رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب

السبكي، تاج الدين

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين، وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وَسلم تَسْلِيمًا، وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت. أما بعد: فَإِنِّي لما رَأَيْت قُصُور الهمم عَن الْإِكْثَار، وميلها إِلَى الإيجاز والاختصار، صنفت مُخْتَصرا فِي أصُول الْفِقْه، ثمَّ اختصرته على وَجه بديع، وسبيل منيع، لَا يصد اللبيب عَن تعلمه صَاد، وَلَا يرد الأريب عَن تفهمه راد، وَالله تَعَالَى أسأَل أَن ينفع بِهِ، وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل. هَامِش بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين الشَّرْح: قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين أَبُو نصر عبد الْوَهَّاب السُّبْكِيّ - رَحمَه الله تَعَالَى -: الْحَمد لله الَّذِي شرع فِي الْعليا طَرِيقا مُخْتَصرا، وأطلع من سَمَاء الْكتاب وَالسّنة شمسا وقمرا، وَجمع للْأمة بإجماعها وآرائها دَلِيلا مستحسنا، وبرهانا مستصحبا وسبيلا مُعْتَبرا.

صفحة فارغة هَامِش نحمده على كَمَاله حمدا تفوه الألسن وتعمل لَهُ شكرا، تَمامًا على الَّذِي أحسن، ونسأله الْإِعَانَة على اجْتِنَاب مَا حرم أَو كره، وارتكاب مَا أوجب أَو سنّ. ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده الْمُصْطَفى، وَخير نَبِي أرْسلهُ وَخَصه بِعُمُوم الْفضل، فَأمر وَنهى، وأوضح مَا شَرعه، وَبَين مَا أجمله، صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه الماحين بِنور الْهدى ظلم الشّرك، والقامعين من أظهر شقاقه، وَمن أسر نفَاقه، وأصر على الْإِفْك، والدافعين بِصدق الْيَقِين ظن الْجَاهِلِيَّة، وَوهم ذِي العماية، وريب ذِي الشَّك. وَرَضي الله عَن مطلبينا، الَّذِي استخرج أصُول الْفِقْه [علما] مجموعا، وفنا على الرُّءُوس مَحْمُولا، وعَلى الْعُيُون مَوْضُوعا، ومحكما دفع بِهِ المتشابهات، وشيد بُنيان الْأَدِلَّة مظنونا ومقطوعا. أما بعد: فَإِن لنا تَعْلِيقا على مُخْتَصر الإِمَام أبي عَمْرو بن الْحَاجِب مَبْسُوطا ومجموعا، يصبح قدر الأقران - وَإِن تَعَالَى عَنهُ - محطوطا، وكتابا لم يُغَادر لمتعنت مطلبا، وعجبا عجابا، ورد مناهل الْأُصُول وَصدر بِهَذَا النبا، وفهرستا جمع فأوعى، وفَاق كتب هَذَا الْفَنّ [جِنْسا ونوعا، جَمعنَا فِيهِ أَكثر مَا حوته كتب هَذَا الْفَنّ] ، وأودعناه مبَاحث كُنَّا نستعمل الْفِكر فِيهَا إِذا مَا اللَّيْل جن، وَذكرنَا آراءنا، وناضلنا عَلَيْهَا، وأوضحنا اختياراتنا، وَالْعين تَأمر السهد فِي كراها وتنهى، وشمرنا فِيهِ عَن سَاق الِاجْتِهَاد بِشَهَادَة النُّجُوم، وجمعنا أَقسَام الْكَوَاكِب لكلمة مِنْهَا معالم للهدى، ومصابيح تجلو الدجى، والأخريات رجوم. بيد أَنا لم نستوعب فِيهِ مَا فِي " الْمُخْتَصر "، وَإِن كُنَّا لم نَدع [إِلَّا] وَاضحا لَا يفْتَقر إِلَى النّظر. فبدأنا فِي شرح غَايَة فِي الِاخْتِصَار، آيَة فِي جمع الشوارد والإكثار، يَأْتِي على تَقْرِير مَا فِي الْكتاب كُله، مَعَ مبَاحث من قبلنَا، ونقول: لَا يجمع مثلهَا إِلَّا لمثله، فَلَقَد نَظرنَا عَلَيْهِ مَعَ توخينا

صفحة فارغة هَامِش الِاخْتِصَار فِيهِ كتبا شَتَّى مِنْهَا: الرسَالَة؛ للْإِمَام الشَّافِعِي - رَضِي الله عَنهُ - وَشَرحهَا؛ لأبي بكر الصَّيْرَفِي، والأستاذ أبي الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي، وَأبي بكر الْقفال الشَّاشِي الْكَبِير، وَأبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ، و " التَّقْرِيب والإرشاد، فِي تَرْتِيب طرق الِاجْتِهَاد "؛ للْقَاضِي أبي بكر، وَهُوَ [من] أجل كتب الْأُصُول،

صفحة فارغة هَامِش ومختصره الْمُسَمّى ب " التَّلْخِيص "؛ لإِمَام الْحَرَمَيْنِ، و " تعليقة " الشَّيْخ أبي حَامِد الإِسْفِرَايِينِيّ، وتعليقة الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ، و " آدَاب الجدل "؛ لأبي الْحُسَيْن الْجلَال، و " معيار الجدل "؛ للأستاذ أبي مَنْصُور عبد القاهر بن طَاهِر الْبَغْدَادِيّ،

صفحة فارغة هَامِش و " شرح الْكِفَايَة "؛ للْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ، و " الْعمد "؛ للْقَاضِي عبد الْجَبَّار، و " الْمُعْتَمد "؛ لأبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ، و " التَّقْرِيب "؛ لسليم الرَّازِيّ، وَكتاب الْأُسْتَاذ أبي بكر بن فورك، و " الْبُرْهَان "؛ لإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَشَرحه؛ للْإِمَام أبي عبد الله الْمَازرِيّ الْمَالِكِي، وَالْكَلَام على مشكله؛ للمازري أَيْضا، وَشَرحه أَيْضا؛ لأبي الْحسن

صفحة فارغة هَامِش الأبياري الْمَالِكِي. وَلَقَد عجبت لهَذَا " الْبُرْهَان "؛ فَإِنَّهُ من مفتخرات الشافعيين، وَلم يشرحه مِنْهُم أحد، وَإِنَّمَا انتدب لَهُ هَذَانِ المالكيان، وتبعهما شخص ثَالِث من الْمَالِكِيَّة أَيْضا يُقَال لَهُ الشريف أَبُو يحيى زَكَرِيَّا بن يحيى الْحُسَيْنِي المغربي، فَجمع بَين كلاميهما وَزَاد. و" اللمع "، وَشَرحه؛ للشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، و " الملخص "، و " الْمعرفَة "؛ لَهُ أَيْضا فِي الجدل، و " القواطع "؛ للْإِمَام الْجَلِيل أبي المظفر مَنْصُور بن مُحَمَّد بن السَّمْعَانِيّ، وَهُوَ أَنْفَع

صفحة فارغة هَامِش كتاب للشَّافِعِيَّة فِي الْأُصُول وأجله و " الْمُسْتَصْفى "، و " المنخول "؛ للْإِمَام حجَّة الْإِسْلَام، و " شِفَاء الغليل فِي بَيَان مسالك التَّعْلِيل "؛ لَهُ أَيْضا، و " عدَّة الْعَالم "؛ للشَّيْخ أبي نصر بن الصّباغ، وتعليقة ألكيا أبي الْحسن الهراس، و " الملخص "؛ للْقَاضِي عبد الْوَهَّاب، و " أصُول الْفِقْه "؛ للأستاذ أبي نصر ولد الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي، و " الْوَجِيز "؛ لأبي الْفَتْح بن

صفحة فارغة هَامِش برهَان، وَكتاب الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى، و " العقيدة "؛ لتلميذه شرف شاه بن ملكداد، و " شرح اللمع "؛ لأبي عَمْرو عُثْمَان بن عِيسَى الْكرْدِي صَاحب " الِاسْتِقْصَاء "، و " مشكلات اللمع "؛ لمسعود بن عَليّ الْيَمَانِيّ، و " الْمَحْصُول "؛ للْإِمَام، وَغَيره من كتب أَتْبَاعه؛ كشرحه؛

صفحة فارغة هَامِش للقرافي، وَشَرحه؛ للأصفهاني، والمؤاخذات عَلَيْهِ؛ للنقشواني، و " التَّنْقِيح "؛ للتبريزي، و " شرح المعالم " [الَّذِي " لَهُ؛ لِابْنِ التلمساني، و " النِّهَايَة "، و " الْفَائِق "؛

صفحة فارغة هَامِش كِلَاهُمَا للشَّيْخ صفي الدّين الْهِنْدِيّ، وَغير ذَلِك، و " الإحكام "؛ للْإِمَام سيف الدّين الْآمِدِيّ، و " الْمُنْتَهى "؛ لَهُ، وَغير ذَلِك من كتب أَصْحَابنَا، وَكتب الْمُخَالفين من الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم، وَطَائِفَة من شُرُوح هَذَا " الْمُخْتَصر "، مَعَ [مَا] التقطناه لَهُ من كتب الخلافيات؛ ك " الْمِنْهَاج "؛ للْقَاضِي أبي الطّيب، و " النكت "؛ للشَّيْخ أبي إِسْحَاق، و " الأساليب "؛ لإِمَام الْحَرَمَيْنِ، و " التحصين "؛ للغزالي، و " شِفَاء المسترشدين "؛ ل " إِلْكيَا " الهراسي، وتعليقة الإِمَام مُحَمَّد بن يحيى، وَالْإِمَام أسعد الميهني، وَالْقَاضِي الرشيد، والطاووسي، وَالْإِمَام فَخر الدّين، وَسيف الدّين الْآمِدِيّ، وَغَيرهم، وَمن الخلافيات للحنفية كتاب " الْأَسْرَار "؛ للْقَاضِي أبي زيد، وتعليقة ابْن مارة، وَغَيرهمَا، وَغير ذَلِك كُله مِمَّا لَو عددناه لضيعنا الأنفاس، وضيعنا القرطاس. وَمَعَ مَا حشوناه فِيهِ من فروع الْفِقْه، وفنون الْفَوَائِد، وَمَا سمح بِهِ الخاطر من المباحث؛ [مِمَّا تضمنته تعليقتنا وَغَيرهَا، وَمَعَ تبين مَذْهَب الشَّافِعِي، على الْخُصُوص، فِي الْأُصُول، وآراء أَصْحَابه، وَالْكَلَام مَعَ مخالفيه، وَمَعَ تَخْرِيج الْفُرُوع على الْأُصُول، وَمَعَ الْكَلَام على أَحَادِيثه

ما ينحصر فيه المختصر أو فن الأصول

(مَا ينْحَصر فِيهِ الْمُخْتَصر، أَو فن الْأُصُول) وينحصر فِي المبادئ والأدلة السمعية وَالِاجْتِهَاد وَالتَّرْجِيح. هَامِش مِمَّا] تَقْتَضِيه صناعَة الحَدِيث، والاعتناء بالتمثيل، لما تتشوف النَّفس إِلَى سَماع مِثَاله، مِمَّا استخرجناه من كتب الحَدِيث، وَالْفِقْه، والخلافيات، وَغَيرهَا إِلَى غير ذَلِك مِمَّا ستراه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى - وَبِه التَّوْفِيق. وسميته " رفع الْحَاجِب، عَن مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب ". الشَّرْح: " وينحصر " الْمُخْتَصر، أَو الْأُصُول " فِي: المبادئ، والأدلة السمعية، وَالِاجْتِهَاد، وَالتَّرْجِيح ". والمبادئ: مَا لَا يكون مَقْصُودا بِالذَّاتِ، بل يتَوَقَّف عَلَيْهِ [الْمَقْصُود] ، والحصر هُنَا استقرائي. وَقيل فِيهِ: مَا تضمنه الْكتاب؛ إِمَّا [مَقْصُود] بِالذَّاتِ، أَو لَا: وَالثَّانِي: المبادئ. وَالْأول: إِمَّا أَن يبْحَث فِيهِ عَن نفس استنباط الْأَحْكَام، وَهُوَ الِاجْتِهَاد، أَو عَمَّا تستنبط هِيَ مِنْهُ؛ إِمَّا بِاعْتِبَار مَا يعارضها، وَهُوَ التَّرْجِيح أَو لَا؛ وَهُوَ الْأَدِلَّة السمعية.

فالمبادئ: حَده، وَفَائِدَته، واستمداده " هَامِش وَإِنَّمَا حصرنا الثَّانِي فِيمَا ذَكرْنَاهُ؛ لِأَن الْغَرَض إِنَّمَا هُوَ استنباط الْأَحْكَام. الشَّرْح: فالمبادئ ثَلَاثَة: " حَده ": أَولهَا؛ لِأَن كل طَالب كَثْرَة يضبطها جِهَة وَاحِدَة، من حَقه عرفانها بِتِلْكَ الْجِهَة؛ إِذْ

صفحة فارغة هَامِش لَو لم يطْلبهَا قبل ضَبطه، لم يَأْمَن فَوَات مَا يرجيه، وضياع الْوَقْت فِيمَا لَا يعنيه؛ [وبتلك] الْجِهَة يُؤْخَذ تَعْرِيفه بِالْحَدِّ أَو الرَّسْم. " وَفَائِدَته ": ثَانِيهَا؛ ليخرج عَن الْعَبَث.

أما حَده لقبا: فالعلم بالقواعد الَّتِي يتَوَصَّل بهَا إِلَى استنباط ... ... ... ... ... هَامِش " واستمداده ": ثَالِثهَا؛ إِمَّا إِجْمَالا؛ بِبَيَان أَنه من أَي علم يستمد؛ ليرْجع إِلَيْهِ عِنْد الِاحْتِيَاج، أَو تَفْصِيلًا بإفادة شَيْء مِمَّا لَا بُد من تصَوره وتسليمه، أَو تَحْقِيقه؛ لبِنَاء الْغَرَض عَلَيْهِ. الشَّرْح: " أما حَده لقبا "، واللقب: علم يتَضَمَّن مدحا أَو ذما. وأصول الْفِقْه: علم لهَذَا الْعلم يشْعر بابتناء فروع الدّين عَلَيْهِ؛ وَهُوَ صفة مدح. " فالعلم بالقواعد الَّتِي يتَوَصَّل بهَا إِلَى استنباط الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الفرعية عَن أدلتها التفصيلية ".

الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الفرعية عَن أدلتها التفصيلية، وَأما حَده مُضَافا: فالأصول: الْأَدِلَّة. هَامِش وَالْمرَاد بِالْعلمِ هُنَا: الِاعْتِقَاد الْجَازِم المطابق الثَّابِت لموجب قَطْعِيّ. وَالْقَوَاعِد: هِيَ الْأُمُور الْكُلية المنطبقة على الجزئيات؛ لتعرف أَحْكَامهَا مِنْهَا، وَاحْترز بهَا عَن الْعلم بالأمور الْجُزْئِيَّة، وَعَن الْعلم بِبَعْض الْقَوَاعِد؛ فَإِنَّهَا لَيست نفس الْأُصُول. وَقَوله: يتَوَصَّل بهَا إِلَى استنباط الْأَحْكَام - احْتِرَاز عَن الْقَوَاعِد الَّتِي يستنبط مِنْهَا الصَّنَائِع، وَالْعلم بالماهيات وَالصِّفَات. والشرعية - احْتِرَاز عَن الاصطلاحية الْعَقْلِيَّة، والفرعية - احْتِرَاز عَن الْأُصُولِيَّة. وَقَوله: " عَن أدلتها " لَا يحْتَرز بِهِ عَن شَيْء؛ لِأَن المُرَاد من الْأَحْكَام - الْفِقْهِيَّة، وَهِي لَا تكون إِلَّا كَذَلِك. وعَلى التَّعْرِيف اعتراضات أضربت عَنْهَا؛ لِإِمْكَان دَفعهَا. " وَأما حَده مُضَافا "، أَي: من حَيْثُ هُوَ مُضَاف، فَيتَوَقَّف على معرفَة مفرداته؛ ضَرُورَة توقف معرفَة الْمركب على معرفَة أَجْزَائِهِ.

تعريف الفقه

وَالْفِقْه: الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة الفرعية عَن أدلتها التفصيلية بالاستدلال. هَامِش وأصول الْفِقْه: مركب من مُضَاف، ومضاف إِلَيْهِ، وهما - الْأُصُول، وَالْفِقْه: " فالأصول ": جمع أصل، وَهُوَ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الشَّيْء، أَو مَا يبتنى عَلَيْهِ الشَّيْء. وفسرها المُصَنّف بِأَنَّهَا: " الْأَدِلَّة "، أَي: السمعية. ( [تَعْرِيف] الْفِقْه) " وَالْفِقْه: الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة الفرعية عَن أدلتها التفصيلية بالاستدلال ": وَخرج بِقَيْد

وَأورد: إِن كَانَ المُرَاد الْبَعْض، لم يطرد؛ لدُخُول الْمُقَلّد، وَإِن كَانَ الْجَمِيع، لم ينعكس؛ لثُبُوت " لَا أَدْرِي ". هَامِش " التفصيلية ": مَا عرف بالأدلة الإجمالية. وَبِقَوْلِهِ: " عَن أدلتها " الْمَعْرُوف؛ لَا عَن دَلِيل؛ كالمعلوم ضَرُورَة، أَو يُقَال: الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ مَعْلُوم بِدَلِيل، وَلَكِن غير تفصيلي. وَبَقِيَّة الْقُيُود مَعْرُوفَة مِمَّا تقدم. الشَّرْح: " وَأورد " على التَّعْرِيف: " [إِذْ كَانَ المُرَاد " بِالْأَحْكَامِ: " الْبَعْض "، أَي: لم يكن المُرَاد الْجَمِيع؛ إِذا عدم إِرَادَة الْجَمِيع أَعم من إِرَادَة الْبَعْض - " لم يطرد "] ؛ ضَرُورَة تحَققه بِدُونِ تحقق الْمَحْدُود؛ " لدُخُول الْمُقَلّد " فِي الْحَد، وَخُرُوجه من الْمَحْدُود؛ فَإِنَّهُ عَالم بِبَعْض الْأَحْكَام الَّتِي يتلقاها من [الْمُفْتِي] ؛ فَيصدق على علمه حد الْفِقْه، وَلَا يكون علمه فقها؛ لِأَن الْمُقَلّد لَا يُسمى فَقِيها، " وَإِن كَانَ " - المُرَاد بِالْأَحْكَامِ - " الْجَمِيع، لم ينعكس "؛ ضَرُورَة تحقق الْمَحْدُود بِدُونِ الْحَد؛ لِأَن الْمُجْتَهدين لَا يعلمُونَ جَمِيع الْأَحْكَام؛ " لثُبُوت " لَا أَدْرِي "؛ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِم، وَصدقهمْ فِي إخبارهم بذلك. سُئِلَ مَالك عَن أَرْبَعِينَ مَسْأَلَة، فَقَالَ فِي سِتّ وَثَلَاثِينَ: لَا أَدْرِي. فالحد [إِذن] : إِمَّا غير مطرد، أَو غير منعكس.

وَأجِيب بِالْبَعْضِ، ويطرد؛ لِأَن المُرَاد بالأدلة الأمارات، وبالجميع، وينعكس؛ لِأَن المُرَاد تهيؤه للْعلم بِالْجَمِيعِ. هَامِش " وَأجِيب بِالْبَعْضِ، ويطرد؛ لِأَن المُرَاد بالأدلة: الأمارات "؛ وَهِي الَّتِي تفِيد الظَّن - يحْتَاج فِي الِاسْتِدْلَال بهَا إِلَى معرفَة التَّعَارُض، وَلَيْسَ ذَلِك وَلَا بعضه فِي الْمُقَلّد. " وبالجميع، وينعكس؛ لِأَن المُرَاد - تهيؤه "، أَي: تهيؤ الْمُجْتَهد " للْعلم بِالْجَمِيعِ "، لَا نفس الْعلم بِالْجَمِيعِ، وَالْعلم " بِهَذَا الْمَعْنى " لَا يُنَافِي ثُبُوت " لَا أَدْرِي " وَلَا يخفى أَن المُرَاد بالتهيؤ: الاستعداد الْقَرِيب، لَا كاستعداد الْعَاميّ. وَأشهر مَا اعْترض بِهِ على الْحَد: أَن " الْفِقْه " من بَاب الظنون، فَكيف قيل فِيهِ: الْعلم؟ . وَهُوَ مُشكل، أوردهُ شيخ الْجَمَاعَة، ومقدم الأشاعرة " القَاضِي أَبُو بكر "، وَالْتزم لأَجله جمَاعَة الْعِنَايَة بِالْحَدِّ، فَقَالُوا: المُرَاد بِالْعلمِ: الْإِدْرَاك. وَقيل: الصَّوَاب أَن يُقَال: الْعلم أَو الظَّن.

صفحة فارغة هَامِش وَالْجَوَاب عَن السُّؤَال: مَا ذكره " الإِمَام " فِي " الْمَحْصُول "؛ من أَن الْمُجْتَهد، إِذا غلب على ظَنّه مُشَاركَة صُورَة لصورة؛ فِي منَاط الحكم، قطع بِوُجُوب الْعَمَل؛ فَالْحكم مَعْلُوم، وَالظَّن وَقع فِي طَرِيقه. وسنوضح ذَلِك بترتيب خَاص؛ فَإِن أَصْحَاب الإِمَام لم يقنعوا مِنْهُ بِهَذَا الْجَواب، وَزَعَمُوا السُّؤَال بَاقِيا، فَنَقُول: إِذا ظننا شتاء، لظننا أَيَّام الشتَاء نزُول الْمَطَر، إِذا رَأينَا الْغَيْم المطبق الرطب قد أرْخى أهدابه، فنزول الْمَطَر غَالب على عدم نُزُوله، وَهَذَا ظن، ثمَّ نَحن واجدون من أَنْفُسنَا؛ أَنا عالمون بظننا، وَهَذَا علم وجداني بِالظَّنِّ، والمطر يجوز أَن ينزل، أَو لَا ينزل حَال ظننا، وَأما نَحن، فَلَا يجوز أَن نظن حَال ظننا. وَكَذَا إِذا قَالَ لزوجته: مَتى ظَنَنْت أَنِّي طَلقتك طَلْقَة، فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا؛ فظنت أَنه طَلقهَا [طَلْقَة؛ طلقت] ثَلَاثًا قطعا. فَهَذَا حكم مَعْلُوم قطعا، وَالظَّن وَقع فِي طَرِيقه. وَكَذَلِكَ الْمُجْتَهد؛ إِذا ظن حكما من الْأَحْكَام العملية، وَجب عَلَيْهِ الْعَمَل بِمُقْتَضى ظَنّه قطعا؛ علم ذَلِك بِالضَّرُورَةِ من استقراء [الشَّرْع] ، وَالظَّن وَاقع فِي طَرِيقه كَمَا ذكرنَا فِي الْمَرْأَة.

صفحة فارغة هَامِش وَعند هَذَا نقُول: إِذا ظن الشَّافِعِي حل لعب الشطرنج، فَإِن حلّه فِي حَقه مَعْلُوم قطعا؛

صفحة فارغة هَامِش لِأَنَّهُ مظنون الْحل عِنْده - وَذَلِكَ وجداني؛ وكل مَا ظن حلّه، فَهُوَ حَلَال فِي حَقه قطعا، وَالظَّن لم يكن فِي هَذَا الدَّلِيل مُقَدّمَة من المقدمتين، وَإِنَّمَا وَقع فِي طَرِيق الدَّلِيل؛ حَيْثُ كَانَ مَعْلُوما بالوجدان؛ مَا وَقع فِي حق الْمَرْأَة. وَالَّذين ردوا الْجَواب، ظنُّوا الظَّن أحد المقدمتين، وَهُوَ غلط؛ فَإِن الظَّن لم يكن مُقَدّمَة، بل كَانَ مُتَعَلق الوجدان، وظنوا أَن مُسْتَند الْمُقدمَة الثَّانِيَة الْإِجْمَاع؛ فأوردوا على الإِمَام أَن الْإِجْمَاع عِنْده ظَنِّي. وَالْإِمَام لم يذكر أَن مُسْتَنده الْإِجْمَاع، وَإِنَّمَا مُسْتَنده الاستقراء؛ قَالَه الشَّيْخ صدر الدّين بن المرحل؛ وَذكر أَن شيخ الْإِسْلَام سيد الْمُتَأَخِّرين " تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد " كَانَ مِمَّن يظنّ

وَأما فَائِدَته، فالعلم بِأَحْكَام الله تَعَالَى هَامِش بطلَان الْجَواب، وَيَقُول: مُتَعَلق الظَّن مظنون قطعا؛ كَمَا أَن مُتَعَلق الْعلم مَعْلُوم قطعا؛ فيستحيل أَن يكون مَعْلُوما مظنونا. قَالَ: وَجَوَابه: أَن نتيجة الْأَدِلَّة الْأُصُولِيَّة هُوَ الظَّن، فَفِي ذَلِك الْوَقْت - وَهُوَ الْوَقْت الأول -[هُوَ] مظنون، ثمَّ إِذا صَار مظنونا، وَجب الْعَمَل بِهِ، [وَوُجُوب الْعَمَل بِهِ] مَعْلُوم فِي الْوَقْت الثَّانِي، وهما غيران: الأول مِنْهُمَا مظنون، وَالثَّانِي مَعْلُوم. قَالَ: وَرَأَيْت " ابْن برهَان " ذكر فِي " أُصُوله " مَسْأَلَة [عقدهَا] بَيْننَا، وَبَين الْحَنَفِيَّة، فَقَالَ: الحكم عندنَا قَطْعِيّ؛ خلافًا لأبي حنيفَة؛ فَإِنَّهُ عِنْده ظَنِّي. قلت: وَجَوَاب الإِمَام الرَّازِيّ مَسْبُوق إِلَيْهِ؛ فَإِن إِمَام الْحَرَمَيْنِ ذكره؛ حَيْثُ قَالَ: جَوَاب السُّؤَال: لَيست الظنون فقها، إِنَّمَا الْفِقْه: الْعلم بِوُجُود الْعَمَل عِنْد قيام الظنون؛ فَأَخذه الإِمَام الرَّازِيّ، وَبسطه. الشَّرْح: " وَأما فَائِدَته "، أَي: فَائِدَة الْأُصُول، " فالعلم بِأَحْكَام الله تَعَالَى "، " وَأما

وَأما استمداده، فَمن الْكَلَام؛ والعربية، وَالْأَحْكَام: أما الْكَلَام؛ فلتوقف الْأَدِلَّة الْكُلية على معرفَة الْبَارِي - تَعَالَى - وَصدق الْمبلغ، ويتوقف على دلَالَة المعجزة. وَأما الْعَرَبيَّة؛ فَلِأَن الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة عَرَبِيَّة. وَأما الْأَحْكَام، فَالْمُرَاد تصورها؛ ليمكن إِثْبَاتهَا ونفيها، وَإِلَّا جَاءَ الدّور. هَامِش استمداده، فَمن الْكَلَام، والعربية، وَالْأَحْكَام: أما الْكَلَام؛ فلتوقف الْأَدِلَّة الْكُلية على معرفَة الْبَارِي تَعَالَى، وَصدق الْمبلغ "، وَهُوَ - أَي صدقه -: " يتَوَقَّف على دلَالَة المعجزة "، وكل ذَلِك من علم الْكَلَام. " وَأما الْعَرَبيَّة؛ فَلِأَن الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة عَرَبِيَّة "؛ ضَرُورَة أَنَّهُمَا عربيان. " وَأما الْأَحْكَام، فَالْمُرَاد تصورها؛ ليمكن إِثْبَاتهَا ونفيها "، وَلَا نُرِيد الْعلم بإثباتها أَو نَفيهَا؛ " وَإِلَّا جَاءَ الدّور "؛ لِأَن ذَلِك فَائِدَة الْعلم، فَيتَأَخَّر حُصُوله عَنهُ، فَلَو توقف عَلَيْهِ الْعلم، كَانَ دورا.

الدَّلِيل لُغَة: المرشد، والمرشد: الناصب، والذاكر؛ وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد. وَفِي الِاصْطِلَاح: مَا يُمكن التَّوَصُّل بِصَحِيح النّظر فِيهِ؛ إِلَى مَطْلُوب خبري، وَقيل: هَامِش الشَّرْح: " الدَّلِيل لُغَة: المرشد ". " والمرشد ": يُطلق على " الناصب " للعلامة، " والذاكر " لَهَا، " وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد "، أَي: وَالدَّلِيل لُغَة يُقَال أَيْضا لما بِهِ الْإِرْشَاد. وَلَو قَالَ: الدَّلِيل: المرشد، وَمَا بِهِ الْإِرْشَاد، والمرشد: الناصب والذاكر، كَانَ أوضح. " وَفِي الِاصْطِلَاح ": الدَّلِيل: " مَا يُمكن التَّوَصُّل بِصَحِيح النّظر فِيهِ؛ إِلَى مَطْلُوب خبري ".

إِلَى الْعلم بِهِ؛ فَتخرج الأمارة. وَقيل: قَولَانِ فَصَاعِدا يكون عَنهُ قَول آخر. هَامِش وَإِنَّمَا قَالَ: " يُمكن "؛ لِأَن الدَّلِيل لَا يخرج عَن كَونه دَلِيلا؛ بِعَدَمِ النّظر فِيهِ، وَقيد النّظر بِالصَّحِيحِ؛ لِأَن الْفَاسِد لَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَيْهِ. وَدخل فِي التَّعْرِيف: الأمارة؛ لِأَن الْمَطْلُوب الخبري أَعم من أَن يكون علميا أَو ظنيا، وعَلى هَذَا عَامَّة الْفُقَهَاء؛ فيطلقون الدَّلِيل على مَا أدّى إِلَى علم أَو ظن؛ وَهُوَ مَا ذكره " الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ "، و " أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ "، وَآخَرُونَ. " وَقيل ": مَا يُمكن أَن يتَوَصَّل بِصَحِيح النّظر فِيهِ؛ " إِلَى الْعلم بِهِ " - وَهُوَ قَول الْمُتَكَلِّمين، وَبَعض الْفُقَهَاء -؛ " فَتخرج الأمارة ". " وَقيل ": إِنَّه " قَولَانِ "، أَي: قضيتان " فَصَاعِدا يكون عَنهُ قَول آخر ": وَقَوْلنَا: " يكون عَنهُ " - أَعم من أَن يكون لَازِما أَو غَيره؛ ليتناول الأمارة، وَخرج عَنهُ قضيتان، لم يحصل مِنْهُمَا شَيْء آخر. وَعرف من قَوْله: " فَصَاعِدا "؛ أَن النتيجة قد تكون عَن مقدمتين، وَقد تكون عَن أَكثر وَهُوَ كَذَلِك -؛ وَمِنْه الحَدِيث الثَّابِت فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": " سَتَكُون فتن؛ الْقَاعِد فِيهَا خير من

وَقيل: يسْتَلْزم لنَفسِهِ؛ فَتخرج الأمارة، وَلَا بُد من مُسْتَلْزم للمطلوب، حَاصِل للمحكوم عَلَيْهِ؛ فَمن ثمَّ وَجَبت مقدمتان. هَامِش الْقَائِم، والقائم فِيهَا خير من الْمَاشِي، والماشي فِيهَا خير من السَّاعِي ... ". فَهَذِهِ ثَلَاث مقالات تنْتج: " الْقَاعِد فِيهَا خير من السَّاعِي ". " وَقيل " بدل " يكون عَنهُ ": " يسْتَلْزم لنَفسِهِ " قولا آخر؛ " فَتخرج الأمارة "؛ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَلْزِم لنَفسهَا قولا آخر؛ إِذْ لَيْسَ بَينهَا وَبَين مَا تفيده ربط عَقْلِي، يَقْتَضِي لُزُوم القَوْل الآخر عَنْهُمَا. ثمَّ سَوَاء أَكَانَ الاستلزام بَينا أم غَيره، فَيتَنَاوَل الأشكال الْأَرْبَعَة، وَالْقِيَاس الاستثنائي. وَيخرج عَنهُ بقولنَا: " لنَفسِهِ " - قِيَاس الْمُسَاوَاة؛ مثل: " أ " مسَاوٍ ل " ب "، و " ب " مسَاوٍ ل " ج "؛ فَإِنَّهُ يلْزمه: " أ " مسَاوٍ ل " ج "، وَلَكِن لَا لنَفسِهِ؛ بل بِوَاسِطَة مُقَدّمَة أَجْنَبِيَّة، أَي: مُقَدّمَة غير لَازِمَة لإحدى مقدمتي الْقيَاس، وَهُوَ قَوْلنَا: كل مَا هُوَ مسَاوٍ ل " ب " مسَاوٍ ل " ج "؛ وَكَذَا أخرج عَنهُ القَوْل الْمُؤلف من قَوْلَيْنِ، المستلزم لقَوْل آخر؛ بِوَاسِطَة عكس نقيض إِحْدَى مقدمتيه؛ كَقَوْلِنَا: جُزْء الْجَوْهَر يُوجب ارتفاعه ارْتِفَاع الْجَوْهَر، وَمَا لَيْسَ بجوهر لَا يُوجب ارتفاعه ارْتِفَاع الْجَوْهَر؛ فَإِنَّهُ يسْتَلْزم قَوْلنَا: جُزْء الْجَوْهَر جَوْهَر، وَلَكِن لَا لنَفسِهِ؛ بل بِوَاسِطَة عكس نقيض الْمُقدمَة الثَّانِيَة؛ وَهُوَ قَوْلنَا: وَمَا يُوجب ارتفاعه ارْتِفَاع الْجَوْهَر، وَهُوَ جَوْهَر. " وَلَا بُد " فِي الدَّلِيل " من مُسْتَلْزم للمطلوب "؛ وَإِلَّا لم ينْتَقل الذِّهْن مِنْهُ إِلَى، حَاصِل

وَالنَّظَر: الْفِكر الَّذِي يطْلب بِهِ علم، أَو ظن. هَامِش للمحكوم عَلَيْهِ، أَي: الْمَطْلُوب الخبري لَا بُد أَن يكون فِي الدَّلِيل مَا يُوجب الْعلم؛ أَو الظَّن بِهِ، وَذَلِكَ الْأَمر يُسمى الْوسط، وَالْوسط لَا بُد أَن يكون " حَاصِلا للمحكوم عَلَيْهِ "؛ فَتحصل الصُّغْرَى، والمحكوم بِهِ حَاصِلا أَو مسكوتا عَنهُ، أَو الْوسط مسكوتا عَن [هـ فِي] الْمَحْكُوم بِهِ، فَتحصل الْكُبْرَى؛ " فَمن ثمَّ وَجَبت المقدمتان ". الشَّرْح: " وَالنَّظَر: الْفِكر الَّذِي يطْلب بِهِ علم، أَو ظن ": وَخرج بقولنَا: " الَّذِي يطْلب بِهِ علم، أَو ظن " - الْفِكر لَا لذَلِك؛ كأكثر حَدِيث النَّفس؛ فَلَا يُسمى نظرا. وَهَذَا قريب من قَول القَاضِي فِي " التَّقْرِيب ": فكرة الْقلب وتأمله الْمَطْلُوب بِهِ علم هَذِه الْأُمُور، يَعْنِي: عَن الْحق وَالْبَاطِل، أَو غَلَبَة الظَّن بِبَعْضِهَا. وَعبارَة " مُخْتَصر التَّقْرِيب "؛ لإِمَام الْحَرَمَيْنِ: " الْفِكر الَّذِي يطْلب بِهِ معرفَة الْحق وَالْبَاطِل؛ فِي انْتِفَاء الْعُلُوم، وَغَلَبَة الظنون. وَقيل عِبَارَات أخر، لَا نطيل بذكرها.

حد العلم

(حد الْعلم) وَالْعلم، قيل: لَا يحد؛ فَقَالَ الإِمَام: لعسره؛ وَقيل: لِأَنَّهُ ... ... ... ... هَامِش " الشَّرْح: " وَالْعلم، قيل: لَا يحد "، ثمَّ اخْتلف الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يحد:

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

صفحة فارغة هَامِش " فَقَالَ الإِمَام " أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ إِمَام الْحَرَمَيْنِ، سُلْطَان الأشاعرة، وغضنفر الْجَمَاعَة: إِنَّمَا لَا يحد " لعسره ". وَمرَاده؛ بِأَنَّهُ لَا يحد؛ أَن الرَّأْي ذَلِك؛ لِأَن التشاغل بحده يعسر، وَلَكِن يتَوَصَّل إِلَى مَعْرفَته بطرِيق الْقِسْمَة والمثال؛ كَذَا ذكره فِي " الْبُرْهَان "؛ إِذْ قَالَ: الرَّأْي السديد ... ... ...

صفحة فارعة هَامِش عندنَا: أَن يتَوَصَّل إِلَى دَرك حَقِيقَة الْعلم بمباحثها وَذكرهَا "، ثمَّ قَالَ: " فليحرك النَّاظر فكره فِي ذَلِك، فَإِن استبان لَهُ، فقد أحَاط بِحَقِيقَة الْعلم، فَإِن ساعدت عبارَة صَحِيحَة فِي الْحَد، حد بهَا، وَإِن لم تساعد، اكْتفى بدرك الْحَقِيقَة. انْتهى. وَلَيْسَ مُرَاده؛ أَنه لَا سَبِيل إِلَى حَده؛ كَمَا عرفت؛ وَلِأَنَّهُ لَو أَرَادَ ذَلِك، لم يعتل بالعسر؛ إِذْ الْعسر إِلَيْهِ سَبِيل، لَكِن بِمَشَقَّة، فاعرف ذَلِك. ثمَّ مُرَاده بِالْحَدِّ الَّذِي يتعسر فِيهِ: الْحَد الْحَقِيقِيّ؛ دون الرسمي؛ فَإِن التَّعْرِيف بِالْقِسْمَةِ والمثال لَا يعاند الرسوم.

ضَرُورِيّ من وَجْهَيْن: هَامِش فَإِن قلت: فغاية قَوْله إِذن: يعسر تَعْرِيفه؛ لتعسر الِاطِّلَاع على الذاتي، والخارجي فِيهِ، وَذَلِكَ غير مُخْتَصّ بِالْعلمِ، بل يَشْمَل كل الْأَشْيَاء؛ إِذْ التَّمْيِيز بَين الذاتي والخارجي فِي غَايَة الْعسر قلت: هَذَا [لَو] لم [يقل: إِنَّه] مُخْتَصّ بِالْعلمِ، وَأي شَيْء يلْزم من ذَلِك. فَإِن قلت: فَلم خص ذَلِك فِي الْعلم؟ قلت: لِأَن الْحَد الْحَقِيقِيّ فِيهِ أعْسر وأشق مِنْهُ فِي غَيره؛ على مَا لَا يخفى، وَقد تَابعه الْغَزالِيّ، وأفصح بِأَن المُرَاد بِالْحَدِّ المتعسر: الْحَقِيقِيّ، وَأَن ذَلِك لَا يخْتَص بِالْعلمِ؛ إِذْ قَالَ: وَرُبمَا يعسر تَحْلِيله على الْوَجْه الْحَقِيقِيّ بِعِبَارَة محررة جَامِعَة للْجِنْس والفصل الذاتي؛ فَإنَّا بَينا أَن ذَلِك عسر فِي أَكثر الْأَشْيَاء. [انْتهى] . وَكَلَام الْآمِدِيّ صَرِيح، فِي أَن الإِمَام وَالْغَزالِيّ قَالَا: لَا سَبِيل إِلَى تحديده، وَأَرَادَ بالتحديد: مَا هُوَ أَعم من الْحَد الْحَقِيقِيّ والرسمي، وَلَيْسَ بجيد. " وَقيل ": إِنَّمَا لَا يحد؛ " لِأَنَّهُ ضَرُورِيّ "، فَكَانَ غَنِيا عَن التَّعْرِيف. وَالْإِمَام فِي " الْمَحْصُول " ذهب إِلَى أَنه ضَرُورِيّ، لَكِن لم يقل: إِنَّه لَا يحد، بل عرفه بِأَنَّهُ حكم الذِّهْن بِأَمْر على أَمر حكما جَازِمًا مطابقا لموجب.

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

صفحة فارغة هَامِش وَكَذَلِكَ " الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد " - رَحمَه الله - ذهب إِلَى أَنه ضَرُورِيّ، وَأَنه يحد؛ قَالَ: لَا لتعريفه، بل للتّنْبِيه عَلَيْهِ، وَذكر مَا يضبطه.

أَحدهمَا: أَن غير الْعلم لَا يعلم إِلَّا بِالْعلمِ، فَلَو علم الْعلم بِغَيْرِهِ، كَانَ دورا؛ وَأجِيب بِأَن توقف تصور غير الْعلم على حُصُول الْعلم - بِغَيْرِهِ، لَا على تصَوره؛ فَلَا دور. الثَّانِي: أَن كل أحد يعلم وجوده ضَرُورَة؛ وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا يلْزم من حُصُول أَمر - هَامِش وَاخْتَارَ فِي حَده؛ أَن يُقَال: إِنَّه معرفَة الْمَعْلُوم. قَالَ: [من زَاد على هَذَا قَوْله: " على مَا هُوَ بِهِ "، فَهُوَ تَأْكِيد لِأَن مَا لَيْسَ كَذَلِك لَيْسَ معرفَة. [قَالَ:] وَلَا يرد عَلَيْهِ أَن الْمَعْلُوم مُشْتَقّ من الْعلم، فَيلْزم الدّور؛ كَمَا ورد مثله فِي قَول القَاضِي: الْأَمر هُوَ الْمُقْتَضِي طَاعَة الْمَأْمُور؛ وَالْفرق بَينهمَا: أَن الْكَلَام فِي الْأَمر - فِي أصُول الْفِقْه، وَهُوَ يعْتَمد الْأَلْفَاظ، وَالْكَلَام فِي الْعلم - فِي أصُول الدّين، وَهُوَ يعْتَمد الْمعَانِي، فَجعل الْمَعْلُوم اسْما لما يَشْمَل الْمَوْجُود والمعدوم؛ من غير نظر إِلَى الِاشْتِقَاق. وَحجَّة من ادَّعَاهُ ضَرُورِيًّا " من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن غير الْعلم لَا يعلم إِلَّا بِالْعلمِ، فَلَو علم الْعلم بِغَيْرِهِ، كَانَ دورا ". وَالْجَوَاب: أَن توقف تصور غير الْعلم بِغَيْرِهِ؛ أَعنِي علما جزئيا مُتَعَلقا بذلك الْغَيْر، لَا على تصور حَقِيقَة الْعلم، وَالَّذِي يُرَاد حُصُوله بِالْغَيْر؛ إِنَّمَا هُوَ تصور حَقِيقَة الْعلم، لَا حُصُول جزئي مِنْهُ، فَلَا دور؛ للِاخْتِلَاف. وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: " وَأجِيب بِأَن توقف تصور غير الْعلم على حُصُول الْعلم بِغَيْرِهِ، لَا على تصَوره؛ فَلَا دور ". وَعبارَة " الشَّيْخ الْهِنْدِيّ " فِي الْجَواب: توقف غير الْعلم على الْعلم؛ من حَيْثُ إِنَّه إِدْرَاك [لَهُ] ، لَا من حَيْثُ إِنَّه صفة مُمَيزَة لَهُ، [وَتوقف الْعلم على غَيره؛ من حَيْثُ إِنَّه صفة مُمَيزَة لَهُ] عَمَّا سواهُ، وَإِذا تغايرت الجهتان، فَلَا دور. " الثَّانِي "؛ وَعَلِيهِ عول الإِمَام فِي " الْمَحْصُول ": " أَن كل أحد يعلم وجوده ضَرُورَة "، وَهُوَ علم خَاص، فَإِذا كَانَ الْخَاص ضَرُورِيًّا، فالعام الَّذِي هُوَ جزؤه أولى. " وَأجِيب " بِأَن الضَّرُورِيّ: حُصُول الْعلم لَهُ، وَهُوَ غير تصور الْعلم الْمُتَنَازع فِيهِ، وَقرر " بِأَنَّهُ

تصَوره أَو تقدم تصَوره، ثمَّ نقُول: لَو كَانَ ضَرُورِيًّا، لَكَانَ بسيطا؛ إِذْ هُوَ مَعْنَاهُ، وَيلْزم مِنْهُ أَن يكون كل معنى علما. " وَأَصَح الْحُدُود: صفة توجب تمييزا، لَا يحْتَمل النقيض، ... ... ... ... ... هَامِش لَا يلْزم من حُصُول أَمر تصَوره "؛ حَتَّى يتبع تصَوره حُصُوله، " وَلَا تقدم تصَوره "؛ حَتَّى يكون تصَوره شرطا لحصوله، وَإِذا كَانَ كَذَلِك جَازَ الانفكاك مُطلقًا؛ فتغايرا، فَلَا يلْزم من كَون أَحدهمَا ضَرُورِيًّا كَون الآخر كَذَلِك. " ثمَّ نقُول " فِي الدّلَالَة على أَنه غير ضَرُورِيّ: " لَو كَانَ ضَرُورِيًّا لَكَانَ بسيطا؛ إِذْ هُوَ مَعْنَاهُ "، أَي: معنى الضَّرُورِيّ كَونه بسيطا؛ لِأَن الضَّرُورِيّ: مَا لَا يتَوَقَّف تصَوره على تصور غَيره؛ فَيكون بسيطا، [وَإِلَّا لَكَانَ تصَوره مَوْقُوفا على تصور جزئه الَّذِي هُوَ غَيره] ؛ " وَيلْزم من " كَونه بسيطا: " أَن يكون كل معنى علما "؛ لِأَن الْعلم يصدق عَلَيْهِ الْمَعْنى: كل معنى علما؛ لَكَانَ الْمَعْنى أَعم من الْعلم؛ فَيلْزم تركيب الْعلم من الْمَعْنى الْمُشْتَرك وَأمر اخْتصَّ بِهِ، وَقد فرض كَونه بسيطا؛ هَذَا خلف. وَلَيْسَ كل معنى علما، وَهَذَا وَاضح؛ فَإِن الْمَعْنى قد يكون ظنا، وجهلا، وتقليدا، [وَغَيرهَا] . الشَّرْح: " وَأَصَح الْحُدُود " للْعلم أَن يُقَال: " صفة توجب " لمحلها " تمييزا، لَا يحْتَمل

صفحة فارغة هَامِش النقيض "، وَالْمرَاد ب " الْأَصَح ": الصَّحِيح؛ وَإِلَّا فَيلْزم أَن يكون هُنَاكَ أصح وصحيح؛ فَيلْزم أَن يكون للشَّيْء الْوَاحِد حدان، فالصفة - وَهِي مَا لَا يقوم بِنَفسِهِ: جنس يَشْمَل الْعلم وَغَيره، وَقَوْلنَا: توجب لمحلها تمييزا: فصل [يحْتَرز] بِهِ عَن الْحَيَاة، وَالْقُدْرَة، والإرادة، وَغَيرهَا؛ من الصِّفَات الْمَشْرُوطَة [بِالْحَيَاةِ وَغير الْمَشْرُوطَة] بهَا، و " لَا يحْتَمل النقيض ": احْتِرَازًا عَن الظَّن، وَهَذَا يَشْمَل التَّصَوُّر؛ إِذْ لَا نقيض لَهُ، والتصديق النَّفْسِيّ؛ إِذْ لَهُ نقيض، وَلَا يحْتَملهُ. قَالَ الْوَالِد رَحمَه الله: وَهَذَا القَوْل جَامع مَانع، لَكِن الْعلم أجلى مِنْهُ، " فَيدْخل " أَي فِي

فَيدْخل إِدْرَاك الْحَواس؛ ... ... ... ... ... ... ... هَامِش الْحَد " إِدْرَاك الْحَواس "؛ وَهِي خمس ظَاهِرَة: السّمع، وَالْبَصَر، والشم، والذوق،

كالأشعري، وَإِلَّا زيد فِي الْأُمُور المعنوية. وَاعْترض بالعلوم العادية؛ فَإِنَّهَا تَسْتَلْزِم جَوَاز النقيض عقلا؛ ... ... ... ... هَامِش واللمس، وَخمْس باطنة مرتبَة فِي تجويفات الدِّمَاغ؛ وَهِي: الْحس الْمُشْتَرك، والمصورة، والمتخيلة، والوهمية، والحافظة؛ " كالأشعري "، أَي: كَمَا هُوَ مَذْهَب شَيخنَا، وقدوتنا إِمَام أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي جعله هَذِه الإدراكات من قبيل الْعلم؛ وَهَذَا أحد قوليه فِي الْمَسْأَلَة. قَالَ الشَّيْخ الإِمَام: وَآخر قوليه أَنَّهَا لَيست من قبيل الْعُلُوم، وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ القَاضِي، وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ. وَهنا ثَلَاثَة أُمُور: أَحدهَا: إِدْرَاك الْحس المحسوس. وَالثَّانِي: الْعلم بالمحسوس. وَالثَّالِث: الْعلم بعلوم أخر، وَلَا إِشْكَال فِي أَن الثَّالِث علم. وَأَنه، وَهل الثَّانِي مُخَالف للْأولِ، أَو هما شَيْء وَاحِد؟ هَذَا مَحل الْخلاف. فَإِن قُلْنَا: إنَّهُمَا شَيْء وَاحِد - وَهُوَ مَذْهَب الشَّيْخ أَولا - دخلت فِي الْحَد، " وَإِلَّا " أَي: وَإِن لم نقل بِمذهب الشَّيْخ " زيد " فِي الْحَد، " فِي الْأُمُور المعنوية "، وَيُرِيد بالمعنوية: مَا عدا الحسية، ليخرج إِدْرَاك الْحَواس؛ لِأَن تمييزها فِي الْأُمُور العينية الخارجية. الشَّرْح: " وَاعْترض " على الْحَد " بالعلوم العادية "؛ كعلمنا بِأَن الْجَبَل حجر، " فَإِنَّهَا تَسْتَلْزِم جَوَاز النقيض عقلا "، أَي: فَإِنَّهُ علم؛ وَهُوَ يحْتَمل النقيض؛ لجَوَاز انقلاب الْجَبَل ذَهَبا بقدرة الْقَادِر الْمُخْتَار.

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

كان الحاصل عند من لم يره في ذلك الوقت ولم يبلغه انشقاقه أنه غير منشق بل هو على المعتاد فكان العلم العادي حاصلا بأنه غير منشق في ذلك

وَأجِيب بِأَن الْجَبَل إِذا علم بِالْعَادَةِ أَنه حجر، اسْتَحَالَ أَن يكون حِينَئِذٍ ذَهَبا ضَرُورَة؛ وَهُوَ المُرَاد، وَمعنى التجويز الْعقلِيّ أَنه لَو قدر، لم يلْزم مِنْهُ محَال لنَفسِهِ، لَا أَنه مُحْتَمل. هَامِش " وَأجِيب؛ بِأَن الْجَبَل إِذا علم بِالْعَادَةِ أَنه حجر، اسْتَحَالَ حِينَئِذٍ "، أَي: حِين إِذْ تعلق الْعلم بِهِ " أَن يكون ذَهَبا " فِي الْخَارِج، وَفِي الْعقل " ضَرُورَة "؛ لِاسْتِحَالَة اجْتِمَاع النقيضين وهما: كَونه حجرا أَو غير حجر، " وَهُوَ المُرَاد "؛ من عدم احْتِمَال النقيض. " وَمعنى التجويز الْعقلِيّ: أَنه لَو قدر " مُقَدّر نقيض مُتَعَلق الْعلم، " لم يلْزم مِنْهُ "، أَي: من تَقْدِيره " محَال لنَفسِهِ " لَا يُمكن لذاته، " لَا أَنه مُحْتَمل "، أَي: لَيْسَ معنى التجويز: أَن نقيض مُتَعَلق الْعلم يحْتَمل وُقُوعه بِوَجْه؛ فَحِينَئِذٍ جَازَ كَون النقيض مركبا فِي نَفسه، وَلَا يحْتَمل وُقُوعه لغيره؛ فَلَا يلْزم من التجويز الْعقلِيّ الِاحْتِمَال؛ فَتدخل الْعُلُوم العادية تَحت الْحَد. وَلقَائِل أَن يَقُول: إِذا تعلق الْعلم بِكَوْنِهِ حجرا، فالمستحيل إِنَّمَا هُوَ تعلق الْعلم - وَالْحَالة هَذِه - بِأَنَّهُ ذهب، لَا كَونه ذَهَبا فِي نفس الْأَمر، فَرب مَعْلُوم بِالْعَادَةِ، وَقد خرقت الْعَادة فِيهِ، وَلم يعلم الْعَالم بِهِ بخرقها، وَهُوَ عَالم بِالْعَادَةِ، مَعَ وُقُوع خلَافهَا فِي نفس الْأَمر، وَهَذَا كَمَا أَن الْقَمَر، لما انْشَقَّ للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، كَانَ الْحَاصِل عِنْد من لم يره فِي ذَلِك الْوَقْت، وَلم يبلغهُ انشقاقه - أَنه غير منشق، بل هُوَ على الْمُعْتَاد، فَكَانَ الْعلم العادي حَاصِلا بِأَنَّهُ غير منشق فِي ذَلِك

فائدة

صفحة فارغة هَامِش الْوَقْت، وَهُوَ منشق فِي نفس الْأَمر؛ على خلاف الْأَمر العادي، وَإِذا كَانَت الاستحالة إِنَّمَا هِيَ عِنْد من حصل لَهُ الْعلم العادي، فالعلم لَا يَكْفِي فِي حُصُوله كَونه يَسْتَحِيل خِلَافه عِنْد الذاكر، بل لَا بُد وَأَن يَسْتَحِيل عِنْد الذاكر وَفِي نفس الْأَمر مَعًا؛ فَلَا يحْتَمل النقيض بِوَجْه على [مَا] بَينه فِي تقسيمه الذّكر الْحكمِي، وَأَيْضًا فَمن حصل لَهُ علم عادي - وَهُوَ مَعَ ذَلِك يعْتَقد جَوَاز كَون الْوَاقِع فِي نفس الْأَمر على خلاف علمه؛ لاحْتِمَال وُقُوع خرق الْعَادة. فَإِن قلت: المُصَنّف إِنَّمَا تكلم فِيمَا إِذا وجد الْعلم، وَالْعلم لَا يكون إِلَّا مطابقا، والمطابق يَسْتَحِيل أَن يكون الْوَاقِع بِخِلَافِهِ، وَإِذا كَانَ الْوَاقِع خلاف الْحَاصِل، كَانَ الْحَاصِل جهلا لَا علما. قلت: لَو كَانَ كَذَلِك، لم يكن معنى لتخصيص الْكَلَام بالعلوم العادية، فَإِنَّهُ مَتى حصل الذّكر النَّفْسِيّ الَّذِي لَا يحْتَمل مُتَعَلّقه النقيض بِوَجْه، لم يحْتَمل أَن يكون الْوَاقِع بِخِلَافِهِ، لَا فرق فِي ذَلِك بَين الْعُلُوم العادية، [والوجدانية] ، والحسية، وَغَيرهَا، فَإِنَّهُ قد وجد الْجَازِم والمطابق كُله بِالْفَرْضِ. (" فَائِدَة ") إِذا عرفت أَن الْعلم مَا كَانَ عَن مُوجب، وَمَا كَانَ مطابقا؛ بِخِلَاف الظَّن، فَلَو قَالَ الآخر:

صفحة فارغة هَامِش أَنْت تعلم أَن هَذَا العَبْد حر، حكم بِعِتْقِهِ. وَلَو قَالَ: تظن، لم يحكم؛ لِأَنَّهُ لَو لم يكن حرا، لم يكن الْمَقُول لَهُ عَالما بحريَّته، وَقد اعْترف السَّيِّد بِعِلْمِهِ، وَصُورَة الظَّن بِخِلَافِهِ؛ نَقله الرَّافِعِيّ عَن خطّ الرَّوْيَانِيّ عَن بعض الْأَئِمَّة. [قَالَ] : وَلَو قَالَ: ترى أَنه حر، احْتمل أَلا يَقع، وَاحْتمل أَن تحمل الرُّؤْيَة على الْعلم، وَيَقَع. وَاعْلَم أَنَّك إِذا قلت: زيد قَائِم، أَو لَيْسَ بقائم، فقد ذكرت حكما وسببا؛ إِذْ لَا بُد

وَاعْلَم أَن مَا عَنهُ الذّكر الْحكمِي إِمَّا أَن يحْتَمل مُتَعَلّقه النقيض بِوَجْه أَو لَا: هَامِش من سَبَب لما وَقع فِي الذِّهْن من قيام زيد، وَهِي نِسْبَة تقييدية تنشأ عَنْهَا النِّسْبَة الْحكمِيَّة، وَهَذِه النِّسْبَة التقييدية فِي الذِّهْن هِيَ الَّتِي عَنْهَا الذّكر الْحكمِي، وَهُوَ مورد التَّقْسِيم؛ وَلذَلِك مُتَعَلق هُوَ طرفاه، وَهُوَ قيام زيد فِي الْخَارِج، وَلَا نعني وجوده، بل حَقِيقَته فِي نَفسه الْقَابِلَة للوجود والعدم، وَهِي الَّتِي تقسم إِلَى احْتِمَال النقيض، وَعدم احْتِمَاله. إِذا عرفت هَذَا، وَهُوَ الذّكر الْحكمِي، وَرُبمَا سمي الذّكر النَّفْسِيّ، وَله نقيض، فللإثبات النَّفْي، وللنفي الْإِثْبَات، فَنَقُول: الشَّرْح: " اعْلَم أَن مَا عَنهُ الذّكر الْحكمِي "، سَوَاء أصدر عَنهُ الذّكر الْحكمِي أم لَا؟ " إِمَّا أَن يحْتَمل مُتَعَلّقه النقيض "، " أَي: نقيض مَا عَنهُ الذّكر الْحكمِي " بِوَجْه " من الْوُجُوه، " أَو لَا، وَالثَّانِي الْعلم.

