظة في القسطنطينية. وتكرر ذلك في أجزاء كثيرة من الكتاب (¬1) وكانت رِواية أبي ذر هذه عن شيخه أحمد بن عبدان في سنة خمس عشرة وأربعمائة كما جاء في نص الرِّواية من «التاريخ الكبير» (¬2). ومن هذه الكتب التي رواها أيضًا كتاب «التاريخ الأوسط» (¬3) رواه عن شيخه أبي علي زاهر بن أحمد الفقيه السَّرْخَسي قراءة عليه سنة تسع وثمانين وثلاثمائة عن أبي محمد بن زنجويه بن محمد النيسابوري، عن البُخارِيّ. وجاء ذلك في مواضع متفرقة من الكتاب (¬4). والدليل على أنه «الأوسط» أن ابن حجر في كتابه «هدي الساري» لما تعرض لمؤلفات البُخارِيّ - رحمه الله - وذكر مصنفاته ذكر المصنفات والراوين لها عن البُخارِيّ. فذكر أن «التاريخ الأوسط» يرويه عنه عبد الله بن أحمد بن عبد السلام الخفاف وزنجويه بن محمد اللباد، بينما ذكر أن «التاريخ الصغير» يرويه عنه عبد الله ابن محمد بن عبد الرحمن الأشقر. اهـ (¬5). والإسناد المذكور في أول الكتاب المطبوع خطأ باسم «التاريخ ¬

(¬1) راجع مثلا 1/ 208، 2/ 239، 3/ 241، 7/ 177. (¬2) في 2/ 239. (¬3) ص: 492. (¬4) ينظر مثلًا: 1/ 1، 250، 2/ 35، 2/ 172، 2/ 82 وغيرها من الكتاب المطبوع خطأ باسم «التاريخ الصغير». (¬5) كما ذكر ذلك ابن حجر أيضا في كتابه «المعجم المفهرس» ص: 166 (631 - 632).

الصغير» هو إسناد كتاب «التاريخ الأوسط» كما سبق أن سقناه. هذا دليل. والدليل الآخر ما ذكره ابن حجر في كتاب «المعجم المفهرس» (¬1) أن كتاب البُخارِيّ «الأوسط» مرتب على السنين (¬2)، وهو ترتيب المطبوع خطأ باسم «الأصغر». ومن هذه الكتب كتاب «الضعفاء» من رِواية أبي العباس العذري عن أبي ذر، عن عبد الله بن أحمد بن يعلى المقرئ، أنبأنا أبو الحسين علي بن إبراهيم، أنبأنا أبو الحسن محمد بن شعيب الغازي، عن البُخارِيّ رحمه الله تعالى. ذكره ابن حجر في «المعجم المفهرس» وذكر إسناده إلى أبي العباس العذري (¬3). 3 - وله رِواية لـ «الموطأ» رِواية محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، رواه عن أبي علي الصواف عن أحمد بن محمد بن مهراز، عن محمد بن الحسن، عن مالك (¬4). 4 - وله رِواية لـ «سنن أبي داود» رِواية اللؤلؤي. رواها أبو ذر عن شيخه أبي عبد الله الوراق عن اللؤلؤي به، ورويت عن أبي ذر من طريق تلميذيه أبي العباس العذري وأبي الوليد كما في «الفهرسة» لابن خير (¬5) وكما في كتاب «الشفا» للقاضي عياض، فصل في وقاره - صلى الله عليه وسلم - (¬6) من رِواية أبي على الجَيّانيّ شيخه عن أبي العباس به. ¬

(¬1) ص: 166. (¬2) «المعجم المفهرس» ص: 166. (¬3) السابق. (¬4) ينظر «فهرس الفهارس» 2/ 611. (¬5) «الفهرسة» ص: 104 - 106. (¬6) «الشفا» 1/ 137.

5 - كما أن له رواية لكتاب ابن أبي حاتم «الجرح والتعديل» رواه ابن خير عن تلميذيه العذري والباجي (¬1). ¬

(¬1) «الفهرسة» ص: 209.

المطلب الثاني رواية أبي ذر الهروي (434) هـ

المطلب الثاني رِواية أبي ذر الهَرَويّ (434) هـ سبق أن ذكرت في طبقة الرُّواة عن الفَرَبْريّ أبا إسحاق المُسْتَمْلِيّ (376) هـ وأبا محمد السَّرْخَسي الحَمُّوييّ (381) هـ وأبا الهيثم الكُشْمِيهَني (389) هـ وكل راوٍ من هؤلاء الثلاثة اشتهر بروايته لـ «صحيح البُخارِيّ». ورِواية أبي ذر الهَرَويّ عن هؤلاء الثلاثة - المُسْتَمْلِيّ، والحَمُّوييّ، والكُشْمِيهَني - تعد أشهر رِوايات «الصحيح» على الإطلاق. فقد اشتهرت وذاع صيتها في حياته وبعد وفاته، وإلى يومنا هذا لا تزال نسخته يستفيد منها القاصي والداني، وإليك تاريخ هذه النسخة وأشهر الرُّواة لها. سماع أبي ذر لـ «الصحيح»: سمع أبو ذر الهَرَويّ «الصحيح» أول ما سمع من الحَمُّوييّ (381) هـ، وكان ذلك بهراة في سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، أي: بعد ولادته بسبعة عشر عامًا. قال ابن رشيد: وسمع وقرأ على المُسْتَمْلِيّ (376) هـ ببلخ سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، وبإسنادنا إلى أبي ذر قال: وسمعت منه، ورحلت إليه سنة أربع وسبعين وثلاثمائة ببلخ، ووجدت بعدُ عن أبي ذر أنه قال: سمعنا من أبي إسحاق في شهور من سنة أربع وسبعين وثلاثمائة، وقد فرغنا من سماعه عليه يوم السبت لست خلون من المحرم من سنة خمس وسبعين وثلاثمائة. وسمع وقرأ على الكُشْمِيهَني بكشميهن سنة تسع وثمانين وثلاثمائة في محرم (¬1). ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 42، وينظر «الفهرسة» لابن خير الإشبيلي ص: 94.

فتبين بذلك أن أبا ذر قد أتم سماعه على الشيوخ الثلاثة سنة تسع وثمانين وثلاثمائة. أي: قبل وفاته بخمس وأربعين سنة. ويذكر لنا الذَّهَبِيّ في «سير أعلام النبلاء» (¬1) عن أبي على الغساني ما يدل على أن أبا ذر كان يسكن بالسراة أو بسروات - وهي جبال عند تهامة، ومنها سراة بني شبابة التي سكنها أبو ذر - ويتردد بين سكناه وبين المسجد الحرام بمكة. منهج أبي ذر في رسم كتابه يعد أبو ذر الهَرَويّ أول من حاول جمع ثلاثة روايات في نص واحد؛ لكي يبتكر منهجًا فريدًا من نوعه، سبق به كل من جاء بعده، حتى عصرنا الحاضر. سمع أبو ذر أول ما سمع «الصحيح» من شيخه الحَمُّوييّ سنة ثلاث وسبعين، ثم سمع من المُسْتَمْلِيّ ببلخ سنة أربع وسبعين - أي: بينهما عام واحد - ثم سمع بعد ذلك من الكُشْمِيهَني سنة تسع وثمانين، أي: بعد ستة عشر عامًا من السماع من الأول، وخمسة عشر عامًا من الثاني. ولذلك نجد أن أبا ذر قد جعل سواد الكتاب على روايتَي أبي إسحاق والحَمُّوييّ. قال ابن رشيد الفهري في «إفادة النصيح» (¬2): قرأت بخط أبي بكر بن خير - وأنا به جد خبير - مما نقله من خط الشيخ الراوية عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى بن منظور رحمه الله: أبو ذر عن أشياخه الثلاثة: أبي محمد الحَمُّوييّ، وأبي إسحاق ¬

(¬1) 17/ 560 - 561. (¬2) «الإفادة» ص: 45.

المُسْتَمْلِيّ، وأبي الهيثم الكُشْمِيهَني، غير أن سواد الكتاب على روايته عن أبي محمد وأبي إسحاق، فإذا انفرد أحدهما أو اختلفا في شيء، فعلامة الحَمُّوييّ: (حآ) وعلامة أبي إسحاق الهمزة والسين، فإذا اتفقا وخالفهما أبو الهيثم جعل: (صح) على موضع الخلاف، وكتب رِواية أبي الهيثم في الحاشية، وعلامته (ها)، وكذلك علامته فيما ينفرد به. اهـ. ويتبين من ذلك أن أبا ذر قد استخدم الرموز في الدلالة على أصحاب هذه الروايات، وبالتأمل نجد أنه استخدم رموزًا تحمل في طياتها الدلالة على هذه الروايات، فقد استخدم في كتابه هذا أربعة رموز وهي: رمز: (حآ) للدلالة على رِواية أبي محمد السَّرْخَسي الحَمُّوييّ. رمز: (أس) للدلالة على رِواية أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ. رمز: (ها) للدلالة على رِواية أبي الهيثم الكُشْمِيهَني. رمز: (صح) للدلالة على صحة الكلمة أو الرِّوَاية عند المرموز له أو الكلمة. وبالتأمل في هذه الرموز يظهر منها عدة ملاحظات: 1 - أن كل رمز من هذه الرموز يتألف من حرفين. 2 - أن هذه الحروف مستمدة من أسماء أصحابها فرمز حآ من الحَمُّوييّ، واختاره؛ لأنه أول حرف في كنيته التي اشتهر بها، ولأنها لا تلتبس بغيرها من ألقاب باقي الرُّواة، واختار أول حرفين من كنية أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ، واختار للدلالة على الكُشْمِيهَني حرف الهاء؛ لأنه تميز به عن سائر الرُّواة. فاختياره لهذه الرموز معبر ومستمد من أسماء هؤلاء الرُّواة. 3 - يلاحظ أن هذه الرموز قد استخدمها من جاء بعد أبي ذر للدلالة على نفس الروايات مع تغيير طفيف، حيث غير اليُونِينِيّ مثلا رمز أبي

إسحاق المُسْتَمْلِيّ من (اس) عند أبي ذر إلى (سه) ورمز أبي الهيثم الكُشْمِيهَني إلى (هه) بدلا من (ها) ورمز أبي محمد الحَمُّوييّ إلى (حه) بدلًا من (حآ) وأبقى رمز (صح) كما هو، وزاد على هذه الرموز رموزًا أخرى، كما فصلته في الحديث عن رِواية اليُونِينِيّ.

الرُّواة عن أبي ذر الهَرَويّ لقد رحل إلى أبي ذر العلماءُ من شتى بقاع الأرض، وخاصةً في موسم الحج؛ ليسمعوا منه «صحيح البُخارِيّ» بروايته عن شيوخه، كما كان أيضًا يحدث به في كل رحلاته كما سيأتي. وقد تتبعت كثيرًا من المصادر وكتب التراجم ووقفت على رواة كثيرين عنه فآثرت - إتمامًا للفائدة من هذا البحث - أن أذكر من وقفت عليهم مع ذكر الإحالات التي تدل على هذا السماع من أبي ذر، حتى إذا انتهى ذلك ذكرت أشهر الروايات وبسطت فيها القول، فأقول وبالله التوفيق. الرُّواة عن أبي ذر الهَرَويّ: 1 - أحمد بن عمر بن أنس العذري (478) هـ وسيأتي في أشهر الرُّواة. 2 - أبو القاسم أصبغ بن راشد بن أصبغ اللخمي الإشبيلي المتوفى قريبًا من عام 440 هـ: رحل وسمع من أبي محمد بن أبي زيد، وتفقه عليه، وسمع من أبي الحسن القابسي (¬1). وقد جاء سماعه من أبي ذر في رحلة ابن رشيد (¬2) حيث يذكر ابن رشيد حصوله على نسخة عتيقة من «الصحيح»، بخط أصبغ بن راشد اللخمي، كتبه بمكة المكرمة، وسمع فيه على أبي ذر، وقد صار هذا الأصل - كما يقول ابن رشيد - للإمام المقرئ العالم أبي الحسن علي بن عبد الله بن النعمة رحمه الله، واعتنى به عناية جيدة، ثم صار هذا الأصل إليَّ في أصله والحمد لله. اهـ نقلا من رحلة ابن رشيد. ¬

(¬1) «الصلة» لابن بشكوال 1/ 109، «تاريخ الإسلام» للذهبي 29/ 501. (¬2) نقلًا عن مقال: «صحيح البخاري ..» للدكتور المنوني ص: 131.

3 - بكار بن برهون بن عيسى التغلبي الفاسي المعروف بابن الغرديس السجلماسي كان موجودًا حتى عام 492 هـ. يقول عنه ابن الأبار في «المعجم» أثناء ترجمة أبى القاسم بن أبي الورد (¬1): وكان قد حج قديما وسمع «صحيح البُخارِيّ» من أبي ذر الهَرَويّ، وعمر طويلًا حتى انفرد بروايته، يقال: إنه بلغ المائة أو أربى عليها، وبيته شهير بمدينة فاس ونزل هو سجلماسة. اهـ ويقول الإمام المنجور (995) (¬2) عن ابن الغرديس: عمر طويلًا نحو مائة سنة، وسمع في رحلته من أبي ذر الهَرَويّ، فقصده للرِّواية كثير، كأبي القاسم بن ورد، وغيره (¬3). 4 - أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الإمام التجيبي الباجي 474 هـ وسيأتي في أشهر الرُّواة. 5 - أبو القاسم عبد الجليل بن أبي سعيد مخلوف الجذامي (459) هـ، هكذا ذكر في أول ورقة من أصل ابن الحطيئة من «الصحيح» الآتي ذكره في الأصول التي اعتمد عليها اليونيني (¬4). ترجم له الذَّهَبِيّ في «تاريخ الإسلام» فقال: عبد الجليل بن مخلوف الإمام أبو محمد المالكي، أفتى بمصر ودرس أربعين سنة، روى السِّلفي وفاته في هذه السنة عن شخص فاضل رآه قال: وصلى عليه رفيقه الفقيه ¬

(¬1) (17) ص: 22. (¬2) هو أحمد بن علي بن عبد الرحمن، أبو العباس المنجور، فقيه مغربي، له علم بالأدب، أصله من مكناسة، وسكناه ووفاته بفاس، من كتبه «شرح المنهج المنتخب» في فقه المالكية، يعرف بشرح المنجور، و «مراقي المجد لآيات العد». ينظر ترجمته في «الأعلام» 1/ 180. (¬3) وينظر «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية» للمنوني ص: 127. (¬4) ينظر مقال الدكتور المنوني ص: 141.

عبد الحق بن محمد بن هارون السبتي (¬1). اهـ. 6 - علي بن سليمان النقاشي ولم أقف له على ترجمة، وإنما ذكره في الرُّواة عن أبي ذر الذَّهَبِيّ في «تذكرة الحفاظ» (¬2) و «سير أعلام النبلاء» (¬3). 7 - أبو الحسن علي بن المفرج بن عبد الرحمن الصقلي، كان حيًّا عام (465) هـ، وروايته هذه ما زالت موجودة حتى الآن في خزانة تمكروت، ويوجد منها السِّفر الأول في نسختين بخط مغربي، حيث جاء في طالعتهما: أَخْبَرَنا الشيخ القاضي أبو الحسن علي بن المفرج الصقلي رضي الله عنه، في المسجد الحرام بمكة، سنة خمس وستين وأربعمائة، قال: أنا أبو ذر ... إلخ، والنسختان معًا في خزانة تمكروت تحت رقمي (1431، 1451) (¬4). 8 - عيسى بن أبي ذر عبد بن أحمد الهَرَويّ، أبو مكتوم، الأنصاري، الهَرَويّ، ثم السروي، سيأتي في أشهر الرُّواة. 9 - محمد بن أحمد بن منظور، القيسي أبو عبد الله، الإمام المحدث المتقن، سيأتي في أشهر الرُّواة. 10 - محمد بن شريح بن أحمد بن محمد بن شريح أبو عبد الله الرعيني الإشبيلي المقرئ، ولد سنة 388 هـ، سيأتي في أشهر الرُّواة. 11 - أبو القاسم مضر بن الحباب النفزاوي. كذا وجد مكتوبا على ظهرية نسخة من «الصحيح» محفوظة في المكتبة الحسنية تحت رقم (433) وقد كتب على أول هذا السِّفر نقلًا عن النسخة الأصلية! ¬

(¬1) «تاريخ الإسلام» 30/ 471 وفيات (409) هـ. (¬2) 3/ 1105. (¬3) 17/ 560. (¬4) ينظر مقال الدكتور المنوني ص: 137.

هذا السِّفر السادس من «الجامع الصحيح» من حديث الرسول عليه السلام، عني بتصنيفه وتبويبه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البُخارِيّ، رحمة الله عليه ومغفرته، سمع جميعه أبو القاسم مضر بن الحباب النفزاوي، من أبي ذر عبد بن أحمد بن محمد الحافظ الهَرَويّ رضي الله عنه، بمكة في المسجد الحرام - عظم الله حرمته - سمعه منه سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وصار «الجامع» كله لأبي القاسم مضر بن الحباب على وجه الشراء، نفعه الله به (¬1). اهـ. 12 - موسى بن عيسى بن أبي حاج واسمه يَحُجّ - بفتح الياء وضم الحاء المهملة ثم جيم مشددة (¬2) - الإمام أبو عمران، الفاسي الدار، الغفجومي النسب - بفتح الغين المعجمة والفاء أو بضم الغين وسكون الفاء، وغفجوم قبيلة من زناتة - البربري، الفقيه المالكي، نزيل القيروان، وإليه انتهت بها رئاسة العلم، تفقه على أبي الحسن القابسي، وهو أجل أصحابه، ودخل إلى الأندلس، فتفقه على أبي محمد الأصيلي، أخذ عنه الناس من أقطار المغرب الفقه والحديث. ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة، وتوفي في ثالث عشر رمضان سنة ثلاثين وأربعمائة (¬3). 13 - المهلب بن أحمد بن أسيد بن عبد الله، أبو القاسم بن أبي صفرة، الأسدي المزني، القاضي الفقيه. ¬

(¬1) لم أقف على ترجمته وينظر في مقَال المنونى ص: 136. (¬2) كما في «الإكمال» 7/ 189، و «تبصير المنتبه» 4/ 1410. (¬3) ينظر «تاريخ الإسلام» 29/ 299، وقد وردت روايته لأبي ذر في كتاب «المدارك» للقاضي عياض 4/ 703 أثناء ترجمته، وفي «سير أعلام النبلاء» 17/ 561. ترجمة أبي ذر الهروي.

سمع من: أبي محمد الأصيلي وصحبه وكان صهره، وأبي الحسن القابسي، وأبي ذر الهَرَويّ وغيرهم. وحدث عنه: أبو عمر بن الحذاء، والقاضي ابن المرابط، وحاتم بن محمد الطرابلسي، وغيرهم، له كتاب في شرح «صحيح البُخارِيّ» وكتاب «النصيح في اختصار الصحيح» توفي (435) هـ (¬1). 14 - يوسف بن حمود بن خلف، أبو الحجاج الصَّدفي، السبتي، الفقيه المالكي، قاضي سبتة نيفًا وعشرين سنة، سمع بالأندلس من أبي بكر الزبيدي، وأبي محمد الأصيلي، وغيرهم. كان صالحًا متواضعًا أديبًا شاعرًا، قال ابن بشكوال: توفي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، ومولده سنة سبع وخمسين وثلاثمائة. وروايته لـ «الصحيح» عن أبي ذر الهَرَويّ أثناء رحلته إلى الحج. قال ابن بشكوال: وخرج إلى الحج .. فسمع في رحلته من أبي ذر الهَرَويّ (¬2). 15 - أبو بكر بن أبي محرز السجلماسي. لم أقف له على ترجمة، لكن المكتبة الحسنية بالرباط تحتفظ بروايته في نسخة من «الجامع الصحيح»، تشتمل على الأسفار الثلاثة الأولى تحت رقم (4330)، وقد كتب بهذه الأسفار نقلًا عن الأصل المنتسخ منه بعد ذكر اسم الكتاب ومؤلفه: سمعه أبو بكر بن أبي محرز السجلماسي من أبى ذر عبد بن أحمد بن محمد الحافظ الهَرَويّ المالكي رضي الله عنه بمكة في ¬

(¬1) ينظر «الصلة» 2/ 626 - 627 (1379)، «سير أعلام النبلاء» 17/ 579، «شذرات الذهب» 3/ 255 - 256. (¬2) ينظر ترجمته في «الصلة» 2/ 683 (1511)، و «تاريخ الإسلام» 29/ 247 - 248.

المسجد الحرام - حرسه الله وعظم حرمته - سنة ثلاث عشرة وأربعمائة (¬1). 16 - أحمد بن علي بن الحسين بن زكريا، أبو بكر الطريثيثي، البغدادي، الصوفي، المعروف بابن زهراء. صحب أبا سعد النيسابوري، وابن الحسين القطان، وأبا القاسم اللالكائي، وغيرهم. روى عنه: أبو القاسم السمرقندي، وأبو طاهر السلفي، وابن طاهر المقدسي، وغيرهم. قال السَّمْعاني: صحيح السماع في أجزاء، لكنه أفسد سماعاته بأن روى منها شيئًا وادعى أنه سمعه من ابن أبي الحسن بن رزقويه، ولم يصح سماعه منه. ولد سنة إحدى عشرة، وقيل: اثنتي عشرة وأربعمائة، وتوفي سنة إحدى وتسعين وأربعمائة (¬2). 17 - أبو عبد الله أحمد بن محمد بن غلبون، الخولاني، القرطبي، ثم الإشبيلي، مسندِ الأندلس. ولد سنة ثماني عشرة وأربعمائة، وسمع من أبيه الحافظ أبي عبد الله كثيرًا، وسمع من أبي عبد الله الأحدب، وعلي بن حمويه الشيرازي. وأجاز له يونس بن عبد الله بن مغيث القاضي، وأبو عمر أحمد بن محمد الطَّلمنكي، والحافظ أبو ذر الهَرَويّ، وغيرهم. قال ابن بشكوال: كان شيخًا فاضلًا عفيفًا منقبضًا، من بيت علم ودين وفضل، ولم يكن عنده كبير علم أكثر من روايته عن هؤلاء الجلَّة، وكانت عنده أصول يلجأ إليها، ويُعوَّل عليها، حدث عنه أبو الوليد بن الدباغ، وعلي بن الحسين اللواتي، وجماعة. ¬

(¬1) ينظر مقال المنوني ص: 135 - 136. (¬2) ينظر ترجمته في «تاريخ الإسلام» 34/ 247 - 248.

توفي في شعبان سنة ثمان وخمسمائة وله تسعون سنة (¬1). وروايته لـ «الصحيح» ذكرها القاضي عِياض في مقدمة «مشارق الأنوار» (¬2) حيث قال وهو يذكر رِواية أبي ذر: وأخبرني الشيخ أبو عبد الله أحمد بن محمد بن غلبون بمدينة إشبيلية عن أبي ذر الهَرَويّ إجازة. اهـ كما ذكرها التجيبي في «برنامجه» (¬3) وذكر أن الراوي لها عنه أبو عبد الله بن رزقويه اهـ. 18 - أبو عبد الله محمد بن معاذ التميمي القيرواني. لم أقف على من ترجم له، وروايته عن أبي ذر جاءت في «فهرس ابن عطية» (¬4) حيث يقول: قال لي - أي: والده -: وقرأته بالمهدية قبل طلوعي إلى الحج سنة تسع وستين وأربعمائة على الشيخ الأجل أبي عبد الله محمد بن معاذ التميمي القيرواني، وأخبرني أنه قرأه غير مرة، على الشيخ أبي ذر عبد بن أحمد ... إلخ. اهـ. 19 - أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر، القضاعي (454) هـ، مصنف كتاب «مسند الشهاب». وروايته جاءت في «مسنده» حيث روى بعض الأحاديث عن أبي ذر الهروي (¬5). ¬

(¬1) ينظر ترجمته في «الصلة» 1/ 73 - 74 (160)، «سير أعلام النبلاء» 17/ 296. (¬2) 1/ 9. (¬3) «برنامج التجيبي» ص: 77. (¬4) ص: 46. (¬5) ينظر: «مسند الشهاب» 1/ 128 (162)، 287 (469)، 2/ 194 (1198).

أشهر الروايات عن أبي ذر الهَرَويّ روى عن أبي ذر «الصحيح» رواة كثيرون، حيث لا نكاد نجد عالمًا في عصره إلا والتقى به وسمع منه «الصحيح» أول ما يسمع منه. ولكن هناك بعض الروايات اشتهرت عنه في الآفاق، وأخص بالذكر منها ما يلي مع التركيز على مصير هذه الروايات حتى وقتنا الحاضر. 1 - الراوي الأول: أبو مكتوم عيسى بن أبي ذر عبد بن أحمد، الأنصاريّ الهَرَويّ، ثمّ السَّرَويّ. تزوّج أبو ذَرّ في العرب في سَرَوات بني شبابة، وسكن هناك مدّة، ووُلِد له أبو مكتوم في حدود سنة خمس عشرة وأربعمائة. سمع من أبي عبد الله الصّنعانيّ جملة من «مُسْنَد عبد الرّزّاق». وسمع من أبيه «صحيح البخاريّ»، وكتاب: «الدّعوات» لأبيه، وغير ذلك. روى عنه «الصحيح» جماعة، منهم: أبو التّوفيق مسعود بن سعيد الأندلسيّ، وأبو عُبَيْد نعمة بن زيادة الله الغَفاريّ، وعليّ بن حُمَيْد بن عمّار المكّيّ، وميمون بن ياسين المرابط. وروى عنه بالإجازة أبو طاهر السلَفيّ انقطع خبره بعد سنة سبع وتسعين وأربعمائة (¬1). وهذه الرِّواية كانت أشهر الروايات في بلاد المشرق والمغرب: ولعل ذلك بسبب قرابته، وملازمته لأبي ذر، بالإضافة إلى أن أصل والده كان معه. ¬

(¬1) «تاريخ الإسلام» 34/ 264 - 265و «سير أعلام النبلاء» 19/ 171، و «شذرات الذهب» 3/ 406. .

قال الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفيّ (576) هـ في كتابه «الوجيز في ذكر المجاز والمجيز» في ترجمة أبي مكتوم بن أبي ذر: وقد كان ميمون بن ياسين الصنهاجى من أمراء المرابطين، رغب في السماع منه بمكة، واستقدمه من سراة بني شبابة وبها كان سكناه، وسكنى أبيه أبي ذر من قبل، فاشترى منه «صحيح البُخارِيّ» أصل أبيه الذي سمعه فيه على أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ (¬1) .. إلخ. وهذه الرِّواية حملها عن أبي مكتوم كثيرٌ من العلماء من بلاد المشرق والمغرب. ومن أشهر الرُّواة عن أبي مكتوم: أبو الحسن علي بن حميد بن عمار الطرابلسي (576) هـ المكي النحوي، راوي «الصحيح» عنه، والمتفرد بذلك، بقي إلى سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وقيل: إنه بقي حتى سنة ست وسبعين. روى عنه: المحدث محمد بن عبد الرحمن، التجيبي الأندلسي، وناصر بن عبد الله المصري العطار، وعبد الرحمن بن أبي حَرَمِيّ، وسليمان بن أحمد السعديُّ المغربي (¬2). وقال الفاسي في «العقد الثمين»: توفي في شوال سنة ست وسبعين وخمسمائة بمكة، كذا وجدت وفاته ملحقة في وفيات الحافظ أبي الحسن علي بن المفضل المقدسي بخط شخص لا أعرفه، وذكر أنه وجدها في ظهر نسخة من وفيات ابن المفضل بخط أبي الحسن التونسي. اهـ (¬3). ¬

(¬1) «الوجيز» ص: 124 - 125. (¬2) «سير أعلام النبلاء» 20/ 541، «ذيل التقييد» 2/ 191 (1413) و «العقد الثمين» 6/ 156 - 157 (2056) (¬3) ص: 157.

وهؤلاء الرُّواة عن أبي الحسن علي بن حميد الطرابلسي أشهرهم على الإطلاق أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي حَرَمِيّ المكي بن بنين (645) هـ (¬1). ومن طريقه رواه الوادي آشي (¬2) كما في «برنامجه» (¬3)، والكرماني كما في «مقدمة شرحه» (¬4)، وابن حجر العسقلاني كما في «المعجم المفهرس» (¬5)، و «الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع» ص: 109 رقم (10)، و «فتح الباري» (¬6)، و «تغليق التعليق» (¬7)، والقَسْطَلّانِيّ كما في «إرشاد الساري» (¬8). ومن طريق ابن أبي حَرَمِيّ أيضًا اتصلت هذه الرِّواية بولي الدين العراقي كما في أول لوحة من المخطوط (¬9). ¬

(¬1) هو عبد الرحمن بن أبي حرمي بن بنين بن عبد الرحمن بن عبد الجبار بن محمد المكي، أبو القاسم العطار، مسند مكة، مولده في بضع وأربعين وخمسمائة، وتوفي سنة (645 هـ). ينظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» 23/ 269، «تاريخ الإسلام» 47/ 274، «العقد الثمين» 5/ 398، «ذيل التقييد» 2/ 91 - 92. (¬2) هو محمد بن جابر بن محمد بن قاسم بن إبراهيم القيسي الأندلسي الوادي آشي، ثم التونسي المالكي، ولد سنة (673) هـ، وتوفي سنة (749) هـ. ينظر ترجمته في «الوافي بالوفيات» 2/ 283، «الدرر الكامنة» 3/ 413. (¬3) ص: 189. (¬4) 1/ 9، 10. (¬5) ص: 25. (¬6) 1/ 6. (¬7) 5/ 445. (¬8) 1/ 157. (¬9) وقد تكلمت على وصف هذه الروايات فيما بعد عند الحديث عن الروايات المشرقية من رواية أبي ذر.

ومن الرُّواة عن أبي مكتوم أيضًا: - أبو طاهر السلفي إجازة كما جاء ذلك في كتابه «الوجيز والمجاز» (¬1) وكما نقل عنه الذَّهَبِيّ ذلك في «السير» (¬2) نقلا عن علي بن المفضل. - أبو عُبيد نعمةُ بن زيادة الله الغفاري، وعنه السلفي (¬3). ومما يلاحظ أن رِواية أبي ذر بعد ذلك اشتهرت عند المشرقيين من خلال رِواية ابنه أبي مكتوم، ويعتبر أبو الحسن علي بن حميد بن عمار الطرابلسي المنفرد بذلك عنه، وذلك لتأخر وفاته؛ حيث توفي (576) هـ. 2 - الراوي الثاني عن أبي ذر: أبو عبد الله بن منظور (469) هـ هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن منظور، القيسي، الإشبيلي (¬4). اعتمده الأندلسيون، وعوّلوا عليه في صحيح البخاري، راوية أبي ذر لصحبته له ومجاورته معه، حتى كتب «الجامع الصحيح» للبخاري، وعارض فرعه بأصله، وفرغ من نسخه بمكة، في رجب من سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، وقابله مع أبي عبد الله الورّاق محمد بن عليّ بن محمود (¬5). ¬

(¬1) ص: 124 - 125. (¬2) 17/ 560. (¬3) كما جاء في «السير» 17/ 560. (¬4) ينظر ترجمته في: «الصلة» 2/ 548 - 549 (1200)، و «إفادة النصيح» ص: 46 - 50، و «سير أعلام النبلاء» 18/ 389 - 390. (¬5) هو أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد بن محمود الورّاق، أندلسي، سمع بمكة من الرازي وأبي ذر وجاور بها. وكتب نسخًا كثيرة من «الصحيح»، حدث عنه من الأندلسيين أبو الوليد الباجي وابن مغيث وغيرهم. له ترجمة في: «التعديل والتجريح» ص: 71 (21) «الصلة» 2/ 534 (1169)

وكتب أيضًا عن أبي ذر غير ما شيء، وسمع عليه كتاب «المعجم» له، فهو ثَبت فيه. وكانت رحلته إلى المشرق من إشبيلية بلده في شعبان، سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، وحجّ حجّتين سنتي ثلاثين، وإحدى وثلاثين، فسمع «الصحيح» من أبي ذر الهروي بمكة المكرمة. ولقي أيضًا في رحلته أبا النجيب الأُرْمَوِي، وأبا عمرو الصفاقسي وغيرهما. وانصرف إلى الأندلس فدخل إشبيلية سنة أربع وثلاثين. قال ابن بشكوال: قال أبو علي الغسّاني: كان من أفاضل الناس، حسن الضبط، جيّد التقييد للحديث، كريم النفس خِيارا. وقال لنا أبو الحسن يونس بن محمد: كان ذكي الخاطر، حسن المجالسة، من بيت علم وذكر وفضل، رحمه الله. وقال أبو جعفر بن عَميرة الضْبّي: فقيه محدّث عارف راوية. وقال: إنَّه كان قاضيًا بإشبيلية. قال أبو علي: وتوفي بإشبيلية يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة خلت من شوال من سنة تسع وتسعين وأربعمائة، ودفن ضحوة يوم الخميس بعده، وانتهى عمرُه سبعين عامًا، رحمه الله. (¬1) سماعه لـ «الصحيح»: سمع «صحيح البخاري» بمكة - شرفها الله - على أبي ذرّ الهَرَوي عند باب الندوة سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة في محرّم، وانتهى في سماعه في ¬

(¬1) «الصلة» 2/ 549 (1200)، و «إفادة النصيح» ص: 48 - 49.

هذه المرة الأولى إلى بعض من كتاب الأَيْمان والنذور. قال ابن رشيد الفهري: قرأت بخطّ أبي بكر بن خير في كتاب، مقابل قوله في أوّل حديث من كتاب الأَيمان والنذور: «إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي» ما نصه: إلى هنا انتهيت بالسماع في المرة الأولى. صحّ من خطّ (ظ). وكتب ابن خير في كتابه المذكور أنَّه يعني بالظاء حيث وقعت من كتابه ابنَ منظور. قال أبو عبد الله بن منظور: وقرئ عليه أيضًا مرة ثانية وأنا أسمع، والشيخ أبو ذر ينظر في أصله، وأنا أصلحُ في كتابي في المسجد الحرام عند باب النَّدوة. كان ابتداء هذا السماع الثاني الذي كمل فيه جميع الكتاب في شهر شوال من سنة إحدى وثلاثين المذكورة، وتمامه في ذي القعدة منها (¬1). حدّث عنه الجلّة من الأندلسيين. وأجلّهم: أبو الحسن شُرَيْح بن محمد؛ والقاضي أبو القاسم أحمد بن محمد بن منظور؛ وأبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عثمان التجيّبي القيظي السَّرَقُسْطي، وكتب عنه «صحيح البخاري»، وقرأه مرة، وسمعه أخرى بقراءة أبي محمد بن العربي. قال ابن رشيد: وكان أصل القيظي هذا من الأصول المعتمدة في الأندلس محبسًا بجامع العدَبْس من إشبيلية - طهَّره الله من دنس الكفر، وأعادها الله دار ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 47، وجاء ذلك في «فهرسة ابن خير» ص: 94.

إسلام -. وهذا الأصل - جبره الله - من الأصول التي اعتمدها ضابط الأندلسيين في وقته أبو بكر بن خير، وعارض كتابه الحافل به الذي بخطّ أبيه خير رحمهما الله. وفيه كان سماعي وسماع بُنيّ محمد - هداه الله - مع الجماعة على شيخنا الفقيه الفاضل العدل أبي فارس - أبقاه الله - والشيخ أبو فارس يمسك أيضًا أصله أيضًا بخط أبيه - رحمه الله - وفيه سمع على شيخه أبي مروان رحمه الله (¬1). وهذه الرِّواية اشتهرت من خلال اثنين من الرُّواة: الأول: أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح (¬2) الذي يقال له: الخطيب شيخ المقرئين والمحدثين، الإمام، الرعيني، الإشبيلي، المالكي. قال فيه ابن رشيد: جليل مصره بل جليل عصره، المقرئ، المشهور في أقطار الأرض شرقًا وغربًا، رئيس في العربية والإقراء، متفق على جلالته وعدالته وإتقانه، وعمر وأسن حتى روى عنه الآباء والأبناء والأجداد والأحفاد وألحق الصغار بالكبار (¬3). وقال: روى عنه أبو الحكم عمرو بن حجاج وكان يقول: قرأت على شريح أنا وابني وحفيدي. وقد روى عنه أيضًا القاضي أبو القاسم أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن بقي هو وأبوه وجده، وهو آخر من حدث عنه بالإجازة، ولم يزل على ذلك إلى أن غلبه الكبر وأقعده عن التصرف، فلزم داره واستخلف على ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 49 - 50 (¬2) ينظر ترجمته في: «الصلة» 1/ 234، 235، «سير أعلام النبلاء» 20/ 142 - 144 (85). (¬3) «إفادة النصيح» ص: 58.

الصلاة، ولم ينقطع الأخذ عنه إلى أن عطَّله الكبر والخرف فقطع، ولا أعلم أحدًا حدث عنه في خرفه (¬1). روى وسمع من والده ومن أبي عبد الله بن منظور «الصحيح» وسمع من علي بن محمد الباجي وأبي محمد بن خزرج وطائفة، وأخذ أبو الحسن القراءات عن أبيه أبي عبد الله عرضًا، وأخذ عنه جميع ما كان يرويه وسمع منه أكثر ما عنده، وورث منزلته وارتقى فوقها درجات، وسمع البُخارِيّ منه وعلى أبي عبد الله بن منظور. وحدث عنه بـ «الصحيح» ابن خير الإشبيلي (575) هـ وأبو بكر محمد بن عبد الله ابن الجد (586) هـ، وأبو محمد عبد الله بن محمد الحجري (591) هـ، ومحمد بن جعفر بن حميد البلني (586) هـ، وخلق آخرهم: عبد الرحمن بن علي الزهري، الذي حدث عنه بـ «صحيح البُخارِيّ» سنة (613) هـ. جلس الإمام أبو الحسن شريح للتحديث والإقراء مبكرًا، حيث جلس بجامع إشبيلية سنة اثنتين وأربعمائة بتقديم المعتمد أبي القاسم بن عباد. ذكره تلميذه أبو عبد الله محمد بن جعفر بن حميد كما جاء عند ابن رشيد (¬2). وقال المحدث الشهيد أبو الربيع بن سالم - فيما قرأه ابن رشيد من خطه -: أخذ الناس عنه قديمًا - أي: أبو الحسن شريح - وحديثا على اختلاف طبقاتهم، وطال عمره حتى انفرد بعلو الإسناد في «صحيح البُخارِيّ» لسماعه له من ابن منظور، وأبيه عن أبي ذر. وكان الناس يرحلون إليه بسببه، وكان عَيَّنَ لقراءته شهر رمضان، فيكثر الازدحام عليه في هذا ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 59. (¬2) «إفادة النصيح» ص: 60.

الشهر، ويتواعد أهل الأقطار المتباعدة للاجتماع فيه عنده. ثم قال ابن رشيد: حدثني شيخنا أبو محمد بن عبد الله أنه قرأه عليه سنة أربع وثلاثين بعد أن ارتقب النميري، إذ كان موعودًا بقراءته ذلك العام، فلم يصل. قال: وسمعه بقراءتي عالم كثير، أظنه قال: ثلاثمائة رجل. وحدثني أبو عبد الله بن حميد أنه سمعه عليه سنة خمس بعدها في نحو المائتين أو دونها. اهـ (¬1). وكانت قراءة أبي محمد عبد الله بن محمد الحَجري على شريح لـ «صحيح البُخارِيّ» ويسمع معه الحاضرون، وكان قد قدم في شهر رمضان فيمن وفد على شريح ليسمع منه. قال ابن رشيد: قال المتقن طلحة بن محمد القارئ: حدثني الأصولي أبو إسحاق بن قسوم (¬2)، أنا أبو محمد بن عبد الله، أن شريحا كان يُسمع «الجامع» للبخاري في كل شهر رمضان ويقدم الناس عليه من الأقطار لذلك. قال: توفدت فيمن وفد فاجتمع أهل المرية وأهل قرطبة وغيرهم، فقدموني لقراءته؛ لعلمهم بنفوذي، فقال لهم شريح: نختبره وإلا رجعنا إلى قارئنا - لرجل من أهل إشبيلية كان أبدًا يقرؤه عليه - قال: فابتدأت القراءة، وكان معه ذلك اليوم جالسًا ليسمعه عليه أبو القاسم بن صاحب الرد (¬3) ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 60. (¬2) هو إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله بن قسوم اللخمى، أبو إسحاق من أهل إشبيلية (ت 642 هـ)، فقيه أصولي، ناسك، روى عن ابن الجد وابن رزقويه وابن الأبار ينظر: «التكملة» 1/ 145. (¬3) هو عبد العزيز بن علي أبو الأصبغ اللخمي الإشبيلي الظاهري يعرف بابن صاحب الرد (621) هـ «الوافي بالوفيات» 18/ 530.

فقال لي أبو القاسم هذا: يا أبا محمد، إن قراءتك لتملأ العيون قرة والقلوب مسرة. قال: فغار أهل إشبيلية لذلك، وقالوا: نرفعه لقراءة التفسير في آخر الكتاب. قال: فكانت قراءتي له أحسن من قراءتي لسائره (¬1). ومناقبه كثيرة وفضائله غزيرة،، توفي رحمه الله تعالى لساعة واحدة مضت من ليلة الثلاثاء في العشر الأخير من جمادى الأخرى سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وكان مولده ليلة الثلاثاء لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وأربعمائة. وروايته هذه رواها عنه خلق كثيرون منهم: 1 - ابن خير الإشبيلي (575) هـ كما في «الفهرسة» (¬2)، وكما ذكره ابن رشيد. 2 - أبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد الفهري (586 هـ) (¬3) ومن طريقه التجيبي كما ذكر في «برنامجه» (¬4) ومن طريقه ابن رشيد. 3 - أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي الحجري (591 هـ) (¬5) ومن طريقه التجيبي (¬6) وابن رشيد. ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 61. (¬2) «الفهرسة» ص: 94. (¬3) ينظر ترجمته في «التكملة لوفيات النقلة» للمنذري 1/ 145 (123)، و «إفادة النصيح» ص: 67 وما بعدها، و «سير أعلام النبلاء» 21/ 177 - 179. (¬4) ص: 75. (¬5) ينظر ترجمته في «إفادة النصيح» ص: 78 وما بعدها، و «التكملة لوفيات النقلة» للمنذري 1/ 217 (261) و «سير أعلام النبلاء» 21/ 251 - 255. (¬6) ينظر «برنامجه» ص: 76.

4 - أبو عبد الله محمد بن جعفر بن أحمد بن حميد (586 هـ) (¬1) ومن طريقه الوادي آشي (¬2). الراوي الثاني: أبو القاسم بن منظور (¬3) (436 - 520). هو أحمد بن أبي بكر محمد بن أحمد بن محمد بن منظور بن عبد الله بن منظور القيسي، من أهل إشبيلية ووجوهها، يكنى أبا القاسم، ولي قضاء إشبيلية ببلده مدة، كما ولي أبوه أبو بكر (464) هـ قرطبة، استقضاه عليها المعتمد على الله محمد بن عباد. وكان أبو القاسم فقيها محدثا، روى عن أبيه القاضي أبي بكر، وسمع من حفيد عم أبيه الراوية أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى بن محمد بن منظور بن عبد الله ابن منظور - وفي محمد بن منظور يجتمعان. قلت (الباحث): وقد أدى هذا التقارب - في الأسماء والطبقات - إلى خلط من بعض الرُّواة في الاسم: ومنهم ابنُ بشكوال، حيث يقول في ترجمته (¬4): أحمد بن محمد بن أحمد بن عيسى بن منظور، وذكر أنه سمع من ابن عم أبيه: أبي عبد الله محمد بن أحمد، - وليس في نسب أحمد هذا من اسمه عيسى. وقد أعاد هذا الغلط أيضًا في اسم أبيه أبي بكر محمد (¬5). ¬

(¬1) ينظر ترجمته في «التكملة لوفيات النقلة» للمنذري 1/ 137 - 138 (112)، و «سير أعلام النبلاء» 21/ 276 - 277. (¬2) ينظر «برنامجه» ص: 188 - 189. (¬3) وينظر ترجمته في «الصلة» ص: 78 (171) «سير أعلام النبلاء» 19/ 518 (301). (¬4) في «الصلة» ص: 78 (171) (¬5) «الصلة» 2/ 547.

ثم تلاه في هذا الغلط وزاد - كما قال ابن رشيد - المحدث أبو جعفر بن عميرة الضبي، وقرأته بخطه فقال: أحمد بن محمد بن أحمد بن عيسى بن منظور أبو القاسم الإشبيلي، قاضي إشبيلية فقيه، محدث، مشهور، توفي سنة عشرين وخمسمائة، يروي أبوه عن أبي ذر - عبد بن أحمد الهَرَويّ - يروي عنه أبو الحسن يونس بن محمد بن مغيث وغيره. فجعله كما ترى ابنًا للراوية عن أبي ذر - وهو أبو عبد الله - وذلك هو الذي حمله في اسم الراوية أبي عبد الله أن قال: إنّه كان قاضيًا، ثم أبعد فقال: بإشبيلية، وذلك كله تخليط (¬1). وحدث بـ «الصحيح» عن أبي القاسم بن منظور: أبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد الفهري (586) هـ حدثه به عن حفيد عم أبيه أبي عبد الله بن منظور عن أبي ذر. توفي أبو القاسم رحمه الله تعالى سنة عشرين وخمسمائة، وكانت ولادته سنة ست وثلاثين وأربعمائة. ومن طريق أبي بكر محمد بن الجد، اشتهرت هذه الرِّواية، ومن طريقه رواها التجيبي في «برنامجه» (¬2)، وابن رشيد كما جاء في «الإفادة» (¬3). 3 - الراوي الثالث عن أبي ذر: أبوعبد الله بن شريح (476) (¬4). هو محمد بن شريح بن أحمد بن شريح بن يوسف بن عبد الله بن ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 57. (¬2) ص: 75. (¬3) ص: 67 - 77. (¬4) ينظر ترجمته في: «الصلة» لابن بشكوال 2/ 553 (1212)، و «معرفة القراء الكبار» 1/ 351، و «غاية النهاية» 2/ 153، و «إفادة النصيح» ص: 51 - 55، و «تاريخ الإسلام» 32/ 179، و «سير أعلام النبلاء» 18/ 554 - 555.

شريح الرعيني، المقرئ، الإشبيلي، إمام القراءة في عصره، يكنى أبا عبد الله، وزاد ابن بشكوال: بين أحمد وشريح محمدًا، ولم يرفع ما بعده (¬1) وتبعه في ذلك غير واحد منهم الذَّهَبِيّ (¬2) ثم ذكره الذَّهَبِيّ على الصواب كما ذكرته (¬3). قال ابن رشيد: والصحيح في نسبه ما ذكرته، وكذلك قرأته بخط المتقنين: الضابط أبي بكر بن خير، والشهيد أبي الربيع بن سالم، وغيرهما من المتقنين. ورحل إلى المشرق سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، فسمع في طريقه بالمهدية أبا حفص عمر بن حسين المقري، المعروف بابن النفوس، في ذي القعدة من السنة المذكورة. وسمع بمصر سنة ثلاث، أبا العباس أحمد بن علي بن هاشم المقرئ (445) هـ، وأبا علي الحسن بن محمد بن إبراهيم المقرئ البغدادي المالكي (438) هـ. وحج في موسم سنة ثلاث وثلاثين، فسمع بالحرم الشريف أبا ذر الهَرَويّ، سمع عليه «صحيح البُخارِيّ» عند باب الندوة، وسمع عليه أيضًا «مناسك الحج» من تأليفه، في ذي الحجة من السنة المذكورة. وسمع بمصر أيضا في سنة أربع، على أبي العباس بن النفيس المقرئ المصري الطرابلسي (453) هـ، ثم قفل إلى الأندلس، وجلس ببلده لإقراء القرآن، فكانت الرحلة في وقته إليه، وألف كتبا في علوم القرآن. ¬

(¬1) «الصلة» 2/ 553 (1212). (¬2) «تاريخ الإسلام» 32/ 179، وكذا في «معرفة القراء الكبار» 1/ 351، وابن الجزرى في «غاية النهاية» 2/ 153 (¬3) «سير أعلام النبلاء» 18/ 554 - 555.

قال فيه ابن بشكوال: كان من جلة المقرئين وخيارهم، ثقة في روايته (¬1). وقال فيه ابن رشيد: إمام القراءة في عصره - حدث عنه من لا يحصى كثرة، وأجلهم في وراثة علمه ابنه أبو الحسن، وأبو العباس بن عيشون (¬2). وقال ابن عميرة الضبي: فقيه مقرئ نحوي أديب رئيس وقته في صنعته. قال ابن بشكوال: توفي رضي الله عنه يوم الجمعة عند صلاة العصر، اليوم الرابع من شوال من سنة ست وسبعين وأربعمائة، وكمل له من العمر أربعة وثمانون عاما إلا خمسة وخمسين يومًا، ومولده سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، أخبرني بوفاته الخطيب أبو الحسن شريح بن محمد رحمه الله (¬3). وهذه الرِّواية - رِواية أبي عبد الله بن شريح، عن أبي ذر - رواها عنه وأشهرها ونشرها كل من: ابنه أبو الحسن الخطيب شريح بن محمد (539) هـ، وأبو القاسم بن منظور (520) هـ هي ورِواية أبي عبد الله بن منظور السابقة، وقد سبق ترجمتهما في الراوي الثاني عن أبي ذر. وعن ابنه أبي الحسن شريح روى ابن خير الإشبيلي كما في «فهرسته» (¬4)، وعنه أيضًا روى أبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد (586) هـ ومن طريقه التجيبي كما جاء في «برنامجه» (¬5) وابن رشيد كما جاء في «إفادة النصيح» (¬6). ¬

(¬1) «الصلة» 2/ 553 (1212) (¬2) «إفادة النصيح» ص: 53. (¬3) «الصلة» 2/ 553 (1212). (¬4) ص: 94. (¬5) ص: 75. (¬6) ص: 51 - 55.

وروى عن أبي عبد الله بن شريح أيضًا: أبو عبد الله محمد بن جعفر بن أحمد بن حميد (586 هـ) ومن طريقه الوادي آشي في «برنامجه» (¬1). 4 - الراوي الرابع عن أبي ذر: أبو الوليد الباجي (474) هـ (¬2) هو سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث الإمام أبو الوليد التجيبي - بضم التاء المعجمة وكسر الجيم وسكون الياء نسبة إلى تجيب وهي قبيلة (¬3) - القرطبي الباجي - بالباء المفتوحة والجيم المكسورة بعد الألف - وهذه النسبة إلى ثلاثة مواضع: أحدها باجة بلدة بالأندلس وإليها ينسب أبو الوليد (¬4). أصله بطليوسي نسبة إلى بطليوس - بفتح الباء والطاء وبسكون اللام وفتح الياء وسكون الواو وآخرها سين مهملة - مدينة بالأندلس (¬5) وانتقل آباؤه إلى باجة، وقد ولد في سنة ثلاث وأربعمائة. سمع من أهل بلدة ومنهم: يونس بن عبد الله بن مغيث ومكي بن أبي طالب وجماعة، ثم رحل إلى بلاد المشرق سنة ست وعشرين وأربعمائة أو نحوها، فأقام بمكة مع أبي ذر الهَرَويّ ثلاثة أعوام، وحج فيها أربع حجج، وكان يسكن معه بالسراة ويتصرف له في جميع حوائجه. ثم رحل إلى بغداد فأقام فيها ثلاثة أعوام يدرس الفقه ويكتب ¬

(¬1) ص: 188 - 189. (¬2) ينظر ترجمته في: «الإكمال» 1/ 468، و «الصلة» 1/ 200 - 202 (454)، و «ترتيب المدارك» 4/ 803، و «الأنساب» 2/ 19 - 20، و «وفيات الأعيان» 2/ 408 - 409، و «سير أعلام النبلاء» 18/ 535 - 545، و «شذرات الذهب» 3/ 344 - 345، وغير ذلك .. (¬3) «الأنساب» 2/ 19 - 20. (¬4) «الأنساب» 2/ 13 - 14. (¬5) «الأنساب» 2/ 259 - 260.

الحديث، ولقي فيها جلةً من الفقهاء كأبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري رئيس الشافعية وغيره. وأقام بالموصل مع أبي جعفر السمناني عامًا كاملًا يدرس عليه الفقه، وكان مقامه في رحلته بالشرق نحو ثلاثة عشر عامًا. ومن شيوخه المحدثين: أبو عبد الله الصوري محمد بن علي، وأبو النجيب الأرموي الحافظ، وأبو الخطيب البغدادي، وهو ممن روى عنه. وروى عنه: الحافظ أبو عمر بن عبد البر وهو أكبر منه، وأبو علي بن سكرة الصَّدفي، وأبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي، ومحمد بن أبي الخير القاضي، وغيرهم مما لا حصر لهم. له من المصنفات الكثير منها «المنتقى في شرح الموطأ» مناقبه: قال ابن ماكولا: فقيه متكلم أديب شاعر، رحل وسمع بالعراق .. وكان جليلا رفيع القدر والخطر (¬1) اهـ. وقال أبو علي الصَّدفي: ما رأيت أحدًا على سمته وهيبته وتوقير مجلسه مثل أبي الوليد الباجي .. اهـ (¬2). وقال ابن بشكوال نقلًا عن أبي علي الصَّدفي: هو أحد أئمة المسلمين (¬3). وقال القاضي عِياض: كان أبو الوليد رحمه الله فقيهًا نظارًا محققًا راويةً محدثًا، يفهم صيغة الحديث ورجاله، متكلمًا أصوليًا، فصيحًا، شاعرًا (¬4). ¬

(¬1) «الإكمال» 1/ 468. (¬2) «تاريخ الإسلام» 32/ 119 (¬3) «الصلة» 1/ 202. (¬4) «ترتيب المدارك» 4/ 803.

توفي رحمه الله بالمرية، ليلة الخميس بين العشائين، ليلة تسع عشرة من رجب، ودفن يوم الخميس بعد صلاة العصر، سنة أربع وسبعين وأربعمائة، ودفن بالرّباط على ضفة البحر، وصلى عليه ابنه أبو القاسم. نقله ابن بشكوال عن ابن خير (¬1). وعن أبي الوليد الباجي: اشتهرت رِواية «الصحيح» في بلاد المغرب، وقد روى في مقدمة كتابه «التعديل والتجريح» أسانيده لـ «صحيح البُخارِيّ»، فذكر منها روايته عن أبي ذر الهَرَويّ. وعن أبي الوليد: أخذ الرِّواية أبو علي الحسين بن سكرة الصَّدفي (514) هـ وسيأتي الحديث عنها في أشهر النسخ الموجودة. وعنه أخذت جميع روايات «الصحيح» من طريق أبي ذر في بلاد المغرب. ومن أشهر االنسخ التي أخذت عن أبي علي الصَّدفي: نسخة القاضي عِياض (544 هـ)، وقد استوفيت ترجمته في أثناء الكلام عن كتابه: «مشارق الأنوار» في الباب الثالث فليرجع إليها، وقد نص على روايته هذه في «المشارق» (¬2)، و «الغنية» (¬3). ونسخة صهره أبي عمران موسى بن سعادة (مات بعد 522) هـ. وسيأتي الحديث عنها في أشهر النسخ الموجودة. ¬

(¬1) «الصلة» 1/ 202. (¬2) 1/ 9. (¬3) ص: 105.

5 - الراوي الخامس عن أبي ذر: أبو العباس العذري (393 - 478) هـ (¬1) هو الإمام الحافظ، المحدث، الثقة، أبو العباس، أحمد بن عمر بن أنس بن دِلْهاث بن أنس، العُذريُّ، الأندلسي، المريي، الدلائي، ودلاية من قرى المَرِيَّة. ولد سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة في رابع ذي القعدة. رحل إلى المشرق مع أبويه، وهو حدث سنة سبع وأربعمائة، ووصلا إلى بيت الله الحرام قاصدين الحج، في شهر رمضان سنة ثمان، وجاورا به أعوامًا جمة، وانصرف عن مكة سنة ست عشرة، فسمع بالحجاز سماعًا كثيرًا. فأخذ «صحيح مسلم» عن أبي العباس بن بندار الرازي، وأخذ عن أبي بكر محمد بن نوح وغيرهما، ولازم الشيخ الحافظ أبا ذر الهَرَويّ، وسمع منه «صحيح البُخارِيّ» مرات، وسمع من جماعة غيرهم من المحدثين من أهل العراق وخراسان والشام الواردين على مكة وأهل الرِّواية والعلم. وكتب بالأندلس عن أبي علي الحسين بن يعقوب البَجّاني، ويونس بن عبد الله والمهلب بن أبي صفرة، وعمَّر وألحق الصغار بالكبار، وصنف «دلائل النبوة» وغيرها. حدث عنه: ابن حزم الأندلسي، وابن عبد البر، وأبو علي الجَيّانيّ، وأبو علي بن سكرة الصَّدفي، والحميدي، وغيرهم. قال ابن بشكوال عنه: كان معتنيًا بالحديث ونقله وروايته وضبطه مع ثقته وجلالة قدره وعلو إسناده، وتوفي رحمه الله في آخر شعبان سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، ودفن بمقبرة الحوض بالمرية، وصلى عليه ابنه أنس بتقديم المعتصم بالله محمد بن معن. ورِواية أبي العباس العذري عن أبي ذر هذه رواها عنه أبو علي الجَيّانيّ الحسين بن محمد (498) هـ وقد ترجمت له عند الكلام على كتابه «تقييد المهمل» في الباب الثالث فليرجع إليها، ورِواية أبي علي الجَيّانيّ عن العذري ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «الصلة» 1/ 66 - 67 (141)، «الأنساب» مادة الدلائي، «سير أعلام النبلاء» 18/ 567 (296).

ذكرها في «تقييد المهمل» (¬1). وعنه أخذها القاضي عِياض (544) هـ كما في «الغنية» (¬2). ولم تكن رِواية أبي علي الجَيّانيّ (498 هـ) هي الوحيدة عن العذري، وإنما هناك روايات أخرى نص عليها العلماء منها رِواية الإمام أبي بحر سفيان بن العاص الأسدي، - المتوفى سنة (520) هـ (¬3) - عنه، ومن طريقه روى التجيبي «الصحيح» كما في «برنامجه» (¬4). ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 15/ 61. (¬2) ص: 104. (¬3) ينظر ترجمته في «السير» 19/ 515 - 516. (¬4) ص: 76، 77.

ملخص للروايات من طريق أبي ذر الهَرَويّ روى أبو ذر الهَرَويّ (356 - 434 هـ) «الصحيح» عن ثلاثة: 1 - أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المُسْتَمْلِيّ (376) هـ ببلخ سنة (374) هـ. 2 - أبو محمد عبد الله السَّرْخَسي الحَمُّوييّ (381) هـ بهراة سنة (373) هـ. 3 - أبو الهيثم الكُشْمِيهَني (389) هـ بكشميهن (389) هـ. ورواه عن أبي ذر الهَرَويّ كثيرون ذكرتهم بالتفصيل، وسأقتصر على أشهر الرواة: الأول: أبو مكتوم عيسى بن أبي ذر (415 - بعد 497 هـ)، وعنه: 1 - أبو الحسن الطرابلسي (576) هـ، وعنه أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي حَرَمِيّ، ومن طريقه جمع من العلماء، منهم الوادي آشي والكرماني وابن حجر والقَسْطَلّانِيّ. 2 - أبو طاهر السلفي إجازة (¬1). 3 - أبو عبيد نعمة بن زيادة الله الغفاري، وعنه السلفي (¬2). الثاني: أبو عبد الله بن منظور (399 - 469) هـ. ورواه عنه: 1 - أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الخطيب (451 - 539) هـ. وعنه: ابن خير الإشبيلي (575) هـ (¬3). ¬

(¬1) «الوجيز في ذكر المجاز والمجيز» ص: 122، و «السير» 17/ 560. (¬2) «السير» 17/ 560. (¬3) «فهرسته» ص: 94، وابن رشيد في «إفادة النصيح» ص: 63.

وأبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد (586) هـ، ومن طريقه التجيبي (¬1). وأبو محمد عبد الله بن محمد الحجري (591) هـ، ومن طريقه التجيبي (¬2)، وابن رشيد. وأبو عبد الله محمد بن جعفر بن أحمد بن حميد (586) هـ ومن طريقه الوادي آشي (749) هـ (¬3). 2 - أبو القاسم بن منظور أحمد بن أبي بكر (436 - 520)، وعنه أبو بكر محمد بن عبد الله بن الجد (586 هـ)، ومن طريقه التجيبي (¬4)، وابن رشيد (¬5). الثالث: أبو عبد الله بن شريح (392 - 476) هـ، وعنه ابنه أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الخطيب (451 - 539) هـ، ورواها عنه جمع كثير منهم: 1 - ابن خير الإشبيلي (¬6). 2 - أبو بكر محمد بن عبد الله بن الجد (586 هـ)، ومن طريقه التجيبي (¬7)، وابن رشيد (¬8). ¬

(¬1) «برنامج التجيبي» ص: 75. (¬2) «البرنامج» ص: 76. (¬3) «برنامج الوادي آشي» ص: 188 - 189. (¬4) «برنامج التجيبي» ص: 75. (¬5) «إفادة النصيح» ص: 67 - 77. (¬6) «فهرسته» ص: 94. (¬7) «برنامج التجيبي» ص: 75. (¬8) «إفادة النصيح» ص: 51 - 55.

3 - أبو عبد الله محمد بن جعفر بن أحمد بن حميد (586) هـ، ومن طريقه الوادي آشي (¬1). الرابع: أبو الوليد الباجي (403 - 474) هـ. وعنه أبو علي الحسين بن سكرة الصدفى (454 - 514) هـ، وعنه اشتهرت وملأت الآفاق فرواه عنه اثنان: 1 - القاضي عِياض (544) هـ (¬2). 2 - صهره أبو عمران موسى بن سعادة (مات بعد 522) هـ، وعنه نسخ كثيرة، ومنها المخطوط الموجود في بلاد المغرب والأندلس. الخامس: أبو العباس العذري الدلائي (393 - 478) هـ، وعنه أبو علي الحسين ابن محمد الجَيّانيّ (427 - 498) هـ (¬3)، وعنه القاضي عِياض (544) هـ (¬4)، وعنه أبو بحر سفيان بن العاص الأسدي (520 هـ)، ومن طريقه التجيبي (¬5). ¬

(¬1) «برنامج الوادي آشي» ص: 76 - 77. (¬2) «مشارق الأنوار» 1/ 9، و «الغنية» ص: 105. (¬3) «تقيد المهمل» 1/ 61. (¬4) «الغنية» ص: 104. (¬5) «برنامج التجيبي» ص: 76 - 77.

المطلب الثالث النسخ الموجودة من رواية أبي ذر الهروي

المطلب الثالث النسخ الموجودة من رِواية أبي ذر الهَرَويّ لقد تميز المسلمون برغبتهم في اقتناء أصح النسخ من «صحيح البُخارِيّ» وبذلهم في سبيل ذلك النفس والنفيس. ولقد كان للمغاربة السبق الأعظم في الحفاظ على أندر المخطوطات. لقد كان للمغاربة اهتماماتهم الموجهة إلى الاعتداد بالكتب القيمة التي عمد مؤلفوها إلى التحري في تدوينها واختيار صحيحها، وعلى رأس هذه الكتب «صحيح البُخارِيّ». إن من يتتبع الخزانات المغربية والأندلسية - سواء كانت خاصة أو عامة - فسيرى أنها مليئة بكتب الحديث، وأنها كانت تُعنى بالنُّسَخِ المخطوطة المصححة المقابلة بالأصول الصحيحة ذات الضوابط العلمية، إما بتوقيع بعض العلماء الذين لهم مكانة في الحديث، أو بتسجيل بعض السماعات والإجازات، أو بذكر الروايات التي تربط بين المؤلف الأصلي وبين صاحب المخطوطة. ومن الملاحظ على نسخ «الصحيح» - وخاصة التي حفظت في بلاد المغرب والأندلس - حرص كثير من ناسخي المخطوطات تعمد كتابة وذكر اسم الناسخ وتاريخ النسخ، وذكر الأصول التي قوبلت عليها والروايات المستمدة منها على نحو ما بينته من حال الرِّواية عن الإمام البُخارِيّ؛ حيث روي عنه بروايات شتى. ويلاحظ أنه - حتى الآن - لا توجد في المكتبات المشرقية - سواء في بلاد الجزيرة العربية أو في مصر بالرغم من وجود أعتق دور حفظ المخطوطات - أي دراسات من باحثين متخصصين في الحديث النبوي؛

لتقييم المخطوطات الموجودة في المكتبات لـ «صحيح البُخارِيّ» خاصة، ولأمهات الكتب المسندة عمومًا، مما يشكل صعوبة بالغة في تقييم المخطوطات المحفوظة في دار الكتب المصرية مثلًا أو المكتبة الأزهرية أو المكتبة الظاهرية أو مكتبة الأسد أو غيرها من دور المخطوطات. وذلك؛ لأن مثل هذا النوع من الدراسات يحتاج وقتًا طويلًا بالإضافة إلى قلة الإمكانيات المتاحة لغير العاملين بهذه الدور. وإذا كان الأمر كذلك في بلاد المشرق فإننا نجد العكس من ذلك في بلاد المغرب؛ حيث قدم لنا باحثون متميزون معلومات كافية عن المخطوطات الموجودة في بلاد المغرب ومكتباته مع تقييم لهذه المخطوطات، وذلك؛ لصلتهم الدقيقة بتخصص الحديث من ناحية، وتخصصهم في علوم المخطوطات من ناحية أخرى، بالإضافة إلى ما تمتعوا به من قرب لهذه المخطوطات. ومن أشمل الدراسات التي تناولت التعريف بنسخ «الصحيح» ورواياته، مقالٌ للأستاذ محمد المنوني أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب ودار الحديث الحسنية، وهو بعنوان: «صحيح البُخارِيّ في الدراسات المغربية من خلال رواته الأولين ورواياته وأصوله». وهو على صغره إلا أنه قد تعرض لبعض الأصول الموجودة حتى الآن في خزائن المغرب، وقد استفدت منه كثيرًا في دراستي هذه. كما يوجد مقال آخر للأستاذ محمد بن عبد العزيز الدباغ، وهو قيّم سابق لخزانة القرويين، وهو بعنوان: «مخطوط صحيح البُخارِيّ بخزانة القرويين بفاس». كما توجد رسالة للشيخ عبد الحي الكتاني بعنوان: «التنويه والإشادة بمقام رِواية ابن سعادة»، عرّف فيها بنسخة ابن سعادة التي هي عن أبي علي

الصَّدفي عن أبي الوليد الباجي، عن أبي ذر، وتعرض لكثير من النسخ التي أخذت عن هذه النسخة التي كانت عمدة عند أهل المغرب، كما ذكرت ذلك في البحث الخاص بهذه النسخة. إذا عرفنا ذلك فسيكون الحديث عن الأصول الموجودة من «صحيح البُخارِيّ» مستمدًّا من هذه الأبحاث وغيرها، ومن الدراسة الميدانية بالنسبة لدور المخطوطات المصرية. وبعد سرد وتتبع لكثير مما كتب عن «صحيح البُخارِيّ» أذكر عددًا من الأصول الموجودة لـ «صحيح البُخارِيّ» من رِواية أبي ذر في ضوء الروايات التي سبق ذكرها، وسأرتبها من حيث القدم الزمني لهذه النسخ: أولًا: أصل أبي ذر الهَرَويّ بخطه: سبق أن ذكرنا أن أبا ذر كان عنده أصله من «الصحيح» الذي يروي منه، وبعد وفاته انتقل هذا الأصل بالوراثة إلى ابنه - أشهر الراوين عنه - أبي مكتوم عيسى بن أبي ذر، وأول إشارة وقفت عليها تذكر هذا الأصل هي ما ذكره الحافظ أبو طاهر السلفي (576) هـ في كتابه «الوجيز» عند ترجمته لأبي مكتوم (¬1) حيث قال: وقد كان ميمون بن ياسين الصنهاجي من أمراء المرابطين رغب في السماع منه - أي: أبي مكتوم - بمكة واستقدمه من سراة بني شبابة وبها كان سكناه وسكنى أبيه أبي ذر من قبل، فاشترى منه «صحيح البُخارِيّ» أصل أبيه الذي سمعه على أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ وأبي محمد الحَمُّوييّ ... إلخ. اهـ. ¬

(¬1) «الوجيز» ص: 124 - 125.

ويقول الذَّهَبِيّ في «سير أعلام النبلاء» (¬1) بعبارة أكثر وضوحًا: وكان ولده أبو مكتوم يحج من السراة، ويروي إلى أن قدم فلان المرابط من أمراء المغرب، فجاور وسمع «صحيح البُخارِيّ» من أبي مكتوم وأعطاه ذهبًا جيدًا، فابتاع منه نسخة «الصحيح» وذهب بها إلى المغرب اهـ. والغالب أن نفس هذا الأصل صار إلى أبي بكر بن خير الأموي الإشبيلي - كما يقول الأستاذ المنوني - وهو أحد الرُّواة عن الأمير المرابطى، وبعده انتقل إلى أبي الحسن الشاري، فقد جاء عند أبي الحسن الرعيني - عند ذكر شيخه الشاري سابق الذكر (¬2): قرأت عليه بالجامع الأعظم بسبتة كتاب «الجامع الصحيح» للبخاري ... وأمسك عليَّ حين القراءة أصل أبي بكر بن خير رِواية ابن أبي ذر الذي بخط أبيه رحمهما الله، وبمعاناة أبي بكر وتصحيحه. اهـ. ثم ذكر الأستاذ المنوني في تتبعه لهذه النسخة أنه بعد هذا وقف ابن عبد الملك على أسفار ثلاثة من أصل أبي ذر وذكر أنه من تجزئة سبعة. وقال: ويذكر أن قطعة من هذه النسخة بعينها كانت معروفة بمكتبة ابن يوسف بمراكش، ثم اختلطت مع مر الزمن ضمن الخروم (¬3). ثانيًا: نسخ وجدت في بلاد المغرب من روايات عن أبي ذر الهَرَويّ مباشرة، وهي أربع نسخ: الأولى: رِواية ابن أبي محرز السجلماسي عن أبي ذر. وهو: أبو بكر بن أبي محرز السجلماسي، وتحتفظ بروايته المكتبة ¬

(¬1) «السير» 17/ 561 ترجمة أبي ذر. (¬2) «برنامج الرعيني» ص: 75. (¬3) نقلًا من: مقال «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية» ص: 140. مجلة دعوة الحق العدد الأول، السنة السابعة عشر مارس 1975 م

الحسنية في نسخة من «الجامع الصحيح» تشتمل على الأسفار الثلاثة الأولى تحت رقم (4330)، وقد كتب بهذه الأسفار - نقلا عن الأصل المنتسخ منه - كما يلي: في آخر السفر الأول: كمل السفر الأول آخر الصلاة .. يتلوه .. في أول السفر الثاني: أول كتاب الزكاة، من مسند حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عني بتصنيفه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البُخارِيّ رضي الله عنه، سمعه أبو بكر بن أبي محرز السجلماسي من أبي ذر عبد بن أحمد بن محمد الحافظ الهَرَويّ المالكي رضي الله عنه، بمكة في المسجد الحرام حرسه الله وعظم حرمته، سنة ثلاث عشرة وأربعمائة. وكتب على أول السفر الثاني: السفر الثاني من «الجامع الصحيح»: من مسند حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسليما، مما عني بتصنيف أبوابه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البُخارِيّ رحمة الله عليه ومغفرته، سماع لأبي بكر بن أبي محرز السجلماسي، عن (¬1) أبي ذر عبد بن أحمد الهَرَويّ رضي الله عنه بمكة في المسجد حرسه الله آمين. وجاء أول السفر الثالث: هذا السفر الثالث من «الجامع الصحيح» من مسند حديث الرسول عليه السلام، عني بتبويبه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البُخارِيّ رحمه الله، سماع لأبي بكر بن أبي محرز السجلماسي من أبي ذر عبد بن أحمد بن محمد الهَرَويّ رضي الله عنه بمكة في المسجد الحرام حرسه الله (¬2). ¬

(¬1) في الأصل: (ابن) بدل (عن). (¬2) نقلا من مقال «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية». ص: 135 - 136.

الثانية: رِواية أبي القاسم مضر بن الحباب النفزاوي عن أبي ذر: ويشتمل عليها السفر الرابع الذي يتبع الأسفار الثلاثة الأولى من نسخة رِواية ابن أبي محرز السجلماسي المذكورة أخيرًا، التي تحمل بالمكتبة الحسنية رقم 433، وقد كتب على أول هذا السفر نقلا عن النسخة الأصلية: هذا السفر السادس - هو هنا الرابع - من «الجامع الصحيح» من حديث الرسول عليه السلام، عُني بتصنيفه وتبويبه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البُخارِيّ رحمة الله عليه ومغفرته، سمع جميعه أبو القاسم مضر بن الحباب النفزاوي، من أبي ذر عبد بن أحمد بن محمد الحافظ الهَرَويّ رضي الله عنه، بمكة في المسجد الحرام عظم الله حرمته، سمعه منه سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وصار «الجامع» كله لأبي القاسم مضر ابن الحباب على وجه الشراء، نفعه الله به (¬1). الثالثة: رِواية ابن منظور. وجاء التنصيص عليها عند افتتاحية نسخة عشرينية من «الجامع الصحيح». كتب جميعها بفاس أحمد بن علي بن قاسم بن محمد بن سودة المري (¬2)، وفرغ من انتساخها في شهر ربيع الثاني عام 1029 هـ / 1620 م، وهي تبتدئ هكذا: حَدَّثَنا الفقيه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن منظور القيسي رضي الله عنه، قال: أنا الشيخ أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد ¬

(¬1) نقلا من مقال «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية» ص: 135 - 136. (¬2) أبو العباس المعروف بالزقاق، التجيبي الفاسي المالكي الفقيه الحافظ عالم بلاد المغرب توفي سنة إحدى وثلاثين وألف. ينظر ترجمته في: «خلاصة الأثر» 1/ 246، و «هدية العارفين» 1/ 155، و «معجم المؤلفين» 1/ 208 (1031).

الهَرَويّ، قراءة عليه في المسجد الحرام عند باب الندوة بمكة، سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة .. ولا تزال هذه النسخة - بكاملها - محفوظة بخزانة تمكروت تحت رقم (312) (¬1). الرابعة: رِواية ابن المفرج الصقلي: ويوجد منها السفر الأول في نسختين بخط مغربي، حيث يرد في طالعتهما: أَخْبَرَنا الشيخ القاضي أبو الحسن علي بن المفرج الصقلي رضي الله عنه، في المسجد الحرام بمكة، سنة خمس وستين وأربعمائة، قال: أنا أبو ذر. والنسختان - معا - بخزانة تمكروت تحت رقمي (1431، 1451) (¬2). ثالثًا: نسخ أخرى أخذت من رواية أبي ذر بالواسطة: 1 - نسخة أبي علي الصَّدفي (454 - 514) هـ. وأبو علي يروي «الصحيح» في نسخته هذه عن شيخه أبي الوليد الباجي، عن أبي ذر، عن شيوخه الثلاثة، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ. وقد تكلمت بالتفصيل عن هذه النسخة في الباب الثالث؛ نظرًا لأهميتها، وتفرع كثير من نسخ بلاد المغرب عنها، فشهرتها في بلاد المغرب شهرة نسخة اليُونِينِيّ عند المشارقة. 2 - نسخة أبي عمران موسى بن سعادة (522) هـ. ومن النسخ الموجودة والتي ترجع إلى أصل أبي علي الصَّدفي: ¬

(¬1) «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية» ص: 136، 137. (¬2) «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية» ص: 137.

النسخة التي كتبها بخطه صهره وراوي «صحيح البُخارِيّ» عنه والعمدة فيه عند المغاربة بعد أبي علي الصَّدفي نسخة أبي عمران موسى بن سعادة. وقد تكلمت بالتفصيل عن هذه النسخة في الباب الثالث أيضًا. 3 - نسخة اليُونِينِيّ (701) هـ ومن النسخ المشرقية التي تمثل مخطوطات لرِواية أبي ذر، النسخُ التي ذكرتها في الحديث عن النسخة «اليُونِينيّة»، حيث إن اليُونِينِيّ أحد رواياته رِواية أبي ذر، وقد تناولت بالتفصيل الحديث عن كل النسخ الموجودة من «اليُونِينيّة» وفروعها. 4 - نسخة أبي زُرْعَة العراقي أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين (762 - 826) هـ، وهي ولي الدين العراقي، عن والده زين الدين أبي الفضل، وغيره من الشيوخ الذين ذكرهم، وذكر أسانيدهم إلى الروايات التي اعتمد عليها. وهذه النسخة عندي منها مصورة وهي في (1273) لوحة وهي بخط نسخ جميل وهي تشتمل على ثلاث روايات: 1 - رِواية أبي الوَقْت عن الدّاوُدِيّ عن الحمويي. 2 - رِواية أبي مكتوم عن أبيه أبي ذر الهَرَويّ عن شيوخه الثلاثة. 3 - رِواية كريمة عن الكُشْمِيهَني.

المبحث الثاني رواية الأصيلي (392) هـ

المبحث الثاني رِواية الأَصِيلي (392) هـ اسمه ونسبه (¬1): هو الحافظ الثبت العلامة أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمد الأصيلي (¬2) راوي «الصحيح» عن أبي زيد نشأ بأصيلا من بلاد العدوة وتفقه بقرطبة. قال ابن الفرضي: سمعته يقول: قدمت قرطبة سنة اثنتين وأربعين، فسمعت بها من أحمد بن مطرف، وأحمد بن سعيد، ومحمد بن معاوية القرشي، وأبي بكر اللؤلؤي .. وكانت رحلتي إلى المشرق في المحرم سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة. اهـ. ورحل إلى بغداد فسمع من أبي بكر الشافعي، وأبي علي الصواف، وأبي بكر الأبهري، في آخرين. وتفقه هنالك لمالك، ثم وصل إلى الأندلس، وقرأ عليه الناس كتاب البُخارِيّ رِواية أبي زيد المَرْوَزيّ وغير ذلك. له كتاب «الدلائل على أمهات المسائل» وهو في اختلاف مالك والشافعي وأبي حنيفة - رحمهم الله - وكان عالمًا بالكلام والنظر. قال الدارقطني: حدثني أبو محمد الأصيلي، ولم أر مثله (¬3). ¬

(¬1) ينظر ترجمته في «تاريخ علماء الأندلس» 1/ 249 (760)، و «معجم البلدان» 1/ 212 - 213، و «تذكرة الحفاظ» 3/ 1024 (954)، و «سير أعلام النبلاء» 16/ 560 (412)، وغير ذلك. (¬2) نسبة إلى أصيلة _بفتح الهمزة وكسر الصاد _ بلد بالأندلس، وقيل: ربما كان من أعمال طليطلة، وهي الآن خراب، ينظر «معجم البلدان» 1/ 212 - 213 (¬3) «سير أعلام النبلاء» 16/ 560.

وقال عِياض: كان من حفاظ مذهب مالك، ومن العالِمين بالحديث وعلله ورجاله. وقال ياقوت الحموي: محدث متقن فاضل معتبر، تفقه بالأندلس فانتهت إليه الرياسة. توفي - رحمه الله تعالى - ليلة الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، ودفن يوم الخميس، صلاة العصر بمقبرة الرصافة، وهو ابن ثمان وستين اهـ. رِواية الأصيلي عن أبي زيد إذا كان أبو زيد أجلّ من روى «الصحيح» عن الفَرَبْريّ، فإن الأصيلي هو أجلّ من روى «الصحيح» عن أبي زيد المَرْوَزيّ. ويذكر الأصيلى أنه رحل إلى المشرق سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، كما سمعه منه ابن الفرضي (¬1). ويحدد أبو علي الجَيّانيّ تاريخ سماعه لـ «الصحيح» من أبي زيد المَرْوَزيّ فيقول: وكان سماع أبي محمد الأصيلى وأبي الحسن القابسي على أبي زيد المَرْوَزيّ واحدًا بمكة سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، ثم سمعه بعد ذلك أبو محمد ببغداد على أبي زيد المَرْوَزيّ في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة، وحضر مجلس أبي زيد هذا: أبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد الطائي البصري. رأيت هذا مقيدًا بخط أبي محمد (¬2) في الجزء الأول من «الجامع». اهـ. (¬3). ¬

(¬1) «تاريخ علماء الأندلس» 1/ 249. (¬2) أي: الأصيلي. (¬3) «تقييد المهمل» 1/ 63

فدل هذا النص المكتوب على طرة نسخة أبي محمد الأصيلى أنه سمع «الصحيح» مرتين في وقتين ومكانين مختلفين؛ فيكون السماع الأول وعمر الأصيلي تسعة وعشرون عامًا؛ حيث توفي سنة (392) هـ، وعمره ثمانية وستون عامًا وكان ذلك في مكة؛ حيث كان أبو زيد مجاورًا بها، وزامله في هذا السماع أبو الحسن القابسي (403) هـ. وكان السماع الثاني ببغداد وهو بعد الأول بست سنوات، وقبل وفاة أبي زيد باثنتي عشرة سنة؛ ولعل ذلك كان سببًا في اشتهار رِواية الأصيلي وتميزها على غيرها من الروايات. وأمر آخر أشار إليه الجَيّانيّ في سياق سنده إلى الأصيلي حيث قال: وقرأه أبو محمد أيضًا على أبي أحمد محمد بن محمد بن يوسف بن مكي الجُرْجانيّ (¬1). أهـ مما يفيد أن نسخة الأصيلي قد عارضها على قرين أبي زيد المَرْوَزيّ، وهو أبو أحمد الجُرْجانيّ (374) هـ أضف إلى ذلك جلالة الأصيلي ومكانته العلمية عند أهل الأندلس. كل ذلك جعل من نسخته مقصدًا للطلاب والعلماء من كل الأقطار. ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 1/ 60.

الرُّواة عن الأصيلي ورواة «الصحيح» عن أبي محمد الأصيلي كثيرون، ومنهم على سبيل الاختصار: 1 - موسى بن عيسى بن أبي حاج أبو عمران الفاسي (430) هـ الغُفْجُومي، وغفجوم قبيلة من زناتة (¬1) ومن طريقه تتصل رِواية الأصيلي إلى عبد الحق بن عطية الأندلسي (541) هـ كما جاء في «فهرسه» (¬2). 2 - أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد المعافري القرطبي المتوفى سنة تسع وثلاثين وأربعمائة، عن نيف وثمانين سنة (¬3). ومن طريقه تتصل رِواية الأصيلى إلى أبي بكر بن خير الإشبيلي (575) هـ، كما جاء في «فهرسه» (¬4). 3 - أبو شاكر عبد الواحد بن محمد بن موهب التجيبي القبري القرطبي، المتوفى سنة ست وخمسين وأربعمائة (¬5). وعنه أخذ أبو علي الجَيّانيّ (498) هـ (¬6) ومن طريق الجَيّانيّ اتصلت رِواية الأصيلي بكل من: - عبد الحق بن عطية الأندلسي، المتوفى حوالي (541) هـ كما في «فهرسه» (¬7). ¬

(¬1) «تاريخ الإسلام» 29/ 229. (¬2) ص: 46 - 47 (¬3) «تاريخ الإسلام» 29/ 477. (¬4) ص: 95 - 96. (¬5) «تاريخ الإسلام» 30/ 402. (¬6) «تقييد المهمل» 1/ 59 - 60 (¬7) ص: 46 - 47

- القاضي عِياض السبتي (544) هـ كما جاء في مقدمة «مشارق الأنوار» (¬1) - ابن حجر العسقلاني (852) هـ ومن طريقه اتصلت بالقَسْطَلّانِيّ (923) هـ (¬2). 4 - الإمام القاضي أبو القاسم سراج بن عبد الله بن محمد بن سراج الأموي الأندلسي القرطبي المالكي، قال الذَّهَبِيّ: سمع «صحيح البُخارِيّ» من أبي محمد الأصيلي بفوت يسير (¬3) ولد سنة سبع وسبعين وثلاثمائة، وتوفي في شوال سنة ست وخمسين وأربعمائة، ومن طريقه اتصلت رِواية الأصيلي بأبي علي الجَيّانيّ (498) هـ حيث رواها عنه (¬4) ومن طريق الجَيّانيّ اتصلت بالقاضي عِياض (544) هـ (¬5) وعبد الحق بن عطية (451) هـ (¬6) 5 - عباد بن محمد بن إسماعيل أبو عمرو اللخمي الأندلسي (464) هـ (¬7). ومن طريقه روى أحاديث من رِواية الأصيلي ابنُ حزم الأندلسي (456) هـ (¬8). 6 - أبو عمر أحمد بن ثابت بن أبي الجهم الواسطي، الأندلسي (437) هـ ¬

(¬1) 1/ 37، 38 (¬2) «فتح الباري» 1/ 7، و «إرشاد الساري» 1/ 155 - 158. (¬3) «سير أعلام النبلاء» 18/ 178 - 179. (¬4) «تقييد المهمل» 1/ 59 - 60 (¬5) «مشارق الأنوار» 1/ 37، 38 (¬6) «فهرس ابن عطية» ص: 46 - 47. (¬7) «سير أعلام النبلاء» 18/ 256 (¬8) ينظر «جمهرة أنساب العرب» ص: 233.

أكثر الرِّواية عن الأصيلي، وكان يتولى القراءة عليه، وحدث عنه أبو عبد الله بن عتاب (¬1). ومن طريقه اتصلت رِواية الأصيلي بالقاضي عِياض (544) هـ كما في «المشارق» (¬2) وبشرف الدين اليُونِينِيّ كما جاء ذلك في مقدمة اليُونِينِيّ التي ذكر فيها أسانيده ورموزه. 7 - أبو عبد الله بن نبات ولم أجد من أفرده بترجمة مستقلة، وإن كان مذكورًا في كتب التراجم مثل كتاب «الصلة» لابن بشكوال حيث ذكره في أكثر من موضع (¬3). ومن طريقه اتصلت رِواية الأصيلي بالقاضي عِياض (544) هـ وبأبي بكر بن خير الإشبيلي (575) هـ. 8 - الإمام المهلب بن أحمد بن أبي صفرة أسيد بن عبد الله الأسدي، الأندلسي المري، مصنف «شرح صحيح البُخارِيّ» المتوفى سنة خمس وثلاثين وأربعمائة. روى «الصحيح» عن أبي محمد الأصيلي، وعن أبي الحسن القابسي، وأبي ذر الهَرَويّ الحافظ، وغيرهم. ورواه عنه أبو عمر بن الحذاء، ووصفه بقوة الفهم وبراعة الذهن (¬4). وصحب الأصيلي، وكان صهره، وهو الذي أحيا كتاب البُخارِيّ ¬

(¬1) «تاريخ الإسلام» 28/ 443، «الصلة» لابن بشكول 1/ 50 - 51 (103). (¬2) 1/ 37 - 38 (¬3) منها: (2/ 544).وذكره أيضًا في (2/ 648) ترجمة: هشام بن سليمان وقال: حدث عنه أبو عبد الله بن نبات وقال: أجزت له جميع روايتي، وأجاز لي جميع روايته. (¬4) «سير أعلام النبلاء» 17/ 579 (384) و «الصلة» لابن بشكوال 2/ 626 - 627 (1379) وغيرها.

بالأندلس؛ لأنه قرئ عليه تفقهًا أيام حياته وشرحه واختصره، وله في «الصحيح» اختصار مشهور سماه: «النصيح في اختصار الصحيح» (¬1). ويوجد غير هؤلاء كثير وخاصة من الأندلسيين؛ لأنها ـ كما سبق ـ قد اشتهرت في بلاد المغرب، ويتضح ذلك من تتبع الراوين لها، فأبو علي الجَيّانيّ، وابن حزم الأندلسي، وابن عطية، والقاضي عِياض، وابن خير الأشبيلي، كلهم أندلسيون، وكذلك ما عرف عند أهل المشرق أمثال اليُونِينِيّ (701) هـ فهو عن طريق المغاربة أيضًا. ¬

(¬1) ينظر المراجع السابقة.

المبحث الثالث رواية أبي الوقت (553) هـ

المبحث الثالث رِواية أبي الوَقْت (553) هـ (وهي عن الدّاوُدِيّ عن الحمويي عن الفَرَبْريّ) اسمه ونسبه (¬1). هو الشيخ الزاهد، الخَيِّر الصوفي، شيخ الإسلام، مسنِد الآفاق، أبو الوَقْت عبد الأول بن الشيخ المحدث المعمّر أبي عبد الله عيسى بن شعيب بن (إبراهيم بن إسحاق) (¬2) السجزي (¬3) ثم الهَرَويّ، الماليني، راوي «صحيح البُخارِيّ»، عن أبي الحسن الدّاوُدِيّ. ¬

(¬1) ينظر: «تاريخ الإسلام» 38/ 112 - 121 (93)، «الأنساب» 7/ 87، «المنتظم» 10/ 182، «معجم البلدان» 3/ 41، «اللباب» لابن الأثير 2/ 105، «وفيات الأعيان» 3/ 226 - 227، «سير أعلام النبلاء» 20/ 303 - 311 (206)، «تذكرة الحفاظ» 4/ 1315، «مرآة الجنان» 3/ 304، «البداية والنهاية» 12/ 751، «الوافي بالوفيات» 18/ 10، «شذرات الذهب» 4/ 166، «التقييد» ص: 386 (501)، «النجوم الزاهرة» 5/ 328، «الإكمال» لابن ماكولا 4/ 549 - 550. (¬2) في بعض من مصادر ترجمته: (إسحاق بن إبراهيم). (¬3) السجزي - بكسر السين - نسبة إلى سجزة، قال السمعاني: سجستان، وقال ابن ماكولافي «الإكمال» 4/ 549 - 550: هي نسبة إلى غير القياس اهـ. والهروي نسبة إلى هراة، مدينة مشهورة بخراسان، خرج منها خلائق من الأئمة. والصوفي نسبة إلى الصوفية، وهم الزهاد العباد، سموا بذلك للبسهم الصوف غالبا وحكى السمعاني قولا: أنهم نسبوا إلى بني صوفة، جماعة من العرب كانوا يتزهدون. وأما من قال: إنه مشتق من الصفاء أو صفة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الصف ففاسد من حيث العربية، ومن أحسن حدود التصوف: أنه كل خلق سنيٍّ، وترك كل خلق دني اهـ من «التوضيح» لابن الملقن 2/ 55.

كان اسمه محمدًا، فسماه الإمام عبد الله الأنصاري: عبد الأول، وكناه بأبي الوَقْت، وقال: الصوفي ابن وقته. مولده: ولد في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وأربعمائة بهراة. كان سماعه لـ «الصحيح» سنة خمس وستين وأربعمائة مع والده، وهو في السابعة من عمره، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله. شيوخه: سمع في سنة خمس وستين وأربعمائة من جمال الإسلام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الدّاوُدِيّ «الصحيح» وكتاب الدارمي، و «منتخب مسند عبد بن حميد» ببوشنج، وسمع من أبي عاصم الفضيل بن يحيى، ومحمد بن أبي مسعود الفارسي، وأبي يعلى صاعد بن هبة الله، وطائفة. تلاميذه: حدث بخراسان وأصبهان وكرمان وهمذان وبغداد، وتكاثر عليه الطلبة، واشتهر حديثه، وبعد صيته، وانتهى إليه علو الإسناد، وممن حدث عنه: ابن عساكر، والسَّمْعَاني، وابن الجوزي وغيرهم ممن سيأتي في الرُّواة عنه لروايته. رحلاته وسماعه لـ «الصحيح»: رحل من هراة إلى أصبهان فحدث بها وبالكرخ وهمذان، ثم قدم بغداد يوم الثلاثاء حادي عشر من شوال من سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة. قال أبو سعد السَّمْعاني: سمع ببوشنج أبا الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الدّاوُدِيّ وأبا القاسم أحمد بن محمد العاصمي وبهراة

الإمام أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري وذكر غيرهم اهـ (¬1). وسافر إلى العراق، فحدث بأصبهان وهمذان ونهاوند، وقدم بغداد في شوال سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ومعه أصوله فحدث بها بجميع مروياته. قال زكي الدين البرزالي: طاف أبو الوَقْت العراق وخوزستان، وحدث بهراة ومالين وبوشنج وكرمان ويَزْد وأصبهان والكرخ وفارس وهمذان، وقعد بين يديه الحفاظ والوزراء، وكان عنده كتب وأجزاء، سمع عليه من لا يحصى ولا يحصر (¬2). وكان الوزير أبو المظفر بن هبيرة قد استدعاه، وسمع عليه «صحيح البُخارِيّ» قرأه عليه أبو محمد بن الخشاب، وآخر من قرأه عليه ببغداد أبو محمد بن الأخضر. قال ابن خلكان: سمعت «صحيح البُخارِيّ» بمدينة إربل في بعض شهور سنة إحدى وعشرين وستمائة على الشيخ الصالح أبي جعفر محمد بن هبة الله بن المكرم ابن عبد الله الصوفي البغدادي، بحق سماعه في المدرسة النظامية ببغداد من الشيخ أبي الوَقْت المذكور، في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، بحق سماعه .. الخ. وكان الشيخ أبو الوَقْت صالحًا يغلب عليه الخير، وانتقل أبوه إلى مدينة هراة وسكنها فولد له بها أبو الوَقْت في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وأربعمائة (¬3). قال ابن نقطة في «التقييد»: وسماعه على الصحيح في سنة خمس ¬

(¬1) «التحبير» 1/ 612. (¬2) «تاريخ الإسلام» 38/ 117. (¬3) «وفيات الأعيان» 3/ 226.

وستين، وهو في السنة السابعة من عمره، وسمع منه الأئمة والحفاظ، ورحل من هراة إلى أصبهان، فحدث بها، وبالكرخ وهمذان، ثم قدم بغداد يوم الثلاثاء حادي عشر من شوال من سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة (¬1). قال السمعاني في «أدب الإملاء والاستملاء»: أخبرنا أبو الوقت عبد الاول بن عيسى السجزي بهراة ... (¬2) وقال ابن الأثير في أول كتابه «جامع الأصول في أحاديث الرسول» وهو يعدد أسانيده - قال: أما «صحيح البخاري»: فأخبرنا بجميعه الشيخ الإمام العالم الأجل، جمال الدين زين الإسلام، أبو عبد الله محمد بن محمد بن سرايا بن علي بن نصر بن أحمد بن علي، أدام الله توفيقه، بقراءتي عليه وهو يسمع، فأقر به، بمدينة الموصل، في مدة آخرها شهور سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. قال: أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ، بقية المشايخ، أبو الوقت عبد الأول بن عيسى ابن شعيب بن إسحاق بن إبراهيم الصوفي الهروي السِّجزي، قراءة عليه وأنا أسمع بمدينة السلام، في المدرسة النظامية في شهور سنة ثلاث ¬

(¬1) ص: 386 - 387 (¬2) 1/ 156.

وخمسين وخمسمائة. وقال محمد بن عبد الرحمن المقرئ أبو الفرج في أول كتابه «الأربعين في الجهاد والمجاهدين»: أخبرنا الشيخ الأجل الصالح الثقة المسند شيخ الوقت أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق السجزي الصوفي الهروي رضي الله عنه قدم علينا بغداد قراءة عليه وأنا أسمع بمدرسة الشيخ أبي النجيب السهروردي سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة (¬1). وقال ابن الجوزي: كان صبورًا على القراءة، وكان صالحًا، كثير الذكر والتهجد والبكاء، على سمت السلف، وعزم عام موته على الحج، وهيأ ما يحتاج إليه، فمات (¬2). وقال يوسف بن أحمد الشيرازي في «أربعين البلدان» له: لما رحلت إلى شيخنا رُحلة الدنيا ومسنِد العصر أبي الوَقْت، قدر الله لي الوصول إليه في آخر بلاد كرمان، فسلمت عليه، وقبلته، وجلست بين يديه، فقال لي: ما أقدمك هذه البلاد؟ قلت: كان قصدي إليك، ومعولي بعد الله عليك، وقد كتبت ما وقع إلي من حديثك بقلمي، وسعيت إليك بقدمي، لأدرك بركة أنفاسك، وأحظى بعلو إسنادك. فقال: وفقك الله وإيانا لمرضاته، وجعل سعينا له، وقصدنا إليه، لو كنت عرفتني حق معرفتي، لما سلمت علي، ولا جلست بين يدي، ثم بكى بكاء طويلا، وأبكى من حضره، ثم قال: اللهم استرنا بسترك الجميل، واجعل تحت الستر ما ترضى به عنا، يا ولدي، تعلم أني رحلت أيضا لسماع «الصحيح» ماشيًا مع والدي من هراة إلى الدّاوُدِيّ ببوشنج ولي دون عشر سنين، فكان والدي يضع على يدي حجرين، ويقول: احملهما. فكنت من خوفه أحفظهما بيدي وأمشي وهو يتأملني، فإذا رآني قد عييت أمرني أن ألقي حجرا واحدا، فألقي، ويخف عني، فأمشي إلى أن يتبين له تعبي، فيقول لي: هل عييت؟ فأخافه، وأقول: لا. فيقول: لم تقصر في المشي؟ فأسرع بين يديه ساعة، ثم أعجز، فيأخذ ¬

(¬1) «الأربعين في الجهاد والمجاهدين» ص: 21. (¬2) «المنتظم» 10/ 183.

الآخر، فيلقيه، فأمشي حتى أعطب، فحينئذ كان يأخذني ويحملني، وكنا نلتقي جماعة الفلاحين وغيرهم، فيقولون: يا شيخ عيسى، ادفع إلينا هذا الطفل نركبه وإياك إلى بوشنج، فيقول: معاذ الله أن نركب في طلب أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل نمشي، وإذا عجز أركبته على رأسي إجلالا لحديث رسول الله، ورجاء - صلى الله عليه وسلم - ثوابه. فكان ثمرة ذلك من حسن نيته أني انتفعت بسماع هذا الكتاب وغيره، ولم يبق من أقراني أحد سواي، حتى صارت الوفود ترحل إلي من الأمصار. ثم أشار إلى صاحبنا عبد الباقي بن عبد الجبار الهَرَويّ أن يقدم لي حلواء، فقلت: يا سيدي، قراءتي لجزء أبي الجهم أحب إلي من أكل الحلواء. فتبسم، وقال: إذا دخل الطعام خرج الكلام. وقدم لنا صَحْنًا فيه حلواء الفانيذ، فأكلنا، وأخرجت الجزء، وسألته إحضار الأصل، فأحضره، وقال: لا تخف ولا تحرص، فإني قد قبرت ممن سمع علي خلقا كثيرا، فسل الله السلامة. فقرأت الجزء، وسررت به، ويسر الله سماع «الصحيح» وغيره مرارًا، ولم أزل في صحبته وخدمته إلى أن توفي ببغداد (¬1). ثناء العلماء عليه: قال اليافعي: ودخل بغداد، فازدحم الخلق عليه. وكان خيرًا متواضعًا متوددًا حسن السمت، متين الديانة محبًّا للرِّواية اهـ (¬2). كان مكثرًا من الحديث عالي الإسناد، طالت مدته، فألحق الأصاغر ¬

(¬1) «سير أعلام النبلاء» 20/ 307 - 308. (¬2) «مرآة الجنان» 3/ 304.

والأكابر، وكان مستقيم الرأي، حاضر الذهن، ولم نر في سنه مثل سنده، وكان شيخًا صالحًا سنيًا، قارئًا للقرآن، قد صحب الأشياخ، وعاش حتى ألحق الصغار بالكبار، ورأى من رئاسة التحديث ما لم يره أحد من أبناء جنسه، وسمع منه من لم يرغب في الرِّواية قبله، وكان آخر من روى في الدنيا عن الدّاوُدِيّ وبقية أشياخه. وقرئت الكتب التي معه كلها عليه والأجزاء مرات في عدة مواضع، وسمعها منه ألوف من الناس، وصل بغداد في حادي عشر شوال سنة اثنتين وخمسين، صحب شيخ الإسلام نيفا وعشرين سنة. وذكره السَّمْعاني فقال: شيخ صالح، حسن السمت والأخلاق، متودد، متواضع، سليم الجانب، استسعد بصحبة الإمام عبد الله الأنصاري وخدمه مدة، وسافر إلى العراق، وخوزستان، والبصرة، وقدم بغداد، ونزل رباط البسطامي، فيما ذكره لي وسمعت منه بهراة، ومالين. وكان صبورًا على القراءة، محبًّا للرِّواية. وفاته: توفي في سادس ذي القَعدة ببغداد سنة خمسمائة وثلاث وخمسين، ودفن بالشونيزية عن نيف وتسعين سنة. وكان آخر كلمة قالها: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}.

رِواية أبي الوَقْت عن الدّاوُدِيّ تعد رواية أبي الوقت أشهر رواية عند المشارقة، ولذلك تجد كل الشراح لـ «الصحيح» اعتمدوا هذه الرواية في شروحهم. ولذا ذكر النووي في مقدمة شرحه على «الصحيح» أن هذه الرواية هي التي اشتهرت في بلاد الشام. ومما يدل عَلَى أن هذه الرواية لم تشتهر في بلاد المغرب أن المغاربة الذين ذكروا أسانيدهم لم يذكروا هذه الرواية. واشتهرت رواية أبي الوقت من خلال الشيخ الإمام الفقيه محدث الشام: أبو عبد الله الحسين بن المبارك بن محمد بن مُسَلَّم بن موسى بن عمران الرَّبَعِيُّ الزبيدي الأصل، البغدادي المولد والدار، سراج الدين، الحنبلي، وقيل: الحنفي. ويعرف بابن الزبيدي، مدرس مدرسة الوزير ابن هبيرة. سمع من أبي الوقت عبد الأول السجزي روايته لـ «الصحيح»، كما سمع من أبي الفتوح الطائي، وأبي زرعة المقدسي، وجعفر بن زيد الحموي، وأبي حامد الغرناطي، وأجاز له أبو علي بن أحمد الخراز. وحدث عنه بـ «الصحيح» وغيره: أبو الحسين اليونيني، وابن الدبيثي، والضياء، والبرزالي، وسالم بن ركاب، والملك الحافظ محمد الأيوبي، والشهاب أحمد بن الشحنة، وغيرهم كثير. قال المنذري: ولنا منه إجازة كتب بها إلينا من بغداد غير مرة. وآخر من حدث عنه أبو العباس الحجار الصالحي. سمع منه «صحيح البخاري» وغيره. قال ابن رجب: ولد سنة ست - أو سبع - وأربعين وخمسمائة، وقيل:

سنة خمس وأربعين، وقرأ القرآن بالروايات، وسمع الحديث من جده ... وتفقه في المذهب، وأفتى ودرس بمدرسة الوزير أبي المظفر ابن هبيرة، وكان له معرفة حسنة بالأدب، وخُرِّجَت له «مشيخة» وصنف تصانيف منها كتاب «البلغة» في الفقه، وله نظم في اللغة والقراءات. وكان فقيهًا، فاضلًا، دَيِّنًا، خَيِّرًا، حسن الأخلاق، متواضعًا .. (¬1) اهـ. قال الذهبي: قرأت بخط ابن المجد: قال: بقي في نفسي عند سفري من بغداد سنة ثلاثين أنني أقدم بلا شيخ يروي «صحيح البخاري»، ثم أنه ذكر قصة ابن روزبة، وأنه سفّره سنة (626 هـ) وأعطوه خمسين دينارًا من عند الملك الصالح، فلما وصل إلى رأس عين أرغبوه فقعد وحدثهم بـ «الصحيح»، ثم أرغبوه في حران فرواه لهم، ثم بحلب كذلك، وخوفوه من حصار دمشق، فرجع إلى بغداد، قال: فأتينه وقد ذاق الكسب فاشتط واشترط أمورًا، فكلمنا ابن القطيعي فاشترط مثل ذلك، فمضيت إلى أبي عبد الله ابن الزبيدي وأنا لا أطمع به، فقال: نستخير الله، ثم قال: لا تُعْلِمْ أحدًا، وحرضه على التوجه ابنُه عُمُر، وكان على الشيخ دَين نحو سبعين دينارًا، فرفقناه فكان خفيف المئونة، كثير الاحتمال، حسن الصحبة، كثير الذكر، فنعم الصاحب كان. قال الذهبي: فَرِح الأشرف صاحب دمشق بقدومه، وأخذه إلى عنده في أثناء رمضان من العام، وسمع منه «الصحيح» في أيام معدودة، وأنزله إلى دار الحديث، وقد فتحت من نحو شهر، فحشد الناس وازدحموا، وسمعوا الكتاب، ثم أخذه أهل الجبل، وسمعوا منه الكتاب. واشتهر اسمه، وردَّ إلى بلده، فقدم متعللًا، وتوفي إلى رحمة الله في ¬

(¬1) «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب 3/ 405 (336)

الثالث والعشرين من صفر سنة إحدى وثلاثين وستمائة. (631) هـ (¬1). وممن روى عن أبي عبد الله الزبيدي: - أحمد بن أبي طالب بن أبي النعم، الحجار المعروف بابن الشحنة، أبو العباس سمع من الزبيدي، توفي (730) هـ (¬2). ومن طريقه: ابن الملقن والعيني والقسطلاني وابن طولون (¬3) وابن حجر (¬4) والسبكي في «الطبقات الكبرى» (¬5) - الشيخ المقرئ العالم المحدث الصالح المعمر المسند نور الدين، أبو الحسن، علي بن محمد بن هارون بن محمد بن هارون، الثعلبي الدمشقي (¬6)، ومن طريقه العيني. ¬

(¬1) ينظر في ترجمة الزبيدي: «التكملة لوفيات النقلة» 3/ 361 (2512)، «سير أعلام النبلاء» 22/ 357، «تاريخ الإسلام» 46/ 60، «الوافي بالوفيات» 13/ 30 (28)، «الجواهر المضية في تراجم الحنفية» 2/ 123 - 124 (513)، «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب 3/ 405 (336)، «شذرات الذهب» 5/ 144، «الأعلام» 2/ 253. (¬2) ينظر: «تاريخ الإسلام» 1/ 341، «تذكرة الحفاظ وذيله» 1/ 142، «ذيل التقييد» 1/ 317، «غاية النهاية في طبقات» 1/ 28، «شذرات الذهب» 6/ 93. (¬3) «الأحاديث المائة المشتملة على مائة نسبة إلى الصنائع» لمحمد بن علي بن طولون. ص: 13حديث (3). (¬4) «الفتح» 1/ 7. (¬5) المقدمة: 1/ 81 - 82. (¬6) ولد سنة ست وعشرين، وكان خيرًا ناسكًا متواضعًا طيب القراءة، محببًا إلى العامة، سمع حضورًا في الرابعة وفي الخامسة من ابن صباح وابن الزبيدي، وخرج له تقي الدين السبكي مشيخة، وسمع منه الذهبي والبرزالي واليعمري، توفي في ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة. ينظر: «تاريخ الإسلام» 53/ 115 (333)، و «الوافي بالوفيات» 22/ 152 (97)، و «الدرر الكامنة» 3/ 121 (276).

- وزيرة بنت عمرو التنوخية ومن طريقها: العيني والقسطلاني وابن حجر (¬1) والسبكي في «الطبقات الكبرى» (¬2). - أبو الحسن علي بن محمد الثعلبي، ومن طريقه العيني. - أبو عبد الله محمد بن أبي الذكر (699) هـ وعنه أحمد بن يوسف بن أحمد الخلاطي، محب الدين، أبو العباس، المصري، المتوفي سنة ثمان وثمانين وستمائة هـ وبحضور علي بن محمد بن هارون الثعلبي، بقراءة محمد بن عبد الرحمن بن شامة، سنة ثمان وثمانين وستمائة (¬3)، ومن طريقه: الكرماني والعيني. - أبو عبد الله الصقلي ومن طريقه القسطلاني. - شرف الدين اليونيني (701) هـ ومن طريقه: ابن الملقن والقسطلاني. - العلامة أبي محمد عبد الرحمن بن الشيخ الصالح الإمام المجمع على جلالته أبى عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي ومن طريقه: النووي. - الإمام العلامة الحجة، محمد بن إبراهيم بن أبي عبد الله محمد بن أبي نصر، بهاء الدين، توفي سنة ثمان وتسعين وستمائة (¬4). وعبد الله بن محمد بن نصر بن قوام بن وهب، أبو محمد الرصافي، ثم الدمشقي، حدث في سنة أربع وتسعين وستمائة بـ «معالم التنزيل» للبغوي، وسمع منه الذهبي «صحيح البخاري» عن ابن الزبيدي، توفي سنة ¬

(¬1) «الفتح» 1/ 7. (¬2) المقدمة 1/ 81 - 82. (¬3) «ذيل التقييد» 1/ 411 (805). (¬4) ينظر: «تاريخ الإسلام» 52/ 361 (539)، و «الوافي بالوفيات» 2/ 11 (265).

خمس وتسعين وستمائة (¬1). ومن طريقهما روى الذهبي الصحيح أيضًا (¬2). ومن الرواة المشهورين بالرواية عن أبي الوقت أيضًا: أبو الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة بن عبد الله. البغدادي، القلانسي، الصوفي، العطار. سمع «صحيح البخاري» من أبي الوقت. وحدث ببغداد، وحران، وحلب، ورأس عين بـ «الصحيح» مرات، وازدحموا عليه. وكان شيخًا حسنًا، مليح الشيبة والهيئة، حلو الكلام، قوي النفس على كبر السن. سمع «الصحيح» بقراءة يوسف بن مقلد الدمشقي، وكان معه به ثبتٌ صحيحٌ عليه خط أبي الوقت. توفي فجاءةً في ليلة الخامس من ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وقد جاوز التسعين (¬3). وللحافظين ابن حجر والعيني إسناد إلى روايته. وممن روى عن أبي الوقت غير ما سبق مايلي: 1 - أبو القاسم، أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن عبد الرزاق السلمي، البغدادي، العطار، الصيدلاني (615) هـ (¬4). ¬

(¬1) ينظر: «تاريخ الإسلام» 52/ 259 (330)، و «شذرات الذهب» 5/ 430. (¬2) «سير أعلام النبلاء» 8/ 507، 9/ 553، 10/ 620. (¬3) ينظر ترجمته في: «التقييد» 419، و «تاريخ الإسلام» 46/ 155، 156، و «سير أعلام النبلاء» 22/ 387، «شذرات الذهب» 5/ 160. (¬4) ينظر ترجمته في: «تاريخ الإسلام» 51/ 231، «التقييد» 146 (166)، «سير أعلام النبلاء» 22/ 84، «النجوم الزاهرة» 6/ 226، «شذرات الذهب» 5/ 62.

رواها عنه: فخر الدين، علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد، أبو الحسن، المعروف بابن البخاري، (690) هـ. وروايته نص عليها في «مشيخته» (¬1) 2 - محمد بن محمد بن سرايا بن علي أبو عبد الله الموصلي البلدي (611) هـ (¬2). وعنه ابن الأثير (¬3). 3 - محمد بن عبد الرحمن بن أبي العز، أبو الفرج الواسطي المقرئ (618) هـ (¬4). 4 - مسمار بن عمر بن محمد بن عيسى أبو بكر البغدادي المقرئ النيار المعروف بابن العويس (619) هـ (¬5). 5 - أبو عبد الله الحسين بن أبي صالح، الديلمي الضرير ويعرف بالتكريتي (617) هـ (¬6). وهؤلاء الأربعة روى عنهم ابن الأثير (¬7). ¬

(¬1) 3/ 1960 وينظر في ترجمته: «تاريخ الإسلام» 51/ 422، «المنهج الأحمد» 4/ 340، «النجوم الزاهرة» 8/ 32، «الدليل الشافي» 1/ 449، «شذرات الذهب» 5/ 414. (¬2) ينظر ترجمته في: «تاريخ الإسلام» 44/ 88، «التقييد» 109 (122). (¬3) ينظر: «أسد الغابة» 1/ 5 و «جامع الأصول» 1/ 198. (¬4) ينظر: «تاريخ الإسلام» 44/ 422، «ذيل تاريخ بغداد» 15/ 38، «التقييد» 80/ 72. (¬5) ينظر: «تاريخ الإسلام» 44/ 464، و «التقييد» 463 (621)، و «معجم البلدان» 2/ 440، و «ذيل تاريخ بغداد» 15/ 362، و «سير أعلام النبلاء» 22/ 154، و «تذكرة الحفاظ» 4/ 1403، و «النجوم الزاهرة» 6/ 253. (¬6) ينظر: «تاريخ إربل» 1/ 195. (¬7) ينظر: «أسد الغابة» 1/ 5.

6 - الحسن بن إسحاق بن موهوب أبو علي بن الجواليقي (625) هـ (¬1). 7 - داود بن أحمد بن محمد بن ملاعب الوكيل البغدادي، وسماعه كان ببغداد، (617) هـ (¬2). 8 - عمر بن محمد بن أبي المعالي، أبو حفص الشباك، سمع «الصحيح» من عبد الأول قاله ابن النقطة (¬3). 9 - عمر بن محمد بن أحمد بن الحسن بن جابر أبو نصر بن أبي بكر، المعروف بالسديد (616) هـ، سمع «الصحيح» من عبد الأول، قاله ابن النقطة (¬4). 10 - محمد بن أحمد بن عمر بن الحسين بن خلف البغدادي، القطيعي، أبو الحسن (634) هـ (¬5). وممن روى عنه «الصحيح»: أبو العباس أحمد بن أبي طالب (730) هـ ولابن حجر إسناد إليه. ¬

(¬1) ذكر ذلك ابن نقطة في «التقييد» ص: 243، وينظر ترجمته في: «تاريخ الإسلام» 45/ 226، «سير أعلام النبلاء» 22/ 278، «الوافي بالوفيات» 11/ 401، «شذرات الذهب» 5/ 117. (¬2) ذكر ذلك ابن نقطة في «التقييد» 267، وينظر ترجمته في: «تاريخ الإسلام» 44/ 287، «سير أعلام النبلاء» 22/ 90، 91، «الوافي بالوفيات» 13/ 458، «شذرات الذهب» 5/ 67. (¬3) ينظر: «التقييد» 1/ 398، و «سير أعلام النبلاء» 23/ 15 - 17. (¬4) ينظر: «التقييد» 398، «التكملة لوفيات النقلة» 2/ 459، «تاريخ الإسلام» 44/ 311. (¬5) ينظر: «سير أعلام النبلاء» 23/ 8، «العبر في خبر من غبر» 3/ 220، «ذيل التقييد» 1/ 69 (54)، «الأعلام» 5/ 321.

11 - المسند المعمر رحله الوقت أبو المنجا عبد الله بن عمر بن علي بن اللتي (635) هـ. وسمعه منه: شمس الدين محمد بن أبي بكر بن عثمان بن مشرف الأنصاري، الدمشقي، الكتاني، (721) (¬1). 12 - الهكاري عبد الله بن الحسن بن محمد بن عبد الله المعمر الغماري، وذلك بالإجازة العامة (652) هـ (¬2). وقرأ «الصحيح» على الهكاري: شرف الدين، أبو محمد، وأبو أحمد عبد المؤمن ابن خلف بن أبي الحسن الشافعي، المعروف بالدمياطي. توفي (705) هـ (¬3). 13 - يونس بن يحيى بن أبي الحسن بن أبي البركات بن أحمد بن عبيدالله بن محمد بن أحمد بن حمزة بن إسماعيل بن محمد البغدادي. سمع «صحيح البخاري» من عبد الأول وحدث به بمكة (608) هـ (¬4). 14 - كريمة بنت عبد الوهاب بن علي بن الخضر بن عبد الله بن علي، الشيخة الصالحة المعمرة، مسندة الشام، أم الفضل القرشية، الأسدية، الزبيرية، الدمشقية، وتعرف ببنت الحبقبق. ولدت سنة ست وأربعين وخمسمائة. ¬

(¬1) ينظر: «ذيل التقييد» 1/ 107 (137). (¬2) ينظر: «تاريخ الإسلام» 48/ 124، و «السير» 23/ 281، «ذيل التقييد» 2/ 32. (¬3) ينظر: «تاريخ الإسلام» 53/ 54، «تذكرة الحفاظ» 4/ 1477 - 1479، «طبقات الشافعية الكبرى» 6/ 133، «ذيل التقييد» 2/ 164، 165، «الدليل الشافي» 1/ 471، «النجوم الزاهرة» 8/ 218. (¬4) ينظر: «التكملة لوفيات النقلة» 2/ 228، «سير أعلام النبلاء» 22/ 12، «ذيل التقييد» 2/ 335، «العقد الثمين» 7/ 500.

قال الذهبي: وتفردت بإجازة أبي الوقت السجزي، فروت «الصحيح» غير مرة. ماتت ببستانها بالميطور في رابع عشر جُمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين وستمائة (¬1). وممن روى عنها: محمد بن الحسين بن رزين بن موسى بن عيسى قاضي القضاة، تقي الدين، أبو عبد الله الحموي الشافعي. سمع على كريمة بنت عبد الوهاب «صحيح البخاري» عن أبي الوقت إجازة، وعن الحافظ ابن الصلاح كتابه «علوم الحديث» رواهما عنه تلميذه قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة. مات ليلة الأحد ثالث رجب سنة ثمانين وستمائة بالقاهرة، ومولده بحماة يوم الثلاثاء ثالث شعبان سنة ثلاث وستمائة (¬2). 15 - عمر بن أعز بن عمر بن محمد بن عموديه السهروردي، أبو حفص ابن أبي الحارث الصوفي (542 - 624) هـ أخو أبي عبد الله بن أعز سمع أبا الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي وغيره (¬3). 16 - أبو سعد ثابت بن مشرف بن البناء المعروف بابن شستان (619) هـ (¬4). 17 - أبو القاسم شمس الدين أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن ¬

(¬1) ينظر: «التكملة لوفيات النقلة» 3/ 263 (3125)، و «تذكرة الحفاظ» 4/ 1434، «سير أعلام النبلاء» 23/ 92 (68)، و «شذرات الذهب» 5/ 212. (¬2) ينظر: «ذيل التقييد» 1/ 118 (166). (¬3) ينظر: «ذيل تاريخ بغداد» 5/ 30. (¬4) ينظر: «التقييد» ص: 225، «تاريخ الإسلام» 44/ 445، 446، «سير أعلام النبلاء» 22/ 152.

عبد الرزاق السلمي البغدادي الصيدلاني العطار. ولد سنة (546) هـ، وتوفي سنة (615) هـ (¬1). وممن رواه عنه: زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (656) هـ (¬2). 18 - سعد بن أحمد بن محمد بن العراقي الطاوسي أبو الغنائم، (605) هـ (¬3). 19 - أبو الحفص عمر بن كرم بن علي بن عمر الدينوري البغدادي الحمامي ولد سنة (539) هـ، توفي سنة (629) هـ (¬4). 20 - أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أبي سعد المديني الأصبهاني الشافعي. ولد سنة (543) هـ، وتوفي سنة (632) هـ (¬5). 21 - علاء الدين أبو سعد ثابت بن محمد بن أبي بكر أحمد بن محمد بن الخجندي الأصبهاني نزيل شيراز. ¬

(¬1) ينظر: «التقييد» ص: 146 (166)، «التكملة لوفيات النقلة» 2/ 439 (1616). (¬2) ينظر: «سير أعلام النبلاء» 23/ 319 وما بعدها، «الوافي بالوفيات» 19/ 14 - 16، «شذرات الذهب» 5/ 277 - 278. (¬3) ينظر: «التدوين في أخبار قزوين» 3/ 33. (¬4) ينظر: «التكملة لوفيات النقلة» 3/ 313 (2400)، «سير أعلام النبلاء» 22/ 325، «ذيل التقييد» 2/ 249 (1550)، «شذرات الذهب» 5/ 232. (¬5) ينظر: «تاريخ الإسلام» 46/ 122 - 123، «سير أعلام النبلاء» 22/ 378 - 379، «الوافي بالوفيات» 4/ 72 (1526)، «ذيل التقييد» 1/ 169 (299)، «شذرات الذهب» 5/ 155.

ولد سنة (458) هـ، وتوفي سنة (637) هـ (¬1). 22 - وجيه الدين أبو عبد الله محمد بن زهير بن محمد الأصبهاني ابن أبي غالب المعروف بشعرانة. توفي سنة (632) هـ (¬2). وهؤلاء الثلاثة لابن حجر سند إليهم كما في «الفتح». 23 - أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله، عتيق أبي الفتح أحمد بن عمر بن باقا توفي (608) (¬3). وممن رواه عنه: زكي الدين المنذري (656) هـ. وأبو الحسن علي بن شجاع بن سالم العباسي الضرير، وعن أبي الحسن روى شرف الدين اليونيني (701) هـ كما في «مقدمته». 24 - محمد بن سعيد بن سنبل المكي، كما ذكر في إسناده في أول كتابه «الأوائل السنبلية»، وكان ذلك في بغداد قراءة عليه وهم يسمعون، في آخر سنة اثنتين وأول سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. 25 - الإمام الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي المعروف بابن عساكر (571) هـ كما في «معجم شيوخه» (¬4). ¬

(¬1) ينظر: «التكملة لوفيات النقلة» 3/ 547 - 548 (2958)، «تاريخ الإسلام» 46/ 322، «سير أعلام النبلاء» 23/ 59، «الوافي بالوفيات» 10/ 471 (4982)، «ذيل التقييد» 1/ 494 (966). (¬2) ينظر: «تاريخ الإسلام» 46/ 122، «سير أعلام النبلاء» 22/ 379، «ذيل التقييد» 1/ 125 (192)، «شذرات الذهب» 5/ 155. (¬3) سمع ببغداد من أبي الوقت ومن بعده، وحدث بـ «صحيح البُخَارِيّ» بمصر وسماعه صحيح. ينظر: «التقييد» ص: 344، و «التكملة لوفيات النقلة» 2/ 234 (1215)، و «تاريخ الإسلام» 43/ 296، و «شذرات الذهب» 5/ 33 - 34. (¬4) «المعجم» ص: 299 (610).

ومن طريق ابن عساكر: السبكي في «الطبقات الكبرى» (¬1). 26 - أبو بكر عبد الجليل بن أبي غالب الأصبهاني. رواها عنه: فخر الدين، علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد، أبو الحسن، المعروف بابن البخاري، توفي (690) هـ. وروايته نص عليها في «مشيخته». 27 - ابن الرزاز: أبو منصور سعيد بن محمد ابن شيخ الشافعية أبي المنصور سعيد بن محمد بن عمر البغدادي (616) هـ وروايته نص عليها الذهبي (¬2). ¬

(¬1) المقدمة 1/ 81 - 82 (¬2) ينظر «السير» 22/ 97.

المبحث الرابع رواية كريمة المروزية (463) هـ

المبحث الرابع رِواية كريمة المَرْوَزيّة (463) هـ (عن الكُشْمِيهَني عن الفَرَبْريّ) أولًا ترجمتها (¬1): هي الشيخة، العالمة، الفاضلة، المسنِدة، الزاهدة أم الكرام، المجاورة بحرم الله، كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المَرْوَزيّة. وهي تنسب إلى مرو الشاهجان، وهي مرو العظمى أشهر مدن خراسان وقصبتها (¬2). كان أبوها من كشميهن، وأمها من أولاد السَّيّاري (¬3)، خرج بها أبوها إلى بيت المقدس، ثم عاد بها إلى مكة، بعد أن سمعت «الصحيح» من أبي الهيثم الكُشْمِيهَني. شيوخها: سمعت كريمة المَرْوَزيّة من زاهر بن أحمد السَّرْخَسي ت (389) هـ، وعبد الله بن يوسف بن بامويه الأصبهاني ت (409) هـ بالإضافة إلى سماعها من الكُشْمِيهَني «الصحيح». ¬

(¬1) ينظر ترجمتها في: «الإكمال» 7/ 171، «التقييد» ص: 499، «المنتظم» 8/ 270، «الكامل» 10/ 69، «العقد الثمين» 8/ 310، «شذرات الذهب» 3/ 314، «البداية والنهاية»، «الوافي بالوفيات» وغيرها. (¬2) والنسبة إليها مروزي - بالزاي - على غير قياس. ينظر «معجم البلدان» 5/ 112 - 113، وقد تحرفت في «الأعلام» للزركلي إلى المروذية بالذال وتشديد الراء نسبة إلى مرو الروذ وهو خطأ. (¬3) بفتح السين المهملة وتشديد الياء المثناة، نسبة إلى سيار وهو جد المنتسب إليه.