الثَّانِي: الْعلم، وَالْأول: إِمَّا أَن يحْتَمل النقيض عِنْد الذاكر، لَو قدره أَو لَا، وَالثَّانِي: الِاعْتِقَاد، فَإِن طابق، فَصَحِيح، وَإِلَّا ففاسد، وَالْأول: إِمَّا أَن يحْتَمل النقيض، وَهُوَ رَاجِح أَو لَا، فالراجح: الظَّن، والمرجوح: الْوَهم، والمساوي: الشَّك، وَقد علم بذلك حُدُودهَا. هَامِش وَالْأول: إِمَّا أَن يحْتَمل النقيض عِنْد الذاكر لَو قدره "، أَي: يكون بِحَيْثُ لَو قدر الذاكر النقيض، لَكَانَ مُحْتملا عِنْده، " أَو لَا. وَالثَّانِي: الِاعْتِقَاد، فَإِن طابق الْوَاقِع، فَصَحِيح، وَإِلَّا ففاسد. وَالْأول: إِمَّا أَن يحْتَمل النقيض، وَهُوَ رَاجِح، أَو لَا "، بل مَرْجُوح، أَو مسَاوٍ. " فالراجح: الظَّن، والمرجوح: الْوَهم، والمساوي: الشَّك ". وَإِنَّمَا جعل مورد التَّقْسِيم مَا عَنهُ الذّكر الْحكمِي، دون الِاعْتِقَاد أَو الحكم؛ لتناول الْوَهم وَالشَّكّ؛ مِمَّا لَا اعْتِقَاد وَلَا حكم للذهن فِيهِ. " وَقد علم بذلك حُدُودهَا "؛ بِأَن يُقَال: الْعلم: مَا عَنهُ الذّكر الْحكمِي الَّذِي لَا يحْتَمل مُتَعَلّقه النقيض بِوَجْه، وَالظَّن: الَّذِي يحْتَمل مُتَعَلّقه النقيض عِنْد الذاكر، لَو قدره، إِذا كَانَ راجحا، وَهَكَذَا إِلَى آخر التَّقْسِيم. وَهَذَا اصْطِلَاح الْأُصُولِيِّينَ، وَرُبمَا أطلق الْفُقَهَاء على الظَّن الْغَالِب علما، وَلذَلِك لما ذكرُوا الْخلاف فِي أَن القَاضِي، هَل يقْضِي بِعِلْمِهِ؟ مثلُوا لَهُ؛ بِمَا إِذا ادّعى عَلَيْهِ مَالا، وَقد رَآهُ القَاضِي أقْرضهُ ذَلِك، أَو سمع الْمُدعى عَلَيْهِ أقرّ بذلك. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمَعْلُوم أَن رُؤْيَة الْإِقْرَاض،

صفحة فارغة هَامِش وَسَمَاع الْإِقْرَار لَا يُفِيد الْيَقِين؛ بِثُبُوت الْمَحْكُوم بِهِ وَقت الْقَضَاء. قَالَ: فَيدل على أَن المُرَاد بِالْعلمِ لَيْسَ الْيَقِين، بل الظَّن الْمُؤَكّد. وَرُبمَا أطْلقُوا الشَّك فِي مَوضِع لم يستو الطرفان فِيهِ. وَقَوْلهمْ فِي الْقَاعِدَة الْمَشْهُورَة: الْيَقِين لَا يرفع بِالشَّكِّ؛ إِذا تَأَمَّلت فروعها، عرفت: أَن المُرَاد بِهِ اسْتِصْحَاب الْيَقِين، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة ظن لَا يرفع بِالشَّكِّ، واستثناء مَا استثنوه من

صفحة فارغة هَامِش هَذِه الْقَاعِدَة، لَيْسَ فِي الْحَقِيقَة قَضَاء بالمرجوح، مَعَ وجدان الرَّاجِح؛ فَإِن ذَلِك على خلاف الْمَعْقُول والمشروع، بل عمل بأرجح الظنين. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن الْقَاص: لَا يرفع الْيَقِين بِالشَّكِّ إِلَّا فِي إِحْدَى عشرَة مَسْأَلَة - وَزَاد

صفحة فارغة هَامِش عَلَيْهِ الْأَصْحَاب صورا أهملها من جنس مَا ذكره. ثمَّ قَالَ محققوهم: إِنَّه لم يعْمل بِالشَّكِّ فِي شَيْء مِنْهَا؛ كَمَا حققنا ذَلِك فِي كتَابنَا " الْأَشْبَاه والنظائر ". وَاعْلَم أَن الإِمَام حجَّة الْإِسْلَام أَبَا حَامِد الْغَزالِيّ - سقى الله عَهده - افْتتح كتاب

صفحة فارغة هَامِش " الْمُسْتَصْفى " بقواعد منطقية، وَقَالَ: " هَذِه مُقَدّمَة الْعُلُوم كلهَا، وَمن لَا يُحِيط بهَا، فَلَا ثِقَة لَهُ بمعلومه أصلا. وَاخْتلف أهل الْعلم وَالدّين بعدهمْ، فَذكر الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح؛ أَنه سمع الشَّيْخ الْعِمَاد بن يُونُس يَحْكِي عَن الإِمَام يُوسُف الدِّمَشْقِي؛ أَنه كَانَ يُنكر هَذَا القَوْل وَيَقُول: فَأَبُو بكر، وَعمر، وَفُلَان، وَفُلَان؛ يَعْنِي: أَن أُولَئِكَ السَّادة عظمت حظوظهم من الْعلم وَالْيَقِين،

صفحة فارغة هَامِش وَلم يحيطوا بِهَذِهِ الْمُقدمَة وأشباهها، ثمَّ أفتى ابْن الصّلاح بِتَحْرِيم الِاشْتِغَال بالْمَنْطق وَقَالَ: هُوَ مدْخل الفلسفة، ومدخل الشَّرّ، وَلَيْسَ الِاشْتِغَال بتعليمه وتعلمه مِمَّا أَبَاحَهُ الشَّارِع، وَلَا استباحه أحد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَالْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين، وَالسَّلَف الصَّالِحين، وَسَائِر من يقْتَدى بهم من أَعْلَام الْأمة وسادتها، وأركان الله وقادتها، قد برأَ الله الْجَمِيع من معرفَة ذَلِك وأدناسه، وطهرهم من أوضاره. وَأما استعمالات الاصطلاحات المشنعة المنطقية فِي مبَاحث الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، فَمن

صفحة فارغة هَامِش الْمُنْكَرَات، وَلَيْسَ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة - وَالْحَمْد لله - افتقار إِلَى الْمنطق أصلا، وَمَا يزعمه المنطقي للمنطق فِي أَمر الْحَد والبرهان - فقاقيع قد أغْنى الله عَنْهَا كل صَحِيح الذِّهْن؛ لَا سِيمَا من خدم نظريات الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة، وَلَقَد تمت الشَّرِيعَة، وخاض فِي بَحر الْحَقَائِق والدقائق علماؤها، حَيْثُ لَا منطق. انْتهى، وَتَابعه غير وَاحِد مِمَّن بعده. وَرَأَيْت فِي الْمسَائِل الَّتِي سَأَلَهَا يُوسُف بن مُحَمَّد بن مقلد الدِّمَشْقِي، الشَّيْخ الإِمَام أَبَا مَنْصُور العطاردي، الْمَعْرُوف ب " حَضْرَة ": هَل يجوز الِاشْتِغَال بالْمَنْطق، أم هُوَ دهليز الْكفْر؟ . أجَاب: الْمنطق لَا يتَعَلَّق بِهِ كفر وَلَا إِيمَان، ثمَّ قَالَ: إِن الأولى أَلا يشْتَغل بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن الخائض فِيهِ؛ أَن يجره إِلَى مَا لَا يَنْبَغِي، انْتهى. وَنحن نقُول: قَول يُوسُف الدِّمَشْقِي: " أَبُو بكر، وَعمر، وَفُلَان، وَفُلَان "، الْمُتَقَدّم - كَلَام لَا حَاصِل لَهُ؛ فَإِن أَبَا بكر، وَعمر أحاطا بِهَذِهِ الْمُقدمَة إحاطة لم يصل الْغَزالِيّ وَأَمْثَاله إِلَى عشر معشارها، وَمن زعم أَنَّهُمَا لم يحيطا بهَا، فَهُوَ الْمُسِيء عَلَيْهِمَا، وَالَّذِي نقطع بِهِ أَنَّهَا كَانَت سَاكِنة فِي طباع أُولَئِكَ السادات، وسجية لَهُم، كَمَا كَانَ النَّحْو الَّذِي ندأب نَحن الْيَوْم فِي تَحْصِيله. وَمَا ذكره الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح لَيْسَ بالخالي عَن الإفراط وَالْمُبَالغَة؛ فَإِن أحدا لم يدع افتقار الشَّرِيعَة إِلَى الْمنطق، بل قصارى الْمنطق، عصمَة الأذهان [الَّتِي] لَا يوثق بهَا؛ عَن الْغَلَط، وَهُوَ حَاصِل عِنْد كل ذِي ذهن بِمِقْدَار مَا أُوتِيَ من الْفَهم. وَأما ترتيبه على الْوَجْه الَّذِي يذكرهُ المنطقي، فَهُوَ أَمر استحدث؛ ليرْجع إِلَيْهِ ذُو الذِّهْن، إِذا استبهمت الْأُمُور، وَهل الْمنطق للأذهان إِلَّا كالنحو للسان، وَإِنَّمَا احْتِيجَ للنحو، وَصَارَ علما بِرَأْسِهِ عِنْد اخْتِلَاط الْأَلْسِنَة، وَكَذَلِكَ الْمنطق، يَدعِي الْغَزالِيّ؛ أَن الْحَاجة اشتدت إِلَيْهِ عِنْد كلال الأذهان، واعتوار الشُّبُهَات. وَقَوله: " لقد تمت الشَّرِيعَة حَيْثُ لَا منطق "؛ إِن أَرَادَ حَيْثُ لَا منطق مُودع فِي الْكتب على

صفحة فارغة هَامِش هَذِه الأساليب، فَصَحِيح، وَلَا يُوجب تَحْرِيم هَذَا، وَلَا الغض مِنْهُ، وَإِن أَرَادَ حَيْثُ لَا منطق حَاصِل لَهُم، وَإِن لم يعبر عَنهُ بِهَذَا الْوَجْه، فَمَمْنُوع؛ كَمَا ذَكرْنَاهُ. فَإِن قلت: مَاذَا يعنون بِهِ فِي الْمنطق؟ قلت: نَحن نَذْهَب إِلَى مَا أفتى بِهِ شيخ الْمُسلمين، وَإِمَام الْأَئِمَّة، الَّذِي خضعت لَهُ الرّقاب؛ وَهُوَ أَبى - تغمده الله برحمته - حَيْثُ قَالَ، وَقد سُئِلَ عَن ذَلِك: يَنْبَغِي أَن يقدم على الِاشْتِغَال بِهِ - الِاشْتِغَال بِالْقُرْآنِ، وَالسّنة، وَالْفِقْه؛ حَتَّى يرسخ فِي الذِّهْن تَعْظِيم الشَّرِيعَة وعلمائها، فَإِذا تمّ ذَلِك، وَعلم الْمَرْء من نَفسه صِحَة الذِّهْن؛ حَتَّى لَا تروج عَلَيْهِ الشُّبْهَة، وَلَقي شَيخا ناصحا حسن العقيدة - جَازَ لَهُ - وَالْحَالة هَذِه - الِاشْتِغَال بالْمَنْطق، وانتفع بِهِ، وأعانه على الْعُلُوم الإسلامية، قَالَ: وَهُوَ من أحسن الْعُلُوم وأنفعها فِي كل بحث، [قَالَ: وَفصل القَوْل فِيهِ؛ إِنَّه كالسيف يُجَاهد بِهِ شخص] فِي سَبِيل الله، وَيقطع [بِهِ] آخر الطَّرِيق.

وَالْعلم ضَرْبَان: علم بمفرد، وَيُسمى تصورا وَمَعْرِفَة وَعلم بِنِسْبَة، وَيُسمى تَصْدِيقًا وعلما، وَكِلَاهُمَا ضَرُورِيّ ومطلوب. هَامِش وَقد اقْتدى المُصَنّف بالغزالي فِي ذكر الْقَوَاعِد المهمة من الْمنطق، فَقَالَ: " وَالْعلم ضَرْبَان: علم بمفرد "؛ مثل علمك بِمَعْنى الْإِنْسَان، وَالْكَاتِب، " وَيُسمى تصورا وَمَعْرِفَة، وَعلم بِنِسْبَة "، لَا بِمَعْنى [حُصُول] صورتهَا فِي الْعقل؛ فَإِنَّهُ من قبيل الأول؛ بل الْمَعْنى إيقاعها أَو انتزاعها؛ مثل: حكمك بِأَن الْإِنْسَان كَاتب، أَو لَيْسَ بكاتب، " وَيُسمى تَصْدِيقًا وعلما ". وَإِنَّمَا يُسَمِّيه علما بَعضهم؛ وعَلى هَذَا، فَلَا يكون الأول عِنْده علما، " وَكِلَاهُمَا "، أَي: كل وَاحِد من التَّصَوُّر والتصديق " ضَرُورِيّ " يحصل بِلَا طلب، " ومطلوب " لَا يحصل إِلَّا

فالتصور الضَّرُورِيّ: مَا لَا يتقدمه تصور يتَوَقَّف عَلَيْهِ؛ لانْتِفَاء التَّرْكِيب فِي مُتَعَلّقه؛ كالوجود وَالشَّيْء، وَالْمَطْلُوب بِخِلَافِهِ، أَي: تطلب مفرداته؛ فَيحد. والتصديق الضَّرُورِيّ: مَا لَا يتقدمه تَصْدِيق يتَوَقَّف عَلَيْهِ، وَالْمَطْلُوب بِخِلَافِهِ، أَي: يطْلب بِالدَّلِيلِ. هَامِش بِالطَّلَبِ، فَصَارَت الْأَقْسَام أَرْبَعَة: تصور ضَرُورِيّ، ومطلوب، وتصديق ضَرُورِيّ، ومطلوب، وَوُجُود الْأَرْبَعَة وجداني. الشَّرْح: " فالتصور الضَّرُورِيّ: مَا لَا يتقدمه، تصور يتَوَقَّف عَلَيْهِ "، أَي: لَا يتقدمه تصور تقدما طبيعيا، وَهُوَ مَا لَا يتَوَقَّف تحَققه عَلَيْهِ، وَعدم توقف التَّصَوُّر على تصور يسْبقهُ، إِنَّمَا هُوَ " لانْتِفَاء التَّرْكِيب فِي مُتَعَلّقه "؛ فَإِنَّهُ مُفْرد؛ فَلَا يطْلب لَهُ حد؛ إِذْ لَا حد لَهُ؛ لِأَن الْحَد يُمَيّز أَجزَاء الْمُفْرد، وَهَذَا مُفْرد؛ فَلَا أَجزَاء لَهُ، والمفرد الَّذِي لَا يحد، " كالوجود، وَالشَّيْء ". والتصور " الْمَطْلُوب بِخِلَافِهِ "، وَهُوَ مَا كَانَ مُتَعَلّقه مركبا، " أَي: يطْلب مفرداته "؛ ليعرف متميزه بِالْحَدِّ. " والتصديق الضَّرُورِيّ: مَا لَا يتقدمه تَصْدِيق يتَوَقَّف عَلَيْهِ "، وَهُوَ دَلِيله، وَطَلَبه النّظر، وَلَا بَأْس أَن يتقدمه تَصْدِيق يتَوَقَّف عَلَيْهِ، وَهُوَ دَلِيله، " فيطلب بِالدَّلِيلِ ". وَاعْلَم أَنه لَا يلْزم من توقف التَّصَوُّر على تصور مفرداته - أَن يطْلب، بل قد يكون حَاصِلا من غير سبق طلب وَنظر.

وَأورد على التَّصَوُّر: إِن كَانَ حَاصِلا، فَلَا طلب، وَإِلَّا فَلَا شُعُور بِهِ، فَلَا طلب؛ وَأجِيب بِأَنَّهُ يشْعر بهَا وبغيرها، وَالْمَطْلُوب تَخْصِيص بَعْضهَا بِالتَّعْيِينِ، وَأورد ذَلِك هَامِش الشَّرْح: " وَأورد على التَّصَوُّر "؛ أَنه لَا مَطْلُوب مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ " إِن كَانَ حَاصِلا، فَلَا طلب "؛ لِئَلَّا يلْزم تَحْصِيل الْحَاصِل، " وَإِلَّا فَلَا شُعُور بِهِ، فَلَا طلب "؛ لِأَن الطّلب إِنَّمَا يتَوَجَّه نَحْو المشعور بِهِ. لَا يُقَال: إِنَّه حَاصِل من وَجه دون وَجه؛ لأَنا نقُول: يعود الْكَلَام فِيمَا يطْلب من جِهَته، فَالْحَاصِل فِي طلبه تَحْصِيل الْحَاصِل وَغَيره - لَا شُعُور بِهِ. بل الْجَواب مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: " وَأجِيب بِأَنَّهُ يشْعر بهَا "، أَي: بمفرداته الَّتِي ذكر أَنَّهَا تطلب لتعرف متميزة، " وبغيرها " مفصلة، " وَالْمَطْلُوب تَخْصِيص بَعْضهَا بِالتَّعْيِينِ "؛

على التَّصْدِيق. وَأجِيب: بِأَنَّهُ تتَصَوَّر النِّسْبَة بِنَفْي أَو إِثْبَات، ثمَّ يطْلب تعْيين أَحدهمَا، وَلَا يلْزم من تصور النِّسْبَة حُصُولهَا، وَإِلَّا لزم النقيضان. ومادة الْمركب: مفرداته، وَصورته: هَيئته الْخَاصَّة. هَامِش كمن يرى أشخاصا كَثِيرَة فيهم زيد، وَلَا يعرفهُ بِعَيْنِه، فَيسْأَل عَنهُ من يعرفهُ، فَيَضَع يَده على أحدهم قَائِلا: زيد هُوَ هَذَا، أَو يعرفهُ بعلامة علمهَا [لزيد] دون غَيره مِمَّن عداهُ. " وَأورد ذَلِك على التَّصْدِيق " [أَيْضا] ؛ فَقيل: لَا مَطْلُوب مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا حَاصِل، أَو غير مشعور بِهِ؛ كَمَا تقدم. الشَّرْح: " وَأجِيب: بِأَنَّهُ يتَصَوَّر النِّسْبَة بِنَفْي أَو إِثْبَات، ثمَّ يطْلب تعْيين أَحدهمَا "، وَذَلِكَ أَن الْعلم بِالنِّسْبَةِ من جِهَة تصورها غير الْعلم بحصولها، وَإِلَّا لزم من تصورها الْعلم بحصولها، فَإِذا تصورنا النَّفْي وَالْإِثْبَات، لزم اجْتِمَاعهمَا، فيجتمع النقيضان، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله: " وَلَا يلْزم من تصور النِّسْبَة حُصُولهَا، وَإِلَّا لزم النقيضان ". الشَّرْح: وَاعْلَم: أَن أَجزَاء الْمركب، إِمَّا أَن يكون مَعَه بِالْقُوَّةِ، وَهُوَ الْمَادَّة؛ كالخشب للسرير، أَو بِالْفِعْلِ، وَهُوَ الصُّورَة؛ كَهَيئَةِ السرير، " ومادة الْمركب: [مفرداته " الَّتِي يحصل هُوَ من التئامها؛ كالخشب] ، " وَصورته: هَيئته الْخَاصَّة " الْحَاصِلَة من التئامها. ثمَّ إِن ذَلِك قد يكون زَائِدا على مَجْمُوع الْمُفْردَات؛ كالمزاج الْحَاصِل لأجزاء المعجون

تقسيم الحد

(تَقْسِيم الْحَد) وَالْحَد حَقِيقِيّ، ورسمي، ولفظي: فالحقيقي: مَا أنبأ عَن ذاتياته الْكُلية المركبة. هَامِش الَّذِي بِهِ تظهر آثاره؛ ويشبهه الْفَقِيه باجتماع الْجَمَاعَة على قتل الْوَاحِد، إِذا كَانَ كل مِنْهُم لَو انْفَرد لم يزهق، وَقد لَا يكون؛ كَهَيئَةِ الْعشْرَة لآحادها؛ فَإِن الْعشْرَة - وَإِن كَانَت غير كل وَاحِد - فَلَيْسَتْ إِلَّا مَجْمُوع الْآحَاد، وَلم يحصل لَهَا بعد الالتئام كَيْفيَّة زَائِدَة؛ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون بِحَسب التعقل، وأشبه مِنْهُم بِالْعشرَةِ الثَّابِتَة فِي ذمَّة [زيد] ، إِذا ضمنهَا عَمْرو؛ فَإِنَّهَا وَاحِدَة، وَإِن ثبتَتْ فِي ذمتين، وَلَيْسَت عشرتين؛ خلافًا لمن زعم ذَلِك من الْفُقَهَاء. الشَّرْح: " وَالْحَد " وَهُوَ مَا يُمَيّز الشَّيْء عَن غَيره: " حَقِيقِيّ، ورسمي، ولفظي: فالحقيقي: مَا أنبأ عَن ذاتياته "، أَي: ذاتيات الْمَحْدُود " [الْكُلية] المركبة "؛ وَقد خرج بقولنَا: ذاتياته - العرضيات، وب " الْكُلية " - المشخصات، وب " المركبة " - الذاتيات الَّتِي [لم] يعْتَبر تركيبها؛ على وَجه يحصل لَهَا صُورَة وجدانية مُطَابقَة للمحدود؛ فَإِنَّهَا لَا تسمى حدا حَقِيقِيًّا. وَمثل أَكْثَرهم الْحَقِيقِيّ؛ بقولنَا فِي تَعْرِيف الْإِنْسَان: الْحَيَوَان [النَّاطِق] ، وَالْمرَاد بالناطق بِالْقُوَّةِ، وَهُوَ صَحِيح. وَرَأَيْت الْأُسْتَاذ أَبَا مَنْصُور فِي " معيار الجدل " عزاهُ إِلَى الفلاسفة؛ ورده فَقَالَ: إِن أَرَادوا بالنطق: الْكَلَام الصَّحِيح المسموع، لَزِمَهُم أَلا يكون الْأَخْرَس إنْسَانا، وَأَن يكون الببغاء إنْسَانا؛ إِذا تعلمت النُّطْق، وَإِن أَرَادوا التَّمْيِيز، لَزِمَهُم أَن يكون كل حَيَوَان مُمَيّز إنْسَانا. قلت: وَقد عرفت مُرَادهم؛ فَانْدفع إِيرَاده. ثمَّ قَالَ: وَقَالَ أهل الْحق: إِن الْإِنْسَان هُوَ الْجَسَد الْمَخْصُوص بِهَذِهِ الصُّورَة الْمَخْصُوصَة، قَالَ: فَإِذا سئلوا عَن هَذَا القَوْل؛ عَن جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - حِين جَاءَ فِي صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ - أجابوا: أَن الظَّاهِر مِنْهُ كَانَ على صُورَة ظَاهر الْإِنْسَان، وَلم يكن بَاطِنه جسدا كباطن الْإِنْسَان؛ فَلم يكن إنْسَانا.

والرسمي: مَا أنبأ عَن الشَّيْء بِلَازِم لَهُ؛ مثل: الْخمر: مَائِع، يقذف بالزبد. واللفظي: مَا أنبأ عَنهُ بِلَفْظ أظهر مرادف؛ مثل: الْعقار: الْخمر. وَشرط الْجَمِيع الاطراد والانعكاس، أَي: إِذا وجد، وجد، وَإِذا انْتَفَى انْتَفَى. هَامِش " والرسمي: مَا أنبأ عَن الشَّيْء بِلَازِم لَهُ "، أَي: مُخْتَصّ بِهِ دون غَيره؛ " مثل: الْخمر مَائِع، يقذف بالزبد "؛ فَإِن ذَلِك لَازم عَارض بعد تَمام حَقِيقَته. " واللفظي: مَا أنبأ بِلَفْظ أظهر مرادف؛ مثل: الْعقار خمر. وَشرط الْجَمِيع: الاطراد والانعكاس، أَي: إِذا وجد " الْحَد، " وجد " الْمَحْدُود؛ وَذَلِكَ هُوَ الاطراد؛ فَلَا يدْخل فِيهِ شَيْء لَيْسَ من أَفْرَاد الْمَحْدُود؛ فَيكون مَانِعا، " وَإِذا انْتَفَى " الْحَد، " انْتَفَى " الْمَحْدُود؛ وَذَلِكَ هُوَ الانعكاس، أَي: كلما وجد الْمَحْدُود، وجد الْحَد؛ وَيلْزمهُ كلما

والذاتي: مَا لَا يتَصَوَّر فهم الذَّات قبل فهمه؛ كاللونية للسواد، والجسمية للْإنْسَان؛ هَامِش انْتَفَى الْحَد، انْتَفَى الْمَحْدُود؛ فَلَا يخرج عَنهُ شَيْء من أَفْرَاد الْمَحْدُود؛ فَيكون جَامعا؛ فَإِذن شَرط الْحَد: أَن يكون مطردا منعكسا، وَإِن شِئْت قل: جَامعا مَانِعا. وَكَانَ بعض مَشَايِخ " خُرَاسَان " يَقُول: الْحَد: مَا منع الوالج من الْخُرُوج، وَالْخَارِج من الولوج. قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: وَهَذَا أبرد من الثلوج. الشَّرْح: " والذاتي: مَا لَا يتَصَوَّر "، أَي: يمْتَنع " فهم الذَّات قبل فهمه "، فَلَو قدر عَدمه فِي الْعقل، لارتفعت الذَّات؛ " كاللونية للسواد " فِي ذاتي الْعرض، " والجسمية للْإنْسَان " فِي ذاتي

وَمن ثمَّة لم يكن لشَيْء حدان ذاتيان. وَقد يعرف؛ بِأَنَّهُ غير مُعَلل، وبالترتيب الْعقلِيّ. وَتَمام الْمَاهِيّة: هُوَ الْمَقُول فِي جَوَاب: مَا هُوَ، وجزؤها ... ... ... ... هَامِش الْجَوْهَر، " وَمن ثمَّ "، أَي: من أجل أَن فهم الذَّات لَا يتَصَوَّر قبل فهم الذاتي، " لم يكن لشَيْء " وَاحِد " حدان ذاتيان "؛ وَذَلِكَ لِأَن الْحَد الْحَقِيقِيّ بتعقل جَمِيع الذاتيات؛ وَذَلِكَ لَا يتَصَوَّر فِيهِ التَّعَدُّد، اللَّهُمَّ إِلَّا من جِهَة الْعبارَة؛ بِأَن يذكر بعض الذاتيات بالمطابقة تَارَة، وبالتضمن أُخْرَى الشَّرْح: " وَقد يعرف " الذاتي؛ " بِأَنَّهُ غير مُعَلل "، أَي: أَنه الَّذِي لَا يثبت للذات بعلة. فالسواد للأسود لَيْسَ بعلة، وَكَذَا اللونية؛ لتقدمها عَلَيْهِ؛ بِخِلَاف الزَّوْجِيَّة للأربعة؛ فَإِن الزَّوْجِيَّة معللة بهَا. " وبالترتيب الْعقلِيّ "، أَي: وَقد يعرف الذاتي أَيْضا بالترتيب الْعقلِيّ، أَي هُوَ الَّذِي يتَقَدَّم على الذَّات فِي التعقل. الشَّرْح: " وَتَمام الْمَاهِيّة: هُوَ الْمَقُول فِي جَوَاب: مَا هُوَ؟ "؛ فَإِن السُّؤَال ب " مَا هُوَ؟ " إِنَّمَا يكون عَن تَمام الْمَاهِيّة؛ ك " الْحَيَوَان النَّاطِق "؛ فِي جَوَاب السُّؤَال ب " مَا هُوَ؟ " عَن الْإِنْسَان.

الْمُشْتَرك: الْجِنْس، والمميز: الْفَصْل، وَالْمَجْمُوع مِنْهُمَا: النَّوْع. وَالْجِنْس: مَا اشْتَمَل على مُخْتَلف بِالْحَقِيقَةِ، وكل من الْمُخْتَلف: النَّوْع، وَيُطلق النَّوْع على ذِي آحَاد متفقة الْحَقِيقَة، فالجنس الْوسط، نوع بِالْأولِ لَا الثَّانِي، والبسائط بِالْعَكْسِ. هَامِش " وجزؤها "، أَي: تَمام جزئها " الْمُشْتَرك: الْجِنْس "، كالحيوان للْإنْسَان؛ فَإِنَّهُ تَمام الْمُشْتَرك بَين الْإِنْسَان وَغَيره من الْحَيَوَانَات. وَتَمام الْجُزْء " الْمُمَيز " لَهَا: الْفَصْل؛ كالناطق للْإنْسَان. " وَالْمَجْمُوع " الْمركب " مِنْهُمَا "، أَي: من الْجِنْس والفصل - هُوَ " النَّوْع الإضافي. " وَالْجِنْس: مَا اشْتَمَل: أَي: الْمَقُول فِي جَوَاب مَا هُوَ؟ الْمُشْتَمل " على مُخْتَلف بِالْحَقِيقَةِ "؛ فَخرج ب " الْمَقُول فِي جَوَاب: مَا هُوَ؟ " - الْفَصْل، والخاصة، وَالْعرض الْعَام؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْء مِنْهَا مقولا فِي جَوَاب: مَا هُوَ؟ و " بِالْحَقِيقَةِ " - النَّوْع؛ لِأَنَّهُ مقول فِي جَوَاب مَا هُوَ؟ مُشْتَمل على مُخْتَلف بِالْعدَدِ، لَا بِالْحَقِيقَةِ. " وكل من الْمُخْتَلف " الَّذِي يُقَال عَلَيْهِ وعَلى غَيره: الْجِنْس؛ فِي جَوَاب: مَا هُوَ؟ - " النَّوْع " [الإضافي. " وَيُطلق النَّوْع] على ذِي آحَاد متفقة الْحَقِيقَة " - بِاعْتِبَار كَونهَا آحادا لَهُ، وَيُسمى [نوعا] حَقِيقِيًّا، " فالجنس الْوسط "؛ كالجسم النامي " نوع بِالْأولِ "، أَي: بِالْمَعْنَى الأول؛ [لِأَن فَوْقه جِنْسا يُقَال عَلَيْهِ وعَلى غَيره فِي جَوَاب: مَا هُوَ؟ " لَا " بِالْمَعْنَى " الثَّانِي "؛ ضَرُورَة كَونه

والعرضي بِخِلَافِهِ، وَهُوَ لَازم، وعارض؛ فاللازم: مَا لَا يتَصَوَّر ... ... ... ... هَامِش مقولا فِي جَوَاب: مَا] هُوَ؟ على مُخْتَلفين بِالْحَقِيقَةِ، وَهِي الْأَنْوَاع المندرجة تَحْتَهُ. " والبسائط "، أَعنِي: الماهيات الَّتِي لَا جُزْء لَهَا؛ كالوحدة، والنقطة، " بِالْعَكْسِ " يكون نوعا؛ بِالْمَعْنَى الثَّانِي؛ ضَرُورَة كَونهَا مقولة فِي جَوَاب: مَا هُوَ؟ على المتفقة بِالْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ أفرادها، دون الْمَعْنى الأول؛ ضَرُورَة عدم اندراجها تَحت جنس، وَإِلَّا لم تكن بسائط. الشَّرْح: " والعرضي بِخِلَافِهِ "، أَي: بِخِلَاف الذاتي؛ فَهُوَ مَا يتَصَوَّر فهم الذَّات قبل فهمه، أَو الْمُعَلل، أَو مَا لَا يتقدمه عقلا. " وَهُوَ " قِسْمَانِ: " [لَازم، وعارض] ؛ فاللازم: مَا لَا يتَصَوَّر مُفَارقَته "، أَي: لَا يُمكن،

مُفَارقَته؛ وَهُوَ لَازم للماهية بعد فهمها؛ كالفردية للثَّلَاثَة، والزوجية للأربعة، ولازم للوجود خَاصَّة؛ كالحدوث للجسم، والظل لَهُ، والعارض بِخِلَافِهِ، وَقد لَا يَزُول؛ كسواد الْغُرَاب، والزنجي، وَقد يَزُول؛ كصفرة الذَّهَب. وَصُورَة الْحَد: الْجِنْس الْأَقْرَب، ثمَّ الْفَصْل، وخلل ذَلِك نقص. هَامِش " وَهُوَ " ضَرْبَان: " لَازم للماهية بعد فهمها "؛ بِخِلَاف الذاتي؛ فَإِنَّهُ لَازم، لَا بعد فهمها، سَوَاء أفرض وجودهَا أم لَا؛ " كالفردية للثَّلَاثَة، والزوجية للأربعة، ولازم للوجود خَاصَّة "، دون الْمَاهِيّة؛ " كالحدوث للجسم " كُله، " والظل لَهُ "، أَي: كَونه ذَا [ظلّ] فِي الشَّمْس لبعضه؛ وَذَلِكَ لَا يلْزم مَاهِيَّة الْجِسْم. " والعارض بِخِلَافِهِ "، أَي: بِخِلَاف اللَّازِم، وَهُوَ مَا يُمكن مُفَارقَته، " وَقد لَا يَزُول؛ كسواد الْغُرَاب، والزنجي، وَقد يَزُول؛ كصفرة الذَّهَب ". الشَّرْح: " وَصُورَة الْحَد " الْحَقِيقِيّ: " الْجِنْس الْأَقْرَب، ثمَّ الْفَصْل، وخلل ذَلِك "، أَي: الصُّورَة - " نقص " فِي الْحَد؛ كإسقاط الْجِنْس الْأَقْرَب، والاقتصار على الْأَبْعَد؛ لدلَالَة الْفَصْل

صفحة فارغة هَامِش بالالتزام عَلَيْهِ؛ نَحْو: الْإِنْسَان جسم نَاطِق، [أَو إِسْقَاط الْجِنْس رَأْسا؛ ك " الْإِنْسَان نَاطِق] ؛ وكتقديم الْفَصْل؛ نَحْو: الْعِشْق: فرط الْمحبَّة؛ لإخلال ذَلِك بالصورة.

وخلل الْمَادَّة خطأ وَنقص؛ فالخطأ كجعل الْمَوْجُود وَالْوَاحد جِنْسا؛ وكجعل العرضي الْخَاص بِنَوْع فصلا؛ فَلَا ينعكس؛ وكترك بعض الْفُصُول؛ فَلَا يطرد؛ وكتعريفه بِنَفسِهِ؛ مثل: الْحَرَكَة: عرض نقلة، وَالْإِنْسَان: حَيَوَان بشر؛ وكجعل النَّوْع والجزء جِنْسا؛ مثل: الشَّرّ ظلم النَّاس، وَالْعشرَة خَمْسَة وَخَمْسَة، وَيخْتَص الرسمي باللازم الظَّاهِر، لَا بخفي مثله، وَلَا أخْفى، وَلَا بِمَا تتَوَقَّف عقليته عَلَيْهِ؛ مثل: الزَّوْج عدد يزِيد على الْفَرد بِوَاحِد، وَبِالْعَكْسِ؛ فَإِنَّهُمَا متساويان؛ وَمثل: النَّار جسم؛ كالنفس؛ فَإِن هَامِش الشَّرْح: " وخلل الْمَادَّة " قِسْمَانِ: " خطأ "؛ وَهُوَ مَا كَانَ من جِهَة الْمَعْنى، " وَنقص "؛ وَهُوَ من جِهَة اللَّفْظ؛ " فالخطأ كجعل الْوُجُود وَالْوَاحد جِنْسا " للْإنْسَان مثلا، وليسا ذاتيين لَهُ؛ إِذْ تفهم حَقِيقَته دونهمَا؛ " وكجعل العرضي الْخَاص بِنَوْع مَا فصلا لَهُ؛ فَلَا ينعكس "؛ كالضاحك بِالْفِعْلِ؛ للْإنْسَان؛ وَمثل: " ترك بعض الْفُصُول؛ فَلَا يطرد "، وَالْحَد لَا بُد فِيهِ من الاطراد، والانعكاس؛ كَمَا عرفت، " وكتعريفه بِنَفسِهِ "، وَأكْثر مَا يكون تَعْرِيف الشَّيْء بِنَفسِهِ، إِذا ذكر بِلَفْظ مرادف؛ " مثل: الْحَرَكَة عرض نقلة، وَالْإِنْسَان حَيَوَان بشر "، فَإِن النقلَة ترادف الْحَرَكَة، والبشر يرادف الْإِنْسَان. وَالْفرق بَين المثالين أَن الْمَحْدُود فِي الأول عرض، وَفِي الثَّانِي جَوْهَر؛ " وكجعل النَّوْع والجزء جِنْسا "؛ فالنوع " [مثل] الشَّرّ ظلم النَّاس " وَالظُّلم نوع من الشَّرّ؛ إِذْ الشَّرّ وَغَيره ينْحَصر فِيهِ؛ والجزء مثل: " الْعشْرَة خَمْسَة وَخَمْسَة "؛ فَإِن الْخَمْسَة جُزْء الْعشْرَة، وَهِي غير مَحْمُولَة على الْعشْرَة، لَا وَحدهَا، وَلَا بانضمام خَمْسَة أُخْرَى إِلَيْهَا، بل الْمَحْمُول مَجْمُوع الخمستين، وَهَذَا كُله فِي الْحَد مُطلقًا. " وَيخْتَص " الْحَد " الرسمي " من بَين الْحُدُود " باللازم الظَّاهِر "؛ فَإِذن " لَا " يجوز أَن يرسم الشَّيْء " بخفي مثله، وَلَا أخْفى " مِنْهُ؛ بطرِيق أولى، " وَلَا بِمَا تتَوَقَّف عقليته عَلَيْهِ "، أَي يتَوَقَّف تعقله على تعقله، للُزُوم الدّور؛ فتعريف الشَّيْء بِمَا يُسَاوِيه، " مثل: الزَّوْج عدد يزِيد على الْفَرد بِوَاحِد، وَبِالْعَكْسِ "؛ ك " الْفَرد " عدد يزِيد على الزَّوْج بِوَاحِد " فَإِنَّهُمَا "، أَي: الزَّوْج والفرد

النَّفس أخْفى؛ وَمثل: الشَّمْس كَوْكَب نهاري؛ فَإِن النَّهَار يتَوَقَّف على الشَّمْس - وَالنَّقْص كاستعمال الْأَلْفَاظ الغريبة والمشتركة والمجازية. وَلَا يحصل الْحَد ببرهان؛ لِأَنَّهُ وسط يسْتَلْزم الحكم على ... ... ... ... ... هَامِش " متساويان "؛ فِي الْجلاء والخفاء، فَكيف يعرف أَحدهمَا بِالْآخرِ؛ " و " تَعْرِيفه بالأخفى، " مثل: النَّار جسم؛ كالنفس؛ فَإِن النَّفس أخْفى " من النَّار؛ عِنْد الْعقل؛ فَكيف تعرف النَّار بهَا؟ ؛ " و " تَعْرِيفه بِمَا يتَوَقَّف تعقله عَلَيْهِ " مثل: الشَّمْس كَوْكَب نهاري؛ فَإِن " تعقل " النَّهَار يتَوَقَّف على " عقلية " الشَّمْس "؛ لِأَن النَّهَار وَقت طُلُوع الشَّمْس؛ فَهَذِهِ الثَّلَاثَة هِيَ الجلية فِي الرَّسْم خَاصَّة. " وَالنَّقْص " فِي الْمَادَّة: " كاستعمال الْأَلْفَاظ الغريبة والمشتركة " بِلَا قرينَة، " [والمجازية " بِلَا قرينَة] أَيْضا. الشَّرْح: " وَلَا يحصل الْحَد ببرهان "، أَي: لَا يُمكن إِقَامَة الْبُرْهَان على ثُبُوت الْحَد للمحدود؛ " لِأَنَّهُ " أَي: الْبُرْهَان " وسط يسْتَلْزم حكما على الْمَحْكُوم عَلَيْهِ "، أَي: الْبُرْهَان عبارَة عَن

الْمَحْكُوم عَلَيْهِ، فَلَو قدر فِي الْحَد، لَكَانَ مستلزما عين الْمَحْكُوم عَلَيْهِ؛ وَلِأَن الدَّلِيل يسْتَلْزم تعقل مَا يسْتَدلّ عَلَيْهِ، فَلَو دلّ عَلَيْهِ، لزم الدّور. فَإِن قيل: فَمثله فِي التَّصْدِيق؛ قُلْنَا: دَلِيل التَّصْدِيق على حُصُول ثُبُوت النِّسْبَة أَو نَفيهَا، لَا على تعقلها؛ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش وسط يسْتَلْزم حُصُول أَمر فِي الْمَحْكُوم عَلَيْهِ؛ فَإنَّا إِذا قُلْنَا: الْعَالم حَادث؛ لِأَنَّهُ متغير، فالتغير وسط استلزم حكما على الْعَالم، مغايرا لَهُ، وَهُوَ المُرَاد بالبرهان، " فَلَو قدر فِي الْحَد " وسط، " لَكَانَ مستلزما عين الْمَحْكُوم عَلَيْهِ "، أَي: مستلزما لثُبُوت عين الْمَحْدُود لنَفسِهِ؛ فَإِن الْحَد هُوَ الْمَحْدُود. وَلقَائِل أَن يَقُول: هَذَا إِنَّمَا يتم لَو قيل بترادف الْحَد والمحدود، وسيصحح المُصَنّف خِلَافه. قَالَ: " وَلِأَن الدَّلِيل يسْتَلْزم تعقل مَا يسْتَدلّ عَلَيْهِ " قبل إِقَامَة الدَّلِيل عَلَيْهِ، " فَلَو دلّ عَلَيْهِ " الْحَد، " لزم الدّور "؛ لِأَنَّهُ بدلالته عَلَيْهِ يكون مُتَأَخِّرًا، وَهُوَ مُتَقَدم؛ ضَرُورَة تقدم تعقله. الشَّرْح: " فَإِن قيل: فَمثله " جَار " فِي التَّصْدِيق "؛ فَيُقَال: لَا يسْتَدلّ على التَّصْدِيق كَمَا لَا يسْتَدلّ على الْحَد؛ لِأَن الدَّلِيل على التَّصْدِيق يتَوَقَّف على تعقل التَّصْدِيق، فَلَو اسْتُفِيدَ التَّصْدِيق من الدَّلِيل؛ لزم الدّور. " قُلْنَا ": لَا نسلم مَجِيء الدّور؛ فَإِن " دَلِيل التَّصْدِيق على حُصُول ثُبُوت النِّسْبَة، أَو نَفيهَا "، أَعنِي: الحكم الإيجابي والسلبي، " لَا على تعقلها "، أَي: تعقل النِّسْبَة الإيجابية، أَو السلبية؛

وَمن ثمَّة لم يمْنَع الْحَد، وَلَكِن يُعَارض ... ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش فَيكون المتوقف على الدَّلِيل الحكم من نفي أَو إِثْبَات، لَا تعقله؛ فَلَا يلْزم الدّور. " وَمن ثمَّ "، أَي: من جِهَة امْتنَاع قيام الْبُرْهَان على الْحَد، " لم يمْنَع الْحَد ". وَذهب بعض الْمُتَأَخِّرين إِلَى تسويغ مَنعه؛ تمسكا بِأَن الْحَد دَعْوَى؛ فَجَاز أَن تصادم بِالْمَنْعِ؛ كَغَيْرِهَا من الدَّعَاوَى. وَلَيْسَ بِشَيْء؛ فَإِن مرجع الْمَنْع طلب الْبُرْهَان، وَقد بَينا أَنه لَا يُمكن، " وَلَكِن يُعَارض ". قَالَ إِسْمَاعِيل الْبَغْدَادِيّ فِي " جنَّة المناظر ": مثل أَن تَقول: الْغَصْب إِثْبَات الْيَد على مَال

مبحث التصديقات

وَيبْطل بخلله. أما إِذا قيل: الْإِنْسَان حَيَوَان نَاطِق، وَقصد مَدْلُوله لُغَة، أَو شرعا، فدليله النَّقْل؛ بِخِلَاف تَعْرِيف الْمَاهِيّة. (مَبْحَث التصديقات) وَيُسمى كل تَصْدِيق قَضِيَّة، وَتسَمى فِي الْبُرْهَان مُقَدمَات، ... ... ... ... ... هَامِش الْغَيْر؛ فيعارض بِأَنَّهُ إِثْبَات الْيَد على مَال الْغَيْر، مَعَ إِزَالَة الْيَد المحقة. وَمنع بَعضهم مُعَارضَة الْحَد؛ إِذْ الْمُعَارضَة تشعر بِصِحَّة الْمعَارض؛ فَيلْزم ثُبُوت حَدَّيْنِ متباينين لمحدود وَاحِد؛ وَهُوَ محَال. " وَيبْطل بخلله "، أَي: وَيجوز إبِْطَال الْحَد أَيْضا بوجدان الْخلَل فِيهِ؛ من عدم الاطراد، أَو الانعكاس، أَو غير ذَلِك، فَإِذا قَالَ: الْعلم تَمْيِيز لَا يحْتَمل النقيض، قل: صفة توجب التَّمْيِيز؛ إِذْ التَّمْيِيز لَا يصلح جِنْسا، وَيبين ذَلِك بِوَجْهِهِ؛ هَذَا كُله، إِذا قصد إِفَادَة الْمَاهِيّة فَقَط. الشَّرْح: " أما إِذا قيل: " الْإِنْسَان حَيَوَان نَاطِق، وَقصد مَدْلُوله " الْمَحْكُوم بِهِ " لُغَة، أَو شرعا "؛ لَا تَعْرِيفه - فدليله النَّقْل " عَن أَهله؛ لِأَنَّهُ خرج عَن كَونه حدا، وَصَارَ حكما يمْنَع، وَيطْلب عَلَيْهِ الدَّلِيل؛ " بِخِلَاف تَعْرِيف الْمَاهِيّة ". الشَّرْح: " وَيُسمى كل تَصْدِيق "، أَعنِي: الْمركب الْمُحْتَمل للتصديق والتكذيب؛

صفحة فارغة هَامِش " قَضِيَّة "، وقولا جَازِمًا، وخبرا؛ " وَتسَمى " القضايا الَّتِي هِيَ [أَجزَاء] الْبُرْهَان " فِي

والمحكوم عَلَيْهِ فِيهَا: إِمَّا جزئي معِين أَو لَا؛ وَالثَّانِي: إِمَّا مُبين جزئيته، أَو كليته أَو لَا؛ صَارَت أَرْبَعَة: شخصية، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش الْبُرْهَان "، أَي: القياسي: " مُقَدمَات "، فالمقدمة: قَضِيَّة جعلت جُزْء قِيَاس. " والمحكوم عَلَيْهِ فِيهَا " كَذَا بِخَط المُصَنّف، وَفِي نسخ الشَّارِحين: " والجزء الأول مِنْهَا "، أَي: من الْقَضِيَّة الحملية - " إِمَّا جُزْء معِين "؛ كَذَا بِخَطِّهِ؛ وَفِي النّسخ " جزئي "، أَي: شخصي، ويحترز بِهِ عَن الْكُلِّي، والجزئي الإضافي، أَو لَا. وَالثَّانِي: إِمَّا مُبين جزئيته "، أَي: كَون الحكم فِيهِ على بعض أَفْرَاده، " أَو كليته "، أَي: كَون الحكم على كل أَفْرَاده، " أَو لَا "، أَي: لَا يكون مُبينًا فِيهِ جزئيته، وَلَا كليته؛ " صَارَت " الْأَقْسَام " أَرْبَعَة. شخصية "؛ وَهِي مَا موضوعها جزئي معِين؛ مثل: هَذَا البيع صَحِيح.

وجزئية محصورة، وكلية، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش " وجزئية محصورة "؛ وَهِي مَا لَيْسَ موضوعها جزئيا معينا وَلَا مُبينًا جزئيته؛ نَحْو: بعض الْإِنْسَان عَالم. " وكلية " محصورة؛ وَهِي مَا لَيْسَ موضوعها جزئيا معينا، وَقد ثَبت كليتها؛ نَحْو: [كل جَوْهَر متحيز.

ومهملة؛ كل مِنْهَا مُوجبَة، وسالبة، والمتحقق فِي الْمُهْملَة - الْجُزْئِيَّة فأهملت. هَامِش " ومهملة "؛ وَهِي مَا لَيْسَ موضوعها جزئيا معينا، وَلم يبين فِيهِ كليته وَلَا جزئيته؛ نَحْو] : الْإِنْسَان فِي خسر. ثمَّ " كل مِنْهَا "، أَي: من القضايا الْأَرْبَعَة " مُوجبَة "، أَي: حكم فِيهَا بِثُبُوت أحد الطَّرفَيْنِ للْآخر، " وسالبة "، أَي: حكم بِرَفْع هَذَا الثُّبُوت؛ فَتَصِير ثَمَانِي قضايا. " والمتحقق فِي الْمُهْملَة - الْجُزْئِيَّة "؛ [لِأَنَّهَا متحققة، سَوَاء كَانَت جزئية، أم كُلية؛ إِذْ الْجُزْئِيَّة لَا يعْتَبر فِيهَا عدم الْكُلية؛ من عدم التَّعَرُّض لَهَا؛ " فأهملت " لذَلِك] . وَلم يذكر الْبَعْض فِيهَا؛ لِأَن ذكره يَقع مُسْتَغْنى عَنهُ؛ وَيَنْبَغِي أَن يفهم أَن من محَاسِن المُصَنّف: قَوْله: لمتحقق فِي الْمُهْملَة - الْجُزْئِيَّة؛ فَإِنَّهُ أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنا لَا ندعي أَن الْمُهْملَة جزئية؛ بل [إِن] الْقدر المتحقق مِنْهَا ذَلِك؛ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَلم يقل أحد من الْقَوْم: إِنَّهَا جزئية، وَلَو أَرَادوا ذَلِك، لخالفوا مَا قَرَّرَهُ غَيرهم؛ من أَنَّهَا مُشْتَمِلَة على صِيغَة الْعُمُوم؛ كَقَوْلِك: الْإِنْسَان حَيَوَان، بل يُرِيدُونَ أَن صلاحيتها للجزئية، والكلية؛ على حد وَاحِد، وَقد صرح بذلك ابْن سينا فِي " الإشارات "، وَقَررهُ الإِمَام فَخر الدّين، وَغَيره.

ومقدمات الْبُرْهَان قَطْعِيَّة؛ لتنتج قَطْعِيا؛ لِأَن لَازم الْحق حق، وتنتهي إِلَى ضَرُورِيَّة؛ وَإِلَّا لزم التسلسل. هَامِش الشَّرْح: " ومقدمات الْبُرْهَان قَطْعِيَّة "؛ وَحِينَئِذٍ " تنْتج قَطْعِيا؛ لِأَن لَازم الْحق حق "، والنتيجة لَازم الْمُقدمَات؛ حق؛ وَلَا بُد أَن " تَنْتَهِي " الْمُقدمَات " إِلَى ضَرُورِيَّة؛ وَإِلَّا لزم التسلسل "، أَو الدّور؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تكون تِلْكَ الْمُقدمَات مكتسبة من مُقَدمَات أخر، وَهَكَذَا؛ فيتسلسل. وَلما كَانَ الدّور أَيْضا تسلسلا؛ إِلَّا أَنه فِي الْأُمُور المتناهية - اسْتغنى المُصَنّف بِذكر التسلسل عَن ذكره.

وَأما الأمارات، فظنية، أَو اعتقادية؛ إِن لم يمْنَع مَانع؛ إِذْ لَيْسَ بَين الظَّن والاعتقاد، وَبَين أَمر - ربط عَقْلِي؛ لزوالهما مَعَ قيام موجبهما. هَامِش الشَّرْح: " وَأما الأمارات، فظنية "، أَي: نتائجها ظنية، " أَو اعتقادية "، لَا مُطلقًا، بل " إِن لم يمْنَع مَانع " عَن حُصُول الظَّن، أَو الِاعْتِقَاد؛ " إِذْ لَيْسَ بَين الظَّن، والاعتقاد، وَبَين أَمر - ربط

وَوجه الدّلَالَة فِي المقدمتين: أَن الصُّغْرَى خُصُوص، والكبرى ... ... ... ... ... هَامِش عَقْلِي "، أَي: علاقَة طبيعية تَقْتَضِي استلزام الأمارات لنتائجها؛ بِحَيْثُ يمْنَع تخلفه عَنْهُمَا؛ " لزوالهما مَعَ قيام موجبهما "؛ كَمَا قد يكون عِنْد قيام الْمعَارض، وَظُهُور خلاف الظَّن بطرِيق من الطّرق. الشَّرْح: " وَوجه الدّلَالَة فِي المقدمتين "؛ وَهُوَ مَا لأَجله لزمتهما النتيجة؛ " أَن الصُّغْرَى " - بِاعْتِبَار موضوعها - " خُصُوص، والكبرى " - بِاعْتِبَار موضوعها - " عُمُوم "؛ وَذَلِكَ لِأَن الحكم فِي الْكُبْرَى، على جَمِيع مَا صدق عَلَيْهِ الْأَوْسَط؛ فَيتَنَاوَل الْأَصْغَر وَغَيره، وَفِي الصُّغْرَى مَخْصُوص بِالْأَصْغَرِ فَقَط.

عُمُوم؛ فَيجب الاندراج؛ فيلتقي مَوْضُوع الصُّغْرَى ومحمول الْكُبْرَى. هَامِش وَإِذا كَانَت الصُّغْرَى خُصُوصا، والكبرى عُمُوما، " فَيجب الاندراج "؛ إِذْ الْخُصُوص مندرج فِي الْعُمُوم؛ " فيلتقي مَوْضُوع الصُّغْرَى، ومحمول الْكُبْرَى "؛ نفيا وإثباتا؛ وَهُوَ النتيجة؛ نَحْو: الْوضُوء عبَادَة، وكل عبَادَة بنية؛ فَإِن الْوضُوء أخص من الْعِبَادَة؛ فَلذَلِك نقُول:

وَقد تحذف إِحْدَى المقدمتين؛ للْعلم بهَا. هَامِش " الْوضُوء عبَادَة ": حكم مؤلف خَاص بِالْوضُوءِ، و " كل عبَادَة بنية ": حكم عَام للْوُضُوء وَغَيره؛ فينتفى الْوضُوء وَغَيره. الشَّرْح: " وَقد تحذف إِحْدَى المقدمتين؛ للْعلم بهَا "؛ فالكبرى مثل: الْوضُوء لَا يَصح بِدُونِ النِّيَّة؛ لِأَنَّهُ عبَادَة؛ وَالصُّغْرَى مثل: الْوضُوء يحْتَاج إِلَى النِّيَّة؛ لِأَن كل عبَادَة تحْتَاج إِلَيْهَا؛ وَمِنْه قَوْله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - وَقد أذن زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي للفجر، وَأَرَادَ

والضروريات: مِنْهَا: المشاهدات الْبَاطِنَة؛ وَهِي مَا لَا يفْتَقر إِلَى عقل؛ كالجوع والألم. وَمِنْهَا: الأوليات؛ وَهِي: مَا يحصل بِمُجَرَّد الْعقل؛ كعلمك بوجودك؛ وَأَن النقيضين يصدق أَحدهمَا. وَمِنْهَا: المحسوسات؛ وَهِي: مَا تحصل بالحس. وَمِنْهَا: التجربيات؛ وَهِي: مَا تحصل بِالْعَادَةِ؛ كإسهال المسهل، والإسكار. هَامِش بِلَال أَن يُقيم: " يُقيم أَخُو صداء؛ فَإِن من أذن، فَهُوَ يُقيم ". الشَّرْح: " والضروريات " كَثِيرَة، فَنَذْكُر الْأَشْهر مِنْهَا؛ لأَنا قد قُلْنَا: إِن الْمُقدمَات تَنْتَهِي إِلَيْهَا، [فَنَقُول] : " مِنْهَا: المشاهدات الْبَاطِنَة "؛ وَتسَمى الوجدانيات؛ " وَهِي: مَا لَا تفْتَقر إِلَى عقل؛ كالجوع والألم "؛ تُدْرِكهُ الْبَهَائِم. " وَمِنْهَا: الأوليات؛ وَهِي: مَا يحصل بِمُجَرَّد الْعقل "، وَلَا يشْتَرط إِلَّا حُضُور الطَّرفَيْنِ، والالتفات إِلَى النِّسْبَة؛ " كعلمك بوجودك؛ وَأَن النقيضين يصدق أَحدهمَا "؛ فَلَا يصدقان مَعًا، وَلَا يكذبان. " وَمِنْهَا: المحسوسات؛ وَهِي: مَا يحصل بالحس " الظَّاهِر، أَي: المشاعر الْخمس؛ كَالْعلمِ بِأَن الشَّمْس مضيئة، وَالنَّار حارة. " وَمِنْهَا: التجريبيات؛ وَهِي: مَا يحصل بِالْعَادَةِ "، أَعنِي تكَرر الرتب من غير علاقَة

وَمِنْهَا المتواترات؛ وَهِي: مَا تحصل بالإخبار تواترا؛ ك " بَغْدَاد " و " مَكَّة ". " وَصُورَة الْبُرْهَان اقتراني واستثنائي: فالاقتراني: مَا لَا يذكر اللَّازِم وَلَا نقيضه؛ فِيهِ بِالْفِعْلِ. و" الاستثنائي " نقيضه. هَامِش [عقلية] ؛ وَهُوَ: إِمَّا خَاص أَو عَام؛ " كإسهال المسهل "؛ يخْتَص بِعِلْمِهِ الطَّبِيب، " والإسكار " يعم النَّاس. " وَمِنْهَا: المتواترات؛ وَهِي: مَا يحصل بالإخبار تواترا؛ ك " بَغْدَاد " و " مَكَّة "؛ لمن لم يرهما. الشَّرْح: " وَصُورَة الْبُرْهَان "؛ وَهُوَ: القَوْل الْمُؤلف من قضايا مَتى سلمت؛ لزم عَنهُ لذاته - قَول آخر - ضَرْبَان: أَحدهمَا: " اقتراني "، " و " الثَّانِي: " استثنائي ": " فالاقتراني: مَا لَا يذكر اللَّازِم " عَنهُ، " وَلَا نقيضه؛ [فِيهِ بِالْفِعْلِ] ، والاستثنائي نقيضه؛ فَالْأول " قِسْمَانِ: أَحدهمَا: مَا كَانَ بِشَرْط وتقسيم، وَيُسمى الاقترانيات الشّرطِيَّة؛ وَأَهْمَلَهُ صَاحب الْكتاب؛ لقلَّة جدواه.

وَالْأول بِغَيْر شَرط وَلَا تَقْسِيم، وَيُسمى " الْمُبْتَدَأ " فِيهِ مَوْضُوعا، و " الْخَبَر " مَحْمُولا، وَهِي الْحُدُود، وَالْوسط الْحَد المتكرر، وموضوعه الْأَصْغَر، ومحموله الْأَكْبَر، وَذَات الْأَصْغَر الصُّغْرَى، وَذَات الْأَكْبَر الْكُبْرَى. وَلما كَانَ الدَّلِيل قد يقوم على إبِْطَال النقيض، وَالْمَطْلُوب نقيضه، وَقد يقوم على الشَّيْء، وَالْمَطْلُوب عَكسه - احْتِيجَ إِلَى تعريفهما؛ فالنقيضان كل ... ... ... هَامِش وَالثَّانِي: مَا كَانَ " بِغَيْر شَرط وَلَا تَقْسِيم "؛ وَهُوَ الاقتراني الحملي، " وَيُسمى الْمُبْتَدَأ فِيهِ "، وَهُوَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ " مَوْضُوعا، وَالْخَبَر "، أَي: الْمَحْكُوم بِهِ - " مَحْمُولا ". وتسميتهما بالموضوع والمحمول؛ اصْطِلَاح للمنطقيين، وبالمبتدأ وَالْخَبَر؛ للنحاة، وبالمحكوم عَلَيْهِ وَبِه؛ للفقهاء، وبالذات وَالصّفة؛ للمتكلمين، وبالمسند والمسند إِلَيْهِ؛ للبيانيين. " وَهِي " أَي: أَجزَاء الْمُقدمَات تسمى " الْحُدُود، فالوسط: الْحَد المتكرر، مَوْضُوعه الْأَصْغَر، ومحموله الْأَكْبَر، وَذَات الْأَصْغَر "، أَي: الْمُقدمَة الَّتِي فِيهَا الْأَصْغَر: " الصُّغْرَى، وَذَات الْأَكْبَر الْكُبْرَى ". مِثَاله: الْعَالم متغير، وكل متغير حَادث؛ ينْتج: الْعَالم حَادث؛ فالمتغير الْأَوْسَط، والعالم الْأَصْغَر، و " الْعَالم حَادث " الصُّغْرَى، و " حَادث " الْأَكْبَر، و " كل متغير حَادث " الْكُبْرَى. الشَّرْح: " وَلما كَانَ الدَّلِيل قد يقوم على إبِْطَال النقيض، وَالْمَطْلُوب نقيضه "؛ وَلَكِن الدَّلِيل لم يتأت قِيَامه على صدق الْمَطْلُوب ابْتِدَاء، وَيلْزم من إبِْطَال نقيضه صدقه، " وَقد يقوم على الشَّيْء، وَالْمَطْلُوب عَكسه "؛ فَيلْزم صدقه - " احْتِيجَ إِلَى تعريفهما "، أَي: تَعْرِيف النقيض،

قضيتين، إِذا صدقت إِحْدَاهمَا، كذبت الْأُخْرَى، وَبِالْعَكْسِ؛ فَإِن كَانَت شخصية، فشرطها أَلا يكون بَينهمَا اخْتِلَاف فِي الْمَعْنى إِلَّا النَّفْي وَالْإِثْبَات؛ فيتحد الجزآن بِالذَّاتِ وَالْإِضَافَة، هَامِش وَالْعَكْس؛ " فالنقيضان: كل قضيتين، إِذا صدقت إِحْدَاهمَا، كذبت الْأُخْرَى، وَبِالْعَكْسِ "؛ إِذا كذبت، صدقت؛ " فَإِن كَانَت " الْقَضِيَّة " شخصية، فشرطها أَلا يكون بَينهمَا "، أَي: بَينهَا، وَبَين نقيضها: " [اخْتِلَاف] فِي الْمَعْنى "؛ تغاير، " إِلَّا النَّفْي وَالْإِثْبَات "، أَي: تَبْدِيل كل من النَّفْي

والجزء أَو الْكل، وَالْقُوَّة أَو الْفِعْل، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش وَالْإِثْبَات بِالْآخرِ، " فيتحد الجزآن ": الْمَوْضُوع والمحمول، لَا بِاللَّفْظِ فَقَط، بل " بِالذَّاتِ وَالْإِضَافَة "؛ مثل: زيد أَب، زيد لَيْسَ بأب، وَلَو زِدْت فِي أَحدهمَا: لبكر، وَفِي الآخر: لعَمْرو، لم يتنافيا، " والجزء وَالْكل "؛ مثل: الزنْجِي أسود، الزنْجِي لَيْسَ بأسود، وَلَو زِدْت فِي أَحدهمَا " جزؤه "، وَفِي الآخر: " كُله "، لم يتنافيا، " وَالْقُوَّة وَالْفِعْل "؛ مثل: الْخمر فِي الدن

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

وَالزَّمَان وَالْمَكَان وَالشّرط؛ وَإِلَّا لزم اخْتِلَاف الْمَوْضُوع؛ لِأَنَّهُ إِن اتحدا، جَازَ أَن يكذبا فِي الْكُلية؛ مثل: كل إِنْسَان كَاتب؛ لِأَن الحكم بعرضي خَاص بِنَوْع، وَأَن يصدقا فِي الْجُزْئِيَّة؛ لِأَنَّهُ غير مُتَعَيّن. فنقيض الْكُلية المثبتة جزئية سالبة، ونقيض الْجُزْئِيَّة المثبتة كُلية ... ... ... ... هَامِش مُسكر، لَيْسَ بمسكر. " وَالزَّمَان "؛ مثل: الشَّمْس حارة، وَالشَّمْس لَيست بحارة. " [وَالْمَكَان " زيد جَالس، زيد لَيْسَ بجالس] . " وَالشّرط " الْكَاتِب متحرك الْأَصَابِع؛ الْكَاتِب لَيْسَ متحرك الْأَصَابِع. هَذَا إِذا كَانَت الْقَضِيَّة شخصية. " وَإِلَّا "، أَي: وَإِن لم تكن شخصية، " لزم "، [مَعَ مَا ذكرنَا]- " اخْتِلَاف الْمَوْضُوع " بِالْكُلِّيَّةِ، والجزئية؛ مَعَ الِاخْتِلَاف بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَات. وَالْمرَاد أَنه لَو كَانَت إِحْدَاهمَا كُلية، وَجب كَون الْأُخْرَى جزئية؛ ليتَحَقَّق التَّنَاقُض بَينهمَا؛ " لِأَنَّهُ [إِن] اتَّحد " الْمَوْضُوع فيهمَا بالكم، " جَازَ أَن يكذبا فِي الْكُلية؛ مثل: كل إِنْسَان كَاتب " بِالْفِعْلِ، وَلَا شَيْء من الْإِنْسَان بكاتب بِالْفِعْلِ؛ وَإِنَّمَا كذبتا؛ " لِأَن الحكم " ب " الْكَاتِب بِالْفِعْلِ " على الْإِنْسَان - حكم " بعرضي خَاص بِنَوْع " غير شَامِل لجَمِيع أَفْرَاده؛ فَلَا يصدق ثُبُوته لكل أَفْرَاد الْإِنْسَان، وَلَا سلبه عَن كلهَا؛ فتكذب الكليتان حِينَئِذٍ، " و " جَازَ " أَن يصدقا فِي الْجُزْئِيَّة "؛ كَمَا فِي الْمِثَال الْمَذْكُور؛ " لِأَنَّهُ "، أَي: الْمَوْضُوع فِي الْجُزْئِيَّة - " غير مُتَعَيّن "؛ فَجَاز أَن يكون الْبَعْض الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بالإثبات - غير الْبَعْض الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِالنَّفْيِ؛ فيصدقا. الشَّرْح: وَإِذا عرفت هَذَا " فنقيض الْكُلية المثبتة جزئية سالبة، ونقيض الْجُزْئِيَّة المثبتة

سالبة، وَعكس كل قَضِيَّة تَحْويل مفرديها على وَجه يصدق؛ فعكس الْكُلية الْمُوجبَة جزئية مُوجبَة، وَعكس الْكُلية السالبة مثلهَا، ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش كُلية سالبة "؛ وَهُوَ وَاضح. " وَعكس كل قَضِيَّة تَحْويل مفرديها "؛ بِأَن يَجْعَل الْمَوْضُوع مَحْمُولا، والمحمول مَوْضُوعا، والتالي مقدما، والمقدم تاليا؛ " على وَجه يصدق "، أَي: على تَقْدِير صدق الأَصْل، لَا فِي نفس الْأَمر؛ إِذْ قد يكذب هُوَ وَأَصله؛ مثل: كل إِنْسَان حجر، عَكسه: بعض الْحجر إِنْسَان، وهما كاذبان، لَكِن لَو صدق الأَصْل، لصدق. وعَلى هَذَا " فعكس الْكُلية الْمُوجبَة "، سَوَاء كَانَت حملية أَو شَرْطِيَّة مُتَّصِلَة - " جزئية مُوجبَة "؛ لِأَن الْمَوْضُوع والمحمول قد التقيا فِي ذَات صدقا عَلَيْهَا، فَيصدق الْمَوْضُوع على بعض مَا صدق عَلَيْهِ الْمَحْمُول؛ لَكِن الْمَحْمُول والتالي قد يكونَانِ أَعم من الْمَوْضُوع والمقدم؛ فيثبتان حَيْثُ لَا ثُبُوت للموضوع والمقدم، فَلَا يلْزم الْكُلية، وَهَذَا مِثَال: كل إِنْسَان حَيَوَان، وَكلما كَانَ الشَّيْء إنْسَانا، فَهُوَ حَيَوَان؛ فَلَا يكون عكسهما كليا، بل يكون جزئيا؛ لِأَنَّهُ إِذا صدق: كل إِنْسَان حَيَوَان، وَجب أَن يصدق: بعض الْحَيَوَان إِنْسَان، وَألا يصدق: لَا شَيْء من

عكس النقيض

وَعكس الْجُزْئِيَّة الْمُوجبَة مثلهَا، وَلَا عكس للجزئية السالبة. (عكس النقيض) وَإِذا عكست الْكُلية الْمُوجبَة بنقيض مفرديها، ... ... ... ... ... ... هَامِش الْحَيَوَان بِإِنْسَان؛ لِأَنَّهُ نقيضه؛ فتجعله كبرى للْأَصْل، وَهُوَ: كل إِنْسَان حَيَوَان؛ [فَيصير هَكَذَا: كل إِنْسَان حَيَوَان] ، وَلَا شَيْء من الْحَيَوَان بِإِنْسَان؛ ينْتج: لَا شَيْء من الْإِنْسَان بِإِنْسَان؛ فَيلْزم سلب الشَّيْء عَن نَفسه؛ وَهُوَ محَال؛ وَكَذَا تَقول فِي الْكُلِّي الْمُتَّصِل. " وَعكس الْكُلية السالبة مثلهَا "، لِأَن الطَّرفَيْنِ لَا يَلْتَقِيَانِ فِي شَيْء من الْأَفْرَاد، فَإِذا صدق: لَا شَيْء من الْحجر بفرس، صدق: لَا شَيْء من الْفرس بِحجر؛ وَإِلَّا لصدق نقيضه؛ وَهُوَ: بعض الْحجر فرس، فتجعله صغرى للْأَصْل؛ هَكَذَا: بعض الْحجر فرس، وَلَا شَيْء من الْفرس بِحجر؛ ينْتج: بعض الْحجر لَيْسَ بِحجر؛ فَيلْزم سلب الشَّيْء عَن نَفسه؛ وَكَذَا تَقول فِي السَّلب الْكُلِّي الْمُتَّصِل. " وَعكس الْجُزْئِيَّة الْمُوجبَة مثلهَا "؛ كَمَا عرفت، " وَلَا عكس للجزئية السالبة "، سَوَاء كَانَت حملية أم مُتَّصِلَة؛ لجَوَاز سلب الْخَاص عَن بعض أَفْرَاد الْعَام، وَامْتِنَاع الْعَكْس؛ مثل بعض الْحَيَوَان لَيْسَ بِإِنْسَان مَعَ امْتنَاع عَكسه، وَهَذَا تَمام القَوْل فِي الْعَكْس المستوي. الشَّرْح: وَلَهُم نوع آخر من الْعَكْس؛ يُسمى " عكس النقيض "؛ وَهُوَ: تَبْدِيل كل من الطَّرفَيْنِ بنقيض الآخر على وَجه يصدق؛ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: " وَإِذا عكست الْكُلية الْمُوجبَة (بنقيض مفرديها) " صدقت "؛ مثل: كل إِنْسَان حَيَوَان (يعكس بالنقيض) : كل مَا لَيْسَ

الأشكال

صدقت؛ وَمن ثمَّة انعكست السالبة سالبة جزئية. (الأشكال) وللمقدمتين بِاعْتِبَار الْوسط أَرْبَعَة أشكال؛ فَالْأول مَحْمُول ... ... ... ... هَامِش بحيوان لَيْسَ بِإِنْسَان؛ فَيصدق؛ لِأَنَّهُ إِذا صدق: كل إِنْسَان حَيَوَان، صدق: كل مَا لَيْسَ بحيوان لَيْسَ بِإِنْسَان؛ وَإِلَّا لصدق نقيضه؛ وَهُوَ: لَيْسَ كل مَا لَيْسَ [بحيوان لَيْسَ] بِإِنْسَان؛ وَيلْزمهُ: بعض مَا لَيْسَ بحيوان إِنْسَان؛ فتجعله صغرى؛ فَتَقول: بعض مَا لَيْسَ بحيوان إِنْسَان، وكل إِنْسَان حَيَوَان؛ ينْتج: بعض مَا لَيْسَ بحيوان حَيَوَان؛ وَهُوَ محَال؛ " وَمن ثمَّ "، أَي: وَمن أجل أَن الْمُوجبَة الْكُلية تنعكس عكس النقيض إِلَى الْمُوجبَة الْكُلية، " انعكست السالبة " كُلية أَو جزئية، بعكس النقيض " سالبة جزئية "؛ أما الْجُزْئِيَّة؛ فَلِأَن الجزئيتين السالبتين نقيضا الكليتين الموجبتين؛ والتلازم بَين الشَّيْئَيْنِ يسْتَلْزم التلازم بَين نقيضيهما؛ وَأما الْكُلية؛ فَلِأَنَّهَا مستلزمة للجزئية المستلزمة لعكسها، وَهِي بِعَينهَا عكس الْكُلية. الشَّرْح: " وللمقدمتين بِاعْتِبَار " وضع " الْوسط "؛ وَهُوَ التَّعْيِين مثلا بَين الحدين الآخرين، وهما: الْعَالم، والحادث مثلا فِي قَوْلنَا: الْعَالم متغير، وكل متغير حَادث - " أَرْبَعَة

لموضوع النتيجة، مَوْضُوع لمحمولها، وَالثَّانِي: مَحْمُول لَهما، وَالثَّالِث: مَوْضُوع لَهما، وَالرَّابِع: عكس الأول. فَإِذا ركب كل شكل؛ بِاعْتِبَار الْكُلية والجزئية والموجبة والسالبة، كَانَت مقدراته سِتَّة عشر ضربا. الشكل الأول أبينها؛ وَلذَلِك يتَوَقَّف غَيره على رُجُوعه إِلَيْهِ، ... ... ... ... ... هَامِش أشكال؛ فَالْأول: مَحْمُول لموضوع النتيجة، مَوْضُوع لمحمولها. وَالثَّانِي: مَحْمُول لَهما. وَالثَّالِث: مَوْضُوع لَهما. وَالرَّابِع: عكس الأول. فَإِذا ركب كل شكل؛ بِاعْتِبَار " مقدمتيه فِي " الْكُلية والجزئية، والموجبة والسالبة، كَانَت مقدراته الْعَقْلِيَّة سِتَّة عشر ضربا "؛ لِأَن الصُّغْرَى إِحْدَى الْأَرْبَع، والكبرى إِحْدَاهَا، وتضرب الْأَرْبَع فِي الْأَرْبَع؛ فَتكون سِتَّة عشر؛ لَكِن مِنْهَا مَا لَا يكون بِالْحَقِيقَةِ قِيَاسا؛ فَيكون غير منتج؛ كَمَا ستعرف، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الشَّرْح: " الشكل الأول: أبينها؛ وَلذَلِك يتَوَقَّف غَيره " من الأشكال فِي النِّتَاج " على

صفحة فارغة هَامِش رُجُوعه إِلَيْهِ "؛ لما تقدم من أَن حَقِيقَة الْبُرْهَان وسط مُسْتَلْزم الْمَطْلُوب، حَاصِل للمحكوم عَلَيْهِ، وَأَن جِهَة الدّلَالَة؛ أَن مَوْضُوع الصُّغْرَى بعض مَوْضُوع الْكُبْرَى، فَالْحكم عَلَيْهِ حكم عَلَيْهِ؛ وَهُوَ صُورَة الشكل الأول، وَالْعقل لَا يحكم بالنتاج إِلَّا بملاحظة ذَلِك؛ سَوَاء صرح بِهِ أم لَا، وَلَيْسَ من شَرط مَا يلاحظه الْعقل التَّمَكُّن من تَفْسِيره، والبوح بِهِ بِصَرِيح الْعبارَة، فَمَا تحقق

وينتج المطالب الْأَرْبَعَة، وَشرط نتاجه إِيجَاب الصُّغْرَى، أَو حكمه؛ ليتوافق الْوسط، وكلية الْكُبْرَى، ليندرج؛ فينتج، فَتبقى أَرْبَعَة: مُوجبَة كُلية، أَو جزئية، وكلية مُوجبَة، أَو سالبة. هَامِش فِيهِ الرُّجُوع إِلَى الشكل الأول ينْتج دون غَيره. " وينتج المطالب الْأَرْبَعَة " من الموجبتين: الْكُلية والجزئية، والسالبتين: الْكُلية والجزئية، وَهِي المحصورات الْأَرْبَعَة، وَغير الشكل الأول لَا ينتجها جَمِيعًا، فَإِذا الأول أشرف، " وَشرط نتاجه "؛ كَذَا بِخَط المُصَنّف، بِدُونِ ألف - وَهُوَ الصَّوَاب - وَفِي بعض النّسخ: إنتاجه، بِالْألف، وَهُوَ لحن؛ بِحَسب كمية المقدمتين، وكيفيتهما - أَمْرَانِ: أَحدهمَا: " إِيجَاب الصُّغْرَى، أَو حكمه " أَن يكون فِي حكم الْإِيجَاب؛ بِأَن تكون سالبة مركبة، وَهِي الَّتِي يجْتَمع فِيهَا النَّفْي وَالْإِثْبَات؛ كَقَوْلِنَا: لَا شَيْء من الْإِنْسَان بضاحك بِالْفِعْلِ لَا دَائِما؛ وَمعنى قَوْلنَا: " لَا دَائِما " هُوَ: كل إِنْسَان ضَاحِك بِالْفِعْلِ؛ فَإِن السالبة الْمَذْكُورَة فِي معنى الْمُوجبَة؛ لِأَن [أحد جزءيها] مُوجب، وتوارد النَّفْي وَالْإِثْبَات فِيهَا على مَوْضُوع وَاحِد، فَيكون فِي قُوَّة قَوْلنَا: كل إِنْسَان ضَاحِك بِالْفِعْلِ لَا دَائِما. وَإِنَّمَا اشْترط إِيجَاب الصُّغْرَى، أَو كَونهَا فِي حكم الْإِيجَاب؛ " ليتوافق الْوسط " مَعَ الْأَصْغَر بِمَعْنى أَن الْأَصْغَر ينْدَرج تَحت الْأَوْسَط؛ فيتعدى الحكم إِلَى الْأَصْغَر؛ فَيحصل أَمر مُكَرر جَامع؛ وَذَلِكَ أَن الحكم فِي الْكُبْرَى على مَا هُوَ أَوسط إِيجَابا، فَلَو كَانَ الْمَعْلُوم ثُبُوته فِي الْأَصْغَر هُوَ الْأَوْسَط سلبا، تعدد الْأَوْسَط؛ فَلم يتلاقيا. " و " الثَّانِي: " [كُلية] الْكُبْرَى؛ ليندرج " الْأَوْسَط فِيهِ؛ " فينتج "؛ إِذْ لَو كَانَت جزئية، جَازَ كَون الْأَوْسَط أَعم من الْأَصْغَر، وَكَون الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فِي الْكُبْرَى بَعْضًا مِنْهُ - غير الْأَصْغَر؛ فَلَا ينْدَرج؛ فَلَا ينْتج. " تبقى " الأضرب المنتجة من الشكل الأول " أَرْبَعَة: مُوجبَة كُلية، أَو جزئية، وكلية؛ مُوجبَة " كَانَت " أَو سالبة "، أَي: صغراه فِي الأضرب الْأَرْبَعَة مُوجبَة، سَوَاء كَانَت كُلية أم

الأول: كل وضوء عبَادَة، وكل عبَادَة بنية. الثَّانِي: كل وضوء عبَادَة، وكل عبَادَة لَا تصح بِدُونِ النِّيَّة. الثَّالِث: بعض الْوضُوء عبَادَة، وكل عبَادَة بنية. الرَّابِع: بعض الْوضُوء عبَادَة، وكل عبَادَة لَا تصح بِدُونِ النِّيَّة. الشكل الثَّانِي: شَرطه؛ اخْتِلَاف مقدمتيه فِي الْإِيجَاب وَالسَّلب، وكلية كبراه؛ تبقى أَرْبَعَة، وَلَا ينْتج إِلَّا سالبة. هَامِش جزئية، وكبراه كُلية، سَوَاء كَانَت مُوجبَة أم سالبة، وَسقط ثَمَانِيَة أضْرب. " الأول ": من موجبتين كليتين؛ ينْتج مُوجبَة كُلية: " كل وضوء عبَادَة، وكل عبَادَة بنية "؛ فَكل وضوء بنية. " الثَّانِي ": من كليتين: الصُّغْرَى مُوجبَة، والكبرى سالبة؛ ينْتج كُلية سالبة: " كل وضوء عبَادَة، وكل عبَادَة لَا تصح بِدُونِ النِّيَّة "؛ فَلَا وضوء يَصح بِدُونِ النِّيَّة. " الثَّالِث ": من موجبتين، وَالصُّغْرَى جزئية؛ ينْتج مُوجبَة جزئية: " بعض الْوضُوء عبَادَة، وكل عبَادَة بنية "؛ [فبعض الْوضُوء بنية] . " الرَّابِع ": [من مُوجبَة جزئية صغرى، وسالبة كُلية كبرى؛ ينْتج سالبة جزئية] : " [بعض الْوضُوء عبَادَة] ، وكل عبَادَة لَا تصح بِدُونِ النِّيَّة "؛ فبعض الْوضُوء لَا يَصح بِدُونِ النِّيَّة. الشَّرْح: " الشكل الثَّانِي: شَرطه؛ اخْتِلَاف مقدمتيه فِي الْإِيجَاب وَالسَّلب، وكلية كبراه؛ تبقى " أضربه المنتجة " أَرْبَعَة، وَلَا تنْتج إِلَّا سالبة.

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

أما الأول؛ فلوجوب عكس إِحْدَاهمَا، وَجعلهَا الْكُبْرَى، فموجبتان بَاطِل، وسالبتان لَا تتلاقيان، وَأما كُلية الْكُبْرَى، فَلِأَنَّهَا إِن كَانَت الَّتِي تنعكس، فَوَاضِح، وَإِن عكست هَامِش أما الأول "؛ وَهُوَ وجوب اخْتِلَاف مقدمتيه؛ " فلوجوب عكس إِحْدَاهمَا "؛ إِذْ هُوَ قد خَالف الأول فِي الْكُبْرَى؛ وَلَا بُد من رده إِلَيْهِ؛ كَمَا تقدم؛ فَيجب عكس إِحْدَاهمَا. إِمَّا بعكس الْكُبْرَى فَقَط، وَجعلهَا كبرى للشكل الأول، وَإِمَّا بعكس الصُّغْرَى، وَجعلهَا كبرى، والكبرى صغرى؛ فعلى التَّقْدِيرَيْنِ يجب عكس إِحْدَى مقدمتيه، " وَجعلهَا " أَي: الْمُقدمَة المعكوسة إِلَيْهَا " الْكُبْرَى "، فالمركب من موجبتين بَاطِل؛ لِأَنَّهُ إِذا عكست إِحْدَى مقدمتيه، يكون جزئيا؛ لِأَن الْمُوجبَة لَا تنعكس بِالْعَكْسِ المستوي إِلَّا جزئية، فَلَو جعلت كبرى فِي الشكل الأول، يلْزم أَن تكون الْكُبْرَى فِي الأولى جزئية، وسالبتان لَا يتلاقيان أصلا؛ إِذْ يلْزم أَن تكون الصُّغْرَى فِي الأول سالبة، وَهُوَ يُوجب عدم التلاقي بَين الْأَوْسَط والأصغر؛ فَلَا تحصل النتيجة، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله: " فموجبتان بَاطِل، وسالبتان لَا تتلاقيان. وَأما " اشْتِرَاط " كُلية الْكُبْرَى؛ فَلِأَنَّهَا إِن كَانَت هِيَ الَّتِي تنعكس، فَوَاضِح "؛ لِأَن الْجُزْئِيَّة، عكسها جزئية؛ فَلَا تصلح كبرى للْأولِ، " وَإِن " كَانَت غَيرهَا، فَهُوَ حِينَئِذٍ بعكس الصُّغْرَى؛ لِأَن الرَّد إِلَى الأول: إِمَّا بعكس الْكُبْرَى، وَهُوَ مَا عرفت، أَو الصُّغْرَى، فَإِذا " عكست الصُّغْرَى "،

الصُّغْرَى، فَلَا بُد أَن تكون سالبة؛ لتتلاقيا، وَيجب عكس النتيجة؛ وَلَا تنعكس؛ لِأَنَّهَا تكون جزئية سالبة. الأول: كليتان، والكبرى سالبة: الْغَائِب مَجْهُول الصّفة، وَمَا يَصح بَيْعه، لَيْسَ بِمَجْهُول، ويتبين بعكس الْكُبْرَى. الثَّانِي: كليتان، والكبرى مُوجبَة: الْغَائِب لَيْسَ مَعْلُوم الصّفة، وَمَا يَصح بَيْعه مَعْلُوم؛ ولازمه كَالْأولِ؛ ويتبين؛ بعكس الصُّغْرَى، وَجعلهَا الْكُبْرَى، وَعكس النتيجة. هَامِش وَجعلت كبرى، والكبرى صغرى، " فَلَا بُد أَن تكون الصُّغْرَى سالبة " كُلية؛ فَإِنَّهَا إِن لم تكن كَذَلِك، لزم الْقيَاس عَن جزئيتين؛ إِذْ التَّقْدِير؛ أَن الْكُبْرَى جزئية، وَالصُّغْرَى، إِذا لم تكن سالبة كُلية، تصير بِالْعَكْسِ جزئية، وَلَا قِيَاس على جزئيتين؛ لعدم وجوب التلاقي بَين الْأَوْسَط والأصغر حِينَئِذٍ؛ فوضح اشْتِرَاط كَونهَا سالبة كُلية؛ " ليتلاقيا، وَيجب عكس النتيجة "، إِذا كَانَت الصُّغْرَى سالبة كُلية، وعكستها، وَجعلت الْكُبْرَى صغرى، وَالصُّغْرَى كبرى؛ لِأَن الْمَطْلُوب نتيجة الشكل الثَّانِي، " وَلَا تنعكس؛ لِأَنَّهَا تكون جزئية سالبة ". الشَّرْح: الضَّرْب " الأول: كليتان [، و] الْكُبْرَى سالبة "؛ كَقَوْلِنَا فِي بيع الْغَائِب: " الْغَائِب مَجْهُول الصّفة، وَمَا يَصح بَيْعه لَيْسَ بِمَجْهُول "؛ ينْتج: الْغَائِب لَا يَصح بَيْعه؛ " ويتبين " نتاج هَذَا الضَّرْب؛ " بعكس الْكُبْرَى "؛ ليرْجع إِلَى الشكل الأول، فيعكس قَوْلنَا: كل مَا يَصح بَيْعه [لَيْسَ] بِمَجْهُول الصّفة، إِلَى قَوْلنَا: كل مَجْهُول الصّفة لَا يَصح بَيْعه، وَيصير هَكَذَا: كل غَائِب مَجْهُول، وكل مَجْهُول الصّفة لَا يَصح بَيْعه؛ ينْتج الْمَطْلُوب. " الثَّانِي: كليتان [، و] الْكُبْرَى مُوجبَة: الْغَائِب لَيْسَ مَعْلُوم الصّفة، وَمَا يَصح بَيْعه مَعْلُوم " (الصّفة) "؛ ينْتج: الْغَائِب لَا يَصح بَيْعه؛ " ولازمه كَالْأولِ "، أَي: تكون نتيجة هَذَا الضَّرْب سالبة كُلية؛ كَمَا فِي الضَّرْب قبله؛ " ويتبين " نتاج هَذَا الضَّرْب؛ " بعكس الصُّغْرَى، وَجعلهَا " كبرى، و " الْكُبْرَى " صغرى، " وَعكس النتيجة "، أَي: ثمَّ عكس النتيجة، فَيجْعَل مثلا قَوْلك: " مَا يَصح

الثَّالِث: جزئية مُوجبَة، وكلية سالبة: بعض الْغَائِب مَجْهُول، وَمَا يَصح بَيْعه لَيْسَ بِمَجْهُول؛ فلازمه بعض الْغَائِب لَا يَصح بَيْعه؛ ويتبين بعكس الْكُبْرَى. الرَّابِع: جزئية سالبة وكلية مُوجبَة: بعض الْغَائِب لَيْسَ بِمَعْلُوم، وَمَا يَصح بَيْعه مَعْلُوم؛ ويتبين بعكس الْكُبْرَى؛ بنقيض مفرديها. ويتبين أَيْضا فِيهِ، وَفِي جَمِيع ضروبه؛ بالخلف؛ فتأخذ نقيض النتيجة، وَهُوَ: كل غَائِب يَصح بَيْعه، وتجعله الصُّغْرَى؛ فينتج نقيض الصُّغْرَى الصادقة، وَلَا خلل إِلَّا من نقيض الْمَطْلُوب؛ فالمطلوب صدق. هَامِش بَيْعه مَعْلُوم "، هُوَ الصُّغْرَى، ويعكس قَوْلك: الْغَائِب لَيْسَ مَعْلُوم الصّفة فَتَقول: كل مَعْلُوم الصّفة، لَيْسَ بغائب، وتجعلها الْكُبْرَى؛ فَتَصِير هَكَذَا: كل مَا يَصح بَيْعه مَعْلُوم الصّفة، وكل مَعْلُوم الصّفة لَيْسَ بغائب؛ ينْتج: كل مَا يَصح بَيْعه لَيْسَ بغائب؛ وينعكس: كل غَائِب لَا يَصح بَيْعه، وَهُوَ الْمَقْصُود، وَهَذَا من جملَة مَا يقوم الدَّلِيل فِيهِ على شَيْء، وَالْمَطْلُوب عَكسه. " الثَّالِث: جزئية مُوجبَة، وكلية سالبة "؛ ينْتج سالبة جزئية: " بعض الْغَائِب مَجْهُول، وَمَا يَصح بَيْعه لَيْسَ بِمَجْهُول؛ فلازمه: بعض الْغَائِب لَا يَصح بَيْعه؛ ويتبين " نتاجه؛ " بعكس الْكُبْرَى "؛ كَالْأولِ سَوَاء. " الرَّابِع: جزئية سالبة " صغرى، " وكلية مُوجبَة " كبرى؛ ينْتج جزئية سالبة: " بعض الْغَائِب لَيْسَ بِمَعْلُوم، وَمَا يَصح بَيْعه مَعْلُوم "؛ فبعض الْغَائِب لَا يَصح بَيْعه؛ " ويتبين " نتاجه؛ " بعكس الْكُبْرَى "، وَهُوَ قَوْلنَا: كل مَا يَصح بَيْعه مَعْلُوم؛ " بنقيض مفرديها "، أَي: بعكس النقيض، إِلَى قَوْلنَا: كل مَا لَيْسَ بِمَعْلُوم لَا يَصح بَيْعه؛ وَهُوَ مَعَ الصُّغْرَى ينْتج الْمَطْلُوب. الشَّرْح: " ويتبين " نتاجه " أَيْضا فِيهِ "، أَي: فِي هَذَا الضَّرْب، " وَفِي جَمِيع ضروبه " الَّتِي عرفتها؛ " بالخلف؛ فتأخذ نقيض النتيجة؛ وَهُوَ " قَوْلنَا: " كل غَائِب يَصح بَيْعه، وتجعله "؛ لكَونهَا مُوجبَة " الصُّغْرَى "؛ وَتجْعَل كبرى الْقيَاس؛ لكَونهَا كُلية - كبرى، فَيصير هَكَذَا: كل غَائِب يَصح بَيْعه، وكل مَا يَصح بَيْعه مَعْلُوم؛ وَاللَّازِم: كل غَائِب مَعْلُوم؛ وَهَذَا يُنَاقض الصُّغْرَى، وَهِي قَوْلنَا: بعض الْغَائِب لَيْسَ بِمَعْلُوم، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: " فينتج نقيض الصُّغْرَى الصادقة "؛ فَلَا يَجْتَمِعَانِ، وَالْغَرَض أَن الصُّغْرَى صَادِقَة؛ فَيتَعَيَّن كذب هَذَا، " وَلَا خلل إِلَّا من نقيض الْمَطْلُوب "؛ لِأَن الْكُبْرَى مَفْرُوضَة الصدْق كَمَا قُلْنَاهُ، " فالمطلوب صدق ".

الشكل الثَّالِث: شَرطه؛ إِيجَاب الصُّغْرَى، أَو فِي حكمه، وكلية إِحْدَاهمَا؛ تبقى سِتَّة، وَلَا ينْتج إِلَّا جزئية؛ أما الأول فَلِأَنَّهُ لَا بُد من عكس إِحْدَاهمَا، ... ... ... هَامِش وَقد اعْترض بَعضهم، بِأَنَّهُ، لم قلت: إِن الْمحَال إِنَّمَا لزم من صدق الصُّغْرَى الَّتِي هِيَ نقيض الْمَطْلُوب؟ بل من اجْتِمَاع الصُّغْرَى مَعَ الْكُبْرَى؛ فَإِنَّهُ الْمحَال، وَلَا يلْزم مِنْهُ إِحَالَة الصُّغْرَى فِي نَفسهَا؛ كَمَا أَن اجْتِمَاع كِتَابَة زيد، مَعَ عدم كِتَابَته فِي الْوَاقِع محَال، وإحالة هَذَا الِاجْتِمَاع لَا تَقْتَضِي إِحَالَة الْكِتَابَة، وَلَا عدمهَا فِي نَفسه، وَهَذَا الْمَنْع يتَوَجَّه على سَائِر الْبَرَاهِين الخلقية. الشَّرْح: " الشكل الثَّالِث: شَرطه؛ إِيجَاب الصُّغْرَى، أَو فِي حكمه "؛ كَمَا ذكرنَا فِي الأول، " وكلية إِحْدَاهمَا "، أَي: تكون إِحْدَى مقدمتيه كُلية؛ " تبقى " أضربه " سِتَّة، وَلَا ينْتج إِلَّا جزئية؛ أما " الشَّرْط " الأول "، وَهُوَ كَون الصُّغْرَى مُوجبَة، أَو فِي حكم الْإِيجَاب؛ " فَلِأَنَّهُ لَا بُد "

وَجعلهَا الصُّغْرَى، فَإِن قدرت الصُّغْرَى سالبة، وعكستها، لم تتلاقيا، وَإِن كَانَ الْعَكْس فِي الْكُبْرَى، وَهِي سالبة، لم تتلاقيا مُطلقًا، وَإِن كَانَت مُوجبَة، فَلَا بُد من عكس النتيجة؛ فَلَا هَامِش فِي رده إِلَى الأول؛ " من عكس إِحْدَاهمَا، وَجعلهَا الصُّغْرَى "؛ لموافقته لَهُ فِي الْكُبْرَى، " فَإِن قدرت الصُّغْرَى سالبة، وعكستها، لم تتلاقيا. وَإِن كَانَ الْعَكْس فِي الْكُبْرَى، وَهِي ": إِمَّا " سالبة " أَو مُوجبَة، فَإِن كَانَت سالبة " لم تتلاقيا مُطلقًا "، أَي: إِذا جَعلتهَا صغرى الأول؛ فَلَا يلْزم حمل الْأَصْغَر على الْأَكْبَر، وَلَا الْأَكْبَر على الْأَصْغَر، " وَإِن كَانَت مُوجبَة "، فعكسها جزئية؛ بجعلها صغرى، وَالصُّغْرَى كبرى، وَهِي سالبة؛

تنعكس، وَأما كُلية إِحْدَاهمَا، فلتكن هِيَ الْكُبْرَى آخرا بِنَفسِهَا أَو بعكسها؛ وَأما نتاجه جزئية فَلِأَن الصُّغْرَى عكس مُوجبَة أبدا، أَو فِي حكمهَا. الأول: كلتاهما كُلية مُوجبَة: كل بر مقتات، وكل بر رِبَوِيّ؛ فينتج: بعض المقتات رِبَوِيّ؛ ويتبين بعكس الصُّغْرَى. هَامِش فَيصير منعقدا من صغرى مُوجبَة جزئية، وكبرى سالبة كُلية؛ ينْتج: جزئية سالبة، ويتلاقيان على أَن الْأَصْغَر مَحْمُول على بعض الْأَكْبَر، ثمَّ لَا بُد من عكس النتيجة، وَإِلَّا لَكَانَ غير الْمَطْلُوب، كَمَا علمت، لَكِن الْجُزْئِيَّة السالبة لَا تعكس، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله: " فَلَا بُد من عكس النتيجة؛ وَلَا تنعكس ". " وَأما " الثَّانِي، وَهُوَ اشْتِرَاط " كُلية إِحْدَاهمَا، فلتكن هِيَ الْكُبْرَى آخرا "، أَي: بعد الرَّد إِلَى الشكل الأول؛ تصير تِلْكَ الْمُقدمَة الْكُلية كبرى " (بِنَفسِهَا "؛ من غير عكسها، " أَو " لتكن الْمُقدمَة الْكُلية كبرى) فِي الشكل الأول؛ " بعكسها "، أَي: بعكس كبرى هَذَا الشكل، وَجعلهَا صغرى؛ وصغرى هَذَا الشكل كبرى فِي الشكل الأول؛ وَهَذَا إِذا كَانَت تِلْكَ الْمُقدمَة الْكُلية صغرى. وَالْحَاصِل: أَن إِحْدَى مقدمتي هَذَا الشكل يجب كَونهَا كُلية؛ فَتَصِير كبرى فِي الشكل الأول، بعد ارتداد هَذَا الشكل إِلَيْهِ. " وَأما نتاجه جزئية؛ فَلِأَن الصُّغْرَى عكس مُوجبَة أبدا، أَو فِي حكمهَا "، أَي: مَا يَجْعَل من إِحْدَى مقدمتي هَذَا الشكل صغرى فِي الشكل الأول، يكون أبدا عكس مُوجبَة هَذَا الشكل، أَو عكس مَا هُوَ فِي حكم الْمُوجبَة؛ لوُجُوب كَون الصُّغْرَى مُوجبَة فِي الشكل الأول، أَو فِي حكمهَا، وَعكس الْمُوجبَة أَو مَا فِي حكمهَا تكون جزئية، وَإِذا كَانَت إِحْدَى المقدمتين جزئية بعد الارتداد إِلَى الشكل الأول؛ فَلَا ينْتج إِلَّا جزئية. الشَّرْح: الضَّرْب " الأول " من أضْرب هَذَا الشكل: مقدمتان: " كلتاهما كُلية مُوجبَة "؛ ينْتج جزئية مُوجبَة: " كل بر مقتات، وكل بر رِبَوِيّ؛ فينتج: بعض المقتات رِبَوِيّ؛ ويتبين بعكس الصُّغْرَى " - نتاجه؛ ليرْجع إِلَى الشكل الأول؛ [ويتبين نتاجه] أَيْضا بعكس الْكُبْرَى، وَجعلهَا

الثَّانِي: جزئية مُوجبَة، وكلية مُوجبَة: بعض الْبر مقتات، وكل بر رِبَوِيّ؛ فينتج مثله؛ ويتبين كَالْأولِ. الثَّالِث: كُلية مُوجبَة، وجزئية مُوجبَة: كل بر مقتات، وَبَعض الْبر رِبَوِيّ؛ فينتج مثله؛ ويتبين؛ بعكس الْكُبْرَى، وَجعلهَا الصُّغْرَى، وَعكس النتيجة. الرَّابِع: كُلية مُوجبَة، وكلية سالبة: كل بر مقتات، وكل بر لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا؛ فينتج: بعض المقتات لَا يُبَاع؛ ويتبين بعكس الصُّغْرَى. الْخَامِس: جزئية مُوجبَة، وكلية سالبة: بعض الْبر مقتات، وكل بر لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا؛ فينتج؛ ويتبين مثله. السَّادِس: كُلية مُوجبَة، وجزئية سالبة: كل بر مقتات، وَبَعض الْبر لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ؛ هَامِش صغرى، وَالصُّغْرَى كبرى، ثمَّ عكس النتيجة. " الثَّانِي: جزئية مُوجبَة، وكلية مُوجبَة "؛ ينْتج مُوجبَة جزئية: " بعض الْبر مقتات، وكل بر رِبَوِيّ؛ فينتج مثله ": بعض المقتات رِبَوِيّ؛ " ويتبين " نتاجه بعكس الصُّغْرَى " كَالْأولِ ". " الثَّالِث: كُلية مُوجبَة، وجزئية مُوجبَة: كل بر مقتات، وَبَعض الْبر رِبَوِيّ؛ فينتج مثله ": بعض المقتات رِبَوِيّ؛ " ويتبين " نتاجه؛ " بعكس الْكُبْرَى، وَجعلهَا الصُّغْرَى، وَعكس النتيجة "، وَلَا يُمكن بَيَانه بعكس الصُّغْرَى؛ وَإِلَّا يلْزم الْقيَاس عَن جزئيتين. " الرَّابِع: كُلية مُوجبَة، وكلية سالبة: كل بر مقتات، وكل بر لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا؛ فينتج: (بعض المقتات لَا يُبَاع " بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا؛ " ويتبين) " نتاجه (مثله) ، أَي: " بعكس الصُّغْرَى " [فَقَط؛ وَهُوَ ظَاهر. " الْخَامِس: جزئية مُوجبَة، وكلية سالبة "؛ ينْتج: جزئية سالبة؛ فينتج: " بعض الْبر مقتات، وكل مقتات لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا؛ فينتج ": بعض المقتات لَا يَصح بَيْعه بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا؛ " ويتبين " نتاجه " مثله "، أَي: بعكس الصُّغْرَى] ؛ مثل الضَّرْب الرَّابِع. " السَّادِس: كُلية مُوجبَة، وجزئية سالبة "؛ ينْتج جزئية سالبة: " كل بر مقتات، وَبَعض الْبر لَا

فينتج مثله؛ ويتبين؛ بعكس الْكُبْرَى على حكم الْمُوجبَة، وَجعلهَا الصُّغْرَى، وَعكس النتيجة. ويتبين مَعَ جَمِيعه؛ بالخلف أَيْضا، فتأخذ نقيض النتيجة؛ كَمَا تقدم إِلَّا أَنَّك تَجْعَلهُ الْكُبْرَى. الشكل الرَّابِع، وَلَيْسَ تَقْدِيمًا وتأخيرا للْأولِ؛ لِأَن هَذَا: نتيجته ... ... ... ... هَامِش يُبَاع بِجِنْسِهِ؛ فينتج مثله " بعض المقتات لَا يُبَاع؛ " ويتبين " نتاجه؛ " بعكس الْكُبْرَى على حكم الْمُوجبَة، وَجعلهَا الصُّغْرَى، وَعكس النتيجة "، أَي: بِأَن يقْضى على الْكُبْرَى؛ بِأَنَّهَا فِي حكم مُوجبَة، وَهِي قَوْلنَا: بعض الْبر لَا يُبَاع؛ على أَن السَّلب جُزْء الْمَحْمُول، وَقد أثبت السَّلب للموضوع، وَيُسمى مثله مُوجبَة سالبة الْمَحْمُول، وَهِي لَازِمَة للسالبة؛ وَحِينَئِذٍ تنعكس إِلَى قَوْلنَا: بعض مَا لَا يُبَاع بِجِنْسِهِ مُتَفَاضلا - بر، ونجعله صغرى لقولنا: وكل بر مقتات؛ لينتج مَا ينعكس إِلَى الْمَطْلُوب. الشَّرْح: " ويتبين " نتاجه أَيْضا " مَعَ جَمِيعه "، أَي: جَمِيع ضروب هَذَا الشكل - " بالخلف أَيْضا، فتأخذ نقيض النتيجة؛ كَمَا تقدم؛ إِلَّا أَنَّك تَجْعَلهُ الْكُبْرَى " لكليته، وَتجْعَل صغراه؛ لإيجابها - صغرى؛ لينتج من الشكل الأول نقيض الْكُبْرَى، وَلَا خلل إِلَّا من نقيض الْمَطْلُوب؛ لما ذكر فِي الشكل الثَّانِي؛ فالمطلوب حق، وَهُوَ معنى قَوْله: (كَمَا تقدم) ، فَلَو لم يصدق مثلا قَوْلنَا: بعض المقتات لَا يُبَاع، لصدق نقيضه، وَهُوَ: كل مقتات يُبَاع؛ فَيجْعَل كبرى لصغرى هَذَا الضَّرْب، وَهَكَذَا: كل بر مقتات، وكل مقتات يُبَاع مُتَفَاضلا؛ ينْتج: كل بر يُبَاع مُتَفَاضلا، وَقد كَانَ فِي الْكُبْرَى: بعض الْبر لَا يُبَاع مُتَفَاضلا؛ وَذَلِكَ خلف. الشَّرْح: " الشكل الرَّابِع "، وَقد يظنّ أَنه الشكل الأول، وَإِنَّمَا حصل فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير؛ " وَلَيْسَ " كَذَلِك؛ لِأَنَّهُ لَو لم يكن شكلا بِرَأْسِهِ، بل كَانَ هُوَ الشكل الأول، إِلَّا أَن

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

عَكسه، والجزئية السالبة سَاقِطَة؛ لِأَنَّهَا لَا تنعكس، وَإِن بَقِيَتَا وقلبتا، فَإِن كَانَت الثَّانِيَة، لم يتلاقيا، وَإِن كَانَت الأولى، لم تصلح للكبرى، وَإِذا كَانَت الصُّغْرَى مُوجبَة كُلية، فالكبرى هَامِش بعض مقدماته قدم على بعض - لم يَصح؛ لِأَن مَادَّة الشكل الأول؛ إِن كَانَت كَافِيَة فِي استلزام النتيجة، وَجب أَن ينْتج الرَّابِع نتيجة الأول؛ وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بقوله: " وَلَيْسَ هُوَ " تَقْدِيمًا، وتأخيرا للْأولِ؛ لِأَن هَذَا " الشكل ": نتيجة عَكسه "، أَي: عكس الشكل الأول، فَإِن لم تكن مادته كَافِيَة فِي استلزام النتيجة - وَجب أَلا ينْتج شَيْئا أصلا؛ لكنه ينْتج؛ هَذَا خلف، " والجزئية السالبة سَاقِطَة " فِي هَذَا الشكل، لَا تسْتَعْمل فِيهِ؛ إِذْ يمْتَنع رده إِلَى الشكل الأول حِينَئِذٍ؛ لِأَن رده إِلَيْهِ: إِمَّا بعكس المقدمتين، وَإِمَّا بقلبهما، وكل وَاحِد مِنْهُمَا مُمْتَنع. أما امْتنَاع الْعَكْس، فَظَاهر؛ " لِأَنَّهَا " - أَي: السالبة الْجُزْئِيَّة - " لَا تنعكس "، وَأما الْقلب، وَهُوَ المُرَاد بقوله: " وَإِن بَقِيَتَا، وقلبتا، وَإِن كَانَت " السالبة الْجُزْئِيَّة هِيَ " الثَّانِيَة "، أَي: الْكُبْرَى، فَإِذا جَعلتهَا صغرى، " لم يتلاقيا " - أَي: الْأَوْسَط والأصغر -؛ فَلَا ينْتج، " وَإِن كَانَت " السالبة الْجُزْئِيَّة. هِيَ " الأولى " - أَي: الصُّغْرَى - فالنتيجة جزئية سالبة، وَلَا عكس لَهَا - كَذَا بِخَط المُصَنّف - وَفِي بعض النّسخ: " لم تصلح للكبرى "؛ لوُجُوب كَون الْكُبْرَى فِي الشكل الأول كُلية. وَيسْقط بِحَسب هَذَا الشَّرْط - سَبْعَة أضْرب، وَهِي الْحَاصِلَة من ضرب السالبة الْجُزْئِيَّة [الصُّغْرَى، فِي الكبريات الْأَرْبَع، وَمن ضرب السالبة الْجُزْئِيَّة] الْكُبْرَى، فِي الصغريات

على الثَّلَاث، وَإِن كَانَت سالبة كُلية، فالكبرى مُوجبَة كُلية؛ لِأَنَّهَا إِن كَانَت جزئية، وَبقيت، وَجب جعلهَا الصُّغْرَى، وَعكس النتيجة، وَإِن عكست، وَبقيت، لم تصلح للكبرى، وَإِن كَانَت سالبة كُلية، لم تتلاقيا بِوَجْه، وَإِن كَانَت مُوجبَة جزئية، فالكبرى سالبة كُلية؛ لِأَنَّهَا إِن كَانَت مُوجبَة كُلية، وَفعلت الأول، لم تصلح الصُّغْرَى للكبرى، وَإِن فعلت الثَّانِي، صَارَت الْكُبْرَى جزئية، وَإِن كَانَت مُوجبَة جزئية فأبعد؛ فينتج مِنْهُ خَمْسَة. هَامِش الثَّلَاث، أَعنِي: مَا عدا السالبة الْجُزْئِيَّة الساقطة من هَذَا الشكل. " وَإِذا كَانَت الصُّغْرَى مُوجبَة كُلية، فالكبرى " تقع " على الثَّلَاث " مُوجبَة كُلية وجزئية، وسالبة كُلية، فَهَذِهِ الضروب الثَّلَاثَة تنْتج، " وَإِن كَانَت " الصُّغْرَى " سالبة كُلية، فالكبرى " يجب أَن تكون " مُوجبَة كُلية؛ لِأَنَّهَا " - أَي الْكُبْرَى - " إِن كَانَت جزئية، وَبقيت " بِحَالِهَا، أَي: لم تعكس، " وَجب جعلهَا الصُّغْرَى "، وَعكس النتيجة، وَلَا تنعكس؛ لِأَنَّهَا سالبة جزئية، " وَإِن عكست " الْكُبْرَى، " وَبقيت، لم تصلح للكبرى "، أَي: لكبرى الشكل الأول؛ لِأَنَّهَا جزئية، " (وَإِن كَانَت " الْكُبْرَى " سالبة كُلية "، وَالتَّقْدِير أَن الصُّغْرَى سالبة كُلية أَيْضا، " لم يتلاقيا بِوَجْه "؛ إِذْ لَا قِيَاس على سالبتين أصلا؛ فَسقط بِهَذَا الشَّرْط ضَرْبَان؛ وهما الحاصلان من ضرب الصُّغْرَى السالبة الْكُلية، فِي الْكُبْرَى السالبة الْكُلية، والموجبة الْجُزْئِيَّة، وضربها فِي الْكُبْرَى السالبة الْجُزْئِيَّة، قد سَقَطت من الشَّرْط الأول) ، " وَإِن كَانَت " الصُّغْرَى " مُوجبَة جزئية، فالكبرى سالبة كُلية؛ لِأَنَّهَا " - أَي الْكُبْرَى - لَو لم تكن سالبة كُلية، لكَانَتْ: إِمَّا مُوجبَة كُلية، أَو مُوجبَة جزئية؛ إِذْ السالبة الْكُلية سَاقِطَة من الشَّرْط الأول؛ وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ، يمْتَنع الرَّد إِلَى الشكل الأول؛ أما على التَّقْدِير الأول؛ فَلِأَن الْكُبْرَى، " إِن كَانَت مُوجبَة كُلية، وَفعلت الأول " - أَي: الْقلب -؛ بِأَن بقيت الْكُبْرَى بِحَالِهَا من غير عكسها - " لم تصلح " للكبرى - إِذْ تجْعَل " الصُّغْرَى " كبرى، والكبرى صغرى؛ فَلَا يصلح " للكبرى " فِي الأول؛ لِأَنَّهَا جزئية. وَاعْلَم: أَن فِي نُسْخَة المُصَنّف (بدل الْكُبْرَى الصُّغْرَى) ؛ وَلَعَلَّه وهم أصلح. " وَإِن فعلت الثَّانِي " - أَي: عكس المقدمتين -، " صَارَت الْكُبْرَى جزئية "؛ لِأَن الْمُوجبَة الْكُلية تنعكس جزئية، والكبرى الْجُزْئِيَّة غير صَالِحَة فِي الشكل الأول. " وَإِن كَانَت " الْكُبْرَى جزئية " مُوجبَة "، وَالتَّقْدِير أَن الصُّغْرَى أَيْضا مُوجبَة " جزئية، فأبعد "؛ إِذْ

الأول: كل عبَادَة مفتقرة إِلَى النِّيَّة، وكل وضوء عبَادَة؛ فينتج: بعض المفتقر وضوء؛ ويتبين؛ بِالْقَلْبِ فيهمَا، وَعكس النتيجة. الثَّانِي: مثله، وَالثَّانيَِة جزئية. الثَّالِث: كل عبَادَة لَا تَسْتَغْنِي، وكل وضوء عبَادَة؛ فينتج: كل مستغن لَيْسَ بِوضُوء؛ ويتبين؛ بِالْقَلْبِ، وَعكس النتيجة. الرَّابِع: كل مُبَاح مستغن، وكل وضوء لَيْسَ بمباح؛ فينتج: بعض المستغني لَيْسَ هَامِش لَا قِيَاس عَن جزئيتين أصلا؛ بِخِلَاف الْمُوجبَة الْكُلية الْكُبْرَى، مَعَ الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة الصُّغْرَى؛ فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ لَا ينْتج فِي هَذَا الشكل، لكنه ينْتج فِي غَيره. وَسقط بِهَذَا الشَّرْط ضَرْبَان أَيْضا؛ وهما الحاصلان من ضرب الْمُوجبَة الْجُزْئِيَّة الصُّغْرَى (فِي) الْكُبْرَى؛ مُوجبَة كُلية وجزئية؛ فَإِذن سقط من الشُّرُوط الثَّلَاثَة - أحد عشر ضربا من السِّتَّة عشر؛ " فينتج مِنْهُ خَمْسَة ". الشَّرْح: " الأول ": (كليتان موجبتان) ؛ تنْتج جزئية مُوجبَة: " كل عبَادَة مفتقرة إِلَى النِّيَّة، وكل وضوء عبَادَة؛ فينتج: بعض المفتقر " إِلَى النِّيَّة " وضوء؛ ويتبين " نتاجه " بِالْقَلْبِ فيهمَا " فِي الصُّغْرَى والكبرى - " وَعكس النتيجة " بعد الْقلب؛ بِأَن تَقول: كل وضوء عبَادَة، وكل عبَادَة مفتقرة إِلَى النِّيَّة؛ فَكل وضوء مفتقر؛ فبعض المفتقر وضوء، وَهُوَ الْمَطْلُوب. " الثَّانِي: مثله، وَالثَّانيَِة ": - أَي الْكُبْرَى -: " جزئية "؛ فَتَقول: مَوضِع كل عبَادَة مفتقرة، بعض الْعِبَادَة مفتقرة؛ والنتيجة، وَالْبَيَان؛ كَمَا فِي الأول. " الثَّالِث ": سالبة، وكلية مُوجبَة؛ ينْتج كُلية سالبة: " كل عبَادَة لَا تَسْتَغْنِي " عَن النِّيَّة، " وكل وضوء عبَادَة؛ فينتج: كل مستغن لَيْسَ بِوضُوء؛ ويتبين بِالْقَلْبِ " فِي المقدمتين، " وَعكس النتيجة " بعد الْقلب؛ وَهُوَ ظَاهر. " الرَّابِع ": كُلية مُوجبَة، وكلية سالبة؛ ينْتج سالبة جزئية: " كل مُبَاح مستغن، وكل وضوء

بِوضُوء؛ ويتبين بعكسهما. الْخَامِس: بعض الْمُبَاح مستغن، وكل وضوء لَيْسَ بمباح؛ وَهُوَ مثله. هَامِش لَيْسَ بمباح؛ فينتج: بعض المستغني لَيْسَ بِوضُوء؛ ويتبين " نتاجه " بعكسهما "، أَي: عكس المقدمتين؛ حَتَّى تصير: جزئية مُوجبَة، وكلية سالبة (فِي الأول) ؛ ينْتج جزئية سالبة. " الْخَامِس ": جزئية مُوجبَة، وكلية سالبة؛ ينْتج جزئية سالبة: " بعض الْمُبَاح مستغن، وكل وضوء لَيْسَ بمباح "، فبعض المستغني لَيْسَ بِوضُوء؛ " وَهُوَ مثله "، أَي: مثل الرَّابِع فِي اللَّازِم عَنهُ، وَالْبَيَان بعكس المقدمتين. وَقد تمّ القَوْل فِي الْقيَاس الاقتراني.

القياس الاستثنائي

(الْقيَاس الاستثنائي) والاستثنائي ضَرْبَان: ضرب بِالشّرطِ؛ وَيُسمى الْمُتَّصِل، وَالشّرط مقدما، وَالْجَزَاء تاليا، والمقدمة الثَّانِيَة استثنائية؛ وَشرط نتاجه أَن يكون الِاسْتِثْنَاء بِعَين الْمُقدم؛ فلازمه عين التَّالِي، أَو بنقيض التَّالِي؛ فلازمه نقيض الْمُقدم، وَهَذَا حكم كل هَامِش الشَّرْح: " والاستثنائي ضَرْبَان: ضرب " يكون " بِالشّرطِ؛ وَيُسمى " الاستثنائي " الْمُتَّصِل "، وَتسَمى الْمُقدمَة [الْمُشْتَملَة] على الشَّرْط شَرْطِيَّة، " وَالشّرط مقدما، وَالْجَزَاء تاليا، والمقدمة الثَّانِيَة استثنائية؛ وَشرط نتاجه: أَن يكون الِاسْتِثْنَاء ": إِمَّا " بِعَين الْمُقدم؛ فلازمه عين التَّالِي "؛ لِأَن تحقق الْمَلْزُوم يُوجب تحقق اللَّازِم - " أَو بنقيض التَّالِي؛ فلازمه نقيض الْمُقدم "؛ لِأَن انْتِفَاء اللَّازِم يُوجب انْتِفَاء

لَازم مَعَ ملزومه، وَإِلَّا لم يكن لَازِما؛ مثل: إِن كَانَ هَذَا إنْسَانا، فَهُوَ حَيَوَان، وَأكْثر الأول ب (إِن) ، وَالثَّانِي ب (لَو) وَيُسمى مَا ب (لَو) قِيَاس الْخلف؛ وَهُوَ إِثْبَات الْمَطْلُوب بِإِبْطَال نقيضه. هَامِش الْمَلْزُوم، " وَهَذَا حكم كل لَازم، مَعَ ملزومه "؛ فَإِنَّهُ يلْزم من عين الْمَلْزُوم - عين اللَّازِم، وَمن نقيض اللَّازِم - نقيض الْمَلْزُوم؛ " وَإِلَّا لم يكن لَازِما "؛ لِأَن اللُّزُوم هُوَ امْتنَاع تحقق الْمَلْزُوم إِلَّا عِنْد تحقق اللَّازِم؛ " مثل: إِن كَانَ هَذَا إنْسَانا، فَهُوَ حَيَوَان ". إِن قلت: لكنه إِنْسَان، أنتج: فَهُوَ حَيَوَان، أَو: لَيْسَ بحيوان، أنتج: لَيْسَ بِإِنْسَان، وَلَا يلْزم من اسْتثِْنَاء نقيض الْمُقدم - نقيض التَّالِي، وَلَا من اسْتثِْنَاء عين التَّالِي - عين الْمُقدم؛ لجَوَاز أَن يكون اللَّازِم أَعم؛ كَمَا فِي الْمِثَال الْمَذْكُور. وَلَعَلَّ المُصَنّف قصد بِذكر الْمِثَال التَّنْبِيه على هَذَا، نعم لَو قدر التَّسَاوِي، لزم ذَلِك؛ وَذَلِكَ لخُصُوص الْمَادَّة، لَا لنَفس صُورَة الدَّلِيل. وَيشْتَرط كَون الْمُتَّصِلَة مُوجبَة لزومية، وَالِاسْتِثْنَاء كليا، إِن كَانَت الْمُتَّصِلَة جزئية، وَيشْتَرط كَون حَال الِاسْتِثْنَاء حَال الْمُتَّصِلَة، إِن كَانَت شخصية، وَقد أهمل المُصَنّف ذَلِك، " وَأكْثر " اسْتِعْمَال " الأول "؛ وَهُوَ الْمُتَّصِل الَّذِي يكون الِاسْتِثْنَاء فِيهِ بِعَين الْمُقدم - يكون " ب (إِن) "؛ فَإِنَّهَا لَفْظَة مَوْضُوعَة لتعليق الْوُجُود بالوجود. " و " أَكثر " الثَّانِي "؛ وَهُوَ مَا يسْتَثْنى فِيهِ نقيض التَّالِي " ب (لَو) "؛ فَإِنَّهَا حرف امْتنَاع لِامْتِنَاع؛ " وَيُسمى مَا "، [أَي] : الْوَاقِع " ب (لَو) - قِيَاس الْخلف؛ وَهُوَ إِثْبَات الْمَطْلُوب بِإِبْطَال نقيضه ". قَالَ القَاضِي عضد الدّين الشَّارِح: كَمَا [لَو] قُلْنَا: لَو ثَبت نقيض النتيجة، لثبت مُنْضَمًّا إِلَى مُقَدّمَة من الْقيَاس؛ فَيلْزم الْمحَال، وَاللَّازِم مُنْتَفٍ؛ فَلَا يثبت.