تلاميذها: لقد بقيت كريمة المَرْوَزيّة مجاورة لبيت الله الحرام حتي ماتت؛ ولذا توافد عليها العلماء يسمعون منها أثناء أداء مناسك الحج، وممن أخذ عنها: أبو بكر الخطيب وأبو طالب الحسين بن محمد الزينبي ومحمد بن بركات السعيدي، وغيرهم كثير ممن روى عنها «الصحيح» وغيره. ثناء العلماء عليها: لقد أثنى كثير من العلماء على كريمة نظرًا لدقتها وجلالتها. قال فيها الذَّهَبِيّ في «السير»: الشيخة العالمة الفاضلة المسنِدة أم الكرام (¬1). وقال ابن نقطة في «التقييد»: كانت إذا روت قابلت بأصلها، ولها فهم ومعرفة مع الخير والتعبد، روت «الصحيح» مرات كثيرة، مرة بقراءة أبي بكر الخطيب في الموسم، وماتت بكرًا لم تتزوج أبدًا (¬2). وقال ابن كثير: كانت عالمة صالحة سمعت «صحيح البُخارِيّ» على الكُشْمِيهَني وقرأ عليها الأئمة (¬3). وقال الصفدي: أم الكرام المجاورة بمكة، كانت كاتبة فاضلة عالمة (¬4). وقال الذَّهَبِيّ نقلًا عن السَّمْعاني قوله: وهل رأى إنسان مثل كريمة (¬5). وفاتها: قال ابن نقطة: توفيت بمكة سنة خمس وستين وأربعمائة ونقلته من ¬

(¬1) 18/ 233. (¬2) «سير أعلام النبلاء» 18/ 233 - 234. (¬3) «البداية والنهاية» 12/ 105. (¬4) «الوافي بالوفيات» 24/ 337. (¬5) «السير» 18/ 234.

خط ابن ناصر (¬1). وقال الذَّهَبِيّ: قلت: الصحيح: موتها في سنة ثلاث وستين. ثم نقل عن هبة الله بن الأكفاني قوله سنة ثلاث: حدثني عبد العزيز بن علي الصوفي قال: سمعت بمكة من مخبر بأن كريمة توفيت في شهور هذه السنة. وقال أبو جعفر محمد بن علي الهمداني: حججت سنة ثلاث وستين، فنعيت إلينا كريمة في الطريق ولم أدركها. وقيل: إنها أدركت مائة عام، نقل ذلك الذَّهَبِيّ. ¬

(¬1) «التقييد» (499).

رِواية كريمة لـ «الصحيح» اشتهرت كريمة رضي الله عنها بروايتها لـ «الصحيح» وذلك بسبب علو إسنادها ودقة نسختها. فقد عمرت كريمة حتى قاربت المائة عام، وكلما عَمَّر الشيخ كانت روايته عالية الإسناد، وبقيت تحدث بروايتها حتى وفاتها سنة ثلاث وستين وأربعمائة على الصحيح، وعرف عنها عنايتها رحمها الله تعالى، فقد كانت لا تحدث إلا من أصلها، حتى إذا كتب الراوي عنها نسخته لم تجزه حتى يقابلها على نسختها، وهذا يفسر لنا عدم الاختلاف على كريمة في نسختها كما هو واضح في المقارنات. قال ابن النقطة وهو يوضح لنا ذلك: وكانت إذا روت قابلت بأصلها. وقال الذَّهَبِيّ: قال أبو الغنائم النرسي: أخرجت كريمة إليَّ النسخة بـ «الصحيح» فقعدتُ بحذائها، وكتبت سبع أوراق وقرأتها، وكنت أريد أن أعارض وحدي. فقالت: لا حتى تعارض معي، فعارضت معها. ويقول القاضي أبو محمد بن عطية في «الفهرسة» (¬1): قال لي أبي رضي الله عنه: وكانت قراءتي من أصل كريمة بعينه. اهـ. وبلغ من عنايتها وانقطاعها لرِواية الحديث أنها لم تتزوج أبدًا حتى ماتت بكرًا، قال أبو بكر بن منصور السَّمْعاني: سمعت بنت أخي كريمة تقول: لم تتزوج كريمة قط (¬2). ¬

(¬1) ص: 4. (¬2) «السير» 18/ 234.

وحدثت كريمة بـ «الصحيح» أكثر من مرة. وأقدم من وقفت على سماعه لـ «الصحيح» منها الخطيب أبو بكر في سنة أربعمائة وخمس وأربعين. قال الذَّهَبِيّ في «السير» (¬1) في ترجمة الخطيب أبي بكر وهو يذكر رحلاته قال: وكان قدومه إلى دمشق في سنة خمس وأربعين (¬2)، فسمع من محمد بن عبد الرحمن ابن أبي نصر التميمي وطبقته، واستوطنها، وقرأ «صحيح البُخارِيّ» على كريمة في أيام الموسم. اهـ. كما جاء أيضًا في «تذكرة الحفاظ» (¬3) في ترجمة الحميدي محمد بن فتوح: وسمع بإفريقية كثيرًا، ولقي بمكة كريمة المَرْوَزيّة أول رحلته، وكان في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة. اهـ. ونجد نصًا آخر في السماع عليها وهو ما قاله الفاسي (¬4) في ترجمة عبد الله بن محمد بن الغزال؛ حيث يقول: سمع على كريمة بنت أحمد المَرْوَزيّة «صحيح البُخارِيّ» وهو آخر من سمعه عليها. اهـ. ويقول القزويني في ترجمة أبي القاسم عبد الملك بن أحمد: سمع «صحيح البُخارِيّ» من كريمة المَرْوَزيّة بمكة، سنة تسع وخمسين وأربعمائة بروايتها عن الكُشمِيهَني (¬5). ويبدو - والله أعلم - أن كريمة رحمها الله كانت تحدث بـ «الصحيح» حتى وفاتها؛ ويدل على ذلك توافد العلماء عليها، حتى بأن بعضهم - وهو ¬

(¬1) 18/ 273. (¬2) أي وأربعمائة. (¬3) 4/ 1218 (¬4) «ذيل التقييد» 2/ 54 - 55. (¬5) «التدوين في أخبار قزوين» 3/ 260.

أبو جعفر محمد بن علي الهمداني - قال: حججت سنة ثلاث وستين، فنعيت إلينا كريمة في الطريق، ولم أدركها. اهـ. (¬1) فهذا النص يدل على الرحلة إليها للسماع منها حتى وافتها المنية. وتدل النصوص على أن موسم الحج كان من أكثر الأوقات التي فيها إقبال على كريمة، وكانت تجتهد في الإسماع، حتى إن الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى قرأ عليها «الصحيح» في خمسة أيام (¬2). وكانت نسخة كريمة مقسمة إلى أكثر من خمسة وأربعين جزءًا جاء ذلك عند الفاسي في «ذيل التقييد» ترجمة أحمد بن محمد الإسنوي، المعروف بالحلبي، حيث قال: سمع على الكمال الحسن بن علي بن شجاع العباسي الضرير قطعة جيدة من «صحيح البُخارِيّ»، وهي من أول الكتاب إلى آخر الجزء الثاني والعشرين من تجزئة كريمة المَرْوَزيّة والجزء التاسع والعشرين والجزء الثلاثين، ومن أول الخامس والأربعين إلى آخر «الصحيح». اهـ. (¬3) الرُّواة عن كريمة سبق أن قلنا أن كريمة أقبل العلماء على سماع «الصحيح» منها؛ وذلك لعلو إسنادها ولضبط روايتها، وممن وقفت على سماعهم «الصحيح» منها: الأول: أبو عبد الله محمد بن بركات بن هلال بن عبد الواحد السعيدي، العلامة المعمر، شيخ العربية واللغة، المولود سنة عشرين ¬

(¬1) «سير أعلام النبلاء» ترجمة كريمة 18/ 235. (¬2) «سير أعلام النبلاء» 18/ 273. (¬3) «ذيل التقييد في رواة السنن والمسانيد» 1/ 391.

وأربعمائة، والمتوفى سنة خمس وعشرين وخمسمائة (¬1). وعن أبي عبد الله السعيدي أخذ البوصيريُّ أبو القاسم عبد الله بن علي بن مسعود (598) هـ، وعن البوصيري اشتهرت رِواية كريمة فرواها عنه كثيرون منهم: 1 - الحسن علي بن شجاع الضرير (661) هـ. وعنه شرف الدين اليُونِينِيّ (701) هـ كما في مقدمة نسخته. 2 - أبو العباس أحمد بن علي بن يوسف الدمشقي اليُونِينِيّ ت (622) هـ. 3 - أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن رشيق الربعي. 4 - أبو الطاهر إسماعيل بن عبد القوي بن أبي العز بن عزون ت (667) هـ. ومن طريق هؤلاء الثلاثة اتصلت رِواية كريمة بالتجببي ت (730) هـ (¬2) والكرماني في «شرحه» وابن حجر في «الفتح» (¬3). الثاني: أبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني ثم المصري، كان ثقة صحيح الأصول، توفى سنة سبْعَ عشْرَةَ وخمسمائة عن سن عالية (¬4) وعن أبي صادق اتصلت الرِّواية بالتجيبي (730) هـ (¬5) الثالث: أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر بن الفراء الموصلي ثم المصري، المولود سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، والمتوفى سنة تسع عشرة ¬

(¬1) إنباه الرواة 3/ 78 - 79، «سير أعلام النبلاء» 19/ 455 - 456، «الوافي بالوفيات» 2/ 247. (¬2) كما في «البرنامج» ص: 70 - 71 (¬3) 1/ 6 (¬4) «سير أعلام النبلاء» 19/ 475 - 476، «ذيل التقييد» 2/ 287 (1641) (¬5) «البرنامج» ص: 70 - 71.

وخمسمائة (¬1). وعن أبي الحسن الفراء أخذ الرِّواية أبو عبد الله محمد بن أحمد الأرتاحي. وعن الأرتاحي أيضًا أخذ أبو الحسن علي بن شجاع الضرير، وابن رشيق الربعي، وابن عزون وغيرهم. وعن ابن شجاع أخذ الحافظ شرف الدين اليُونِينِيّ (¬2) وعن الباقين اتصلت رِواية كريمة بالتجيبي (730) (¬3) وبدر الدين العيني في شرحه «عمدة القاري» (¬4) والقَسْطَلّانِيّ في «إرشاد الساري» (¬5). الرابع: الإمام مفتي مكة ومحدثها، إمام الحَرَمين الحسين بن علي بن الحسين أبو عبد الله الشافعي، المولود سنة ثمان عشرة وأربعمائة، والمتوفى سنة خمس وتسعين وأربعمائة، وقيل: ثمان وتسعين (¬6). ومن طريق أبي عبد الله الحسين الطبري اتصلت رِواية كريمة بابن عطية (¬7). ¬

(¬1) أبو الحسن الموصلي ثم المصري، المولود سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وهو من ثقات الرُّواة ومن أكثرهم سماعًا، حدث عنه أبو طاهر السلفي، وأبو القاسم البوصيري وجماعة. توفى سنة تسع عشرة وخمسمائة، ينظر: «سير أعلام النبلاء» 19/ 500 - 501، «ذيل التقييد» 2/ 190 - 191 (1412)، و «شذرات الذهب» 4/ 59. (¬2) كما في رموزه. (¬3) «البرنامج» ص: 70 - 71. (¬4) 1/ 5، 6. (¬5) 1/ 155 - 158. (¬6) «سير أعلام النبلاء» 19/ 203 - 304، «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي 4/ 349 - 351. (¬7) كما جاء في «فهرسة» ص: 45 - 46.

الخامس: أبو القاسم خلف بن إبراهيم بن خلف بن سعيد المقرئ الحصار (511) هـ (¬1). السادس: أبو الإصبع عيسى بن محمد بن أبي البحر (¬2). السابع: وأحمد بن خليفة بن منصور (¬3). وعن هؤلاء الثلاثة روى القاضي عِياض (544) هـ رِواية كريمة (¬4). وممن وقفت لهم على نصوص صرحت بسماعهم من كريمة «الصحيح»: 1 - الفقيه الحافظ أبو بكر بن عبد الرحمن بن جماهر الطليطلي المالكي ت (466) هـ (¬5). 2 - أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحيم الشارفي الأنصاري الفقيه، المتوفى في نحو الخمسمائة (¬6). 3 - أحمد بن الحسن بن أبي الأخطل أبو جعفر الطليطلي (¬7). 4 - الإمام المحدث هبة الله بن أحمد بن محمد، المعروف بابن الأكفاني المولود سنة أربع وأربعين وأربعمائة، والمتوفى سنة أربع وعشرين وخمسمائة (¬8). ¬

(¬1) «الصلة» 1/ 174 (396). (¬2) سبقت ترجمته في رواية أبي زيد المروزي. (¬3) لم أقف على من ترجم له. (¬4) كما في «المشارق» 1/ 39. (¬5) له ترجمة في: «الصلة» 1/ 132 - 133 (302)، «سير أعلام النبلاء» 18/ 245. (¬6) له ترجمة في «الصلة» 1/ 73 (159)، و «تاريخ الإسلام» 34/ 341. (¬7) له ترجمة في «الديباج المذهب» 1/ 199 - 200. (¬8) «سير أعلام النبلاء» 19/ 576، «النجوم الزاهرة» 5/ 235، «معجم المؤلفين» 4/ 53 (17799).

5 - أبو العباس أحمد بن عثمان بن مكحول، كان شيخًا جليلًا فقيهًا، توفي سنة عشر وخمسمائة، وقيل: ثلاث عشرة وخمسمائة (¬1). 6 - أبو محمد عبد الرحمن بن سهل بن محمد، سمع كريمة في سنة خمسين وأربعمائة (¬2). 7 - أبو يعلى محمد بن الحسين بن علي بن محمد السراج، المتوفى سنة (481) هـ (¬3). 8 - عبد الملك بن أحمد بن محمد بن عبد الملك المعافي القاضي، أبو القاسم القزويني، سمع «الصحيح» من كريمة سنة تسع وخمسين وأربعمائة (¬4). 9 - أحمد بن عبد الله العطار القرطبي، أبو العباس، القونكي، المتوفى سنة ثمان عشرة وخمسمائة (¬5). 10 - الإمام الحافظ، محمد بن أبي نصر فتوح، الأندلسي، الحميدي المولود قبل العشرين والأربعمائة، والمتوفى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة (¬6). 11 - أبو بكر الخطيب البغدادي، المتوفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة. 12 - عبد الله بن محمد بن إسماعيل المصري، أبو محمد، المعروف ¬

(¬1) «فهرس ابن عطية» ص: 98 - 99 (21)، «الصلة» 1/ 74 (161). (¬2) له ترجمة في «الصلة» 2/ 343. (¬3) «المنتظم» 9/ 46 (72)، «تاريخ الإسلام» 33/ 68 (¬4) «التدوين في أخبار قزوين» 3/ 260. (¬5) ينظر «التكملة لكتاب الصلة» 1/ 37. (¬6) «المنتظم» 9/ 96، «تاريخ الإسلام» 33/ 280 - 285.

بابن الغزال، المتوفى سنة أربع وعشرين وخمسمائة (¬1). مظان رِواية كريمة لم أقف على نسخة تعرف بنسخة كريمة، والسبيل إلى معرفة روايتها أحد طريقتين: الأول: النسخ التي قورنت بغيرها من الروايات: 1 - ومن هذه النسخ نسخة أحمد ولي الدين ابن الشيخ أبي الفضل عبد الرحيم ابن الحسين العراقي (826) هـ، وهي نسخة متضمنة لثلاث نسخ منها: رِواية كريمة المَرْوَزيّة، عن الكُشْمِيهَني، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ. 2 - وكذلك تضمنت نسخة اليُونِينِيّ فروق نسخة كريمة المَرْوَزيّة عن غيرها من الروايات التي اعتمد عليها. أما الطريق الثاني فهو الشروح التي جُعلت فيها رِواية كريمة من الروايات المعتمدة ومنها: كتاب «فتح الباري» لابن حجر، و «عمدة القاري» للعيني، و «إرشاد الساري» للقسطلاني، و «شرح الكرماني». ويشمل ذلك أيضًا الكتب المشتملة على الاختلافات، مثل كتاب «تقييد المهمل» لأبي علي الجَيّانيّ؛ حيث ذكر في مقدمة كتابه أن رِواية كريمة وقعت له مكاتبة، وكتاب: «مشارق الأنوار» للقاضي عِياض، حيث ذكر رِواية كريمة في الروايات التي اعتمد عليها في ضبط ألفاظ «الصحيح». أضف إلى ذلك الأحاديث المروية بالإسناد إلى كريمة في كتب التراجم، ومن هذه الأحاديث: ¬

(¬1) «العقد الثمين» 5/ 242، 243، «ذيل التقييد» 2/ 54 - 55.

1 - ما جاء في كتاب «توضيح المشتبه» لابن ناصر الدين (¬1) حيث ساق حديث جرير بن عبد الله: بايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم (¬2). 2 - ما جاء في «معجم الشيوخ» لابن عساكر حيث ساق ابن عساكر من طريقها الإسناد إلى البُخارِيّ، وروى أول حديث في «الصحيح» وهو حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعًا: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ...» الحديث. 3 - ما ساقه السيوطي في كتابه «بغية الوعاة» (¬3) من طريقها حديث سلمة: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (¬4). اهـ. ¬

(¬1) 9/ 271. (¬2) البُخَارِيّ 1/ 21 (57) آخر كتاب الإيمان. (¬3) 2/ 427. (¬4) «البخاري» 1/ 117 (561)، كتاب مواقيت الصلاة، باب: وقت المغرب.

خاتمة الباب الأول

خاتمة الباب الأول مما سبق يتبين بعض النتائج: 1 - أن الأمة الإسلامية أقبلت على رواية الصحيح من البخاري، وكتابته من أصله الذي كان عنده من الصحيح، واشتهرت بعض الروايات وتميزت، ومن هذه الروايات رواية أبي عبد الله الفربري، الذي كان عنده أصل البخاري نفسه. 2 - عن الفربري كثرت الروايات حتى بلغت أربعة عشر رواية، ثم اشتهرت عن هذه الرواية روايات أخرى: منها رواية أبي زيد المروزي، ورواية أبي ذر الهروي عن شيوخه الثلاثة، ورواية الأصيلي، ورواية كريمة المروزية، على سبق أن وضحته. 3 - تعتبر رواية أبي ذر الهروي أشهر الروايات وأتقنها على الإطلاق، ولذا حرص كثير من العلماء على روايتها وكتابتها، وهي التي اختارها ابن حجر في شرحه. 4 - أصل البخاري الذي كان بيده وانتقل إلى الفربري لا يعرف مصيره اليوم، وأقدم قطعة من الصحيح معروفة الآن هي قطعة من كتابي الصوم والحج وهي برواية أبي زيد المروزي (371) هـ وكتبت في حياته وقد سبق الحديث عنها. يتبين بجلاء ووضوح عناية الأمة بالصحيح، وذلك من خلال كثرة الروايات التي لم تعرف لكتاب آخر. وهذه الكثرة كانت أقوى الأسباب التي نتج عنها وجود اختلافات بين هذه الروايات، ولذا خصصت الباب الثاني لتناول هذه الاختلافات، من حيث أسبابها، وصورها، ونتائجها، والوسائل التي تساعد في التوفيق أو الترجيح بينها.

الباب الثاني «الاختلاف بين الروايات»

الباب الثاني «الاختلاف بين الروايات» وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: صور الاختلافات. الفصل الثاني: أسباب الاختلافات. الفصل الثالث: نتائج الاختلافات. الفصل الرابع: وسائل التوجيه بين الاختلافات.

الفصل الأول: صور الاختلافات

الفصل الأول: صور الاختلافات

صور الاختلافات لقد أَلَّفَ الإمام البخاري رحمه الله تعالى «الصحيح»، وكان غرضه من هذا التأليف أمرين أساسين: أحدهما: تجريد مجموعة من الأحاديث الصحيحة؛ حتى يسهل على الناس الرجوع إليها، والاطمئنان إلى صحتها. الآخر: استنباط الأحكام الفقهية والنكات الحديثية من هذه الأحاديث. ولذلك قَسَّمَ كتابه هذا إلى كتب، ثم إلى أبواب وضمن هذه الأبواب تراجم من عنده، وبعض الآيات القرآنية، وبعض الأحاديث المعلقة، وأقوال الصحابة، وفتاوى التابعين، وكلام بعض الأئمة. ومن الملاحظ أن كتب «الصحيح» متنوعة فهي تشتمل على العقائد والعبادات والمعاملات والحدود وغير ذلك من الأحكام الفقهية، كما تشتمل أيضًا المناقب والتفسير وبدء الخلق والملاحم والفتن وغير ذلك. وعناية الإمام البخاري رحمه الله تعالى بالأحكام الفقهية تظهر بوضوح في انتقائه تراجم الأبواب حيث كان يضعها بمثابة الحكم الفقهي من الحديث أو مجموعة الأحاديث الواردة تحت الباب. ومن مظاهر اهتمامه بهذه التراجم أنه وضعها في المسجد الحرام، وبين قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنبره فهي روضة من رياض الجنة. وكذلك ترتيب الكتاب في العموم لا يقتصر على الأحاديث المسندة فقط، وإنما يشتمل أيضًا على معلقات وأقوال عن بعض الصحابة والتابعين، وبعض الزيادات التوضيحية من عند البخاري مما يتعلق بالإسناد أو بالمتن. والاختلافات التي حدثت بين الرواة كثيرة جدًّا؛ وذلك لأسباب ذكرتها في موضعها، وهي على كثرتها يمكن وضع صور لهذه الاختلافات، كما يمكن

أولا: السياق العام للكتاب

حصرها فيما يلي: أولًا: السياق العام للكتاب. ثانيًا: أسانيد الأحاديث. ثالثًا: متون الأحاديث. رابعًا: أبواب الكتب، والمعلقات. أولًا: السياق العام للكتاب: وهذه الصورة تشمل الاختلافات الواردة بين الرواة في ترتيب الكتب وأسمائها، وتشمل زيادة بعض الأحاديث وتقديمها وتأخيرها، كما تشمل بعض الزيادات من قبل البخاري أو الرواة عنه. وإليك التفصيل: أ - الاختلافات في ترتيب الكتب وأسمائها: أما عن الترتيب فمن أوضح ما جاء في ذلك تقديم كتاب الصوم على كتاب الحج في رواية أبي زيد المروزي (371) هـ في حين نجده في باقي الروايات مؤخرًا عن كتاب الحج. وأما عن: الاختلافات الواردة بين الرواة في إثبات أسماء بعض الكتب بما يقتضي فصلها عن غيرها، أو ضم بعضها إلى بعض، فهذا الأمر واضح جدًا وترتب عليه اختلاف عدد الكتب عند كل راوٍ، ومما ينبغي التنبيه عليه أن الخلاف في إثبات لفظ اسم الكتاب فقط بينما مضمون هذا الكتاب مذكور عند كل الرواة. ولقد قمت بعمل إحصاء لأسماء الكتب عند خمسة من الرواة هم: إبراهيم بن معقل النسفي - وهو من الرواة عن البخاري - ورواية أبي الوقت (553) هـ، ورواية أبي ذر الهروي (434) هـ، ورواية الأصيلي (392) هـ، ورواية ابن عساكر (571) هـ - وهي روايات تنتهي إلى الفربري (320) هـ -

واعتمدت على كتاب «أعلام الحديث» للخطابي في إحصاء كتب رواية النسفي؛ حيث اعتمد عليها في شرحه هذا. واعتمدت على النسخة «اليونينية» في باقي الروايات، مع المقارنة ببعض الشروح عند الضرورة مثل «فتح الباري»، و «التوضيح» لابن الملقن. وقارنت بين هذه الروايات وبين ما جاء عند الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في تقسيم الكتب والأبواب وقد اعتمد في ذلك على ما جاء في «فتح الباري» في الطبعة السلفية. وهذه أهم النتائج: 1 - عدد أسماء الكتب عند النسفي خمسة وخمسون كتابًا، وعند أبي الوقت سبعة وأربعون، وعند أبي ذر ستون، وعند الأصيلي ثلاثة وأربعون، وعند ابن عساكر ستة وأربعون. 2 - عدد أسماء الكتب عند الشيخ محمد فؤاد سبعة وتسعون كتابًا، وانفرد بزيادة تسعة عشر كتابًا. 3 - الكتب المتفق عليها بين جميع الروايات تسعة وعشرون كتابًا (¬1). هذا بالإضافة إلى سياق أسماء الكتب فقد حدث فيه اختلاف أيضًا فمثلًا عند بعضهم: كتاب الصوم. وعند غيرهم: الصيام، وكذا: كتاب الكفارات. أو: كفارات الأيمان، وهكذا. ويبدو والله أعلم أن اختلاف الرواة في أسماء الكتب كان سببه تداخل بعض الكتب وارتباطها ببعضها، كما أن العبرة الحقيقية في فقه الحديث إنما في ترجمة الباب الذي يوضع تحته الحديث. ب - زيادة بعض الأحاديث، وتقديمها أو تأخيرها: مما يتعلق بالسياق العام للكتاب أيضًا أن بعض صور الاختلافات اشتملت ¬

(¬1) ينظر: هذا في الجدول الخاص به فيما يأتي.

ثانيا: اختلافات في أسانيد الأحاديث وهي أنواع

على زيادة بعض الأحاديث في بعض الروايات ونقصانها عند غيرها، كما يشمل أيضًا تقديم بعض الأحاديث في بعض الروايات وتأخيرها في روايات أخرى. وهناك أمثلة كثيرة ذكرتها في نتائج الاختلافات وأسبابها مما يغني عن إعادته هنا. ومن الجدير بالذكر أن «صحيح البخاري» والحمد لله لم يعرف أن هناك ما نسب إليه إلا ووُجِدَ فيه في أحد الروايات. والاهتمام بتحرير هذا الأمر له أهميته في الحكم على الأحاديث بالصحة أو على بعض الرجال الوارد ذكرهم في الأسانيد بقبول روايتهم. ج - الزيادات من قبل البخاري أو الرواة عنه: وقع في سياق الصحيح الاختلاف بين الرواة في إثبات بعض زيادات على الأحاديث وهذه الزيادات: 1 - ما هو من أقوال البخاري من تفسير لغريب أو بيان علة أو غير ذلك. 2 - ما هو من الرواة مثل بعض الزيادات التي زادها الفربري، وهذه الزيادات تتمثل فيما نقله عن محمد بن حاتم وراق البخاري، أو هي من تعليقات الفربري نفسه. ثانيًا: اختلافات في أسانيد الأحاديث وهي أنواع: 1 - زيادة سند كامل في بعض الروايات دون بعض. 2 - اختلافات في شيوخ البخاري وهي أنواع: فمنها ما يكون باختلاف الشيخ، ومنها ما يكون بزيادة توضيحية عند بعض الرواة، ومنها ما يكون مهملًا في بعض الروايات ومميزًا في غيرها. 3 - الاختلافات في صيغ التحمل والأداء وهي أنواع: فمنها ما يكون بإبدال

ثالثا: الاختلافات الواردة في متون الأحاديث: وهي أنواع

(حدثنا) بـ (أخبرنا) أو العكس، ومنها ما يكون بإبدال إحدى صيغ السماع إلى (قال) أو (عن) أو غير ذلك. 4 - الاختلافات بزيادة حرف أو كلمة يترتب عليها اختلاف المعنى كزيادة حرف الواو العاطفة التي تفيد العطف أو التي تفيد الاستئناف. 5 - الاختلافات في زيادة راو أو عدمه في بعض الأسانيد التي قد يترتب عليها علة في الإسناد أو زيادة ثقة أو غير ذلك. وهذه الاختلافات كثيرة جدًا، ولا يقدح منها إلا ما يترتب عليه تغيير المعنى، وهي قليلة، وقد وجهها العلماء والشراح من خلال الروايات الأخرى التي أزالت العلة وقد ذكرت أمثلة لذلك فيما يأتي. ثالثًا: الاختلافات الواردة في متون الأحاديث: وهي أنواع: 1 - ما يكون بين الرواة في ذكر متن كامل للحديث، أو عدة جمل تؤدي إلى اختصار الحديث أو سوقه بتمامه. 2 - ما يكون بزيادة جملة أو نقصانها، ومن هذه الجمل ما يكون زيادة توضيحية، ومنها ما يفيد حكمًا مستقلًا. 3 - ما يكون بين الرواة في إضافة كلمة أو حرف أو شكلة، وبعض ذلك قد يكون له تأثير في اختلاف المعنى وبعضها لا يؤثر. 4 - الاختلاف بين الرواة في جمل التعظيم لله سبحانه وتعالى أو الصلاة والسلام على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أو الأنبياء السابقين، أو الترضي والترحم على الصحابة والتابعين. ويشمل ذلك أيضًا اختصار الآيات القرآنية الواردة في الأحاديث أو سياقها تامة.

رابعا: الاختلافات الواقعة في الأبواب والتراجم والمعلقات

رابعًا: الاختلافات الواقعة في الأبواب والتراجم والمعلقات: فهناك كثير من الاختلافات وقعت بين الرواة في إثبات لفظة: (باب) أو حذفها، ومن هذه الاختلافات ما يكون في ألفاظ الترجمة بالزيادة والنقصان، أو التقديم والتأخير وغير ذلك. وقد يكون الاختلاف بتقديم وتأخير أبواب بأحاديثها وغير ذلك. وتشمل هذه الصورة الاختلافات الواقعة في المعلقات سواء كانت في سياقها أو ألفاظها أو غير ذلك. ومنها أيضًا الاختلاف كثيرًا في الآيات التي تساق للاستدلال في التراجم، أو أقوال الإمام البخاري وخاصة في كتاب التفسير.

الفصل الثاني: أسباب الاختلافات

الفصل الثاني: أسباب الاختلافات

المجموعة الأولى: أسباب تفاوت الرواة في الروايات وترجيح بعضهم على بعض

إن أسباب وقوع الاختلافات كثيرة جدًا يصعب حصرها، ويمكن تقسيمها إلى مجموعتين: المجموعة الأولى: ترجع إلى الرواة أنفسهم مما يؤدي إلى تفاوت رواياتهم. المجموعة الثانية: ترجع إلى المروي عمومًا والصحيح خصوصًا. المجموعة الأولى: أسباب تفاوت الرواة في الروايات وترجيح بعضهم على بعض (¬1) إن مجال اختلاف الرواة عند المحدثين يدور في اختلافهم في أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ذكر العلماء أوجهًا للتفاوت بين الرواة، ويقصدون بقولهم: الرواة. أي: الرواة الواردون في أسانيد الأحاديث. ولكن اختلافهم في الرواية عن مصنف والتفصيل بين هذه الروايات لم أجد من خصه بذكر، ويمكن اعتبار أقوال المحدثين والأصولين في التفاوت بين الأخبار والرواة، والاستفادة به في مجال اختلاف الرواة في رواية المصنفات. وهذه الأوجه منها ما يتعلق بالمُصنِّف وهو الإمام البخاري ويشمل ذلك طريقة تأليفه وتحديثه بالكتاب وإسماعه. ومنه ما يتعلق بالرواة أنفسهم ويشتمل ذلك على ما يتعلق بركني القبول وهما العدالة والضبط: فمن المعلوم أن مجموع صفات من تقبل روايته ينحصر في أمرين أساسين: ¬

(¬1) ينظر «معرفة مدار الإسناد وبيان مكانته في علم علل الحديث» لمؤلفه محمد مجير الحسني 2/ 80 وما بعدها.

أولًا: أن يكون الراوي عدلًا: ثانيًا: أن يكون الراوي ضابطًا لم يرويه. فلابد من تحقق العدالة والضبط في كل راو على حدة، ورواة «الصحيح» عن البخاري تحملوا «الصحيح» بأوجه الرواية المعتبرة عند المحدثين القدامى فهم من حيث كونهم رواة ينطبق عليهم ما اشترطه العلماء لقبول رواية الراوي قبل البخاري رحمه الله تعالى. وهذا القسم يشمل أغلب المرجحات ويشترك النسخ فيه مع الروايات الأخرى عند المحدثين قبل التدوين. ولا يخفى أن هذه الأمور التي ستذكر هي أمر زائد على القدر المعين الذي اشترطه المحدثون لقبول الراوي عمومًا. أولًا: العدالة: للحكم على الراوي بالعدالة شروط هي: الإسلام، والعقل، والسلامة من الفسق، والسلامة من خوارم المروءة. الترجيح بين الروايات بهذه الصفات التي ترجع إلى ذات الراوي قليل جدًا، وإنما أكثر اعتماد الحفاظ في الترجيح بين الروايات على الصفات التي تعود إلى ضبط الراوي: والصفات التي تعود إلى عدالة الراوي هي: 1 - حسن الاعتقاد: وذلك يكون بسلامته التامة من البدع المحدثة، وقد فصل العلماء القول في رواية المبتدع، وانتهى القول الراجح إلى قبول رواية المبتدع بدعة غير مكفرة، ولم يكن ممن يستحل الكذب لنصرة بدعته، ولم يكن

داعية إليها، ولم يرو ما يؤيد بدعته (¬1). 2 - الورع: وهي في الأصل: الكف عن المحارم والتحرج منها، ثم استعير للكف عن المباح والحلال (¬2). وهو بمعناه الأصلي ركن في العدالة، لكنه في المعنى الذي استعير له، يزيد في عدالة القائم به، وإنما تقدم رواية الأورع؛ لأنه أشد احتياطًا فيما يروي، وأبعد عن التساهل فيما ينقل. لكن هذا الوجه قلما يرجح به منفردًا، فلابد من مراعاة علم الراوي وضبطه مع ذلك (¬3). ومن الصفات التي تعود إلى ذات الراوي صفات ذكرها بعض الأصوليين في الترجيح بين الأخبار، لكنها لا تُعدُّ أوجهًا معتبرة، ولا نجد المحدثين يفاضلون بها بين الرواة، منها: الذكورة، والحرية، والنسب. فمثلًا اعتبر بعض العلماء أن الذكورة من مرجحات الروايات (¬4). وذهب الجمهور إلى أن الذكورة والأنوثة لا يدخلان في الترجيح، ولا تأثير لهما في قوة الخبر، ولذلك نجد روايات لنساء عرفن بالضبط والدقة، فاعتمد العلماء على روايتهن مثل رواية كريمة المروزية (463) هـ، بل اعتبرت من أشهر الروايات، كما نجد رواية وزيرة التنوخية التي روى من طريقها: العيني والقسطلاني وابن حجر وغيرهم. ¬

(¬1) «معرفة مدار الإسناد» 2/ 109، وينظر: «نزهة النظر» لابن حجر 75 - 76. (¬2) ينظر: «التقييد والإيضاح» للعراقي ص: 273 الوجة (56)، «النهاية في غريب الحديث» 5/ 174. (¬3) «معرفة مدار الإسناد» لمحمد مجير الحسني 2/ 111، وانظر: «قواطع الأدلة» لأبي المظفر السمعاني 3/ 35. (¬4) انظر: «التقييد والإيضاح» للعراقي ص: 273 الوجه (63).

ثانيًا: التفاوت في الضبط: يعد التفاوت في الضبط أصلًا لوقوع كثير من الاختلاف بين الرواة؛ ذلك لأن شروط الضبط: اليقظة والحفظ، أو ضبط الكتاب، والعلم بما يحيل الألفاظ عن معانيها في حال الرواية بالمعنى، وقد لا تجتمع في بعض الحالات، كما أن كل شرط منها على حدة قابل للتجزؤ والتفاوت. قال الشافعي (204) هـ رحمه الله تعالى: وأهل الحديث متباينون: فمنهم المعروف بعلم الحديث، بطلبه وسماعه من الأب والعم وذوي الرحم والصديق، وطول مجالسة أهل التنازع فيه، ومن كان هكذا مقدمًا في الحفظ، إن خالفه من يقصر عنه كان أولى أن يقبل حديثه ممن خالفه من أهل التقصير عنه، ويعتبر على أهل الحديث بأن إذا اشتركوا في الحديث عن الرجل بأن يستدل على حفظ أحدهم بموافقة أهل الحفظ، وعلى خلاف حفظه بخلاف حفظ أهل الحفظ له، وإذا اختلفت الرواية استدللنا على المحفوظ منها والغلط بهذا، ووجوه سواه تدل على الصدق والحفظ والغلط (¬1). وأسباب اختلاف الرواة في الضبط يرجع إلى سببين إجماليين: الأول: أمر يتعلق بالوَهْب من الله الوهاب، فالحفظ والضبط من نعم الله تعالى وفضله على خلقه، يتفضل بها على من يشاء من عباده. الثاني: أمر يتعلق بالكسب والاجتهاد: وذلك أن تلقِّي الراوي عن شيخه يقع ضمن ظروف متعددة تحيط بكل من الشيخ والطالب، وهذه الظروف قد تكون شخصية، وقد تكون زمانية، وقد وتكون مكانية، وغير ¬

(¬1) «الرسالة» ص: 381 - 383 (1045 - 1048).

ذلك مما يظهر آثارها في تفاوت الرواة (¬1). ويعرف الضبط كما يرشد إليه كلام الشافعي السابق بعرض مرويات الراوي على مرويات الرواة الحفاظ، مما ينتج عنه موافقة أو مخالفة، وتظهر نسبة ما وافقهم فيه وما خالفهم، وكلما كانت نسبة المخالفة إلى الموافقة أقل كانت مرتبة الضبط أعلى (¬2). فإن كانت موافقاته غالبة، ومخالفاته نادرة دل ذلك على ضبطه، فيقبل ما تفرد به - ومما لا تعرف فيه الموافقة والمخالفة - حملًا له على الغالب، وإن كانت مخالفاته غالبة أو كثيرة، وموافقاته نادرة أو قليلة دل على اختلال ضبطه، فلا يقبل ما تفرد به - مما لا تُعرَف فيه الموافقة والمخالفة - حملًا له على الغالب. ومن الأمور التي يعرف بها معرفة ضبط الراوي فيما تفرد به: اعتبار روايات أصحابه عنه، فإن اتفقوا دل على ضبطه لذلك الحديث، وإن اختلفوا عليه وكانوا من الحفاظ الأثبات دل على عدم ضبطه له، وتحديثه به على أكثر من وجه. قال عبد الرحمن بن مهدي (198) هـ رحمه الله تعالى: إنما يستدل على حفظ المحدث إذا لم يختلف عليه الحفاظ (¬3). والضبط عند المحدثين نوعان: ضبط صدر، وضبط كتاب، وقد سبق تفصيلهما في التمهيد العام للبحث. وكلا النوعين من الضبط يعرض له الخلل. ¬

(¬1) ينظر: «معرفة مدار الحديث» 2/ 118 - 119. (¬2) «الرسالة» (371 - 463). (¬3) رواه الخطيب في «الكفاية» ص: 609.

النوع الأول: ما يرجع إلى ذات الراوي

قال المزي (742) هـ رحمه الله تعالى في كتابه «تحفة الأشراف»: والوهم يكون تارة في الحفظ، وتارة في القول، وتارة في الكتابة (¬1) فقد يعرف التصحيف والوهم للكاتب عند كتابته، ولو صان كتابه بعد ذلك، كما يتطرق التصحيف إلى سمع الراوي للاشتباه، ولو حفظ بعد ذلك (¬2). أسباب تفاوت الرواة في الضبط ووجوه الترجيح بينهم إن أسباب التفاوت التي تعود إلى الضبط كثيرة جدًّا، بالنسبة إلى أسباب التفاوت التي تعود إلى العدالة، ولذا سأقتصر في ذلك على ما له تعلق بالروايات والنسخ، وإن وجد غير ذلك عند المحدثين في اعتبار الاختلاف بين الرواة، وممن اهتم بذكر جملة من ذلك الخطيب في «الكفاية» حين عقد بابًا في القول في ترجيح الأخبار (¬3). ويمكن تقسيم هذه الأسباب إلى أنواع يندرج في كل قسم عدد من المرجحات أو الأسباب. النوع الأول: ما يرجع إلى ذات الراوي: 1 - الحفظ: وهي مظهر القوة الحافظة، وهي الملكة التي أكرم الله بها الإنسان ليتذكر بها في حاضره وما سبق أن أحسن به في ماضيه. والرواية تعتمد على ما أحس به الإنسان بالسمع أو البصر، فكلما كان المرء أملك لاستعادة ما طرف سمعه كان أحفظ، وكلما كان أكثر نسيانًا كان أبعد عن الحفظ، وممن جعل الحفظ من مرجحات الرواة والتفاوت بينهم كثير من المحدثين ولذلك أمثله لا تعد ولا تحصى. ¬

(¬1) 1/ 344 (4001). (¬2) انظر: «كتاب المجروحين» لابن حبان 1/ 90. (¬3) ص: 608 - 612.

2 - الفقه

2 - الفقه: وهو عبارة عن فهم غرض المتكلم من كلامه، وفي الاصطلاح: هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية (¬1). وكلما كان صاحب الرواية فقيهًا كانت روايته أرجح، وذلك لأن عناية الفقيه مما يتعلق من الأحكام أشد من عناية غيره بذلك (¬2). وروى الخطيب في «الكفاية» عن علي بن خشرم قوله: قال لنا وكيع: أي الأسنادين أحب إليكم: الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله، أو سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله؟ فقلنا: الأعمش عن أبي وائل، فقال سبحان الله! الأعمش شيخ، وأبو وائل شيخ، وسفيان فقيه، ومنصور فقيه، وإبراهيم فقيه، وعلقمة فقيه، وحديث تداوله الفقهاء خير من أن يتداوله الشيوخ (¬3). ومن الروايات التي برز فيها دور الفقه في ترجيح الرواية مع المرجحات الأخرى رواية الفقيه أبي زيد المروزي (361). 3 - العلم بالعربية: من المرجحات التي ذكرها الأصوليون والمحدثون: ترجيح رواية العالم بالعربية لغة ونحوًا على من دونه في العربية، وترجيح رواية الأعلم بالعربية على رواية العالم بها، وذلك لأن الواقف على اللسان يمكنه من التحفظ من مواضع الزلل ما لا يقدر عليه غير العالم به، كما إنه يميز بين ¬

(¬1) «التعريفات» للجرجاني ص: 168، وانظر «الكفاية» للخطيب ص: 610. (¬2) «الكفاية» ص: 610. (¬3) «الكفاية» ص: 611، ورواه أيضًا ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» 1/ 25 لكن من غير رواية علي بن خشرم.

النوع الثاني: ما يرجع إلى أحوال الراوي مع شيخه

صريح الكلام وظاهره، ومجمله ومبينه، وعامه وخاصه، وحقيقه ومجازه. ومن الروايات التي تميزت بذلك رواية اليونيني، حيث بالغ في توثيقها، وعرضها على الإمام النحوي جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك (672) هـ. النوع الثاني: ما يرجع إلى أحوال الراوي مع شيخه: وهذا القسم إجمالًا مما اعتنى المحدثون بإفراده اعتناءً بالغًا، وأكثروا من التفضيل بين الرواة بسببه. ومما يندرج تحت هذا القسم. 1 - البلديَّة: والمراد بالبلديَّة أن يشترك الراوي مع شيخه، الذي روى عنه «الصحيح» في النسبة على بلد، والاشتراك قد يكون في المحلة أو المدينة أو الإقليم. والغالب على الراوي إذا اشترك مع شيخه في النسبة إلى مكان أن يكون أضبط لحديثه وأتقن، فإذا خالفه الغرباء عن شيخه، كانت روايته مقدمة على رواية غيره، لغلبة الظن أن يكون أضبط منهم، وقد كان بعض المحدثين يؤثرون أهل بلدهم على الغرباء (¬1). قال حماد بن زيد رحمه الله: كان الرجل يقدم علينا من البلاد، ويذكر الرجل ويحدث عنه، ويحسن الثناء عليه، فإذا سألنا أهل بلاده، وجدناه على غير ما يقول، قال: وكان يقول: بَلَديُّ الرجل أعرف بالرجل (¬2). ¬

(¬1) «الاعتبار» للحازمي ص: 12 الوجه (12)، وانظر: «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي» ص: 570 - 571، و «تاريخ بغداد» 3/ 42. (¬2) رواه الخطيب في «الكفاية» ص: 175.

2 - القرابة

فالبلديَّة لها أثرها في ضبط المرويات، كما أن لها أثرًا في الجرح والتعديل. وقد تكون البلدية باعثة على المنافسة والتنافر، لا سيما بين الأقران، كما حدث بين محمد بن عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله الحضرمي مُطيَّن رحمهما الله تعالى، حيث حط كل منهما على الآخر. قال ابن عدي: وابتلي مُطيَّن بالبلديَّة، لأنهما كوفيان جميعًا قال فيه ما قال (¬1). 2 - القرابة: القرابة بين الشيخ والراوي عنه قرينة تقوي الظن بضبط الراوي حديثَ شيخه، لقربه منه، ومعرفته بأحاديثه، وملازمته. ومن أقوى الأمثلة على ترجيح الروايات بالقرابة، اشتهار رواية أبي ذر الهروي، من طريق ابنه أبي مكتوم عيسى بن أبي ذر، حيث اشتهرت عنه هذه الرواية في بلاد المغرب وغيرها. كما فُضلت رواية ابن سعادة الأندلسي التي رواها عن شيخه وصهره أبي على الصدفي. وكثيرًا ما تجد المحدثين يؤثرون أبناءهم بأصح الروايات وأتقنها. 3 - تقديم الشيخ للطالب وإيثاره بالرواية: لا يُنكر اختيار الشيخ لبعض أصحابه لمزيد فهم وعلم، واختصاص الطالب بالشيخ بحيث يروي عنه ما يرويه غيره. والأصل في ذلك ما رواه البخاري في كتاب العلم، باب مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ أَنْ لاَ يَفْهَمُوا: عن أنسِ بنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) «الكامل» لابن عدي 7/ 557.

النوع الثالث: ما يرجع إلى أحوال التحمل

وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ». قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: «يَا مُعَاذُ». قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. ثَلاَثًا، قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ ...» الحديث (¬1). ومما يندرج في هذا الأصل إعطاء الشيخ لتلميذه نسخته الخاصة به، وذلك مثل اختصاص الفربري بالسماع من البخاري عدة مرات، وحصول الفربري على أصل البخاري بعد وفاته ليحدث منه. النوع الثالث: ما يرجع إلى أحوال التحمل: تحيط بالتحمل ملابسات وظروف كثيرة، تورث تفاوتاً بين المتحملين، بل التفاوت في تحمل الراوي نفسه، تبعًا لاختلاف المكان والزمان والأحوال، إضافة إلى التفاوت بين وجوه التحمل، فبعضها أقوى من بعض، وبعضها لا يعتبر به أصلًا. لقد كان تحمل الصحابة رضي الله عنهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسماع والرؤية، ثم تبعهم في ذلك التابعون، وبعد ذلك نشطت حركة التدوين في قرن التابعين، فتحمل عنهم أتباعهم بالسماع تارة، والقراءة تارة أخرى، ثم ظهرت بعد ذلك بدايات التحمل بالإجازة والمناولة، وغير ذلك من وجوه التحمل التي لم تكن شائعة قبل هذا، حتى ازدهر التصنيف في بدايات القرن الثالث، وأصبح العمدة في الرواية على السماع والعرض والقراءة. ومن الملابسات التي اعتبرها المحدثون في أحوال الرواية: 1 - السن في حال التحمل: لقد قَبِل المحدثون رواية الصبي، واعتبروا التمييز في صحة التحمل. لكنهم قدموا رواية من تحمل بالغًا، على رواية من تحمل صبيًّا، في ¬

(¬1) «صحيح البخاري» (128).

حال اختلاف الروايتين، لمظنة رجحان ضبط البالغ على ضبط الصبي. وربما تطرقت تهمة إلى الراوي إذا روى عن شيخ لا يحتمله سنه ولُقِيّه. ومما يتعلق بسن الرواية قدم التحمل. وقدم التحمل من أسباب التفاوت بين الرواة، فيكون ما رواه قدماء الرواة عن الشيخ، أرجح مما رواه المتأخرون من أصحابه، لأن القدماء أقرب عهدًا بسماع الشيخ أو تحمله عن شيخه، فيكون أضبط له. ولهذا عَدَّ المحدثون من أنواع العلو، العلو المستفاد من تقدم السماع، والعلو المستفاد من تقدم وفاة الراوي. ولهذا صلة بنوع السابق واللاحق حيث يشترك في الرواية عن الشيخ متقدمٌ ومتأخرٌ، تباين وقت وفاتيهما تباينًا شديدًا (¬1). ومما لا بد من ملاحظته أن قِدَم التحمل أو السماع مقدمٌ في الطبقة التي تلي طبقة أصل الحديث، بمعنى أن المتأخر الذي روى عن الرسول في آخر حياته أولى من المتقدم، ولذلك فإذا اعُتبر أن البخاري هو مدار الإسناد، وكتابه هو أصل الرواية، أدى ذلك إلى تفضيل رواية المتأخر على المتقدم، فلا شك أن من تأخر سماعه من البخاري كان أفضل ممن تقدم لدلالة ذلك على اكتمال صورة «الصحيح» عند البخاري في آخر أمره. هذا بالنسبة للشيخ. أما بالنسبة للراوي فلا شك أن من تقدم سماعه في صغر سنه أولى ممن سمع في حال كبره، ما دام التحمل كان بعد بلوغ سن التميز. وتميزت لذلك رواية الفربري التي سمعها من البخاري ما بين سنوات (248 - 255) هـ في حين كانت وفاة البخاري سنة (256) هـ ¬

(¬1) «علوم الحديث» لابن الصلاح ص: 317 - 318. ... ،

2 - وجه التحمل

ولذلك فإن كثيرًا من الروايات المشهورة من «صحيح البخاري»، - خاصة بعد طول الإسناد - كانت عالية الإسناد. ومن أعلى الأسانيد في رواية «الصحيح» رواية ابن الملقن التي اعتمد عليها في شرحه «التوضيح». وذلك لأن غالب رواته رووه في الصغر؛ فأبو الوقت سمعه في السابعة وكذا الحجار، والزبيدي في الثامنة، والداودي دون العشرين، ونحوه الفربري والحموي، وعمّروا أيضًا فالداودي وأبو الوقت جاوزا التسعين والباقون قاربوها، والحجار جاوز المائة (¬1). وابن الملقن روى «الصحيح» عن أبي العباس أحمد بن أبي طالب الحجار (730)، عن الزبيدي (631) هـ، عن أبي الوقت (553) هـ، عن الداودي (467) هـ، عن الحموي (381) هـ عن الفربري (230) هـ عن البخاري (256) هـ. 2 - وجه التحمل: سبق أن ذكرت في التمهيد أن أوجه التحمل متفاوتة في القوة، وهي ثمانية أوجه، وبعض هذه الأوجه اتفق العلماء على العمل به وقبوله، وبعضها اختلف فيه العلماء بين القبول والردِّ، وبعضها ردَّه العلماء بالاتفاق. ولا شك أن أرفعها: السماع من لفظ الشيخ، ثم القراءة على الشيخ وتسمى عرْضًا، ثم الإجازة، ثم المناولة .. إلخ أوجه التحمل. فالرواية التي تحملها صاحبها بالسماع من لفظ شيخه أرفع من القراءة فقط وهكذا. ¬

(¬1) انظر مقدمة «التوضيح» 2/ 51 - 57.

3 - حال الشيخ عن التحمل

والتفاوت بين أوجه التحمل مبحثٌ كبير بين العلماء قديمًا وحديثًا، ولا مجال هنا لبسط القول فيه (¬1). واعتبره كثير من الأصوليين مرجحًا من مرجحات التفاوت بين الروايات المختلفة (¬2). 3 - حال الشيخ عن التحمل: وذلك بمراعاة حال الشيخ من قوة حفظه وتمام يقظته، فإذا تعرض الشيخ لنوع من اختلال الضبط، كالاختلاط مثلًا أو ضياع أصوله أو فقده لها، كاحتراقها مثلًا، إذا تعرض الشيخ لمثل ذلك عده العلماء مختلطًا، فيراعى من تحمل عنه حال ضبطه، ومن تحمل عنه حال اختلاطه. ومن تتبع صنيع المحدثين يجد أنهم ردوا روايات لبعض الرواة، لروايتهم لها في حالة الاختلاط. ويلتحق بذلك إذا كان الشيخ متساهلاً في الإسماع، أو يغلبه النعاس أو النوم، أو ينشغل عمن يقرأ عليه، فرواية من تحمل بهذه الصفة مرجوحة، تُرَجَّحُ عليها رواية من تحمَّل حال السلامة من ذلك. 4 - الصحبة والملازمة: هذا الوجه من أكثر الوجوه التي عول عليها المحدثون ترجيح بعض الروايات على البعض الآخر. واعتبار الصحبة والملازمة من أقوى المرجحات، لأن ذلك يحصل ¬

(¬1) «الإلماع» للقاضي عياض ص: 72 - 124، و «الكفاية» للخطيب البغدادي ص: 408 - 507، و «علوم الحديث» ص: 128 - 180. (¬2) ينظر: في ذلك: «الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار» للحازمي 10 - 11، «الإحكام في أصول الأحكام» 3/ 271 - 274.

به زيادة الظن في معرفة أحوال المصحوب، ومجالسة المحدثين تزيد من الوقوف على مصطلحات الشيخ، وما يعتري الرواية من الخلل، والرجوع إلى الشيخ فيما يظهر فيه إشكال أو يحتاج إلى إيضاح. ولعل الأصل في ذلك ما حدث مع أبي هريرة رضي الله عنه من كثرة روايته للحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وانفراده ببعض الأحاديث التي لا تروى إلا من خلاله، وذلك لشدة ملازمته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حله وترحاله، وقد أفصح بذلك أبو هريرة نفسه، عندما بلغه إنكار البعض عليه كثرة رواياته. روى البخاري في كتاب: العلم، باب حفظ العلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وِإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِشِبَعِ بَطْنِهِ وَيَحْضُرُ مَا لاَ يَحْضُرُونَ، وَيَحْفَظُ مَا لاَ يَحْفَظُونَ (¬1). ويترتب على كثرة الملازمة كثرة المرويات والمسموعات من الشيخ فيروي العدد من الأحاديث لا يشاركه فيها غيره. كما يؤدي ذلك إلى تكرار سماع التلميذ الأحاديث من الشيخ، وفي ذلك فوائد لا تعد ولا تحصى، منها حصول معارضة المسموع أو المروي، مما يفيد التثبت في الرواية. ومن أهم ما يترتب على الملازمة أيضًا: وقوف التلميذ على ما استجد عن الشيخ من رأي أو رواية، وذلك له أهميته خاصة في ما يحتاج إلى اجتهاد ونقد. ولذلك فضل العلماء كثيرًا من روايات «الصحيح» التي عرف عن ¬

(¬1) «صحيح البخاري» (118، 119) وينظر: (2047، 2350، 3648، 7354).

5 - عناية المحدث بكتابه

أصحابها ملازمتهم لشيوخهم في ذلك، ولعل الفربري (320) هـ من أكثر الأمثلة للدلالة على هذا الأمر حيث سمع «الصحيح» من البخاري في ثلاث سنين مرتين وقيل ثلاث مرات على ما سبق توضيحه في رواية الفربري. ومن هذه الأمثلة أيضًا تفصيل العلماء الرواية ابن سعادة الأندلسي لملازمته، لشيخه وصهره أبي علي الصدفي وغير ذلك. 5 - عناية المحدث بكتابه: كانت الرواية في القرنين الأول والثاني جل الاعتماد فيها على الذاكرة، فلما بعد الإسناد وقلت الهمم بدأ الاعتماد على الكتابة، ثم جاء عصر التصنيف، وأصبح المعول عليه الكتاب أو النسخة مضافًا إلى الحفظ، ولذلك نجد المحدثين اعتنوا عنايةً تامةً بكتابة الحديث وضبطه وتقييده، حتى جعلوه عِلمًا من علوم الحديث، وقد سبق في التمهيد الحديث عن ضوابط كتابة الحديث عند المحدثين. فكانت عناية المحدث بنسخته ومعارضتها، من أهم عوامل الترجيح بين الروايات لـ «الصحيح»، ولا يتأتى ذلك إلا لمن رزقه الله التبحر في الحديث وعلومه. فإذا انضم إلى المعارضة أو المقابلة اقتناء نسخة الشيخ التي حدَّث منها، كان لذلك الأثر البالغ في تقديم هذه الرواية، ولذلك كانت رواية الفربري (320) هـ الرواية عن البخاري أصح الروايات وأكثرها انتشارًا لوجود أصل «الصحيح» معه. كما تميزت رواية أبي مكتوم ابن أبي ذر الهروي (497) هـ لوجود أصل أبيه معه حتى باعه لأحد أمراء المغرب.

وبلي هذه المرتبة معارضة النسخة على أصل الشيخ المروي عنه. ولذلك نجد القطعة الموجودة من رواية أبي زيد المروزي (371) هـ التي كتبت في حياة أبي زيد، وقوبلت على روايته اكتسبت أهمية كبيرة. ولقد تميزت كريمة المروزية (463) هـ في إسماعها «الصحيح» أنها كانت لا تعطي إجازة بالرواية إلا بعد مقابلة النسخة التي كتبها التلميذ على نسختها، حتى اشتهر عنها ذلك وعرفت به. ومما يدل على عناية بعض العلماء بروايتهم محاولة تعيين المهمل من الرواة، أو زيادة التعريف بهم، بما يمنع الالتباس بغيرهم، كما فعل ابن السكن (353) هـ في نسخته حيث نقل عنه الجياني (498) هـ في كتابه «تقييد المهمل» عدة نصوص تمثل قواعد في ذلك سبق ذكرها. كما توجد بعض الزيادات من بعض الرواة على هامش نسخهم، وهذه الزيادات قد تكون تعريفًا لراو، أو وصلًا لمعلق، أو غير ذلك مما سبق بسطه عند الحديث عن وصف النسخ. ومما يدخل في عناية المحدث بكتابه مقابلته على عدة روايات، ومحاولة الوصول إلى وجه الصواب في نسخته، كما فعل ذلك أبو ذر الهروي (434) هـ، فقد جمع في روايته ثلاث روايات، وقابل بينها، وعرفت هذه الرواية برواية أبي ذر الهروي عن شيوخه الثلاثة وهم: أبو إسحاق المستملي (376) هـ، وأبو محمد الحموي (381) هـ، وأبو الهيثم الكشميهني (389) هـ. وأيضًا ما فعله شرف الدين اليونيني (701) هـ، فقد جمع كل ما وقف عليه من روايات لـ «الصحيح»، ورتبها على نسق لم يسبق إليه، بعد أن اختار أوثق الروايات وأصحها، ثم عرضها على الإمام اللغوي ابن مالك؛

لتوجيهها من ناحية العربية، فبلغت نسخته مبلغا عظيمًا من الدقة والكمال، لما بذل فيها من عناية، فنالت منزلة عظيمة بين العلماء. وعناية المحدثين برواية «الصحيح» ونسخه، لا يمكن استيعابها، وما ذكرته فيه إشارة سريعة، لتناسب المقام، وقد بسطت في كل رواية ما بذله صاحبها من عناية بها. النوع الرابع: ما يرجع إلى أحوال الأداء (¬1). أداء الرواية هو تبليغها وإلقاؤها للتلميذ بصورة من صور الأداء، وكما جعل المحدثون صورًا للتحمل جعلوا أيضًا صورًا للأداء، وكما يتفاوت الرواة في التحمل، يتفاوتون في الأداء. ولقد عرفت بعض الأشياء عند المحدثين جعلوها من قبيل الاحتياط في الرواية والتشديد في إسماعها، فمن التزم بها عرف بضبطه وثقته، ومن عرف عنه عكسها نزل بسببها في رتبته عمن تمسك بها. ومن هذه الأمور التي جعلها المحدثون من قبيل التساهل في الأداء: النوم وهو يُقرأ عليه أو النسخ حال القراءة عليه، أو الانشغال بالتحدث عن الحديث. والتحديث من غير أصل مقابل، وقبول التلقين في الحديث. ومن الاحتياط: أن يكون أصل الراوي عند القراءة عليه بيده، أو بيد غيره وهو أهل لذلك. أو عدم روايته من كتاب لم يعارضه، أو من نسخة ليس عليها سماعه، وعدم روايته إلا ما تحمله بطريق السماع أو العرض لاختلاف ¬

(¬1) ينظر: «معرفة مدار الإسناد» 2/ 177 - 179.

المحدثين في جواز الرواية بالإجازة. ومن الحيطة بيان ما عرض له في سماعه من وهن أو خلل كالسماع في مجلس مذاكرة وغير ذلك. ومما يلاحظ أن نسخ «الصحيح» التي اشتهرت عرف عنها ذلك، ولا مجال لتفصيله هنا، وقد فصلته في وصف الروايات. النوع الخامس: ما يرجع إلى صفة الرواية: وهو اشتهار هذه الرواية وكثرة الناقلين لها. وهذا وجه مهم جدًّا في أوجه التفاضل بين الروايات، فلا شك أن كثرة الرواة عن الراوي يدل على وثوقهم بهذه الرواية، فهو بمنزلة موافقه وقبول لهذه الرواية في الوقت الذي اشتهرت به، خاصة أن المحدثين لا يتحملون إلا الرواية التي تتميز بالضبط، والصحة، والوثوق بمن رويت عنه. ولذلك نجد في كل طبقة من الطبقات بعد عصر الإمام البخاري رواة كثيرين، وتشتهر من بينهم في كل طبقة بعض الروايات التي يقبل عليها العلماء لأسباب عرفت عن هذه الروايات. فمثلًا في الطبقة الأولى التي تلي البخاري اشتهرت فيها أربع روايات، واشتهرت بينهم رواية الفربري، وفي الطبقة التي تليها اشتهرت رواية ابن السكن، ورواية الكشمينهي ورواية المستملي ورواية الحموي ورواية أبي زيد المروزي ... إلخ. وفي الطبقة التي تليهم رواية أبي ذر الهروي، ورواية كريمة المرورية، ورواية الأصيلي وهكذا. حتى عصر اليونيني فاشتهرت روايته وما تفرع عنها في بلاد

المجموعة الثانية: أسباب الاختلافات التي تتعلق بالمروي وهو «الصحيح»

المشارقة. كما اشتهرت رواية أبي علي الصدفي في بلاد المغرب والأندلس .. فشهرة الرواية تدل على عناية المحدثين بهذه الرواية وغير ذلك. المجموعة الثانية: أسباب الاختلافات التي تتعلق بالمروي وهو «الصحيح»: أسباب اختلاف الروايات كثيرة جدًّا يصعب حصرها، وهذه الاختلافات منها ما يعود إلى منهج البخاري في «صحيحه»، ومنها ما يرجع إلى العوامل البشرية للرواة، أو العوامل الطبيعية، أو تقادم الزمان. ولذا سأقتصر على أهمها مع ذكر بعض النماذج لما وقع في «الصحيح» منها، مع مراعاة أن كثيرًا من الأمثلة يدخل في أكثر من سبب. 1 - الاختلاف في النقل عن أصل البخاري نفسه: سبق ذكر عناية البخاري بـ «صحيحه» وإسماعه لخلق كثيرين. وممن اشتهر من الرواة عنه الفربري وروايته اشتهرت، وتميزت عن غيرها لأسباب سبق ذكرها في مبحث روايته. ولقد بلغت عنايته بـ «الصحيح» أنه كتب نسخته منه بخطه، وكان الرواة عنه يقابلون نسخهم بنسخته عند المعارضة. وهناك أسئلة - تحتاج إلى إجابة - والوصول إليها، يزيل كثيرًا من الإشكالات: وهذه الأسئلة هي: هل كتب البخاري نسخة من «الصحيح» تامة تمثل الصورة النهائية لـ «الصحيح» أم لا؟ وإذا كتب فأين هي الآن؟ ولماذا وجدت هذه الاختلافات في الطبقة

الأولى والثانية عن البخاري إذا كانوا قد نسخوا من كتاب واحد؟ قلت (الباحث): من المؤكد أن الإمام البخاري كانت له نسخته الخاصة به من «الصحيح» فقد عرف ذلك واشتهر عنه، وهذه النسخة كتبها محمد بن أبي حاتم الوراق كاتب البخاري، وقد نص غير واحد على ذلك من أقدمهم أبو إسحاق المستملي (376) هـ. وقد نقل أبو الوليد الباجي (474) هـ في كتابه «التعديل والتجريح» عن المستملي نصًّا، اختلف العلماء في توجيهه. قال الباجي: وقد أخبرنا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي الحافظ رحمه الله حدثنا أبو إسحاق المستملي إبراهيم بن أحمد قال انتسخت كتاب البخاري من أصله، كان عند محمد بن يوسف الفربري، فرأيته لم يتم بعد، وقد بقيت عليه مواضع مبيضة كثيرة، منها تراجم لم يُثبِت بعدها شيئا ومنها أحاديث لم يترجم عليها فأضفنا بعض ذلك إلى بعض (¬1). فهذا النص - وهو صحيح الإسناد إلى المستملي - يصرح فيه المستملي أنه انتسخ نسخته من أصل كتاب البخاري، الموجود عند محمد بن يوسف الفربري، ولا شك أن ذلك - على أدنى تقدير - الصورة التي روى عليها الفربري «الصحيح» من البخاري، وقد سمع الفربري الصحيح من البخاري في سنوات (248) هـ إلى (255) هـ وهو مقارب جدًا لوفاة الإمام البخاري المتوفي سنة (256) هـ. وبناء تصبح رواية الفربري أقربَ الصور التي استقر عليها البخاري في «صحيحه». وكلام المستملي يفيد صراحة أنه لم يِتَم بعد، وبقاء بعض المواضع ¬

(¬1) «التعديل والتجريح» 1/ 310، 311.

مبيضة أي: ترك مكانها بياضًا لم يكتب فيه شيئًا، وأن هذه المواضع كثيرة، ومنها تراجم لأبواب لم يكتب فيها أحاديث، وأحاديث لم يكتب لها ترجمة. قال المستملي: فأضفنا بعض ذلك إلى بعض. وقول المستملي: (فأضفنا) يفيد اطلاع غيره على هذا الأصل، وكأنه يعني بعض الرواة عن الفربري، كما فصله هو بعد ذلك، كما يفيد أنهم اجتهدوا في إلحاق الأحاديث بالتراجم المبيضة. وإذا كان وضع الأحاديث تحت التراجم المبيضة كان مرجعه إلى اجتهاد كل راوٍ، فلاشك في حدوث اختلاف بين هذه الروايات لاختلاف اجتهادات الرواة. وهذا النقل عن أبي الوليد الباجي الذي ساقه بسنده إلى المستملي اختلفت وجهة نظر العلماء والشراح الذين جاءوا بعده فيه. فالباجي نفسه يدلل على صحة ما نقله عن المستملي بقوله: ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي، ورواية أبي محمد السرخسي، ورواية أبي الهيثم الكشميهني، ورواية أبي زيد المروزي - وقد نسخوا من أصل واحد - فيها التقديم والتأخير، وإنما ذلك بحسب ما قَدَّرَ كلُّ واحد منهم، فيما كان في طرة، أو رقعة مضافة، أنه من موضع ما، فأضافه إليه، ويبين ذلك: أنك تجد ترجمتين أو أكثر من ذلك متصلة، ليس بينها أحاديث (¬1). ويؤكد ابن رشيد الفهري (721) هـ في كتابه «إفادة النصيح» ما جاء عن الباجي فيقول: ونقل أبو إسحاق (يقصد المستملي) فرعه من أصل ¬

(¬1) «التعديل والتجريح» 1/ 310، 311.

البخاري (¬1). وقد نقل الحافظ ابن حجر في «هدي الساري» ما جاء عن الباجي السابق ذكره، من اختلاف نسخ الأربعة المذكورين عن الفربري، وقد نسخوا من أصل واحد، وهو أصل البخاري نفسه ثم يقول: وهذه قاعدة حسنة يفزع إليها حيث يتعسر وجه الجمع بين الترجمة والحديث، وهي مواضع قليلة جدًّا (¬2). ويقول ابن حجر أيضًا في «الفتح» في شرح باب: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا ...} قال: وهذا يؤيد ما تقدم من النقل عن أبي ذر الهروي أن أصل البخاري كان عند الفربري، وكانت فيه إلحاقات في الهوامش وغيرها، وكان من ينسخ الكتاب يضع الملحق في الموضع الذي يظنه لائقًا به، فمن ثَمَّ وقع الاختلاف في التقديم والتأخير، ويزاد هنا أن بعضهم احتاط فكتب الملحق في الموضعين فنشأ عنه التكرار .. (¬3). وهذه النصوص من ابن حجر وابن رشيد تدل على موافقتهما لأبي إسحاق المستملي فيما نقله عنه الباجي. لكن الإمام شهاب الدين القسطلاني في مقدمة «إرشاد الساري» قال بعد نقله ما جاء عن الباجي: وهذا الذي قاله الباجي فيه نظر من حيث إن الكتاب قرئ على مؤلفه، ولا ريب أنه لم يقرأ عليه إلا مرتبًا مبوبًا، فالعبرة بالرواية، لا بالمسودة التي ذُكر صفتها (¬4). ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 25. (¬2) «هدى الساري» ص: 8. (¬3) «فتح الباري» 4/ 300. (¬4) «إرشاد الساري» 1/ 24.

2 - كثرة الرواة عن البخاري

قلت (الباحث): ما ذكره القسطلاني مخالفًا بذلك ابن حجر وابن رشيد والباجي فيه نظر من حيث الواقع، فالرواة عن البخاري ومن بعده وقع بينهم بعض الاختلافات لا يمكن توجيهها إلا بإعمال هذه القاعدة، وهذه المواضع قليلة جدًّا كما ذكر ابن حجر، كما أنها لا تعني وجود تعارض يطعن في «الصحيح»؛ لأنها متعلقة بالسياق العام وترتيب الكتاب، وليست من العلل التي تقدح في صحة الأحاديث، وترك بعض المواضع مبيضة في نسخة الإمام البخاري في موضع تراجم بعض الأبواب لما عرف من تأني الإمام البخاري - كما ذكر ابن رشيد - وحرصه على دقة الاستنباط للأحكام من الأحاديث، وهو أمر لا يعاب به فاعله، لاسيما مع ما عرف به الإمام من حسن النية، وجميل الفعلة فيما أنجزه من تراجم الكتاب وهو الغالب كما قدمت (¬1). وبناء على ما سبق فإن من أسباب وجود اختلافات بين الروايات أن الرواة الأُوَل الذين نقلوا من أصل البخاري اجتهدوا في وضع بعض الأحاديث تحت بعض التراجم المبيضة. والله أعلم. 2 - كثرة الرواة عن البخاري: لقد بذل البخاري رحمه الله قصارى جهده وعنايته في انتقاء أحاديث «الصحيح»، واستغرق في تأليفه سنواتٍ كثيرةً، ثم عرضه على صفوة النقاد في عصره لهذا لم يكن غريبًا أن يعد هذا الكتاب أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، مما جعل جمهور الأمة الإسلامية في زمانه يحرصون على سماع هذا «الصحيح» عن مؤلفه، ثم ممن سمعه، ويكتبونه من أصله، ثم ما تفرع منه من النسخ المعتبرة. ¬

(¬1) «إفادة النصيح» ص: 26 - 28.

وعرف عن البخاري رحمه الله كما جاء ذلك في تراجمه أنه كان يعقد مجالسَ لإملاء الحديث، ويكتب فيها عنه حتى كان له في بغداد وحدها ثلاثة من المستملين مما يدل على اجتماع ألوف من السامعين في مجالسه. ولهذا فإن «الصحيح» قد تواتر نقله عن البخاري سماعًا وقراءة جيلًا بعد جيل من مختلف الأقطار، وثبتت كتابته أيضًا من نسخته الأصلية الخاصة، التي كانت تحت يد أشهر تلاميذه وهو الفربري. ولذا يقول محمد بن يوسف الفربري: سمع كتاب «الصحيح» لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل، فما بقي أحد يُروَى عنه غيري. وقد سبق ذكر الرواة الذين وقفت عليهم عن البخاري، ثم عن الطبقة التي تليه، ثم عن الطبقة التي تليهم وهكذا. وهكذا تعددت الروايات لـ «الصحيح» وانتشرت في ربوع العالم الإسلامي، وتعددت لذلك نسخه الخطية؛ ولأجل كل ذلك حدث فروق بين النسخ الخطية لـ «الصحيح» في صور كثيرة من الاختلافات بعضها يتعلق بالسياق العام للكتاب، وبعضها يتعلق بالأسانيد، وبعضها يتعلق بالمتون وبعضها يتعلق بالكتب والتراجم الموضوعة للأبواب وغير ذلك. وهذه الكثرة العددية كانت سببًا - نتيجة لاختلاف ضبط الرواة - لوجود كثير من الاختلافات بفعل العوارض التي تعرض للبشر من اختلافهم في الدقة والضبط والعناية وغير ذلك. كما أن كثرة النسخ تؤدي إلى وقوع كثير من العيوب التي تنشأ من عامل الزمن والعوامل الطبيعية، وغير ذلك. وهذه الفروق الموجودة لا تعد قادحة في سلامة عموم نصوص «الصحيح» ولا معارضة لثبوت تواتر مجموعه سماعًا ونقلًا عن البخاري

3 - ومن الأسباب التي تعود إلى العوامل البشرية

فمن بعده إلى يومنا هذا. 3 - ومن الأسباب التي تعود إلى العوامل البشرية: أولًا: التصحيف والتحريف وهما من الأمور الطارئة التي تقع في الحديث سندًا ومتنًا عند بعض الرُّواة، وهو من الأمور المؤدية للاختلاف بين الرُّوايات في الحديث. وأبدأ بمعناه اللغوي ثم أتبعه بمعناه الاصطلاحي عند المحدثين. قال أبو أحمد العسكري في كتابه: «شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف» (¬1): فأما معنى قولهم: (الصحفي) و (التصحيف) فقد قال الخليل بن أحمد: إن الصحفي الذي يروي الخطأ على قراءة الصحف بأشباه الحروف. وقال غيره: أصل هذا أن قومًا كانوا أخذوا العلم عن الصحف من غير أن يلقوا فيه العلماء، فكان يقع فيما يروونه التغيير، فيقال عنده: قد صحفوا، أي: رددوه عن الصحف، وهم مُصَحِّفوِن، والمصدر التصحيف ا. هـ. وقال ابن منظور: والمُصَحِّفُ والصحفي الذي يروي الخطأ عن قراءة الصحف بأشباه الحروف، مولدة .. والتصحيف: الخطأ في الصحيفة (¬2). وقال الفيومي: والتصحيف: تغيير اللفظ حتى يتغير المعنى المراد من الموضع، وأصله: الخطأ، يقال: صحفه فتصحف، أي: غيَّره فتغير حتى التبس (¬3). ¬

(¬1) 1/ 13، وكتابه أيضًا «تصحيفات المحدثين» 1/ 22. (¬2) «لسان العرب» 4/ 2405 مادة: صحف. (¬3) «المصباح المنير» ص: 274 مادة: ص: ح ف.

وقال الجُرْجانيّ في «التعريفات» (¬1): التصحيف: أن يقرأ الشيء على خلاف ما أراد كاتبه، أو على (¬2) ما اصطلحوا عليه. ا. هـ. ومن الملاحظ على هذه التعريفات أنها تختص بنوع واحد من أنواع التصحيف، وهو تصحيف البصر، وبعضهم خصَّه بما يترتب عليه تغير المعنى، ولا شك أن التصحيف أعم من ذلك. أما التحريف: فقد قال ابن منظور: وتحريف الكلم عن مواضعه: تغييره، والتحريف في القرآن والكلمة: تغيير الحرف عن معناه، والكلمة عن معناها، وهي قريبة الشبه كما كانت اليهود تغير التوراة بالأشباه، فوصفهم الله تعالى بفعلهم فقال: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّواضِعِهِ} [سورة النساء آية: 46] (¬3). وقال الجُرْجانيّ: التحريف: تغيير اللفظ دون المعنى (¬4). ومن الملاحظ أن القدامى من المحدثين لم يعتنوا بتعريف التصحيف والتحريف أكثر من اعتنائهم بسرد أمثلة كثيرة من التصحيفات الواقعة في المتون والأسانيد تحذيرًا من الوقوع فيها، وبيان وجه الصواب فيها. كما أنهم لم يفرقوا بين التصحيف والتحريف، وإن كانت كلمة التصحيف أكثر استعمالًا عندهم؛ لأنها المصطلح الذي اختص به أهل الحديث وتولد في أحضانهم. بل إن بعضهم كان يستعمل كلمة التصحيف بدلًا من التحريف ¬

(¬1) ص: 59 (¬2) قلت (الباحث) كذا ورد في الأصل المطبوع، والجادة أن يزاد فيها لفظة: (خلاف) مثل الجملة الأولى المعطوف عليها قبلها. (¬3) «لسان العرب» 2/ 839 مادة: حرّف. (¬4) «التعريفات» ص: 53

والعكس. حتى جاء الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852) هـ وعرف التصحيف والتحريف وفرق بينهما. قال ابن حجر في «نزهة النظر شرح نخبة الفكر»: إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط فالمُصَحَّف، وإن كان بالنسبة إلى الشكل فالمُحرَّف (¬1). ا. هـ. يشير هذا التعريف الذي وضعه الحافظ ابن حجر إلى أن التصحيف هو تغيير الحرف أو الحروف الناتج عن تغيير النقط في الحروف المتماثلة في الرسم مثل: (الباء والتاء والثاء والياء والنون)، و (الجيم والحاء والخاء) و (الدال والذال) و (الراء والزاي)، و (السين والشين)، و (الصاد والضاد)، و (الطاء والظاء)، (والعين والغين) و (الفاء والقاف). فهذه الحروف متماثلة في الرسم لا يميزها عن بعضها إلا النقط. وأما معنى التحريف عند ابن حجر فمرده إلى التغيير في الحرف أو الحروف الناتج عن التشابه في شكل الحروف كالدال والراء والذال واللام والميم والعين .. إلى آخره. وهذا التعريف الذي وضعه الحافظ ابن حجر للتصحيف والتحريف مفرقًا بينهما بما سبق، مما انفرد به، ونظرًا لمنزلته ومكانته، فإن من جاء بعده نقل عنه هذا التعريف، حتى اشتهر وانتشر بين المحدثين. والناظر في أقوال المحدثين القدامى قبل ابن حجر يجد أنهم لا يفرقون بين التصحيف والتحريف كما قال ابن حجر، وإنما اعتبروا أي ¬

(¬1) ص: 69.

تغيير في صورة الكلمة يعد عندهم تصحيفًا. قال الشافعي رحمه الله (204) هـ كما نقله عنه الحاكم بإسناده في «معرفة علوم الحديث»: صحف مالك في عمر بن عثمان، وإنما هو عمرو بن عثمان، وفي جابر بن عتيك وإنما هو جبر بن عتيك، وفي عبد العزيز بن قرير وإنما هو عبد الملك بن قريب (¬1). ا. هـ. فقد أطلق الشافعي لفظ التصحيف على ما لا يتعلق بنقط الحروف. وكذلك فعل الإمام أحمد بن حنبل (241) هـ فقد روى من طريقه عن محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة بن مالك بن عرفطة .... قال: صحف شعبة فيه رحمه الله وإنما هو خالد بن علقمة (¬2). يقصد في قوله: عن مالك بن عرفطة. وأطلق الخطابي (388) هـ التصحيف على سقط بعض الحروف كما في كتابه «إصلاح غلط المحدثين» حيث قال في كلمة حيري الدهر: يصحفون فيه فيقولون: حير الدهر (¬3). وكذلك الحاكم في كثير من الأمثلة يطلق لفظ التصحيف على ما ليس بتغيير في النقط كما قال في «معرفة علوم الحديث»: ذِكْر (الوجه) تصحيف من الرُّواة لاجتماع الثقات والأثبات من أصحاب عمرو بن دينار على ¬

(¬1) ص: 444 (393) في الفرع الخامس والثلاثين. وتعقبه الحاكم قائلا: قوله رحمه الله في عبد العزيز وَهْمٌ فإنه عبد العزيز بن قرير بلا شك وليس بعبد الملك بن قُريب فإن مالك بن أنس، لا يروي عن الأصمعي، وعبد العزيز هذا قد روى عنه غير مالك. ا. هـ «معرفه علوم الحديث» ص: 445. (¬2) «معرفة علوم الحديث» للحاكم ص: 441 (388) (¬3) ص: 42

روايته عنه: «ولا تغطوا رأسه» وهو المحفوظ (¬1). اهـ. وكذا قال: صحف بقية بن الوليد في ذكر صفية، ولم يتابع عليه، والحديث عند يحيى بن سعيد وغندر والناس: عن شعبة عن قتادة، عن أبي أيوب العتكي، عن جويرية بنت الحارث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه. (¬2) اهـ. فقد أطلق على تغيير كلمة (الوجه) بدلًا من (الرأس) تصحيفًا، كما ذكر أن تغيير صفية بنت حُيي بدلًا من جويرية بنت الحارث تصحيف، وهذا لا يطلق على ما اصطلح عليه ابن حجر في تعريف التصحيف أو التحريف. وأيضًا أبو نعيم الأصبهاني (430) هـ فقد ذكر في «معرفة الصحابة» في ترجمة: كريم بن جزيء قال: كريم بن جزيء أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن خشاش الأرض، وهو وهم وتصحيف إنما هو خزيمة بن جزيء (¬3). وابن عبد البر (463) هـ في «التمهيد» أطلق التصحيف على التغيير بغير النقط، قال في عبد الرحمن الصنابحي: وزهير بن محمد لا يحتج به إذا خالفه غيره، وقد صحف فجعل كنيته اسمه وكذلك فعل كل من قال فيه: عبد الله لأنه أبو عبد الله، وقد قال فيه الصلت بن بهرام عن الحارث بن وهب: عن أبي عبد الرحمن الصنابحي، فهذا صحَّف أيضًا فجعل اسمه كنيته، وكل هذا خطأ وتصحيف (¬4) اهـ. وكذا القاضي عِياض (544) هـ قال في «المشارق» في قوله: (وأخذ بأذني اليمنى يفتلها) وقع في كتاب الأصيلى: (بيدي اليمنى) وهو ¬

(¬1) ص: 438 (385) (¬2) ص: 449 (397). (¬3) 5/ 2412 (2552). (¬4) 4/ 3.

تصحيف (¬1). اهـ. وقال في قوله: (لو غير أَكَّارٍ قتلني) بفتح الهمزة وتشديد الكاف، هو الحفار والحراث .. وجاء في بعض روايات مسلم: (لو غيرك كان قتلني) وهو تصحيف وخطأ (¬2). اهـ. وكذا جاء عن الشيخ أبي عمرو بن الصلاح (643) هـ والحافظ أبي الحجاج المزي (742) هـ، والحافظ أبى عبد الله الذَّهبي (748) هـ حتى الحافظ ابن حجر العسقلاني نفسه، قد جاء عنه كثير من الأمثلة التي تدل على عدم التزامه بما عَرَّف به التصحيف والتحريف (¬3). ويردُّ على الحافظ ابن حجر أيضًا تلك التقسيمات الواردة عن المحدثين بشأن التصحيف، حيث قسموه إلى: تصحيف البصر، وتصحيف السمع، وتصحيف اللفظ، وتصحيف المعنى .. إلخ. ولذا نجد الحافظ زين الدين العراقي شيخ الحافظ ابن حجر قال: وقد أطلق من صنف في التصحيفِ التصحيفَ على ما لا تشتبه حروفه بغيره، وإنما أخطأ فيه راويه، أو سقط بعض حروفه من غير اشتباه (¬4). فقد تأكد بعد كل ذلك أن المحدثين توسعوا في استعمال التصحيف إلى أعمَّ مما قيده به الحافظ ابن حجر، ولذلك ما أشمل وأجمل التعريف الذي ذكره الحافظ السخاوي في «فتح المغيث»، وتابعه عليه الصنعاني في كتابه «توضيح الأفكار» (¬5) بأنه تحويل الكلمة عن الهيئة المتعارفة إلى ¬

(¬1) 1/ 78. (¬2) 1/ 91. (¬3) ينظر: «التصحيف وأثره في الحديث والفقه» لجمال إسطيري ص: 30 - 37. (¬4) «التبصرة والتذكرة» 2/ 298 - 299. (¬5) 2/ 419.

غيرها (¬1)! ويدخل في الكلمة أسماء الرُّواة سواء كانت مفردة أم مركبة، كما يدخل في ذلك أيضًا المتون، وإذا كان اصطلاح المحدثين كذلك فقد سرت على هذا التعريف وهو عموم إطلاقه على تغيير الهيئة والله أعلم. أهمية الاحتراز عن التصحيف والتحريف: لقد حذر الحفاظ من خطر التصحيف والتحريف وأكدوا على ضرورة أخذ العلم عن أهله المتقنين له تلقيًا ومشافهةً، ومنعوا من أخذه عن الصحف وأهلها. يقول سعيد بن عبد العزيز التنوخي - أحد الثقات الأثبات -: لا تحملوا العلم عن صحفي، ولا تأخذوا القرآن عن مصحفي (¬2). وقال سليمان بن موسى: لا تأخذوا الحديث عن الصحفيين ولا تقرءوا القرآن على المصُحفيينَ (¬3). وقال يحيى بن معين: من حدث، وهو لا يفرق بين الخطأ والصواب فليس بأهل أن يحمل عنه (¬4). وكان الحفاظ يتشددون في أمر التصحيف والتحريف فلا يأخذون من مُصحِّف. قال مجاهد. قلت لحماد بن عمرو: أخرج إلى كتاب خُصيف ¬

(¬1) «فتح المغيث» 3/ 72. (¬2) «الجرح والتعديل» 1/ 31، «تصحيفات المحدثين» 1/ 7، «شرح ما يقع فيه التصحيف» ص: 13. (¬3) «الجرح والتعديل» 1/ 31، «تصحيفات المحدثين» 1/ 6، «شرح ما يقع فيه التصحيف» ص: 10 (¬4) «شرح ما يقع فيه التصحيف» ص: 17.

فأخرج إلى كتاب حُصين، فإذا هو ليس يفصل بين خُصيف وحُصين فتركته (¬1). ومن أجل الإتقان في الحفظ وصيانة الرِّواية من الإخلال والخلل حرص طلبة الحديث على ملازمة الشيوخ والسماع منهم سماعًا شفهيًّا. كما كانوا يحرصون على قراءة الحديث من أصولهم على شيوخهم من أجل ضبطها، وهو العرض والمقابلة، ولذا كانت كريمة المروزية لا تجيز الرِّواية من نسختها إلا بعد العرض والمقابلة، كما سبق ذكر ذلك في روايتها، وقد ذكرت في التمهيد ما يدل على العناية التامة من المحدثين بكتبهم وطرقهم في ذلك، للاحتراز عن وقوع خلل في الروايات وغير ذلك. أقسام التصحيف: لقد قُسم التصحيف بأكثرَ من اعتبار، فقد قسمه المحدثون إلى: تصحيف في الإسناد، وتصحيف في المتن، وقسمه العلماء أيضًا إلى: تصحيف البصر، وتصحيف السمع، قُسم أيضًا إلى تصحيف المعنى وتصحيف اللفظ. ويمكن القول أن التقسيم الأول باعتبار موضع التصحيف وهو السند أو المتن، والتقسيم الثاني باعتبار سبب التصحيف وهو السمع أو البصر، والتقسيم الثالث باعتبار الأثر المترتب على التصحيف، وإليك تعريف هذه الأقسام بإيجاز. 1 - تصحيف الإسناد: هو التغيير أو التبديل الذي يقع في أسماء الرُّواة، ووقوع التصحيف في أسماء الرُّواة أكثر من وقوعه في ألفاظ المتن، ¬

(¬1) «تاريخ بغداد» 8/ 154.

وله صور متعددة فقد يُصحف راوٍ من رواه السند بما يترتب عليه اختلاف الراوي، وقد يكون أحدهما ثقة والآخر ضعيفًا، كما قد يقع التصحيف في اسم الراوي أو اسم أبيه أو النسبة أو الكنية وغير ذلك. ولا يقتصر التصحيف على أسماء الرُّواة فقد يقع التصحيف في صيغ الأداء كأن تصحف كلمة (حَدَّثَنا) إلى (أَخْبَرَنا)، خاصة عند استخدام الرموز في التعبير عن صيغ الأداء، وطرق التحمل، وقد يؤدى هذا النوع من التصحيف إلى الجمع بين راويين أو التفريق بين راوٍ وأبيه مثلًا، كأن تصحف كلمة (عن) إلى (ابن) أو العكس وسيأتي أمثلة على ذلك إن شاء الله تعالى. 2 - أما تصحيف المتن: فهو التغيير الذي يحصل في ألفاظ الأحاديث النبوية، أو أقوال الصحابة، أو فتاوى التابعين، كما يشتمل أيضًا في «الصحيح» على ما هو أعمُّ من ذلك، فيشمل الأبواب، والكتب، والمعلقات، والآيات القرآنية الواردة في «صحيح البُخارِيّ». ومن هذه التصحيفات ما يترتب عليها تغيير للمعنى ويجعله على خلاف المراد منه، ومنها ما لا يؤثر في المعنى وإن أثر في اللفظ، وسيأتي أمثلة لذلك. 3 - وتصحيف البصر: هو التغيير الذي يقع للراوي إذا حفظ الكتاب أو حدث منه، وحصل له أشتباه بين بعض الحروف لتقارب رسمها، فيقرأ الكلمة ويحدث بها على غير وجهها الصحيح. وهو يشمل الإسناد والمتن وغير ذلك من النصوص، وهذا النوع قد يكون سببه التقارب بين رسم الكلمتين مثل (سعيد) (وشعبة) ومثل التقارب بين (سفيان) وبين (شقيق) وخاصة أن المد قد يحذف في كلمة (سفيان).

وقد يكون سببه التقارب بين رسم الحروف نفسها والاعتماد في التمييز بينها على النقط، مثل حروف الباء والتاء والثاء وغير ذلك مما سبق ذكره. ومما يساعد على انتشار هذا النوع أن الأصول كانت مكتوبة باليد، فلم تكن هناك آلات للطبع تميز بين العين والفاء مثلًا وسيأتي أمثلة وقعت في «الصحيح» من هذا النوع. 4 - وأما تصحيف السمع: فهو كما قال العراقي: أن يكون الاسم، واللقب، أو الاسم واسم الأب على وزن اسم آخر ولقبه، أو اسم آخر واسم أبيه والحروف مختلفة شكلًا ونطقًا، فيشتبه على السمع، كأن يكون الحديث عن عاصم الأحول، فيجعله بعضهم عن واصل الأحدب فقد ذكر الدارقطني أنه من تصحيف السمع وكذا عكسه (¬1). اهـ ويكون هذا النوع في الإسناد، وقد يكون في المتن. 5 - وتصحيف اللفظ: هو التغيير الذي يقع في أسماء الرُّواة، وفي متون الأحاديث، أو غير ذلك بسبب الخطأ الذي يقع في شكل الكلمات أو إعرابها، أو في نقط الحروف أو تغييرها، وليس راجعًا إلى الفهم الخطأ الذي يتبادر إلى ذهن الراوي، ومن هذا النوع ما يكون مغيرًا للمعنى بعد التصحيف. كما قد يطلق هذا النوع على ما وقع فيه التغيير ولا يؤثر على المعنى، وهو عكس النوع الآتي. وهذا النوع يشمل أيضًا الأسانيد والمتون وغير ذلك. 6 - وتصحيف المعنى: هو التغيير الذي يقع في الأسماء أو الرُّواة أو ¬

(¬1) «التبصرة والتذكرة» 2/ 299

الألفاظ أو غير ذلك مما يكون سببه الفهم الخطأ عند الراوي، مما ينتج عنه تغير المعنى، وقد يكون اللفظ واحدًا. فالعمدة فيه تغيير المعنى بخلاف الذي قبله، فالعمدة فيه على تغير اللفظ، ومثاله ما ذكره العراقي عن الدارقطني أن أبا موسى محمد بن المثنى العنزي الملقب بالزَّمِن أحد شيوخ الأئمة الستة، وهو المراد في قولي: إمام عنزة - قال يومًا: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة، قد صلى - صلى الله عليه وسلم - إلينا، يريد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى عنزة، فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم، وإنما العنزة هنا الحربة تنصب بين يديه (¬1). اهـ. وللتصحيف أسبابٌ كثيرةٌ، ومعظمها يشترك مع أسباب الاختلاف في الروايات. وإنما توسعت في تعريف التصحيف وبيان أقسامه؛ لأنه من أهم الأسباب التي توقع كثيرًا من الاختلافات بين روايات «الصحيح»، ويشمل كل صور الاختلافات، فهو يشمل الأسانيد والمتون، كما يشمل الكتب والأبواب. ولأهمية هذا الباب فقد عده العلماء من المباحث الأساسية في علوم الحديث حتى إن الحاكم رحمه الله تعالى قد عده بقسميه نوعين منفصلين، حيث ذكر في النوع الرابع والثلاثين من علوم الحديث معرفة التصحيفات في المتون. وجعل النوع الخامس والثلاثين: معرفَة التصحيفات في الأسانيد، وكذا كل من أتى بعده اعتبر التصحيف نوعًا من أنواع علوم الحديث، وهو فن جليل لا يقوم به إلا الحذاق من الرُّواة والعلماء. أمثلة من الاختلافات بين الرُّواة وسببها التصحيف: ¬

(¬1) «التبصرة والتذكرة» 2/ 300 - 301.

1 - جعل (شعبة) بدلًا من (سعيد). جاء في «الصحيح» في كتاب: الغسل، باب: الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره (¬1) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ. قال الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» بعد أن ساق الحديث كما جاء عند اليُونِينِيّ (¬2): وفي نسخة أبى محمد الأصيلي، عن أبي أحمد: (يزيد بن زريع حَدَّثَنا شعبة) جعل شعبة بن الحجاج بدل سعيد بن أبي عَروُبة وقال الأَصيلى: في عَرْضتنا بمكة على أبي زيد: سعيد: - يعني: ابن أبى عروبة - وكذلك رواه أبو علي ابن السكن وغيره من رواة الفَرَبْريّ، وهو الصواب. اهـ. قلت: (الباحث): وهذا الحديث أورده البُخارِيّ أيضًا معلقًا عقب حديث هشام عن قتادة عن أنس. في كتاب: الغسل، باب: إذا جامع ثم عاد (¬3). ثم أسنده هنا في هذا الموضع من حديث يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة. وفي كلا الموضعين عند جمهور الرُّواة: (سعيد) - أي: ابن أبي عروبة - وعند الأصيلى عن الجُرْجانيّ: (شعبة). قال ابن حجر في «تغليق التعليق»: وقد رواه أحمد بن حنبل في ¬

(¬1) 1/ 65 (284). (¬2) 2/ 579. (¬3) 1/ 62 (268).

«مسنده» عن عبد العزيز العَمِّي، عن شعبة، عن قتادة، والله أعلم (¬1). اهـ. وقد راجعت المطبوع من «المسند» فإذا فيه: (سعيد) على الصواب (¬2) فلعله في نسخة ابن حجر، ولم يقف عليها محققو هذه الطبعة من «المسند» ولم أقف على من ذكر الحديث عن شعبة، بل جاء الحديث عند النسائي (¬3) وابن حبان والبيهقي مثل رِواية الجمهور عند البُخارِيّ، فكلهم تابعوا البُخارِيّ من طريق يزيد بن زريع عن سعيد، عن قتاده به مثله (¬4) وهذا ما يؤيد رِواية الجمهور إلا أن الحديث في مسلم عن شعبة عن هشام بن زيد عن أنس به (¬5) ولعل هذا سبب التحريف أن للحديث أصلًا عن شعبة. والله أعلم. وهذا النوع من التصحيف ترتب عليه تغيير الراوي وسببه تصحيف البصر، ويمكن معرفة وجه الصواب فيه عن طريق الترجيح بين الروايات، وتخريج الحديث. 2 - ومن أمثلة هذا النوع أيضًا وهو تصحيف البصر الذي ينتج عنه اختلاف الراوي: ما جاء في الحديث الذي رواه البُخارِيّ في كتاب بدء الخلق، باب ¬

(¬1) 2/ 158، وكذا «الفتح» 1/ 378 في حديث (268). (¬2) 3/ 166 (12701) طبع مؤسسة الرسالة. (¬3) 6/ 53 - 54 كتاب: النكاح، باب: ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح وأزواجه وما أباح الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وحظره على خلقه زيادة في كرامته وتنبيهًا لفضيلته. (¬4) «صحيح ابن حبان» 1209 والبيهقي 7/ 54. (¬5) «مسلم» (309)، كتاب: الحيض، باب: جواز نوم الجنب.

ذكر الملائكة (¬1) قال: حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنا ابْنُ شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ والأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا كانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كانَ عَلَى كُلِّ بابٍ مِنْ أَبْوابِ الْمَسْجِدِ الْمَلاَئِكَةُ، ...». الحديث. فعند جمهور الرُّواة عن البُخارِيّ هكذا: ابن شهاب عن أبي سلمة والأغر - بالمعجمة والراء والثقيلة - عن أبي هريرة. ووقع في رِواية الكُشْمِيهَني عن الفَرَبْريّ وحده: (والأعرج). بالعين المهملة الساكنة وآخره جيم. والأول أرجح، فإن الحديث مشهور من رِواية الأغر، وهو سلمان أبو عبد الله المديني، فقد ذكره مسلم من طريق يونس بن يزيد الأيلي (¬2) والنسائي في «المجتبى» (¬3) من حديث معمر كلاهما عن الزهري قال: أخبرني أبو عبد الله الأغَرُّ أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه فذكره. وقال الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» (¬4): ويروى - أيضًا - من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، قال ابن السكن: ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري، عن الزهري، عن أبي سلمة وسعيد أبي عبد الله الأَغر. فصح بهذا كله أن الحديث حديث الأغر، لا حديث الأعرج. اهـ. وعقب على الجَيّانيّ ابنُ حجر في «الفتح» قائلًا: قلت: بل ورد من رِواية الأعرج أيضًا، أخرجه النسائي من طريق عقيل ومن طريق عمرو بن الحارث، كلاهما عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة (¬5). ¬

(¬1) 4/ 111 - 112 (3211) (¬2) كتاب الجمعة، باب: فضل التهجير يوم الجمعة (850). (¬3) كتاب الجمعة، باب: التبكير إلى الجمعة 3/ 97 - 98. (¬4) 2/ 647. (¬5) «السنن الكبرى» كتاب الجمعة، باب: قعود الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد. 1/ 254 (1689).

فظهر أن الزهري حمله عن جماعة، وكان تارة يفرده عن بعضهم، وتارة يذكره عن اثنين منهم، وتارة عن ثلاثة. والله أعلم (¬1) اهـ. 3 - ومن هذا النوع تصحيف (هشام) إلى (همام): كما جاء في كتاب النكاح، باب: يَقِلُّ الرجال ويكثُرُ النساء (¬2) قال: حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال: لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لاَ يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَشْراطِ السّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ، وَيَكْثُرَ الزِّنا، وَيَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَيَقِلَّ الرِّجالُ، وَيَكْثُرَ النِّساءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْراةً الْقَيِّمُ الْواحِدُ». كذا جاء الحديث عند جمهور الرُّواة، وفي نسخة أبي محمد الأصيلى - كما عند الجَيّانيّ - عن أبي أحمد الحَمُّوييّ: حَدَّثَنا حفص بن عمر، نا همام، عن قتادة، عن أنس. وكتب أبو محمد في حاشية كتابه: في كتب بعض أصحابنا عن أبي زيد: هشام وما أراه إلا صحيحًا (¬3). وقال ابن حجر في «الفتح» (¬4): قوله: (حَدَّثَنا هشام) هو الدستوائي كذا للأكثر، ووقع في رِواية أبي أحمد الجُرْجانيّ (¬5): (همام) والأول أولى، وهمام وهشام كلاهما من شيوخ حفص بن عمر المذكور، وهو الحوضي. اهـ. ¬

(¬1) 6/ 309 - 310 (¬2) 7/ 37 (5231). (¬3) «تقييد المهمل» 2/ 712. (¬4) 9/ 330. (¬5) كذا ذكر الحافظ أن الرواية المصحفة منسوبة لأبي أحمد الجرجاني بينما ذكر الجياني أنها لأبي محمد الأصيلي عن أبي أحمد الحمويي.

وقال أبو علي الجَيّانيّ (¬1): وهكذا رواه أبو علي بن السكن (¬2) وأبو ذر، عن مشايخه الثلاثة، وكذلك في نسخة عن النَّسفي، وهو المحفوظ. اهـ. ومما يدل على أن الحديث محفوظ لهشام عن قتادة أن البُخارِيّ خرَّجه في «الصحيح» أيضًا في أول كتاب الأشربة (¬3) قال: حَدَّثَنا مسلم بن إبراهيم، حَدَّثَنا هشام، حَدَّثَنا قتادة .. فذكره، وكذا خرَّجه المزي في «تحفة الأشراف» تبعًا لأبي مسعود الدمشقي في مسند هشام الدستوائي (¬4) وعزاه للبخاري في النكاح والأشربة. والخلاصة: أن الراجح في ذلك رواية من قال: «هشام» وهي رواية الجمهور، كما أن أصحاب الأطراف رجحوا ذلك. ومن هذا النوع أيضًا من التصحيف البصري الذي ينتج عنه اختلاف الراوي تصحيف (شعبة) إلى (سعيد) (¬5). 4 - وعكس ذلك كان في الحديث الذي رواه البُخارِيّ في كتاب اللباس، باب قِبالاَنِ فِي نَعْلٍ، وَمَنْ رأى قِبالًا واحِدًا واسِعًا. حَدَّثَنا حَجّاجُ بْنُ مِنْهالٍ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، حَدَّثَنا أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ نَعْلَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ لَها قِبالاَنِ. (¬6) اهـ. حيث تصحفت (همام) إلى (هشام)، ورِواية الجمهور على أنه هنا ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 2/ 713. (¬2) أي بلفظ هشام. (¬3) 7/ 104 (5577) (¬4) «تحفة الأشراف» 1/ 354. (¬5) 3/ 30 (1927). (¬6) 7/ 154 (5857).

(همام) وجاء في رِواية ابن السكن عن الفَرَبْريّ (هشام) (¬1). قال ابن حجر: والذي عند الجماعة أولى. ومما يؤيد رِواية الجمهور أن أبا داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، رووه من طريق همام به (¬2). 5 - ومن الأمثلة التي كان الاختلاف بين الرُّواة ناتجًا عن التصحيف السمعي: ما جاء في «الصحيح» في كتاب اللباس باب لبس الحرير وافتراشه للرجال .. (¬3) قال: حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي ذُبْيانَ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ قال: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ». فقوله: (أبي ذيبان) بضم المعجمة ويجوز كسرها بعدها موحدة ساكنة ثم تحتانية كذا في «السلطانية» بالضبطين ووضع فوقها رمز (معًا) إشارة إلى صحة الضبطين رِواية - وأبو ذبيان هو خليفة بن كعب التميمي - ووقع في رِواية أبي محمد بن أسد التي بخطه عن أبي علي بن السكن عن الفَرَبْريّ: (أبي ظبيان) بظاء مشالة بدل الذال (¬4). قلت (الباحث): وأظنه تصحيف سمعي، وهو خطأ، وأشد منه ما جاء في رِواية أبي زيد المَرْوَزيّ عن الفَرَبْريّ: (أبي دينار) بمهملة مكسورة ¬

(¬1) ينظر: «تقييد المهمل» ص: 730، و «الفتح» 10/ 312. (¬2) أبو داود 2/ 467 (4134) كتاب اللباس، باب في الانتعال، والترمذي 4/ 242 (1772، 1773) كتاب اللباس، باب في ما جاء في نعل النبي صلى الله عليه وسلم، والنسائي 8/ 217 كتاب الزينة، باب صفة نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن ماجه 2/ 1194 (3615) كتاب اللباس باب صفة النعل، كلهم من طريق همام به. (¬3) 7/ 150 (5834). (¬4) كما في «تقييد المهمل» 2/ 728، و «فتح الباري» 10/ 289.

بعدها تحتانية ساكنة ونون ثم راء. قال الجَيّانيّ في «التقييد» بعد ما ذكر ما جاء عند الجمهور على الصواب: وقال أبو محمد الأصيلى: في كتب بعض أصحابنا: عن أبي زيد: عن أبي دينار - بالدال المهملة والراء - وكذلك للبخاري في «التاريخ». قال أبو علي: هكذا وجدته في بعض النسخ من «التاريخ» للبخاري، وكناه الناس: أبا ذبيان، هكذا لمسلم بن الحجاج، وابن الجارود، والدارقطني، وقاله ابن حنبل أيضًا (¬1) ولعل الذي في «تاريخ البُخارِيّ» تصحيف من النقلة، لأنه لم يتقيد عن البُخارِيّ بحرف المعجم. (¬2) اهـ قلت (الباحث): الذي في مطبوع «التاريخ الكبير (¬3»). أبو ذبيان - بالذال المعجمة على الصواب - فلعل ما حكاه الأصيلي عن البُخارِيّ في «التاريخ الكبير» كان في إحدى النسخ، كما ذكر بعد ذلك الجَيّانيّ. والله أعلم. 6 - مثال تصحفت فيه لفظة: (عن) إلى (بن) أو العكس وترتب على الاختلاف فيه إرسال الحديث أو وصله: ما جاء في كتاب: الحدود، باب كم التعزير والأدب: حَدَّثَنِي عَيّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنا عبد الأَعْلَى، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سالِمٍ، عَنْ عبد اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذا اشْتَرَوْا طَعامًا جِزافًا أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكانِهِمْ حَتَّى يُئْوُوهُ إِلَى رِحالِهِمْ. (¬4) ¬

(¬1) يقصد أن كل هؤلاء كنوه على وجه الصواب. ينظر: «المؤتلف والمختلف» 2/ 968. (¬2) 2/ 723، 728. (¬3) 3/ 190، باب خليفة (641) ولم يشر المحقق إلى أي خلاف في نسخه. (¬4) 8/ 174 (6852).

هكذا روي الحديث بهذا الإسناد مسندًا متصلًا عن أبي علي بن السكن وأبي زيد وأبي ذر وغيرهم (¬1). وفي نسخة أبي محمد الأصيلي، عن أبي أحمد الجُرْجانيّ، عن الفَرَبْريّ: سالم بن عبد الله بن عمر أنهم كانوا ... الخ. فتصحفت (عن) إلى (بن) وهو خطأ، فإن الحديث محفوظ على الاتصال، وكذلك رواه البُخارِيّ في مواضع أخرى من «الصحيح» كما في كتاب: البيوع، باب: ما ذكر في بيع الطعام والحكرة (¬2) من طريق الأوزاعي، عن الزهري به مرفوعًا متصلًا. وفي كتاب البيوع أيضًا، باب: من رأى إذا اشترى طعامًا جزافًا (¬3) من طريق يونس، عن الزهري به مرفوعًا متصلًا. قلت (الباحث): ففي هذا المثال تصحيف لفظي سببه البصر ونتج عنه إرسال الحديث، فالترجيح بين هذه الروايات - كما جاء عند الجمهور - يكون من خلال تكرار الحديث عند البخاري. 7 - وعكس ذلك - أي تصحيف (ابن) إلى (عن) - ما جاء في حديث أسماء، كتاب: الكسوف، باب: قول الإمام في خطبة الكسوف، أما بعد (¬4) حيث قال البُخارِيّ: وَقال أَبُو أُسامَةَ: حَدَّثَنا هِشامٌ قال: أَخْبَرَتْنِي فاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْماءَ قالتْ فانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَخَطَبَ، فَحَمِدَ اللَّهَ ¬

(¬1) كما في «تقييد المهمل» 2/ 749، وكما في السلطانية. (¬2) 3/ 68 (2131) (¬3) 3/ 68 - 69 (2137). (¬4) 2/ 39 (1061).

بِما هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قال: «أَمّا بَعْدُ». قال أبو علي الجَيّانيّ: وقع في رِواية ابن السكن في إسناد هذا الحديث وهم، وذلك أنه زاد في الإسناد رجلًا، أدخل بين هشام وفاطمة، عروة بن الزبير، والصواب: هشام عن فاطمة. اهـ (¬1). وقال ابن حجر متعقبًا الجياني: لعله كان عنده: هشام بن عروة بن الزبير، فتصحفت (ابن) فصارت (عن)، وذلك من الناسخ وإلا فابن السكن من الحفاظ الكبار. اهـ (¬2). ومن أمثلة التصحيف تصحيف (أبي) إلى (ابن) كما جاء في كتاب: الحج، باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة (¬3) من قول عروة: ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ رضي الله عنه فَأَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ. كذا جاء اللفظ عند اليونيني وهو عند جمهور الرواة هكذا، وعند أبي ذر عن الكشميهني (ابن) بدلًا من (أبي) فصارت ابن الزبير وهو خطأ. قال القاضي عياض: وهو تصحيف (¬4). 8 - ومن التصحيف في الأسماء وترتب عليه اختلاف الراوي ما جاء في تصحيف (أبو هارون) إلى (أبو هريرة) في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما من كتاب: الجنائز، باب: هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة (¬5) وفيه: (قَالَ سُفْيَانُ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 2/ 598. (¬2) «الفتح» 2/ 547. (¬3) 2/ 152 (1615). (¬4) مشارق الأنوار (¬5) 2/ 92 (1350).

قَمِيصَانِ .... الخ. كذا جاء في «اليونينية» (أبو هريرة) ورمز أنه كذا عند الأصيلي أيضًا، وفي الهامش رمز إلى أن في رواية أبي ذر الهروي مصححًا: (وقال أبو هارون) ا. هـ. وقال ابن حجر في الفتح: قوله (قال سفيان: وقال أبو هارون .. الخ) كذا وقع في رواية أبي ذر وغيرها، ووقع في كثيرٍ من الروايات (وقال أبو هريرة) وكذا في مستخرج أبي نعيم وهو تصحيف، وأبو هارون المذكور جزم المزي بأنه موسى بن أبي عيسى الحناط، بمهملة ونون المدني، وقيل هو الغنوي، واسمه: إبراهيم بن العلاء من شيوخ البصرة، وكلاهما من أتباع التابعين، فالحديث معضل، وقد أخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان، فسماه عيسى، ولفظه: حدثنا عيسى بن أبي موسى. فهذا هو المعتمد. ا. هـ (¬1). 9 - ومن أدق التصحيفات التي حدثت وترتب عليها اختلاف الراوي ما جاء في تصحيف (عمرو بن عوف) إلى (عمر وابن عوف) أي جعل الراوي اثنين. وذلك في كتاب الحرث والمزارعة، باب: من أحيا أرضًا مواتًا (¬2) فقد جاء في «اليونينية» (ويروى عُمَرَ وابنِ عوف) وفي الحاشية كتب المصححون: كذا في الأصول التي بأيدينا، وقال القسطلاني: وفي بعض النسخ المعتمدة، وهي التي في الفرع وأصله: عن عمْرِو بن عوف. وصحح هذه الكرماني ا. هـ. وقال ابن حجر في «الفتح» ووقع في بعض الروايات: (وقال عمر ¬

(¬1) «فتح الباري» 3/ 215. (¬2) 3/ 106 (2334).

وابن عوف) على أن الواو عاطفة، وعمر بضم العين، وهو تصحيف ا. هـ (¬1). وعند ابن بطال في شرحه (¬2) (ويروى عن عمر وابن عوف) بإثبات حرف العطف وجاء عند ابن الملقن في روايته التي شرح عليها على الصواب (¬3) ثم قال: وحديث عمرو حديث محفوظ كما قال الجياني ثم ساق بسنده الجياني في «تقييد المهمل» (¬4) وذكر القاضي عياض أن رواية الجمهور بفتح العين في عمرو، ورواية الأصيلي بضم العين وفتح الواو للعطف ثم قال: والأول الصواب وهو عمرو بن عوف المزني ا. هـ (¬5). وقال الجياني في «تقييد المهمل» بعد أن ساقه على الصواب بفتح العين: وقع في روايتنا عن أبي زيد وأبي أحمد: (ويُروى عن عُمرَ وابن عوف) وعند ابن السكن وأبي ذر: عن عمرو بن عوف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6). وقد ذكر القاضي عياض في المشارق نظائر كثيره (¬7) في تصحيف عمر إلى عمرو، ومن الجدير بالذكر في هذا المثال السابق أن (عمرو بن عوف) الذي صحف إلى راوٍ آخر غيره هو عمرو بن عوف المرئي جد كثير بن عبد الله، وليس لعمرو بن عوف هذا في البخاري غير هذا الموضع مما يعطي أهمية كبيرة لتصويب هذا الموضع حيث جهل بذلك من رواة ¬

(¬1) «فتح الباري» 5/ 19. (¬2) 6/ 473. (¬3) «التوضيح» 15/ 270 - 271. (¬4) 2/ 621 - 622. (¬5) «مشارق الأنوار» 2/ 114. (¬6) 2/ 621 - 622. (¬7) 2/ 113 - 115.

الصحيح. وهو غير عمرو بن عوف الأنصاري البدري (¬1). 10 - ومن أنواع التصحيف في المتن ما جاء في تصحيف كلمة (الرجال) إلى (الدجال)، وذلك في كتاب فضائل المدينة، باب: المدينة تنفي الخبث (¬2). فقد جاءت على الصواب في «اليونينية» «إِنَّهَا تَنْفِي الرِّجَالَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» أي بالراء المهملة. وفي الحاشية: رمز أنها لأبي ذر عن الكشميهني (الدجال) أي بالدال. وقال ابن حجر: وللكشمينهي (الدجال) بالدال وتشديد الجيم، وهو تصحيف (¬3). 11 - ومن التصحيفات في المتن أيضًا ما جاء في تصحيف كلمة (منبرى) إلى (قبرى) وذلك فيما جاء في كتاب: فضائل المدينة، بابٌ بعد باب كراهية النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعرى المدينة (¬4) في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي» كذا في «اليونينية» وفي الحاشية على كلمة (منبري): وقبري ورمز لثبوتها هكذا عند ابن عساكر ثم قال المصححون: هذكا بزيادة الواو في وقبري والتخريجة بعد ومنبري في «اليونينية» وعابرة «الفتح» و «القصطلاني» وفي رواية ابن عساكر: (قبري) بدل (بيتي) ا. هـ. ¬

(¬1) ينظر «فتح الباري» 5/ 19. (¬2) 3/ 22 - 23 (1884). (¬3) «فتح الباري» 4/ 97. (¬4) 3/ 23 (1888)

وقال ابن حجر: (ما بين بيتي ومنبري) كذا للأكثر، ووقع في رواية ابن عساكر وحده: (قبري) بدل: (بيتي) وهو خطأ ا. هـ (¬1). 12 - ومن التصحيفات التي فصلت فيها الكلمة الواحدة إلى كلمتين ما جاء في كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة .. (¬2) قال: وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرِ بْنَ أَسِيدٍ الثَّقَفِيَّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ ? مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا فِي الْمُدَّةِ .. إلخ. كذا في جاءت كلمة (مؤمنًا) في «اليونينية» وفي الحاشية: رمز أن الرواية عند أبي ذر الهروي عن شيخيه الحموبي والمستملي (مِنْ منِى) كذا وهو تصحيف كما قال ابن حجر في الفتح (¬3). 13 - ومن التصحيفات التي جاءت في حذف حرف ترتب عليه نسبة قول خطأ إلى أحد الرواة ما جاء في تصحيف (وقاله عمرو) إلى (قال عمرو). وذلك في أول كتاب المكاتب (¬4) ولفظه كما في «اليونينة»: وَقَالَ رَوْحٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالاً أَنْ أُكَاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ إِلاَّ وَاجِبًا. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَتَاثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لاَ ... إلخ. وقال ابن حجر في «الفتح» بعد أن ساق اللفظ كما عند اليونيني: هكذا وقع في جميع النسخ التي وقعت لنا عن الفربري، وهو ظاهر في هذا ¬

(¬1) «فتح الباري» 4/ 100. (¬2) 3/ 198 (2733). (¬3) «فتح الباري» 5/ 351. (¬4) قبل حديث (2560) 3/ 151 هامش (7)

ثانيا: ومن الأسباب التي تؤدى إلى الاختلافات: بعض الأسباب التي تؤدي إلى وقوع الإدراج

الأثر من رواية عمرو بن دينار عن عطاء .. ينقل من الفتح حتى قوله: (أي القول المذكور) (¬1). ثانيًا: ومن الأسباب التي تؤدى إلى الاختلافات: بعض الأسباب التي تؤدي إلى وقوع الإدراج المُدْرَجُ لغة - بضم الميم وفتح الراء -: اسم مفعول من (أدرج)، تقول: أدرجت الكتاب إذا طويته، وتقول: أدرجت الميت في القبر إذا أدخلته فِيْهِ، وتقول: أدرجت الشيء في الشيء إذا أدخلته فِيْهِ وضمنته إيّاه (¬2). قال ابن فارس: الدال والراء والجيم أصل واحد يدل عَلَى مُضِيِ الشيء والمُضِيِّ في الشيء (¬3). وأدَرَجَ الكتيب في الكِتاب: جعله في درجه - أي - في طيه وثنيه، ومنه: الدَّرَجة وَهِيَ المرقاة؛ لأنها توصل إلى الدخول في الشيء حسيًا أو معنويًا، فهي من باب تسمية السبب بنتيجته. وفي اصطلاح الْمُحَدِّثِيْنَ: هُوَ ما كانت فِيْهِ زيادة ليست مِنْهُ. أو هُوَ الْحَدِيْث الَّذِيْ يعرف أن في سنده أو متنه زيادة ليست مِنْهُ، وإنما من أحد الرُّواة من غَيْر توضيح لهذه الزيادة (¬4). ¬

(¬1) «فتح الباري» 5/ 186. (¬2) ينظر: «الصحاح» 1/ 313، و «أساس البلاغة»: 185، و «تاج العروس» 5/ 555 (درج). (¬3) ينظر: «مقاييس اللغة» 2/ 275. (¬4) وينظر: في المدرج: «مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث» ص: 199 - 201، و «نزهة النظر» ص: 66 - 67، «والتبصرة والتذكرة» 1/ 246 - 260، و «فتح الباقي» 207 - 214، «الباعث الحثيث» ص: 61 - 64 وغير ذلك.

العلاقة بَيْنَ المعنى اللغوي والاصطلاحي: معنى الفعل الثلاثي المجرد (دَرَجَ) يدور عَلَى أمرين: - طيّ الشيء. - إدخال الشيء في الشيء. وكأنَّ المُدْرِج طوى البيان، فَلَمْ يوضّح تفصيل الأمر في الْحَدِيْث. أو كأنه أدخل الْحَدِيْث في الْحَدِيْث، فالاستعمال الاصطلاحي باقٍ عَلَى الوضع اللغوي الأول، وَلَمْ يخرج إلى المجاز. والمدرج نوعان: النوع الأول: الإدراج في الْمَتْن. النوع الثاني: الإدراج في السند. أسباب وقوع الإدراج: إن الباعث للراوي عَلَى الإدراج يختلف من شخص لآخر، ومن حَدِيْث إلى حَدِيْث، ما بَيْنَ بيان لتفسير كلمة، أَوْ استنباط لحكم، أَوْ قلة ضبط. ومن أهم هذه الأسباب: 1 - أن يريد الرّاوِي تفسير بعض الألفاظ الغريبة الواردة في متن الْحَدِيْث، فيحملها عَنْهُ بعض الرُّواة من غَيْر تفصيل لتفسير تِلْكَ الألفاظ. 2 - اختصار الْحَدِيْث والرِّواية بالمعنى. 3 - الخطأ الناشئ عن عدم ضبط الرّاوِي لمروياته. قلت (الباحث): كذا ذكر العلماء تعريف الإدراج وأنواعه وأسبابه وكل

ما سبق يمكن ذكره في النسخ ورِواية المصنفات. فالإدراج في المتن أن يدرج الرواي في نسخته ما في الحاشية ظنًا منه أنه من الأصل وقد يكون زيادة بيان. ويكون الإدراج في السند كما يكون في المتن فيترتب عليه اختلاف الراوي أو المعني، ومنه ما يكون زيادة توضيحية، كتميز مهمل أو نسبة أحد الرُّواة. مثال على الإدراج في المتن: ما جاء في كتاب: الصلاة، باب إِثْمِ الْمارِّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّي. (¬1) حَدَّثَنا عبد اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قال: أَخْبَرَنا مالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ - مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عبيداللَّهِ - عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ خالِدٍ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ ماذا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْمارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي؟ فَقال أَبُو جُهَيْمٍ: قال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَوْ يَعْلَمُ الْمارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي ماذا عَلَيْهِ لَكانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ، خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ». قال أَبُو النَّضْرِ: لاَ أَدْرِي أَقال: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً؟ كذا جاء الحديث عند اليُونِينِيّ: (لَوْ يَعْلَمُ الْمارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي ماذا عَلَيْهِ) وذكر في الحاشية على كلمة (عليه) ما نصه: (من الإثم) ثم وضع عليها اليُونِينِيّ علامة (لا خـ) ومعناها: عدم ثبوتها في أي نسخة. قال القَسْطَلّانِيّ في «الإرشاد» (¬2): هي ثابتة في «اليُونِينيّة» من غير عزو. اهـ ورجح ابن رجب الحنبلي في «فتح الباري» أنها مدرجة من بعض ¬

(¬1) 1/ 108 (510). (¬2) 1/ 266.

الرُّواة (¬1). وقال ابن الملقن - بعد أن ساق الحديث بدون هذه الزيادة في روايته - في «شرحه»: وقوله: (ماذا عليه من الإثم) هو هكذا ثابت في بعض روايات أبي ذر عن أبي الهيثم، وعليه مشى شيخنا علاء الدين في «شرحه»، وأما شيخنا قطب الدين فقال في «شرحه»: قوله: (ماذا عليه) يعني: من الإثم. (¬2) اهـ. أما ابن حجر في «الفتح» (¬3) فقال: قوله: (ماذا عليه) زاد الكُشْمِيهَني: (من الإثم) وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات عند غيره، والحديث في «الموطأ» بدونها وقال ابن عبد البر (¬4): لم يختلف على مالك في شيء منه وكذا رواه باقي الستة وأصحاب المسانيد والمستخرجات بدونها، ولم أرها في شيء من الروايات مطلقا، لكن في «مصنف ابن أبي شيبة»: يعني من الإثم، فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل البُخارِيّ حاشيةً فظنها الكُشْمِيهَني أصلًا؛ لأنه لم يكن من أهل العلم ولا من الحفاظ بل كان راوية. وقد عزاها المحب الطبري في «الأحكام» للبُخارِيّ وأطلق، فعيب ذلك عليه وعلى صاحب «العمدة» في إيهامه أنها في الصحيحين (¬5). ¬

(¬1) 4/ 89. (¬2) «التوضيح» 6/ 66. (¬3) 1/ 585. (¬4) «التمهيد» 21/ 146. (¬5) ينظر: «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» 4/ 204 حيث نقله كما ذكر ابن حجر عن «العمدة» وتعقبه وقال إنها للبخاري في بعض روايات أبي ذر عن أبي الهيثم، ورواها عبد القادر الرهاوي في «أربعين» أيضًا.

وأنكر ابن الصلاح في «مشكل الوسيط» على من أثبتها في الخبر فقال: لفظ الإثم ليس في الحديث صريحًا (¬1). ولما ذكره النووي في «شرح المهذب» بدونها قال: وفي رِواية رويناها في «الأربعين» لعبد القادر الرهاوي (¬2): ماذا عليه من الإثم (¬3). ا. هـ من «الفتح». قلت: ورِواية ابن أبي شيبة التي أشار إليها ابن حجر هي في «المصنف»، كتاب الصلاة، باب من كان يكره أن يمر الرجل بين يدي الرجل وهو يصلي (¬4) قال: نا وكيع ابن الجراح، عن سفيان، عن سالم أبي النضر، عن (بشر بن سعيد، عن عبد الله بن جهم) (¬5) مرفوعًا: «لو يعلم أحدكم ما له في الممر بين يدي أخيه وهو يصلي من الإثم لوقف أربعين». كذا في المطبوع وهو يختلف في سياقه عن الذي ذكره ابن حجر إلا أن فيه: «من الإثم»، ولعل ما ذكره ابن حجر في موضع آخر لم أقف عليه، ¬

(¬1) وينظر: أيضًا: «الإعلام» 4/ 205 وذكر أن من أثبتها هو العجلي. (¬2) تحرفت في المطبوع إلى الهروي. (¬3) «المجموع» 3/ 219 - 220 وينظر: أيضًا: «التلخيص الحبير» 1/ 286 كتاب الصلاة باب شروط الصلاة (461)، و «الخلاصة» للنووي 11/ 521 - 522 (1749، 1750). (¬4) 1/ 253 (2910). (¬5) كذا في المطبوع من «المصنف»، والصواب: (بسر بن سعيد عن عبد الله بن جهيم). ينظر «الاستيعاب» 4/ 190 ترجمة أبي جهيم الأنصاري عبد الله بن جهيم، و «أسد الغابة» 6/ 59 - 60، و «الإصابة» 4/ 36، «تهذيب» 4/ 72 - 73 ترجمة بسر بن سعيد.

والله أعلم. ومن العجيب أن يذهل ابن حجر عن عدم وجود هذه اللفظة في «الصحيح» كما ذكر ابن حجر نفسه، ويذكر هذه اللفظة في الحديث ويعزوها للبخاري في كتاب «بلوغ المرام» في باب سترة المصلي (¬1). والخلاصة: أن لفظة: (من الإثم) ليست ثابتة في «الصحيح» ولا في روايات الحديث - كما هو واضح من التخريج - وإنما هي مدرجة عند من ذكرها. ومفهوم هذه اللفظة يفهم من سياق الحديث، ولذلك ترجم البُخارِيّ له: باب: إثم المار بين يدي المصلي. والله أعلم. من الأمثلة التي يمكن أن تكون تحت المدرج ويترتب عليها زيادة المتن أو نقصانه: ما جاء في الحديث الذي رواه البُخارِيّ في كتاب الصلاة، باب التعاون في بناء المسجد .. قال: حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ قال: حَدَّثَنا عبد العَزِيزِ بْنُ مُخْتارٍ قال: حَدَّثَنا خالِدٌ الْحَذّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: قال لِي ابْنُ عَبّاسٍ وَلاِبْنِهِ عَلِيٍّ: انْطَلِقا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فاسْمَعا مِنْ حَدِيثِهِ. فانْطَلَقْنا فإذا هُوَ فِي حائِطٍ يُصْلِحُهُ، فأخَذَ رِداءَهُ فاحْتَبَى ثُمَّ أَنْشا يُحَدِّثَنا حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِناءِ الْمَسْجِدِ، فَقال: كُنّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَرآهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَنْفُضُ التُّرابَ عَنْهُ وَيَقُولُ: «وَيْحَ عَمّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْباغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النّارِ». قال: يَقُولُ عَمّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ (¬2). ¬

(¬1) ص: 59 - 60 (242). (¬2) 1/ 97 (447).

كذا جاء سياق المتن عند اليُونِينِيّ كما في «السلطانية» ورمز لسقوط جملة: (تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْباغِيَةُ) من عند أبي ذر الهَرَويّ والأصيلي. وكذا جاءت هذه الزيادة عند البُخارِيّ في الموضع الآخر في «الصحيح» كتاب الجهاد، باب مسح الغبار عن الناس في السبيل (¬1) قال: حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنا عبد الوَهّابِ، حَدَّثَنا خالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبّاسٍ قال لَهُ وَلِعَلِيِّ بْنِ عبد اللَّهِ: ائْتِيا أَبا سَعِيدٍ فاسْمَعا مِنْ حَدِيثِهِ. فأتَيْناهُ وَهُوَ وأخُوهُ فِي حائِطٍ لَهُما يَسْقِيانِهِ، فَلَمّا رآنا جاءَ فاحْتَبَى وَجَلَسَ فَقال: كُنّا نَنْقُلُ لَبِنَ الْمَسْجِدِ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَكانَ عَمّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَمَسَحَ عَنْ رأسِهِ الْغُبارَ وَقال: «وَيْحَ عَمّارٍ، تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْباغِيَةُ، عَمّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النّارِ». ورمز اليُونِينِيّ لسقوط جمِلة: «تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْباغِيَةُ، عَمّارٌ» من عند أبي ذر الهَرَويّ فقط. وقال الحميدي محمد بن فتوح بعد أن ذكر الحديث من رواية خالد الحذاء بدون هذه الزيادة في كلا الموضعين عند البخاري: في هذا الحديث زيادة مشهورة لم يذكرها البخاري أصلًا في طريقي هذا الحديث، ولعلها لم تقع إليه فيهما، أو وقعت فحذفها لغرض قصده في ذلك. وأخرجها أبو بكر البرقاني وأبو بكر الإسماعيلي قبله، وفي هذا الحديث عندهما: «وَيْحَ عَمّارٍ، تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْباغِيَةُ، عَمّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النّارِ». قال أبو مسعود الدمشقي من كتابه: لم يذكر البخاري هذه الزيادة، وهي في حديث عبد العزيز بن المختار، وخالد بن عبد الله الواسطي، ويزيد ¬

(¬1) 4/ 21 (2812).

بن زريع، ومحبوب ابن الحسن، وشعبة، كلهم عن خالد الحذاء. ورواه إسحاق بن عبد الوهاب هكذا. وأما حديث عبد الوهاب الذي أخرجه البخاري دون هذه الزيادة فلم يقع إلينا من غير حديث البخاري. هذا آخر معنى ما قاله أبو مسعود. (¬1) وأخرجه البيهقي في «الدلائل» من رواية أبي كامل الجحدري، عن عبد العزيز بن المختار، عن خالد الحذاء به، وفيه جملة: «تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْباغِيَةُ» ثم قال: ورواه البخاري في «الصحيح»، عن مسدد، عن عبد العزيز، إلا أنه لم يذكر قوله: «تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْباغِيَةُ». (¬2) ثم رواه من طريق ابن أبي سمينة، عن عبد الوهاب الثقفي به بالزيادة السابقة، ثم قال: أخرجه البخاري عن إبراهيم بن موسى عن عبد الوهاب دون هذه اللفظة، وكأنه إنما تركها لمخالفة أبي نضرة عن أبي سعيد عكرمةَ في ذلك. (¬3) وذكر الحديثَ القاضي عياض في «المشارق» (¬4) وذكر أن في «الصحيح» بدون الزيادة، وعند ابن السكن بها. ولما ذكر المزي الحديث في «تحفة الأشراف» ذكره بدون هذه الزيادة في كلا الموضعين عند البُخارِيّ ثم قال في آخره وليس فيه: «تقتل عمارًا ¬

(¬1) «الجمع بين الصحيحين» 2/ 462 (1794) ونقله أيضا عن الحميدي ابن الأثير في «جامع الأصول» 9/ 45. (¬2) 2/ 546 (¬3) 2/ 547 - 548. (¬4) 2/ 382 طبعة المكتبة العتيقة.

الفئة الباغية» (¬1). وهذه الزيادة ثابتة في الطرق الأخرى للحديث؛ فقد أخرج الحديث الإمام أحمد في «المسند» (¬2) وابن حبان في «صحيحه» كتاب إخباره - صلى الله عليه وسلم - عن مناقب الصحابة .. (¬3)، والبيهقي في «الدلائل» باب ما أخبر عنه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - (¬4) من طرق عن خالد الحذاء عن عكرمة به مثل إسناد البُخارِيّ بزيادة جملة: «تقتله الفئة الباغية» وقال البيهقي عقبه: رواه البُخارِيّ إلا أنه لم يذكر قوله: «تقتله الفئة الباغية». وروي من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة، عن خالد الحذاء به دون أن يذكر ابن عباس. رواه أحمد (¬5) والنسائي في «الكبرى» كتاب الخصائص باب ذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عمار تقتله الفئة الباغية». وروي من طريق آخر عن أبي سعيد الخدري وقال فيه: فحدثني أصحابي. رواه الطيالسي في «المسند» (¬6)، وابن سعد في «طبقاته» (¬7)، وأحمد (¬8)، والبزار في «مسنده»، كما في «كشف الأستار» كتاب علامات النبوة، باب ¬

(¬1) 3/ 427 (4248). (¬2) 3/ 90 - 91 (11861). (¬3) 15/ 554 - 555 (7079). (¬4) 2/ 546 - 547. (¬5) 3/ 22 (11166). (¬6) 1/ 517 - 518 (637). (¬7) 3/ 252. (¬8) 3/ 5 (11011).

مناقب عمار بن ياسر (¬1)، والبيهقي في «الدلائل» (¬2). كلهم من طرق عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: فحدثني أصحابي، وعند أحمد والبزار زيادةُ: ولم أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقد تبين أن أبا سعيد رواه عن صحابي آخر أخبر عنه أبو سعيد فيما جاء عند مسلم وغيره أنه أبو قتادة، وهو عند مسلم في «صحيحه» في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل (¬3)، وابن سعد (¬4) وأحمد (¬5) والنسائي في «الكبرى» (¬6)، وابن أبى عاصم في «الآحاد والمثاني» (¬7)، والبيهقي في «السنن» كتاب قتال أهل البغي، باب الخلاف في قتال أهل البغي (¬8) وفي «الدلائل» الموضع السابق (¬9). جميعهم من طرق عن شعبة عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري قال: أخبرني من هو خير مني، أبو قتادة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعمار بن ياسر: «بؤسًا لك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية». والحديث روي عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم كما ذكر ابن حجر في «الفتح». ¬

(¬1) 3/ 252 (2687). ولم أقف عليه في المطبوع من «البحر الزخار». (¬2) 2/ 548 - 549. (¬3) (2915). (¬4) 3/ 252 - 253. (¬5) 5/ 306 - 307 (22610). (¬6) الموضع السابق (8548). (¬7) 3/ 436 (1870). (¬8) 8/ 189 (16789). (¬9) 2/ 548.

أما شراح الحديث عند البُخارِيّ فقد شرح كل منهم الحديث، ووجه الزيادة على مقتضى روايته لـ (الصحيح»، وأول من تعرض لهذه الزيادة من الشراح - فيما أعلم - هو المهلب بن أبي صفرة (435) في كتابه «النصيح» فقد نقل ابن بطال في شرحه عنه أنه قال في قوله: «يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار»، قال: إنما يصح ذلك في الخوارج الذين بعث إليهم علي عمارًا ليدعوهم إلى الجماعة، وليس يصح في أحد من الصحابة .. إلخ. (¬1) اهـ. وعلق على ذلك ابن حجر في «الفتح» بعد أن نقل قول ابن بطال والمهلب: وتابعه على هذا الكلام جماعة من الشراح، وفيه نظر من أوجه: أحدها: أن الخوارج إنما خرجوا على علي بعد قتل عمار، بلا خلاف بين أهل العلم بذلك، فإن ابتداء أمر الخوارج كان عقب التحكيم، وكان التحكيم عقب انتهاء القتال بصفين، وكان قتل عمار قبل ذلك قطعًا، فكيف يبعثه إليهم بعد موته؟! ثانيها: أن الذين بعث إليهم علي عمارًا إنما هم أهل الكوفة، بعثه يستنفرهم على قتال عائشة ومن معها قبل وقعة الجمل، وكان فيهم من الصحابة جماعة كمن كان مع معاوية وأفضل، وسيأتي التصريح بذلك عند المصنف في كتاب الفتن، فما فر منه المهلب وقع في مثله مع زيادة إطلاق عليهم تسمية الخوارج وحاشاهم من ذلك. ثالثها: أنه شرح على ظاهر ما وقع في هذه الرِّواية الناقصة، ويمكن حمله على أن المراد بالذين يدعونه إلى النار كفار قريش، كما صرح بذلك ¬

(¬1) 2/ 98.

بعض الشراح. (¬1) اهـ. فقول ابن حجر على ظاهر ما وقع في هذه الرِّواية الناقصة، يقصد روايته وهي رِواية أبي ذر التي شرح ابن حجر عليها، وكذا رِواية الأصيلي عن أبي زيد المَرْوَزيّ والتي شرح عليهما المهلب بن أبي صفرة وابن بطال كما هو معروف عن المغاربة (¬2) في طرق رِوايتهم لـ «الصحيح». ولذلك نجد هذه الزيادة غير موجودة في متن ابن بطال كما في «شرحه» (¬3) وعلى عدم ذكرها شرح الحديث. كما أنها ليست عند ابن رجب الحنبلي كما في «فتح الباري» وقد التزم ذكر نص روايته. (¬4) ينظر كلامه على هذه الزيادة (¬5). وأما ابن الملقن في «شرحه» والذي اعتمد على رِواية أبي الوَقْت عن الدّاوُدِيّ عن الحَمُّوييّ، عن الفَرَبْريّ فقد أثبت هذه الزيادة وعليها شرح، وهو بذلك يوافق ما جاء في «اليُونِينيّة». وكذا الكرماني في «شرحه»، وكذا ابن الأثير في «جامع الأصول». وصنيع بدر العيني يشعر بأن هذه الزيادة عنده حيث شرح لفظة: (الفئة الباغية)، لكنه يرد جواب من يجعل الضمير في قوله (يدعوهم) راجعًا إلى كفار مكة. بقوله: وهذا أيضًا لا يصح؛ لأنه وقع في رواية ابن السكن ¬

(¬1) «فتح الباري» 1/ 542. (¬2) لم يذكر ابن بطال في أول «شرحه» سنده ولا روايته التي اعتمد عليها في «شرحه» ولكن أشار ابن حجر في «الفتح» في بعض المواضع إلى اعتماده على رواية الأصيلي، وانظر «شرح ابن بطال» في الباب الثالث. (¬3) 2/ 98. (¬4) 3/ 299 و 3/ 311. (¬5) 3/ 305 - 313.

وكريمة وغيرهما، زيادة توضيح بأن الضمير يعود على قتلة عمار، وهم أهل الشام (¬1). فهذا يدل على أن ما جاء عند ابن السكن زيادة توضيحية على ما جاء في روايته. أما ابن حجر فلم يذكر هذه الجملة؛ لأن روايته عن أبي ذر لكنه استدرك على رِواية أبي ذر قائلا: لكن وقع في رِواية ابن السكن وكريمة وغيرهما وكذا ثبت في نسخة الصغاني التي ذكر أنه قابلها على نسخة الفَرَبْريّ التي بخطه زيادة توضح المراد وتفصح بأن الضمير يعود على قتلته وهم أهل الشام، ولفظه: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم ..» الحديث. (¬2) اهـ. وقال القَسْطَلّانِيّ: لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم؛ لأنهم كانوا مجتهدين ظانين أنهم يدعونه إلى الجنة، وإن كان في نفس الأمر بخلاف ذلك، فلا لوم عليهم في اتباع ظنونهم فإن المجتهد إذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر اهـ. والقَسْطَلّانِيّ في «إرشاد الساري» قد صرح أنها ليست عنده في توجيه الضمير في قوله (يدعوهم) حيث قال: وهم غير مذكورين صريحًا لكن وقع في رِواية ابن السكن .. إلخ. اهـ (¬3). وزكريا الأنصاري في «المنحة» (¬4) قال: «تقتله الفئة الباغية» ساقط من ¬

(¬1) «عمدة القاري» 4/ 24 (¬2) 1/ 542. (¬3) 1/ 225. (¬4) 2/ 156.

نسخة ا. هـ مما يعني ثبوتها عنده، وقد رجعت إلى نسخة المخطوط وهي نسخة أبي زرعة العراقي وهي رواية أبي ذر ومقابلة على رواية كريمة فوجدتها مثبتة. أما ابن الأثير في «جامع الأصول» فقد ساق الحديث من غير هذه الزيادة وعزاه للبخاري في «صحيحه» ثم قال بعد أن نقل كلام الحميدي السابق: قلت أنا: والذي قرأته في «كتاب البخاري» - من طريق أبي الوقت عبد الأول السِّجْزي - رحمه الله - من النسخة التي قرئت عليه، عليها خَطُّه: أمَّا في متن الكتاب، فبحذف الزيادة، وقد كتب في الهامش هذه الزيادة، وصحح عليها وجعلها في جملة الحديث، وأنها من رواية أبي الوقت هكذا، بإضافتها إلى الحديث، وذلك في موضعين من الكتاب: أولهما: في باب: التعاون في بناء المسجد، من كتاب الصلاة. والثاني: فى باب: مسح الغبار عن الناس في السبيل، في كتاب: الجهاد. وما عدا هذه النسخة، فلم أجد الزيادة فيها، كما قاله الحميدي ومن قبله، والله أعلم (¬1). وقد تكلم ابن حجر على هذه الزيادة بما يدل على عدم ثبوت هذه الجملة، فقال في «الفتح»: واعلم أن هذه الزيادة لم يذكرها الحميدي في «الجمع»، وقال: إن البُخارِيّ لم يذكرها أصلًا، وكذا قال أبو مسعود. قال الحميدي: ولعلها لم تقع للبخاري، أو وقعت فحذفها عمدًا، قال: وأخرجها الإسماعيلي والبرقاني في هذا الحديث. قلت (والكلام لابن حجر): ويظهر لي أن البُخارِيّ حذفها عمدًا، ¬

(¬1) 9/ 45 (6583).

وذلك لنكتة خفية، وهي أن أبا سعيد الخدري اعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدل على أنها في هذه الرِّواية مدرجة، والرِّواية التي بينت ذلك ليست على شرط البُخارِيّ، وقد أخرجها البزار من طريق داود بن أبي هند، عن أبى نضرة، عن أبي سعيد .. فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة، وفيه: فقال أبو سعيد: فحدثني أصحابي، ولم أسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية» (¬1). ا. هـ وابن سمية: هو عمار وسمية أمه، وهذا الإسناد على شرط مسلم، وقد عين أبو سعيد من حدثه بذلك، ففي مسلم والنسائي من طريق أبي سلمة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: وحدثني من هو خير مني أبو قتادة .. فذكره فاقتصر البُخارِيّ على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيره. وهذا دال على دقة فهمه، وتبحره في الاطلاع على علل الأحاديث. (¬2) اهـ. ونخلص مما سبق في جملة «تقتله الفئة الباغية» إلى: أن الصواب - فيما أرى - عدم ثبوتها في رِواية أبي سعيد الخدري عند البخاري، كما جاء في نسخة أبي ذر عن شيوخه الثلاثة، ورِواية الأصيلي، ولذلك جُلُّ الشراح على عدم ثبوتها، وكما جاء أيضًا في كتب الأطراف والمستخرجات كما سبق بيانه، وكما وجهه ابن حجر وانتهى إلى إدراجها ممن ثبتت عندهم من رواة «الصحيح»، وأن البُخارِيّ حذفها عمدًا، لعدم ثبوتها عنده من رِواية أبي سعيد. ومن أثبت هذه الجملة إنما ذكرها لثبوتها؛ فكثير من الطرق للحديث عند غير البخاري كما سبق حكايته عن ابن الأثير في رواية أبي الوقت. ¬

(¬1) سبق تخريجها قريبًا. (¬2) «فتح الباري» 1/ 542.

ثالثا: ومن أسباب الاختلافات: اختلاف العلماء في حكم تغيير جمل الثناء على الله عز وجل أو الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الترضي والترحم على العلماء

وهذه الزيادة ثابتة من طرق أخرى كثيرة عن جمع من الصحابة، فهي ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. والله أعلم. والأولى القول بثبوتها ولا يلزم من تسمية أصحاب معاوية رضي الله عنه بغاة تكفيرهم فإنهم مجتهدون، وليس كل مجتهد مصيبًا، وقد جاء في القرآن ما يشير إلى ذلك. قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}. ويكون معنى العبارة أنهم كانوا مجتهدين يظنون أنهم يدعونه إلى الجنة حسب اجتهادهم وحسب اجتهاد عمار يدعونه إلى النار. ثالثًا: ومن أسباب الاختلافات: اختلاف العلماء في حكم تغيير جمل الثناء على الله عز وجل أو الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الترضي والترحم على العلماء فمن يري جواز التغيير لا يتقيد بالرِّواية في ذلك، فيقول - مثلًا - (قال الله عز وجل) بدلًا من (قال الله تعالى) أو العكس. وانظر في تفصيل هذه المسألة ما جاء عن ابن الصلاح وسبق ذكره في التمهيد في المحور الثاني. ويدخل تحت هذا السبب جملة كثيرة من الاختلافات الواقعة في نسخ «الصحيح»، والأمثلة عليها كثيرة تظهر مع أدنى تأمل في حواشي الطبعة السلطانية. رابعًا: اختلاف العلماء في حكم جواز إصلاح الخطأ وتقويم اللحن فقد اختلفوا إذا وقع في رِواية الراوي لحن أو تحريف: فمنهم من كان يرى أنه يرويه على الخطأ كما سمعه. فروى الرامهرمزي، والخطيب، وابن عبد البر، والقاضي عِياض، عن

أبي معمر عبد الله بن سخبرة قال: إني لأسمع الحديث لحنًا، فألحن اتباعًا لما سمعت (¬1). وروي مثله عن نافع مولى ابن عمر، فروى الخطيب، وابن عبد البر عن إسماعيل ابن أمية قال: كنا نرد نافعًا عن اللحن فيأبى، يقول: إلا الذي سمعته (¬2). ومثله عن محمد بن سيرين، فروى الخطيب عن ابن عون عن ابن سيرين أنه كان يلحن في الحديث (¬3). وروى الخطيب أيضًا عن أشعث قال: كنت أحفظ عن الحسن وابن سيرين والشعبي، فأما الحسن والشعبي فكانا يأتيان بالمعنى، وأما ابن سيرين فكان يحاكي صاحبه حتى يلحن كما يلحن (¬4). ومنهم من كان يلحن اتباعًا لمن سمع منه الرِّواية، فروى الخطيب عن عفان قال: كان يزيد بن إبراهيم التستري إذا حدث عن الحسن لم يلحن، وإذا حدث عن محمد لحن (¬5). قلت: محمد هو ابن سيرين وهو ممن كان يرى رِواية الحديث على لحنه، كما قدمت عنه. ومثل هذا إنما هو من النوع الأول الذي كان يرى أن يروي الحديث ¬

(¬1) «المحدث الفاصل» ص: 540 (707)، «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» 2/ 21 (1053)، «الكفاية» ص: 285، «جامع بيان العلم وفضله» 1/ 352 (478)، «الِإلمَاع» ص: 160. (¬2) «الجامع لأخلاق الراوي» 2/ 22 (1055)، «جامع بيان العلم» 1/ 351 (477). (¬3) «الجامع لأخلاق الراوي» 2/ 22 (1056) (¬4) «الكفاية» ص: 285. (¬5) «الجامع» 2/ 22 (1058)

على الخطأ كما سمعه. وأما المذهب الثاني: من يرى تغييره وإصلاحه وروايته على الصواب، فروى الرامهرمزي، وابن عبد البر، والقاضي عِياض عن الشعبي قال: لا بأس أن يُقوَّم اللحن في الحديث (¬1). ومثله عن الأوزاعي، فروى الرامهرمزي، والخطيب، وابن عبد البر، والقاضي عِياض من طرق عنه قال: أعربوا الحديث؛ فإن القوم كانوا عربًا، وفي آخر: لا بأس بإصلاح اللحن في الحديث (¬2). وروى الرامهرمزي والخطيب - مختصرًا - عن عمر بن شبة قال: قال لي عفان: قال لنا همام: ما سمعتم من حديث قتادة فأعربوه؛ فإن قتادة كان لا يلحن. ثم قال لنا عفان: قال لنا حماد بن سلمة: من لحن في حديثي فليس يحدث عني (¬3). وروى الرامهرمزي، والخطيب أيضًا عن الحسن بن علي الحلواني قال: ما وجدتم في كتابي عن عفان لحنًا فعرّبوه؛ فإن عفان كان لا يلحن. وقال لنا عفان: ما وجدتم في كتابي عن حماد بن سلمة لحنًا فعرّبوه؛ فإن حمادًا كان لا يلحن، وقال حماد: ما وجدتم في كتابي عن قتادة لحنًا فعرّبوه؛ فإن قتادة كان لا يلحن (¬4). ¬

(¬1) ينظر: «المحدث الفاضل» ص: 524 (662)، «جامع بيان العلم» 1/ 339 (453)، «الِإلمَاع» ص: 160. (¬2) ينظر: «المحدث الفاصل» ص: 524 (663)، «الجامع لأخلاق الراوي» 2/ 23 (1060 - 1061)، «الكفاية» ص: 296، «جامع البيان» 1/ 339 - 340 (454 - 455، 457)، «الِإلمَاع» ص: 160 (¬3) ينظر: «المحدث الفاصل» (664)، «الكفاية» ص: 296 - 297. (¬4) ينظر: «المحدث الفاصل» (665)، «الكفاية» ص: 297.

ورواه الخطيب عن الحسن بن علي بلفظ آخر قال: ثنا عفان قال: قال لنا همام: إذا حدثتكم عن قتادة فكان في حديثه لحن فقوموه؛ فإنه كان لا يلحن (¬1). وروى أيضًا عن حماد بن زيد قال: من لحن في حديثي فليس يحدث عني (¬2). وروى الرامهرمزي عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال: إذا سمعت الحديث فيه اللحن والخطأ فلا تحدث إلا بالصواب؛ إنهم لم يكونوا يلحنون (¬3). وروى الخطيب عن علي بن الحسن بن شقيق قال: قلت لعبد الله - يعني: ابن المبارك الرجل يسمع الحديث فيه اللحن، يقيمه؟ قال: نعم، كان القوم لا يلحنون (¬4). وروي مذهب الإصلاح هذا وتصويب اللحن عن يحيى بن معين وأحمد بن صالح وأحمد بن حنبل والحسن بن محمد الزعفراني (¬5). والصواب في هذا الباب: ما قاله أصحاب المذهب الثاني، وهو تغيير اللحن وإصلاحه وروايته على الصواب. قال الخطيب: والذي نذهب إليه: رِواية الحديث على الصواب، وترك اللحن فيه، وإن كان قد سُمع ملحونًا؛ لأن من اللحن ما يحيل الأحكام، ¬

(¬1) ينظر: «الكفاية» ص: 297. (¬2) ينظر: «الكفاية» ص: 297. (¬3) ينظر: «المحدث الفاصل» 668. (¬4) ينظر: «الكفاية» ص: 297. (¬5) ينظر: الروايات عنهم في «المحدث الفاصل» 669 - 670، و «الكفاية» ص: 298.

ويصير الحرام حلالًا والحلال حرامًا، فلا يلزم اتباع السماع فيما هذه سبيله، والذي ذهبنا إليه قول المحصلين والعلماء من المحدثين (¬1). وقال أيضًا: إذا كان اللحن يحيل المعنى فلابد من تغييره، وكثير من الرُّواة يحرفون الكلام عن وجهه ويزيلون الخطاب عن موضعه (¬2). وصوبه ابن عبد البر، فقال: والقول في هذا الباب ما قاله الحسن والشعبي وعطاء ومن تابعهم، وهو الصواب (¬3). وقال ابن الصلاح عن المذهب الثاني هذا: وهو مذهب المحصلين والعلماء من المحدثين، والقول به في اللحن الذي لا يختلف به المعنى وأمثاله، لازم على مذهب تجويز الرِّواية بالمعنى (¬4). وما أجود وأكمل ما قال القاضي عِياض حيث قال في «الِإلماع»: الذي استمر عليه عمل أكثر الأشياخ نقل الرِّواية كما وصلت إليهم وسمعوها، ولا يغيرونها من كتبهم، حتى أطردوا ذلك في كلمات من القرآن استمرت الرِّواية في الكتب عليها بخلاف التلاوة المجمع عليها، ولم يجيء في الشاذ من ذلك في «الموطأ» والصحيحين وغيرها حماية للباب، لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على خطئها عند السماع والقراءة وفي حواشي الكتب، ويقرءون ما في الأصول على ما بلغهم. ومنهم من يجسر على الإصلاح وكان أجرأهم على هذا من المتأخرين القاضي الوقشي، وكذلك لغيره ممن سلك هذا المسلك. ¬

(¬1) ينظر: «الجامع» 2/ 23. (¬2) ينظر: «الكفاية» ص: 287. (¬3) «جامع بيان العلم وفضله» 1/ 353. (¬4) «علوم الحديث» ص: 218 - 219 ط نور عتر.

وحماية باب الإصلاح والتغيير أولى؛ لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن ويتسلط عليه من لا يعلم، وطريق الأشياخ أسلم مع التبيين، فيذكر اللفظ عند السماع كما وقع وينبه عليه، ويذكر وجه صوابه، إما من جهة العربية أو النقل أو وروده كذلك في حديث آخر، أو يقرءونه على الصواب، ثم يقول: وقع عند شيخنا أو في روايتنا كذا أو من طريق فلان كذا، وهو أولى؛ لئلا يقول على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل. وأحسن ما يعتمد عليه في الإصلاح أن ترد تلك اللفظة المغيرة صوابًا في أحاديث أخرى، فإن ذكرها على الصواب في الحديث أمن أن يقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقل، بخلاف إذا كان إنما أصلحها بحكم علمه ومقتضى كلام العرب. وهذه طريقة أبي علي ابن السكن البغدادي في انتقائه روايته لـ «صحيح البُخارِيّ»، فإن أكثر متون أحاديثه ومحتمل روايته هي عنده متقنة صحيحة من سائر الأحاديث الأخر الواقعة في الكتاب وغيره. اهـ. ملخصًا (¬1). وقال ابن الصلاح: وأما إصلاح ذلك وتغييره في كتابه وأصله فالصواب تركه وتقرير ما وقع في الأصل، على ما هو عليه مع التضبيب عليه، وبيان الصواب خارجًا في الحاشية؛ فإن ذلك أجمع للمصلحة وأنفى للمفسدة (¬2). فهذا الاختلاف بين العلماء في حكم إصلاح الخطأ في المروي إلى اختلاف الروايات فمن يرى الجواز صوب الخطأ على ما في ظنه، وقد ¬

(¬1) «الِإلمَاع» ص: 161 - 162. (¬2) «علوم الحديث» ص: 219 ط. عتر.

يكون الصواب فيما ظنه خطئًا، وقد نتج عن هذا السبب وجود اختلافات كثيرة، والبعض منها من تَصَرُّفِ الرُّواة. ونتج عن ذلك وجود كثير من الأخطاء الواضحة التي لا يستقيم المعنى إلا بها، وهذا الخطأ أنواع: فمنه ما يكون في آيات القرآن، ومنه ما يكون في الأسانيد، ومنه ما يكون في المتون. أولًا: ومن الأمثلة التي وقعت في القرآن الكريم: 1 - ما جاء في قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا ماء ..} [النساء: 43، المائدة: 6]. وقع في أول كتاب التيمم «(اليُونِينيّة» 1/ 73 - 74) قول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا ماء ..} [النساء: 43، المائدة: 6] كذا جاء لأكثر رواة «الصحيح» كما عند اليُونِينِيّ، وهو الصحيح الموافق للقراءة والتلاوة. لكن جاء عند النَّسفي وعبدوس وأبي ذر، عن كل من المُسْتَمْلِيّ والحَمُّوييّ - كما جاء عند ابن حجر -: (فإن لم تجدوا) قال أبو ذر: كذا في روايتنا، والتلاوة: {فَلَمْ تَجِدُوا}. قال الحافظ: ظهر لي أن البُخارِيّ أراد أن يبين أن المراد بالآية المبهمة في قول عائشة في حديث الباب: (فأنزل الله آية التيمم)، أنها آية المائدة، وقد وقع التصريح بذلك في رِواية حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة في قصتها المذكورة، قال: فأنزل الله آية التيمم: فإن لم تجدوا ماءً فتيمموا ... الحديث. فكأن البُخارِيّ أشار إلى هذه الرِّواية المخصوصة، واحتمل أن تكون قراءة شاذة لحماد بن سلمة أو غيره، أو وهمًا منه، وقد ظهر أنها عنت آية المائدة، وأن آية النساء قد ترجم لها المصنف في التفسير، وأورد حديث

عائشة أيضًا، ولم يرد خصوص نزولها في قصتها. اهـ. وقال العيني: الظاهر أن هذا وهم من حماد أو غيره، أو قراءة شاذة لحماد. اهـ. قلت: بحثت في مظان شواذ القراءات فلم أجد فيها قراءة شاذة لحماد أو لغيره، والله أعلم. (¬1). وقد وقع في كتاب الوضوء، باب: الماء الذي يغسل به شعر الإنسان: وَقال الزُّهْرِيُّ: إِذا وَلَغَ فِي إِناءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ يَتَوَضّا بِهِ. وَقال سُفْيانُ: هَذا الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ؛ يَقُولُ اللَّهُ تَعالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَهَذا ماءٌ، وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ، يَتَوَضّا بِهِ وَيَتَيَمَّمُ (¬2). كذا عند اليُونِينِيّ على الصواب، ولم يشر إلى أي اختلاف، وعند ابن حجر كذا لأكثر رواة «الصحيح»، ووقع في رِواية أبي الحسن القابسي عن أبي زيد المَرْوَزيّ في حكاية قول سفيان: (يقول الله تعالى: (فإن لم تجدوا ماءً)، وكذا حكاه أبو نعيم في «المستخرج على البُخارِيّ»: حكى ذلك الحافظ والعيني والقَسْطَلّانِيّ. والأول الذي هو للأكثرين، الصواب الموافق للتلاوة، وقال القابسي: وقد ثبت ذلك في «الأحكام» لإسماعيل القاضي - يعني: بإسناده إلى سفيان - قال: وما أعرف من قرأ بذلك. قال الحافظ والقَسْطَلّانِيّ: لعل الثوري حكاه بالمعنى وكان يرى جواز ذلك. ¬

(¬1) «اليونينية» 1/ 74، و «مشارق الأنوار» 2/ 330، و «فتح الباري» 1/ 432، و «عمدة القاري» 3/ 229. (¬2) «(اليُونِينيّة» 1/ 45.

لكن اعترض العينيُّ ابنَ حجر فقال في «العمدة»: لا يصح هذا أصلًا؛ لأنه قلب كلام الله تعالى، والظاهر أنه سَهْوٌ أو وقع غلطًا اهـ. وراجعت «انتقاض الاعتراض» فوجدت الحافظ لم يعقب. وقال القَسْطَلّانِيّ: قد تتبعت كثيرًا من القراءات، فلم أر أحدًا قرأ بها. قال الحافظ: وكأن هذا هو الذي جر المصنف أن يأتي بمثل هذه العبارة في كتاب التيمم كما سيأتي. اهـ (¬1). 2 - ومن ذلك أيضًا: ما وقع في كتاب الصلاة، باب الأَسِيرِ أَوِ الْغَرِيمِ يُرْبَطُ فِي الْمَسْجِدِ (¬2). قال: حَدَّثَنا إِسْحاقُ بْنُ إِبْراهِيمَ قال: أَخْبَرَنا رَوْحٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبارِحَةَ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَها - لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاَةَ، فأمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فارَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سارِيَةٍ مِنْ سَوارِي الْمَسْجِدِ؛ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمانَ: رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي». [ص: 35] قال رَوْحٌ: فَرَدَّهُ خاسِئًا (¬3). كذا جاءت الآية عند اليُونِينِيّ (رب هب لي ملكا ...) ورمز لسقوط لفظة: (رب) من عند ابن عساكر فقط. مما يعني رسم الآية كما سبق عند باقي الرُّواة عنده بينما حكى ابن حجر في «الفتح» عن أبي ذر كما هو موافق للتلاوة: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا}، ووقع لابن عساكر: {وَهَبْ لِي} فقط بإسقاط سابقه، أما القَسْطَلّانِيّ فقد ساقه كما هو موافق ¬

(¬1) «اليُونِينيّة» 1/ 99. (¬2) «اليُونِينيّة» 1/ 99. (¬3) ينظر: «فتح الباري» 1/ 273، «عمدة القاري» 2/ 335، «إرشاد الساري» 1/ 439.

للتلاوة ثم ذكر عن أبي ذر ما ذكره عنه ابن حجر نقلا عنه ثم قال: ووقع لابن عساكر: {وَهَبْ لِي} فقط بإسقاط سابقه: كما في الفرع وأصله. اهـ. وكأنه يميل إلى خطأ ما جاء في «اليُونِينيّة». والصواب الموافق للقراءة والتلاوة الذي وقع لأبي ذر. ووجه الكرماني ما وقع للأكثر فقال: لعله ذكره على قصد الاقتباس من القرآن لا على قصد أنه قرآن. قال الحافظ: وقع عند مسلم كما في رِواية أبي ذر على نسق التلاوة، فالظاهر أنه تغيير من بعض الرُّواة (¬1). 3 - ومن ذلك أيضًا: ما وقع في كتاب: مواقيت الصلاة، باب: فَضْلِ صَلاَةِ الْعَصْرِ. حَدَّثَنا الْحُمَيْدِيُّ قال: حَدَّثَنا مَرْوانُ بْنُ مُعاوِيَةَ قال: حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قال: كُنّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً - يَعْنِي: الْبَدْرَ - فَقال: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَما تَرَوْنَ هَذا الْقَمَرَ، لاَ تُضامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فإنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها فافْعَلُوا». ثُمَّ قَرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]. قال إِسْماعِيلُ: افْعَلُوا، لاَ تَفُوتَنَّكُمْ (¬2). كذا سياق الآية في {وَسَبِّحْ} وذكر في الحاشية أن عند أبي ذر الهَرَويّ وأبي الوَقْت والأصيلي وابن عساكر: (فسبح) بالفاء. ¬

(¬1) ينظر: «صحيح مسلم» (541/ 39)، و «شرح الكرماني» 4/ 121، و «فتح الباري» 1/ 55، و «إرشاد القَسْطَلّانِيّ» 2/ 236 (¬2) «اليُونِينيّة» 1/ 115.

قلت (الباحث): والأول الصواب الموافق للتلاوة، وقد نبه على ذلك غير شارح (¬1). 4 - ومن ذلك أيضًا: ما وقع في كتاب العيدين، باب فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيّامِ التَّشْرِيقِ. وَقال ابْنُ عَبّاسٍ: واذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ: أَيّامُ الْعَشْرِ، والأَيّامُ الْمَعْدُوداتُ: أَيّامُ التَّشْرِيقِ (¬2). كذا جاء عند اليُونِينِيّ وفي رِواية أبي ذر عن الكُشْمِيهَني: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات). وفي رِواية أبي ذر عن الحَمُّوييّ والمُسْتَمْلِيّ: (ويذكروا الله في أيام معدودات)، كما في حاشية اليُونِينِيّ. ووقع في رِواية كريمة وابن شَبُّويه كما عند اليُونِينِيّ في الأصل. ذكره ابن حجر. وما جاء عن الكُشْمِيهَني هو الصواب الموافق للتلاوة، دون الآخرين. قال الكرماني: لا يريد به لفظ القرآن. وقال الحافظ: أجيب بأنه لم يقصد التلاوة، وإنما حكى كلام ابن عباس، وابن عباس أراد تفسير المعدودات والمعلومات. وقال نحوه العيني (¬3). 5 - ومن ذلك أيضًا: ما جاء في كتاب الجنائز، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: يعذب الميت ببعض بكاء ¬

(¬1) ينظر: «اليونينية» 1/ 115، و «شرح الكرماني» 4/ 199، و «عمدة القاري» 4/ 189، و «إرشاد الساري» 2/ 299. (¬2) «اليُونِينيّة» 2/ 20. (¬3) ينظر: «اليونينية» 2/ 20، و «شرح الكرماني» 6/ 74، و «فتح الباري» 2/ 458، و «عمدة القاري» 5/ 391.

أهله عليه، وهو كقوله: {وان تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِها ...}. وقع عند أبي ذر وحده: (وإن تدع مثقلة - ذُنُوبًا - إلى حملها ..). والأول الصواب الموافق للتلاوة. قال الحافظ: ليست (ذنوبًا) في التلاوة؛ وإنما هو في تفسير مجاهد فنقله المصنف عنه (¬1). ثانيًا: ومن هذا النوع ما يكون الخطأ في الإسناد أو المتن بإصلاح كلمة أو حذفها. ويلتحق بهذا النوع إلحاق ما هو ساقط في السند ولا يستقم المعنى إلا بإلحاقه، كحذف واو العطف مثلا - أو إثباتها في بعض الروايات. كما جاء في «الصحيح» في كتاب: الصلاة، باب الْخَوْخَةِ والْمَمَرِّ فِي الْمَسْجِدِ. (¬2). حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سِنانٍ قال: حَدَّثَنا فُلَيْحٌ قال: حَدَّثَنا أَبُو النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قال: خَطَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: «إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيا وَبَيْنَ ما عِنْدَهُ، فاخْتارَ ما عِنْدَ اللَّهِ». كذا إسناد الحديث في «اليُونِينيّة»: عن عبيد بن حنين، عن بسر بن سعيد، عن أبى سعيد الخدري. ورمز لسقوط قوله: (عن بسر بن سعيد) من عند أبي ذر الهَرَويّ والأصيلي عن أبى زيد، ووضع علامة التصحيح. وساق ابن الملقن الحديث كما عند اليُونِينِيّ وقال: هكذا ثبت في ¬

(¬1) ينظر: «اليونينية» 2/ 79، و «فتح الباري» 3/ 153. (¬2) 1/ 100 (466).

روايتنا (¬1): عبيد، عن بسر، عن أبي سعيد (¬2). وقال ابن حجر في «الفتح»: قوله: (عن عبيد بن حنين عن بسر بن سعيد) هكذا في أكثر الروايات، وسقط في رِواية الأصيلى عن أبي زيد ذكر (بسر بن سعيد) فصار: عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد. اهـ (¬3) وساق الجَيّانيّ الحديث في «تقييد المهمل» (¬4) بحذف (بسر بن سعيد) ثم قال: هكذا الإسناد عند أبى زيد المَرْوَزيّ، ووقع عند ابن السكن وأبي أحمد الجُرْجانيّ: فليح حَدَّثَنا أبو النضر، عن عبيد بن حنين، عن بسر بن سعيد، عن أبى سعيد الخدري. قال ابن السكن عن الفَرَبْريّ: قال أبو عبد الله: هكذا رواه محمد بن سنان عن فليح - يعني: عن عبيد بن حنين عن بسر عن أبى سعيد - وهو خطأ، وإنما هو: عن عبيد بن حنين، وعن بسر - يعني: بواو العطف. اهـ. فذكر فيه وجها ثالثًا وهو عطف عبيد بن حنين على بسر بن سعيد. قال الجَيّانيّ: فهذه ثلاثة أوجه مختلفة عن فليح بن سليمان، ولعل فُليحًا كان يحدث به مرة عن عبيد بن حنين، ومرة عن بسر بن سعيد، ومرة يجمعهما، وكلٌّ صوابٌ. اهـ. قلت: (الباحث): فتحصل بعد التخريج أربعة أوجه عن أبي النضر. أولها: ما رواه محمد بن سنان (كما جاء في رِواية ابن السكن وأبي ¬

(¬1) وهي رواية أبى الوَقْت عن الدَّاوُدِيّ عن أبي أحمد الحَمُّوييّ السرخسي عن الفَرَبْريّ. (¬2) «التوضيح» 5/ 613. (¬3) 1/ 558. (¬4) ص: 583.

أحمد الجُرْجانيّ لهذا الحديث على ما حكاه الجَيّانيّ وكما هو في «اليُونِينيّة» في الأصل عن فليح: حَدَّثَنا أبو النضر، عن عبيد بن حنين، عن بسر بن سعيد، عن أبى سعيد الخدري .. وتابع محمدًا معافى بنُ سليمان الحراني في روايته كما أخرجه الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» (¬1) فرواه عن فليح، عن أبى النضر، عن عبيد بن حنين، عن بسر، عن أبى سعيد. الثاني: ما رواه أبو عامر العقدي، عن فليح، عن أبى النضر، عن بُسر بن سعيد، عن أبى سعيد الخدري، كما رواه البُخارِيّ في «الصحيح» كتاب: فضائل الصحابة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: سدوا الأبواب (¬2) قال: حدثني عبد الله بن محمد، حَدَّثَنا أبو عامر به، مثله. الثالث: ما رواه مالك، عن أبى النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري، مثله. رواه البُخارِيّ في «الصحيح» كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). قال: حَدَّثَنا إسماعيل بن عبد الله قال: حدثني مالك به. ورواه مسلم في «صحيحه» (¬4) قال: حَدَّثَنا عبد الله بن جعفر بن يحيى بن خالد، حَدَّثَنا معن، حَدَّثَنا مالك به. وأخرجه أيضًا الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» (¬5) قال: حَدَّثَنا أبو عمر النمري، نا أبو محمد بن أسد، نا أحمد بن محمد ابن أبى الموت، نا على ¬

(¬1) ص: 583، 584. (¬2) 5/ 4 (3654). (¬3) 5/ 57 (3904). (¬4) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق (2382). (¬5) ص: 585 - 586.

بن عبد العزيز، نا القعنبى، عن مالك به. وقال ابن الملقن في «التوضيح» (¬1) بعد أن ذكر رِواية إسماعيل بن عبد الله، عن مالك التي في البُخارِيّ، وكذا رواه عن مالك عبدُالله بن سلمة (¬2) وابن وهب ومعن، ومن طريقه أخرجه مسلم (¬3) ومطرف وإبراهيم بن طهمان - وسماه: عبد الله بن حنين - ومحمد بن الحسن، وعبد العزيز بن يحيى، قال الدارقطني: لم أره في «الموطأ» إلا في كتاب «الجامع» للقعنبي، ولم يذكره في «الموطأ» غيره، ومن تابعه فإنما رواه في غير «الموطأ». اهـ. وتابع مالكًا محمد بن سنان كما في حديث الباب الذي معنا عند البُخارِيّ في رِواية أبى زيد المَرْوَزيّ، كما عند الجَيّانيّ فيما سبق في أول الباب. الرابع: ما رواه يونس بن محمد، وسعيد بن منصور، عن فليح بن سليمان، عن أبى النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد - جميعًا - عن أبى سعيد الخدري. رواه مسلم في «صحيحه» (¬4) قال: حَدَّثَنا سعيد بن منصور به. ورواه عن يونس بن محمد، عن فليحٍ ابنُ أبي شيبة (¬5)، ورواه من طريقه الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» (¬6) قال: حَدَّثَنا أبو عمر، نا سعيد، نا قاسم ¬

(¬1) 5/ 614. (¬2) كما عند الترمذي كتاب المناقب، باب مناقب أبي بكر الصديق (3660). (¬3) كما سبق تخريجه. (¬4) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبى بكر الصديق (2382). (¬5) المصنف 6/ 351 (31917) كتاب الفضائل باب: ما ذكر في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. (¬6) ص: 585.

خامسا: ومن هذه الأسباب - أيضا - الاختلاف بين العلماء في التعبير في صيغ الأداء عن طريقة التحمل

بن أصبغ، نا ابن وضاح، نا أبو بكر بن أبي شيبة به، مثله. خامسًا: ومن هذه الأسباب - أيضًا - الاختلاف بين العلماء في التعبير في صيغ الأداء عن طريقة التحمل فمن يرى أنه لا فرق بين (حَدَّثَنا) و (أَخْبَرَنا) لا يتقيد بالرِّواية في ذلك، ويدخل في هذا أن يعبر الناسخ عن طريقة التحمل بالرموز ثم يقع التداخل بينها (¬1). وانظر أمثلة لذلك كثيرة فمثلًا (¬2) جاء في بعض الروايات: (قال حَدَّثَنا سفيان قال حَدَّثَنا يحيى بن سعيد)، وفي الحاشية: (قال: عن سفيان قال: عن يحيى)، وكذا (¬3) جاء: (حَدَّثَنا النضر)، وفي الحاشية: (أَخْبَرَنا النضر). وقد يقع الاختلاف في صيغ التحمل بما يدل على السماع أو القراءة، كحَدَّثَنا وأَخْبَرَنا وأنبأنا. والأمر في ذلك يسير وهو كثير في اختلاف الروايات بسبب اختلاف مذاهب العلماء في ذلك. ومن صور الاختلاف في الأسانيد وهو ناتج عن الاختلاف في التعبير عن صيغ الأداء، التصحيفُ في كلمة: (عن) إلى (ابن) أو العكس. وقد سبق ذكر أمثلة لذلك في التصحيف. وقد يكون الأمر أكثر إشكالًا حينما يكون الاختلاف في طريقة التحمل بأن يكون الاختلاف في لفظة تدل على السماع وإبدالها بلفظة: ¬

(¬1) وهذا هو منهج البخاري فلا ضير، ففي كتاب العلم من الصحيح، باب قول المحدث: حدثنا وأخبرنا أو أنبأنا. يعني: أنها عنده بمعنى واحد. (¬2) 1/ 6 (1). (¬3) 5/ 2 (3650).

(عن) فتدخلُ الحديثَ في الحديثِ المعنعن بما فيه من خلاف بين العلماء، ويتبع ذلك عنعنة المدلس، فلا شك أن الحرص في رِواية ما يفيد السماع في غاية الأهمية. وقد يكون الاختلاف في إبدال صيغ الأداء: (حَدَّثَنا) أو (أَخْبَرَنا) و (قال)، وهناك فرق كبير عند المحدثين بين (حَدَّثَنا) أو (أَخْبَرَنا)، وبين (قال) كما هو معروف. مما يترتب عليه وصل الحديث أو تعليقه. كما جاء في «الصحيح» في كتاب: الصوم، باب مَنْ زارَ قَوْمًا فَلَمْ يُفْطِرْ عِنْدَهُمْ. قال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قال: حَدَّثَنِي خالِدٌ - هُوَ: ابْنُ الْحارِثِ - حَدَّثَنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فأتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، قال: «أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعائِهِ، فإنِّي صائِمٌ». ثُمَّ قامَ إِلَى ناحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ، فَدَعا لأُمِّ سُلَيْمٍ وأهْلِ بَيْتِها، فَقالتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي خُوَيْصَةً. قال: «ما هِيَ؟». قالتْ: خادِمُكَ أَنَسٌ. فَما تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلاَ دُنْيا إِلاَّ دَعا لِي بِهِ، قال: «اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مالًا وَوَلَدًا وَبارِكْ لَهُ». فانِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الأَنْصارِ مالًا. وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي مَقْدَمَ حَجّاجٍ الْبَصْرَةَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ. حَدَّثَنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنا يَحْيَى قال: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. (¬1) كذا جاء السياق عند اليُونِينِيّ وعند قوله: (حَدَّثَنا ابن أبي مريم) حاشية وفيها ما يدل على أن رِواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة، ورِواية أبي الوَقْت، عن الدّاوُدِيّ، عن الحَمُّوييّ، عن الفَرَبْريّ: (قال). أي: بدلًا من (حَدَّثَنا). ¬

(¬1) 3/ 41 حديث (1982).

وقال ابن حجر في «تغليق التعليق» - بعد أن ساق اللفظ هكذا: وقال ابن أبي مريم: أنا يحيى .. - هكذا وقع في روايتنا من طريق أبي الوَقْت، عن الدّاوُدِيّ، عن الحَمُّوييّ. ومن طريق أبي ذر الهَرَويّ عن الشيوخ الثلاثة الحَمُّوييّ والكُشْمِيهَني والمُسْتَمْلِيّ. لكن وقع في رِواية كريمة المَرْوَزيّة عن الكُشْمِيهَني، وفي رِواية أبي محمد الأصيلي عن أبي زيد المَرْوَزيّ، وفي رِواية غير واحد كلهم عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ في هذا الموضع: حَدَّثَنا ابن أبي مريم، قال: أنا يحيى بن أيوب فذكره. اهـ (¬1). وكذا ذكر ما يدل على ذلك ابن حجر في «الفتح» (¬2) وفي «هدي الساري» (¬3) وذكره ابن الملقن في «التوضيح» (¬4) بلفظ وقال ابن أبي مريم. وروايته في هذا الكتاب من طريق أبي الوَقْت، عن الدّاوُدِيّ، عن الحَمُّوييّ، عن الفَرَبْريّ. قلت: (الباحث) لو أخذنا برِواية أبي الوَقْت وأبي ذر الهَرَويّ لكان الحديث معلقًا، ولو أخذنا برواية كريمة ومن تبعها لكان الحديث موصولًا. فائدة: سبب سياق البُخارِيّ لهذا الإسناد هو تصريح حميد بالسماع من أنس بن مالك رضي الله عنه؛ لأن الطريق التي ساقها البُخارِيّ من رِواية خالد بن الحارث عن حميد قد عنعن فيها - وهو حميد بن أبي حميد ¬

(¬1) 3/ 199. (¬2) 4/ 230. (¬3) ص: 40. (¬4) 13/ 481.

الطويل - وهو مدلس (¬1) لاسيما وقد اشتهر عنه أنه ربما دلس عن أنس رضي الله عنه (¬2). ومن الأحاديث التي وقع في «الصحيح» الاختلاف في الروايات على وصلها أو تعليقها - وهي عن ابن أبي مريم هذا - ما جاء أيضًا في الحديث الذي ذكره البُخارِيّ في كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في القِبلة .. (¬3) قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قال: حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قال: قال عُمَرُ: وافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ... الحديث ثم قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قال: أَخْبَرَنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قال: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قال: سَمِعْتُ أَنَسًا بِهَذا. كذا جاء سياق الإسناد في أصل «اليُونِينيّة» وعلى كلمة: (حَدَّثَنا) عدة حواش تدل على أنه جاء في رِواية ابن عساكر: قال محمد (¬4) وقال ابن أبي مريم، وفي رِواية أبي ذر عن المُسْتَمْلِيّ وحده قال أبو عبد الله (¬5): وحَدَّثَنا ابن أبي مريم، وللأصيلى وأبي ذر عن الحَمُّوييّ والكُشْمِيهَني: وقال ابن أبي مريم. وذكر القَسْطَلّانِيّ (¬6) تبعًا لابن حجر في «الفتح» (¬7) أن في رِواية كريمة: ¬

(¬1) «التقريب» ص: 181 (1544). (¬2) وينظر: «فتح الباري» 4/ 230. (¬3) 1/ 89 (402). (¬4) أي البُخَارِيّ. (¬5) أي البُخَارِيّ. (¬6) انظر «منحة الباري» 1/ 192. (¬7) 1/ 505.

حَدَّثَنا ابن أبي مريم، وفي «التوضيح» لابن الملقن: حَدَّثَنا ابن أبي مريم. وهي رِواية أبي الوَقْت، وهو يوافق ما جاء في السلطانية على ما اقتضاه صنيع اليُونِينِيّ من حكاية الاختلاف في باقي النسخ التي اعتمد عليها. ثم قال ابن الملقن في «التوضيح» (¬1): فائدة إيراد البُخارِيّ طريق يحيى بن أيوب التصريح بسماع حميد من أنس، وفي بعض النسخ: (حَدَّثَنا ابن أبي مريم) كما ذكرته، وفي بعضها: (وقال ابن أبي مريم) تعليقًا، وكذا ذكره في التفسير تعليقًا، وكذا ذكره خلف في «أطرافه» والإسماعيلي، وأبو نعيم في مستخرجيهما وهو الظاهر؛ لأن يحيى لم يحتج به البُخارِيّ، ونسبه أحمد إلى سوء الحفظ، وإنما ذكره متابعة واستشهادًا. اهـ. قلت: (الباحث) تتبعت المواضع التي ذكر فيها البُخارِيّ: ابن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب، عن حميد، عن أنس فوجدتها ثمانية مواضع، في كلها يقول: أَخْبَرَنا يحيى بن أيوب، حدثني حميد، سمعت أنسًا. وفي بعضها يقول: حدثني أنس. وغرض البُخارِيّ في جميع هذه المواضع هو بيان سماع حميد للحديث من أنس بن مالك حتى يعلم تصريحه بالسماع؛ لأنه كان مدلسًا. والخلاف في كل هذه المواضع في صيغة التحمل بين البُخارِيّ وابن أبي مريم، وهذه هي المواضع مع تعليق موجز عليها بين ما اختلفت فيه الروايات، ونقلت الاختلاف من «اليُونِينيّة» أو كتب الشروح. الموضع الأول: ما جاء في آخر كتاب الوضوء، باب: البزاق والمخاط ¬

(¬1) 5/ 410.

ونحوه (¬1)، حين قال البُخارِيّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَزَقَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِي ثَوْبِهِ. طَوَّلَهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. ولم يقع اختلاف بين الروايات في هذا الموضع إلا ما جاء عند أبي ذر وأبي الوَقْت والأصيلي في نسخة زيادة: قال أبو عبد الله (¬2) طوله. الموضع الثاني: ما جاء في كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في القبلة، ومن لا يرى الإعادة (¬3) قال: حَدَّثَنا عمرو بن عون قال: حَدَّثَنا هشيم، عن حميد، عن أنس ... الحديث: ثم قال: حَدَّثَنا ابن أبي مريم قال أَخْبَرَنا يحيى بن أيوب قال: حدثني حميد قال: سمعت أنسًا بهذا. وهو الموضع الذي معنا وسبق حكاية الخلاف فيه. الموضع الثالث: ما جاء في كتاب: مواقيت الصلاة، باب: وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل (¬4) قال: حَدَّثَنا عبد الرحيم المحاربي قال: ثنا زائدة، عن حميد الطويل، عن أنسٍ قال: أخر النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء ... الحديث. وفي آخره قال: وزاد ابن أبي مريم، أَخْبَرَنا يحيى بن أيوب، حدثني حميد سمع أنسًا .. إلخ. الموضع الرابع: ما جاء في كتاب: الأذان، باب: احتساب الآثار (¬5) قال: حَدَّثَنا محمد بن عبد الله بن حوشب قال: حَدَّثَنا عبد الوهاب قال: حَدَّثَنا ¬

(¬1) 1/ 58 عقب حديث (241). (¬2) أي البُخَارِيّ. (¬3) 1/ 89 عقب حديث (402). (¬4) 1/ 119 عقب حديث (572). (¬5) 1/ 132 عقب حديث 655، ورقمه الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي (656).

حميد، عن أنس قال .. وذكر حديثًا. ثم ذكر زيادة في المتن قائلا: وقال ابن أبي مريم: أَخْبَرَنا يحيى ابن أيوب، حدثني حميد، حدثني أنس أن بني سلمة أرادوا ... إلخ. اهـ. كذا جاء عند اليُونِينِيّ: (وقال ابن أبي مريم). وفي «الفتح» (¬1) قال: قوله: (وحَدَّثَنا ابن أبي مريم) كذا لأبي ذر وحده، وفي رِواية الباقين: وقال ابن أبي مريم وذكره صاحب «الأطراف» بلفظ: وزاد ابن أبي مريم، وقال أبو نعيم في «المستخرج»: ذكره البُخارِيّ بلا رِواية - يعني: معلقًا، وهذا هو الصواب، وله نظائر في الكتاب في رِواية يحيى بن أيوب؛ لأنه ليس على شرطه في الأصول ا. هـ. وقال في «التغليق» بعد أن ساقه معلقًا: كذا وقع في روايتنا، ووقع في روايتنا من طريق أبي ذر حَدَّثَنا ابن أبي مريم اهـ (¬2). وكذا جاء معلقًا عند ابن الملقن في روايته، وقال: وهذا الحديث المعلق في بعض نسخ «البُخارِيّ» مسندًا (¬3). الموضع الخامس: ما جاء في كتاب: الصوم، باب: من زار قومًا فلم يفطر عندهم (¬4)، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدٌ - هُوَ: ابْنُ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ .. الحديث، وقال في آخره: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا ¬

(¬1) 2/ 140. (¬2) 2/ 277 - 278. (¬3) «التوضيح» 6/ 435. (¬4) 3/ 41 (1982) مكرر.

يَحْيَى (¬1) قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. اهـ. كذا سياق اليُونِينِيّ كما في «السلطانية»: حَدَّثَنا ابن أبي مريم وعنده حاشية تدل على صحة الرِّواية عن أبي ذر عن شيوخه الثلاثة وأبي الوَقْت بلفظ: (قال) بدلًا من (حَدَّثَنا). وقد سبق سياق الاختلاف في هذه الرِّواية. الموضع السادس: ما ذكره في كتاب: المظالم، باب: إذا كسر قصعة أو شيئًا لغيره (¬2) قال: حَدَّثَنا مسدد، حَدَّثَنا يحيى بن سعيد، عن حميد، عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عند بعض نسائه .. الحديث، وفي آخره قال: وقال ابن أبي مريم: أَخْبَرَنا يحيى بن أيوب، حَدَّثَنا حميدٌ، حَدَّثَنا أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. اهـ، وهذا الموضع لم يُختلف فيه بين الرُّواة أنه جاء هكذا معلقًا. الموضع السابع: ما جاء في كتاب التفسير، في تفسير سورة البقرة: {واتَّخِذُوا مِن مَّقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} (¬3) قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ اللَّهَ فِي ثَلاَثٍ .. الحديث، وفي آخره: وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنْ عُمَرَ. اهـ. وهذا الموضع أيضًا لم يقع فيه اختلاف بين الرُّواة عند اليُونِينِيّ، ووقع الاختلاف فيه في الموضع السابق ذكره عند البُخارِيّ وهو الموضع الأول، وقد أخرجه البُخارِيّ هناك قال: حَدَّثَنا عمرو بن عون قال: حَدَّثَنا هشيم، ¬

(¬1) وعند أبي ذر وأبي الوَقْت: يحيى بن أيوب. (¬2) 3/ 137 (2481) مكرر. (¬3) 6/ 20 (4483).

عن حميد به، مثل رِواية يحيى بن سعيد هنا. الموضع الثامن: ما جاء في كتاب التفسير أيضًا، في تفسير قوله: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ..} من سورة الأحزاب (¬1) قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه قَالَ: أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ ... الحديث. وقال في آخره: وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. اهـ. وهذا الموضع وقع فيه تغير فاحش كما ذكر ابن حجر في «الفتح» حيث قال: ويحيى المذكور هو ابن أيوب الغافقي المصري، وابن أبي مريم من شيوخ البُخارِيّ، واسمه سعيد بن الحكم، ووقع في بعض النسخ من رِواية أبى ذر: وقال إبراهيم بن أبي مريم - وهو تغيير فاحش - وإنما هو سعيد (¬2). اهـ. قلت: (الباحث) وما أشار إليه ابن حجر كأنه يعني ما رمز له اليُونِينِيّ أنه صح من رِواية أبي ذر، وفي هامش «اليونينية»: قال أبو ذر: سقط إبراهيم في نسخة اهـ. فهذه المواضع الثمانية ذكرها البُخارِيّ؛ ليبين سماع حميد من أنس، حيث يُذكر الإسناد قبله في كل المواضع عن حميد، عن أنس بالعنعنة. قال ابن حجر في «الفتح»: وفائدة التعليق المذكور تصريح حميد بسماعه له من أنس، وقد تعقبه بعضهم بأن يحيى بن أيوب لم يحتج به البُخارِيّ، وإن خرج له في المتابعات. ¬

(¬1) 6/ 119 - 120 عقب حديث (4794). (¬2) 8/ 531.

سادسا: ومن الأسباب التي أدت إلى كثير من الاختلافات أيضا: اختلاف العلماء في حكم جواز الرواية بالمعنى

وأقول: وهذا من جملة المتابعات، ولم ينفرد يحيى بن أيوب بالتصريح المذكور؛ فقد أخرجه الإسماعيلي من رِواية يوسف القاضي، عن أبي الربيع الزهراني، عن هشيم، أَخْبَرَنا حميد، حَدَّثَنا أنس والله أعلم (¬1). قلت (الباحث): وسعيد بن أبي مريم من شيوخ البُخارِيّ، وقد روى له في «الصحيح» في غير موضع، وصرح فيها بالتحديث. ومنها ما جاء في كتاب: الأذان، باب بعد باب: ما يقول بعد التكبير (¬2)، وما جاء في كتاب المساقاة، باب: فضل سقي الماء (¬3) كلاهما يقول فيه: حَدَّثَنا ابن أبي مريم، حَدَّثَنا نافع. وقد روى أيضا عنه عن محمد بن جعفر، كما في كتاب: الزكاة، باب: الزكاة على الأقارب (¬4)، وفي كتاب: الصوم، باب: الحائض تترك الصوم (¬5)، وفي كلاهما يقول: قال حَدَّثَنا ابن أبي مريم، كما روى أيضا عنه، عن الليث، وعن أبي غسان، وفي كل ذلك يقول: حَدَّثَنا ابن أبي مريم. سادسًا: ومن الأسباب التي أدت إلى كثير من الاختلافات أيضًا: اختلاف العلماء في حكم جواز الرِّواية بالمعنى ونتج عن هذا السبب كثير من الاختلاف في سياق الآيات القرآنية أو اختصارها، كما أدى ذلك أيضًا إلى اختصار كثير من الأسماء بما يدل عليها، وقد يأتي في إحدى الروايات اسم الراوي ونسبته، ويقتصر في ¬

(¬1) 1/ 506. (¬2) 1/ 149 (745). (¬3) 3/ 112 (2364). (¬4) 2/ 120 (1462). (¬5) 3/ 35 (1951).

سابعا: ومن الأسباب التي أدت إلى كثير من الاختلافات: إهمال البخاري نسبة بعض الراوة

الأخرى على ما يدل عليه، بذكر الاسم أو الكنية أو اللقب، مما قد يكون ذلك سببًا في الوهم، حسب رأي الراوي في الطبقة التي بعده، وقد يميز الاسم خطأ، أو يحدث تصحيف بَصَري أو سمعي أو غير ذلك، مما قد ينتج عنه اختلاف الراوي أو اللفظة. وهذا النوع من الاختلاف كثيرًا ما تجده في حواشي الطبعة السلطانية. سابعًا: ومن الأسباب التي أدت إلى كثير من الاختلافات: إهمال البُخارِيّ نسبة بعض الراوة: وخاصة في شيوخه اعتمادًا على شهرتهم ومعرفة العلماء بهم، فأدى ذلك إلى تمييز الرُّواة لـ «الصحيح» بما يراه كل واحد منهم صوابًا، مما يؤدي إلى اختلافهم في تمييز بعض شيوخ البُخارِيّ. ولذا عقد ابن حجر في «مقدمته لفتح الباري» فصلًا؛ لبيان هؤلاء الرواة وتمييزهم؛ لأن ذلك مما عِيْبَ على البخاري. قال ابن حجر: الفصل السابع في تبيين الأسماء المهملة التي يكثر اشتراكها: قال الشيخ قطب الدين الحلبي وقع من بعض الناس اعتراض على البخاري، بسبب إيراده أحاديث عن شيوخ لا يزيد على تسميتهم، لما يحصل في ذلك من اللبس، ولا سيما إن شاركهم ضعيف في تلك الترجمة. وقد تكلم في بيان بعض ذلك الحاكمُ، والكلاباذي، وابن السكن، والجياني، وغيرهم. قلت: وقد نقل البياشي - أحد الحفاظ من المغاربة - في «الأحكام الكبرى» التي جمعها عن الفربري ما نصه: كل ما في البخاري محمد عن

عبد الله فهو ابن المبارك، وكل ما فيه عبد الله غير منسوب، أو غير مسمى الأب، فهو بن محمد الأسدي، وما فيه عن إسحاق كذلك فهو ابن راهويه. وما كان فيه محمد عن أهل العراق مثل أبي معاوية وعبدة بن سليمان ومروان الفزاري فهو ابن سلام البيكندي. وما فيه عن يحيى فهو ابن موسى البلخي. قلت: وقد يرد على بعض ما قال ما يخالفه، وقد يسر الله تتبع ذلك في جميع الكتاب، واستوعبته هنا مبينًا لجميعه، ناسبًا كل قول إلي قائله، نفع الله بذلك! (¬1) اهـ من «الهدي». قلت (الباحث): وهذا الكلام الذي نقله ابن حجر عن البياشي ونسبه إلى الفربري، قد نسبه الجياني إلى ابن السكن، وسيأتي نقله. وقد قام أبو علي الجَيّانيّ بذكر جميع الرُّواة المهملين من شيوخ البُخارِيّ، وذكر فيهم ما جاء من روايات، مستدلًا في ذلك بأقوال العلماء، ومن سبقه ممن ألفوا في رجال «الصحيح». وهذا السبب أدى إلى كثير من الاختلافات، ونتج عنه الاختلاف في بعض الشيوخ الذين لم يذكروا في «الصحيح» إلا مرة واحدة مما قد ينتج عنه إخراج هذا الراوي من دائرة رجال «الصحيح» أو إدخاله فيهم. ونسخة ابن السَّكن كانت لها قيمة خاصة جدًّا في التعريف بشيوخ البُخارِيّ الذين أهمل أنسابهم، وكانت طريقته في ذلك - كما جاء في ¬

(¬1) 1/ 222. والبياشي الذي نقل عنه ابن حجر لم أقف على ترجمته، ولعله هو (أبو الحجاج يوسف بن محمد البياسي، المؤرخ الأديب، المصنف الشهير. كما يقول المقري في «نفح الطيب» اهـ، قلت: (البياسي) بالسين المهملة نسبة إلى بياسة من بلاد الأندلس، منها كثير من العلماء, قاله ابن الأثير في «اللباب» 1/ 134.

«الفتح» - (¬1) أن يذكر نسبة الشيخ المهمل، ويذكر قبلها كلمة: (يعني)؛ للدلالة على الزيادة من عنده على الرِّواية، فيقول - مثلا: يزيد - يعني: ابن زريع. ولذلك نجد الإمام أبا علي الجَيّانيّ (498) هـ يقول في مقدمة القسم الخاص بالتعريف بشيوخ البُخارِيّ، من كتابه الشامل «تقييد المهمل»، وهو يعدد من كان له مشاركة في هذا المجال قبله، يقول: وقد نسب أبو علي ابن السَّكن جماعة، منهم في نسخته من «الجامع» التي رواها عن محمد بن يوسف الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ. (¬2) اهـ. وكثيرًا ما كان أبو علي الجَيّانيّ ينقل أقوال ابن السَّكن في شيوخ البُخارِيّ. وينقل لنا أبو علي الجَيّانيّ نقلًا مهمًا عن ابن السَّكن، يمثل قاعدة نهتدي بها ونحتكم إليها في شيوخ البُخارِيّ الذين أهمل أنسابهم، فيقول فيما نقله عنه بسنده إليه: كل ما في كتاب البُخارِيّ مما يقول فيه: (نا محمد قال: أنا عبد الله)، فهو محمد ابن مقاتل المَرْوَزيّ، عن عبد الله بن المبارك ... (يراجع رواية ابن السكن في الباب الأول) (¬3) اهـ. ¬

(¬1) 1/ 333. (¬2) 2/ 942. (¬3) «تقييد المهمل» ص: 1068 - 1069.

ثامنا: ومن هذه الأسباب: أن يروى الحديث من طريقين ويكون في أحد الطريقين زيادة ليست في الرواية الأخرى فيروى الحديث مرة بدون الزيادة ومرة بها

ثامنًا: ومن هذه الأسباب: أن يروى الحديث من طريقين ويكون في أحد الطريقين زيادة ليست في الرِّواية الأخرى فيروى الحديث مرة بدون الزيادة ومرة بها مثاله: ما جاء في كتاب: فرض الخمس، باب: ما ذكر من درع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعصاه وسيفه وقدحه .. (¬1) قال: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ (¬2) عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ. قَالَ عَاصِمٌ: رَأَيْتُ الْقَدَحَ وَشَرِبْتُ فِيهِ. كذا جاء الإسناد في هذا الحديث في «اليُونِينيّة» مما يعني أنه هكذا في الروايات التي اعتمد عليها اليُونِينِيّ، ولم يشر إلى أي اختلاف في سنده. وذكر الجَيّانيّ هذا الحديث في «تقييد المهمل» وساق الحديث بحذف ابن سيرين من الإسناد، ثم قال: هكذا روي هذا الإسناد عن أبي زيد المَرْوَزيّ، وعند ابن السكن وأبي أحمد وغيرهما من الرُّواة: (عاصم، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك)، وهو الصواب (¬3). اهـ وذكر البزار في «مسنده» (¬4) هذا الحديث، وقال: حَدَّثَنا محمد بن إسماعيل البُخارِيّ، نا عبد الله بن عثمان بن جَبَلة (¬5)، نا أبو حمزة السكري، عن عاصم، عن محمد بن سيرين قال: قال أنس: كان قدح لأم سليم، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشرب فيه، فانكسر فضبب، قال: فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يشرب فيه. اهـ. ¬

(¬1) 4/ 83 (3109). (¬2) وهو عبد الله بن عثمان بن جَبَلة. (¬3) ص: 637 - 640. (¬4) 13/ 237 - 238 (6739). (¬5) هو عبدان.

ثم قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن عاصم، عن ابن سيرين، عن أنس، إلا أبو حمزة. اهـ. وجاء الحديث عند الدراقطني في كتابه «العلل» (¬1)، وفيه: وسئل عن حديث محمد بن سيرين عن أنس أن قدحًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - فجعل (¬2) مكان الشعب سلسلة من فضة، فقال: يرويه عاصم الأحول، واختلف عنه: فرواه أبو حمزة السكري عن عاصم عن ابن سيرين عن أنس، وخالفه شريك فرواه عن عاصم عن أنس، والصحيح قول أبى حمزة. اهـ. قلت (الباحث): بعد الرجوع إلى مصادر تخريج الحديث تبين أن الحديث رواه عاصم الأحول عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك. كما رواه أيضًا عاصم عن أنس مباشرة. فرواه عن عاصم عن ابن سيرين عن أنس، أبو حمزة السكري؛ كما جاء عند البُخارِيّ في كتاب فرض الخمس (¬3) قال: حَدَّثَنا عبدان عن أبي حمزة، وكما هو عند جمهور الرُّواة للبخاري ما عدا أبا زيد المَرْوَزيّ. ورواه عن البُخارِيّ أبو بكر البزار مثل رِواية الجمهور، كما أخرجه من طريق حمزة البيهقي (¬4). وخالفه شَرِيك فرواه عن عاصم عن أنس بن مالك، كما جاء عند ¬

(¬1) 12/ 210 (2628). (¬2) كذا بنصب قدح وحذف كلمة: انكسر. وذكر المحقق أن مكانَها بياضٌ وقال: لعل الصواب: انصدع. ولو راجع نص «الصحيح» لتبين له الصواب. (¬3) السابق تخريجه. (¬4) 1/ 29 - 30.

أحمد في «المسند» (¬1). وأخرجه البُخارِيّ من طريق أبى عوانة عن عاصم، فقال في آخر كتاب الأشربة: باب: الشرب من قدح النبي - صلى الله عليه وسلم - وآنيته (¬2) قال: الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ قَالَ: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَ قَدِ انْصَدَعَ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ - قَالَ: وَهْوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ. قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي هَذَا الْقَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لاَ تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. فَتَرَكَهُ. اهـ. ومن طريق البُخارِيّ رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (¬3) قال حَدَّثَنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أحمد بن محمد النسوي ثنا حماد بن شاكر ثنا محمد بن إسماعيل به، مثله. والخلاصة: أن بعض الحديث يرويه عاصم عن أنس بن مالك ويُروى بعضه عن ابن سيرين عن أنس، كما هو واضح في الرِّواية الثانية عند البُخارِيّ التي رواها من طريق أبى عوانة عن عاصم، واختار ذلك الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» (¬4) حيث يقول: هكذا رواه أبو عوانة وجَوَّده، ذكر أوله عن عاصم عن أنس، وآخره عن عاصم عن ابن سيرين عن أنس، والله ¬

(¬1) 3/ 139 (12410). (¬2) 7/ 113 - 114 (5638). (¬3) 1/ 30 كتاب الطهارة، باب: النهي عن الإناء المفضض (¬4) ص: 639.

تاسعا: ومن أسباب الاختلاف بين الرواة: أن يكون الحديث محفوظا عن أحد الرواة من وجهين،

الموفق للصواب، واختاره أيضًا الحافظ ابن حجر في «الفتح» (¬1). وهذا المثال مما يبرز أهمية الوقوف على الروايات وطرق الحديث؛ لإزالة علة الانقطاع التي تعل الحديث. تاسعًا: ومن أسباب الاختلاف بين الرُّواة: أن يكون الحديث محفوظًا عن أحد الرُّواة من وجهين، فيروى عند البُخارِيّ من أحد الوجهين، ويظن أحد الرُّواة عن البُخارِيّ أنه خطأ فيرويه على الوجه الثاني. مثاله: ما جاء في كتاب: الغسل، باب: الجنب يتوضأ ثم ينام (¬2) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر، أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «تَوَضَّا وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ، ثُمَّ نَمْ».اهـ. قال الجَيّانيّ في «تقييد المهمل»: هكذا روى أبو زيد إسناد هذا الحديث، ورواه ابن السكن، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ، عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر. جعل نافعًا بدل عبد الله بن دينار. وكذلك في نسخة أبي محمد الأَصيلي عن أبي أحمد، غير أنه ضرب على نافع، وكتب فوقه: عبد الله بن دينار (¬3). ورِواية أبي ذر عن شيوخه مثل رِواية أبى زيد. قال أبو علي: وكلا القولين صواب إن شاء الله، والحديث محفوظ ¬

(¬1) 10/ 100 - 101. (¬2) 1/ 65 - 66 (290). (¬3) 580.

لمالك عن نافع وعبد الله بن دينار - جمعيًا - عن ابن عمر. وممن رواه عن مالك عن نافع إسحاقُ بنُ الطباع، وخالدُ بنُ مخلد، وابنُ بكير، وسعيدُ بن عُفَير؛ إلا أنه أشهد برِواية عبد الله بن دينار. ا. هـ. وقال ابن حجر في «الفتح» (¬1) - بعد أن حكى ما سبق نقلهُ عن الجَيّانيّ: قال ابن عبد البر: الحديث لمالك عنهما جميعًا، لكن المحفوظ: عن عبد الله بن دينار، وحديث نافع غريب. ا. هـ. فمجيء الحديث عن نافع وعبد الله بن دينار، وشهرته عن عبد الله بن دينار جعلت ابن السكن والأصيلي يجعلان نافعًا بدلًا من عبد الله بن دينار. مثال آخر: ومن أمثلة هذا النوع أيضًا: ما جاء في كتاب: الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل (¬2) قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ لِحُذَيْفَةَ: أَلاَ تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ رَجُلاً حَضَرَهُ الْمَوْتُ ... وذكر الحديث إلى قوله: «فَذَرُّونِي فِي الْيَمِّ فِي يَوْمٍ حَارٍّ - أَوْ رَاحٍ - فَجَمَعَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: خَشْيَتَكَ. فَغَفَرَ لَهُ». قَالَ عُقْبَةُ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ. [انظر: 3452 - فتح: 6/ 514] حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ: «فِي يَوْمٍ رَاحٍ». كذا روي هذا الحديث، عن اليُونِينِيّ، وشيخ البُخارِيّ في الحديث مسدد، وفي المتابعة موسى دون رِواية أبى ذر عن أبي الهيثم الكُشْمِيهَني، مما يعني وجودها عند أبي الوَقْت والأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن ¬

(¬1) 1/ 393 - 394. (¬2) 4/ 176 (3479).

شيخيه الآخرين. وحكى هذه الرِّواية أيضًا الجَيّانيّ عن النَّسفي وبعض شيوخ أبي ذر وهو الحَمُّوييّ (¬1). وحكى الجَيّانيّ أيضًا عن ابن السكن وأبي زيد وأبي أحمد وبعض شيوخ أبي ذر، أنهم رووا الحديث بجعل (مسدد) بدلًا من (موسى). والصواب رِواية موسى؛ لأنها رِواية الأكثر. وصوب أبو ذر الهَرَويّ رِواية موسى. قال ابن حجر في «الفتح» (¬2): وصوب أبو ذر رِواية الأكثر، وبذلك جزم أبو نعيم في «المستخرج» أنه عن موسى، وموسى ومسدد جميعًا قد سمعا من أبي عوانة، لكن الصواب هنا: موسى؛ لأن المصنف ساق الحديث عن مسدد، ثم بين أن موسى خالفه في لفظة: منه، وهي قوله: (في يوم راح) فإن في رِواية مسدد: (يوم حار) وقد تقدم سياق موسى في أول باب ذكر بني إسرائيل، وقال فيه: «انظروا يومًا راحًا». اهـ. قال ابن حجر: وقد رواه عنه كذلك عن نافع خمسةٌ أو ستةٌ فلا غرابة، وإن ساقه الدارقطني في «غرائب مالك» فمراده ما رواه خارج «الموطأ» فهي غرابة خاصة بالنسبة لـ «الموطأ»؛ نعم رِواية «الموطأ» أشهر. اهـ. من «الفتح». مثال آخر ما جاء في كتاب: الصلاة، باب: الْخَوْخَةِ وَالْمَمَرِّ فِي الْمَسْجِدِ (¬3) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ¬

(¬1) «تقييد المهمل» ص: 660. (¬2) 6/ 522. (¬3) 1/ 100 (466).

النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ بُسْرِ ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا ..» الحديث. فقد تحصل بعد التخريج أربعة أوجه عن أبي النضر. أولها: ما رواه محمد بن سنان عن فليح: حَدَّثَنا أبو النضر، عن عبيد بن حنين، عن بسر بن سعيد، عن أبى سعيد الخدري. الثاني: ما رواه أبو عامر العَقَدي، عن فليح، عن أبى النضر، عن بُسر بن سعيد، عن أبى سعيد الخدري. الثالث: ما رواه مالك، عن أبى النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري. الرابع: ما رواه يونس بن محمد وسعيد بن منصور، عن فليح بن سليمان، عن أبى النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد - جميعًا - عن أبى سعيد الخدري. وقد سبق تفصيل كل ذلك في السبب الرابع. مثال آخر: المثال السابق في السبب الأول وهو: ما رواه البُخارِيّ في كتاب: بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة (¬1). قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ..» الحديث. كذا ساق اليُونِينِيّ كما في «السلطانية» إسناد هذا الحديث عن أبي سلمة والأغر في الأصل مما يعني وجوده عند الروايات التي وقف عليها، وهمَّشَ على كلمة (الأغر) وكتب بدلًا منها كلمة: (والأعرج) ورمز لثبوتها ¬

(¬1) 4/ 111 - 112 (3211).

عاشرا: ومن هذه الأسباب: اختلاف العلماء في جواز اختصار الحديث أو الاقتصار على بعضه دون الباقي

عند أبي ذر من رِواية أبى الهيثم الكُشْمِيهَني وحده (¬1). وكذا ذكر هذا الاختلاف الجَيّانيّ (¬2) وابن حجر في «الفتح» (¬3) وغيرهما من الشراح. وهذا الحديث - كما سبق - الزهري تحمله عن الثلاثة فكان يحدث عن اثنين منهم، وتارة يفرد أحدهم. والله أعلم. عاشرًا: ومن هذه الأسباب: اختلاف العلماء في جواز اختصار الحديث أو الاقتصار على بعضه دون الباقي وهذا مذهب البُخارِيّ رحمه الله تعالى، كما حدث ذلك في أول حديث في «الصحيح»، فقد جاء عند جميع الرُّواة عن الحميدي - وهو شيخ البُخارِيّ - تامًا، وجاء عند البُخارِيّ مختصرًا. ولذا يقول أبو سليمان الخطابي في شرحه لأول حديث من «الصحيح» في كتابه «أعلام الحديث»: هكذا وقع في رِواية إبراهيم بن معقل عنه مخرومًا، قد ذهب شطره، ورجعت إلى نسخ أصحابنا فوجدتها كلها ناقصة لم يذكر فيها قوله: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ»، وكذلك وجدته في رِواية الفَرَبْريّ أيضًا، فلست أدري كيف وقع هذا الإغفال، ومن جهة من عرض من رُواته. وقد ذكره محمد بن إسماعيل - في هذا الكتاب - في غير موضع من غير طريق الحميدي فجاء به مستوفى. رواه عن أبي النعمان محمد بن ¬

(¬1) «السلطانية» 1/ 65 (284). (¬2) في «تقييد المهمل» ص: 646. (¬3) «الفتح» 6/ 309.

الفضل، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، ورواه أيضا عن قتيبة عن عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد فما خرم منه شيئًا. ولست أشك في أن ذلك لم يقع من جهة الحميدي؛ فقد رواه لنا الأثبات من طريق الحميدي تامًا غير ناقص. اهـ. وقد نقل ابن حجر كلام الخطابي في «الفتح»، ثم ذكر جوابًا حسنًا عن ذلك حيث يقول: وحاصله أن الجملة المحذوفة تشعر بالقربة المحضة، والجملة المبقاة تحتمل التردد بين أن يكون ما قصده يحصل القربة أولا، فلما كان المصنف كالمخبر عن حال نفسه في تصنيفه هذا بعبارة هذا الحديث، حذف الجملة المشعرة بالقربة المحضة؛ فرارًا من التزكية، وأبقي الجملة المترددة المحتملة؛ تفويضًا للأمر إلى ربه، المطلع على سريرته المجازي له بمقتضى نيته. ولما كانت عادة المصنفين أن يضمنوا الخطب اصطلاحهم في مذاهبهم واختياراتهم، وكان من رأي المصنف جواز اختصار الحديث والرِّواية بالمعنى، والتدقيق في الاستنباط، وإيثار الأغمض على الأجلى، وترجيح الإسناد الوارد بالصيغ المصرحة بالسماع على غيره، استعمل جميع ذلك في هذا الموضع بعبارة هذا الحديث متنًا وإسنادًا. وقد وقع في رِواية حماد بن زيد في باب الهجرة، تأخرُ قوله: «وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ») عن قوله: «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا»، فيحتمل أن تكون رِواية الحميدي وقعت عند البُخارِيّ كذلك، فتكون الجملة المحذوفة هي الأخيرة، كما جرت به عادة من يقتصر على بعض الحديث، وعلى تقدير أن لا يكون ذلك، فهو مصير من البُخارِيّ إلى جواز الاختصار في الحديث - ولو من أثنائه - وهذا هو الراجح والله

حادي عشر: ومن هذه الأسباب: اختلاف قراءات القرآن الكريم

أعلم (¬1) اهـ. حادي عشر: ومن هذه الأسباب: اختلاف قراءات القرآن الكريم مما أدى إلى اختلاف الروايات في الآيات الواردة في «الصحيح» وذلك مرجعه إلى أمرين: الأول: اختلاف العلماء في جواز تصحيح الخطأ الوارد في الآيات. الثاني: اختلاف القراءات عند الرواة، فكل راو يكتب الآية على ما اشتهر عنده من قراءة للقرآن؛ ولذلك تجد كثيرًا من هذه الاختلافات في كتاب التفسير، حيث جاء فيه سياق البُخارِيّ لكثير من الآيات بقراءات مختلفة. وفي القليل النادر وقعت اختلافات في سياق الآيات، وهذا ليس من قبيل القراءات، وقد سبق ذكرها بالتفصيل من حكم الرواية بالمعنى، وذلك مسوق على الحكاية لا على سياق آية، ولا شك أن ذلك السبب ينتج عنه خلط بين القراءات، كما ينتج عنه اختلاف نزول الآيات، مثل آية التيمم الواردة في سورة النساء والمائدة {فَلَمْ تَجِدُوا ماء فَتَيَمَّمُوا}، والتي سبق تفصيل القول فيها. ثاني عشر: ومن أسباب وقوع كثير من الاختلاف في ضبط الكلمات وإعرابها، وجودُ بعض الكلمات في العربية تحتمل أكثر من ضبط لغوي أو أكثر من وجه إعرابي ولقد أبدع العلامة اللغوي مالك أزمة اللغة ابن مالك النحوي حينما ألف كتابه «شواهد التوضيح لحل مشكلات الجامع الصحيح»؛ فقد ضمنه كل الكلمات والتراكيب اللغوية التي وقع فيها خلاف بين الرُّواة، ووجهها ¬

(¬1) «فتح الباري» 1/ 15 - 16.

ثالث عشر: ومن أسباب وقوع كثير من الاختلافات في تقسيم الكتب والأبواب

من حيث العربية، بعدما تأكد من ثبوت روايتها، وذلك في مجالس ضبط اليُونِينِيّ لروايته ونسخته الشهيرة، وكان اليونيني عليه رحمة الله يصحح في نسخته ويكتب رمز (صح) على هذه المواضع. وقد أفردت الحديث عن هذا الكتاب وذكرت أمثلة منه تبين قيمة هذا الكتاب في بابه عند الكلام على نسخة اليُونِينِيّ في الباب الثالث. ثالث عشر: ومن أسباب وقوع كثير من الاختلافات في تقسيم الكتب والأبواب اختلاف فهم الرُّواة في تقسيم الكتاب، فأحيانًا يترجم البُخارِيّ لمجموعة من الأبواب ويقول: أبواب التيمم - مثلًا - فيظن بعض الرُّواة أنه بمثابة كتاب، وذلك كثير في أبواب الصلاة، وكتاب المناقب. ولقد أحصيت عدد الكتب في «الجامع الصحيح»، وميزت بين المتفق عليه بين جميع الرُّواة، فوجدتها قليلة جدًا بالنسبة للمعروف عند العلماء والمتفق عليه بين كل الروايات .. ومن النماذج التي حدث فيها اختلاف كبير، بالتقديم والتأخير، والحذف والإثبات، ما جاء عند ابن بطال في «شرحه على الجامع الصحيح»، فلا أدري: أذلك من تصرفه أم أن ذلك بناء على ما جاء في نسخته؟ الله اعلم. ويبدو أن ذلك مرجعه إلى أمرين: أحدهما: اختلاف نسخته حيث اعتمد على رواية أبي زيد المروزي كما ذكرت ذلك في الكلام على كتابه [في الباب الثالث]. الثاني: أنه لم يقصد استيعاب شرح أحاديث «الصحيح»، وإنما كان

جل اهتمامه على الأبواب الفقهية. وهذه أهم الملاحظات على ما جاء عنده في ذلك: 1 - قدم كتاب الصوم على كتاب الحج (¬1)، وذلك معروف في رواية أبي زيد المروزي. 2 - أخر كتاب الشهادات إلى ما بعد النفقات، وقبل كتاب الصلح (¬2). - فائدة: قال الحافظ ابن الملقن في «التوضيح» (¬3) في شرح كتاب بدء الخلق: هذا الكتاب وما بعده من ذكر الأنبياء والسير والتفسير إلى النكاح لم أره في كتاب ابن بطال رأسًا، وإنما عقب هذا بالعقيقة وما شاكلها، وما أدري لم فعل ذلك، وقد حذف نحو ربع «الصحيح»؟! اهـ. قلت (الباحث): لعل ذلك سببه أن «شرح ابن بطال» يُعَدُّ كتاب فقه؛ حيث اهتم ابن بطال بالجوانب الفقهية في أحاديث «الصحيح»، ولذلك لم يتعرض لشرح كل كتب «صحيح البخاري»، فضلًا عن أبوابه بل كان جل اهتمامه بما له تعلق بالأحكام الفقهية، وخاصة المذهب المالكي. 3 - أخر كتاب فضائل القرآن بعد كتاب الرقاق وقبل التمني (¬4). 4 - أخر كتاب الأطعمة فجعله بعد الطب وقبل التعبير (¬5). - قال ابن الملقن في «التوضيح» (¬6): ولا أدري لم ذكره هناك؟! ¬

(¬1) 4/ 5 - 184. (¬2) 8/ 5 - 77. (¬3) 19/ 11. (¬4) 10/ 215 - 285. (¬5) 9/ 457 - 510. (¬6) 26/ 66.

5 - قدم كتاب العقيقة فجعله بعد كتاب الخمس وقبل كتاب الصيد والذبائح (¬1). 6 - أخر كتاب المرضى، والطب فجعلهما بعد كتاب الأدب وبعده كتاب الأطعمة (¬2). 7 - أخر كتاب اللباس فجعله بعد كتاب الاستئذان وقبل كتاب الأدب (¬3). 8 - قدم كتاب الاستئذان فجعله قبل كتاب اللباس وبعد كتاب استتابة المرتدين والعائدين وقتالهم (¬4). قال ابن الملقن: ولا أدري كيف فعل ذلك (¬5)؟! 9 - أخر كتاب الدعوات فجعله قبل كتاب الرقاق وبعد كتاب الفتن (¬6). قال ابن الملقن (29/ 176): ولا أدري لما فعل ذلك؟! 10 - أخر أيضا كتاب الرقاق فجعله قبل كتاب فضائل القرآن الذي هو مؤخر أيضًا قبل كتاب التمني، وبعد كتاب الدعوات (¬7). 11 - أخر التمني فجعله قبل القدر. ¬

(¬1) 5/ 372 - 378. (¬2) 9/ 371 - 456. (¬3) 9/ 77 - 187. (¬4) 9/ 5 - 76. (¬5) 29/ 9. (¬6) 10/ 72 - 145. (¬7) 10/ 146 - 214.

ولا شك أن ذلك ينتج عنه اختلاف العلماء في عزو الأحاديث إلى الكتب الواقعة في «الجامع»، ولذا نجد مثلًا المزي في «تحفة الأشراف» يجعل كتاب الوضوء والتيمم في كتاب الطهارة بينما التقسيم عند كثير من الرُّواة على جعل التيمم كتابًا مستقلًا وقد ذكرت أمثلة لذلك فيما بعد وهذا الاختلاف. وهذه محاولة لحصر الاختلافات الواردة بين بعض الروايات: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ثبتت (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لأبي ذر الهروي والأصيلي، ثم: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولغيرهما بدونها. ولأبي الوقت وابن عساكر ورد: باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولغيرهما بدون كلمة: (باب) (¬1). 1 - كتاب بدء الوحي: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. لم يثبت قوله: (كتاب بدء الوحي) في أي نسخة من البخاري قط كما في (اليونينية» (¬2)، ولم يذكره أحد من الشراح، فكل شارح يبتدأ كلامه إما بالكلام على كلمة: (باب) أو على البسملة عند من بدأ بها. فأول كتاب بمسماه في «الصحيح» هو كتاب الإيمان. بل جزم الحافظ في «الفتح» (¬3) بذلك، فقال: ولم يستفتح المصنف بدء الوحي بكتاب؛ لأن المقدمة لا تستفتح بما يستفتح به غيرها؛ لأنها تنطوي ¬

(¬1) انظر: «اليونينية» 1/ 6. (¬2) «اليونينية» 1/ 6. (¬3) 1/ 46.

على ما يتعلق بما بعدها. 2 - كتاب الإيمان: ثبت عند كافة رواة البخاري بلا خلاف (¬1)، كأول كتاب في «الصحيح» بعد مجموعة الأحاديث التي ذكرها عن بدء الوحي. 3 - كتاب العلم: ثبت عند كافة الرواة إلا الكشميهني والسرخسي فسقط من عندهما (¬2). 4 - كتاب الوضوء: ثبت عند كافة الرواة إلا الأصيلي فقط في نسخته، وجاء عنده: ما جاء في الوضوء، وفي نسخة أخرى وقع: كتاب (الطهارة) بدل (الوضوء) (¬3). 5 - كتاب الغسل: ثبت عند كافة الرواة، وعند الأصيلي: (باب) بدل (كتاب) (¬4). 6 - كتاب الحيض: ثبت عند كافة الرواة، وفي رواية غير معروفة: (باب) بدل (كتاب) (¬5). 7 - كتاب التيمم: كذا عند أبي ذر في رواية وأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر، وعند غيرهم كأبي ذر في رواية: (باب) بدل (كتاب) وهو ما أثبته اليونيني في صلب الكتاب: (باب التيمم) (¬6). 8 - كتاب الصلاة: ثبت عند جميع الرواة هكذا دون اختلاف (¬7). ¬

(¬1) انظر: «اليونينية» 1/ 10. (¬2) «اليونينية» 1/ 21. (¬3) «اليونينية» 1/ 39. (¬4) «اليونينية» 1/ 59. (¬5) «اليونينية» 1/ 66. (¬6) «اليونينية» 1/ 73. (¬7) «اليونينية» 1/ 78.

9 - كتاب مواقيت الصلاة: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي. 10 - كتاب الأذان: ثبت عند ابن عساكر وحده، وعند: باب بدء الأذان، وسقط لفظ: (باب) عند الأصيلي وأبي ذر (¬1). 11 - كتاب الجمعة: ثبت عند ابن عساكر وأبي الوقت وأبي ذر عن الكشميهني والمستملي، وسقط عند كريمة وأبي ذر عن الحموي (¬2). 12 - كتاب صلاة الخوف: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. 13 - كتاب العيدين: ثبت عند ابن عساكر، وعند أبي علي بن شبويه والأصيلي وغيرهما: (باب في العيدين ...)، وعند أبي ذر عن المستملي: (أبواب ما جاء في العيدين) (¬3). 14 - كتاب الوتر: ثبت عند أبي الوقت هكذا: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كتاب الوتر)، وعند أبي ذر عن المستملي: (أبواب الوتر)، وعند الباقين: (باب ما جاء في الوتر) (¬4). 15 - كتاب الاستسقاء: ثبت لأبي الوقت والأصيلي، ولأبي ذر الهروي عن المستملي: (أبواب الاستسقاء. باب الاستسقاء ...)، ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني بإسقاط: (أبواب الاستسقاء) (¬5). ¬

(¬1) «اليونينية» 1/ 124. (¬2) «اليونينية» 2/ 2. (¬3) «اليونينية» 2/ 16، «فتح الباري» 2/ 439. (¬4) «اليونينية» 2/ 24، «فتح الباري» 2/ 478. (¬5) «اليونينية» 2/ 26، و «فتح الباري» 2/ 492.

16 - كتاب الكسوف: ثبت في رواية أبي ذر عن المستملي، وفي بعض النسخ: (أبواب) بدل (كتاب). 17 - كتاب سجود القرآن: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. 18 - كتاب تقصير الصلاة: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. 19 - كتاب التهجد: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. 20 - كتاب فضل الصلاة: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. 21 - كتاب العمل في الصلاة: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. 22 - كتاب السهو: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. 23 - كتاب الجنائز: ثبت لابن عساكر لكن بتقديم البسملة، وللأصيلي وأبي الوقت أيضًا، وسقط عند أبي ذر وكريمة (¬1). 24 - كتاب الزكاة: قال الحافظ: قوله: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - كتاب الزكاة) البسملة ثابتة في الأصل، ولأكثر الرواة: (باب) بدل (كتاب)، وسقط ذلك لأبي ذر فلم يقل: باب ولا كتاب، وفي بعض النسخ (كتاب الزكاة - باب وجوب الزكاة) (¬2). 25 - كتاب الحج: ثبت لجميع الرواة، وحكى الحافظ وعنه القسطلاني أنه وقع للأصيلي (المناسك) بدل (الحج) (¬3). 26 - كتاب العمرة: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. ¬

(¬1) «اليونينية» 2/ 71، «فتح الباري» 3/ 109. (¬2) «فتح الباري» 3/ 262، وانظر: «إرشاد الساري» 4/ 2. (¬3) «اليونينية» 2/ 132، «فتح الماري» 3/ 378، «إرشاد الساري» 4/ 115.

27 - كتاب المحصر: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. 28 - كتاب جزاء الصيد: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. 29 - كتاب فضائل المدينة: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. 30 - كتاب الصوم: ثبت للجميع، ووقع للنسفي: (الصيام) بدل (الصوم) (¬1). 31 - كتاب صلاة التراويح: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. 32 - كتاب فضل ليلة القدر: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. 33 - كتاب الاعتكاف: ثبت لابن عساكر من رواة الفربري وللنسفي، ولأبي ذر عن المستملي: (أبواب الاعتكاف)، وفي رواية أخرى له: (باب) بالإفراد (¬2). 34 - كتاب البيوع: ثبت للجميع بلا خلاف، إلا في تقديم البسملة عليه أو تأخيرها (¬3). 35 - كتاب السلم: ثبت لجميع رواة الفربري بلا خلاف إلا في تقديم البسملة عليه أو تأخيرها، لكن سقط للنسفي فأثبت الباب الأول وهو: باب السلم في كيل معلوم وأخَّر البسملة (¬4). 36 - كتاب الشفعة: ثبت لأبي ذر عن المستملي، وسقط للباقين (¬5). 37 - كتاب الإجارة: ثبت لأبي ذر عن المستملي، وسقط للباقين، كسابقه (¬6). ¬

(¬1) «فتح الباري» 4/ 102. (¬2) «اليونينية» 3/ 47، «فتح الباري» 4/ 271. (¬3) «اليونينية» 3/ 52. (¬4) «اليونينية» 3/ 85، «فتح الباري» 4/ 428، «إرشاد الساري» 5/ 170. (¬5) «اليونينية» 3/ 87، «فتح الباري» 4/ 436. (¬6) «اليونينية» 3/ 88، «فتح الباري» 4/ 439.

38 - كتاب الحوالات: ثبت هكذا لأبي ذر عن المستملي، وكذا نقله القسطلاني في «الإرشاد» كما في «اليونينية» قائلًا: كما في الفرع وأصله، وكذا ذكره الحافظ في «الفتح» وزاد نسبة إثباته للنسفي، لكن ذكره بلفظ المفرد: (كتاب الحوالة) (¬1). 39 - كتاب الكفالة: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. 40 - كتاب الوكالة: ثبت لجميع رواة الفربري بلا خلاف، وكذا للنسفي كما في «الفتح» (¬2). 41 - كتاب المزارعة ثبت هكذا لأبي ذر عن الكشميهني من رواة الفربري وللنسفي أيضًا، وسقط للأصيلي وكريمة، ولأبي ذر عن المستملي: (كتاب الحرث)، وعند الحموي (في الحرث) بدل (كتاب الحرث) (¬3). 42 - كتاب المساقاة: ثبت لجميع رواة الفربري، سوى أبي ذر. قال الحافظ: لا وجه لمن أثبت: (كتاب المساقاة) فإن التراجم التي فيه غالبها تتعلق بإحياء الموات. اهـ بتصرف. ووقع في «شرح ابن بطال» (كتاب المياه) (¬4). 43 - كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس: ثبت لأبي ذر، ولغيره: (باب) (¬5). ¬

(¬1) «اليونينية» 3/ 94، «فتح الباري» 4/ 464، «إرشاد الساري» 5/ 203. (¬2) «اليونينية» 3/ 98، «فتح الباري» 4/ 479. (¬3) «اليونينية» 3/ 103، «فتح الباري» 5/ 3. (¬4) «اليونينية» 3/ 109، «شرح ابن بطال» 6/ 491، «فتح الباري» 5/ 29. (¬5) «اليونينية» 3/ 115، «فتح الباري» 5/ 53.

44 - كتاب الخصومات: لم يثبت في أي نسخة وأثبته الشيخ محمد فؤاد. 45 - كتاب في اللقطة: ثبت عند أبي ذر عن المستملي، وكذلك النسفي، وللباقين بإسقاطه (¬1). 46 - كتاب المظالم ثبت لكريمة وأبي ذر عن المستملي، وسقط للباقين، ووقع للنسفي: (كتاب الغصب، باب في المظالم) (¬2). 47 - كتاب الشركة: لم يثبت إلا للنسفي وابن شبويه (¬3). 48 - كتاب الرهن: ثبت هكذا لأبي ذر عن الكشميهني، وجاء عند الحافظ والقسطلاني: (كتاب في الرهن في الحضر) وأطلق نسبته لأبي ذر هكذا، ولغير أبي ذر: (باب) مكان (كتاب)، وقال القسطلاني: وفي النسخة المقروءة على الميدومي: (كتاب الرهن، باب الرهن في الحضر). ووقع لابن شبويه: (باب ما جاء ..) (¬4). 49 - كتاب العتق: ثبت لأبي ذر عن المستملي فقط من رواة الفربري، وللنسفي كذلك (¬5). 50 - كتاب المكاتب: ثبت لجميع الرواة سوى أبي ذر، فعنده (باب في المكاتب)، هذا قول الحافظ وعنه القسطلاني، وليس في «اليونينية» ما يسير إلى أنه في نسخة (كتاب)، والله أعلم (¬6). ¬

(¬1) «اليونينية» 3/ 124، «فتح الباري» 5/ 78. (¬2) «اليونينية» 3/ 127، «فتح الباري» 5/ 95. (¬3) «اليونينية» 3/ 137، «فتح الباري» 5/ 128، «إرشاد الساري» 5/ 374. (¬4) «اليونينية» 3/ 142، «فتح الباري» 5/ 140، «إرشاد الساري» 5/ 392. (¬5) «اليونينية» 3/ 143، «فتح الباري» 5/ 146. (¬6) «اليونينية» 3/ 151، «فتح الباري» 5/ 184، «إرشاد الساري» 5/ 432.

51 - كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها: ثبت لجميع الرواة دون اختلاف، إلا أنه وقع لأبي ذر عن الكشميهني وكذلك ابن شبويه: (فيها) بدل (عليها) (¬1). 52 - كتاب الشهادات: ثبت للجميع بلا خلاف (¬2). 53 - كتاب الصلح: ثبت لأبي الوقت والأصيلي دون غيرهما من رواه الفربري، وكذا للنسفي أيضًا، ولغيرهم: (باب)، وفي نسخة الصنعاني: (أبواب الصلح. باب ما جاء ...» (¬3). 54 - كتاب الشروط: ثبت لأبي ذر فقط، وسقط عند غيره (¬4). 55 - كتاب الوصايا: ثبت لجميع رواة الفربري، وكذلك للنسفي، إلا أن عنده بتقديم البسملة (¬5). 56 - كتاب الجهاد والسير: ثبت لابن شبويه والنسفي، وسقط عند الباقين، فاقتصروا على: (باب فضل الجهاد)، لكن عند القابسي: (كتاب فضل الجهاد)، ولم يذكر: (باب) (¬6). 57 - كتاب فرض الخمس: لكافة الرواة: (باب) ووقع هكذا عند الإسماعيلي، وعليه مشى الحافظ (¬7). 58 - كتاب الجزية والموادعة: لكافة الرواة: (باب) ووقع هكذا في «شرح ¬

(¬1) «اليونينية» 3/ 153، «فتح الباري» 5/ 197. (¬2) «اليونينية» 3/ 167. (¬3) «اليونينية» 3/ 182، «فتح الباري» 5/ 298. (¬4) «اليونينية» 3/ 188. (¬5) «اليونينية» 4/ 2، «فتح الباري» 5/ 355. (¬6) «اليونينية» 4/ 14، «فتح الباري» 6/ 3. (¬7) «فتح الباري» 6/ 198.

ابن بطال» و «مستخرج أبي نعيم الأصبهاني»: (كتاب الجزية) (¬1). 59 - كتاب بدء الخلق: ثبت لأبي ذر عن المستملي كما في «اليونينية»، وحكى الحافظ، وبدر الدين العيني: (قوله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كتاب بدء الخلق. كذا للأكثر، وسقطت البسملة لأبي ذر، وللنسفي: (ذكر) بدل (كتاب) اهـ. وزاد الحافظ: (وللصنعاني (أبواب) بدل (كتاب» (¬2). 60 - كتاب أحاديث الأنبياء: قال في «الفتح»: كذا في رواية كريمة في بعض النسخ، ورواية أبي على بن شبويه، وأسقط من صلب «اليونينية» وقال في الهامش: في نسخة صحيحة: كتاب الأنبياء صلوات الله عليهم (¬3). 61 - كتاب المناقب: ثبت لجميع الرواة: (باب) كما في «اليونينية» وكذا أثبته الحافظ: (باب المناقب) وقال: كذا في الأصول التي وقفت عليها من كتاب البخاري، وذكر صاحب «الأطراف» وكذا في بعض الشروح أنه قال: (كتاب المناقب) فعلى الأول هو من جملة كتاب أحاديث الأنبياء، وعلى الثاني هو كتاب مستقل، والأول أولى (¬4). 62 - كتاب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. لم يثبت عند أحد من الرواة، فورد عندهم جميعًا: (باب) إلا أبا ذر فسقط ¬

(¬1) «شرح ابن بطال» 5/ 327، «فتح الباري» 6/ 258. (¬2) «اليونينية» 4/ 105، «فتح الباري» 6/ 286، «عمدة القاري» 12/ 253. (¬3) «اليونينية» 4/ 131، «وفتح الباري» 6/ 361. (¬4) «اليونينية» 4/ 177، «فتح الباري» 6/ 526.

من عنده: (باب) (¬1). 63 - كتاب مناقب الأنصار: هو كسابقه (¬2). 64 - كتاب المغازي: ثبت لجميع الرواة سوى ابن عساكر (¬3). 65 - كتاب التفسير: كذا لكافة الرواة، وعند أبي ذر وأبي الوقت: (كتاب تفسير القرآن) مع الاختلاف في تقديم البسملة أو تأخيرها (¬4). 66 - كتاب فضائل القرآن: ثبت لأبي ذر، وسقط عند الباقين (¬5). 67 - كتاب النكاح: ثبت لجميع رواة الفربري بلا خلاف، وكذا للنسفي (¬6). 68 - كتاب الطلاق: ثبت للجميع بلا خلاف (¬7). - كتاب العدة: هكذا ذكره ابن بطال وحده في شرحه، ككتاب مستقل، وقال: وهو الصواب. وتبعه ابن الملقن في «التوضيح» والعيني في «العمدة» (¬8). 69 - كتاب النفقات: ثبت للجميع (¬9). 70 - كتاب الأطعمة: ثبت للجميع بلا خلاف (¬10). ¬

(¬1) «اليونينية» 5/ 2. (¬2) «اليونينية» 5/ 30. (¬3) «اليونينية» 5/ 71، «فتح الباري» 6/ 279. (¬4) «اليونينية» 6/ 16، «فتح الباري» 8/ 155، «عمدة القاري» 14/ 416. (¬5) «اليونينية» 6/ 181، «فتح الباري» 9/ 4. (¬6) «اليونينية» 7/ 2، «فتح الباري» 9/ 103. (¬7) «اليونينية» 7/ 40 (¬8) «شرح ابن بطال» 7/ 483، «التوضيح» 25/ 497، «عمدة القاري» 17/ 90. (¬9) «اليونينية» 7/ 62. (¬10) «اليونينية» 7/ 67.

71 - كتاب العقيقة: ثبت للجميع بلا خلاف (¬1). 72 - كتاب الذبائح والصيد والتسمية على الصيد: ثبت هكذا لكريمة والأصيلي وأبي الوقت، ووقع لابن عساكر: (كتاب الذبائح والصيد. باب التسمية على الصيد)، وسقط (كتاب) لأبي ذر، وجاء عنده: (باب الذبائح والصيد). كذا في «اليونينية». وفي «الفتح» و «العمدة»: كتاب الذبائح والصيد، كذا لكريمة والأصيلي ورواية عن أبي ذر، وفي أخرى له ولأبي الوقت: (باب) وسقط للنسفي (¬2). 73 - كتاب الأضاحي: ثبت لجميع رواة الفربري، وللنسفي أيضًا (¬3). 74 - كتاب الأشربة: ثبت للجميع بلا خلاف (¬4). 75 - كتاب المرضى: ثبت هكذا لأبي ذر، وللباقين: (كتاب الطب) كالآتي وهو ما أُثبت في صلب «اليونينية» وحكاية ما جاء فيها، وهكذا ذكره الحافظ وقال: كذا لهم، وخالفهم النسفي فلم يفرد (كتاب المرضى) من (كتاب الطب) بل صدر بكتاب الطب ثم بسمل، ثم ذكر: (باب ما جاء ..) واستمر على ذلك إلى آخر كتاب الطب، ولكل وجه، وفي بعض النسخ: (كتاب). وكذا قال العيني (¬5). 76 - كتاب الطب: ثبت لجميع رواة الفربري بلا خلاف (¬6). ¬

(¬1) «اليونينية» 7/ 83. (¬2) «اليونينية» 7/ 85، «فتح الباري» 9/ 598، «عمدة القاري» 17/ 204. (¬3) «اليونينية» 7/ 99، «فتح الباري» 10/ 3 (¬4) «اليونينية» 7/ 104. (¬5) «اليونينية» 7/ 114، «فتح الباري» 10/ 104، «عمدة القاري» 17/ 337. (¬6) «اليونينية» 7/ 122، «فتح الباري» 10/ 134.

77 - كتاب اللباس: ثبت للجميع بلا خلاف (¬1). 78 - كتاب الأدب: ثبت للجميع بلا خلاف، وللنسفي: (كتاب البر والصلة) (¬2). 79 - كتاب الاستئذان: ثبت للجميع بلا خلاف (¬3). 80 - كتاب الدعوات: ثبت للجميع بلا خلاف (¬4). 81 - كتاب الرقاق: ساقط من «اليونينية»، وقال الحافظ: قوله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. كتاب الرقاق. الصحة والفراغ ولا عيش إلا عيش الآخرة. كذا لأبي ذر عن السرخسي وسقط عنده عن المستملي والكشميهني: (الصحة والفراغ) ومثله للنسفي، وكذا للإسماعيلي لكن قال: (وأن لا عيش) وكذا لأبي الوقت لكن قال: (باب لا عيش) وفي رواية كريمة عن الكشميهني: (ما جاء في الرقاق وأن لا عيش إلا عيش الآخرة) (¬5). 82 - كتاب القدر ثبت لأبي ذر وحده، وزاد عن المستملي: (باب في القدر) وأسقط (كتاب) للباقين (¬6). 83 - كتاب الأيمان والنذور: ثبت للجميع بلا خلاف (¬7). 84 - كتاب كفارات الأيمان: ثبت هكذا لأبي ذر عن الحموي والكشميهني، ¬

(¬1) «اليونينية» 7/ 140. (¬2) «اليونينية» 8/ 2، «فتح الباري» 10/ 400 (¬3) «اليونينية» 8/ 50. (¬4) «اليونينية» 8/ 67. (¬5) «اليونينية» 8/ 88، «فتح الباري» 11/ 229. (¬6) «اليونينية» 8/ 122، «فتح الباري» 11/ 477. (¬7) «اليونينية» 8/ 127.

وله عن المستملي: (كتاب الكفارات)، وللباقين (باب) بدل (كتاب) (¬1). 85 - كتاب الفرائض: ثبت للجميع بلا خلاف (¬2). 86 - كتاب الحدود وما يحذر من الحدود: ثبت هكذا للجميع، واقتصر المستملي على (كتاب الحدود) وجعل الباقي بابًا هكذا: (باب ما يحذر من الحدود) (¬3). 87 - كتاب الديات: ثبت للجميع بلا خلاف (¬4). 88 - كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم: كذا لجميع رواة الفربري، وسقط لفظ (كتاب) من رواية المستملي، وأما النسفي فقال: (كتاب المرتدين) ثم بسمل ثم قال: (باب استتابة المرتدين ...) (¬5). 89 - كتاب الإكراه: ثبت للجميع بلا خلاف (¬6). 90 - كتاب الحيل: ثبت لأبي ذر وحده (¬7). 91 - كتاب التعبير: ثبت لأبي ذر، ووقع للنسفي والقابسي: (بابٌ أول ما بدئُ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي والرؤيا الصالحة) ولأبي ذر مثله إلا أنه سقط له عن غير المستملي لفظ (باب)، ولغيرهم: (باب التعبير ...) وللإسماعيلي: (كتاب التعبير) ولم يزد (¬8). ¬

(¬1) «اليونينية» 8/ 144، «فتح الباري» 11/ 594. (¬2) «اليونينية» 8/ 148، «فتح الباري» 12/ 3. (¬3) «اليونينية» 8/ 157، «فتح الباري» 12/ 58. (¬4) «اليونينية» 1/ 2. (¬5) «اليونينية» 9/ 13، «فتح الباري» 12/ 264. (¬6) «اليونينية» 9/ 19، «فتح الباري» 12/ 311. (¬7) «اليونينية» 9/ 22. (¬8) «اليونينية» 9/ 29، «فتح الباري» 12/ 352، «إرشاد الساري» 12/ 2.

92 - كتاب الفتن: ثبت للجميع بلا خلاف (¬1). 93 - كتاب الأحكام: ثبت للجميع بلا خلاف (¬2). 94 - كتاب التمني: ثبت لأبي ذر عن المستميلي، وسقط لباقي رواة الفربري وكذا النسفي والقابسي (¬3). 95 - كتاب أخبار الآحاد: ثبت هكذا فقط في نسخة الصنعاني، وعند الجميع: (باب)، قال الحافظ: يحتمل على هذا أن يكون من جملة أبواب الاعتصام (¬4). 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: ثبت للجميع بلا خلاف (¬5). 97 - كتاب التوحيد: ثبت هكذا للنسفي وحماد بن شاكر وعليه اقتصر الأكثر عن الفربري، وزاد المستملي: (الرد على الجهمية وغيرهم)، قاله الحافظ والعيني، وقال القسطلاني: في رواية المستملي كما في الفرع: (كتاب الرد على الجهمية). ثم قال الحافظ: وقع لابن بطال وابن التين: (كتاب رد الجهمية)، وغيرهم: (التوحيد) (¬6). ¬

(¬1) «اليونينية» 9/ 46. (¬2) «اليونينية» 9/ 61. (¬3) «اليونينية» 9/ 82، «فتح الباري» 13/ 217، «إرشاد الساري» 12/ 194. (¬4) «اليونينية» 9/ 86، «فتح الباري» 13/ 233. (¬5) «اليونينية» 9/ 91. (¬6) «اليونينية» 9/ 114، «فتح الباري» 13/ 344، «عمدة القاري» 20/ 266، «إرشاد الساري» 12/ 294.

الكتب المتفق عليها: الإيمان، الصلاة، الحج، الصوم، البيوع، الوكالة، الهبة، الشهادات، الوصايا، التفسير، النكاح، الطلاق، النفقات، الأطعمة، العقيقة، الأضاحي، الأشربة، اللباس، الأدب، الاستئذان، الدعوات، الأيمان والنذور، الفرائض، الديات، الإكراه، الفتن، الأحكام، الاعتصام بالكتاب والسنة، التوحيد.

النسفي ... أبو الوقت ... أبو ذر ... الأصيلي ... ابن عساكر الإيمان ... الإيمان ... الإيمان ... الإيمان ... الإيمان العلم ... العلم ... العلم (س) ... العلم ... العلم الوضوء ... الوضوء ... الوضوء ... الوضوء الغسل ... الغسل ... الغسل ... الغسل الحيض ... الحيض ... الحيض ... الحيض ... الحيض التيمم ... التيمم ... التيمم ... التيمم ... التيمم الصلاة ... الصلاة ... الصلاة ... الصلاة ... الصلاة - ... - ... - ... - ... الأذان - ... الجمعة ... الجمعة (هـ، ح) ... - ... الجمعة - ... - ... - ... - ... - - ... الوتر ... - ... - ... العيدين الاستسقاء ... الاستسقاء ... - ... الاستسقاء ... - الكسوف ... - ... الكسوف (س) ... - ... - الجنائز ... الجنائز ... الجنائز ... الجنائز الحج ... الحج ... الحج ... المناسك ... الحج الصيام ... الصوم ... الصوم ... الصوم ... الصوم الاعتكاف ... - - ... - ... - ... الاعتكاف البيوع ... البيوع ... البيوع ... البيوع ... البيوع السلم ... السلم ... السلم ... السم الشفعة ... - ... الشفعة (س) ... - ... - الإجارة ... - ... الإجارة (س) ... - ... -

الحوالات ... - ... الحوالات (س) ... - ... - الوكالة ... الوكالة ... الوكالة ... الوكالة ... الوكالة المزارعة ... - ... المزارعة (هـ) ... - ... - المساقاة ... المساقاة ... المساقاة ... المساقاة - ... - ... الاستقراض ... - ... - اللقطة ... - ... اللقطة (س) ... - ... - - ... - ... المظالم (س) ... - ... - الشركة ... - ... - ... - ... - الرهن ... - ... الرهن (هـ) ... - ... - العتق ... - ... العتق (س) ... - ... - - ... المكاتب ... - ... المكاتب ... المكاتب الهبة ... الهبة ... الهبة ... الهبة ... الهبة الشهادات ... الشهادات ... الشهادات ... الشهادات ... الشهادات الصلح ... الصلح ... - ... الصلح ... - - ... - ... الشروط ... - ... - الوصايا ... الوصايا ... الوصايا ... الوصايا ... الوصايا الجهاد والسير ... - ... - ... - ... - - ... - ... بدء الخلق (س) ... - ... - المغازي ... المغازي ... المغازي ... المغازي ... - التفسير ... تفسير القرآن ... تفسير القرآن ... التفسير ... التفسير - ... - ... فضائل القرآن ... - ... - النكاح ... النكاح ... النكاح ... النكاح ... النكاح

الطلاق ... الطلاق ... الطلاق ... الطلاق ... الطلاق النفقات ... النفقات ... النفقات ... النفقات ... النفقات الأطعمة ... الأطعمة ... الأطعمة ... الأطعمة ... الأطعمة العقيقة ... العقيقة ... العقيقة ... العقيقة ... العقيقة الذبائح والصيد ... الذبائح والصيد ... - ... الذبائح والصيد ... الذبائح والصيد الأضاحي ... الأضاحي ... الأضاحي ... الأضاحي ... الأضاحي الأشربة ... الأشربة ... الأشربة ... الأشربة ... الأشربة - ... - ... المرضى ... - ... - الطب ... الطب ... الطب ... الطب ... الطب اللباس ... اللباس ... اللباس ... اللباس ... اللباس البر والصلة ... البر والصلة ... الأدب ... الأدب ... الأدب الاستئذان ... الاستئذان ... الاستئذان ... الاستئذان ... الاستئذان الدعوات ... الدعوات ... الدعوات ... الدعوات ... الدعوات الرقاق ... - ... الرقاق ... - ... - - ... - ... القدر ... - ... - الأيمان والنذور ... الأيمان والنذور ... الأيمان والنذور ... الأيمان والنذور ... الأيمان والنذور الفرائض ... الفرائض ... الفرائض ... الفرائض ... الفرائض الحدود ... الحدود ... الحدود ... الحدود ... الحدود الديات ... الديات ... الديات ... الديات ... الديات المرتدين ... استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم ... استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم ... استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم ... استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم

الإكراه ... الإكراه ... الإكراه ... الإكراه ... الإكراه - ... - ... الحيل ... - ... - - ... - ... التعبير ... - ... - الفتن ... الفتن ... الفتن ... الفتن ... الفتن الأحكام ... الأحكام ... الأحكام ... الأحكام ... الأحكام - ... - ... التمني (س) ... - ... - الاعتصام بالكتاب والسنة ... الاعتصام بالكتاب والسنة ... الاعتصام بالكتاب والسنة ... الاعتصام بالكتاب والسنة ... الاعتصام بالكتاب والسنة التوحيد ... التوحيد ... التوحيد ... التوحيد ... التوحيد 55 ... 47 ... 60 ... 43 ... 46

جملة الأبواب التي زادها الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي: 1 - كتاب بدء الوحي. 2 - كتاب مواقيت الصلاة. 3 - كتاب صلاة الخوف. 4 - كتاب سجود القرآن. 5 - كتاب تقصير الصلاة. 6 - كتاب التهجد. 7 - كتاب فضل الصلاة. 8 - كتاب العمل في الصلاة. 9 - كتاب السهو. 10 - كتاب العمرة. 11 - كتاب المحصر. 12 - كتاب جزاء الصيد. 13 - كتاب فضائل المدينة. 14 - كتاب صلاة التراويح. 15 - كتاب فضل ليلة القدر. 16 - كتاب الكفالة. 17 - كتاب الخصومات. 18 - كتاب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. 19 - كتاب مناقب الأنصار. - كتاب العدة - زاده ابن بطال وتبعه ابن الملقن والعيني.