وَضرب بِغَيْر الشَّرْط؛ وَيُسمى الْمُنْفَصِل؛ وَيلْزمهُ تعدد اللَّازِم مَعَ التَّنَافِي، فَإِن تنافيا إِثْبَاتًا ونفيا، لزم من إِثْبَات كل - نقيضه، وَمن نقيضه - عينه؛ فَيَجِيء أَرْبَعَة؛ مِثَاله: الْعدَد: إِمَّا زوج أَو فَرد؛ لكنه إِلَى آخرهَا، وَإِن تنافيا إِثْبَاتًا لَا نفيا، لزم هَامِش الشَّرْح: " وَضرب بِغَيْر الشَّرْط؛ وَيُسمى " الاستثنائي الْمُنْفَصِل؛ وَيلْزمهُ تعدد اللَّازِم مَعَ التَّنَافِي " بَين أَمريْن؛ وَحِينَئِذٍ يلْزم من وجود هَذَا - عدم ذَاك، وَمن عدم ذَاك - وجود هَذَا؛ إِذْ لَوْلَا ذَلِك - وَالْفَرْض أَنه لم يُوجد لُزُوم صَرِيح - لَكَانَ أَحدهمَا لَا يسْتَلْزم الآخر، وَلَا عَدمه؛ فَلَا اسْتِدْلَال؛ لِأَن الِاسْتِدْلَال إِنَّمَا يكون بالملزوم عَن اللَّازِم؛ كَمَا عرفت. وَإِذا عرف التَّنَافِي؛ " فَإِن تنافيا إِثْبَاتًا ونفيا " [مَعًا] . بِحَيْثُ لَا يصدقان، وَلَا يكذبان - " لزم من إِثْبَات كل نقيضه، وَمن نقيضه عينه؛ فَيَجِيء أَرْبَعَة: مِثَاله: الْعدَد: إِمَّا زوج أَو فَرد؛ وَلكنه إِلَى آخرهَا "، أَي: اللوازم الْأَرْبَعَة. فَإِن قُلْنَا: وَلكنه زوج؛ فينتج: لَيْسَ بفرد - وفرد؛ فينتج: لَيْسَ بِزَوْج، أَو [لَيْسَ] بِزَوْج؛ فينتج: فَهُوَ فَرد، أَو لَيْسَ بفرد؛ فينتج: فَهُوَ زوج، فاستثناء عين الزَّوْج ينْتج نقيض الْفَرد، وَبِالْعَكْسِ، واستثناء نقيض الزَّوْج ينْتج عين الْفَرد، وَبِالْعَكْسِ. " وَإِن تنافيا إِثْبَاتًا لَا نفيا، لزم الْأَوَّلَانِ "، أَي: من اسْتثِْنَاء [عين كل نقيض]- عين الآخر دون الآخرين؛ فَلَا يلْزم [من] اسْتثِْنَاء نقيض كل عين الآخر؛ " مِثَاله: الْجِسْم: إِمَّا جماد أَو حَيَوَان "؛ لكنه جماد؛ فَلَيْسَ بحيوان، لكنه حَيَوَان؛ فَلَيْسَ بجماد. وَلَو قلت: لكنه لَيْسَ بجماد؛ فَهُوَ حَيَوَان، أَو لَيْسَ بحيوان؛ فَهُوَ جماد - لم يكن لَازِما؛ فجواز انتفائهما؛ كَمَا فِي النَّبَات؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ جمادا وَلَا حَيَوَانا. " وَإِن تنافيا نفيا لَا إِثْبَاتًا "، أَي: كَانَ كل مِنْهُمَا منافيا لنفي الآخر - " لزم الأخيران "، أَي: من

الْأَوَّلَانِ؛ مِثَاله: الْجِسْم: إِمَّا جماد أَو حَيَوَان، وَإِن تنافيا نفيا لَا إِثْبَاتًا، لزم الأخيران؛ مِثَاله: الْخُنْثَى: إِمَّا لَا رجل أَو لَا امْرَأَة. هَامِش اسْتثِْنَاء نقيض الآخر، دون الْأَوَّلين. " مِثَاله: الْخُنْثَى: إِمَّا لَا رجل، أَو لَا امْرَأَة "؛ فَإِنَّهُ يلْزم من انْتِفَاء لَا رجل - ثُبُوت لَا امْرَأَة، وَبِالْعَكْسِ. وَلَا يلْزم من تحقق أَحدهمَا انْتِفَاء الآخر؛ لجَوَاز أَلا يكون رجلا وَلَا امْرَأَة؛ وَذَلِكَ بِاعْتِبَار الصدْق؛ ظَاهرا؛ إِذْ يصدق على الْخُنْثَى الْمُشكل؛ أَنه لَا رجل وَلَا امْرَأَة. وَنقل الْغَزالِيّ فِي فَرَائض (الْوَسِيط) ؛ عَن بعض الْعلمَاء: أَنه لَا يَرث؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِذكر وَلَا أُنْثَى، وَلَو صَحَّ هَذَا، لاستقام تَمْثِيل المُصَنّف. وَلَكِن الصَّوَاب - وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي - أَنه فِي نفس الْأَمر لَا يَخْلُو عَن أَن يكون رجلا، أَو امْرَأَة؛ فليحمل كَلَام المُصَنّف على مَا ذَكرْنَاهُ؛ من أَن ذَلِك لَا يُطلق عَلَيْهِ ظَاهرا؛ وَلذَلِك لَو وقف على الْبَنِينَ وَالْبَنَات، لم يدْخل الْخُنْثَى الْمُشكل؛ على وَجه لبَعض أَصْحَابنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يعد من هَؤُلَاءِ، و [لَا] من هَؤُلَاءِ، وَلَكِن الصَّحِيح خِلَافه، نعم لَو أفرد الْبَنِينَ عَن الْبَنَات، أَو الْبَنَات عَن الْبَنِينَ، لم يدْخل. وَبَعْضهمْ مثل بقولنَا: زيد إِمَّا فِي المَاء، أَو لَا يغرق.

وَيرد الاستثنائي إِلَى الاقتراني؛ بِأَن يَجْعَل الْمَلْزُوم وسطا، والاقتراني إِلَى الْمُنْفَصِل بِذكر منافيه مَعَه. هَامِش الشَّرْح: " وَيرد " الْقيَاس " الاستثنائي إِلَى الاقتراني؛ بِأَن يَجْعَل الْمَلْزُوم وسطا "؛ وثبوته - وَهُوَ الاستثنائي - صغرى، واستلزامه - وَهُوَ الْمُتَّصِل - كبرى؛ مِثَاله من النقيض: الِاثْنَان: إِمَّا فَرد أَو زوج؛ لكنه زوج؛ فَهُوَ لَيْسَ بفرد؛ فَإِنَّهُ يتَضَمَّن؛ أَنه كل مَا كَانَ زوجا، لم يكن فَردا، فَنَقُول: الِاثْنَان زوج، [وكل زوج] لَيْسَ بفرد؛ فالاثنان لَيْسَ بفرد، وَقس على هَذَا. وَيرد " الاقتراني " إِلَى الاستثنائي أَيْضا، ثمَّ تَارَة يرد إِلَى الْمُتَّصِل - وَهُوَ ظَاهر - بِأَن يَجْعَل الْوسط ملزوما للمطلوب، وَتارَة " إِلَى الْمُنْفَصِل؛ بِذكر منافيه مَعَه "، أَي: يَأْخُذ منافي الْوسط، ويذكره مَعَ الْوسط. مِثَاله: الِاثْنَان زوج، وكل زوج فَلَيْسَ بفرد؛ فمنافي الزَّوْج الَّذِي هُوَ الْوسط إِنَّمَا هُوَ الْفَرد، فَنَقُول: الِاثْنَان: إِمَّا زوج أَو فَرد؛ لكنه زوج؛ فَلَيْسَ بفرد.

الخطأ في البرهان

(الْخَطَأ فِي الْبُرْهَان) وَالْخَطَأ فِي الْبُرْهَان؛ لمادته، وَصورته: فَالْأول: يكون فِي ... ... ... ... هَامِش الشَّرْح: " وَالْخَطَأ فِي الْبُرْهَان؛ لمادته، وَصورته:

اللَّفْظ: للاشتراك، أَو فِي حرف الْعَطف؛ مثل: الْخَمْسَة زوج وفرد؛ وَنَحْوه: حُلْو حامض، وَعَكسه: طَبِيب ماهر؛ ولاستعمال المتباينة كالمترادفة؛ كالسيف والصارم؛ وَيكون فِي الْمَعْنى؛ لالتباسها بالصادقة؛ كَالْحكمِ على الْجِنْس بِحكم النَّوْع؛ وَجَمِيع مَا ذكر فِي النقيضين؛ وكجعل غير الْقطعِي كالقطعي؛ وكجعل العرضي كالذاتي؛ وكجعل النتيجة هَامِش فَالْأول: يكون فِي اللَّفْظ؛ للاشتراك "؛ بِحَسب الذَّات؛ كَالْعَيْنِ، أَو التصريف؛ ك (الْمُخْتَار) الْمُشْتَرك بَين اسْم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول. " أَو فِي حُرُوف الْعَطف؛ نَحْو: الْخَمْسَة زوج وفرد "؛ فَإِذا أُرِيد ب (الْوَاو) الْجمع فِي الصِّفَات، كَانَ كَاذِبًا، وَفِي الذوات، كَانَ صَادِقا، " وَنَحْو: حُلْو حامض "؛ فَإِنَّهُ صَادِق مركبا على المر، وكاذب مُفردا عَلَيْهِ. " وَعَكسه ": إِذا قيل: زيد " طَبِيب ماهر "، وَكَانَت مهارته إِنَّمَا هِيَ فِي غير الطِّبّ، فَإِنَّهُ كَاذِب؛ لإيهامه المهارة فِي الطِّبّ. وَإِذا قيل: (طَبِيب) ؛ بِانْفِرَادِهِ - و (ماهر) ؛ بِانْفِرَادِهِ، وَأُرِيد فِيمَا هُوَ ماهر فِيهِ - كَانَ صَادِقا. وَاعْلَم: أَن خطأ الِاشْتِرَاك وَاقع فِي اللَّفْظ الْمركب، وَخطأ: الْخَمْسَة زوج وفرد؛ فِي نفس التَّرْكِيب، وَيُسمى اشْتِرَاك التَّأْلِيف. وَقَوْلنَا: حُلْو حامض؛ فِي تَفْصِيل الْمركب، و: طَبِيب ماهر؛ فِي تركيب الْمفصل، وَيُسمى اشْتِرَاك الْقِسْمَة. " ولاستعمال " الْأَلْفَاظ " المتباينة " الدَّال أَحدهَا على الذَّات، وَالْآخر على الصّفة؛ " كالمترادفة؛ ك (السَّيْف) ، و (الصارم) "؛ فيغفل الذِّهْن عَمَّا بِهِ الِافْتِرَاق، فَيجْرِي اللَّفْظَيْنِ مجْرى وَاحِدًا؛ فيظن الْوسط متحدا.

مُقَدّمَة بتغيير مَا، وَيُسمى المصادرة؛ وَمِنْه المتضايفة، وكل قِيَاس دوري، وَالثَّانِي أَن يخرج عَن الأشكال. هَامِش " وَيكون " الْخَطَأ " فِي الْمَعْنى "؛ وَذَلِكَ بألا تكون المقدمتان أَو إِحْدَاهمَا صَادِقَة، وَإِنَّمَا تسْتَعْمل مَعَ كَونهَا كَاذِبَة؛ " لالتباسها بالصادقة؛ كَالْحكمِ على الْجِنْس بِحكم النَّوْع "؛ نَحْو: هَذَا لون، واللون سَواد؛ فَهَذَا سَواد، يحكم على اللَّوْن الَّذِي هُوَ جنس؛ بِحكم النَّوْع، وَهُوَ السوَاد، وَمِنْه الحكم على الْمُطلق؛ بِحكم الْمُقَيد بِحَال، أَو وَقت؛ مثل: هَذِه رَقَبَة، والرقبة مُؤمنَة، وَفِي الْأَعْشَى: هَذَا مبصر، والمبصر مبصر بِاللَّيْلِ. " وَجَمِيع مَا ذكر فِي النقيضين "؛ من أَخذ مَا بِالْقُوَّةِ مَكَان مَا بِالْفِعْلِ؛ والجزء وَالْكل، وَالزَّمَان، [وَالْمَكَان] وَالشّرط؛ " وكجعل غير الْقطعِي " من الْمُقدمَات " كالقطعي، وكجعل العرضي كالذاتي "؛ كمن رأى إنْسَانا أَبيض يكْتب فَظن كل كَاتب أَبيض؛ لكَونه أَخذ الْبيَاض ذاتيا للْإنْسَان؛ " وكجعل النتيجة مُقَدّمَة " من مقدمتي الْبُرْهَان " بتغيير مَا " مثل: هَذِه نَقله، وكل نقلة حَرَكَة؛ فَإِن الْكُبْرَى عين النتيجة، وَلَكِن بتغيير اللَّفْظ، " وَيُسمى " هَذَا الْقسم " المصادرة " على الْمَطْلُوب. " وَمِنْه " - أَي: وَمن هَذَا الْقسم - " المتضايفة "، وَهُوَ جعل إِحْدَى المقدمتين أحد المتضايفين؛ نَحْو: زيد ابْن؛ لِأَنَّهُ ذُو أَب، وكل ذِي أَب ابْن. وَإِنَّمَا كَانَ من هَذَا الْقسم؛ لتوقف صدق الصُّغْرَى على صدق النتيجة، " وكل قِيَاس دوري "؛ فَإِنَّهُ من هَذَا الْقَبِيل أَيْضا. والدوري: مَا يتَوَقَّف ثُبُوت إِحْدَى مقدمتيه على ثُبُوت النتيجة بمرتبة أَو مَرَاتِب؛ ومثاله:

صفحة فارغة هَامِش قَوْلنَا: كل إِنْسَان نَاطِق، وكل نَاطِق ضَاحِك؛ ينْتج: كل إِنْسَان ضَاحِك؛ ثمَّ نستدل على قَوْلنَا: كل إِنْسَان نَاطِق؛ بقولنَا: كل إِنْسَان ضَاحِك، وكل ضَاحِك نَاطِق. " وَالثَّانِي "؛ وَهُوَ الْخَطَأ الصُّورِي: " أَن يخرج عَن الأشكال " الْأَرْبَعَة؛ وَذَلِكَ لاخْتِلَاف شَرط من الشَّرَائِط؛ كَمَا علمت. وَرُبمَا وَقع فِي كَلَام الْفُقَهَاء مَا صورته ظَاهرا خَارِجَة، وَيظْهر لَك عِنْد التَّأَمُّل عدم خُرُوجهَا؛ فاحترز إِذا رَأَيْت أَمْثَال ذَلِك من الْإِقْدَام على التخطئة. وَذَلِكَ مثلا كَقَوْل الرَّافِعِيّ: ذهب الْقفال إِلَى أَنه يحرم عَلَيْهَا - يَعْنِي: الْمُعْتَدَّة عَن الْوَفَاة - لبس الإبريسم، وَإِن كَانَ المنسوج مِنْهُ على لَونه الْأَصْلِيّ، وَقَالَ: إِن لبسه تَزْيِين، وَهِي مَمْنُوعَة من التزيين. فقد نقُول: هَذَا خَارج عَن الأول وَالثَّالِث وَالرَّابِع؛ لِأَن الْحَد الْأَوْسَط فِيهِ التزيين، وَهُوَ مَحْمُول فِيهَا، وَلَيْسَ كَذَلِك فِي هَذِه الأشكال، وخارج عَن الثَّانِي؛ لِأَن شَرطه اخْتِلَاف مقدمتيه فِي الْإِيجَاب وَالسَّلب، وَهَاتَانِ موجبتان. وَيظْهر لَك عِنْد التَّأَمُّل أَنه من الضَّرْب الأول من الشكل الأول؛ فَإِن الْمَعْنى: هَذَا تَزْيِين، وكل تَزْيِين حرَام، فَهُوَ حرَام، وَترك فِيهِ ذكر الْكُبْرَى؛ للْعلم بهَا؛ كَقَوْلِك: هَذَا يطوف بِاللَّيْلِ؛ فَهُوَ سَارِق؛ تَقْدِيره: وكل طائف بِاللَّيْلِ سَارِق؛ فَهَذَا سَارِق.

صفحة فارغة هَامِش وكقول الرَّافِعِيّ أَيْضا فِي الظِّهَار: أصح الْوَجْهَيْنِ أَن نفس الرّجْعَة عود؛ لِأَن الْعود هُوَ الْإِمْسَاك، وَالرَّجْعَة إمْسَاك.

صفحة فارغة هَامِش قد يُقَال: الْحَد الْأَوْسَط هُوَ الْإِمْسَاك، وَقد جَاءَ مَحْمُولا فيهمَا، وهما موجبتان. وَجَوَابه كَمَا عرفت؛ أَن الْمَعْنى. الرّجْعَة إمْسَاك، والإمساك عود؛ فالرجعة عود. وَكَذَلِكَ قَول الرَّافِعِيّ أَيْضا: لَو تصدق على ابْنه، فَوَجْهَانِ: أصَحهمَا: أَن لَهُ الرُّجُوع أَيْضا؛ لِأَن الْخَبَر يَقْتَضِي ثُبُوت الرُّجُوع فِي الْهِبَة، وَالصَّدَََقَة

مبادئ اللغة

(مبادئ اللُّغَة) وَمن لطف الله تَعَالَى إِحْدَاث الموضوعات اللُّغَوِيَّة، فلنتكلم على حَدهَا، وأقسامها، وَابْتِدَاء وَضعهَا، وَطَرِيق مَعْرفَتهَا. (تَعْرِيف الْحَد) الْحَد: كل لفظ وضع لِمَعْنى. هَامِش ضرب من الْهِبَة؛ مَعْنَاهُ: الصَّدَقَة هبة، وكل هبة يثبت فِيهَا الرُّجُوع؛ ينْتج: الصَّدَقَة يثبت فِيهَا الرُّجُوع، وَالله الْمُوفق. الشَّرْح: " وَمن لطف الله تَعَالَى إِحْدَاث الموضوعات اللُّغَوِيَّة "؛ ليعبر كل [أحد] عَمَّا فِي ضَمِيره عِنْد الِاحْتِيَاج إِلَى ذَلِك، وَلَا كافل لهَذَا الْغَرَض كالألفاظ؛ لِأَنَّهَا أَعم من الْإِشَارَة، والحركات والرسوم، [وأخف] ، وَكَانَ من لطف الله إحداثها، وَالله تَعَالَى هُوَ الْمُحدث لَهَا، سَوَاء أقلنا: الْوَاضِع هُوَ [الله تَعَالَى أم] الْعباد؛ إِذْ أَفعَال [الْعباد مخلوقة لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. " فلنتكلم " فِيهَا " على حَدهَا "؛ فَإِن طَالب الْمَاهِيّة إِنَّمَا يتَوَصَّل إِلَيْهَا بتعريفها، " وأقسامها "؛ إِذْ الْإِحَاطَة بالأقسام بعد معرفَة الْحَد متعينة. " وَابْتِدَاء وَضعهَا "، هَل هُوَ توقيفي أَو غَيره، " وَطَرِيق مَعْرفَتهَا "، هَل هُوَ ضَرُورِيّ أَو نَظَرِي. الشَّرْح: أما " الْحَد " فَهُوَ: " كل لفظ وضع لِمَعْنى "؛ ف (اللَّفْظ) : جنس يتَنَاوَل المهمل

صفحة فارغة هَامِش والمستعمل، و (الْوَضع) : فصل يخرج المهمل، والدلالتين الْعَقْلِيَّة، والطبيعية؛ كدلالة الصَّوْت على المصوت، وأح على وجع الصَّدْر. وَقَوله: كل لفظ - علم أَن (الْكل) لَا يذكر فِي الْحَد؛ لِأَن الْحَد للماهية، وَلَا يدْخل فِيهَا عُمُوم، وَصدقه على كل فَرد لَا بِصِيغَة الْعُمُوم؛ فإمَّا أَن يكون ذكر ذَلِك للإشعار؛ بِأَنَّهُ لَا يخْتَص بِقوم دون قوم؛ أَو بِأَنَّهُ لَا يعْنى بِهِ جَمِيع مَا يتَكَلَّم بِهِ قوم؛ كَمَا يتَبَادَر حِين يُقَال: فلَان يعرف لُغَة الْعَرَب، بل يُقَال لكل لَفْظَة: هَذِه لُغَة بني فلَان مثلا.

أقسام اللغة

(أَقسَام اللُّغَة) أقسامها: مُفْرد، ومركب: الْمُفْرد: اللَّفْظ بِكَلِمَة وَاحِدَة، وَقيل: مَا وضع لِمَعْنى وَلَا جُزْء لَهُ يدل فِيهِ، والمركب بِخِلَافِهِ فيهمَا، فنحو: (بعلبك) مركب على الأول لَا الثَّانِي، وَنَحْو: (يضْرب) بِالْعَكْسِ، ويلزمهم أَن نَحْو: (ضَارب) ، و (مخرج) ؛ مِمَّا لَا ينْحَصر - مركب. هَامِش الشَّرْح: وَأما " أقسامها ": فَهِيَ " مُفْرد، ومركب: الْمُفْرد: اللَّفْظ "، أَي: الملفوظ " بِكَلِمَة وَاحِدَة. وَقيل: مَا وضع لِمَعْنى، وَلَا جُزْء لَهُ يدل فِيهِ "، أَي: فِي اللَّفْظ، فَمَا وضع لِمَعْنى - جنس، وَالْبَاقِي فصل؛ يخرج الْمركب. " والمركب بِخِلَافِهِ فيهمَا "، أَي: بِخِلَاف الْمُفْرد فِي تَعْرِيفه؛ فَهُوَ على الأول: الملفوظ بِأَكْثَرَ من كلمة؛ وعَلى الثَّانِي: مَا وضع لِمَعْنى، وَله جُزْء يدل فِيهِ، " فنحو: (بعلبك) مركب على " التَّعْرِيف " الأول "؛ إِذا هُوَ أَكثر من كلمة - " لَا الثَّانِي "؛ لِأَنَّهُ لَا جُزْء لَهُ يدل فِيهِ، وَإِن دلّ مُفردا، أَو فِي وضع آخر، " وَنَحْو: (يضْرب) بِالْعَكْسِ " من حكم (بعلبك) ؛ مُفْرد بالتعريف الأول؛ لِأَنَّهَا كلمة وَاحِدَة - دون الثَّانِي؛ لاشْتِمَاله على حرف المضارعة الدَّال فِيهِ على الْمُتَكَلّم، وَنَحْوه. " ويلزمهم "، أَي: الْقَائِلين بالتعريف الثَّانِي؛ وهم المنطقيون - " أَن نَحْو: (ضَارب) " من أَسمَاء الفاعلين، " ومخرج " وَغير ذَلِك؛ " مِمَّا لَا ينْحَصر - مركب "؛ لِأَن الْألف من (ضَارب) مثلا جُزْء مِنْهُ، وتدل فِيهِ.

تقسيم المفرد

(تَقْسِيم الْمُفْرد) وينقسم الْمُفْرد إِلَى اسْم، وَفعل، وحرف. (دلَالَة الْمُفْرد) ودلالته اللفظية فِي كَمَال مَعْنَاهَا: دلَالَة مُطَابقَة، وَفِي جزئه دلَالَة ... ... ... ... هَامِش الشَّرْح: " وينقسم الْمُفْرد إِلَى اسْم، وَفعل، وحرف "؛ لِأَنَّهَا إِمَّا أَلا يدل على معنى فِي نَفسه، فالحرف. أَو يدل؛ فإمَّا أَن يقْتَرن بِأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة الَّتِي هِيَ الْمَاضِي، وَالْحَال، والاستقبال - فالفعل، أَو لَا؛ فالاسم. الشَّرْح: " ودلالته "، أَي: الْمُفْرد، " اللفظية ": وَالدّلَالَة: هِيَ كَون اللَّفْظ بِحَيْثُ إِذا أطلق، أَو تخيل، فهم مِنْهُ الْمَعْنى من كَانَ عَالما بِالْوَضْعِ. إِن كَانَت (فِي) - و (فِي) هُنَا بِمَعْنى (على) - " كَمَال مَعْنَاهَا: دلَالَة مُطَابقَة "؛ كالبيت على مَجْمُوع السّقف، والأس، والجدران، وَلَفْظَة (كَمَال) هُنَا مُسْتَغْنى عَنْهَا؛ وَكَذَلِكَ لَفْظَة (تَمام) ، فِي " منهاج الْبَيْضَاوِيّ "؛ ونظيرها قَول النَّوَوِيّ فِي " الْمِنْهَاج " فِي " بَاب مسح ... ... ...

تضمن، وَغير اللفظية: الْتِزَام، وَقيل: إِذا كَانَ ذهنيا. هَامِش الْخُف ": وَشَرطه أَن يلبس بعد كَمَال طهر؛ وَكَذَا فِي " التَّنْبِيه ": طَهَارَة كَامِلَة، وَفِي الْوَجِيز " و " الْمُحَرر "؛ تَامَّة. قَالَ الرَّافِعِيّ فِي " الشَّرْح ": لَا حَاجَة إِلَى هَذَا الْقَيْد. " وَفِي جزئه "، أَي: جُزْء الْمَعْنى " دلَالَة تضمن "؛ كالبيت على الجدران وَحدهَا مثلا. " وَغير اللفظية: الْتِزَام "؛ كالبيت على بانيه، وَالْمرَاد: أَن الدّلَالَة فِي الِالْتِزَام لَا مدْخل للفظ فِيهَا إِلَّا بانتقال الذِّهْن مِنْهُ إِلَى الْمَعْنى. فَإِن قلت: فَترد الدلالتان: الْعَقْلِيَّة، والطبيعية؛ إِذْ لَا مدْخل للفظ فِيهَا. قلت: الدلالتان لَا مدْخل للفظ فيهمَا أَلْبَتَّة، وَأما دلَالَة الِالْتِزَام، فاللفظ فِيهَا طَرِيق إِلَى تعقل الْمَعْنى الْخَارِجِي؛ فَلهُ فِيهَا مدْخل على الْجُمْلَة. وَالضَّمِير فِي قَول المُصَنّف (مَعْنَاهَا) عَائِد على الدّلَالَة اللفظية، وَفِيه تعسف؛ فَإِن الْمَعْنى يُضَاف إِلَى اللَّفْظ، لَا إِلَى الدّلَالَة، وَإِنَّمَا أَرَادَ التَّنْبِيه بذلك على أَن الْمَعْنى لَا ينْسب إِلَى اللَّفْظ إِلَّا باعتبارهما. وَلَو قَالَ: (بمعناها) ، لَكَانَ أوضح، وَلم يحوج إِلَى هَذَا التَّحَمُّل.

تقسيم المركب

(تَقْسِيم الْمركب) والمركب جملَة، وَغير جملَة: فالجملة: مَا وضع لإِفَادَة نِسْبَة، وَلَا يَتَأَتَّى إِلَّا فِي اسْمَيْنِ، أَو فِي فعل وَاسم، وَلَا يرد: (حَيَوَان نَاطِق) ، و (كَاتب) ؛ فِي: (زيد كَاتب) ؛ لِأَنَّهَا لم تُوضَع لإِفَادَة نِسْبَة، وَغير الْجُمْلَة بِخِلَافِهِ، وَيُسمى مُفردا أَيْضا. هَامِش " وَقيل ": إِنَّمَا تحصل الدّلَالَة الالتزامية، " إِذا كَانَ " الْمَدْلُول عَلَيْهِ بهَا لَازِما " ذهنيا " للمسمى، وَإِلَّا فَلَا فهم. وَهَذِه الْعبارَة تفهم أَن الدّلَالَة قد تتَحَقَّق، وَإِن لم يكن اللُّزُوم ذهنيا، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ لِأَن الْغَرَض أَن اللَّفْظ غير مَوْضُوع للمعنى، فَلَو لم يكن بَينه وَبَين الْمَعْنى الْخَارِجِي لُزُوم ذهني يُوجب انْتِقَال الذِّهْن إِلَيْهِ، [لم] يدل اللَّفْظ عَلَيْهِ. الشَّرْح: " والمركب " ضَرْبَان: " جملَة، وَغير جملَة: وَالْجُمْلَة: مَا وضع لإِفَادَة نِسْبَة " يَصح السُّكُوت عَلَيْهَا. " وَلَا تتأتى إِلَّا فِي اسْمَيْنِ "؛ نَحْو: زيد قَائِم، " أَو فِي فعل " - مَحْكُوم بِهِ - " وَاسم " - مَحْكُوم عَلَيْهِ -؛ نَحْو: قَامَ زيد؛ لِأَن الْإِسْنَاد شَرط فِي الْجُمْلَة، وَهُوَ مُتَوَقف على الْمسند والمسند إِلَيْهِ، والحرف لَا يصلح لأَحَدهمَا. " وَلَا يرد " على الْحَد - الْمركب التقييدي؛ مثل: " حَيَوَان نَاطِق "؛ من جِهَة أَنه وضع لإِفَادَة نِسْبَة النُّطْق إِلَى الْحَيَوَان، " فكاتب فِي: زيد كَاتب "؛ من جِهَة وَضعه - لإِفَادَة نِسْبَة الْكِتَابَة إِلَى زيد، وَإِن ظن صدق اسْم الْجُمْلَة على كل وَاحِد مِنْهُمَا؛ وَذَلِكَ " لِأَنَّهَا لم تُوضَع لإِفَادَة نِسْبَة "؛ إِذْ المُرَاد بِالنِّسْبَةِ نِسْبَة يَصح السُّكُوت عَلَيْهَا؛ وَمَا ذكر لَيْسَ كَذَلِك. " وَغير الْجُمْلَة بِخِلَافِهِ "؛ وَهُوَ: مَا لم يوضع لإِفَادَة نِسْبَة؛ " وَيُسمى مُفردا أَيْضا "؛ فَإِذن الْمُفْرد يُطلق على هَذَا، وعَلى مَا مضى، وَهُوَ قسم من أَقسَام الْمركب؛ بِهَذَا الِاعْتِبَار، وقسيم لَهُ؛ بذلك الِاعْتِبَار.

تقسيم المفرد باعتبار وحدته ومدلوله

(تَقْسِيم الْمُفْرد بِاعْتِبَار وحدته ومدلوله) وللمفرد بِاعْتِبَار وحدته ووحدة مَدْلُوله وتعددهما: أَرْبَعَة أَقسَام: فَالْأول: إِن اشْترك فِي مَفْهُومه كَثِيرُونَ، فَهُوَ الْكُلِّي، فَإِن تفَاوت؛ كالوجود للخالق والمخلوق، فمشكك، وَإِلَّا فمتواطئ، وَإِن لم يشْتَرك فجزئي، وَيُقَال للنوع أَيْضا: هَامِش الشَّرْح: " وللمفرد بِاعْتِبَار وحدته ووحدة مَدْلُوله، وتعددهما: أَرْبَعَة أَقسَام "؛ لِأَن لَفظه: إِمَّا وَاحِد، أَو مُتَعَدد؛ وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ، فَمَعْنَاه: إِمَّا وَاحِد، أَو مُتَعَدد؛ فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَقسَام: " فَالْأول ": وَهُوَ مُتحد اللَّفْظ، وَالْمعْنَى، " إِن اشْترك فِي مَفْهُومه كَثِيرُونَ "؛ لكَونه غير مَانع من وُقُوع الشّركَة فِيهِ، " فَهُوَ الْكُلِّي "؛ كالحيوان، ولسنا نشترط فِيهِ الشّركَة بِالْفِعْلِ؛ أَلا ترى أَن لفظ (الشَّمْس) كلي، وَإِن لم تقع فِيهَا شركَة، " فَإِن تفَاوت " مَفْهُوم الْكُلِّي فِي أَفْرَاده؛ بِأَن كَانَ فِي أَحدهمَا أولى من الآخر، أَو أقدم؛ " كالوجود للخالق والمخلوق " - فَإِنَّهُ للخالق أولى وأقدم مِنْهُ للمخلوق، أَو كَانَ فِي أَحدهمَا أَشد من الآخر؛ كالبياض للثلج وللعاج؛ إِذْ هُوَ فِي الثَّلج أَشد " فمشكك. وَإِلَّا "، أَي: وَإِن لم يتَفَاوَت، " فمتواطئ "؛ كالإنسانية بِالنِّسْبَةِ إِلَى أفرادها. فَإِن قلت: مَا بِهِ الِاخْتِلَاف فِيمَا جعلتموه مشككا: إِمَّا أَلا يكون دَاخِلا فِي الْمُسَمّى؛ وَهُوَ

جزئي، والكلي ذاتي وعرضي، كَمَا تقدم. الثَّانِي؛ من الْأَرْبَعَة: مُقَابِله؛ متباينة. الثَّالِث: هَامِش المتواطئ، أَو دَاخِلا؛ فَهُوَ الْمُشْتَرك، فَأَيْنَ المشكك؟ قلت: لَا نسلم أَنه إِذا لم يكن دَاخِلا، يكون متواطئا؛ لِأَن المتواطئ هُوَ مَا لَا تخْتَلف محاله بِمَا هُوَ من جنس مُسَمَّاهُ؛ بِخِلَاف المشكك؛ فاشتركا فِي أَن كلا مِنْهُمَا مَوْضُوع لِمَعْنى وَاحِد بِالْحَقِيقَةِ، وافترقا فِي اخْتِلَاف الْمحَال، وفارقا الْمُشْتَرك؛ إِذْ هُوَ مَوْضُوع لكل وَاحِد من مختلفي الْحَقِيقَة. " وَإِن لم يشْتَرك " فِي مَفْهُومه كَثِيرُونَ، " فجزئي " حَقِيقِيّ؛ وَهُوَ مَا يكون نفس تصَوره مَانِعا من وُقُوع الشّركَة فِيهِ؛ كَالْعلمِ، " وَيُقَال للنوع أَيْضا جزئي " إضافي، أَي: بِالْإِضَافَة إِلَى جنسه؛ فَإِذن: لفظ الْجُزْء يُطلق على الْحَقِيقِيّ والإضافي. " والكلي ذاتي "؛ وَهُوَ: مَا يكون مُتَقَدما فِي التَّصَوُّر على مَا هُوَ ذاتي لَهُ، " وعرضي "؛ وَهُوَ: مَا لَا يكون كَذَلِك؛ " كَمَا تقدم " فِي الْمنطق. " الثَّانِي: [من] " الْأَقْسَام " الْأَرْبَعَة مُقَابِله "، أَي: مُقَابل الأول، وَهُوَ متكثر اللَّفْظ وَالْمعْنَى؛ كالإنسان وَالْفرس، وَيُقَال لَهَا " متباينة.

الخلاف في وقوع المشترك

إِن كَانَ حَقِيقَة للمتعدد، فمشترك، وَإِلَّا فحقيقة ومجاز. الرَّابِع: مترادفة. وَكلهَا مُشْتَقّ وَغير مُشْتَقّ، صفة وَغير صفة. (الْخلاف فِي وُقُوع الْمُشْتَرك) (مَسْأَلَة:) الْمُشْتَرك وَاقع؛ على الْأَصَح؛ ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش الثَّالِث ": مُتحد اللَّفْظ، متكثر الْمَعْنى؟ وَحِينَئِذٍ " إِن كَانَ حَقِيقَة للمتعدد "؛ كَالْعَيْنِ؛ للباصرة، وَالْجَارِيَة - " فمشترك، وَإِلَّا فحقيقة " فِي الْمَوْضُوع لَهُ أَولا، " ومجاز " فِي الآخر؛ ك " الْأسد " الْمَوْضُوع أَولا؛ للحيوان المفترس، وَثَانِيا؛ للشجاع. " الرَّابِع ": متكثر اللَّفْظ، مُتحد الْمَعْنى، وَيُقَال لَهُ: أَلْفَاظ " مترادفة "؛ ك " الْإِنْسَان، والبشر "؛ فَهَذِهِ الْأَقْسَام، " وَكلهَا مُشْتَقّ وَغير مُشْتَقّ، صفة وَغير صفة ". (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " الْمُشْتَرك وَاقع؛ على الْأَصَح "؛ خلافًا لمن أَحَالهُ. ك " ثَعْلَب "، وَأبي زيد [الْبَلْخِي، والأبهري] ، وَزَعَمُوا أَن مَا يظنّ مُشْتَركا، فَهُوَ إِمَّا حَقِيقَة ومجاز، أَو متواطئ.

لنا: أَن الْقُرْء للطهر. هَامِش " لنا " على وُقُوعه: " أَن الْقُرْء للطهر " بِخُصُوصِهِ، ... ... ... ... ... ... ... ...

وَالْحيض مَعًا على الْبَدَل؛ من غير تَرْجِيح. هَامِش " وَالْحيض " بِخُصُوصِهِ " مَعًا على الْبَدَل؛ من غير تَرْجِيح " لأَحَدهمَا على الآخر؛ فَكَانَ حَقِيقَة فيهمَا؛ فَيكون مُشْتَركا.

وَاسْتدلَّ: لَو لم يكن، لخلت أَكثر المسميات؛ لِأَنَّهَا غير متناهية؛ وَأجِيب بِمَنْع ذَلِك فِي الْمُخْتَلفَة والمتضادة، وَلَا يُفِيد فِي غَيرهَا، وَلَو سلم، فالمتعقل متناه، وَإِن سلم، فَلَا نسلم أَن الْمركب من المتناهي متناه؛ وَاسْتدلَّ بأسماء الْعدَد، وَإِن سلم، منعت الثَّانِيَة، وَيكون كأنواع الروائح. هَامِش الشَّرْح: " وَاسْتدلَّ " على الْوُقُوع؛ بِدَلِيل، وَالْمُصَنّف لَا يرتضيه، فَلذَلِك عبر عَنهُ بِلَفْظ: (اسْتدلَّ) ، وَذَلِكَ ديدنه إِلَّا نَادرا. وَتَقْرِيره: " لَو لم يكن " الْمُشْتَرك وَاقعا، " لخلت أَكثر المسميات " عَن أَسمَاء؛ " لِأَنَّهَا غير متناهية "؛ وَالْحَاجة ماسة إِلَى مَعْرفَتهَا، وَالتَّعْبِير عَنْهَا، والألفاظ متناهية؛ لِأَنَّهَا مركبة من الْحُرُوف المتناهية، والمركب من المتناهي متناه، فَلَو لم يُوجد وضع لفظ وَاحِد لمعان كَثِيرَة؛ لزم خلو مَا زَاد على عدد الْأَلْفَاظ من الْمعَانِي عَن الْأَسْمَاء. " وَأجِيب بِمَنْع ذَلِك "، أَي: بِمَنْع عدم التناهي " [فِي " الْمعَانِي " الْمُخْتَلفَة والمتضادة، وَلَا يُفِيد " عدم التناهي] " فِي غَيرهَا "، وَهِي المتماثلة هُنَا، فجزئيات الْحَيَوَان لَا تَنْحَصِر مَعَ أَن لَفظه مَوْضُوع لَهَا. " [وَلَو سلم " عدم تناهي الْمعَانِي، فَيمْنَع كَونهَا متعقلة؛ إِذْ الذِّهْن لَا يستحضر مَا لَا يتناهي] ؛ " فالمتعقل " مِنْهَا وَحده " متناه "، والوضع إِنَّمَا يكون للمتعقل، " وَإِن سلم " أَن التعقل غير متناه، " فَلَا نسلم " تناهي الْأَلْفَاظ، إِذْ يمْنَع " أَن الْمركب من المتناهي متناه. وَاسْتدلَّ بأسماء الْعدَد "؛ فَإِنَّهَا غير متناهية، مَعَ تركيبها من الْحُرُوف المتناهية. " وَإِن سلم " أَن الْأَلْفَاظ متناهية، " منعت " الْمُقدمَة " الثَّانِيَة "، وَهِي الاستثنائية، أَي: قَوْلنَا:

وَاسْتدلَّ: لَو لم يكن، لَكَانَ الْمَوْجُود فِي (الْقَدِيم) و (الْحَادِث) متواطئا؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَة فيهمَا، وَأما الثَّانِيَة؛ فَلِأَن الْمَوْجُود إِن كَانَ الذَّات، فَلَا اشْتِرَاك، وَإِن كَانَ الصّفة، فَهِيَ وَاجِبَة فِي الْقَدِيم؛ فَلَا اشْتِرَاك؛ وَأجِيب بِأَن الْوُجُوب والإمكان لَا يمْنَع التواطؤ؛ كالعالم والمتكلم؛ قَالُوا: لَو وضعت، لاختل الْمَقْصُود من الْوَضع؛ قُلْنَا: يعرف هَامِش لخلت أَكثر المسميات، " وَيكون كأنواع الروائح "؛ فِي كَونهَا لم تُوضَع لَهَا أَسمَاء، فَلم يسْتَحل خلو بعض الْمعَانِي عَن الْأَسْمَاء. الشَّرْح: " وَاسْتدلَّ " أَيْضا على وُقُوع الْمُشْتَرك؛ بِأَنَّهُ " لَو لم يكن " وَاقعا، " لَكَانَ الْمَوْجُود فِي الْقَدِيم والحادث متواطئا "؛ وَاللَّازِم بَاطِل، والملازمة وَاضِحَة؛ " لِأَنَّهُ حَقِيقَة فيهمَا "، فَلَو لم يكن بِاعْتِبَار وَضعه لخصوصهما، لَكَانَ [بالتواطئ، أَي] : بِاعْتِبَار وَضعه لأمر عَام - مُشْتَرك بَينهمَا عِنْد من يَجْعَل صدق التواطؤ فِي أَفْرَاده بِالْحَقِيقَةِ، " وَأما الثَّانِيَة "، أَي: الْمُقدمَة الاستثنائية؛ " فَلِأَن " الَّذِي يُسمى " الْمَوْجُود، إِن كَانَ الذَّات "؛ كَمَا يَقُول الْأَشْعَرِيّ، " فَلَا اشْتِرَاك "؛ لمُخَالفَة ذَات وَاجِب الْوُجُود سَائِر الذوات، " وَإِن كَانَ صفة " زَائِدَة على الذَّات، " فَهِيَ وَاجِبَة فِي الْقَدِيم "، مُمكنَة فِي الْحَادِث؛ وَحِينَئِذٍ؛ " فَلَا اشْتِرَاك "، فَأَيْنَ المتواطؤ. " وَأجِيب بِأَن الْوُجُوب والإمكان لَا يمْنَع " وَاحِد مِنْهُمَا " التواطؤ "؛ لكَونه من الصِّفَات الْعَارِضَة للمعنى الْمُشْتَرك؛ " كالعالم والمتكلم "؛ فَإِنَّهُمَا فِي الْقَدِيم واجبان، وَفِي الْحَادِث ممكنان، مَعَ اشتراكهما فِي الْمَعْنى. فَإِن قلت: إِطْلَاق الْعَالم والمتكلم على الْقَدِيم والحادث لَيْسَ بالتواطؤ، [بل] بالتشكيك؛ إِذْ هُوَ من الْقَدِيم أولى وَأَحْرَى. قلت: كَأَنَّهُ توسع هُنَا، فَجعل المتواطئ أَعم؛ إِذْ غَرَضه هُنَا دفع الِاشْتِرَاك اللَّفْظِيّ، وَهُوَ حَاصِل بِكُل من التواطؤ والتشكيك.

بالقرائن، وَإِن سلم، فالتعريف الإجمالي مَقْصُود؛ كالأجناس. هَامِش والمانعون من وُقُوع الْأَلْفَاظ الْمُشْتَركَة " قَالُوا: لَو وضعت، لاختل الْمَقْصُود من الْوَضع "؛ وَاللَّازِم بَاطِل، وَبَيَان الْمُلَازمَة: أَن الْفَهم لَا يحصل مَعَ الِاشْتِرَاك من حَيْثُ هُوَ مُشْتَرك. " قُلْنَا: يعرف " مُرَاد الْمُتَكَلّم " بالقرائن ". فَإِن قلت: فَإِذن يحْتَاج إِلَى انضمام قرينَة، والقرائن [فِي] الْغَالِب خُفْيَة، ثمَّ هَب أَنَّهَا وَاضِحَة، فَمَا الدَّاعِي إِلَى لفظ يحْتَاج فهم المُرَاد مِنْهُ إِلَى قَرَائِن. فَاعْلَم أَن هَذَا لَا يدْفع الْوُقُوع. " وَإِن سلم "؛ أَنه لَا يحصل بالمشترك فهم المُرَاد بالتفصيل - " فالتعريف الإجمالي مَقْصُود؛ كالأجناس "؛ فَهِيَ تفِيد الْمَاهِيّة من غير تَفْصِيل لما تحتهَا. وَلقَائِل أَن يَقُول: الْأَجْنَاس تفِيد قدرا مُشْتَركا بَين مَا تحتهَا أجمع، فَأمكن الِامْتِثَال فَهِيَ أولى من الْمُشْتَرك؛ إِذْ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ هَذَا، وَلِهَذَا لم يمْنَع أحد الْوَضع للأجناس، فَلَو حذف المُصَنّف الاستشهاد لهَذَا، لَكَانَ أحسن. والتعريف الإجمالي حَاصِل بالمشترك، وَإِن لم يكن كالأجناس؛ فَإِن سامع الْمُشْتَرك يعرف أَن المُرَاد بِهِ بعض مدلولاته، فيستفيد ذَلِك، ثمَّ يستعد للامتثال.

مسألة

(مَسْأَلَة:) وَوَقع فِي الْقُرْآن؛ على الْأَصَح؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {ثَلَاثَة قُرُوء} ، و {عسعس} ل (أقبل) ، و (أدبر) . قَالُوا: إِن وَقع مُبينًا، طَال بِغَيْر فَائِدَة، وَغير مُبين - غير مُفِيد، وَأجِيب: فَائِدَته مثلهَا فِي الْأَجْنَاس، وَفِي الْأَحْكَام الاستعداد للامتثال، إِذا بَين. هَامِش وَهَذَا عِنْد من لَا يحمل الْمُشْتَرك على مَعَانِيه، وَأما من يحملهُ، فَلَا يخفى حُصُول الْفَائِدَة بالمشترك عِنْده. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " وَوَقع " الْمُشْتَرك " فِي الْقُرْآن؛ على الْأَصَح؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: {ثَلَاثَة قُرُوء} [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 228] ؛ فَإِن لفظ الْقُرْء بالاشتراك اللَّفْظِيّ للطهر وَالْحيض، " و {عسعس} "؛ فِي قَوْله: {وَاللَّيْل، إِذا عسعس} ، [سُورَة التكوير: الْآيَة، 17] ؛ فَإِنَّهَا لَفْظَة مَوْضُوعَة " ل (أقبل) ، و (أدبر) "، وَالْقُرْآن لَا يَتَأَتَّى الاستشهاد بِهِ إِلَّا على الْأَصَح. أما على مَا ذهب إِلَيْهِ بَعضهم - وَهُوَ وَجه فِي مَذْهَبنَا - من أَنه حَقِيقَة فِي الطُّهْر، مجَاز فِي الْحيض - فَلَا يَتَأَتَّى. وَإِنَّمَا أَتَى المُصَنّف بِهَذَيْنِ المثالين؛ لِأَن الأول من الْأَسْمَاء، وَالثَّانِي من الْأَفْعَال، وَأَحَدهمَا مُفْرد، وَالْآخر جمع؛ ليفهم بذلك أَن الْقُرْآن مشحون بالمشترك على اخْتِلَاف أَنْوَاعه. الشَّرْح: " قَالُوا: إِن وَقع " الْمُشْتَرك " مُبينًا " فِيهِ مُرَاد الْمُتَكَلّم - " طَال " الْكَلَام " بِغَيْر فَائِدَة، وَغير مُبين غير مُفِيد " - فيقبح الْخطاب بِهِ. " وَأجِيب ": بِأَنا نَخْتَار وُقُوعه غير مُبين. [قَوْلكُم] : غير مُفِيد: قُلْنَا: مَمْنُوع؛ و " فَائِدَته " إجمالية " مثلهَا فِي الْأَجْنَاس "؛ فَإِن الْفَائِدَة فِي الْأَجْنَاس أَيْضا إجمالية، " و " هَذِه الْفَائِدَة الإجمالية حَاصِلَة فِي الْمُشْتَرك، سَوَاء أورد " فِي الْأَحْكَام " أم غَيرهَا؛

المترادف

(المترادف) (مَسْأَلَة) المترادف وَاقع؛ على الْأَصَح؛ ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش على خلاف مَا فهم الشارحون، والإجمالية فِي الْأَحْكَام أَفَادَ بِهِ أصل التشريع. وَفَائِدَته فِي الْأَحْكَام، أَي: يخص الْأَحْكَام فَائِدَة أُخْرَى؛ وَهِي " الاستعداد للامتثال [إِذا بَين] " المُرَاد. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " المترادف وَاقع؛ على الْأَصَح ".

كأسد وَسبع؛ وجلوس وقعود. هَامِش خلافًا لأبي الْعَبَّاس ثَعْلَب، وَأبي الْحُسَيْن أَحْمد بن فَارس؛ حَيْثُ أنكرا المترادف؛ زاعمين أَن كل مَا يظنّ مترادفا، فَهُوَ من المتباينات بِالصِّفَاتِ؛ كَمَا فِي الْإِنْسَان والبشر؛ فَإِن الأول بِاعْتِبَار النسْيَان، أَو بِاعْتِبَار أَنه يؤنس؛ وَالثَّانِي بِاعْتِبَار أَنه بَادِي الْبشرَة. وسبيل الرَّد عَلَيْهِمَا صور لَا محيص عَنْهَا؛ " كأسد وَسبع "؛ فِي الْأَعْيَان؛ " وجلوس وقعود "؛ فِي الْمعَانِي. وأوضح من ذَلِك التَّمْثِيل بِالْبرِّ وَالْحِنْطَة؛ وَإِلَّا فقد يَقُولَانِ: مَوْضُوع السَّبع أَعم من الْأسد؛ وَعَلِيهِ حَدِيث: " نهي عَن أكل ذِي نَاب من السبَاع "، وَالْجُلُوس: الِاسْتِقْرَار عَن قيام، وَالْقعُود: الِاسْتِقْرَار عَن اضطجاع، وَقيل: عَكسه. وَذَلِكَ الرَّد عَلَيْهِمَا أَيْضا [بِمَا] فِي " سنَن أبي دَاوُد " ... ... ... ... ...

بالبطحاء فمرت سحابة فقال

صفحة فارغة هَامِش وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالبطحاء، فمرت سَحَابَة، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَتَدْرُونَ، مَا هَذَا؟ " فَقُلْنَا: السَّحَاب، قَالَ: " والمزن؟ "، قُلْنَا: والمزن، قَالَ: " والعنان؟ " ... الحَدِيث.

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

قَالُوا: لَو وَقع، لعري عَن الْفَائِدَة؛ قُلْنَا: فَائِدَته التَّوسعَة، وتيسير النّظم والنثر للروي أَو الْوَزْن، وتيسير التَّجْنِيس والمطابقة. هَامِش الشَّرْح: " ومنكرو الترادف " قَالُوا: لَو وَقع، لعري " اللَّفْظ " عَن الْفَائِدَة "؛ لحصولها بِاللَّفْظِ الآخر؛ " قُلْنَا: فَائِدَته: التَّوسعَة " فِي الْعبارَة، " وتيسير النّظم والنثر وللروي "، وَهُوَ الْحَرْف الَّذِي تبنى عَلَيْهِ القصيدة، سَوَاء أَكَانَ آخر حرف فِي الْبَيْت أم لَا، " أَو الْوَزْن "؛ بِسَبَب مُوَافقَة أحد اللَّفْظَيْنِ رويا، أَو استقامة للوزن دون [الآخر] ، " أَو تيسير التَّجْنِيس والمطابقة "؛ فَلَا يخفى أَن قَوْله تَعَالَى: {وَيَوْم تقوم السَّاعَة يقسم المجرمون مَا لَبِثُوا غير سَاعَة} [سُورَة الرّوم: الْآيَة، 55]- أبلغ من قَوْلنَا: مَا لَبِثُوا غير لَحْظَة، وَقَوله: {وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا} [سُورَة الْكَهْف: الْآيَة، 104]- أوقع من قَوْلنَا: وهم يتوهمون أَنهم يحسنون، وأقسام الجناس كَثِيرَة مَعْرُوفَة فِي البديع، وتيسير الْمُطَابقَة؛ وَهِي الْجمع بَين المتضادين، مَعَ مُرَاعَاة التقابل فِيهِ - نَحْو: {فليضحكوا قَلِيلا وليبكوا كثيرا} [سُورَة التَّوْبَة: الْآيَة، 82] .

قَالُوا: تَعْرِيف الْمُعَرّف؛ قُلْنَا: عَلامَة ثَانِيَة. هَامِش وَاضح، فقد تحصل الْمُطَابقَة بِأحد اللَّفْظَيْنِ دون الآخر؛ وَكَذَلِكَ الْوَزْن؛ كَقَوْل الشَّاعِر: [الطَّوِيل] (فَلَا الْجُود يفني المَال وَالْجد مقبل ... وَلَا الْبُخْل يبقي المَال وَالْجد مُدبر) وَإِنَّمَا يتَصَوَّر ذَلِك، إِذا كَانَ أَحدهمَا مَوْضُوعا بالاشتراك لِمَعْنى آخر يحصل بِاعْتِبَارِهِ التقابل، دون صَاحبه. قَالَ القَاضِي عضد الدّين: كَمَا قيل: خسنا خير من خسكم، وَقيل فِي مُقَابلَته: خسنا خير من خياركم، فَوَقع، التقابل بَين الخس وَالْخيَار؛ بِوَجْه، وَوَقع بَينهمَا المشاكلة؛ بِوَجْه آخر، وَلَو قَالَ: خير من قثائكم، لم يحصل التقابل. الشَّرْح: " قَالُوا ": الترادف: " تَعْرِيف الْمُعَرّف "؛ لِأَن اللَّفْظ الثَّانِي تَعْرِيف لما عرف الأول؛ وَذَلِكَ محَال. " قُلْنَا ": بل " عَلامَة ثَانِيَة "، وَيجوز أَن يكون للشَّيْء عَلَامَات؛ وَهَذَا على تَقْدِير أَن يكون الْوَضع من وَاحِد مُرَتبا، أما إِن كَانَ من واضعين أَو وَاحِد دفْعَة وَاحِدَة، فَلَا يتخيل تَعْرِيف الْمُعَرّف أصلا.

الحد والمحدود غير مترادفين

(الْحَد والمحدود غير مترادفين) (مَسْأَلَة:) الْحَد والمحدود، وَنَحْو: " عطشان نطشان "، غير مترادفين؛ على الْأَصَح؛ لِأَن الْحَد يدل على الْمُفْردَات، و " نطشان " لَا يفرد. (مَسْأَلَة:) يَقع كل من المترادفين مَكَان الآخر؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ، وَلَا حجر فِي ... ... ... ... هَامِش (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " الْحَد والمحدود، وَنَحْو: عطشان نطشان "، أَي: الِاسْم وَتَابعه: كخراب يباب - " غير مترادفين؛ على الْأَصَح "؛ خلافًا لمن توهم الترادف؛ لما رأى أَن كلا من الْحَد والمحدود يسْتَلْزم صدقه صدق الآخر، وَأَن معنى التَّابِع والمتبوع وَاحِد. ومذهبه فِي الْحَد ضَعِيف؛ " لِأَن الْحَد يدل؛ على الْمُفْردَات "، أَعنِي: أَجزَاء الْمَحْدُود؛ بالتفصيل، والمحدود يدل عَلَيْهَا؛ بالإجمال. وَأما فِي التَّابِع، فَفِي غَايَة السُّقُوط؛ إِذْ التَّابِع لَا يقوم مقَام الْمَتْبُوع؛ بِخِلَاف المترادفين، وَلَا يسْتَعْمل مُنْفَردا عَن الْمَتْبُوع؛ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: " ونطشان لَا يفرد ". وَأطلق الْبَيْضَاوِيّ فِي " منهاجه " أَن التَّابِع لَا يُفِيد. والآمدي قَالَ: قد لَا يُفِيد معنى أصلا؛ بِإِثْبَات (قد) . وَالْإِمَام قَالَ فِي " الْمَحْصُول ": شَرط كَونه مُفِيدا تقدم الأول عَلَيْهِ. قلت: ويفيد التقوية حِينَئِذٍ؛ هَذَا هُوَ الْحق. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " يَقع كل من المترادفين مَكَان الآخر " حَال التَّرْكِيب؛ خلافًا للْإِمَام الرَّازِيّ، وَمن تبعه؛ " لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ، وَلَا حجر فِي التَّرْكِيب " فِي الْأَلْفَاظ.

التَّرْكِيب؛ قَالُوا: لَو صَحَّ، لصَحَّ " خداي أكبر "؛ وَأجِيب بالتزامه؛ وبالفرق باختلاط اللغتين. هَامِش " قَالُوا: لَو صَحَّ " وُقُوعه، " لصَحَّ " أَن يُقَال: فِي الصَّلَاة: " خداي أكبر "؛ إِذْ لَا فرق فِي كَون اللَّفْظ مَوْضُوعا للمعنى؛ باصطلاح لُغَة، أَو لغتين. " وَأجِيب بالتزامه " أَولا، فَنَقُول: يَصح (خداي أكبر) ؛ " وبالفرق " ثَانِيًا بَين كَون المترادف من لُغَة، أَو لغتين؛ " باختلاط اللغتين "؛ وَهُوَ رَأْي ثَالِث فِي الْمَسْأَلَة مفصل ذهب إِلَيْهِ الْبَيْضَاوِيّ والهندي. وَالْحق فِي الْجَواب: أَن عدم صِحَة (خداي أكبر) ؛ إِنَّمَا هُوَ للتعبد فِي الصَّلَاة عِنْد أَصْحَابنَا بِلَفْظ (الله أكبر) ، وَالْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة؛ إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَا يَقع تعبد بسبيكة لفظ، فَإِن وَقع، فَلَيْسَ من هَذَا الْبَاب فِي شَيْء، وَذَلِكَ كَلَفْظِ التَّكْبِير، وَالنِّكَاح، وَاللّعان؛ للقادر على الْعَرَبيَّة، وأمثال ذَلِك.

الحقيقة والمجاز

(الْحَقِيقَة وَالْمجَاز) (مَسْأَلَة:) الْحَقِيقَة: اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي وضع أول؛ وَهِي: لغوية، وعرفية، وشرعية؛ كالأسد، وَالدَّابَّة، وَالصَّلَاة، وَالْمجَاز: الْمُسْتَعْمل فِي غير وضع أول؛ على وَجه يَصح، وَلَا بُد من العلاقة: وَقد تكون بالشكل؛ كالإنسان للصورة، أَو فِي صفة هَامِش (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " الْحَقِيقَة: اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِي وضع أول ". والأولية فِي [كل] لُغَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا؛ فَهِيَ اللُّغَوِيَّة، أَو الوضعية من أهل اللِّسَان، والشرعية من أهل الشَّرْع، والعرفية من أهل الْعرف، وَخرج بقولنَا: أول - الْمجَاز؛ فَإِنَّهُ فِيمَا وضع ثَانِيًا. " وَهِي: لغوية، وعرفية، وشرعية؛ كالأسد، وَالدَّابَّة، وَالصَّلَاة. وَالْمجَاز ": القَوْل " الْمُسْتَعْمل فِي غير وضع أول؛ على وَجه يَصح ". وَإِنَّمَا قُلْنَا: على وَجه يَصح؛ ليعلم اشْتِرَاط العلاقة فِيهِ. " وَلَا بُد " فِي التَّجَوُّز " من العلاقة " بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز؛ وَإِلَّا لتجوز عَن كل معنى

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

ظَاهِرَة؛ كالأسد على الشجاع؛ لَا على الأبخر؛ لخفائها؛ أَو لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا؛ كَالْعَبْدِ؛ أَو هَامِش بِكُل لفظ، ولكان اللَّفْظ مُشْتَركا بَينهمَا. " وَقد تكون " العلاقة " بالشكل؛ كالإنسان "؛ يُقَال " للصورة " الممثلة بالإنسان الْحَقِيقِيّ المنقوشة على الْجِدَار. " أَو " لاشْتِرَاكهمَا " فِي صفة ظَاهِرَة " بَينهمَا؛ " كالأسد على الشجاع "؛ لاشْتِرَاكهمَا فِي الشجَاعَة الظَّاهِرَة فِي الْأسد، " لَا " بِإِطْلَاق الْأسد " على " الرجل " الأبخر "؛ إِذْ لَا يجوز، وَإِن كَانَ البخر من صِفَات الْأسد؛ " لخفائها " فِيهِ. وَلَقَد صرح أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي مناظرة جرت بَينه، وَبَين إِمَام الْحَرَمَيْنِ؛ بِأَنَّهُ لَا يُقَال للبليد: بغل، وَإِن قيل لَهُ: حمَار؛ لمثل ذَلِك. " أَو لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا؛ كَالْعَبْدِ " يُطلق على الْمُعْتق؛ بِاعْتِبَار مَا كَانَ عَلَيْهِ؛ ومنهن قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " أَيّمَا رجل مَاتَ أَو أفلس فَصَاحب الْمَتَاع "، أطلق عَلَيْهِ صَاحب الْمَتَاع؛ بِاعْتِبَار مَا كَانَ.

لا نكاح إلا بولي أو للمجاورة مثل جرى الميزاب وإنما الجاري ماؤه وقد عددنا في شرح المنهاج ستا وثلاثين علاقة الشرح ولا يشترط في إطلاق الاسم على مسماه المجازي النقل في الآحاد عن أهل اللغة على الأصح

آيل؛ كَالْخمرِ؛ أَو للمجاورة؛ مثل: جرى الْمِيزَاب. وَلَا يشْتَرط النَّقْل فِي الْآحَاد؛ على الْأَصَح؛ لنا: لَو كَانَ نقليا، ... ... ... ... هَامِش " أَو آيل؛ كَالْخمرِ "؛ يُطلق على الْعصير، وَإِن لم يكن متصفا بِهِ فِي الْحَال؛ بِاعْتِبَار مَا سيئول [إِلَيْهِ] ؛ وَمِنْه قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " اقْرَءُوا على مَوْتَاكُم يس ". وَقد لَا يتَحَقَّق أَنه آيل، بل يظنّ؛ وَيُسمى مجَاز الاستعداد. وَلَا يَكْفِي مُجَرّد التجويز وَالِاحْتِمَال؛ كَمَا صرح بِهِ إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيره فِي التأويلات الْبَعِيدَة فِي الْكَلَام على قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا نِكَاح إِلَّا بولِي ". " أَو للمجاورة؛ مثل: جرى الْمِيزَاب "؛ وَإِنَّمَا الْجَارِي مَاؤُهُ، وَقد عددنا فِي " شرح الْمِنْهَاج " سِتا وَثَلَاثِينَ علاقَة. الشَّرْح: " وَلَا يشْتَرط " فِي إِطْلَاق الِاسْم على مُسَمَّاهُ الْمجَازِي - " النَّقْل فِي الْآحَاد " عَن أهل اللُّغَة؛ " على الْأَصَح "؛ بل تَكْفِي العلاقة.