رابع عشر: الاختلافات اللغوية الناشئة عن الاختلاف بين لغات العرب وأوجه الإعراب

رابع عشر: الاختلافات اللغوية الناشئة عن الاختلاف بين لغات العرب وأوجه الإعراب الأمر الأول: الاختلافات الناشئة لاختلاف لغات العرب: إن لغات العرب مختلفة، ويحدث بين القبائل العربية اختلاف في إعراب أو رسم بعض الكلمات. وقد جاء في «الصحيح» بعض الأمثلة من الاختلافات، ويمكن إرجاع السبب فيها إلى اختلاف اللغات، فمنها: 1 - لغة ربيعة: ووقفت على عدة أمثلة أذكر منها: أ - ما جاء من اختلافهم في رسم كلمة: (أربع) وذلك في كتاب: العمرة، باب: كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه أن مجاهدا وعروة بن الزبير سألاه: كَمْ عدد عُمَرَاتِ النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: (أَرْبَعً) إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ ... الحديث. كذا جاء اللفظ عند اليونيني في أصله: (أَرْبَعً) بصورة المرفوع وعليها فتحتان، ورمز اليونيني لصحة ذلك عند أبي ذر أيضًا. قال ابن مالك في «شواهد التوضيح» (¬2) كذا في بعض النسخ برفع (أربع) وفي بعضها بالنصب. ثم قال بعد أن بسط كثيرا من الأمثلة على جواز رفع أربع أو نصبها من حيث الأوجه الإعرابية، قال: فعلى ما قررته: النصب والرفع في (أربع) بعد السؤال عن الاعتمار جائزان، إلا أن النصب أقيس وأكثر نظائر، ويجوز ¬

(¬1) 3/ 2 (1775). (¬2) ص: 37.

أن يكون كُتب على لغة ربيعة، وهو في اللفظ منصوب (¬1). ب - اختلافهم في كلمة (ثابت) ما جاء في كتاب: الصوم، باب: الحجامة والقيء للصائم (¬2). قال البخاري: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ (ثَابِتً) الْبُنَانِيَّ يَسْأَلُ قَالَ: سُئِلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ. كذا جاءت كلمة (ثَابِتً) بصورة المرفوع وعليها فتحتان، وفي الهامش عليها: (ثابتً)، هو هكذا في «اليونينية» بصورة المرفوع وعليه فتحتان. اهـ. ولم يتعرض لذلك ابن حجر ولا غيره من الشراح، وجاءت في المطبوع من «الفتح»: (ثابتًا) كذا. وهذه الصورة التي جاءت في «اليونينية» يمكن تخريجها على لغة ربيعة، والله أعلم. 3 - اختلافهم في (منع وهات): ومنه ما جاء في كتاب الخصومات، باب: ما يُنهى عن إضاعة المال من حديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَادَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» (¬3). كذا جاءت كلمة (مَنَعَ) في «اليونينية» مصححًا عليها، وبهامشها: (ومنعًا) ورمز اليونيني إلى صحة الرواية عند أبي ذر كذلك. ¬

(¬1) «شواهد التوضيح» ص: 39. (¬2) 3/ 33 (940). (¬3) 3/ 120 (2408).

وقال ابن مالك في «شواهد التوضيح»: ومن المكتوب على لغة ربيعة: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَادَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ» أي: منعًا وهات، فحُذف الألف لما ذكرتُ لك، وحذفها هنا بسبب آخر لا يختص بلغة؛ وهو أن تنوين (منعًا) أُبدل واوًا، وأُدغم في الواو، فصار اللفظ بعين تليها واو مشددة، كاللفظ (يعول) وشبهه، فجُعلت صورته في الخط مطابقةً للفظه، كما فعل بكَلِمٍ كثيرةٍ في المصحف، ويمكن أن يكون الأصل: ومنع حق وهات، فحُذف المضاف إليه وبقيت هيئة الإضافة (¬1). ج - ومما جاء على لغة ربيعة أيضًا ما جاء في قول عائشة رضي الله عنها فيما أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب: المُحَصَّب (¬2) قالت: إنما كان منزل ينزله النبي - صلى الله عليه وسلم -. ا. هـ. كذا جاء الحديث في «اليونينية» (منزل) بصورة المرفوع والمجرور، وفي الهامش رمز أنه عند أبي ذر: (منزلاً) بالنصب، وكذا هي عند ابن حجر في «الفتح». فقد وجه ابن مالك في «شواهد التوضيح» الرواية الأولى بثلاثة أوجه. وذكر الوجه الثالث منها فقال: الوجه الثالث: أن يكون (منزل) منصوبًا في اللفظ، إلا أنه يكتب بلا ألف على لغة ربيعة؛ فإنهم يقفون على المنصوب المنون بالسكون وحذف التنوين بلا بدل، كما يفعل أكثر العرب في الوقف على المرفوع والمجرور، وإنما كُتب المنون المنصوب بالألف؛ لأن تنوينه يبدل في الوقف ألفًا، فرُوعِي جانب الوقف، كما روعي في (أنا) فكتب بالألف لثبوتها وقفًا، ولم يبالوا بحذفها وصلاً، وكما رُوعِي في ¬

(¬1) انظر: «شواهد التوضيح» ص: 49 - 45. (¬2) 2/ 181 (1766).

(مسلمة) ونحوه، فكتب بالهاء لثبوتها وقفًا، ولم يبالوا بثبوتها في الوصل تاء، وكما رُوعِي في (به) و (له) ونحوهما، فكتبا بلا ياء ولا واو كما يوقف عليهما، ولو رُوعِي فيهما جانب الوصل لكتبا بياء وواو، فمن لم يقف على المنون المنصوب بألف استغنى عنها في الخط؛ لأنها على لغته ساقطة وقفًا ووصلاً. اهـ (¬1). 2 - لغة بني الحارث بن كعب. ومن أمثلة الاختلافات التي جاءت على هذه اللغة: أ - قوله: (اثنا عشر) وهو ما جاء في كتاب: الأذان، باب: السمر مع الضيف والأهل (¬2) من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر: أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ ... الحديث، وفيه: فَتَفَرَّقْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً. كذا العبارة في «اليونينية»، وفي الهامش رمز أن في رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت ونسخة أخرى: (اثني). قال ابن مالك: مقتضى الظاهر أن يقول: وفرقنا اثني عشر رجلًا. لأن (اثني عشر) حال من النون والألف، ولكنه جاء بالألف على لغة بني الحارث بن كعب، فإنهم يلزمون المثنى وما جرى مجراه الألف في الأحوال كلها؛ لأنه عندهم بمنزلة المقصور (¬3). 2 - اختلافهم في لفظة (المتبايعان). ¬

(¬1) «شواهد التوضيح» ص: 37، «فتح الباري» 3/ 591. (¬2) 1/ 124 (602) هامش (17). (¬3) «شواهد التوضيح» ص: 97.

مثاله: ما جاء في كتاب: البيوع، باب: كم يجوز الخيار (¬1) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَكُونُ الْبَيْعُ خِيَارًا» كذا جاءت الكلمة في «اليونينية» وفي الهامش رمز أنها عند ابن عساكر: (المتبايعان). قال القسطلاني: هي على لغة من أجرى المثنى بألف مطلقا (¬2). ا. هـ. قلت: وهي لغة بني الحارث كما سبق ذكره عن ابن مالك. 3 - اختلافهم في كلمة (أبا جهل): ومنه ما جاء في كتاب: المغازي، باب: قول الله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ} (¬3) من حديث أنس رضي الله عنه في قول عبد الله بن مسعود: أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ كذا جاء في «اليونينية» وصححها اليونيني في الأصل، وفي الحاشية أن في رواية أبي ذر عن شيخيه الكشميهني والحمّويي، والأصيلي، وابن عساكر: (أَبَا جَهْلٍ) وقال ابن مالك (¬4) وهو يتكلم عن لغة بني الحارث: ومن لغتهم أيضًا قصر الأب والأخ، كقول ابن مسعود رضي الله عنه لأبي جهل: أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ ا. هـ. وقال ابن حجر في «الفتح» (¬5): قوله: (أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟) كذا للأكثر، وللمستملي وحده: (أَنْتَ أبُو جَهْلٍ؟)، والأول هو المعتمد في حديث أنس ¬

(¬1) 3/ 64 (2107). (¬2) وانظر «شرح ابن عقيل» على ألفية ابن مالك 1/ 58 - 59. (¬3) 5/ 74 (3963). (¬4) ص: 97. (¬5) 7/ 295.

هذا، فقد صرح إسماعيل ابن علية عن سليمان التيمي بأنه هكذا نطق بها أنس .. ثم قال: وقد وُجهت هذه الرواية المذكورة بالحمل على لغة من يثبت الألف في الأسماء الستة في كل حالها. اهـ. 3 - ومن اللغات أيضًا لغة طيء: ومن أمثلة الاختلافات التي تمثل هذه اللغة ما جاء في كتاب الصلح، باب: الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث .. وفيه في ترجمة الباب: فإن تَوِيَ لأحدهما لم يرجع على صاحبه (¬1). كذا في «اليونينية» بفتح المثناة وكسر الواو وصحح عليها، وفي الحاشية على هذه الكلمة: عند أبي ذر: (تَوَى) بفتح الواو، وهي على لغة طيء ا. هـ. 4 - ومن الأمثلة التي جاء الاختلاف فيها تبعًا لأحد اللغات: أ - ما جاء في كتاب: جزاء الصيد، باب من قال: ليس على المحصر بدل (¬2). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وفيه: (وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ، وَأَهْدَى). ضبطت كلمة (مُجْزِيًا) في «اليونينية» بضم الميم وسكون الجيم وكسر الراء وآخرها ألف وعليها فتحتان. وفي الهامش: رمز أن رواية أبي ذر مصححًا، والأصيلي، وابن عساكر مصححًا أيضًا بلفظ: (مُجزئ) بضم الميم وسكون الجيم آخرها همزة وعليها ضمتان. اهـ. وقال القسطلاني: (مجزيًا) بغير همز في «اليونينية» وكشطها في الفرع، وأبقى الياء على صورتها منصوبًا على لغة من ينصب الجزأين بـ (أن) أو خبر (يكون) محذوفة. ا. هـ ¬

(¬1) «اليونينية» 3/ 1187. (¬2) 3/ 10 (1813).

وقال ابن حجر في الفتح: قوله: (ورأى أن ذلك مُجزئ عنه) كذا لأبي ذر وغيره بالرفع على أنه خبر (أنّ)، ووقع في رواية كريمة: (مجزيًا) فقيل هو على لغة من ينصب بـ (أن) المبتدأ والخبر، أو هى خبر (كان) المحذوفة، والذي عندي أنه من خطأ الكاتب؛ فإن أصحاب الموطأ اتفقوا على روايته بالرفع على الصواب. ا. هـ (¬1) قلت (الباحث): وهذه اللغة لغة معروفة وقد جاءت في بعض الأحاديث الأخرى (¬2). ب - ومما جاء على القاعدة المشهورة عند بعض العرب، وهي إبدال الهمزة بعد النقل بمجانس حركتها: ما جاء في كلمة (أخوة) في حديث أبي سعيد الخدري في فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، في كتاب: فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سُدُّوا الأَبْوَابَ إِلاَّ بَابَ أبا بَكْرٍ ...» (¬3). قال القاضي عياض (¬4): في فضل أبي بكر: «وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ» كذا للقابسي والنسفي والسجزي والهروي وعبدوس كما جاء في سائر الأحاديث، قال نفطويه: إذا كانت من غير ولادة فمعناها المشابهة، وعند العذري والأصيلي هنا: (وَلَكِنْ خُوَّةُ الإِسْلاَمِ). ¬

(¬1) «فتح الباري» 4/ 12. (¬2) انظر كتاب «العلل لابن أبي حاتم» ص: 525 مسألة (550) في باب: علل رويت في الصلاة ومسائل رقم (591)، 730 غير ذلك، وانظر: «شرح النووي على مسلم» 3/ 72 حيث حكى اختلاف الاصول في حديث أبي هريرة في الشفاعة في جملة: (إن قعر جهنم لسبعون خريفًا). (¬3) 5/ 4 (3654). (¬4) 1/ 22 (المكتبة العتيقة).

وكذا جاء في باب: الخوخة في المسجد للجرجاني والمروزي، وعند الهروي: (أخوة)، وعند النسفي: (خلة)، وكذا في باب الهجرة. قال شيخنا أبو الحسن بن الأخضر النحوي: ووجهه أنه نقل حركة الهمزة إلى نون (لكن) تشبيها بالتقاء الساكنين، ثم جاء منه الخروج من الكسرة إلى الضمة فسكن النون. ا. هـ. وقال ابن حجر في «الفتح»: ووقع في بعض الروايات (وَلَكِنْ خُوَّةُ الإِسْلاَمِ) بغير ألف فقال ابن بطال: لا أعرف معنى هذه الكلمة، ولم أجد (خوة) بمعنى خلة في كلام العرب ا. هـ. وقد وجدت في بعض الروايات: (وَلَكِنْ خُلَةُ الإِسْلاَمِ) وهو الصواب، وقال ابن التين: لعل الألف سقطت من الرواية، فإنها ثابتة في سائر الروايات، ووجهه ابن مالك بأنه نقلت حركة الهمزة إلى النون فحذف الألف، وجَوز مع حذفها ضم نون (لكن) وسكونها، قال: ولا يجوز مع إثبات الهمزة إلا سكون النون فقط. ا. هـ (¬1) وذكر ابن مالك في «شواهد التوضيح» أن: (خوة) أصلها (أخوة) فنقلت حركة الهمزة إلى النون وحذفت الهمزة على القاعدة المشهورة ثم قال: ونبهت بقولي: على القاعدة المشهورة، على أن من العرب من يبدل الهمزة بعد النقل بمجانس حركتها، فيقول: هؤلاء نشؤُ صدق، ورأيت نشأ صدق، ومررت بنشيء صدق .. ثم قال: وشبيه بـ (ولكن خوة الإسلام) في تخفيف مرتين (كذا) وحذف همزته لفظًا وخطًا: قوله تعالى: {لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} ¬

(¬1) «فتح الباري» 7/ 13 - 14، وينظر: «شرح ابن بطال» 2/ 116، و «شواهد التوضيح» ص: 82 - 83.

الأمر الثاني: الاختلافات الناشئة عن اختلاف العلماء في المذاهب أو المدارس النحوية

فإن أصله: لكن أنا، فنقلت حركة الهمزة، وحذفت فصار لكننا، واستثقل توالي النونين متحركتين، فسكن أولهما، وأدغم في الثاني ... ثم قال: والحاصل أن للناطق بـ (ولكن خوة الإسلام) ثلاثة أوجه: سكون النون وثبوت الهمزة بعدها مضمومة، وضم النون وحذف الهمزة، وسكون النون وحذف الهمزة. فالأول أصل، والثاني فرع، والثالث فرع فرع (¬1). الأمر الثاني: الاختلافات الناشئة عن اختلاف العلماء في المذاهب أو المدارس النحوية: ومن هذه الأمثلة الاختلاف الوارد في جملة: (ثلاث غُرف) أو (ثلاث غرفات) و (ثلاث مرار)، (وثلاث مرات) حيث اختلف البصريون والكوفيون في استعمال جمع الكثرة مكان جمع القلة في أسماء العدد. فحكم العدد من ثلاثة إلى عشرة في التذكير ومن ثلاث إلى عشر في التأنيث، أن يضاف إلى أحد جموع القلة الستة، وهي: أفْعَل، وأفعَال، وفعلة، وأفعلة، والجمع بالألف والتاء، وجمع المذكر السالم. فإن لم يجمع المعدود بأحد هذه الستة جيء بدله بالجمع المستعمل، كقولك: ثلاثة سباع وثلاثة ليوث. ومنه قول أم عطية رضي الله عنها: جعلن رأس بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة قرون (¬2). فإن كان المعدود جمع قلة وأضيف إلى جمع كثرة، لم يقس عليه كقوله تعالى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [البقرة: 228] فأضيف ثلاثة إلى ¬

(¬1) «شواهد التوضيح» ص: 82 - 83. (¬2) رواه البخاري كتاب الجنائز، باب نقض شعر المرأة.

قروء، وهو جمع كثرة مع ثبوت أقراء، وهو جمع قلة، ولكن لا عدول عن الاتباع عند صحة السماع كما قال ابن مالك. ومن هذا القبيل قول حُمران: (فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ) (¬1) فإن مرارًا جمع كثرة وقد أضيف إليه، مع إمكان الجمع بالألف والتاء، وهو من جموع القلة، فثلاث مرار نظير ثلاث قروء. وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَاتٍ) (¬2) فوارد على مقتضى القياس، لأن الجمع بالألف والتاء جمع قلة. وأما قول عائشة رضي الله عنها: (ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَاسِهِ ثَلاَثَ غُرَفٍ) فالقياس عند البصريين أن يقال: (ثلاث غُرفات) - كما جاء ذلك عند الأصيلي كما في هامش «اليونينية» وعزاها الحافظ في الفتح للكشميهني - لأن الجمع بالألف والتاء جمع قلة والجمع على فُعَل عندهم جمع كثرة. والكوفيون يخالفونهم، فيرون أن فُعَلاً وفِعَلاً من جموع القلة، ويعضدُ قَوَلَهم قولُ عائشة رضي الله عنها (ثلاث غُرف) كما جاء عند جمهور الرواة في هذا الحديث. كما يؤيد هذا المذهب وهذه الرواية قول الله تعالى: {فَاتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ} [هود: 13] ويعضد قولهم في فِعَل قوله تعالى {عَلَى أَن تَاجُرَنِي ¬

(¬1) رواه البخاري كتاب: الوضوء، باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا 1/ 43 (159). وفي «اليونينية» ثلاث مرار، وفي الحاشية رمز أنها عند الأصيلي، وكريمة، ونسخة أخرى (مرات). (¬2) رواه البخاري في كتاب: مواقيت الصلاة، باب: الصلوات الخمس كفارة، 1/ 112 (528) ولفظه: (كل يوم خمسًا) ومسلم في صحيحه كتاب المساجد، باب: المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا. (667) ولفظه: (كل يوم خمس مرات).

الأمر الثالث: الاختلافات الناشئة لوجود أكثر من وجه إعرابي

ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27] فإضافة (ثلاث) إلى (غرف)، و (عشر) إلى (سور)، و (ثماني) إلى (حجج)، مع إمكان الجمع بالألف والتاء، دليل على أن فُعَلاً وفِعَلاً جمعا قلةٍ، للاستغناء بهما عن الجمع بالألف والتاء. والحاصل أن (ثلاث غُرف) إن وُجَّه على مذهب البصريين، ألحق بثلاثة قروء، وإن وجه على مذهب الكوفيين فهو على مقتضى القياس. وعليه يمكن أن يقال أن كلا الروايتين على مقتضى القياس عند أحد المدرستين. فرواية (ثلاث غُرف) و (ثلاث مرار) على مقتضى القياس على مذهب الكوفيين، و (ثلاث غُرفات) و (ثلاث مرات) على مقتضى القياس على مذهب البصريين. والله أعلم (¬1). الأمر الثالث: الاختلافات الناشئة لوجود أكثر من وجه إعرابي وهي كثيرة ومنها على سبيل المثال: 1 - ما جاء في المثال السابق في كتاب العمرة: باب: كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن بعض الصحابة رضي الله عنهم سُئل: كم اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: (أربعٌ) وفي بعض الروايات: (أربعًا). قال ابن مالك بعد توجيه كلتا الروايتين: فعلى ما قررته: النصب والرفع في (أربع) بعد السؤال عن الاعتمار جائزان، إلا أن النصب أقيس وأكثر نظائر (¬2). 2 - ومن هذه الأمثلة الاختلاف الوارد بين الرواة في كلمة: (المجاهرين) في قوله - صلى الله عليه وسلم - «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ». ¬

(¬1) يراجع في ذلك «شواهد التوضيح» ص: 89 - 91، «اليونينية» 1/ 59 (248)، «فتح الباري» 1/ 361. (¬2) «شواهد التوضيح» ص: 39.

فقد أخرجه البخاري في كتاب: الأدب، باب: ستر المؤمن على نفسه (¬1) كذا في النسخة «اليونينية» وكذا هو في النسخة التي شرح عليها ابن حجر، وقال الحافظ في الفتح: كذا الأكثر، وكذا في رواية مسلم ومستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم بالنصب، وفي رواية النسفي: (إلا المجاهرون) بالرفع، وعليها شرح ابن بطال وابن التين وقال: كذا وقع، وصوابه عند البصريين بالنصب، وأجاز الكوفيون الرفع في الاستثناء المنقطع، كذا قال. وقال ابن مالك: (إلا) على هذا بمعنى: لكن ... وكذلك المعنى هنا: لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون، فالمجاهرون مبتدأ والخبر محذوف، وقال الكرماني: حق الكلام النصب، إلا أن يقال أن العفو بمعنى الترك وهو نوع من النفي (¬2) ا. هـ. ومثل هذا في قوله - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما كما جاء في «اليونينية» (¬3) كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا}. قال: «وَلاَ تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِلاَّ اللَّهُ» أي: لكن الله يعلم بأي أرض تموت كل نفس (¬4). 3 - ومن هذه الاختلافات ويمكن توجيهها إعرابيًا: ما جاء في قوله - صلى الله عليه وسلم - في صفة الدجال: «وإن بين عينيه مكتوب كافر» كذا جاء اللفظ في «اليونينية» مصححًا عليه، وفي الحاشية رمز إلى أن في ¬

(¬1) 8/ 20 (6069). (¬2) «فتح الباري» 10/ 486، وينظر: «شواهد التوضيح» ص: 41. (¬3) 9/ 116. (¬4) ينظر: «شواهد التوضيح» ص: 43.

رواية أبي ذر مصححًا، والاصيلي مُصححًا أيضًا: «وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ» (¬1). قال ابن مالك: إذا رفع في حديث الدجال (مكتوب) جُعل اسم (إن) محذوفًا، وما بعد ذلك جملة من مبتدأ وخبر في موضع رفع خبرًا لأن، والاسم المحذوف إما ضمير الشأن وإما ضمير عائد على الدجال .. ثم قال: ومن روى (مكتوبًا) فيحتمل أن يكون اسم (إن) محذوفًا على ما تقرر في رواية الرفع، و (كافر) مبتدأ، وخبره (بين عينيه)، و (مكتوبًا) حال. أو يجعل (مكتوبًا) اسم (ان)، و (بين عينيه) خبرًا، و (كافر) خبر مبتدأ، والتقدير: هو كافر. ويجوز رفع (كافر) بـ (مكتوب) وجعله سادًّا مسد خبر (إن)، كما يقال: إن قائمًا الزيدان، وهذا مما انفرد به الأخفش (¬2). وغير ذلك كثير مما ساقه ابن مالك في «شواهد التوضيح». ¬

(¬1) 9/ 60 (7131) كتاب الفتن باب ذكر الرجال. (¬2) «شواهد التوضيح» ص: 147 - 149.

الفصل الثالث: نتائج الوقوف على الاختلافات

الفصل الثالث: نتائج الوقوف على الاختلافات

أولا: إزالة إشكالات وعلل في الإسناد

إن الوقوف على الاختلافات بين الرواة، ومراعاة هذه الاختلافات له فوائد كثيرة، وهذه الفوائد أو النتائج منها ما يعود إلى المروي، ومنها ما يعود إلى المروي عنه، ومنها ما يعود على الراوي. ولقد وقعت إشكالات كثيرة في النصوص من إعلال لها، أو نسبه الوهم إلى أصحابها، وما ذلك إلا نتيجة لعدم مراعاة هذه الاختلافات. ونتائج الوقوف على الاختلافات كثيرة لا يمكن حصرها وفيما يلي بعض من هذه النتائج: أولًا: إزالة إشكالات وعلل في الإسناد، ومنها: أ - وصل المنقطع. ب - إرسال الحديث أو وصله. جـ - اتصال الحديث أو تعليقه. د - إزالة عنعنة المدلس. هـ - إزالة المدرج في السند. و- إزالة الاضطراب الواقع في السند. 1 - ومن الأمثلة التي أزيل فيها الاضطراب بالوقوف على الروايات: ما جاء في الحديث الذي سبق ذكره في التصحيف من أسباب الاختلاف وهو في: كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (¬1) قال: حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنا ابْنُ شِهابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ والأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا كانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كانَ عَلَى كُلِّ بابٍ مِنْ أَبْوابِ الْمَسْجِدِ الْمَلاَئِكَةُ، ...». الحديث. ¬

(¬1) 4/ 111 - 112 (3211)

فعند جمهور الرُّواة عن البُخارِيّ هكذا: ابن شهاب عن أبي سلمة والأغر - بالمعجمة والراء المثقلة - عن أبي هريرة. ووقع في رِواية الكُشْمِيهَني عن الفَرَبْريّ وحده: (والأعرج) - بالعين المهملة الساكنة وآخره جيم. والأول أرجح؛ فإن الحديث مشهور من رِواية الأغر، وهو سلمان أبو عبد الله المديني، فقد ذكره مسلم من طريق يونس بن يزيد الأيلي (¬1) والنسائي في «المجتبى» (¬2) من حديث معمر كلاهما عن الزهري قال: أخبرني أبو عبد الله الأغَرُّ أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه فذكره. وقال الجَيّانيّ في «تقييد المهمل»: ويروى - أيضًا - من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، قال ابن السكن: ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري، عن الزهري، عن أبي سلمة وسعيد وأبي عبد الله الأَغر، فصح بهذا كله أن الحديث حديث الأغر، لا حديث الأعرج (¬3). اهـ. وعقب على الجَيّانيّ ابنُ حجر في «الفتح» قائلًا: قلت: بل ورد من رِواية الأعرج أيضًا، أخرجه النسائي من طريق عقيل ومن طريق عمرو بن الحارث، كلاهما عن الزهري، عن الأعرج عن أبي هريرة (¬4). فظهر أن الزهري تحمله عن جماعة، وكان تارة يفرده عن بعضهم، وتارة يذكره عن اثنين منهم، وتارة عن ثلاثة. والله أعلم (¬5) اهـ. ¬

(¬1) كتاب الجمعة، باب فضل التهجير يوم الجمعة (850). (¬2) 3/ 97 - 98 كتاب الجمعة، باب التبكير إلى الجمعة. (¬3) ص: 647 (¬4) «السنن الكبرى» كتاب الجمعة باب قعود الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد 1/ 254 (1689). (¬5) 6/ 309 - 310

2 - مثال ترتب فيه على الاختلاف إرسال الحديث أو وصله: ما جاء في كتاب: الحدود، باب كم التعزير والأدب (¬1) قال: حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. هكذا روي الحديث بهذا الإسناد مسندًا متصلًا عن أبي علي ابن السكن وأبي زيد وأبي ذر وغيرهم (¬2). وفي نسخة أبي محمد الأصيلي، عن أبي أحمد الجُرْجانيّ، عن الفَرَبْريّ: سالم بن عبد الله بن عمر أنهم كانوا ... فتصحفت (عن) إلى (بن) وهو خطأ، فإن الحديث محفوظ على الاتصال وكذلك رواه البُخارِيّ في مواضع أخرى من «الصحيح» كما في كتاب: البيوع، باب: ما ذكر في بيع الطعام والحكرة (¬3) من طريق الأوزاعي، عن الزهري به مرفوعًا متصلًا. وفي كتاب: البيوع أيضًا باب: من رأى إذا اشترى طعامًا جزافًا (¬4) من طريق يونس، عن الزهري به مرفوعًا متصلًا. 3 - وعكس ذلك - أي تصحيف (ابن) إلى (عن) - ما حدث في الحديث الذي رواه البُخارِيّ في كتاب: الكسوف، باب: قول الإمام في خطبة الكسوف: أما بعد (¬5) حيث قال البُخارِيّ: وقال أبو أسامة: حَدَّثَنا هشام قال: أخبرتني فاطمة بنت المنذر، عن أسماء .. الحديث. قال أبو علي ¬

(¬1) 8/ 174 (6852) (¬2) كما في «تقييد المهمل» ص: 749، وكما في «السلطانية». (¬3) 3/ 68 (2131) (¬4) 3/ 68 - 69 (2137) (¬5) 2/ 39 (1061)

الجَيّانيّ: وقع في رِواية ابن السكن في إسناد هذا الحديث وهم، وذلك؛ أنه زاد في الإسناد رجلًا، أدخل بين هشام وفاطمة، عروة بن الزبير، والصواب: هشام عن فاطمة. اهـ (¬1). وقال ابن حجر - بعد كلام الغساني هذا: لعله كان عنده: هشام بن عروة بن الزبير، فتصحفت (ابن) فصارت (عن)، وذلك من الناسخ وإلا فابن السكن من الحفاظ الكبار. اهـ (¬2). 4 - مثال يترتب عليه تعليق الحديث أو اتصاله: ما جاء في «الصحيح» في كتاب: الجهاد، باب: درجات المجاهدين في سبيل الله (¬3) حيث ذكر في المتابعة: وقال محمد بن فلَيحِ، عن أبيه: وفوقه عرش الرحمن. اهـ. قال أبو على الجَيّانيّ: وفي نسخة أبي الحسن القابسي (¬4): نا محمد بن فليح وهذا وهم، والبُخارِيّ لم يدرك محمد بن فليح، إنما يروي عن إبراهيم بن المندر ومحمد بن سنان عنه، والصواب: وقال محمد بن فليح، كما روت الجماعة معلقا. اهـ (¬5). قلت: (الباحث) وقد أخرج البُخارِيّ هذا الحديث في «الصحيح» كتاب: التوحيد، باب: وكان عرشه على الماء (¬6)، قال: حَدَّثَنا إبراهيم بن ¬

(¬1) «تقييد المهمل» ص: 598 (¬2) «الفتح» 2/ 547 (¬3) 4/ 16 بعد حديث (2790). (¬4) أي: عن أبي زيد المروزي عن الفَرَبْريّ. (¬5) «تقييد المهمل» ص: 627. (¬6) 9/ 125 (7423).

المنذر حدثني محمد ابن فليح قال: حدثني أبي، حدثني هلال، عن عطاء بن يسار به، مثله. وغرض البُخارِيّ من هذه المتابعة السابقة التأكيد على أن محمد بن فليح روى هذا الحديث عن أبيه ولم يشك في قوله: فوقه عرش الرحمن، حيث إن فليحًا روى الحديث عن هلال بن علي، وفيه قال: أراه: فوقه عرش الرحمن. أي: على الشك. والله أعلم (¬1). 5 - ومما يترتب عليه وصل الحديث أو تعليقه من اختلاف الروايات: ما جاء في «الصحيح» في كتاب: الصوم، باب: من زار قومًا فلم يفطر عندهم (¬2) قال: حَدَّثَنا محمد بن المثنى قال: حدثني خالد - هو ابن الحارث - حَدَّثَنا حميد، عن أنس رضي الله عنه: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أم سليم فأتته بتمر ... الحديث. وقال في آخره: حَدَّثَنا ابن أبي مريم أَخْبَرَنا يحيى قال: حدثني حميدٌ سمع أنسًا رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. اهـ. كذا جاء السياق عند اليُونِينِيّ وعند قوله: (حَدَّثَنا ابن أبي مريم) حاشية وفيها ما يدل على أن رِواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة، ورِواية أبي الوَقْت، عن الدّاوُدِيّ، عن الحَمُّوييّ، عن الفَرَبْريّ: (قال). أي: بدلًا من (حَدَّثَنا). وقال ابن حجر في «تغليق التعليق» - بعد أن ساق اللفظ هكذا: وقال ابن أبي مريم: أنا يحيى .. فذكره - هكذا وقع في روايتنا من طريق أبي الوَقْت، عن الدّاوُدِيّ، عن الحَمُّوييّ. ومن طريق أبي ذر الهَرَويّ عن الشيوخ الثلاثة الحَمُّوييّ والكُشْمِيهَني والمُسْتَمْلِيّ، لكن وقع في رِواية كريمة المَرْوَزيّة عن الكُشْمِيهَني، وفي ¬

(¬1) وينظر: «فتح الباري» 6/ 13. (¬2) 3/ 41 عقب حديث (1982).

رِواية أبي محمد الأصيلي عن أبي زيد المَرْوَزيّ، وفي رِواية غير واحد كلهم عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ في هذا الموضع: حَدَّثَنا ابن أبي مريم، قال: أنا يحيى بن أيوب فذكره. اهـ (¬1). وكذا ذكر ما يدل على ذلك ابن حجر في «الفتح» (¬2) وفي «هدي الساري» (¬3) وذكره ابن الملقن في «التوضيح» (¬4) بلفظ: وقال ابن أبي مريم. وروايته في هذا الكتاب من طريق أبي الوَقْت، عن الدّاوُدِيّ، عن الحَمُّوييّ، عن الفَرَبْريّ. قلت: (الباحث) فعلى ذلك لو اعتبرنا رِواية أبي الوَقْت وأبي ذر الهَرَويّ كان الحديث موصولًا، ولو اعتبرنا رِواية كريمة ومن تبعها لكان الحديث معلقًا. فائدة سبب سياق البُخارِيّ لهذا الإسناد هو تصريح حميد بالسماع من أنس بن مالك رضي الله عنه؛ لأن الطريق التي ساقها البُخارِيّ من رِواية خالد بن الحارث عن حميد قد عنعن فيها - وهو حميد بن أبي حميد الطويل - وهو مدلس (¬5) لاسيما وقد اشتهر عنه أنه ربما دلس عن أنس رضي الله عنه (¬6). ومن الأحاديث التي وقع في «الصحيح» الاختلاف في الروايات على ¬

(¬1) 3/ 199. (¬2) 4/ 230. (¬3) ص: 40. (¬4) 13/ 481. (¬5) «التقريب» ص: 181 (1544). (¬6) وينظر: «فتح الباري» 4/ 230.

وصلها أو تعليقها وهي عن ابن أبي مريم هذا ما جاء أيضًا في الحديث الذي ذكره البُخارِيّ في كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في القبلة .. (¬1) قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا عمرو بن عون قال: حَدَّثَنا هشيم، عن حميد، عن أنس .. الحديث. ثم قال البُخارِيّ بعده: حَدَّثَنا ابن أبي مريم قال: أَخْبَرَنا يحيى بن أيوب قال: حدثني حميد قال: سمعت أنسًا بهذا. كذا جاء سياق الإسناد في أصل «اليُونِينيّة» وعلى كلمة: (حَدَّثَنا) عدة حواش تدل على أنه جاء في رِواية ابن عساكر: قال محمد (¬2) وقال ابن أبي مريم، وفي رِواية أبي ذر عن المُسْتَمْلِيّ وحده قال أبو عبد الله (¬3): وحَدَّثَنا ابن أبي مريم، وللأصيلى وأبي ذر عن الحَمُّوييّ والكُشْمِيهَني: وقال ابن أبي مريم. وذكر القَسْطَلّانِيّ (¬4) تبعًا لابن حجر في «الفتح» (¬5) أن في رِواية كريمة: حَدَّثَنا ابن أبي مريم، وفي «التوضيح» لابن المقلن: حَدَّثَنا ابن أبي مريم. وهي رِواية أبي الوَقْت، عن الدّاوُدِيّ، عن الحَمُّوييّ، عن الفَرَبْريّ وهو يوافق ما جاء في السلطانية على ما اقتضاه صنيع اليُونِينِيّ من حكاية الاختلاف في باقي النسخ التي اعتمد عليها. ثم قال ابن الملقن في «التوضيح» (¬6): فائدة إيراد البُخارِيّ طريق يحيى ¬

(¬1) 1/ 89 (402). (¬2) أي البُخَارِيّ. (¬3) أي البُخَارِيّ. (¬4) 1/ 192 «منحة». (¬5) 1/ 505. (¬6) 5/ 410.

بن أيوب التصريح بسماع حميد من أنس، وفي بعض النسخ: (حَدَّثَنا ابن أبي مريم) كما ذكرته، وفي بعضها: (وقال ابن أبي مريم) تعليقا، وكذا ذكره في التفسير تعليقًا، وكذا ذكره خلف في «أطرافه» والإسماعيلي، وأبو نعيم في مستخرجيهما وهو الظاهر؛ لأن يحيى لم يحتج به البُخارِيّ، ونسبه أحمد إلى سوء الحفظ، وإنما ذكره متابعة واستشهادًا. اهـ. قلت: (الباحث) تتبعت المواضع التي ذكر فيها البُخارِيّ: ابن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب، عن حميد، عن أنس فوجدتها ثمانية مواضع في كلها يقول: أَخْبَرَنا يحيى بن أيوب، حدثني حميد، سمعت أنسًا. وفي بعضها يقول: حدثني أنس. وغرض البُخارِيّ في جميع هذه المواضع هو بيان سماع حميد للحديث من أنس بن مالك حتى يعلم تصريحه بالسماع؛ لأنه كان مدلسًا. والخلاف في كل هذه المواضع في صيغة التحمل بين البُخارِيّ وابن أبي مريم وهذه هي المواضع مع تعليق موجز عنها بين ما اختلفت فيه الروايات ونقلت الخلاف من «اليُونِينيّة» أو كتب الشروح. الموضع الأول: ما جاء في آخر كتاب الوضوء، باب: البزاق والمخاط ونحوه (¬1) حين قال البُخارِيّ: حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. طَوَّلَهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يقع خلاف بين الروايات في هذا الموضع إلا ما جاء عند أبي ذر وأبي الوَقْت والأصيلي ¬

(¬1) 1/ 58 عقب حديث (241)

في نسخة زيادة: قال أبو عبد الله (¬1): طَوَّلَهُ. الموضع الثاني: ما جاء في كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في القبلة ومن لا يرى الإعادة (¬2) قال: حَدَّثَنا عمرو بن عون قال: حَدَّثَنا هشيم، عن حميد، عن أنس .. الحديث: ثم قال: حَدَّثَنا ابن أبي مريم قال أَخْبَرَنا يحيى بن أيوب قال: حدثني حميد قال: سمعت أنسًا بهذا ا. هـ. وهو الموضع الذي معنا وسبق حكاية الخلاف فيه. الموضع الثالث: ما جاء في كتاب: مواقيت الصلاة، باب: وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل (¬3) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَخَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةَ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ... الحديث. وفي آخره قال: وَزَادَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا: .. إلخ. الموضع الرابع: ما جاء في كتاب: الأذان باب: احتساب الآثار (¬4) قال: حَدَّثَنا محمد بن عبد الله بن حوشب قال: حَدَّثَنا عبد الوهاب قال: حَدَّثَنا حميد، عن أنس قال .. وذكر حديثًا. ثم ذكر زيادة في المتن قائلا: وقال ابن أبي مريم: أَخْبَرَنا يحيى ابن أيوب، حدثني حميد، حدثني أنس أن بني سلمة أرادوا ... إلخ. اهـ. ¬

(¬1) أي البُخَارِيّ (¬2) 1/ 89 عقب حديث (402) (¬3) 1/ 119 عقب حديث (572) (¬4) 1/ 132 عقب حديث 655 ورقمه الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي (656).

كذا جاء عند اليُونِينِيّ وقال ابن أبي مريم وفي «الفتح» (¬1) قال: قوله: (وحَدَّثَنا ابن أبي مريم) كذا لأبي ذر وحده، وفي رِواية الباقين: وقال ابن أبي مريم وذكره صاحب الأطراف بلفظ: وزاد ابن أبي مريم وقال أبو نعيم في المستخرج ذكره البُخارِيّ بلا رِواية يعني معلقا وهذا هو الصواب وله نطائر في الكتاب في رِواية يحيى بن أيوب لأنه ليس على شرطه في الأصول ا. هـ. وقال في «التغليق» بعد أن ساقه معلقا: كذا وقع في روايتنا، ووقع في روايتنا من طريق أبي ذر حَدَّثَنا ابن أبي مريم اهـ (¬2). وكذا جاء معلقا عند ابن الملقن في روايته وقال: وهذا الحديث المعلق في بعض نسخ البُخارِيّ مسندًا (¬3). الموضع الخامس: ما جاء في كتاب: الصوم، باب: من زار قومًا فلم يفطر عندهم (¬4) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدٌ - هُوَ: ابْنُ الْحَارِثِ - حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ .. الحديث، وقال في آخره: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى (¬5) قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. اهـ. كذا سياق اليُونِينِيّ كما في السلطانية: حَدَّثَنا ابن أبي مريم وعنده حاشية تدل على صحة الرِّواية عن أبي ذر عن شيوخه الثلاثة وأبي الوَقْت ¬

(¬1) 2/ 140. (¬2) 2/ 277 - 278. (¬3) «التوضيح» 6/ 435. (¬4) 3/ 41 (1982) مكرر. (¬5) وعند أبي ذر وأبي الوَقْت: يحيى بن أيوب.

بلفظ: (قال) بدلًا من (حَدَّثَنا). وقد سبق سياق الاختلاف في هذه الرِّواية. الموضع السادس: ما ذكره في كتاب: المظالم، باب: إذا كسر قصعة أو شيئًا لغيره (¬1) قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ .. الحديث، وفي آخره قال: وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. اهـ. وهذا الموضع لم يُختلف فيه بين الرُّواة أنه جاء هكذا معلقًا. الموضع السابع: ما جاء في كتاب التفسير، في تفسير سورة البقرة {واتَّخِذُوا مِن مَّقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} (¬2) قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ اللَّهَ فِي ثَلاَثٍ .. الحديث وفي آخره: وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنْ عُمَرَ. اهـ. وهذا الموضع أيضًا لم يقع فيه اختلاف بين الرُّواة عند اليُونِينِيّ في هذا الموضع، ووقع الخلاف فيه في الموضع السابق ذكره عند البُخارِيّ وهو الموضع الأول، وقد أخرجه البُخارِيّ هناك قال: حَدَّثَنا عمرو بن عون قال: حَدَّثَنا هشيم، عن حميد به مثل رِواية يحيى بن سعيد هنا. الموضع الثامن: ما جاء في كتاب التفسير أيضًا، في تفسير قوله {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ..} من سورة الأحزاب (¬3) قال: ¬

(¬1) 3/ 137 (2481) مكرر (¬2) 6/ 20 (4483) (¬3) 6/ 119 - 120 عقب حديث (4794)

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه قَالَ: أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ ... الحديث. وقال في آخره: وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. اهـ وهذا الموضع وقع فيه تغير فاحش كما ذكر ابن حجر في «الفتح» حيث قال: ويحيى المذكور هو ابن أيوب الغافقي المصري، وابن أبي مريم من شيوخ البُخارِيّ واسمه سعيد بن الحكم ووقع في بعض النسخ من رِواية أبي ذر: وقال إبراهيم بن أبي مريم وهو تغيير فاحش، وإنما هو سعيد (¬1). اهـ. قلت: (الباحث) وما أشار إليه ابن حجر كأنه يعني ما رمز له اليُونِينِيّ أنه صحَّ من رِواية أبي ذر، وفي هامش اليونينية: قال أبو ذر: سقط إبراهيم في نسخة اهـ. فهذه المواضع الثمانية ذكرها البُخارِيّ ليبين سماع حميد من أنس حيث يُذكر الإسناد قبله في كل المواضع عن حميد، عن أنس بالعنعنة. قال ابن حجر في «الفتح» وفائدة التعليق المذكور تصريح حميد بسماعه له من أنس وقد تعقبه بعضهم بأن يحيى بن أيوب لم يحتج به البُخارِيّ وإن خرج له في المتابعات. وأقول: وهذا من جملة المتابعات، ولم ينفرد يحيى بن أيوب بالتصريح المذكور، فقد أخرجه الإسماعيلي من رِواية يوسف القاضي، عن أبي الربيع الزهراني، عن هشيم، أَخْبَرَنا حميد، حَدَّثَنا أنس والله أعلم (¬2). ¬

(¬1) 8/ 531. (¬2) 1/ 506.

قلت (الباحث): وسعيد بن أبي مريم من شيوخ البُخارِيّ فقد روى له في «الصحيح» في غير موضع، وصرح بالتحديث، ومنها ما جاء في كتاب: الأذان، باب - غير مسمًّى - بعد باب: ما يقول بعد التكبير (¬1)، وما جاء في كتاب المساقاة، باب: فضل سقي الماء (¬2) كلاهما يقول فيه: حَدَّثَنا ابن أبي مريم، حَدَّثَنا نافع. وقد روى أيضا عنه عن محمد بن جعفر كما في كتاب: الزكاة، باب: الزكاة على الأقارب (¬3)، وفي كتاب: الصوم، باب: الحائض تترك الصوم (¬4) وفي كلاهما يقول: قال حَدَّثَنا ابن أبي مريم. كما روى أيضا عنه، عن الليث، وعن أبي غسان، وفي كل ذلك يقول: حَدَّثَنا ابن أبي مريم. 6 - ومن أمثلة الاختلافات التي ينتج عنها تعليق حديث أو وصله: ما جاء في «الصحيح» في كتاب: الهبة، باب: الهبة المقبوضة وغير المقبوضة (¬5) قال: وقال ثابت: حَدَّثَنا مسعر، عن محارب، عن جابر رضي الله عنه، أتبت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فقضاني وزادني. اهـ. كذا ساق اليُونِينِيّ في الأصل هذا الحديث بلفظ: (وقال ثابت)، وعلى قوله: (قال) حاشية تدل على أن رِواية أبي ذر الهَرَويّ عن شيوخه الثلاثة: (حَدَّثَنا ثابت بن محمد) فجعل الرِّواية موصولة وقال الجَيّانيّ في «تقييد المهمل»: في رِواية أبي زيد المَرْوَزيّ: (وقال: ثابت، نا مسعر) لم يذكر فيه ¬

(¬1) 1/ 149 (745). (¬2) 3/ 112 (2364). (¬3) 2/ 120 (1462). (¬4) 3/ 35 (1951). (¬5) 3/ 161 (2603)

سماع البُخارِيّ من ثابت، وكذلك في نسخة عن النَّسفي. وقال أبو علي ابن السكن في روايته عن الفَرَبْريّ: (نا ثابت بن محمد نا مسعر). وفي نسخة أبي محمد الأصيلي عن أبي أحمد الجُرْجانيّ: (حَدَّثَنا محمد، نا ثابت) هكذا وقع: عن محمد - غير منسوب - عن ثابت (¬1) اهـ. وقال الحافظ ابن حجر في «الفتح» معقبا على ما جاء عند الجُرْجانيّ: فزاد في الإسناد محمدًا، ولم يتابع على ذلك، والذي أظنه أن المراد بمحمد هو البُخارِيّ المصنف ويقع ذلك كثيرًا فلعل الجُرْجانيّ ظنه غيره، والله أعلم (¬2). اهـ. وصنيع ابن الملقن في «التوضيح» في تعليقه على هذا الحديث يدل على أن روايته بالتحديث - وهي رِواية أبي الوَقْت - هو عكس ما ذكره عنه اليُونِينِيّ. وحكى ابن حجر في «تغليق التعليق» (¬3) ما سبق وقال بعد أن ذكر الحديث بصيغة التعليق: هكذا وقع في روايتنا من طريق أبي الوَقْت، وخلاصة القول في ذلك: أن هذا الحديث على كل الروايات - عدا رِواية الجُرْجانيّ التي لم يُتابع عليها ووجهها ابن حجر كما سبق - شيخ البُخارِيّ فيه: ثابت ابن محمد، وهو العابد أبو إسماعيل الشيباني الكوفي فما كان بصيغة التحديث فلا إشكال فيه، وهي رِواية أبي ذر عن شيوخه، وابن السكن عن الفَرَبْريّ، وما كان بصيغة التعليق وهي رِواية أبي زيد المَرْوَزيّ , ¬

(¬1) ص: 623 - 624 (¬2) 5/ 226 (¬3) 3/ 362

ثانيا: ومن هذه النتائج الإسنادية: جعل بعض الرواة على شرط البخاري وهم ليسوا كذلك،

وأبي الوَقْت وهي عن الدّاوُدِيّ عن الحَمُّوييّ عن الفَرَبْريّ، ورِواية النسفى بصيغة الجزم وهي قوله: وقال: فهي محمولة أيضًا على الاتصال ولاسيما أن البُخارِيّ قد حدث عن ثابت بن محمد هذا في «الصحيح» كما جاء في كتاب: المناقب، باب: ما ينهى من دعوة الجاهلية (¬1)، وفي كتاب التوحيد، باب: قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نّاضِرَةٌ} (¬2) وقد أسند هذا الحديث من طريق ثابت كلٌّ من الإسماعيلي في «مستخرجه» (¬3) قال: أخبرني الهيثم، ثنا أبو شيبة بن أبي بكر ابن أبي شيبة ثنا ثابت بن محمد به. وقال أبو نعيم في «المستخرج على البُخارِيّ»: حَدَّثَنا الحسين بن محمد بن على أنا على بن إسحاق المادرائيُّ، ثنا محمد بن الحسين الأعرابي، ثنا ثابت بن محمد، ثنا مِسعر به. اهـ. وأشار ابن حجر في «الفتح» إلى هذين الطريقين فقال في «الهدى» (¬4) وصلها الإسماعيلي في «مستخرجه» (¬5). وقال أيضًا في «الفتح»: وبه جزم أبو نعيم في «المستخرج». اهـ (¬6). ثانيًا: ومن هذه النتائج الإسنادية: جعل بعض الرُّواة على شرط البُخارِيّ وهم ليسوا كذلك، خاصة إذا كان الموضع المختلف فيه هو الذي اعتمد عليه العلماء في جعله من رواة ¬

(¬1) 4/ 184 (3519). (¬2) 9/ 132 (7442). (¬3) كما في «تغليق التعليق» 3/ 362. (¬4) ص: 44. (¬5) وينظر: «فتح الباري» 5/ 226. (¬6) 5/ 226.

البُخارِيّ، ويزداد الأمر أهمية عندما يكون هذا الراوي مضعف مما يرفع عن البُخارِيّ الاعتراض عليه بإدخال بعض الضعفاء في «الصحيح». شيوخ البُخارِيّ: 1 - ومن هذه أمثلة ذلك الخلاف في علي بن خشرم. هل هو من شيوخ البُخارِيّ أم لا؟ فبعد استقراء «الصحيح» ونسخه المشار إليها في شروح «الصحيح» تحصل لي أن لعلي بن خشرم ذكرًا في بعض نسخ «الصحيح» في موضعين: الأول: في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - الذي رواه البُخارِيّ في كتاب التهجد، باب: التهجد بالليل (¬1). قال البُخارِيّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ... أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ» أَوْ «لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ». قَالَ سُفْيَانُ: وَزَادَ عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ: «وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ». قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ: سَمِعَهُ مِنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -. هكذا إسناد الحديث عند جمهور الرُّواة عن الفَرَبْريّ. زاد أبو ذر - كما في هامش اليونينية -: وقال علي بن خشرم: قال سفيان قبل قوله: قال سفيان بن أبي مسلم. وغرض البُخارِيّ من ذلك هو إثبات سماع سليمان بن أبي مسلم لهذا ¬

(¬1) (1120) 2/ 48 - 49.

الحديث من طاوس؛ لأنه ذكره في أول الحديث بالعنعنة. كما نص على ذلك ابن حجر في «الفتح» (¬1). وهذه الزيادة نص عليها ابن حجر في «الفتح» (¬2) والقَسْطَلّانِيّ في «إرشاد الساري» (¬3) والشيخ زكريا الأنصاري في «المنحة» (¬4). هي توهم في ظاهرها أن الحديث متصل بسماع البُخارِيّ لهذا الحديث عن علي ابن خشرم، عن سفيان، وليس الأمر كذلك. وذلك لأن هذه الزيادة ليست ثابتة في جميع نسخ البُخارِيّ وإنما هي من رِواية أبي ذر وحده كما نص على ذلك ابن حجر في «الفتح». وأيضًا فإنه على فرض ثبوت هذه الرِّواية فإن غاية ما تدل عليه أن هذه الزيادة من زيادات الفَرَبْريّ على البُخارِيّ، فإنه في بعض المواضع من «الصحيح» يزيد زيادات من عنده لم يسمعها من البُخارِيّ. ولذا قال ابن حجر - رحمه الله - في «الفتح» (¬5): ولعل هذه الزيادة عن الفَرَبْريّ؛ فإن علي بن خشرم لم يذكروه في شيوخ البُخارِيّ، وأما الفَرَبْريّ فقد سمع من علي ابن خشرم كما سيأتي في أحاديث الأنبياء في قصة موسى والخضر، فكأن هذا الحديث أيضا كان عنده عاليًا عن علي بن خشرم، عن سفيان، فذكره لأجل العلو. والله أعلم. اهـ. ¬

(¬1) 3/ 6. (¬2) 3/ 5 - 6. (¬3) 3/ 194. (¬4) 2/ 192. (¬5) 3/ 6.

وقد نص على ذلك الذَّهبي في «السير» (¬1) حيث قال في ترجمة علي بن خشرم عند ذكر من حدث عن علي بن خشرم: محمد بن يوسف الفَرَبْريّ، ثم قال ما نصه: ووقع لنا روايته عنه في تعلية حديث موسى والخضر، فقال حَدَّثَناه علي بن خشرم، حَدَّثَنا ابن عيينة فذكره، لكن ليس هذا في كل نسخ «الصحيح». ا. هـ كلامه. قلت (الباحث): ومن الجدير بالذكر أن عليَّ بن خشرم معدود في طبقة أقران البُخارِيّ حيث توفي 257 هـ. الموضع الثاني الذي ذكر فيه علي بن خشرم في باب: حديث الخضر مع موسى عليه السلام، من كتاب: الأنبياء. قال البُخارِيّ (¬2): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ ... ثم ساق الحديث بطوله إلى أن قال في آخره: وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ. ثُمَّ قَالَ لِي سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ. قِيلَ لِسُفْيَانَ: حَفِظْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْمَعَهُ مِنْ عَمْرٍو؟ أَوْ: تَحَفَّظْتَهُ مِنْ إِنْسَانٍ؟ فَقَالَ: مِمَّنْ أَتَحَفَّظُهُ؟ وَرَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ عَمْرٍو غَيْرِي؟ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ. ثم ساق حديثا آخر في سبب تسمية الخضر بهذا الاسم فقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرُ؛ ¬

(¬1) «سير أعلام النبلاء» 11/ 553. (¬2) 4/ 154 (3401 - 3402).

أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ». هكذا سياق الحديثين كما هو في «اليُونِينيّة» وكما هو عند أكثر رواة البُخارِيّ، لكن وقعت هنا زيادة وهي: قال محمد بن يوسف بن مطر الفَرَبْريّ: حَدَّثَنا علي بن خشرم عن سفيان، بطوله. اهـ. وهذه الزيادة أشار إليها اليُونِينِيّ في هامش نسخته، وابن الملقن، وابن حجر، والعيني، والقَسْطَلّانِيّ، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري في شروحهم. ونخلص من ذلك أن سماع البُخارِيّ من علي بن خشرم غير ثابت عند من ترجموا للبخاري، والمواضع التي وقع فيها ذكر لعلي بن خشرم في «الصحيح» إنما هي من رِواية الفَرَبْريّ عنه. والله أعلم. (2 - 3) - ومن هذه الأمثلة ما انفرد ابن السَّكن به مِنْ جَعْلِهِ بعضَ الرُّواة من شيوخ البُخارِيّ في «الصحيح»، بحيث لو صح ما رواه ابن السَّكن لكان الراوي على شرط البُخارِيّ. ولم يقع لابن السَّكن من هذا النوع إلا موضعين: أحدهما: ما ذكر في أول كتاب الوصايا حيث قال البُخارِيّ: (حَدَّثَنا عمرو بن زرارة، أَخْبَرَنا إسماعيل عن ابن عون (¬1) ..) إلخ. كذلك ذكر شيخ البُخارِيّ في «اليُونِينيّة»: (عمرو بن زرارة)، وقال الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» في رِواية أبي علي ابن السَّكن وحده، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ: (حَدَّثَنا إسماعيل بن زرارة، أنا إسماعيل ابن علية عن ابن عون). جعل مكان: (عمرو ابن زرارة) (إسماعيل بن زرارة) قال أبو علي: وَهِم، ولم أرَ هذا لغير ابن السَّكن. ¬

(¬1) 4/ 3 (2741).

وقد ذكر أبو الحسن الدارقطني وأبو عبد الله الحاكم في شيوخ البُخارِيّ: إسماعيل بن زرارة الثغري، ولم يذكره أبو نصر الكلاباذي (¬1). وأما عمرو بن زرارة فمشهور من شيوخه، حدث عنه في غير موضع من الكتاب (¬2). وقال ابن حجر في «الفتح»: ووقع في رِواية أبي علي ابن السَّكن بدل: (عمرو ابن زرارة) في هذا الحديث (إسماعيل بن زرارة) يعني: الرقي. قال أبو علي الجَيّانيّ: لم أرَ ذلك لغيره. قال وقد ذكر الدارقطني وأبو عبد الله بن منده في شيوخ البُخارِيّ إسماعيل بن زرارة الثغري، ولم يذكره الكلاباذي ولا الحاكم (¬3). ولم يذكر إسماعيلَ بن زرارة أيضًا ابنُ القيسراني (507) هـ في كتاب «الجمع بين رجال الصحيحين» لكتابي أبي نصر الكلاباذي وأبي بكر الأصبهاني. وقد راجعت كتاب «المدخل إلى الصحيح» لأبي عبد الله الحاكم فوجدته قد ذكره في الباب الثاني عشر: ذكر مشايخ روى عنهم الشيخان في صحيحيهما وذكره فيمن انفرد بالرِّواية عنهم البُخارِيّ (¬4): إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي. ¬

(¬1) نقل الحافظ في «الفتح» خلاف هذا كما سيأتي، فهل هذا وهم في النقل أو اختلاف في النسخ؟ الله أعلم. (¬2) «التقييد» 2/ 625. (¬3) 5/ 361 (¬4) 4/ 305 ترجمة رقم (134).

وذكر ابن عساكر في «المعجم المشتمل» (¬1) عن الدارقطني والبرقاني أنهما ذكراه في شيوخ البُخارِيّ. وذكره المزي في «تهذيب الكمال» تمييزًا - وقال: ووقع في رِواية أبي علي ابن السَّكن وحده عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ: إسماعيل بن زرارة. وذكر الدارقطني والبرقاني إسماعيل بن زرارة في شيوخ البُخارِيّ كما تقدم، وتابعهما على ذلك الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي وقال: روى عنه في الرقاق والتفسير، ولم يذكره الكلاباذي. وقال الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن سعيد بن يربوع الإشبيلي في كتابه الذي سماه: «لسان البيان لما في كتاب أبي نصر من الإغفال والنقصان»: إسماعيل بن زرارة من الشذوذ الذي لا يلتفت إليه، ولعله من طغيان القلم، والله أعلم (¬2). وقال ابن حجر - بعد أن نقل كلام المزي - في «تهذيب التهذيب» (¬3): وقد ذكر إسماعيلَ بنَ عبد الله بن زرارة الرقي أيضًا في شيوخ البُخارِيّ الحاكمُ وأبو إسحاق الحبال وأبو عبد الله بن منده وأبو الوليد الباجي، وابن خلفون في: «الكتاب المعلم برجال البُخارِيّ ومسلم». اهـ. الموضع الثاني: ما جاء في كتاب التفسير، باب: ومن تفسير سورة النساء في قوله تعالى: {وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (¬4). قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا صدقة بن الفضل، أَخْبَرَنا حجاج بن محمد، عن ¬

(¬1) رقم (173). (¬2) 3/ 119 - 123 (457). (¬3) 1/ 156 - 157. (¬4) 6/ 46 (4584).

ابن جريج ...) إلخ. كذا في اليُونِينيّة وقال الجَيّانيّ: روايتنا عن أبي علي ابن السَّكن في هذا الإسناد عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ: (حَدَّثَنا سنيد بن داود قال: نا حجاج ..) إلخ. فجعل: (سنيد بن داود) بدل: (صدقة بن الفضل) وانفرد بذكر: سنيد بن داود (¬1). وقال ابن حجر في «الفتح» قوله: (حَدَّثَنا: صدقة بن الفضل). كذا للأكثر، وفي رِواية ابن السَّكن وحده، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ: (حَدَّثَنا: سنيد)، وهو ابن داود المصيصي، واسمه: الحسين، وسنيد: لقب، وهو من حفاظ الحديث، وله تفسير مشهور، لكن ضعفه أبو حاتم والنسائي، وليس له في البُخارِيّ ذكر إلا في هذا الموضع، إن كان ابن السَّكن حفظه، ويحتمل أن يكون البُخارِيّ أخرج الحديث عنهما جميعًا، واقتصر الأكثر على صدقه لإتقانه، واقتصر ابن السَّكن على سنيد بقرينة التفسير (¬2) اهـ. وقال المزي في «التهذيب» في ترجمة سنيد بعد أن ذكر حديث الباب الذي معنا: وروى أبو علي سعيد بن عثمان بن السَّكن وحده، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ قال: حَدَّثَنا سُنيد، عن حجاج بن محمد. فذكره بإسناده. قال أبو محمد عبد الله بن أحمد بن سعيد بن يربوع الإشبيلي - صاحب أبي علي الغساني في كتابه الذي صنفه على كتاب أبي نصر الكلاباذي -: والصواب ما روت الجماعةُ وليس ببعيد؛ فإن سنيدًا هذا صاحب تفسير، وذِكْر ابن السَّكن له في التفسير من الأوهام المحتملة؛ لأنه ¬

(¬1) «تقييد المهمل» ص: 695، 1112. (¬2) 8/ 253.

إنما ذكره في بابه الذي هو مشهور به، فهو قريب بعيد وبالله التوفيق (¬1). ومن الأمثلة التي ينتج عنها جعل بعض الرُّواة من رجال البُخارِيّ في الصحيح أو لا. 1 - ما جاء في كتاب الصيد، باب التَّصَيُّدِ عَلَى الْجِبالِ (¬2) قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمانَ قال: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنا عَمْرٌو، أَنَّ أَبا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ نافِعٍ - مَوْلَى أَبِي قَتادَةَ - وأبِي صالِحٍ - مَوْلَى التَّوْأَمَةِ - سَمِعْتُ أَبا قَتادَةَ قال: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِيما بَيْنَ مَكَّةَ والْمَدِينَةِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ، وانا رَجُلٌ حِلٌّ عَلَى فَرَسٍ ... الحديث. كذا الإسناد في «اليُونِينيّة» ولم يذكر فيه خلافا بين الرُّواة عنده وقال الجَيّانيّ: هكذا رواه ابن السكن وأبو زيد وأبو أحمد: عن نافع، وأبي صالح - مُكَنَّى - إلا أن (أبا محمد) (¬3) كتب في حاشية كتابه: هذا خطأ. يعني أن صوابه عنده: عن نافع وصالح مولى التوأمة (¬4) .. اهـ. قلت: وقد تابع الدّاوُدِيّ أبا أحمد في جعل أبي صالح صالحًا؛ فيما حكاه عنه ابن حجر حيث قال في «الفتح»: وغفل الدّاوُدِيّ فظن أن أبا صالح هذا هو ولده صالح مولى التوأمة فقال: إنه تغير بأخرة (¬5). وقد سبقهما إلى هذا الزبير بن أبي بكر - وهو النسابة المشهور بالزبير بن بكار - فيما نقله عنه أبو الوليد الباجي حيث قال في ترجمة صالح مولى ¬

(¬1) «تهذيب الكمال» 12/ 165 (2600). (¬2) 7/ 89 (5492). (¬3) كذا في المطبوع، والصواب: (أبو أحمد) كما جاء في «الفتح». (¬4) «التقييد» 2/ 719. (¬5) 9/ 614.

التوأمة: قال أبو بكر، أَخْبَرَنا الزبير بن أبي بكر قال: صالح مولى التوأمة هو صالح بن أبي صالح، أخرج البُخارِيّ في الصيد عن أبي النضر عنه مقرونًا بنافع مولى أبي قتادة عن أبي قتادة حديث: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بين مكة والمدينة وهم محرومون (¬1) ... الحديث. تنبيه: ذكر الحافظ في «تهذيب التهذيب» ترجمة صالح مولى التوأمة (¬2) أن أبا الوليد الباجي ممن تابع أبا أحمد على خطئه؛ ولذا تعقبه ابن حجر قائلًا: أخطأ فيه الباجي خطأ فاحشًا وذهل ذهولًا. اهـ. كذا قال ابن حجر!! لكنني عندما راجعت كتاب أبي الوليد «التعديل والتجريح» وجدت أمرين: الأول: أن أبا الوليد لما ترجم لأبي صالح مولى التوأمة قال: أخرج البُخارِيّ في الصيد عن سالم أبي النضر عنه عن أبي قتادة. اهـ. (¬3) فيلاحظ هنا أن أبا الوليد قال خلاف ما ذكره عنه الحافظ. الثاني: أن أبا الوليد ترجم - بعد أبي صالح بقليل - لابنه صالح مولى التوأمة نقل فيه كلام الزبير الذي تقدم قريبًا من كونه هو المذكور عند البُخارِيّ، فلاحظت أن أبا الوليد لَمّا ترجم لصالح ترجمه على سبيل الاستيعاب والحصر لرجال البُخارِيّ وإن كان الكلام فيه - أي كلام الزبير السابق - مرجوح حيث إن الراجح أن أباه هو الصواب كما سيأتي. فلعل الحافظ لما لم يطلع على ترجمة أبي صالح، واطلع على ترجمة صالح وما فيه من كلام خطّأ أبا الوليد، ويتضح ذلك من خلال قول ابن حجر في «التهذيب»، كما سبق. ¬

(¬1) «التعديل والتجريح» 2/ 784 - 785 (749). (¬2) 2/ 202. (¬3) «التعديل والتجريح» 2/ 781 (741).

فالناظر في هذا النقل الذي اعتمده ابن حجر في تخطئة أبي الوليد، يجده هو نصُّ كلام الزبير بن أبي بكر المنقول عنه كما تقدم؛ ولذا - والله أعلم - يعتبر أبو الوليد الباجي مع الفريق الأول. هذا فيما يتعلق بما كتبه أبو أحمد في الحاشية ومن تابعه، لكن قال الجَيّانيّ متعقبًا له: وليس كما ظن، والحديث محفوظ لنبهان أبي صالح، لا لابنه صالح، ورِواية من ذكرنا من الرُّواة صواب كما رووه، والوهم من أبي أحمد، وقد أخبرني أبو عمر أحمد بن محمد بن يحيى بن الحذاء، عن أبيه، قال: سألت أبا محمد عبد الغني بن سعيد المصري عن هذا الحديث وعمن فيه: صالح مولى التوأمة، فقال: هذا خطأ إنما هو: عن نافع مولى أبي قتادة، وأبي صالح مولى التوأمة، قال: وأبو صالح هذا هو والد صالح، ولم يأت له غير هذا الحديث؛ فلذلك غلط فيه من غلط، وأبو صالح اسمه: نبهان، ونبهان أبو صالح مذكور فيمن خرج عنه البُخارِيّ في «الصحيح» في المقرونات (¬1). اهـ. قلت: وممن ذكر أبا صالح في رجال البُخارِيّ: 1 - الحاكم حيث ذكره في «المدخل إلى الصحيح» في موضعين: الأول: فيمن أخرج له البُخارِيّ وحده (¬2)، فقال: نبهان أبو صالح مولى التوأمة في (العيد) (¬3). الثاني: مشايخ روى لهم البُخارِيّ في المتابعات والشواهد، فقال: ¬

(¬1) «التقييد» 2/ 719 - 720. (¬2) «المدخل» 3/ 311 (2126). (¬3) كذا في المطبوع وهو الذي تقدم - (وهو المعروف أن حديثه في كتاب الصيد - وهو ما سيأتي في الموضع الثاني؛ ولذلك نجد محققه يقول معلقًا: في هامش الأصل: الصيد، وكذلك في (ظ).

نبهان مولى التوأمة والد صالح، روى لسالم أبي النضر عنه عن أبي قتادة في الصيد. 2 - ابن القيسراني في «الجمع بين رجال الصحيحين» حيث ذكره في باب: (وللبخاري وحده من التفاريق) فقال: نبهان أبو صالح والد صالح مولى التوأمة بنت أمية بن خلف، سمع أبا قتادة، روى عنه سالم أبو النضر في الصيد عند البُخارِيّ (¬1). 3 - المزي كما في «تحفة الأشراف» (¬2) و «تهذيب الكمال» (¬3) حيث قال: نبهان أبو صالح والد صالح مولى التوأمة، روى له البُخارِيّ حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي مقرونًا بأبي محمد مولى أبي قتادة. 4 - ابن الملقن كما في روايته في «التوضيح» (¬4) 5 - والحافظ في «الفتح» (¬5) و «تهذيب التهذيب»، ترجمة صالح مولى التوأمة (¬6). إلا أن الحافظ في «الفتح» لما نقل كلام الجَيّانيّ وقع عنده أن الذي كتب في حاشيته هو أبو أحمد بينما عند الجَيّانيّ: أبو محمد. فلعله تحريف في المطبوع. تنبيه آخر في ترجمة صالح مولى التوأمة في «تهذيب التهذيب» قال ¬

(¬1) «الجمع بين الصحيحين» 2/ 535 (2083). (¬2) 9/ 266 (12131) (¬3) 29/ 311 (6377) (¬4) 26/ 386. (¬5) 9/ 614 (¬6) 2/ 202

ثالثا: الوقوف على أسماء الرواة المهملين في الإسناد وخاصة شيوخ البخاري

الحافظ: وأغرب ابن أبي حاتم فقال: نبهان أبو صالح مولى التوأمة هو جدّ صالح مولى التوأمة؛ لأنه صالح بن صالح بن أبي صالح. ولم أر هذا لغيره والله أعلم. والخلاصة أن الراوي المذكور هنا هو أبو صالح وليس ابنه كما هو عند جمهور الرُّواة والشراح والله أعلم. ثالثًا: الوقوف على أسماء الرُّواة المهملين في الإسناد وخاصة شيوخ البُخارِيّ مثاله: ما جاء في حديث مغيرة بن شعبة كتاب الصلاة، باب الصلاة في الجبة الشامية (¬1) قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا يَحْيَى قال: حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ قال: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَقال: «يا مُغِيرَةُ، خُذِ الإِداوَةَ». .. الحديث كذا الإسناد في «اليُونِينيّة» جاء شيخ البُخارِيّ مهملًا هكذا: (حَدَّثَنا يحيى قال: حَدَّثَنا أبو معاوية). وكذا جاء: (يحيى عن أبى معاوية) غير منسوب في موضعين آخرين من «الصحيح»، أحدهما: في كتاب الجنائز، باب الجريد على القبر (¬2). والثاني: كتاب التفسير تفسير سورة الدخان، باب: {يغشى الناس هذا عذاب أليم} (¬3). قال أبو علي: فنسب ابن السَّكن الذي في الجنائز: يحيى بن موسى، ¬

(¬1) 1/ 81 رقم (363). (¬2) 2/ 95 (1361). (¬3) 6/ 131 (4821).

وأهمل الموضعين الآخرين، ولم أجدهما منسوبين لأحد من شيوخنا، فالله أعلم (¬1) اهـ. وقال ابن حجر في «الفتح» معقبًا ومتممًا لكلام الجَيّانيّ: فينبغي حمل ما أهمل على ما بين، وقد جزم أبو نعيم بأن الذي في الجنائز هو يحيى بن جعفر البيكندي، وذكر الكرماني أنه رأى في بعض النسخ هنا مثله. قلت: والأول أرجح؛ لأن أبا علي بن شَبُّويه وافق ابن السَّكن عن الفَرَبْريّ على ذلك في الجنائز وهنا أيضًا، ورأيت بخط بعض المتأخرين: يحيى هو ابن بكير، وأبو معاوية هو شيبان النحوي. وليس كما قال، فليس ليحيى بن بكير عن شيبان رِواية. وبعد أن ردد الكرماني (¬2) (يحيى) بين ابن موسى أو ابن جعفر أو ابن معين قال: وأبو معاوية يحتمل أن يكون شيبان النحوي، وهو عجيب؛ فإن كلًّا من الثلاثة لم يسمع من شيبان المذكور، وجزم أبو مسعود وكذا خلف في «الأطراف» وتبعهما المزي بأن الذي في الجنائز هو يحيى بن يحيى. وما قدمناه عن ابن السَّكن يرد عليهم وهو المعتمد، ولاسيما وقد وافقه ابن شَبُّويه، ولم يختلفوا في أن أبا معاوية هنا هو الضرير (¬3). مثال آخر: قال البُخارِيّ في كتاب التفسير سورة التحريم (¬4): حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ فَضالَةَ، حَدَّثَنا هِشامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُما قال فِي الْحَرامِ: يُكَفِّرُ. وَقال ابْنُ عَبّاسٍ: {لَقَدْ ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 3/ 1060. (¬2) «شرح الكرماني» 4/ 22. (¬3) 1/ 474، وينظر: «هدي الساري» ص: 254. (¬4) 6/ 156.

كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. هكذا روى البُخارِيّ هذا الإسناد عن شيخه معاذ بن فضالة: هشام، عن يحيى، عن ابن حكيم كما في «اليُونِينيّة»، وكلمة ابن حكيم مصححة في أصل «اليُونِينيّة»، وفي حاشيتها: هو يعلى بن حكيم الثقفي. وعليه علامة التصحيح والنسبة لرِواية أبي ذر الهَرَويّ. وساق الجَيّانيّ (¬1) إسناد الحديث: هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن يعلى بن حكيم، عن سعيد، ثم قال: هكذا إسناد هذا الحديث في روايتنا عن أبي علي ابن السَّكن، وفي نسخة أبي محمد الأصيلي عن أبي أحمد وأبي زيد: نا هشام، عن يحيى، عن ابن حكيم - لم يسمه - عن سعيد بن جبير. وفي نسخة أبي ذر: عن أبي محمد الحَمُّوييّ، عن الفَرَبْريّ: نا هشام، عن يحيى ابن حكيم، عن سعيد بن جبير. قال أبو علي: وهذا خطأ فاحش، وصوابه: عن هشام عن يحيى - وهو ابن أبي كثير - عن يعلى بن حكيم كما روى عن ابن السَّكن، ورِواية أبي أحمد وأبي زيد مخلصة من الوهم. ثم ذكر الحديث بإسناده إلى إسماعيل بن إبراهيم، عن هشام الدستوائي .. إلخ مؤيدًا لرِواية ابن السَّكن (¬2). ¬

(¬1) «التقييد» 2/ 699. (¬2) قلت: والحديث أخرجه مسلم في «صحيحه» (1473) كتاب الطلاق، باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته من طريق إسماعيل بن إبراهيم أيضا بمثل رواية ابن السَّكن. كما أخرجه البُخَارِيّ أيضًا (5266) كتاب الطلاق، باب لم تحرم ما أحل الله لك، ومسلم في الموضع السابق، كلاهما من رواية معاوية بن سلام، عن يحيى ابن أبي كثير .. بمثل رواية ابن السَّكن.

رابعا: ومن هذه النتائج إزالة التصحيف الواقع في الأسانيد

رابعًا: ومن هذه النتائج إزالة التصحيف الواقع في الأسانيد، وقد سبق ذكر أمثلة كثيرة على ذلك في: التصحيف في أسباب الاختلاف. ومن هذه الأمثلة مما لم يذكر هناك: 1 - ما جاء في كتاب مناقب الأنصار، باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من المشركين بمكة: قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا عياش بن الوليد، حَدَّثَنا الوليد بن مسلم، حدثني الأوزاعي (¬1) .. إلخ. هكذا الحديث عند البُخارِيّ كما في اليُونِينيّة وعلى كلمة: (عياش) علامة التصحيح. قال أبو علي الجَيّانيّ في «تقييد المهمل»: هكذا رونياه عن ابن السَّكن: عياش - بالشين المعجمة - وكذلك قال أبو ذر الهَرَويّ عن مشايخه، وكان في كتاب أبي محمد الأصيلي غير مقيد. وقال بعضهم: هو عباس بن الوليد - بباء معجمة بواحدة وسين مهملة - وزعم أنه ابن الوليد بن مَزْيَد - بزاي معجمة بعدها ياء معجمة باثنتين - الدمشقي، ثم البيروتي وليس هذا بشيء، وقد حَدَّثَنا أبو العباس العذري عن أبي ذر أنه قال: عباس بن الوليد البيروتي متأخر، ولا أعلم البُخارِيّ ومسلمًا رويا عنه، وإنما يروي عنه عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، وأبو بكر النيسابوري، ومن كان في طبقتهما من المتأخرين. قال: ولا أعلم للعباس بن الوليد بن مزيد رِواية عن الوليد بن مسلم، فإن أكثر ما يروي: عن أبيه الوليد بن مزْيَد، وكان من أصحاب الأوزاعي ¬

(¬1) 5/ 46 (3856).

رحمه الله (¬1). اهـ. ولذا يقول الجَيّانيّ، أيضا: والصواب رِواية ابن السَّكن ومن تابعه (¬2). 2 - ومنها أيضًا: ما جاء في كتاب الحدود، باب الضرب بالجريد والنعال: حَدَّثَنا عبد اللَّهِ بْنُ عبد الوَهّابِ، حَدَّثَنا خالِدُ بْنُ الْحارِثِ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، حَدَّثَنا أَبُو حَصِينٍ: سَمِعْتُ عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ النَّخَعِيَّ قال: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ رضي الله عنه قال: ما كُنْتُ لأُقِيمَ حَدًّا عَلَى أَحَدٍ فَيَمُوتَ فأجِدَ فِي نَفْسِي، إِلاَّ صاحِبَ الْخَمْرِ، فإنَّهُ لَوْ ماتَ وَدَيْتُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَسُنَّهُ. (¬3). قال الجَيّانيّ (¬4): هكذا رواه أبو علي ابن السَّكن وأبو أحمد: سمعت عمير بن سعيد، وروي عن أبي زيد المَرْوَزيّ: عمير بن سعد - بسكون العين دون ياء بعدها - والصواب ما رواه ابن السَّكن وأبو أحمد وغيرهما. وما كان على الصواب عند ابن السَّكن وغيره قد أزال إشكالًا عند بعض العلماء الذين أعلوا الحديث بالاختلاف في اسم عمير واسم أبيه. قال ابن حجر في «الفتح»: وعمير بن سعيد بالتصغير، وأبوه - بفتح أوله وكسر ثانيه -: تابعي كبير ثقة. قال النووي: هو في جميع النسخ من الصحيحين هكذا. ووقع في «الجمع» للحميدي: (سعد) بسكون العين، وهو غلط، ووقع ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 2/ 534 (¬2) المصدر السابق 2/ 669 (¬3) «اليونينية» 8/ 158 (6778). (¬4) «التقييد» 2/ 746.

في «المهذب» وغيره: (عمر بن سعد) بحذف الياء فيهما، وهو غلط فاحش. قلت: ووقع في بعض النسخ من البُخارِيّ كما ذكر الحميدي، ثم رأيته في «تقييد» أبي علي الجَيّانيّ منسوبًا لأبي زيد المَرْوَزيّ، قال: والصواب: سعيد، وجزم بذلك ابن حزم، وأنه في البُخارِيّ: سعد بسكون العين، فلعله تابع الحميدي. ووقع للنسائي والطحاوي: (عُمَر) بضم العين وفتح الميم كما في «المهذب» لكن الذي عندهما في أبيه: (سعيد)، ووقع عند ابن حزم في النسائي: (عمرو) بفتح أوله وسكون الميم والمحفوظ: (عمير) كما قال النووي. وقد أعل ابن حزم الخبر بالاختلاف في اسم عمير واسم أبيه، وليست بعلة تقدح في روايته، وقد عرفه ووثقه من صحح حديثه. (¬1) اهـ. 3 - ومنها أيضا: ما جاء في كتاب الرقاق، باب في الحوض (¬2): قال البُخارِيّ وهو يعدد أسانيد حديث أبي هريرة: وقال الزبيدي، عن الزهري، عن محمد بن علي، عن عبيدالله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. كذا الإسناد في «اليُونِينيّة». وهناك علامة التصحيح على كلمة: (عبيدالله). قال الجَيّانيّ: كذا رويناه عن أبي علي ابن السَّكن: عبيدالله بن أبي رافع، عن أبي هريرة. وفي نسخة أبي محمد وأبي الحسن [أي: القابسي]: عبد الله بن أبي رافع - بتكبير عبد الله - وهو وهم. ورِواية ابن السَّكن أولى بالصواب، ¬

(¬1) 12/ 67 - 68. (¬2) 8/ 120 - 121 (6586).

خامسا: اختلاف العلماء في عدد كتب الجامع الصحيح وأبوابه وأحاديثه بناء على اختلاف النسخ

وكذلك خرجه أبو مسعود الدمشقي من حديث عبيدالله بن أبي رافع (¬1). ونقل ابن حجر في «الفتح» كلام الجَيّانيّ في رِواية الأصيلى والقابسي عن أبي زيد المَرْوَزيّ، وأقره (¬2). خامسًا: اختلاف العلماء في عدد كتب الجامع الصحيح وأبوابه وأحاديثه بناء على اختلاف النسخ فقد قمت بتتبع الكتب عند اليُونِينِيّ وابن حجر فوجدت المتفق عليه بين جميع الرُّواة تسعة وعشرين كتابا هي: الإيمان، الصلاة، الحج، الصوم، البيوع، الوكالة، الهبة، الشهادات، الوصايا، التفسير، النكاح، الطلاق، النفقات، الأطعمة، العقيقة، الأضاحي، الأشربة، اللباس، الأدب، الاستئذان، الدعوات، الأيمان والنذور، الفرائض، الديات، الإكراه، الفتن، الأحكام، الاعتصام بالكتاب والسنة، التوحيد. سادسًا: الوقوف على بعض الزيادات من الرواة سواء في الأسانيد وهي كالاستخراج كما جاء ذلك عن الفَرَبْريّ في بعض نسخ البُخارِيّ كما في «اليُونِينيّة» في عدة مواضع أذكر بعضها للتمثيل وأحيل إلى الباقي: الأول (¬3): في كتاب: العلم، في باب: كيف يقبض العلم. قال البُخارِيّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ....» الحديث. ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 2/ 744 - 745. (¬2) «فتح الباري» 11/ 474. (¬3) «اليونينية» 1/ 32 (100)، «التوضيح» لابن الملقن 3/ 492 (100)، «فتح الباري» 1/ 195، «عمدة القاري» 2/ 90، «منحة الباري» 1/ 331، «إرشاد الساري» 1/ 358.

قال الفَرَبْريّ: حَدَّثَنا عباس قال: حَدَّثَنا قتيبة، حَدَّثَنا جرير، عن هشام نحوه. اهـ. وعند اليُونِينِيّ رمز إلى سقوط عبارة الفَرَبْريّ من رِواية ابن عساكر وأبي الوَقْت والأصيلي وإحدى النسخ غير المعروفة، وفي بعض النسخ كما عند القَسْطَلّانِيّ بحذف: قال (الفَرَبْريّ) اهـ. وهذه زيادة من الفَرَبْريّ على كتاب البُخارِيّ وهي قليلة كما ذكر جميع الشراح. وفائدتها متابعة مالك عن هشام، فقد تابعه - كما رواه الفَرَبْريّ - جرير؛ رواها عنه قتيبة بن سعيد. الثاني (¬1): في كتاب: المظالم، باب: إثم من ظلم شيئا من الأرض. قال البُخارِيّ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا مُوسَى ابْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَخَذَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِخُرَاسَانَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، أَمْلاَهُ عَلَيْهِمْ بِالْبَصْرَةِ. هكذا نص اليُونِينِيّ، وفي الحاشية عند قوله: (قال أبو عبد الله) زيادة قبلها: (قال الفَرَبْريّ: قال أبو جعفر بن أبي حاتم: قال أبو عبد الله). وهذه الزيادة من رِواية أبي ذر وحده عن شيوخه الثلاثة، كما نص على ¬

(¬1) «اليونينية» 3/ 130 (2454)، «التوضيح» لابن الملقن 15/ 602 (2454)، «فتح الباري» 5/ 105، «عمدة القاري» 10/ 318 - 319، «منحة الباري» 5/ 229، «صحيح البُخَارِيّ» طبعة المجلس الأعلى 4/ 237.

سابعا: إزالة سوء الفهم في الترتيب والحذف والإثبات في الأبواب والأحاديث

ذلك غير واحد منهم اليُونِينِيّ وابن حجر والعيني وغيرهم. وأبو جعفر هذا هو محمد بن أبي حاتم البُخارِيّ - وراق البُخارِيّ - وقد ذكر عنه الفَرَبْريّ في هذا الكتاب فوائد كثيرة عن البُخارِيّ وغيره، رواها عنه - أي: الفَرَبْريّ - من كتابه «شمائل البُخارِيّ» كما ذكر ابن حجر وغيره. ومعنى هذه الزيادة أن ابن المبارك صنف كتبه بخراسان، وحدث بها هناك، وحملها عنه أهلها، وحدث في أسفاره بأحاديث من حفظه زائدة على ما في كتبه هذا منها. وهذه الزيادة ليست عند الكرماني في «شرحه». سابعًا: إزالة سوء الفهم في الترتيب والحذف والإثبات في الأبواب والأحاديث كما جاء في كتاب الوضوء، باب الْماءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإِنْسانِ ... (¬1). فقد ذكر البُخارِيّ (¬2) هذا الباب فقال: باب الْماءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإِنْسانِ، وَكانَ عَطاءٌ لاَ يَرَى بِهِ باسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْها الْخُيُوطُ والْحِبالُ، وَسُؤْرِ الْكِلاَبِ وَمَمَرِّها فِي الْمَسْجِدِ. وَقال الزُّهْرِيُّ: إِذا وَلَغَ فِي إِناءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ يَتَوَضّا بِهِ. وَقال سُفْيانُ: هَذا الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَهَذا ماءٌ، وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ، يَتَوَضّا بِهِ وَيَتَيَمَّمُ. ثم ذكر تحت هذه الترجمة عدة أحاديث: أولها: قال: حَدَّثَنا مالِكُ بْنُ إِسْماعِيلَ قال: حَدَّثَنا إِسْرائِيلُ، عَنْ عاصِمٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قال: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ: عِنْدَنا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَصَبْناهُ مِنْ قِبَلِ ¬

(¬1) 1/ 45 - 46 (170 - 174). (¬2) كما جاء عند اليونيني في الطبعة السلطانية.

أَنَسٍ أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنَسٍ. فَقال: لأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيا وَما فِيها. وساقه للاستدلال على طهارة الشعر؛ لأنه لما جاز اتخاذ شعر النبي - صلى الله عليه وسلم - والتبرك به فهو طاهر. ثم ذكر البُخارِيّ حديثًا ثانيًا في الشعر فقال: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عبد الرَّحِيمِ قال: أَخْبَرَنا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمانَ قال: حَدَّثَنا عَبّادٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمّا حَلَقَ رأسَهُ، كانَ أَبُو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ. ثم ذكر البُخارِيّ الأحاديث التي نحابها إلى طهارة الكلب وطهارة سؤره (¬1): (وهي ثلاثة عند اليُونِينِيّ وأربعة عند جميع الشراح.) الحديث الأول: حَدَّثَنا عبد اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِذا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِناءِ أَحَدِكُمْ؛ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا». الحديث الثاني: وهو في هامش «اليُونِينيّة»، وليس في الأصل وجاء قبله باب إِذا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِناءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا عند ابن عساكر فقط، ورمز اليُونِينِيّ بسقوط هذا الحديث من رِواية الأصيلي وأبي ذر الهَرَويّ، وجاء بعده ما نصه: وهكذا مكتوب في الأصل بالحمرة: ثابت عند (س) (¬2) بعد حديث عبد الله بن يوسف، ويلي الذي بالحمرة (قال أحمد بن شبيب) (¬3). اهـ. ¬

(¬1) ينظر: «التوضيح شرح صحيح البُخَارِيّ» 4/ 240. (¬2) أي ابن عساكر. (¬3) أي الحديث الثالث الآتي.

ثم قال محقق السلطانية: كذا في فرعين من فروع «اليونينية»، وفي أحدهما، وهذا المكتوب بالحمرة ما خلا التبويب في أصل الحافظ المنذري إلا أن عليه: لا إلى (¬1). ونص هذا الحديث كما جاء في هامش «اليُونِينيّة»: حَدَّثَنا إِسْحاقُ، أَخْبَرَنا عبد الصَّمَدِ، حَدَّثَنا عبد الرَّحْمَنِ بْنُ عبد اللَّهِ بْنِ دِينارٍ، سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَّ رَجُلًا راى كَلْبًا ياكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فاخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْواهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فادْخَلَهُ الْجَنَّةَ». ثم ذكر البُخارِيّ الحديث الثالث: وَقال أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدَّثَنا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ قال: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عبد اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قال: كانَتِ الْكِلاَبُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. كذا سياق الحديث سندًا ومتنًا في «اليُونِينيّة» ورمز اليُونِينِيّ على كلمة: (تبول) وحرف العطف (و) بما يدل على سقوطهما عند أبي ذر والأصيلي وابن عساكر وأبي الوَقْت ونسخة أخرى. ثم ذكر الحديث الرابع قال: حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قال: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حاتِمٍ قال: سالْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقال: «إِذا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ، واذا أَكَلَ فَلاَ تاكُلْ، فانَّما أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ». قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي فاجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ؟ قال: «فَلاَ تاكُلْ، فانَّما سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ». ¬

(¬1) أي علامة الإسقاط.

وفي سياق الأحاديث، يبقى سؤالان: الأول: هل الحديث الثاني في الأحاديث التي ذكرها في الاستدلال على طهارة الكلب ثابت في نسخ البُخارِيّ أم لا؟ الثاني: هل ترجمة باب: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم .. إلخ. ثابتة أم لا؟ وإذا ثبتت فأين موضعها. وللإجابة على السؤال الأول أقول: إن الواضح من صنيع الشراح والكتب التي اعتمدت على البُخارِيّ تدل على ثبوت هذا الحديث في متن البُخارِيّ، وإنما الذي أشكل الأمر هو كتابة هذا الحديث في حاشية الطبعة السلطانية؛ لأن غالب ظني أن هذا الحديث مكتوب في أصل اليُونِينِيّ، والعبارة المنقولة عقب هذا الحديث إنما هي منقولة من الفرعين الذين ذُكرا، والنقل يدل على الاختلاف في إثبات الترجمة (باب إذا شرب الكلب ... إلخ) قبل هذا الحديث أو بعده. ومما يدل على ذلك أن القَسْطَلّانِيّ (¬1) لم يذكر خلافًا في إثبات هذا الحديث أو عدمه، وإنما حكايته عن موضع الترجمة المختلف في إثباتها. قال القَسْطَلّانِيّ: وفي رِواية ابن عساكر - كما في الفرع - (¬2) كأصله (¬3) قبل هذا الحديث (¬4)، باب: إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا، حَدَّثَنا عبد الله بن يوسف، وهو الذي شرح عليه الحافظ ابن حجر، لكن يليه ¬

(¬1) وهو الذي ذكر أنه حكى نص اليونيني كما جاء في فرعه الذي ربما فاق أصله وهو فرع الغزولي وقابله على أصل اليونيني بعد عثوره عليه بعد ذلك. (¬2) أي فرع الغزولي. (¬3) أي أصل اليونيني. (¬4) حديث عبد الله بن يوسف عن مالك، وهو الحديث الأول.

عنده حديث إسحاق بن منصور الكوسج أن رجلًا .. (¬1) ثم قال - لإثبات الترجمة السابقة -: وفي رِواية بهامش «اليُونِينيّة» بعد حديث عبد الله بن يوسف: «إذا شرب الكلب ..»، وسقطت الترجمة والباب في بعض النسخ لأبي ذر والأصيلي (¬2). اهـ. فلم يتعرض القَسْطَلّانِيّ للخلاف في ثبوت الحديث أو عدمه، وصنيع محققي «السلطانية» جعل القائمين على إخراج «الصحيح» (طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية) لا يذكرون هذا الحديث في الأصل واكتفوا بالإشارة إليه في الهامش، بينما نجد شراح «الجامع» يذكرون هذا الحديث ويشرحونه، وبعضهم لم يشر إلى الخلاف فيه أصلًا. فابن الملقن في «شرحه» - وقد اعتمد على رِواية أبي الوَقْت - ذكر هذه الأحاديث السابقة، وبين وجه المناسبة بين هذه الأحاديث وبين باب: الماء الذي يغسل به شعر الإنسان ... الخ (¬3) كما فعل ذلك أيضًا ابن حجر في «الفتح» (¬4)، وكذلك فعل ابن بطال في «شرحه» (¬5) والكرماني في «شرحه» (¬6)، والعيني في «العمدة» (¬7). وقد رجعت إلى نسخة مخطوطة وهي نسخة أبي زرعة العراقي وهي ¬

(¬1) أي الحديث المثبت في هامش «اليونينية». (¬2) «إرشاد الساري» 1/ 441. (¬3) 4/ 240 - 241. (¬4) 1/ 278. (¬5) 1/ 264 - 266. (¬6) 3/ 9. (¬7) 2/ 337، وينظر: «صحيح البُخَارِيّ» طبعة المجلس الأعلى 1/ 137، 138 «ومنحة الباري» لزكريا الأنصاري 1/ 460.

لرِواية أبي الوَقْت عن الدّاوُدِيّ ورِواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة ورِواية كريمة المَرْوَزيّة عن الكشمهيني. فوجدت الحديث فيها في اللوحة رقم (40) ولم يذكر الباب المختلف في إثباته وذكر هذا الحديث بين حديث عبد الله بن يوسف، عن مالك وحديث أحمد بن شبيب، عن أبيه .. إلخ. مما يدل على أن الحديث لا خلاف في ثبوته بين هذه الروايات. ومما يؤكد ذلك أن المزي قد ذكر في «تحفة الأشراف» (¬1) حديثًا: أن رجلًا رأى كلبًا يأكل الثرى ... إلخ. وعزاه للبخاري في كتاب الطهارة (¬2) ثم قال بإسناد الذي قبله وإسناد الحديث الذي قبله هو: إسحاق، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن ذكوان، عن أبي صالح، عن أبي هريرة. وحديث إسحاق بن منصور: أن رجلًا رأى كلبًا .. الحديث. رواه البُخارِيّ في «صحيحه» في ثلاثة مواضع أخرى بأسانيد مختلفة عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا. وهي ما جاء في كتاب المساقاة، باب: فضل سقي الماء (¬3) قال: حَدَّثَنا عبد الله ابن يوسف أَخْبَرَنا مالك عن سُمَيّ عن أبي صالح به مثله. وفي كتاب المظالم، باب: الآبار على الطرق إذا لم يتأذ بها (¬4). قال ¬

(¬1) 9/ 432 (12825). (¬2) كذا في نسخته من «الصحيح» وفي النسخ المتداولة: كتاب الوضوء. (¬3) 3/ 111 - 112 (2363). (¬4) 3/ 132 - 133 (2466).

حَدَّثَنا عبد الله بن سلمة، عن مالك، عن سمي، عن أبي صالح مثله. وفي كتاب الأدب، باب: رحمة الناس والبهائم (¬1) قال: حَدَّثَنا إسماعيل، حدثني مالك عن سُمَيّ مولى أبي بكر، عن أبي صالح به. فالموضع الذي ذكره المزي هو هذا الموضع الذي معنا. كل ذلك يدل على أنه لا خلاف على ثبوت الحديث. والله أعلم. هذا ما يتعلق بالإجابة على السؤال الأول. الثاني: هل الترجمة ثابتة أم لا؟ وإذا ثبتت فأين موضعها؟ أقول: إن نقول الأئمة في هذا الباب تدل على أن هذه الترجمة ثابتة في نسخة ابن عساكر كما نص على ذلك شراح الحديث، وكما دل عليه صنيع اليُونِينِيّ، واختلف النقل عن اليُونِينِيّ تبعًا لما نقله محققو السلطانية وهو مقتضى رمز اليُونِينِيّ نفسه، ونقلوا عن فرعين من فروع «اليُونِينيّة» أن التبويب ثابت بعد حديث عبد الله يوسف. وحكى القَسْطَلّانِيّ في الإرشاد (¬2) ثلاثة أوجه: الأول: ثبوت التبويب وهو عند ابن عساكر قبل حديث عبد الله بن يوسف. والثاني: ثبوته بعده. والثالث: سقوطه أصلًا، روايتي أبي ذر والأصيلي. والراجح ثبوته عند ابن عساكر قبل حديث عبد الله بن يوسف كما جزم بذلك اليُونِينِيّ والقَسْطَلّانِيّ وهو المناسب لسياق الحديث وجميع الأحاديث بعده واضحة الدلالة على التبويب. ¬

(¬1) 8/ 9 (6009). (¬2) 1/ 441.

ثامنا: إزالة نسبة الوهم إلى بعض الشراح في عزو الأحاديث

ومن أسقط الترجمة ربط هذه الأحاديث بقول البُخارِيّ في الباب السابق له: وسؤر الكلاب وممرها في المسجد. لذا قال ابن حجر في «الفتح» (¬1) قبل حديث عبد الله بن يوسف عن مالك، وقع هنا في رِواية ابن عساكر قبل إيراد حديث مالك: باب إذا شرب الكلب في الإناء. مثال آخر: في المناسبة بين تراجم الأبواب، ما جاء في كتاب البيوع، باب: ما قيل في اللحام والجزار (¬2)، وقبله باب: بيع الخلط من التمر، وبعده باب: ما يمحق الكذب والكتمان في البيع. كذا عند جمهور الرُّواة، وفي رِواية ابن السَّكن وقعت بعد خمسة أبواب كما نص عليه ابن حجر في «الفتح» قائلًا: كذا وقعت هذه الترجمة هنا، وفي رِواية ابن السَّكن بعد خمسة أبواب، وهو أليق؛ لتتوالى تراجم الصناعات (¬3) اهـ. قلت (الباحث): فقد جاء في هذا الموضع الذي أشار إليه ابن حجر قبله باب: ما قيل في الصواغ، ثم ذكر بعده بابًا: في ذكر القين والحداد، ثم بابًا: في الخياط ثم النساج. ثامنًا: إزالة نسبة الوهم إلى بعض الشراح في عزو الأحاديث بناء على ما وقع لهم من تسمية في رواياتهم أو نسخهم كما حدث الاختلاف في تسمية كتاب الطهارة هل هو: الطهارة أو الوضوء؟ جاء في «السلطانية» (¬4): بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كتاب الوضوء، باب ¬

(¬1) 1/ 274. (¬2) 3/ 60 حديث رقم (2081). (¬3) «الفتح» 4/ 34. (¬4) 1/ 39

ما جاء في الوضوء وقول الله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ...} إلخ. رمز اليُونِينِيّ لتأخير البسملة عن كتاب الوضوء، ولغير ابن عساكر وأبي ذر: بابٌ (بالتنوين) في الوضوء، وفي نسخة: (الطهارة) بدل (الوضوء). وذكر ابن حجر في «الفتح» أن في رِواية الأصيلي: (ما جاء في قول الله) دون ما قبله، ولكريمة: (باب في الوضوء وقول الله عز وجل) .. إلخ. وذكر زكريا الأنصاري أنه وقع في نسخة: كتاب الطهارة بدل الوضوء وقال: وهي لكونها أعم من الوضوء أنسب بالأبواب الآتية. اهـ. وعند ابن الملقن (كتاب الوضوء باب ما جاء في قول الله تعالى ...) وقال: هكذا هو ثابت في النسخ الصحيحة (¬1). وفي نسخة أبي زرعة العراقي لوحة (34) قال في آخر كتاب العلم، وأول كتاب الوضوء: (باب في الوضوء وقوله عز وجل) .. إلخ. وهذا الاختلاف في ثبوت هذا الكتاب جعل بعض المصنفين يعزون الأحاديث إلى كتاب الطهارة بناء على ما جاء في نسختهم في تقسيم كتب البُخارِيّ، وهو ما يجب ملاحظته ومن لا يراعي ذلك يمكن أن يتوقف عن عزو الحديث لـ «الصحيح». ويبدو أن الإمام المزي رحمه الله في كتابه «تحفة الأشراف» قد فعل ذلك حيث عزا الأحاديث التي جاءت في كتاب الوضوء إلى كتاب الطهارة، مثاله: حديث عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس أنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحانت صلاة ¬

(¬1) ينظر: «التوضيح» ابن الملقن 4/ 8، «الفتح» 1/ 232، «منحة الباري» 1/ 401.

العصر .. الحديث (¬1) وعزاه للبخاري في الطهارة (¬2). مثال آخر: حديث أسامة بن زيد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أتى من عرفة أفاق إلى الشعب .. الحديث (¬3) عزاه للبخاري في الطهارة في موضعين هذا أحدهما (¬4). وغير ذلك انظره في «التحفة» (¬5). وننصح أيضًا أن المزي قد أدخل أحاديث كتاب الغسل في كتاب الطهارة، حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه: كان يدور على نسائه .. الحديث في كتاب الغسل (¬6) بينما عزاه المزي إلى كتاب الطهارة (¬7). حديث عائشة رضي الله عنها: كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد .. الحديث في كتاب الغسل، باب غسل الرجل مع امرأته (¬8) وقد عزاه المزي للبخاري في الطهارة (¬9). وغير ذلك. وأدخل أيضًا كتاب الحيض في الطهارة مثاله: حديث عائشة رضي الله عنها: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتكئ في حجري وأنا حائض، الحديث في كتاب ¬

(¬1) «صحيح البُخَارِيّ» كتاب الوضوء، باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة 1/ 45 (169). (¬2) «التحفة» 1/ 88 (201). (¬3) «صحيح البُخَارِيّ» كتاب الوضوء، باب الرجل يوضئ صاحبه 1/ 47 (181). (¬4) «التحفة» 1/ 58 (115). (¬5) «تحفة الأشراف» (297)، (1110)، (1094)، (945) وغيرها. (¬6) «صحيح البُخَارِيّ» 1/ 62 (268). (¬7) «التحفة» 1/ 352 (1365). (¬8) «صحيح البُخَارِيّ» 1/ 59 (250). (¬9) «التحفة» 12/ 84 (16620).

الحيض، باب قراءة الرجل في حجر امرأته (¬1) وقد عزاه للبخاري في الطهارة (¬2) وغير ذلك. ويتبين أيضًا أن المزي أدخل كتاب التيمم في كتاب الطهارة، مثاله حديث عائشة في كتاب التيمم، باب إذا لم يجد ماء ولا ترابًا (¬3) قد عزاه للبخاري في كتاب الطهارة (¬4) وغير ذلك. فعدم مراعاة اختلاف ترتيب الكتب والأبواب في الروايات يوقع في حيرة وتعجب، كما حدث ذلك لابن الملقن في «شرحه»، وهو يذكر ترتيب الكتب عنده، كما جاء في روايته، ويقارن ذلك بما جاء عند غيره من الشراح كابن بطال في «شرحه». فمن المعلوم أن رواية أبي زيد المروزي فيها تقديم وتأخير لبعض الكتب والأبواب، وابن بطال اعتمد في شرحه عليها، وهي على الأكثر رواية أبي زيد المروزي. فقد تعقبه ابن الملقن متعجبًا من صنيعه - أي: ابن بطال - في اختلاف ترتيب بعض الكتب والأبواب قائلًا: ولا أدري لم ذكره هناك (¬5)! ولا أدري كيف فعل ذلك (¬6)! ¬

(¬1) «صحيح البُخَارِيّ» 1/ 67 (297). (¬2) «التحفة» 12/ 398 (17858). (¬3) «صحيح البُخَارِيّ» 1/ 74 (336). (¬4) «التحفة» 12/ 166 (16990). (¬5) «التوضيح» 26/ 66. (¬6) «التوضيح» 29/ 9، 176.

تاسعا: إيضاح فهم مراد البخاري وعلاقة الحديث بالترجمة التي سبقت له

تاسعًا: إيضاح فهم مراد البُخارِيّ وعلاقة الحديث بالترجمة التي سبقت له؛ فكثيرًا ما نجد أبوابًا ساقطة، بثبوتها تظهر علاقة الحديث بها وحذفها يجعل الحديث مرتبطًا بالباب قبله كما جاء في إثبات باب: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم ... حديث (172) قد تم بيانه في عقب الكلام على الحديث في غير هذا الموضع. عاشرًا: إزالة إشكالات في فقه متن الحديث مثاله: ما جاء في الحديث الذي رواه البُخارِيّ معلقًا في كتاب: الوضوء، باب: الماء الذي يُغسل به شعر الإنسان ... (¬1) حيث قال البُخارِيّ: وَقال أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدَّثَنا أَبِي، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ قال: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عبد اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قال: كانَتِ الْكِلاَبُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَلَمْ يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. اهـ. كذا جاء سياق الحديث في أصل اليُونِينِيّ، ورمز اليُونِينِيّ فوق كلمة: (تبول) وحرف العطف (و) بإسقاطها من عند أبي ذر الهَرَويّ عن شيوخه الثلاثة والأصيلي وابن عساكر وأبي الوَقْت وفي نسخة أخرى. وكذا ذكر القَسْطَلّانِيّ (¬2) قال ابن الملقن: وقال الإسماعيلي ليس في حديث البُخارِيّ (تبول) وهو كما قال: وإن كان وقع في بعض نسخ البُخارِيّ (¬3). اهـ. وهذا الحديث يرى الشراح أن لفظة (تبول) ليست في «الصحيح» ¬

(¬1) 1/ 45 - 46 (174). (¬2) «إرشاد الساري» 1/ 442 (منحة). (¬3) «التوضيح» 4/ 250.

وذكره المزي في «تحفة الأشراف» (¬1) وعزاه للبخاري في الطهارة تعليقًا دون لفظة (تبول). اهـ. والحديث في نسخة أبي زرعة العراقي المخطوطة لوحة رقم (40) دون لفظة (تبول) وهي رِواية أبي ذر وكريمة وأبي الوَقْت. قال ابن حجر في «الفتح» (¬2): زاد أبو نعيم والبيهقي في روايتهما لهذا الحديث من طريق أحمد بن شبيب المذكور موصولًا بصريح التحديث قبل قوله: تقبل (تبول) وبعدها واو العطف، وكذا ذكر الأصيلي أنها من رِواية إبراهيم بن معقل، عن البُخارِيّ، وكذا أخرجها أبو داود والإسماعيلي من رِواية عبد الله بن وهب، عن يونس ابن يزيد شيخ شبيب بن سعيد المذكور. اهـ. وقال في «التغليق» (¬3): وهذه اللفظة الزائدة ليست في شيء من نسخ «الصحيح» اهـ. قلت (الباحث): كذا ذكر ابن حجر وهو خلاف ما نقل في «الفتح» عن بعض الرُّواة وهذا الحديث رواه غير البُخارِيّ عن أحمد بن شبيب كل من: أبو نعيم في «المستخرج» (¬4)، قال (¬5): أَخْبَرَنا أبو إسحاق - هو ابن ¬

(¬1) 5/ 340 (6704). (¬2) 1/ 278. (¬3) 2/ 109. (¬4) كما ذكر ابن الملقن في «التوضيح» 4/ 249 - 250، وابن حجر في «تغليق التعليق» 2/ 109. (¬5) أي: أبو نعيم.

حمزة، ثنا إسحاق بن محمد، ثنا موسى بن سعيد الدنداني، ثنا أحمد بن شبيب به بمثل إسناد البُخارِيّ، ولفظه: عن ابن عمر قال: كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتى شابًا، وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر .. والباقي مثله. ويمثل لفظ أبي نعيم في «المستخرج» أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» كتاب الطهارة، باب: نجاسة ما مسه الكلب بسائر بدنه .. (¬1) قال: أَخْبَرَنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن، ثنا أبو عبد الله علي بن زيد الصائغ، ثنا أحمد بن شبيب به مثله. وقال البيهقي عقبه: رواه البُخارِيّ في «الصحيح» فقال: وقال أحمد بن شبيب فذكره مختصرًا، ولم يذكر قوله: (تبول). وأخرجه أيضًا البيهقي في كتاب الصلاة، باب: من قال بطهور الأرض إذا يبست (¬2) قال: وأنبأ أبو عبد الله الحافظ، أنبأ أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أنبأ العباس بن الفضل الأسفاطي، ثنا أحمد بن شبيب به ولفظه: كانت الكلاب تبول وتقبل بالمسجد أيام النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يكونوا يغيروا من ذلك شيئًا. كذا دون الزيادة الأولى ودون قوله: (وتدبر) وقال: (يغيروا) بدل: (يرشون). وتابع ابنُ وهب شبيب بن سعيد في روايته عن يونس، عن ابن شهاب، عن حمزة بن عبد الله، عن ابن عمر. رواه أبو داود في «سننه» كتاب الطهارة، باب في طهر الأرض إذا ¬

(¬1) 1/ 243 (1153). (¬2) «السنن الكبرى» 2/ 429 (4243).

يبست (¬1) ومن طريقه البغوي في «شرح السنة» كتاب الطهارة، باب البول يصيب الأرض (¬2) عن أحمد بن صالح. وابن حبان في «صحيحه» كتاب الصلاة، باب: المساجد (¬3)، قال: أَخْبَرَنا الحسن ابن سفيان قال: حَدَّثَنا حرملة بن يحيى. والإسماعيلي (¬4) ومن طريقه البيهقي في «الكبرى» كتاب الصلاة، باب من قال بطهور الأرض إذا يبست (¬5) قال: حَدَّثَنا أبو يعلى، ثنا هارون بن معروف، ثلاثتهم عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب به مثله. وكلهم يقول: (تبول وتقبل وتدبر). وعند الإسماعيلي في أوله: عن ابن عمر قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول وهو في المسجد بأعلى صوته: اجتنبوا اللغو في المسجد، قال ابن عمر: وكنت أبيت في المسجد .. فذكره. وقال البيهقي بعد أن عزاه لـ «الصحيح»: وليس في بعض النسخ عن أبي عبد الله البُخارِيّ: كلمة البول. وقد روي الحديث من وجه آخر عن ابن عمر رضي الله عنها بمثل لفظ أبي نعيم في «المستخرج». رواه أحمد في «مسنده» (¬6) قال: حَدَّثَنا سكن بن نافع الباهلي أبو ¬

(¬1) «سنن أبي داود» (382). (¬2) 2/ 82 (292). (¬3) 4/ 537 (1656). (¬4) كما في «التوضيح» لابن الملقن 4/ 349. (¬5) 2/ 429 (4244). (¬6) 2/ 70 - 71 (5389) طبعة مؤسسة الرسالة، 7/ 206 (5389) طبعة أحمد شاكر.

الحسين حَدَّثَنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه قال: كنت أعزب شابًا - فذكره. ولم يقل فيه: (تبول). وهكذا ترى أن هذه اللفظة غير ثابتة عند جمهور الرُّواة عن البُخارِيّ كما جاء ذلك عن اليُونِينِيّ، ونقله عنه القَسْطَلّانِيّ، وإن كانت ثابتة عند اليُونِينِيّ في أصل سماعه. واختلف في إثباتها بين الرُّواة عند غير البُخارِيّ أيضا كما هو واضح من التخريج. وإثبات هذه اللفظة أو عدمها له أهمية كبيرة؛ حيث يستدل بها بعض العلماء في طهارة الكلب، وهي مسألة مشهورة بين أهل العلم لا يتسع المجال لذكرها تفصيلًا؛ وإنما أكتفي بنقول بعض العلماء بما يتعلق بتوجيه هذه اللفظة: قال الإسماعيلي عقب الحديث فيما نقله عنه البيهقي: إن المسجد لم يكن يغلق عليها وكانت تتردد فيه الكلاب وعساها كانت تبول، إلا أن علم بولها فيه لم يكن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ولا عند الراوي أي موضع هو، ومن حيث أمر في بول الأعرابي بما أمر دل ذلك على أن بول ما سواه في حكم النجاسة واحد وإن اختلف غلظ نجاستها. اهـ (¬1). وقال أبو حاتم ابن حبان: قول ابن عمر: (وكانت الكلاب تبول) يريد به خارجًا من المسجد، تقبل وتدبر في المسجد فلم يكن يرشون بمرورها في المسجد شيئًا. (¬2) ¬

(¬1) «السنن الكبرى» 2/ 429. (¬2) «الإحسان» 4/ 538.

وكذلك تأوله الخطابي في «معالم السنن» (¬1) قال: يتأول على أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها، وتقبل وتدبر في المسجد عابرة، إذ لا يجوز أن تترك الكلاب وانتياب المساجد حتى تمتهنه وتبول فيه، وإنما كان إقبالها وإدبارها في أوقات نادرة، ولم يكن على المسجد أبواب تمنع من عبورها فيه. وقد اختلف الناس في هذه المسألة: فروي عن أبي قلابة أنه قال: جفوف الأرض طهورها، وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: الشمس تزيل النجاسة عن الأرض إذا ذهب الأثر، وقال الشافعي وأحمد: الأرض إذا أصابتها النجاسة لا يطهرها إلا الماء. اهـ. وتعقبه العيني في «عمدة القاري» (¬2) وقال: إنما تأول الخطابي بهذا التأويل حتى لا يكون الحديث حجة للحنفية في قولهم، لأن أصحابنا استدلوا به على أن الأرض إذا أصابتها نجاسة، فجفت بالشمس أو بالهواء فذهب أثرها تطهر في حق الصلاة، خلافًا للشافعي وأحمد وزفر، والدليل على ذلك أن أبا داود وضع لهذا الحديث باب طهور الأرض إذا يبست، وأيضًا قوله: فلم يكونوا يرشون شيئًا إذ عدم الرش يدل على جفاف الأرض وطهارتها، ومن أكبر موانع تأويله أن قوله: (في المسجد) ليس ظرفًا لقوله: تبول وما بعده كلها، ويقال الأوجه في هذا أن يقال: كان ذلك في ابتداء الإسلام على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المسجد وتطهيره وجعل الأبواب على المساجد. اهـ. وقال الحافظ في «الفتح»: والأقرب أن يقال: إن ذلك كان في ابتداء ¬

(¬1) 1/ 226. (¬2) 2/ 345.

حادي عشر: إزالة تكرار حديث أو أثر أو باب في الصحيح

الحال على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها، ويشير إلى ذلك ما زاده الإسماعيلي في روايته من طريق ابن وهب في هذا الحديث عن ابن عمر قال: كان عمر يقول بأعلى صوته: اجتنبوا اللغو في المسجد. قال ابن عمر: وقد كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت الكلاب .. فأشار إلى أن ذلك كان في الابتداء، ثم ورد الأمر بتكريم المسجد حتى لغو الكلام. (¬1) اهـ. ولذا قال البيهقي في «السنن الكبرى» عقب الحديث: وقد أجمع المسلمون على نجاسة بولها، ووجوب الرش على بول الآدمي فكيف الكلب، فكأن ذلك كان قبل أمره بقتل الكلاب وغسل الإناء من ولوغه، أو كأن علم مكان بولها يخفى عليهم، فمن علمه وجب عليه غسله (¬2). اهـ. وتعقبه ابن التركماني في «الجوهر النقي» على قوله بالإجماع فقال: مذهب مالك أنه طاهر، ذكره ابن رشد في «القواعد» وغيره. حادي عشر: إزالة تكرار حديث أو أثر أو باب في الصحيح فقد يأتي الحديث أو الأثر في موضع قبل باب مثلًا، ويأتي بعد الباب في رِواية أخرى، فيكرر الحديث أو الأثر في الموضعين مع أن كل موضع منهما خاص برِواية وساقط من أخرى. 1 - من الأمثلة الدالة على ذلك ما يلي: أثر الحسن قال: إن منعته أمه عن العشاء في جماعة شفقة عليه لم يطعها. ¬

(¬1) 1/ 279. (¬2) 1/ 243 بعد حديث (1153).

هذا الأثر جاء في «السلطانية» في كتاب الأذان في موضعين (¬1) جاء قبل باب وجوب صلاة الجماعة، وجاء بعدها مرة أخرى إلا أن في الموضع الأول كلمة (عليه) لابن عساكر فقط وليست في الموضع الثاني، وفي الموضع الأول رمز اليُونِينِيّ لسقوطه من عند ابن عساكر وأبي ذر والأصيلي ونسخة أخرى مما يعني وجودها عند أبي الوَقْت، وهي زيادة ذكرت عند من سبق بعد الباب، وهو الموضع الثاني وهو اللائق كما لا يخفى (¬2). أما اليُونِينِيّ ساق هذا الأثر في الموضعين ليجمع اختلاف الروايات، وفي كثير من النسخ المطبوعة من «الصحيح» تجد هذا الأثر في الموضعين وهو خطأ؛ لأنه كما فعل اليُونِينِيّ ليس تكرارًا بينما هو تكرار في إثباته في الموضعين عاريًا عن الروايات. ولذا نجد جميع شراح البُخارِيّ ذكروا هذا الأثر في المكان اللائق به وهو بعد الباب وعليه شرحوا (¬3) والله أعلم. 2 - ومن هذه الأمثلة أيضًا ما جاء في كتاب: التهجد، باب: التطوع بعد المكتوبة: فقد تكرر قوله بعد حديث رقم (1172) جملة: قال ابن أبي الزناد ¬

(¬1) 1/ 131. (¬2) وينظر: «شرح القَسْطَلّانِيّ» 1/ 359. (¬3) ينظر: «شرح ابن بطال» 2/ 268، «فتح الباري» لابن رجب 5/ 446، وابن الملقن 6/ 415، «شرح الكرماني» 5/ 36، و «فتح الباري» 2/ 125 وكرره محققو «الفتح» وهو خلاف صنيع المصنف، و «عمدة القاري» 4/ 329، و «منحة الباري» 2/ 359، والسيوطي في «التوشيح» 2/ 674، و «شرح القَسْطَلّانِيّ» 1/ 359.

عن موسى ابن عقبة بن نافع بعد النساء في أهله، تابعه كثير بن فرقد وأيوب عن نافع (¬1). ورمز اليونيني أن رواية ابن عساكر بدون الحديث المعلق ومتابعته. ثم ذكر مرة أخرى هذا الحديث ومتابعته بعد الحديث الثاني في الباب وهو حديث رقم (1173) ولم يرمز اليوينيني لأي خلاف فيه. فترتب على ذلك تكرار هذا الحديث ومتابعته في الأصول المكتوبة، وإنما هو ثابت في بعض الروايات في موضع، وفي الباقي في الموضع الآخر. 3 - من هذه الأمثلة أيضًا والتي وقع التكرار فيها لاختلاف الروايات تكرار باب وترجمة وحديثين: فقد جاء في آخر كتاب الأذان بعد باب انتظار الناس قيام الإمام العالم (¬2) في «السلطانية» تكرار باب صلاة النساء خلف الرجال وحديثين تحت الباب وهما: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضيَ الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ ... الحديث. ثم قال: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، فذكره. فهذا الباب بحديثيه قد ذُكر في «السلطانية» في هذا الموضع وتكرر لفظًا وسندًا ومتنًا بعد بابين وهو آخر كتاب الأذان. ¬

(¬1) «اليونينية» 2/ 57. (¬2) 1/ 172 - 174 (870، 871).

وعلى كلمة (باب) في الموضع الأول حاشية ونصها: هذا الباب في الأصل مخرج في الحاشية مصحح عليه ثم ذكر بعد بابين ا. هـ. من «اليُونِينيّة» وذكره هنا هو الذي في أصول كثيرة وجرى عليه الشراح. اهـ. وذكر أيضًا هذا الباب وحديثه مكررًا في آخر الكتاب بعد بابين من الموضع الأول وعلى كلمة باب حاشية نصها: سقط الباب والترجمة عند (ة) (¬1). كذا في «اليُونِينيّة» وكأنه إشارة إلى أن هذا الباب في حديثه مكرر مع ما سبق اهـ. من هامش الأصل. وما نقله محققو «السلطانية» في الموضع الأول وقالوا بعده: من «اليُونِينيّة» وهو يوهم أنه من الأصل، وضحه القَسْطَلّانِيّ بقوله: وفي هامش فرع «اليُونِينيّة» هنا ما نصه: وهذا الباب في الأصل مخرج في الحاشية مصحح عليه ثم ذكره بعد بابين. وقال القَسْطَلّانِيّ أيضًا بعد آخر حديث في باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد: قال: وزاد في «اليُونِينيّة» كهي (¬2) هنا باب صلاة النساء خلف الرجال، وهو ثابت فيه قبل بابين فكرره فيه ونبه على سقوط الأخير في الهامش (¬3) بإزائه عند أبي ذر، وهو ساقط في جميع الأصول التي وقفت عليها لكونه لا فائدة في تكريره اهـ. وكل الشراح الذين وقفت على شروحهم اقتصروا على إيراد الباب وما تحته في الموضع الأول إلا ما جاء عند ابن الملقن فقد جاء عنده ¬

(¬1) أي أبي ذر الهروي. (¬2) يقصد: أصل اليونيني. (¬3) وهو ما سبق نقله.

ثاني عشر: ثبوت أحاديث ومعلقات أو سقوطها من الصحيح

اختلاف في الترتيب مع اقتصاره على ذكر الباب والحديثين مرة واحدة. (¬1) ثاني عشر: ثبوت أحاديث ومعلقات أو سقوطها من الصحيح 1 - من هذه الأمثلة ما جاء في «الصحيح» في كتاب الوصايا، باب مَنْ تَصَدَّقَ إِلَى وَكِيلِهِ ثُمَّ رَدَّ الْوَكِيلُ إِلَيْهِ. وَقال إِسْماعِيلُ: أَخْبَرَنِي عبد العَزِيزِ بْنُ عبد اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحاقَ بْنِ عبد اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال: لَمّا نَزَلَتْ: {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] جاءَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ... وذكر الحديث بطوله (¬2). كذا جاء سياق الإسناد عند اليُونِينِيّ - كما جاء في «السلطانية» - ورمز بما يدل على أن هذا الباب وحديثه ساقط من كل النسخ التي اعتمد عليها إلا رِواية الكُشْمِيهَني خاصة لكن وقع في روايته: (وعلى وكيله) بدلًا من: (إلى وكيله) وثبتت الترجمة وبعض الحديث في رِواية الحمّويي كما ذكر ابن حجر في «الفتح» (¬3) ولم أر في «اليُونِينيّة» ما يدل إلا على الباب فقط عند الحمّويي. قال ابن الملقن في «التوضيح» (¬4): والبُخارِيّ ساقه هنا فقال: حَدَّثَنا ¬

(¬1) ينظر: «شرح ابن بطال» 2/ 472، و «فتح الباري» لابن رجب 8/ 47، و «شرح الكرماني» 5/ 209، وابن الملقن 7/ 364، وابن حجر في «الفتح» 2/ 350 - 351، و «عمدة القاري» 5/ 236، و «منحة الباري» 2/ 581 - 582، و «إرشاد الساري» 1/ 528 - 529. (¬2) 4/ 8 (2758). (¬3) 5/ 387. (¬4) 17/ 244.