لتوقف أهل الْعَرَبيَّة عَلَيْهِ، وَلَا يتوقفون. هَامِش وَاعْلَم أَن جنس العلاقة لَا بُد مِنْهُ بِالْإِجْمَاع، وَقد تقدم فِي قَوْلنَا: وَلَا بُد من العلاقة؛ والتشخص لَا يشْتَرط بِالْإِجْمَاع، فَلَا يَقُول أحد: لَا أطلق الْأسد على هَذَا الشجاع، إِلَّا إِذا أطلقته الْعَرَب عَلَيْهِ بِنَفسِهِ، بل يَكْفِي إِطْلَاقهَا لفظ الْأسد على شُجَاع مَا؛ لشجاعته، ثمَّ نطلقه على كل شُجَاع، سَوَاء أَكَانَ من جنس مَا أطلقته الْعَرَب عَلَيْهِ؛ كالأسد تطلقه الْعَرَب على زيد، فنطلقه نَحن على عَمْرو الشجاعين، أم من غير جنسه؛ كإطلاقنا الْأسد على غير إِنْسَان من الشجعان؛ بِجَامِع إِطْلَاق الْعَرَب لَهُ على الْإِنْسَان الشجاع، وَإِلَّا لم يكن الْآن مجَاز على وَجه الأَرْض؛ إِذْ لَيْسَ الْآن شخص تجوزت فِيهِ الْعَرَب. وَالنَّوْع مَحل الْخلاف: فَهَل تَكْفِي العلاقة الَّتِي نظر الْعَرَب إِلَيْهَا؛ فَإِذا رأيناهم أطْلقُوا السَّبَب على الْمُسَبّب فِي مَوضِع، أطلقناه أبدا، وأطلقنا من العلاقات مَا يُسَاوِي فِي الْمَعْنى السَّبَب على الْمُسَبّب، أَي نزيد عَلَيْهِ؛ كالمسبب على السَّبَب، أَو لَا نتعدى علاقَة أُخْرَى، وَإِن ساوتها؛ مَا لم تفعل الْعَرَب ذَلِك؟ اخْتَار المُصَنّف الأول؛ فَهَل يجوز مثلا إِطْلَاق لفظ بِاعْتِبَار مَا كَانَ، وَإِن لم تستعمله الْعَرَب؛ لاستعمال مَا هُوَ نَظِيره، أَو دونه؛ كإطلاقهم اللَّفْظ بِاعْتِبَار مَا سَيكون. وَالْمُخْتَار عِنْد الإِمَام وَأَتْبَاعه الثَّانِي، وَهُوَ معنى قَول الْبَيْضَاوِيّ فِي " منهاجه ": شَرط الْمجَاز العلاقة الْمُعْتَبر نوعها. فقد تحرر أَن الْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَنْوَاع، لَا فِي الْجِنْس، وَلَا فِي جزئيات النَّوْع الْوَاحِد. وَاحْتج المُصَنّف على مَا ارْتَضَاهُ بقوله: " لنا: لَو كَانَ " الْإِطْلَاق فِي الْآحَاد " نقليا، لتوقف

وَاسْتدلَّ: لَو كَانَ نقليا، لما افْتقر إِلَى النّظر فِي العلاقة؛ وَأجِيب بِأَن النّظر للواضع، وَإِن سلم؛ فللاطلاع على الْحِكْمَة. قَالُوا: لَو لم يكن، لجَاز: " نَخْلَة "؛ لطويل غير إِنْسَان، و " شبكة "؛ للصَّيْد، و " ابْن "؛ للْأَب؛ وَبِالْعَكْسِ؛ وَأجِيب بالمانع ". قَالُوا: لَو جَازَ، لَكَانَ قِيَاسا أَو اختراعا، وَأجِيب باستقراء أَن ... ... ... ... هَامِش أهل الْعَرَبيَّة " فِي إِطْلَاقهم؛ " عَلَيْهِ "، لكِنهمْ يستعملون، " وَلَا يتوقفون " على النَّقْل. وَلَك أَن تَقول: إِنَّمَا لَا يتوقفون على جزئيات النَّوْع الْوَاحِد، وَلَيْسَ مَحل النزاع، أما الْأَنْوَاع، فَلَا نسلم أَنهم لَا يتوقفون. الشَّرْح: " وَاسْتدلَّ " على عدم اشْتِرَاط النَّقْل؛ بِأَنَّهُ " لَو كَانَ " الْإِطْلَاق " نقليا، لما افْتقر إِلَى النّظر فِي العلاقة " المصححة، وَكَانَ الِاسْتِعْمَال يَكْفِي؛ لَكنا نجتهد فِي اسْتِخْرَاج العلاقة. " وَأجِيب بِأَن النّظر " إِنَّمَا هُوَ " للواضع "، لَا لنا، " وَإِن سلم " أَنه لنا؛ " فللاطلاع على الْحِكْمَة " فِي الْوَضع، لَا لأجل جَوَاز الْإِطْلَاق. الشَّرْح: " قَالُوا: لَو لم يكن " الْمجَاز متوقفا على النَّقْل " لجَاز: نَخْلَة؛ لطويل غير إِنْسَان " وَبِالْعَكْسِ؛ للاشتراك فِي الطول الَّذِي هُوَ سَبَب التَّجَوُّز فِي الْإِنْسَان، " وشبكة؛ للصَّيْد "؛ للمجاورة، " وَابْن؛ للْأَب، وَبِالْعَكْسِ "؛ للسَّبَبِيَّة. " وَأجِيب بالمانع "، أَي: أَن هَذِه الْأَشْيَاء [إِنَّمَا] لم تجز؛ لقِيَام الْمَانِع فِيهَا؛ لخصوصها؛ لَا لعدم الِاكْتِفَاء بالعلاقة. وَلقَائِل أَن يَقُول: مَا الْمَانِع؟ ! الشَّرْح: " قَالُوا: لَو جَازَ " الْإِطْلَاق بِدُونِ نقل، " لَكَانَ ": إِمَّا " قِيَاسا، أَو اختراعا "؛ لِأَنَّهُ إِثْبَات غير مُصَرح [بِهِ] ؛ وَذَلِكَ إِن كَانَ لجامع بَينه وَبَين مَا صرح بِهِ مُسْتَلْزم للْحكم، فَهُوَ الْقيَاس، وَإِلَّا فالاختراع، واللغة لَا تثبت قِيَاسا؛ كَمَا سَيَأْتِي، إِن شَاءَ الله، وَلَا اختراعا.

فرع

العلاقة مصححة؛ كرفع الْفَاعِل؛ وَقَالُوا: يعرف الْمجَاز بِوُجُوه: بِصِحَّة النَّفْي؛ كَقَوْلِك للبليد: لَيْسَ بِحِمَار عكس الْحَقِيقَة؛ لِامْتِنَاع (لَيْسَ بِإِنْسَان) ؛ وَهُوَ دور ". هَامِش " وَأجِيب ": لَا نسلم أَنه إِذا لم يكن لجامع، يلْزم الاختراع؛ بل ذَلِك " باستقراء أَن العلاقة مصححة " للإطلاق؛ " كرفع الْفَاعِل "، وَنصب الْمَفْعُول؛ وَذَلِكَ أَمر ثَالِث، وَهُوَ الْوَضع قطعا، وَلَا يجب النَّقْل فِي كل فَرد، بل علم علما كليا بالاستقراء. (" فرع ") إِذا رأيناهم أطْلقُوا على الشجاع: الْأسد؛ للشجاعة، فلنا أَن نطلق عَلَيْهِ مرادف الْأسد؛ كالليث قطعا، وَلَيْسَ من مَحل الْخلاف؛ خلافًا لكثير من الشَّارِحين. " وَقَالُوا "؛ يَعْنِي - وَالله أعلم -[أهل] الْفرْقَة الْمُخَالفَة [لَهُ] القائلة: يشْتَرط النَّقْل فِي الْآحَاد؛ وَكَأن سَائِلًا قَالَ لَهُم: إِذا اشترطتم النَّقْل؛ وَهُوَ عَزِيز، فَمَا الطَّرِيق - إِذا فقد - إِلَى معرفَة كَون اللَّفْظ مجَازًا؟ ، فَقَالُوا: " يعرف الْمجَاز بِوُجُوه: بِصِحَّة النَّفْي "، أَي: فِي نفس الْأَمر، صرح بِهِ فِي (الْمُنْتَهى) ، وَسكت عَنهُ هُنَا؛ لوضوحه، فَإِذا أطلق اللَّفْظ على معنى؛ صَحَّ نَفْيه عَنهُ - علم كَونه مجَازًا؛ " كَقَوْلِك للبليد " بعد إطلاقنا الْحمار عَلَيْهِ: " لَيْسَ بِحِمَار "، ومورد النَّفْي فِي الْحَقِيقَة غير مورد الْإِثْبَات؛ إِذْ مورد الْإِثْبَات الْمجَاز، ومورد النَّفْي الْحَقِيقَة، فقولنا للبليد: حمَار، مَعْنَاهُ: كالحمار، وَلَيْسَ بِحِمَار، أَي: لَيْسَ بِحَقِيقَة الْحمار، وَلَو أردنَا: لَيْسَ بِحِمَار مجَازًا، كَانَ كَاذِبًا؛ لصدق نقيضه. قَوْله: " عكس الْحَقِيقَة "، أَي: أَن الْحَقِيقَة لَا يَصح نَفيهَا فِي نفس الْأَمر؛ " لِامْتِنَاع " قَوْله: " لَيْسَ بِإِنْسَان " للبليد؛ لما كَانَ إِطْلَاق (إِنْسَان) عَلَيْهِ حَقِيقَة. [و] لَا يُقَال: قد نفيت الْحَقِيقَة فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى: {وَمَا رميت إِذْ رميت، وَلَكِن الله رمى} [سُورَة الْأَنْفَال: الْآيَة 17] ؛ لِأَن ذَلِك النَّفْي لَيْسَ فِي نفس الْأَمر؛ بل بالتأويل؛ وَهَذَا مَا ذكره من ادّعى هَذِه العلاقة.

وَبِأَن يتَبَادَر غَيره؛ لَوْلَا الْقَرِينَة عكس الْحَقِيقَة؛ وَأورد الْمُشْتَرك، فَإِن أُجِيب بِأَنَّهُ يتَبَادَر غير معِين، لزم أَن يكون الْمعِين مجَازًا. هَامِش قَالَ المُصَنّف: " وَهُوَ دور "؛ لِأَن إِطْلَاق اللَّفْظ على الْمَعْنى دَلِيل صدقه عَلَيْهِ، وَصِحَّة نَفْيه مَوْقُوفَة على معرفَة كَون الْإِطْلَاق مجَازًا، فَلَو عرف كَون الْإِطْلَاق مجازيا بِصِحَّة النَّفْي، دَار. وَاعْترض عضد الدّين؛ بِأَن الدّور إِنَّمَا يَصح إِذا أطلق اللَّفْظ لِمَعْنى، وَلم يدر أحقيقة فِيهِ أم مجَاز؟ . أما إِذا علم مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ والمجازي، وَلم يعلم أَيهمَا المُرَاد، فَحِينَئِذٍ يُمكن أَن يعلم بِصِحَّة نفي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ عَن المورد؛ أَن المُرَاد هُوَ الْمَعْنى الْمجَازِي، [أَي] : فَيعلم أَنه مجَاز. الشَّرْح: " وَبِأَن يتَبَادَر " إِلَى الْفَهم " غَيره؛ لَوْلَا الْقَرِينَة عكس الْحَقِيقَة "؛ فَإِنَّهَا تعرف بألا يتَبَادَر غَيرهَا؛ لَوْلَا الْقَرِينَة. " وَأورد الْمُشْتَرك "؛ وَيُمكن تَقْرِير إِيرَاده على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: لَو كَانَ عَلامَة الْحَقِيقَة التبادر، لتبادر الْفَهم فِي الْمُشْتَرك. وَالثَّانِي: لَو كَانَ عَلامَة الْمجَاز تبادر الْغَيْر، لتبادر؛ إِذْ اسْتعْمل الْمُشْتَرك فِي مَعْنَاهُ الْمجَازِي. " فَإِن أُجِيب " عَنْهُمَا، " بِأَن يتَبَادَر " وَاحِد من الْحَقِيقَة " غير معِين - لزم أَن يكون الْمعِين " من مَعَانِيه " مجَازًا "؛ لعدم تبادره. وَلَك أَن تَقول: الْمُدعى فِي الْحَقِيقَة أَلا يتَبَادَر غَيرهَا، لَا أَن يَقع التبادر فِيهَا، والمشترك لَا يتَبَادَر فِيهِ غير الْحَقِيقَة، وَإِنَّمَا الذِّهْن يتَرَدَّد فِي مَعَانِيه، وَالْمُدَّعى فِي الْمجَاز تبادر الْغَيْر، وَهُوَ حَاصِل قَوْلكُم: إِنَّمَا يتَبَادَر الْمُبْهم.

وبعدم اطراده، وَلَا عكس؛ وَأورد: السخي، والفاضل؛ لغير الله، والقارورة؛ للزجاجة؛ فَإِن أُجِيب بالمانع، فدور، وبجمعه على خلاف جمع ... ... ... ... هَامِش قُلْنَا: مُسلم قَوْلكُم؛ فَيلْزم كَون الْمعِين مجَازًا - مَمْنُوعًا؛ وَهَذَا لِأَن الْمُتَبَادر حِينَئِذٍ وَاحِد مشخص فِي نفس الْأَمر، وَهَذَا كَاف، وَإِن لم تعرف عينه. الشَّرْح: " و " يعرف الْمجَاز " بِعَدَمِ اطراده "؛ فَإنَّك تَقول: {واسأل الْقرْيَة} [سُورَة يُوسُف: الْآيَة، 82] ، وَلَا تَقول: واسأل الْبسَاط، وَإِن وجد فِيهِ الْمَعْنى الْمُقْتَضى للتجوز فِي: {واسأل الْقرْيَة} [سُورَة يُوسُف: الْآيَة 82] ؛ وَهَذَا يشْهد لمن يَقُول: الْمجَاز يحْتَاج إِلَى النَّقْل، وَإِلَّا فَلم لَا يطرد، وَالْمعْنَى قَائِم؛ " وَلَا عكس " لهَذِهِ العلامات؛ فَلَا يكون الاطراد دَلِيل الْحَقِيقَة؛ إِذْ قد يُوجد مجَاز مطرد؛ كالأسد للشجاع. " وَأورد " على هَذِه الْعَلامَة " السخي، والفاضل " موضوعان للجواد والعالم، وَلَا يقالان إِلَّا " لغير الله " تَعَالَى؛ مَعَ أَنه - تَعَالَى - جواد وعالم. " والقارورة "؛ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَة " للزجاجة "؛ لاستقرار الشَّيْء فِيهَا، وَلَا يُقَال لكل مَا يسْتَقرّ فِيهِ الشَّيْء؛ كالكوز - مثلا - قَارُورَة؛ فَهَذِهِ حقائق غير مطردَة. " فَإِن أُجِيب " عَن عدم اطرادها؛ " بالمانع " الشَّرْعِيّ فِي الْأَوَّلين؛ إِذْ أَسمَاء الله توقيفية،

الْحَقِيقَة؛ كأمور جمع أَمر؛ للْفِعْل، وَيمْتَنع " أوَامِر "، وَلَا عكس، وبالتزام تَقْيِيده؛ مثل: {جنَاح الذل} ونار الْحَرْب. وبتوقفه على الْمُسَمّى الآخر؛ مثل: {ومكروا ومكر الله} ، وَاللَّفْظ قبل الِاسْتِعْمَال، لَيْسَ بِحَقِيقَة وَلَا مجَاز، وَفِي استلزام الْمجَاز الْحَقِيقَة خلاف؛ ... ... ... ... ... هَامِش وَلم يرد هَذَانِ، واللغوي فِي الثَّالِث؛ فَإِن اللُّغَة منعت إِطْلَاق القارورة على غير الزجاجة - " فدور "؛ فَإِن عدم اطراده لَا بُد لَهُ من سَبَب، وَهُوَ: إِمَّا الْعلم بِكَوْنِهِ مجَازًا، أَو الشَّرْع، أَو اللُّغَة، والأخيران منتفيان بِالْفَرْضِ؛ فَتعين الأول. ووضح أَن عدم الاطراد إِنَّمَا يكون دَلِيلا على الْمجَاز، إِذا علم أَنه مجَاز، فَلَو علم أَنه مجَاز؛ بِعَدَمِ الاطراد - كَانَ دورا. وَلَك أَن تَقول: السخي، لما دَار بَين كَونه للجواد الْمُطلق، أَو للجواد مِمَّن شَأْنه الْبُخْل، ثمَّ وَجَدْنَاهُ لَا يُطلق على الله - تَعَالَى -، مَعَ أَنه ذُو الْجُود الْأَعْظَم - علمنَا أَن السخي لَيْسَ إِلَّا الْجواد الْمُقَيد؛ ويوضح هَذَا أَن أحدا لم يُطلق السخي على الله - تَعَالَى -، وَإِن كَانَ من الذاهبين إِلَى أَن الْأَسْمَاء توقيفية؛ وَكَذَا القَوْل فِي الْأَخيرينِ؛ فَلم يلْزم دور، وَلَا نقض. " و " يعرف الْمجَاز أَيْضا " بجمعه على خلاف " صِيغَة " جمع الْحَقِيقَة؛ كأمور جمع أَمر؛ للْفِعْل "، " وَيمْتَنع أوَامِر " الَّذِي هُوَ جمع لِلْأَمْرِ؛ بِمَعْنى الْأَمر الَّذِي هُوَ حَقِيقَة فِيهِ؛ بِاتِّفَاق، فَنَقُول: هُوَ فِي الْفِعْل مجَاز؛ لمُخَالفَته فِي الْجمع، " وَلَا عكس "؛ إِذْ الْمجَاز قد لَا يجمع؛ بِخِلَاف جمع الْحَقِيقَة؛ كالأسد. " و " يعرف أَيْضا " بِالْتِزَام تَقْيِيده "؛ فَلَا يسْتَعْمل فِي ذَلِك الْمَعْنى عِنْد الْإِطْلَاق؛ " مثل: {جنَاح الذل} [سُورَة الْإِسْرَاء: الْآيَة، 24] ونار الْحَرْب "، وَإِنَّمَا قَالَ: بِالْتِزَام تَقْيِيده، وَلم يقل: بتقييده؛ ليحترز من الْمُشْتَرك؛ فَإِنَّهُ قد يُقيد؛ كَمَا يُقَال: الْعين الْجَارِيَة، لَكِن لَا لُزُوما. الشَّرْح: " وبتوقفه على الْمُسَمّى الآخر؛ مثل: {ومكروا ومكر الله} [سُورَة آل عمرَان: الْآيَة 54] "؛ فَإِن مكر الله مجَاز، وإطلاقه مَسْبُوق بِإِطْلَاق الْمَكْر مِنْهُم. " وَاللَّفْظ قبل الِاسْتِعْمَال، لَيْسَ بِحَقِيقَة وَلَا مجَاز "؛ إِذْ الِاسْتِعْمَال أحد قيود الْحَقِيقَة وَالْمجَاز؛ كَمَا سلف.

بِخِلَاف الْعَكْس؛ الملزم: لَو لم يسْتَلْزم، لعري الْوَضع عَن الْفَائِدَة؛ النَّافِي: لَو استلزم، لَكَانَ لنَحْو: قَامَت الْحَرْب على سَاق، وشابت لمة اللَّيْل - حَقِيقَة، وَهُوَ مُشْتَرك الْإِلْزَام؛ للُزُوم الْوَضع. وَالْحق أَن الْمجَاز فِي الْمُفْرد، وَلَا مجَاز فِي التَّرْكِيب، وَقَول عبد القاهر فِي نَحْو: أحياني اكتحالي بطلعتك: (إِن الْمجَاز، فِي الْإِسْنَاد) بعيد، لِاتِّحَاد جِهَته. هَامِش " وَفِي استلزام الْمجَاز الْحَقِيقَة خلاف "؛ فَقيل: إِن الْمجَاز يسْتَلْزم سبق الْحَقِيقَة، وَقيل: لَا؛ فقد يُوجد لفظ مجازي لم تسبقه حَقِيقَة، بل وضع فَقَط؛ " بِخِلَاف الْعَكْس "؛ فَإِنَّهُ لَا خلاف فِيهِ، أَي: لَا خلاف أَن الْحَقِيقَة لَا تَسْتَلْزِم الْمجَاز، فقد يُوجد لفظ حَقِيقِيّ لم يتجوز عَنهُ أَلْبَتَّة. وَاحْتج " الملزم "، أَعنِي: الْقَائِل أَن الْمجَاز يسْتَلْزم الْحَقِيقَة؛ بِأَنَّهُ: " لَو لم يسْتَلْزم، لعري الْوَضع " الأول " عَن الْفَائِدَة "؛ إِذْ فَائِدَة الْوَضع الِاسْتِعْمَال؛ فَحَيْثُ لَا اسْتِعْمَال يكون عَبَثا. ورد بِجَوَاز كَون الْفَائِدَة الِاسْتِعْمَال فِي الْوَضع الْمجَازِي، أَو تسويغ أصل الِاسْتِعْمَال. وَاحْتج " النَّافِي " للاستلزام؛ بِأَنَّهُ: " لَو استلزم، لَكَانَ لنَحْو: قَامَت الْحَرْب على سَاق، وشابت لمة اللَّيْل - حَقِيقَة "، أَي: اسْتِعْمَال مَعَ موضوعها الْأَصْلِيّ؛ لكَونهَا مجَازًا. " وَهُوَ " أَي: هَذَا الِاسْتِدْلَال " مُشْتَرك الْإِلْزَام "؛ إِذْ للملزم أَن يَقُول: مَا ذكرته لَيْسَ بمجاز، وَإِلَّا كَانَ مَوْضُوعا لغير هَذَا الْمَعْنى؛ " للُزُوم الْوَضع " الأول للمجاز؛ وَذَلِكَ لِأَن النَّافِي لاشْتِرَاط الْحَقِيقَة فِي الْمجَاز يشْتَرط أصل الْوَضع، وسبيل الِانْفِصَال عَنْهُمَا وَاحِد. الشَّرْح: " وَالْحق " فِيهِ " أَن الْمجَاز " فِي هذَيْن المثالين، إِنَّمَا وَقع " فِي الْمُفْرد " من الْقيام والساق، والشيب واللمة، " وَلَا مجَاز فِي التَّرْكِيب "، وَالْكَلَام فيهمَا حَالَة التَّرْكِيب، وَإِذا لم يَكُونَا مجازين، فَلَا يطْلب لَهما حَقِيقَة. " وَقَول عبد القاهر فِي نَحْو: أحياني اكتحالي بطلعتك: إِن الْمجَاز فِي الْإِسْنَاد "؛ لِأَن إِسْنَاد الْإِحْيَاء إِلَى الاكتحال غير حَقِيقِيّ. قد يُقَال: إِنَّه يرد علينا مُسَاوَاة: أحياني اكتحالي بطلعتك، للمثالين السَّابِقين؛ وَقد قُلْنَا: إِنَّه لَا مجَاز فِي التَّرْكِيب. وَلَكِن نقُول: مَا قَالَه عبد القاهر " بعيد "؛ لِأَن الْمجَاز إِنَّمَا يتَحَقَّق باخْتلَاف جهتيه؛ وَذَلِكَ غير مُتَحَقق فِي إِسْنَاد الْإِحْيَاء إِلَى الاكتحال؛ " لِاتِّحَاد جِهَته "؛ كَذَا قَالَ المُصَنّف.

صفحة فارغة هَامِش وَالْحق جَوَاز الْمجَاز فِي الْإِسْنَاد، ووقوعه، واستبعاد المُصَنّف لَا يُوجب رفع ذَلِك؛ وقصاراه أَن يثبت بعده، وَلَا يلْزم من الْبعد عدم الْوُقُوع. ولنذكر هَهُنَا كلمة نافعة فِي هَذَا الْمُخْتَصر، فَنَقُول: المُصَنّف كثير الِاسْتِعْمَال لرد رَأْي خَصمه؛ باستبعاده؛ كَمَا فعل هُنَا؛ وكما قَالَ: (قَوْلهم مَا اتّفق فِيهِ اللغتان؛ كالفرن والتنور - بعيد) ؛ مَعَ رده على من يحكم على أَمر ببعده؛ بِأَنَّهُ استبعاد؛ فَلَا يجديه؛ كَمَا رد قَول الْأُسْتَاذ؛ أَن الْمجَاز يخل بالفهم؛ بِأَنَّهُ استبعاد؛ ولعلك تحسب ذَلِك مِنْهُ تناقضا، وَلَيْسَ دعواك بعد مَا يَدعِيهِ خصمك فِي مَسْأَلَة ناشئا من دَعْوَى خصمك بعد مَا تدعيه فِي أُخْرَى، وَلَا ردك مدعى الْخصم ببعده - أفحم من رده دعواك ببعده. وَالْجَوَاب: أَن الاستقراء حجَّة؛ لَا سِيمَا فِي اللُّغَات، فَإِذا استقرأ اللّغَوِيّ أمرا، قضى بِهِ، ثمَّ بنى عَلَيْهِ مَا شَاءَ مِمَّا يلائمه، وَغَايَة مَا لَهُ من الاستقراء دَلِيل ظَنِّي، ثمَّ من ادّعى خُرُوج شَيْء عَن استقرائه، كَانَ مُبْعدًا عِنْده، فَإِن حقق دَعْوَاهُ بِدَلِيل أقوى من الاستقراء، كَمَا إِذا أَتَى بِصُورَة وَاقعَة، لم ينْهض الاستقراء حجَّة عَلَيْهِ، وَلم يَصح أَن يرد مدعاه بِمُجَرَّد الْبعد، وَإِن لم تتَحَقَّق دَعْوَاهُ بِدَلِيل أقوى من الاستقراء، ردَّتْ دَعْوَاهُ، وَكَانَ استبعادنا لَهُ حجَّة، وَذَلِكَ كالمجاز يَدعِي منكره أَنه يخل بالفهم، وَأَن مَا يخل بالفهم لَا يَقع من الْعَرَب؛ فَنَقُول: غَايَة مَا ينْتج لَك هَذَا - دَلِيل ظَنِّي على أَن الْمجَاز لَا يَقع؛ وَهُوَ معَارض بأقوى مِنْهُ؛ من دَلِيل مُثبت الْمجَاز؛ فيصار إِلَى استبعاد وُقُوع أَمر على خلاف استقرائك، واستقراؤك قد بَطل بوجدان خِلَافه، فَلم يجد الاستبعاد شَيْئا، وَالْحَالة هَذِه. وَأما إِذا لم يتَحَقَّق الْخصم دَعْوَاهُ؛ بِمَا يبطل الاستقراء، فَلَا يسمع، وينتهض الْبعد حجَّة عَلَيْهِ؛ لاعتضاده بالاستقراء الَّذِي لَا معَارض لَهُ؛ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِم: (مِمَّا اتّفق فِيهِ اللغتان) ؛ فَإِن المُصَنّف استبعده، وَهُوَ استبعاد مُوَافق للدليل الَّذِي أَقَامَهُ من وجود الْمشكاة، والإستبرق، وَنَحْوهمَا، فمنكر الْمجَاز مستبعد لما قَامَ الدَّلِيل عَلَيْهِ؛ فَكَانَ استبعاده مردودا، وَالْمُصَنّف مستبعد لما قَامَ الدَّلِيل على خِلَافه، فَكَانَ استبعاده مَقْبُولًا، وَهَذَا فِي قَوْله: (قَوْلهم مِمَّا اتّفق فِيهِ اللغتان) ؛ وَمَا شاكله، فقس عَلَيْهِ نَظَائِره، فَهِيَ كَثِيرَة فِي هَذَا الْمُخْتَصر. وَأما دَعْوَاهُ بعد قَول عبد القاهر، فَمثل دَعْوَى الْإِسْنَاد بعد الْمجَاز؛ فَلَا تسمع؛ لِأَنَّهُ

وَلَو قيل: لَو استلزم، لَكَانَ للفظ " الرَّحْمَن " حَقِيقَة، ولنحو: " عَسى " - لَكَانَ قَوِيا. هَامِش استبعد شَيْئا قَامَ الدَّلِيل على خِلَافه. فَإِن قلت: وَمَا الدَّلِيل؟ قلت: مَوَاضِع لن يَقع الْمجَاز فِيهَا إِلَّا فِي الْإِسْنَاد فَقَط؛ مثل: {وَإِذا تليت عَلَيْهِم آيَاته، زادتهم إِيمَانًا} [سُورَة الْأَنْفَال: الْآيَة، 2] ، {رب إنَّهُنَّ أضللن كثيرا من النَّاس} [سُورَة إِبْرَاهِيم: الْآيَة، 36] ، {وأخرجت الأَرْض أثقالها} [سُورَة الزلزلة: الْآيَة، 2] الشَّرْح: قَالَ: " وَلَو قيل: لَو استلزم " الْمجَاز الْحَقِيقَة، " لَكَانَ للفظ: " الرَّحْمَن " حَقِيقَة، ولنحو: عَسى "، وَلَا حَقِيقَة لَهما - " لَكَانَ " اسْتِدْلَالا " قَوِيا ". وَبَيَانه: أَنه لَا حَقِيقَة لَهما: أما (عَسى) وَنَحْوهَا؛ من حبذا وَغَيرهَا من الْأَفْعَال الجوامد، فَلم تسْتَعْمل لزمان معِين، بل فِي مُجَرّد الْحَدث؛ مَعَ أَن الْأَفْعَال مَوْضُوعَة للْحَدَث وَالزَّمَان، وَلم تسْتَعْمل إِلَّا فِي الْإِنْشَاء؛ مَعَ أَن أَصْلهَا خبر مَاض. وَأما (الرَّحْمَن) ف (فعلان) ، وَوزن (فعلان) للْمُبَالَغَة الَّتِي هِيَ الْكَثْرَة الْمُقَابلَة للقلة، وصفات الله - تَعَالَى - لَا تقبل ذَلِك؛ بِاعْتِبَار عدم قبُولهَا للتعدد، ثمَّ هُوَ مُشْتَقّ من الرَّحْمَن الَّتِي هِيَ حَقِيقَة الرقة والانعطاف المستحيل على الْبَارِي تَعَالَى. وَلم يسْتَعْمل (الرَّحْمَن) إِلَّا فِي الله تَعَالَى؛ وَهَذَا بِنَاء على [أَن] أَسمَاء الله - تَعَالَى - صِفَات لَا أَعْلَام، أما إِن جعلناها أعلاما، فالعلم لَا حَقِيقَة لَهُ وَلَا مجَاز. وَمَا يُقَال: قد قَالَ بَنو حنيفَة (رحمان الْيَمَامَة) ، و (مَا زلت رحمانا) فِي ... ... ... ...

صفحة فارغة هَامِش مُسَيْلمَة؛ فَجَوَابه عِنْدِي: أَنهم لم يستعملوا (الرَّحْمَن) الْمُعَرّف بِالْألف وَاللَّام، وَإِنَّمَا استعملوه مُعَرفا بِالْإِضَافَة فِي (رحمان الْيَمَامَة) ، ومنكرا فِي (لَا زلت رحمانا) ؛ ودعوانا إِنَّمَا هِيَ فِي الْمُعَرّف بِالْألف وَاللَّام. وَهَذَا الْجَواب أَشد من جَوَاب الزَّمَخْشَرِيّ فِي (كشافه) ؛ أَن ذَلِك من تعنتهم فِي كفرهم؛ فَإِنَّهُ لَا يعد جَوَابا؛ إِذْ التعنت لَا يدْفع وُقُوع إِطْلَاقهم. وغايته: أَنه ذكر السَّبَب الْحَامِل لَهُم على الْإِطْلَاق. وَعند هَذَا أَقُول: مذهبي أَن الْمجَاز يسْتَلْزم اسْتِعْمَال اللَّفْظ الْمُشْتَقّ مِنْهُ؛ بطرِيق الْحَقِيقَة، سَوَاء اسْتعْمل مَعَ ذَلِك بِالْحَقِيقَةِ فِيمَا اسْتعْمل بالمجاز أم لَا. فَأَقُول مثلا: إِنَّمَا يسْتَعْمل (رَحْمَن) ؛ إِذا اسْتعْملت الْعَرَب الرَّحْمَة؛ كَانَ لنا أَن نتصرف فِيمَا يشتق مِنْهَا؛ من فعلان، وفاعل، ومفعول، وَغير ذَلِك، وَإِن لم تنطق بِهِ الْعَرَب أَلْبَتَّة، وَلَا اشْتِرَاط أَن تكون الْعَرَب اسْتعْملت (رحمان) الَّذِي هُوَ (فعلان) ؛ بِالْحَقِيقَةِ. وَلقَائِل أَن يَقُول: على المُصَنّف مَا ذكرته أَيْضا مُشْتَرك الْإِلْزَام فِي الْوَضع؛ بِعَين مَا ذكرته آنِفا، وَلَا مخلص لَهُ، إِنَّمَا اخترناه مذهبا.

دوران اللفظ بين الاشتراك والمجاز

(دوران اللَّفْظ بَين الِاشْتِرَاك وَالْمجَاز) (مَسْأَلَة:) إِذا دَار اللَّفْظ بَين الْمجَاز والاشتراك، فالمجاز أقرب؛ لِأَن الِاشْتِرَاك يخل بالتفاهم، وَيُؤَدِّي إِلَى مستبعد؛ من ضد، أَو نقيض، وَيحْتَاج إِلَى قرينتين؛ وَلِأَن الْمجَاز أغلب، وَيكون أبلغ، وأوجز، وأوفق، ويتوصل بِهِ إِلَى السجع، والمقابلة، والمطابقة، والمجانسة، والروي. هَامِش (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " إِذا دَار اللَّفْظ بن الْمجَاز والاشتراك، فالمجاز أقرب "؛ عِنْد الْمُحَقِّقين؛ " لِأَن الِاشْتِرَاك يخل بالتفاهم "؛ عِنْد عدم الْقَرِينَة؛ بِخِلَاف الْمجَاز. وَلَك أَن تَقول: إِنَّمَا يخل بالتفاهم، إِذا قيل بِأَنَّهُ لَا يحمل على معنييه عِنْد الْإِطْلَاق؛ أَو يحمل، وَلَكِن احْتِيَاطًا، أما إِن قيل بِأَنَّهُ يحمل عُمُوما، فَلَا إخلال. " وَيُؤَدِّي إِلَى مستبعد؛ من ضد، أَو نقيض "، إِلَّا إِذا كَانَ مَوْضُوعا للضدين، أَو النقيضين؛ إِن قُلْنَا بِجَوَاز الْوَضع [للضدين و] للنقيضين - وَهُوَ الْمُخْتَار -؛ خلافًا للْإِمَام الرَّازِيّ؛ فقد يفهم السَّامع ضد مُرَاد الْمُتَكَلّم، أَو نقيضه. وَلقَائِل أَن يَقُول: وَالْمجَاز بعلاقة المضادة يُؤَدِّي إِلَى ذَلِك أَيْضا، وَلَيْسَ لَهُ أَن يَقُول: حمل كل لفظ على خلاف المُرَاد مِنْهُ يُؤَدِّي إِلَى مستبعد؛ لِأَن خلاف المُرَاد إِذا لم يكن ضد المُرَاد، وَلَا نقيضا - لَا يستبعده الْعقل؛ بِخِلَاف الضِّدّ والنقيض؛ فَإِن الْعقل يستبعدهما، وَالْحَالة هَذِه. " وَيحْتَاج إِلَى قرينتين "؛ بِحَسب معنييه؛ بِخِلَاف الْمجَاز؛ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ قرينَة الْمجَاز؛ " وَلِأَن الْمجَاز أغلب " من الِاشْتِرَاك " بالاستقراء، وَالْحمل على الْأَغْلَب أولى. " وَيكون " أَيْضا " أبلغ " من الْمُشْتَرك، فقولك: (زيد أَسد) - أبلغ من: (شُجَاع) ، " وأوجز وأوفق "؛ إِمَّا للطبع؛ بِسَبَب نقل الْحَقِيقَة، أَو عذوبة الحَدِيث، وَإِمَّا للمقام؛ لزِيَادَة بَيَان، أَو غير ذَلِك؛ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْحَال؛ وَلذَلِك يَجعله عُلَمَاء الْبَيَان الأَصْل؛ لِأَن مبْنى علمهمْ على الِاسْتِعَارَة وَالْمُبَالغَة. " ويتوصل بِهِ إِلَى " أَنْوَاع البديع من " السجع، والمقابلة، والمطابقة، والمجانسة، والروي " وَغير ذَلِك.

وعورض؛ بترجيح الِاشْتِرَاك؛ باطراده؛ فَلَا يضطرب، وبالاشتقاق، فتتسع؛ وبصحة الْمجَاز فيهمَا؛ فتكثر الْفَائِدَة؛ وباستغنائه عَن العلاقة، وَعَن الْحَقِيقَة، وَعَن مُخَالفَة ظَاهر، وَعَن الْغَلَط؛ عِنْد عدم الْقَرِينَة. هَامِش الشَّرْح: " وعورض " مَا ذَكرْنَاهُ من أَدِلَّة الْمجَاز؛ " بترجيح الِاشْتِرَاك؛ باطراده؛ فَلَا يضطرب "؛ بِخِلَاف الْمجَاز؛ فَإِنَّهُ لَا يطرد. " وبالاشتقاق " الْحَاصِل من معنييه؛ " فتتسع " الْفَائِدَة؛ بِخِلَاف الْمجَاز؛ فَإِنَّهُ لَا يشتق مِنْهُ؛ وفَاقا للْقَاضِي، وَالْغَزالِيّ، وإلكيا؛ حَيْثُ منعُوا الِاشْتِقَاق من الْمجَاز؛ وَاسْتَدَلُّوا على أَن (الْأَمر) حَقِيقَة فِي (القَوْل) ؛ بِأَنَّهُ اشتق مِنْهُ بِهَذَا الْمَعْنى فَاعل ومفعول، وَلم يشتق ذَلِك مِنْهُ، إِذا كَانَ بِمَعْنى (الْفِعْل) . وَلَكِن رد هَذَا الْمَذْهَب؛ بِأَنَّهُ يَئُول إِلَى قصر المجازات كلهَا على المصادر؛ لِأَنَّك إِذا اشتققت من الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، لم يَصح؛ لانْتِفَاء العلاقة. مِثَاله: (ضَارب) ؛ بِمَعْنى: متسبب فِي الضَّرْب، إِذا اشتققت من الضَّرْب الْحَقِيقِيّ؛ فَإِنَّهُ لَا علاقَة بَينهمَا، والاشتقاق من الْمجَاز مُتَعَذر؛ على هَذَا. قلت: وَأَنا أجوز أَن هَؤُلَاءِ لَا يطلقون منع الِاشْتِقَاق من الْمجَاز، لَكِن يَقُولُونَ: إِنَّمَا يشتق مِنْهُ بِحَسب الْحَقِيقَة، فَإِذا اشتق مِنْهَا فَاعل فَقَط، لم يشتق من مجازها إِلَّا فَاعل فَقَط، لَا مفعول، وَلَا صفة مشبهة مثلا؛ فَيتَوَقَّف اسْتِعْمَال (ضَارب) بِمَعْنى: متسبب؛ على اسْتِعْمَال (ضَارب) بِالْحَقِيقَةِ، وَلَا يَكْفِي اسْتعْمل (مَضْرُوب) ؛ بِالْحَقِيقَةِ، إِلَّا إِن تجوزنا باسم الْمَفْعُول، وَهَذَا قريب، وَإِنَّمَا منع الِاشْتِقَاق من الْمجَاز رَأْي سَاقِط؛ فليقرر كَلَام المُصَنّف على أَنه لَا يشتق مِنْهُ إِلَّا بِحَسب الْحَقِيقَة. " وبصحة الْمجَاز فيهمَا "، أَي: فِي معنيي الْمُشْتَرك؛ " فتكثر الْفَائِدَة "؛ بِخِلَاف الْمجَاز؛ " وباستغنائه عَن العلاقة "، " وَعَن " سبق " الْحَقِيقَة، وَعَن مُخَالفَة ظَاهر "، وَالْمجَاز ارْتِكَاب لخلاف الظَّاهِر؛ إِذْ الظَّاهِر الْحَقِيقَة. " وَعَن الْغَلَط؛ عِنْد عدم الْقَرِينَة "؛ فَإِن السَّامع، إِن وجد قرينَة، علم المُرَاد، وَإِلَّا، توقف

فرع

وَمَا ذكر من أَنه أبلغ، فمشترك بَينهمَا، وَالْحق أَنه لَا يُقَابل الْأَغْلَب شَيْء مِمَّا ذكر. هَامِش عِنْد عدم الْقَرِينَة - إِلَى الْحَقِيقَة، مَعَ جَوَاز إِرَادَة الْمجَاز. الشَّرْح: " وَمَا ذكر " فِي تَرْجِيح الْمجَاز؛ " من أَنه أبلغ " وأوجز ... إِلَى آخرهَا - " فمشترك بَينهمَا "؛ إِذْ يتَحَقَّق فِي الْمُشْتَرك؛ كَمَا هُوَ فِي الْمجَاز؛ فَلَا يتَرَجَّح بِهِ الْمجَاز. " وَالْحق أَنه لَا يُقَابل الْأَغْلَب شَيْء مِمَّا ذكر " فِي تَرْجِيح الْمُشْتَرك؛ لِأَن ذَلِك كُله إِنَّمَا يعْتَبر؛ لِأَنَّهُ مَظَنَّة الْغَلَبَة، وَلَا عِبْرَة بالمظنة، مَعَ تحقق أَن الْمجَاز أغلب؛ فَكَانَ الْمجَاز أولى. ولمضايق فِي الْعبارَة أَن يَقُول: سلمنَا أَنه لَا يُعَارضهُ شَيْء مِمَّا ذكر، لم قُلْتُمْ: إِن مجموعها لَا يُعَارض؟ . وَقد يُجَاب؛ بِأَن الْمَجْمُوع من جملَة مَا ذكر كل فَرد ذكر لَهُ، يدْخل تَحت قَوْله: (شَيْء مِمَّا ذكر) ؛ وَالْمعْنَى: لَا الْمَجْمُوع، وَلَا كل فَرد، وَلَكِن إِذا لم يُعَارض الْمَجْمُوع، لم يُعَارض بعضه؛ بطرِيق أولى، فَلَو قَالَ: لَا يُعَارض الْأَغْلَب مَا ذكر، كَانَ أخصر وَأولى. (" فرع ") مَوْطُوءَة الْأَب بِالزِّنَا، يحل للِابْن نِكَاحهَا، بقوله تَعَالَى: {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} [سُورَة النِّسَاء: الْآيَة، 3] . فَإِن عورض؛ بقوله تَعَالَى: {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم من النِّسَاء} [سُورَة النِّسَاء: الْآيَة، 22] ، وَحَقِيقَة النِّكَاح الْوَطْء.

صفحة فارغة هَامِش قُلْنَا: بل حَقِيقَة العقد، وَإِذا كَانَ حَقِيقَة فِي العقد، لم يكن حَقِيقَة فِي الْوَطْء، وَإِلَّا يلْزم الِاشْتِرَاك؛ وَالْمجَاز خير مِنْهُ.

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

الألفاظ الشرعية

(الْأَلْفَاظ الشَّرْعِيَّة) (مَسْأَلَة:) " الشَّرْعِيَّة وَاقعَة؛ خلافًا للْقَاضِي، وأثبتت الْمُعْتَزلَة الدِّينِيَّة أَيْضا. هَامِش (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: الْأَلْفَاظ " الشَّرْعِيَّة "؛ وَهِي المستفادة من جِهَة الشَّرْع، وَضعهَا للمعنى جَائِز؛ قَالَ فِي (الْمُنْتَهى) : ضَرُورَة. وَقَالَ الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ، والآمدي، والهندي: إِنَّه لَا خلاف فِي ذَلِك، وَلَيْسَ بجيد، وَنقل على أَبُو الْحسن؛ أَن بَعضهم منع من إمكانها. وَالْمُصَنّف هُنَا أهمل ذكر الْجَوَاز؛ لكَونه توهمه مُتَّفقا عَلَيْهِ؛ كَمَا عَرفته؛ ولشذوذ الْخلاف فِيهِ؛ وَقَالَ: " وَاقعَة؛ خلافًا للْقَاضِي "؛ حَيْثُ صمم على إنكارها، وَتَابعه أَبُو نصر الْقشيرِي. وَالْجُمْهُور على الْوُقُوع؛ وَمِنْهُم الْفُقَهَاء، والمعتزلة، والخوارج؛ ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَنَّهَا هَل هِيَ حقائق مبتكرة، وَلم يقْصد فِيهَا التفرع عَن اللُّغَوِيَّة، بل أُرِيد وضع مبتكر أَو مَأْخُوذَة من الْحَقَائِق اللُّغَوِيَّة؛ إِمَّا بِمَعْنى أَنَّهَا أقرب على مدلولها، وَزيد فِيهَا، وَإِمَّا بِأَن يكون استعير لَفظهَا للمدلول الشَّرْعِيّ لعلاقة؟ فَذَهَبت الْمُعْتَزلَة إِلَى الأول، قَالُوا: وَتارَة يُصَادف ذَلِك الْوَضع علاقَة بَين الْمَعْنى اللّغَوِيّ والشرعي؛ فَيكون اتِّفَاقًا غير مَنْظُور إِلَيْهِ، وَتارَة لَا يُصَادف. وَذهب غَيرهم إِلَى الثَّانِي؛ قَالُوا: وَهِي مجازات لغوية، حقائق شَرْعِيَّة؛ فعلى الأول: لَا يتَكَلَّف فِي إِثْبَات الْمَعْنى الشَّرْعِيّ إِلَى علاقَة، وَلَا يسْتَدلّ على أَن اللَّفْظَة غير منقولة بِعَدَمِ العلاقة؛ بِخِلَاف الثَّانِي. قَوْله: " وأثبتت الْمُعْتَزلَة الدِّينِيَّة أَيْضا ".

صفحة فارغة هَامِش اعْلَم أَن المثبتين للأشياء الشَّرْعِيَّة اخْتلفُوا، هَل وَقع النَّقْل فِي الْأَسْمَاء الشَّرْعِيَّة مُطلقًا، سَوَاء تعلّقت بالأصول الشَّرْعِيَّة؛ كالإيمان، أَو بفروعها؛ كَالصَّلَاةِ، أَو وَقع فِي فروعها؛ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة؟

صفحة فارغة هَامِش فَذَهَبت الْمُعْتَزلَة؛ إِلَى الأول؛ غير أَنهم أَرَادوا التَّفْرِقَة بَينهمَا، فخصوا الْأَلْفَاظ الْمُتَعَلّقَة بِفُرُوع الشَّرِيعَة؛ باسم الشَّرْعِيَّة، والمتعلقة بالأصول؛ بالدينية. وَفِي كَلَام الرَّازِيّ وَغَيره؛ أَنهم خصوا أَسمَاء الْأَفْعَال؛ ك (الصَّلَاة) ، و (الزَّكَاة) ؛ بالشرعية، وَأَسْمَاء الفاعلين؛ كالمؤمن وَالْفَاسِق؛ بالدينية؛ وَهُوَ يَقْتَضِي أَن كل مَا كَانَ من أَسمَاء الْأَفْعَال، يكون دَاخِلا عِنْدهم فِي الشَّرْعِيَّة؛ فَيدْخل الْإِيمَان وَالْكفْر وَالْفِسْق مثلا فِي الشَّرْعِيَّة، وَيخرج عَن الدِّينِيَّة، وَيَقْتَضِي أَن أَسمَاء الفاعلين كلهَا دينية؛ فَيدْخل الْمُصَلِّي والمزكي تابعين للصَّلَاة وَالزَّكَاة، فهما شرعيان، وَالْإِيمَان وَالْكفْر أصل لِلْمُؤمنِ وَالْكَافِر؛ وهما من الدِّينِيَّة. فَالْحق [أَن] الْمُتَعَلّق بِفُرُوع الدّين شَرْعِي، وبأصوله ديني؛ وَإِلَّا لزم تَسْمِيَة اللَّفْظ باسم، وَتَسْمِيَة أَصله الْمُشْتَقّ مِنْهُ؛ بِغَيْر اسْمه. وَذهب غَيرهم؛ إِلَى أَن النَّقْل إِنَّمَا وَقع فِي فروع الشَّرِيعَة فَقَط، وَهُوَ رَأْي أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَأكْثر أَصْحَابنَا، وَاخْتَارَهُ المُصَنّف. ثمَّ من أَصْحَابنَا من اقْتضى كَلَامه أَن مَحل الْخلاف، إِنَّمَا هُوَ الشَّرْعِيَّة، وَأَن الدِّينِيَّة لم يثبتها أحد؛ إِلَّا مِمَّن خرق الْإِجْمَاع. وَهُوَ قَضِيَّة إِيرَاد ابْن السَّمْعَانِيّ، قَالَ: وَصُورَة الْخلاف فِي الزَّكَاة، وَالصَّلَاة، وَالْحج،

صفحة فارغة هَامِش وَالْعمْرَة، وَمَا أشبه ذَلِك. وَنقل الإِمَام مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي، فِي [كتاب] (الصَّلَاة) ؛ عَن أبي عبيد؛ أَنه اسْتدلَّ على أَن الشَّارِع نقل الْإِيمَان؛ فَإِنَّهُ نقل الصَّلَاة وَالْحج وَنَحْوهمَا إِلَى معَان أخر. قَالَ: فَمَا بَال الْإِيمَان؟ وَهَذَا يدل على تَخْصِيص الْخلاف بِالْإِيمَان، وَهُوَ صَحِيح؛ فَإِن الْخلاف بَيْننَا وَبَين الْمُعْتَزلَة إِنَّمَا هُوَ فِي الدِّينِيَّة؛ كالإيمان، وَأما الشَّرْعِيَّة، فَنحْن وهم سَوَاء فِي

صفحة فارغة هَامِش إِثْبَاتهَا، وخلافنا فِيهَا لَيْسَ مَعَهم، بل مَعَ القَاضِي. وحصلنا من هَذَا، على أَن من النَّاس: من نفى النَّقْل مُطلقًا؛ ك (القَاضِي) ، وَمن أثْبته مُطلقًا؛ ك (الْمُعْتَزلَة) ، وَمن فرق بَين الدِّينِيَّة والشرعية فَأثْبت الشَّرْعِيَّة؛ وَنفى الدِّينِيَّة، وَهُوَ الْمُخْتَار، وَلم يقل أحد بعكسه. وَهنا فَوَائِد: إِحْدَاهَا: أَن قَوْله: (وَأثبت الْمُعْتَزلَة الدِّينِيَّة أَيْضا) ، يفهم أَنهم أثبتوا الشَّرْعِيَّة؛ لاقْتِضَاء (أَيْضا) ذَلِك. وَقد غلط بعض الشَّارِحين؛ فَزعم أَن الْمُعْتَزلَة لَا يثبتون الشَّرْعِيَّة؛ وَسبب وهمه أَن المُصَنّف نصب الدَّلِيل من جهتهم فِي الدِّينِيَّة فَقَط، وَالْمُصَنّف إِنَّمَا فعل ذَلِك؛ لِأَنَّهُ يوافقهم فِي الشَّرْعِيَّة، دون الدِّينِيَّة؛ فَإِن سُكُوته عَن اخْتِيَار هَذَا القَوْل، مَعَ جزمه بِإِثْبَات الشَّرْعِيَّة قرينَة فِي أَنه لَا يرى إِثْبَات الدِّينِيَّة، وسيصرح بِهِ فِي الِاسْتِدْلَال. الثَّانِيَة: لَيْسَ فِي كَلَامه نقل عَن القَاضِي فِي الدِّينِيَّة، ومذهبه إنكارها؛ وَلَعَلَّ المُصَنّف إِنَّمَا فعل ذَلِك؛ لِأَنَّهُ إِذا أنكر الشَّرْعِيَّة، أنكر الدِّينِيَّة؛ بطرِيق أولى؛ لِأَن كل من أثبت الدِّينِيَّة، أثبت الشَّرْعِيَّة، من غير عكس. الثَّالِثَة: قَوْله: (الشَّرْعِيَّة، والدينية) ، لَا شكّ أَنَّهُمَا صفتان لموصوف مَحْذُوف، وَلَيْسَ هُوَ بِالْحَقِيقَةِ؛ كَمَا توهمه الشارحون، بل الْأَسْمَاء والألفاظ؛ كَمَا شرحناه؛ لقَوْله فِي (الْمُنْتَهى) : (الْأَسْمَاء الشَّرْعِيَّة) ؛ ليشْمل كَلَامه كلا من الْحَقَائِق الشَّرْعِيَّة، والمجازات الشَّرْعِيَّة؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاء وفَاقا وَخِلَافًا. الرَّابِعَة: الشَّرْعِيّ، يُطلق فِي اصْطِلَاح الْفَقِيه والأصولي، على أَنْوَاع: الأول: مَا لم يستفد اسْمه إِلَّا من الشَّرْع؛ وَهُوَ المُرَاد هُنَا. الثَّانِي: الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب فَقَط، وَذكر إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي (الأساليب) ؛ أَنه الَّذِي يعنيه الْفَقِيه بالشرعي؛ وَيشْهد لَهُ قَول الْأَصْحَاب: الْجَمَاعَة فِي النَّفْل الْمُطلق غير مَشْرُوعَة: يعنون: غير مَنْدُوبَة، وَإِلَّا فَهِيَ مُبَاحَة.

لنا: الْقطع بالاستقراء؛ أَن الصَّلَاة للركعات، وَالزَّكَاة، وَالصَّوْم، وَالْحج كَذَلِك، وَهِي فِي اللُّغَة: الدُّعَاء، والنماء، والإمساك مُطلقًا، وَالْقَصْد مُطلقًا. هَامِش وَفِي (الرَّوْضَة) فِي صَلَاة الْجَمَاعَة - من زِيَادَة النَّوَوِيّ - معنى قَوْلهم: لَا تشرع: لَا تسْتَحب. الثَّالِث: الْمُبَاح. الشَّرْح: " لنا: الْقطع " الْحَاصِل " بالاستقراء؛ أَن الصَّلَاة للركعات، وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج كَذَلِك "، أَي: الْأَفْعَال الْمَخْصُوصَة المفهومة من الشَّرْع، " وَهِي فِي اللُّغَة " لغير ذَلِك؛ فَإِن الصَّلَاة، وَالزَّكَاة، وَالْحج لُغَة: حَقِيقَة فِي " الدُّعَاء، والنماء، والإمساك مُطلقًا "، سَوَاء كَانَ إمْسَاك صَوْم أم غَيره، " وَالْقَصْد مُطلقًا "، سَوَاء كَانَ ل " مَكَّة " لحج أم غير ذَلِك. وَإِنَّمَا قَالَ: الزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج كَذَلِك، وَلم يقل لنا الْقطع بِأَن الصَّلَاة، وَالزَّكَاة، وَالصَّوْم، وَالْحج للمعاني الشَّرْعِيَّة؛ لِأَن قطعه إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّلَاة فَقَط. وَقَوله: " الزَّكَاة ... " إِلَى آخِره - جملَة مستأنفة. وَقَوله: " وَالزَّكَاة " مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ.

صفحة فارغة هَامِش وَقَوله: " كَذَلِك " أَي: مثل الصَّلَاة فِي النَّفْل، لَا فِي الْقطع بِهِ، هَذَا تَقْرِير كَلَامه. وَيشْهد لَهُ كَلَامه فِي (الْمُنْتَهى) ؛ إِذْ قَالَ: لنا: الْقطع أَن الصَّلَاة للركعات، وَالظَّاهِر أَن الزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج كَذَلِك. فَإِن قلت: لم كَانَ الْقطع مَوْجُودا فِي الصَّلَاة، دون غَيرهَا؟ قلت: قد يُقَال: الْعَرَب كَانَت تعرف حج الْبَيْت، وَصَوْم يَوْم إِلَى اللَّيْل. وَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيّ: لم يكن لفظ الزَّكَاة مَعْرُوفا عِنْدهم أَلْبَتَّة، وَنحن نقطع بِأَنَّهُم لم يَكُونُوا عارفين بِهَذِهِ الصَّلَاة الْمَخْصُوصَة. وَقَوله: إِن الصَّلَاة: الدُّعَاء - جزم مِنْهُ بذلك. وَفِي (الْمُنْتَهى) قَالَ: الدُّعَاء أَو الِاتِّبَاع، وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ هُنَا من بعد؛ حَيْثُ يَقُول: ورد بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاة، وَهُوَ غير دَاع وَلَا مُتبع. وَالْمَشْهُور: أَن الصَّلَاة فِي اللُّغَة: الدُّعَاء الْخَاص؛ وَهُوَ الدُّعَاء بِخَير. وَهل هِيَ مُشْتَركَة بَين الدُّعَاء، وَالرَّحْمَة، أَو حَقِيقَة فِي الدُّعَاء، مجَاز فِي الرَّحْمَة؟ . ظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي الأول؛ إِذا اسْتدلَّ على إِعْمَال الْمُشْتَرك فِي معنييه بقوله تَعَالَى: {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ} [سُورَة الْأَحْزَاب: الْآيَة، 56] . وَذهب الزَّمَخْشَرِيّ إِلَى أَنَّهَا مجَاز فِي الدُّعَاء؛ ذكره عِنْد الْكَلَام على قَوْله تَعَالَى فِي (الْبَقَرَة) {ويقيمون الصَّلَاة} [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 3] ؛ حَيْثُ قَالَ: وَقيل للداعي: حصل؛ تَشْبِيها فِي تخشعه بالراكع والساجد. انْتهى، وَجعل حَقِيقَة الْمُصَلِّي تحرّك الصلوين. وَلقَائِل أَن يَقُول: قَوْله: " الصَّلَاة للركعات " يَقْتَضِي أَن كل صَلَاة ذَات رَكْعَات، والركعات صَلَاة شَرْعِيَّة إِجْمَاعًا، وَكَذَلِكَ الرَّكْعَة الْوَاحِدَة عندنَا. وَلَا يُقَال: فَلم تجب رَكْعَتَانِ [على] من نذر أَن يُصَلِّي؛ فِي أصح الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَن

عندنا ركن في الصلاة وذلك دعاء وكذلك قوله اهدنا الصراط المستقيم في الفاتحة وإن كان المصلي إنما يقرؤه على أنه قرآن فليقرر بمن لا يوجب الصلاة في الصلاة ولا الفاتحة كالحنفي فإن صلاته قد تخلو عن الأمرين فتخلو عن

قَوْلهم: (بَاقِيَة، والزيادات شُرُوط) ؛ رد بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاة، وَهُوَ غير دَاع وَلَا مُتبع. هَامِش المأخذ فِي إِيجَاب رَكْعَتَيْنِ لَيْسَ أَن الرَّكْعَة لَيست صَلَاة، بل إِيجَاب الْآدَمِيّ على نَفسه فرع لإِيجَاب الله تَعَالَى، وَأَقل مَا أوجب الله - تَعَالَى - رَكْعَتَانِ، وَيَقْتَضِي أَيْضا أَن مَا لَا رَكْعَة فِيهِ لَيْسَ بِصَلَاة؛ فَترد عَلَيْهِ صَلَاة الْجِنَازَة؛ وَكَذَلِكَ سجدتا التِّلَاوَة، وَالشُّكْر. قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد: كل مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ صَلَاة شَرْعِيَّة. الشَّرْح: قَالَ: " قَوْلهم "، أَي: فِي الِاعْتِرَاض على هَذَا الدَّلِيل: لَا نسلم أَن هَذِه الْأَلْفَاظ خَارِجَة عَن موضوعاتها اللُّغَوِيَّة " بَاقِيَة، والزيادات " المزيدة عَلَيْهَا " شُرُوط "؛ لصِحَّة وُقُوع الْفِعْل على الْوَجْه الشَّرْعِيّ - " رد بِأَنَّهُ " قد يكون " فِي الصَّلَاة، وَهُوَ غير دَاع وَلَا مُتبع "؛ مَعَ أَن الصَّلَاة الدُّعَاء؛ كَمَا تقدم، والاتباع. وَمِنْه الْمُصَلِّي فِي السباق، وَقد قرر كَونه غير دَاع بالمصلي حَال التَّلَبُّس بأركان لَا دُعَاء فِيهَا. وَلَك أَن تَقول: لَا نسلم [أَنه] يُسَمِّي، وَالْحَالة هَذِه، مُصَليا؛ بِالْحَقِيقَةِ؛ وبالأخرس، فَإِنَّهُ يُسمى مُصَليا، وَإِن لم [يكن] دَاعيا. وَلَك منع كَون الْأَخْرَس لَيْسَ بداع؛ إِذْ الدُّعَاء هُوَ الطّلب الْقَائِم بِالنَّفسِ؛ وَذَلِكَ يُوجد من الْأَخْرَس؛ وَبِأَن الدُّعَاء لَيْسَ ملازما للصَّلَاة. وَلَك أَن تَقول: الصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عندنَا ركن فِي الصَّلَاة؛ وَذَلِكَ دُعَاء؛ وَكَذَلِكَ قَوْله: {اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} ؛ فِي (الْفَاتِحَة) ، وَإِن كَانَ الْمُصَلِّي إِنَّمَا يَقْرَؤُهُ على أَنه قُرْآن - فليقرر بِمن لَا يُوجب الصَّلَاة فِي الصَّلَاة، وَلَا الْفَاتِحَة؛ كالحنفي، فَإِن صلَاته قد تَخْلُو عَن الْأَمريْنِ؛ فتخلو عَن الدُّعَاء، وَقرر كَونه [قد يكون] غير مُتبع بِالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرد، وَلَك أَن تَقول: المُرَاد بالاتباع: اتِّبَاع الشَّارِع، وَذَلِكَ حَاصِل لَهما. فقد لَاحَ لَك بِهَذَا؛ أَن مَا رد بِهِ كَلَام القَاضِي فِيهِ نظر.

سيد أهل اللغة واستعماله استعمال أهل اللغة ففيم الترديد وقولكم وإن كان أريد أهل اللغة فخلاف الظاهر لأنهم لم يعرفوها فيه نظر لأنكم جزمتم بأن أهل اللغة لم يعرفوها واستدللتم بذلك على أن استعمالهم لها خلاف الظاهر وكيف يكون

قَوْلهم: مجَاز، إِن أُرِيد اسْتِعْمَال الشَّارِع لَهَا، فَهُوَ الْمُدعى، وَإِن أُرِيد بِهِ أهل اللُّغَة، فخلاف الظَّاهِر؛ لأَنهم لم يعرفوها؛ وَلِأَنَّهَا تفهم بِغَيْر قرينَة، القَاضِي: ... ... ... ... هَامِش الشَّرْح: وَأما " قَوْلهم "؛ بأننا سلمنَا اسْتِعْمَال الشَّارِع لَهما، وَلَكِن ذَلِك لَيْسَ دَلِيلا على الْحَقِيقَة، وَإِنَّمَا هُوَ " مجَاز "؛ لما بَين الشَّرْعِيّ واللغوي من العلاقة: فَجَوَابه من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن نقُول: " إِن أُرِيد " بِكَوْنِهَا مجَازًا " اسْتِعْمَال الشَّارِع لَهَا "، أَي: أَن الشَّارِع استعملها فِي هَذِه الْمعَانِي على سَبِيل التَّجَوُّز، " فَهُوَ الْمُدعى "؛ إِذْ الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة مجَاز لغَوِيّ أشهر. " وَإِن أُرِيد " اسْتِعْمَال " أهل اللُّغَة، فخلاف الظَّاهِر؛ لأَنهم لم يعرفوها "، فَكيف يستعملونها، وَاسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي الْمَعْنى فرع تعقله؟ . وَالثَّانِي: الْمَنْع فَلَا نسلم أَنَّهَا مجَاز؛ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: " وَلِأَنَّهَا " لَو كَانَت مجَازًا، لتوقف فهمها على الْقَرِينَة، لَكِنَّهَا " تفهم بِغَيْر قرينَة "، وتبادر الْفَهم دَلِيل الْحَقِيقَة. وَلقَائِل أَن يَقُول على الأول: قَوْلكُم: إِن أُرِيد اسْتِعْمَال الشَّارِع، فَهُوَ الْمُدعى - مَاذَا تُرِيدُونَ بِاسْتِعْمَالِهِ؟ إِن أردتم مُجَرّد الِاسْتِعْمَال، فَلَيْسَ هُوَ الْمُدعى، وَإِن أردتم الِاسْتِعْمَال مَعَ الْوَضع الشَّرْعِيّ، فَمَمْنُوع؛ وَأَيْضًا فالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سيد أهل اللُّغَة، واستعماله اسْتِعْمَال أهل اللُّغَة، فَفِيمَ الترديد؟ وقولكم: وَإِن كَانَ أُرِيد أهل اللُّغَة، فخلاف الظَّاهِر؛ لأَنهم لم يعرفوها - فِيهِ نظر؛ لأنكم جزمتم بِأَن أهل اللُّغَة لم يعرفوها؛ واستدللتم بذلك على أَن استعمالهم لَهَا خلاف الظَّاهِر، وَكَيف يكون الدَّلِيل مَجْزُومًا بِهِ، والمدلول خلاف الظَّاهِر؛ وَلَا بُد من تَسَاوِي الدَّلِيل والمدلول فِي الْقطع وَالظَّن. وعَلى الثَّانِي: لم قُلْتُمْ: إِن تبادر الْفَهم عَلامَة الْحَقِيقَة، وَقد تبادر الْمجَاز الرَّاجِح.

والنقل إما متواتر أو آحاد والآحاد لا تفيد إذ المسألة علمية قال القاضي في التقريب بل لا يقدر أحد أن يروي حرفا في ذلك عن الرسول

لَو كَانَت كَذَلِك، لفهمها الْمُكَلف، وَلَو فهمها، لنقل؛ لأَنا مكلفون مثلهم، والآحاد لَا تفِيد، وَلَا تَوَاتر؛ وَالْجَوَاب: أَنَّهَا فهمت بالتفهيم بالقرائن؛ كالأطفال. هَامِش وَلَا يُقَال تبادره، إِنَّمَا يكون بسبق حَقِيقَة عرفية، وَهِي منتفية، أَو شَرْعِيَّة، وَهِي الْمُدعى؛ لِأَنَّهُ قد يتَبَادَر، لَا مَعَ وَاحِد من هذَيْن. وَاسْتدلَّ " القَاضِي " على نفي الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة؛ بِأَنَّهُ " لَو كَانَت كَذَلِك "، أَي: مَوْضُوعَة بِالشَّرْعِ، " لفهمها " الشَّارِع " الْمُكَلف " قبل أَن يُخَاطب بهَا، وَإِلَّا يلْزم الْخطاب بِمَا لَا يفهم، وَهُوَ تَكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق، " وَلَو فهمها " للمكلفين، " لنقل " إِلَيْنَا؛ " لأننا مكلفون مثلهم "، أَي: مثل الْمُوَحِّدين فِي زمن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَالنَّقْل: إِمَّا متواتر أَو آحَاد، " والآحاد لَا تفِيد "؛ إِذْ الْمَسْأَلَة علمية. قَالَ القَاضِي فِي (التَّقْرِيب) : بل لَا يقدر أحد أَن يروي حرفا فِي ذَلِك عَن الرَّسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. " وَلَا تَوَاتر " اتِّفَاقًا. " وَالْجَوَاب ": سلمنَا أَنه لَا بُد من التفهم، [وَلَكِن] لم حصرت التفهم فِي النَّقْل؟ فَنَقُول: " إِنَّهَا فهمت: بالتفهيم بالقرائن؛ كالأطفال "؛ حَيْثُ يعْرفُونَ مَدْلُول اللَّفْظ من غير نَص عِنْدهم. وَهَذَا الْجَواب على تَقْدِير تَسْلِيم الْمُلَازمَة، وَقد منعهَا أخي الإِمَام أَبُو حَامِد - سلمه الله - فِي قِطْعَة [وقفت] عَلَيْهَا من كَلَامه على الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة؛ موجها بِأَنَّهُ قد كلف بِالصَّلَاةِ من لَا يفهم موضوعها شرعا، فَيُقَال لَهُ: صل؛ وَلَا تُجزئ صَلَاتك إِلَّا إِذا فعلت كَيْت وَكَيْت. أما دُخُول تِلْكَ الْأُمُور فِي مُسَمّى الصَّلَاة بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيّ، أَو عَدمه، فَلَيْسَ من التَّكْلِيف. قَالَ: وَلَا نعلم أحدا قَالَ: إِن من شَرط الصَّلَاة أَن يعرف الْمُصَلِّي الرُّكْن من [الشَّرْط] . وَلقَائِل أَن يَقُول: أما أَن ذَلِك لَيْسَ من شَرط الصَّلَاة، فَلَا ريب فِيهِ، بل وَلَا [تجب] مَعْرفَته على مَجْمُوع العاملين. وَأما أصل وجوب مَعْرفَته، فَهُوَ من عُلُوم [الشَّرِيعَة] الَّتِي يجب حملهَا، وَلَا وَجه لمنع الْمُلَازمَة، مَعَ ثُبُوت أصل الْوُجُوب. وَقَول المُصَنّف " بالتفهيم " حَشْو، وَلَو قَالَ: فهمت بالقرائن فَقَط، حصل غَرَضه، ثمَّ إِن

وهو سيد العرب العرباء

قَالُوا: لَو كَانَت، لكَانَتْ غير عَرَبِيَّة؛ لأَنهم لم يضعوها، وَأما الصُّغْرَى؛ فَلِأَنَّهُ يلْزم أَلا يكون الْقُرْآن عَرَبيا؛ وَأجِيب بِأَنَّهَا عَرَبِيَّة؛ بِوَضْع الشَّارِع لَهَا مجَازًا، ... ... ... هَامِش القَاضِي ومتابعيه ذكرُوا دَلِيلا آخر؛ وَهُوَ فِي كتاب (التَّقْرِيب) مقدم فِي الذّكر على الِاحْتِجَاج السَّابِق. الشَّرْح: " قَالُوا: لَو كَانَت " حقائق شَرْعِيَّة، " لكَانَتْ غير عَرَبِيَّة؛ لأَنهم "، أَي: الْعَرَب، " لم يضعوها " والتالي بَاطِل، فَكَذَا الْمُقدم. أما الشّرطِيَّة؛ فَلِأَن الْعَرَبِيّ هُوَ اللَّفْظ الْمَوْضُوع لما خصصته بِهِ الْعَرَب، وَلَيْسَت هَذِه الْأَلْفَاظ كَذَلِك. " وَأما الصُّغْرَى "؛ كَذَا بِخَط المُصَنّف، وَفِي بعض النّسخ (الثَّانِيَة) ، وَالْمرَاد: بطلَان التَّالِي - " فَإِنَّهُ يلْزم أَلا يكون [الْقُرْآن] عَرَبيا "؛ لاشْتِمَاله عَلَيْهَا؛ لكنه عَرَبِيّ؛ لقَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} [سُورَة يُوسُف: الْآيَة، 2] . قَالَ القَاضِي: ولإطباق الْأمة على أَنا لم نخاطب إِلَّا بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ. " وَأجِيب " بِمَنْع الشّرطِيَّة؛ فَلَيْسَ من شَرط الْعَرَبِيّ أَن يَضَعهُ الْعَرَب لذَلِك الْمَعْنى؛ بل اللَّفْظ الَّذِي تضعه الْعَرَب لِمَعْنى مُنَاسِب للمعنى الْمَوْضُوع تجوزا، يُسمى عَرَبيا؛ وَهُوَ معنى قَوْله: " بِأَنَّهَا عَرَبِيَّة؛ بِوَضْع الشَّارِع لَهَا مجَازًا ". وَالضَّمِير فِي قَوْله: (لَهَا) - عَائِد على الْمعَانِي الشَّرْعِيَّة؛ وَقواهُ ب (اللَّام) ؛ لِأَن الْمصدر يقوى ب (اللَّام) ؛ لضعف عمله عَن عمل الْفِعْل. وَالْحَاصِل: أَن الْمجَاز عَرَبِيّ، والحقائق الشَّرْعِيَّة مجازات. فَإِن قلت: إِنَّمَا يكون من اللُّغَة الْمجَاز الَّذِي تَكَلَّمت بِهِ الْعَرَب. قلت: تقدم أَنه لَا يشْتَرط النَّقْل فِي الْآحَاد، وَأَن اسْتِعْمَال الْعَرَب لأصل العلاقة كَاف فِي نِسْبَة الْمجَاز لَهَا. وَمن هَذَا يعلم أَن قَوْله: (مجَازًا) يتَعَلَّق بِوَضْع الشَّارِع، لَا بقوله (بِأَنَّهَا عَرَبِيَّة) ؛ وَلَك منع الْمُلَازمَة بِوَجْه آخر؛ وَهُوَ أَن الشَّرْعِيَّة عَرَبِيَّة بِوَضْع أفْصح من نطق بالضاد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؛ وَهُوَ سيد الْعَرَب العرباء.

أَو {أَنزَلْنَاهُ} ضمير السُّورَة، وَيصِح إِطْلَاق اسْم الْقُرْآن عَلَيْهَا؛ كَالْمَاءِ وَالْعَسَل؛ بِخِلَاف نَحْو: الْمِائَة، والرغيف، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش فَإِن قلت: فلتكن لغوية. قلت: اللّغَوِيّ لم يُلَاحظ فِيهِ الْوَضع الْأَصْلِيّ. " أَو " يمْنَع بطلَان التَّالِي، ونقول: " {أَنزَلْنَاهُ} ضمير للسورة "، أَي: الضَّمِير فِي (أَنزَلْنَاهُ) للسورة، لَا لِلْقُرْآنِ، " وَيصِح إِطْلَاق اسْم الْقُرْآن عَلَيْهَا؛ كَالْمَاءِ، وَالْعَسَل "؛ إِذْ يُطلق كل مِنْهُمَا على قَلِيله، وَكَثِيره؛ " بِخِلَاف نَحْو: الْمِائَة، والرغيف "؛ إِذْ لَا يُطلق على الْبَعْض. وَحَاصِله: أَن الْقُرْآن اسْم جنس صَادِق على الْقَلِيل مِنْهُ، وَالْكثير؛ وَلذَلِك [ف] إِن الْحَالِف؛ لَا يقْرَأ الْقُرْآن - يَحْنَث بِقِرَاءَة الْبَعْض. وَلقَائِل أَن يَقُول: لَا نسلم أَن الْقُرْآن اسْم جنس، وَإِنَّمَا هُوَ علم على الْكتاب الْعَزِيز، وَهَذَا مَا ذكره الْبَيْضَاوِيّ فِي (مرصاده) ؛ بحثا، وَنَقله أخي الإِمَام أَبُو حَامِد - رَحمَه الله - عَن أبي عَليّ الْفَارِسِي، وَهُوَ الَّذِي يَصح عَن الشَّافِعِي، رَضِي الله عَنهُ. وَقَالَهُ إِسْمَاعِيل بن قسطنطين الَّذِي قَرَأَ عَلَيْهِ الشَّافِعِي. وَالْإِمَام الرَّازِيّ قَالَ: إِنَّه اسْم للمجموع، وَقَوْلهمْ: الْحَالِف لَا يقْرَأ الْقُرْآن يَحْنَث بِالْبَعْضِ -

وَلَو سلم؛ فَيصح إِطْلَاق الْعَرَبِيّ على مَا غالبه عَرَبِيّ؛ كشعر فِيهِ فارسية وعربية. هَامِش مَمْنُوع؛ فقد نَص الشَّافِعِي على أَنه لَا يَحْنَث، وَهُوَ مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو حَامِد، والمحاملي وَلَا نَعْرِف فِيهِ خلافًا، وَقَضِيَّة هَذَا الحكم أَن يكون علما أَو اسْما للمجموع. وَمن عجائب الإِمَام الرَّازِيّ قَوْله: إِن الْقُرْآن اسْم للمجموع، مَعَ قَوْله: إِنَّه يَحْنَث بِالْبَعْضِ؛ وَذَلِكَ لَا يلتئم. وأعجب مِنْهُ استدلاله على أَنه اسْم للمجموع؛ بِالْإِجْمَاع على أَن الله لم ينزل [إِلَّا] قُرْآنًا وَاحِدًا. قَالَ: وَلَو كَانَ صَادِقا على كل جُزْء، لما كَانَ وَاحِدًا، وَهُوَ عَجِيب؛ لِأَن الْمُطلق لَا يدل على وحدة، وَلَا تعدد. وأعجب مِنْهُ قَول آخَرين: لَو لم يكن اسْما للمجموع، لما حرم على الْجنب قِرَاءَة الْبَعْض؛ أفخفي عَلَيْهِم أَن ذَلِك لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا تقْرَأ الْحَائِض وَلَا الْجنب شَيْئا من الْقُرْآن ". قَالَ: " وَلَو سلم " أَن الضَّمِير فِي {أَنزَلْنَاهُ} لِلْقُرْآنِ، فَلَا يخرج عَن كَونه عَرَبيا بِوُقُوع هَذِه الْأَلْفَاظ فِيهِ؛ " فَيصح إِطْلَاق " اسْم " الْعَرَبِيّ على مَا غالبه عَرَبِيّ؛ كشعر فِيهِ فارسية وعربية "؛ فَإِنَّهُ

فائدة

صفحة فارغة هَامِش يصدق على الأول أَنه عَرَبِيّ، وعَلى الثَّانِي فَارسي مجَازًا. فَإِن قلت: الْمجَاز خلاف الأَصْل. قلت: هَذَا لَا يضر؛ لِأَن الْمُسْتَدلّ، إِذا ذكر دَلِيلا، فَلَا يَسعهُ الذّهاب إِلَى مَا فِيهِ مُخَالفَة الأَصْل؛ من مجَاز، أَو غَيره، إِلَّا مَعَ ذكر المحوج لذَلِك، مَعَ الِاسْتِدْلَال عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْمحل، أما إِذا ذكر دَلِيلا سالما عَن الْمعَارض، فعورض بِمَا هُوَ ظَاهر فِي الْمُعَارضَة، مَعَ احْتِمَال عدمهَا؛ [كالمعارضة بقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} [سُورَة يُوسُف: الْآيَة، 2] . فَقَالَ الْمُسْتَدلّ: هَذَا أُرِيد بِهِ خلاف ظَاهره؛ من مجَاز] أَو غَيره، فدعواه مَمْنُوعَة؛ لِأَن الدَّلِيل الْمَنْصُوب [أَولا] لَا يُعَارضهُ إِلَّا دَلِيل سَالم عَن الِاحْتِمَال، فَكَمَا منعنَا الْمُسْتَدلّ من الذّهاب إِلَى الْمجَاز، منعنَا خَصمه من الِاسْتِدْلَال بِمَا فِيهِ احْتِمَال الْمجَاز. وَاعْلَم أَن المُصَنّف أطلق الصِّحَّة فِي قَوْله: وَيصِح إِطْلَاق اسْم الْقُرْآن عَلَيْهَا، وَأَرَادَ الصِّحَّة [الْحَقِيقِيَّة، وَهنا أَرَادَ المجازية؛ كَمَا أطلق الرَّافِعِيّ] الصِّحَّة فِي كَلَامه على قَول (الْوَجِيز) : " وَالْكثير لَا ينجس إِلَّا إِذا تغير "، وَأَرَادَ الصِّحَّة الْحَقِيقِيَّة. وَفِي مَوَاضِع أخر، وَأَرَادَ المجازية. (" فَائِدَة ") لَعَلَّك تَقول: الإِمَام الرَّازِيّ وَالْمُصَنّف متوافقان على مَذْهَب وَاحِد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، وَقد تخالفا فِي هَذَا الدَّلِيل؛ إِذْ اسْتدلَّ بِهِ الإِمَام على أَن الْقُرْآن عَرَبِيّ، وَاخْتَارَ ذَلِك، وَجعله المُصَنّف دَلِيلا للخصم، وَاخْتَارَ اشتماله على مَا لَيْسَ بعربي تَنْزِيلا - فَنَقُول: لنا هُنَا خصمان: الْمُعْتَزلَة، وَالْقَاضِي؛ فَحَيْثُ اسْتدلَّ الإِمَام بِكَوْنِهِ عَرَبيا، فمراده الرَّد على الْمُعْتَزلَة فِي قَوْلهم بِالْوَضْعِ المبتكر، ونخص مَذْهَب القَاضِي برد آخر، وَيكون الِاحْتِجَاج بِكَوْنِهِ عَرَبيا - دَلِيلا لنا، وللقاضي عَلَيْهِم. وَالْمُصَنّف نَصبه شُبْهَة من القَاضِي، وَذكر جوابين: أَحدهمَا: يدْفع مَا تعلق بِهِ القَاضِي؛ وَهُوَ قَوْله: (وَأجِيب بِأَنَّهَا عَرَبِيَّة) ، ورشحه بِمَا يمْنَع

الْمُعْتَزلَة: الْإِيمَان التَّصْدِيق، وَفِي الشَّرْع الْعِبَادَات؛ لِأَنَّهَا الدّين الْمُعْتَبر، وَالدّين الْإِسْلَام؛ وَالْإِسْلَام الْإِيمَان؛ بِدَلِيل: {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا} [سُورَة آل عمرَان: الْآيَة، 85] ؛ فَثَبت أَن الْإِيمَان الْعِبَادَات، وَقَالَ: {فأخرجنا من كَانَ فِيهَا من هَامِش الْمُعْتَزلَة من التَّمَسُّك فِيهِ، وَهُوَ قَوْله: مجَازًا، وَلَوْلَا هَذَا الترشيح، لقالت الْمُعْتَزلَة بذلك القَوْل. وَالثَّانِي: يدْفع مَذْهَب القَاضِي، وَيمْنَع اسْتِدْلَال الإِمَام. فقد جمع المُصَنّف الْكَلَام من الطَّرفَيْنِ، وتوسط بَين الطَّرِيقَيْنِ، وَالْحَاصِل أَن الإِمَام يَجْعَل الْآيَة دَلِيلا لمذهبه على الْمُعْتَزلَة، وَالْقَاضِي يَجْعَلهَا دَلِيلا لمذهبه علينا، وَالْمُصَنّف يَقُول: لَا تدل لوَاحِد من المذهبين؛ نبه عَلَيْهِ أخي رَحمَه الله. الشَّرْح: واستدلت " الْمُعْتَزلَة " على مَا انفردوا بِهِ عَنَّا من القَوْل بالأسماء الدِّينِيَّة؛ بِأَن " الْإِيمَان " لُغَة " التَّصْدِيق "، وَهَذَا لَا نزاع فِيهِ. " وَفِي الشَّرْع: الْعِبَادَات "، فَكَانَ حَقِيقَة شَرْعِيَّة فِيهَا؛ " لِأَنَّهَا "، أَي: الْعِبَادَات " الدّين الْمُعْتَبر "؛ لقَوْله تَعَالَى: (وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين حنفَاء ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة وَذَلِكَ دين الْقيمَة} [سُورَة الْبَيِّنَة: الْآيَة، 5] ، وَأَشَارَ بذلك إِلَى مَا سبق من الْعِبَادَات، " فالدين: الْإِسْلَام "؛ لقَوْله تَعَالَى: {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} [سُورَة آل عمرَان: الْآيَة، 19] . " وَالْإِسْلَام: الْإِيمَان "، وَإِلَّا لم يقبل من فَاعله؛ " بِدَلِيل ": قَوْله تَعَالَى: " {وَمن يبتغ غير الْإِسْلَام دينا " فَلَنْ يقبل مِنْهُ} [سُورَة آل عمرَان: الْآيَة، 85] ، وَالْإِيمَان مَقْبُول؛ فَكَانَ هُوَ الْإِسْلَام؛ " فَثَبت أَن الْإِيمَان الْعِبَادَات ". هَذَا تَقْرِير شبهتهم، فاعتمده، وَهِي مَبْنِيَّة على مَا يَدعُوهُ من أَن الْإِيمَان: الْعِبَادَات، وَعِنْدنَا التَّصْدِيق. وَهل النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ شَرط فِي الِاعْتِدَاد بِهِ، أَو ركن؟ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ تردد. وَلَك أَن تعترض الشُّبْهَة بِأَن ذَلِك لَا يعود إِلَى جَمِيع مَا تقدم؛ فَإِن اسْم الْإِشَارَة مُفْرد؛ فَلَا بُد من عوده إِلَى شَيْء وَاحِد، وَذَلِكَ للبعيد، والبعيد هُنَا هُوَ الْإِخْلَاص؛ فَإِذن الْآيَة لنا عَلَيْهِم؛ إِذْ مدعانا أَن الْإِيمَان: الْإِخْلَاص؛ فاعتمد هَذَا الِاعْتِرَاض بِهَذَا التَّقْرِير. واعترضت بشيئين آخَرين: أَحدهمَا: أَن الْقيَاس فِيهَا من الشكل الأول، وَشَرطه كُلية كبراه، وَهِي فِيهِ مُهْملَة، والمهملة

صفحة فارغة هَامِش فِي حكم الْجُزْئِيَّة؛ والمعني بِالْمُهْمَلَةِ هُنَا - مَا هُوَ أَعم من الطبيعية؛ كَقَوْلِنَا: الْإِنْسَان جنس، وَغَيرهَا؛ ك: الْإِنْسَان فِي خسر. وَالثَّانِي: أَنه إِنَّمَا أنتج أَن الْعِبَادَات الْإِيمَان؛ لِأَن [الْإِيمَان] الْعِبَادَات الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوب؛ وَفرق بَينهمَا؛ لِأَن قَوْلنَا: الْعِبَادَات الْإِيمَان، ينعكس إِلَى قَوْلنَا: بعض الْإِيمَان عبادات؛ فَلم يثبت بذلك: الْإِيمَان الْعِبَادَات، بل أَن بعض الْإِيمَان الْعِبَادَات. وَالْجَوَاب: أَن المنطقيين لم يُرِيدُوا بِكَوْن الْمُهْملَة فِي قُوَّة الْجُزْئِيَّة - كَونهَا جزئية أبدا؛ كَمَا عرفناك عِنْد قَول المُصَنّف: (والمحقق فِي الْمُهْملَة [فِي قُوَّة] الْجُزْئِيَّة) . وَلَو أَرَادوا ذَلِك، لخالفوا مَا قَرَّرَهُ غَيرهم من اشتمالها على صِيغَة الْعُمُوم؛ كَقَوْلِك: الْإِنْسَان حَيَوَان، والقضايا الَّتِي اقتصروا على ذكرهَا لم يدعوا انْتِفَاء الدّلَالَة فِي غَيرهَا، بل أخذُوا الْمُحَقق المطرد، وأهملوا غَيره، وأحالوه فِي كل مَادَّة على تصرف يَلِيق بأَهْله. والمهملة يتَحَقَّق فِيهَا الْجُزْئِيَّة، ثمَّ قد يدل قَطْعِيّ على إِرَادَة الْعُمُوم من الْألف وَاللَّام، فَتكون الْمُهْملَة كُلية قطعا، فَتكون صَالِحَة لكبرى الأول فِي الْبَرَاهِين القطعية، وَقد يدل عَلَيْهِ دَلِيل ظَنِّي؛ فيصلح لكبراه فِي الْأَدِلَّة الظنية؛ فاعرف ذَلِك، ينفعك فِي أَمَاكِن كَثِيرَة، وَيظْهر لَك بِهِ الْجَواب عَن السُّؤَال الثَّانِي، فَقَوْلهم بانعكاس الْكُلية الْمُوجبَة إِلَى جزئية، لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا يُمكن أَن تنعكس كُلية. وَلَو أَرَادوا ذَلِك، لخالفوا الْقَاعِدَة الْمجمع عَلَيْهَا فِي علمي النَّحْو وَالْبَيَان؛ من أَن خبر الْمُبْتَدَأ تَارَة يكون مُسَاوِيا لَهُ، وَتارَة يكون أَعم - ولبطل الْإِخْبَار بِأحد المترادفين عَن الآخر، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَن الْمُحَقق فِي الانعكاس هُوَ الْجُزْئِيَّة؛ لاحْتِمَال كَون الْخَبَر أَعم؛ ك: الْإِنْسَان حَيَوَان، فالانعكاس حِينَئِذٍ قَاصِر على الْجُزْئِيَّة، وَقد يكون الْخَبَر مُسَاوِيا؛ فَيكون الحكم غير قَاصِر على الْجُزْئِيَّة؛ ك: الْإِنْسَان نَاطِق؛ فَإِنَّهُ ينعكس إِلَى: بعض النَّاطِق إِنْسَان، وَالْحكم غير قَاصِر عَلَيْهَا، بل يصدق كُلية؛ لصِحَّة: كل النَّاطِق إِنْسَان.

صفحة فارغة هَامِش وَهَذَا مَكَان إِذا حققته، جمعت بَين كَلَام الْأُصُولِيِّينَ، والمنطقيين، والنحاة، والبيانيين، وَظهر لَك أَن الْألف وَاللَّام رُبمَا كَانَت سورا للكلية فِي بعض الْمَوَارِد. وَحَاصِله: أَن هذَيْن القياسين يرجعان إِلَى قِيَاس الْمُسَاوَاة؛ كَأَنَّهُ قَالَ: الْعِبَادَات مُسَاوِيَة للدّين الْمسَاوِي لِلْإِسْلَامِ الْمسَاوِي للْإيمَان؛ فالعبادات مُسَاوِيَة للْإيمَان. " و " احتجت الْمُعْتَزلَة أَيْضا على أَن الْإِسْلَام هُوَ الْإِيمَان؛ بِأَنَّهُ - تَعَالَى - اسْتثْنى الْمُسلمين من الْمُؤمنِينَ: " قَالَ: {فأخرجنا من كَانَ فِيهَا من الْمُؤمنِينَ} إِلَى آخرهَا [سُورَة الذاريات: الْآيَة، 35] "، أَعنِي: {فَمَا وجدنَا فِيهَا غير بَيت من الْمُسلمين} [سُورَة الذاريات: الْآيَة، 36] ، والمستثنى من جنس الْمُسْتَثْنى مِنْهُ؛ فالإسلام من جنس الْإِيمَان. وَلَك أَن تَقول: غَايَة مَا تدل عَلَيْهِ الْآيَة - أَن الْمُسلم مُؤمن، وَلَا يلْزم من ذَلِك كَون الْإِسْلَام الْإِيمَان؛ لصدق: الضاحك كَاتب، وَكذب: الضحك كِتَابَة.

الإيمان بخلاف ما فسر به الإسلام ولن يمتري بعد ذلك في تغايرهما إلا مباهت الشرح ثم استدلت المعتزلة أيضا على أن الإيمان هو العبادات بأن قالوا لو لم يكن ذلك وكان عبارة عن التصديق فقط لكان قاطع الطريق مؤمنا لأنه مصدق

الْمُؤمنِينَ} [سُورَة الذاريات: الْآيَة، 35] إِلَى آخرهَا؛ وعورض بقوله: {قل لم تؤمنوا، وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا} [سُورَة الحجرات: الْآيَة 14] . قَالُوا: لَو لم يكن، لَكَانَ قَاطع الطَّرِيق مُؤمنا، وَلَيْسَ بِمُؤْمِن؛ لِأَنَّهُ مخزى؛ بِدَلِيل: {من تدخل النَّار، فقد أخزيته} [سُورَة آل عمرَان: الْآيَة، 92] ، وَالْمُؤمن لَا يخزى؛ بِدَلِيل: {يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا [مَعَه] } [سُورَة التَّحْرِيم: الْآيَة، 8] ؛ هَامِش " وعورض " أصل دَلِيل الْمُعْتَزلَة، وَقيل: الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ الْأَخِيرَة. وَقيل: بل بالآيتين؛ " بقوله " تَعَالَى: " {قل: لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا: أسلمنَا} [سُورَة الحجرات: الْآيَة، 17] "؛ سلب عَنْهُم الْإِيمَان، وَأثبت الْإِسْلَام؛ وَذَلِكَ نَص فِي التغاير؛ وَكَذَلِكَ حَدِيث جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - قَوْله: " مَا الْإِيمَان؟ وَمَا الْإِسْلَام؟ " وَفسّر فِيهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْإِيمَان؛ بِخِلَاف مَا فسر بِهِ الْإِسْلَام، وَلنْ يمتري بعد ذَلِك فِي تغايرهما إِلَّا مباهت. الشَّرْح: ثمَّ استدلت الْمُعْتَزلَة أَيْضا على أَن الْإِيمَان هُوَ الْعِبَادَات؛ بِأَن " قَالُوا: لَو لم يكن " ذَلِك، وَكَانَ عبارَة عَن التَّصْدِيق فَقَط - " لَكَانَ قَاطع الطَّرِيق مُؤمنا "؛ لِأَنَّهُ مُصدق؛ " وَلَيْسَ بِمُؤْمِن؛ لِأَنَّهُ مخزى " بِدُخُول النَّار؛ قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا أَن يقتلُوا أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف أَو ينفوا من الأَرْض، ذَلِك لَهُم خزي فِي الدُّنْيَا، وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم} [سُورَة الْمَائِدَة: الْآيَة، 33] ؛ وَالْعَذَاب الْعَظِيم يشْتَمل على دُخُول النَّار، وكل من يدْخل النَّار فَهُوَ مخزى؛ " بِدَلِيل " قَوْله تَعَالَى: {إِنَّك " من تدخل النَّار، فقد أخزيته} [سُورَة آل عمرَان: الْآيَة، 192] . وَالْمُؤمن لَا يخزى؛ بِدَلِيل " قَوْله تَعَالَى: " {يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا مَعَه} [سُورَة التَّحْرِيم: الْآيَة، 8] ". فقاطع الطَّرِيق لَيْسَ بِمُؤْمِن؛ مَعَ تَصْدِيقه؛ فَإِذن: الْإِيمَان: الْعِبَادَات. وَيُمكن أَن يُقَال أَيْضا: لَو لم يكن، لَكَانَ الزَّانِي وَالسَّارِق مُؤمنين؛ لكنهما ليسَا بمؤمنين؛ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي، وَهُوَ مُؤمن، وَلَا يسرق السَّارِق حِين يسرق، وَهُوَ مُؤمن "؛ مَعَ أَنَّهُمَا مصدقان، وَهُوَ أخصر؛ وَجَوَابه مَشْهُور.

وقوع المجاز

وَأجِيب: بِأَنَّهُ للصحابة، أَو مُسْتَأْنف. (وُقُوع الْمجَاز) (مَسْأَلَة:) الْمجَاز وَاقع؛ خلافًا للأستاذ؛ بِدَلِيل الْأسد للشجاع، وَالْحمار للبليد، وشابت لمة اللَّيْل، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش " وَأجِيب " عَن الْآيَة؛ " بِأَنَّهُ "، أَي: قَوْله تَعَالَى: {يَوْم لَا يخزي الله النَّبِي وَالَّذين آمنُوا مَعَه} [سُورَة التَّحْرِيم: الْآيَة، 8] لَيْسَ عَاما فِي كل الْمُؤمنِينَ؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - خص المخاطبين فِيهِ بالمعية؛ فَكَانَ " للصحابة " خَاصَّة. " أَو " يُقَال: إِنَّه كَلَام " مُسْتَأْنف "، وَيكون (الَّذين) مُبْتَدأ خَبره: {نورهم يسْعَى بَين أَيْديهم} [سُورَة التَّحْرِيم: الْآيَة، 8] ، وَلَيْسَ مُرَاده من كَونه مستأنفا؛ أَنه غير مَعْطُوف؛ بل إِنَّه من عطف الْجمل؛ [فَإِن الْعَطف مَوْجُود على كل، سَوَاء أَكَانَ مستأنفا أم لم يكن، وَلَكِن هَل هُوَ من عطف الْجمل؟] أَو الْمُفْردَات؟ فِي هَذَا النّظر. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " الْمجَاز وَاقع؛ خلافًا للأستاذ " أبي إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ، وَأبي عَليّ الْفَارِسِي؛ " بِدَلِيل " إِطْلَاق " الْأسد للشجاع، وَالْحمار للبليد، وشابت لمة اللَّيْل "؛ فَإِنَّهَا حقائق فِي غير هَذِه الْأُمُور؛ فَلَا تكون حقائق فِيهَا. قَالَ بعض الشَّارِحين: وَإِلَّا يلْزم الِاشْتِرَاك؛ وَهُوَ خلاف الأَصْل. وَهَذَا سَاقِط؛ لِأَن الأَصْل فِي الْإِطْلَاق الْحَقِيقَة، وَلم يثبت غَيرهَا، فيحال عَلَيْهَا؛ لِأَن الْمجَاز إِلَى الْآن لم يثبت.

فائدة

الْمُخَالف: يخل بالتفاهم؛ وَهُوَ استبعاد. هَامِش قَالَ ابْن المطهر: وَإِلَّا يلْزم الِاشْتِرَاك، وَالْمجَاز خير مِنْهُ. وَهُوَ واه أَيْضا؛ لِأَن الْمجَاز إِلَى الْآن لم يثبت؛ فَكيف يفزع إِلَيْهِ؟ وَقَالَ بَعضهم: وَإِلَّا يلْزم تبادرهما إِلَى الذِّهْن. وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إِلَّا على القَوْل بِأَن عدم التبادر عَلامَة الْمجَاز. وَقَالَ بَعضهم بِصِحَّة النَّفْي فِيهَا. وَهُوَ أَيْضا يتَوَقَّف على ثُبُوت أَن صِحَة النَّفْي عَلامَة. وَقد اعْترض الشِّيرَازِيّ هَذَا؛ بِأَنَّهُ فرع ثُبُوت الْمجَاز. وَلَيْسَ بجيد؛ فَإنَّا لم نستدل على كَونه مجَازًا بِصِحَّة النَّفْي؛ بل على كَونه غير حَقِيقَة، والحقيقة لَا تَنْفِي. وَاحْتج " الْمُخَالف "؛ بِأَنَّهُ يخل بالتفاهم "؛ لتبادر الْحَقِيقَة عِنْد الْإِطْلَاق؛ " وَهُوَ استبعاد " لوُجُوده، وَلَا يلْزم مِنْهُ عدم وجوده. (" فَائِدَة ") الْأُسْتَاذ لَا يُنكر اسْتِعْمَال الْأسد للشجاع وَأَمْثَاله؛ بل يشْتَرط فِي ذَلِك الْقَرِينَة، ويسميه حِينَئِذٍ حَقِيقَة، وانظره كَيفَ علل باختلال الْفَهم، وَمَعَ الْقَرِينَة لَا اختلال، وَإِيَّاك والاغترار بقول

مسألة

(مَسْأَلَة:) وَهُوَ فِي الْقُرْآن؛ خلافًا للظاهرية؛ بِدَلِيل: {لَيْسَ كمثله شَيْء} [سُورَة الشورى: الْآيَة، 11] ، هَامِش بَعضهم: قد يحصل الاختلال مَعَ الْقَرِينَة أَيْضا؛ وَذَلِكَ عِنْد عدم فهم السَّامع إِيَّاهَا، فَهُوَ سَاقِط؛ إِذْ عدم الْفَهم حِينَئِذٍ لخلل قَائِم بالسامع؛ وَقَائِل هَذَا يحِيل أَن الْأُسْتَاذ يُنكر الْمجَاز مَعَ الْقَرِينَة؛ وَلَيْسَ كَذَلِك؛ وَإِنَّمَا يُنكر تَسْمِيَته مجَازًا؛ كَمَا عرفت، وَالْخلاف لَفْظِي؛ كَمَا صرح [بِهِ] إِلْكيَا الهراسي. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " وَهُوَ "، أَي: الْمجَاز - وَاقع " فِي الْقُرْآن "؛ وَكَذَا الحَدِيث؛ على مَا نَقله جمَاعَة. " خلافًا للظاهرية " فيهمَا، وَلَيْسوا مطبقين على ذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك مِنْهُم أَبُو بكر بن دَاوُد، وَطَائِفَة، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو الْعَبَّاس بن الْقَاص، وَجَمَاعَة من قدماء أَصْحَابنَا. وَذهب ابْن حزم من الظَّاهِرِيَّة؛ إِلَى أَنه لَا يجوز اسْتِعْمَال مجَاز إِلَّا إِن ورد فِي كتاب أَو سنة. وَظَاهر النَّقْل عَمَّن أنكرهُ من الظَّاهِرِيَّة؛ أَنهم يُنكرُونَ مجَاز الِاسْتِعَارَة، كَمَا صرح بِهِ ابْن دَاوُد فِي كِتَابه (الْوُصُول) ؛ قَالَ: " بِدَلِيل: {لَيْسَ كمثله شَيْء} [سُورَة الشورى: الْآيَة، 11] "؛ وَهُوَ مجَاز زِيَادَة.

{واسأل الْقرْيَة} [سُورَة يُوسُف: الْآيَة، 82] ، {جدارا يُرِيد أَن ينْقض} [سُورَة الْكَهْف: الْآيَة، 77] ، هَامِش وَلَك أَن تَقول: سبق أَن مجَاز الزِّيَادَة لَيْسَ فِي مَحل الْخلاف، وَقد قررت الزِّيَادَة بِأَن الْكَاف زَائِدَة، وَإِلَّا يكون التَّقْدِير: مثل مثله؛ فَإِنَّهَا بِمَعْنى (مثل) ، فَيكون لَهُ - تَعَالَى - مثل؛ وَهُوَ محَال، وَالْغَرَض من الْكَلَام نَفْيه أَيْضا. وَالْحق أَن الْكَاف غير زَائِدَة، لَا سِيمَا، وَشَيخنَا أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ يُنكر أَن يكون فِي الْقُرْآن زِيَادَة، وَالْكَلَام مَحْمُول على حَقِيقَته من نفي مثل الْمثل، وَيلْزم [من] نفي مثل الْمثل [نفي الْمثل؛ ضَرُورَة أَن مثل الْمثل] مثل؛ إِذْ الْمُمَاثلَة لَا تتَحَقَّق إِلَّا من الْجَانِبَيْنِ، فَمَتَى كَانَ زيد مثلا لعَمْرو، كَانَ عَمْرو مثلا لَهُ؛ وَقد نفي الْمثل. فَإِن قلت: إِذا قررتم أَن الْمَنْفِيّ مثل الْمثل، [فالذات من جملَة مثل الْمثل؛ فَيلْزم كَونهَا منفية؟ ! قلت: المرتضى عندنَا فِي جَوَاب هَذَا: مَا كَانَ أبي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - يقرره؛ قَالَ: هَذَا لَا يُرَاد بِنَاء قَائِله على ظَاهر الْكَلَام؛ أَن الْمَنْفِيّ مثل الْمثل] ؛ من غير تَأمل لتَمام الْمَعْنى، وَهُوَ أَن الْمَنْفِيّ مثل الْمثل عَن شَيْء؛ فَإِن سِيَاق الْآيَة؛ اسْم لَيْسَ (مثل) و (كمثله) الْخَبَر، والمدلول نفي الْخَبَر عَن الِاسْم، والذات [يَصح] أَن يَنْفِي عَنْهَا أَنَّهَا مثل مثلهَا؛ لِأَنَّهُ لَا مثل لَهَا، وَالشَّيْء - الَّذِي هُوَ مَوْضُوع - قد نفي عَنهُ الْمثل - الَّذِي هُوَ مَحْمُول -، وَهُوَ منفي عَنهُ، لَا منفي؛ فَيكون ثَابتا؛ فَلَا يلْزم نفي الذَّات، وَإِنَّمَا الْمَنْفِيّ مثل مثلهَا، ولازمه نفي مثلهَا، وَكِلَاهُمَا منفي عَنْهَا. قَالَ: " {واسأل الْقرْيَة} [سُورَة يُوسُف: الْآيَة، 82] "؛ على رَأْي من يَقُول: إِنَّه عبر بالقرية عَن أَهلهَا؛ إطلاقا لاسم الْمحل على الْحَال. وَلَا يَنْبَغِي لَك أَن تقرره على أَن التَّقْدِير: أهل الْقرْيَة، وَإِن كَانَ هُوَ الْمَذْكُور فِي (الْمُنْتَهى) ؛

{فاعتدوا عَلَيْهِ} [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 194] ، {سَيِّئَة مثلهَا} [سُورَة الشورى: الْآيَة، 40] ؛ وَهُوَ كثير. قَالُوا: الْمجَاز كذب؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِي، فَيصدق؛ قُلْنَا: إِنَّمَا يكذب، إِذا كَانَا مَعًا للْحَقِيقَة. هَامِش إِذْ يصير مجَاز حذف، وَابْن دَاوُد لَا يُنكره؛ كَمَا عرفت. قَالَ: " { [جدارا] يُرِيد أَن ينْقض} [سُورَة الْكَهْف: الْآيَة، 77] "، أَي: وَلَا إِرَادَة للجدار. وَقَوله تَعَالَى {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ} [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 194] فِي مجَاز الْمُقَابلَة. {وَجَزَاء سَيِّئَة " سَيِّئَة مثلهَا} [سُورَة الشورى: الْآيَة، 40] " كَذَلِك؛ " وَهُوَ كثير ". وَقيل: إِن الْقصاص يُسمى اعتداء حَقِيقَة، يُقَال: عدا عَلَيْهِ، إِذا أوقع بِهِ الْفِعْل المؤلم، والسيئة مَا تسوء من نزلت بِهِ. وعَلى هَذَا لم يسلم للْمُصَنف من الْآيَات إِلَّا (يُرِيد أَن ينْقض) ؛ وَهُوَ نَص فِي مجَاز الِاسْتِعَارَة الَّذِي فِيهِ الْخلاف بِلَا ريب؛ وَعَلَيْهَا اعْتمد الْمُحَقِّقُونَ. قَالَ ابْن الْقشيرِي: وَمن زعم الْجِدَار يُرِيد حَقِيقَة، فقد عاند. الشَّرْح: " قَالُوا: الْمجَاز كذب؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِي، فَيصدق "؛ كَقَوْلِنَا: البليد لَيْسَ بِحِمَار، وَإِذا كَانَ انتفاؤه صدقا، كَانَ إثْبَاته كذبا، وَالْقُرْآن منزه عَن الْكَذِب. " قُلْنَا: إِنَّمَا يكذب " الْمجَاز؛ بِاعْتِبَار الْإِيجَاب، وَالنَّفْي، " إِذا كَانَا مَعًا للْحَقِيقَة "، أَو للمجاز. أما [إِذا] نفي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، وَأثبت الْمجَازِي، [أَو بِالْعَكْسِ]- فَلَا؛ لعدم التوارد على مَحل وَاحِد.

المعرب في القرآن الكريم

قَالُوا: يلْزم أَن يكون الْبَارِي - تَعَالَى - متجوزا؛ قُلْنَا: مثله يتَوَقَّف على الْإِذْن. (المعرب فِي الْقُرْآن الْكَرِيم) (مَسْأَلَة:) فِي الْقُرْآن مُعرب؛ وَهُوَ عَن ابْن عَبَّاس، وَعِكْرِمَة - رَضِي الله ... ... ... ... هَامِش الشَّرْح: " قَالُوا: يلْزم " من وُقُوعه فِي الْقُرْآن؛ " أَن يكون الْبَارِي - تَعَالَى - متجوزا "؛ لِأَن وجود اسْم الْمَعْنى يَسْتَدْعِي الِاشْتِقَاق. " قُلْنَا: مثله " - مِمَّا يُوهم نقصا - " يتَوَقَّف على الْإِذْن "؛ وَلذَلِك لَا يُقَال: خَالق الْخِنْزِير، وَلَوْلَا وُرُود الْمَانِع، والضار، والقابض، لما أطلقنا ذَلِك. قَالَ ابْن الصّباغ: متجوز يسْتَعْمل لمن فِي كَلَامه قبح، أَو يتَوَقَّف؛ بِنَاء على أَن أَسمَاء الله توقيفية، وَهُوَ رَأْي شَيخنَا أبي الْحسن. والتقرير الأول أحسن؛ لِأَن الظَّاهِرِيَّة قد ينازعون فِي كَون الْأَسْمَاء توقيفية. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: قَالَ المُصَنّف: " فِي الْقُرْآن المعرب "، وَهُوَ: اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل عِنْد الْعَرَب فِي معنى وضع لَهُ فِي غير لغتهم، " وَهُوَ عَن ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة - رَضِي الله عَنْهُم -.

عَنْهُم - ونفاه الْأَكْثَرُونَ؛ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش ونفاه الْأَكْثَرُونَ " وزعيمهم إمامنا الشَّافِعِي - رَضِي الله عَنهُ. قَالَ أَبُو نصر بن الْقشيرِي: وَلَيْسَ هَذَا الْخلاف فِي الْأَسْمَاء الشَّرْعِيَّة، بل هُوَ فِي آخر.

لنا: (الْمشكاة) هندية، و (إستبرق) ، و (سجيل) فارسية، و (قسطاس) رُومِية. قَوْلهم: (مِمَّا اتّفق فِيهِ اللغتان؛ كالصابون والتنور) - بعيد، ... ... ... ... ... هَامِش قلت: ذَاك اخْتِلَاف فِي الْوَضع، وَهَذَا فِي الِاسْتِعْمَال، وَلَيْسَ هَذَا أَيْضا الْمجَاز، بل عَكسه؛ إِذْ المعرب فِيهِ اسْتِعْمَال الْمَعْنى بِغَيْر اللَّفْظ الْمَوْضُوع لَهُ فِي تِلْكَ اللُّغَة، وَالْمجَاز اللَّفْظ لغير الْمَعْنى، وَاعْلَم أَن الْأَعْلَام لَا خلاف فِي وُقُوعهَا. قَالَ: " لنا: (الْمشكاة) هندية، و (إستبرق) ، و (سجيل) فارسية، و (قسطاس) رُومِية "، وألفاظ أخر وَردت فِي الْقُرْآن؛ جُمْلَتهَا سبع وَعِشْرُونَ لفظا، يجمعها قَوْلنَا: [الْبَسِيط] (السلسبيل وطه كورت بيع ... روم وطوبى وسجيل وكافور) (والزنجبيل ومشكاة سرادق مَعَ ... إستبرق، صلوَات سندس طور) (كَذَا قَرَاطِيس ربانيهم وغساق ... ثمَّ دِينَار والقسطاس مَشْهُور) (كَذَاك قسورة واليم ناشئة ... وَيُؤْت كِفْلَيْنِ مَذْكُور ومسطور) (لَهُ مقاليد فردوس يعد كَذَا ... فِيمَا حكى ابْن دُرَيْد مِنْهُ تنور) الشَّرْح: " قَوْلهم ": هَذِه الْأَلْفَاظ، وَإِن كَانَت فِي غير لُغَة الْعَرَب، لَا يُنَافِي كَونهَا من لُغَة الْعَرَب؛ لجَوَاز أَن يكون " مِمَّا اتّفق فِيهِ اللغتان؛ كالصابون "؛ وَكَذَا " التَّنور " عِنْد غير ابْن دُرَيْد - قَالَ المُصَنّف: إِنَّه " بعيد "، وَهِي دَعْوَى مِنْهُ. وَهَذَا الشَّافِعِي الَّذِي تفقأت عَنهُ بَيْضَة بني مُضر، قد اقْتضى كَلَامه ذَلِك، وَكفى بِهِ حجَّة، وَلَقَد أطنب فِي كتاب الرسَالَة فِي التَّغْلِيظ على من يَقُول بالمعرب.

وَإِجْمَاع الْعَرَبيَّة؛ على أَن نَحْو: (إِبْرَاهِيم) منع من الصّرْف للعجمة والتعريف - يُوضحهُ، الْمُخَالف: بِمَا ذكر فِي الشَّرْعِيَّة؛ وَبِقَوْلِهِ: {ءاعجمي، وعربي} [سُورَة فصلت: الْآيَة، 44] ؛ فنفى أَن يكون متنوعا؛ وَأجِيب بِأَن المعني من السِّيَاق: أكلام أعجمي، ومخاطب عَرَبِيّ، لَا يفهمهُ؟ ، وهم يفهمونها، وَلَو سلم نفي التنويع، فَالْمَعْنى: أعجمي لَا يفهمهُ. هَامِش " وَإِجْمَاع " [أهل] " الْعَرَبيَّة؛ على أَن نَحْو: (إِبْرَاهِيم) منع من الصّرْف للعجمة، والتعريف - يُوضحهُ "، أَي: يُوضح وُقُوع المعرب، [وَهُوَ] وهم؛ فَإِن الْأَعْلَام لَا خلاف فِيهَا؛ كَمَا عرفت. وَاحْتج " الْمُخَالف؛ بِمَا ذكره فِي الشَّرْعِيَّة "؛ من أَنَّهَا لَو وَقعت فِي الْقُرْآن، لاشتمل على غير الْعَرَبِيّ - وَقد مر -؛ وَبِأَنَّهُ لَو وَقع، لانقسم الْقُرْآن إِلَى أعجمي وعربي، " و " الله قد صانه عَن ذَلِك؛ " بقوله: {ءاعجمي وعربي} [سُورَة فصلت: الْآيَة، 44] "، أَي: أكلام بعضه أعجمي وَبَعضه عَرَبِيّ؟ ، " فنفى أَن يكون متنوعا ". " وَأجِيب بِأَن المعني من السِّيَاق " الْوَاقِع فِي الْآيَة هَكَذَا: " أكلام أعجمي، ومخاطب عَرَبِيّ لَا يفهمهُ؟ ، وهم " كَانُوا " يفهمونها ". وَالْحَاصِل: أَن المُصَنّف منع نفي التنويع ثمَّ قَالَ: " وَلَو سلم نفي التنويع "؛ فَلَيْسَ المُرَاد نفي كل تنويع، بل التنويع الْوَاقِع بَين أعجمي غير مَفْهُوم وعربي، " فَالْمَعْنى: أعجمي لَا يفهمهُ ". وَاعْلَم أَن ابْن قُتَيْبَة وَابْن جني قَالَا: الأعجمي من لَا يفصح بالْكلَام، عجميا كَانَ، أَو

المشتق

(الْمُشْتَقّ) (مَسْأَلَة:) الْمُشْتَقّ مَا وَافق أصلا بِحُرُوفِهِ الْأُصُول وَمَعْنَاهُ، وَقد يُزَاد بتغيير ... ... ... ... هَامِش عَرَبيا، وَلَفظه لفظ النّسَب، فأعجم وأعجمي، كأحمر وأحمري، والعجمي مَنْسُوب إِلَى لُغَة الْعَجم، سَوَاء كَانَ فصيحا أم لم يكن. وَقَالَ أَبُو زيد، وَأَبُو عَليّ الْفَارِسِي: الأعجمي العجمي، وَلِهَذَا قوبل بالعربي، وَيشْهد لَهُ قِرَاءَة من قَرَأَ: (ءاعجمي) . وَإِذا عرفت هَذَا، علمت أَنه لَا وَجه للاستدلال بِالْآيَةِ أَلْبَتَّة على الأول، وَلَا على الثَّانِي أَيْضا؛ لِأَن المُرَاد بالعجمي هُنَا: الأعجمي؛ بِدَلِيل صدر الْآيَة؛ قَالَ تَعَالَى: {وَلَو جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعجميا، لقالوا: لَوْلَا فصلت آيَاته ءاعجمي وعربي} [سُورَة فصلت: الْآيَة، 44] . (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " الْمُشْتَقّ: مَا وَافق أصلا بِحُرُوفِهِ الْأُصُول وَمَعْنَاهُ "؛ فَمَا لم يُوَافق أصلا، أَو وَافق معنى فَقَط، كالمنع الْمُوَافق للْجِنْس، أَو فِي حُرُوفه الْأُصُول، لَكِن لَا بِمَعْنَاهُ؛ كالضرب

مسألة

مَا، وَقد يطرد؛ كاسم الْفَاعِل، وَغَيره، وَقد يخْتَص؛ كالقارورة والدبران. (مَسْأَلَة:) اشْتِرَاط بَقَاء الْمَعْنى فِي كَون الْمُشْتَقّ حَقِيقَة؛ ثَالِثهَا: إِن كَانَ ... ... ... ... ... ... هَامِش للإيلام الْخَاص الْمُوَافق للضرب بِمَعْنى الذّهاب فِي الأَرْض - فَلَيْسَتْ بمشتقات. وَقد يمْنَع مَانع من بَقَاء الْحُرُوف الْأُصُول؛ ك (خف) من الْخَوْف؛ فَإِن التقاء الساكنين أوجب حذف حرف، وَإِن كَانَ مَوْجُودا فِي الأَصْل. " وَقد يُزَاد " فِي الْحَد قَول: " بتغيير مَا "؛ ليعلم أَنه لَا بُد من تَغْيِير، وَأَن التَّغْيِير الاعتباري كَاف كَذَلِك؛ مُفردا بزنة قفل، وجمعا بزنة أَسد. والتغيير: إِمَّا بِزِيَادَة، أَو نُقْصَان، أَو بهما؛ إِمَّا فِي الْحَرْف، أَو الْحَرَكَة، أَو فيهمَا. " وَقد يطرد " الِاشْتِقَاق؛ " كاسم الْفَاعِل، وَغَيره "؛ كاسم الْمَفْعُول، وَالصّفة المشبهة المشتقة من الْفِعْل. " وَقد يخْتَص " بِبَعْض الْأَسْمَاء؛ " كالقارورة، والدبران " المأخوذين من الِاسْتِقْرَار وَالدبور، مَعَ اخْتِصَاص (القارورة) بالزجاجة، (والدبران) بِعَين الثور. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " اشْتِرَاط بَقَاء الْمَعْنى " الْمُشْتَقّ مِنْهُ " فِي كَون الْمُشْتَقّ حَقِيقَة " فِيهِ مَذَاهِب: أَحدهَا: الِاشْتِرَاط؛ وَهُوَ رَأْي الْجُمْهُور؛ قَالَ الإِمَام الرَّازِيّ: وَهُوَ الْأَقْرَب. وَثَانِيها: عَدمه؛ وَهُوَ قَول أبي عَليّ، وَابْنه، وَابْن سينا. و" ثَالِثهَا: إِن كَانَ " الْبَقَاء " مُمكنا، اشْترط " وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا ذكره الإِمَام الرَّازِيّ بحثا، وَذكر أَنه لم يقل بِهِ أحد من الْأمة، وَالْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي صدق الِاسْم، أَي: أَنه هَل يُقَال للضارب أمس: ضَارب الْآن؛ حَقِيقَة، لَا فِي أَن حَقِيقَة الضَّرْب

مُمكنا، اشْترط؛ الْمُشْتَرط: لَو كَانَ حَقِيقَة، وَقد انْقَضى، لم يَصح نَفْيه؛ أُجِيب: بِأَن الْمَنْفِيّ الْأَخَص؛ فَلَا يسْتَلْزم نفي الْأَعَمّ؛ قَالُوا: لَو صَحَّ بعده، لصَحَّ قبله؛ أُجِيب إِذا كَانَ هَامِش الْآن مَوْجُودَة مِنْهُ، فَذَلِك لَا يَقُوله عَاقل. قَالَ أبي - رَحمَه الله -: وَلَيْسَ هُوَ أَيْضا فِي الصِّفَات القارة المحسوسة؛ كالسواد، وَالْبَيَاض؛ فَإنَّا على قطع بِأَن اللّغَوِيّ لَا يُطلق على الْأَبْيَض بعد اسوداده؛ أَنه أَبيض. وَقد ادّعى الْآمِدِيّ الْإِجْمَاع؛ على أَنه لَا تجوز تَسْمِيَة النَّائِم قَاعِدا، والقاعد نَائِما؛ وَهَذَا وَاضح فِي اللُّغَة، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الضَّرْب وَنَحْوه من الْأَفْعَال المنقضية؛ فإطلاق الْمُشْتَقّ على محلهَا من بَاب الْأَحْكَام؛ فَلَا يبعد إِطْلَاقه حَال خلوه عَن مَفْهُومه؛ لِأَنَّهُ أَمر حكمي. وَمن هُنَا؛ يتَبَيَّن وَجه انْفِصَال الْمَاضِي عَن الْمُسْتَقْبل؛ حَيْثُ كَانَ إِطْلَاقه بِاعْتِبَار الْمَاضِي أولى؛ لِأَن من حصل مِنْهُ الضَّرْب مَاضِيا، قد يستصحب حكمه؛ بِخِلَاف من لم يحصل مِنْهُ؛ إِذْ لم يثبت لَهُ حكم فيستصحب. احْتج " الْمُشْتَرط "؛ بِأَنَّهُ " لَو كَانَ " صدق الضَّارِب مثلا على من صدر مِنْهُ الضَّرْب؛ " حَقِيقَة، وَقد انْقَضى - لم يَصح نَفْيه "؛ لكنه يَصح نَفْيه فِي الْحَال؛ فَإنَّا نعلم ضَرُورَة؛ أَن من انْقَضى عَنهُ الضَّرْب لَيْسَ بضارب الْآن، وَإِذا صَحَّ نَفْيه فِي الْحَال، صَحَّ مُطلقًا؛ إِذْ صدق الْخَاص مُسْتَلْزم لصدق الْعَام. " وَأجِيب: بِأَن الْمَنْفِيّ " هُوَ " الْأَخَص "، أَي: الضَّرْب فِي الْحَال؛ " فَلَا يسْتَلْزم نفي الْأَعَمّ "؛ وَهُوَ مُطلق الضَّرْب؛ فَإِذن: إِن أُرِيد بِصِحَّة النَّفْي مُطلقًا صدق: لَيْسَ بضارب فِي كل وَقت - ففاسد، أَو صدق نفي ضرب مَا، فَحق؛ وَلَكِن لَا يلْزم مِنْهُ النَّفْي فِي الْمَاضِي. " قَالُوا: لَو صَحَّ " أَن يُقَال لمن ضرب " بعده "، أَي: بعد انْقِضَاء الضَّرْب: إِنَّه ضَارب - " لصَحَّ قبله "، أَي: قبل وجود الضَّرْب؛ [بِجَامِع وجود الضَّرْب] فِي غير الْحَال، وَاللَّازِم بَاطِل؛ بالِاتِّفَاقِ.