إسماعيل أخبرني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن إسحاق به. اهـ. فذكره موصولا. وذكره المزي في «تحفة الأشراف» (¬1) وعزاه للبخاري في الوصايا تعليقًا: وقال إسماعيل - هو - ابن أبي أويس، أخبرني عبد العزيز بن أبي سلمة عن إسحاق به. فذكره. وفي آخر الحديث حاشية نقلها المحقق من النسخة المخطوطة لـ «تحفة الأشراف» والمحفوظة في مكتبة محمد نصيف نقلت من نسخة ابن كثير سنة (774) هـ وفي كلام ابن حجر الآتي ما يدل على أنها من حواشي المزي نفسه، وفي هذه الحاشية: في كتاب أبي مسعود وكتاب خلف: وقال إسماعيل بن جعفر. والصواب - إن شاء الله - إسماعيل بن أبي أويس اهـ. وقال ابن حجر في «النكت الظراف» معلقا على كلام المزي: قلت: هذه الطريق ليست في رِواية أبي الوَقْت، ولا في رِواية أبى ذر، (عن النَّسفي) (¬2) ونقل المزي في الهامش عن أبي مسعود أنه جزم بأنه ابن جعفر ورد عليه، وقد وافق أبو نعيم في «المستخرج» أبا مسعود وقال: إنه رآه كذلك في نسخة أبى عمرو (¬3) التي كتبها عن الفَرَبْريّ. وزعم مغلطاي أن في «الأطراف» للطرقي (¬4): خ عن الحسن بن شوكر عن إسماعيل بن ¬

(¬1) 1/ 84 (181). (¬2) كذا وهو تصحيف، والصواب: ولا عن النَّسفي. (¬3) يعني الجيزي. (¬4) هو أبو العباس أحمد بن محمد الطرقي الأصبهاني الحافظ المتوفى بعد (520) هـ من مؤلفاته: «أطراف الكتب الخمسة».

جعفر، ولم نر أحدًا ذكر الحسن بن شوكر في شيوخ البُخارِيّ. (¬1) اهـ. قلت: (الباحث) مما سبق يتلخص أن في هذا الباب وحديثه الوارد فيه ثلاثة إشكالات: الأول: ثبوت هذا الحديث وبابه، ويفهم مما سبق نقله أن هذا الحديث وبابه ثابت في رِواية أبي ذر عن الكُشْمِيهَني والحَمُّوييّ إلا أنها عند الحَمُّوييّ جزء من الحديث فقط. ولم يقع في روايته عن المُسْتَمْلِيّ ولا في رِواية أبي الوَقْت عن الدّاوُدِيّ عن الحَمُّوييّ، ولا في رِواية ابن عساكر ولا الأصيلي، على ما جاء في «اليُونِينيّة». الإشكال الثاني: في الحديث هل هو معلق أو متصل. فهو معلق على ما جاء في «اليُونِينيّة» وكما جاء عند ابن حجر في «تغليق التعليق» (¬2) وبه جزم المزي في «تحفة الأشراف» وحكاه عن أصحاب الأطراف قبله كما جاء في حاشية «التحفة» وأيده ابن حجر في «النكت الظراف». وجاء عند ابن الملقن في «التوضيح» مسندًا بلفظ: حَدَّثَنا إسماعيل وقال: والذي ألفيناه في أصل الدمياطي مسندًا. الإشكال الثالث: هو في تعيين المعلق عنه وهو إسماعيل: فالذي يتبادر إلى الذهن - كما ذكر ابن حجر في «التغليق» أنه إسماعيل بن أبي أويس وهو شيخ البُخارِيّ فقد روى الكثير عن عبد الله بن أبي سلمة ويدل عليه أن في بعض الروايات قد جاءت صيغة التحديث: ¬

(¬1) «النكت الظراف» 1/ 84 (181) (¬2) 3/ 424 - 425.

حَدَّثَنا إسماعيل، فيتعين أن يكون ابن أبي أويس لاسيما وأن ابن جعفر متقدم فيكون حديثه معلقًا أيضًا. وصوب ذلك ابن الملقن أيضًا، وجزم به المزي في «التحفة» كما سبق. وقال ابن حجر في «التغليق»: وزعم أبو العباس الطرقي أن البُخارِيّ أسنده في «الجامع» فقال: حَدَّثَنا الحسن بن شوكر ثنا إسماعيل بن جعفر ثنا عبد العزيز به، ولم يذكر أحد الحسن بن شوكر في شيوخ البُخارِيّ. اهـ. قلت (الباحث): فتبين من ذلك أن ثبوت رِواية أبي ذر ومقتضاها أن تكون هذه الزيادة من الفَرَبْريّ الراوي عن البُخارِيّ، وعدم ثبوتها يترتب عليه أن هذه الزيادة من البُخارِيّ وساقها لبيان سماع سليمان له من طاوس. والله أعلم. 2 - ومن الأمثلة التي ترتب على الاختلاف فيها وجود تعليق أو عدم وجوده. ما ذكره ابن حجر في «تغليق التعليق» في باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء (¬1) قوله فيه (¬2): وقال الأويسى: حدثني محمد بن جعفر عن يحيى بن سعيد وشريك سمعا أنسًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه قلت: (أي ابن حجر): سقط هذا التعليق من أكثر الروايات وهو ثابت في رِواية أبي ذر وقد كرره المؤلف في موضع آخر في الدعوات. اهـ. وقال في «الفتح»: (¬3): وهذا التعليق ثبت هنا (¬4) للمستملي (¬5) وثبت لأبي ¬

(¬1) 2/ 393. (¬2) أي البُخَارِيّ في هذا الباب. (¬3) 2/ 517. (¬4) أي في باب رفع الناس أيديهم. (¬5) وهو أحد شيوخ أبي ذر.

الوَقْت وكريمة في آخر الباب الذي بعده، وسقط للباقين رأسًا لأنه مذكور عند الجميع في كتاب الدعوات وقد وصله أبو نعيم في «المستخرج». اهـ. وهذا التعليق لم يثبت في أصل «اليُونِينيّة» كما في «السلطانية» وكتب محققو «السلطانية» ما نصه في هذا الموضع: وقال الأويسى: حدثني محمد بن جعفر عن يحيى بن سعيد وشريك سمعا أنسًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه) (¬1) رفع يديه حتى رأيت (حتى يثرَى) (¬2) بياض إبطيه. ثم قالوا: هذا ثابت عند أبى ذر وابن عساكر وأبي الوَقْت وفي حاشية أبي ذر حديث الأويسى لأبي إسحاق (¬3) وحده وحديث محمد بن بشار (¬4) لأبي إسحاق وأبي الهيثم جميعًا إلا أن حديث ابن بشار مؤخر عند أبي الهيثم ا. هـ من هامش الأصل (¬5). قلت (الباحث) وما ذكره محققو «السلطانية» هنا يؤيد ما ذكره ابن حجر السابق ذكره، والله أعلم. وهذا التعليق اتفقت كل الروايات على ذكره في كتاب الدعوات، باب: رفع الأيدي في الدعاء (¬6) ولم يحك اليُونِينِيّ فيه خلافًا وكذا الشراح، وذكره ¬

(¬1) كذا هي بين قوسين ورمزوا له عما يدل على رواية ابن عساكر. (¬2) كذا ورُمز لها بنسخة ابن عساكر. (¬3) أي المُسْتَمْلِيّ. (¬4) أي الآتي في أول الباب التالي. (¬5) كذا ذكر في هذا الموضع في «اليونينية» 2/ 32 بعد حديث رقم (1029). (¬6) 8/ 74 (6341).

المزى في «تحفة الأشراف» (¬1) وعزاه للبخاري تعليقًا في كتاب الدعوات. وكرره ابن حجر في «الفتح» في الموضعين (¬2). 3 - ومن الأمثلة التي نتج عنها وجود حديث أو حذفه: ما جاء كتاب العلم باب حفظ العلم (¬3) قال البُخارِيّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ. قَالَ: «ابْسُطْ رِدَاءَكَ» .. الحديث. ثم قال البُخارِيّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ بِهَذَا، أَوْ قَالَ: غَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ. كذا جاء سياق الحديث عند اليُونِينِيّ كما في «السلطانية» ورمز اليُونِينِيّ لحذف هذا الحديث أي من أول قوله: حَدَّثَنا إبراهيم بن المنذر، إلى قوله: غرف بيده فيه من عند ابن عساكر والأصيلي وأبي ذر في روايته عن المُسْتَمْلِيّ أي أنه ثابت في رِواية أبي الوَقْت وأبي ذر عن شيخيه الكُشْمِيهَني والحَمُّوييّ. ولذا ذكرها ابن الملقن لأن روايته عن أبي الوَقْت، وكذا ذكر القَسْطَلّانِيّ سقوطها من عند هؤلاء ووقع فيه خطأ حيث قال: ساقط في رِواية أبي ذر والأصيلى والمُسْتَمْلِيّ وابن عساكر ا. هـ لأن رِواية المُسْتَمْلِيّ إحدى روايات أبى ذر كما هو واضح في رموز اليُونِينِيّ رحمه الله تعالى (¬4). ¬

(¬1) 1/ 239 (910). (¬2) 2/ 517، 11/ 141. (¬3) 1/ 35، بعد حديث (119). (¬4) وينظر: «إرشاد الساري» 1/ 380، «صحيح البُخَارِيّ» 1/ 101 (112) ط المجلس الأعلى، «التوضيح» لابن الملقن 3/ 603، و «فتح الباري» 1/ 216.

فهذا الحديث ساقط من بعض النسخ وثابت في بعضها مما يترتب عليه زيادة أو نقص بعض الأحاديث. وهذا الحديث أخرجه البُخارِيّ كاملًا في كتاب المناقب باب بعد باب سؤال المشركين أن يريهم النبي - صلى الله عليه وسلم - آية فأراهم انشقاق القمر (¬1) قال: حدثني إبراهيم بن المنذر حَدَّثَنا ابن أبي الفديك، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: إني سمعت منك حديثًا كثيرًا .. فذكره. اهـ. قلت (الباحث): فكأن سقوط الرِّواية الأولى عند بعض الرُّواة اكتفاء بما هنا، والله أعلم. 4 - ومن الأمثلة التي نتج عنها وجود حديث أو حذفه: ما جاء في كتاب الأذان باب فضل صلاة الجماعة (¬2) فقد جاء هامش «السلطانية» ما يلي: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». ورمز في الحاشية على هذا الحديث ما يدل على أنه ثابت في رِواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر وأبي الوَقْت ونسخة أخرى. وهذا الحديث ليس في أصل «السلطانية» فلست أدري هو هكذا في أصل اليُونِينِيّ أم هو في صلب اليُونِينِيّ وتم استدراكه وحالت طريقة الطباعة من وضعه في المتن، هذا يتوقف على النظر في أصل اليُونِينِيّ. ¬

(¬1) 4/ 208 (3648). (¬2) 1/ 131 (646).

وقال القَسْطَلّانِيّ في «الإرشاد»: وقد اطلع على أصل اليُونِينِيّ (¬1) وهذا الحديث ساقط في رِواية غير الأربعة. اهـ. والمزي في «تحفة الأشراف» ذكر هذا الحديث (¬2) وعزاه للبخاري في الصلاة عن عبد الله بن يوسف، عن الليث، عن ابن الهاد به. قلت: وجميع الشراح للصحيح أثبتوا هذا الحديث في شروحهم، مع حكاية اختلاف النسخ فيه، وقال ابن بطال (¬3) قال بعد ذكره حديث ابن عمر: وفيه أبو سعيد مثله، وكذا قال ابن الملقن في «التوضيح» (¬4) ثم قال: وأما حديث أبي سعيد فهو ساقط في بعض النسخ، وهو ثابت في «الأطراف» لأبي مسعود وخلف دون الطرقي وهو من أفراد البُخارِيّ وذكره أبو نعيم هنا بعد حديث ابن عمرو ذكره الإسماعيلي أول الباب قبله. ا. هـ. وذكر هذا الحديث أيضا في هذا الموضع ابن رجب الحنبلي في شرحه «فتح الباري» (¬5) أما الكرماني فقد شرح الحديث دون التعرض للاختلاف في إثباته كأنه لم يقع له خلاف فيه، ومما تجب الإشارة إليه هنا أن الناشر وقد وضع متن «الصحيح» من عنده أهمل ذكر هذا الحديث اعتمادًا على ما جاء في أصل «السلطانية» بينما شرحه المصنف، وهو من الهفوات التي تقع لمن يتصدر لطباعة شروح «الصحيح» دون وضع اختلاف النسخ في الاعتبار، والله أعلم. ¬

(¬1) 1/ 362 (منحة). (¬2) 3/ 372 - 373 (4096). (¬3) 2/ 272. (¬4) 6/ 423. (¬5) 6/ 13.

أما الحافظ ابن حجر فقد شرح هذا الحديث وجعله بعد حديث ابن عمر ثم قال بعده: تنبيه: سقط حديث أبي سعيد من هذا الباب في رِواية كريمة وثبت للباقين، وأورده الإسماعيلي قبل حديث ابن عمر (¬1). وكذا فعل العيني في «عمدة القاري» (¬2) وقال مثل قول ابن الملقن السابق. وكذا شرحه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في «منحة الباري» (¬3)، والسيوطي في «التوشيح» (¬4) وسبق ذكر ما قاله القَسْطَلّانِيّ. وخلاصة القول في ذلك: أن هذا الحديث ثابت في «الصحيح» كما هي رِواية الجمهور وما حدث من حذفه في بعض طبعات «الصحيح» إنما هو من وضع هذا الحديث في الحاشية كما في «السلطانية»، والله أعلم. ¬

(¬1) تصحفت في المطبوع من «الفتح»: أبي عمر، وهو خطأ. (¬2) 4/ 336 - 337. (¬3) 2/ 362. (¬4) 2/ 679.

الفصل الرابع: وسائل توجيه الاختلافات

الفصل الرابع: وسائل توجيه الاختلافات

وسائل توجيه الاختلافات مما لا شك فيه أن هناك بعض العوامل تساعد في الترجيح بين الروايات المختلفة. فاختلاف الروايات في صورة من صور الاختلاف التي سبق ذكرها سواء أكان ذلك في سياق الصحيح أو الأحاديث أو ما كان خاصًا بالرواة أو المتون، لا يعني بالضرورة التعارض، ودفع أحد الوجهين للآخر. فمسائل تفاوت الروايات والتفضيل بينها من أصعب المسالك التي يسلكها الناقد أو المجتهد. وهي مجال لا يحيط به إلا من رزقه الله تعالى الحفظ والإتقان، والوقوف على كثير من الروايات حتى ينقدح في ذهن الناقد الترجيح بين الروايات المختلفة إن تعذر الجمع بينها. فبالنسبة للرواة عن «الصحيح» يمكن إعمال بعض القواعد التي اصطلح عليها الناقد في عصر الرواية على الرواة بالإضافة إلى اعتبارات أخرى اقتضتها الظروف الزمانية وبعد الإسناد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). فينبغي الوقوف على عدة أمور: 1 - الحكم بتفاوت الروايات وتفضيل بعضها على بعض أمر اجتهادي. فيحكم كل إمام من الأئمة في ترجيح رواية على أخرى بمقتضى علمه، وعلم النقاد والأئمة يتفاوت كمًا وكيفًا. 2 - أن الترجيح بين الروايات يشتمل على أمرين: الأول: تفضيل رواية كاملة على رواية أخرى، أو نسخة كاملة على نسخة أخرى. ¬

(¬1) ينظر: «الكفاية» ص: 806 وما بعدها.

الثاني: التفضيل في الاختلافات في كل موضع. والمجال التطبيقي في بحثي هذا يدور على الأمر الأول. أما الأمر الثاني فيحتاج إلى تتبع وحصر وليس هذا مجاله، وإنما اكتفيت بذكر أمثلة تطبيقية للدلالة على المراد فقط. 3 - أنه لا يلجأ المجتهد إلى الترجيح بين الروايات إلا بعد تعذر الجمع بين الروايتين أو الأكثر، فكثير من الاختلافات تكون أوجه مختلفة لحقيقة واحدة، كأن يكون الخلاف في ذكر اسم راوٍ، فيذكر في بعض الروايات بما يدل عليه، وفي الأخرى باسمه وكنيته، وفي بعضها الآخر بالاسم والكنية واللقب، وهكذا (¬1). وبعض الاختلافات الواقعة في الأسانيد والطرق تكون محفوظة عمن رويت عنه بأكثر من وجه فيكون الجمع بين الروايات أولى من الترجيح بينها. 4 - أن نتيجة الترجيح لا تكون بالضرورة رد المرجوح كما إذا لم يكن ثم مخالفة، بل قد يكون الترجيح للاختيار والتفضيل. لكن إذا كانت نتيجة الترجيح الحكم برد المرجوح لمخالفته للراجح، فهنا يجب العمل بالراجح دون المرجوح، وهذا في مجال المفاضلة بين الاختلافات الجزئية. 5 - أن كثيرًا من وجوه الترجيح بين الروايات التي يذكرها الأصوليون أو المحدثون للترجيح بين الرواة لا تصلح عند التطبيق العملي؛ وذلك لاختلاف الزمان وكيفية الرواية واختلاف المنهجين. ¬

(¬1) مثاله ما جاء في بعض الروايات (حدثنا أبو اليمان) وفي بعضها: (حدثنا الحكم بن نافع) وهما واحد.

كما أن هناك بعض وجوه الترجيح التي تختص بالترجيح بين الروايات أو النُسخ، وهذه الوجوه هي التي تتعلق بالنُسخ وضبطها وكتابتها، وغير ذلك كما أن هناك بعض وجوه الترجيح عند الأصوليين لا تصلح للترجيح بين النسخ والروايات (¬1). 6 - قد يجتمع في الرواية عدة مرجحات، وقد يكون بعضها أقوى في الدلالة على الترجيح من بعض، وهي ليست مرتبة بحيث لا يلجأ للمرجح الثاني إلا بعد فقد الأول منهما. 7 - هناك وسائل مساعدة ترجع إلى ما قبل البخاري، وذلك باعتبار المتابعات التي تأتي عن شيوخ البخاري أو شيوخ شيوخه أو غير ذلك. فأبو علي الجياني مثلًا كثيرًا ما يستدل على ترجيح بعض الروايات باعتبار الرواة عن مالك مثلًا. أو غير ذلك. 8 - الترجيح بين الاختلافات الواقعة بين الروايات ينبغي أن يكون موضعًا موضعًا، ولا يكون ذلك بترجيح رواية مطلقة ولا رد رواية مطلقة. وإنما يكون ذلك بعدة مرجحات، فتقديم العلماء لرواية معينة لا يعني ترجيح ما فيها مطلقًا، وإنما يجب اعتبار عدد من المرجحات. 9 - أن الاختلاف بين الرواة قد يقع في طبقة الرواة عن البخاري وقد يقع الاختلاف بينهم فيما بعد ذلك من طبقات، كما وقع الخلاف بين الرواة عن الفربري من قبل أبي زيد والكشميهني عنه ... الخ، وكما وقع الخلاف بين الرواة على أبي زيد من قبل الرواة عنه مثل: الأصيلي والقابسي وعبدوس، وكما وقع الخلاف بين أبي ذر الهروي وكريمة في ¬

(¬1) انظر «المحصول الرازي» 5/ 414 وما بعدها، و «البحر المحيط» للزركشي 6/ 149 وما بعدها، و «التقييد والإيضاح» للعراقي ص: 271 - 274.

مراعاة صحة بعض الروايات، وشهرتها بين العلماء

روايتهما عن الكشميهني، وكما وقع الخلاف بين الرواة عن الحمويي من قِبَلْ أبي ذر الهروي والداودي. مراعاة صحة بعض الروايات، وشهرتها بين العلماء: مما لا شك فيه أن تلقي العلماء لبعض الروايات بالقبول وإقبالهم على روايتها، دليل على صحة ما فيها، فيجب مراعاة الأقرب إسنادًا للبخاري، فعلو الإسناد يتضح من خلال تقارب الرواة في طبقة واحدة وغير ذلك. فمثلًا وجود بعض الروايات الصحيحة، مثل رواية أبي ذر الهروي، ورواية الأصيلي، ورواية أبي الوقت، ورواية كريمة المروزية. فكلما كانت النسخ المتداولة بين أيدينا ترجع إلى هذه الروايات، كانت أولى بالترجيح. مراعاة الأقرب من طبقات الرواة للبخاري: لا شك أن عوامل الزمن تسبب كثيرًا من الاختلافات، فكلما كان العهد قريبًا بالبخاري كان ذلك أقرب إلى الصحة: فمن الأمور التي ميزت رِواية الفَرَبْريّ على غيرها: علو إسناده لبقائه مدة طويلة بعد البُخارِيّ. فقد بقي بعد وفاة البُخارِيّ أربعة وستين عامًا، كان فيها مقصد العلماء والطلاب ممن يريدون سماع «الصحيح» عاليًا. ولا شك أن طلب الإسناد العالي من آداب المحدثين. والمتفق عليه بين الرواة عن أبي زيد المروزي (371) هـ أولى من المتفق عليه بين الرواة عن أبي ذر الهروي (434) هـ لأن الأول أقدم طبقة من الثاني وهكذا.

بعض الوسائل التي تساعد في الوصول إلى توجيه الاختلافات

وأقدم ما وقفت عليه من الروايات هي القطعة الموجودة في مجموعة المستشرق منجانا، وهي قطعة من «الصحيح» برواية أبي زيد المروزي (371) هـ وكتبت في حياة أبي زيد وتقع في سبعة وخمسين لوحة وقد ذكرت وصفًا لها في مبحث رواية أبي زيد المروزي. ومن أقدم ما عُثر عليه أيضًا نسخة بخط أبي علي الصدفي (514) هـ عن شيخه أبي الوليد الباجي (474) هـ عن أبي ذر الهروي (434) هـ وقد أفردتها بمبحث مستقل. ويليها نسخة ابن سعادة أبي عمران الأندلسي (422) هـ وهي مأخوذة من النسخة السابقة حيث كان صهرًا لأبي علي الصدفي وتلميذًا له، وكتبها نجله، ونشرها المستشرق ليفي بروفنسال بالتصوير الشمسي وأفردتها بمبحث مستقل أيضًا. بعض الوسائل التي تساعد في الوصول إلى توجيه الاختلافات: 1 - النسخ من «الصحيح» التي قارنت بين هذه الروايات: فالرجوع إلى هذه النسخ يحكي لنا الخلاف بين هذه الروايات، مما يجعلنا نستطيع مراعاة المتفق عليه بين الرواة والمختلف فيه، والكثرة العددية من أقوى المرجحات بين الرواة التي ذكرها العلماء. مثل نسخة أبي ذر الهروي التي قارن فيها بين روايات شيوخه الثلاثة: ونسخة شرف الدين اليونيني (701) هـ التي قارن فيها بين عدة أصول لروايات مختلفة. 2 - الرجوع للكتب المتعلقة بـ «الصحيح»: وخاصة التي عرف عن أصحابها مراعاة الروايات المختلفة لـ «الصحيح»، وهذه الكتب أنواع، أذكرها إجمالًا:

أ - شروح «الصحيح»

أ - شروح «الصحيح»: لاشك أن شروح «الصحيح» تناولت جانبًا مهمًا من الروايات، بل هي الميدان التطبيقي الحقيقي لبيان الروايات في الألفاظ المختلفة، وتوجيهها، ومن أشمل الشروح في هذا الميدان: شرح ابن حجر العسقلاني (852) هـ. وشرح شهاب الدين القسطلاني (923) هـ ولذا تناولتهما بالتفصيل في الباب الثالث. ب - الكتب التي اهتمت بتقييد هذه الاختلافات وتوجيهها: ومن أهمها وأقدمها: كتاب أبي علي الجياني (498) هـ: «تقييد المهمل وتمييز المشكل». وكتاب القاضي عياض (544) هـ «مشارق الأنوار على صحاح الآثار». وكتاب ابن قرقول (569) هـ: «مطالع الأنوار على صحاح الآثار». وقد عرفت بهذه الكتب وقيمتها في ضبط الروايات وتمييزها في الباب الثالث. ج - كتب الأطراف: وهي الكتب التي رتبت أحاديث بعض الكتب المسندة ورُتِبت فيها على المسانيد، فهذه الكتب اعتمد أصحابها على نسخ وروايات معينة من «الصحيح»، وبعضهم يذكر أكثر من رواية. فالمزي مثلًا في «تحفة الأشراف» يذكر المتفق عليه بين الروايات في مظانه، وينبه على ما انفردت به بعض الروايات، بل إنه أحيانًا يكرر الحديث في أكثر من موضع على مقتضى كل رواية، إذا كان الخلاف في الراوي الأعلى، وبمراجعة بعض الأمثلة السابقة يتبين بوضوح اعتماد الشراح

د - الكتب المتعلقة بتمييز رجال الصحيح

للأحاديث في الترجيح بين الروايات على ما يذكره أصحاب الأطراف. د - الكتب المتعلقة بتمييز رجال الصحيح: وهذه الكتب كثيرة وهي أنواع: فمنها كتب الكنى والأسماء ومن أهم المصنفات المطبوعة في ذلك: - كتاب «الكنى» للإمام النسائي (303) هـ. - كتاب «الأسماء والكنى» لأبي بشر الدولابي (310) هـ. - كتاب «الكنى» لأبي أحمد الحاكم محمد بن محمد النيسابوري (378) هـ. - «الاستغناء في معرفة الكنى» لابن عبد البر القرطبي (463) هـ - «المقتنى في سرد الكنى» للذهبي (748) هـ. ومنها كتب المؤتلف والمختلف: وهو ما اتفق في الخط واختلف في اللفظ. أو هو ما تتفق في الخط صورته ويختلف في اللفظ صيغته. وقد ألَّف في هذا النوع عدد من الأئمة، أقدمهم أبو أحمد العسكري ضمن كتابه «تصحيفات المحدثين». «المؤتلف والمختلف» للدارقطني (385) هـ. وألف تلميذه عبد الغني بن سعيد الأزدي المصري كتابين هما: «مشتبه الأسماء» و «مشتبه النسبة». وتتابع التأليف فيه حتى ألف فيه الأمير أبو نصر بن ماكولا (475) هـ كتابه الحافل «الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب» وعده ابن الصلاح أكمل وأحسن ما صنف في هذا الباب على إعواز فيه. وجمع الإمام الذهبي (748) هـ في ذلك مختصرًا سماه «المشتبه في

أسماء الرجال» فقام الحافظ ابن حجر (ت852) هـ بتوضيحه في كتاب سماه «تبصير المنتبه بتحرير المشتبه». ومنها المصنفات الخاصة بتمييز رواة الصحيح مثل: - «أسامي من روى عنهم البخاري» تصنيف ابن عدي الجرجاني المتوفى سنة (360) هـ. - «ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته من الثقات عند البخاري» للدارقطني (385) هـ. - «أسماء رجال صحيح البخاري» ويسمى أيضًا «الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد الذين أخرجهم البخاري في جامعه» لأبي نصر الكلاباذي (398) هـ. - «التعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الجامع الصحيح» لأبي الوليد الباجي (474) هـ. - «رجال البخاري ومسلم» للدارقطني (385) هـ. - «الجمع بين رجال الصحيحين» لمحمد بن طاهر بن علي، ابن القيسراني (507) هـ. - «تسمية شيوخ البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي في مصنفاتهم عن الصحابة والتابعين إلى شيوخهم» للحافظ البرقاني (425) هـ. - «المعجم المشتمل على ذكر شيوخ الأئمة النبل» لأبي القاسم بن عساكر (571) هـ اقتصر فيه على شيوخ أصحاب الكتب الستة دون الرواة الآخرين (¬1). وهذه الكتب أهميتها تظهر في تعيين رجال البخاري المختلف فيهم ¬

(¬1) يراجع كتاب: «رواة الحديث وطبقاتهم» للدكتور مصطفى أبو عمارة ص: 330 وما بعدها.

هـ - الكتب المؤلفة في العلل

بين الرواة. وكثيرًا ما يرجع إليها أبو علي الجياني في «تقييد المهمل»، وابن حجر في «فتح الباري» للترجيح بين الروايات. وهذا الأمر له أهمية كبيرة وخاصة في الرجال الذين جاء ذكرهم في «الصحيح» في موضع أو موضعين واختلف في هذه المواضع في هؤلاء الرجال. وقد سبق ذكر أمثلة لبعض الاختلافات في رجال «الصحيح»، ولم يذكروا إلا مرة واحدة، مما يترتب على هذا الاختلاف جعل هذا الراوي من رجال «الصحيح»، أو لا وذلك لأن علماء الجرح والتعديل جعلوا إخراج البخاري لراوٍ في «الصحيح» حكمًا بتعديله. ومما يلتحق بذلك الكتب المؤلفة في بيان أحوال الرجال مثل كتب التواريخ والتراجم والطبقات. هـ - الكتب المؤلفة في العلل: وهي كثيرة منها: - «العلل» لعلي بن المديني (234) هـ. - «العلل» للإمام أحمد بن حنبل (241) هـ. - «العلل الكبير» و «العلل الصغير» كلاهما للترمذي (279) هـ. - «العلل» لابن أبي حاتم (327) هـ. - «العلل الواردة في الأحاديث النبوية» للدارقطني (385) هـ. وهذه الكتب تظهر أهميتها في الترجيح بين الروايات المختلفة إذا كان الاختلاف ترتب عليه علة من العلل التي تقدح في صحة الحديث. وقد سبق ذكر بعض الأمثلة أدى الاختلاف فيها إلى إيهام وجود علة من العلل وقد أزالتها كتب العلل مثل: كتاب «العلل» للدارقطني، و «علل

و - الكتب المؤلفة في المستخرجات

ابن أبي حاتم»، و «علل الإمام أحمد» و «علل الترمذي». و- الكتب المؤلفة في المستخرجات: وهذه الكتب تظهر أهميتها في تمييز بعض الرواة المهملين، أو العلل الواردة في السند أو بعض الألفاظ المختلف فيها من المتن. ولذا نجد أن أبا علي الجياني كثيرًا ما يرجح بين الروايات باستخراجه على بعض الأحاديث، حيث يسوق الإسناد منه إلى الراوي المختلف فيه، ويلتقي مع البخاري في شيخه أو شيخ شيخه. كما أكثر من ذلك ابن حجر في «فتح الباري» من الترجيح بين الروايات باعتماده على المستخرجات، وخاصة في الاختلافات الواقعة في الأسانيد. ومما يلتحق بهذا النوع كتاب ابن حجر «تغليق التعليق» الذي وصل فيه كل المعلقات التي جاءت في الصحيح، وذلك له أهمية كبيرة في بعض الاختلافات التي تتعلق بتعليق بعض الأحاديث أو وصلها كما سبق ذكر ذلك في الأمثلة. ز - كتب السنة المسندة: وذلك في تخريج الحديث للوقوف على العلل الواردة في الأسانيد. مثل «صحيح مسلم» والسنن الأربعة ومصنفات بعض شيوخ البخاري أو شيوخ شيوخه: مثل كتب: «الموطأ» للإمام مالك (179) هـ وكتاب: «مسند إسحاق بن راهويه» (238) هـ. وكتاب «المصنف» و «المسند» لابن أبي شيبة (235) هـ وكتاب «المصنف» لعبد الرزاق (211) هـ. وغير ذلك. فاعتبار روايات هؤلاء الموجودة في كتبهم وذلك في الأحاديث التي رواها البخاري من طريقهم، أمر له أهمية كبيرة، وممن أكثر من ذلك أبو

ي - الكتب التي اهتمت بضبط غريب الحديث

علي الجياني وشراح «الصحيح» مثل ابن الملقن وابن حجر وغيرهما. ومما يلتحق بذلك الكتب المسندة ويكون الإسناد فيها من طريق البخاري. مثل كتاب: «البحر الزخار» للبزار (292) هـ. حيث ساق بعض الأحاديث عن شيخه البخاري وهذه الأحاديث في الصحيح. وكذلك الإمام البيهقي في كتبه ساق مجموعة من الأحاديث عن أبي عبد الله الحاكم بسنده إلى البخاري وهذه الأحاديث في الصحيح وقد سبق ذكرها. وللإمام أبي القاسم البغوي في كتابه «شرح السنة» كثير من الأحاديث التي تزيد على السبعمائة رواها بإسناده إلى البخاري وهي في الصحيح وقد سبق توضيح ذلك. وغير هذه الكتب كثير. فهذه الكتب يمكن الرجوع إليها واعتبار هذه الأحاديث التي جاءت بمثابة روايات لبعض النصوص من الصحيح، ويمكن الاستعانة بها في مقارنة الروايات والترجيح بها. ي - الكتب التي اهتمت بضبط غريب الحديث: مثل كتاب «غريب الحديث» للخطابي، «مشارق الأنوار» أيضًا، و «مطالع الأنوار» وكتاب ابن مالك الذي ألفه في توجيه روايات الصحيح في بعض الكلمات من حيث العربية. فالخطابي (388) قد ذكر في كتابيه: «غريب الحديث» و «أعلام الحديث» الاختلافات اللغوية التي جاءت في الصحيح، وراعى في ذلك حكاية كل الروايات الواردة في الكلمة.

خاتمة الباب الثاني

خاتمة الباب الثاني 1 - يتبين أن هناك أسبابًا كثيرة لوجود الاختلاف بين الروايات، وهذه الأسباب منها ما يعود إلى منهج البخاري نفسه كبقاء بعض الأبواب والأحاديث مبيضة، ومنها ما يرجع إلى كثرة الرواة عن البخاري، ومنها ما يتعلق بالعوامل البشرية التي تعتري أي إنسان. 2 - هناك نتائج عن هذه الاختلافات، وهذه النتائج تزيل كثيرًا من الإشكالات التي تنتج عن عدم مراعاة هذه الاختلافات، ويعد أبو علي الجياني وابن حجر العسقلاني ممن لهم عناية بإزالة كثير من الإشكالات الناتجة عن الاختلافات. 3 - هناك عوامل تساعد في التوفيق بين هذه الاختلافات، ويعد من أهم هذه العوامل اعتبار أصح النسخ والروايات وهي رواية أبي ذر الهروي. 4 - يتبين بوضوح أن صور هذه الاختلافات متعددة فمنها ما يرجع إلى السياق العام لـ «الصحيح» من حيث الترتيب بين الأحاديث والكتب والأبواب. ومنها ما يكون في بعض الأسانيد، ومنها ما يكون في بعض المتون، ومنها ما يكون نتيجة لبعض الزيادات من قبل بعض الرواة. وبناء على ما سبق: فإن ما نجده من فروق بين نسخ «صحيح البخاري» التي بين أيدينا المخطوطة أو المطبوعة لا يعد قادحًا في سلامة عموم الكتاب ونصوصه ولا يعارض ما سبق تقريره من تواتر الصحيح عن البخاري، حيث تتابعت عناية البخاري نفسه بالصحيح وكتابته، وإسماعه

للآلاف من السامعين والرواة، ثم تلته عناية رواة «الصحيح» عنه، فمن بعدهم، وكذلك ناسخوه عن أصله وما تفرع عنه من متقدمين ومتأخرين، ثم عناية الشراح بضبط تلك الفروق، والتوفيق بين ما يمكن الجمع بينه بوجه معتبر، أو ترجيح ما يظهر رجحانه ببعض الوجوه المعتبرة في الترجيح التي سبق ذكرها. والله أعلم. ولذا جعلت الباب الثالث في عناية العلماء في ضبط هذه الاختلافات.

الباب الثالث «عناية الأمة بضبط الاختلافات»

الباب الثالث «عناية الأمة بضبط الاختلافات» وفيه ثلاثة فصول الفَصْل الأول: عناية المشارقة بالصحيح: المبحث الأول: ترجمة اليُونِينِيّ. المبحث الثاني: نسخة اليُونِينِيّ، أصوله، ورموزه، عمله، مصير هذه النسخة. المبحث الثالث: الطبعة «السلطانية». الفَصْل الثاني: عناية المغاربة بالصحيح: ويتكون من ثلاثة مباحث: المبحث الأول: عناية المغاربة بالصحيح وأهم الروايات عندهم. المبحث الثاني: نسخة أبي علي الصَّدفي. المبحث الثالث: نسخة ابن سعادة. الفَصْل الثالث: أهم المصنفات التي تعتني بضبط هذه الاختلافات: أما المبحث الأول: ضبط الاختلافات من خلال كتب الشروح. المبحث الثاني: كتب تقييد الألفاظ.

الفصل الأول: عناية المشارقة بالصحيح

الفَصْل الأول: عناية المشارقة بالصحيح المبحث الأول: ترجمة اليُونِينِيّ. المبحث الثاني: نسخة اليُونِينِيّ، أصوله، ورموزه، عمله، مصير هذه النسخة. المبحث الثالث: الطبعة «السلطانية».

التمهيد

التمهيد جاء عصر اليُونِينِيّ وقد كثرت روايات «الصحيح» في كل مكان وكثر التحديث بروايات مختلفة بسبب كثرة الرُّواة والبعد الزماني عن البُخارِيّ، فجاء اليُونِينِيّ - رحمه الله تعالى - وعزم على ضبط «صحيح البُخارِيّ» بحيث يجمع في نسخة واحدة أشهر الروايات وأضبطها وأتقنها. المبحث الأول: ترجمة اليُونِينِيّ اسمه ونسبه (¬1): هو الفقيه المحدث الزاهد، الإمام شيخ العلماء في زمانه، شرف الدين ¬

(¬1) مصادر ترجمة اليُونِينِيّ: ترجمة شرف الدين اليُونِينِيّ في كتب كثيرة، فقد ترجم له تلميذه الذَّهبي في معظم كتبه، فترجم له في «تاريخ الإسلام» وفيات سنة 701 هـ (53/ 18 - 19)، وفي «المعجم المختص» ص: 168، 169 (207)، و «معجم الشيوخ» 376، 377 (543)، و «تذكرة الحفاظ» 4/ 1500، و «المقتنى في سرد الكنى» 1/ 188 (1608). كما ترجم له الصفدي في «الوافي بالوفيات» 21/ 421 (295)، واليافعي في «مرآة الجنان» 4/ 235، وابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» 4/ 329 (491)، وتقي الدين الفاسي في «ذيل التقييد» 3/ 210 (1452)، وابن حجر في «الدرر الكامنة» 3/ 98 (223)، وابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» 8/ 198، وابن مفلح في «المقصد الأرشد» 2/ 259 ترجمة (759)، والعليمي في «الدر المنضد» 2/ 450 (1191)، وابن العماد في «شذرات الذهب» 6/ 3، والزبيدي في «تاج العروس» 18/ 602، وغيرها. وقد ترجم له الدكتور عمر عبد السلام تدمري ترجمة وافية استفدت منها كثيرًا في مقدمة تحقيقه «مشيخة اليُونِينِيّ شرف الدين» تخريج محمد بن أبي الفضل البعلبكي، والتي طبعتها المكتبة العصرية ببيروت مع ملحق من «عوالي شرف الدين» أيضا برِوَاية مؤرخ الإسلام الحافظ الذَّهبي، وذلك في سنة 1423 هـ الموافق 2002 م.

أبو الحسين، علي بن محمد بن أحمد ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، اليُونِينِيّ (¬1) ولادته: ولد - رضي الله عنه - ببعلبك (¬2) في الحادي عشر من شهر رجب من سنة إحدى وعشرين وستمائة، وقد نشأ في بيت علم، وأسرة لها شأن عظيم في العلم والديانة وحفظ الحديث. أسرته: أما والده فهو الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد تقي الدين اليُونِينِيّ المحدث الحافظ الزاهد، أحد الأعلام، كان حنبلي المذهب، ولد في شهر رجب سنة (572) هـ بيونين القريبة من بعلبك، وكان ملازمًا لأسد الشام عبد الله اليُونِينِيّ، وحفظ كثيرًا من كتب الحديث منها: «الجمع بين الصحيحين» و «صحيح مسلم» وأكثر «مسند أحمد» وكان إماما في الفقه. توفي في 19 من رمضان المبارك سنة (658) هـ (¬3). ¬

(¬1) نسبة إلى قرية من قرى بعلبك اسمها يونين - بضم الياء وكسر النون الأولى - وسماها ياقوت في «معجم البلدان» 5/ 453، والفيروزآبادي في «القاموس»: يونان بضم الياء وفتح النون الأولى، وقال الزبيدي في «تاج العروس» ويقال فيها: يونين أيضًا وهو المعروف. وفي هذه القرية نشأة أسرة اليُونِينِيّ، قَال الزبيدي: وهم أهل بيت علم وحديث. ومن ينسب إلى يونين: - محمد بن عبد القادر بن على بن محمد ... حفيد الشيخ ت777 هـ يكنى أبا الحسن. - محمد بن على بن أحمد ... المعروف بابن اليونانية ت793 هـ. (¬2) بعلبك بفتح الباء وسكون العين وفتح اللام والباء الموحدة والكاف مشددة، مدينة قديمة فيها أبنية عجيبة وأثار عظيمة وقصور لا نظير لها في الدنيا، بينها وبين دمشق ثلاثة أيام، أو اثنا عشر فرسخًا من جهة الساحل «معجم البلدان 1/ 453». (¬3) ينظر ترجمته في: «تاريخ الإسلام» للذهبي 48/ 356 - 361 رقم 456، و «الذيل على طبقات الحنابلة» لابن رجب 2/ 269 - 273، و «مرآة الجنان» لليافعي 4/ 150، و «الوافي بالوفيات» للصفدي 2/ 121، و «الدرر الكامنة» لابن حجر 2/ 195، 278، 302، و «النجوم الزاهرة» 7/ 92، وغيرها مما لا مجال لحصره.

أما أخوه فهو قطب الدين موسى صاحب «التاريخ» الذي ذيله على «مرآة الزمان» لسبط بن الجوزي والمتوفى سنة (726) هـ (¬1). وله أخٌ آخر اسمه بدر الدين الحسن، وأخت اسمها أمة الرحيم حدثا كما قال الزبيدي في «تاج العروس». وكان لنشأة شرف الدين اليُونِينِيّ في بيت علم أن طلب العلم مبكرًا، فحضر ببلده بعلبك عدة أجزاء على البهاء عبد الرحمن المقدسي، وسمع بها من القاضي عبد الواحد بن أبي المضاء الإربلي في سنة (626) هـ، وهو في السادسة من عمره، كما سمع والده الشيخ الفقيه وغيرهم. شيوخه: يمكن القول أن شيوخ الفقيه شرف الدين تجاوزوا السبعين شيخًا من خلال تتبع مشيخته التي ألفها اليُونِينِيّ نفسه، ومنهم من سمع منه في رحلاته: إسماعيل بن إبراهيم بن شاكر التنوخي، وأبو المواهب الحسن بن سالم بن الحسن ابن صَصْرىَ وغيرهم. ويعتبر الحسن بن الحسن الجواليقي، ومحمد بن عبد الله بن المبارك البندنيجي، المعروف بابن عُفَيجة، أقدم شيوخ شرف الدين وفاة؛ حيث توفي الإثنان سنة (625) هـ مما يعني أنه أخذ بالإجازة عنهما وهو في الرابعة من عمره. أما آخر شيوخه وفاة فكان عبد المؤمن بن خلف الدمياطي، الذي تأخرت وفاته حتى سنة (705) هـ أي بعد وفاته هو بأربع سنين، وكان من ¬

(¬1) ينظر في ترجمة قطب الدين: «نهاية الأرب» للنويري 33/ 215، و «المعجم المختص» للذهبي285، 286 (366)، و «مرآة الجنان» 4/ 276، و «الذيل على طبقات الحنابلة» 2/ 279، 380، و «الدرر الكامنة» 5/ 153 (4900)، وغيرها.

بين شيوخه امرأة واحدة، هي زينب بنت عمر بن كندي، كما كان من بين شيوخه سلطانٌ مَلِكٌ، هو الأشرف موسى العادل محمد الأيوبي، وقد حدث عنه بأربعين حديثًا خرجت له. وتنوعت تخصصاتهم بين الحديث والفقه والقضاء والفتوى والأدب والأنساب وغيرها، وأكثرهم من الأئمة الأعلام المسندين سواء في المذهب الحنبلي أو الشافعي أو الحنفي. تلاميذه: بعد أن انتهى شرف الدين من رحلاته العلمية، التي سمع وتفقه فيها على أعيان عصره من العلماء الشاميين والمصريين، عاد إلى وطنه لكي يحدث ويسمع ما أخذه، وحدث بكل من دمشق وبعلبك. ومكانته العلمية بوأته لكي يحدث في دار الحديث الظاهرية (¬1) بدمشق سنة (683) هـ، وحدث بما سمع، ومن الكتب التي حدث بها: «المحدث الفاصل» للرامهرمزي، كما حدث وأقرأ: «مسند الشافعي» و «الثقفيات العشرة» و «مشيخته» و «سنن الشافعي» برِواية الطحاوي ورِواية المزني وكتاب «المنتقى الكبير من ذم الكلام». وأخذ عنه الكثير من الدمشقيين وأهل بلده من البعلبكيين ومن بلاد شتى - كانوا ينزلون دمشق وبلاد الشام - من بلاد المغرب وغيرها، وممن أخذ عنه: - أحمد بن إبراهيم بن محمد التركماني (723) هـ. ¬

(¬1) المدرسة الظاهرية هي التي أمر ببنائها السلطان الظاهر بيبرس صاحب مصر والشام، المولود في حدود العشرين وستمائة، والمتوفى سنة ست وسبعين وستمائة. وأمر ببناء هذه المدرسة في حدود سنة سبعين وستمائة وهي الآن مقر دار الكتب الوطنية بدمشق، ينظر «الدارس في تاريخ المدارس» 1/ 348 - 359، و543 - 548 لعبد القادر النُّعيمي الدمشقي المتوفى سنة (927) هـ.

- أحمد بن أيوب بن أبي فراس، ويعرف بابن الغلفي، إمام مسجد الحنابلة ببعلبك 745 هـ. - محيي الدين أحمد بن الحسين الشبلي خازن الكتب بدار الحديث الأشرفية بدمشق، المتوفى سنة (744) هـ. - العلامة المفسر شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، صاحب «الفتاوى الكبرى» المتوفى سنة (728) هـ. - الحافظ المصنف القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي الدمشقي، المتوفى سنة (739) هـ. - شمس الدين أبو عبد الله الذَّهبي صاحب «تاريخ الإسلام» المتوفى سنة (748) هـ وغيرهم. وباستعراض قائمة تلاميذه نجد منهم الأئمة الأعلام أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، والبرزالي والذَهَبِيّ، فبرعوا في تخصصاتهم وتنوعت معارفهم في الفقه وفروعه وأصوله والنحو والتفسير والحديث، وغير ذلك من الفنون. أقوال العلماء فيه: من يتتبع أقوال العلماء في الإمام شرف الدين اليُونِينِيّ يجد أنهم أجمعوا على وصفه بالإمامة، والحفظ، والفضل، والسبق في الضبط والقراءة والتقييد، وأجمعوا على تنوع معارفه في الفقه والأصول واللغة. أما الحديث فهو حامل لوائه، والمقدم فيه على أقرانه، حتى توافد عليه العلماء من كل مكان، حتى استحق أن يكون شيخ بعلبك. قال فيه الذَّهبي: الإمام العلامة الصالح العارف المحدث المتقن الديّن شيخ العلماء ... ، قدم واستنسخ «صحيح البُخارِيّ»، وعُني به وقابله بضع

عشرة مرة في سنة ... (¬1) وقال ابن رجب: حدث بالكثير، وسمع منه خلق من الحفاظ والأئمة، وأكثر عنه البرزالي والذَهَبِيّ بدمشق وبعلبك ... (¬2). وقال الصفدي: عُني بالحديث وضبطه، وبالفقه واللغة، وحصل الكتب النفيسة، وكان في زمنه عديم النظير في بابه، ليس له مشارك في عشرته لأصحابه ... (¬3). وقال القاضي الفاسي: سمع على البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد المقدسي كتاب «مناقب الإمام أحمد» لأبي الفرج بن الجوزي بسماعه منه، وعلى الحسين بن المبارك بن الزبيدي البغدادي «صحيح البُخارِيّ» وكان أجل من رواه عنه ... (¬4). وغير ذلك الكثير من أقوال العلماء التي لا يتسع المقام بذكرها لكثرتها. رحلاته: ارتحل شرف الدين اليُونِينِيّ من بلده بعد أن سمع بها طلبًا لعلو الإسناد، فذهب إلى: 1 - دمشق مرات كثيرة ليتزود من العلم بها، وسمع بها من الحسين بن المبارك ابن محمد الزبيدي، وعبد الله بن عمر بن علي اللتي أبو المنجا، وابن الصلاح، وجعفر الهمداني، وابن الشيرازي وغيرهم. 2 - ثم ارتحل إلى مصر خمس مرات بعد سنة (641) هـ فلازم الحافظ المنذري وتخرج به، وسمع من علي بن هبة الله بن سلامة المعروف بابن ¬

(¬1) «المعجم المختص» ص: 168 - 169. (¬2) «الذيل على طبقات الحنابلة» 2/ 346. (¬3) «أعيان العصر» 3/ 476. (¬4) «ذيل التقييد» 2/ 210 - 211.

الجميزي، ومحمد ابن الظافر بن أبي الحسين الإسكندراني المعروف بابن رواج، وغيرهم. آثاره العلمية: لا تعرف آثار حديثية أو غيرها لشرف الدين اليُونِينِيّ بالرغم من شهرته التي ملأت الآفاق شرقًا وغربًا، إلا «المشيخة» التي خرج فيها أسماء شيوخه، وجزء فيه عوالي، خرجها تلميذه الذَّهبي، ونص «الصحيح»، الذي ضبطه على الروايات التي وقعت له. و «المشيخة» خرجها تلميذه محمد بن أبي الفضل البعلبكي المتوفى سنة 709 هـ. وهي ثبت خرج فيه اليُونِينِيّ شيوخه الذين روى عنهم وعرف بهم، ويذكر حديثًا أو اثنين مما رواه من طريقه، وهو يتألف من ثلاثة عشر جزءًا (¬1). أما «العوالي» فهي مجموعة أحاديث رواها عنه الذَّهبي، وهي منثورة في مؤلفات الذَّهبي (¬2). وفاته: توفي - رضي الله عنه - شهيدًا في رمضان ليلة الجمعة من سنة إحدى ¬

(¬1) لم يحقق منها سوى ثلاثة أجزاء هي الثامن والتاسع والعاشر، حققها الدكتور عمر بن عبد السلام تدمري، ونشرته المكتبة العصرية بصيدا بيروت سنة 2002 م. (¬2) وقد جمع بعضًا منها الدكتور عمر عبد السلام وألحقها في آخر مشيخة اليُونِينِيّ. ومما يجدر التنبيه عليه هنا أن فؤاد سزكين في «تاريخ التراث العربي» ذكر في ترجمة البُخَارِيّ عند الكلام على نسخ «صحيح البُخَارِيّ» أن اليُونِينِيّ قام بإعداد النص الذي بين أيدينا من شرح «الجامع الصحيح» للفربري ... إلخ. ففهم منه الدكتور عمر تدمري أن اليُونِينِيّ له شرح على «الصحيح» وإنما في حقيقة الأمر المقصود نص اليُونِينِيّ لـ «صحيح البُخَارِيّ».

وسبعمائة من الهجرة وفاةً غبطه الناس عليها؛ إذ كانت وفاته شهادة عندما دخل عليه - يوم الجمعة في الخامس من رمضان وهو يجلس في خزانة الكتب بمسجد الحنابلة ببعلبك بعد مجيئه من دمشق - شخص يدعى موسى المصري الناشف، وصف بالفقير، فضربه بعصا على رأسه عدة ضربات، ثم أخرج سكينا صغيرة فجرحه في رأسه أيضًا، فاتقى الشيخ بيده فجرحه فيها، وأُمسك الضارب، وأخد إلى مُتولي بعلبك، وضرب ضربًا مبرحًا وحبس وأظهر الاختلال في عقله وتجانن، فكان يقول: كسرة وجبينة (¬1)، وهو غير معروف بالبلد. أما الشيخ فحمل إلى داره وأتم صيام يومه، وأقبل على أصحابه يحدثهم وينشدهم على عادته، ثم حصل له بعد ذلك حمى، وحقن واشتد مرضه حتى توفي يوم الخميس المذكور، في الساعة الثامنة منه، ودفن من يومه بباب سطحا حيث المقبرة ببعلبك، وصُلي عليه يوم الجمعة بجامع دمشق الأموي صلاة الغائب، وتأسف الناس عليه، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة. ¬

(¬1) كأنه يظهر علامات الجنون عنده حتى لا يؤاخذ بما فعل.

المبحث الثاني: نسخة اليونيني (701) هـ

المبحث الثاني: نسخة اليُونِينِيّ (701) هـ بعد البحث والتحري استطاع اليُونِينِيّ الوقوف على عدة أصول لنسخ روايات امتازت كل نسخة بمميزات عن غيرها. فقام بجمع ما وقف عليه من الأصول واعتمد أحدها أصلًا، ثم قابل باقي النسخ عليها بقراءة جملة من المشايخ والعلماء. وقبل البدء في وصف هذا العمل يجب التنبيه على عدة أمور: أولًا: يجب مراعاة الفرق بين الأصول المكتوبة التي وقف عليها شرف الدين اليُونِينِيّ وبين الروايات التي سمع «الصحيح» من خلالها. فالأصول التي اعتمد عليها في نص المتن خمسة قد ذكرها في مقدمته وعلقت عليها فيما يأتي. أما الروايات التي روى الصحيح من خلالها فهي غير هذه الأصول، وإن كانت الأسانيد تنتهي إلى أصحاب هذه الروايات وهي: 1 - رواية أبي عبد الله الحسين بن أبي بكر الزبيدي عن أبي الوقت عن الداودي عن السرخسي عن الفربري، وهذا هو أصل سماعه. 2 - رواية كريمة المروزية: رواها عن شيخه أبي الحسن علي بن شجاع بن سالم (661) هـ، عن شيوخه الثلاثة: (أبو القاسم البوصيري (598) هـ، وأبو عبد الله محمد ابن أحمد بن مفرج الحنبلي (601) هـ، ـ وأبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله عتيق بن باقا (608) هـ) بأسانيدهم إلى كريمة المروزية عن الكشميهني عن الفربري. 3 - رواية الأصيلي: رواها عن والده أبي عبد الله محمد عن أبي طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي بإسناده إلى الأصيلي عن أبي زيد المروزي وأبي محمد الجرجاني كلاهما عن الفربري.

4 - رواية ابن عساكر: رواها إجازة عن شيخه المكي بن علان (680) هـ وزين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد عن مؤرخ الشام ابن عساكر. 5 - رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة: رواها إجازة عن أبي جعفر الهمداني عن الحافظ أبي طاهر السلفي إجازة عن الإمام القاضي عياض عن أبي علي الصدفي عن أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي عن أبي ذر الهروي رحمه الله. . ثانيًا: مراعاة عدم وجود كتابات قديمة أو حديثة، قد بسطت الكلام على منهج هذا الإمام في هذه النسخة، وإنما كان الكلام عليها إشارات سريعة (¬1). ¬

(¬1) توجد دراسة صغيرة في مجلة «الجامعة الإسلامية» المجلد العاشر العدد الأول لسنة 2002 م من ص: 223 إلى ص: 260 بعنوان: «الإمام اليُونِينِيّ وجهوده في حفظ صحيح الإمام البُخَارِيّ وتحقيق رواياته» بقلم الشهيد نزار عبد القادر الريان، الدكتور بكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة بفلسطين، وهي دراسة تكلمت عن اليُونِينِيّ وعمله في «صحيح البُخَارِيّ» وهي دراسة متخصصة إلا أنه لم يفرق بين الروايات التي اعتمد عليها اليُونِينِيّ، حيث لم يفرق بين الأصول وبين الروايات التي سمع «الصحيح» من خلالها خيث ذكر أن اليُونِينِيّ اعتمد على أربع عشرة نسخة واستمد ذلك من خلال الرموز الموجودة في أول الطبعة السلطانية والواقع غير ذلك فجعل الروايات الثلاث التي اعتمد عليها أبوذر الهروي كل واحدة منهن نسخة ثم جعل رِوَاية أبي ذر واحدة أخرى وهكذا. وللشيخ أحمد شاكر - رحمه الله تعالى - مقالة بعنوان «النسخة اليُونِينِيّة من صحيح البُخَارِيّ» قد وضعتها دار الجيل في مقدمة الطبعة التي طبعوها من «النسخة السلطانية» مما يوهم أنه أشرف على هذه الطبعة، والحقيقة غير ذلك؛ حيث نص أنه لم يتيسر له ذلك. وتناول في هذا المقال التعريف باليُونِينِيّ، وتكلم عن عمله في نسخته، والنسخ التي وقف عليها، وقارن بينها وبين النسخة المطبوعة التي أمر بطبعها السلطان عبد الحميد الثاني، والتي أشرف عليها علماء من الأزهر، وتكلم عن مصير هذه النسخة ومكانها في مكتبات العالم. كما كتب عنها محمد زهير بن ناصر في مقدمة طبعة دار طوق النجاة التي أخرجوا فيها الطبعة السلطانية التي طبعت سنة 1313 هـ، وتكلم عن نسخة اليُونِينِيّ وتوثيقها والنسخ التي اعتمد عليها، إلا أنها دراسة صغيرة جدًّا لا تفي بهذا العمل الجليل.

ثالثًا: كتب اليُونِينِيّ - رحمه الله تعالى - عدة أوراق ذكر فيها منهجه في هذه النسخة، ورقومه فيها وأصوله التي اعتمد عليها، ورواياته التي سمع «الصحيح» بها، ومشايخه الذين أخد عنهم «الصحيح» وهي على صغر حجمها حيث لا تتعدى الست ورقات إلا أنها في غاية النفاسة؛ حيث أزالت كثيرًا من الإشكالات التي أثيرت، وبقيت مدة طويلة لا تعرف إلا من خلال إشارات العلماء الذين استفادوا من هذه النسخة، مثل إشارات العلامة القَسْطَلّانِيّ في «إرشاد الساري». بل يمكن القول: إن كل من كتب عن هذه النسخة اعتمد على ما ذكره القَسْطَلّانِيّ في المقدمة، ومن العجيب أنه لا يوجد أحد ممن اهتم بطباعة هذه النسخة حتى القائمين على طباعة النسخة «السلطانية» - التي أمر بطبعها السلطان عبد الحميد - قد ذكر المقدمة التي كتبها اليُونِينِيّ والتي هي بمثابة المفتاح لهذه النسخة. وقد وقفت - بفضل الله تعالى - على صورة لمخطوط مجموع فيه عدة أجزاء حديثية، وفيها ورقات هي مقدمة اليُونِينِيّ، ولها صورة في المكتبة الأزهرية ودار الكتب المصرية وكاتبها متأخر، ويبدو أنها منسوخة من نسخة أقدم منها، وكاتبها هو أحمد بن محمد السحيمي القرشي القلعي سنة (1173) هـ كما وجدت ذلك في آخر النسخة. ولقد قمت بنسخها، وآثرت ذكرها كاملة؛ لما فيها من فوائد وأمور، ستكون مدار الحديث عن هذه النسخة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الشيخ الإمام العلامة أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله اليُونِينِيّ عفا الله عنه: الأصول المشار إليها مما أحلت عليه في هوامش نسختي من «صحيح البُخارِيّ»، وما أعلمت عليه في نفس الكتاب بين الأسطر. فما وقع عليه اتفاق الأئمة الحفاظ الأربعة وهم: أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي، والحافظ أبو ذر عبد بن أحمد الهَرَويّ، والحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن عساكر الدمشقي، والأصل المسموع على أبي الوَقْت بقراءة الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السَّمْعاني. كتبت عليه (هـ ص: س ظ) هكذا، وما اتفق عليه ثلاثة منهم أسقطت رسم أحدهم، وكذلك إن اتفق اثنان منهم رُقم ما جعل رسمًا لهما. وإن لم يكن عندهم فإما أن أكتب على الهامش سقط عند (هـ ص: س ظ) أو أكتب عليه: (لا) وأرقم رسم من ليس عنده. مثاله: إنه وقع في أصل سماعي حديث بدء الوحي: (جمعه لك في صدرك). ووقع عند (5 ص: س ظ) (جمعه لك صدرك) بإسقاط: (في). فأنا أرقم على: (في) (لا)، وأرقم فوقها أو إلى جانبها (هـ ص: س ظ). هذا إن وقع الاتفاق على سقوطها. وإن كانت عند أحدهم وليست عند الباقين كتبتُ عليها: (لا)، ورقمت عليها الحرف المصطلح عليه، وعلى ذلك فقس في كل ما تراه مرقومًا عليه، فافهم الرسم، واحذر من الغلط، وراقب رَقْم أبي ذر ومشايخه الثلاثة: الحَمُّوييّ، والمُسْتَمْلِيّ، وأبي الهيثم، فيما خالف أصل سماعي، فإن

كانت المخالفة من الجميع كتبته في الهامش ورقمت عليه (هـ) هكذا أو صححت عليه (صح) هكذا، وإن وافق أحد مشايخه أصل سماعي كتبتُ الذي خالف، إما في الأصل بين الأسطر ورقمت عليه ما تقرر من الاصطلاح إنه قد رسم له، أو في الهامش وكتبت فوقه الرَقْم. فالحَمُّوييّ رَقْمُهُ (حـ) هكذا، والمُسْتَمْلِيّ (سـ) هكذا، والكشيمهني (هـ) هكذا، فإن كان عند الحَمُّوييّ والمُسْتَمْلِيّ رقمت عليه (حسـ) هكذا، أو إن كان عند الحَمُّوييّ وأبي الهيثم رقمت عليه (حهـ) هكذا، وإن كان عند المُسْتَمْلِيّ وأبي الهيثم رقمت عليه (سهـ) هكذا. وإن كان ثابتًا عند أحدهم دون الآخر رقمت عليه رسمه، إما في الأصل أو في الهامش. وقد وقع شيء كثير من التراجم والأحاديث والكلمات ويرقم عليها في رِواية أبي ذر: إنها عند المُسْتَمْلِيّ وحده، وهى في أصل سماعي من «صحيح البُخارِيّ» الذي أخبرني به الإمام العالم الثقة أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر عبد الله المبارك بن محمد ابن يحيى بن الزبيدي الربعي السلامي، بقراءة سيدي ومولاي والدي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله اليُونِينِيّ. والحافظ الإمام العلامة مفتي الفرق، رئيس الأصحاب، حجة العلماء، تقي الدين أبو العباس أحمد (¬1)، ابن الإمام العلامة الحافظ عز الدين محمد ¬

(¬1) هو شيخ الحنابلة المولود في إحدى وتسعين وخمسمائة، سمع من الخشوعي وأسعد بن روح وغيرهما، روى عنه العز بن العماد، والشمس بن الواسطي، وغيرهما، مات سنة ثلاث وأربعين وستمائة (ينظر سير أعلام النبلاء 23/ 212 (128). وجده تقي الدين كان شيخًا محدثًا، صاحب «الأحكام الكبرى» ولد سنة (541) هـ وتوفى سنة (600) هـ ينظر «سير أعلام النبلاء» 21/ 444.

ابن الإمام العلامة حجة الحفاظ الحافظ تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن على ابن سرور. وقراءة ابن عمه الإمام العالم شرف الدين أبي محمد الحسن (¬1) بن الإمام الحافظ جمال الدين بن أبي موسي عبد الله بن الحافظ عبد الغني. والإمام العالم المحدث سيف الدين أبي العباس أحمد بن عيسى بن الإمام العلامة موفق الدين محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسيين (¬2). وذلك في شهر رمضان سنة (635) هـ بدمشق المحروسة في قلعتها. عن الشيخ الثقة، الصدوق الصالح السديد بقية الأشياخ أبي الوَقْت عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق السجزي الهَرَويّ قراءة عليه في شهور سنة (583) هـ. أنبأنا الإمام جمال الإسلام، أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود بن أحمد معاذ بن سهل بن الحكم الدّاوُدِيّ، قراءة عليه ببوشنج، في ذي القعدة سنة (495) هـ. أنبأنا الإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه بن أحمد بن يوسف بن أيمن السَّرْخَسي، قراءة عليه في صفر سنة (381) هـ عن الفَرَبْريّ ¬

(¬1) المولود سنة خمس وستمائة، أفتى ودّرَّس ورحل في الحديث، وسمع الكثير من أبي اليمن الكندي وغيره، وكتب عنه الأبيوردي والدمياطي وكثير من الحفاظ، توفي سنة تسع وخمسين وستمائة، ينظر «تذكرة الحفاظ» 4/ 1451، و «تاريخ الإسلام» 48/ 381. (¬2) ولد سنة خمس وستمائة وسمع من جده الكثير ومن أبى اليمن الكندي وغيرهما، جمع وصنف، وكان ثقة حافظًا ذكيا متيقظا ومحاسنه كثيرة، عاش ثمانية وثلاثين سنة. «تذكرة الحفاظ» 3/ 1446.

عن البُخارِيّ. وإنما سقت سندي حتى يعلم أنه عن الحَمُّوييّ، وقد خالفت رِواية الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد بن عفير الهَرَويّ عن الحَمُّوييّ لرِواية الحسن الدّاوُدِيّ عن الحَمُّوييّ في أشياء ثابتة عند الحَمُّوييّ. وكذلك يرقم على ما ترجمته أنها ليست عند الحَمُّوييّ من روايته، وهي ثابتة في أصل سماعي من رِواية الدّاوُدِيّ عن الحَمُّوييّ، أو يرقم فوقها بما اصطلح الحافظ أبوذر عليه من هـ هكذا أنها عنده وهي ثابتة عن الحَمُّوييّ من رِواية (حـ) هكذا أو (سـ) هكذا فيعلم ذلك. وليس ما أعلمت عليه من أنه عند أبي الهيثم على ما أرقم عليه أن ذلك ليس في روايتي، وإنما رقمت فوقه أو نبهت عليه إما في أصل أو في هامش، حتى يعلم أنه عند الحافظ أبي ذر كذلك، وهو ثابت عند الحَمُّوييّ من طريق الدّاوُدِيّ فيعلم ذلك. وعنيت برِواية الإمام الحافظ أبي ذر لأمرين: أحدهما: أني قرأت جميع «صحيح البُخارِيّ» رَضِي الله عَنْهُ على الشيخ الإمام المحدث، شيخ القراء وكبيرهم بالديار المصرية، أبي الحسن علي بن شجاع (¬1) بن سالم العباس الضرير المنعوت بكمال الدين في شهور سنة (661) هـ، بالقاهرة المحروسة من أصل سماعه بحق روايته له عن المشايخ الثلاثة الثقات المسندين: أبي القاسم هبة الله بن علي بن مسعود بن ثابت بن غالب بن هاشم ¬

(¬1) مسند الآفاق في القراءات والحديث، وتزوج ابنة الشاطبي، وسمع الشاطبية وصححهها دروسًا على الشاطبي، وقرأ عليه كثيرون، منهم الدمياطي والوزيري وغيرهم. توفي سنة إحدى وستين وستمائة، ينظر «الوافي بالوفيات» 21/ 152 - 153.

الأنصاري الخزرجي المعروف بالبوصيري (¬1). والإمام المقرئ الصالح أبي عبد الله محمد بن أحمد بن حامد بن مفرج الحنبلي المصري (¬2). والثقة المسند أبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله عتيق بن باقا البغدادي. قال البوصيري: أنبأنا الإمام العلامة اللغوي النحوي أبو عبد الله محمد بن بركات ابن هلال بن عبد الواحد السعيدي الصوفي رحمه الله. وقال الأرتاحي: أَخْبَرَنا الشيخ المسند أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء إجازة (¬3) قالا: أخبرتنا الحرة العالمة أم الكرام كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المَرْوَزيّة. وقال البوصيري أيضًا: أَخْبَرَنا الشيخ المسند أبو صادق مرشد بن يحيى بن قاسم ابن علي بن خلف بن محمد بن رعبل المدني (¬4) إجازة إذ ¬

(¬1) المتوفى سنة ثمان وتسعين وخمسمائة له ترجمة في «التكملة لوفيات النقلة» 1/ 414 (647)، «تاريخ الإسلام» 42/ 375، «الوافي بالوفيات» 27/ 304. (¬2) هو الشيخ الصالح أبو عبد الله الأنصاري الأرتاحي، ثم المصري الأدميّ الحنبلي. قَال الحافظ عبد العظيم: كان مولده في حدود سنة (517) هـ. سمع من أبي الحسن الأرتاحي، وأجاز له أبو الحسين الفراء، وكتب عنه جماعة من الحفاظ. روى عنه الحافظ عبد الغني، وقال الضياء: كان شيخنا هذا ثقة دينًا ثبتا، وكانت وفاته سنة إحدى وستمائة. ينظر: «تاريخ الإسلام» 43/ 70، و «سير أعلام النبلاء» 21/ 415 - 416، «النجوم الزاهرة» 6/ 188. (¬3) سبقت ترجمتهم. (¬4) كان ثقة صحيح الأصول، وتوفى سنة سبع عشرة وخمسمائة، ينظر: «تاريخ الإسلام» 35/ 418، «سير أعلام النبلاء» 19/ 475، «مرآة الجنان» 3/ 222، «شذرات الذهب» 4/ 57.

لم يكن سماعًا، أخبرتنا كريمة المَرْوَزيّة. قال السعيدي: بقرأتي سنة ست، وقال أبو صادق: قراءة وأنا أسمع في شوال سنة سبع ثم اثنتين وخمسين وأربعمائة بمكة شرفها الله تعالى. قالت: أنبأنا أبو الهيثم محمد بن المكي بن محمد بن المكي بن زراع الكُشْمِيهَني قراءة عليه وأنا أسمع في جمادى الأولى سنة (389) هـ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر بن إبراهيم الفَرَبْريّ بفربر، قراءة عليه وأنا أسمع، في شهر ربيع الأول سنة (325) هـ، أنبأنا الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن المغيرة بن الأحنف الجعفي مولاهم البُخارِيّ بصحيحه مرتين، مرة بفربر سنة ثمان وأربعين، ومرة سنة (253) هـ (¬1). وقال أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله عتيق بن باقا، أنبأنا أبو الوَقْت، أَخْبَرَنا الدّاوُدِيّ، أَخْبَرَنا الحَمُّوييّ، أَخْبَرَنا الفَرَبْريّ، أَخْبَرَنا البُخارِيّ. الأمر الثاني: أن أصل سماعي الوقف بخانقاه (¬2) الشيخ أبي القاسم السُّمَيْساطِي (¬3) الذي سمع على الشيخ أبي الوَقْت ببلاد خراسان بقراءة ¬

(¬1) في المخطوط (352) وهو خطأ والصواب: ما أثبته. (¬2) (خانقاه) كلمة فارسية معناها بيت، وقيل أصلها خونقاه، أي الموضع الذي يأكل فيه الملك، والخوانق حدثت في الإسلام في حدود الأربعمائة من الهجرة، وجعلت لتخلي الصوفية فيها لعبادة الله تعالى وجمعها خوانق، ومن هذه الخوانق: خانقاه أقبغا، وهي موضع من المدرسة الأقبغاوية بجوار الجامع الأزهر، أفرده الأمير أقبغا عبد الواحد، وجعل فيه طائفة يحضرون للتصوف، وأقام لهم شيخًا وأفرد لهم وقفًا يختص بهم، وهي باقية إلى يومنا هذا. ينظر «الخطط» للمقريزي 3/ 399، 422. (¬3) خانقاه السميساطي بمهملات وتسمى الخانقاه السميساطية. كانت هذه الخانقاه دار عبد العزيز ابن مروان بن الحكم أمير المؤمنين، وهي بدمشق، اشتراها أبو القاسم علي بن محمد بن يحيى السلمي، من أكابر الرؤساء بدمشق، ولي مشيختها كثير من العلماء والأكابر، منهم أبو المظفر الفلكي (560) هـ، وتقي الدين العثماني (747) هـ ينظر: «الدارس في تاريخ المدارس» 2/ 151 - 161. والسميساطي هو أبو القاسم على بن محمد بن يحيى السلمي، كان متقدمًا في علم الهندسة وعلم الهيئة، ينظر في ترجمته: «الإكمال» لابن ماكولا 5/ 141 - 142، «الأنساب» 7/ 246 (2167)، «تاريخ الإسلام» 3/ 346 - 347.

الإمام الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السَّمْعاني (¬1)، فإنه مسموع من رِواية كريمة المرزوية، وقد جمع فيه بين روايتي أبي الوَقْت وكريمة، فعنيت برِواية أبي ذر؛ لأن أحد مشايخه - وهو أبو الهيثم شيخ كريمة المَرْوَزيّة - وقد خالف كريمة المَرْوَزيّة في روايتها عن الكُشْمِيهَني للحافظ أبي ذر في أشياء من روايته عن الإمام أبي الهيثم الكُشْمِيهَني. والأصل الذي قابلت به من طريق أبي ذر هو مسموع على الشيخ الإمام الثقة العالم الفقيه المسند أبي العباس أحمد بن عبد الله بن الحطيئة، عن الشيخ الفقيه العالم أبي عبد الله محمد بن منصور الحضرمي، عن الشيخ الفقيه أبي القاسم عبد الجليل بن أبي سعد، عن الحافظ أبي ذر الهَرَويّ، وهى نسخة صحيحة معني بها حجة. قال الإمام الحافظ العارف الزاهد العابد أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ¬

(¬1) هو الحافظ البارع العلامة أبو سعد عبد الكريم ابن الحافظ أبي بكر محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي، السَّمْعَاني صاحب «الأنساب» ولد سنة ست وخمسمائة، قيل: بلغت شيوخه سبعة آلاف شيخ، توفي في سنة اثنتين وستين وخمسمائة وله ست وستون سنة، ينظر: «تذكرة الحفاظ» 4/ 1318، «وشذرات الذهب» 4/ 205 - 206.

بن الأزهر الصريفيني شيخنا (¬1): هذه النسخة من «صحيح البُخارِيّ» مفزع يلجأ إليه لصحتها وإتقانها. وأما الأصل المعزو إلى الأصيلي فإنه وقف في مدرسة شيخنا الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي (¬2)، وعليه الحواشي بخط الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري وهو أصل صحيح تظهر عليه مخايل النباهة والصحة. وأما الأصل المعزو إلى الحافظ أبي القاسم مؤرخ الشام علي بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر فإنه أصل سماعه، وقد سمع عليه غير مرة. وأما الأصل المعزو إلى الحافظ أبي سعد السَّمْعاني فإنه أصل أصيل، وهو أحد أصول سماعات دمشق المحروسة وخراسان، ردها الله إلى المسلمين، وهو قد سمع على جماعة من الحفاظ وسمع بقراءة جماعة من الحفاظ. واخترت لأبي ذر: (هـ) على الشكل علامة؛ لأنه غلب عليه النسبة إلى ¬

(¬1) المولود ستة إحدى وثمانين وخمسمائة، كان ثقة حافظًا، صالحًا، سمع الكثير وكتب وأفاد، وولي مشيخة دار الحديث بمنبنج، وسكن حلب، ومات في سنة إحدى وأربعين وستمائة، ينظر «تذكرة الحفاظ» 4/ 1433. (¬2) تسمى المدرسة الضيائية المحمدية، وهي بسفح قاسيون شرقي الجامع المظفري، أنشأها الشيخ ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي الحافظ أحد الأعلام صاحب «المختارة في الأحاديث» ولد سنة تسع وستين وخمسمائة، وتوفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة. وهذه المدرسة أوقف لها كثيرًا من الكتب بخطه، ووقف عليها أوقافا كثيرة أخرى، وجعل هذه المدرسة دار حديث. فرحمه الله تعالى. (ينظر الدارس في تاريخ المدارس» للنعيمي 2/ 91 - 98، وينظر في ترجمة الضياء «تذكرة الحفاظ» 4/ 1405، 1406.

بلده فلا يقال إلا الحافظ الهَرَويّ، وللأصيلي (ص:) هكذا؛ لأنه غلب عليه النسبة إلى بلده وهو أزيلة فقلبت إلى الصاد وغلبت على الزاي (¬1). وللحافظ الدمشقي مؤرخ الشام (س) هكذا؛ لأنه لا يقال له إلا: ابن عساكر. وأما ابن السَّمْعاني فاخترت له (الظاء)؛ لحفظه وإتقانه وتقدمه على أقرانه فيعلم ذلك. وكذلك ربما وقع الخلاف في حرف واحد من كلمة، مثل أن يكون في أصل سماعي: (فقال) وفي غيره: (وقال) بالواو أو بالعكس فربما كتبت الحرف المختلف فيه فقط ورقمت فوقه أو إلي جانبه بالحرف المصطلح عليه، وكذلك إذا كان الخلاف في الياء والتاء أو غير ذلك من الحروف. وقد أخبرني بالجامع الصحيح من رِواية الإمام الحافظ أبى عبد الله الأصيلي رحمه الله، فأخبرني سيدي ومولاي والدي أبو عبد الله محمد رحمه الله إذنًا، أَخْبَرَنا الشيخ الثقة المسند أبو طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر بن بركات الخشوعي إجازة (¬2)، أَخْبَرَنا الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن محمد عتاب إذنًا، أخبرني والدي (¬3)، عن أحمد بن ثابت ¬

(¬1) قَال القاضي عياض في «مشارق الأنوار» 1/ 70: الأصيلي بفتح الهمزة مقصورة منسوب إلى أصيلة مدينة بالمغرب مشهورة، ويقال: بالزاي مكان الصاد أيضًا، والصاد هنا أشهر. (¬2) المولود في سنة عشر وخمسمائة، والمتوفى سنة ثمان وتسعين وخمسمائة. روى كتبًا كثيرة بالسماع والإجازة، سمع من هبة الله الأكفاني، وعبد الكريم بن حمزة، وأجاز له أبو علي الحداد من أصبهان. (ينظر ترجمته في، «سير أعلام النبلاء» 21/ 357 - 358، و «شذرات الذهب» 4/ 335) (¬3) من أهل قرطبة، ومن أكابر الشيوخ الأندلسيين في علو الإسناد وسعة الرحلة، ولد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وتوفي سنة عشرين وخمسمائة. ينظر «الصلة» 2/ 348 - 350 (749) «هدية العارفين» 1/ 518، «معجم المؤلفين» 2/ 116 (7012)، وأبوه العلامة المحدث مفتي قرطبة، توفي سنة اثنتين وستين وأربعمائة ينظر: «سير أعلام النبلاء» 18/ 328.

الواسطي (¬1) وغيره، عن الأصيلي، عن أبي زيد محمد ابن أحمد المَرْوَزيّ وأبي محمد يوسف الجُرْجانيّ، كلاهما عن الفَرَبْريّ. قال أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب: وأخبرني بالجامع الصحيح أبو عبد الله بن نبات إجازة عن الأصيلي. وأما رِواية الحافظ أبى القاسم مؤرخ الشام للجامع الصحيح فحدثني بها إجازة الشيخ السديد المكي بن علان القيسي (¬2) وزين الأمناء (¬3) بحق ¬

(¬1) سبقت ترجمته. (¬2) هو المسلم بن محمد بن مسلم بن مكي بن خلف بن المسلم بن أحمد بن محمد بن حصن بن صقر بن عبد الواحد بن علي بن علان، القاضي الجليل المسند، شمس الدين أبو الغنائم ابن علان القيسي، الدمشقي الكاتب، أجاز للذهبي مروياته، ولي نظر بعلبك ثم انفصل عنها، ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة، وتوفي سنة ثمانين وستمائة. ينظر ترجمته في «تاريخ الإسلام» 50/ 373 - 374، «ذيل مرآة الزمان» 4/ 125 - 131، «تذكرة الحفاظ» 4/ 1466، وغيرها. (¬3) الشيخ العالم الجليل المسند العابد زين الأمناء، أبو البركات الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن عساكر الدمشقي، سمع من أبي العشائر محمد بن الخليل، ومحمد بن محمد الكُشْمِيهَني، وغيرهم، وحدث عنه عز الدين بن الأثير، وأمين الدين أبو اليمن حفيده وآخرون. قَال البرزالي: ثقة كريم نبيل. توفي رحمه الله تعالى في يوم الجمعة سادس عشر صفر سنة سبع وعشرين وستمائة. ينظر ترجمته في «التكلمة لوفيات النفلة» 3/ 258 (3277)، «الوافي بالوفيات» 12/ 253 (231، «سير أعلام النبلاء» 22/ 284 (163).

سماع شيخنا زين الأمناء من عمه مؤرخ الشام. وهذا الرسم الذي أشرت إليه وجعلته مضافًا إلى رِواية الحافظ أبي ذر فهو رسم روايتي في الأصل الذي رواه الحافظ أبو سعد عبد الكريم بن السَّمْعاني على أبي الوَقْت (هـ). وإنما وقع اختياري على هذه النسخة المنسوبة إلى الحافظ أبى ذر لتحقق ضبطها وتحريره، وما قاله شيخنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن أزهر الصريفيني من جودة ضبطها أنها يلجأ إليه وإن خالفتها النسخة التي في الوقف السميساطي من بعض رسم ما فيعلم ذلك. وقد أخبرني نازلًا برِواية الحافظ أبي ذر بدرجات الشيخ المقرئ أبو جعفر الهمداني إجازة عن الحافظ أبي طاهر السلفي، إجازة عن الإمام أبى الفضل عِياض إجازة. قال القاضي عِياض: أخبرني القاضي الشهيد أبو علي الحسين بن محمد الصَّدفي عن القاضي أبى الوليد سليمان بن خلف الباجي عن أبي ذر رحمه الله تعالي. تمت الفهرسة المباركة على يد كاتبها أحمد بن محمد السحيمي القرشي القلعي لسنة (1173) هـ ا. هـ وبعد ذكر نص المقدمة أبدأ في الكلام على هذه المقدمة الأصول التي اعتمد عليها اليُونِينِيّ في كتابته لهذه النسخة. بعد قراءة المقدمة التي ذكرها اليُونِينِيّ والتأمل لصنيعه في نسخته يلاحظ ما يلي مما يتعلق بالأصول التي اعتمد عليها اليُونِينِيّ:

أولًا: وقف الحافظ اليُونِينِيّ على خمسة أصول لروايات (¬1) «الصحيح» وهذه الخمسة كلها تنتهي بأشهر الروايات عن الإمام البُخارِيّ وهي رِواية الفَرَبْريّ، مما يدل على أن اليُونِينِيّ لم يعتمد على رِواية أخرى غير رِواية الفَرَبْريّ، وهذه الأصول الخمسة هي: الأصل الأول: نسخة أبى الوَقْت وقد سبق الكلام عليها في الباب الأول: وهو الذي جعله أصلًا لسماعه، واعتمده أصلًا لنسخته، وهو الأصل المسموع على أبي الوَقْت، ويلاحظ عليه أشياء: الأول: أنه أصل سماعه من «صحيح البُخارِيّ» الذي أخبره به الإمام أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر عبد الله المبارك الزبيدي الربعي السلامي (631) هـ، عن الشيخ الثقة الصدوق الصالح السديد بقية الأشياخ أبي الوَقْت عبد الأول بن عيسى بن شعيب ابن إبراهيم الهَرَويّ (553) هـ قراءة عليه، عن الإمام جمال الإسلام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداودي، عن الإمام أبي محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السَّرْخَسي الحَمُّوييّ (381) هـ، عن الفَرَبْريّ (320) هـ عن البُخارِيّ (256) هـ رحمه الله تعالى. الثاني: أن سماع اليُونِينِيّ رحمه الله كان بقراءة مجموعة من العلماء وهم: والده أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله اليُونِينِيّ (658) هـ. والحافظ الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن الإمام عز الدين محمد بن الإمام محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور. ¬

(¬1) أعنى بأصول الرِّواية: النسخ الخطية التي تمثل رِوَاية هؤلاء الرُّواة المذكورين.

وابن عمه الإمام شرف الدين أبو محمد الحسن بن جمال الدين بن أبي موسى عبد الله بن الحافظ عبد الغني (659) هـ. والإمام المحدث سيف الدين أبو العباس أحمد بن عيسى بن الإمام موفق الدين محمد بن عبد الله بن قدامة المقدسي. الثالث: أن ذلك كان في سنة (635) هـ بدمشق في شهر رمضان المعظم. الرابع: أن هذا الأصل من رِواية أبي الوَقْت كان وقفًا بخانقاه الشيخ أبي القاسم السُّمَيْساطِي الذي سُمع على الشيخ أبي الوَقْت ببلاد خراسان بقراءة الإمام الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السَّمْعاني، وهذا الأصل مسموع أيضًا من رِواية كريمة المَرْوَزيّة عن الكُشْمِيهَني عن الفَرَبْريّ. وقد جمع فيه الشيخ أبو القاسم السُّمَيْساطِي بين روايتي أبي الوَقْت وكريمة، فهذه الرِّواية بمثابة رِواية أخرى عن الكُشْمِيهَني غير رِواية أبي ذر الهَرَويّ عنه. وهو أصل أصيل أحد سماعات دمشق وخراسان وقد سمع على جماعة من الحفاظ وكان يقراءة جمع من الحفاظ. الأصل الثاني: أصل أبي ذر الهَرَويّ عن شيوخه الثلاثة: الكُشْمِيهَني، والحَمُّوييّ السَّرْخَسي، والمُسْتَمْلِيّ. وهو مسموع على الشيخ الإمام أبي العباس أحمد بن عبد الله بن الحطيئة، عن الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن منصور الحضرمي، عن الشيخ الفقيه أبي القاسم عبد الجليل بن أبي سعد عن الحافظ أبي ذر (¬1). ¬

(¬1) وهذا الأصل محفوظ بالمغرب منه نسختان وينظر أصول أبى ذر الهروي عند الكلام على روايته من الباب الأول.

وهي كما قال اليُونِينِيّ: نسخة صحيحة معني بها حجة. وقال في بيان منزلتها الإمام الحافظ العارف الزاهد أبو إسحاق إبراهيم بن محمد ابن الأزهر الصريفيني (641) هـ شيخ اليُونِينِيّ: هذه النسخة من «صحيح البُخارِيّ» مفزع يلجأ إليه لصحتها وإتقانها. الأصل الثالث: أصل معزو إلى الأصيلي عن أبي زيد المَرْوَزيّ. وهو وقف في مدرسة الشيخ الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي وعليه حواشٍ بخط الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر النمري. وهو أصل صحيح تظهر عليه مخايل النباهة والصحة كما قال اليُونِينِيّ. الأصل الرابع: الأصل المعزو إلى الحافظ أبي القاسم مؤرخ الشام علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر، وهو كما قال اليُونِينِيّ أصل سماعه، وقد سمع عليه غير مرة. وهذا الأصل لم يذكر اليُونِينِيّ من أي الروايات هو، وقد ذكر ابن عساكر في «تاريخ دمشق» أحاديث رواها من طريق: أبي عبد الله عن أبي عبد الله محمد بن علي الخبازي وأبو سهل محمد بن أحمد الحفصي كلاهما عن محمد المكي الكشمهيني عن الفَرَبْريّ. ومن طريق أبي الفتح المختار بن عبد الحميد وأبي الوَقْت عبد الأول بن عيسى كلاهما عن الدّاوُدِيّ عن عبد الله بن أحمد حموية عن الفَرَبْريّ (¬1). كما روي أيضا أحاديث من الصحيح عن أبي بكر خلف بن عطاء بن أبي عاصم الهَرَويّ النجار عن المليحي عن النُّعيمي عن الفَرَبْريّ (¬2) ¬

(¬1) «تاريخ دمشق» 9/ 192، 16/ 13. (¬2) «تاريخ دمشق» 9/ 192، 16/ 13، وفي «سير أعلام النبلاء» 20/ 64 - 65 ترجمة الفضيلي ذكر الذَّهبي ابن عساكرَ فيمن روى عنه.

وعن أبي عبد الله الفراوي، عن سعيد بن محمد العيار، عن محمد بن عمر بن شَبُّويه، عن الفَرَبْريّ (¬1). فهذه أربع روايات عن الفربري، ويبدو أن نسخة ابن عساكر التي وقف عليها اليونيني كانت تضم أكثر من رواية، لأني وجدت رموزًا تدل على نسخ أخري لابن عساكر، وذكرت هذه الرموز في رموز اليونيني في نسخته. الأصل الخامس: أصل الحافظ أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السَّمْعاني المسموع على أبي الوَقْت بقراءته. وهو أصل أصيل، وهو أحد سماعات دمشق وخراسان، وقد سمع على جماعة من الحفاظ وسمع بقراءة جماعة من الحفاظ. عمل اليُونِينِيّ في التنسيق بين هذه الأصول: سبق أن أشرنا إلى أن مراد اليُونِينِيّ الوصول إلى تحرير نص «الصحيح»، وذلك بجمع أصح النسخ، والمقارنة بينها لفظةً لفظة، وذكر مواضع الاختلاف والاتفاق بين هذه النسخ. ولذا ابتكر اليُونِينِيّ منهجًا فريدًا من نوعه لحكاية هذه النسخ وغيرها مما وقف عليه. فهو وضع في الأصل نص سماعه من «الصحيح»، الذي سبق الإشارة إليه وهو الأصل الأول فيما سبق، وبعد ذلك المتفق عليه بين جميع الروايات يكتب بلا رقوم، فإذا كانت هناك كلمة أو جملة غير موجودة في بعض النسخ، وهي في أصل سماعه وضع فوق هذه الكلمة أو الجملة أو الحركة ما يدل على حذفها عند هذه الروايات، ووضع لذلك رقومًا للدلالة على الحذف ورقومًا تدل على الروايات، وسأذكرها بالتفصيل فيما بعد. ¬

(¬1) «تاريخ دمشق» 16/ 13.

وإذا كانت هناك زيادات في بعض الروايات، وليست في أصل سماعه، فإنه يذكرها في الحاشية، ويضع فوقها ما يدل على الرِّواية التي جاءت فيها. ويلاحظ أن اليُونِينِيّ وضع رموزًا أصلية ورموزًا فرعية. فالرموز الأصلية هي للأصول التي وقف عليها، وسبق وصفها. والرموز الفرعية هي للدلالة على الحذف والإثبات في روايات أبي ذر عن شيوخه الثلاثة. كما وضع رموزًا للدلالة على الصحة كما وضع رموزًا لحكاية الوجهين معًا ورموزًا للتقديم والتأخير، ورموزًا لنسخ أخرى وقف عليها كانت موجودة في هوامش الأصول التي اعتمد عليهاٍ. واشتمل حكاية الخلاف على كل كلمة أو جملة أو حركة حتى الكتب والأبواب زيادة ونقصًا، تقديمًا وتأخيرًا، كل ذلك في منهج فريد لم يسبق إليه. واليُونِينِيّ رحمه الله تعالى لم يقصد من عمله هذا الترجيح بين هذه الروايات والخروج منها بصورة مختارة، وإنما كان قصده حكاية وجمع هذه الروايات كلها في مكان واحد، تيسيرًا على من أراد الانتفاع بها من العلماء، وإغناء له عن التنقيب عنها في مختلف المظان، وقد استطاع أن يحقق هذه الغاية على وجه الاختصار عندما استعان بالرموز وصنع من حروف الهجاء علامات يضعها على موضع الخلاف. وبذلك حكى ألفاظ «الصحيح»، وميزها كما وقعت عنده في الأصول الأربعة التي قابل عليها أصله وهو يسبق بذلك المستشرقين في تحقيق النصوص وضبطها. فأيادي اليُونِينِيّ رحمه الله تعالى في حفظ روايات ونسخ «الصحيح» وارفة، لا يعرفها إلا من كابد النظر في الفروق بين النسخ، فصارت طوع يد أهل الحديث، تراها في صفحة واحدة ينهل منها كل من جاء بعده.

لكن العجب العجاب أنك تجد كثيرًا من المعاصرين الذين لا يقفون على جهود السابقين؛ قد خدعوا بأعمال المستشرقين، ووصفوهم بأنهم قادة العلماء في التحقيق والتدقيق، وعلى أيديهم اكتشف الناس ضبط النصوص وتحقيقها، دون الإشارة إلى سبق المسلمين في هذا الميدان، لا من زمن اليُونِينِيّ فحسب بل من قبله بمئات السنين، فهذا هشام بن عروة يروي عن أبيه أنه كان يقول: كتبت؟ فأقول نعم، فيقول: عرضت كتابك؟ قلت: لا، قال: لم تكتب، وغير ذلك من النقول كثير، وقد تكلمت عن عناية المحدثين بذلك في التمهيد فأغنى عن إعادته هنا. رموز اليُونِينِيّ: قد بالغ اليُونِينِيّ رحمه الله تعالى في ضبط ألفاظ وروايات «الصحيح» زيادة ونقصانا، تقديمًا وتأخيرًا، راقمًا عليه بما يدل على مراده، وبعد حصر هذه الرموز يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام: أولًا: رموز أصلية تدل على الأصول التي اعتمد عليها وهي: (هـ): علامة لأبي ذر الهَرَويّ، واختار له الهاء؛ لأنه غلب عليه النسبة إلى بلده. (ص): علامة للأصيلي هكذا لأنه غلب عليه النسبة إلى بلده وهي أزيلة، فقلبت إلى الصاد وغلبت على الزاي فيقال: الأصيلي. (س): علامة لابن عساكر الدمشقي. (ظ): علامة لابن السَّمْعاني، واختار له الظاء لحفظه وإتقانه وتقدمه على أقرانه، فأخذ من الحفظ الظاء. واختار لمشايخ أبي ذر الثلاثة رقومًا خاصة بكل واحد منهم منفردين ومجتمعين، فإذا ذكر رمز (هـ) هكذا فقط معناه اتفاق الثلاثة على ما رقم فوقه.

واختار لكل واحد منهم رَقْما خاصًّا به عند الانفراد وهي: (حـ): للحموي السَّرْخَسي. (سـ): للمستملي. (هـ): للكشميهني. أما رموز اجتماع اثنين منهم فهي: (حهـ): للحموي والكُشْمِيهَني. (حسـ): للحموي والمُسْتَمْلِيّ. (سهـ): للمستملي والكُشْمِيهَني. وهناك رموز أخرى مثل: (لا): توجد قبل الرمز إشارة إلى سقوط الكلمة عند أصحاب الرمز. إلى: توجد في آخر الجملة التي عليها (لا) إشارة إلى آخر الساقط عند صاحب الرمز (¬1). (صحـ): إشارة إلى صحة الرواية في هذه الكلمة عند المرموز له، أو عند الحافظ اليُونِينِيّ عند عدم وجود رمز. هذه هي الرموز التي ذكرها اليُونِينِيّ في مقدمته. ثانيا: رموز أخرى موجودة في مقدمة الطبعة «السلطانية». وذكر المراد بها محققو النسخة «السلطانية» وقالوا: قد وجدنا في النسخ الصحيحة المعتمدة التي صححنا عليها هذا المطبوع رموزًا لأسماء الرُّواة. فذكروا ما سبق من رموز وأضافوا إليها: ¬

(¬1) وأحيانا يكرر لفظ (لا إلى) كما فصل في هامش 3، 7 في 1/ 54، وكما في 1/ 73 آخر كتاب: الحيض.

(ك): رمزًا لرِواية كريمة المَرْوَزيّة. (ع): قالوا لعلها لابن السَّمْعاني. (ج): لعلها للجرجاني. (ق): لعلها للقابسي. (ح)، (عط)، (صع): رموزًا لنسخ لم يعلم أصحابها. (خـ) أو (ـخـ) أو (خ): إشارة إلى نسخة أخرى. ثالثا: رموز وقفت عليها من خلال التتبع: وهي كثيرة، وكررت كثيرًا، وسأكتفي بضرب أمثلة مع الإحالة إلى مواضع ذكرها في الطبعة «السلطانية»: (معًا): إشارة إلى صحة الوجهين في كلمة معينة مثل كلمة: البَكالي (¬1) وضعت على حرف الباء للدلالة على صحة الرواية في كسر الباء وفتحها. ومشبّهات (¬2) وضعت على حرف الباء للإشارة إلى صحة الرواية في كسر الباء وفتحها. وكلمة الوضوءُ (¬3) وضعت على آخر الكلمة للدلالة على صحة الرواية في رفعها ونصبها. الجنةِ (¬4) وضعت على آخر الكلمة للدلالة على صحة الرواية في جرها ونصبها. ¬

(¬1) 1/ 35 (ح 122) كتاب العلم، باب: ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم. (¬2) 1/ 20 (52) كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه. (¬3) 1/ 47 (180) كتاب الوضوء، باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين. (¬4) 1/ 48 (184) كتاب الوضوء، باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل.

كَفة (¬1) وضعت على حرف الكاف للدلالة على صحة الرواية في ضم الكاف وفتحها. والنبيَّ (¬2) وضعت على آخر الكلمة للدلالة على صحة الرواية في رفعها ونصبها. يغتسلْ (¬3) وضعت على آخر الكلمة للدلالة على صحة الرواية في الرفع والجزم. الغُسل (¬4) وضعت على حرف الغين للدلالة على صحة الرواية في فتح الغين وضمها. غيرُ (¬5) وضعت على آخر الكلمة للدلالة على صحة الرواية في الفتح والنصب. مضطجعةٌ (¬6) وضعت على آخر الكلمة للدلالة على صحة الرواية في الفتح والنصب. ويضع فوق بعض رموز الرواة رموزًا أخرى مثل: (هـ هـ) (هـ حـ) (هـ سـ) (هـ هسـ) لاختلاف النسخ عند أبي ذر عن مشايخه مجتمعين أو منفردين. (صحـ): للدلالة على نسخة أخرى عند الأصيلي مثل (تَبِعَ) (¬7). ¬

(¬1) 1/ 49 (191) باب من مضمض واستنشق. (¬2) 1/ 55 (225) باب البول عند صاحبه. (¬3) 1/ 57 (239) باب الماء الدائم. (¬4) 1/ 59 كتاب الغسل، باب الوضوء قبل الغسل. (¬5) 1/ 61 كتاب الغسل، باب هل يدخل الجنب يده في الإناء. (¬6) 1/ 72 (323) كتاب الحيض، باب من أخذ ثياب الحيض. (¬7) هامش (19) 1/ 18 (47) كتاب: الإيمان، باب: اتباع الجنائز.

(س خ) أو (س خـ) (س هـ): نسخة أخرى لابن عساكر مثل كلمة (بشبع) (¬1) من قول أبي هريرة: (وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه) حيث رمز على كلمة: (بشبع) بما يدل على صحة الرواية عند أبي ذر الهروي عن مشايخه الثلاثة وابن عساكر وأبي الوقت والأصيلي بلفظ: (لشبع) ثم وضع الرمز السابق على لفظ: (ليشبع) أي بزيادة المثناة من تحت. وينظر أيضًا: كلمات (تَبِع) (¬2)، و (الشهر) (¬3)، و (يحدثه) (¬4) فقد رمز فيها لنسخ أخرى عند ابن عساكر. (خف): إشارة إلى أن الحرف الذي وضعت عليه مخفف، مثل حرف اللام من كلمة (سلام) (¬5) وهو شيخ البخاري محمد بن سلام، وحرف الياء في كلمة (بروميَة) (¬6)، وحرف اللام من كلمة (زلَفها) (¬7)، وحرف الياء في كلمة (الثُّديّ) (¬8) حيث أشار إلى أن الياء عند الأصيلي وأبي ذر عن مشايخه الثلاثة وكريمة عن الكشميهني بجعل الياء ألفًا مقصورة. ¬

(¬1) ينظر هامش (4)، 1/ 35 (118) كتاب: العلم، باب: حفظ العلم. (¬2) هامش (19) 1/ 18 (47) كتاب: الإيمان، باب: اتباع الجنائز. (¬3) هامش (10) 1/ 20 (53) كتاب: الإيمان، باب: أداء الخمس من الإيمان. (¬4) هامش (11) 1/ 21 (59) كتاب: العلم، باب: من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه. (¬5) 1/ 47 (181) كتاب: الوضوء، باب: الرجل يوضئ صاحبه. (¬6) 1/ 10 (7) كتاب: بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي. (¬7) 1/ 17 (41) كتاب: الإيمان، باب: حسن إسلام المرء. (¬8) هامش (29)، 1/ 13 (23) كتاب: الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال.

(سقط): إشارة إلى سقوط الكلمة عند المرموز له، مثل كلمة (هذا) (¬1) حيث أشار إلى سقوط هذه الكلمة عند أبي ذر الهروي عن شيوخه الثلاثة، (والبعير) (¬2) حيث أشار إلى سقوط هذه الكلمة عند الأصيلي، وأيضًا كلمة (أنه) (¬3) فهي ساقطة عند الأصيلي. ومن الملاحظ أنه كثيرًا ما يستخدم هذه الكلمة في التعبير عن السقط، ويسخدمها في الأصل والحاشية، ولذلك أمثلة كثيرة. (ساقط): إشارة أيضًا إلى سقوط الكلمة أو الجملة، مثل جملة (تقتله الفئة الباغية) (¬4)، حيث أشار لسقوط هذه الجملة عند أبي ذر عن مشايخه والأصيلي. وقد يؤكد السقوط بأكثر من إشارة، كما فعل في المثال السابق حيث أشار إلى السقوط عند من سبق ذكرهم وجاء هكذا (لا ساقط هـ ص: إلى) ووضع هذه الرموز فوق الجملة السابقة. وقد يعبر عن السقوط بقوله: (لاسقط) مثلًا عند كلمة (باب) (¬5)، للتعبير عن سقوط هذه اللفظة عند أبي ذر والأصيلي. وأحيانًا يعبر عن الحذف برمز (ليس) قبل الرمز الدال على الرِّواية التي سقطت منها اللفظة أو الجملة، مثل (ليس ص:) كما في كلمة (بن عقبة) (¬6)، ¬

(¬1) 1/ 78 (349) كتاب: الصلاة، باب: كيف فرضت الصلوات في الإسراء. (¬2) 1/ 107 كتاب: الصلاة، باب: الصلاة إلى الراحلة. (¬3) 1/ 127 (622) كتاب: الأذان، باب: الأذان قبل الفجر. (¬4) 1/ 97 (447) كتاب: الصلاة، باب: التعاون في بناء المسجد (¬5) 1/ 149 كتاب: الأذان، باب: الخشوع في الصلاة. (¬6) 1/ 82 (368) كتاب: الصلاة، باب: ما يستر من العورة.

(بن شداد) (¬1). ويضعه أيضًا فوق الرمز هكذا: (سـ لا): للدلالة على الحذف عند ابن عساكر كما في قوله: (سرًّا وعلانية) (¬2). (م ... م): إشارة إلى التقديم والتأخير عند المرموز له. وقد يكون بين جمل مثل (قال ابن أبي مريم ..) و (قال علي بن عبد الله: حَدَّثَنا ..) (¬3) حيث أشار إلى تقديم الجملة الثانية على الأولى عند الأصيلي. وقد يكون بين كلمات مثل: (مسجدًا) و (طهورًا) (¬4) حيث أشار إلى تقديم الكلمة الثانية على الأولى عند الأصيلي، و (خليلًا) و (من أمتي) (¬5) وتقديم الثانية على الأولى عند أبي ذر الهروي، و (أحدٌ) و (من أهل الأرض) (¬6) حيث أشار إلى تقديم الجملة الثانية على الكلمة الأولى عندأبي ذر والأصيلي وابن عساكر، و (لا ينبغي) و (هذا) (¬7) حيث أشار إلى تقديم الثانية على الأولى عند الأصيلي، و (من الصبح) و (ركعة) (¬8) حيث أشار إلى تقديم الكلمة الثانية على الأولى عند ابن عساكر، و (المنابذة) ¬

(¬1) 1/ 85 (379) كتاب: الصلاة، باب: إذا أصاب ثوب المصلي امرأته. (¬2) 1/ 122 (592) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: ما يصلى بعد العصر من الفوائت. (¬3) 1/ 87 (393) كتاب: الصلاة، باب: فضل استقبال القبلة. (¬4) 1/ 95 (438) كتاب: الصلاة، باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «جعلت لي الأرض مسجدًا ..» (¬5) 1/ 100 (466) كتاب: الصلاة، باب: الخوخة والممر في المسجد. (¬6) 1/ 118 (569) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: النوم قبل العشاء. (¬7) 1/ 84 (375) كتاب: الصلاة، باب: من صلى في فروج حرير. (¬8) 1/ 120 (579) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: من أدرك من الفجر ركعة.

و (الملامسة) (¬1) حيث أشار إلى تقديم الثانية على الأولى عند الأصيلي. (قصر) للدلالة على أن الكلمة مقصورة، مثل وضعها على لفظ (الحيا) (¬2). وقد يرمز لعدم ثبوت لفظة في أي نسخة من النسخ التي بين يديه وصورتها (لاخـ) كما جاء في حاشية حديث أبي جهيم: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ» (¬3) حيث وضع في الحاشية جملة (من الإثم) ووضع عليها هذه العلامة دلالة على عدم ثبوتها في أي نسخة، وهذا من دقته وشدة تحريه في إثبات ألفاظ «الصحيح» (¬4). مصير النسخة «اليُونِينيّة»: لا توجد اليوم أي إشارة عن وجود النسخة الأصلية لليونيني في أي مكتبة من مكتبات العالم. حسب علمي بعد استقراء وتتبع. واليُونِينِيّ رحمه الله تعالى توفي بدمشق سنة (701) هـ، ولاشك أن نسخته كانت معه حتى وفاته، واستنسخ الناس منها في حياته نسخًا كثيرة، قابلوها بها وصححوها عليها وأسموها فروعًا إذ اعتبروا نسخة اليُونِينِيّ أصلًا، وقد كانت أصلًا وحجة. قال القَسْطَلّانِيّ في مقدمة «إرشاد الساري» (¬5): ولقد وقفت على فروع مقابلة على هذا الأصل الأصيل، فرأيت من أجلها الفرع الجليل الذي لعله ¬

(¬1) 1/ 121 (584) كتاب: مواقيت الصلاة، باب: الصلاة بعد الفجر .. (¬2) 1/ 13 (22) كتاب: الإيمان، باب: تفاضل أهل الإيمان في الأعمال. (¬3) 1/ 108 (510) كتاب: الصلاة، باب: إثم المار بين يدي المصلي. (¬4) وينظر الكلام على هذا الحديث في أسباب الاختلافات من الباب الثاني من هذه الرسالة. (¬5) 1/ 141 طبعة (منحة الباري).

فاق أصله وهو الفرع المنسوب للإمام المحدث شمس الدين محمد بن أحمد الغزولي (¬1) وقف التنكزية بباب المحروق خارج القاهرة (¬2)، المقابل على فرعي وقف مدرسة الحاج مالك وأصل اليُونِينِيّ غير مرة ... إلخ. اهـ. فهذا النص يتضمن ثلاثة فروع عن أصل اليُونِينِيّ فرع الغزولي، ¬

(¬1) المولود سنة 697 هـ سمع من أبي الحسن ابن القيم ومن حسن بن عبد الكريم ومن العماد المقدسي توفي سنة 777 هـ. وينظر ترجمته في: «ذيل التقييد» 1/ 46 (23)، و «الدرر الكامنة» 3/ 319 (859)، و «إنباء الغمر» 1/ 119 وفيات سنة 777 هـ. (¬2) هو أحد أبواب القاهرة القديمة: وكان للقاهرة من جهتها القبلية بابان متلاصقان، يقال لهما باب زويلة، ومن جهتها البحرية بابان متباعدان: أحدهما باب الفتوح، والآخر باب النصر. ومن جهتها الشرقية ثلاثة أبواب متفرقة: أحدها: باب البرقية، والآخر الباب الجديد، والباب المحروق، ومن جهتها الغربية ثلاثة أبواب: باب القنطرة، وباب الفرج، وباب سعادة، وباب آخر يعرف بباب الخوخة ينظر: «الخطط» 2/ 77. والباب المحروق كان يعرف قديمًا بباب القراطين، فلما زالت دولة بني أيوب واستقلّ بالمُلكِ الملك المعز عز الدين أيبك التركماني، أول من ملك من المماليك بمملكة مصر في سنة خمسين وستمائة، كان حينئذ أكبر الأمراء البحرية - ممالك الملك الصالح نجم الدين أيوب - الفارس أقطاي الجمدار، وقد استفحل أمره وكثر أتباعه، ونافس المعز أيبك، وتزوج بابنة الملك المظفر، صاحب حماة، وبعث إلى المعز بأن ينزل من قلعة الجبل، ويخليها له حتى يسكنها بامرأته المذكورة. فقلق المعز منه وأهمه شأنه ففتك به، وقتله وانتشر الصوت بقتله في البلد، وحاول أنصاره الخروج من مصر، متوجهين إلى الشام من باب القراطين هذا، وكان من عادة الأبواب أن تغلق، فألقوا عليه النار حتى سقط، فسمي بالمحروق من وقتها. ينظر «الخطط» 2/ 82 بتصرف يسير.

وفرعين آخرين وقف مدرسة الحاج. ويذكر القَسْطَلّانِيّ أن أصل اليُونِينِيّ لم يكن بين يديه عندما قام بشرح «الصحيح» وإنما اعتمد في ألفاظ الصحيح على الفرع المنسوب للغزولي هذا. ويذكر أنه وقف في يوم الإثنين ثالث عشر من جمادى الأولى سنة عشرة وتسعمائة بعد انتهائه من الشرح المذكور على المجلد الأخير من أصل اليُونِينِيّ وقابل ألفاظ شرحه عليه. ثم قال بعد ذلك: إنه وُجد الجزء الأول من أصل اليُونِينِيّ يُنادى عليه للبيع بسوق الكتب، فعُرِفَ وأُحضر إليه فقابل عليه شرحه. يقول: فكملت مقابلتي عليه جميعه حسب الطاقة. ويدل نص القَسْطَلّانِيّ السابق ذكره على أن أصل اليُونِينِيّ يتكون من جزأين، وكان هذا الأصل موقوفًا بمدرسة آقبغا آص بسُويْقة العِزَّي خارج باب زويلة من القاهرة المعزية (¬1). ¬

(¬1) (سويقة العزي) هذه السويقة خارج باب زويلة قريبًا من قلعة الجبل، كانت من جملة المقابر التي خارج القاهرة، فيما بين الباب الجديد والحارات وبركة الفيل، وبين الجبل الذي عليه الآن قلعة الجبل. عرفت هذه السويقة بالأمير عز الدين أيبك العزي، نقيب الجيوش، وذلك في حدود سنة تسعين وستمائة، وهذه السويقة عامرة بعمارة ما حولها. «الخطط» للمقريزي 2/ 481 وقد كان بمدينة القاهرة ومصر وظواهرها من الأسواق شيء كثير جدًا، قد باد أكثرها وحولها حوانيت كثيرة. وقد ذكر المقريزي في خططه كثيرًا منها. يراجع 2/ 459 وما بعدها. وباب زويلة هو أحد الأبواب التي في سور القاهرة. ينظر في 2/ 77 من «الخطط».

كما يفهم أيضًا أن آقبغا آص بذل فيه ما يقرب من عشرة آلاف دينار، وأنه رأى ذلك مكتوبًا على ظاهر بعض نسخ الصحيح الموثوق بها والموقوفة برواق الجبرت من الجامع الأزهر. وكلام القَسْطَلّانِيّ يدل على أن الجزء الثاني من أصل اليُونِينِيّ كان موجودًا في مدرسة آقبغا آص حتى انتهائه من شرحه. والجزء الأول منه فُقد من المدرسة بعد حصول آقبغا عليه نحو خمسين سنة إما بالسرقة, وإما بالعارية في معنى السرقة ثم وجد في عصر القَسْطَلّانِيّ. ولم أقف بعد القَسْطَلّانِيّ المتوفى سنة (923) هـ فيما وقفت عليه من مصادر على ذكر لهذا الأصل (¬1)، وجاءت سنة (1311) من الهجرة النبوية في عصر السلطان عبد الحميد الثاني في الخلافة العثمانية وأمر بطبع ¬

(¬1) إلا ما ذكره الأستاذ المنوني في مقاله: «صحيح البُخَارِيّ في الدرسات المغربية» [ص: 158] حيث يقول عن هذه النسخة: ويبدو أن موقوفات هذه المدرسة (يقصد المدرسة التي أشار إليها القَسْطَلّانِيّ فيما سبق) طرأ عليها تبديد في فترة لاحقة، فضاع منها الأصل اليُونِينِيّ بجملته إلى أن عثر عليه العالم المغربي محمد بن محمد بن سليمان السوسي الروداني ثم المكي، المتوفى بدمشق عام 1094 هـ / 1683 م، ومن حوزته انتقل إلى ملكية الشيخ محمد أكرم ابن محمد بن عبد الرحمن الهندي نزيل مكة المكرمة، ثم استعاره من هذا الأخير محدث الحجاز عبد الله بن سالم البصري فصار يسمع منه، ثم علق على ذلك في الحاشية قائلًا: ورد هذا خلال إجازة من عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن الحاج إلى محمد بن موسى بن محمد بن الشيخ أبى عبد الله بن ناصر، وتقع أول مجموع خ. ع. ق 172. ثم استطرد حديثه عن أصل اليُونِينِيّ قائلًا: وكان هو عمدته في نسخته - أي نسخة عبد الله بن سالم البصري آنفة الذكر - التي كتبها من «الجامع الصحيح» ومن هنا ينسدل الغموض على مصير أصل الشرف اليونيبي. اهـ.

«صحيح البُخارِيّ» على أصح نسخة وهي نسخة اليُونِينِيّ. والمفهوم من تقرير الشيخ حسونة النواوي شيخ الجامع الأزهر سنة (1313) هـ، المطبوع في مقدمة الطبعة «السلطانية»، أن أصل اليُونِينِيّ محفوظ في الخزانة الملوكية بالأستانة العلية، وأنه أرسل إلى مشيخة الأزهر ليقوم العلماء المكلفون بالتصحيح والمقابلة بالاعتماد عليه. قال الشيخ حسونة بعد أن تكلم عن أمر السلطان بطبع «صحيح البُخارِيّ»: فأمر وأمره الموفق بأن يطبع في مطبعة مصر الأميرية، لما اشتهرت به من دقة التصحيح وجوده الحروف بين كل المطابع العربية، وبأن يكون طبع هذا الكتاب في هذه المطبعة على النسخة «اليُونِينيّة»، المحفوظة في الخزانة الملوكية بالأستانة العلية لما هي معروفة به من الصحة ... ، وبأن يتولى قراءة المطبوع بعد تصحيحه في المطبعة جمع من أكابر علماء الأزهر الأعلام، الذين لهم في خدمة الحديث الشريف قدم راسخة بين الأنام ... ، ثم بعث دولته إلينا بالنسخة «اليُونِينيّة» والنسخ المطبوعة على يد صاحب السعادة عبد السلام باشا المويلحي للمقابلة عليها ... ا. هـ. ولكن بالنظر في نص المقدمة التي كتبها مصححو المطبعة، والموجودة في أول الطبعة «السلطانية» يوجد فيها بالنص: وأن يعتمد في تصحيحه على نسخة شديدة الضبط، بالغة الصحة من فروع النسخة «اليُونِينيّة» المعول عليها في جميع روايات «صحيح البُخارِيّ» الشريف، وعلى نسخ أخرى خلافها شهيرة الصحة والضبط ... إلخ. فظاهر كلام الشيخ حسونة شيخ الأزهر يدل على أن الطبع كان بالمقابلة على النسخة الأصلية لليونيني، وظاهر كلام مصححي الطبعة «السلطانية» يدل على أن التصحيح كان على فرع من فروعها.

ولذلك لا نستطيع أن نجزم - كما قال الشيخ أحمد شاكر - بصحة أحدهما حتى يوجد الأصل الذي طبع عنه، وحتى نعرف مصير النسخة «اليُونِينيّة». وإذا كانت النسخة «اليُونِينيّة» قد جاءت إلى مصر للمقابلة فهل بقيت بعد التصحيح هنا في الأزهر أم أعيد الأصل إلى مقره في الخزانة الملوكية بالأستانة العلية؟ فالله أعلم. ولقد بحثت عنها كثيرًا في المكتبة الأزهرية، ودار الكتب المصرية، ومكتبة معهد المخطوطات العربية، فلم أجد لها أي ذكر كما أني راجعت الكتب المعنية بذكر أماكن المخطوطات وفهارس المكتبات، وسألت كثيرًا ممن لهم عناية بتتبع أخبار المخطوطات، فلم أجد لها أثرًا، وأقرب الاحتمالات وجودها في مكتبات تركيا؛ فما زال الكثير من المخطوطات النادرة هناك لم يفهرس ولا يعرف عنه شيء. هذا ما يتعلق بالأصل اليُونِينِيّ. أما عن الفروع القديمة لهذا الأصل، فأول الفروع التي وقفت عليها هو الفرع الغزولي وهو الفرع الذي ذكره القَسْطَلّانِيّ في مقدمة «الإرشاد» يقول القَسْطَلّانِيّ: ولقد وقفت على فروع مقابلة على هذا الأصل الأصيل، فرأيت من أجلها الفرع الجليل الذي لعله فاق أصله، وهو الفرع المنسوب للإمام المحدث شمس الدين محمد بن أحمد المقريء الغزولي (¬1) وقف التنكزية بباب المحروق خارج القاهرة، المقابل على فرعي وقف مدرسة الحاج مالك وأصل اليُونِينِيّ المذكور غير مرة، بحيث إنه لم يغادر منه شيئا - كما ¬

(¬1) ترجمته في «الدرر الكامنة» 3/ 319 (859).

قيل - فلهذا اعتمدتُ في كتابة متن البُخارِيّ في شرحي هذا عليه، ورجعت في شكل جميع الحديث وضبطه إسنادًا ومتنًا إليه، ذاكرًا جميع ما فيه من الرويات، وما في حواشيه من الفوائد والمهمات. ا. هـ. ففي هذا النص يذكر القَسْطَلّانِيّ أنه وقف على الفرع المنسوب للغزولي، وهو مقابل على فرع مدرسة الحاج مالك وأصل اليُونِينِيّ. وفرع الغزولي هذا لا يزال النصف الثاني منه موجودًا بدار الكتب المصرية في 177 ورقه بخط الغزولي نفسه، فرغ منه يوم الثلاثاء 12 جمادى الآخرة عام 735 هـ / 1335، وفي آخره سماعات لأفاضل من العلماء، كما جاء ذلك في فهرسة الكتب العربية الموجودة بالكتبخانة الخديوية (¬1) وهذا الفرع قد اعتمد عليه المصححون في الطبعة «السلطانية» ويسمونه بالفرع التنكزي (¬2). 2 - ويوجد بدار الكتب أيضا فرع آخر من «اليُونِينيّة» في مجلد يشتمل على 301 ورقة بها خروم في أثنائها، كتبه - بخطه الشرقي - محمد بن إلياس بن عثمان المتصوف، وفرغ منه يوم الأحد 20 ربيع النبوي عام 748 هـ 1347 م. (¬3). وهذا الفرع من أهم ما يميزه بالإضافة إلى كتابته بعد اليونيبي بفترة قليلة أنه مقابل على نسخ أخرى وهي: 1 - مقابل بنسخة قوبلت على نسخة اليُونِينِيّ الأصل، وقابله عليها العلامة أحمد ابن محمد بن عبد الرحمن العسجدي. ¬

(¬1) 1/ 302 ط. مصر سنة 1310 هـ. (¬2) كما جاء في 3/ 164 من طبعة الحلبي. (¬3) «فهرسة الكتب العربية» 1/ 302.

2 - قابله مرة أخرى العلامة أحمد بن على السبكي الشافعي في مدة آخرها رمضان عام (761) هـ معتمدًا على نسخة صححها جمال الدين المزي (742) وشمس الدين الذَّهبي (748) هـ ونسخة أخرى صححها تقي الدين علي السبكي، وعلاء الدين التركماني. 3 - توجد عليه مجموعة من خطوط العلماء الأفاضل. وهذا الفرع أيضا وقف عليه المصححون في الطبعة «السلطانية» (¬1). 3 - وهناك الفرع الثالث الذي استمرت شهرته حتى يومنا هذا، وهو فرع إمام الصناعة عبد الله بن سالم بن محمد البصري ثم المكي (¬2) المتوفى سنة (1134) هـ (1722) م ونقل الكتاني عن محدث اليمن الوجيه عبد الرحمن بن سليمان الأهدل في كتاب «النفس اليمانى» أن نسخته صارت يرجع إليها من جميع الأقطار التي وجد فيها ما في «اليُونِينيّة» وزيادة وقد أخذ في تصحيحها وكتابتها نحوًا من عشرين سنة (¬3). فنقل الكتاني نقلا عن السيد أزاد البلجرامي الهندي في «تسلية الفؤاد» لما ترجم للبصرى قال: والنسخة التي نسخها بيده الشريفة - يقصد نسخة «صحيح البُخارِيّ» - هي أصل الأصول للنسخ الشائعة في الآفاق، رأيتها عند مولانا محمد أسعد الحنفي المكي، من تلامذة الشيخ تاج الدين المكى ببلد أركات، كان أخذها الشيخ عن ولد المصنف بالاشتراء، فقلت للشيخ محمد أسعد: هذه النسخة المباركة حقها أن تكون في الحرمين ولا ينبغي أن تنقل منها إلى مواضع أخرى، لاسيما إلى الديار الشاسعة. فقال الشيخ: ¬

(¬1) 4/ 193. (¬2) ينظر ترجمته في: «فهرس الفهارس» 1/ 193 وما بعدها. (¬3) «فهرس الفهارس» 1/ 198.

هذا الكلام حسن ولكن ما فارقتها لفرط محبتي لها، ثم أرسل الشيخ كتبه من أركات إلى أورنقاباد، وهي موجودة بها إلى الآن حفظها الله. ا. هـ (¬1) ثم قال الكتاني عقب ذلك: قلت: رأيت في المدينة المنورة عند الحكيم المسند الشيخ طاهر سنبل نسخة عبد الله بن سالم البصري بخطه من الصحيح ثمانية، وهي في نهاية الصحة والمقابلة والضبط والخط الواضح، وأخبرني أنه أحضرها إلى الأستانة ليصحح عليها النسخة الأميرية التي طبعت هناك من «الصحيح» وفرقها السلطان عبد الحميد على المساجد والآفاق، وعليها ضبطت، ولا أدري من أين اتصلت بسلفه (¬2). ا. هـ. وهذا الفرع قد اعتمد عليه مصححو هذه الطبعة، وقد جاء ذكرها في مواضع كثيرة (¬3)، وصرحوا فيها باسمه كما عبروا عنها أيضا بالفرع المكي (¬4). بعض الملاحظات على «اليونينية» توجد بعض الأبواب وأحاديثها ليست في «اليونينية» وهي في أصول أخرى للصحيح مثل ما جاء في كتاب البيوع (¬5). ففيه: (باب: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود ببيع أرضيهم حين أجلاهم. فيه المقبري عن أبي هريرة.) ¬

(¬1) «فهرس الفهارس» 1/ 198 - 199. (¬2) «فهرس الفهارس» 1/ 199. (¬3) منها مثلا 2/ 81، 94. (¬4) انظر مثلا: 1/ 11، 13، 29، 31، 38، 29، 2/ 43، 3/ 83، 89، 123 وغير كثير. (¬5) بعد حديث (2227) 3/ 83 هامش (1).

فهذا الباب وما فيه ذكره ابن حجر في الفتح (¬1) وأشار إلى أنه في رواية أبي ذر، وذكر التعليق الوارد فيه في كتابه «تغليق التعليق» (¬2). وذكر الباب أيضًا والمعلق الذي فيه: ابن الملقن في شرحه (¬3)، ولم يذكره الكرماني في شرحه (¬4). وقال مصححوا السلطانية في الموضع السابق: هذا الباب وما معه في بعض الأصول، وليس هو في «اليونينية»، وهو ملحق في الفرع المكي ا. هـ. ورقمه الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي برقم (107). كماسقطت جملةٌ من «اليونينية» وهي في كتاب: الاجارة، باب: ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب (¬5). ففي الحاشية على قوله: (على إحياء العرب) قال المصححون: هذه الجملة مضروبٌ عليها في «اليونينية» وفرعها، وهي ثابتةٌ في أصولٍ كثيرةٍ، بل قال ابن حجر في الفتح: هي ثابتة عند الجميع (¬6) أ. هـ. قلت (الباحث): وأسقطها ابن بطال في شرحه (¬7)، وذكرها ابن الملقن في روايته التي شرح عليها الصحيح (¬8) ثم قال: سقط في بعض النسخ من هذه الترجمة لفظ: (على إحياء العرب). ثم ذكر سبب سقوطها عند من أسقطها قائلاً: ¬

(¬1) 4/ 418. (¬2) 3/ 269. (¬3) 14/ 575. (¬4) 10/ 77 (¬5) 3/ 92 هامش (8). (¬6) «فتح الباري» 4/ 452. (¬7) 6/ 404. (¬8) 15/ 76 - 77.