الضَّارِب من ثَبت لَهُ الضَّرْب، لم يلْزم النَّافِي: أجمع أهل الْعَرَبيَّة على صِحَة: (ضَارب أمس) ؛ وَأَنه اسْم فَاعل؛ أُجِيب: مجَاز؛ كَمَا فِي الْمُسْتَقْبل؛ بِاتِّفَاق، قَالُوا: صَحَّ: (مُؤمن وعالم) ؛ للنائم؛ أُجِيب: مجَاز لِامْتِنَاع (كَافِر) لكفر تقدم. هَامِش " أُجِيب " بِالْفرقِ بِأَنَّهُ " إِذا كَانَ الضَّارِب من ثَبت لَهُ الضَّرْب "، [وَهُوَ كَذَلِك - " لم يلْزم " من صِحَة إِطْلَاقه بِاعْتِبَار الْمَاضِي - إِطْلَاقه بِاعْتِبَار الْمُسْتَقْبل؛ وللخصم منع أَن الضَّارِب لُغَة من ثَبت لَهُ الضَّرْب] ، وادعاء أَنه من لَهُ الضَّرْب، وَهُوَ أَعم من الْمُسْتَقْبل. الشَّرْح: وَاحْتج " النَّافِي " للاشتراط؛ بِأَنَّهُ قد " أجمع أهل الْعَرَبيَّة على صِحَة: ضَارب أمس؛ فَإِنَّهُ اسْم فَاعل "، مَعَ انْقِضَاء الضَّرْب. " أُجِيب " بِأَنَّهُ " مجَاز؛ كَمَا فِي الْمُسْتَقْبل؛ [بِاتِّفَاق] "، وَلَيْسَ من لَازم الصِّحَّة أَن يكون حَقِيقَة. " قَالُوا: صَحَّ عَالم، وَمُؤمن؛ للنائم "، وَلَيْسَ الْعلم وَالْإِيمَان حاصلين حَالَة النّوم. " أُجِيب: مجَاز؛ لِامْتِنَاع " إِطْلَاق " كَافِر " على مُسلم الْآن؛ " لكفر تقدم " مِنْهُ. لَا يُقَال: الشَّرْع منع من هَذَا الْإِطْلَاق؛ فَلَا دَلِيل من الشَّرْع عَلَيْهِ، ثمَّ كلامنا فِي أَمر لغَوِيّ،

الاشتقاق من اسم الفاعل

" قَالُوا: يتَعَذَّر فِي مثل: مُتَكَلم، ومخبر؛ أُجِيب: بِأَن اللُّغَة لم تبن على المشاحة فِي مثله؛ بِدَلِيل صِحَة الْحَال؛ وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يجب أَلا يكون كَذَلِك ". (الِاشْتِقَاق من اسْم الْفَاعِل) (مَسْأَلَة:) " لَا يشتق اسْم الْفَاعِل لشَيْء، وَالْفِعْل قَائِم بِغَيْرِهِ؛ خلافًا ... ... ... ... هَامِش وَلقَائِل أَن يَقُول: الْإِيمَان الطَّارِئ يضاد الْكفْر؛ فَلذَلِك امْتنع إِطْلَاق كَافِر على الْمُؤمن، وَكَانَ كإطلاق أسود على الْأَبْيَض؛ بِاعْتِبَار سَواد تقدم، وَلَيْسَ مَحل الْخلاف. الشَّرْح: " قَالُوا: يتَعَذَّر " بَقَاء الْمَعْنى الْمُشْتَقّ مِنْهُ فِي الْمُشْتَقّ " فِي مثل: مُتَكَلم، ومخبر "، وَسَائِر مَا لَا يُوجد من الْأَفْعَال فِي زمَان مَعَ إِطْلَاق مُتَكَلم ومخبر بِالْحَقِيقَةِ عَلَيْهِ، فَلَو كَانَ بَقَاء الْمَعْنى شرطا، لم يكن الْأَمر كَذَلِك. " أُجِيب: بِأَن اللُّغَة لم تبن على المشاحة فِي مثله "؛ فَإِن أمكن وجود الْفِعْل بِتَمَامِهِ، اشْترط، وَإِلَّا اكْتفي بآخر جُزْء؛ " بِدَلِيل صِحَة الْحَال "، وَلَو وَقعت [مشاحة] ، لم يتَحَقَّق الْحَال، وَكَانَ يتم قَول أبي حَفْص الْأَشْعَرِيّ: لَا معنى للْحَال، إِنَّمَا هُوَ للماضي والمستقبل. سلمنَا تعذر ذَلِك فِي مثل مُتَكَلم ومخبر؛ لَكِن لَا يلْزم من عدم اشْتِرَاط الْبَقَاء فِيمَا تعذر - عدم الِاشْتِرَاط مُطلقًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله: " وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ يجب أَلا يكون كَذَلِك "، أَي: لَا يكون الْمُشْتَقّ الَّذِي فِيهِ الْكَلَام مِمَّا لَا يُمكن بَقَاؤُهُ حَتَّى يشْتَرط فِيهِ الْبَقَاء. وَلَك أَن تَقول: هَذَا رُجُوع إِلَى القَوْل الْفَصْل بتخصيص الدَّعْوَى. (" فرعان ") فِي وُقُوع طَلَاق القَاضِي الْمَعْزُول، إِذا قَالَ: امْرَأَة القَاضِي طَالِق - وَجْهَان، حلف لَا يدْخل مسكن فلَان، فَدخل ملكا لَهُ لم يكن ساكنه، فأوجه: ثَالِثهَا: إِن كَانَ سكنه فِي الْمَاضِي سَاعَة مَا، حنث، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي (شرح الْمِنْهَاج) فروع أخر. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " لَا يشتق اسْم الْفَاعِل لشَيْء، وَالْفِعْل "؛ وَهُوَ: مَا مِنْهُ الِاشْتِقَاق - " قَائِم بِغَيْرِهِ.

للمعتزلة؛ لنا: الاستقراء ". قَالُوا: ثَبت قَاتل وضارب، وَالْقَتْل للْمَفْعُول؛ قُلْنَا: الْقَتْل التَّأْثِير، وَهُوَ للْفَاعِل. " قَالُوا: أطلق الْخَالِق على الله؛ بِاعْتِبَار الْمَخْلُوق، وَهُوَ الْأَثر؛ لِأَن الْخلق الْمَخْلُوق، وَإِلَّا، لزم قدم الْعَالم، أَو التسلسل؛ أُجِيب: أَولا؛ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِفعل قَائِم بِغَيْرِهِ؛ ... ... ... هَامِش خلافًا للمعتزلة "؛ حَيْثُ قَالُوا: الْبَارِي - تَعَالَى - مُتَكَلم يخلقه، [أَي: الْكَلَام] فِي جسم. " لنا: الاستقراء ". الشَّرْح: " قَالُوا: " قد " ثَبت قَاتل وضارب " للْفَاعِل، " وَالْقَتْل " وَالضَّرْب إِنَّمَا هما " للْمَفْعُول. قُلْنَا ": لَيْسَ " الْقَتْل " التأثر الْحَاصِل فِي ذَات الْمَفْعُول، بل [التَّأْثِير] ؛ " وَهُوَ " حَاصِل " للْفَاعِل ". الشَّرْح: " قَالُوا: أطلق الْخَالِق على الله - تَعَالَى -؛ بِاعْتِبَار الْمَخْلُوق، وَهُوَ الْأَثر "، وَلَيْسَ الْمَخْلُوق صفة قَائِمَة بِذَاتِهِ - تَعَالَى -؛ " لِأَن الْخلق " هُوَ " الْمَخْلُوق "؛ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {هَذَا خلق الله} [سُورَة لُقْمَان: الْآيَة، 11] ، أَي: مخلوقه، " وَإِلَّا لزم قدم الْعَالم "، إِن كَانَ الْخلق قَدِيما، " أَو التسلسل "، إِن كَانَ حَادِثا. و" أُجِيب: أَولا؛ بِأَنَّهُ " غير مَحل النزاع؛ إِذْ مَحل النزاع فعل قَائِم بِالْغَيْر، وَمَا ذكرتموه من الخالقية " لَيْسَ بِفعل قَائِم بِغَيْرِهِ "، بل هُوَ ذَات الْغَيْر.

دلالة المشتق إذا أطلق

وَثَانِيا: أَنه للتعلق الْحَاصِل بَين الْمَخْلُوق وَالْقُدْرَة حَال الإيجاد، فَلَمَّا نسب إِلَى الْبَارِي، صَحَّ الِاشْتِقَاق؛ جمعا بَين الْأَدِلَّة. (دلَالَة الْمُشْتَقّ إِذا أطلق) (مَسْأَلَة:) الْأسود وَنَحْوه من الْمُشْتَقّ يدل على ذَات متصفة بسواد، لَا على ... ... ... ... هَامِش " وَثَانِيا: أَنه "، أَي: الْخلق - إِنَّمَا يُقَال " للتعلق الْحَاصِل "، أَي الْوَاقِع " بَين الْمَخْلُوق وَالْقُدْرَة؛ حَال الإيجاد، فَلَمَّا نسب " هَذَا التَّعَلُّق " إِلَى الْبَارِي " تَعَالَى " صَحَّ الِاشْتِقَاق ". وَالْحَاصِل: أَن للقدرة تعلقا حَادِثا بِهِ الْحُدُوث ضَرُورَة، وَهَذَا التَّعَلُّق، إِذا نسب إِلَى الْعَالم، فَهُوَ صدوره عَن الْخَالِق، أَو الْقُدْرَة، فَهُوَ إيجادها لَهُ، أَو ذِي الْقُدْرَة، فَهُوَ خلقه؛ فالخلق تعلق قدرَة الذَّات، وَهَذِه النِّسْبَة قَائِمَة بالخالق: وباعتبارها اشتق لَهُ؛ فَيصح مَا ذكرنَا من الدَّلِيل على وجوب الْقيام؛ لأَنا لَا نعني بهَا كَونهَا صفة حَقِيقِيَّة، بل سَائِر الإضافات قَائِمَة بمحالها، وَالْحمل على هَذَا وَاجِب؛ " جمعا بَين الْأَدِلَّة "، وَهِي الاستقراء من جهتنا، وَأَن الْخلق لَيْسَ الصّفة الْمَوْجُودَة من جهتكم. (" فرع ") لَو حلف؛ لَا يَبِيع، أَو لَا يحلق رَأسه، فَأمر غَيره، فَالْأَصَحّ أَنه لَا يَحْنَث؛ إِذْ لَيْسَ ببائع، وَلَا حالق. وَقيل: يَحْنَث. وَقيل: فِي الحلاق فَقَط، للْعَادَة. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: إِذا أطلق " الْأسود وَنَحْوه من الْمُشْتَقّ "، فَإِنَّمَا " يدل " بِالْحَقِيقَةِ " على ذَات متصفة " بذلك الشَّيْء، فَفِي الْأسود مثلا: على ذَات متصفة " بسواد "، و " لَا " يدل " على خُصُوص " لتِلْك

ثبوت اللغة

خُصُوص من جسم وَغَيره؛ بِدَلِيل صِحَة: (الْأسود جسم) . (ثُبُوت اللُّغَة) (مَسْأَلَة:) لَا تثبت اللُّغَة قِيَاسا؛ ... ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش الذَّات؛ " من جسم أَو غَيره؛ بِدَلِيل صِحَة: الْأسود جسم "، فَلَو دلّ على خصوصه، [كَانَ] بِمَثَابَة قَوْلنَا: الْجِسْم الْأسود جسم، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ إِذْ فِي الأول فَائِدَة دون الثَّانِي. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " لَا تثبت اللُّغَة قِيَاسا "؛ عِنْد إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَالْغَزالِيّ، وَابْن الْقشيرِي، والآمدي، وَطَائِفَة من أَصْحَابنَا، وَمن الْحَنَفِيَّة، وَابْن خويز منداد من الْمَالِكِيَّة.

خلافًا للْقَاضِي، وَابْن سُرَيج، وَلَيْسَ الْخلاف فِي نَحْو: (رجل) ، وَرفع الْفَاعِل، أَي: لَا لَا يُسمى مسكوت عَنهُ إِلْحَاقًا بِتَسْمِيَة لمُعين، لِمَعْنى يستلزمه وجودا وعدما؛ كَالْخمرِ هَامِش " خلافًا للْقَاضِي، وَابْن سُرَيج "، وَابْن أبي هُرَيْرَة، وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ، وَالْإِمَام، وَكثير من أَصْحَابنَا، وَابْن الْقصار، وَابْن التمار من الْمَالِكِيَّة، وَأهل الْعَرَبيَّة؛ كالفارسي، وَابْن جني، والمازري. وَفِي النَّقْل عَن القَاضِي نظر؛ نقل عَنهُ الْمَازرِيّ وَغَيره: الْمَنْع، وَهُوَ الصَّحِيح عَنهُ، وَبِه صرح فِي كتاب (التَّقْرِيب) . " وَلَيْسَ الْخلاف فِي " مَا ثَبت تعميمه بِالنَّقْلِ؛ " نَحْو: رجل "، أَو بالاستقراء؛ كنصب الْمَفْعُول، " وَرفع الْفَاعِل "؛ إِنَّمَا الْخلاف فِي أَن اسْم الْجِنْس، إِذا كَانَ مَعْنَاهُ مُقَارنًا لِمَعْنى يستلزمه، صَالحا للغلبة؛ كاسم الْخمر. وَالْمُصَنّف من الْقَائِلين بِأَنَّهُ لَا يثبت، " أَي: لَا يُسمى مسكوت عَنهُ [إِلْحَاقًا] بِتَسْمِيَة لمُعين؛ لِمَعْنى يستلزمه "، أَي: يسْتَلْزم ذَلِك الْمَعْنى " وجودا وعدما؛ كَالْخمرِ للنبيذ؛ للتخمير،

للنبيذ؛ للتخمير، وَالسَّارِق للنباش؛ للأخذ خُفْيَة، وَالزَّانِي للائط؛ للإيلاج الْمحرم؛ إِلَّا بِنَقْل، أَو استقراء التَّعْمِيم. لنا: إِثْبَات اللُّغَة بالمحتمل. قَالُوا: دَار الِاسْم مَعَه وجودا وعدما؛ قُلْنَا: وَدَار مَعَ كَونه من الْعِنَب، وَكَونه مَال الْحَيّ، وقبلا. هَامِش وَالسَّارِق للنباش؛ للأخذ خُفْيَة، وَالزَّانِي للائط؛ للإيلاج الْمحرم "؛ " إِلَّا " أَن يثبت شَيْء من هَذِه الصُّور " بِنَقْل، أَو استقراء لتعميم "؛ فَيخرج عَن مَحل النزاع، وَلَا يكون من أَمْثِلَة مَا نَحن فِيهِ، وَفَائِدَة الْقيَاس فِي اللُّغَة؛ أَنه يدعى دُخُول النَّبِيذ، والنباش، واللائط تَحت عُمُوم لفظ: الْخمر، وَالسَّارِق، وَالزَّانِي؛ لانسحاب الِاسْم عَلَيْهِ قِيَاسا، فافهمه. الشَّرْح: " لنا ": أَن الْقيَاس فِي اللُّغَة: " إِثْبَات اللُّغَة بالمحتمل "؛ لِأَنَّهُ يحْتَمل التَّصْرِيح بِمَنْعه؛ كَمَا يحْتَمل بِاعْتِبَارِهِ؛ بِدَلِيل مَنعهم طرد الأدهم، والقارورة، وَمَا لَا ينْحَصر؛ فَيبقى عِنْد السُّكُوت على الِاحْتِمَال، وَمُجَرَّد احْتِمَال وضع اللَّفْظ للمعنى لَا يصحح الحكم بِالْوَضْعِ؛ للتحكم؛ وَلِئَلَّا يلْزم الحكم بِالْوَضْعِ من غير قِيَاس؛ [كقيام الِاحْتِمَال. وَلَك أَن تَقول: بل هُوَ إِثْبَات بِالظَّاهِرِ؛ فَلَا تحكم، وَلَا يلْزم الْوَضع من غير قِيَاس] . الشَّرْح: " قَالُوا: دَار الِاسْم " - كَالْخمرِ مثلا - " مَعَه "، أَي: مَعَ الْمَعْنى؛ كالتخمير؛ " وجودا " فِي مَاء الْعِنَب الْمُسكر، " وعدما " فِي غَيره؛ والدوران دَلِيل أَنه مَتى تحقق الْمَعْنى، تحقق الِاسْم. " قُلْنَا: [و] دَار " مَعَ مَا ذكرْتُمْ، وَدَار أَيْضا " مَعَ كَونه من الْعِنَب " فِي الْخمر، " وَكَونه مَال الْحَيّ " فِي السّرقَة، " وقبلا " فِي الزِّنَا، فَإِذا كَانَ الدوران عِلّة، وَقد دَار فِيمَا ذكرتموه، وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ - كَانَ الْمَعْنى الَّذِي ذكرتموه جُزْء الْعلَّة؛ فَلَا يسْتَلْزم. وَلَك أَن تَقول: إِنَّمَا تعلقنا بدوران الْوَصْف الْمُنَاسب، وَمَا ذكرتموه غير مُنَاسِب؛ فَكَانَ مَا ذَكرْنَاهُ عِلّة تَامَّة؛ لِأَن التَّحْقِيق أَن الدوران، إِذا كَانَ مَعَ أُمُور بَعْضهَا مخيل، دون بعض، فالعلية للمخيل فَقَط.

كل مسكر خمر فيكون تسميتها بالنقل لا بالقياس اللغوي وإما

قَالُوا: ثَبت شرعا، وَالْمعْنَى وَاحِد؛ قُلْنَا: لَوْلَا الْإِجْمَاع، لما ثَبت وَقطع النباش وحد النَّبِيذ؛ إِمَّا لثُبُوت التَّعْمِيم، أَو بِالْقِيَاسِ؛ لَا لِأَنَّهُ سَارِق أَو خمر؛ بِالْقِيَاسِ. هَامِش الشَّرْح: " قَالُوا: ثَبت " الْقيَاس " شرعا "، أَي: الشَّرْعِيّ، " وَالْمعْنَى وَاحِد "، وَهُوَ حمل فرع على أصل بِجَامِع. " قُلْنَا: لَوْلَا الْإِجْمَاع " فِي الشَّرْعِيّ، " لما ثَبت، وَقطع النباش "؛ كَمَا هُوَ الصَّحِيح من مَذْهَبنَا، " وحد " شَارِب " النَّبِيذ " لَيْسَ لثُبُوت اللُّغَة قِيَاسا. " إِمَّا لثُبُوت التَّعْمِيم "، أَي: تَعْمِيم اسْم السَّارِق وَالْخمر؛ للنباش والنبيذ. قَالَ الشّعبِيّ: النباش سَارِق. وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كل مُسكر خمر "؛ فَيكون تَسْمِيَتهَا بِالنَّقْلِ لَا بِالْقِيَاسِ اللّغَوِيّ، " وَإِمَّا

ومن نبش قطعناه وأنا أختار التمسك بهذا فإن قطع النباش لو كان بالقياس الشرعي أو بتسميته سارقا لقطع سارق ما عدا الكفن من الغير والأصح خلافه فكل هذه طرق للأصحاب ومن قاس منهم في اللغة لم يستنكف من القياس وإنما المصنف

صفحة فارغة هَامِش بِالْقِيَاسِ " الشَّرْعِيّ على السَّارِق وَالْخمر فِي الحكم؛ بِجَامِع الْمفْسدَة، " لَا لِأَنَّهُ سَارِق أَو خمر؛ بِالْقِيَاسِ " اللّغَوِيّ، أَو لكل من الْأَمريْنِ، أَو فِي أَحدهمَا؛ وَهُوَ الْخمر؛ بِالنَّقْلِ الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَفِي الآخر: إِمَّا بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيّ، وَإِمَّا [ب] مَا فِي حَدِيث الْبَراء؛ من قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَمن نبش، قطعناه ". وَأَنا أخْتَار التَّمَسُّك بِهَذَا؛ فَإِن قطع النباش، لَو كَانَ بِالْقِيَاسِ الشَّرْعِيّ، أَو بتسميته سَارِقا، لقطع سَارِق مَا عدا الْكَفَن من الْغَيْر، وَالأَصَح خِلَافه؛ فَكل هَذِه طرق للأصحاب، وَمن قَاس مِنْهُم فِي اللُّغَة، لم يستنكف من الْقيَاس، وَإِنَّمَا المُصَنّف اعتذر عَمَّن لم يقس، وَلَيْسَت هَذِه الْمَسْأَلَة مَسْأَلَة التَّعْلِيل بِالِاسْمِ؛ فَتلك فِي أَنه، هَل يناط حكم شَرْعِي باسم؟ وَهَذِه فِي أَنه، هَل يُسمى اسْم بآخر؛ لُغَة؛ بِجَامِع، وَالْقِيَاس الشَّرْعِيّ إِلْحَاق فرع بِأَصْل فِي حكمه. (" فَائِدَة ") الْخلاف فِي ثُبُوت اللُّغَة قِيَاسا، على الْحَقِيقَة وَالْمجَاز؛ هَذَا هُوَ الظَّاهِر، وَأَشَارَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي؛ إِلَى أَنه مَمْنُوع فِي الْمجَاز؛ بِلَا خلاف؛ وَذكر فرقين، وَلم يرتضهما الْمَازرِيّ.

الكلام على الحروف

(الْكَلَام على الْحُرُوف) الْحُرُوف: معنى قَوْلهم: الْحَرْف: لَا يسْتَقلّ بالمفهومية؛ أَن نَحْو (من) و (إِلَى) مَشْرُوط فِي دلالتهما على مَعْنَاهُمَا الإفرادي - ذكر متعلقهما، وَنَحْو (الِابْتِدَاء) ، و (الِانْتِهَاء) ، و (ابْتَدَأَ) ، و (انْتهى) - غير مَشْرُوط فِيهَا ذَلِك. هَامِش الشَّرْح: " الْحُرُوف: معنى قَوْلهم: الْحَرْف لَا يسْتَقلّ بالمفهومية؛ أَن نَحْو (من) ، و (إِلَى) مَشْرُوط فِي دلالتهما على مَعْنَاهُمَا الإفرادي "؛ وَهُوَ الِابْتِدَاء فِي (من) ، والانتهاء فِي (إِلَى) - " ذكر متعلقهما "؛ من دَار وَنَحْوهَا؛ نَحْو: سرت من الدَّار، وَإِلَى الدَّار؛ فَإِنَّمَا يُفِيد أَن الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة بضميمة أُخْرَى. " وَنَحْو: الِابْتِدَاء، والانتهاء " من الْأَسْمَاء، " وابتدأ، وانْتهى " من الْأَفْعَال - " غير مَشْرُوط فِيهَا

ما تفيده الواو

وَأما نَحْو (ذُو) ، و (فَوق) ، و (تَحت) ، و (إِن) لم تذكر إِلَّا بمتعلقها لأمر، فَغير مَشْرُوط فِيهَا ذَلِك؛ لما علم من أَن وضع " ذُو " بِمَعْنى صَاحب؛ ليتوصل بِهِ إِلَى الْوَصْف بأسماء الْأَجْنَاس - اقْتضى ذكر الْمُضَاف إِلَيْهِ، وَأَن وضع " فَوق " بِمَعْنى مَكَان؛ ليتوصل بِهِ إِلَى علو خَاص - اقْتضى ذَلِك، وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي. (مَا تفيده الْوَاو) (مَسْأَلَة:) (الْوَاو) للْجمع الْمُطلق؛ لَا لترتيب، وَلَا معية؛ عِنْد الْمُحَقِّقين؛ ... ... ... ... هَامِش ذَلِك "، أَي: وجود الضميمة؛ إِذْ يفهم الْمَعْنى بِدُونِهَا. الشَّرْح: " وَأما نَحْو (ذُو) ، و (فَوق) ، و (تَحت) "، وَسَائِر الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على النِّسْبَة؛ ك (قبل) ، و (بعد) ، و (أَمَام) ، و (قُدَّام) ، و (خلف) ، و (وَرَاء) - فَإِنَّهَا " وَإِن لم تذكر إِلَّا بمتعلقها لأمر " مَا عَارض - " فَغير مَشْرُوط فِيهَا ذَلِك "، أَي: ذكر متعلقها، وَلَا تنْتَقض الْحُرُوف بهَا؛ " لما علم من " أَنَّهَا وضعت فِي الأَصْل لمعان قَائِمَة فِي نَفسهَا غير مفتقرة فِي الدّلَالَة على مَعَانِيهَا؛ إِلَى قرينَة. وتحريره: " أَن وضع (ذُو) " فِي الأَصْل " بِمَعْنى (صَاحب) "؛ لغَرَض التَّوَصُّل، أَي: " ليتوصل بِهِ إِلَى الْوَصْف بأسماء الْأَجْنَاس "؛ فِي نَحْو: زيد ذُو مَال، وَذُو فرس - " اقْتضى " ذَلِك " ذكر الْمُضَاف إِلَيْهِ "؛ ليتم بِذكرِهِ الْغَرَض مِنْهَا، لَا أصل دلالتها، " وَأَن وضع " فَوق " " مثلا؛ لما كَانَ فِي الأَصْل " بِمَعْنى مَكَان " عَال؛ وأتى بِهِ " ليتوصل بِهِ إِلَى علو خَاص " يُسْتَفَاد من الضميمة - " اقْتضى ذَلِك "، أَي: اقْتضى ذكر مُتَعَلّقه؛ تَقول: زيد فَوق السَّطْح؛ " وَكَذَلِكَ " حكم " الْبَوَاقِي " من هَذِه الْأَلْفَاظ. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " الْوَاو " العاطفة " للْجمع الْمُطلق ". وَلَو قَالَ: مُطلق الْجمع، لَكَانَ أَسد؛ لما فِي الْجمع الْمُطلق من إِيهَام؛ بتقييد الْجمع بِالْإِطْلَاقِ، وَالْغَرَض نفي التَّقْيِيد؛ وَفرق وَاضح بَين مُطلق الْحَقِيقَة، والحقيقة الْمُطلقَة، والحقيقة بِلَا قيد، والحقيقة بِقَيْد. " لَا لترتيب وَلَا معية؛ عِنْد الْمُحَقِّقين ". وَقيل: للتَّرْتِيب؛ وَهُوَ الَّذِي اشْتهر عِنْد الشَّافِعِيَّة، وَنقل عَن الشَّافِعِي نَفسه؛ وَهُوَ من أَئِمَّة

صفحة فارغة هَامِش اللُّغَة، وفصحاء الْعَرَب الَّذِي يحْتَج بكلامهم، وَعَن قطرب، والربعي، وَالْفراء، وثعلب، وَأبي عمر الزَّاهِد، وَهِشَام.

لنا النَّقْل عَن الْأَئِمَّة أَنَّهَا كَذَلِك. وَاسْتدلَّ: لَو كَانَ للتَّرْتِيب، لتناقض: {وادخلوا الْبَاب سجدا، وَقُولُوا حطة} [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 58] ، مَعَ الْأُخْرَى، وَلم يَصح: {تقَاتل زيد وَعَمْرو} ، ولكان: (جَاءَ زيد وَعَمْرو بعده) تكريرا، و (قبله) تناقضا؛ وَأجِيب: بِأَنَّهُ مجَاز؛ لما سنذكر. هَامِش وَقيل: للمعية؛ وَهُوَ الْمَشْهُور عَن الْحَنَفِيَّة. " لنا: النَّقْل عَن الْأَئِمَّة ": أَئِمَّة اللُّغَة؛ " أَنَّهَا كَذَلِك "؛ فقد نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فِي سَبْعَة عشر موضعا من كِتَابه. وَقَالَ الْفَارِسِي: أجمع عَلَيْهِ نحاة (الْبَصْرَة) ، و (الْكُوفَة) . وَلَكِن نَازع فِيهِ شَيخنَا أَبُو حَيَّان، و [قد] أصَاب؛ لما نَقَلْنَاهُ آنِفا. الشَّرْح: وَاسْتدلَّ: لَو كَانَت " للتَّرْتِيب لتناقض قَوْله تَعَالَى {وادخلوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة} [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 58] مَعَ " الْآيَة " الْأُخْرَى "؛ وَهِي: {وَقُولُوا: حطة، وادخلوا الْبَاب سجدا} [سُورَة الْأَعْرَاف: الْآيَة، 161] ؛ والقصة وَاحِدَة. " وَلم يَصح: تقَاتل زيد وَعَمْرو، ولكان " قَوْلنَا: " (جَاءَ زيد وَعَمْرو بعده) - تكريرا "؛ للْعلم بالبعدية من " الْوَاو "، و (قبله) تناقضا "؛ لدلَالَة (الْوَاو) على التَّأْخِير، وَلَكِن لَا تكْرَار، وَلَا نقض؛ فَلَا تَرْتِيب. " وَأجِيب: بِأَنَّهُ " فِيمَا ذكرْتُمْ " مجَاز؛ لما سَيذكرُ " من الدّلَالَة على أَنَّهَا للتَّرْتِيب.

بالصفا وقال ابدءوا بما بدأ الله به كذا بخط المصنف ابدءوا بضمير الجمع للمخاطبين وهو لفظ رواية النسائي وفي مسلم ابدأ بضمير المتكلم

قَالُوا: {ارْكَعُوا واسجدوا} [سُورَة الْحَج: الْآيَة، 77] ؛ قُلْنَا: التَّرْتِيب مُسْتَفَاد من غَيره؛ قَالُوا: {إِن الصَّفَا والمروة} [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 158] ؛ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: (ابدءوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ) ؛ قُلْنَا: لَو كَانَ لَهُ، لما احْتِيجَ إِلَى (ابدءوا) . هَامِش الشَّرْح: " قَالُوا ": قد أفادت (الْوَاو) التَّرْتِيب فِي قَوْله: " {ارْكَعُوا واسجدوا} [سُورَة الْحَج: الْآيَة، 77] "؛ [قُلْنَا: التَّرْتِيب بِدَلِيل امْتنَاع تَقْدِيم السُّجُود على الرُّكُوع؛ فليقدم فِي غَيره؛ دفعا للاشتراك وَالْمجَاز] . قُلْنَا: التَّرْتِيب " هُنَا " مُسْتَفَاد من غَيره. قَالُوا ": لما نزلت: " {إِن الصَّفَا والمروة} " [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 158] ، بَدَأَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالصفا " وَقَالَ: (ابدءوا بِمَا بَدَأَ الله بِهِ) "؛ [كَذَا] بِخَط المُصَنّف: (ابدءوا) ؛ بضمير الْجمع للمخاطبين؛ وَهُوَ لفظ رِوَايَة النَّسَائِيّ؛ وَفِي مُسلم: (ابدأ) بضمير الْمُتَكَلّم.

على قائل ومن عصاهما فقد غوى وقال قل ومن عصى الله ورسوله قلنا لترك إفراد اسمه بالتعظيم بدليل أن معصيتهما لا ترتيب فيها هامش قلنا لو كان له أي الترتيب لما احتيج إلى ابدءوا لمعرفتهم الترتيب

قَالُوا: رد [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] على قَائِل: (وَمن عصاهما، فقد غوى) ؛ وَقَالَ: (قل: وَمن عصى الله وَرَسُوله) ؛ قُلْنَا: لترك إِفْرَاد اسْمه بالتعظيم؛ بِدَلِيل أَن معصيتهما لَا تَرْتِيب فِيهَا. هَامِش " قُلْنَا: لَو كَانَ لَهُ " - أَي: التَّرْتِيب - " لما احْتِيجَ إِلَى (ابدءوا) "؛ لمعرفتهم التَّرْتِيب من الْوَاو؛ فَإِذن الحَدِيث عَلَيْكُم، لَا لكم. الشَّرْح: " قَالُوا: رد " النَّبِي " - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على قَائِل ": (من يطع الله وَرَسُوله، فقد رشد، " وَمن عصاهما "؛ كَذَا بِخَط المُصَنّف. وَلَفظ الحَدِيث: (وَمن يعصهما " فقد غوى) ، وَقَالَ ": (بئس الْخَطِيب أَنْت؛ " قل: وَمن عصى) "؛ كَذَا بِخَط المُصَنّف، وَاللَّفْظ: (يعْص " الله وَرَسُوله) "؛ رَوَاهُ مُسلم، فَلَو لم تكن للتَّرْتِيب، لم يكن فرق بَين مَا أمره بِهِ، وَمَا نَهَاهُ عَنهُ. " قُلْنَا ": لَيْسَ اللوم للتَّرْتِيب؛ بل " لترك إِفْرَاد اسْمه "، أَي: اسْم الله " بالتعظيم؛ بِدَلِيل أَن معصيتهما لَا تَرْتِيب فِيهَا "، وكل مِنْهُمَا مستلزمة لِلْأُخْرَى. فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ المُصَنّف: (معصيتهما) عقب سَماع اللوم على الْجمع بَين الله وَرَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ضمير وَاحِد. قلت: لوم الْخَطِيب؛ إِنَّمَا كَانَ لِأَن مقَامه - وَهِي العظة والخطابة - يَقْتَضِي التَّوَسُّع فِي الْكَلَام؛ فَكَانَ الْمُنَاسب فِيهِ الْإِفْرَاد؛ تَعْظِيمًا، وَلَا كَذَلِك أَمَاكِن الِاخْتِصَار؛ ك (مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب) ؛ وَفِي الْقُرْآن: {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ} [سُورَة الْأَحْزَاب: الْآيَة، 56] . وَفِي الحَدِيث: " ثَلَاث من كن فِيهِ، وجد حلاوة الْإِيمَان: من كَانَ الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا ... ".

قَالُوا: إِذا قيل لغير الْمَدْخُول بهَا: أَنْت طَالِق، وَطَالِق، وَطَالِق - وَقعت وَاحِدَة؛ بِخِلَاف: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا؛ وَأجِيب بِالْمَنْعِ؛ وَهُوَ الصَّحِيح. وَقَول مَالك [رَحمَه الله] : وَالْأَظْهَر أَنَّهَا مثل (ثمَّ) ؛ إِنَّمَا قَالَه فِي ... ... ... ... ... هَامِش الشَّرْح: " قَالُوا: إِذا قيل لغير الْمَدْخُول بهَا: أَنْت طَالِق، وَطَالِق، وَطَالِق - وَقعت وَاحِدَة؛ بِخِلَاف أَنْت طَالِق ثَلَاثًا "؛ فَلَو اقْتَضَت (الْوَاو) الْجمع، لم تفترق الصورتان. " وَأجِيب بِالْمَنْعِ "؛ فقد قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَبَعض الْمَالِكِيَّة؛ بِوُقُوع الثَّلَاث؛ وَهُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ؛ أثْبته ابْن أبي هُرَيْرَة. قَالَ المُصَنّف: " وَهُوَ " - أَي: الْمَنْع - " الصَّحِيح ". وَنَقله ابْن أبي هُرَيْرَة فِي (النَّوَادِر) عَن ابْن حبيب، وَقَالَهُ فضل بن أبي سَلمَة فِي (اخْتِصَار الْوَاضِحَة) . الشَّرْح: " و " أما " قَول مَالك: وَالْأَظْهَر أَنَّهَا مثل (ثمَّ) " - فَمَحْمُول على أَنه " إِنَّمَا قَالَه فِي

الْمَدْخُول بهَا؛ يَعْنِي يَقع الثَّلَاث، وَلَا يَنْوِي فِي التَّأْكِيد. هَامِش الْمَدْخُول بهَا؛ يَعْنِي: يَقع " عَلَيْهَا " الثَّلَاث، وَلَا يَنْوِي " - أَي: وَلَا تقبل مِنْهُ نِيَّته " فِي " إِرَادَة " التَّأْكِيد "؛ كَمَا لَا تقبل إِرَادَته التَّأْكِيد فِي (ثمَّ) . وَالْمَحْفُوظ عَن مَالك؛ أَن فِي النسق بِالْوَاو إشْكَالًا. قَالَ ابْن الْقَاسِم: وَرَأَيْت الْأَغْلَب على رَأْيه أَنَّهَا مثل (ثمَّ) ، وَلَا يَنْوِي. وَالْمُصَنّف جرى على مختاره فِي مذْهبه. وَأما نَحن، فَالصَّحِيح من مَذْهَبنَا وُقُوع وَاحِدَة فَقَط؛ لِأَنَّهَا تبين بِالْأولَى؛ فَلَا يَقع مَا بعْدهَا؛ قَالَ أَصْحَابنَا: وَإِنَّمَا سبق وُقُوعه؛ لِأَنَّهُ تكلم بِهِ على وَجه الْإِيقَاع؛ من غير أَن يربطه برابط، أَو يعلقه بِشَيْء مَا. وَالْمَوْجُود مِنْهُ ثَلَاث إيقاعات مُتَوَالِيَة، لَا تعلق لبعضها بِبَعْض، وحظ (الْوَاو) هُنَا مُطلق الْعَطف، فَصَارَت قَضِيَّة الْكَلَام الأول الْوُقُوع من غير إبطاء وَلَا مهلة، وَإِذا وَقع لم يُصَادف الثَّانِي وَالثَّالِث إِلَّا بَائِنا، لَا يلْحقهَا طَلَاق، وَيُخَالف: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا؛ لِأَن ثَلَاثًا بَيَان للْأولِ.

صفحة فارغة هَامِش وَقد لَاحَ بِهَذَا أَنه لَا حجَّة لمن زعم أَن الشَّافِعِي يَقُول: (الْوَاو) للتَّرْتِيب بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة. فَإِن قلت: فَالْأَصَحّ وُقُوع الثَّلَاث فِيمَا إِذا علق هَذَا اللَّفْظ، وَوجدت الصّفة. قلت: لِأَن الصّفة وُقُوع لَا إِيقَاع، فَوجدت التطليقات الثَّلَاث مَعًا، وَهُوَ فِي التَّعْلِيق بِإِزَاءِ: أَنْت طَالِق ثَلَاثًا سَوَاء. وتعلقوا أَيْضا بِإِيجَاب الشَّافِعِي التَّرْتِيب فِي الْوضُوء من آيَة الْوضُوء، وَالشَّافِعِيّ لم يَأْخُذ ذَلِك من (الْوَاو) ، بل من جِهَة أَن الْعِبَادَة كلهَا مترتبة؛ كَالصَّلَاةِ، وَالْحج، وَالْوُضُوء مِنْهَا، و (الْوَاو) لَا تَنْفِي التَّرْتِيب. وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ: معَاذ الله أَن يَصح عَن الشَّافِعِي أَنَّهَا للتَّرْتِيب، وَإِنَّمَا هِيَ عِنْده لمُطلق الْجمع. قلت: وَمِمَّا يُوضحهُ اتِّفَاق الْأَصْحَاب على أَن: وقفت على أَوْلَادِي، وَأَوْلَاد أَوْلَادِي - يَقْتَضِي التَّسْوِيَة، وَإِن أَتَى فِي بعض الْفُرُوع خلاف، فمنشؤه من اخْتِيَار لقائله أَن (الْوَاو) للتَّرْتِيب؛ كَمَا فِي: إِن دخلت الدَّار، وَكلمت زيدا، فَأَنت طَالِق. قَالَ الْأَصْحَاب: لَا فرق بَين تقدم الْكَلَام وتأخره. وَفِي (التَّتِمَّة) مَا يَقْتَضِي إِثْبَات خلاف فِيهِ، وَلَا يشكل علينا إِلَّا مَا قَالَ صَاحب (التَّهْذِيب) فِيمَا إِذا قَالَ لعَبْدِهِ: إِن مت، وَدخلت الدَّار، فَأَنت حر - أَنه لَا بُد من وُقُوع الدَّار بعد الْمَوْت، وَسكت عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ، فَإِن لَاحَ لَهُ وَجه غير اقْتِضَاء (الْوَاو) التَّرْتِيب، وَإِلَّا فَلَا أرَاهُ الْمَذْهَب.

الثَّالِث ابْتِدَاء الْوَضع لَيْسَ بَين اللَّفْظ ومدلوله مُنَاسبَة طبيعية؛ لنا: الْقطع بِصِحَّة وضع اللَّفْظ للشَّيْء ونقيضه وضده - وبوقوعه؛ كالقرء، والجون. هَامِش الشَّرْح: " ابْتِدَاء الْوَضع لَيْسَ بَين اللَّفْظ ومدلوله مُنَاسبَة طبيعية "؛ خلافًا ل " عباد بن سُلَيْمَان الصَّيْمَرِيّ؛ إِذْ أثبت مُنَاسبَة، قيل: حاملة للواضع على أَن يضع. وَقيل: بل كَافِيَة بمجردها فِي كَون الْأَلْفَاظ دَالَّة على الْمعَانِي من غير احْتِيَاج إِلَى الْوَضع، قَالَ الشَّيْخ الْأَصْبَهَانِيّ: وَهُوَ الصَّحِيح عَن عباد. " لنا: الْقطع بِصِحَّة وضع اللَّفْظ للشَّيْء ونقيضه "، وللشيء " وضده "؛ " و " الْقطع، " بِوُقُوعِهِ " أَيْضا؛ " كالقرء "؛ الْمَوْضُوع للطهر وَالْحيض، " والجون "؛ للأسود والأبيض. وَلَك أَن تَقول: هَذَا مِثَال الضدين، فَأَيْنَ مِثَال النقيضين؟ وَقد قَالَ الإِمَام الرَّازِيّ: لَا يجوز أَن يكون اللَّفْظ مُشْتَركا بَين عدم الشَّيْء وثبوته؛ وَهُوَ ضَعِيف.

توقيفية الألفاظ

قَالُوا: لَو تَسَاوَت، لم يخْتَص؛ قُلْنَا: يخْتَص بِإِرَادَة الْوَاضِع الْمُخْتَار. (توقيفية الْأَلْفَاظ) (مَسْأَلَة) قَالَ الْأَشْعَرِيّ: علمهَا الله بِالْوَحْي، أَو بِخلق الْأَصْوَات، أَو بِعلم ضَرُورِيّ، البهشمية: وَضعهَا الْبشر؛ وَاحِد، أَو جمَاعَة؛ وَحصل التَّعْرِيف بِالْإِشَارَةِ والقرائن كالأطفال، الْأُسْتَاذ: الْقدر الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِي التَّعْرِيف تَوْقِيف، وَغَيره مُحْتَمل، وَقَالَ هَامِش الشَّرْح: " قَالُوا: لَو تَسَاوَت " نِسْبَة الْأَلْفَاظ إِلَى الْمعَانِي " لم يخْتَص " لفظ بِمَعْنى، وَإِلَّا يلْزم التَّرْجِيح بِلَا مُرَجّح. " قُلْنَا: يخْتَص بِإِرَادَة الْوَاضِع الْمُخْتَار "، وَذَلِكَ كتخصيصه وجود الْعَالم بِوَقْت دون وَقت. فَإِن قلت: هَذَا ظَاهر على القَوْل بِأَن الْوَاضِع هُوَ الله، فبماذا يُجيب من يَقُول بالاصطلاح؟ قلت: قيل بِأَن سَببه حُضُور اللَّفْظ عِنْد سبق الْمَعْنى، وَالأَصَح - وإياه ذكر الشَّيْخ الْأَصْفَهَانِي - أَن الْجَواب الأول عَام؛ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْوَاضِع العَبْد، وأفعاله مخلوقة لله - تَعَالَى -، رَجَعَ الْكل إِلَى إِرَادَته تَعَالَى. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " قَالَ " الشَّيْخ " الْأَشْعَرِيّ ": إِن الْأَلْفَاظ توقيفية؛ " علمهَا الله " - تَعَالَى - ووقف عباده عَلَيْهَا؛ إِمَّا: " بِالْوَحْي " لبَعض أنبيائه - عَلَيْهِم السَّلَام -، " أَو بِخلق الْأَصْوَات " فِي بعض الْأَجْسَام، " أَو بِعلم ضَرُورِيّ " خلقه فِي بَعضهم، حصل لَهُ إِفَادَة اللَّفْظ للمعنى. وَقَالَت " البهشمية " - وهم أَبُو هَاشم وَأَتْبَاعه -: " وَضعهَا الْبشر "؛ إِمَّا: " وَاحِد، أَو جمَاعَة " اصْطَلحُوا عَلَيْهَا؛ " وَحصل التَّعْرِيف " مِنْهُم لغَيرهم؛ " بِالْإِشَارَةِ و " ب " الْقَرَائِن؛ كالأطفال " فِي حُصُول الْمعرفَة لَهُم بذلك. وَقَالَ " الْأُسْتَاذ: الْقدر الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِي التَّعْرِيف تَوْقِيف، وَغَيره مُحْتَمل "؛ لِأَن يكون أَيْضا بالتوقيف من الله، وَلِأَن يكون بالمواضعة من الْبشر.

القَاضِي: الْجَمِيع مُمكن، ثمَّ الظَّاهِر قَول الْأَشْعَرِيّ. قَالَ: {وَعلم آدم [الْأَسْمَاء كلهَا] } [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 31] ؛ قَالُوا: ألهمه، أَو علمه مَا سبق؛ قُلْنَا: خلاف الظَّاهِر. هَامِش وَقيل: عَكسه. " وَقَالَ القَاضِي " فِي كتاب (التَّقْرِيب) : الصَّحِيح الْوَقْف؛ إِذْ " الْجَمِيع مُمكن "؛ وَتَبعهُ الْمُحَقِّقُونَ. وَاعْلَم أَن الْمَسْأَلَة عِنْد أَئِمَّتنَا قَطْعِيَّة، فالتوقف عَن الْقطعِي بِوَاحِد من هَذِه الْأَقْوَال؛ كَمَا ذهب إِلَيْهِ القَاضِي - حق. " ثمَّ الظَّاهِر " مِنْهَا " قَول الْأَشْعَرِيّ "، فَلَا تَظنن المتوقف توقف إِلَّا عَن الْقطع فَقَط، ثمَّ الظَّاهِر من الِاحْتِمَالَات الَّتِي ذكرهَا الْأَشْعَرِيّ احْتِمَال الْوَحْي؛ دون خلق الْأَصْوَات، وَالْعلم الضَّرُورِيّ، وسيذكره المُصَنّف؛ حَيْثُ يَقُول: فخلاف الْمُعْتَاد. الشَّرْح: و " قَالَ " الْأَشْعَرِيّ: قَوْله تَعَالَى: " {وَعلم آدم الْأَسْمَاء [كلهَا] } " [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 31] دَلِيل على التَّوْقِيف، وَإِذا ثَبت فِي الْأَسْمَاء، ثَبت فِي الْأَفْعَال والحروف؛ لعدم الْقَائِل بِالْفَصْلِ؛ أَو لِأَن المُرَاد بالأسماء العلامات، وَالْأَفْعَال والحروف أَسمَاء؛ بِهَذَا الِاعْتِبَار. " قَالُوا ": يحْتَمل أَن يكون المُرَاد من (علم) : " ألهمه " الِاحْتِيَاج إِلَى هَذِه الْأَلْفَاظ، ووهبه مَا بِهِ يتَمَكَّن من الْوَضع، " أَو علمه مَا سبق " وَضعه من اصْطِلَاح من تقدمه. قَالَ القَاضِي فِي (التَّقْرِيب) : وَيحْتَمل أَيْضا أَن يكون غير آدم تواضعوا على مثل مَا وَقفه الله عَلَيْهِ، أَو يكون علمه لُغَة من اللُّغَات مُبتَدأَة لم ينْطق بهَا أحد قبله، أَو أنطقه، أَو أقدره، أَو غير ذَلِك. " قُلْنَا ": كل هَذَا " خلاف الظَّاهِر "، فَظَاهر التَّعْلِيم أَنه أوجد فِيهِ الْعلم بِأَن اسْم هَذَا الْمَعْنى هَذَا اللَّفْظ؛ وَإِذن: لَا يكون التَّوَقُّف صَوَابا إِلَّا عَن الْقطع، لَا عَن الظُّهُور؛ وَهَذَا مَا ذكره ابْن دَقِيق الْعِيد. وَقَول الإِمَام الرَّازِيّ: (لَيْسَ التَّعْلِيم إِيجَاد الْعلم، بل فعل صَالح لترتب حُصُول الْعلم عَلَيْهِ) ضَعِيف؛ كَمَا ذكرنَا فِي (شرح الْمِنْهَاج) .

قَالُوا: الْحَقَائِق؛ بِدَلِيل: {ثمَّ عرضهمْ} [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 31] ؛ قُلْنَا: {أنبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ} [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 31] يبين أَن التَّعْلِيم لَهَا، وَالضَّمِير للمسميات. هَامِش نعم لَك أَن تَقول: هِيَ ظَاهِرَة فِي أَنه علمه، لَكِن لم قُلْتُمْ: إِن الْوَضع مِنْهُ - تَعَالَى - وَجَاز أَن يكون الْوَضع من السَّابِقين، ولسنا ندعي أَن قبل آدم الْجِنّ والبن؛ فَذَلِك لم يثبت عندنَا، بل قَالَ القَاضِي فِي (التَّقْرِيب) : جَازَ تواضع الْمَلَائِكَة المخلوقة قبله. قَالَ ابْن الْقشيرِي: وَقد كَانُوا قبله يتخاطبون ويفهمون؛ فالإنصاف أَن احْتِمَال الإلهام خلاف الظَّاهِر، وَاحْتِمَال تَعْلِيم مَا سبق لَا يُخَالف الظَّاهِر؛ إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِثْبَات مَا يَنْفِيه اللَّفْظ، وَلَا نفي مَا يُثبتهُ. الشَّرْح: " قَالُوا ": لَعَلَّ الَّذِي علمه آدم " الْحَقَائِق "؛ مثل: حَقِيقَة الْخَيل كَذَا، وَالْبَقر كَذَا، وَهِي تصلح لكذا، وَأطلق عَلَيْهَا الْأَسْمَاء؛ " بِدَلِيل " قَوْله تَعَالَى: " {ثمَّ عرضهمْ} [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 31] "، وَلَو كَانَ الضَّمِير للأسماء، لقَالَ: عرضهَا، أَو عرضهن. " قُلْنَا ": لَيْسَ الْمَقْصُود الْحَقَائِق، بل الْأَلْفَاظ؛ بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: " {أنبئوني بأسماء هَؤُلَاءِ} [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة، 31] "؛ فَإِنَّهُ " يبين أَن التَّعْلِيم " كَانَ " لَهَا " - أَي: الْأَسْمَاء - " وَالضَّمِير " فِي عرضهمْ " للمسميات "، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا.

وَاسْتدلَّ بقوله: {وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتكُم} [سُورَة الرّوم: الْآيَة، 22] ؛ وَالْمرَاد اللُّغَات؛ بِاتِّفَاق. قُلْنَا: التَّوْقِيف والإقدار؛ فِي كَونه آيَة - سَوَاء. البهشمية: {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} [سُورَة إِبْرَاهِيم: الْآيَة، 4] ؛ دلّ على سبق اللُّغَات، وَإِلَّا، لزم الدّور؛ قُلْنَا: إِذا كَانَ آدم - عَلَيْهِ السَّلَام - هُوَ الَّذِي علمهَا، انْدفع الدّور؛ ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش الشَّرْح: " وَاسْتدلَّ " على التَّوْقِيف أَيْضا؛ " بقوله " تَعَالَى: " {وَاخْتِلَاف أَلْسِنَتكُم} [سُورَة الرّوم: الْآيَة، 22] ، وَالْمرَاد " بالألسنة " اللُّغَات؛ بِاتِّفَاق "؛ إطلاقا للسبب على الْمُسَبّب؛ دون الْجَارِحَة؛ إِذْ لَيست هِيَ المُرَاد؛ بالِاتِّفَاقِ. " قُلْنَا: التَّوْقِيف والإقدار " على وضع اللُّغَات؛ " فِي كَونه آيَة - سَوَاء "؛ وكما يُطلق اللِّسَان على اللُّغَات مجَازًا، يُطلق على الْقُدْرَة كَذَلِك، فَلَيْسَ الْحمل على اللُّغَات بِأولى من الْحمل على الْقُدْرَة. وَلقَائِل أَن يَقُول: مجَاز الْمُسْتَدلّ أولى؛ لِأَنَّهُ أقل إضمارا. نعم للخصم أَن يَقُول: سلمنَا أَن المُرَاد اخْتِلَاف اللُّغَات؛ وَلَكِن لم قُلْتُمْ: إِن ذَلِك إِنَّمَا يكون آيَة بالتوقيف، بل هُوَ آيَة، وَإِن كَانَ العَبْد هُوَ الْوَاضِع؛ إِذْ أَفعاله مخلوقة لله تَعَالَى. الشَّرْح: وَاسْتدلَّ " البهشمية " على الِاصْطِلَاح؛ بقوله تَعَالَى: " {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} [سُورَة إِبْرَاهِيم: الْآيَة، 4] "؛ فَإِنَّهُ " دلّ على سبق اللُّغَات " للرسالة؛ فَكَانَت، اصطلاحية، " وَإِلَّا، لزم الدّور "؛ لكَونهَا توقيفية عِنْد انْتِفَاء الِاصْطِلَاح؛ فَيلْزم تأخرها عَن الرسَالَة الْمُتَأَخِّرَة عَنْهَا، وَهُوَ محَال؛ لاستلزامه تقدم كل مِنْهُمَا على الآخر. " قُلْنَا: إِذا كَانَ آدم - عَلَيْهِ السَّلَام - هُوَ الَّذِي علمهَا " غَيره بتعليم الله إِيَّاه - " انْدفع الدّور "؛ لِأَن لآدَم حالتين: حَالَة النُّبُوَّة، وَهِي الأولى، وفيهَا الْوَحْي الَّذِي من جملَته تَعْلِيم اللُّغَات؛ وَعلمهَا الْخلق [إِذْ ذَاك، ثمَّ بعث بعد أَن علمهَا قومه؛ فَلم يكن مَبْعُوثًا لَهُم إِلَّا بعد علمهمْ اللُّغَات، فَبعث

فائدة

وَأما جَوَاز أَن يكون التَّوْقِيف بِخلق الْأَصْوَات أَو بِعلم ضَرُورِيّ - فخلاف الْمُعْتَاد. الْأُسْتَاذ: إِن لم يكن الْمُحْتَاج إِلَيْهِ توقيفيا، لزم الدّور؛ لتوقفه على اصْطِلَاح سَابق؛ قُلْنَا: يعرف بالترديد والقرائن؛ كالأطفال. هَامِش بلسانهم] ؛ وحاصلها: أَن نبوته مُتَقَدّمَة على رسَالَته، والتعلم متوسط، وَهَذَا وَجه اندفاع الدّور. " وَأما " مَا قد يُقَال فِي دَفعه؛ من " جَوَاز أَن يكون التَّوْقِيف بِخلق الْأَصْوَات، أَو بِعلم ضَرُورِيّ "؛ فِينَا، لَا بالتفهيم بِالْخِطَابِ - فخلاف الْمُعْتَاد " إِذْ الْمُعْتَاد التفهم بِالْخِطَابِ. الشَّرْح: وَقَالَ " الْأُسْتَاذ "؛ محتجا لمذهبه: " إِن لم يكن " الْقدر " الْمُحْتَاج إِلَيْهِ " فِي التَّعْرِيف وَقع " توقيفيا - لزم الدّور؛ لتوقفه على اصْطِلَاح سَابق " يعرف بِهِ؛ أَن اللَّفْظ مَوْضُوع للمعنى، فَلَو استفيدت تِلْكَ الْأَلْفَاظ الَّتِي يُرَاد أَن يعرف بهَا الِاصْطِلَاح من الْوَاضِع - لزم التَّوْقِيف. " قُلْنَا ": لَا نسلم توقفه على اصْطِلَاح سَابق، لَو لم يكن توقيفيا؛ لجَوَاز أَن " يعرف " مَا فِي الضَّمِير " بالترديد والقرائن؛ كالأطفال ". وَاعْلَم أَن للمسألة مقامين: أَحدهمَا: الْجَوَاز؛ فَمن قَائِل: لَا يجوز أَن تكون اللُّغَة إِلَّا توقيفا. وَمن قَائِل: لَا يجوز أَن تكون [إِلَّا] اصْطِلَاحا. وَالثَّانِي: أَن مَا الَّذِي وَقع؛ على تَقْدِير جَوَاز كل من الْأَمريْنِ. وَالْقَوْل بتجويز كل من الْأَمريْنِ هُوَ رَأْي الْمُحَقِّقين، وَلم أر من صرح عَن الْأَشْعَرِيّ بِخِلَافِهِ. وَالَّذِي أرَاهُ أَن الشَّيْخ إِنَّمَا تكلم فِي الْوُقُوع، وَأَنه يجوز صُدُور اللُّغَة اصْطِلَاحا، وَلَو منع الْجَوَاز، لنقله عَنهُ القَاضِي وَغَيره من محققي كَلَامه، وَلم أرهم نقلوه عَنهُ، بل لم يذكر القَاضِي، وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَابْن الْقشيرِي الشَّيْخ فِي مَسْأَلَة مبدأ اللُّغَات أَلْبَتَّة. وَذكر إِمَام الْحَرَمَيْنِ الِاخْتِلَاف فِي الْجَوَاز، ثمَّ قَالَ: إِن الْوُقُوع لم يثبت، وَتَبعهُ ابْن الْقشيرِي وَغَيره. (" فَائِدَة ") الصَّحِيح عِنْدِي؛ أَنه لَا فَائِدَة لهَذِهِ الْمَسْأَلَة، وَهُوَ مَا صَححهُ ابْن الْأَنْبَارِي وَغَيره؛ وَلذَلِك

صفحة فارغة هَامِش قيل: ذكرهَا فِي الْأُصُول فضول. وَقيل: فائدتها النّظر فِي جَوَاز قلب اللُّغَة؛ فحكي عَن بعض الْقَائِلين بالتوقيف منع الْقلب مُطلقًا؛ فَلَا يجوز تَسْمِيَة الْفرس ثوبا، وَالثَّوْب فرسا، وَعَن الْقَائِلين بالاصطلاح تجويزه. وَأما المتوقفون، قَالَ الْمَازرِيّ: فاختلفت إِشَارَة الْمُتَأَخِّرين؛ فَذهب الْأَزْدِيّ إِلَى التجويز؛ كمذهب قَائِل الِاصْطِلَاح. وَأَشَارَ أَبُو الْقَاسِم عبد الْجَلِيل الصَّابُونِي؛ إِلَى الْمَنْع، وَجوز كَون التَّوْقِيف واردا على أَنه وَجب أَلا يَقع النُّطْق إِلَّا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ. قلت: وعَلى الْخلاف بنى بَعضهم مَسْأَلَة: إِذا عقد صَدَاقا فِي السِّرّ، وصداقا فِي الْعَلَانِيَة، ويلتحق بِهِ مَا إِذا اسْتعْمل لفظ شركَة الْمُفَاوضَة، وَأَرَادَ شركَة الْعَنَان، وَقد نَص الشَّافِعِي

الرَّابِع: طَرِيق مَعْرفَتهَا: التَّوَاتُر فِيمَا لَا يقبل التشكيك؛ كالأرض وَالسَّمَاء، وَالْحر وَالْبرد؛ والآحاد فِي غَيره. هَامِش فِيهَا على الْجَوَاز. وَالْحق عِنْدِي - وَإِلَيْهِ يُشِير كَلَام الْمَازرِيّ -: أَنه لَا تعلق لهَذَا بِالْأَصْلِ السَّابِق؛ فَإِن التَّوْقِيف؛ لَو تمّ، لَيْسَ فِيهِ حجر علينا؛ حَتَّى لَا ننطق بسواه، فَإِن فرض حجر، فَهُوَ أَمر خارجي، وَالْفرع حكمه حكم الْأَشْيَاء قبل وُرُود الشَّرَائِع؛ فَإنَّا لَا نَعْرِف فِي الشَّرْع مَا يدل عَلَيْهِ. وَمَا ذكره الصَّابُونِي من الِاحْتِمَال مَدْفُوع. قَالَ الْمَازرِيّ: وَقد علم أَن الْفُقَهَاء الْمُحَقِّقين لَا يحرمُونَ الشَّيْء بِمُجَرَّد احْتِمَال وُرُود الشَّرْع بِتَحْرِيمِهِ، وَإِنَّمَا يحرمونه عِنْد انتهاض دَلِيل تَحْرِيمه. قَالَ: وَإِن اسْتندَ فِي التَّحْرِيم إِلَى الِاحْتِيَاط، فَهُوَ نظر فِي الْمَسْأَلَة من جِهَة أُخْرَى. وَهَذَا كُله فِيمَا لَا يُؤَدِّي قلبه إِلَى فَسَاد النظام، وتغييره إِلَى اخْتِلَاط الْأَحْكَام، فَإِن أدّى إِلَى ذَلِك، قَالَ الْمَازرِيّ: فَلَا يخْتَلف فِي تَحْرِيم قلبه، لَا لأجل نَفسه؛ بل لأجل مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ. الشَّرْح: " طَرِيق مَعْرفَتهَا " - أَي. معرفَة اللُّغَة - " التَّوَاتُر فِيمَا لَا يقبل التشكيك؛ كالأرض وَالسَّمَاء، وَالْحر وَالْبرد "؛ فتعرف بِهِ، " و " ب " الْآحَاد فِي غَيره "؛ وَهُوَ مَا يقبل التشكيك.