لأن الحكم لا يختص به، وعلى إثباتها سببه أن الواقعة وقعت فيهم. ا. هـ. ومن في الأمثلة التي خالفت فيها «اليونينية» كثيرًا من الأصول ما جاء في تصحيف جملة: (ويروى عن عمرو بن عوف) وذلك في كتاب الحرث والمزارعة، باب: من أحيا أرضًا مواتًا (¬1) فقد جاء في «اليونينية» (ويروى عُمَرَ وابنِ عوف) وفي الحاشية كتب المصححون: كذا في الأصول التي بأيدينا، وقال القسطلاني: وفي بعض النسخ المعتمدة، وهي التي في الفرع وأصله: (عن عَمْرِو بن عوف). وصحح هذه الكرماني ا. هـ. وقال ابن حجر: ووقع في بعض الروايات: (وقال عمر وابن عوف) على أن الواو عاطفة، وعمر بضم العين، وهو تصحيف ا. هـ (¬2). وعند ابن بطال في شرحه (¬3) (ويروى عن عمر وابن عوف) بإثبات حرف العطف، وجاء عند ابن الملقن في روايته التي شرح عليها على الصواب (¬4) ثم قال: وحديث عمرو حديث محفوظ كما قال الجياني ثم ساق بسنده الجياني في «تقييد المهمل» (¬5) وذكر القاضي عياض أن رواية الجمهور بفتح العين في عمرو، ورواية الأصيلي بضم العين وفتح الواو للعطف. ثم قال: والأول الصواب وهو عمرو بن عوف المزني اهـ (¬6). وقال الجياني في «تقييد المهمل» بعد أن ساقه على الصواب بفتح ¬

(¬1) 3/ 106 (2334). (¬2) «فتح الباري» 5/ 19. (¬3) 6/ 473. (¬4) «التوضيح» 15/ 270 - 271. (¬5) 2/ 621 - 622. (¬6) «مشارق الأنوار» 2/ 114.

العين: وقع في روايتنا عن أبي زيد وأبي أحمد: (ويُروى عن عُمرَ وابن عوف) وعند ابن السكن وأبي ذر: (عن عمرو بن عوف عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) (¬1). ومما يجب التنبه له في هذا المثال السابق أن (عمرو بن عوف) الذي صحف إلى راوٍ آخر غيره هو عمرو بن عوف المرئي جد كثير بن عبد الله، وليس لعمرو بن عوف هذا في البخاري غير هذا الموضع مما يعطي أهمية كبيرة لتصويب هذا الموضع حيث جهل بذلك من رواة الصحيح. وهو غير عمرو بن عوف الأنصاري البدري (¬2). ومن التصحيف في الأسماء وترتب عليه اختلاف الراوي ما جاء في تصحيف (أبو هارون) إلى (أبو هريرة) في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما من كتاب: الجنائز، باب: هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة (¬3) وفيه: (قال سفيان: وقال أبو هريرة وكان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قميصان .... الخ. كذا جاء في «اليونينية» (أبو هريرة) ورمز أنه كذا عند الأصيلي أيضًا، وفي الهامش رمز إلى أن في رواية أبي ذر الهروي مصححًا: (وقال أبو هارون) ا. هـ. وقال ابن حجر في الفتح: قوله (قال سفيان: وقال أبو هارون .. الخ) كذا وقع في رواية أبي ذر وغيرها، ووقع في كثيرٍ من الروايات (وقال أبو هريرة) وكذا في مستخرج أبي نعيم وهو تصحيف، وأبو هارون المذكور جزم المزي بأنه موسى بن أبي عيسى الحناط، بمهملة ونون المدني، وقيل هو الغنوي، واسمه: إبراهيم بن العلاء من شيوخ البصرة، وكلاهما من أتباع التابعين، فالحديث معضل، وقد أخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان، ¬

(¬1) 2/ 621 - 622. (¬2) ينظر «فتح الباري» 5/ 19. (¬3) 2/ 92 (1350).

فسماه عيسى، ولفظه: حدثنا عيسى بن أبي موسى. فهذا هو المعتمد. ا. هـ (¬1). القَسْطَلّانِيّ والنسخة «اليُونِينيّة»: العلامة أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك بن أحمد القَسْطَلّانِيّ القاهري الشافعي (851 - 923) هـ أحد من قاموا بشرح «صحيح البُخارِيّ» وله جهد كبير في ضبط ألفاظه ورواياته، وقد اعتمد في شرحه هذا على النسخة «اليُونِينيّة» مما جعله يحفظ كثيرًا من معالم هذه النسخة، وبعض نصوص المقابلات والسماعات التي كانت على النسخة الأصلية لليونيني، وقد عقدت فصلًا خاصًّا ببيان جهد القَسْطَلّانِيّ رحمه الله تعالى، وذكرت نماذج من عمله هذا مبرزًا فيها دوره في بيان اختلاف الروايات والنسخ. وذلك في الفصل الثالث من هذا الباب. ابن مالك والنسخة اليونينية: ابن مالك هو جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجَيّانيّ الشافعي، نزيل دمشق، ولد سنة ستمائة، وسمع بدمشق، وتصدر بحلب لإقراء العربية، وصرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وأربى على المتقدمين. وكان إماما في القراءات وعللها، صنف فيها قصيدة دالية، وكان إمامًا في اللغة النحو والصرف، مطلعًا على أشعار العرب التي يستشهد بها على النحو، فكان أمرًا عجبًا، وكان الأئمة الأعلام يتحيرون في أمره. وكان بجانب ذلك مطلعًا على الحديث عالمًا به، فكان أكثر ما يستشهد به من القرآن، فإن لم يكن فيه شاهد عدل إلى الحديث، فإن لم ¬

(¬1) «فتح الباري» 3/ 215.

يكن فيه شيء عدل إلى أشعار العرب. هذا مع ما هو عليه من الدين والعبادة وكثرة النوافل وحسن السمت وكمال العقل. روى عنه: ولده بدر الدين، وعلاء الدين ابن العطار، وأبو عبد الله الصيرفي، وغيرهم. كانت وفاته سنة اثنتين وسبعين وستمائة (¬1) وابن مالك سبق بيان أنه سمع الصحيح من اليونيني في مجالس، ووجه الروايات في اللغة العربية وجمع ذلك في كتاب وسماه: «شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح» وهذا الكتاب ضمن فيه بعض المباحث العربية التي بسط فيها الكلام على بعض المشكلات، التي كانت تمر عليه أثناء سماع «الصحيح» بحضرة جماعة من الفضلاء ناظرين في نسخ معتمد عليها، فكلما مرَّ بهم لفظ ذو إشكال، بين فيه الصواب وضبطه على مقتضى علمه بالعربية، وما افتقر إلى بسط عبارة وإقامة دلالة، أخَّره إلى هذا الجزء ليسوق له ما يحتاج إليه من نظير وشاهد؛ ليكون الانتفاع به عامًا والبيان تامًا. وقد كتب ابن مالك هذا بخطه على ظاهر الورقة الأولى من المجلد الأخير من النسخة اليُونِينيّة كما حكاة الشهاب القَسْطَلّانِيّ في مقدمة «إرشاد الساري» والكتاب مقسم إلى مباحث بلغت واحدًا وسبعين مبحثًا. وبعض المباحث كانت تتضمن عدة مطالب، والعمدة عنده في المبحث هو الاستشهاد بالكلمة أو الجملة من الحديث كما جاءت وصحت الرِّواية عند ¬

(¬1) ينظر في ترجمته: «تاريخ الإسلام» 50/ 108 (83)، و «توضيح المشتبه» 2/ 149 «فوات الوفيات» 3/ 407 - 409 (472)، و «شذرات الذهب» 5/ 295.

البُخارِيّ، وبعد ذلك يقرر القاعدة، ثم يأتي لها بنظائر من القرآن الكريم واللغة والشعر. فمثلا جعل أول مبحث في الكلام على قول ورقة بن نوفل: (يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ). فقال: المبحث الأول في (يَا لَيْتَنِي) وفي استعمال (إذ) مكان (إذا) وبالعكس وفي تركيب: (أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟) (¬1). وفي هذا الموضع عند اليُونِينِيّ جاءت كل الروايات بحذف (يا) وصح من رِواية الأصيلي إثباتها (¬2). فوجه ابن مالك كلتا الروايتين، وبين أنها ليست ياء النداء، وإنما الأقوى عنده أنها (يا) للتنبيه. ثم بسط القول في ذلك. ومن الأمثلة أيضًا: ما ذكره في المبحث العاشر في ترك تنوين ثماني، وجعل فيه مطلبًا في حذف تنوين (منع وهات) الوارد في الحديث، ثم ذكر قول أبي برزة رضي الله عنه (¬3): غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سِتَّ غَزَوَاتٍ أَوْ سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ ثَمَانِي. ثم ذكر أوجه ذكر ثماني بدون تنوين. قلت (الباحث): قد جاءت الرِّواية وصحت عند اليُونِينِيّ عند جمهور الرُّواة: (أو ثمان) وفي الحاشية مصححًا علية من رِواية أبى ذر الهَرَويّ عن شيخيه المُسْتَمْلِيّ والحَمُّوييّ: (أو ثماني) وفي نسخة أخرى عن أبى ذر غير معلومة: (ثمانيًا). ¬

(¬1) «شواهد التوضيح» ص: 4. والحديث في الصحيح كتاب: بدء الوحي، حديث (3) 1/ 7. (¬2) ينظر 1/ 7. (¬3) 2/ 64 - 65 (1211) كتاب: العمل في الصلاة، باب: إذا انفلتت الدابة في الصلاة.

فقد جاء فيها ثلاثة أوجه من الرِّواية: ثمان، ثماني، ثمانيًا، فبدأ ابن مالك يوجه الثلاثة أوجه من ناحية العربية، مستدلًا على كل ما يقول بالشواهد من القرآن والحديث والشعر والقواعد العربية ... إلخ (¬1). ¬

(¬1) «شواهد التوضيح» ص: 47، والحديث في الصحيح كتاب: العمل في الصلاة، باب: إذا انفلتت الدابة حديث (1211) 2/ 64 - 65. وكتاب «شواهد التوضيح» مطبوع متداول من مصورات دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، بتحقيق وتعليق الشيخ محمد فؤاد بعد الباقي. وذكر في آخر الكتاب أن هذه الطبعة طبعت عن الطبعة الأولى المطبوعة ببلدة إله آباد الهندية عام 1319 هـ وقد طبعت هذه عن نسخة عتيقة كتبت في سنة 701 هـ. كما توجد له طبعة أخرى بتحقيق الدكتور طه محسن، من مطبوعات مكتبة ابن تيمية في طبعتين: الأولى في سنة 1405 هـ، والثانية في سنة 1413 هـ.

المبحث الثالث: الطبعة السطانية

المبحث الثالث: الطبعة السطانية (¬1) هي الطبعة التي أمر بطبعها السلطان عبد الحميد الثاني أمير المؤمنين سنة (1311) هـ من الهجرة النبوية، كما أمر أن يكون الطبع على النسخة ¬

(¬1) لقد طُبع الصحيح طبعات كثيرة جدًا أشير إليها على وجه الاختصار: 1 - طبع في ثمانية أجزاء بمجلدة واحدة سنة 1269 هـ بمنبى بالهند. 2 - طبع في جزأين سنة 1270 هـ بدلهي بالهند. 3 - طبع في عشرة أجزاء وهو طبع حجر وبهامشها النور الساري من فيض صحيح البخاري وهو شرح الشيخ حسن العدوي الحمزاوي سنة 1279 هـ بمصر. 4 - طبع في ثلاثة أجزاء سنة 1280 هـ ببولاق بمصر. 5 - طبع في ثلاثة أجزاء سنة 1278 هـ باعتناء كرهل وذلك بليدن. 6 - طبع في أربعة أجزاء بقلم محمد بك المكاوي سنة 1286 هـ ببولاق بمصر. 7 - طبع في جزأين سنة 1292 هـ ببولاق بمصر. 8 - طبع في جزء واحد سنة 1293 هـ في بطرسبرج. 9 - طبع في أربعة أجزاء طبع حروف وبهامشها السندي سنتي 1299 هـ و 1309 هـ بمصر. 10 - طبع أيضًا في أربعة أجزاء وبهامشها حاشية السندي وتقريرات من شرحي القسطلاني وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري سنوات 1299 هـ و 1300 هـ و 1320 هـ وذلك بمطبعة محمد مصطفى بمصر. 11 - طبع في أربعة أجزء سنة 1304 هـ بالمطبعة الخيرية بمصر. 12 - طبع في أربعة أجزاء سنة 1305 هـ بمطبعة شرف بمصر. 13 - طبع في أربعة أجزاء سنتي 1306 هـ و 1309 هـ بالمطبعة الميمنية بمصر. 14 - طبع في تسعة أجزاء في ثلاث مجلدات من سنة 1311 هـ بالمطبعة الأميرية ببولاق بمصر وهي الطبعة السلطانية ينظر في ذلك: مقدمة الطبعة السلطانية، طبع جمعية المكنز.

«اليُونِينيّة» المحفوظة في الخزانة الملوكية بالأستانة. وأصدر السلطان عبد الحميد أمره إلى مشيخة الأزهر بأن يتولى قراءة المطبوع بعد تصحيحه في المطبعة جمع من أكابر علماء الأزهر الأعلام الذين لهم في خدمة الحديث الشريف قدم راسخة، وكان شيخ الأزهر إذ ذلك الشيخ حسونة النواوي - رحمه الله تعالى - فجمع ستة عشر عالمًا من جهابذة علماء العصر وفحولهم من مختلف المذاهب، وكتبت قائمة بأسمائهم في أول الطبعة كما كتب في أول الطبعة تقرير الشيخ حسونة النواوي ومقدمة كتبها مصححو الطبعة في المطبعة كما كتب جدولًا فيه بعض الأخطاء، التي وقفوا عليها ولم يمكنهم استدراكها في هذه الطبعة. وتم الانتهاء من طباعة «الصحيح» في مطبعة بولاق المعروفة في ذلك الوقت بالمطبعة الأميرية، لما اشتهرت به من دقة التصحيح، وجودة الحروف بين كل المطابع العربية. وشرعت المطبعة في طباعته في نفس السنة التي صدر فيها أمر السلطان عبد الحميد، وأتمت طباعتها في أوائل الربيعين سنة (1313) هـ في تسعة أجزاء. فقد جاء في آخر هذه الطبعة ما نصه: تم طبع هذا «الصحيح» بحمد الله على هذا الشكل الجميل والوضع الجليل بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية في أوائل الربيعين سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة وألف من هجرة خاتم الرسل الكرام عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم السلام. اهـ. وذكر مصححو الطبعة أنهم اعتمدوا على نسخة شديدة الضبط بالغة الصحة من فروع «اليُونِينيّة» المعول عليها في جميع روايات «صحيح البُخارِيّ» الشريف، وعلى نسخ أخرى خلافها شهيرة الصحة والضبط

- كما قالوا في مقدمة الطبع - ولم يذكروا وصفًا للنسخ التي صححوا عنها غير ذلك. وبالتتبع يمكن إلقاء الضوء على بعض هذه النسخ التي اعتمدوا عليها. فمن الفروع التي اعتمدوا عليها: 1 - فرع عبد الله بن سالم البصري المكي المتوفى سنة (1134) هـ، وهو فرع متأخر وشهرته ملأت الآفاق، وسبق بيان قيمته العلمية والتاريخية قريبا في المبحث السابق، وقد نص الكتاني في كتابه «فهرس الفهارس» (¬1) نقلا عن الشيخ طاهر سنبل أنه أحضرها إلى الأستانة؛ ليصحح عليها النسخة الأميرية التي طبعت هناك من «الصحيح» وفرقها السلطان عبد الحميد. اهـ. وقد ذكر المصححون في هوامش الطبعة «السلطانية» بعض الفروق ونقلوها من نسخة عبد الله بن سالم. فكانوا يصرحون باسمه أحيانًا كما جاء ذلك على سبيل المثال في 2/ 81، 94، وكثيرًا ما كانوا يعبرون عنها بالفرع المكي، وانظر على المثال الصفحات الحادية عشرة والثالثة عشرة من غيرها من الجزء الأول (¬2). 2 - ومن الفروع التي اعتمدوا عليها كما جاء في تعليقاتهم: فرع الغزولي، وهو المنسوب لشمس الدين محمد بن أحمد، والموقوف بالتنكزية بباب المحروق خارج القاهرة، والذي سبق الكلام عليه وبيان قيمته في المبحث السابق، وهو الفرع الذي اعتمد عليه القَسْطَلّانِيّ في «شرحه»: ¬

(¬1) 1/ 199 (¬2) وينظر 1/ 29، 31، 38، 39، 2/ 43، 3/ 83، 89، 123 وغيرها.

وهذا الفرع يعبر عنه المصححون للسلطانية بالفرع التنكزي (¬1). 3 - ومن هذه الفروع الفرع المقابل على أصلي جمال الدين المزي (742) هـ وشمس الدين الذَّهبي (748) هـ (¬2). 4 - ومن هذه الأصول التي اعتمدوا عليها أصل ابن الحطيئة الذي قابل عليه اليُونِينِيّ نفسه (¬3)، وقد جاءت الإشارة إليها في الجزء الرابع (¬4) حيث جاء في الهامش روى ابن الحطيئة. 5 - ومن الأصول المشار إليها أصل الحافظ المنذري (656) (¬5). 6 - أصل منقول من نسخة ابن أبي رافع (¬6). كما اعتمدوا على عدة شروح للصحيح ومنها على سبيل المثال: 1 - شرح العلامة القَسْطَلّانِيّ (إرشاد الساري) وذلك لأنه كما سبق حكى نسخة اليُونِينِيّ وقابل عليها متن «الصحيح» وجاء ذلك في إشارات كثيرة (¬7). 2 - شرح العلامة ابن حجر العسقلاني (852) وذلك لبيانه كثيرا من ¬

(¬1) كما جاء ذلك في 3/ 164ط الحلبي. (¬2) 2/ 193 ط الحلبي. (¬3) وينظر هذه النسخة أيضًا في مبحث: أصول أبي ذر الهروي الموجودة في بلاد المغرب من هذه الرسالة. (¬4) صفحة 42 ط الحلبي. (¬5) كما في 1/ 54، 2/ 53 ط الحلبي. (¬6) كما في 4/ 193 ط حلبي. (¬7) منها على سبيل المثال: 1/ 8، 1/ 15، 16، 3/ 3، 5، 15، 30، 151 وغيرها كثير جدًا، ويراجع قيمة هذا الشرح وعلاقته باليونينة في المبحث الخاص من هذه الدراسة.

الروايات التي اعتمد عليها اليُونِينِيّ (¬1) وذلك لأن ابن حجر قد نص في «الفتح» أنه اطلع على نسخة اليُونِينِيّ ولا يبعد أن يكون قد اعتمد عليها؛ لما لها من شهرة كما جاء في «هدي الساري» ص: 224 (¬2). 3 - «شرح الكرماني» شمس الدين محمد بن يوسف المتوفى سنة (786) هـ حيث اهتم بشرحه أيضًا بذكر الاختلافات بين الروايات، وجاءت الإشارة إليه في مواضع كثيرة (¬3). 4 - شرح العيني في «عمدة القاري» وهو بدر الدين محمود بن أحمد العيني، المتوفى سنة (855) هـ (¬4). وغير ذلك من الشروح والكتب الأخرى في اللغة العربية والغريب والضبط، والتي لا يتسع المجال لسردها. والله الموفق. التصويبات التي تمت على الطبعة «السلطانية» سبق القول: إن السلطان عبد الحميد أمر أن يطبع «الصحيح» في القاهرة في المطبعة الأميرية ببولاق وأن تعطى بعد الطباعة لتصحيحها ومقابلتها لمجموعة من علماء الأزهر المشهود لهم بالتحري والدقة. والذين قاموا بتصحيح هذه الطبعة في المطبعة، هم الشيخ محمد الحسيني، والشيخ محمود مصطفى والشيخ نصر العادلي ومعهم جماعة من مصححي المطبعة، وباشر الطبعة مع علماء التصحيح محمد بن علي المكاوي، بدعوة من أحمد باشا مختار المندوب العالي العثماني في القطر ¬

(¬1) ينظر مثلا: 1/ 8، 15، 16، 3/ 5، 15، 30، 151 وغيرها كثير .. (¬2) يراجع الكلام على (فتح الباري) في المبحث الخاص به. (¬3) ينظر مثلا: 1/ 12، 15، 3/ 71، 4/ 192 وغيرها. (¬4) ينظر مثلا 1/ 16.

المصري في ذلك الوقت. وبعد ذلك قابل النسخة أكابر علماء الأزهر الذين اختارهم شيخ الأزهر الشيخ حسونة النواوي وعددهم ستة عشر عالمًا، وقد ذكر أسماءهم بالتفصيل في التقرير الذي وجد مكتوبًا في أول الطبعة. وبعد قراءتهم خرجوا بقائمة من التصويبات التي صحح بعضها في الطبعة والبعض الآخر لم يصحح لتعذره بعد الطباعة فقاموا بإثبات هذا الجدول أول الطبعة مع تمييز ما تم إصلاحه. ولم يطبع إلا صفحة واحدة من هذا الجدول وهي المصورة في أول الطبعة «السلطانية» وفيها التصويبات من بداية صفحة (7) حتى صفحة (172) من الجزء الأول. ويبدو أنها كانت كثيرة، وأنها لا تقل عن عشر ورقات على أقل تقدير وتشتمل على اختلافات في الشكل أو الرسم أو تسهيل بعض الهمزات أو قطعها أو وصلها، أو ضبط بعض الأسماء التي اختلف فيها. وبعد الانتهاء من صدور هذه الطبعة قام الشيخ محمد بن علي المكاوي - الذي كان من كبار المصححين بالمطبعة الأميرية، والذي نشر البُخارِيّ بتصحيحه قبل صدور هذه الطبعة وذلك سنة 1286 هـ في المطبعة الأميرية أيضًا - في قراءات خاصة به بمراجعة وقراءة الطبعة «السلطانية» مرة أخرى، وقيد ما وجده مما فات اللجنة السابقة، ثم هذب هذا المستدرك ونقحه وعرضه على الشيخ الأستاذ سليم البشري - شيخ المالكية إذ ذاك - وراجعه فيه من أوله إلى آخره، وبعد تهذيبه وتنقيحه قدمه لأحمد باشا مختار؛ ليأمر بما يراه فأمر بطبعه لتعم الفائدة. وطبع منه الشيخ محمد المكاوي عدة نسخ زهاء الأصل على نفقته، وهذه التصويبات يوجد منها نسخة خطية بدار الكتب المصرية تحت رقم (1522)

حديث بعنوان جدول الخطأ والصواب، وهو يشتمل على اختلافات في الشكل أو الرسم الذي توبع فيه رسم المصحف، أو تسهيل بعض الهمزات أو قطعها أو وصلها، أو ضبط بعض الأسماء التي اختلف ضبطها أو صرفها مما لا يخلو منه كتاب أصلًا. وقد قامت جمعية المكنز الإسلامي في طبعتها التي صورت فيها الطبعة «السلطانية» بنشر هذا الجدول مع نشر المقدمة التي كتبها الشيخ محمد بن علي المكاوي وذلك في آخر مجلد منها. وهي في أربعة عشر صفحة، وكان الشيخ علي المكاوي يكتب الجزء ثم الصفحة ثم السطر، ويذكر الخطأ وصوابه بعد ذلك، وربما كان يذكر دليلًا على ما رآه صوابًا. فمثلًا يقول في الصفحة (18) من الجزء الأول سطر (1): (أبان) ضبطه بالمنع من الصرف وقد نص النووي في شرحه على مسلم أن الأجود صرفه (¬1). ويقول أيضًا في الجزء الرابع (ص: 6) سطر (9): وحسان بن ثابت بإسقاط ألف ابن، صوابه: وحسانُ ابن ثابت بإثبات ألف ابن لأنه مخبر به. وغير ذلك. الطبعة الثانية والثالثة من الطبعة «السلطانية»: وهذه الطبعة «السلطانية» نفذت فور صدورها وأعيد طبعها في المطابع الأميرية في السنة التالية مباشرة بما عرف بطبعة (1314) هـ وتمت في (1315) هـ واشتهرت بالفكهانية، وهذه الطبعة الفكهانية صححها الشيخ محمد الحسيني، وذكر في آخر الجزء التاسع والأخير منها أنهم طبعوها ¬

(¬1) «شرح مسلم» للنووي 1/ 95.

على مثال «السلطانية»، وقام نفس الفريق السابق بتصحيحها الحرف بالحرف والشكل بالشكل والضبط بالضبط، وتم الانتهاء منها في أوائل ربيع الآخر (1315) هـ، وكان القائم بنفقات طبعها التاجر الشهير حضرة محمد أفندي حسين عيد، واشتهرت بالفكهانية نسبة إلى تجارة محمد أفندي؛ حيث كان يتاجر في الفاكهة. كما ذكر الشيخ محمد الحسيني أن هذه الطبعة كان فيها بعض الأخطاء التي لاحظها عند قراءته لـ «الصحيح» في رواق الأتراك بالأزهر الشريف سنة (1420) هـ مع المقارنة بين «السلطانية» والفكهانية ثم ذكر بعض الأخطاء وتصويبها. كما علق على الفكهانية أيضًا الشيخ محمد بن علي المكاوي، ويوجد من هذا التعليق نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية تحت رقم (273) حديث تيمور ميكروفيلم رقم (25456). ثم صدرت سنة (1325) هـ طبعة تقلد هذه الأخيرة (عرفت باسم كالمطبوع)؛ وذلك أنها حاكت طبعة (1314) هـ حتى كأنها أخذت عنها بالتصوير ولم يكن يستعمل بعد، فلو اشتبه النقط بين التاء والثاء في طبعة (1314) هـ نراه مشتبهًا في نسخة كالمطبوع مما يدل على مدى دقة المحاكاة وانتباههم إلى كل ضبط وشكل. ثم أقبل الطلب على اقتناء هده الطبعة فتسارعت المطابع العربية في إعادة طبعها، فأعادت طباعتها مكتبة الحلبي بمصر، ومطابع الشعب بمصر، ودار الجيل بلبنان، وحديثًا كثرت طبعات الصحيح، وتلاعب المحققون في النص، مما أدى إلى تعدد النصوص، حتى إنك لا تجد طبعة تتفق مع الأخرى، وكل قائم على تصحيح طبعة يدعي أن منهجه هو الصواب. والسبب الحقيقي في كل ذلك عدم الرجوع إلى أصول خطية لمتن

الصحيح، وإنما اعتمادهم جميعًا على الطبعة «السلطانية»، وإذا لاحظنا منهج اليُونِينِيّ في نسخته وأنه جمع عددًا من الروايات مستخدمًا الرموز التي تدل عليها، تبين لنا بوضوح عدم إمكان الوصول إلى نص للصحيح من خلال عمل اليُونِينِيّ مجردًا عن الرموز، اللهم إلا إذا انتزعنا رِواية واحدة، وتتبعناها وحذفنا ما عداها، وسيأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى الحديث عن كيفية الوصول إلى نص صحيح. كل ذلك أعدم الثقة في كل الطبعات الموجودة حديثًا، مما جعل الحاجة ماسة إلى إعادة إخراج الطبعة «السلطانية» مرة أخري. وكان السبيل إلى ذلك أحد طرق ثلاث: 1 - تصوير الطبعة «السلطانية» التي طبعت سنة (1313) هـ ولا بأس بخدمتها دون التصرف في النص الأصلي، وذلك مثل ما فعل الدكتور زهير الناصر في طبعة طوق النجاة، وما فعلته جمعية المكنز الإسلامي. 2 - محاولة حكاية نسخة اليُونِينِيّ، والاعتماد على «السلطانية» ولكن بطريق الطباعة الحديثة، ويتم التعامل مع الرموز بذكر ما تدل عليه، كما فُعل في طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر، بإشراف الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد. 3 - محاولة الاقتصار على بعض الروايات مثل رِواية أبي ذر الهَرَويّ، عن شيوخه الثلاثة مثلًا، مثل المحاولة التي قام بها الشيخ عبد القادر شيبة الحمد، وإن كانت ليست على الوجه المطلوب. ولذا سأتحدث عن هذه الأعمال باختصار.

طبعة دار طوق النجاة هي الطبعة التي أشرف عليها واعتنى بها محمد زهير بن ناصر الناصر المشرف على أعمال الباحثين بمركز خدمة السنة والسيرة النبوية بالمدينة المنورة. نشرتها دار طوق النجاة للطباعة والنشر والتوزيع ببيروت بلبنان، وصدرت منها الطبعة الأولى سنة 1422 هـ. وهي طبعة فخمة في أربع مجلدات من القطع الكبير، وصورت عن الطبعة «السلطانية» التي أمر بطبعها السلطان عبد الحميد الثاني ببولاق سنة (1311) هـ، والتي تم الانتهاء منها سنة (1313) هـ من الهجرة النبوية في تسعة أجزاء، والتي سبق الكلام عليها بالتفصيل. وبعد تصوير هذه الطبعة قاموا بخدمتها، وكانت خطتهم في إخراج هذه الطبعة كما يلي: 1 - اعتماد ترقيم الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في عدّ أحاديث وكتب وأبوب «صحيح البُخارِيّ»، وما فاته من ترقيم بعض الأحاديث أو الأبواب يُعطى له الرقم السابق مع إضافة رمز (م)، إشارة إلى تكرار الرقم السابق، وفي اعتماد هذا الترقيم تسهيلٌ وتيسيرٌ على الباحثين في الرجوع مباشرة إلى كتاب «فتح الباري» للحافظ ابن حجر العسقلاني، لأنّ المكتبة السلفية ومطبعتها في القاهرة اعتمدت هذا الترقيم في طبعها «فتح الباري» سنة 1380 هـ. 2 - الإشارة في أعلى كل صفحة إلى أماكن الأحاديث المذكورة فيها من كتاب «عمدة القاري» للحافظ العيني، ومن كتاب «إرشاد الساري» للقسطلاني، وذلك بذكر رقم الجزء والصفحة فيهما، ليتمكن القارئ من الرجوع إليهما والاستفادة منهما بُيسْرٍ وسهولة.

3 - الربط بين أحاديث «صحيح البُخارِيّ» وبين كتاب «تحفة الأشراف» للحافظ المزي، والإشارة في الهامش إلي رقم هذا الحديث في «تحفة الأشراف»، وذكر رموز من أخرجه - إنْ وجد - تحت الرقم المتسلسل له، وذلك حسب الخطّة التي سلكها الحافظ المِزّي في تصنيف كتابه، بحيث يتسنّى للقارئ مباشرة معرفةُ من شارك الإمام البُخارِيّ في تخريج هذا الحديث. 4 - الربط بين الأحاديث المعلَّقة الواردة في «صحيح البُخارِيّ» وبين كتاب «تغليق التعليق» للحافظ ابن حجر العسقلاني، والإشارة في الحاشية إلى موضع كل حديث معلَّق من كتاب «تغليق التعليق» بذكر الرمز (تغ) اختصارًا لاسم الكتاب، مع رقم الجزء والصفحة، تيسيرًا للباحث للوقوفِ على هذا الحديث المعلَّق ومعرفةِ من وصله. 5 - الإشارة في الحاشية السفلى إلى أرقام الأحاديث المكررة في كل موضعٍ وَرَدَتْ فيه من الصحيح، وبذلك يتسنى للباحث معرفةُ هذه الأطراف ومراجعتُها عند كل حديث يقف عليه. وبعد أن ذكروا خطتهم في هذه الطبعة ذكروا أيضًا الطبعات التي اعتمدوا عليها وهي كما يلي: - «فتح الباري بشرح صحيح البُخارِيّ» للحافظ ابن حجر العسقلاني: الطبعة الأولى بالمطبعة السلفية ومكتبتها بالقاهرة عام 1380 هـ، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، في 13 جزءًا. - «عمدة القاري في شرح صحيح البُخارِيّ» للعلامة بدر الدِّين العيني: عنيت بنشره إدارة الطباعة المنيرة بالقاهرة عام 1348 هـ، 25 جزءًا في 12 مجلدًا. - «إرشاد الساري لشرح صحيح البُخارِيّ» للحافظ شهاب الدين

القَسْطَلّانِيّ: الطبعة السادسة بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق عام 1340 هـ، في 10 أجزاء. - «تغليق التعليق» للحافظ ابن حجر العسقلاني: تحقيق سعيد عبد الرحمن موسى القزقي، الطبعة الأولى بالمكتب الإسلامي ببيروت ودار عمار بعَمّان الأردنية عام 1405 هـ، في 5 أجزاء. - «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» للإمام جمال الدِّين المِزّي: تحقيق عبد الصمد شرف الدين، الطبعة الأولى بالدار القيمة بالهند عام 1384 هـ، في 13 جزءًا. وقد ذكر قبالة كل حديث في الحاشية باقي الكتب الستة التي أخرجت الحديث، وذلك باستخدام الرموز وهي (خ) للبخاري، (م) لمسلم، و (د) لأبي داود، (ت) للترمذي في «السنن»، (تم) للترمذي في «الشمائل»، (س) النسائي في «السنن»، (سي) النسائي في كتاب عمل اليوم والليلة، (ق) لابن ماجه، (ع) لما اتفق عليه الجماعة الستة. وكتب الدكتور محمد زهير مقدمة لهذه الطبعة تكلم فيها باختصار شديد عن البُخارِيّ و «صحيحه»، وعن الرُّواة عنه، ونسخة الحافظ اليُونِينِيّ وتوثيقها، وخطتهم في إخراج هذه الطبعة، والدوافع التي جعلتهم يخصون هذه الطبعة. وصوروا الطبعة «السلطانية» حتى التقارير التي كتبت من أولها وجدول الخطأ والصواب الوارد من قبل علماء الأزهر، والفهرسة التي صنعها مصححو الطبعة، كل ذلك حرصًا على نشر هذه الطبعة التي تكاد تكون قد فقدت، فجزاهم الله خيرًا على هذا العمل الجليل. ومن تمام العمل الذي أعطى له أجمل صورة أنهم جعلوا الرموز سواء كانت في الحاشية أو في الأصل وبدايات الأحاديث وأسماء الكتب والأبواب بالمداد الأحمر تميزًا وإبرازًا لها.

طبعة دار الجيل بيروت هي الطبعة التي طبعتها دار الجيل ببيروت بلبنان، ونقلتها عن الطبعة «السلطانية» ولم يكتب سنة الطبع، إلا أنها منقولة من الطبعة «السلطانية» وكتب بهوامشها كل التقييدات التي ذكرها مصححو الطبعة «السلطانية». وقُدّم لهذه الطبعة بمقالة للشيخ أحمد شاكر - رحمه الله تعالى - تكلم فيها عن تفكيره في القيام بالإشراف على إخراج كتاب «صحيح البُخارِيّ» إخراجًا صحيحًا متقنًا موثقًا عن الطبعة «السلطانية» المطبوعة بمصر سنة 1311 - 1313 هـ، والتي تليها، والتي طبعت على مثالهما سنة 1314 هـ. وقال: منذ بضع عشرة سنة فكرت في طبع «صحيح البُخارِيّ» بطلب أحد الناشرين إذ ذاك، ثم لم يقدر أن يتحقق ما أردنا. اهـ. وتكلم عن الطبعة «السلطانية» والنسخة «اليُونِينيّة»، وعرّف بهما، وترجم لليونيني، وتكلم عن نسخته الخاصة من الطبعة «السلطانية»، وعنايته بها هو ووالده رحمهما الله تعالى. كما تكلم عن مصير النسخة «اليُونِينيّة» الأصلية، وهل جاءت إلى مصر أم لا؟ وهي مقدمة على صغر حجمها إلا أنها في غاية النفاسة، ويبدو أنها كانت مقالة في إحدى المجلات، فهي إلى المقالة أقرب من التقدمة لطبعة دار الجيل هذه؛ لأنه لم يتكلم عن الطبعة من قريب أو بعيد، لا إشارة ولا تصريحًا، مما يوهم أنه أشرف على الطبعة، وهذا غير صحيح، وإنما الطبعة تحاكي الطبعة «السلطانية». ومما يجدر التنبيه إليه في هذه الطبعة أن الناشر ذكر في المقدمة نص ما وجد على النسخة «السلطانية» التي صار عليها الطبع، وهو تقرير الشيخ حسونة النواوي شيخ الجامع الأزهر، والمقدمة التي كتبها مصححو النسخة

في المطبعة. وعند كلام الشيخ حسونة على التصويبات التي وقف عليها علماء الأزهر وأنهم وضعوها في جدول في أول الطبعة ذكر الناشر أنهم استدركوا هذه التصويبات في هذه الطبعة، فجاءت خالية منها ولذا لم يوضع جدول في أول الطبعة. وهذه الطبعة في ثلاثة مجلدات، كل مجلد ثلاثة أجزاء من تقسيم الطبعة «السلطانية»، كل صفحة عشرون سطرًا، وكل سطر في حدود أربع عشرة كلمة ولكل صفحة حاشية من خارج الصفحة. وهي تخالف الطبعة السلطانية في عدد الصفحات وعدد السطور. طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية هي الطبعة التي صدرت عن لجنة إحياء التراث والسنة بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بجمهورية مصر العربية، وذلك بناء على طلب الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد للسكرتير العام للمجلس في ظل قيادة الحكومة المصرية؛ فطلب من الشيخ محمد محيي الدين اختيار لجنة لهذا المشروع، وهو إحياء وتحقيق كتب السنة الستة تحقيقًا علميًّا دقيقًا. وأشرف الشيخ محمد محيي الدين على فريق من العلماء الذين عُرفوا بالتحري والدقة، وهم كما ذكرهم الشيخ محمد محيي الدين في المقدمة: الشيخ محمد محمد السماحي، والشيخ أحمد إبراهيم الشعراوي، والشيخ عبد العظيم الشناوي، والشيخ محمود فرج العقدة. وكان أول عمل بدأوا به هذا المشروع هو «صحيح البُخارِيّ». وكانت الفكرة الأساسية في إخراجه قائمة على محاكاة الطبعة «السلطانية» التي سبق الحديث عنها، ولكن مع تحويل الرموز التي استعان بها اليُونِينِيّ إلى ما تدل عليه من عبارات، تيسيرًا على الباحثين، مع إضافة

بعض الأشياء الأخرى التي ذكروها في منهجهم في المقدمة كترقيم الأحاديث، وعمل فهارس للكتب والأبواب، والألفاظ وغير ذلك. والفكرة في ذاتها جليلة وجديرة بالتقدير، وتحرص على الجمع بين الاختلافات بأسلوب ميسر مبني على ما ابتكره اليُونِينِيّ. وفعلًا تم بذل الجهد والوسع في إخراج هذا الكتاب بهذه الصورة، ولكن يبدو - وللأسف الشديد - أنهم لم يتموا هذا العمل بهذه الطريقة؛ حيث صدرت هذه الطبعة في أحد عشر جزءًا. المطبوع منها بهذه الطريقة سبعة أجزاء فقط بما يعادل آخر سورة المؤمن (غافر) من كتاب التفسير، والأجزاء الأربعة الباقية اكتفوا بإثبات النص مع بعض معاني المفردات دون النظر إلى حكاية اختلاف الروايات، وكأن القائمين على طباعة الأجزاء الباقية قد بدا لهم تغيير المنهج ولم يقتنعوا بالفكرة التي بدأ الكتاب على أساسها، ولو تم كل الصحيح بنفس الطريقة الأولى لتم النفع، والله تعالى الهادي لأقوم سبيل. وقد كتب الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد مقدمة لهذه الطبعة تكلم فيها عن فكرة المشروع ومنهج العمل فيه، وتكلم عن الإمام البُخارِيّ و «صحيحه» وعمل اليُونِينِيّ وهي مقدمة نفيسة، خاصة في بيان حياة البُخارِيّ ومنهجه في «الصحيح». ومن الجدير بالذكر أن المحققين في السبعة أجزاء الأولى قد بذلوا جهدًا مشكورًا في محاكاة الطبعة «السلطانية»، مع إضافة بعض الزيادات من الشروح، والكتب الأخرى التي خدمت الصحيح، مع حذف بعض التعليقات التي كتبها مصححو الطبعة «السلطانية»، ولكنهم حكوا كل الخلافات التي وردت في الرموز، سواء كانت في الأصل أو في الحاشية. فجزاهم اللهم خير الجزاء.

طبعة جمعية المكنز الإسلامي من الجهود التى بذلت في إعادة نشر الطبعة السلطانية ما قامت به جمعية المكنز الإسلامي - وهي جمعية تعنى بنشر التراث الإسلامي وخدمته - حيث قامو بتصوير الطبعة «السلطانية» المطبوعة سنة 1313 هـ ولكن دون أي أعمال إضافية إليها، اللهم إلا إذا استثنينا المقدمة التي كتبوها، ونص جدول تصويب الأخطاء التي وجد في الطبعة «السلطانية» لـ «صحيح البُخارِيّ» لكاتبه محمد بن علي المكاوي، والمقدمة التي كتبت لهذه الطبعة أو لهذه الصورة لم يذكر من الذي أعدها أو كتبها، وهي مقدمة تحدثوا فيها عن النسخة «اليُونِينيّة» والطبعة «السلطانية». وهذه الطبعة التي قامت بتصويرها جمعية المكنز الإسلامي قد أضافت جديدًا للطبعات الأخرى وهو أنها نشرت نص جدول الخطأ والصواب الخاص بالشيخ محمد بن علي المكاوي، وهو من كبار المصححين بالمطبعة الأميرية في قراءة خاصة منه للطبعة «السلطانية»، والذي سبق الحديث عنه في موضعه. كما قامت الجمعية بربط أرقام صفحات هذه الطبعة لطبعتهم التي قاموا بنشرها بعد أن قاموا بصفها على الحاسب الآلي، وتكميلها ببعض المكملات التي لابد منها، وهو عمل مستقل غير هذا مما لا يسع المجال لتفصيله هنا.

الفصل الثاني: عناية المغاربة بالصحيح

الفَصْل الثاني: عناية المغاربة بالصحيح ويتكون من ثلاثة مباحث: المبحث الأول: عناية المغاربة بالصحيح وأهم الروايات عندهم. المبحث الثاني: نسخة أبي علي الصَّدفي. - ترجمته، روايته، نسخته، أهم النسخ المأخوذة منها. المبحث الثالث: نسخة ابن سعادة. - ترجمته، روايته، نسخته، أهم النسخ المأخوذة منها.

المبحث الأول: عناية المغاربة بصحيح البخاري

المبحث الأول: عناية المغاربة بصحيح البُخارِيّ (¬1) «صحيح البُخارِيّ» له منزلة عظيمة عند المغاربة، وكما كان لأهل المشرق عناية بالصحيح فإن أهل المغرب كانت لهم به عناية أيضًا. وكما اشتهرت بعض روايات الصحيح ونسخه عند المشارقة، فإن بلاد المغرب كان لهم أيضا حظ وافر في العناية بالصحيح. وقد سبق القول بأن «الجامع الصحيح» رواه عن مؤلفه محمد بن إسماعيل البُخارِيّ جم غفير من الرُّواة. والذي وصل إلى المغرب الإسلامي من هذه الروايات روايتان: الأولى: رِواية النَسَفْيّ: أبو إسحاق إبراهيم بن معقل بن الحجاج (258) هـ. الثانية: رِواية الفَرَبْريّ: أبو عبد الله محمد بن يوسف (320) هـ، وأكثر الروايات من طريقه. قال القاضي عِياض في «مشارق الأنوار»: ولم يصل إلينا - من غير هذين الطريقين - عنه، ولا دخل المغرب والأندلس إلا عنهما، على كثرة رواة البُخارِيّ عنه لكتابه (¬2). ورِواية الفَرَبْريّ هي التي اشتهرت في العالم الإسلامي، وفي هذا يقول ابن حجر العسقلاني: والرِّواية التي اتصلت - بالسماع - في هذه الأعصار وما قبلها هي رِواية محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفَرَبْريّ (¬3). ¬

(¬1) عندما أطلق القول وأقول: المغاربة أو بلاد المغرب أو أهل المغرب، فالمراد بلاد الشمال الغربي الأفريقي وبلاد الأندلس. (¬2) 1/ 36، وينظر «الغنية» ص: 103 - 105. (¬3) «هدي الساري» ص: 491 - 492.

ورِواية النَسَفْيّ يرجع الفضل إلى الإمام الخطابي (388) هـ في الاحتفاظ ببعض معالمها، ونقل بعض النصوص منها، وذلك من خلال كتابيه: «أعلام الحديث» الذي شرح فيه الصحيح واعتمد فيه على رِواية النَسَفْيّ، وكتابه الآخر «غريب الحديث». وأول من وقفت له من بلاد المغرب على ذكر لهذه الرِّواية بعد الخطابي (388) هـ هو الإمام أبو علي الجَيّانيّ (498) هـ فقد ذكر في أسانيده للصحيح في أول كتابه «تقييد المهمل» أن من بين الروايات التي روي الصحيح من خلالها رِواية النَسَفْيّ، أخبره بها أبو العاصي حكم بن محمد بن حكم الجذامي قال: نا أبو الفضل أحمد بن أبي عمران الهَرَويّ بمكة سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة، قال لي: سمعت بعضه وأجاز لي سائره، قال: نا أبو صالح خلف بن محمد بن إسماعيل البُخارِيّ عنه. وذكر موضع النقص من نسخته (¬1) ومن العلماء المغاربة الذين تحملوا هذه الرِّواية ونقلوا منها: القاضي عِياض (544) هـ في كتابه «مشارق الأنوار» (¬2) والحافظ أبو بكر بن خير الأشبيلي (575) هـ في فهرسته (¬3) وكلاهما من طريق أبي علي الجَيّانيّ. أما رِواية الفَرَبْريّ فقد دخلت إلى الغرب الإسلامي في وقت مبكر، وانتقلت إليه بواسطة روايات اشتهر منها ستة يتصل أصحابها بالفَرَبْريّ مباشرة: ¬

(¬1) 1/ 67. (¬2) 1/ 39، و «الغنية» ص: 103 - 105. (¬3) ص: 97 - 98.

1 - راوية أبي علي بن السكن: سعيد بن عثمان بن سعيد المصري (303) هـ. 2 - رِواية أبي زيد المَرْوَزيّ: محمد بن أحمد بن عبد الله، (371) هـ. 3 - رِواية أبي أحمد الجُرْجانيّ: محمد بن محمد بن يوسف، (373) هـ. 4 - رِواية أبي علي الكُشّانيّ: إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب (391 هـ). 5 - رِواية أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ: إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم البلخي (376) هـ. 6 - رِواية السَّرْخَسي: عبد الله بن أحمد بن حمويه (371) هـ. 7 - رِواية أبي الهيثم الكُشْمِيهَني: محمد بن مكي بن زراع (389) هـ أولا: رِواية الإمام الحافظ أبي علي، سَعِيد بن السَّكن المصري البزّاز، البغدادي الأصل (353) هـ، وقد روى عنه من الأندلسيين: عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد الجهني الطليطلي ساكن قرطبة (395) هـ، جاء في ترجمته (¬1): "ورحل إلى المشرق سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، فسمع من أبي علي بن السكن بمصر. ومن طريق ابن أسد الجهني انتقلت رِواية ابن السكن إلى بلاد المغرب حيث روى «الصحيح» عن الجهني الإمام أبو علي الجَيّانيّ (498) هـ ومن طريقه اشتهرت. فرواها القاضي عِياض (544) هـ في كتابه «مشارق الأنوار» (¬2) والحافظ ¬

(¬1) ينظر ترجمته في «تاريخ علماء الأندلس» ص: 248، «سير أعلام النبلاء» 17/ 83. (¬2) 1/ 39.

أبو بكر بن خير الإشبيلي (575) هـ في فهرسته (¬1) وكلاهما من طريق أبي علي الجَيّانيّ. وذكر الاستاذ محمد المنوني أنه يوجد منها المجلد الأول في الخزانة الوقفية بالجامع الأعظم من مدينة تازة وهي بخط عبد المهيمن بن علي بن علي بن حرز الله التميمي (698) هـ وهو منقول ومقابل بأصل أبي الحسن يونس بن محمد بن مغيث القرطبي المعروف بابن الصفار (532) هـ (¬2) المكتوب بخط أبي عمر الطلمنكي (¬3). وهناك طرق أخرى عُرفت بها رِواية ابن السكن في المغرب منها: رِواية أبي جعفر ابن عبد الله وأبي عبد الله بن مفرج، وكانت رحلتهما وسماعهما مع الجهني الطليطلي. ومن طريق أبي عبد الله بن مفرج يسند ابن حزم رِواية ابن السكن في كتابه «المحلى» حيث يسوق حديثين من «الصحيح» رواهما عن شيخه عبد الله بن ربيع, عن ابن مُفَرِّجٍ, عن ابْن السَّكن, عن الفَرَبْريّ, عن البُخارِيّ .. (¬4). كما أن القاضي عِياض يتصل بنفس الرِّواية بواسطة كل من ابن عون وابن مفرج (¬5). ¬

(¬1) ص: 97 - 98 (¬2) هو شيخ ابن خير الإشبيلي في رِوَاية ابن السكن، حيث يرويها عنه عن القاضي أبي عمر أحمد بن محمد الحذاء عن ابن أسد الجهني عن ابن السكن (الفهرسة ص: 95). (¬3) ذكره في مقالة بعنوان صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية. (¬4) «المحلى» 1/ 82، 106. (¬5) «مشارق الأنوار» 1/ 38. و «الغنية» ص: 103 - 105

ثانيا: رِواية أبي زَيْد محمد بن أحمد المَرْوَزيّ (371) هـ. ثالثا: رِواية الإمام أبي أحمد، محمد بن محمد بن يوسف بن مكي، الجُرْجانيّ (373)، أو (374) هـ. روى عنهما معًا الحافظ أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيليُّ (392) هـ. قال أبو علي الجَيّانيّ: وكان سماع أبي محمد الأَصيليِّ وأبي الحَسَن بن القابسي على أبي زَيْدٍ المَرْوَزيّ واحدًا بمكة سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة. ثم سَمعه بعد ذلك أبو محمد ببغداد على أبي زيد المَرْوَزيّ في سنة تسع وخمسين وثلاثمائة. (¬1). وهما عمدته في سنده إلى «الجامع الصحيح»، وهما شيخاه في البُخارِيّ، وقد رافق الأصيلي في رحلته هذه أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني الضرير القابسي، (403) هـ، غير أن هذا إنما روي عن أبي زيد المَرْوَزيّ، وكان الأصيلي هو الذي ضبط له سماعه على هذا الأخير لـ «الجامع الصحيح». وقد كان القابسي أول من أدخل «صحيح البُخارِيّ» إلى إفريقيا (¬2)، كما يعتبر الأصيلي أول من رُوي عنه نفس الكتاب من طرق بعض المغاربة، حيث رواه عنه وعن القابسي أبو عمران الفاسي: موسى بن عيسى بن أبي حاج الغفجومي، نزيل القيروان، والمتوفى بها عام (430) هـ. ومن جهة أبي عمران الفاسي يتصل عِياض بالقابسي (¬3)، ومن جهته ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 1/ 63. (¬2) كما ذكر ذلك محمد محمد مخلوف في كتابه «شجرة النور الزكية في طبقات المالكية» ص: 97 (230) في ترجمة القابسي. (¬3) «مشارق الأنوار» 1/ 38، و «الغنية» ص: 103 - 105

أيضا يتصل ابن عطية بالأصيلي (¬1). وكان من كبار أصحاب الأصيلي بالأندلس المهلب بن أبي صفرة أبو القاسم بن أحمد بن أسيد التميمي المري، (435) هـ، قال عنه أبو الأصبغ بن سهل القاضي: وبأبي القاسم - يعني: المهلب - حيا كتاب البُخارِيّ بالأندلس؛ لأنه قرئ عليه تفقها أيام حياته، وشرحه واختصره (¬2). وبعد الأصيلي والقابسي يذكر أبو علي الجَيّانيّ راويًّا أندلسيًّا عن أبي زيد المَرْوَزيّ، وهو عبدوس بن محمد الطليطلي، (390) هـ (¬3). ويوجد في مكتبات الأندلس من رِواية الأصيلي نسختان: الأولى: قطعة تشتمل على أوراق من السفرين الرابع والخامس بخزانة ابن يوسف بمراكش رقم (301) بخط أندلسي كتبه لنفسه علي بن غالب بن محمد بن خزمون الكلبي وفرغ منه في سنة (535) هـ بمدينة باغة من الأندلس، وانتسخه من أصل قوبل بأصل أبي عبد الله بن عتاب، الذي نقله بخطه من نسخة الأصيلي. الثانية: وتشتمل على السفر الأخير من «الصحيح» ابتداء من أواخر كتاب الأدب، وانتسخه لنفسه محمد بن عبد الله بن أحمد بن القاضي لنفسه، من كتاب قوبل على كتاب الأصيلي، وهو محفوظ بخزانة المعهد الأصيل بتارودانت (¬4). ¬

(¬1) «فهرس ابن عطية» ص: 5. (¬2) ينظر: «جمهرة تراجم الفقهاء المالكية» 3/ 1276 (1290) ترجمة المهلب. (¬3) حيث يقول: وكذلك عارضت مواضع إشكاله بأصل عبدوس بن محمد الذي بخطه أيضا، وروايته فيه عن المروزي. «تقييد المهمل» 1/ 67. ونقله عنه القاضي عياض في «المشارق» 1/ 38. (¬4) ينظر «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية».

رابعًا: رِواية أبي علي إسماعيل بن محمد بن أحمد بن حاجب الكُشّانيّ (391) هـ وهو آخرُ مَنْ حَدَّثَ بالصحيح عن الفَرَبْريّ وحقه التأخير وإنما قدمته لارتباط الثلاثة الآتين ببعض. وهذه الرِّواية رواها القاضي عِياض عن شيخه أبي علي الصَّدفي، عن أبي الحسن ابن أيوب البزار، عن أبي عبد الله الحسين بن محمد الخلال عن الكُشّانيّ (¬1). خامسًا: رِواية الإمام المحدث أبي إسحاق، المُسْتَمْلِيّ (376) هـ. سادسًا: رِواية الإمام المحدث أبي محمد، الحَمُّوييّ السَّرْخَسي (381) هـ. سابعًا: رِواية المحدث الثقة، أبي الهَيْثَم، الكُشْمِيهَني (389) هـ. ومن الرُّواة عن الأخير: كريمة بنت أحمد بن محمد المَرْوَزيّة، (463) هـ، وقد روى «الصحيح» عنها في الغرب الإسلامي: - الشيخ أبو الأصبغ بن عيسى بن أبي البحر الزهري، والخطيب أبو القاسم خلف بن إبراهيم المقرئ. - أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري الشارفي الأندلسي، نزل فاس، المتوفى قريبًا من عام (500) هـ، ويقول عنه عِياض: وله رحلة حج فيها وسمع من كريمة كتاب البُخارِيّ. كما رواه عنها مكاتبه أبو علي الجَيّانيّ حسين بن محمد بن أحمد الغساني القرطبي، (498) هـ (¬2). وبعد كريمة ننتقل إلى رِواية أبي ذر: عبد بن أحمد الأنصاري الخزرجي الهَرَويّ ثم المكي، (434) هـ. ¬

(¬1) «الغنية» ص: 105. (¬2) ينظر: «المشارق» 1/ 36 - 39 و «الغنية» ص: 103 - 105

وأبو ذر يروي عن الشيوخ الثلاثة: (المُسْتَمْلِيّ، والسَّرْخَسي، والكُشْمِيهَني)، وقد صارت روايته بعد ذلك أشهر الروايات المعتمدة. قال ابن حجر: أتقن الروايات عندنا هي رِواية أبي ذر عن مشايخه الثلاثة؛ لضبطه لها، وتمييزه لاختلاف سياقها (¬1). وعن انتشار روايته يقول عِياض: وسمع منه عالم لا يحصى من أهل الأقطار من شيوخ شيوخنا .. وآخر من حدث عنه بالإجازة: أحمد بن محمد الإشبيلي بعد الخمسمائة (¬2). ورِواية أبي ذر هذه اشتهرت اشتهارا واسعًا في بلاد المغرب كما اشتهرت في بلاد المشرق. يقول ابن رشيد (721) هـ في كتابه «إفادة النصيح» (¬3) في الكلام على أشهر الروايات في بلاد المغرب عن أبي ذر الهَرَويّ: وسمعه عليه من الأندلسيين العدد الكثير، ومن أشهر الطرق المعروفة إليه اليوم بالمغرب التي اعتمدها الرُّواة رِواية القاضي أبي الوليد الباجي عنه، وأبي العباس العذري، وأبي عبد الله بن شريح المقري، وأبي عبد الله بن منظور القيسي. اهـ. والرُواة عن أبي ذر من أهل المغرب كثيرون، وأخص بالذكر منهم الذين اشتهرت رواياتهم وهم: أولًا: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن منظور القيسي الإشبيلي، (469) هـ. رواها عنه: 1 - ابن خير الإشبيلي وقال: وقال ابن منظور: سمعته عليه في ¬

(¬1) «فتح الباري» 1/ 7. (¬2) «جمهرة تراجم الفقهاء المالكية» 2/ 601 (524) نقلا عن «المدارك» (¬3) ص: 45.

المسجد الحرام، عند باب الندوة سنة (431) هـ، وقرئ عليه مرة ثانية وأنا أسمع، والشيخ أبو ذر ينظر في أصله، وأنا أصلح في كتابي هذا، في المسجد الحرام عند باب الندوة في شوال من سنة (431) هـ (¬1). 2 - ابن رشيد السبتي كما في «إفادة النصيح» (¬2). ثانيًا: أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (474) هـ. ورواه عنه أبو علي الصَّدفي، ومن طريقه اشتهرت هذه الرِّواية وسبق الحديث عن هذه الرِّواية بالتفصيل في النسخ الموجودة من رواية أبي ذر. وممن رواه عن أبي علي الصَّدفي من الأعلام: 1 - القاضي عِياض (544) هـ وعن القاضي عِياض روى كثير من الأعلام منهم أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي (576) هـ الذي روى من طريقه رِواية القاضي عِياض، شرفُ الدين اليُونِينِيّ (701) هـ صاحب «اليُونِينيّة» كما جاء ذلك في مقدمته التي كتبها، التي سبق وذكرها كاملة عند الحديث عن نسخته. وقد استوفيت ترجمته في أثناء الكلام عن كتابه: «مشارق الأنوار». وقد نص على روايته هذه في «المشارق» (¬3)، و «الغنية» (¬4). 2 - صهره أبو عمران موسى بن سعادة. وسيأتي الحديث عنه وعن نسخته في مبحث مستقل. ثالثًا: ابن شريح محمد بن شريح بن أحمد الرعيني الإشبيلي، (476) هـ. ¬

(¬1) «الفهرسة» ص: 94. (¬2) ص: 46. (¬3) ص: 9. (¬4) ص: 105.

رواها عنه: 1 - ابن خير الإشبيلي (¬1) وقال: قال محمد بن شريح: سمعته عليه في المسجد الحرام عند باب الندوة سنة 403 هـ. 2 - ابن رشيد السبتي في «إفادة النصيح» (¬2). رابعًا: أحمد بن عمر بن أنس العذري المري، (478) هـ رواها عنه أبو علي الجَيّانيّ في «تقييد المهمل» (¬3) وعنه القاضي عِياض كما في «الغنية» (¬4). خامسًا: ابن الغرديس: بكار بن برهون بن عيسى التغلبي الفاسي ثم السجلماسي، كان بقيد الحياة عام (492) هـ من الرُّواة المغاربة عن أبي ذر، يقول عنه ابن الأبار: وكان قد حج قديمًا، وسمع «صحيح البُخارِيّ» من أبي ذر الهَرَويّ، وعمر طويلًا حتى انفرد بروايته، يقال: إنه بلغ المائة أو أربى عليها، وبيته شهير بمدينة فاس، ونزل هو سجلماسة (¬5). سادسًا: كما عرفت في بلاد المغرب رِواية أبي ذر من رِواية ابنه أبي مكتوم عيسى وأول من جاء بها ميمون بن ياسين الصنهاجي من أمراء المرابطين (¬6). ¬

(¬1) «الفهرسة» ص: 94 (¬2) ص: 51. (¬3) 1/ 61. (¬4) ص: 104. (¬5) «المعجم في أصحاب أبي علي الصَّدفي» أثناء ترجمة أبي القاسم ابن أبي الورد رقم 17 ص: 22. (¬6) «الوجيز في المجيز والمجاز» ص: 124 - 125. وينظر «السير» 17/ 561 ترجمة أبي ذر الهروي وينظر «السير» أيضًا 19/ 172 ترجمة ابن أبي ذر.

المبحث الثاني: نسخة أبي علي الصدفي (454 - 514) هـ

المبحث الثاني: نسخة أبي علي الصَّدفي (454 - 514) هـ (¬1) تمهيد: يعتبر الإمام الصَّدفي علمًا من أعلام رواة الحديث وحفاظه في العصور الأولى للإسلام، فإنك لا تكاد تجد مؤلفًا أو مؤرخًا أرخ أو ألف بعد وفاته إلا وقد نال حظًّا من ذكر أخباره وتراجمه. ولعل أشمل تعريف وأوفاه بالحافظ أبي علي الصَّدفي هو ما قام به عَلَمان عظيمان من أعلام التاريخ والحديث، وهذان العَلَمان هما: القاضي عِياض المتوفى سنة (544 هـ)، الذي خصه بكتابه «المعجم» ضَمَّنه أخباره وأخبار شيوخه الذين بلغوا نحوًا من مائتي شيخ (¬2). والآخر هو المحدِّث العلامة محمد بن عبد الله أبي بكر القضاعي، المعروف بابن الأبار المتوفى سنة (658 هـ)، حيث خصه بنوع آخر يكمل عمل القاضي عِياض، تناول فيه ذكر تلامذة الحافظ الصَّدفي. ويتضح من صنيع هذين الإمامين تلك المكانة العالية التي كان يتبوأ بها أبو علي الصَّدفي. وإذا كانت الأقدار لم تُوفِّق العلماء إلى العثور على معجم القاضي عِياض - حيث قد عُني به كثير منهم وتقفوا آثاره، ولكن لم يعرف له ذكر حتى الآن - فإنها لحسن الحظ قد وضعت بين أيدينا المعجم الحافل الذي عني بجمعه ابن الأبار حيث خرج للنور (¬3). ¬

(¬1) سأتكلم بالتفصيل عن هذه النسخة نظرًا لأهميتها وتفرع كثير من نسخ بلاد المغرب عنها فشهرتها في بلاد المغرب شهرة نسخة اليُونِينِيّ عند المشارقة. (¬2) كما ذكر الكتاني في كتابه «فهرس الفهارس» 2/ 705. (¬3) وقد طبع في مدريد سنة 1885 م، وقد اعتمدت فيه على طبعة دار الكتاب العربي بالقاهرة، المطبوعة سنة 1387 هـ / 1968 م.

وقد ذكر فيه ابن الأبار ثلاثمائة وخمس عشرة شخصية من كبار المحدثين وغيرهم في مختلف الفنون، كلهم تتلمذوا على يد أبي علي الصَّدفي. وهذا المعجم يكفي في إبراز المكانة العلمية التي تميز بها هذا الإمام، ومع ذلك فإنه لمن المفيد أن نتلمس أهم أخبار هذا الإمام من خلال بعض المصادر التي ترجمت له، وبخاصة كتاب «الغنية» للقاضي عِياض. اسمه ونسبه (¬1): هو القاضي الحافظ أبو علي الحسين بن محمد بن فيرة بن حيون الصَّدفي، المعروف بابن سُكّرة. أصله من سرقسطة من قرية على أربعة أميال منها، كانت تعرف بمنزل محمود بالثغر الأعلى، وكانت ولادته بها سنة أربع وخمسين وأربعمائة. نشأته: نشأ أبو علي في بلدته التي ولد بها، فأخذ عن شيوخها، ودرس على مقرئيها، وسمع من أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، وابن الصواف، وغيرهم. ¬

(¬1) ينظر ترجمته في «الصلة» لابن بشكوال 1/ 144 - 146، و «الغنية» للقاضي عياض ص: 192 - 201، و «الفهرسة» لابن خير الإشبيلي (477، 497، 511)، و «تاريخ الإسلام» 35/ 367 (70)، و «سير أعلام النبلاء» 19/ 376 (218)، و «تذكرة الحفاظ» 4/ 1253 - 1255، و «المعين في طبقات المحدثين» ص: 150 (1633)، و «الوافي بالوفيات» 13/ 43 - 44 (41)، و «مرآة الجنان» 3/ 210، و «الديباج المذهب» 1/ 330 - 332، و «غاية النهاية» 1/ 250 - 251، و «طبقات الحفاظ» (455)، و «نفح الطيب» للمقري 2/ 90 - 93، و «شذرات الذهب» 4/ 43، و «شجرة النور الزكية» 1/ 128 - 129، و «الرسالة المستطرفة» (165)، و «الأعلام» 2/ 255، «معجم المؤلفين» 1/ 641 (4837).

ودرس في بلنسية تحت إشراف أبي العباس العذري، ثم سمع بالمرية من أبي عبد الله محمد بن سعدون القروي وأبي عبد الله بن المرابط وغيرهما. وقد رحل إلى بلاد المشرق أول المحرم من سنة إحدى وثمانين وأربعمائة. التقى بمصر بأبي إسحاق الحبال مسند مصر الذي أعطاه إجازة، والقاضي أبي الحسن علي بن الحسين الخلعي، وأبي العباس أحمد بن إبراهيم الرازي وغيرهم. كما التقى بالإسكندرية بأبي القاسم مهدي بن يوسف الوراق وغيره. والتقى بمكة بأبي عبد الله الحسين بن علي الطبري إمام الحرمين، وأبي بكر الطرطوشي وغيرهم، وبالبصرة بأبي القاسم بن شعبة، وأبي يعلى المالكي، وأبي العباس الجُرْجانيّ، وسمع بواسط من أبي المعالي محمد بن عبد السلام الأصبهاني وغيره. ودخل بغداد في السادس عشر من جمادى الآخرة لسنة اثنتين وثمانين وأربعمائة فمكث بها خمس سنين كاملة، وسمع من عدد من محدثيها، منهم: أبو الحسن الطيوري وأبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون مسند بغداد، والإمام أبو بكر الشاشي وغيرهم، ودخل الشام فسمع بها من الشيخ أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، وأبي الفرج سهل بن بشر الإسفراييني وغيرهما. وبعد هذه الرحلة الطويلة التي مر فيها بكل هذه البلاد المشرقية عاد إلى بلاد الأندلس، وذلك في سنة تسعين وأربعمائة، ورحل إليه الناس من كل مكان وكثر الآخذون عنه. ثم ارتحل بعد ذلك إلى مدينة سبتة مرتين، فأخذ عنه إذ ذاك جماعة

من المشايخ والأصحاب كان منهم القاضي عِياض رحمه الله تعالى. واستوطن بعد ذلك مدينة مرسية وسمع منه جمهور كبير من الناس إذ ذاك؛ منهم من كان من عداد مشايخه الذين أخذ عنهم، وذلك لتمكنه في الحديث والرجال بعد رحلته المشرقية. وقد وُلِّيَ القضاء في مدينة مرسية سنة خمس وخمسمائة أيام حكم أمير المؤمنين علي بن يوسف بن تاشفين، فحُمدت سيرته إلى أن استعفى فلم يُعفَ. وهنا اختفى عن الأنظار عددًا من الشهور إلى أن قُبِل طلبُه بمساعدة عبد الله اللخمي سنة ثمان وخمسمائة، وطلب بعد ذلك لقضاء إشبيلية وامتنع، ولم يخرج إليها حتى عُوفي. ومن الجدير بالذكر أن أبا علي الصَّدفي كان يتمتع بمكانة كبيرة لدى دولة المرابطين، وقد كان شيخًا لأبي إسحاق إبراهيم بن يوسف بن تاشفين، وقد كان واليًا على مرسية من قبل أخيه أبي الحسن علي بن يوسف أمير المغرب (¬1). وقد خرج رحمه الله تعالى للغزو سنة أربع عشرة وخمسمائة مع الأمير أبي إسحاق إبراهيم بن يوسف بن تاشفين، وحضر يوم قُتُندَة بالثغر الأعلى يوم الخميس لست بقين في ربيع الآخر في تلك السنة، فكان فيمن فُقد رحمه الله تعالى، وختم له بالشهادة، وكان يومئذٍ ابن الستين. ولقد كان القاضي أبو علي علما من أعلام المعرفة في زمانه، وفضله على الثقافة العربية في بلاد الأندلس والديار المغربية أمر لا يقبل المناقشة، حتى إنك تجد أن جل الأعلام الذين تخرجوا بعده من بلاد الأندلس كان ¬

(¬1) «المعجم لابن الأبار» ص: 54، 55 (40).

له عليهم فضل من التلمذة على يديه أو الاستفادة من تلاميذه الذين ربّاهم على يديه. قال أبو علي الصَّدفي لبعض الفقهاء: خذ «الصحيح» فأذكر أي متن أردت تدقيقه أذكر لك سنده، وأي سند أردت أذكر لك متنه. وكان مما يتميز به رحمه الله أنه مع كثرة مشاغله ووفرة أعماله يعتمد على خط يده هو في كتابة العلم الكثير، وفي كتابة الإجازات العلمية لطلبته التي كان منها ما زكى به نسخة البُخارِيّ التي احتفظ بها ابن سعادة، التي كانت خزانة القرويين تحتضنها، ونسخة الترمذي لأبي الفضل مبارك التي كانت بخزانة الجامع الأعظم بمدينة تازة (¬1). نسخة أبي علي الصَّدفي من «الصحيح». لقد كان مما حرره أبو علي الصَّدفي بخطه الجميل جيد الضبط صحيح الإمام البُخارِيّ في سفر واحد. وأبو علي يروي «الصحيح» في نسخته هذه عن شيخه أبي الوليد الباجي عن أبي ذر عن شيوخه الثلاثة، عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ. وكان يعتني بها، وبها كان يسترشد سائر تلامذته، وكانت أول ما يطلبه السامعون على يد أبي علي. وقد ظل الناس يعتقدون فقدانها فيما فقد مع ضياع بلاد الأندلس، وأصبح العلماء يعتبرون الكلام عليها من قبيل الوصف المنقول عن بعض من اطلع عليها، ولا يكاد يأتي ذكر أبي علي الصَّدفي إلا ويتمنى المشتغلون بالحديث الوقوف على هذه النسخة، وخاصة المغاربة الذين يعدون روايته أولى بالاعتناء. ¬

(¬1) «فهرس الفهارس» 2/ 110 - 130.

ولقد عثر المتأخرون بطرابلس الغرب عام 1211 هـ على أصل عظيم من «الصحيح» بخط الحافظ الصَّدفي وقد أسهبوا في وصفه ونعته، وها أنا ذا أنقل النصوص التي وردت فيما يتعلق بذلك، ثم اتبعه بتعليق إن شاء الله تعالى. منها ما جاء عن الحافظ العلامة أبي عبد الله محمد بن عبد السلام الناصري الدرعي المتوفى سنة 1239 هـ، بمناسبة رحلته الثانية عام 1211 هـ إلى البقاع المقدسة المسماة الرحلة الصغرى، واجتماعه في ليبيا بالعلامة الشيخ أحمد بو طبل قال ما نصه: "ومن الكنوز التي وقفت عليها بيد أبي الطبل المذكور نسخة من صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البُخارِيّ في مجلد بخط الحافظ أبي علي الصَّدفي شيخ القاضي عِياض، قال: إنه اشتراها بثمن بخس - في عدة كتب بمدينة إسطنبول - وراودته على بيعها عازمًا على إعطائه مائة دينار ذهبا فيها، فامتنع، ويأبى الله إلا ما أراد، وما هي إلا مضيعة بهذه البلدة، وقد كانت تداولتها الأيدي بالأندلس ومصر في سالف القرون، وعليها من سماعات العلماء - عِياض ممن دونه إلى الحافظ ابن حجر - العجب، وكتب عليها الحافظ السخاوي ما نصه: هي الأصل الذي يعتمد عليه ويرجع عند الاختلاف إليه. ولقد اعتمد عليها شيخنا الحافظ أبو الفضل بن حجر حالة شرحه لـ «الجامع» الذي سماه «فتح الباري» (¬1). وعليها أيضا ما نصه: لكاتبه ابن العطار في الشيخ الإمام الحافظ أبي علي حسين بن محمد بن عيسى الصَّدفي كاتب هذا البُخارِيّ، وهو شيخ القاضي عِياض صاحب كتاب «الشفاء» رضي الله عنهم: ¬

(¬1) سيأتي فيما بعد ما يدل على نقل ابن حجر منها.

قد دام بالصَّدفي العلم منتشرًا مبتشرا ... وجل قدر عِياض الطاهر السلف السلف ولا عجيب إذا أبدى لنا دررًا ... ما الدر مظهره إلا من الصدف قال ابن العطار: وقلت أيضا في سيدنا ومولانا قاضي القضاة برهان الدين ابن جماعة الكناني الشافعي أدام الله أيامه وأعز أحكامه، وقد حملت له هذه النسخة لمجلسه بالصالحية في العشر الأول من رجب الفرد سنة اثنتين وثمانمائة فنظر فيها وقال: لو كتبت نسخة واضحة بخط حسن، وقوبلت على هذه لكانت أحسن، فإن كاتبها رجل جليل القدر رضي الله عنه: رأى البُخارِيّ بخط الحافظ الصَّدفي ... قاضي القضاة إمام النبل والسلف جمال واسطة العقد الثمين له ... ولا عجيب بميل الدر للصدف وقال: مقيد الرحلة سامحه الله: وقد قلت في ذلك وإن لم أكن هنالك: هذا سماع الإمام الحافظ الصَّدفي ... بخطه وعليه رونق الصدف تداولته يد الحفاظ من خلف ... عن سالف فرماه الدهر بالتلف وموجب قول ابن جماعة ما ذكر من أن خط الصَّدفي أندلسي، دقيق غير منقوط، إلا أنه يشكل المشكل على عادته وعادة بعض الكتاب، نعم عليها تصحيحات واختلاف الروايات ورموز وتخريجات لا ينتفع بها إلا الماهر في الفن المتدرب على الروايات. انتهى بلفظه ومن خطه المبارك (¬1). وبعد تسجيل هذا الحديث عن مخطوطة الصَّدفي في رحلته الصغرى يعود ابن عبد السلام الناصري إلى الحديث عنها في كتابه المسمى بـ «كتاب ¬

(¬1) «فهرس الفهارس» 2/ 708.

المزايا فيما حدث من البدع بأم الزوايا» عند ذكره للبدعة الثالثة عشرة. وفي هذا النص يفيد الشيخ الناصري بعد وصفه لهذه المخطوطة بمثل ما ذكره في رحلته الصغرى أن الغيرة حملته على ألاَّ يسمح بترك هذا الأثر العظيم الذي يعرف هو قيمته ضائعا في طرابلس، فأخبر بوجوده السلطان المولى سليمان عاهل المملكة المغربية آنذاك المعروف بهوايته لنوادر المخطوطات، فيقول كما نقله عنه الكتاني في «فهرس الفهارس»: ولقد بذلت لمن اشتراه بثمن تافه - في عدة كتب - من أهل طرابلس المغرب من إسطنبول صرة ذهب فأبى بيعه، وبقي ضائعًا في ذلك القطر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم حملتني الغيرة والمحبة على أن أبلغت خبره لإمامنا المنصور أبي الربيع سيدنا سليمان بن محمد أدام الله ملكه وأنجح أمره، فوجه إليه - حسبما شافهني به - ألف مثقال أو ريال - الشك مني - فأجابه من هو بيده: أنه يقدم به لحضرته، وما منعه إلا فتنة الترك فيما بين تونس والجزائر، ثم لما طال الأمر أعاد الكتب بذلك، وإلى الآن لم يظفره الله به، ولقد داعبته ذات مرة قائلا على سماع الصَّدفي المذكور: وماذا لمبلغ هذه الخصلة؟ فوعدني - ووعد الملوك تحقيق - أنه إن ظفر به جرد منه فرعًا، وأعطاني أحدهما على اختياري. اهـ. وممن أفاض في وصف هذه النسخة الفقيه المدرس أبو العباس أحمد بن محمد ابن أحمد بن محمد بن الشيخ أبي محمد عبد القادر الفاسي في رحلته الحجازية الواقعة عام 1211، قال: لطيفة: وقفت بمحروسة طرابلس على نسخة من البُخارِيّ في سفر واحد في نحو من ست عشرة كراسة، وفي كل ورقة خمسون سطرًا من كل جهة، وكلها مكتوبة بالسواد لا حمرة بها أصلا، وهي مبتدأة بما نصه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه، كيف كان

بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وعند تمام كل حديث صورة. (اهـ). ولا نقط بها إلا ما قل، وبآخرها عند التمام ما صورته: آخر «الجامع الصحيح» الذي صنفه أبو عبد الله البُخارِيّ رحمه الله والحمد لله على ما منَّ به، وإياه أسأل أن ينفع به. وكتبه حسين بن محمد الصَّدفي من نسخة بخط محمد بن علي بن محمود مقروءة على أبي ذر رحمه الله وعليها خطه. وكان الفراغ من نسخه يوم الجمعة 21 محرم عام ثمانية وخمسمائة، والحمد لله كثيرا كما هو أهله، وصلواته على محمد نبيه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا أثيرًا. وعلى ظهرها: كتاب «الجامع الصحيح» من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه، تصنيف أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البُخارِيّ رضي الله عنه رِواية أبي عبد الله محمد ابن يوسف الفَرَبْريّ عنه رحمه الله، لحسين بن محمد الصَّدفي. أوقفني على هذه النسخة المباركة محبنا الفقيه الناسك ذو الأخلاق الحسنة سيدي الحاج أحمد بوطبل، وذكر لي - حفظه الله - أنه اشتراها من إسطنبول، وحيث اشتراها اجتمع علماؤها وقالوا له: أخليتَ إسطنبول. ثم قال: وعليها إجازة الصَّدفي للقاضي عِياض في جملة الفقهاء بسماعهم له في المسجد الجامع بمرسية. وعلى ظهرها أيضا: هذه النسخة جميعها بخط الإمام أبي علي الحسين بن محمد الصَّدفي شيخ القاضي عِياض، وهي أصل سماع القاضي عليه كما ترى في الطبقة المقابلة لهذه، وهي الأصل الذي يعتمد عليه ويرجع عند الاختلاف إليه،

وقد اعتمد عليها شيخنا الحافظ ابن حجر حالة شرحه «الجامع» الذي سماه «فتح الباري» اهـ كلام الرحلة الفاسية (¬1). هكذا جاء وصف هذه النسخة لأبي علي الصَّدفي، وأنها بخطه نقلها من نسخة بخط محمد بن علي بن محمود، بينما توجد نسخة محفوظة بالمكتبة الحسنية رقم (5053) وهي في مجلد ضخم بخط أندلسي دقيق مدموج مليح، مكتوب بالمداد الباهت مع تلوين - عند الاقتضاء - بالأحمر والأزرق والذهب المصور بالمداد على ورق متين عتيق. ودون تحديد مكان الانتساخ جاء في آخر المخطوط: في الرابع من جمادى الثانية عام خمسة وعشرين وثمانمائة. وفي هامش هذا الموضع وردت فقرة هكذا: بلغت المقابلة على جهد الاستطاعة، والحمد لله، وصلى الله على سيدنا محمد. من نسخة الصَّدفي بخطه التي نسخ من نسخة القاضي الباجي بخطه، وعلى الأول ... خطوط الشيوخ نحو خمسين .. وأسفل فقرة تاريخ الانتساخ يقع إطار مربع مزخرف، غير أن كتابة داخله انقطع موضعها بالمرة (¬2). وبملاحظة فقرة المقابلة الآنفة الذكر يتبين لنا أن الأصل الذي وقعت المعارضة به هو بخط الصَّدفي نفسه نقله - بدوره - من نسخة بخط أبي الوليد الباجي. بينما الأصل الذي سبق ذكره يفيد أنه نقله بخطه من نسخة بخط محمد بن على ابن محمود. ¬

(¬1) «فهرس الفهارس» 2/ 708. (¬2) «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات العربية» ص: 137 - 138.

وهكذا يتبين أن الصَّدفي كتب بخطه من «صحيح البُخارِيّ» نسختين كانتا معًا معروفتين، إحداهما من أصل الباجي والأخرى من أصل محمد بن علي بن محمود، غير أن التي اشتهرت الثانية، ولاسيما بعد انتقالها إلى طرابلس بليبيا، بينما استمرت الأولى مجهولة حتى كشفت عنها نسخة المكتبة الحسنية المتفرعة عنها دون أن نعرف عن أصل الصَّدفي الأول أية معلومات أخرى ونجهل مصيره بالمرة. وعلى كلٍّ تم استقرار النسخة المكتوبة من خط محمد بن علي بن محمود في طرابلس، وهكذا كانت طريقة الإتيان بها من إسطنبول إلى طرابلس، ويبقى الإجابة على سؤال وهو: كيف انتقلت هذه النسخة من بلاد الأندلس إلى إسطنبول عاصمة العثمانيين؟ يبدو أن انتقال هذا الأصل من الأندلس إلى بلاد المغرب ثم إلى العاصمة التركية، شأنه شأن كثير من المخطوطات التي حملت إلى العاصمة، سواء بطريق الفداء أو طريق المجاملة. فلقد ظل همُّ الملوك المغاربة مركزًا على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ذلك التراث الذي وقع بأيدي القشتاليين. على أن هناك مسلكًا آخر يمكن أن يكون الكتاب أخذه في الالتحاق بالمغرب، هو الطريق العائلي؛ حيث توجد بفاس منذ القرن السادس الهجري أسرة تحمل اسم: ابن حيون الصَّدفي، وقد اشتهرت من بينهم شخصية كبيرة هو أبو مروان عبد الملك ابن حيون (ت559 هـ) كما عرف منهم القاضي الحيوني (ت687 هـ) قاضي فاس المشرف على القرويين. وقد اشتهر ابن حيون بالأعمال الإحسانية الكثيرة وبأياديه الكبرى على جامع القرويين، ومن المعقول جدا أن تكون المخطوطة قد صارت إلى خديجة أو فاطمة بنت الشيخ أبي علي الصَّدفي، لاسيما وقد كانت على

جانب كبير من الاعتزاز بتراث أبيها، وربما بكون الكتاب قد انتقل لفاس بواسطة أحد السادة الذين لهم صلة بالسيدة الصالحة كابنها مثلا. ومن فاس انتقلت بعد ذلك إلى إسطنبول عن طريق وفادة علمية أو سفارة سياسية؛ فقد كان هناك جسر يربط بين المغرب وبين الأستانة، وبخاصة أيام السعديين. ولهذا فمن المحتمل أن ينقل الكتاب للعثمانيين بطريق ما من الطرق. ونعود مرة أخرى إلى طرابلس حيث الإفادات التي سبق نقلها عن الناصري والفاسي، والتي تدل على استقرار المخطوطة حتى عام 1211 هـ في طرابلس، حيث البذل الذي أعطاه السلطان المولى سليمان إلى الشيخ أبي العباس أحمد بوطبل. وينقل عبد الحي الكتاني المتوفى سنة 1388 هـ عن بعض طلبته أنه التقى بالشيخ أحمد الشريف بن محمد الشريف السنوسي، المتوفى 1351 هـ، وصحبه، وأعلمه أن الأصل المذكور بخط الصَّدفي موجود في كتب السيد الإمام أبي عبد الله محمد بن علي المعروف في مسقط رأسه بابن السنوسي شيخ الطريقة السنوسية المتوفى سنة 1276 هـ. ثم يقول عبد الحي الكتاني: ثم كتبت له أسأله عن ذاك - أي: أحمد الشريف - فأجابني بما نصه: نسخة البُخارِيّ التي بخط الصَّدفي عندي في الكتب التي بجغبوب يحفظها الله. اهـ (¬1). ويذكر الدكتور عبد الهادي التازي أنه ذهب إلى ليبيا ممثلًا لبلاده، وذلك في صيف سنة 1976 م، وفي حديث مع الملك الإدريسي بن المهدي بمدينة طبرق تكرر الحديث حول مخطوط الحافظ الصَّدفي، ¬

(¬1) «فهرس الفهارس» 2/ 709.

ويذكر أنه زار واحة الجغبوب، وذلك في 22 أبريل 1968 م، بعد البحث عنها في العاصمة. وبعد البحث عنها ساعات كثيرة وأيام متعددة، وبعد سؤال كثير طلب الوقوف على أوراق توجد في درج سير المكتبة، فوقف على إيصال استعارة للمخطوط في 18 سبتمبر سنة 1956 م بمناسبة الذكرى المائة لوفاة ابن السنوسي؛ حيث دعي كثير من العلماء والوجهاء، وكان منهم الشيخ الفاضل ابن عاشور، حيث كان بصدد تأليف في الحديث الشريف. وهذا الإيصال يفيد استعارة الشيخ ابن عاشور المخطوط من مكتبة الأوقاف لبنغازي، وكانت تحمل رقم 2159 لتبقى في خزانة المكتبة العبدلية بجامع الزيتونة الأعظم؛ لتصحح عليها نسخة «الصحيح» ثم توجه إلى مقرها الأصلي. فذهب الدكتور التازي وأحضر المخطوط وعاد به إلى الدار البيضاء حيث الملك الإدريسي بعد أن عبر عن فرحته بالحصول على هذا المخطوط الذي كان مطمح الملوك والأمراء، وذلك أن المغرب يعد جديرًا بهذا المخطوط، وأنه وحده الذي يستحق شرف امتلاكه، ورغب من الدكتور التازي أن يقوم بنشره وتصويره على غرار ما فعل لافي بروفنسال في نسخة ابن سعادة، إلا أن الله لم يقدر ذلك حتى الآن. وختم مقالته هذه بأن المخطوط مازال بطبرق محل إقامة الملك (¬1). ¬

(¬1) ومن مظاهر الاهتمام برحلة هذا المخطوط التي تكاد لا تتكرر لأي مخطوط آخر بكل هذه التفاصيل كتابة هذه الرحلة والتنقلات التي مر بها هذا الأثر، وقد كتب غير واحد عن هذه الرحلة، ومنهم: عبد الحي الكتاني في رسالته المشهورة التي طبعت ونشرت كمقدمة لنسخة ابن سعادة، والتي تسمى «التنويه والإشادة بمقام رِوَاية ابن سعادة»، كما كتب عنها في «فهرس الفهارس» في ترجمة أبي علي الصَّدفي. كما كتب في التعريف بها وبأصلها الباقي في ليبيا الشيخ محمد الطاهر بن عاشور مفتي الجمهورية التونسية على ما جاء في رسالة «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية من خلال رواته الأولين» للأستاذ محمد المنوني، وذكر أنها نشرت في أخبار التراث العربي، العدد 22 ص: 5 - 8. كما كتب عن هذا المخطوط دراسة قيمة استفدتُ منها كثيرا الدكتور عبد الهادي التازي بعنوان: «صحيح الإمام البُخَارِيّ بخط الحافظ الصَّدفي» وهي منشورة بمجلة معهد المخطوطات العربية العدد التاسع عشر الجزء الأول، وأفاد الأستاذ محمد المنوني أن هذه الدراسة في مجلة دعوة الحق العدد الثامن السنة الخامسة عشرة ص: 18 - 24. وينظر أيضا: مقالة للأستاذ محمد المنوني: «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية» وهي ضمن مجموعة مقالات عن «صحيح البُخَارِيّ» ص: 137 - 139.

وعن أصل أبي علي الصَّدفي تفرعت نسخ كثيرة: منها من النسخ الموجودة، والتي ترجع إلى أصل أبي علي الصَّدفي نسخة موجودة بخزانة القرويين، وهي نسخة عشرينية مسجلة تحت رقم (956) وقع محو في تحديد تاريخ نسخها ومقابلتها، وهي نسخة عتيقة مقابلة على أصل أبي علي الصَّدفي وعلى أصل بخط أبي علي الغساني، وقد قرئت على الشيخ أبي عبد الله القصار. وقيمة هذه النسخة ترجع إلى كونها مقابلة على أصلين عتيقين: أصل الصَّدفي من جهة، وأصل أبي علي الغساني من جهة أخرى (¬1). ومن النسخ الموجودة والتي ترجع إلى أصل أبي علي الصَّدفي: نسخة للقاضي عِياض عن أبي على الصَّدفي، وقد كانت معروفة بالمغرب خلال ¬

(¬1) مخطوطات «صحيح البُخَارِيّ» بخزانه القرويين ص: 169.

النصف الثاني من القرن الثاني عشر، حيث وقف عليها عبد السلام بن الخياط القاوري الفاسي لدى أستاذه الشارفي المحدث أبي العلاء إدريس بن محمد بن حمدون الحسيني الفاسي المتوفى بها عام 1183 هـ، كما نقله في «التحفة القادرية» وعنه الكتاني في «فهرس الفهارس» (¬1). وعن القاضي عِياض انتشرت نسخًا أخرى، ومن الجدير بالذكر أن إحدى روايات اليُونِينِيّ في نسخته الشهيرة، عن طريق أبي طاهر السلفي، عن القاضي عِياض، عن أبي علي عن الباجي، عن أبي ذر الهَرَويّ (¬2) حيث يرويها اليُونِينِيّ عن شيخه أبي جعفر الهمداني عن أبي طاهر السلفي عنه. ومن النسخ الموجودة والتي ترجع إلى أصل أبي علي الصَّدفي النسخة التي كتبها بخطه صهره وراوي «صحيح البُخارِيّ» عنه، والعمدة فيه عند المغاربة بعد أبي علي الصَّدفي، والتي سيأتي التعريف بصاحبها، ثم الكلام عليها تفصيلًا لما لها من الأهمية. ¬

(¬1) 2/ 368 (¬2) ينظر مقدمة اليُونِينِيّ

المبحث الثالث: نسخة أبي عمران موسى ابن سعادة (522) هـ

المبحث الثالث: نسخة أبي عمران موسى ابن سعادة (522) هـ اسمه ونسبه (¬1): هو أبو عمران موسى بن سعادة، مولى سعيد بن نصر مولى الناصر عبد الرحمن ابن محمد الأموي. كان من أهل بلنسية، وخرج منها لما تملكها الروم بعد الثمانين وأربعمائة إلى دانية، ثم استوطن مريسية. وابن سعادة نُسب إليها غير واحد، منهم: - موسى بن محمد بن سعادة ابن أخي هذا، وسمع أيضا من أبي علي الصَّدفي كثيرا، وسمع بالإسكندرية من أبي بكر الطرطوشي وغيره (¬2). - القاضي أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة، ابن أخي صاحب النسخة أيضا، ولد سنة (496 هـ)، المرسي سكن شاطبة ودار سلفه ببلنسية، سمع أبا علي الصَّدفي أيضا واختص به وأكثر عنه، وإليه صارت دواوينه وأصوله العتاق، وأمهات كتبه الصحاح لصهر كان بينهما؛ حيث كان أبو علي صاهر عمه أبا موسى. وصفه غير واحد بالتفنن في العلوم والمعارف والرسوخ في الفقه وأصوله والمشاركة في علم الحديث والأدب، وسمع منه أبو الحسن بن هذيل «جامع الترمذي»، ومن تآليفه كتاب «شجرة الوهم المترقية إلى ذروة ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «معجم أصحاب أبي علي الصَّدفي» ص: 196 - 198 (167)، و «نفح الطيب» ص: 221 (142)، و «التنويه والإشادة بمقام ابن سعادة» للشيخ عبد الحي الكتاني. (¬2) ينظر: «معجم أصحاب أبي علي» لابن الأبار ص: 198 (168).

الفهم» قال ابن الأبار: روى عنه جلة شيوخنا وأثنوا عليه. حُكِي أنه كان عنده أصول حسان بخط عمه ابن عمران موسى بن سعادة مع الصحيحين بخط الصَّدفي في سفرين. توفي في شاطبة آخر ذي الحجة سنة خمس وستين وخمسمائة، ودُفن في الروضة المنسوبة إلى أبي عمر بن عبد البر رحمهما الله تعالى (¬1). ومنهم: الفقيه أبو القاسم محمد بن يوسف بن سعادة يوجد اسمه في سماع على نسخة ابن سعادة. شيوخ ابن سعادة: قال ابن الأبار في «معجم شيوخ أبي علي الصَّدفي» (¬2): سمع من أبي علي عامة روايته، ولازم مجلسه قديمًا وحديثًا، وكان صهره والقائم بمؤنه والمتولي لأشغاله دونه سعة يسار وكرم أصهار، ويتفرغ بذلك للإمتاع بما رواه ... إلخ. قال التلمساني في «نفح الطيب» (¬3) سمع صهره أبا علي بن سكرة الصَّدفي، وكانت بنته عند أبي علي، ولازمه وأكثر عنه، وروى عن أبي محمد مُفَوِّز الشاطبي، وأبي الحسن بن شفيع، قرأ عليهما «الموطأ»، ورحل، وحج، وسمع «السنن» من الطرطوشي، وعُني بالرِّواية، وانتسخ ¬

(¬1) ينظر ترجمته في «معجم ابن الأبار» ص: 183 - 185 (158)، «الوافي بالوفيات» 5/ 250 (2325)، «سير أعلام النبلاء» 20/ 508، «الديباج المذهب» 2/ 262 - 263 (80)، «بغية الوعاة» 1/ 277 (511)، «نفح الطيب» 2/ 158 - 160 (110)، «فهرس الفهارس» لعبد الحي الكتاني 2/ 1030 - 1032 (583)، «شذرات الذهب» لابن العماد 4/ 218. (¬2) ص: 196 (167). (¬3) 2/ 221 (142).

صحيحي البُخارِيّ ومسلم بخطه، وسمعهما على صهره أبي علي، وكانا أصلين لا يكاد يوجد في الصحة مثلهما، حكى الفقيه أبو محمد عاشر بن محمد أنهما سُمعا على أبي علي نحو ستين مرة. وقال ابن الأبار أيضا: وشارك في اللغة والأدب، وقد أخذ عنه بعض كتبهما ابن أخيه القاضي أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة (¬1) وقال التلمساني: وكتب أيضا الغريبين للهروي وغير ذلك. وكان أحد الأفاضل الصلحاء، والأجواد السمحاء، يؤم الناس في صلاة الفريضة، ويتولى القيام بمئونة صهره أبي علي وبما يحتاج إليه من دقيق الأشياء وجليلها، وإليه أوصى عند توجهه إلى غزوة قتندة التي فقد فيها سنة أربع عشرة وخمسمائة، وكانت له مشاركة في علم اللغة والأدب، وقد حدث عنه ابن أخيه القاضي أبو عبد الله محمد ابن يوسف بن سعادة بكتاب «أدب الكُتّاب» (¬2) لابن قتيبة، و «الفصيح» لثعلب (¬3) عرف ابن سعادة أبو عمران بملازمته لأبي علي الصدفي، وعهد إليه أبو علي الصدفي قبل ذهابه إلى الغزوة التي استشهد فيها بابنته التي سماها فاطمة، أوصى بها إليه وعول في تنفيذ عُهُوده كلها عليه، فقام بها بعد مماته قيامه بشئونه حيال حياته، وكان من كلام أبي علي له عند وداعها وهي في ¬

(¬1) «معجم شيوخ أبي علي الصَّدفي» ص: 197 - 198 (167). (¬2) ويقصد به «أدب الكاتب» كما هو عند المشارقة، وتسميته بـ «أدب الكتاب» معروفة عند المغاربة. ينظر: مقدمة كتاب «الاقتضاب شرح أدب الكتاب» للبطليوسي ويوجد كتاب آخر اسمه «أدب الكتاب» ولكنه لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي (335) هـ وهو غير كتاب ابن قتيبة. (¬3) «نفح الطيب» 2/ 221 (142).

حوْلَي إرضاعها سنوا بها سنة الاحترام، ولاتجمعوا لها بين اليتم والفطام (¬1). وفاته: ذكر ابن الأبار وثيقة مؤرخة بصدر رجب من سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة تتضمن تنفيذ أبي عمران عهد أبي علي بإعتاق مملوكه مبشر الرومي الأصل، وإعطائه من صريح متروكه ما لا يأتلي في مثله أولو الفضل. ثم قال: ولم أقف لأبي عمران بعد هذا التاريخ على خبر، وأحسبه توفي بعقبه رحمه الله تعالى (¬2). وعن هذه النسخة صارت نسخًا كثيرة في أقطار الأرض. نسخة ابن سعادة: هي تلك النسخة التي نسبت للحافظ أبي عمران موسى بن سعادة الأندلسي التي رواها عن شيخه وصهره أبي علي الصَّدفي عن أبي الوليد الباجي عن أبي ذر الهَرَويّ عن شيوخه الثلاثة عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ. وهذه النسخة ظهرت منها بالمملكة المغربية نسخة مصورة بالتصوير الشمسي سنة 1347 هـ / 1928 م على يد الأستاذ لافي بروفنسال، ونشر منها المجلد الأول الموافق للخمس الثاني من الأصل، وكان الأستاذ بروفنسال مديرًا لمعهد الرباط آنذاك، وهي تبدأ من أول كتاب الحج حديث (1513)، وتنتهي بكتاب الجهاد، وهذا القسم المنشور من هذه الرِّواية كُتب له مقدمتان إحداهما بالفرنسية لبروفنسال والأخرى عربية كتبها محمد عبد الحي الكتاني، وقد طبعت هذه المقدمة منفردة بعد ذلك بعنوان: «التنويه والإشادة بمقام رِواية ابن سعادة»، وقد منَّ الله تعالى عليَّ ووقفت على نسخة خطية من هذه المقدمة. ¬

(¬1) ينظر: «معجم أصحاب الصَّدفي» ص: 197. (¬2) «معجم أصحاب أبي علي» ص: 197.

وجه إيثار هذه النسخة والرِّواية على غيرها: لقد اعثمد كثير من الشراح للصحيح على هذه النسخة في متن الصحيح ومن هؤلاء الإمام ابن مرزوق التلمساني المتوفى سنة (842) هـ في شرحه «المتجر الربيح والمسعى الرجيح» كما جاء ذلك في أول شرحه (¬1). إن رِواية ابن سعادة ونسخته اختصت بالترجيح والتقديم على غيرها من الروايات لموجبات: 1 - صحة الأصل المأخوذة منه، فإنها نسخت من نسخة شيخه وصهره الحافظ أبي علي الصَّدفي التي طاف بها في الأمصار، وسمعها وقابلها على نسخ شيوخه بالعراق ومصر والشام والحجاز والأندلس، وقد سبق بيان ما امتازت به هذه النسخة. 2 - إن أبا عمران موسى بن سعادة اعتنى بمقابلتها وتصحيحها من يوم أتم كتابتها أواخر القرن الخامس، وتكرر سماعه فيها ومقابلتها على شيخه الصَّدفي قال الحافظ ابن الأبار: انتسخ «صحيح البُخارِيّ» ومسلم بخطه، وسمعها على صهره أبي علي نحو ستين مرة (¬2). فإذا كان سماعه لها على أبي علي الصَّدفي وحده نحو ستين مرة، فانظر كم سمعها على غيره من مشايخه، وكم أسمعها للناس بعد وفاة مشايخه، وإذا علمنا أن أبي علي الصَّدفي إنما جلس بالأندلس بعد رجوعه ¬

(¬1) وقد استفدت ذلك من رسالة دكتوراة في تحقيق أول هذا الشرح، وهي مسجلة في جامعة الجزائر للباحثة حفيظة بلميهوب وأشرف عليها الأستاذ الدكتور مصطفى أبو عمارة. (¬2) ينظر: «معجم أصحاب أبي علي» ص: 197.

من رحلته نحو أربع وعشرين سنة تقريبًا، وخوطب أثناءها بولاية القضاء بمرسية، فاختفى مدة في المرية فرارا منه، ثم وليه كرها ثم استعفي منه. قال عِياض في «الغنية»: ولي القضاء بمرسية سنة خمس وخمسمائة فحمدت سيرته واشتدت في الحق شكيمته إلى أن استعفى فلم يُعف، فاختفى وغيب وجهه (عدة) (¬1) شهور إلى أن أعفي سنة ثمان وخمسمائة (¬2). وفي ترجمة عِياض من «معجم أصحاب الصَّدفي» لابن الأبار: رحل إلى الصَّدفي بمرسية فقدمها من غرة صفر عام 508 هـ. وبعد خروج الصَّدفي توفر على ما كان عليه من الإسماع والتفقه والنسخ، فقد كتب الصَّدفي بخطه «صحيح البُخارِيّ» في هذه المدة وأتمه سنة ثمان وخمسمائة، وسمع عليه صهره «الصحيح» في أثنائها هذه المرات العديدة في هذه المدة القصيرة، مع أنه لم يكن يؤخذ عنه الصحيح وحده. قال عنه عِياض في «الغنية»: سمع عليه الناس كثيرًا، وسمع منه من في عداد شيوخه، ومن سمع منه قبل، وذكر أيضا أنه بعد إعفائه من القضاء، توفر على ما كان بسبيله من الإسماع والتفقه (¬3). 3 - إن هذه النسخة اتخذها أهل الأندلس بعد الصَّدفي، وابن سعادة محراب تصحيحهم، ويعسوب روايتهم ودرايتهم، فتداولتها أيدي جماعة من الحفاظ الأعلام، وكبار علماء الأندلس في كل جيل، وكما سمع فيها موسى بن سعادة وابن أخيه على مشايخهم، سمع الناس عليهم فيها أيضا، فكان على أول جزء منها سماع حسين بن محمد بن علي الأنصاري على ¬

(¬1) تحرفت في المطبوع إلى مدة. (¬2) «الغنية» ص: 194. (¬3) ينظر «الغنية» ص: 194.

محمد بن يوسف بن سعادة بالمسجد. وسماع آخر بتاريخ (556 هـ) وبقي الناس يعارضون بها ويقابلون ويصححون، واتخذها الناس أيضا عمدة عددوا منها الفروع، حتى إنه في آخر القرن العاشر وأول الحادي عشر، انتسخ منها العالم الصالح أبو عبد الله محمد بن علي المري الأندلسي الفاسي المعروف بالجزولي نسخة للشيخ أبي المحاسن يوسف الفاسي وسميت بالشيخة. وتفرعت عن الشيخة هذه عدة نسخ: منها: نسخة الشيخ أبي محمد عبد القادر بن علي الفاسي التي كان عدد منها كثيرا من النسخ، وببيعها كان يتعيش. ومنها نسخة الشيخ أبي عبد الله محمد ميارة شارح «المرشد» و «التحفة» وهي نسخة معتمدة تداولتها أيضا أيدي الأعلام، وقد انتقلت اليوم إلى مراكش، وهي التي كان اعتمد عليها أبو عبد الله محمد الفضيل بن الفاطمي الشبيهي الزرهوني شارح «الصحيح» المسمى بـ «الفجر الساطع» في نسخته العشارية التي انتسخها بخطه منها، وصححها وضطبها عشرات المرات. ومنها نسخة الشيخ أبي عبد الله محمد بن الشيخ أبي العباس أحمد الصقلي الحسيني الفاسي التي منها عدد كثيرًا من النسخ، وببيعها كان أيضًا يتعيش. وهذا الفرع المعروف بالشيخة الذي هو أصل هذه النسخ المعتمدة في المغرب، المرجوع إليها في التصحيح والضبط، موجودة بفاس إلى الآن عند أولاد ابن سليمان الغرناطيين، صار لهم من أولاد الشيخ أبي المحاسن، ولعله ينقصه الآن السفر الثالث الذي أوله كتاب الخلق. وبهذا صارت النسخة السعادية في الدرجة الأولى من الصحة. وحسب الكتابات المرقومة على هذه النسخة، فإن المحدثين تداولوها

بعد وفاة أبي عمران بن سعادة ابتداء من ابن أخيه محمد بن يوسف بن سعادة، وقد سمع هذا جميع «الصحيح» من النسخة ذاتها على أبي علي الصَّدفي، وتم ذلك في ربيع الآخر عام 510 هـ، وكتب عليها بخطه تصحيحات كثيرة. ثم سمعها على محمد بن يوسف بن سعادة غير واحد: أولا: حسين بن محمد بن علي الأنصاري: السفر الأول بالمسجد الجامع في مرسية 539 هـ. ثانيا: ابن نوح: محمد بن أيوب بن محمد الغافقي: جميع الكتاب بتاريخ صفر عام 556 هـ. ثالثا: ابن أبي العاص: أحمد بن محمد بن علي النفزي، في جماعة سمعوا سائر السفر الثاني. وسوى هؤلاء يوجد على نفس الأصل خط أبي الخطاب بن واجب، أحمد بن محمد بن عمر وإجازة محمد بن يوسف بن سعادة له، وكذلك خط أخيه وخط ابن بقي: عبد الواحد بن محمد القيسي، وخط ابن عمرو عثمان بن محمد بن عيسى اللخمي (¬1). ولهذه الاعتبارات اعتمد المغاربة نسخة ابن سعادة في رِواية «صحيح البُخارِيّ» غير أنه لا يعرف - بالضبط - بداية هذا الاختيار. وأقدم ذكر لها لا يتعدى العقد الرابع من المائة الهجرية التاسعة، حيث تمت مقابلة نسخة من «الجامع الصحيح» بأصل ابن سعادة، قراءة على محمد بن يحيى السراج، بمسجد إمامته من زنقة حجامة بفاس، في مجالس عدة بين المغرب والعشاء، وهو يمسك أصل ابن سعادة، وكمل ذلك أواخر ¬

(¬1) «التنويه والإشادة» المقدمة المنشورة مع السفر الثاني من نسخة ابن سعادة.

ربيع الثاني، عام 836 هـ / 1432 م. ومن هذا التاريخ تنتقل إلى عام 838 هـ / 1434 م - 1435 م، حيث تمت فيه معارضة نسخة خامسة من «صحيح البُخارِيّ» بأصل ابن سعادة، وكان ذلك برسم خزانة الوزير علي بن يوسف الوطاسي. وبعد هذا تأتي الإشارة إلى نفس الأصل بمناسبة مقابلة نسخة أخرى وتصحيحها عليه، بتاريخ رجب عام 846 هـ / 1442 م. ومن هذا التاريخ تختفي المصادر التي تردد ذكر هذا الأصل إلى حوالي نهاية القرن العاشر الهجري، وهنا ينتظم الحديث عن نسخة ابن سعادة، ويتأكد وجودها بكاملها محفوظة في خزانة القرويين بفاس. وفي الوقت ذاته شهد نفس الأصل مبادرة علمية جعلته يتركز في الدراسات الحديثة بالمغرب عبر الفترات التالية، وذلك بكتابة نسخة جديدة منه من خط أبي عمران بن سعادة مباشرة، وتداول المعنيون بالأمر - إلى العقود الأخيرة - هذا الفرع المستجد بالانتساخ منه، والتصحيح به، والتعليق عليه، وإسماعه ودراسته (¬1). قال عبد الحي الكتاني في «التنويه والإشادة»: وهي النسخة التي قال عنها ولده صاحب «مرآة المحاسن»: كانت قراءة الشيخ أبي المحاسن لـ «الصحيح» في نسخة نسخت له في خمسة أسفار من نسخة هذه التجزئة بخط الحافظ أبي عمران موسى ابن سعادة، وكان الفرع المذكور يسرد فيه شيخنا أبو العباس أحمد بن يوسف، ويمسك الأصل عمي شيخنا أبو محمد عبد الرحمن، وتعددت مقابلته مرات، ثم اشتهرت القراءة في الفرع المذكور، وصارت هذه النسخة تعرف في فاس بالشيخة، لتفرع أكثر نسخ ¬

(¬1) مقالة «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية» 145 - 146.

فاس والمغرب منها، وكثرة تداول الأعلام لها، واعتمادهم عليها. ومن هوامشها جمعت حواشي الشيخ أبي زيد عبد الرحمن بن محمد الفاسي على «الصحيح»، جمعها من طرره عليها حفيد أخيه الشيخ أبو عبد الله بن عبد القادر الفاسي رحمه الله، وسماها «تشنيف المسامع» (¬1). وقد صارت نسخة هذا الفرع تعرف في فاس بـ «الشيخة»؛ نظرا لوفرة المنتسخات المغربية منها، مباشرة أو بواسطة، واعتبارا بكثرة تداول المحدثين لها واعتمادهم عليها. ومن الجدير بالذكر أن النسخة «الشيخة» هذه لا تزال بقيد الوجود، وهي - بأسفارها الخمسة - في حوزة السفير المغربي السابق: السيد الحاج الفاطمي بن سليمان الأندلسي الغرناطي الأصل ثم الفاسي، ومنها مصورة بالخزانة العامة بالرباط في فيلم يحمل رقم 736. أما النسخة الأصلية التي بخط ابن سعادة فقد بقي منها الآن أسفار، بينما كان السفر الأول قد ضاع قديما، وجدد بأمر السلطان العلوي محمد الرابع، بانتساخ آخر بدله من النسخة الشيخة، وكتبه بخطه محمد الهادي بن عبد النبي بن المجذوب الفاسي، حيث كمل في 12 ذي الحجة عام 1285 هـ / 1869 م. هذا السفر محفوظ بدوره بنفس الخزانة رقم د / 1332. ثم كان مصير السفر الثالث الذي بخط ابن سعادة أن استعاره مستشرق معروف، ولعله كان يحاول تصويره نظير عمله في السفر الثاني، غير أنه توفي ولم يعد المخطوط إلى مكانه بالخزانة العامة بالرباط. وقد قام المستشرق الفرنسي الأستاذ ليفي بروفنسال بنشر السفر الثاني من نسخة ابن سعادة منقولا بالتصوير الشمسي من خطه الأصلي مع ¬

(¬1) «التنويه والإشادة» المقدمة المنشورة مع السفر الثاني من نسخة ابن سعادة

تصويره بمقدمة بالعربية باسم «التنويه والإشادة بمقام رِواية ابن سعادة» للمحدث المغربي محمد عبد الحي الكتاني، مع مقدمة أخرى بالفرنسية لنفس المستشرق ناشر هذا السفر في باريس عام 1347 هـ / 1928 م، في 177 ورقة عدا المقدمتين (¬1). وما أجدر الأسفار الباقية من هذا الأصل بنشرها - هي الأخرى - بالتصوير، مع طبع النسخة بكاملها، طبعة علمية مصححة، وهو دين في ذمة المعنيين بالأمر من المغاربة (¬2). ¬

(¬1) وعندي مصورة من هذا السفر المنشور بباريس. (¬2) مقالة «صحيح البُخَارِيّ في الدراسات المغربية» 147 - 148.

الفصل الثالث: أهم المصنفات التي تعتني بضبط الاختلافات

الفَصْل الثالث: أهم المصنفات التي تعتني بضبط الاختلافات المبحث الأول: ضبط الاختلافات من خلال كتب الشروح. المبحث الثاني: كتب تقييد الألفاظ.

المبحث الأول: ضبط الاختلافات من خلال كتب الشروح

المبحث الأول: ضبط الاختلافات من خلال كتب الشروح 1 - «فتح الباري» لابن حجر العسقلاني (852) هـ. 2 - «إرشاد الساري» للقسطلاني (923) هـ. - كتب أخرى تذكر إجمالًا.

1 - كتاب «فتح الباري» بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني (852) هـ

1 - كتاب «فتح الباري» بشرح صحيح البُخارِيّ لابن حجر العسقلاني (852) هـ (¬1) مؤلفه: هو الحافظ الإمام أحمد بن علي بن محمد بن محمد الكناني، العسقلاني، المصري المولد والمنشأ والدار والوفاة، الشافعي مذهبًا، ويعرف بابن حجر العسقلاني، ولد في مصر القديمة سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة. كان رحمه الله تعالى يمتلك حافظة قوية، فقد حفظ القرآن الكريم وهو طفل، كما حفظ جملة وافرة من أمهات الكتب العلمية المتداولة. أول ما بدأ به بعد القرآن الكريم النظر في كتب التاريخ، ثم نظر في فنون الأدب وكان شاعرًا، ثم حبب إليه طلب الحديث، وبدأ طلبه في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة من الهجرة. ¬

(¬1) تجد ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر في كثير من كتب التراجم، ومن أوسع الكتب التي ترجمت له وأفردته بالترجمة كتاب: «الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر» ألفه تلميذه السخاوي (902) هـ وهو كتاب مطبوع متداول في ثلاثة مجلدات طبعتة دار ابن حزم بيروت - لبنان سنة 1419 هـ - 1999 م بتحقيق إبراهيم باجس عبد المجيد، وكان قد سبق طبع الجزء الأول منه سنة 1406 هـ، 1986 م في وزارة الأوقاف المصرية بتحقيق كل من الدكتور حامد عبد المجيد والدكتور طه الزيني، وأشرف على التحقيق الدكتور محمد الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف حينئذ، وروجع من قبل لجنة مكونة من اثني عشر أستاذًا ذكرت أسماءهم في أول المقدمة. كما ترجم له السخاوي (902) هـ أيضًا في «الضوء اللامع» 2/ 36 - 40، والسيوطي في «حسن المحاضرة» 1/ 206، وابن العماد في «شذرات الذهب» 7/ 270، والشوكاني في «البدر الطالع» 1/ 87، والكتاني في «فهرس الفهارس» 1/ 236، وكحالة في «معجم المؤلفين» 1/ 210، 211 وغيرها كثير.

كان معروفًا بكثرة الرحلات، فبعد أن تلقى العلم على شيوخ بلده في الديار المصرية، رحل إلى بلاد الشام، ثم البلاد الحجازية واليمن. عرف بكثرة شيوخه، حيث زاد عدد شيوخه سماعًا وإجازة عن سبعمائة شيخ في سائر العلوم والفنون، وذكرهم في كتاب له اسمه «المجمع المؤسس للمعجم المفهرس»، حيث ذكر فيه شيوخه والكتب التي قرأها عليهم. ومن أشهرهم: الحافظ زين الدين العراقي (806) هـ، وسراج الدين ابن الملقن (804) هـ وسراج الدين البلقيني (805) هـ، ومحمد بن يعقوب الفيروز آبادي (817) هـ صاحب «القاموس المحيط» ونور الدين الهيثمي (807) هـ. تنوعت تآليفه رحمه الله تعالى ما بين التاريخ والتراجم والشروح والحديث والمصطلح وغير ذلك. ومن أهمها: «فتح الباري بشرح صحيح البُخارِيّ»، «وتغليق التعليق» وغيرها من الكتب حول «صحيح البُخارِيّ». ومن كتب التراجم الهامة كتاب «الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة» وغير ذلك. - درّس التفسير والحديث والفقه في أكبر المراكز العلمية في الديار المصرية. - ولي مشيخة الحديث في أكثر من مدرسة وأملى كثيرًا من حفظه. كما عمل في القضاء ما يزيد على عشرين سنة، وتولى منصب قاضي قضاة الشافعية. خطب في الجامع الأزهر، وجامع عمرو بن العاص وتولى خزانة الكتب المحمودية ووضع لها فهرسًا.

وعبارات الثناء والمدح التي تدل على مكانته ونبوغه في مختلف العلوم كثيرة، فقد قال فيه السخاوي في «الضوء اللامع» (¬1): وقد شهد له القدماء بالحفظ والثقة والأمانة والمعرفة التامة، والذهن الوقاد، والذكاء المفرط، وسعة العلم في فنون شتى اهـ. وقال ابن العماد في ترجمته في «شذرات الذهب» (¬2): شيخ الإسلام، علم الأعلام، أمير المؤمنين في الحديث، حافظ العصر. اهـ. وقال العلامة الشوكاني في «البدر الطالع» (¬3): الحافظ الكبير الشهير، الإمام المنفرد بمعرفة الحديث وعلله في الأزمنة المتأخرة ... حتى صار إطلاق الحافظ عليه كلمة إجماع. وهكذا تجد عبارات العلماء في وصفه من أعلى درجات المدح والثناء؛ حتى قال فيه التقي الفاسي، والبرهان الحلبي: ما رأينا مثله. توفي رحمه الله تعالى بعد أن ملأ علمه مشارق الأرض ومغاربها في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة رحمه الله تعالى. الكتاب كتاب «فتح الباري بشرح صحيح البُخارِيّ» يعتبر من أفضل الشروح لـ «الصحيح» على الإطلاق؛ حيث اشتمل على إيضاح ما أشكل في «الجامع الصحيح» وتخريج ما فيه من الأحاديث والآثار المعلقة، وبيان كثير من مسائل الإجماع والخلاف المتعلقة بأحاديث الكتاب، والتنبيه على كثير من أوهام بعض شراح «الجامع» وغيرهم وغير ذلك من الفوائد الكثيرة النادرة ¬

(¬1) 2/ 39. (¬2) 7/ 270. (¬3) 1/ 87 - 88.

التى اشتمل عليها هذا الشرح العظيم. أما في الروايات والنسخ فقد اشتمل على وصف وتحليل دقيق لاختلاف الرُّواة، والتمييز بينها وترجيح ما ترجح لديه منها، وبيان أسباب الوهم في بعضها، وذلك من خلال الروايات التى روى الصحيح من خلالها مع إضافة بعض الزيادات نقلًا من الكتب التى لها عناية بذلك، وسأبدأ بذكر الروايات التى روى الصحيح من خلالها.

شجر الإسناد

الروايات التى روى الصحيح من خلالها

الروايات التى روى الصحيح من خلالها: ذكر ابن حجر في مقدمة «الفتح» في الجزء الأول (¬1). وفي كتابه «تغليق التعليق» (¬2) وكتاب «المعجم المفهرس» (¬3) أسانيده إلى البخاري: ويلاحظ عليها ما يلي: أولًا: اتصلت رِواية ابن حجر للصحيح عن البُخارِيّ رحمه الله تعالى من رِواية أربعة تلاميذ - أو رواة - عن البُخارِيّ: هم محمد بن يوسف الفَرَبْريّ (320) هـ، وإبراهيم بن معقل النَسَفْيّ (295) هـ، وحماد بن شاكر النسوي (311) هـ، وأبي طلحة البزدوي (329) هـ. فأما رِواية الفَرَبْريّ فرواها عنه تسعة ممن اتصلت رِواية ابن حجر إليهم وهم: 1 - رِواية الحافظ أبي على بن السكن (353) هـ رواها عنه عبد الله بن أسد الجهني (395) هـ. 2 - رِواية أبي اسحاق المُسْتَمْلِيّ (376) هـ رواها عنه أبو ذر الهَرَويّ (434) هـ وعبد الرحمن بن عبد الله الهمداني (411) هـ. 3 - رِواية أبي نصر أحمد بن محمد الأخسيكتي رواها عنه إسماعيل بن إسحاق الصفار. 4 - رِواية الإمام الفقيه أبي زيد المروزى (371) هـ رواها عنه ثلاثة من الأعلام: أولهم: الحافظ أبو نعيم الأصبهاني (430) هـ وثانيهم: أبو محمد ¬

(¬1) من ص: 5 حتى ص: 7. (¬2) 5/ 444 - 446. (¬3) ص: 25 - 27 من الباب الأول.

الأصيلي (392) هـ، وثالثهم: أبو الحسن علي القابسي (403) هـ. 5 - رِواية أبي علي الشبويي رواها عنه سعيد بن أحمد العيار (457) هـ، وعبد الرحمن بن عبد الله الهمداني (411) هـ أيضًا. 6 - رِواية أبي أحمد الجُرْجانيّ (374) هـ، رواها عنه الحافظان أبو نعيم (430) هـ وأبو الحسن القابسي (403) هـ. 7 - رِواية أبي محمد السَّرْخَسي (381) هـ رواها عنه أبو ذر الهَرَويّ (434) هـ، وأبو الحسن الدّاوُدِيّ (467) هـ. 8 - رِواية أبي الهيثم الكُشْمِيهَني (389) هـ رواه عنه ثلاثة: أبو ذر الهَرَويّ (434) هـ، وأبو سهل الحفصي (466) هـ، وكريمة المَرْوَزيّة (463) هـ. 9 - رِواية أبي علي الكُشّانيّ (391) هـ رواها عنه المستغفري (432) هـ. فيتحصل من الروايات اثنتا عشرة رِواية ينقل منها ابن حجر في الشرح وهى: 1 - رِواية الجهني عن ابن السكن. 2 - رِواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة المُسْتَمْلِيّ والسَّرْخَسي والكشميهنى. 3 - رِواية عبد الرحمن الهمدانى عن شيخيه المُسْتَمْلِيّ والشبويي. 4 - رِواية إسماعيل الصفار عن الأخسيكتى. 5 - رِواية أبي نعيم عن شيخيه أبي زيد المروزى والجُرْجانيّ. 6 - رِواية الأصيلي عن أبي زيد المَرْوَزيّ. 7 - رِواية القابسي عن شيخيه أبي زيد المرزوي والجُرْجانيّ. 8 - رِواية سعيد العيار عن الشبويي.

9 - رِواية الدّاوُدِيّ عن السَّرْخَسي. 10 - رِواية الحفصي عن الكُشْمِيهَني. 11 - رِواية كريمة المَرْوَزيّة عن الكُشْمِيهَني. 12 - رِواية المستغفري عن الكُشّانيّ. وأما رِواية إبراهيم بن معقل النَسَفْيّ فرواها عنه أبو صالح خلف بن محمد. ورِواية حماد بن شاكر النسوي فرواها عنه الحاكم أبي عبد الله عن أحمد بن محمد بن رميح عنه. ورِواية أبي طلحة البزدوي رواها عنه المستغفري من طريق أحمد بن عبد العزيز عنه. ثانيًا: مما يجب التنبه له أن ابن حجر نص في المقدمة على أنه يقتصر في المتن وأصل ترتيب «الصحيح» عنده على رِواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة، ثم ينبه على ما يخالفها من باقي الروايات (¬1). ¬

(¬1) وقد خالف ابن حجر هذا المنهج في بعض المواضع، فقد ثبت في أول كتاب التيمم ثبوت لفظ كتاب التيمم عند أبي ذر عن شيوخه الثلاثة كما ذكر ذلك القَسْطَلّانِيّ في «إرشاد الساري» وكما رمز لذلك اليُونِينِيّ في 1/ 73 ورمز لثبوته أيضًا مع أبي ذر عند أبي الوقت والأصيلي وابن عساكر، في حين قَال ابن حجر في «الفتح» 1/ 431: قوله: (باب التيمم) البسملة قبله لكريمة وبعده لأبي ذر. وقد تقدم توجيه ذلك ....... الخ فهو اقتصر في حكايته الخلاف بين الروايات على الخلاف في تقديم البسملة أو تأخيرها في حين لم يتعرض للخلاف في لفظة كتاب أو باب، مما يدل على أن ابن حجر خالف منهجه الذي نص عليه في المقدمة من اقتصاره على نسخة أبي ذر الهروي في شرح الأحاديث. والله أعلم.

ثالثًا: أن ابن حجر قد اعتمد في شرحه هذا على بعض الروايات الأخري، والتى نقلها من نسخ بعض العلماء الذين لهم عناية بنسخهم مثل: 1 - نسخة العلامة اللغوي الحسن بن محمد البغدادي المعروف بالصغاني المتوفى سنة خمسين وستمائة (¬1). 2 - حاشية الإمام شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي المتوفى سنة خمس وسبعمائة (¬2). 3 - نسخة أبي علي الصَّدفي عن أبي ذر الهَرَويّ، وسبق مبحث خاص بهذه النسخة وبيان قيمتها، وعناية أبي علي بها، وإقبال العلماء على روايتها (¬3). ¬

(¬1) وهى النسخة البغدادية التي صححها العلامة أبو محمد بن الصغاني اللغوي بعد أن سمعها من أصحاب أبي الوقت، وقابلها على عدة نسخ وجعل لها علامات. ينظر «الفتح» 1/ 153. وقد نقل منها ابن حجر في «الفتح» في مواضع كثيرة ينظر على سبيل المثال: 1/ 177، 1/ 398، 1/ 542 وقال فيه: إنه قابلها على نسخة الفِربْريّ التي بخطه، 2/ 446، 3/ 33، 3/ 89، 3/ 496، 4/ 125، 382، 5/ 137 وقال فيه ابن حجر: وقع في نسخة الصغاني زيادة لم أرها في شيء من النسخ غيرها، 6/ 184، 7/ 374 وغير ذلك كثير. (¬2) وهى حاشية على «الصحيح» نقل منها ابن حجر كثيرًا منها على سبيل المثال: 1/ 181، 3/ 156، 3/ 501، 4/ 457، 5/ 387، 6/ 127، 8/ 54، 8/ 323، 504، 9/ 471، 10/ 545، 13/ 318 وغير كثير. (¬3) ذكر ابن حجر في «الفتح» نقولًا كثيرة من نسخة أبي علي الصَّدفي، وفيها ما يدل على اطلاعه ووقوفه على هذه النسخة التي هي بخطه، وقد نقل ابن حجر من نسخة أبي على الصَّدفي وحواشيها فوائد في «الفتح» في ستة عشر موضعًا، وفي وبعضها يقول: وقال أبو علي الصَّدفي في حاشية نسخته التي بخطه من البُخَارِيّ. كما في 2/ 474 وقال في بعضها: وقرأت بخط الحافظ أبي علي الصَّدفي في نسخته 4/ 89، 391 وقال في بعضها: فرأيت بخطه في هامش نسخته 4/ 395. وغير ذلك من العبارات التي تفيد قطعًا وقوفه على هذه النسخة وباقي المواضع هى: 3/ 286، 349، 363، 5/ 149، 302، 397، 7/ 487، 8/ 342، 432، 658، 669، 9/ 282. وقد نص تلميذ ابن حجر وهو السخاوي في طرة نسخة أبي علي الصدفي على اعتماد ابن حجر على هذه النسخة في شرحه فتح الباري. ينظر: مبحث رواية أبي علي الصدفي من هذا الباب.

4 - نسخة الحافظ شرف الدين اليُونِينِيّ وقد نص على ذلك ابن حجر في موضع من الكتاب ونقل عن اليُونِينِيّ في موضع آخر. ففي المقدمة في الفَصْل السابع في تبيين الأسماء المهملة، فيمن أسمه أحمد قال: قلت ورأيته في نسخة الحافظ أبي الحسين اليُونِينِيّ، وقد أهمله في جميع الروايات التي وقعت له إلا رِواية واحدة، فإنه كتب عليها علامة: (ق) ونسبه فقال أحمد بن يونس (¬1). الموضع الثاني: قال وهو يحكي خلاف العلماء في ضبط «يجرجر»: وسألت أبا الحسين اليُونِينِيّ فقال: ما قرأته على والدي ولا على شيخنا المنذري إلا مبنيا للفاعل. قال: ويبعد اتفاق الحفاظ قديمًا وحديثًا على ترك رِواية ثابتة. قال: وأيضًا فإسناده إلى الفاعل هو الأصل، وإسناده إلى المفعول فرع، فلا يصار إليه بغير حاجة. وأيضا فإن علماء العربية قالوا: يحذف الفاعل إما للعلم به أو للجهل به أو إذا تخوف منه أو عليه أو لشرفه أو لحقارته أو لإقامة وزن وليس هنا شيء من ذلك (¬2).اهـ ¬

(¬1) ص: 224. (¬2) 10/ 97.

رابعًا: أن ابن حجر قد اعتمد على بعض الكتب التي اهتمت بضبط روايات الصحيح والتمييز بينها. ومن هذه الكتب: «تقييد المهمل وتمييز المشكل» لأبي علي الجَيّانيّ 498 هـ (¬1) ¬

(¬1) نقل منه ابن حجر في المقدمة في الفصل السابع: في تبيين الأسماء المهملة التي يكثر اشتراكها، وفي الفصل الثامن: في سياقه الأحاديث التي انتقدها الحافظ الدارقطني ونقل في «الفتح» في مواضع كثيرة منها: 2/ 473، 547، 3/ 17، 476، 486، 503، 4/ 57، 5/ 17، 6/ 13، 58، 7/ 168، 451، وغيرها كثير. ولم يكن ابن حجر رحمه الله تعالى مجرد ناقل فقد تعقب على الجَيَّانيّ في مواضع من كتابه فمثلًا: في حديث (7350) من كتاب الاعتصام باب إذا اجتهد الحاكم فأخطأ ... من صحيح البُخَارِيّ قَال البُخَارِيّ: حثدنا إسماعيل عن أخيه عن سليمان بن بلال عن عبد المجيد من سهيل عن ابن المسيب عن أبى هريرة وأبى سعيد حدثاه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث أخا بني عدي الأنصاري واستعمله على خيبر ... الحديث (اليُونِينِيّة» 9/ 107 (7350، 7351) قَال أبو على الجَيَّانيّ في «تقييد المهمل» 2/ 753 (754): هكذا روى هذا الإسناد إبراهيم بن معقل النَسَفْيّ عن البُخَارِيّ. وسقط من كتاب الفَرَبْريّ: سليمان بن بلال من هذا الإسناد. وذكر أبو زيد المروزي: أنه لم يكن في أصل الفَرَبْريّ. وكذلك لم يكن في كتاب ابن السكن ولا عند أبى أحمد [أي: الجُرْجَانيّ] وكذلك قَال أبو ذر عن مشايخه، ولا يتصل الإسناد إلا به، والصواب: رِوَاية النَسَفْيّ. اهـ. كذا قَال الجَيَّانيّ. فقال ابن حجر رحمه الله بعد أن نقل كلام الجَيَّانيّ هذا معقبا عليه 13/ 318: قلت: وهو ثابت عندنا في النسخة المعتمدة من رِوَاية أبى ذر عن شيوخه الثلاثة عن الفَرَبْريّ، وكذا في سائر النسخ التي اتصلت لنا عن الفَرَبْريّ، فكأنها سقطت من نسخة أبى زيد فظن سقوطها من أصل شيخه، وقد جزم أبو نعيم في المستخرج بأن البُخَارِيّ أخرجه عن إسماعيل عن أخيه عن سليمان، وهو [أي أبو نعيم] يرويه عن أبى أحمد الجُرْجَانيّ عن الفَرَبْريّ، وأما رِوَاية ابن السكن فلم أقف عليها. اهـ.

منهج المؤلف في كتابه

وكتاب «مشارق الأنوار على صحاح الأخبار» للقاضي عِياض 544 هـ (¬1) وكتاب «مطالع الأنوار على صحاح الآثار» للحافظ أبي إسحاق إبراهيم بن يوسف الوهراني المعروف بابن قُرقُول المتوفى سنة 569 هـ (¬2). منهج المؤلف في كتابه: قد ذكر ابن حجر في أول كتابه - وذلك في المقدمة - أنه قدم للشرح بمقدمة وانحصر القول فيها في عشرة فصول: الأول: في بيان السبب الباعث له على تصنيف هذا الكتاب. الثاني: في بيان موضوعه والكشف عن مغزاه، والكلام على تحقيق شروطه ... إلخ. الثالث: في بيان الحكمة من تقطيعه للحديث واختصاره، وفائدة إعادته للحديث وتكراره. الرابع: في بيان السبب في إيراده الأحاديث المعلقة، والآثار الموقوفة. الخامس: في ضبط الغريب الواقع في متونه مرتبًا له على حروف المعجم. السادس: في ضبط الأسماء المشكلة التى فيه، وكذا الكنى والأنساب ... السابع: في تعريف شيوخه الذين أهمل نسبهم إذا كان يكثر اشتراكها ¬

(¬1) نقل منه ابن حجر في مواضع كثيرة منها على سبيل المثال: 1/ 408، 414، 415، 4/ 82، 5/ 41، 334، 340، 8/ 38، 64، 9/ 145، 241، 373، 10/ 281، 11/ 211، 12/ 306، 13/ 414. (¬2) نقل منه ابن حجر في مواضع كثيرة منها على سبيل المثال: 1/ 486، 490، 582، 2/ 152، 3/ 120، 345، 486، 4/ 456، 5/ 242، 299، 6/ 275، 9/ 6، 57، 10/ 63، 11/ 454، 13/ 68، وغير ذلك.

كمحمد ... الثامن: في سياق الأحاديث التي انتقدها عليه حافظ عصره أبو الحسن الدارقطني وغيره من النقاد والرد عليها. التاسع: في سياق أسماء جميع من طُعن فيه من رجاله على ترتيب الحروف .... العاشر: في سياق فهرسة كتابه المذكور بابًا بابًا وعدة ما في كل باب من الحديث .... تم ختم هذه المقدمة بترجمة كاشفة عن خصائصه ومناقبه - رضي الله عنه -. وبعد ذلك شرع في الشرح، وهو يذكر الكتاب والباب وحديثه أولًا ثم يذكر وجه المناسبة بين الحديث والترجمة إن كان ذلك خفيًّا، ثم يستخرج ما يتعلق بغرض البُخارِيّ من ذلك الحديث من الفوائد المتنية والإسنادية من تتمات وزيادات، وكشف غامض، وتصريح سماع مدلس، ومتابعة سامع من شيخ اختلط قبل ذلك، منتزعًا كل ذلك من أمهات الكتب والمسانيد والجوامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد والأمالي وغير ذلك. ثم يضبط ما يشكل من جميع ما تقدم من الأسماء والأوصاف، مع إيضاح معاني الألفاظ والتنبيه على النكات البيانية. ثم يتبع ذلك بالأحكام والاستنباطات الفقهية مع الاعتناء بالجمع بين ما ظاهره التعارض مع غيره، والتنصيص على الناسخ والمنسوخ، والعام والمطلق والمجمل، والظاهر والمئول. والإشارة إلى القواعد الأصولية، ونبذ من فوائد العربية وما اتصل بذلك من كلام الأئمة، ويفعل ذلك في كل باب غالبًا، فإذا تكرر الحديث أو المسألة أحال غالبًا مع التنبيه على حكمة التكرار.

نماذج الكتاب

وهو مع كل ذلك يسوق اختلاف الرُّواة في كل لفظة مع بيان وجه كل رِواية وبيان الوهم وسببه عندما تقتضي الحاجة لذلك. نماذج الكتاب: النموذج الأول: من كتاب العيدين، باب: من خالف الطريق إذا رجع. قال البُخارِيّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. تَابَعَهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ فُلَيْحٍ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ (¬1). قال ابن حجر في «الفتح» (¬2): قوله: (تابعه يونس بن محمد عن فليح وحديث جابر أصح). كذا عند جمهور رواة البُخارِيّ من طريق الفَرَبْريّ، وهو مشكل لأن قوله: (أصح) يباين قوله: (تابعه) إذ لو تابعه لساواه فكيف تتجه الأصحية الدالة على عدم المساواة وذكر أبو على الجَيّانيّ (¬3) أنه سقط قوله: (وحديث جابر أصح) من رِواية إبراهيم بن معقل النَسَفْيّ عن البُخارِيّ فلا إشكال فيها. قال: ووقع في رِواية ابن السكن: تابعه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة. وفي هذا توجيه قوله (أصح) ويبقى الإشكال في قوله (تابعه) فإنه لم يتابعه بل خالفه، وقد أزال هذا الاشكال أبو نعيم في «المستخرج» فقال: ¬

(¬1) «صحيح البُخَارِيّ» 2/ 23 (986). (¬2) 2/ 473 - 474. (¬3) «تقييد المهمل» 2/ 593 - 597.

أخرجه البُخارِيّ عن محمد عن أبي تميلة وقال: تابعه يونس بن محمد عن فليح. وقال محمد بن الصلت: عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة، وحديث جابر أصح. وبهذا جزم أبو مسعود في الأطراف، وكذا أشار إليه البرقاني. وقال البيهقي: إنه وقع كذلك في بعض النسخ، وكأنها رِواية حماد بن شاكر عن البُخارِيّ. ثم راجعت رِواية النَسَفْيّ فلم يذكر قوله: (وحديث جابر أصح). فسلم من الإشكال، وهو مقتضى قول الترمذي: رواه أبو تميلة ويونس بن محمد، عن فليح، عن سعيد عن جابر (¬1). فعلى هذا يكون سقط من رِواية الفَرَبْريّ قوله: (وقال محمد بن الصلت عن فليح) فقط، وبقي ما عدا ذلك. هذا على رِواية أبي على بن السكن، وقد وقع كذلك في نسختي من رِواية أبي ذر عن مشايخه. وأما على رِواية الباقين فيكون سقط إسناد محمد بن الصلت كله. وقال أبو على الصَّدفي في حاشية نسخته التي بخطه من البُخارِيّ: لا يظهر معناه من ظاهر الكتاب، وإنما هي إشارة إلى أن أبا تميلة ويونس المتابع له خولفا في سند الحديث، وروايتهما أصح، ومخالفهما - وهو محمد بن الصلت - رواه عن فليح شيخهما، فخالفهما في صحابيه فقال: عن أبي هريرة. قلت: فيكون معنى قوله: (وحديث جابر أصح) أي من حديث من ¬

(¬1) «جامع الترمذي» 2/ 425 (541) أبواب الصلاة، باب ما جاء في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى العيد ...

قال فيه عن أبي هريرة. وقد اعترض أبو مسعود في الأطراف على قوله: تابعه يونس. اعتراضا آخر فقال: إنما رواه يونس بن محمد عن فليح عن سعيد عن أبي هريرة، لا جابر، وأجيب بمنع الحصر فإنه ثابت عن يونس بن محمد كما قال البُخارِيّ، أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس، وكذا هو في «مسنده» و «مصنفه». نعم رواه بن خزيمة (¬1) والحاكم (¬2) والبيهقي (¬3) من طريق أخرى عن يونس بن محمد، كما قال أبو مسعود. وكأنه اختلف عليه فيه، وكذا اختلف فيه على أبي تميلة، فأخرجه البيهقي من وجه آخر عنه فقال: عن أبي هريرة (¬4). وأما رِواية محمد بن الصلت المشار إليها فوصلها الدارمي (¬5) وسمويه كلاهما عنه والترمذي (¬6) وابن السكن والعقيلى (¬7) كلهم من طريقه بلفظ: كان إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره. ¬

(¬1) «صحيح بن خزيمه» 2/ 362 (1468) كتاب: الصلاة، باب: استحباب الرجوع من المصلى من غير الطريق الذي أتى فيه المصلى. (¬2) «المستدرك» 1/ 296 كتاب: العيدين. (¬3) «السنن الكبرى» 3/ 308 كتاب: صلاة العيدين، باب: الإتيان من طريق غير الطريق الذي غدا منها. (¬4) المرجع السابق. (¬5) «سنن الدارمي» 2/ 1004 (1654) كتاب: الصلاة، باب: الرجوع من المصلى من غير الطريق الذي خرج منه. (¬6) «سنن الترمذي» (541). (¬7) ذكره في «الضعفاء» 3/ 319 معلقًا دون إسناد.

وذكر أبو مسعود أن الهيثم بن جميل رواه عن فليح - كما قال بن الصلت - عن أبي هريرة. والذي يغلب على الظن أن الاختلاف فيه من فليح، فلعل شيخه سمعه من جابر ومن أبي هريرة، ويقوى ذلك اختلاف اللفظين، وقد رجح البُخارِيّ أنه عن جابر وخالفه أبو مسعود والبيهقي فرجحا أنه عن أبي هريرة، ولم يظهر لي في ذلك ترجيح والله أعلم. اهـ النموذج الثاني: قال البُخارِيّ في كتاب بدء الخلق في أول باب منه بعد الحديث الثاني في الباب: وَرَوَى عِيسَى، عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَقَامًا، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ، وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ (¬1). قال ابن حجر (¬2): قوله: (وَرَوَى عِيسَى، عَنْ رَقَبَةَ) كذا للأكثر وسقط منه رجل، فقال بن الفلكي: ينبغي أن يكون بين عيسى ورقبة أبو حمزة، وبذلك جزم أبو مسعود، وقال الطرقي: سقط أبو حمزة من كتاب الفَرَبْريّ، وثبت في رِواية حماد بن شاكر، فعنده عن البُخارِيّ: روى عيسى عن أبي حمزة عن رقبة، قال: وكذا قال بن رميح عن الفَرَبْريّ. قلت: وبذلك جزم أبو نعيم في «المستخرج»، وهو يروي «الصحيح» عن الجُرْجانيّ عن الفَرَبْريّ. ¬

(¬1) «صحيح البُخَارِيّ» 4/ 106 (3192). (¬2) فتح الباري 6/ 290.

طبعات الكتاب

فالاختلاف فيه حينئذ عن الفَرَبْريّ، ثم رأيته سقط أيضا من رِواية النَسَفْيّ، لكن جعل بين عيسى ورقبة ضبة (¬1)، ويغلب على الظن أن أبا حمزة ألحق في رِواية الجُرْجانيّ، وقد وصفوه بقلة الإتقان، وعيسى المذكور هو ابن موسى البُخارِيّ، ولقبه غنجار - بمعجمة مضمومة ثم نون ساكنة ثم جيم - وليس له في البُخارِيّ إلا هذا الموضع. وقد وصل الحديثَ المذكور من طريق عيسى المذكور عن أبي حمزة، وهو محمد بن ميمون السكري عن رقبة الطبرانيُّ في مسند رقبة المذكور - وهو بفتح الراء والقاف والموحدة الخفيفة - ابن مصقلة - بفتح الميم وسكون الصاد المهملة وقد تبدل سينا بعدها قاف - ولم ينفرد به عيسى، فقد أخرجه أبو نعيم من طريق علي بن الحسن بن شقيق عن أبي حمزة نحوه، لكن بإسناد ضعيف. اهـ طبعات الكتاب: لقد طبع الكتاب طبعات كثيرة جدًّا نظرًا لشهرة الكتاب، ومن أشهر هذه الطبعات التي وقفت عليها: 1 - الطبعة السلفية، وقد اشتهرت هذه الطبعة حتى إن كثيرًا من دور النشر قد صوروها، ولا يعرف عدد طبعاتها. وهذه الطبعة تمتاز بأنها بإخراج وتصحيح محب الدين الخطيب، وترقيم كتب وأبواب وأحاديث محمد فؤاد عبد الباقي. وهذه الطبعة تقع في ثلاثة عشر مجلدًا بالإضافة إلى المقدمة والتي تقع في مجلد مستقل. ¬

(¬1) أي علامة إلحاق السقط، وهو من الأمور المتعارف عليها بين ناسخي المخطوطات.

وقد زود القائمون على هذه الطبعة هذا الشرح بأحاديث «صحيح البُخارِيّ» قبل شرحها لأن ابن حجر رحمه الله تعالى لم يذكر المتن كاملًا قبل شرح كل حديث، وإنما يذكر اللفظة أو الجملة من السند أو المتن، ثم يتبعها بما قيل فيها من فوائد واستنباطات. تنبيه: يلاحظ اختلاف هذا المتن عن المتن الذي يشرح عليه ابن حجر رحمه الله؛ حيث صرح الحافظ بأن اعتماده في متن «الصحيح» سيكون على نسخة أبي ذر الهَرَويّ، ومعلوم أن هذه النسخة تخالف غيرها في أشياء كثيرة من حيث الترتيب وثبوت بعض الألفاظ أو حذفها. ولذلك تجد في بعض المواضع أن ابن حجر يشرح في لفظة وهذه اللفظة غير موجودة في النص المثبت أو تجد لفظة تخالفها أو لفظة أخرى بمعناها أو غير ذلك. وانظر لذلك مثلًا في أول حديث في الفتح عن يحيى بن سعيد وفي المتن حَدَّثَنا يحيى بن سعيد الأنصاري ونص ابن حجر على ذلك لغير رِواية أبى ذر أى قوله حَدَّثَنا بدلًا من عن وزيادة الأنصاري (¬1). وفي حديث رقم (3401)، وحديث (3402) من كتاب أحاديث الأنبياء باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام حيث ذرك محققو الطبعة السلفية (¬2) جملة: قال الحَمُّوييّ قال محمد بن يوسف بن مطر الفَرَبْريّ: حَدَّثَنا علي بن خشرم عن سفيان بطوله بعد الحديث رقم (3402) بينما الموافق لسياق الإسناد وضعها بعد الحديث (3401) كما فعل ابن حجر في الشرح. ¬

(¬1) ينظر «الفتح» 1/ 9 - 10. (¬2) «الفتح» 6/ 430 - 433

وأيضًا في حديث (7350، 7351) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ خلاف الرسول .. في إسناد الحديث زيادة كلمة بن بلال بينما في الفتح حذفها (¬1). ولم يصرح القائمون على هذه الطبعة أيَّ النصوص وضعوها كمتن. وغالب الظن أنه مستمد من الطبعة «السلطانية»، ولكن مع عدم مراعاة وتتبع نسخة أبي ذر الهَرَويّ رحمه الله تعالى. ملاحظات على هذه الطبعة: سقطت من عنده بعض الأبواب التي ثبتت عند بعض الرواة مثل ما جاء في ترجمة في هامش السلطانية، ولم تثبت إلا لأبي ذر عن المستملي (¬2) ولم يرقم ولم يُذكر تحته حديث والباب الذي بعده فيه حديث (1473). أيضًا لم يرقم لحديث وجد في هامش الأصل، وهو من نسخة مسموعة من طريق الخلال وغيره وهو بعد حديث (1325)، وقد ذكره المزي في التحفة (13266) مما يعني أن الشيخ محمد فؤاد لم يستوعب كل الأحاديث التي في الأصل والهامش. الطبعة الثانية: هى الطبعة التى قدم لها وعلق عليها الشيخ عبد القادر شيبة الحمد، المدرس بالمسجد النبوي، وإنما ذكرت هذه الطبعة دون غيرها من الطبعات الكثيرة، لما ذكر أنه اعتمد في نص هذه الطبعة من «الفتح» على رِواية أبي ذر الهَرَويّ عن مشايخه لثلاثة: السَّرْخَسي، والمُسْتَمْلِيّ، ¬

(¬1) «الفتح» 13/ 318. (¬2) 2/ 123، هامش (5)

والكُشْمِيهَني (¬1). وابتدأ المحقق الطبعة بمقدمة ذكر فيها الباعث له على هذه الطبعة من «فتح الباري» فقال - بعد أن ذكر ما جاء عن ابن حجر من اعتماده على رِواية أبي ذر الهَرَويّ -: وقد غفل عامة من جمع متن البُخارِيّ مع «فتح الباري» عن شرط الحافظ ابن حجر رحمه الله، فقد جاءت جميع المتون التى طبعت مع «فتح الباري» ملفقة للرواة الآخرين. ولذلك تجد كثيرًا ما يشرح الحافظ ابن حجر كلمات لا وجود لها في المتن، أو تجد كلمات في المتن لا وجود لها في «فتح الباري» (¬2). وذكر أن عدم وجود بعض الكلمات أو الجمل في الشرح مع وجودها في المتن الملحق في الكتاب جعله يعزم على إعادة طبع «الفتح» وأن يبحث عن نسخة أبي ذر التى ارتضاها الحافظ ابن حجر. كما ذكر في المقدمة أيضًا أنه اعتمد في هذا المتن على نسختين: الأولى: مكونة من خمس مجلدات فقد منها المجلد الثالث، وهي نسخة محفوظة في مكتبة الحرم النبوي الشريف. الثانية: نسخة في المكتبة الأزهرية بالقاهرة وأكمل منها المفقود من النسخة الأولى. يقول الشيخ عبد القادر شيبة الحمد في المقدمة (¬3): ومخطوط المسجد ¬

(¬1) طبعت عام 1421 هـ - 2001 م على نفقة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران بالمملكة العربية السعودية. كما أن مكتبة العبيكان قد طبعتها بعد ذلك طبعة تجارية. (¬2) المقدمة ص: 5 - 6. (¬3) المقدمة ص: 8.

النبوي هى نسخة أبي علي الصَّدفي من روايته عن أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، عن أبي ذر الهَرَويّ، عن مشايخه الثلاثة .... . وقد نص الحافظ ابن حجر على أن رِواية أبي ذر الهَرَويّ قد اتصلت له من طريق أبي مكتوم عيسي بن الحافظ أبي ذر. وقد ظهرت نسخة لـ «صحيح البُخارِيّ» من رِواية أبي علي الصَّدفي، وقد كتب عليها بخط السخاوي أن شيخه الحافظ ابن حجر كان يعتمد عليه وقت شرحه للبخاري كما ذكر عبد الحي الكتاني المغربي في كتابه «فهرس الفهارس» أ. هـ ثم ذكر ما يدل على أن أبا الوليد الباجي وقع لنسخته ذكر في «الفتح» وضرب لذلك مثالًا وقع في شرح الحديث رقم (1691) في باب من ساق البدن معه، وحديث رقم (2193) من باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها. وحديث رقم (4913) الوارد في كتاب التفسير في تفسير سورة التحريم. ثم ختم قوله محاولًا إثبات أن نسخة الحرم المدني هى نسخة أبي علي الصَّدفي التي بخطه قائلًا: وقد وجدت سماعات في مخطوطة المسجد النبوي، وهي سماعات أبي عبد الله محمد بن يوسف بن سعادة عن الصَّدفي وقد ذيلت بخط الصَّدفي رحمه الله (¬1). ويلاحظ على هذه الطبعة ما يلي: أولًا: جاء على غلاف العنوان لكل مجلد من هذه الطبعة: قول الناشر «تحقيق وتعليق عبد القادر شيبة الحمد» الأمر الذي يوهم بأن التحقيق والتعليق متوجه إلى كتاب فتح الباري، مع أن عمل المحقق متوجه أصلًا ¬

(¬1) المقدمة ص: 10.

إلى متن الصحيح، ولا علاقة له بفتح الباري؟! ثانيًا: أن المحقق رحمه الله تعالى لم يلتزم إثبات النص الموجود بين يديه من رِواية أبي ذر، وإنما تصرف في النص بحيث أنك لا تستطيع الجزم بأنه رِواية أبي ذر عن طريق أحد تلاميذه، فهو مرة يذكر ما يوافق رِواية تلميذه وابنه أبي مكتوم كما جاء في «الفتح» ومرة يرجح ويثبت ما يكون عنده من رِواية أبي علي الصَّدفي عن شيخه أبي الوليد عن أبي ذر. وتارة يثبت ما جاء في النسخة الأزهرية، وتارة ما جاء في نسخة الحرم المدني. وليته اقتصر على حكاية ما جاء في رواية أبي علي الصَّدفي، سواء وافق رِواية ابن حجر أو لا؛ وذلك لأن رِواية أبي ذر التي اعتمد عليها ابن حجر في «الفتح» هى من رِواية ابنه أبي مكتوم لا من رِواية أبي الوليد الباجي، التى رواها عنه أبو علي الصَّدفي. وهذا الخلط بين الروايات قد صرح به المحقق نفسه في المقدمة؛ فقد صرح بأنه أحيانًا يخالف ما في المخطوطتين ويثبت ما ذكره ابن حجر في «الفتح» فبعد أن ذكر مثالًا يدل على أن ابن حجر لم يعتمد في ذكر متن «الصحيح» على نسخة أبي علي الصَّدفي. قال ص: 25: وهذا يدل على أن الرِّواية التى اعتمدها الحافظ في التيمم هنا ليست رِواية الصَّدفي، ونظرًا لاعتبارنا أن الحافظ يُعْتبَر حَكَمًا عند الاختلاف؛ فقد اخترنا أن نكتب باب التيمم. لا: كتاب التيمم. وإن كان متفقًا عليه في النسختين كما تقدم.» أهـ. ثالثًا: أن المحقق يرى أن هذه النسخة المحفوظة في مكتبة الحرم المدني هى نسخة أبي علي الصَّدفي التي بخطه، وهذا غير صحيح؛ لأن نسخة أبي علي الصَّدفي التي هى بخطه تقع في مجلد واحد كما هو

معروف في صفتها، وذلك كما وصفها العلامة أبي عبد الله محمد بن عبد السلام الناصري الدرعي في رحلته الثانية عام 1211 هـ إلى البقاع المقدسة المسماة «الرحلة الصغرى» (¬1). أما عبارة: «وكتب حسين بن محمد الصَّدفي بخطه عقب شهر المحرم سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة». فهذه العبارة منقولة من الأصل على عادة النساخ نقل كل ما وجد على الأصل المقابل عليه فقد سبق قبل هذه العبارة ما نصه: كان على ظهر الأصل المنتسخ منه ... رابعًا: مع ما سبق من تصرف المحقق في نص «الصحيح» لم يميز هذه المواضع التى وجد فيها مخالفة بين ما وقع في النسخ الخطية التي اعتمدها وما وقع لابن حجر في الشرح، فقد تصفحت هوامش الشرح فلم أجد أي إشارة إلى أي اختلاف بين النسخ، حتى المواضع التى نص عليها في المقدمة. خامسًا: لم يقارن المحقق بين نسخة أبي ذر الهَرَويّ وغيرها من النسخ المشهورة كاليُونِينيّة فضلًا عن مقابلة عمله مع عمل القَسْطَلّانِيّ الدقيق الذي قام به في «إرشاد الساري»، أو عمل الحافظ من خلال الألفاظ المشروحة التي يثبتها ممزوجة بشرحه أو ما يشير إليه من اختلاف الروايات أثناء الشرح. سادسًا: عندما جمع المحقق حفظه الله بين رِواية أبي ذر الهَرَويّ ¬

(¬1) ينظر المبحث الخاص برِوَاية أبي علي الصَّدفي ووصف العلماء لها، فقد ذُكر عدد من الأوصاف التي لا توجد في هذه النسخة التي اعتمد عليها المحقق، كما أن نتيجة البحث انتهت إلى أن المخطوط بطبرق وليس في الحرم المدني.

للصحيح وبين «فتح الباري» في هذه الطبعة لم يشر إلى أن غاية ما قام به هو إخراج رِواية أبي ذر الهَرَويّ وضمها إلى كتاب «فتح الباري»، والذي اقتصر فيه المحقق على طبعة مصورة عن طبعة المكتبة السلفية الصادرة بعناية محب الدين الخطيب رحمه الله ولم يكن هناك أدنى إشارة إلى أن «فتح الباري» مأخوذ بالتصوير. سابعًا: لم يذكر المحقق الاختلافات التي بين روايات شيوخ أبي ذر الثلاثة، إذ من المعروف أن بين الروايات الثلاثة بعض الاختلافات التي ميزها أبو ذر في نسخته. وعلى كل فهي تجربة لا تخلو من فائدة، ويكفي أنه انتبه لاقتصار ابن حجر على رِواية أبي ذر، والخلاف بين الرُّواة عن أبي ذر أقل بكثير من اختلاف باقي الروايات مع رِواية أبي ذر، ولعل الله يهيِّيء من يقوم بخدمة هذا الشرح حتى يخرج كما أراد له مؤلفه، إنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه. هذه هي الطبعة الثانية من «فتح الباري» وأهم الملاحظات عليها، وقد طبع غير ذلك كثيرًا إلا أنها لا تختلف كثيرًا عن الطبعة الأولى التي سبق الحديث عنها؛ ولذا نكتفي بهذا القدر، ففيه دلالة على غيره - والله أعلم.

2 - كتاب «إرشاد الساري إلى صحيح البخاري»

2 - كتاب «إرشاد الساري إلى صحيح البُخارِيّ» المؤلف (¬1): هو الحافظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد أبي بكر بن عبد الملك أحمد القَسْطَلّانِيّ، المصري، الشافعي، الإمام، العلامة، الحجة، الرحالة، الفقيه، المقرئ، المسند. ولد ثاني عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بمصر، ونشأ بها وحفظ القرآن وتلا السبع، وحفظ الشاطبية والجزرية وغير ذلك. تلقى وأخذ العلم عن مشايخ منهم الشيخ خالد الأزهري النحوي والفخر المقسمي والجلال البكري، وأخذ العلم بمكة عن مشايخ منهم النجم بن فهد، وولي مشيخة مقام سيدي الشيخ أحمد الحرار بالقرافة الصغرى، وعمل تأليفًا في مناقب الشيخ المذكور. وكان يعظ بالجامع العمري وغيره، ويجتمع عنده الجم الغفير، ولم يكن له نظير في الوعظ وكتب بخطه شيئًا كثيرًا لنفسه ولغيره، وأقرأ الطلبة وأقبل على التأليف بعد ذلك. وقال عنه العيدروسي: كان إمامًا حافظًا متقنًا جليل القدر، حسن التعزيز والتحرير، لطيف الإشارة، بليغ العبارة، حسن الجمع والتأليف؛ لطيف الترتيب والترصيف، زينة أهل عصره، ونقاوة ذوي دهره، ولا يقدح فيه تحامل معاصريه عليه، فلا زالت الأكابر على هذا في كل عصر، توفي سنة (923) هـ ليلة الجمعة سابع المحرم بالقاهرة ودفن بالمدرسة العينية جوار منزله. فرحمه الله تعالى رحمة واسعة. ¬

(¬1) وينظر ترجمته في: «الضوء اللامع» 1/ 241، «النور السافر» للعيدروسي ص: 106، 107، «شذرات الذهب» 8/ 121، «فهرس الفهارس» 2/ 967 (546)، «الأعلام» 1/ 232، «معجم المؤلفين» 1/ 254 (1828) وغيرها ..

- من تصانيفه: 1 - «إرشاد الساري إلى صحيح البُخارِيّ». 2 - «المواهب اللدنية بالمنح المحمدية» (¬1). 3 - «فتح الداني في شرح حرز الأماني» في القراءات. وغير ذلك من الكتب. - الكتاب: ذكر العلامة القَسْطَلّانِيّ منهجه في مقدمة الكتاب، وصرح بأن الفكرة الأساسية للكتاب تقوم على ضبط ألفاظ الصحيح وتحريرها بناء على ما وصله من روايات، وقد اعتمد في ذلك على عمل شرف الدين اليُونِينِيّ. قال القَسْطَلّانِيّ في مقدمة شرحه «إرشاد الساري» (¬2): ثم وقفت في يوم الإثنين ثالث عشر جمادى الأولى سنة ست عشرة وتسعمائة بعد ختمي لهذا الشرح على المجلد الأخير من أصل اليُونِينِيّ المذكور، ورأيت بحاشية ظاهر الورقة الأولى منه ما نصه: سمعت ما تضمنه هذا المجلد من «صحيح البُخارِيّ» رضي الله عنه، بقراءة سيدنا الشيخ الإمام العالم الحافظ المتقن شرف الدين أبي الحسين علي بن محمد بن أحمد اليُونِينِيّ رضي الله عنه وعن سلفه، وكان السماع بحضرة جماعة من الفضلاء، ناظرين في نسخ معتمد عليها، فكلما إذا مر بهم لفظ ذو إشكال بَيَّنْتُ فيه الصواب، وضبطه على ما اقتضاه علمي بالعربية، وما افتقر إلى بسط عبارة وإقامة دلالة أخرت أمره إلى جزء ¬

(¬1) قَال فيه العيدروسي في «النور السافر» ص: 107: وهو كتاب جليل المقدار عظيم الوقع كثير النفع ليس له نظير في بابه. (¬2) 1/ 110 - 142.

أستوفي فيه الكلام مما يحتاج إليه من نظير وشاهد، ليكون الانتفاع به عامًا، والبيان تامًا، إن شاء الله تعالى، وكتبه محمد بن عبد الله بن مالك حامدا لله تعالى. قلت: وقد قابلت متن شرحي هذا إسنادًا وحديثًا، على هذا الجزء المذكور، من أوله إلى آخره، حرفا حرفا، وحكيته كما رأيته حسب طاقتي، وانتهت مقابلتي له في العشر الأخير من المحرم سنة سبع عشرة وتسعمائة، نفع الله تعالى به، ثم قابلته عليه مرة أخرى. فعلى الكاتب لهذا الشرح - وفقه الله تعالى - أن يوافقني فيما رسمته من تمييز الحديث متنا وسندًا من الشرح واختلاف الروايات بالألوان المختلفة وضبط الحديث متنا وسندًا بالقلم كما يراه، ثم رأيت بآخر الجزء المذكور ما نصه: بلغت مقابلة وتصحيحًا وإسماعا بين يدي شيخنا شيخ الإسلام، حجة العرب، مالك أزمة الأدب، الإمام العلامة أبي عبد الله بن مالك الطائي الجَيّانيّ، أمد الله تعالى عمره، في المجلس الحادي والسبعين، وهو يراعي قراءتي ويلاحظ نطقي، فما اختاره ورجحه وأمر بإصلاحه أصلحته وصححت عليه، وما ذكر أنه يجوز فيه إعرابان أو ثلاثة فأعملت ذلك على ما أمر ورجَّح، وأنا أقابل بأصل الحافظ أبي ذر، والحافظ أبي محمد الأصيلي، والحافظ أبي القاسم الدمشقي، ما خلا الجزء الثالث عشر والثالث والثلاثين؛ فإنهما معدومان، وبأصل مسموع على الشيخ أبي الوَقْت بقراءة الحافظ أبي منصور السَّمْعاني وغيره من الحفاظ، وهو وقف بخانكاه السُّمَيْساطي، وعلاماتُ ما وافقت أبا ذر: (هـ) والأصيلي: (ص:)، والدمشقي (س)، وأبا الوَقْت (ظ) فيُعلم ذلك، وقد ذكرت ذلك في أول الكتاب في فرخة لتعلم الرموز. كتبه علي بن محمد الهاشمي اليُونِينِيّ عفا الله عنه. انتهى.

ثم وُجد الجزء الأول من أصل اليُونِينِيّ المذكور يُنادَى عليه للبيع بسوق الكُتُب، فَعُرِف وأُحضر إليَّ بعد فقده أزيد من خمسين سنة، فقابلت عليه متن شرحي هذا، فكمُلت مقابلتي عليه جميعه، حسب الطاقة، ولله الحمد (¬1). فالحافظ القَسْطَلّانِيّ اعتمد في شرحه لـ «الصحيح» على فروع مقابلة على الأصل الأصيل لليونيني لفقده الأصل. وكان من أجل الفروع التي اعتمد عليها الفرع الجليل المنسوب للإمام المحدث شمس الدين محمد بن أحمد الغزولي وقف التنكزية بباب محروق خارج القاهرة المقابل على فرعي وقف مدرسة الحاج مالك وأصل اليُونِينِيّ غير مرة. يقول القَسْطَلّانِيّ: فلهذا اعتمدت في كتابة متن البُخارِيّ في شرحي هذا عليه، ورجعت في شكل جميع الحديث وضبطه إسنادًا ومتنًا إليه، ذاكرًا جميع ما فيه من الروايات وما في حواشيه من الفوائد المهمات. ا. هـ. ثم ذكر القَسْطَلّانِيّ أنه وقف في يوم الإثنين ثالث عشر من شهر جمادى الأولى سنة ست عشرة وتسعمائة بعد انتهائه من الشرح المذكورعلى المجلد الأخير من أصل اليُونِينِيّ. وذكر أنه قابل متن شرحه على هذا المجلد إسنادًا وحديثًا من أوله إلى آخره حرفًا حرفًا، وحكاه كما رآه حسب طاقته، وانتهى من ذلك في العشر الأخير من المحرم سنة سبع عشرة وتسعمائة ثم قابله عليه مرة أخرى. فانظر إلى وقت المقابلة حيث استغرقت ما يزيد على ثمانية أشهر. وهذا يدل على شدة التحري أملا في توثيق النص ¬

(¬1) «إرشاد الساري» 1/ 140 - 142.

ولذا يوجه وصية إلى ناسخ الشرح قائلًا: فعلى الكاتب لهذا الشرح - وفقه الله تعالى - أن يوافقني فيما رسمته من تمييز الحديث متنًا وسندًا من الشرح، واختلاف الروايات بالألوان المختلفة، وضبط الحديث متنا وسندًا بالقلم كما يراه. وذكر القَسْطَلّانِيّ أنه وجد بحاشية ظاهر الورقة الأولى سماعا مكتوبا بخط مالك أزمة الأدب العلامة النحوي اللغوي سيبويه زمانه محمد بن عبد الله بن مالك، وذكر نص هذا السماع، وكان بقراءة الحافظ شرف الدين اليُونِينِيّ وبحضور جماعة من الفضلاء (¬1). وذكر أيضًا نص مقابلة بخط الحافظ شرف الدين اليُونِينِيّ وهذه المقابلة كانت بين يدي ابن مالك في إحدى وسبعين مجلسًا، وهو يراعي قراءة اليُونِينِيّ وهو يقابل بأصوله التي وقف عليها. مما سبق يتبين ما يلي: أولًا: أن تحرير ألفاظ «الصحيح» ورواياته اعتمد فيه القَسْطَلّانِيّ على عمل اليُونِينِيّ وذلك من خلال الفرع المنسوب للإمام المحدث شمس الدين محمد بن أحمد المزي الغزولي. والذي جعله يعتمد هذا الفرع أنه قوبل على فرعي مدرسة الحاج مالك، وعلى أصل اليُونِينِيّ. ثانيًا: أنه لم يترك صغيرة ولا كبيرة في هذا الفرع إلا وذكرها في كتابه، يدل على ذلك قوله: ورجعت في شكل جميع الحديث وضبطه إسنادًا ¬

(¬1) لم يذكر السماع أسماء الحاضرين، ولذلك يقول الشيخ أحمد شاكر في مقدمة الطبعة السلطانية دار الجيل 1/ 7: وجماعة الفضلاء الذين كانوا حاضري هذه المجالس للسماع والتصحيح والمقابلة لم أجد أيضًا أسماءهم في شيء مما بين يدي من المصادر، ولا أدري أكتبت أسماؤهم في ثبت السماع على النسخة اليُونِينِيّة أم لم تكتب. اهـ.

ومتنًا إليه، ذاكرًا جميع ما فيه من الروايات وما في حواشيه من الفوائد والمهمات. ثالثًا: أنه بعد وقوفه على أصل اليُونِينِيّ قابل ألفاظ الحديث عليه كما ذكر، من أوله إلى آخره حرفًا حرفًا، وحكاه كما رآه حسب طاقته. رابعًا: من نص القَسْطَلّانِيّ السابق يستفاد أنه رسم الروايات واختلافها بالألوان، وأنه انتهى من هذا الشرح في ثالث عشر جمادى الأولى سنة ست عشرة وتسعمائة. وانتهى من مقابلة الجزء الأخير من أصل اليُونِينِيّ الذي كان بين يديه في العشر الأخير من المحرم سنة سبع عشرة وتسعمائة. خامسًا: يتبين بجلاء مدى اهتمام القَسْطَلّانِيّ بنسخة اليُونِينِيّ ويتجلى ذلك من خلال حرصه على مقابلة الفرع الذي وقف عليه أولًا، ثم بعد وقوفه على المجلد الأخير من أصل اليُونِينِيّ أعاد المقابلة عليه مرة أخرى، ثم الحرص على إتمام المقابلة على الجزء المفقود من أصل اليُونِينِيّ حتى كملت المقابلة على الأصل كله. ثم تمييزه هذه الروايات بالألوان، ووصيته لكاتب الشرح بحكاية ما يراه من الضبط قائلًا: فعلى الكاتب لهذا الشرح - وفقه الله تعالى - أن يوافقني فيما رسمته من تمييز الحديث متنًا وسندًا من الشرح، واختلاف الروايات بالألوان المختلفة، وضبط الحديث متنًا وسندًا بالقلم كما تراه. ويكفي للدلالة على تحريه وضبطه أن مقابلة الجزء الأخير من أصل اليُونِينِيّ قد استغرقت الفترة ما بين ثالث عشر من جمادى الأولى سنة ست عشرة وتسعمائة وحتى العشر الأخير من المحرم سنة سبع عشرة وتسعمائة من الهجرة أي: ما يزيد على سبعة أشهر. - ترتيب الكتاب: الكتاب مرتب على نفس ترتيب «صحيح البُخارِيّ» وقبل البدء في

الشرح كتب مقدمة ذكر فيها الباعث له على تأليف الكتاب، وتسميته بهذا الاسم، ثم ذكر بعض المباحث الضرورية من علوم الحديث وغيرها التي لابد منها وجعلهما من خمسة فصول: الفَصْل الأول: في فضيلة أهل الحديث وشرفهم في القديم والحديث. الفَصْل الثاني: في ذكر أول من دون الحديث والسنن ومن تلاه في ذلك سالكًا أحسن السنن. الفَصْل الثالث: في نبذة لطيفة جامعة لفرائد فوائد مصطلح الحديث. الفَصْل الرابع: فيما يتعلق بالبُخارِيّ في «صحيحه» من تقرير شرطه وتحرره وضبطه ... إلخ. الفَصْل الخامس: في ذكر نسب البُخارِيّ ونسبته ومولده وبدء أمره ونشأته .. إلخ. وبعد هذه الفصول بدأ يتكلم عن روايات «الجامع الصحيح» للبخاري، فذكر الروايات التي روى «الصحيح» من خلالها إجمالًا، ثم تحدث عن عناية اليُونِينِيّ بروايات ونسخ «الصحيح» وذكر وقوفه على الأصل ومقابلته بشرحه، ثم ذكر بعد ذلك عناية العلماء بشرح «صحيح البُخارِيّ» وبدأ يذكرهم شرحًا شرحًا مع بيان الشروح التي وقف عليها واستخدمها في شرحه هذا مرتبًا لهم من الأقدم إلى الأحدث. ثم بعد ذلك ذكر أسانيده إلى البُخارِيّ في رِواية «الصحيح»، ثم بعد ذلك بدأ الشرح، وطريقته فيه أن يذكر الكلمة من الكتاب سواء كانت اسم كتاب أو باب أو كلمة من المتن أو السند ثم يبدأ بذكر اختلاف الرُّواة في هذه اللفظة، وبعد ذلك يذكر شرحها. والفوائد المتعلقة بها، وهو لا يذكر متن «الصحيح» في أول الباب؛ ولعل ذلك بسبب عدم اعتماده على رِواية معينة. وهو يفصل بين المتن وشرحه.

روايات الكتاب

روايات الكتاب: سبق أن قلنا أنه اعتمد في نص الصحيح على عمل اليُونِينِيّ، وقد سبق ذكر الروايات والنسخ التي قابل بها أصله. وأن القَسْطَلّانِيّ - شأنه شأن كل العلماء والشراح - له إسناد يصله بصاحب الكتاب، وأسانيده قد ذكرها في المقدمة (¬1). - ويلاحظ من خلال قراءة هذه الأسانيد ما يلي: أولًا: أن الصحيح وقع للقسطلاني من رِواية ثلاثة رواة عن البُخارِيّ هم: 1 - أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفَرَبْريّ (320) هـ. 2 - إبراهيم بن معقل النَسَفْيّ (295) هـ. 3 - حماد بن شاكر النسوي (311) هـ. ثانيًا: رِواية الفَرَبْريّ وقعت له من رِواية ثمانية من تلاميذ الفَرَبْريّ عنه هم: أبو علي عثمان بن السكن (353) هـ. أبو إسحاق المستملى (376) هـ. أبو الهيثم الكُشْمِيهَني (389) هـ. أبو محمد السَّرْخَسي الحَمُّوييّ (381) هـ. أبو زيد المَرْوَزيّ (371) هـ. أبو أحمد الجُرْجانيّ (373 أو 374) هـ. أبو علي الكُشّانيّ (391) هـ. أبو علي بن شَبُّويه مات بعد (378) هـ. ¬

(¬1) 1/ 155 - 158.

ثالثًا: من الروايات المشهورة التي وقعت له ما يلي: 1 - رِواية ابن عساكر (571) هـ عن محمد بن الفضل الساعدي، عن أبي سهل الحفصي (466) هـ عن الكُشْمِيهَني عن الفَرَبْريّ. 2 - رِواية الزبيدي (631) هـ عن أبي الوَقْت (553) هـ عن الدّاوُدِيّ (467) هـ، عن السَّرْخَسي الحَمُّوييّ، عن الفَرَبْريّ. 3 - رِواية كريمة المَرْوَزيّة (463) هـ عن الكُشْمِيهَني عن الفَرَبْريّ. 4 - رِواية أبي ذر الهَرَويّ (434) هـ عن شيوخه الثلاثة عن الفَرَبْريّ. 5 - رِواية الأصيلي (392) هـ عن أبي زيد المَرْوَزيّ عن الفَرَبْريّ. وهذه الروايات هي التي اعتمد عليها اليُونِينِيّ في نسخته، ووقع على أصول لها عنده. رابعًا: شيوخ شهاب الدين القَسْطَلّانِيّ في رِواية الصحيح خمسة هم: 1 - أبو العباس أحمد بن عبد القادر بن طريف الشاوي (¬1) هـ. روى من طريقه: رِواية ابن عساكر والتي تنتهي بالكُشْمِيهَني عن الفَرَبْريّ. كما روى من طريقه رِواية الزبيدي والتي تنتهي بالسَّرْخَسي عن الفَرَبْريّ. 2 - قاضي القضاة إمام الحرم الشريف المكي أبو المعالي بن الإمام رضي الدين محمد الطبري المكي المتوفى آخر ليلة الأربعاء ثامن عشر من صفر سنة أربع وتسعين وثمانمائة. روى عنه: رِواية أبي ذر الهَرَويّ عن شيوخه الثلاثة (الكُشْمِيهَني ¬

(¬1) لم أقف له على ترجمته ووجدت له ذكر في ترجمة أبي العباس أحمد بن أحمد بن محمد البرنسي الفاسي، «فهرس الفهارس» 1/ 455.

قيمة الكتاب في الوقوف على الروايات

والسَّرْخَسي والمُسْتَمْلِيّ) عن الفَرَبْريّ. 3 - الحافظ نجم الدين عمر بن الحافظ تقي الدين محمد الهاشمي المكي المتوفى في رمضان سنة خمس وثمانين وثمانمائة عن ثلاث وسبعين سنة. روى عنه وحده رِواية الزبيدي أيضًا السابق ذكرها، كما روى عنه رِواية كريمة المَرْوَزيّة (463) هـ عن الكُشْمِيهَني ورِواية المستغفري (432) هـ عن الكُشّانيّ (391) هـ عن الفَرَبْريّ. 4 - الحافظ أبو عمرو فخر الدين بن أبي عبد الله محمد المصري روى من طريقه بالاشتراك مع من سبقه ومن يأتي بعده باقي الروايات عن الفَرَبْريّ وهي رِواية الأصيلي (392) هـ، والتي تنتهي بأبي زيد المَرْوَزيّ (434) هـ ورِواية أبي أحمد الجُرْجانيّ (374) هـ وابن شَبُّويه جميعهم عن الفَرَبْريّ. كما روى من طريقه رِواية خلف بن محمد أبي صالح (361) هـ، عن إبراهيم بن معقل النَسَفْيّ (295) هـ، عن البُخارِيّ كما روى أيضًا رِواية الحاكم أبي عبد الله (405) هـ، عن ابن رميح، عن حماد بن شاكر (311) هـ، عن البُخارِيّ. 5 - الحافظ شمس الدين محمد بن زين الدين أبي محمد المصري: روى من طريقه بالاشتراك مع شيخيه السابقين ما سبق ذكره عند شيخه أبي عمرو فخر الدين المصري. قيمة الكتاب في الوقوف على الروايات: مما سبق ذكره يتبين لنا قيمة كتاب «إرشاد الساري» في الوقوف على كثير من الروايات والاختلاف بينهما، خاصة وأنه اعتمد كما سبق أن صرح على عمل شرف الدين اليُونِينِيّ؛ لأنه قد استوعب كل الروايات والاختلافات

التي كانت في نسخة اليُونِينِيّ وتتجلى قيمة الكتاب في التوجيهات وحكاية الاختلافات ومحاولة الترجيح بينها؛ حيث يحكي اختلاف الروايات ويوجهها. ولذا لا نبعد كثيرًا عن الحقيقة إذا قلنا: إن عمل القَسْطَلّانِيّ هذا صورة تحاكي عمل اليُونِينِيّ مع توجيه الاختلافات بينها إضافة إلى باقي الفوائد والدرر التي يقف عليها من طالع هذا الشرح العظيم من فوائد حديثية وفقهية وإسنادية وغير ذلك. فمثلًا يقول في بداية كتاب الإيمان وهو يحكي الخلاف في إثبات لفظة باب أو كتاب قال: وفي فرع «اليُونِينيّة» كهي (كتاب الإيمان وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -) وفي أخرى: (باب الإيمان وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -)، والأول أصح، لأن ذكر الإيمان بعد ذكر كتاب الإيمان لا طائل تحته كما لا يخفى، وسقط لفظ (باب) عند الأصيلي (¬1). وانظر أيضًا (¬2) وهو يضبط الخلاف في لفظة (المشبهات) يقول: المشبهات بالميم وتشديد الموحدة وفي رِواية الأصيلي وابن عساكر (المشتبهات) بالميم والمثناة الفوقية بعد الشين الساكنة وفي أخرى: الشبهات بإسقاط الميم، وضم الشين وبالموحدة. اهـ. وهو في حكايته الروايات عن اليُونِينِيّ يذكرها من فرعه الذي قابل عليه أولًا وإذا كان هناك موضع يحتاج إلى تأكيد يقول (كهي) أي كما جاء في أصل اليُونِينِيّ فمثلًا يقول في آخر الجزء الثاني ص: 529 وهو آخر كتاب الصلاة: وزاد في فرع «اليُونِينيّة» كهي هنا: باب صلاة النساء خلف الرجال وهو ثابت فيه قبل ببابين فكرره فيه، ونبه على سقوط الأخير في الهامش بإزاءه عند أبي ذر وهو ساقط في جميع الأصول التي وقفت عليها لكونه لا ¬

(¬1) «إرشاد الساري» 1/ 204 (¬2) 1/ 284

طبعات الكتاب

فائدة في تكريره. اهـ. ولذا عندما أراد مصححو النسخة «اليُونِينيّة» التي أمر بطبعها السلطان عبد الحميد الثاني اعتمدوا على شرح القَسْطَلّانِيّ في حكاية الروايات، وتقييد ما وقع من اختلاف بين أصل اليُونِينِيّ وبين هذا الشرح العظيم. - طبعات الكتاب: كتاب «إرشاد الساري» للقسطلاني حتى الآن لم يحظ بالعناية التامة له من حيث الإخراج وخدمة الكتاب. فبالرغم من الأهمية الكبرى للكتاب في الضبط والدقة وحكاية الاختلاف بين الروايات وغير ذلك إلا أنه طبع أكثر من طبعة، وكلها تخلو من الضبط وما أعلمه من طبعات للكتاب ما يلي: 1 - طبع في المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق عام 1304 هـ طبعة في عشرة أجزاء، وقد ذكر زهير الناصر في مقدمة طبعة دار طوق النجاة في إخراج الطبعة «السلطانية» أنهم اعتمدوا على هذه الطبعة، وصورت كثيرًا عند كثير من المطابع، وعندي هذه الطبعة مصورة صورتها دار الكتاب العربي. 2 - طبع في المكتبة الميمنية في اثني عشر مجلدًا مع كتابين آخرين هما: كتاب «تحفة الباري» أو «منحة الباري في شرح البُخارِيّ» لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري وكتاب «شرح النووي على صحيح مسلم». وعندي هذه النسخة. 3 - وقعت أخيرًا على طبعة أخرى طبعتها دار الكتب العلمية، وهي إعادة صف للكتاب عن الطبعة القديمة مع إضافة متن «صحيح البُخارِيّ» أول كل حديث، وهي طبعة مليئة بالأخطاء.

كتب أخرى

«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (449) هـ مؤلفه: هو الشيخ العلامة الفقيه، أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال، البكري القرطبي، ثم البلنسي (¬1)، يعرف بابن اللجام، وقيل ابن اللحام. روى عن: أبي المطرف القنازعي، وأبى الوليد يونس بن عبد الله القاضي، والمهلب بن أبي صفرة، وغيرهم. وروى عنه: أبو داود المقرئ، وعبد الرحمن بن بشر، وجماعة. قال فيه القاضي عياض: كان نبيلًا جليلًا متصوفًا. وقال ابن بشكوال: كان من أهل العلم والمعرفة والفهم، مليح الخط، حسن الضبط، عني بالحديث العناية التامة، وأتقن ما قيد منه. توفي رحمه الله تعالى في ليلة الأربعاء - وصُلي عليه في صلاة الظهر - آخر يوم من صفر سنة تسع وأربعين وأربعمائة (¬2). منهج ابن بطال في شرحه: قد ساق محققو كتاب شرح ابن بطال المنهج الذي سار عليه ابن بطال في كتابه، وذلك في مقدمة التحقيق، معتمدين في ذلك على مخالطتهم ¬

(¬1) البلنسي بفتح الباء المنقوطة بواحدة واللام وسكون النون، وفي آخرها السين المهملة. هذه النسبة إلى بلدة بشرق الأندلس من بلاد المغرب، يقال لها بلنسية. (¬2) ينظر ترجمته في «الصلة» 2/ 414 (891)، «سير أعلام النبلاء» 18/ 47 - 48، «تاريخ الإسلام» 30/ 233 (325) «شجرة النور الزكية» (115)، «شذرات الذهب» 3/ 283، «جمهرة تراجم الفقهاء المالكية» 2/ 848 (802).

وتحقيقهم للكتاب، وما يهمنا الآن هو الرواية التي اعتمد عليها ابن بطال في ذكر متن الصحيح عنده. وشرح ابن بطال يعتبر من نماذج الشروح التي حدث فيها اختلاف كبير بالتقديم والتأخير والحذف والإثبات في نص «الصحيح» وغالب الظن أن ذلك بناء على ما جاء في نسخته من الصحيح؟ وهذه أهم الملاحظات على ما جاء عنده في ذلك: 1 - قدم كتاب الصوم على كتاب الحج. 2 - أخر كتاب الشهادات إلى ما بعد النفقات، وقبل كتاب الصلح. 3 - أخر كتاب فضائل القرآن بعد كتاب الرقاق وقبل التمني. 4 - أخر كتاب الأطعمة فجعله بعد الطب وقبل التعبير. 5 - قدم كتاب العقيقة فجعله بعد كتاب الخمس وقبل كتاب الصيد والذبائح. 6 - أخر كتاب المرضى والطب فجعلهما بعد كتاب أدب وبعده وكتاب الأطعمة. 7 - أخر كتاب اللباس فجعله بعد كتاب الاستئذان وقبل كتاب الأدب. 8 - قدم كتاب الاستئذان فجعله قبل كتاب اللباس وبعد كتاب استتابة المرتدين وللعائدين وقتالهم. 9 - أخر كتاب الدعوات فجعله قبل كتاب الرقاق وبعد كتاب الفتن. 10 - أخر أيضا كتاب الرقاق فجعله قبل كتاب فضائل القرآن الذي هو مؤخر أيضًا قبل كتاب التمني، وبعد كتاب الدعوات. 11 - أخر التمني فجعله قبل القدر. رواية ابن بطال في شرحه: من المعلوم أن شرح ابن بطال يعتبر كتاب فقه، حيث اهتم ابن بطال

بالجوانب الفقهية في أحاديث الصحيح، ولذلك لم يتعرض لشرح كل كتب صحيح البخاري فضلًا عن أبوابه بل كان جل اهتمامه بما له متعلق بالأحكام الفقهية، وخاصة المذهب المالكي، فهناك كتب في شرحه لم يذكرها مثل: كتاب بدء الخلق، وكتاب التفسير، وكتب الفضائل، ومناقب الصحابة والمغازي، وبناء على اهتمامه هذا نتج عن ذلك أنه لا يهتم بالإسناد، ويقوم بحذف الإسناد في أول الحديث، ويبدأ بذكر الصحابي راوي الحديث، وأحيانا يذكر بعض الأسانيد التي لها تعلق بالمتن. وسياقه للمتن على أحوال حيث يختصرها، ويكون اختصارها من أولها، وأحيانًا أخرى في أثنائها، وكثيرًا ما يختصر آخرها ويقول: ... الحديث. وأحيانا يذكر الحديث بالمعنى، أو ما يدل عليه إذا كان مشهورًا بين العلماء. بل إنه أحيانا يدمج بين بعض الأبواب فيذكر الحديث ثم يقول: وترجم له بباب كذا، ثم لا يذكر الباب. ومن الملاحظ أنه يترجم أحيانًا لبعض الأبواب، ويعرض عن ذكر أحاديثها وشرحها، لعدم تعلقها بشيء من الفقه، ثم يقول في هذه الأبواب: ليس فيه فقه، أو لا فقه في هذا الباب. ومنهج المؤلف هذا فيما يتعلق بمتن صحيح البخاري أوجد صعوبة في تحديد الرواية التي اعتمد عليها، وخاصة أنه لم يذكر أسانيده لرواية الصحيح، كما فعل كثير ممن تعرضوا لشرح الصحيح، فأصبح الأمر متروكًا للاجتهاد والاستنباط. وقد قدم كتاب الصوم على كتاب الحج (¬1). ¬

(¬1) 4/ 5 - 184.

ومن المعروف أن الرواية التي وقع فيها تقديم كتاب الصوم على كتاب الحج هي رواية أبي زيد المروزي. وهذه الرواية اشتهرت من خلال رواتها الأُوَل في بلاد المغرب من خلال ثلاثة من الرواة وكلهم مغاربة: الراوي الأول: هو الحافظ الثبت العلامة عبد الله بن إبراهيم بن محمد الأصيِلي (392) هـ. الراوي الثاني: أبو الحسن القابسي (403) هـ الراوي الثالث: أبو نعيم الأصبهاني (430) هـ. ومن تتبع النصوص الواردة في هذا الشرح من الصحيح، ومقارنتها بروايات الصحيح يجد كثيرًا منها موافقًا لرواية الأصيلي ورواية النسفي، ولذا أشار ابن حجر في «فتح الباري» إلى مثل ذلك حيث يقول (¬1): في كتاب الأذان، باب رقم (126) بعد الحديث رقم (799): قوله: (باب) كذا للجميع بغير ترجمة: إلا للأصيلي فقد حذفه، وعليه شرح ابن بطال وغير ذلك. وإذا اعتبرنا أمرًا آخر في شهرة الروايات في بعض الأقطار الإسلامية نجد أن أشهر الروايات عند المغاربة كانت تعتمد على رواية أبي زيد المروزي، ورواية إبراهيم بن معقل النسفي وبعض الروايات الأخرى عن الفربري (¬2). والكتاب مطبوع طبعته مكتبة الرشد في سنة 1423 هـ - 2003 م في أحد عشر مجلدًا بالفهارس العلمية. ¬

(¬1) 2/ 332. (¬2) وينظر المبحث الخاص بروايات المغاربة للصحيح.

«التلخيص شرح الجامع الصحيح» للإمام النووي (676) هـ

«التلخيص شرح الجامع الصحيح» للإمام النووي (676) هـ مؤلفه: هو الإمام الحافظ، االقدوة شيخ الإسلام، أبو زكريا محيي الدين بن شرف بن مُري بن حسن بن حسين الحزامي، النووي، الدمشقي. والحزامي نسبة إلى جده، والنووي نسبة إلى نوى، مدينة بالجولان، وهي الآن بسوريا. ولد رحمه الله تعالى في سنة (631) هـ، وتوفي سنة (676) هـ. ونشأ في بيت العز والتقوى والصلاح، وتتلمذ على مشايخ عصره وممن أخذ عنهم الحديث وعلومه: 1 - المحدث الإمام ضياء الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى بن يوسف المرادي الأندلسي (667) هـ (¬1). 2 - الإمام الزاهد تقي الدين مسند الشام، أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد ابن فضل، المعروف بابن الواسطي الصالحي الحنبلي (602 - 692) هـ (¬2). 3 - زين الدين أبو البقاء خالد بن يوسف النابلسي الدمشقي (¬3) وغيرهم كثير. وترجمة الإمام النووي منثورة في مؤلفات كثيرة، وقد ذكر محقق كتابة «التلخيص شرح الجماع الصحيح» مصادر ترجمته على سبيل ¬

(¬1) «تاريخ الإسلام» 15/ 139. (¬2) «تاريخ الإسلام» 15/ 745. (¬3) «تاريخ الإسلام» 15/ 84.

الاستيعاب، كما ذكر الرسائل العلمية في الجامعات المصرية وغيرها، وينظر على سبيل المثال: «تاريخ الإسلام للذهبي» (15/ 324)، و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (8/ 295) وغيرها. وممن أفرده بالترجمة من العلماء: تلميذه علاء الدين على بن إبراهيم ابن العطار (724) هـ في كتاب: «تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين». وشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (902) هـ في كتابه «المنهل الروي في ترجمة الإمام النووي». وللحافظ السيوطي (911) هـ كتابان في ترجمته. وغير ذلك كثير. له من المؤلفات الكثير وأقوال العلماء في الثناء عليه لا حصر لها، ومصنفاته تدل على إمامته وتميزه على أقرانه، حتى لقب بشيخ الإسلام، ومنها شرحه على الصحيحين. وفاته: توفي رحمه الله ليلة الأربعاء الثلث الأخير من الليل رابع عشر سنة (676) هـ بنوى ودفن بها صبيحة الليلة المذكورة. الكتاب هذا الكتاب من أواخر ما كتب النووي، ولذا حالت الوفاة دون إتمامه، وقدم له بمقدمة موجزة، يحتاج إليها كل طالب علم يريد المعرفة بالجامع الصحيح، وتحدث فيها عن رواه الصحيح، واقتصر فيها على أشهر رواية، وهي رواية الفربري، ولم يشر إلى الروايات الأخرى، ثم ذكر سبعة من رواة الجامع الصحيح عن الفربري، ثم أشار إلى ما اشتهر من هذه الروايات في بلاد الشام، وهي رواية أبي الوقت السجزي، ثم ترجم للبخاري، كما تكلم عن الصحيح، وشرط البخاري فيه، وعدد أحاديثه، وتبع في ذلك ما روي عن الحمويي رحمه الله تعالى، ثم ذكر عدة فصول أخرى تتعلق بالصحيح،

ثم ترجم للرواة الذين روى الصحيح من خلالهم إلى البخاري، فترجم للفربري، والحمويي، وأبى الوقت، والزبيدي، وشيخه أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن قدامة. ثم عقد عشرين فصلًا تتعلق بقواعد علوم الحديث، ثم ذكر الباعث له على تأليف هذا الشرح، وأبان منهجه في الكتاب حيث يقول: شرح متوسط بين المختصرات والمبسوطات، لا من المختصرات المخلات ولا من المبسوطات المخلات ... إلخ. روايته للصحيح: اختار الإمام النووي رحمه الله رواية أبي الوقت السجزي ليعتمد عليها في شرحه، وهي أشهر رواية عند المشارقة في ذلك الوقت، وذلك لا تكاد تجد مشرقيا إلا ويروى الصحيح من هذه الطريق. ورواية أبي الوقت هي عن الحمويي عن الفربري عن البخاري وقد اتصلت له هذه الرواية عن شيخه العلامة أبي محمد عبد الرحمن بن الشيخ الصالح الإمام المجمع على جلالته أبى عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي عن الزبيدي عن أبي الوقت. وهو في شرحه مثل كثير من الشراح يذكر الحديث بما يدل عليه، وقد يذكر جملة من الحديث تدل عليه، إذا كان الحديث طويلًا، كما فعل في حديث عائشة رضي الله عنها في بدء الوحي (¬1) والمحقق يذكر الحديث بتمامه من السلطانية. وهو حينما يحكى اختلافًا للرواة في لفظه، لا يميز بين الرواة، فيكتفي بقوله: روى كذا وكذا، ولكنه يوجه جميع الروايات الواردة في اللفظة. ¬

(¬1) 1/ 318، 1/ 337، 338.

وهذا الكتاب من أواخر ما ألفة النووي رحمه الله تعالى، والتي حالت دون إتمامه منيتُهُ، وقد تناول بالشرح باب بدء الوحي وكتاب الإيمان إلى آخر حديث فيه وقد نال إعجاب العلماء، واستفاد منه جمع من العلماء ممن قاموا بشرح الصحيح بعده ومنهم: 1 - شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف الكرماني (786) هـ في شرحه «الكواكب الدراري». 2 - سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد المعروف بابن الملقن (804) هـ في شرحه «التوضيح لشرح الجامع الصحيح». 3 - الحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (851) هـ في شرحه «فتح الباري». 4 - وبدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد العيني (855) هـ في شرحه «عمدة القاري». 5 - وشهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد القسطلاني (923) هـ في «إرشاد الساري» وغيرهم. طبعات الكتاب: وقد طبع شرحه هذا لأول مرة عام (1347) هـ طبعته إدارة الطباعة المنيرية بالقاهرة في (280) صفحة من القطع الكبير كما صورته دار الكتب العلمية في بيروت في (280) صفحة من غير تاريخ ضمن مجموعة شروح هي: 1 - شرح النووي هذا المذكور. 2 - إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري للقسطلاني (923) هـ. 3 - عون الباري لحل أدلة البخاري لصديق حسن خان القنوجي (1307) هـ.

جاعلين الشروح الثلاثة في جداول، وفي أعلى الصفحة «شرح النووي»، وبعده «شرح القسطلاني»، ثم تحتها «عون الباري». ثم أفرد الكتاب مستقلًا الدكتور مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة بجامعة دمشق. ثم الطبعة التي اعتمدت عليها، وهي طبعة دار طيبة في المملكة العربية السعودية، بتحقيق أبي قتيبة نظر محمد الفاريابي في مجلدين، وذلك في سنة (1429 هـ - 2008 م).

«الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري» للكرماني (786) هـ

«الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري» للكرماني (786) هـ مؤلفه: هو العلامة شمس الدين محمد بن يوسف بن على الكرماني ثم البغدادي. ولد في جمادى الآخرة سنة (717) هـ، وأخد عن أبيه بهاء الدين وجماعة ببلده، ثم ارتحل إلى شيراز، فأخد عن القاضي عضد الدين، ولازمه اثني عشرة سنة، حتى قرأ عليه تصانيفه، ثم حج واستوطن ببغداد، ودخل الشام ومصر لما شرع في شرح البخاري، فسمعه بالجامع الأزهر، من لفظ المحدث ناصر الدين الفارقي. وله كثير من المصنفات غير شرح الصحيح: منها: شرح المواقف، وشرح مختصر ابن الحاجب، وحاشية على تفسير البيضاوي، وغير ذلك. تصدى لنشر العلم ببغداد ثلاثين سنة، وكان مقبلًا على شأنه، لا يتردد إلى أبناء الدنيا، قانعًا باليسير، ملازمًا للعلم، مع التواضع والبر بأهل العلم (¬1). وقال السيوطي في «بغية الوعاة» كان تام الخلُق ... يأتي إليه السلاطين في بيته، ويسألونه الدعاء والنصيحة ا. هـ (¬2). توفي رضي الله عنه يوم الخميس، سادس عشر المحرم، سنة ست وثمانين وسبعمائة، بطريق الحج، فنقل إلى بغداد، ودفن بقبر أعده لنفسه (¬3). ¬

(¬1) «الدر الكامنه» 4/ 311، و «طبقات الشافعية» 3/ 180. (¬2) 1/ 279 (515). (¬3) ينظر ترجمته في: «طبقات الشافعية» 3/ 180 (707)، «الدر الكامنة» 4/ 310 - 311 (836)، «بغية الوعاة» 1/ 279 - 280 (515)، «شذرات الذهب» 6/ 294 وغير ذلك.

الكتاب: شرح الكرماني لصحيح البخاري يعتبر أيضًا من الشروح الجامعة لكل ما يتعلق بنص الصحيح، سواء كان ذلك متعلقًا بالسند أو بالمتن، فيشمل الكلام على التراجم والأبواب، والعلاقة بين هذه التراجم والأحاديث، والكلام على رجال الأسانيد وتراجمهم، وما يشتمل عليه المتن من فوائد فقهية، وغير ذلك. وبالنسبة لمتن الصحيح فقد ذكر المتن أعلى الصفحة، وتحته الكلمات أو الجمل المشروحة مدمجة في النص المشروح، يسبقها كلمة: (قوله) للدلالة على التنصيص. وقد ساق المصنف في مقدمته أسانيده التي روى من خلالها الصحيح، ومن الملاحظ عليها ما يلي: 1 - روى الصحيح عن البخاري من خلال روايين هما: أبو عبد الله الفربري (320) هـ، وأبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي (330) هـ. 2 - رواية الفربري وقعت له من خلال ثلاثة من الرواة هم: الكشميهني (389) هـ، والمستملي (376) هـ، والسرخسي (381) هـ. وهذه الثلاثة تمثل ثلاثة روايات مشهورة بين العلماء: أولهما: رواية أبي ذر الهروي (434) هـ التي رواها عن هؤلاء الثلاثة. والثانية: رواية أبي الوقت (553) هـ التي رواها عن الداودي (467) هـ عن السرخسي (381). والثالثة: رواية كريمة المروزية (463) هـ التي روتها عن الكشميهني (389) هـ. 3 - روى الكرماني الصحيح عن ثلاثة شيوخ له هم: 1 - الإمام العلامة محدث الجامع الأزهر ناصر الدين محمد بن أبى

القاسم بن إسماعيل بن محمد، أبو عبد الله الفارقي، وكان قد داوم سنين على قراءة شيء من صحيح البخاري كل يوم بالجامع الأزهر، مات في حدود سنة ستين وسبعمائة. وروى عنه الصحيح برواية أبى الوقت. 2 - الشيخ الإمام الحافظ، محدث الحرم الشريف النبوي، أبو الحسن، على بن يوسف بن الحسن الزَرَندي - بفتح الزاي والراء وإسكان النون وبالمهملة - الأنصاري المتوفى سنة اثنين وسبعين وسبعمائة. وروى عنه الصحيح برواية كريمة المروزية. 3 - الشيخ الكبير جمال الدين، محمد بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله ابن عبد المعطي، الأنصاري، المكي، محدث الحرم الشريف، سمع عليه صحيح البخاري بمكة المشرفة، بالمسجد الحرام، بباب الرحمة، تجاه الكعبة المعظمة، حذاء الركن اليماني، إلا من كتاب الشهادات إلى سورة الفتح، فإنه كان بداره المباركة، التي يقرب الباب المشهور بباب إبراهيم من الحرم الشريف، في ثلاثة أشهر، أخرها شهر رمضان، سنة خمس وسبعين وسبعمائة. وروى عنه الكرماني الصحيح برواية أبى ذر الهروي، كما روى عنه الصحيح برواية المحاملي عن البخاري. وكتاب «الكواكب الدراري» مطبوع في خمسة عشر جزءًا، مجموعة في تسع مجلدات، من منشورات مؤسسة المطبوعات الإسلامية بشارع الصنادقية بميدان الجامع الأزهر.

«فتح الباري شرح صحيح البخاري» لابن رجب الحنبلي (795) هـ

كتاب «فتح الباري شرح صحيح البخاري» لابن رجب الحنبلي (795) هـ المؤلف: هو الإمام الحافظ العلامة، زين الدين عبد الرحمن، بن أحمد بن عبد الرحمن الملقب رجب، بن الحسن بن محمد، بن أبي البركات مسعود، السَّلاميَّ، البغدادي، ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن رجب، وهو لقب جده عبد الرحمن. ولد ابن رجب في بغداد سنة (736) هـ وجاء في «الدر الكامنة» أنه ولد سنة (706) هـ وهو خطأ. نشأ ابن رجب في أسرة علمية عريقة في الإمامه في العلم، مما جعل ابن رجب يطلب العلم مبكرًا، حيث اشتغل بالحديث بعناية والدة. شيوخه: تلقى ابن رجب العلم عن أكابر عصره، فسمع بدمشق من محمد الخباز، وإبراهيم بن داود العطار، وسمع بمكة من الفخر عثمان بن يوسف، وبمصر من صدر الدين أبي الفتح الميدومي، وغيرهم، ولقد كان مرافقًا للإمام العراقي عبد الرحيم بن الحسين في السماع كثيرًا. ولقد أثنى على ابن رجب كثير من العلماء، مما يبين مكانته، ويكفى فيه قول ابن حجر: مهر في فنون الحديث أسماء ورجالًا وعللًا وطرقًا وإطلاعًا على معانيه (¬1). وأقوال العلماء فيه كثيرة، ومؤلفاته غزيرة، توفي رحمه الله تعالى في ¬

(¬1) «إنباء الغمر» 1/ 460.

سنة (795) هـ (¬1). الكتاب: كتاب «فتح الباري» لابن رجب يعد من أفضل شروح الصحيح، وأعظمها نفعًا، وأرفعها قدرًا، وذلك لجلالة مصنفه، وغزارة علمه، ومع أن الحافظ وافته المنية قبل تمامه، حيث لم يبلغ فيه إلا إلى كتاب الجنائز من الصحيح، فقد مدحه الواصفون، وبالغ في الثناء عليه المزكون، حتى قيل: هو من عجائب الدهر، ولو كمل كان من العجائب (¬2). وقال في وصفه ابن مفلح (884) هـ: وشرع في شرح البخاري سماه «فتح الباري في شرح البخاري»، ونقل فيه كثيرًا من كلام المتقدمين (¬3). ومنهج ابن رجب في شرح الصحيح قد بسطه محققو «فتح الباري»، والذي يهمنا الآن روايته في هذا الكتاب لصحيح البخاري. إن السبيل إلى معرفة رواية المصنف للصحيح هو تنصيص المصنف نفسه، وللأسف الشديد فإن جميع مخطوطات هذا الشرح التي توفرت لمن قام بنشره، قد فقد فيها مقدمة المصنف وسبع أحاديث بشرحها حيث بدأ بالحديث الثامن من الصحيح. ووقفت في بعض مؤلفاتة الأخرى على بعض الأحاديث المسندة منه إلى البخاري التي تدل على روايته. ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «أبناء الغمر» 1/ 460 - 461، «لحظ الألحاظ» ص: 180، «ذيل تذكرة الحفاظ» ص: 367 «المقصد الأرشد» 2/ 81 - 82 (568) و «الجوهر المنضد» ص: 46 - 53 (57) وغيرها، وقد بسط ترجمته الدكتور نور الدين عترفي مقدمة كتابه «شرح علل الترمذي» لابن رجب الحنبلي 1/ 30 - 41 ومحققو كتابه «فتح الباري» 1/ 11 - 32. (¬2) هكذا وصفه يوسف بن عبد الهادي (909) هـ في كتابة «الجوهر المنضد» ص: 50. (¬3) «المقصد الأرشد» 2/ 82 (568).

قال ابن رجب في «ذيل طبقات الحنابلة» في ترجمة: عبد الرحمن بن عمر بن الغزّال البغدادي: أخبرنا محمد بن إسماعيل الأنصاري أخبرنا يحيى بن الصيرفي الفقيه أخبرنا عبد الرحمن بن عمر الواعظ، أخبرنا أبو الوقت أخبرنا أبو الحسن الداودي أخبرنا أبو محمد الحموي، أخبرنا محمد بن يوسف بن مطر، حدثنا البخاري حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ جِدَارُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوزُهَا (¬1). وفي ترجمة عبد الساتر بن عبد الحميد: أخبرنا محمد بن إسماعيل الأنصاري أخبرنا عبد الساتر بن عبد الحميد، وإسحاق بن إبراهيم قالا: حدثنا الحسين بن الزبيدي أنبأنا أبو الوقت أنبأنا الداودي أخبرتا الحموي أخبرنا الفربري حدثنا البخاري قال: حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - الْمَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (¬2). فهذه الأحاديث تدل على أن رواية ابن رجب هي رواية أبي الوقت عن الداودي، وخاصة إذا أضفنا إلى ذلك أن هذه الرواية كانت أشهر الروايات في بلاد المشرق في ذلك الوقت. وابن رجب الحنبلي في شرحه سار على منهج كثير من الشراح، حيث لم يلتزم حرفيًا برواية معينة، أو قصد ضبط نص الصحيح وذكره قبل كل ¬

(¬1) «الذيل على طبقات الحنابلة» 3/ 222 (284) والحديث في الصحيح في أبواب سترة المصلي باب: قدر كم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة. 1/ 106 (497). (¬2) «الذيل على طبقات الحنابلة» 4/ 157 (444) والحديث رواه البخاري في مواقيت الصلاة، باب وقت المغرب «اليونينية» 1/ 117 (561).

شرح، وإنما قَطَّع النص وخاصة المعلقات، حيث يورده جملةً جملةً، ويفرده بالشرح والتحليل، ولا يجمع بين أكثر من نص إلا لمناسبة تقتضي ذلك. وبمقارنة النصوص التي نص عليها، تبين أن هناك بعض الاختلافات عن نص اليونيني، وهذه الاختلافات قد تصل أحيانا إلى زيادة حديث أو جملة عنده، وليست في اليونينية وقد يكون الاختلاف بالنقص حيث يكون في اليونينية ما ليس عنده. كما وقعت بعض الاختلافات بالتقديم والتأخير، وقد أثبت المحققون كل هذه الاختلافات في موضعها من الشرح، وقد أحسنوا في ذلك، حيث التزموا بتمييز نص المصنف كما جاء عنه، والإشارة في الحواشي إلى هذه الاختلافات. فمثلا جرت عادة المصنف في كتاب الإيمان أن يضع كلمة (فصل) بدلًا من (باب)، وأحيانا يذكر كلمة (فصل)، ولا يذكر اسم الترجمة مثل ما جاء في باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وباب إطعام الطعام من الإيمان، وباب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأحيانا يذكر الترجمة داخل الشرح، وغير ذلك. أما من حيث الترتيب فمثلا: باب من الدين الفرار من الفتن، وفيه حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم ...» وهو رقم (12) في ترتيب اليونيني فلم يذكر في موضعه عند ابن رجب، وإنما ذكر بعد الباب رقم (16). ومثلًا قد سقط باب وما تحته من أحاديث وهي أحاديث رقم (30)، (31) مع وجودهما في اليونينية، ولا توجد إشارة في اليونينية لسقوطهما من أي نسخة. كما سقط عدة أبواب وما تحتها من أحاديث وهي الأبواب من (24)

حتى (28) والأحاديث التي تحتها وهي أحاديث (33) حتى (38). ويبدو أن ذلك من النسخ الأصلية للكتاب والله أعلم، وأحيانا يختصر الإسناد مثل ما جاء في حديث رقم (248) في الباب الأول من كتاب الغسل، وحديث رقم (307)، (308) وغير ذلك كثير، مما يدل على أن نسخ الكتاب ناقصة، وقد أحال إلى مواضع من شرحه، وهي ليست موجودة فيما وقف عليه المحققون، كما جاء في المجلد الأول ص: 246 حيث عزا إلى مواضع من كتاب الوضوء، وليس موجودًا في المطبوع. وابن رجب في ثنايا شرحه قد اهتم بتحرير ألفاظ الصحيح فتكلم عليها، ووجه بعض الاختلافات في النسخ، وإن كان لا يهتم بتمييز أصحاب هذه الاختلافات، إلا أنه كان يحاول توجيهها، شأنه في ذلك شأن كثير من الشراح، ينظر مثلا توجيهاته للفظة (حبائل) في حديث الإسراء في كتاب الصلاة (¬1). وينظر ضبطه لكلمة (مؤخرة) (¬2). والكتاب مطبوع طبعتين: إحداهما: من منشورات مكتبة الغرباء الأثرية بالمدينة المنورة، بتحقيق ثمانية من المحققين وهي في تسع مجلدات وكانت سنة 1996 م. وهي أفضل الطبعتين وعليها اعتمدت في نقل النصوص في هذه الرسالة. والثانية: من منشورات دار ابن الجوزي بالسعودية بتحقيق طارق عوض الله، وذلك في سنة 1996 م أيضا وهي في سبع مجلدات. ¬

(¬1) (349) 2/ 308، 325، 326. (¬2) في حديث رقم (507) كتاب «الصلاة» 4/ 70 من الفتح.

«التوضيح لشرح الجامع الصحيح» لابن الملقن (804) هـ

كتاب «التوضيح لشرح الجامع الصحيح» لابن الملقن (804) هـ مؤلفه: هو العلامة الإمام، أبو حفص، عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله، سراج الدين، الأنصاري، الأندلسي الأصل، المصري، الشافعي، المعروف بابن الملقنز ولد ابن الملقن في ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة وتوفي في سنة (804) هـ. وأقوال العلماء في الثناء عليه كثيرة جدًا، ومن أراد المزيد فعليه بالرجوع إلى مقدمة كتابه «التوضيح». الكتاب: «التوضيح لشرح الجامع الصحيح» هو كتاب كبير جدًا، جمع فيه ابن الملقن جهود من سبقه من العلماء، وأودعها في شرحه هذا، والكتاب مطبوع طبعته وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بقطر في ستة وثلاثين مجلدًا، وقد أوضح المؤلف منهجه في المقدمة التي صنفها في أول الشرح، وضمتها مباحث هامة تتعلق بالصحيح خاصة، وبعلوم الحديث عامة، وكل ذلك في مقدمة الكتاب فليرجع إليها من أراد المزيد. لقد ذكر ابن الملقن رحمه الله تعالى سند روايته للصحيح في المقدمة، وذكر فيها أن صحيح البخاري سمعه من شيخين: أولهما: الشيخ زين الدين أبو بكر بن قاسم الكناني، المولود سنة ست وستين وستمائة، والمتوفى سنة تسع وأربعين وسبعمائة، شهيدًا بالطاعون،

وكان خيرًا صالحًا، وزين الدين رواه عن شرف الدين اليونيني، صاحب النسخة المعروفة من الصحيح. وثانيهما: أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة الحجار كلاهما (اليونيني والحجار) عن أبي عبد الله الحسين بن أبي بكر الزبيدي (631) هـ عن أبي الوقت عبد الأول السجزي (553) هـ عن أبي الحسن عبد الرحمن الداودي (467) هـ عن أبي محمد الحموي السرخسي (381) هـ عن أبي عبد الله محمد بن يوسف الفربري (320) هـ عن البخاري. وترجم ابن الملقن في مقدمته هذه لهؤلاء الرواة. أهمية الكتاب في بيان هذه الرواية: لقد سلك ابن الملقن طرقًا مختلفة في ذكر أحاديث الباب، فهو أحيانا يذكر الحديث بإسناده ومتنه كاملًا وهذا قليل، وهو في أول الكتاب أكثر من آخره. وأحيانًا أخرى يختصر سنده ومتنه، وخاصة الأحاديث المطولة والمكررة. وأحيانًا أخرى يشير إلى الحديث بما يدل عليه إن كان الحديث معروفًا. والجزء الذي ذكره من الصحيح يصلح للمقارنة بين هذه الرواية وغيرها من روايات الصحيح (¬1). ولذلك في الأمثلة التطبيقية في هذه الرسالة، كنت أحرص على الرجوع إلى ما جاء عند ابن الملقن، ولو أثبت لنا النص كاملًا لكان ذلك له قيمة كبيرة جدًا في المقارنة بين هذه الرواية وغيرها من الروايات. ¬

(¬1) ولذلك في مشاركتي لتحقيق هذا الكتاب حرصنا على إثبات نص الصحيح، كما ذكره ابن الملقن، وراعينا في ذلك اختلاف الروايات، وأشرنا إلى اختلافها عن الروايات الأخرى، ونبهنا على ذلك في الحاشية.

«عمدة القاري شرح صحيح البخاري» لبدر الدين العيني (855) هـ

«عمدة القاري شرح صحيح البخاري» لبدر الدين العيني (855) هـ مؤلفه: هو العلامة قاضي القضاة، بدر الدين، محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد، العيني، الحنفي. ولد في رمضان سنة اثنتين وستين وسبعمائة بعنتاب، ونشأ بها وتفقه، واشتغل بالفقه وبرع ومهر، وانتفع في النحو وأصول الفقه والمعاني بالعلاَّمة جبريل من صالح البغدادي، وأخد عن الجمال يوسف الملطي والعلاء السيرافي، ودخل معه القاهرة، وولى نظر الحسبة بالقاهرة مرارًا ثم نظر الأحباس، ثم قضاء الحنفية، ودرس الحديث بالمؤيدية، وتقدم عند الأشرف برسباي، وكان إماما عالمًا علامة عارفا بالعربية والتصريف وغيرهما حافظًا للغة، كثير الاستعمال لحواشيها سريع الكتابة، عمر مدرسة بقرب الجامع الأزهر، ووقف بها كتبه. له مصنفات كثيرة غير الشرح منها: «شرح معاني الآثار»، و «طبقات الحنفية» و «مختصر تاريخ ابن عساكر» و «البناية في شرح الهداية» في الفقه، وكانت بينه وبين شيخ الإسلام ابن حجر منافسة شديدة. مات رضي الله عنه في ذي الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة (¬1). الكتاب: هذا الشرح تناول فيه العيني كل نصوص الصحيح بالشرح والتحليل، وهو شرح جامع، فهو يسوق متن الصحيح، ثم يشرح كل ما جاء فيه، ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «بغية الوعاة» 2/ 275 - 276 (1967)، «شذرات الذهب» 7/ 286، «معجم المؤلفين» 3/ 797 - 798 (16535)، «الأعلام» 7/ 163 وغير ذلك.

فيشمل شرح التراجم، والمعلقات والأسانيد والمتون، وغير ذلك. أما بالنسبة لنص الصحيح فقد ساق العيني نص الصحيح قبل الشرح، وقد ساق العيني أسانيده في مقدمة الشرح، والروايات التي روى من خلالها الصحيح، ويلاحظ على هذه الأسانيد ما يلي: 1 - كل الطرق والأسانيد التي روى من خلالها الصحيح تنتهي إلى الفربري أشهر راو للصحيح، ولم تقع له رواية من الطرق الأخرى مثل إبراهيم بن معقل النسفي أو حماد بن شاكر أو غيرهما. 2 - وقعت له رواية الفربري من خلال ثلاثة من الرواة هم: الكشميهني (389) هـ، والسرخسي (381) هـ، وأبو علي بن شبويه. 3 - وقعت له من الروايات المشهورة بين العلماء: رواية كريمة المروزية (463) هـ وهي عن الكشميهني (389) هـ. ورواية أبي الوقت السجزي (553) هـ وهي عن الداودي (467) هـ عن السرخسي (381) هـ. 4 - روى الصحيح عن شيخين له هما: زين الدين العراقي (806) هـ. وتقي الدين محمد بن معين الدين محمد بن حيدرة البصري. تنبيه: ومما يجب التنبيه عليه أن الروايات التي ذكرها العيني في ثنايا شرحه أكثر مما ساق أسانيده، وذلك لأنه اعتمد في مصادره على كتب أخرى، كانت تعتني بضبط هذه الروايات، مثل كتاب «تقييد المهمل» للجياني، و «مشارق الأنوار» للقاضي عياض. وهذا الأمر يكاد يكون في كل الشروح المتأخرة، والله أعلم. وكتاب «عمدة القاري» طبعته شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي في عشرين مجلدًا، من القطع الكبير وكانت الطبعة الأولى منه في سنة 1392 هـ - 1972 م.

المبحث الثاني: كتب تقييد الألفاظ واختلاف الروايات والنسخ

الباب الثالث: عناية الأمة بضبط هذه الاختلافات الفصل الثالث: أهم المصنفات التي تعتني بضبط هذه الاختلافات: المبحث الثاني: كتب تقييد الألفاظ واختلاف الروايات والنسخ - كتاب «تقييد المهمل» لأبي علي الجياني. - كتاب «مشارق الأنوار» للقاضي عياض. - كتاب «مطالع الأنوار» لابن قرقول.

كتاب «تقييد المهمل وتمييز المشكل» لأبي علي الجياني

كتاب «تقييد المهمل وتمييز المشكل» لأبي علي الجَيّانيّ مؤلفه: هو الحسين بن محمد بن أحمد أبو علي الغساني (¬1) الزهري (¬2) المعروف بالجَيّانيّ (¬3). ولد أبو علي في ليلة الأحد لخمس خلون من المحرم سنة (427) هـ ونشأ بالأندلس فتتلمذ على أكابر علماء بلده، وكان من أهمهم في بداية طلبه للعلم حكم بن محمد بن حكم الجزامي أبو العاصي (447) هـ وكان ثقة عالي الإسناد متأخر الوفاة إذ توفي عن بضع وتسعين سنة، وعرف ¬

(¬1) الغساني نسبة إلى قبيلة غسان، وهي يمنية من الأزد، نزلت الشام وسميت غسان بماء نزلته، واختلف في مكان هذا الماء فقيل باليمن بسد مأرب وقيل بالجحفة. «الأنساب» 4/ 195، «معجم البلدان» 1/ 203 - 204. (¬2) والزهري نسبة إلى مدينة صغيرة قرب قرطبة اسمها الزهراء كذا في «معجم البلدان» 3/ 161 - 162 وهي نسبة على غير قياس؛ لأن القياس في المنسوب إلى الزهراء أن يقال زهراوي كما جاء في ترجمة عمر بن عبيد الله بن يوسف الذهلي المعروف بالزهراوي وكذا في ترجمة خلف بن عباس الزهراوي أبي القاسم. ينظر «الصلة» لابن بشكوال 1/ 162، 379. (¬3) بالجيم المفتوحة والياء المشددة ثم ألف ونون نسبة إلى جيان وهي بلدة كبيرة بالأندلس «الأنساب» 2/ 135، «معجم البلدان» 2/ 195 ويبدو أن أبا علي كان يكره النسبة إليها فقد جاء في هامش النسخة الخطية من كتاب «الصلة» لابن بشكوال: قَال الحافظ أبو محمد بن موسي: سمعت الحافظ أبا علي يقول غير مرة: لا حلل من دعاني بالجَيَّانيّ .. «الصلة» 1/ 141 - هامش) ولذا فإنك تجد الحافظين ابن بشكوال وابن الأبار تجنبا نسبته إليه في كتبهم في الأغلب مع أنهما ذكراه مرات كثيرة، فالله أعلم.

بالرحلة إلى المشرق، كما تحمل أيضًا عن حاتم بن محمد بن عبد الرحمن الطرابلسي القرطبي (469) هـ وكان معروفًا أيضًا بالرحلة إلى بلاد المشرق وعمر أيضًا حتى ألحق الأحفاد بالأجداد، إذ توفي عن إحدى وتسعين سنة. وبعد هذين الشيخين لازم الإمامَ الحافظ يوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي (463) هـ حافظ المغرب وأخذ عليه كثيرًا من الكتب ومن رأسها مؤلفاته. وكان مع اهتمام أبي علي بعلوم الحديث، وإكثاره من السماع والتقييد والضبط كانت له عناية بعلوم اللغة العربية وآدابها، فأخذها عن العالم الأندلسي أبي مروان عبد الملك بن سراج القرطبي (489) هـ، وعن عبد الملك بن زيادة الله التميمي الطبني (469) هـ. ولم تكن له رحمه الله تعالى رحلة إلى بلاد المشرق، كما هي دأب المحدثين في زمانه، إلا أنه تتلمذ على يد كثير ممن رحلوا إلى بلاد المشرق، ولم يأثر التاريخ له رحلة إلى المشرق، حتى لأداء فريضة الحج، وإلا لنقلها العلماء الذين التقى بهم، حيث كان الحج مكانًا لالتقاء الشيوخ بالتلاميذ، بل نص غير واحد على عدم خروجه من الأندلس. ومع أنه لم تكن له رحلة إلى بلاد المشرق إلا أنه كان كثير الترحال في بلاد الأندلس، حيث كان يرحل إلى شاطبة وبلنسية وأشبيلية وبطليوس وطليطلة والمَرِيَّة وكلها من مدن الأندلس، حيث نزلها فسمع وأسمع والتقى بالشيوخ والتلاميذ. وقد سمع أبو علي من كثيرين حتى أنه ألف كتابًا في أسماء شيوخه، وذكر ما رواه عنهم من كتب العلم لكنه لم يصل إلينا، وقد أكثر ابن خير في فهرسته وابن بشكوال في «الصلة» من النقل عنه. أما تلاميذه والآخذين عنه فيكفي في الدلالة على كثرتهم قول القاضي

عِياض تلميذه: شيخ الأندلس في وقته وصاحب رحلتهم ... رحل إليه الناس من الأقطار وحملوا عنه (¬1). وقال ابن بشكوال تلميذه (578) هـ: ورحل الناس إليه وعولوا في الرِّواية عليه (¬2). وقال ابن الأبار تلميذه: فكثر الراحلون إليه، وغصَّ مجلسُه (¬3). كل ذلك جعل أبا علي الغساني يتبوأ مكانة علمية كبيرة في حياة شيوخه وبعد وفاتهم، وقد أثنى عليه من ترجم له من العلماء بعبارات هي من أعلى ما يقال في بيان المكانة العلمية لعَلَمٍ من العلماء فهذا تلميذه أبو محمد بن عطية (541) هـ يقول في «فهرسته» (¬4): الفقيه الإمام الحافظ ... أحد من انتهت إليه الرياسة بالأندلس في علم الحديث وإتقانه والمعرفة بعلله ورجاله مع تعرُّفٍ في علم النحو والغريب والأدب والشعر. اهـ. وقال القاضي عِياض تلميذه (544) هـ: الشيخ الحافظ ... شيخ الأندلس في وقته، وصاحب رحلتهم وأضبط الناس لكتاب، وأتقنهم لرِواية، مع الحظ الوافر من الأدب والنسب والمعرفة بأسماء الرجال وسعة السماع. ا. هـ (¬5). وقال ابن بشكوال: رئيس المحدثين بقرطبة ... وكان من جهابذة المحدثين وكبار العلماء والمسندين (¬6).اهـ. ¬

(¬1) «الغنية» ص: 201، 202. (¬2) «الصلة» 1/ 142. (¬3) «المعجم» ص: 78. (¬4) ص: 77 - 78. (¬5) «الغنية» ص: 201، و «الِإلمَاع» ص: 192 - 193. (¬6) 1/ 141 - 142.

وقال الذَّهبي 748 هـ في «سير أعلام النبلاء»: الإمام الحافظ، المجود، الحجة، الناقد محدث الأندلس ... كان من جهابذة الحفاظ، قوي العربية، بارع اللغة، مقدمًا في الآداب والشعر والنسب (¬1).اهـ. وكذا في كتبه «التذكرة» و «العبر» و «تاريخ الإسلام». كما ذكر بأعلى الصفات وأبلغ العبارات في الثناء والرفعة والتقدم على أهل زمانه في الفنون المختلفة، ورحلة العلماء إليه، والوقوف بين يديه، والاغتراف من علمه، والفوز بالسماع منه والرِّواية عنه أصح ما وجد في زمانه. وانظر في ذلك أقوال العلماء في كتبهم مثل: ابن عبد الهادي (744) هـ في «طبقات علماء الحديث» (¬2)، والصفدي (764) هـ في «الوافي بالوفيات» (¬3)، وابن فرحون المالكي (799) هـ في «الديباج المذهب» (¬4) وغيرهم. مؤلفاته: التأليف موهبة من الله ورزقًا يرزق به من يشاء، وأبو علي الغساني مع أن شهرته التي ملأت الآفاق إلا أنه لم يكن مكثرًا من التأليف، وإنما عرف عنه عدد قليل من الكتب من أهمها وأوسعها كتابه «تقييد المهمل»، وله كتاب آخر اسمه «تسمية شيوخ أبي داود السجستاني في مصنفه» (¬5). وله كتاب «التاريخ» ذكره ابن بشكوال في «الصلة» (¬6). ¬

(¬1) 19/ 148 - 149. (¬2) 4/ 7، 8. (¬3) 13/ 32. (¬4) ص: 105. (¬5) طبع مرتين الأولى عام 1418 هـ بدار الكتب العلمية تحقيق بسيوني زغلول، والثانية بدار ابن حزم تحقيق جاسم بن محمد بن حمود الفجي. (¬6) 1/ 151.

وله «ذيل الاستيعاب». ينظر: الذَّهبي في «السير» (¬1)، والسهيلي في «الروض الأنف» (¬2) وهذا الكتاب من مصادر ابن الأثير في «أسد الغابة» كما صرح به في مقدمته، وله كتب أخرى. وفاته: وبعد هذه الرحلة الحافلة بالسماع والإسماع والضبط والتقييد والرِّواية والتصنيف، أصيب أبو علي رحمه الله قبل وفاته بثلاث سنوات بمرض مزمن، ذكر ابن الأبار أنه الفالج، فذهب إلى المَرِيَّة للاستشفاء بها ثم عاد منها إلى قرطبة، وقد كان لزم بيته في آخر عمره، وتوفي في قرطبة ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شعبان سنة (498) هـ ودفن يوم الجمعة، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة. الكتاب الكتاب الذي نتناوله من أهم الكتب التي ألفت لخدمة الصحيحين في ضبط المشكل من أسماء الرجال وكناهم وأنسابهم وتعيين الشيوخ الذين روى عنهم البُخارِيّ وأهمل أنسابهم وقبائلهم وبلدانهم، والتنبيه على الأوهام الواقعة في الصحيحين في الأسانيد وأسماء الرجال من قبل رواة الكتابين، وبيان الصواب في ذلك بأسلوب لم يسبق إليه. ولقد قسم المؤلف كتابه هذا إلي أربعة أقسام وقدم له بمقدمة نفيسة ذكر فيها طرفًا من الأخبار التي تحث علي تقييد العلم وكتابته وضبطه، ثم ترجم للبخاري ومسلم وذكر بعضًا من أخبارهما الدالة على فضلهما وإشادة العلماء بمنزلتهما، وختم هذه المقدمة بذكر أسانيده إلى الكتابين. ¬

(¬1) 19/ 149. (¬2) 3/ 283.

الباعث على تأليف الكتاب: - ذكر أبو علي أن الباعث له على تأليف الكتاب كان سؤالًا من أحد المهتمين بالعلم يحثه على تأليف كتاب يجمع فيه المؤتلف والمختلف وغيره من فنون الحديث قال أبو علي الغساني في المقدمة (¬1): أما بعد، يرحمك الله فإنك سألتني أن أجمع لله ما اشتبه عليك مما يأتلف خطه ويختلف لفظه من أسماء الرُّواة وكناهم وأنسابهم من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين، ممن ذكر في الكتابين الصحيحين في السنن المسندة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تصنيف أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البُخارِيّ الجعفي، وأبي الحسين مسلم ابن الحجاج النيسابوري القشيري رحمهما الله وأقيد ما التبس عليك ... وأن أذكر الأوهام التي في الأسانيد التي العهدة في أكثرها على نقلة الكتابين، وأبين وجه الصواب في ذلك ... فأجبتك إلى ذلك كله مستعينا بالله عزَّ وجلَّ على بيان ما رغبت فيه رجاء ثوابه ... اهـ. أقسام الكتاب: وقد جعل المؤلف الكتاب أقسامًا أربعة وجعل كل قسم كتابًا مستقلًا. فالقسم الأول سماه «تقييد المهمل وتمييز المشكل» وهو نوعان: الأول: ضط المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب وتقييده بحيث يحفظه من الإشكال ويخرجه عن الإهمال. الثاني: تمييز المشكل من المتشابه في الأسماء، وهم قوم تتفق أسماؤهم وأسماء آبائهم أو تشكل صورة الخط إما بزيادة حرف أو بتغيير ¬

(¬1) ص: 3 - 4.

بعض الحروف وكذلك من تتفق كناهم ولا يعرفون إلا بها. وهذا القسم يمثل النصف الأول من مجموع الكتاب تقريبًا حيث جاء في آخره (¬1): كمل «تقييد المهمل وتمييز المشكل» والحمد لله كما هو أصله، يتلوه «التنبيه على أوهام الواقعة في الصحيحن وإصلاحها». ويستنبط منه أن تسمية الكتاب بأقسامه الأربعة بـ «تقييد المهمل» فيها تجوز؛ فإنه عنوان القسم الأول منه فقط ومناسب لمحتوياته، وللأقسام الأخرى منه عناوين تدل على موضوعاتها، وإن كانت في الجملة تدخل في التقييد والتمييز. القسم الثاني: كتاب: «التنبيه على الأوهام الواقعة في المسندين الصحيحين في الأسانيد وأسماء الرُّواة». وهو محل العناية بالروايات وسنتكلم عنه بالتفصيل لاحقًا. القسم الثالث: كتاب: «التعريف بشيوخ حدث عنهم البُخارِيّ وأهمل أنسابهم». القسم الرابع: كتاب: «الألقاب» وجاء في آخره (¬2): آخر كتاب الألقاب وبتمامه تم جميع الديوان. فظهر بذلك أن هذا الديوان أربعة كتب مستقلة، وقد طبعت قطع منه مستقلة ثم طبع كاملًا (¬3). ¬

(¬1) ص: 562. (¬2) ص: 1150. (¬3) فقد طُبع كتاب «التنبيه على الأوهام الواقعة في الصحيحين من قبل الرُّواة» (قسم البُخَارِيّ) وهو رسالة ماجستير بجامعة الإمام بالرياض وباقي الكتاب رسائل هناك أقدمها سنة (1402) هـ. والجزء الخاص بموضوعنا وهو التنبيه على الأوهام الواقعة - قسم البُخَارِيّ نشر في دار اللواء بالرياض سنة 1407 هـ بتحقيق محمد صادق آيدن الحامدي. وطبع هذا القسم ضمن الكتاب كاملًا نشرته دار عالم الفوائد بالمملكة العربية السعودية في ثلاث مجلدات بتحقيق علي بن محمد العمران، ومحمد عزيز شمس، وكتبت له مقدمة نفيسة، عرفت بالمؤلف ومنهجه في الكتاب وقد استفدت منها كثيرًا في هذا المبحث.

وسأقتصر في كلامي على القسم الخاص باختلاف الروايات وهو قسم: التنبيه على الأوهام الواقعة في الصحيحين من قبل الرُّواة قسم البُخارِيّ: - صرح المؤلف في مقدمته أن الحمل في هذه الأوهام على رواة الكتابين لا البُخارِيّ ومسلم ومن فوقهما إلا في مواضع يسيرة جدًا نبه على بعضها أبو مسعود الدمشقي وغيره من الأئمة، فرأى المؤلف ذكرها أيضًا لتتم الفائدة. ومنهجه فيه أن يذكر أولًا الكتاب والباب وسند الحديث وطرفًا من متنه، ثم يذكر الخلاف بين الروايات المختلفة للبخاري في ذكر هذا السند، ثم يبين وجه الصواب في هذه الاختلافات. وأبو علي أول من فكر - فيما أعلم - في دراسة الاختلافات التي وقعت في الصحيحين من قبل الرُّواة والمقارنة بينها ومحاولة الوصول إلى وجه الصواب فيها معتمدًا على الأدلة العلمية ونقول العلماء الثقات في هذا المجال.

روايات «صحيح البُخارِيّ» التي اعتمد عليها أبو علي في كتابه: نعلم أن «صحيح البُخارِيّ» كانت له روايات ونسخ كثيرة حتى عصر أبي علي، واعتمد في كتابه هذا على الروايات التي وصلت إليه بالسند الصحيح، وهذه الروايات ذكرها أبو علي في مقدمة كتابه (¬1). ويمكن حصر هذه الروايات التي وقعت له فيما يلي: الرِّواية الأولى: رِواية أبي زيد المَرْوَزيّ (371) هـ عن الفَرَبْريّ (320) هـ عن البُخارِيّ. وقد وقعت له من طريقين: الأول من طريق أبي الحسن القابسي (403) هـ أخذها عن شيخه أبي القاسم حاتم بن محمد بن عبد الله بن حاتم التميمي المعروف بابن الطرابلسي عن القابسي. الثاني: من طريق أبي محمد الأصيلي (392) هـ أخذها عن شيخيه أبي شاكر عبد الواحد بن محمد بن موهب التُجِيْبيُّ المعروف بالقبري، والقاضي أبي القاسم سراج بن عبد الله بن سراج كلاهما عن الأصيلي، وكلاهما - الأصيلي والقابسي - عن أبي زيد المَرْوَزيّ عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ. وقال أبو علي: عارضت كتابي من أوله إلى آخره بنسخة أبي محمد الأصيلي التي بخطه. الرِّواية الثانية: رِواية أبي علي سعيد بن عثمان بن السكن (353) هـ عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ: وقد وقعت له من رِواية أبي محمد عبد الله بن محمد بن أسد الجهني (395) هـ، رواها أبو علي عن شيخيه القاضي أبي عمر أحمد بن محمد بن يحيى المعروف بابن الحذاء والإمام أبو عمر يوسف بن عبد الله ¬

(¬1) 1/ 59 - 67.

بن محمد بن عبد البر النمري، كلاهما عن ابن أسد الجهني عن ابن السكن عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ. وقال أبو علي: وعارضت كتابي بنسخة أبي محمد بن أسد التي بخطه عن أبي علي بن السكن. الرِّواية الثالثة: رِواية أبي ذر عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الهَرَويّ الحافظ (434) هـ عن شيوخه الثلاثة أبي محمد بن حمويه السَّرْخَسي (381) هـ، وأبو إسحاق إبراهيم المُسْتَمْلِيّ (376) هـ وأبو القيم محمد بن المكي الكُشْمِيهَني (389) هـ، ثلاثتهم عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ. ورِواية أبي ذر هذه قال أبو علي أخبرني بها أبو العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري مناولة من يده إلى يدي وقال لي: سمعته مرارًا يقرأ على أبي ذر بمكة أولها في سنة ثمان وأربع مئة. اهـ. الرِّواية الرابعة: رِواية الأصيلي (392) هـ عن أبي أحمد محمد بن محمد بن يوسف بن مكي الجُرْجانيّ (374) هـ عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ. رواها من طريق أبي شاكر عبد الواحد بن موهب التُّجيبي والقاضي أبو القاسم سراج بن عبد الله بن سراج، كلاهما عن الأصيلي به. الرِّواية الخامسة: رِواية أبي اسحاق إبراهيم بن معقل النَسَفْيّ عن البُخارِيّ. أخبره بها أبو العاصي حكم بن محمد بن حكم الجذامي قال: نا أبو الفضل أحمد بن أبي عمران الهَرَويّ بمكة سنة اثنتين وثمانين وثلاث مائة قال لي: سمعت بعضه وأجاز لي سائره قال: نا أبو صالح خلف بن محمد بن إسماعيل البُخارِيّ، قال: نا إبراهيم بن معقل النَسَفْيّ قال: نا أبو عبد الله البُخارِيّ.

ثم ذكر أبو علي عن أبي الفضل صالح بن محمد شاذان الأصبهاني عن إبراهيم ابن معقل النَسَفْيّ أن البُخارِيّ أجاز له آخر الديوان من أول كتاب الأحكام إلى آخر ما رواه النَسَفْيّ من «الجامع». ثم ذكر ما فيها من نقص عن رِواية الفَرَبْريّ وقال: قد علمت على الموضع في كتابي ... وهو تسع أوراق من كتابي. اهـ. وقال أبو علي (¬1) في أول القسم الخاص بالاختلافات التي في «صحيح البُخارِيّ» وهو يذكر الروايات التي وقعت له قال: وانتقلت إلينا هذه الرِّواية على جهة الإجازة من قبل أبي صالح خلف بن محمد بن إسماعيل الخيام البُخارِيّ ومن قبل أبي الفضل صالح بن محمد شاذان الأصبهاني عنه. اهـ. واستنادًا إلى هذه الروايات المعتبرة عند علماء الرِّواية حيث أن رِواية المَرْوَزيّ من أجل الروايات، ورِواية أبي ذر الهَرَويّ من أدقها وأتقنها. أقول استنادًا إلى هذه الروايات تكلم أبو علي على الاختلافات، ورجح بينهما بالحجة والبرهان، وكان في ذلك رائدًا لم يسبق في هذا المجال واستطاع بوقوفه على هذه الروايات الوصول إلى وجه الصواب في هذه الاختلافات، ومؤيدًا لهذه الروايات بالنقول من علماء العلل والأنساب. ونظرًا لأهمية هذا الكتاب ومادته التي لا تكاد توجد في مؤلف غيره اعتمد عليه كل من جاء بعده من الشراح والمؤلفين عند كلامهم في هذا الباب. وعملُ أبي علي هذا في حقيقة الأمر دفاعًا عن «الصحيح» ببيان الأوهام والأخطاء الواقعة فيه من قبل الرُّواة، والتي يظن الكثير من الناس ¬

(¬1) 2/ 566.

أنها من قبل البُخارِيّ أو من فوقه. ومعلوم أن الصواب إذا وجد عند أحد الرُّواة لا يصح القطع بنسبة الخطأ إلى مؤلف الكتاب إلا إذا اتفق جميع الرُّواة على ذلك وهذا قليل ونادر. ولذلك يمكن دخول هذا العمل في باب العلل. أهمية الكتاب وقيمته وأثره في الكتب اللاحقة: سبق القول أن عمل أبي علي هذا لم يسبق إليه؛ ولذلك نجد كثيرًا من العلماء قد أثنوا عليه، فقال القاضي عِياض: ألف كتابه على الصحيحين المسمى «تقييد المهمل وتمييز المشكل» وهو كبير الفائدة (¬1). وقال ابن عطية: قرأت عليه - رحمه الله - كتابه الذي ألفه في الصحيحين وسماه «تقييد المهمل وتمييز المشكل» في أصله المجزأ على عشرة أجزاء، ولم يسبق أحد إلى مثله (¬2). وقال ابن بشكوال: جمع كتابًا في رجال الصحيحين سماه «تقييد المهمل وتمييز المشكل» وهو كتاب مفيد أخذه الناس عنه، وسمعناه على القاضي أبي عبد الله ابن الحاج عنه. اهـ (¬3). بل إنك تجد كثيرًا من العلماء تلقوا الكتاب، وتسابقوا إلي روايته عن المؤلف، وقد استفادوا منه، وأكثروا من النقل والاقتباس منه في الكتب التي ألفوها حول الصحيحين أو في موضوعات أخرى لها علاقة بمحتويات كتاب أبي علي. ¬

(¬1) «الغنية» ص: 201. (¬2) «الفهرسة» لابن عطية ص: 77. (¬3) «الصلة» 1/ 143.

وخاصة الأقسام المتعلقة بالأوهام الواقعة في الصحيحين من قبل الرُّواة. ومن أوائل من نقل واقتبس من كتاب أبي علي الإمام أبو عبد الله المازري (536) هـ شارح «صحيح مسلم» في كتابه المسمى بـ «المعلم بفوائد مسلم» (¬1). ونقل القاضي عِياض (544) هـ في «إكمال المعلم» ما ذكره المازري في «المعلم» ونبه أحيانًا على أن الكلام لأبي علي (¬2). وممن نقل عن أبي علي الغساني واستفاد منه ونسب أقواله إليه كل من ابن الصلاح في «صيانة صحيح مسلم» والنووي في «شرح مسلم» حيث نقلا عن كلامه في الأسانيد ووافقاه غالبًا وتعقباه أحيانًا بكلام مفيد. ولم تكن الاستفادة من أبي علي في كتابه هذا مقتصرة على كلامه في الأسانيد، وإنما تعدى ذلك إلى رِواية الصحيحين من طريق أبي علي ونقل الفوائد المتعلقة بالروايات من مقدمة كتاب «تقييد المهمل». حيث تجد في أول كتاب «مشارق الأنوار» للقاضي عِياض (¬3)، وشرح النووي على مسلم (¬4)، وشرحه على البُخارِيّ، و «فتح الباري» لابن حجر (¬5) وغيرها ذكر أسانيد المؤلفين إلى البُخارِيّ ومسلم، وروايات كتابيهما والكلام عليها، وكثير منه من طريق أبي علي الغساني من مقدمة «تقييد المهمل» كما يظهر ذلك بالمقارنة. ¬

(¬1) «صيانة صحيح مسلم» (159)، و «شرح مسلم» للنووي 1/ 193. (¬2) «إكمال المعلم» 1/ 215، 238. (¬3) 1/ 9 - 11. (¬4) 1/ 11 - 12. (¬5) 1/ 10 - 12.

وتجد أيضًا الإمام ابن الملقن (804) هـ في شرحه: «التوضيح لشرح الجامع الصحيح للبخاري» ينقل كثيرًا عن أبي علي الغساني في كلامه على الروايات والأسانيد وضبط الأسماء وغير ذلك. وكذا كل شراح البُخارِيّ أمثال ابن حجر في «الفتح» والعيني في «عمدة القاري» والقَسْطَلّانِيّ في «إرشاد الساري» وغيرهم. وبنى القاضي عِياض كتابه «مشارق الأنوار على صحاح الأخبار» على كتاب «تقييد المهمل» حيث اختصر أشياء منه وزاد وتعقب عليه أشياء وأضاف «الموطأ» إلى الصحيحين حتى أصبح أشمل وأجمع في بابه من كتاب أبي علي. وكذا جاء ابن قرقول (569) هـ بعد القاضي عِياض وهذب واختصر وزاد عليه في كتابه «مطالع الأنوار». أضف إلى ذلك أنك تجد كثيرًا من الكتب التي تتكلم في الرجال وضبط الأسماء والكنى والأنساب تنقل نصوصًا عن أبي علي في الأقسام المتعلقة بالرجال أمثال كتاب «الأنساب» (¬1) للسمعاني (562) هـ، و «توضيح المشتبه» (¬2) لابن ناصر الدين (842) هـ، و «تبصير المشتبه» لابن حجر (852) هـ وغيرها. حتى المؤلفون في كتب المصطلح مثل القاضي عِياض (544) هـ في «الِإلماع» (¬3) وابن الصلاح (634) هـ في «علوم الحديث» (¬4) والزركشي (794) هـ ¬

(¬1) ينظر 1/ 286، 408، 4/ 59، 75، 5، 550. (¬2) ينظر مثلًا 1/ 185، 213، 4/ 5، 5/ 135. (¬3) ينظر 154، 155، 193. (¬4) ص: 520، 568، ت / عائشة بنت الشاطئ.

في «النكت»، والبلقيني (805) هـ في «محاسن الاصطلاح» (¬1) وغير ذلك. أضف إلى ذلك كتب الرجال مثل كتاب «سير أعلام النبلاء» للذهبي (¬2)، و «طبقات الشافعية» للسبكي (¬3) وغيرها. ونظرًا لأهمية الكتاب فقد قام بعض العلماء باختصار وتهذيب جزء منه، وهو الجزء الخاص بأوهام الرُّواة في «صحيح البُخارِيّ» حيث قام يوسف بن عبد الهادي الحنبلي المعروف بابن المبرد (909) هـ باختصاره وسماه الاختلاف بين رواة البُخارِيّ عن الفَرَبْريّ، وروايات عن إبراهيم بن معقل النَسَفْيّ، وهو كتاب مطبوع متداول وتوجد عندي نسخة خطية منه (¬4). نموذج من الكتاب. أقوال أبي علي في كتابه هذا لا يستغني عنها من أراد أن يتكلم في روايات ونسخ «الجامع الصحيح»؛ ولذلك سننقل منه كثيرًا في الكلام على الروايات وبيان معالمها، وسأكتفي بسياق نموذج من الكتاب ليتبين لنا ترتيب الكتاب، وسأحاول اختيار النماذج التي تفي بالغرض، وليكن أول موضع تكلم عنه؛ لبيان جهده في هذا الجزء من الكتاب. قال أبو علي في كتابه «تقييد المهمل» بعد المقدمة (¬5): من ذلك في كتاب الإيمان في باب الصلاة من الإيمان. ¬

(¬1) ص: 548، 550، 551. (¬2) ينظر 12/ 172. (¬3) ينظر 10/ 406، 411. (¬4) نشرته دار الوطن بالرياض 1420 هـ بتحقيق فتحي هلل، ونسخته الخطية موجودة في دار الكتب المصرية، وعندي منها مصورة. (¬5) 2/ 567.

قال البُخارِيّ: حَدَّثَنا عمرو بن خالد، قال: نا زهير، قال: نا أبو إسحاق، عن البراء، وذكر شأن تحويل القبلة. قال الشيخ أبو علي: كان في نسخة أبى زيد المَرْوَزيّ: حَدَّثَنا عمر بن خالد، هكذا نقله عنه أبو الحسن القابسي وأبو الفرج عبدوس بن محمد الطليطلي، وذلك وهم، والصواب: عمرو - بفتح العين وسكون الميم - وهو عمرو بن خالد الحراني الجزري، وليس في شيوخ البُخارِيّ من يقال له: عمر بن خالد. اهـ. من «تقييد المهمل». التعليق على النص: هذا النص يلاحظ عليه ما يلي: 1) أنه يسوق الحديث ويذكر قبله موضع وجوده في «الصحيح»؛ حيث قال: من ذلك في كتاب الإيمان في باب الصلاة من الإيمان. 2) أنه يذكر الأحاديث التي وجد فيها خلاف أو وهم وقع من قبل الرُّواة الذين وقعت روايتهم له والذين سبق ذكرهم، فهو لم يذكر كل أحاديث البُخارِيّ. 3) أنه يقتصر على الاختلافات التي يظن القارئ أن فيها وهمًا أو إشكالًا، أما الاختلافات التي لا تضر والتي هي بمثابة توضيح أو زيادة أو اختصار أو غير ذلك فهو خارج عن شرط كتابه، يتبين ذلك إذا تأملنا جميع المواضع التي ذكرها. 4) أنه يسوق الأحاديث داخل الكتب والأبواب بترتيب البُخارِيّ، فهو مثلا لا يقدم حديثًا جاء في كتاب الصلاة على حديث جاء في كتاب العلم أو الإيمان، ولا يؤخر حديثًا في باب العلم ويذكره بعد كتاب الزكاة مثلًا، وذلك أيضًا واضح من خلال ترتيب الكتاب. 5) أنه يبدأ أولًا بذكر الحديث على وجه الصواب عنده كما هو عند

البُخارِيّ في «صحيحه» مقتصرًا على السند بنصه، ويذكر في المتن جزءًا منه أو ما يدل عليه إن كان الحديث مشهورًا. انظر مثلًا قوله في هذا الموضع: وذكر شأن تحويل القبلة، ويقول في الحديث الذي بعده وكثيرًا ما يفعل ذلك وهو حديث بردة: «ثلاثة لهم أجران ... الحديث (¬1). وأحيانًا يذكر الحديث كاملًا إذا كان صغيرًا (¬2). 6) أنه لم يقتصر على الأحاديث التي في «صحيح البُخارِيّ» فقط وإنما تعدى ذلك إلى ذكر المتابعات والشواهد كما فعل في الموضع الذي ذكره في باب درجات المجاهدين من كتاب الجهاد (2/ 627) حيث قال: ذكر في المتابعة: وقال محمد بن فليح عن أبيه قال: وفوقه عرش الرحمن .... إلخ (¬3). 7) وبعد أن يذكر الحديث بسنده وما يدل عليه أو بدايته على وجه الصواب عنده يذكر بعد ذلك ما خالف ذلك في النسخ الأخرى التي وقف عليها، وكثيرًا ما يؤيد الصواب بأدلة أخرى، وهذه الأدلة قد تكون نقولًا عن علماء آخرين (¬4) وهي في الأغلب الأعم تكون استنباطًا (¬5). ¬

(¬1) «تقييد المهمل» 2/ 568. (¬2) ينظر مثلًا 2/ 648. (¬3) 2/ 627. (¬4) أمثال الدارقطني، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي نصر الكلاباذي، وابن أبي حاتم، أو البُخَارِيّ نفسه. ينظر 2/ 621، 625، 632، 645، 693، 719 وغيرها كثير مما لا يسع المقام لذكره. (¬5) ينظر إلى قوله: وليس في شيوخ البُخَارِيّ من يقال له: عمر بن خالد. وينظر أمثلة أخرى كثيرة مثل ص: 572 بعد أن حكى خلافًا في إسناد قَال: واتصال هذا الإسناد وصوابه أن يكون عن محمد ... إلخ. وينظر إلى قوله ص: 579: ولا يتصل السند إلا بذكر يحيى بن آدم وسقوطه وهم. اهـ.

وغالبًا ما يوفق في الترجيح ويقطع بوجه الصواب والتصريح بذكر الواهم إذا تيقن من ذلك (¬1)، وأحيانًا يحكي الخلاف ويقتصر عليه إذا كان الوجهان مما لا يتعارضان وغير ذلك. 8) أنه اقتصر على الأوهام الواقعة للرواة في الأسانيد فقط دون المتون والأبواب والكتب، ولو فعل ذلك لكان في غاية الحسن والتمام في بابه. ولعل السبب في ذلك أن من سأله تأليف الكتاب لم يطلب منه ذلك أو أنه اقتصر على ما يدخل العلة في الإسناد لدخوله في جملة الغرض الذي من أجله ألف جميع الكتاب؛ حيث تجد جميع الأقسام الأخرى في الكتاب تتحدث عن الرجال وضبطها والتمييز بينها والله أعلم. 9) كثيرًا ما يسوق بعض الأحاديث بإسناده أو يذكر الأقوال مسندة إلى قائليها، وكثيرًا ما ينقل كلام أبي مسعود الدمشقي والكلاباذي، وقد ينقل عن الدارقطني والبُخارِيّ في غير «الصحيح» وابن أبي حاتم. 10) أضاف إلى الروايات التي وقعت له رِواية عبدوس وهو أبو الفرج بن محمد الطليطلي، وهي رِواية لـ «الصحيح» عن أبي زيد المَرْوَزيّ عن الفَرَبْريّ عن البُخارِيّ (¬2). ¬

(¬1) ينظر في المثال الذي معنا قوله: وذلك وهم، والصواب عمرو بفتح العين وسكون الميم ... إلخ. وقال في ص: 572: واتصال هذا الإسناد وصوابه أن يكون عن محمد ... إلخ، وفي ص: 578 ... وهو وهم والصواب سعد بسكون العين ... ، وقال في ص: 608: وقع في نسخة أبي محمد ... وهو وهم وصوابه ... إلخ، وقال في ص: 663: وهذا خطأ بين وإنما هو التبوذكي. وغير ذلك كثير. (¬2) ينظر مثلًا المثال الذي معنا وينظر أيضًا ص: 575، ص: 590، ص: 600، ص: 665، ص: 712 وغير ذلك.

كتاب «مشارق الأنوار على صحاح الآثار» للقاضي عياض

كتاب «مشارق الأنوار على صحاح الآثار» للقاضي عِياض (¬1) مؤلفه: هو الإمام الجليل والعالم العلامة، القاضي أبو الفضل عِياض بن عمرو ابن موسى بن عِياض بن محمد بن عبد الله بن موسى بن عِياض، الفاسي الأصل، السبتي المولد، المراكشي المدفن، اليحصبي نسبة إلى يحصب بن مالك بن زيد، الحافظ المغربي الذي ارتبط اسم بلاد المغرب باسمه. يلتقي نسبه بنسب الإمام مالك إمام دار الهجرة، وصاحب المذهب المالكي المتبع بالديار المغربية وأفريقيا، هذا المذهب الذي انتمى إليه ¬

(¬1) ترجمة القاضي عياض منثورة في بطون الكتب التي لا يمكن حصرها، ومنها على سبيل المثال: «الصلة» لابن بشكوال 2/ 660 - 661، «المعجم في أصحاب القاضي أبي علي الصدفي» لابن الأبار 294 - 298، «وفيات الأعيان» لابن خلكان 3/ 483 - 485، «سير أعلام النبلاء» للذهبي 20/ 212 - 219، وغيره من كتب الذَّهبي، «الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب» لابن فرحون 2/ 46 - 51، «فهرس الفهارس» للكتاني 2/ 797 - 804، وغير ذلك من المصادر والكتب والمقالات التي ألفت حول شخصية هذا الإمام. وقد خصصت له وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمغرب دورة خاصة به، ضمن سلسلة ندوات الإمام مالك إمام دار الهجرة، وهي تشتمل على ثلاثة وأربعين بحثا منشورًا كلها عن القاضي وما يتعلق به وغير ذلك. ولقد ذكر الدكتور / قاسم سعد في أول كتابه «جمهرة تراجم الفقهاء المالكية» وهي سلسلة ضمن إصدارات دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث بدبي لسنة 1423 هـ / 2002 م محاولة لحصر جميع المصادر والكتب التي ألفت، والمقالات التي ترجمت أو تكلمت عن القاضي عياض.

عِياض، ويعتبر من أشهر أعلامه البارزين المشهورين الذي خدموه بالتصنيف والإفتاء والتعليم. فكان القاضي عِياض ذا صلة بالإمام مالك من ناحيتين: الأولى: صلة النسب. الثانية: صلة المذهب. مولده: ولد القاضي عِياض ببلدة سبتة من الديار المغربية في منتصف شعبان سنة 476 هـ، وبها بدأ حياته الأولى في التعليم والقراءة، فحفظ القرآن الكريم بالروايات السبع، وانتقل إلى تعلم العلم، فحفظ الكثير من التصانيف والمتون في مختلف الفنون، وهو ما يزال صغير السن، وذلك لما حباه الله تعالى من ذكاء وقوة الذاكرة، إلى جانب الفطنة الواسعة، وهذه الصفات من شأنها أن ترفع صاحبها حتى تجعله في مصاف العلماء البارزين ذوي المراتب العالية في العلم والفضل والكمال. ومما ساعده على ذلك ما وجده من عمق الثقافة الإسلامية في تلك البقعة التي نشأ بها، وتربى فيها، بدءًا من مسقط رأسه سبتة التي كانت ملتقى الثقافات بما حباهاالله من موقع جغرافي، مما جعلها دار ممر للعلماء الكبار القادمين من المشرق العربي، الذين يمرون بالمغرب العربي عبرها نحو ديار الإسلام بالأندلس أو العكس؛ حيث العلماء القادمون من بلاد المغرب والأندلس، الراحلون إلى المشرق العربي حيث طلب العلم وأداء فريضة الحج المباركة. شيوخه ورحلاته: كان القاضي عِياض رحمه الله تعالى ذا منهج فريد ومتميز في طلب العلم وتلقي المرويات، سار عليه من بداية حياته وطلبه للعلم؛ حيث يرى رحمه الله تعالى أن المادة المروية إذا لم تثبت صحة نسبتها إلى صاحبها لا تصلح أن تكون أساسا في البحث والدرس، فضلا

عن أن تبنى عليها الأحكام، فهو يرى أنه لابد من التوسع في الرِّواية والقراءة المقيدة على أربابها. هذا المنهج الفريد الذي سار عليه القاضي عِياض جعله يرحل من مسقط رأسه - بعد أن استوعب ما فيها - إلى الأندلس، وذلك في سنة 507 هـ؛ أي بعد حوالي ثلاثين عاما من ولادته، فوصل إلى قرطبة بغية تصحيح المتون التي تلقاها. وأول ما تحمل القاضي عِياض من العلم إجازة مجردة من الحافظ أبي علي الغساني، وكان يمكنه السماع منه فقد لحق من حياته اثنين وعشرين عاما، ومن شيوخه من أهل المغرب القاضي أبو عبد الله عيسى، والخطيب أبو القاسم، والفقيه أبو إسحاق بن الفاسي وغيرهم. ولما رحل إلى الأندلس سنة 507 هـ روى عن القاضي أبي علي الصَّدفي سُكَّرة، ولازمه، وأخذ عن أبي حبر بن العاص، وأبي عتاب، وهشام بن أحمد وعدة. وتفقه بأبي عبد الله محمد بن عيسى التميمي، والقاضي محمد بن عبد الله المسيلي وشيوخه من كثرتهم ألف فهرسًا ذكرهم فيه وترجم لهم، وقد بلغ عددهم ثمانية وتسعين شيخًا، والكتاب مطبوع طبعة الدار العربية للكتاب بليبيا سنة 1398 هـ / 1978 م، بدراسة وتحقيق الدكتور / محمد بن عبد الدايم. وعاد القاضي عِياض من بلاد الأندلس بعد أن رصد عن كثب مناهج العلماء الأندلسيين في التفكير، ورأى كيف كانوا يتناولون المسائل بالدرس والبحث والتمحيص، فيردون منها ما يردون ويقبلون منها ما يقبلون فعاد إلى بلده آخذًا ما ينبغي له أخذه، وتاركًا ما ينبغي له تركه، عاد وقد أصبح بحرًا لا ساحل له في العلم، عاد وهو طاقةٌ هائلةٌ من التجارب، فأصبح

صوتًا للحق مدويًا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم، يقضي بين الناس كما أمر الله وكما يقضي إليه اجتهاده. من أجل كل ذلك علا قدره ومكانته بين أهله، وذاع صيته بين أقرانه حتى تبوأ مكانًة عاليًة، يُشد إليه الرحال طلبًا للإسناد وتلقي العلم على يديه، فأصبح بحق إمام وقته في الحديث وعلومه، فقيه زمانه في الأصول واللغة والنحو والأنساب، وغير ذلك مما يدل عليه تنوع معارفه وتآليفه التي تركت علامةً بارزةً في كل لون من ألوان التصنيف دالة على ذلك. أقوال العلماء فيه: قال ابن بشكوال في «الصلة» (¬1): هو من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم، واستقضي بسبتة مدة طولة حمدت سيرته فيها، ثم نُقل عنها إلى قضاء غرناطة، فلم يطول بها، وقدم علينا قرطبة فأخذنا عنه. اهـ. وقال فيه ابن الأبار: وكان لا يدرك شأوه، ولا يبلغ مداه في العناية بصناعة الحديث وتقييد الآثار، وخدمة العلم مع حسن التفنن فيه (¬2). وقال فيه رفيقه وتلميذه أبو عبد الله محمد بن حَمّاد السبتي: جلس القاضي للمناظرة وله نحو من ثمان وعشرين سنة، وولي القضاء وله خمس وثلاثون سنة، كان هينا من غير ضعف، صليبًا في الحق ... إلى أن قال: وحاز من الرئاسة في بلده والرفعة ما لم يصل إليه أحدٌ قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلا تواضعًا وخشيةً لله تعالى (¬3). وقال ابن خلكان في «وفيات الأعيان»: وهو إمام الحديث في وقته، ¬

(¬1) 2/ 453. (¬2) «معجم أصحاب أبي علي الصَّدفي» (¬3) «السير» 20/ 214 - 215.

وأعرف الناس بعلومه، وبالنحو واللغة وكلام العرب، وآبائهم وأنسابهم (¬1). وقال الذَّهبي في «السير»: الإمام العلامة الحافظ الأوحد، شيخ الإسلام .. (¬2). مصنفاته: له الكثير من المؤلفات في شتى العلوم والفنون؛ فمنها في الحديث: «مشارق الأنوار على صحاح الآثار»، «إكمال المعلم بفوائد مسلم»، «الِإلماع في أصول الرواية وتقييد السماع»، وغير ذلك. وله في الرجال: «ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب الإمام مالك»، «الغنية في أسماء شيوخه»، «المعجم في ذكر أبي علي الصَّدفي». وله غير ذلك الكثير مما لا يسع المجال لحصره. وفاته: توفي رحمه الله تعالى في سنة أربع وأربعين وخمسمائة في رمضان. وقيل: في جمادى الآخرة بمراكش، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة. الكتاب كتاب «مشارق الأنوار على صحاح الآثار»، هكذا سماه مؤلفه، اشتمل على تفسير غريب حديث «الموطأ» و «الجامع الصحيح» لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البُخارِيّ، و «الجامع الصحيح» لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، وضبط الألفاظ والتنبيه على مواضع الأوهام والتصحيفات، وضبط أسماء الرجال. ¬

(¬1) «وفيات الأعيان» 3/ 483. (¬2) «سير أعلام النبلاء» 20/ 212.

ترتيب الكتاب: يقول القاضي عِياض في المقدمة مبينا ترتيب كتابه (¬1): رأيت ترتيب تلك الكلمات على حروف المعجم، أيسر للناظر، وأقرب للطالب، فإذا وقف قارئ كتاب منها على كلمة مشكلة أو لفظة مهملة، فزع إلى الحرف الذي في أولها إن كان صحيحًا، وإن كان من حروف الزوائد أو العلل تركه، وطلب الصحيح، وإن أشكل وكان مهملا طلب صورته في سائر الأبواب التي تشبهه، حتى يقع عليه هنالك. فبدأت بحرف الألف، وختمت بالياء على ترتيب حروف المعجم عندنا، ورتبت ثاني الكلمة وثالثها من ذلك الحرف على ذلك الترتيب، رغبة في التسهيل للراغب والتقريب، وبدأت في أول كل حرف بالألفاظ الواقعة في المتون، المطابقة لبابه على الترتيب المضمون. اهـ. فالكتاب مرتب على ترتيب حروف المعجم عند المغاربة، حيث يوجد نوع اختلاف بين ترتيب حروف المعجم عند المشارقة عنه عند المغاربة، وزيادة في التوضيح سأذكر ترتيب الحروف عند المغاربة ليُعلم ذلك: فالترتيب عند المشارقة معروف وعند المغاربة هو كما يلي: الهمزة، الباء الموحدة، التاء المثناة، الثاء المثلثة، الجيم المعجمة، الحاء المهملة، الخاء المعجمة، الدال المهملة، الذال المعجمة، الراء المهملة، الزاي المعجمة، الطاء المهملة، الظاء المعجمة، ثم الكاف، اللام، الميم، النون، الصاد المهملة، الضاد المعجمة، ثم العين المهملة، الغين المعجمة، الفاء، القاف، ثم السين المهملة، الشين المعجمة، الهاء، الواو، الياء. وهكذا رتب الكتاب على حروف المعجم بهذا الترتيب بدءًا من الألف ¬

(¬1) ص: 28 - 29

وختما بالياء مع ترتيب ثاني الكلمة وثالثها من ذلك الحرف نفس الترتيب. ثم ذكر تحت كل حرف من هذه الحروف أربعة فصول رئيسة: الفَصْل الأول: في ضبط الألفاظ والحروف الواردة في الأصول الثلاثة، وشرح ما وقع فيها من خلل أو وهم، وبيان ما هو الصواب وغيره. الفَصْل الثاني: ما في الحرف من أسماء المواضع والأماكن من الأرض وضبطها، وما وقع فيها من اختلاف أو وهم أو تصحيف بالنسبة للكتب الثلاثة المعتمدة. الفَصْل الثالث: في الأسماء والكنى، مع ضبط ما التبس منها أو وقع فيه اختلاف أو وهم. الفَصْل الرابع: ما في الحرف من الأنساب، وما استشكل فيها والتبس خلافا أو وهما، ثم ما هو خارج عن هذه الفصول مما لا يدخل في باب من أبوابها لخلل وقع فيه أو التباس أو توهم أو تأخير ذكره أو ضبطه في باب من أبواب الكتاب الأخرى، أو في فصل من فصوله السابقة أو اللاحقة. مثال: حرف الجيم (¬1): قال: حرف الجيم. فبدأ بحرف: (الجيم مع الهمزة) ثم ذكر تحته (ج ار) ثم (ج ان) ثم (ج اش) وهكذا اقتصر على ذلك، حيث لا توجد كلمات إلا في هذه المواد وذكر تحت كل مادة المفردات والألفاظ التي وردت في الأحاديث من جنس هذه المواد. فذكر تحت مادة: (ج ار) قوله: (أو بقرة لها جوار) وتكلم عن رواياتها ¬

(¬1) هذا الحرف بجميع فصوله يقع في حوالي مائة صفحة، ينظر: 1/ 371 - 469.

وذكر أن في بعضها: (خوار) بالخاء ومعنى كل منهما ... الخ ثم ذكر (ج ان) وذكر تحتها قوله: (كأنما أخرجها من جونة عطار) ثم (ج اش) وذكر تحتها قوله: (فيسكن جاشه) وبعد ذلك ذكر فصلًا بعنوان: الاختلاف والوهم من ذلك، وهذا الفَصْل يذكره عقب كل حرف، وهو الخاص باختلاف الألفاظ الناتج عن اختلاف الرُّواة للكتب الثلاثة. يقول القاضي عِياض: فصل الاختلاف والوهم. وقوله: (فجئث منه فرقا) بضم الجيم بعدها همزة مكسورة وثاء ساكنة مثلثة، كذا رِواية كافتهم الأصيلي والحَمُّوييّ والمُسْتَمْلِيّ والنَسَفْيّ، في كتاب الأنبياء وغيره، وكذا لأكثر رواة مسلم، وعند السمرقندي وابن الحذاء في الأول: (جثثت) بثاء مثلثة أخرى مكان الهمزة حيث وقع، وكذا عند العذري في آخر حرف منها، مثل الرِّواية الأولى، ولغيره ما للسمرقندي، وللأصيلي في التفسير الوجهان، وبالثاء فيهما لأبي زيد، ومعنى الروايتين واحد، أي: رعبت، كما جاء بهذا اللفظ أول البُخارِيّ، قال الخليل: جئث الرجل وجث: فزع. ووقع للقابسي (فجثئت) قدم الثاء على الهمزة في كتاب الأنبياء، ولا معنى له، ووقع له في كتاب التفسير ولغيره (فحثثت) بالحاء المهملة وثاءين مثلثتين، وكذا رواه ابن الحذاء في كتاب مسلم في الثاني والثالث، وفسروه: بأسرعت، ولا معنى له؛ لأنه قال بعده: فهويت إلى الأرض، أي: سقطت. يريد من الذعر، فكيف يجتمع السقوط والإسراع. وحكى أن بعضهم رواه (فجبنت) من الجبن ولا معنى له هنا وهو

تصحيف (¬1).اهـ. ثم ذكر القاضي: الجيم مع الباء فبدأ (ج ب ب) ثم: (ج ب ذ) ثم: (ج ب ر) ثم: (ج ب ل) ثم: (ج ب ن) ثم: (ج ب هـ) ثم: (ج ب ى) يذكر تحت هذه المواد ما يناسبها من المفردات الواردة في الحديث. ثم عقد فصل الاختلاف والوهم من هذه المادة، فذكر الاختلاف في قوله: (فقعد على جبا الركية) ثم الاختلاف في كلمة: (جيبه) في باب جيب القميص، في حديث المتصدق والبخيل: (هكذا بأصبعيه في جيبه) هل هي جيبه أو جبته؟ ثم الاختلاف في كلمة (أجبرهم) في قوله: في قريش (أني أردت أن أجبرهم) هل هي أجبرهم أو أجيزهم .. وهكذا يسرد المفردات التي وقع فيها خلاف بين الرُّواة مبينًا وجه الصواب، وحاكيا كل ما جاء فيها كما وقعت له الرِّواية. ثم بعد ذلك ينتقل إلى حرف الجيم مع الثاء، فيسرد مفرداته ثم الجيم مع الحاء .. إلى آخر الحروف بترتيب المغاربة، وهو في كل ذلك يعقد فصلا للمختلف فيه من قبل الرُّواة عقب كل مادة كما سبق، وكل ذلك يعتبر في القسم الأول من هذا الحرف. والقسم الثاني: خصصه لأسماء المواضع، فذكر في هذا الحرف: (الجمرة) و (الجعرانة) و (جرباء) و (الجحفة) .. الخ. ثم ينتقل إلى القسم الثالث: وقد خصصه لمشكل الأسماء والكنى من هذا الحرف، ثم يذكر عقبه فصلا للمختلف فيه من قبل الرُّواة. ثم القسم الرابع: وقد خصصه لمشكل الأنساب، ويتبعه بفصل ¬

(¬1) «مشارق الأنوار» 1/ 372.

الاختلاف والوهم منه وهكذا ثم ينتقل إلى الحرف الذي يليه وهو الحاء بجميع أقسامه مثل تقسيم حرف الجيم. ويلخص القاضي عِياض عمله في الكتاب فيقول (¬1): فتولينا إتقان ضبطها، بحيث لا يلحقها تصحيف يظلمها، ولا يبقى بها إهمال يبهمها، فإن كان الحرف مما اختلفت فيه الروايات نبهنا على ذلك، وأشرنا إلى الأرجح والصواب هنالك، بحكم ما يوجد في حديث آخر رافع للاختلاف، مزيح للإشكال، مريح من حيرة الإبهام والإهمال، أو يكون هو المعروف في كلام العرب، أو الأشهر أو الأليق بمساق الكلام والأظهر، أو نص من سبقنا من جهابذة العلماء وقدوة الأئمة على المخطئ والمصحف فيه، أو أدركناه بتحقيق النظر، وكثرة البحث على ما نتلقاه من مناهجهم، ونقتفيه. وترجمنا فصلا في كل حرف، على ما وقع فيها من أسماء أماكن من الأرض، وبلاد يشكل تقييدها، ويقل متقن أساميها ومجيدها، ويقع فيها لكثير من الروايات تصحيف يسمج، ونبهنا معها على شرح أشباهها من ذلك الشرج (¬2)، ثم نعطف على ما وقع في المتون في ذلك الحرف بما وقع في الإسناد من النص على مشكل الأسماء والألقاب، ومبهم الكنى والأنساب، وربما وقع منه من جرى ذكره في المتن، فأضفناه إلى شكله من ذلك الفن ... ثم قال: وذكرنا في آخر كل فصل من فصول كل حرف ما جاء فيه من ¬

(¬1) ص: 28 - 29 (¬2) الشَّرْجُ: الضرب، يقال: هما شَرْج واحد أي ضرب واحد. ينظر «تهذيب اللغة» 2/ 1849، «لسان العرب» 4/ 2227 مادة: شرج.

تصحيف، ونبهنا فيه على الصواب والوجه المعروف. اهـ. الباعث على تأليفه: يذكر القاضي عِياض الباعث على تأليف هذا الكتاب مبينًا قصور الدراسات التي سبقته وأن كتابه هذا أراد به أن يستكمل الخلل السابق فيقول (¬1): ولم يؤلف في هذا الشأن كتاب مفرد، تقلد عهدة ما ذكرناه على أحد هذه الكتب أو غيرها، إلا ما صنعه الإمام أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني في «تصحيف المحدثين» وأكثره مما ليس في هذه الكتب، وما صنعه الإمام أبو سليمان الخطابي في جزء لطيف، وإلا نكتًا مفترقة وقعت أثناء شروحها لغير واحد، لو جمعت لم تشف غليلًا، ولم تبلغ من البغية إلا قليلًا، وإلا ما جمع الشيخ الحافظ أبو علي الحسن بن محمد الغساني شيخنا رحمه الله في كتابه المسمى: بـ «تقييد المهمل»، فإنه تقصى فيه أكثر ما اشتمل عليه الصحيحان، وقيده أحسن تقييد، وبينه غاية البيان، وجوده نهاية التجويد، لكن اقتصر على ما يتعلق بالأسماء والكنى والأنساب وألقاب الرجال، دون ما في المتون من تغيير وتصحيف وإشكال، وإن كان قد شذ عليه من الكتابين أسماء واستدركت عليه فيما ذكر أشياء، فالإحاطة بيد من يعلم ما في الأرض والسماء. اهـ. ¬

(¬1) 1/ 27 - 28.

الروايات التي اعتمد عليها: ساق القاضي عِياض في أول الكتاب أسانيده للكتب الثلاثة، فذكر أسانيد الصحيح بعد ذكر أسانيده إلى الموطأ قائلا (¬1): وأما الكتاب الجامع المسند الصحيح المختصر من آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل، البُخارِيّ المولد والمنشأ والدار، الجعفي النسب بالولاء، فقد وصل إلينا من رِواية أبي عبد الله محمد بن يوسف الفَرَبْريّ، وأكثر الروايات من طريقه، ومن رِواية إبراهيم بن معقل النَسَفْيّ عن البُخارِيّ، ولم يصل إلينا من غير هذين الطريقين عنه، ولا دخل المغرب والأندلس إلا عنهما، على كثرة رواة البُخارِيّ عنه لكتابه. فقد روينا عن أبي إسحاق المُسْتَمْلِيّ أنه قال: عن أبي عبد الله الفَرَبْريّ أنه كان يقول: روى الصحيح عن أبي عبد الله تسعون ألف رجل ما بقي منهم غيري. فأما رِواية الفَرَبْريّ فرويناها من طرق كثيرة: منها: طريق الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد الهَرَويّ. وطريق أبي محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي. وطريق أبي الحسن علي بن خلف القابسي. وطريق كريمة بنت محمد المَرْوَزيّة. وطريق أبي علي سعيد بن عثمان بن السكن البغدادي. وطريق أبي علي إسماعيل بن محمد الكُشّانيّ. وأبي علي محمد بن عمر بن شبوية. وأحمد بن صالح الهمداني. وأبي نعيم الحافظ الأصبهاني. ¬

(¬1) 1/ 36 - 39

وأبي الفيض أحمد بن محمد المَرْوَزيّ، وغيرهم فأما رِواية أبي ذر: فإني سمعتها، بقراءة غيري بجامع مدينة مرسية، لجميع الصحيح بها، على القاضي الشهيد أبي علي الحسين بن محمد الصَّدفي، وحَدَّثَنا بها عن القاضي أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، عن أبي ذر عبد بن أحمد الهَرَويّ، عن شيوخه الثلاثة: أبي محمد بن حموية السَّرْخَسي، وأبي إسحاق إبراهيم بن أحمد المُسْتَمْلِيّ، وأبي الهيثم محمد بن المكي الكُشْمِيهَني، كلهم عن الفَرَبْريّ، عن البُخارِيّ. وأخبرني به الشيخ أبو عبد الله أحمد بن محمد بن غلبون بمدينة أشبيلية، عن أبي ذر الهَرَويّ إجازة. وأما رِواية الأصيلي: فإني قرأت بها جميع الكتاب على الفقيه الشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب بمدينة قرطبة، وحدثني به، عن أبيه، عن أحمد بن ثابت الواسطي وغيره، عن الأصيلي، عن أبي زيد محمد بن أحمد المَرْوَزيّ وأبي أحمد محمد بن محمد بن يوسف الجُرْجانيّ كلاهما، عن الفَرَبْريّ، قال لي أبو محمد بن عتاب: وأجازنيها الفقيه أبو عبد الله بن نبأت عن الأصيلي. قال القاضي أبو الفضل رحمه الله: وكتب إلي بها إجازة بخط يده الحافظ أبو علي الحسين بن محمد الجَيّانيّ، وحدثني بها مشافهة الكاتب أبو جعفر أحمد بن طريف حدثاني به جميعا عن القاضي سراج بن محمد بن سراج عن الأصيلي. قال الجَيّانيّ: وحدثني بها أيضا أبو شاكر عبد الواحد بن موهب عنه، وعارضت كتابي بأصل الأصيلي، الذي بخطه حرفا حرفا، وكذلك عارضت مواضع إشكاله بأصل عبدوس بن محمد الذي بخطه أيضا، وروايته فيه عن المَرْوَزيّ.

وأما رِواية القابسي: فحدثني بها سماعا وقراءة وإجازة أبو محمد بن عتاب، وأبو علي الجَيّانيّ وغير واحد قالوا: نا أبو القاسم حاتم بن محمد الطرابلسي، عن أبي الحسن القابسي، عن أبي زيد المَرْوَزيّ، عن الفَرَبْريّ. وأنا بها أحمد بن محمد عن الفقيهين أبي عمران موسى بن عيسى الفاسي، وأبي القاسم عبد الرحمن بن محمد الحضرمي، بالإجازة عن القابسي. ولنا فيه أيضا رِواية من طريق القاضي أبي القاسم المهلب بن أبي صفرة عنه وأما رِواية أبي علي بن السكن: فحدثني بها أبو محمد بن عتاب، عن أبيه، عن أبي عبد الله بن نبأت، عن أبي جعفر بن عون الله ومحمد بن أحمد بن مفرج، عن أبي علي بن السكن، عن الفَرَبْريّ. قال أبو محمد بن عتاب: وأجازنيها ابن نبأت المذكور قال القاضي رحمه الله: حَدَّثَنا بها الشيخ أبو علي الجَيّانيّ، فيما كتب إلينا به. وحَدَّثَنا به القاضي أبو عبد الله بن عيسى سماعا لأكثره عنه قال: حَدَّثَنا بها القاضي أبو عمر بن الحذاء، وأبو عمر بن عبد البر الحافظ قالا: حَدَّثَنا أبو محمد عبد الله بن أسد، عن ابن السكن. قال القاضي رحمه الله: وحَدَّثَنا به أبو محمد بن عتاب، عن أبي عمر بن الحذاء، إجازة منه له. وأما رِواية كريمة فحدثني بها الشيخ أبو الأصبغ عيسى بن أبي البحر الزهري، والخطيب أبو القاسم خلف بن إبراهيم المقري، والشيخ أحمد بن خليفة بن منصور الخزاعي إجازة، وغير واحد كلهم عن كريمة بنت محمد سماعا عن أبي الهيثم الكُشْمِيهَني، عن الفَرَبْريّ.

وأما رِواية أبي علي الكُشّانيّ فإن القاضي الحافظ أبا علي حَدَّثَنا بها عن أبي الحسن علي بن الحسين بن أيوب البزاز سماعه منه ببغداد، عن أبي عبد الله الحسين ابن محمد الخلال، عن أبي علي الكُشّانيّ، عن الفَرَبْريّ وأما رِواية أبي إسحاق النَسَفْيّ فكتب إلي بها الشيخ الحافظ أبو علي الحسين بن محمد الغساني، وسمعت على القاضي أبي عبد الله التميمي كثيرًا مما قيد منها عنه قال: حدثني بها أبو العاصي حكم بن محمد الجذامي عن أبي الفضل بن أبي عمران الهَرَويّ، عن أبي صالح خلف بن محمد الخيام البُخارِيّ، عن إبراهيم بن معقل النَسَفْيّ، عن البُخارِيّ إلا أن النَسَفْيّ فاته من آخر الكتاب شيء من كتاب الأحكام، إلى باب قوله تعالى: «يريدون أن يبدلوا كلام الله» فإنه إجازة من البُخارِيّ للنسفي، ثم ما بعده لم يكن في رِواية النَسَفْيّ، إلى آخر الكتاب، وذلك نحو عشرة أوراق لم يرو منها إلا تسعة أحاديث أول الكتاب آخرها طرف من حديث الإفك. التعليق على الروايات: أولًا: روى الصحيح عن البُخارِيّ من روايتين رِواية الفَرَبْريّ ورِواية النَسَفْيّ. ثانيًا: رِواية الفَرَبْريّ وقعت له من طريق سبعة رواه وهم: 1 - المُسْتَمْلِيّ. 2 - الكُشْمِيهَني. 3 - السَّرْخَسي. هؤلاء الثلاثة من رِواية أبي علي الصَّدفي، عن أبي الوليد الباجي، عن أبي ذر الهَرَويّ عنهم. كما وقعت له رِواية الكُشْمِيهَني من طريق كريمة المَرْوَزيّة عنه.

4 - أبو زيد المَرْوَزيّ من طريقين: من طريق الأصيلي، ومن طريق القابسي، كلاهما عنه. 5 - أبو أحمد الجُرْجانيّ من طريق الأصيلي. 6 - ابن السكن من طريق أبي محمد عبد الله بن أسد الجهني وغيره عنه. 7 - أبو علي الكُشّانيّ من طريق أبي عبد الله الخلال عنه. أما رِواية النَسَفْيّ فوقعت له من طريق أبي العاصي حكم بن محمد الجذامي عن أبي الفضل بن أبي عمران الهَرَويّ، عن أبي صالح خلف بن محمد الخيام البُخارِيّ عنه. ثالثًا: كل هذه الروايات وقعت له سماعًا وبعضها وقعت له إجازة أيضًا كرِواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة، ورِواية الأصيلي، ورِواية ابن السكن، ورِواية النَسَفْيّ. قيمة الكتاب من حيث الروايات: الكتاب يعد بحق من أهم ما ألف لبيان الاختلاف بين الروايات، والتمييز بينها مع بيان وجه الصواب فيها. - وتبرز قيمته في نسبة اختلافات كثيرة، وخاصة إذا لاحظنا عدد الروايات التي اعتمد عليها القاضي عِياض. - يشتمل على الاختلافات التي وقعت من قبل الرُّواة في السند والمتن، حيث لم يقتصر على ألفاظ السند فقط كما فعل أبو علي الجَيّانيّ في تقييد المهمل. - أنه مرتب على حروف المعجم مما يسهل الوصول إلى الكلمة المراد الوصول إليها، حتى ولو كان الترتيب على طريقة المغاربة. - أن مؤلفه لديه صناعة حديثية ودقة علمية ومنهج في الرِّواية فريد مما جعله يقارن بين هذه الروايات مُنزلًا كل رِواية منزلتها من حيث الصحة

وعدمها ومبينًا ما كان سببه التصحيف أو غيره. - أنه يحكي الاختلاف في أصح ثلاثة كتب، وأكثر الكتب خدمة من العلماء المسلمين، وهي موطأ مالك والصحيحين. - أن مؤلفه يأتي بما يعضد رِواية الحديث بالروايات الأخرى له، أو صحيح لغة العرب أو غير ذلك. - أن صنيعه هذا يكاد يكون بطريقة الحصر، بحيث يستطيع الباحث الوقوف على جل الاختلافات في الكتب الثلاثة، مما يعطي تصورًا جزئيًا للروايات، وخاصة تلك الروايات التي لا توجد لها نصوص كاملة. كل ذلك وغيره جعل كل الشراح أمثال ابن الملقن، وابن حجر (¬1) والقَسْطَلّانِيّ، وغيرهم ينقلون من أقوال القاضي في «المشارق» فيما يتعلق بهذا الباب أو غيره. وبالجملة: الكتاب له قيمة كبيرة لمن أراد أن يحرر رِواية معينة من الروايات التي اعتمد عليها. وأختم بهذه الكلمات التي قالها مؤلف الكتاب، وهو يبين لنا منزلة الكتاب يقول القاضي عِياض في المقدمة (¬2): رجوت ألا يبقى على طالب معرفة الأصول المذكورة إشكال، وأنه يستغني بما يجده في كتابنا هذا عن الرحلة لمتقني الرجال، بل يكتفي بالسماع على الشيوخ، إن كان من أهل السماع والرِّواية، أو يقتصر على درس أصل مشهور الصحة، أو يصحح به كتابه ويعتمد فيما أشكل عليه ¬

(¬1) نقل منه ابن حجر في مواضع كثيرة منها على سبيل المثال: 1/ 408، 414، 415، 4/ 82، 5/ 41، 334، 340، 8/ 38، 64، 9/ 145، 241، 373، 10/ 281، 11/ 211، 12/ 306، 13/ 414. (¬2) 1/ 31 - 32.

على ما هنا، إن كان من طالبي التفقه والدراية. فهو كتاب يحتاج إليه الشيخ الراوي، كما يحتاج إليه الحافظ الواعي، ويتدرج به المبتدئ كما يتذكر به المنتهي، ويضطر إليه طالب التفقه والاجتهاد، كما لا يستغنى عنه راغب السماع والإسناد، ويحتج به الأديب في مذاكرته، كما يعتمد عليه المناظر في محاضرته. وسيعلم من وقف عليه من أهل المعرفة والدراية قدره، ويوفيه أهل الإنصاف والديانة حقه، فإني نخلت فيه معلومي، وبثته مكتومي، ورصعته بجواهر محفوظي ومفهومي، وأودعته مصونات الصنادق والصدور، وسمحت فيه بمضنونات المشائخ والصدور، مما لا يبيحون خفى ذكره لكل ناعق، ولا يبوحون بسره في متداولات المهارق، ولا يقلدون خطير دره إلا لبات أهل الحقائق، ولا يرفعون منها راية إلا لمن يتلقاها باليمين، ولا يودعون منها آية إلا عند ثقة أمين. وقد ألفته بحكم الاضطرار والاختيار، وصنفته منتقى النكت من خيار الخيار، وأودعته غرائب الودائع والأسرار، وأطلعته شمسا يشرق شعاعها في سائر الأقطار، وحررته تحريرا تحار فيه العقول والأفكار، وقربته تقريبا تتقلب فيه القلوب والأبصار، وسميته بمشارق الأنوار على صحاح الآثار. طبعات الكتاب وقفت للكتاب على طبعتين: الأولى: طبعة سنة 1333 من الهجرة النبوية، طبع ونشر المكتبة العتيقة بتونس، ودار التراث بالقاهرة، وهي في مجلدين من القطع الكبير. والطبعة الثانية: سنة 1402 هـ طبعتها وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، بدولة المغرب بأمر من الملك الحسن الثاني. وهي في مجلدين من القطع الصغير، بتحقيق البلعمشي أحمد يكن.

كتاب «مطالع الأنوار على صحاح الآثار» لابن قرقول 505 - 569 هـ

كتاب «مَطالِعُ الْأَنْوارِ عَلَى صِحاحِ الْآثارِ» لابن قُرْقُول 505 - 569 هـ المؤلف (¬1): هو الإمام العلامة، أبو إسحاق، إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الله بن باديس بن القائد، الْحَمْزِي (¬2) الوهراني، المعروف بِابْنِ قُرْقُول (¬3). ولد بِالْمَرِيَّةِ (¬4) إحدى مدائن الأندلس في صفر سنة خمس وخمسمائة. أما شيوخه رحمه الله فأئمة يحتذى، ومن أشهرهم: 1 - محمد بن خلف بن موسى، أبو عبد الله الأنصاري الأندلسي، المتكلم، نزيل قرطبة (¬5). 2 - محمد بن حكيم بن محمد بن أحمد بن الحزامي من أهل ¬

(¬1) ينظر ترجمته في: «سير أعلام النبلاء» (20/ 520)، «تاريخ الإسلام» (39/ 331 - 333)، و «المعين في طبقات المحدثين» ص: 248، و «التكملة لكتاب الصلة» (1/ 130)، و «وفيات الأعيان» (1/ 62)، و «شذرات الذهب» (4/ 231)، و «الوافي بالوفيات» (1/ 171)، و «الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى» (2/ 209)، و «هدية العارفين» (1/ 9). (¬2) نسبة حَمْزَة بفتح الحاء المهملة، وبعد الميم الساكنة زاي معجمة، وحمزة هي بليدة بإفريقية ما بين بجاية وقلعة بني حماد. (¬3) بضم القافين وسكون الراء المهملة بينهما وبعد الواو لام .. (¬4) «الْمَرِيَّة» بفتح الميم وكسر الراء المهملة وتشديد الياء المثناة من تحتها وبعدها هاء وهي مدينة كبيرة بالأندلس على شاطئ البحر من مراسي المراكب. ينظر «معجم البلدان» 5/ 119، «وفيات الأعيان» (1/ 62). (¬5) ينظر: «تاريخ الإسلام» (36/ 451)، و «الديباج المذهب» (1/ 313).

سرقسطة (538) هـ (¬1). 3 - إبراهيم بن أبي الفتح بن عبيدالله بن خفاجة الهواري الشاعر من أهل جزيرة شقر يكنى أبا إسحاق (¬2). تلاميذه: 1 - أحمد بن سلمة بن أحمد بن يوسف الأنصاري يعرف بابن الصيقل ويكنى أبا جعفر وأبا العباس (598) هـ (¬3). 2 - أحمد بن محمد بن أحمد البكري من أهل شريش يكنى أبا العباس (611) هـ (¬4). 3 - أبو بكر بن خلف الأنصاري القرطبي، القاضي أبو يحيى (599) هـ (¬5). ثناء العلماء عليه: قال الإمام الذَّهبي: كان رحالًا في العلم نقالًا فقيهًا نظارًا أديبًا نحويًّا عارفًا بالحديث ورجاله، بديع الكتابة، وكان من أوعية العلم له كتاب «المطالع» على الصحيح غزير الفوائد. وقال ابن خلكان: كان من الأفاضل وصحب جماعة من علماء الأندلس. وقال ابن ناصر الدين الدمشقي: كان ثقة مأمونًا. ¬

(¬1) ينظر: «الديباج المذهب» (1/ 3713). (¬2) ينظر: «التكملة لكتاب الصلة» (1/ 124) (373). (¬3) ينظر: «التكملة لكتاب الصلة» (1/ 82) (238). (¬4) ينظر: «التكملة لكتاب الصلة» (1/ 93) (270). (¬5) ينظر: «الوافي بالوفيات» (1/ 230) (4718)، و «التكملة لكتاب الصلة» (1/ 180) (598).

وقال ابن الأبار: وكان رحالًا في العلم فقيهًا نظارًا أديبًا حافظًا يبصر الحديث ورجاله، صنف وكتب الخط الأنيق، وأخذ الناس عنه. وقال الحسيني: وكان رحالًا في طلب العلم، حريصًا على لقاء الشيوخ، فقيهًا نظارًا أديبًا حافظًا يبصر الحديث ورجاله، وقد صنف وألف مع براعة الخط وحسن الوراقة، حدث وأخذ عنه الناس. وقال ابن العماد: كان من الفضلاء الصلحاء، وكان من أئمة أهل المغرب فقيهًا مناظرًا متفننًا حافظًا للحديث بصيرًا بالرجال، صحب علماء الأندلس، وكتابه ضاهى به «مشارق الأنوار» للقاضي عياض. وفاته: توفي رحمه الله بمدينة فاس يوم الجمعة أول وقت العصر سادس شوال سنة تسع وستين وخمسمائة. منهج الحافظ ابن قرقول في كتاب «المطالع»: لقد سار على نفس طريقة القاضي عياض في كتابه «المشارق» في الترتيب والمضمون، ولذا تجد المصنف ينقل عن «المشارق» نقولات طويلة أحيانًا يشير إلى أنه نقل، وأخرى لا يشير فيها، وربما نقل منها بتصرف مع زيادات وتصويبات. وذلك يرجع إلى أن عمل ابن قرقول في الأصل مكمل لعمل القاضي عياض، بل إنه استدرك عليه بعض الألفاظ التي كان يجب وضعها، وذكر كثير من الأوهام التي وقعت للقاضي عياض. وقد بين المصنف منهجه في مقدمة الكتاب وهي مستوحاه من مقدمة القاضي. قال ابن قرقول: ثم لما جمع عزمي على النظر في ذلك والتفرغ له وقتًا من نهاري وليلي، قسمت له حظًّا من تكاليفي وشغلي بالجلوس

للعامة للتذكير والتعليم، ثم للخاصة للرواية والتسميع، رأيت ترتيب هذا الغريب على حروف المعجم أقرب وأفهم، وأخلص من التكرار للألفاظ بحسب تكررها في هذه الأمهات وأسلم، تيسيرًا على الطالب ومعونة للمجتهد الراغب. فإذا وقف قارئ مصنف من هذه المصنفات على غريب أو كلمة مشكلة أو تسمية مهملة، فزع إلى الحرف الذي في أولها، إن كان صحيحًا طلبه في الصحيح، وإن كان مضاعفًا أو معتلًّا أو مهموزًا طلب كلًّا في بابه، ونسقت أبوابه على نسق حروف المعجم عندنا بالمغرب. وبدأت في أول كل حرفٍ منه بالألفاظ الواقعة في متون الأحاديث، دون أسماء الرجال والبقاع، ثم إذا فرغت من جميع الحرف عطفت عليه بأسماء الرواة والبقاع، هكذا حرفًا بعد حرفٍ إلى آخر الحروف، مقيدًا كله بما يعصمه إن شاء الله من التغيير والتصحيف والتبديل والتحريف؛ ليكون عصمة لمن اعتصم به، وعتادًا لمن لجأ إليه من أصحابي الآخذين عني. فمن فاته شيء من التقييد عني بغفلةٍ أو نسيان أو تضييع وإهمال استدركه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. ثم ليعلم قارئ هذا الكتاب أني لم أضعه لشرح اللغات وتفسير المعاني وتبيين وجوه الإعراب؛ بل لحفظ الرواية وتقييد السماع، وتمييز المشكل وتقييد المهمل، وفتح ما استغلق من تلك اللغات، وتوجيه ما اختلف فيه الروايات، وجبذ منادها إلى جهة الصواب، على قدر ما فتح لي من مبهم هذه الأبواب. والكتاب يذكر فيه ابن قرقول اختلاف الروايات، ومصدره في هذه الروايات - في غالب ظني - الكتب والمصادر التي استقى منها مادته العلمية للكتاب، وعلى رأسها كتاب القاضي عياض، ولم يذكر روايته لهذه الكتب

كما فعل القاضي عياض. وكتاب «المطالع» له أهميةٌ كبيرةٌ جدًّا عند أهل العلم خاصَّة، ويعتبر من أهم الكتب التي ألفت على «الموطأ» و «الصحيحين». وقد اعتمد أئمة أهل العلم على كتاب «المطالع» للحافظ ابن قرقول اعتمادًا كبيرًا، ونقلوا عنه واعتبروه مصدرًا رئيسيًّا في ذلك، وقد صرَّح بذلك الكثير من الأئمة في كتبهم. واعتمد الأئمة عليه في ضبط الروايات وأسماء الرجال والبلدان اعتمادًا كبيرًا، حتى امتلأت مصنفات أكابر علمائنا بالنقل عن هذا الكتاب، كالحافظ ابن الملقن، والحافظ ابن حجر، والإمام النووي، والإمام العيني في شروحهم. بل واعتمد عليه أهل اللغة، كمصدرٍ أساسيٍّ في تجميع مادة كتبهم، وضبط ما يشكل من الألفاظ، ومنهم من صرَّح بذلك في مقدمة كتابه، كالإمام الزبيدي في مقدمة كتابه «تاج العروس» (¬1). كما نقل من الكتاب كل من السيوطي في مصنفاته (¬2). والإمام الحافظ شمس الدين الذَّهبي (¬3). وقد اعتنى بهذا الكتاب بعض أهل العلم: ¬

(¬1) قَال في مقدمة كتابه بعد أن تكلم على منهج كتابه ومحتواه: مستمدًّا ذلك من الكتب التي يَسَّر الله تعالى بفضلِه وُقُوفي عليها، وحَصل الاستمدادُ عليه منها، ونقلْتُ بالمباشرة لا بالوسائط عنها. وذكر منها: «مشارق الأنوار» للقاضي عياض، و «المطالع» لتلميذه ابن قرقول. (¬2) ينظر مثلًا: «تنوير الحوالك شرح موطأ مالك» (1/ 63). «شرح السيوطي لسنن النسائي» (4/ 24). (¬3) ينظر مثلًا: «سير أعلام النبلاء» (15/ 12).

- فقام بنظمه الإمام العلامة محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان بن عبد العزيز، البعلي المولد، الشافعي المذهب، الشيخ شمس الدين، المعروف بابن الموصلي (¬1). - وقام بتهذيبه الإمام العلامة، محمود بن أحمد بن محمد النور، الهمذانى، الفيومي الأصل الحموي، الشافعي، المعروف بابن خطيب الدهشة (¬2). وأيضًا اختصره الإمام إبراهيم بن محمد الغساني في كتاب سماه «المختار من مطالع الأنوار». ويوجد للكتاب عدة نسخ خطية منها: 1 - النسخة الخطية المحفوظة بدار الكتب المصرية، حفظها الله تحت رقم (86 لغة تيمور). وهي نسخة خطية، متقنة كاملة عليها بلوغ مقابلات، وناسخها غير معروف، كتبت سنة 822 هـ بخط نسخي معتاد، وعدد أوراقها: 273 ورقة، ¬

(¬1) ولد سنة تسع وتسعين وستمائة. سمع الحديث على شيخ الإسلام جمال الدين يوسف المزي، وعلى الشيخ شمس الدين الذَّهبي، والشيخ بدر الدين ابن مكي، وغيرهم. ومصنفه هو كتاب «لوامع الأنوار نظم مطالع الأنوار» ينظر: «الدرر الكامنة» (5/ 543)، و «الوافي بالوفيات» (1/ 114). (¬2) سمع من جماعة، وتفقه على أهل بلده، وارتحل إلى مصر والشام فأخذ عن أئمتهما، وتقدم في الفقه وأصوله والعربية واللغة وغيرها، وولي قضاء حماة، ثم صرف ولزم منزله متصديًا للإقراء والفتاوى والتصنيف فانتفع به أهل بلده واشتهر ذكره. وصنف تصانيف كثيرة منها: «تهذيب المطالع» في ست مجلدات. ينظر: «البدر الطالع» (2/ 294).

وعدد الأسطر في كل ورقة 29 سطر. 2 - النسخة الخطية المحفوظة بمعهد المخطوطات تحت رقم (474 حديث) وهي نسخة خطية متقنة عليها بلوغ مقابلات، والموجود منها الجزء الثاني منها، ويبدأ بحرف اللام. وناسخها أحمد بن عمر بن رشيد الصواف. وذلك في سنة 633 هـ بدار الحديث الأشرفية. بخط نسخي معتاد، وعدد أوراقها: 283 ورقة، وعدد الأسطر في كل ورقة 24 سطر. 3 - النسخة الخطية المحفوظة بدار الكتب المصرية حفظها الله تحت رقم (474 حديث). وهي نسخة خطية في مجلدين، كثيرة التحريف، وبها خرم في أول المجلد الثاني. وناسخها محمد بن علي الدموسي. وذلك في سنة 778 هـ بخط نسخي معتاد، وعدد أوراقها: 424 ورقة، وعدد الأسطر في كل ورقة 24 سطر (¬1). ¬

(¬1) والكتاب يعمل على إخراجه «مركز الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث» بالفيوم.

خاتمة الباب الثالث

خاتمة الباب الثالث مما سبق يتبين أن عناية الأمة الإسلامية بضبط الاختلافات الواردة بين الروايات لصحيح البخاري، كانت عناية تامةً وتمثلت هذه العناية في أمور: أولها: الحرص على رواية الصحيح وانتفاء أصح الروايات لتحملها، حتى اشتهر عن المشارقة بعض الروايات، وعند المغاربة روايات أخرى. ثانيها: الحرص على الجمع بين أكثر من نسخة في كتاب واحد، مثل ما فعله أبو ذر الهروي والإمام اليونيني. ثالثها: تقييد الاختلافات بين الروايات وتوجيهها، وأفضل من قام بذلك: أبو علي الجياني، والقاضي عياض، وابن حجر العسقلاني، وشهاب الدين القسطلاني. كما يمكن استخلاص هذه النتائج: 1 - أن عمل اليونيني أفضل عمل حتى الآن يمثل جملة من الروايات مميزةً ومعزوةً إلى أصحابها. 2 - أن الطبعة السلطانية التي طبعت سنة (1411) هـ هي أفضل الطبعات التي تمثل عمل اليونيني، وأفضل المصورات لها مصورة دار طوق النجاة. 3 - من أفضل الطبعات أيضًا طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية المصرية، حيث تم إثبات الاختلافات بين الروايات في الهامش بعد فك الرموز الدالة عليها. 4 - أن المغاربة كان لهم دور بارز في حفظ التراث المتعلق بالصحيح، ويتمثل ذلك في احتفاظهم بنسختين يتمتعان بدرجة عالية من الدقة. وهما نسخة أبي علي الصدفي (514) هـ ونسخة أبي عمران ابن سعادة (522) هـ.

النتائج العامة للبحث

النتائج العامة للبحث هذا البحث يتناول ثلاثة جوانب تتعلق باختلاف الروايات، ولكل جانب باب مستقل: الأول: التعريف بأصحاب الروايات، وتبين من خلال هذا الباب ما يلي: 1 - إنه لم توجد دراسة تناولت التعريف بهذه الروايات بما يميزها عن غيرها. 2 - أشهر الروايات عن البخاري هي رواية الفربري؛ وذلك لعوامل وأسباب أدت إلى ذلك؛ مما يدل على تواتر «الصحيح» عن البخاري؛ لأن الفربري كان عنده أصل «صحيح البخاري». 3 - أشهر الروايات على الإطلاق رواية أبي ذر الهروي عن شيوخه الثلاثة. 4 - أن أقدم مخطوط يعرف الآن للصحيح هو القطعة الموجودة في مجموعة المستشرق منجانا وهي برواية أبي زيد المروزي المتوفى سنة (371) هـ عن الفربري وكتبت في حياته. 5 - توجد نسخ مخطوطة لعدة روايات منها رواية ابن السكن ورواية أبي ذر الهروي وهي كثيرة وقد ذكرت كثيرًا منها في موضعه. 6 - هناك روايات كثيرة أخرى اشتهرت بين العلماء ومنها رواية الأصيلي ورواية أبي الوقت ورواية كريمة المروزية. أما الجانب الثاني فكان في دراسة الاختلافات التي وقعت بين الرواة، وكان ذلك من خلال بيان صورها وأسبابها ونتائجها وعناية العلماء بتوجيهها، وهذا الجانب جعلته الباب الثاني من البحث، وقد

أظهرت كثيرًا من هذه النتائج في هذا الباب مما يغني عن إعادته هنا. أما الجانب الثالث فكان في إبراز عناية العلماء بضبط هذه الاختلافات وجعلته في الباب الثالث، وكان من أهم النتائج التي ظهرت من خلال هذا الباب ما يلي: 1 - اعتناء العلماء الأوائل العناية التامة بهذه الاختلافات وذلك من خلال الشروح والمصنفات التي اهتمت بتقييدها. 2 - تعتبر نسخة العلامة شرف الدين اليونيني المتوفى سنة (701) من الهجرة رحمه الله تعالى أجمع النسخ وأصحها لروايات «صحيح البخاري». 3 - تعتبر الطبعة السلطانية التي أمر بطبعها السلطان عبد الحميد الثاني سنة (1311) هـ هي أفضل الطبعات التي تمثل عمل اليونيني. 4 - أن أبا علي الجياني والقاضي عياض يعتبران ممن لهما السبق في تمييز هذه الاختلافات وتوجيهها، ثم تلاهم بعد ذلك شراح «الصحيح» أمثال ابن حجر العسقلاني وغيره. 5 - من أفضل الطبعات الموجودة في «الصحيح» طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية حيث ميزوا بين الروايات بعد ذكر ما تدل عليه الرموز عند شرف الدين اليونيني. 6 - حدث كثيرٌ من الإشكالات وذلك لتجاهل هذه الاختلافات مثل ما حدث في الطبعة السلفية، حيث وضعوا متن «صحيح البخاري» من رواية غير الرواية التي شرح عليها ابن حجر العسقلاني، وقد سبق تفصيل ذلك في الباب الثاني.

كيفية الوصول إلى نص «صحيح البخاري»

كيفية الوصول إلى نص «صحيح البخاري» كل كتاب تعددت رواياته يحتاج إلى طريقة خاصة في الوصول إلى النص الذي أراده مصنفه، فنحن أمام كتاب أقبل عليه العلماء من كل الأقطار، وبقي مؤلفه يحدث به فترة زمنية كبيرة، مما جعل عدد السامعين له أكثر من تسعين ألف راو، كما جاء ذلك عن الفربري. ومع مرور الزمن أصبح كل راو من هؤلاء الرواة عن البخاري له مستمعون يأخذون عنه «الصحيح»، وعن كل راو من هؤلاء الرواة رواةٌ آخرون، وهكذا حتى كثرت الروايات، واعتراها النقص البشري من زيادة ونقصان، وتصحيف وتحريف، وغير ذلك، والتي سبق الحديث عنها بالتفصيل. وفي هذا الزحام الشديد من الروايات، ظهرت روايات وتميزت عن غيرها من الروايات، لعوامل ساعدت في ذلك، وتعرضت لها بالتفصيل روايةً روايةً كما سبق، وجلها يرجع إلى ضبط الرواية والراوي، وعناية العلماء بالرواية. وهذه الروايات يوجد بينها اختلاف في الترتيب والزيادة والنقص وغير ذلك؛ وذلك لأسباب قد تعرضت لها فيما سبق، وهي غير قادحة في متن «الصحيح» ولله الحمد، ولكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة: كيف نصل إلى نص صحيح لمتن «صحيح البخاري» رحمه الله تعالى؟ إن الوصول إلى نصٍّ لصحيح البخاري لا يتم إلا بتمييز كل رواية من هذه الروايات على حدة، وذلك بالوقوف على أصح النسخ

المخطوطة التي نسبت إلى هذه الروايات، وذلك بعد دراسة لهذه الرواية وأهم النسخ التي أخذت عنها. ويكون كل راو عن البخاري بمثابة أصل تجتمع عنده الروايات. فعلى سبيل المثال: إخراج رواية الفربري تكون على حدة، وذلك من خلال جمع النسخ التي رويت عنه من خلال أشهر تلاميذه، فيذكر مثلًا: رواية أبي زيد المروزي (371) هـ، ورواية ابن السكن (353) هـ ورواية أبي محمد السرخسي (381) هـ، ورواية أبي إسحاق المستملي (376) هـ، ورواية أبى الهيثم الكشميهني (389) هـ، وغير ذلك فتُجمع هذه الروايات أو ما يتيسر الوقوف عليه، ثم يُقارن بينها، وإذا لم يتيسر الوقوف على نسخ مخطوطة لهذه الطبقة، يمكن الاعتماد على الطبقة التي تليها، حيث اشتهر في كل طبقة بعض الروايات التي عرفت بضبط رواتها، وعنايتهم بها، وهم بدورهم قد قارنوا بين أكثر من راوٍ عن الفربري. فمثلًا: أشهر الروايات في الطبقة الثالثة من الرواة عن البخاري: رواية أبي ذر الهروي (434) هـ حيث جمع بين ثلاث روايات من الطبقة الثانية، وهي: رواية أبي إسحاق المستملي، ورواية أبي محمد السرخسي، ورواية أبي الهيثم الكشميهني. وقد سبق ذكرُ كثيرٍ من المخطوطات عند الحديث عن رواية أبي ذر الهروي وأشهر الرواة لها.

ومن هذه الروايات: رواية أبى محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلى (392) هـ عن الإمام أبى زيد المروزي (371) هـ وقد سبق الحديث عن أماكن وجودها. ومنها أيضًا: رواية كريمة المروزية (463) هـ وهي عن أبي الهيثم الكشميهني وهكذا. ويمكن الاقتصار على رواية واحدة، أو الجمع بين روايتين فأكثر على المنهج الذي سيأتي الحديث عنه في المقارنة بين الروايات. كما يمكن أيضًا الاعتماد على نسخ أخرى من الطبقة الرابعة في الرواة عن البخاري مثل: رواية أبي الوقت عبد الأول الهروي (458 - 553) هـ التي رواها عن أبي الحسن الداودى (374 - 467) هـ عن أبي محمد السرخسي (293 - 381) هـ عن أبي عبد الله الفربري، عن البخاري. ورواية أبي الوقت هذه رواها عنه أبو عبد الله الحسين بن بكر الزبيدي (545 - 631) هـ وهي من الروايات التي اعتمد عليها شرف الدين اليونيني (621 - 701) هـ وهي أصل سماعه أيضًا، واعتمد عليها بعض شراح «الصحيح» ومنهم العلامة سراج الدين ابن الملقن (723 - 804) هـ. ويمكن الاعتماد أيضًا على نسخ في الطبقات المتأخرة مثل نسخة أبي علي الصدفي (454 - 514) هـ التي رواها عن شيخه أبى الوليد الباجي (474) هـ عن أبي ذر الهروي عن شيوخه الثلاثة، عن

الفربري، عن البخاري. والتي كتبها بخطه، وقد سبق الحديث عن مكانها وأهميتها. كما اعتمدت نسخة أبي عمران موسى بن سعادة المتوفى سنة (522) هـ أو بعدها، على نسخة أبي علي الصدفي وقد سبق الكلام عليها، وعلى أهميتها وأماكن وجودها. كما توجد أيضًا نسخة أبي زرعة العراقي المتوفى سنة (826) هـ وهي النسخة العراقية، حيث ساق أبو زرعة فيها أسانيده إلى كريمة المروزية، ثم إلى أبي ذر الهروي (434) هـ ثم إلى أبي الوقت عبد الأول (553) هـ واعتمد ذكر متن إحدى الروايات، وذكر في الهامش فروق النسخ، وتوجد عندي منها صورة كاملة لـ «الصحيح» كله، وهي من أكمل وأحسن النسخ المخطوطة التي اطّلعتُ عليها. ومن أجود الأعمال وأحسنها في الجمع بين أكثر من نسخة ما قام به الإمام شرف الدين اليونيني (701) هـ حيث استنسخ «الصحيح» وحرره وقابله على أصول أخرى عرفت بالصحة، هي: أصل مسموع على الحافظ أبي ذر الهروي، وأصل مسموع على الأصيلي، وأصل مسموع على أبي الوقت السجزي (553) هـ، وأصل مؤرخ الشام الحافظ ابن عساكر (571) هـ. ثم اجتهد فبالغ في التحري لما قابلها بحضرة إمام اللغة جمال الدين بن مالك، فكان يضبطها على الأوجه في اللغة، ويعلل ما وقع فيها من ضبط، قد يشكل على أصحاب اللغة، وقد سبق الحديث عنها بالتفصيل.

ومن الجدير بالملاحظة هنا أن الطبعة السلطانية وفروعها المأخوذة منها تعتبر فرعًا عن «اليونينية» وليست نسخة منها، حيث اعتمد المحققون عليها وعلى نسخ أخرى معها، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل. وهكذا يمكن الاقتصار على رواية من الروايات التي عُرف أصحابها بالدقة والإتقان، وذلك من خلال النسخ المأخوذة عنها، أو الجمع بين أكثر من رواية.

منهج الجمع بين أكثر من رواية من روايات «الصحيح»

منهج الجمع بين أكثر من رواية من روايات «الصحيح» الأصل في الوصول إلى نص المؤلف هو الرجوع إلى نسخته التي كان يروي منها، فإذا لم يتيسر ذلك كما هو الحال في «الجامع الصحيح» فينظر هل تعددت الروايات عن هذا المؤلف أم لا؟ فإن لم تتعدد فالأمر سهل وهين؛ حيث لا يوجد اختلاف على المؤلف، أما إذا تعدد الرواة عن هذا المؤلف، ثم تعدد الرواة عن هؤلاء الرواة وهكذا .. - وذلك كما هو الحال في «الجامع الصحيح» - فإنه يجب مراعاة الآتي عند إخراج النص الأصلي: أولًا: تحديد الروايات التي سيتم الاعتماد عليها: وذلك بالوقوف على النسخ الخطية التي سيتم الاعتماد عليها، ويراعى أن تكون هذه الروايات مما عُرف أصحابها بالدقة والضبط والعناية بهذا الشأن. وللوصول إلى ذلك يفضل القيام بعمل مسح شامل على مظان المخطوطات، لأهم المكتبات في مصر والعالم العربي، والمجموعات العالمية لبعض المستشرقين، وذلك بغرض الوصول إلى أصح الروايات. ويكون ذلك بالقيام بفحص كل المخطوطات التي نسبت لـ «الصحيح»، من خلال فريق متخصص، لدية الخبرة والإمكانيات التي تساعده على تمييز المخطوطات التي لها قيمة تاريخية عن غيرها. ثانيًا: وضع رموز مناسبة يراعى فيها الاختصار والدلالة على صاحب الرواية.

ثالثًا: تمييز الزيادة والنقص أو الإبدال أو الاختلاف في الألفاظ أو الشكل أو الترتيب، سواء أكان ذلك في العناوين والكتب، أم في الأحاديث، وسواء أكان ذلك في الأحاديث المسندة، أم في المعلقات من الأسانيد أو المتون أو غير ذلك. ويمكن فعل ذلك بأحد ثلاث طرق: الأولى: تقسيم النص إلى: أصل وحاشية، فيوضع في الأصل الرواية المختارة، ثم في الحاشية اختلاف باقي الروايات زيادًة ونقصًا وغير ذلك، فيكون القدر المتفق عليه بين الروايات في صلب المتن دون تعليق، وذلك كما هو الحال في مناهج الطباعة الحديثة، ويمكن اعتبار طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر مثالًا لهذه الطريقة، حيث أخرجوا الطبعة السلطانية بعد فك الرموز والتعبير عنها بالألفاظ، وقد سبق الكلام على هذه الطبعة بالتفصيل. الثانية: وضع النص بجميع زياداته في كل النسخ في نص واحد، مع الرمز على الكلمات أو الجمل المحذوفة في بعض الروايات لمن سقطت عندهم هذه الكلمات أو الجمل أو غير ذلك من أنواع الاختلاف، مع الإشارة في الحاشية لما يتعذر حكايته في المتن. وهذه الطريقة تتميز بالاحتياط في جمع النص من جميع الروايات، وإن سقط من بعض الروايات بعض الألفاظ والكلمات - وذلك عكس الطريقة الثالثة كما سيأتي. ويعد عمل الحافظ شرف الدين اليونيني مثالاً لهذه الطريقة.

الثالثة: هي الاقتصار على القدر المتفق عليه بين الروايات، ويعتمد في الترتيب أصح الروايات، ثم نضع في الحاشية الكلمات أو الجمل المختلف فيها معزوةً إلى أصحابها. وهذه الطريقة تختلف عن الأولى بعدم اختيار نسخة معينة في الأصل إلا في الترتيب، وهي عكس الثانية حيث لا يتم هنا الاقتصار إلا على القدر المتفق عليه بين الروايات التي سُيعتمد عليها في النص، وهذه الطريقة تمتاز عن غيرها بقدرتها على استيعاب أكبر عدد ممكن من الروايات. رابعًا: اعتماد منهج في الدلالة على الزيادة والنقصان والتقديم والتأخير وتعدد الشكل في الكلمة الواحدة وغير ذلك، وقد سبق بيان منهج العلماء القدامى في كتابة الحديث؛ ومنهج القوم أولى بالاتباع ما دام فيه الدلالة الكافية على المراد. ومما ينبغي مراعاته في ذلك الرجوع إلى كتب الشروح حيث اعتمد الشراح - وخاصة الإمام القسطلاني وابن حجر - على روايات في غاية الصحة، كما تناولوا توجيه هذه الروايات وإزالة الإشكالات التي بينها. كما يجب الرجوع إلى الكتب التي لها عناية خاصة برجال «الصحيح» مثل: كتاب الكلاباذي (398) هـ وكتاب «تقييد المهمل» لأبي علي الجياني (498) هـ قسم رجال البخاري منه، كما يجب الرجوع إلى الكتب التي لها عناية بألفاظ الصحيح مثل كتاب «مشارق الأنوار» للقاضي عياض (544) هـ وغير ذلك من كتب الأطراف وخاصة «تحفة الأشراف» للمزي (742) هـ.

وهذا المنهج السابق يجعل «صحيح البخاري» كله في متناول يدك، بالإضافة إلى تمييز المتفق عليه بين الروايات والمختلف فيه ونسبة كل اختلاف إلى المروي عنه، بحيث تستطيع لو أردت أن تجمع كل رواية على حدة لفعلت. أما أن تجمع كل الروايات في متن واحد مع عدم التمييز بينها، فهذا كمن يعمد إلى كتاب من الكتب، ويجمع فيها كل الزيادات والفروق بين النسخ ولا يميز بينها، وهو ما لا يليق بهذا الكتاب وهو أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى. وكتاب «الجامع الصحيح» للبخاري يستحق الرجوع به إلى الرواة الأول عنه، فتميز رواية الفربري، عن رواية حماد بن شاكر، عن رواية إبراهيم بن معقل النسفي، وهكذا، وتجاهل هذه الفروق بين النسخ أوقع كثيرًا من الإشكالات الكبرى التي نجدها تزول بمجرد الرجوع إلى الروايات الأولى، والتي حدثت نتيجة لخلط المتأخرين بين الروايات. ولعل الله يهيئ لهذا الكتاب جهة من الجهات المعنية بتحقيق التراث أو الحديث، وتخرج لنا عملًا متكاملًا بإسناده إلى فريق من المتخصصين في التراث وفي الحديث مع توفير الإمكانات اللازمة لجمع أكبر عدد ممكن من المخطوطات التي ترجع إلى الروايات الأولى، نسأل الله ذلك، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وفي الختام أقول: إن هناك كثيرًا من النتائج التي تتبين للقارئ وتظهر في ثنايا البحث مما يغني عن إعادته هنا.

والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه. {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَانَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}

قائمة المصادر والمراجع

قائمة المصادر والمراجع 1 - الآحاد والمثاني: لأحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد، ابن أبي عاصم. تحقيق: باسم فيصل الجوابرة. الطبعة الأولى (1411 هـ). دار الراية - الرياض. 2 - الأحاديث المائة المشتملة على مائة نسبة إلى الصنائع، لمحمد بن علي بن طولون، تحقيق: مسعد عبد الحميد السعدني، الناشر: دار الطلائع. 3 - الأحاديث المختارة، لضياء الدين محمد بن عبد الواحد الحنبلي المقدسي، الضياء المقدسي، تحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، الطبعة الأولى (1410 هـ - 1412 هـ). مكتبة النهضة الحديثة - مكة المكرمة. 4 - أحاديث الموطأ وذكر اتفاق الرواة عن مالك واختلافهم فيه وزيادتهم ونقصانهم، لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (385 هـ)، تحقيق: أبو الوليد هشام بن علي السعيدني، الناشر: مكتبة أهل الحديث الشارقة الإمارات. 5 - الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: تأليف علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط. الطبعة الأولى (1408 هـ - 1412 هـ). مؤسسة الرسالة - بيروت. 6 - الإحكام في أصول الأحكام، لأبي محمد علي ابن أحمد ابن حزم، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1405 هـ، 1985 م. 7 - اختلاف الحديث، لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، دارسة وتحقيق: أحمد عطية طافش الشقيرات. 8 - الاختلاف بين رواة البخاري عن الفربري، ليوسف ابن عبد الهادي (909 هـ) تحقيق: صلاح فتحي هلل، الناشر: دار الوطن بالرياض 1420 هـ. 9 - أدب الإملاء والاستملاء، لأبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني (562 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. 10 - أدب الكاتب: لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (276 هـ)، تحقيق / محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الرابعة 1382 هـ / 1963 م. مطبعة السعادة بمصر. 11 - أدب الكتاب، لأبي بكر محمد بن يحيى بن عبد الله الصولي (335)، شرح وتعليق: أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 1415 هـ، 1994.

12 - الأربعون في الحث على الجهاد، لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر، تحقيق: عبد الله بن يوسف، الناشر: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1404 هـ، 1984 م. 13 - الأربعين في الجهاد والمجاهدين، لأبي الفرج محمد بن عبد الرحمن المقرئ، تحقيق: بدر عبد الله البدر، الناشر: دار ابن حزم - بيروت، الطبعة الأولى، 1413. 14 - الأربعين من مناقب أمهات المؤمنين، لأبي أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن هبة الله بن عساكر، تحقيق: محمد مطيع الحافظ , غزوة بدير، الناشر: دار الفكر - دمشق، الطبعة الأولى، 1406. 15 - إرشاد الساري إلى صحيح البخاري، لأبي العباس أحمد بن مجمد بن عبد الملك شهاب الدين القسطلاني (923 هـ)، واعتمدت فيه على ثلاث طبعات: الأولى: طبعة المطبع الأميرية ببولاق 1304 هـ. الثانية: طبعة المكتبة الميمنية بمصر. الثالثة: طبعة دار الكتب العلمية. 16 - الإرشاد في معرفة علماء الحديث، لأبي يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد بن الخليل. القزويني، الخليلى (446 هـ)، تحقيق: الدكتور محمد سعيد بن عمر إدريس، الطبعة الأولى 1409 هـ، مكتبة الرشد الرياض. 17 - أسامي من روى عنهم البخاري: لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني، واعتمدت فيه على طبعتين: الأولى: تحقيق: د / عامر حسن صبري، الناشر: دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1414 هـ، 1994 م. الثانية: تحقيق بدر بن محمد العماش، الناشر: دار البخاري، المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1415 هـ. 18 - الأسامي والكنى، لأبي أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحاكم (378 هـ)، دراسة وتحقيق: يوسف بن محمد الدخيل، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1414 هـ، 1994 م. 19 - الاستذكار، لأبي عمر يوسف ابن عبد البر القرطبي (463 هـ)، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، الناشر: دار قتيبة دمشق، ودار الوعي حلب، الطبعة الأولى 1414 هـ.

20 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لأبي عمر يوسف بن عبد اله بن محمد القرطبي، ابن عبد البر (463 هـ)، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: مكتبة نهضة مصر، القاهرة. 21 - أسد الغابة في معرفة الصحابة، لأبي الحسن علي بن محمد عز الدين الجزري ابن الأثير (630 هـ)، تحقيق: محمد إبراهيم البنا، ومحمد أحمد عاشور، ومحمد عبد الوهاب فايد. دار الشعب القاهرة. 22 - الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تحقيق: دكتور عز الدين علي السيد، الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الثالثة، 1417 هـ، 1997 م. 23 - الإسناد من الدين، لعبد الفتاح أبي غده، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة الأولى 1412 هـ، 1992 م. 24 - الاشتقاق: لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد (321 هـ)، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، الناشر: مكتبة الخانجي بمصر، الطبعة الثالثة. 25 - الإصابة في تمييز الصحابة، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، الناشر: دار الفكر العربي. 26 - أعلام الحديث، لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي (388 هـ)، تحقيق: د / محمد بن سعيد بن عبد الرحمن آل سعود، الناشر: معهد البحوث العلمية بمكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1409 هـ. 27 - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لأبي حفص عمر بن علي بن أحمد، ابن الملقن الشافعي (804 هـ) تحقيق: عبد العزيز بن أحمد المشيقح، الناشر: دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1417 هـ، 1997 م. 28 - الأعلام، لخير الدين الزركلي، الناشر: دار العلم للملايين بيروت، لبنان، الطبعة الحادية عشرة، مايو 1995 م. 29 - الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، لأبي بكر محمد بن موسى الحازمي (584 هـ) تحقيق: زكريا عميرات، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1416 هـ 1996 م. 30 - إفادة النصيح في التعريف بسند الجامع الصحيح، لأبي عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الأندلسي (721 هـ)، تحقيق: د / محمد الحبيب ابن الخوجة.

31 - الاقتراح في بيان الاصطلاح، لتقي الدين ابن دقيق العيد (702 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، 1406 هـ، 1986 م. 32 - اقتضاء العلم العمل، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت، الخطيب البغدادي (463 هـ)، تحقيق الألباني، وهو مطبوع ضمن أربع رسائل، الناشر: دار الأرقم الكويت، الطبعة الثانية 1405 هـ. 33 - اكتفاء القنوع بما هو مطبوع، لأدورد فنديك، الناشر: دار صادر بيروت. 34 - إكمال المعلم بفوائد مسلم، لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (544 هـ)، تحقيق: د. يحيى إسماعيل، الناشر: دار الوفاء ومكتبة الرشد بالرياض، الطبعة الأولى، 1419 هـ، 1998 م. 35 - الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف في الأسماء والكنى والأنساب، لأبي نصر علي بن هبة الله ابن ماكولا (475 هـ)، تحقيق: عبد الرحمن المعلمي اليماني، الناشر: دار الكتاب الإسلامي. 36 - الإلزامات والتتبع، لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (385 هـ) تحقيق: مقبل بن هادي الوادعي، الناشر: دار الباز، الطبعة الثالثة، 1405 هـ، 1985 م. 37 - الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع، لأبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي (544 هـ)، تحقيق: السيد أحمد صقر، الناشر: مكتبة دار التراث، الطبعة الثالثة، 1425 هـ، 2004 م. 38 - الإمام اليونيني وجهوده في حفظ صحيح البخاري، لنزار عبد القادر الريان، عن مجلة الجامعة الإسلامية المجلد العاشر، العدد الأول ص: 223 - ص: 260، 2002 م. 39 - الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: صلاح الدين مقبول أحمد، الناشر: الدار السلفية الكويت، 1408 هـ 1988 م. 40 - إنباء الغمر بأبناء العمر، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر شهاب الدين العسقلاني، تحقيق: د. محمد عبد المعيد خان، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان - 1406 هـ، الطبعة الثانية.

41 - إنباه الرواة على أنباه النحاة - جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي - دار الفكر العربي - القاهرة - مصر - الطبعة الأولى - 1406 هـ - 1986 م - تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم 42 - الأنساب - أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني - طبع مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر اباد - الدكن - الهند 1382 هـ - تصحيح: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي. 43 - أنماط التوثيق في المخطوط العربي في القرن التاسع الهجري، للدكتور عابد سليمان المشوخي، الناشر: مكتبة الملك فهد الوطنية، 1414 هـ، 1994 م. 44 - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث: لأحمد شاكر، طبع مكتبة دار التراث، الطبعة الثالثة (1399 هـ، 1979). 45 - البحر الزخار = مسند البزار لأبي بكر أحمد بن عمرو البزار (292 هـ) تحقيق: د / محفوظ الرحمن زين الله، الناشر: مؤسسة علوم القرآن بيروت ومكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1409 هـ 1988 م. 46 - البداية والنهاية، لأبي الفداء العماد بن كثير (774 هـ)، الناشر: مكتبة المعارف بيروت، ومكتبة النصر الرياض، الطبعة الأولى 1966 م. 47 - البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، لأبي حفص عمر بن علي، ابن الملقن (804 هـ) تحقيق: فريق من الباحثين، الناشر: دار الهجرة، الطبعة الأولى 1425 هـ 2004 م. 48 - برنامج التجيبي، للقاسم ابن يوسف التجيبي السبتي: تحقيق: عبد الحفيظ منصور، الناشر: الدار العربية للكتاب. طبعة 1981 م. ليبيا - تونس. 49 - برنامج الرعيني، لعلي بن محمد الرعيني (666 هـ)، تحقيق: إبراهيم شبوح، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي بدمشق، 1381 هـ 1962 م. 50 - برنامج المجاري، لأبي عبد الله محمد المجاري الأندلسي، تحقيق: محمد أبو الأجفان، الناشر: دار الغرب الإسلامية، بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1982 م. 51 - برنامج الوادي آشي: تحقيق: محمد محفوظ، الناشر: دار الغرب الإسلامي بيروت لبنان، الطبعة الثالثة 1982 م. 52 - بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (807 هـ)، تحقيق: مسعد عبد الحميد السعدني، الناشر: دار الطلائع.

53 - بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس: للضبي. دار الكاتب العربي سنة 1967 م. 54 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: لجلال الدين السيوطي. تحقيق / محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية 1399 هـ / 1979 م. دار الفكر - القاهرة. 55 - بلوغ المرام من أدلة الأحكام، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: محمد حامد الفقي، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الخامسة 1414 هـ 1993 م. 56 - تاج العروس من جواهر القاموس، لأبي الفيض السيد محمد مرتضى الزبيدي، تحقيق: علي شيري، الناشر: دار الفكر 1414 هـ 1994 م 57 - تاريخ إربل، لأبي البركات شرف الدين الإربلي (637 هـ)، تحقيق: سامي بن السيد خماس الصقار. 58 - تاريخ الإسلام، لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748 هـ) تحقيق: د / عمر عبد السلام تدمري، الناشر: دار الكتاب العربي بيروت لبنان. 59 - تاريخ الأمم والملوك، لأبي جعفر ابن جرير الطبري (310 هـ) تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار المعارف القاهرة، الطبعة السادسة. 60 - تاريخ التراث العربي - د. فؤاد سزكين. الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1977 م. - من منشورات جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية 1403 هـ 61 - التاريخ الصغير لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (256 هـ) تحقيق: محمود إبراهيم زايد، الناشر: دار المعرفة بيروت لبنان، الطبعه الأولى 1406 هـ 1986 م. 62 - التاريخ الكبير، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (256 هـ) الناشر: دار الكتب العلمية بيروت لبنان. 63 - تاريخ بغداد، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي (463 هـ)، الناشر: مكتبة الخانجي القاهرة، دار الفكر. 64 - تاريخ جرجان، لأبي القاسم حمزة بن يوسف السهمي (427 هـ)، الناشر: مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن الهند1387 هـ، 1967 م. 65 - تاريخ دمشق، لأبي القاسم بن عساكر (571 هـ).

66 - تاريخ علماء الأندلس، لأبي الوليد عبد الله بن محمد بن الفرضي (403 هـ)، الناشر: الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966 م. 67 - تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: محمد علي النجار، وعلى محمد البجاوي، الناشر: المكتبة العلمية بيروت لبنان. 68 - التحبير في المعجم الكبير، لأبي سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني، تحقيق: منيرة ناجي سالم، الناشر: ديوان الاوقاف بغداد العراق. 69 - تحفة الأشراف بمعرفة الاطراف، لأبي الحجاج يوسف المزي تحقيق: عبد الصمد شرف الدين، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1403 هـ 1983 م. 70 - تحفة الباري = منحة الباري، لأبي يحيى زكريا الأنصاري المصري (926 هـ)، تحقيق: سليمان بن دريع العازمي، الناشر: مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1426 هـ، 2005 م. 71 - تحقيق اسمي الصحيحين وجامع الترمذي، لعبد الفتاح أبي غده، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة الأولى 1414 هـ، 1993 م. 72 - تحقيق النصوص ونشرها: لعبد السلام هارون، الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الرابعة 1397 هـ، 1977 م. 73 - تدريب الراوي شرح تقريب النواوي، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي (911 هـ)، تحقيق: د / أحمد عمر هاشم، الناشر: دار الكتاب العربي بيروت، لبنان، 1409 هـ، 1989 م. 74 - تدوين في أخبار قزوين، لبعد الكريم بن محمد الرافعي (623 هـ)، تحقيق: عزيز الله العطاردي، الناشر: دار الكتب العلمية 1408 هـ، 1987 م. 75 - تذكرة الحفاظ، لشمس الدين الدهبي (748 هـ)، الناشر: أم القرى القاهرة مصر. 76 - تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، لبدر الدين بن جماعة الكناني (733 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية. 77 - ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك: للقاضي عياض السبتي. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية. المغرب.

78 - تصحيح الكتب وصنع الفهارس المعجمة، لأحمد شاكر (1377 هـ)، اعتنى به: عبد الفتاح أبو غده، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية، الطبعة الأولى 1414 هـ، 1993 م. 79 - التصحيف وأثره في الحديث والفقه، لأسطيري جمال، الناشر: دار طيبة، الطبعة الثانية 1418 هـ، 1997 م. 80 - تصحيفات المحدثين، لأبي أحمد الحسن بن عبد الله العسكري (382 هـ)، تحقيق: محمود أحمد ميرة، الناشر: المطبعة العربية الحديثة بالقاهرة، الطبعة الأولى 1402 هـ، 1982 م. 81 - التعديل والتجريح، لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي (494 هـ)، تحقيق: د / أبو لبابة حسين، الناشر: دار اللواء الرياض، الطبعة الأولى 1406 هـ، 1986 م. 82 - التعريفات، لعلي بن محمد الجرجاني، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1403 هـ، 1983 م. 83 - تغليق التعليق على صحيح البخاري، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: سعيد عبد الرحمان القزقي، الناشر: المكتب الإسلامي ودار عمار، الطبعة الثانية 1420 هـ، 1999 م. 84 - تقريب التهذيب، لأبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: محمد عوامة، الناشر: دار الرشيد حلب سوريا، الطبعة الثالثة 1411 هـ، 1991 م. 85 - تقييد العلم، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (463 هـ)، تحقيق: الداني بن منير آل زهوي، الناشر: المكتبة العصرية صيدا بيروت، الطبعة الأولى 1422 هـ، 2001 م. 86 - تقييد المهمل وتمييز المشكل، لأبي علي الحسين بن محمد الغساني الجياني (498 هـ)، تحقيق: علي بن محمد العمران، ومحمد عزيز شمس، الناشر: دار عالم الفوائد، الطبعة الأولى 1421 هـ، 2000 م. 87 - التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد، لأبي بكر محمد بن عبد الغني بن نقطة (629 هـ)، تحقيق: كمال يوسف الحوت، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1408 هـ، 1988 م.

88 - التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من مقدمة ابن الصلاح، لزين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (806 هـ)، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى1411 هـ، 1991 م. 89 - تكملة الإكمال، لأبي بكر محمد بن عبد الغني بن نقطة (629 هـ)، تحقيق: الدكتور / عبد القيوم عبد رب النبي، الناشر: جامعة أم القرى، الطبعة الأولى 1408 هـ، 1987 م .. 90 - التكملة لوفيات النقلة، لأبي محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (656 هـ)، تحقيق: الدكتور / بشار عواد معروف، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1401 هـ، 1981 م. 91 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، لأبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، الناشر: دار المعرفة. 92 - التلخيص شرح الجامع الصحيح للبخاري، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق: أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي، الناشر: دار طيبة، الطبعة الأولى 1429 هـ، 2008 م. 93 - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي (463 هـ)، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، ومحمد عبد الكبير البكري. 94 - التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح: لبدر الدين الزركشي (794 هـ)، تحقيق: الدكتور / يحيى بن محمد علي الحكمي، الناشر: مكتبة الرشد، الطبعة الثانية 1425 هـ، 2004 م. 95 - التنويه والإشادة بمقام رواية ابن سعادة، للشيخ عبد الحي الكتاني، وهو مخطوط .. 96 - تهذيب الأسماء واللغات: لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي (676 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية. 97 - تهذيب التهذيب، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: إبراهيم الزيبق، وعادل مرشد، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1416 هـ، 1996 م.

98 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لأبي الحجاج جمال الدين يوسف المزي (742 هـ)، تحقيق: بشار عواد معروف، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة السادسة 1415 هـ - 1994. 99 - تهذيب اللغة، لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري (370 هـ)، تحقيق: د / رياض زكي قاسم، الناشر: دار المعرفة، الطبعة الأولى 1422 هـ، 2001 م. 100 - توثيق النصوص وضبطها عند المحدثين، للدكتور / موفق بن عبد الله بن عبد القادر، الناشر: دار التوحيد، الطبعة الأولى 1428 هـ، 2007 م. 101 - التوشيح شرح الجامع الصحيح، لأبي الفضل جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (911 هـ)، تحقيق: رضوان جامع رضوان، الناشر: مكتبة الرشد وشركة الرياض، الطبعة الأولى 1419 هـ، 1998 م. 102 - توضيح الأفكار بشرح تنقيح الأنظار، لأبي إبراهيم محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (1182 هـ)، تحقيق: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1417 هـ، 1997 م. 103 - توضيح المشتبه، لشمس الدين محمد بن عبد الله ابن ناصر الدين الدمشقي (842 هـ)، تحقيق: محمد نعيم العرقسوسي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1414 هـ، 1993 م. 104 - التوضيح لشرح الجامع الصحيح، لأبي حفص عمر بن علي، ابن الملقن (804 هـ)، تحقيق: مركز الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، الناشر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة قطر، الطبعة الأولى 1429 هـ، 2008 م. 105 - الثقات، لمحمد بن حبان البستي (354 هـ)، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، 1395 هـ، 1975 م. 106 - الجامع الصحيح (صحيح البخاري) - للبخاري واعتمدت فيه على عدة طبعات: نسخة الفتح طبع المكتبة السلفية - تحقيق: محب الدين الخطيب. والطبعة السلطانية، الناشر: دار طوق النجاة بيروت لبنان. والطبعة السلطانية، الناشر: جمعية المكنز الإسلامي (1421 هـ). وطبعة: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، الطبعة الخامسة 1425 هـ، 2005 م.

وطبعة: دار الجيل بيروت المكتوب في مقدمتها أنها من تحقيق الشيخ أحمد شاكر. 107 - جامع الأصول في أحاديث الرسول، لأبي السعادات المبارك بن محمد مجد الدين بن الأثير الجزري (606 هـ)، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: مكتبة الحلواني. 108 - الجامع الصحيح (سنن الترمذي) - أبو عيسى بن سورة الترمذي - الناشر مصطفى البابي الحلبي - مصر - الطبعة الثانية - 1393 هـ - شرح وتحقيق: أحمد شاكر. 109 - جامع بيان العلم وفضله، لأبي عمر يوسف بن عبد البر (463 هـ)، تحقيق: أبو الأشبال الزهيري، الناشر: دار بن الجوزي، الطبعة الرابعة 1419 هـ، 1998 م. 110 - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (463 هـ)، تحقيق: د / محمود الطحان، الناشر: مكتبة المعارف الرياض، 1403 هـ، 1983 م. 111 - جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، لأبي عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح الحميدي (488 هـ)، الناشر: الدار المصرية للتأليف والترجمة 1866 م. 112 - الجرح والتعديل، لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (327)، الناشر: إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى 1271 هـ، 1952 م. 113 - الجمع بين رجال الصحيحين، لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي (507 هـ)، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 1405 هـ. 114 - جمهرة تراجم الفقهاء المالكية، للدكتور / قاسم علي سعد، الناشر: دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث دبي، الطبعة الأولى 1423 هـ، 2002 م. 115 - الجواهر المضية في طبقات الحنفية، لأبي محمد عبد القادر بن محمد بن أبي الوفاء الحنفي (775 هـ)، تحقيق: د / عبد الفتاح محمد الحلو، الناشر: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه 1398 هـ، 1978 م. 116 - الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (902) تحقيق: إبراهيم باجس عبد المجيد، الناشر: دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1419 هـ، 1999 م. 117 - حجة القراءات: لأبي زرعة عبد الرحمن بن زنجلة. تحقيق: سعيد الأفغاني - الطبعة الثانية 1399 هـ - 1979 م. مؤسسة الرسالة. بيروت.

118 - الحجة في القراءات السبع: لأبي عبد الله الحسين بن أحمد المعروف بابن خالويه - تحقيق د. عبد العال سالم مكرم - الطبعة الثانية 1397 هـ - 1977 م. دار الشروق. بيروت. 119 - الحجة للقراء السبعة: لأبي علي الفارسي. حقَّقه: بدر الدين قهوجي وبشير جويجاتي، الطبعة الأولى 1404 هـ - 1984 م. دار المأمون للتراث. بيروت. 120 - حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي (911 هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: درا إحياء الكتب العربية - القاهرة - الطبعة الأولى 1387 هـ - 121 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (430 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1409 هـ، 1988 م. 122 - الحيوان، لأبي عثمان عمر بن بحر الجاحظ (255 هـ)، تحقيق: عبد السلام هارون، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر، الطبعة الثانية. 123 - الدارس في تاريخ المدارس، لعبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي (927 هـ)، تحقيق: جعفر الحسني، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية. 124 - الدر المنضد في ذكر أصحاب الإمام أحمد، لمجير الدين عبد الرحمن بن محمد العليمي (928 هـ)، تحقيق: د / عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الناشر: مكتبة التوبة المملكة العربية السعودية، الطبعة الحادية عشرة. 125 - الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، الناشر مجلس دائرة المعارف العثمانية سنة النشر 1392 هـ / 1972 م 126 - دلائل النبوة، أحمد بن الحسن البيهقي (458 هـ)، تحقيق: د / عبد المعطي قلعجي، الناشر: دار الكتنب العلمية، الطبعة الأولى 1405 هـ - 127 - دول الإسلام، لشمس الدين الذهبي (748 هـ)، تحقيق: فهيم محمد شلتوت، ومحمد مصطفى إبراهيم، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب 1974 م. 128 - ذكر أخبار أصبهان، لأبي نعيم احمد بن عبد الله الأصبهاني (430 هـ)، الناشر: الدار العلمية، الهند، الطبعة الثانية، 1405 هـ، 1985 م.

129 - ذيل التقييد في رواة السنن والمسانيد، لأبي الطيب محمد بن أحمد الفاسي المكي (832 هـ)، تحيقي: كمال يوسف الحوت، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1410 هـ، 1990 م. 130 - ذيل تاريخ بغداد، لأبي عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن النجار (643 هـ)، تحقيق: د / قيصر فرح، الناشر: دار الفكر. 131 - الذيل على طبقات الحنابلة، لعبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (795 هـ)، تحقيق: د / عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الناشر: مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى 1425 هـ، 2005 م. 132 - الرحلة في طلب الحديث، لأبي بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادي (463 هـ)، تحقيق: نور الدين عتر، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الطبعة الأولى 1395 هـ، 1975 م. 133 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، لمحمد بن جعفر الكتاني، الناشر: دار الفكر، الطبعة الثانية 1400 هـ. 134 - الرسالة، لمحمد بن إدريس الشافعي (204 هـ)، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مكتبة مصطفى البابي الحلبي مصر، الطبعة الأولى 1358 هـ، 1940 م. 135 - رواة الحديث وطبقاتهم، للدكتور / مصطفى أبو عماره، الناشر: مكتبة الإيمان، 1428 هـ. 136 - روايات ونسخ الجامع الصحيح، للدكتور محمد بن عبد الكريم بن عبيد. 137 - سنن ابن ماجه، لمحمد بن يزيد القزويني ابن ماجه. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. تصوير دار الفكر. 138 - سنن أبي داود، لأبي داود السجستاني. تحقيق: عزت عبيد الدعاس، وعادل السيد. الطبعة لاأولى (1388 هـ). دار الحديث - بيروت. 139 - السنن الأبين، لأبي عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الأندلسي (721 هـ)، تحقيق: صلاح بن سالم المصراتي، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية، الطبعة الأولى 1417 هـ. 140 - سنن الدارقطني، لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (385 هـ)، تحقيق: السيد عبد الله هاشم المدني، الناشر: دار المحاسن بالقاهرة.

141 - سنن الدارمي، لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (255 هـ)، تحقيق: حسين سليم أسد، الناشر: دار المغني الرياض، الطبعة الأولى1421 هـ، 2000 م. 142 - السنن الصغرى: (المجتبى): لأحمد بن شعيب بن علي النسائي. ترقيم عبد الفتاح أبو غدة. تصوير مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب. 143 - السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، الطبعة الأولى (1344 هـ). مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند. 144 - السنن الكبرى، لأحمد بن شعيب بن علي النسائي (303 هـ)، تحقيق د / عبد الغفار البنداري، وسيد كسروي. الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى (1411 هـ). 145 - سنن سعيد بن منصور، لسعيد بن منصور بن شعبة الخراسني (227 هـ)، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: دار الكتب العلمية. 146 - سير أعلام النبلاء، لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748 هـ)، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، وبشار عواد، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1402 هـ، 1405 هـ. 147 - سيرة الإمام البخاري، لعبد السلام المباركفوري (1342 هـ)، نقله إلى العربية د / عبد العليم بن عبد العظيم البستوي، الناشر: دار عالم الفوائد، الطبعة الأولى 1422 هـ. 148 - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن محمد مخلوف (1360 هـ)، الناشر: دار الفكر. 149 - الشذا الفياح من علوم بن الصلاح، لبرهان الدين الأبناسي (802 هـ)، تحقيق: صلاح فتحي هلل، الناشر: مكتبة الرشد وشركة الرياض، الطبعة الأولى 1418 هـ، 1998 م. 150 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب - لابن العماد الحنبلي (1089 هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت. 151 - شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، لبهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي (769 هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: مكتبة دار التراث القاهرة، الطبعة العشرون، 1400 هـ 1980 م. 152 - شرح السنة، للحسين بن مسعود البغوي (516 هـ)، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ومحمد زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1403 هـ، 1983 م.

153 - شرح الكرماني = الكواكب الدراري، لشمس الدين محمد بن يوسف الكرماني البغدادي (786 هـ)، الناشر: مؤسسة المطبوعات الإسلامية. 154 - شرح صحيح البخاري، لأبي الحسن على بن خلف بن بطال (449 هـ)، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، الناشر: مكتبة الرشد، الطبعة الثانية 1423 هـ، 2003 م. 155 - شرح صحيح مسلم، لأبي زكريا محيي النووي (676 هـ)، الناشر: دار الريان للتراث 1407 هـ، 1987 م. 156 - شرف أصحاب الحديث، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تحقيق: عمرو عبد المنعم سليم، الناشر: مكتبة بن تيمية، الطبعة الأولى 1417 هـ، 1996 م. 157 - شعب الإيمان، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (458 هـ)، تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد بسيوني، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1410 هـ _1990 م. 158 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى، لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (544 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية 1399 هـ، 1979 م. 159 - شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، لجمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك النحوي، واعتدت فيه على طبعتين: الأولى: تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت لبنان. الثانية: تحقيق: الدكتور / طه محسن، الناشر: مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية 1413 هـ. 160 - الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، لإسماعيل بن محمد الجوهري (393 هـ)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الثالثة 1402 هـ، 1982 م -. 161 - صحيح ابن خزيمة، لمحمد بن إسحاق النيسابوري (311 هـ)، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1412 هـ - 1992 م -. 162 - صحيح البخاري بخط الحافظ الصدفي، للدكتور عبد الهادي التازي. 163 - صحيح البخاري في الدراسات المغربية من خلال رواته الأولين ورواياته وأصوله، للأستاذ محمد المنوني.

164 - صحيح مسلم، لمسلم بن حجاج النيسابوري (261 هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوى والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، 1400 هـ 1980 م - 165 - صفحة مشرفة من تاريخ سماع الحديث عند المحدثين، لعبد الفتاح أبي غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة الأولى 1412 هـ، 1992 م. 166 - الصلة، لأبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال (578 هـ)، الناشر: الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966 م. 167 - صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط، لأبي عمر عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (643 هـ)، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية 1408 هـ. 168 - الضعفاء الكبير، لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي (322 هـ)، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 1418 هـ، 1998 م. 169 - الضعفاء والمتروكين: لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي (597 هـ)، تحقيق: عبد الله القاضي، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1406 هـ. 170 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (902 هـ) الناشر: دار مكتبة الحياة، بيروت لبنان. 171 - طبقات الحنابلة، لأبي الحسين محمد بن أبي يعلى الفراء (526 هـ)، تحقيق: الدكتور / عبد الرحمن بن سليمان العثيمين. 172 - طبقات الشافعية الكبرى، لأبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي تاج الدين السبكي (771 هـ)، تحقيق: محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو، الناشر: مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، الطبعة الأولى 1384 هـ - 1965 م. 173 - طبقات الشافعية، لأبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمران، ابن قاضي شهبة (851 هـ)، تحقيق: د / الحافظ عبد العليم خان، الناشر: دار عالم الكتب، الطبعة الأولى 1407 هـ. 174 - الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد، الناشر: دار بيروت، 1405 هـ، 1985 م. 175 - طبقات المحدثين بأصبهان: لأبي محمد عبد الله بن محمد، أبي الشيخ الأصبهاني (369 هـ)، تحقيق: عبد الغفور عبد الحق البلوشي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1412 هـ، 1992 م.

176 - طبقات المفسرين: لأحمد بن محمد الأدنروي، تحقيق: سليمان بن صالح الخزي، الناشر: مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1417 هـ، 1997 م. 177 - طبقات المفسرين، لشمس الدين محمد بن علي الداوودي (945 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية. 178 - العبر في خبر من غبر - لشمس الدين الذهبي (748 هـ)، تحقيق: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، الناشر: دار الكتب العلمية. 179 - علل الحديث: لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (327 هـ)، واعتمدت فيه على طبعتين: الأولى: نشرة: دار المعرفة بيروت لبنان1405 هـ، 1985 م. الثانية: تحقيق: فريق من الباحثين بإشراف: د / سعد بن عبد الله الحميد، الطبعة الأولى 1427 هـ 2006 م. 180 - علل الحديث: لعلي بن عبد الله المديني (234 هـ)، تحقيق: د / عبد المعطي أمين قلعجي، الناشر: دار الوعي حلب، الطبعة الأولى 1400 هـ، 1980 م. 181 - العلل الصغير: لأبي عيسى الترمذي، مطبوع بذيل السنن، الناشر: المكتبة التجارية بمكة المكرمة. 182 - العلل الكبير، لأبي عيسى الترمذي (279 هـ)، ترتيب أبي طالب القاضي، تحقيق: حمزة ديب مصطفى، الناشر: مكتبة الأقصى عمان الأردن، الطبعة الأولى 1406 هـ، 1986 م. 183 - العلل الواردة في الأحاديث النبوية: لأبي الحسن على بن عمر الدارقطني (385 هـ)، تحقيق: د / محفوظ الرحمن زين الله، الناشر: دار طيبة الطبعة الأولى. 184 - العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد بن حنبل (241 هـ)، تحقيق: وصي الله عباس، الناشر: المكتب الإسلامي، ودار الخاني، الطبعة الأولى 1408 هـ، 1988 م. 185 - علم الأثبات ومعاجم الشيوخ والمشيخات: للدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر. 186 - علوم الحديث: لأبي عمرو ابن الصلاح (643 هـ)، واعتمدت فيه على طبعتين: الأولى: تحقيق: نور الدين عتر، الناشر: دار الفكر. الثانية: تحقيق: عائشة عبد الرحمن، الناشر: دار المعارف.

187 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لأبي محمد محمود بن أحمد بدر الدين العيني (855 هـ)، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، الطبعة الأولى 1392 هـ، 1972 م. 188 - غاية النهاية في طبقات القراء: لشمس الدين أبي الخير محمد ابن محمد بن الجزري. نشره ج برج شتراسر. الطبعة الأولى 1351 هـ - 1932 م. مكتبة الخانجى بمصر. 189 - غريب الحديث: لأبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي (388 هـ)، تحقيق: د. عبد الكريم إبراهيم العزباوى، الناشر: جامعة أم القرى مكة المكرمة 1402 هـ. 1982 م. 190 - الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض، لأبي الفضل عياض المغربي (544)، تحقيق: د / محمد بن عبد الكريم، الناشر: الدار العربية للكتاب، لبيا تونس. 191 - غوامض الأسماء المبهمة الواقعة في متون الأحاديث، لأبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال (578 هـ) تحقيق: د / عز الدين علي السيد, ومحمد كمال الدين عز الدين، الناشر: عالم الكتب 1407 هـ. 192 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: محب الدين الخطيب، الناشر: مكتبة دار الفيحاء. 193 - فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأبي الفرج زين الدين بن رجب الحنبلي (795 هـ)، واعتمدت فيه على طبعتين: الأولى: تحقيق: مجموعة من الباحثين، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1417 هـ، 1996 م. الثانية: تحقيق: طارق عوض الله، الناشر: ابن الجوزي، الطبعة الأولى 1417 هـ، 1996 م. 194 - فتح الباقي بشرح ألفية العراقي، لأبي زكريا محمد الأنصاري الأزهري (926 هـ)، تحقيق: حافظ ثناء الله الزاهدي، الناشر: دار بن حزم، الطبعة الأولى 1420 هـ، 1999 م. 195 - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، لأبي الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (806 هـ)، تحقيق: محمود ربيع، الناشر: عالم الكتب، الطبعة الثانية 1408 هـ، 1988 م. 196 - فتح المغيث شرح ألفية الحديث، لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (902 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1403 هـ، 1983 م.

197 - فهرس ابن عطية، لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي (541 هـ)، تحقيق: محمد أبو الأجفان، ومحمد الزاهي، الناشر: دار الغرب الإسلامي 1400 هـ، 1980 م. 198 - الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط (مخطوطات التفسيير وعلومه) - - مؤسسة آل البيت المجمع الملكي لبحوث الحاضرة الإسلامية - عمان - الأردن - 1988 م. 199 - فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، لعبد الحي بن عبد الكبير الكتاني (1383 هـ)، تحقيق: الدكتور / إحسان عباس، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية 1402 هـ، 1982 م. 200 - فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية. 201 - فهرس مخطوطات معهد المخطوطات العربية. 202 - فهرسة ما رواه عن شيوخه من الدواوين المصنفة في ضروب العلم وأنواع المعارف، لأبي بكر محمد بن خير بن عمر الأموي الإشبيلي (575 هـ)، تحقيق: فرنسشكه قداره زيدين، وتلميذه: خليان ربارة طرغوه، الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الثالثة 1417 هـ، 1997 م. 203 - الفهرست، لابن النديم (430 هـ)، تحقيق: محمد أحمد أحمد، الناشر: المكتبة التوفيقية. 204 - فوات الوفيات والذيل عليها، لمحمد بن شاكر الكتبي (764 هـ)، تحقيق: د / إحسان عباس، الناشر: دار صادر، بيروت. 205 - قواطع الأدلة في أصول الفقه: لأبي المظفر منصور بن محمد السمعاني (489 هـ)، تحقيق: د / عبد الله بن حافظ بن أحمد الحكمي، الطبعة الأولى 1418 هـ، 1998 م. 206 - قواعد أصول الحديث، للدكتور أحمد عمر هاشم، الناشر معهد الدراسات الإسلامية 1409 هـ، 1989 م. 207 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، لشمس الدين الذهبي (748 هـ)، تحقيق: محمد عوامة، الناشر: شركة دار القبلة، مؤسسة علوم القرآن، الطبعة الأولى 1413 هـ، 1992 م.

208 - الكافي في علوم الحديث، لأبي الحسن علي بن أبي محمد التبريزي (646 هـ)، تحقيق: أبو عبيدة مشهورة بن حسن آل سلمان، الناشر: الدار الأثرية عمان الأردن، الطبعة الأولى 1429 هـ، 2008 م. 209 - الكامل في التاريخ، لأبي الحسن عز الدين ابن الآثير (630 هـ)، الناشر: دار صادر، ودار بيروت 1385 هـ، 1965 م. 210 - الكامل في اللغة والأدب، لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد (285 هـ)، تحقيق: نعيم زرزور، وتغاريد بيضون، الناشر: دار الكتب العلمية الطبعة الأولى 1407 هـ 1987 م 211 - الكامل في ضعفاء الرجال، لأبي أحمد عبد الله بن علي (365 هـ)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية 1418 هـ، 1997 م. 212 - الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات: لأيمن فؤاد سيد. 213 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة (1067 هـ)، الناشر: دار الفكر. 214 - الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها: لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيس. تحقيق: د. محيى الدين رمضان. الطبعة الثانية 1401 هـ - 1981 م. مؤسسة الرسالة. بيروت. 215 - الكفاية في علم الدراية، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (463 هـ)، الناشر: دار الكتاب الحديثة بالقاهرة، ومكتبة المثنى ببغداد، الطبعة الثانية. 216 - كنز العمال في السنن والأقوال والأفعال - علا الدين المتقي الهندي - مؤسسة الرسالة بيروت - لبنان - 1413 هـ - 1993 م. 217 - لامع الدراري على صحيح البخاري، لأبي مسعود أحمد رشيد الكنكوهي (1323 هـ)، الناشر: المكتبة الإمدادية 1395 هـ، 1975 م. 218 - لسان العرب، لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، الناشر: دار المعارف. 219 - لسان الميزان، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: مكتب التحقيق بدار إحياء التراث العربي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، الطبعة الأولى 1416 هـ، 1995 م.

220 - اللباب في تهذيب الأنساب، لعز الدين بن الأثير (630 هـ)، الناشر: دار صادر 1400 هـ، 1980 م. 221 - المؤتلف والمختلف، لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني (335 هـ)، تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1406 هـ - 1986 م - 222 - المتجر الربيح والمسعى الرجيح لابن مرزوق التلمساني رسالة دكتوراة مسجلة في جامعة الجزائر للباحثة حفيظة بلميهوب وأشرف عليها الأستاذ الدكتور مصطفى أبو عمارة. 223 - المتواري على تراجم أبواب البخاري، لناصر الدين أحمد بن محمد بن المنير الإسكندراني (683 هـ)، تحقيق: صلاح الدين مقبول أحمد، الناشر: مكتبة المعلى الكويت، الطبعة الأولى 1407 هـ، 1987 م. 224 - المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، لأبي حاتم محمد بن حبان البستي (354 هـ)، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، الناشر: دار الوعي حلب، الطبعة الثانية، 1402 هـ. 225 - مجلة المخطوطات. 226 - مجلة معهد المخطوطات العربية، الطبعة الثانية 1414 هـ، 1993 م. 227 - مجمع الزوائد ومنبع الفوئد، لنور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (807 هـ)، تحقيق: عبد الله محمد الدرويش، الناشر: دار الكتاب العربي، 1414 هـ، 1994 م. 228 - المجموع شرح المهذب، لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي (676 هـ)، تحقيق: محمد نجيب المطيعي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، 1415 هـ. 229 - المحاسن الاصطلاح، لأبي حفص عمر بن رسلان، السراج البلقيني، تحقيق: د / عائشة عبد الرحمن، الناشر: دار المعارف. 230 - محاضرات ألقاها المستشرق الألماني برامشتراسر. 231 - المحتسب في تبين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها: لأبي الفتح عثمان بن جني (392 هـ)، الجزء الأول. تحقيق على النجدي ناصف. ود. عبد الحليم المجار. ود. عبد الفتاح شلبي. القاهرة 1386 هـ - 1969 م. الجزء الثاني تحقيق: على النجدى ناصف، ود. عبد الفتاح شلبي. القاهرة 1389 هـ - 1969 م. لجنة إحياء التراث الإسلامي بمصر. 232 - المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، للحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (360 هـ)، تحقيق: د / محمد عجاج الخطيب، الناشر: دار الفكر، الطبعة الثالثة 1404 هـ، 1984 م.

233 - المحكم والمحيط الأعظم، لعلى بن إسماعيل ابن سيده (458 هـ)، تحقيق: د / عبد الفتاح السيد سليم، د / فيصل الحفيان. 234 - المحلى، لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (456 هـ)، تحقيق، أحمد محمد شاكر، الناشر: مكتبة دار التراث. 235 - مختصر العلو - الذهبي - المكتب الإسلامي - بيروت - لبنان - تحقيق: الألباني. 236 - المخطوط العربي: لعبد الستار الحلوجي. 237 - مخطوطات جامعة الملك سعود. 238 - المدخل إلى الصحيح، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (405 هـ)، تحقيق: ربيع بن هادي المدخلي، الناشر: مكتبة الفرقان، الطبعة الأولى 1421 هـ، 2001 م. 239 - المدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي، للدكتور / محمد محمود الطناحي، الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الأولى 1405 هـ، 1984 م. 240 - المدخل إلى معرفة كتاب الإكليل، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (405 هـ)، تحقيق: أبو إسحاق إبراهيم بن مصطفى الدمياطي، الناشر: دار الهدى بميت غمر. 241 - مدرسة الحديث في الأندلس، للدكتور / مصطفى محمد حميداتو، الناشر: دار ابن حزم، الطبعة الأولى 1428 هـ، 2007 م. 242 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، لأبي محمد عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي (768 هـ)، الناشر: دار الكتاب الإسلامي بالقاهرة، الطبعة الثانية 1413 هـ، 1993 م. 243 - مسألة الاحتجاج بالشافعي، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (463 هـ)، تحقيق: خليل إبراهيم ملا خاطر، الناشر: المكتبة الأثرية باكستان. 244 - مستخرج أبي عوانة، لأبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني (316 هـ)، تحقيق: أيمن بن عارف الدمشقي، الناشر: دار المعرفة، الطبعة الأولى 1419 هـ، 1998 م. 245 - المستدرك على الصحيحين - لأبي عبد الله الحاكم (405 هـ)، الناشر: دار المعرفة.

246 - مسند أبي داود الطيالسي، لسليمان بن داود بن الجارود الطيالسي (204 هـ)، تحقيق: د / محمد عبد المحسن التركي، الناشر: دار هجر، الطبعة الأولى 1420 هـ، 1999 م. 247 - مسند أبي يعلى الموصلي، لأحمد بن على بن المسنى التميمي (307 هـ)، تحقيق: حسين سليم أسد، الناشر: دار المأمون للتراث دمشق، الطبعة الأولى 1404 هـ، 1984 م. 248 - مسند إسحاق بن راهويه، لإسحاق بن إبراهيم الحنظلي المروزي (238 هـ)، تحقيق: د / عبد الغفور عبد الحق البلوشي، الناشر: مكتبة الإيمان المدينة المنورة، الطبعة الأولى - 1412 هـ. 249 - مسند الشاميين: لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360 هـ)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1417 هـ، 1996 م. 250 - مسند الشهاب، لأبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعى (454 هـ)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1405 هـ، 1985 م. 251 - المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم. لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (430 هـ)، تحقيق: محمد حسن إسماعيل، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1417 هـ، 1996 م. 252 - المسند، لأحمد بن حنبل (241 هـ)، واعتمد فيه على طبعتين، الأولى تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1416 هـ، 1995 م. الثانية: تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر، الناشر: دار المعارف 1365 هـ، 1946 م. 253 - مشارق الأنوار على صحاح الآثار، لأبي الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي (544 هـ)، واعتمدت فيه على طبعتين: الأولى: نشرة: المكتبة العتيقة بتونس، ودار التراث بالقاهرة. الثانية: تحقيق: البلعمشي أحمد يكن، الناشر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمملكة المغربية، 1403 هـ 1983 م. 254 - المشتبه في الرجال أسماؤهم وأنسابهم، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748 هـ)، تحقيق: على محمد البجاوي، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى 1962 م.

255 - مشيخة ابن البخاري، لعلي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي (690 هـ)، تخريج: أحمد بن محمد بن عبد الله الحنفي (696 هـ)، تحقيق: د / عوض عتقي سعد الحازمي، الناشر: دار علم الفوائد، الطبعة الأولى 1914 هـ. 256 - مشيخة شرف الدين اليونيني، لأبي الحسين علي اليونيني (701 هـ)، تخريج: محمد بن أبي الفضل البعلبكي (709 هـ)، تحقيق: د / عمر عبد السلام تدمري، الناشر: المكتبة العصرية صيدا بيروت، الطبعة الأولى 1423 هـ، 2002 م. 257 - المصنف في الأحاديث والآثار، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (235 هـ)، تحقيق: محمد عبد السلام شاهين، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1416 هـ، 1995 م. 258 - المصنف، لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني (211 هـ)، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1403 هـ، 1983 م. 259 - معجم الأدباء، لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (626 هـ)، الناشر دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1411 هـ، 1991 م. 260 - المعجم الأوسط، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360 هـ)، تحقيق: قسم التحقيق بدار الحرمين، الناشر: دار الحرمين1415 هـ، 1995 م 261 - معجم البلدان: لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (626 هـ)، الناشر: دار صادر ودار بيروت 1404 هـ، 1984 م. 262 - معجم السفر، لأبي طاهر أحمد بن محمد السلفي (576 هـ)، تحقيق: عبد الله عمر البارودي، الناشر: المكتبة التجارية مصطفى أحمد الباز، مكة المكرمة. 263 - المعجم الشامل للتراث العربي المطبوع، للدكتور / محمد عيسى صالحية، القاهرة 1992 م. 264 - معجم الصحابة، لأبي الحسين عبد الباقي بن قانع (351 هـ)، تحقيق: أبو عبد الرحمن صلاح بن سالم المصراتي، الناشر: مكتبة الغرباء الاثريه، الطبعة الأولى 1418 هـ، 1997 م. 265 - المعجم الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360 هـ)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي. 266 - معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1414 هـ - 1993 م.

267 - معجم المعاجم والمشيخات، للدكتور / يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الناشر: مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1423 هـ، 2002 م. 268 - المعجم المفهرس، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: محمد شكور محمود، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1418 هـ، 1998 م. 269 - المعجم في أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي، لأبي بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي (371 هـ)، تحقيق: د / زياد محمد منصور، الناشر: مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة، الطبعة الأولى 1410 هـ، 1990 م. 270 - المعجم، لأبي بكر محمد بن إبراهيم الأصبهاني بن المقرئ (381 هـ)، تحقيق أبو عبد الرحمن عادل بن سعد، الناشر: مكتبة الرشد الرياض، شركة الرياض للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1914 هـ، 1998 م. 271 - معرفة الثقات: لأبي الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي (261 هـ)، تحقيق: عبد العليم عبد العظيم البستوي، الناشر: مكتبة الدار بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى 1405 هـ، 1985 م. 272 - معرفة الصحابة، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (430 هـ)، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، الناشر: دار الوطن، الطبعة الأولى 1419 هـ، 1998 م. 273 - معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار، لشمس الدين الذهبي (748 هـ)، تحقيق: بشار عواد وشعيب الارناؤوط وصالح مهدي عباس، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1404 هـ - 1984 م -. 274 - معرفة علوم الحديث: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري (405 هـ)، تحقيق: د / السيد معظم حسين، الناشر: مكتبة المتنبي القاهرة. 275 - معرفة مدار الإسناد، لمحمد مجير الخطيب الحسني، الناشر: دار الميمان، الطبعة الأولى 1428 هـ، 2007 م. 276 - المعرفة والتاريخ: لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي (277 هـ)، تحقيق: أكرم ضياء العمري، الناشر: مطبعة الإرشاد بغداد، 1394 هـ، 1974 م. 277 - المعين في طبقات المحدثين، لشمس الدين الذهبي (748 هـ)، تحقيق: د / محمد زينهم محمد عزب، الناشر: دار الصحوة، الطبعة الأولى 1407 هـ، 1987 م.

278 - المغني في الضعفاء، لشمس الدين الذهبي (748 هـ)، تحقيق: نور الدين عتر، الناشر: دار المعارف سوريه، الطبعة الأولى 1391 هـ، 1971 م. 279 - المغني، لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (620 هـ)، تحقيق: د / عبد الله بن عبد المحسن التركي ود / عبد الفتاح محمد الحلو، الناشر: دار هجر، الطبعة الثانية 1412 هـ - 1992 م. 280 - مقاييس اللغة: لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا. تحقيق: عبد السلام هارون. الطبعة الثانية / مكتبة ومطبعة مصطفي البابي الحلبي وأولاده بمصر. 281 - المقتنى في سرد الكنى، لشمس الدين الذهبي (748 هـ)، تحقيق: محمد صالح عبد العزيز المراد، 1408 هـ. 282 - المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد، لبرهان الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح (884 هـ)، تحقيق: د / عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، الناشر: مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1410 هـ، 1990 م. 283 - المقنع في علوم الحديث، لأبي حفص عمر بن علي، ابن الملقن (804 هـ)، تحقيق: عبد الله بن يوسف الجديع، الناشر: دار فواز الإحساء، الطبعة الأولى 1413 هـ، 1992 م. 284 - مِلْءُ العيبة بما جُمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة / لابن رشيد التونسي. تحقيق: د. محمد بن الحبيب ابن الخوجة / الشركة التونسية للتوزيع 1982 م. 285 - مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين، للدكتور / رمضان عبد التواب، الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الثانية، 1422 هـ، 2002 م. 286 - المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور، لعبد الغافر بن إسماعيل الفارسي (929 هـ)، انتخاب: إبراهيم بن محمد بن الأزهر (641 هـ)، تحقيق: محمد عثمان، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، الطبعة الأولى 1428 هـ 2008 م. 287 - المنتخب من معجم شيوخ السمعاني لأبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني (562 هـ)، تحقيق: محمد عثمان، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، الطبعة الأولى 1428 هـ، 2008 م. 288 - المنتظم في تاريخ الملوك الأمم - لابن الجوزي - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى 1412 هـ - 1992 م - تحقيق: مصطفى ومحمد عبد القادر عطا.

289 - المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد، لأبي اليمن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العليمي (928 هـ)، تحقيق: عبد القادر ومحمود الأرناؤوط، الناشر: دار صادر بيروت، الطبعة الأولى 1997 م .. 290 - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، لتقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي (845 هـ)، الناشر: دار التحرير عن طبعة بولاق 1270 هـ. 291 - موضح أوهام الجمع والتفريق، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (463 هـ)، تحقيق: د / عبد المعطي أمين قلعجي، الناشر: دار المعرفة، الطبعة الأولى 1407 هـ، 1987 م. 292 - الموطأ (رواية يحي بن يحي الليثي) - مالك بن أنس - دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان 1406 هـ، 1985 م تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي 293 - موطآت للإمام مالك رضي الله عنه، لنذير حمدان، الناشر: دار القلم دمشق، الدار الشامية بيروت. 294 - الموقظة في علم مصطلح الحديث، لشمس الدين الذهبي (748 هـ)، تحقيق عبد الفتاح أبو غده، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية، الطبعة الثانية، 1412 هـ. 295 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال - محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي - دار المعرفة - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى 1382 هـ - 1963 م - تحقيق: علي محمد البجاوي. 296 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لأبي المحاسن جمال الدين يوسف بن تغري بردي (874 هـ)، الناشر: دار الكتب المصرية بالقاهرة 1348 هـ. 297 - نزهة النظر شرح نخبة الفكر، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: د / عبد السميع الأنيس، وعصام فارس الحراستاني، الناشر: دار عمار، الطبعة الأولى 1419 هـ، 1999 م. 298 - نصب الراية لأحاديث الهداية، لأبي محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي (762 هـ) الناشر: دار الحديث مصر. 299 - نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، لأحمد بن محمد المقري التلمساني (1041 هـ)، تحقيق: د / إسحان عباس، الناشر: دار صادر، 1388 هـ، 1968 م.

300 - النكت الظراف على الأطراف، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: عبد الصمد شرف الدين، الناشر: الدار القيمة الهند، 1402 هـ، 1982 م. 301 - النهاية في غريب الحديث والأثر: لأبي السعادات مجد الدين بن الأثير الجزري (606 هـ). تحقيق: د. محمود الطناحى، وطاهر الزاوى، الناشر: المكتبة الإسلامية. 302 - النور السافر عن أخبار القرن العاشر، لمحيي الدين عبد القادر العيدروسي (1038 هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1405 هـ، 1985 م. 303 - هدي الساري إلى أسانيد الشيخ إسماعيل الأنصاري، لعبد العزيز بن فيصل الراجحي، الناشر: مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1422 هـ، 2001 م. 304 - هدي الساري مقدمة فتح الباري، لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ)، تحقيق: محب الدين الخطيب، الناشر: مكتبة دار الفيحاء دمشق. 305 - هدية العارفين أسماء وآثار المصنفين، لإسماعيل باشا البغدادي (1339)، الناشر: دار الفكر، 1402 هـ، 1982 م. 306 - الوافي بالوفيات، لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (764 هـ)، تحقيق مجموعة من الباحثين، الناشر: فرانزشتايز بفيسبادن. 307 - الوجيز في ذكر المجاز والمجيز، لأبي طاهر أحمد بن محمد السلفي (576 هـ)، تحقيق: محمد خيري البقاعي، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1411 هـ، 1991 م. 308 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لأبي العباس أحمد بن محمد ابن خلكان (681 هـ)، تحقيق: د / إحسان عباس، الناشر: دار صادر بيروت. 309 - الوفيات، لأبي المعالي محمد بن رافع السلامي (774 هـ)، تحقيق: صالح مهدي عباس، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1402 هـ، 1982 م.

المخطوطات: أولا - مخطوط «مطالع الأنوار على صحاح الأثار». ويوجد للكتاب عدة نسخ خطية وذكرت وصفها في موضعها. ثانيًا: السفر الثاني من صحيح البخاري بخط نسخة ابن سعادة مصورة نشرها المستشرق الفرنسي الأستاذ ليفي بروفنسال منقولا بالتصوير الشمسي من خطه الأصلي مع تصويره بمقدمة بالعربية باسم «التنويه والإشادة بمقام رِواية ابن سعادة» للمحدث المغربي محمد عبد الحي الكتاني، مع مقدمة أخرى بالفرنسية لنفس المستشرق ناشر هذا السفر في باريس عام 1347 هـ / 1928 م، في 177 ورقة عدا المقدمتين. ثالثًا: مخطوط مجموع فيه عدة أجزاء حديثية، وفيها ورقات هي مقدمة اليُونِينِيّ، ولها صورة في المكتبة الأزهرية، ودار الكتب المصرية. رابعًا: نسخة أبي زُرْعَة العراقي (826) هـ، من صحيح البخاري وهي في (1273) لوحة وهي بخط نسخ جميل. خامسًا: وقد وقفت على بعض المخطوطات في المكتبة الأزهرية وفي دار الكتب المصرية ولم أستفد منها لأنها متأخرة. فأعرضت عن ذكرها، وعندي منها نماذج.

§1/1