مباحث الأحكام

(مبَاحث الْأَحْكَام) الْأَحْكَام: لَا يحكم الْعقل بِأَن الْفِعْل حسن أَو قَبِيح؛ فِي حكم الله تَعَالَى، وَيُطلق لثَلَاثَة أُمُور إضافية: لموافقة الْغَرَض ومخالفته، وَلما أمرنَا بالثناء عَلَيْهِ ... ... ... ... هَامِش الشَّرْح: " الْأَحْكَام ": تستدعى حَاكما، ومحكوما بِهِ، وَعَلِيهِ؛ فليقع الِافْتِتَاح بِالنّظرِ فِي الحكم: قَالَ أَئِمَّتنَا: " لَا يحكم الْعقل؛ بِأَن الْفِعْل حسن أَو قَبِيح؛ فِي حكم الله تَعَالَى ". وَقَوله: (فِي حكم الله) قيد يخرج بِهِ حكم الْعقل؛ بِأَن هَذَا حسن، أَو قَبِيح؛ بِمَعْنى ملاءمة الطَّبْع ومنافرته، وجمال الصُّورَة وقبحها، وَصفَة الْكَمَال وَالنَّقْص؛ فَإِن ذَلِك عَقْلِي؛ بِلَا خلاف. وَإِضَافَة الحكم إِلَى الله قيد يظْهر فِي بادئ الرَّأْي؛ أَنه غير مُحْتَاج إِلَيْهِ. وَعِنْدِي أَن ذكره تبعا لإِمَام الْحَرَمَيْنِ؛ حَيْثُ قَالَ: لسنا ننكر أَن الْعُقُول تقضي من أَرْبَابهَا باجتناب المهالك، وابتدار الْمَنَافِع الممكنة؛ على تفاضل فِيهَا، وَجحد هَذَا خُرُوج عَن الْمَعْقُول، وَلَكِن الْكَلَام فِيهِ يحسن ويقبح فِي حكم الله تَعَالَى. انْتهى. والسر فِيهِ عِنْدِي أَن الْخصم لَا يُنكر أَن الله - تَعَالَى - حَاكم، وَلكنه يَقُول: الْعقل يحكم، وَالشَّرْع يعضده، وَلَا يخرج عَن قَضيته؛ فَهُوَ حَاكم بِهَذَا الِاعْتِبَار. " وَيُطلق " الْحسن والقبح " لثَلَاثَة أُمُور إضافية: لموافقة الْغَرَض ومخالفته "؛

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

والذم، وَلما لَا حرج فِيهِ وَمُقَابِله؛ وَفعل الله - تَعَالَى - حسن بالاعتبارين الْأَخيرينِ، وَقَالَت الْمُعْتَزلَة والكرامية والبراهمة: الْأَفْعَال حَسَنَة وقبيحة لذاتها ... ... ... ... ... هَامِش نقُول: هَذَا حسن؛ لموافقته الْغَرَض، وَهَذَا قَبِيح؛ لمُخَالفَته؛ فَلَيْسَ ذاتيا؛ لتبدله بتبدل الْأَغْرَاض - " وَلما أمرنَا بالثناء عَلَيْهِ والذم "، فالحسن بِهَذَا التَّفْسِير يتَنَاوَل الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب، دون الْمُبَاح، والقبيح يتَنَاوَل الْحَرَام دون الْمَكْرُوه والمباح. " وَلما لَا حرج فِيهِ وَمُقَابِله "، فالحسن على هَذَا أَعم من الثَّانِي؛ لتناول الْمُبَاح أَيْضا. " وَفعل الله - تَعَالَى - حسن [بالاعتبارين] الْأَخيرينِ "؛ إِذْ أمرنَا بالثناء عَلَيْهِ، وَلَا حرج فِيهِ، وَقَضِيَّة الثَّالِث - أَن الْمَكْرُوه حسن، إِذْ لَا حرج فِي فعله. وَالصَّحِيح - وَبِه صرح إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي (الشَّامِل) : أَنه خَارج عَن وصف الْحسن والقبح جَمِيعًا. " وَقَالَت الْمُعْتَزلَة والكرامية والبراهمة: الْأَفْعَال حَسَنَة وقبيحة لذاتها ".

صفحة فارغة هَامِش وَمِنْهَا: مَا يَتَّضِح حكمه، وَوجه الْمصلحَة فِيهِ غَايَة الْإِيضَاح، فيجعلونه مَعْلُوما بِالْعلمِ الضَّرُورِيّ الْعقلِيّ؛ كإنقاذ الغرقى من غير ضَرَر يلْحق المنقذ، أَو الظُّلم وَالْكذب بِغَيْر غَرَض. وَمِنْهَا: مَا انحطت رتبته عَن هَذَا الْإِيضَاح؛ حَتَّى احْتِيجَ فِيهِ إِلَى قِيَاسه على الضَّرُورِيّ؛ كظلم مُقَيّد، أَو كذب مُقَيّد. وَمِنْهَا: مَا لَا تبلغ الْعُقُول كنه مَعْرفَته، وَلَو بحثت وفكرت وقاست واستنبطت، كتفاصيل الشرعيات - المأمورات والمنهيات -، فالعقل فِي هَذَا يفْتَقر إِلَى الشَّرَائِع، وَمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل - عَلَيْهِم السَّلَام.

فالقدماء: من غير صفة، وَقوم بِصفة، ... ... ... ... ... ... ... هَامِش وتبعهم من الْحَنَفِيَّة جمَاعَة، وَمن أَصْحَابنَا الصَّيْرَفِي، والقفال الْكَبِير، وَأَبُو بكر الْفَارِسِي، وَالْقَاضِي أَبُو حَامِد، وَأَبُو عبد الله الْحَلِيمِيّ - نَقله عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ - وَفِيه مَا سأذكره - إِن شَاءَ الله - فِي مَسْأَلَة شكر الْمُنعم. وَاعْلَم أَن البراهمة لَيْسُوا مُسلمين، وَلَا كَلَام مَعَهم، وَإِنَّمَا الْكَلَام مَعَ الْقَدَرِيَّة، وَمن تَبِعَهُمْ؛ من الكرامية والخوارج. وَقد اخْتلفُوا " فالقدماء " من الْمُعْتَزلَة قَالُوا: بِحُصُول الْحسن والقبح " من غير صفة " مُوجبَة لَهما.

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

وَقوم بِصفة فِي الْقَبِيح، والجبائية بِوُجُوه واعتبارات. هَامِش " وَقوم " مِنْهُم قَالُوا: " بِصفة " زَائِدَة عَلَيْهَا. و" قوم " ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهَا مُخْتَصَّة " بِصفة فِي الْقَبِيح "، دون الْحسن. " والجبائية " - وهم أَبُو عَليّ وَأَتْبَاعه - ذَهَبُوا إِلَى أَن الِاخْتِصَاص بالْحسنِ والقبح؛ إِنَّمَا هُوَ؛ " بِوُجُوه واعتبارات "؛ فلطمة الْيَتِيم حَسَنَة؛ بِاعْتِبَار التَّأْدِيب، قبيحة؛ بِاعْتِبَار الإيلام. فَإِن قلت: قَوْلهم: الْأَفْعَال حَسَنَة وقبيحة لذاتها، مَعَ قَوْلهم: إِن حسنها وقبحها؛ بِاعْتِبَار صفاتها - مِمَّا يتناقض.

لنا: لَو كَانَ ذاتيا، لما اخْتلف، وَقد وَجب الْكَذِب، إِذا كَانَ فِيهِ عصمَة نَبِي، وَالْقَتْل وَالضَّرْب وَغَيرهمَا. " وَأَيْضًا: لَو كَانَ ذاتيا، لاجتمع النقيضان فِي صدق من قَالَ: لأكذبن غَدا - وَكذبه. وَاسْتدلَّ: لَو كَانَ ذاتيا، للَزِمَ قيام الْمَعْنى بِالْمَعْنَى؛ لِأَن حسن ... ... ... ... ... هَامِش قلت: اقْتِضَاء الذَّات لِلْحسنِ والقبح هُوَ قَول اشْتَركُوا فِيهِ، ثمَّ اقتضاؤها قد يكون بِوَاسِطَة هِيَ الصّفة والاعتبارات، وَقد لَا يكون بِوَاسِطَة. الشَّرْح: " لنا: لَو كَانَ " الْحسن والقبح " ذاتيا " للْفِعْل - " لما اخْتلف " بصيرورة الْحسن قبيحا، وَبِالْعَكْسِ؛ لِامْتِنَاع اخْتِلَاف الذاتيات، " وَقد " اخْتلف؛ إِذْ " وَجب الْكَذِب " عِنْد اشتماله على مصلحَة راجحة؛ كَمَا " إِذا كَانَ فِيهِ عصمَة نَبِي، وَالْقَتْل وَالضَّرْب وَغَيرهمَا " - كَذَا بِخَطِّهِ -، أَي: وَجب الْقَتْل أَو الضَّرْب وَغَيرهمَا أَيْضا؛ إِذا كَانَ فِيهِ عصمَة نَبِي؛ فَلَا يكون ذاتيا. الشَّرْح: " وَأَيْضًا: لَو كَانَ ذاتيا، لاجتمع النقيضان "؛ وهما الْحسن والقبح الذاتيان " فِي صدق من قَالَ: لأكذبن غَدا - وَكذبه "؛ لِأَنَّهُ إِن صدق، لزم إِيجَاد الْقَبِيح، وَالْفِعْل المستلزم للقبيح قَبِيح، فالصدق إِذن قَبِيح، وَإِن لم يصدق، لزم الْقَبِيح أَيْضا، فحصول الْقَبِيح لَازم على التَّقْدِيرَيْنِ، وَيلْزم مِنْهُ اجْتِمَاع الْحسن والقبح فِيهِ. وَاعْترض الأول: بِأَن الْوَاجِب لَازم الْكَذِب وَالْقَتْل وَالضَّرْب، وَهُوَ خلاص النَّبِي، دون مَا ذكر؛ كَمَا تَقول فِي الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة: إِنَّهَا ذَات وَجْهَيْن. وَهُوَ سَاقِط؛ إِذْ الْمُصَلِّي مأثوم بِأَفْعَال الصَّلَاة من جِهَة أَنَّهَا شغل ملك الْغَيْر، وَلم يقل أحد من عُلَمَاء الشَّرِيعَة؛ بِأَن الْكَاذِب فِيمَا نَحن فِيهِ آثم من جِهَة أَنه كَاذِب. وَاعْترض الثَّانِي: أَنه ذُو وَجْهَيْن أَيْضا، فَيحسن من جِهَة صدقه، ويقبح من جِهَة استلزامه الْكَذِب. الشَّرْح: " وَاسْتدلَّ: لَو كَانَ ذاتيا " ل " لزم قيام الْمَعْنى "؛ وَهُوَ الْحسن والقبح - " بِالْمَعْنَى "؛ وَهُوَ الْفِعْل. والتالي؛ وَهُوَ قيام الْعرض بِالْعرضِ - بَاطِل؛ فَكَذَا الْمُقدم.

الْفِعْل زَائِد على مَفْهُومه؛ وَإِلَّا، لزم من تعقل الْفِعْل تعقله؛ وَيلْزم وجوده؛ لِأَن نقيضه: (لَا حسن) ، وَهُوَ سلب، وَإِلَّا، استلزم حُصُوله محلا مَوْجُودا، وَلم يكن ذاتيا، وَقد وصف الْفِعْل بِهِ؛ فَيلْزم قِيَامه بِهِ، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّه يلْزم ذَلِك؛ " لِأَن حسن الْفِعْل زَائِد على مَفْهُومه؛ وَإِلَّا، لزم من تعقل الْفِعْل تعقله " - أَي: تعقل حسنه - والتالي بَاطِل؛ إِذْ قد يعقل الْفِعْل، وَلَا يخْطر بالبال حسنه وَلَا قبحه. " وَيلْزم " مَعَ ثُبُوت زِيَادَته على الْفِعْل " وجوده " - أَي: أَن يكون أمرا وجوديا؛ " لِأَن نقيضه لَا حسن، وَهُوَ سلب. وَإِلَّا " فَلَو لم يكن سلبا، كَانَ ثبوتيا، و " استلزم حُصُوله محلا مَوْجُودا "؛ لِامْتِنَاع قيام الصّفة الثبوتية بالمعدوم؛ وَهُوَ صَادِق على الْمَعْدُوم؛ إِذْ نصف كثيرا من المعدومات بِأَنَّهَا غير حَسَنَة، فَلَا يكون ثبوتيا. وَإِذا كَانَ: لَا حسن، أمرا سلبيا - لزم كَون نقيضه، وَهُوَ الْحسن - أمرا ثبوتيا. وَأَيْضًا: إِذا لم يصدق عَلَيْهِ أَنه لَيْسَ بِحسن، صدق أَنه حسن؛ إِذْ لَا مخرج عَن النَّفْي وَالْإِثْبَات. " وَلم يكن ذاتيا "؛ إِذْ الْمَعْدُوم لَا يكون لَهُ صفة إِلَّا مقدرَة موهومة، وَكَيف تكون صفة حَقِيقِيَّة ذاتية لما لَا حَقِيقَة لَهُ وَلَا ذَات. وَإِذا ثَبت أَن نقيضه سلب، كَانَ هُوَ وجودا؛ فقد ثَبت أَنه زَائِد وجودي، " وَقد وصف الْفِعْل بِهِ؛ فَيلْزم قِيَامه بِهِ "، أَي: قيام الْمَعْنى بِالْمَعْنَى، أَو قيام الْحسن بِالْفِعْلِ؛ وَهُوَ قيام الْمَعْنى بِالْمَعْنَى؛ وَالدَّلِيل على بطلَان التَّالِي؛ وَهُوَ قيام الْعرض بِالْعرضِ: أَن الْعرض الَّذِي هُوَ مَحل الْعرض لَا بُد، وَأَن يكون قَائِما بالجوهر؛ دفعا للتسلسل، وَقيام الْعرض بالجوهر لَا معنى لَهُ إِلَّا كَونه حَاصِلا فِي الحيز؛ تبعا لحُصُول الْجَوْهَر فِيهِ، فَلَو كَانَ الْعرض قَائِما بِالْعرضِ، لزم حُصُوله فِي حيّز الْعرض الَّذِي هُوَ مَحَله؛ تبعا لحصوله فِيهِ؛ فهما قائمان بالجوهر؛ وَإِن كَانَ قيام أَحدهمَا بِهِ مَشْرُوطًا بِقِيَام الآخر؛ كَمَا فِي الْأَعْرَاض الْمَشْرُوطَة بِالْحَيَاةِ. وَهَذَا الدَّلِيل اعْتَمدهُ الْآمِدِيّ، وَهُوَ مَبْنِيّ على امْتنَاع قيام الْعرض بِالْعرضِ. والخصم يمنعهُ؛ فَإِن السرعة والبطء عرضان قَائِما بالحركة - وَهِي عرض - وليسا قَائِمين بالجسم؛ إِذْ يُقَال: جسم بطيء فِي حركته، وَلَا يُقَال: بطيء فِي جسميته.

وَاعْترض بإجرائه فِي الْمُمكن؛ وَبِأَن الِاسْتِدْلَال بِصُورَة النَّفْي على الْوُجُود دور؛ لِأَنَّهُ قد يكون ثبوتيا أَو منقسما؛ فَلَا يُفِيد ذَلِك. وَاسْتدلَّ: فعل العَبْد غير مُخْتَار؛ فَلَا يكون حسنا وَلَا قبيحا ... ... ... ... هَامِش وأصحابنا يجيبون عَن هَذَا الْمَنْع - كَون البطء صفة للحركة -، وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا هُوَ عبارَة عَن تخَلّل السكتات؛ وَكَذَلِكَ السرعة عبارَة عَن عدم التخلل؛ فَيرجع حَاصله إِلَى أَن الْجِسْم يسكن فِي بعض الأحيان، ويتحرك فِي بَعْضهَا؛ فَيكون ذَلِك صفة للجسم؛ لَا للحركة، وَيَقُولُونَ أَيْضا: إِن مَا ذكره الْخُصُوم لَا يَتَأَتَّى على مَذْهَبهم أَيْضا؛ لجَوَاز أَن تكون طَبَقَات الحركات أنواعا مُخْتَلفَة، وَلَيْسَ ثمَّ إِلَّا الْحَرَكَة الْمَخْصُوصَة، وَأما السرعة والبطء، فَمن الْأُمُور النسبية؛ وَلذَلِك تكون بطيئة سريعة بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَرَكَة؛ كالإنسان مثلا، سريعة بِالنِّسْبَةِ إِلَى أُخْرَى؛ كالفرس. " وَاعْترض " الدَّلِيل أَيْضا " بإجرائه فِي الْمُمكن "؛ فَيُقَال: إِمْكَان الْمُمكن زَائِد على مَفْهُومه، وَهُوَ ثبوتي؛ لِأَنَّهُ نقيض: (لَا إِمْكَان) العدمي، وَقد وصف الْفِعْل بِهِ؛ فَيلْزم قيام الْعرض بِالْعرضِ. وَلَك أَن تَقول: الْإِمْكَان أَمر اعتباري؛ لَا وجود لَهُ فِي الْخَارِج. والخصم لَا يُمكنهُ الْجَواب بِهَذَا؛ لِأَن الْحسن والقبح عِنْده من الصِّفَات الوجودية. " وَبِأَن الِاسْتِدْلَال بِصُورَة النَّفْي "، وَكَونه سلبا " على الْوُجُود " - أَي: وجود الْمَنْفِيّ - " دور؛ لِأَنَّهُ " إِنَّمَا نعلم أَن: لَا حسن، أَمر سَلبِي؛ إِذا علمنَا أَنه نقيض الْحسن، وَأَن الْحسن أَمر وجودي؛ فَإِن نقيض الوجودي سَلبِي؛ فَلَو استدللنا على أَن الْحسن وجودي؛ بِأَن نقيضه سَلبِي، لزم الدّور؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ " قد يكون " السَّلب " ثبوتيا "؛ كاللامعدوم، " أَو منقسما " إِلَى الوجودي والعدمي، كاللاممكن؛ فَإِنَّهُ يَنْقَسِم إِلَى الْوَاجِب - وَهُوَ وجودي -، والممتنع - وَهُوَ عدمي؛ " فَلَا يُفِيد " الِاسْتِدْلَال بِصُورَة النَّفْي " ذَلِك " الْمَطْلُوب. وَلَك دفع الدّور؛ بِأَن علمنَا بِأَن: لَا حسن سَلبِي - لَيْسَ مُسْتَندا إِلَى أَنه نقيض الْحسن؛ حَتَّى يلْزم الدّور؛ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَند إِلَى أَنه لَو كَانَ ثبوتيا، استلزم محلا مَوْجُودا. الشَّرْح: " وَاسْتدلَّ " ثَانِيًا على أَن الْحسن والقبح ليسَا ذاتيين بِمَا تَقْرِيره أَن تَقول: " فعل العَبْد غير مُخْتَار " - وَحِينَئِذٍ يكون إِمَّا اضطراريا أَو اتفاقيا - " فَلَا يكون حسنا وَلَا قبيحا لذاته؛

لذاته؛ إِجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ إِن كَانَ لَازِما، فَوَاضِح، وَإِن كَانَ جَائِزا؛ فَإِن افْتقر إِلَى مُرَجّح، عَاد التَّقْسِيم، وَإِلَّا، فَهُوَ اتفاقي، وَهُوَ ضَعِيف؛ فَإنَّا نفرق بَين الضرورية، والاختيارية؛ ضَرُورَة؛ وَيلْزم عَلَيْهِ فعل الْبَارِي، وَألا يُوصف بِحسن وَلَا قبح؛ شرعا؛ ... ... ... ... ... هَامِش إِجْمَاعًا "، أما عندنَا فَظَاهر، وَأما عِنْد الْخصم فَلِأَنَّهُ لَا يجوز التَّكْلِيف بالأفعال الَّتِي هِيَ غير اختيارية شرعا، فضلا عَن أَن يعلم ذَلِك بضرورة الْعقل أَو نظره. وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِن العَبْد غير مُخْتَار فِي أَفعاله؛ " لِأَنَّهُ إِن كَانَ " صُدُور الْفِعْل عَنهُ " لَازِما، فَوَاضِح " لُزُوم الْجَبْر، وَحُصُول الْمَطْلُوب من عدم الِاخْتِيَار، " وَإِن كَانَ جَائِزا "؛ فإمَّا أَن يفْتَقر فِي تَرْجِيح أحد طَرفَيْهِ على الآخر إِلَى مُرَجّح، أَو لَا؛ " فَإِن افْتقر إِلَى مُرَجّح، عَاد التَّقْسِيم " الْمَذْكُور فَتَقول: - مَعَ ذَلِك الْمُرَجح - إِمَّا أَن يكون الْفِعْل لَازِما أَو جَائِزا، وَيلْزم التسلسل أَو الِانْتِهَاء إِلَى مُرَجّح مَخْلُوق لله - تَعَالَى - وَلَا يتَمَكَّن العَبْد من تَركه عِنْد وجوده. فَيلْزم الِاضْطِرَار؛ " وَإِلَّا " - أَي: وَإِن لم يفْتَقر إِلَى مُرَجّح، " فَهُوَ اتفاقي " لَا يصدر عَن اخْتِيَار، وَقد اعْتمد الإِمَام الرَّازِيّ على هَذَا الدَّلِيل. " وَهُوَ ضَعِيف " لوجوه: الأول: الْعلم بِبُطْلَان مَدْلُوله ضَرُورَة؛ " فَإنَّا نفرق بَين " الْأَفْعَال " الضرورية " كحركة المرتعش " والاختيارية " كَسَائِر الحركات الإرادية " ضَرُورَة ". وَالثَّانِي: أَنه " يلْزم عَلَيْهِ فعل الْبَارِي "، فَيلْزم أَلا يكون مُخْتَارًا، وَذَلِكَ كفر. وَالثَّالِث: أَنه يلْزم مِنْهُ أَيْضا " أَلا يُوصف " الْفِعْل " بِحسن وَلَا قبح شرعا " بِغَيْر مَا ذكر وَهُوَ بَاطِل وفَاقا. وَاعْلَم أَن الْإِلْزَام الأول أوجه الإلزامات. وَقد يُقَال عَلَيْهِ: أما التَّفْرِقَة بَين حَرَكَة المرتعش وَغَيره فضرورية، وَهِي الَّتِي جعلت مَذْهَبنَا - معاشر الأشاعرة - وَاسِطَة بَين الْجَبْر وَالْقدر. وَأما إبِْطَال هَذَا الدَّلِيل بِهَذَا فَفِيهِ نظر؛ لِأَن مورد التَّقْسِيم فعل العَبْد، وحركة المرتعش لَيست من فعله، وَلَا يُقَال: حرك المرتعش يَده إِلَّا مجَازًا، لفقدان الِاخْتِيَار والداعية. قَوْلكُم: لَو كَانَت أفعالنا اضطرارية لساوت حركاتنا حركات المرتعش. قُلْنَا: أَي الْمُسَاوَاة تُرِيدُونَ الْمُسَاوَاة من جِهَة امْتنَاع التَّكْلِيف بهَا.

وَالتَّحْقِيق أَنه يتَرَجَّح بِالِاخْتِيَارِ. هَامِش الأول: مُسلم، فَإِنَّهَا وَاجِبَة الْوُقُوع لتَمام علتها الصادرة من الْغَيْر. وَالثَّانِي مَمْنُوع؛ لِأَنَّهَا وَجَبت بِالْغَيْر، وَوُجُوب الشَّيْء بِشَرْط غَيره لَا يُنَافِي إِمْكَانه وقدرة الْغَيْر عَلَيْهِ، فَلم تكن حركاتنا كحركات المرتعش. وَالْحَاصِل: أَنا نلتزم الِاضْطِرَار، وَلَا يَنْتَفِي للمدح والذم. وَمَا قيل من الْإِجْمَاع على انْتِفَاء التَّكْلِيف بالاضطراري إِنَّمَا هُوَ فِي الاضطراري الَّذِي لَا مدْخل للْعَبد [فِيهِ] أَلْبَتَّة. وَأما مَا يكمل الْمُرَجح فِيهِ بداعية العَبْد وعزمه فالفعل وَاجِب، وَلَا يَنْفِي هَذَا الِاضْطِرَار الثَّوَاب وَالْعِقَاب. وَأما الثَّانِي فضعيف، لقِيَام الْفرق، فَإِن فاعلية الْبَارِي - تَعَالَى - تتَوَقَّف على مُرَجّح من قبله، وَهُوَ إِرَادَته الْقَدِيمَة الْمُتَعَلّقَة بالإيجاد فِي وَقت مَخْصُوص، وَمَا ذكرنَا من التَّقْسِيم غير آتٍ فِيهِ حَتَّى يلْزم التسلسل أَو الِاضْطِرَار أَو الِاتِّفَاق، وَلَا يلْزم قدم مخلوقاته. وَأما الثَّالِث فساقط؛ لِأَن الدَّلِيل على الْمُقدمَة الثَّانِيَة فِي الْبُرْهَان الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ الِاتِّفَاق على أَن الاضطراري والاتفاقي لَا يصحان عقلا، وَهُوَ غير حَاصِل فِي الْحسن والقبح الشرعيين، وَلِأَن جَمَاهِير الْقَائِلين بِأَنَّهُمَا شرعيان - وإمامهم شَيخنَا أَبُو الْحسن - قَالُوا بِجَوَاز التَّكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق. " وَالتَّحْقِيق " فِي الْجَواب عَن فعل العَبْد: " أَنه " يجوز صدوره، وَلَكِن " يتَرَجَّح " صدوره " بِالِاخْتِيَارِ " من العَبْد. وَالْحَاصِل: أَن بَين الْقدر والجبر وَاسِطَة، وَهِي: الْكسْب الَّذِي نقُول بإثباته، وتحقيقه محَال على الْكتب الكلامية من كتب أَصْحَابنَا. فَلَا تَظنن هَذَا الْمَكَان يتكفل لَك بتقرير الْكسْب الَّذِي هُوَ أصعب مَا عِنْد الأشاعرة. وَإِن أَبيت إِلَّا التَّعَلُّق بِمَا يكون فِي ضميرك عقدا من معرفَة الْكسْب، فَاعْلَم أَن أَئِمَّتنَا قد أَكْثرُوا فِيهِ. ولي أَنا فِيهِ طَريقَة أَرَاهَا الصَّوَاب فأقتصر على ذكرهَا قَائِلا: ثَبت لنا قاعدتان: إِحْدَاهمَا: أَن

صفحة فارغة هَامِش العَبْد غير خَالق " لأفعال نَفسه ". وَالثَّانيَِة: أَن الله لَا يُعَاقب إِلَّا على مَا فعله العَبْد، وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب واقعان على الْجَوَارِح، فلزمت الْوَاسِطَة بَين الْقدر والجبر، وساعدنا عَلَيْهَا شَاهد فِي الْخَارِج، وَهُوَ التَّفْرِقَة الضرورية بَين حَرَكَة المرتعش والمريد، فأثبتنا هَذِه الْوَاسِطَة، وسميناها بِالْكَسْبِ لقَوْله تَعَالَى: {لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت} [سُورَة الْبَقَرَة: الْآيَة 286] وَغير ذَلِك من الْآي وَالْأَخْبَار، فَإِن سئلنا عَن التَّعْبِير عَن هَذَا الْكسْب بتعريف جَامع مَانع قُلْنَا: لَا سَبِيل لنا إِلَى ذَلِك وَالسَّلَام، فَرب ثَابت لَا تحيط بِهِ الْعبارَات، ومحسوس لَا تكتنفه الإشارات. وَمن أَصْحَابنَا من أَخذ يُحَقّق الْكسْب فَوَقع فِي معضل أرب لَا قبل لَهُ بِهِ. وَالصَّوَاب عندنَا: أَنه أَمر لزم عَن حق فَكَانَ حَقًا، وعضده مَا ذَكرْنَاهُ، فعرفناه على الْجُمْلَة دون التَّفْصِيل. وَمَا أحسن قَول عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا وَقد سُئِلَ: أيكلف الله الْعباد بِمَا لَا يُطِيقُونَ؟ قَالَ: هُوَ أعدل من ذَلِك. قيل: أفيستطيعون أَن يَفْعَلُوا مَا يُرِيدُونَ؟ قَالَ: هم أعجز من ذَلِك. وَعلي الرِّضَا هُوَ ابْن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن زين العابدين بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنْهُم - وَهَذَا الَّذِي قَالَه عين مَذْهَبنَا فافهمه. وَهُوَ قبل الْأَشْعَرِيّ وَفَاة بِمَا ينيف على مائَة وَعشْرين سنة، فَإِنَّهُ مَاتَ ب " طوس " سنة ثَلَاث

صفحة فارغة هَامِش وَمِائَتَيْنِ - قبل الشَّافِعِي بِسنة - والأشعري مَاتَ بعد الْعشْرين وثلثمائة. فَإِن قلت: وَأي برهَان قَامَ على إبِْطَال الْقدر والجبر. قلت: هَذَا الْآن من فن الْكَلَام، وإدخاله فِي الْأُصُول فضول، وَنحن نشِير إِلَى زبدة القَوْل فِيهِ فَنَقُول: قد تقرر عِنْد كل ذِي لب أَن الرب - تَعَالَى - مطَالب عباده بأعمالهم فِي حَالهم، ومثيبهم ويعاقبهم عَلَيْهَا فِي مآلهم، وَتبين بالنصوص المترقبة عَن دَرَجَات التَّأْوِيل أَنهم من الْوَفَاء بِمَا كلفوه بسبيل. وَمن نظر فِي كليات الشَّرَائِع، وَمَا فِيهَا من الاستحثاث على المكرمات والزواجر عَن الموبقات، وَمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من وعد الطائعين بالزلفى، ووعيد العاصين بِسوء المنقلب، وَمَا تضمنه قَوْله تَعَالَى: تعديتم وعصيتم وَأَبَيْتُمْ، وَقد أرخيت لكم الطول وفسحت لكم الْمهل؛ فَأرْسلت الرُّسُل وأوضحت السبل لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة، وأحاط بذلك كُله، ثمَّ استراب فِي أَن القَوْل بالجبر بَاطِل فَهُوَ مصاب فِي عقله، أَو ملقى من التَّقْلِيد فِي وهدة من جَهله. فَإِن أَخذ الجبري يَقُول: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} [سُورَة الْأَنْبِيَاء: الْآيَة 23] . قيل لَهُ: كلمة حق أُرِيد بهَا بَاطِل، نعم يفعل الله مَا يَشَاء، وَيحكم مَا يُرِيد، وَلَكِن يتقدس عَن الْخلف ونقيض الصدْق، وَقد فهمنا بضرورات الْعُقُول من الشَّرْع الْمَنْقُول أَنه عزت قدرته طَالب عباده بِمَا أخبر أَنهم متمكنون من الْوَفَاء بِهِ، فَلم يكلفهم إِلَّا على مبلغ الطَّاقَة والوسع، فقد لَاحَ إبِْطَال القَوْل بالجبر. وأسفه مِنْهُ القَوْل بِخلق الْأَفْعَال، فَإِن فِيهِ مروقا عَمَّا درج عَلَيْهِ الْأَولونَ، واقتحام ورطات الضلال، وَلُزُوم حُدُوث الْفِعْل الْوَاحِد بقادرين، ومداناة القَوْل بِشريك الْبَارِي، فَلَقَد أجمع الْمُسلمُونَ قاطبة قبل ظُهُور الْبدع والآراء، واجتماع أَصْحَاب الْأَهْوَاء على أَنه لَا خَالق إِلَّا الله، وفاهوا بِهِ كَمَا فاهوا بقَوْلهمْ: لَا إِلَه إِلَّا الله، وبمدح الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي آي من الْكتاب بقوله: {أَفَمَن يخلق كمن لَا يخلق} [سُورَة النَّحْل: الْآيَة 17] . {هَل من خَالق غير الله} [سُورَة فاطر: الْآيَة 3] . {وَخلق كل شَيْء} [سُورَة الْأَنْعَام: الْآيَة 101] ، فَلَا يشك لَبِيب أَن [من] وصف نَفسه بِكَوْنِهِ خَالِقًا

وعَلى الجبائية لَو حسن الْفِعْل أَو قبح لغير الطّلب، لم يكن تعلق الطّلب لنَفسِهِ؛ لتوقفه على أَمر زَائِد. وَأَيْضًا: لَو حسن الْفِعْل أَو قبح لذاته أَو لصفته، لم يكن البارئ مُخْتَارًا فِي الحكم؛ لِأَن الحكم بالمرجوح على خلاف الْمَعْقُول؛ فَيلْزم الآخر، فَلَا اخْتِيَار. هَامِش على الْحَقِيقَة، فقد أعظم الْفِرْيَة على ربه، فَلَقَد وضح كَالشَّمْسِ أَن الجبري مُبْطل لدَعْوَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام. والقدري مُثبت لرَبه شَرِيكا، وَهَذِه جملَة لَا يقنع بهَا الطَّالِب للبسط، وفيهَا رمز إِلَى خُلَاصَة مَا يَقُوله عُلَمَاؤُنَا رَضِي الله عَنْهُم، وَقد تمّ الدَّلِيل على غير الجبائية. الشَّرْح: " وعَلى الجبائية " أَن نقُول: " لَو حسن الْفِعْل أَو قبح بِغَيْر الطّلب " من الشَّارِع وَكَانَ حسنه، أَو قبحه لما زعمتم من الْوُجُوه والاعتبارات أَو لذاته، " لم يكن تعلق " الْفِعْل لنَفسِهِ - كَذَا بِخَط المُصَنّف، أَي: لم يكن تعلق " الطّلب " بِالْفِعْلِ " لنَفس الْفِعْل "، " لتوقفه على أَمر زَائِد " وَهِي تِلْكَ الْوُجُوه والاعتبارات، والتالي بَاطِل فالمقدم مثله. أما الشّرطِيَّة؛ فَلِأَن حسن الْفِعْل أَو قبحه لَو كَانَ مُسْتَندا إِلَى اعْتِبَار مَا لَكَانَ متوقفا فِي حسنه على حُصُول ذَلِك الِاعْتِبَار، [والباري - تَعَالَى - إِنَّمَا يَأْمر بِالْفِعْلِ لأجل الْحسن فَيكون الطّلب متوقفا على ذَلِك الِاعْتِبَار] الَّذِي بِهِ يحسن [الْفِعْل] ، وَأما بطلَان التَّالِي، فلأنا نفرض الْكَلَام فِي فعل تعلق الطّلب بِهِ. الشَّرْح: " وَأَيْضًا " الْحجَّة على الْجَمِيع " لَو حسن الْفِعْل، أَو قبح لذاته، أَو لصفته لم يكن الْبَارِي " - تَعَالَى - " مُخْتَارًا فِي الحكم؛ لِأَن " الْحسن رَاجِح على الْقبْح، والحكيم إِنَّمَا يَأْمر بالراجح، لِأَن " الحكم بالمرجوح على خلاف الْمَعْقُول، فَيلْزم الآخر " وَهُوَ الْحسن الرَّاجِح، وَإِذا كَانَ تعلق الْأَمر بِطرف الْحسن وَاجِبا، وطرف الْقبْح مُمْتَنعا " فَلَا اخْتِيَار ".

وَمن السّمع {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} [سُورَة الْإِسْرَاء: الْآيَة 15] لاستلزام مَذْهَبهم خِلَافه. قَالُوا: حسن الصدْق النافع وَالْإِيمَان، وقبح الْكَذِب الضار والكفران - مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ من غير نظر إِلَى عرف أَو شرع أَو غَيرهمَا. وَالْجَوَاب الْمَنْع بل بِمَا ذكر. قَالُوا: إِذا اسْتَويَا فِي الْمَقْصُود مَعَ قطع النّظر عَن كل مِقْدَار، آثر ... ... ... ... هَامِش الشَّرْح: " وَمن السّمع " مِمَّا يهدم قَاعِدَة الْحسن والقبح قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} [سُورَة الْإِسْرَاء: الْآيَة 15] . وَلم يقل: حَتَّى نركب [فيهم] ، عقولا، وَإِنَّمَا ورد على الْخُصُوم هَذَا " لاستلزام مذاهبهم خِلَافه "، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - نفى التعذيب قبل الْبعْثَة. وَالْقَوْل بِأَن الْعقل يَقْتَضِي ويستلزم التعذيب وَإِن لم تُوجد الْبعْثَة، لوجدانه قبلهَا، والتعذيب عِنْدهم إِذا قضى بِهِ الْعقل وَاجِب، فَلَا يتَخَلَّف. وَلنَا آي أخر، سأذكر بَعْضهَا فِي أثْنَاء مَسْأَلَة شكر الْمُنعم. الشَّرْح: " قَالُوا ": الْعلم بالْحسنِ والقبح ضَرُورِيّ، إِذْ " حسن الصدْق النافع وَالْإِيمَان، وقبح الْكَذِب الضار، والكفران مَعْلُوم ضَرُورَة من غير نظر إِلَى عرف أَو شرع أَو غَيرهمَا "، بِدَلِيل أَنه حَاصِل لجَمِيع الْأُمَم، حَتَّى إِن منكري الشَّرَائِع يعترفون بِحسن الصدْق النافع، وقبح الْكَذِب الضار، وَلَو كَانَ ذَلِك مستفادا من الشَّرْع لما حصل لَهُم. " وَالْجَوَاب الْمَنْع "، فَلَا نسلم أَن ذَلِك يعلم بضرورة الْعقل، وَكَيف يستتب ادِّعَاء الضَّرُورَة، وَمن الْعُقَلَاء من لَا يعْتَقد قبح مَا ذَكرُوهُ من الْأَشْيَاء، " بل " إِنَّمَا يحكم بالْحسنِ والقبح " بِمَا ذكر " من الشَّرْع. الشَّرْح: " قَالُوا " الصدْق وَالْكذب " إِذا اسْتَويَا فِي الْمَقْصُود مَعَ قطع النّظر عَن كل " أَمر " مُقَدّر " يقْضِي بترجيح أَحدهمَا " آثر الْعقل الصدْق " على الْكَذِب، وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا لِأَنَّهُ حسن بِالْعقلِ.

الْعقل الصدْق. وَأجِيب بِأَنَّهُ تَقْدِير مُسْتَحِيل؛ فَلذَلِك يستبعد منع إِيثَار الصدْق، وَلَو سلم، فَلَا يلْزم فِي الْغَائِب؛ للْقطع بِأَنَّهُ لَا يقبح من الله تَمْكِين العَبْد من الْمعاصِي، ويقبح منا. قَالُوا: لَو كَانَ شَرْعِيًّا، لزم إفحام الرُّسُل. فَيَقُول: لَا أنظر فِي معجزتك حَتَّى يجب النّظر، ويعكس، أَو لَا يجب حَتَّى يثبت الشَّرْع ويعكس. وَالْجَوَاب أَن ... ... هَامِش " وَأجِيب [بِأَنَّهُ] تَقْدِير مُسْتَحِيل " وُقُوعه، فَإِن الصدْق وَالْكذب متنافيان، ويستحيل تَسَاوِي المتنافيين فِي جَمِيع الصِّفَات، " فَلذَلِك " الْفَرْض المستحيل " يستبعد " فِي الْعقل " منع إِيثَار الصدْق "، وَلَا يلْزم من استبعاد الْعقل ذَلِك على هَذَا التَّقْدِير بعده فِي نفس الْأَمر، وَإِنَّمَا يلْزم أَن لَو وَقع فِي نفس الْأَمر، وَهُوَ مَمْنُوع. " وَلَو سلم " إِمْكَان التَّقْدِير فِي حَقنا " فَلَا يلْزم " مثله " فِي الْغَالِب، للْقطع بِأَنَّهُ لَا يقبح، من الله تَمْكِين العَبْد من الْمعاصِي، ويقبح " ذَلِك " منا " فَلَا يُقَاس الْغَائِب بِالشَّاهِدِ. الشَّرْح: " قَالُوا: لَو كَانَ " الْحسن والقبح " شَرْعِيًّا " لَكَانَ وجود النّظر شَرْعِيًّا، وَذَلِكَ وَاضح. وَلَو كَانَ كَذَلِك " لزم إفحام الرُّسُل " - عَلَيْهِم السَّلَام - أَي: انقطاعهم؛ وَذَلِكَ لِأَن الرَّسُول إِذا قَالَ للمرء: انْظُر فِي معجزتي لتؤمن " فَيَقُول: لَا أنظر فِي معجزتك حَتَّى يجب النّظر " فِيهَا " ويعكس " قَائِلا: " وَلَا يجب " عَليّ النّظر " حَتَّى يثبت الشَّرْع "، ضَرُورَة توقف الْوُجُوب على الشَّرْع حِينَئِذٍ، " ويعكس " قَائِلا: وَلَا يثبت الشَّرْع حَتَّى أنظر، وَأَنا لَا أنظر، وَيكون هَذَا القَوْل حَقًا، وَلَا سَبِيل للرسول إِلَى دَفعه وَهُوَ حجَّة عَلَيْهِ، وَهُوَ معنى الإفهام.

وُجُوبه عِنْدهم نَظَرِي فَيَقُول بِعَيْنِه، على أَن النّظر لَا يتَوَقَّف على وُجُوبه، وَلَو سلم، فالوجوب بِالشَّرْعِ، نظر أَو لم ينظر، ثَبت أَو لم يثبت. قَالُوا: لَو كَانَ ذَلِك، لجازت المعجزة من الْكَاذِب، ولامتنع الحكم بقبح نِسْبَة الْكَذِب على الله قبل السّمع، والتثليث وأنواع الْكفْر من الْعَالم. وَأجِيب بِأَن الأول إِن امْتنع فلمدرك آخر، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش " وَالْجَوَاب: أَن وُجُوبه " [وَإِن اسْتندَ عِنْدهم إِلَى الْعقل، فَلَيْسَ بضروري " عِنْدهم " بل هُوَ " نَظَرِي فَيَقُول بِعَيْنِه ": لَا أنظر حَتَّى أعرف وجوب النّظر، وَلَا أعرف حَتَّى أنظر، فَإِذن الشُّبْهَة مُشْتَركَة الْإِلْزَام، فَمَا كَانَ جَوَابا لَهُم فَهُوَ جَوَابنَا. " وعَلى " أَنا نقُول: " إِن النّظر " فِي المعجز " لَا يتَوَقَّف على وُجُوبه "] ، لِإِمْكَان أَن ينظر الْعَاقِل قبل تعلق الْوُجُوب بِهِ. " وَلَو سلم " توقفه عَلَيْهِ " فالوجوب " - وجوب النّظر - إِنَّمَا هُوَ " بِالشَّرْعِ " عندنَا، " نظر أَو لم ينظر، ثَبت " عِنْده الشَّرْع " أَو لم يثبت "، فَإِنَّهُ مَتى ظَهرت المعجزة فِي نَفسهَا وَكَانَ صدق النَّبِي فِيمَا ادَّعَاهُ [مُمكنا] ، والمدعو مُتَمَكنًا من النّظر والمعرفة فقد اسْتَقر الشَّرْع وَثَبت، والمدعو مفرط فِي حق نَفسه. الشَّرْح: " قَالُوا: لَو كَانَ ذَلِك " - كَذَا بِخَطِّهِ - أَي: كَون الْحسن والقبح شرعيين قَائِما فِي نفس الْأَمر، وَلم يَكُونَا عقليين - لحسن من الله كل شَيْء، وَلَو حسن مِنْهُ كل شَيْء، " لجازت " وَحسنت " المعجزة من الْكَاذِب "، وَحِينَئِذٍ يَقع التباس النَّبِي بالمتنبئ، " ولامتنع الحكم بقبح نِسْبَة الْكَذِب على الله - تَعَالَى - قبل وُرُود السّمع " بِحرْمَة الْكَذِب عَلَيْهِ - كَذَا بِخَط المُصَنّف. وَفِي بعض النّسخ: نِسْبَة الْكَذِب إِلَى الله، أَي: لَا يقبح أَن ينْسب الْكَذِب إِلَيْهِ قبل السّمع ولامتنع الحكم بقبح عبَادَة الْأَصْنَام، " والتثليث، وأنواع الْكفْر من الْعَالم " قبل الشَّرْع. " وَأجِيب: بِأَن الأول " أَي: المعجزة على يَد الْكَاذِب - لَا نسلم أَن امْتِنَاعه لذاته، بل " إِن امْتنع فلمدرك آخر " غير الْقبْح الذاتي، وَهُوَ الْعَادة، وَلَا يلْزم عَلَيْهِ التباس النَّبِي بالمتنبئ، فَإِن

وَالثَّانِي مُلْتَزم إِن أُرِيد [بِهِ] التَّحْرِيم الشَّرْعِيّ. هَامِش الالتباس إِنَّمَا يلْزم بِتَقْدِير الْوُقُوع، وَلَا يلْزم من حسن الشَّيْء وُقُوعه، بل قد يمْتَنع عَادَة. " وَالثَّانِي " وَهُوَ الْكَذِب، والتثليث إِلَى آخر مَا ذَكرُوهُ " مُلْتَزم " عدم التَّحْرِيم فِيهِ " إِن أُرِيد بِالتَّحْرِيمِ التَّحْرِيم الشَّرْعِيّ "؛ إِذْ لَا تَحْرِيم قبل وُرُود الشَّرْع على أصولنا. وَمِنْهُم من يَسْتَثْنِي الْمعرفَة وَيَقُول: لَا توجب الْعُقُول سواهَا، فعلى هَذَا إِيرَاد أَنْوَاع الْكفْر إِيرَاد مَا هُوَ من غير مَحل النزاع. وَالْحق أَن الْعُقُول لَا توجب شَيْئا أَلْبَتَّة، وَمن ترهات الْقَوْم قَوْلهم: لَو لم تجب الْمعرفَة بِالْعقلِ لجَاز وُرُود الشَّرْع بإسقاطها، وَهَذَا من فن الهذيان؛ إِذْ التَّكْلِيف بِالْجَهْلِ مُسْتَحِيل، فَإِنَّهُ فرع معرفتك من كلفك، وَهُوَ تنَاقض، ثمَّ قد أخبر الله بِأَنَّهُ لَا يَأْمر بالفحشاء، وتأخيره الْقَائِلين بالعقول، وخيبتهم فَمَا هم وَالله بأعقل من قدماء الفلاسفة، وَلَا أَكثر رياضة مِنْهُم، وَقد وَقَعُوا فِي الْكفْر بركونهم إِلَى عُقُولهمْ، واعتقد كثير مِنْهُم خَمْسَة قدماء، وَكثير مِنْهُم اثْنَيْنِ. فَلْينْظر النَّاظر إِلَى أَي شَيْء صَار أَمرهم، وانتهت حَالهم، والسعيد من وعظ بِغَيْرِهِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: عقول عَامَّة النَّاس مغمورة بالهوى، مَكْفُوفَة عَن بُلُوغ الْغَايَة بالميل الطبعي، وَلِهَذَا وَقع أَكثر الْعُقَلَاء فِي مهاوي الْحيرَة، ولحقتهم من الدهش والتردد مَا لَا غَايَة وَرَاءه. قَالُوا: وَدَلِيل هَذَا أَنا لم نجد أحدا غَادَرَهُ الله وعقله خلي، بل أنزل الْكتب وَأرْسل الرُّسُل، وَلَو اسْتَقل الْعقل بِشَيْء لَكَانَ بالحري إِن وجد وَاحِد خلي وعقله من غير أَن يدْخل تَحت ربقة أحد من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام. معَاذ الله أَن يكون ذَلِك، فليتق الْمَرْء ربه، وليق نَفسه [وَلَا يدْخل فِي الدّين مَا لَيْسَ مِنْهُ، وليتبع الْوَحْي النَّبَوِيّ، وليلتمس التأييد الإلهي، وَلَا يغتر بزخارف من القَوْل، وأباطيل من البهت، فَإِنَّهَا خدع الشَّيْطَان وتسويلات النَّفس، وخذلان من الله - تَعَالَى - يلْحق العَبْد، وَلَا عُقُوبَة من الله أعظم من أَن يكل العَبْد إِلَى نَفسه] ، ويدعه وَحَوله وقوته، ويخليه ورأيه وعقله.

صفحة فارغة هَامِش فوحق الْحق لَيْسَ معتمدي فِي رد قَاعِدَة الْحسن والقبح على مَا ذكره الْمُتَأَخّرُونَ من الْوُجُوه الْعَقْلِيَّة مِمَّا قد ذكر المُصَنّف بعضه، فَإِن ذَا الْحجَّاج بسبيل من المضايقة فِيهِ - على مَا يكثر تعداده من آي إلهية، وَأَحَادِيث نبوية تَنْشَرِح لَهَا الصُّدُور، وتفرج بهَا مضايق الكروب. فَإِن قلت: قد علم مَذْهَب أهل السّنة فِي إبِْطَال الْحسن والقبح العقليين فَمَا الْمَعْنى بالعبارات الْوَاقِعَة فِي كَلَام بعض فُقَهَاء أهل السّنة من تَحْلِيل وَتَحْرِيم بِالْعقلِ؟ قلت: قد قدمنَا أَنه لَا يُنكر أحد أَن الْعقل مدرك، وَرُبمَا أدْرك الحكم الشَّرْعِيّ بِالْقِيَاسِ، أَو أدْرك دُخُول الْفَرْع الْخَاص تَحت الْقَاعِدَة الْكُلية، فَقيل فِيهِ: عَقْلِي لذَلِك، لَا لِأَن الْعقل الْحَاكِم فِيهِ كَمَا تَقول: الْوتر يصلى على الرَّاحِلَة، [وَمَا يصلى على الرَّاحِلَة] سنة. قَالَ: سنة بِالْعقلِ، أَي: بِمَعْنى إِدْرَاك الْعقل النتيجة، لَا جعله الْوتر سنة. وَمن هَذَا الْقَبِيل: أَن الشَّافِعِي - رَضِي الله عَنهُ - أطلق القَوْل فِي " الْمُخْتَصر " بتعصية الناجش، وَهُوَ: الَّذِي يزِيد فِي ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...

صفحة فارغة هَامِش ثمن السّلْعَة المعروضة للْبيع، وَهُوَ غير رَاغِب فِيهَا، ليخدع النَّاس ويرغبهم فِيهَا، وَشرط فِي تعصية من بَاعَ على بيع أَخِيه أَن يكون عَالما بِالْحَدِيثِ الْوَارِد فِيهِ. قَالَ الشارحون: إِن السَّبَب فِيهِ أَن النجش خديعة، وَتَحْرِيم الخديعة وَاضح لكل أحد، مَعْلُوم من الْأَلْفَاظ الْعَامَّة، وَإِن لم يعلم الْخَبَر فِيهِ بِخُصُوصِهِ، وَالْبيع على بيع الْأَخ إِنَّمَا عرف تَحْرِيمه من الْخَبَر الْوَارِد فِيهِ، فَلَا يعرفهُ من لَا يعرف الْخَبَر. وَذكر بَعضهم: أَن تَحْرِيم الخداع يعرف بِالْعقلِ، وَإِن لم يرد فِيهِ شرع. وَاعْترض الرَّافِعِيّ على هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ معتقدنا. وَفِيه نظر، فَإِن هَذَا الْقَائِل لم يقل: إِن الْعقل حرم، وَلَو أَرَادَ ذَلِك لم يقل: يعرف بِالْعقلِ. بل كَانَ يَقُول: الْعقل يحرم الخداع، أَو مَا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنى، وَإِنَّمَا مُرَاده أَن الْعقل يدْرك تَحْرِيم الخداع من غير زِيَادَة فِي الْفِكر وَالنَّظَر؛ إِذْ كل نجش خديعة. وكل خديعة حرَام، وينتج عَن هَذَا أَن النجش حرَام - وَمرَاده بقوله: " وَإِن لم يرد شرع " أَي: خبر خَاص، لَا القَوْل بِأَن الْعقل يحسن ويقبح، كَمَا فهمه الرَّافِعِيّ. فَإِن قلت: فَالْبيع على بيع الْأَخ إِضْرَار، وكما يعرف تَحْرِيم النجش من الْأَلْفَاظ الْعَامَّة فِي تَحْرِيم الخداع يعلم تَحْرِيمه من الْأَلْفَاظ الْعَامَّة فِي تَحْرِيم الْإِضْرَار. قلت: كَذَا اعْترض [بِهِ] الرَّافِعِيّ. وَلقَائِل أَن يَقُول: لَا يُؤْخَذ البيع على البيع من الْأَلْفَاظ الْعَامَّة، وَإِن أَخذ النجش. وَالْفرق أَن النجش لَا يجلب للناجش مصلحَة؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَض لَهُ إِلَّا الزِّيَادَة فِي ثمن السّلْعَة لتجلب نفعا لصَاحِبهَا يلْزم مِنْهُ الْإِضْرَار بالمشتري، وجلب مَنْفَعَة لشخص بإضرار آخر حرَام، وَاضح من الْقَوَاعِد المقررة فِي الشَّرْع.

مسألتان

(مَسْأَلَتَانِ) على التنزل، الأولى: ... ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش وَأما البيع على البيع فَهُوَ يَدْعُو أَخَاهُ إِلَى فسخ البيع ليَبِيعهُ خيرا مِنْهُ بأرخص، فَفِيهِ جلب مَنْفَعَة لَهُ من حَيْثُ ترويج سلْعَة للْمُشْتَرِي من جِهَة شِرَاء الأجود بأرخص، فهاتان مصلحتان لم تعارضهما إِلَّا مفْسدَة مُحْتَملَة لَيست متيقنة، وَذَلِكَ لجَوَاز أَن البَائِع الأول يَبِيع سلْعَته إِذا فسخ البيع من مُشْتَر آخر بذلك الثّمن أَو أَزِيد، فَلَيْسَ يلْزم من تَحْرِيم جلب مَنْفَعَة وَاحِد يلْزم عَنْهَا وُقُوع مفْسدَة، وَهُوَ الْوَاقِع فِي صُورَة النجش - تَحْرِيم جلب مَنْفَعَة اثْنَيْنِ لمُجَرّد ظن ترَتّب مفْسدَة [عَلَيْهَا] ، وَهُوَ الْوَاقِع فِي صُورَة البيع على البيع يدْرك تَحْرِيمه لما ذَكرْنَاهُ بِخِلَاف النجش، أَو أَنه وَإِن أدْركهُ فَلَيْسَ كَالْأولِ؛ إِذْ هُوَ فِيهِ مُتَوَقف على مزِيد فكر وَنظر. (" مَسْأَلَتَانِ ") الشَّرْح: جرت عَادَة أَئِمَّتنَا بذكرهما بعد إبِْطَال قَاعِدَة الْحسن والقبح " على " سَبِيل " التنزل "، وَتَسْلِيم الْقَاعِدَة، وَأَنه لَا يلْزم من تَسْلِيمهَا صِحَة دَعْوَى الْخُصُوم فِي هذَيْن الفرعين مَعَ أَن الْحَامِل لَهُم على ارْتِكَاب الْعَظِيمَة فِي الدّين الذّهاب إِلَى هَذِه الْقَاعِدَة إِنَّمَا هُوَ التَّوَصُّل إِلَى إِثْبَات مَا ادعوهُ فِي هذَيْن الفرعين. وَبِهَذَا يظْهر لَك أَن مَسْأَلَة - شكر الْمُنعم - فرع من فروع مَسْأَلَة التحسين والتقبيح، وَلذَلِك يعبر عَنْهَا طوائف بِلَفْظ: الْفَرْع.

شكر الْمُنعم لَيْسَ بِوَاجِب عقلا؛ ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش وَقَالَ إِلْكيَا الهراسي: بل هِيَ نفس مَسْأَلَة الْحسن والقبح؛ إِذْ المُرَاد بالشكر عندنَا - امْتِثَال الْأَوَامِر وَاجْتنَاب النواهي. وَعِنْدهم ارْتِكَاب المستحسنات، وَاجْتنَاب المستقبحات قَالَ: وَلَكنَّا أفردناها بِالذكر على عَادَة الْمُتَقَدِّمين. قلت: وَحِينَئِذٍ فَلَا يحسن اسْتِعْمَال لفظ: الْفَرْع فِيهَا، وَلَا لفظ: التنزل، وَقد عدل المُصَنّف عَن الأول فَقَالَ: مَسْأَلَتَانِ، وَلم يقل: فرعان، وَوَقع فِي الثَّانِي. الْمَسْأَلَة " الأولى: [شكر] الْمُنعم لَيْسَ بِوَاجِب عقلا " خلافًا للمعتزلة، وَبَعض أَصْحَابنَا كالصيرفي، وَأبي الْعَبَّاس بن سُرَيج والقفال الْكَبِير، وَابْن أبي هُرَيْرَة، وَالْقَاضِي أبي حَامِد، وَغَيرهم. وَقد اعتذر القَاضِي فِي " التَّقْرِيب "، والأستاذ أَبُو إِسْحَاق فِي " أُصُوله " وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد

لِأَنَّهُ لَو وَجب، لوَجَبَ لفائدة، وَإِلَّا، كَانَ عَبَثا، وَهُوَ قَبِيح، وَلَا فَائِدَة لله تَعَالَى؛ لتعاليه عَنْهَا، وَلَا للْعَبد فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ مشقة، وَلَا حَظّ للنَّفس فِيهِ، وَلَا فِي الْآخِرَة؛ إِذْ لَا مجَال لِلْعَقْلِ فِي ذَلِك. قَوْلهم: الْفَائِدَة الْأَمْن من احْتِمَال الْعقَاب فِي التّرْك، وَذَلِكَ لَازم الخطور - مَرْدُود بِمَنْع الخطور فِي الْأَكْثَر، وَلَو سلم، فمعارض بِاحْتِمَال الْعقَاب على ... ... ... هَامِش الْجُوَيْنِيّ فِي " شرح الرسَالَة " عَمَّن وَافق الْمُعْتَزلَة من أَصْحَابنَا بِأَنَّهُم لم يكن لَهُم قدم راسخ فِي الْكَلَام، وَرُبمَا طالعوا كتب الْمُعْتَزلَة فاستحسنوا هَذِه الْعبارَة - وَهِي أَن شكر الْمُنعم وَاجِب " عقلا "، فَذَهَبُوا إِلَيْهَا غافلين عَن تشعبها عَن أصُول الْقَدَرِيَّة. قَالَ القَاضِي: مَعَ علمنَا بِأَنَّهُم مَا انتحوا مسالكهم، وَمَا اتبعُوا مقاصدهم. قلت: وَهُوَ كَلَام حق بِالنِّسْبَةِ إِلَى من عدا الْقفال الْكَبِير، أما الْقفال فَكَانَ إِمَامًا فِي الْكَلَام مقدما، وَالَّذِي عندنَا أَنه لما ذهب إِلَى هَذِه الْمقَالة وَمَا أشبههَا من قَوْله: يجب الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد عقلا، وبالقياس عقلا، وَنَحْو ذَلِك - كَانَ على الاعتزال، لَا بُد أَن يكون رَجَعَ عَن ذَلِك. وَاسْتدلَّ على عدم الْوُجُوب بِالْعقلِ، فَقَالَ: " لِأَنَّهُ لَو وَجب لوَجَبَ لفائدة وَإِلَّا " فَلَو وَجب لَا لفائدة " كَانَ " الْوُجُوب " عَبَثا، وَهُوَ قَبِيح "، وَالْعقل الَّذِي عَلَيْهِ تفرع يدرؤه. وَالْقَوْل بِالْوُجُوب لفائدة أَيْضا بَاطِل؛ لِأَن الْفَائِدَة، إِمَّا رَاجِعَة إِلَى الله أَو إِلَى العَبْد، " وَلَا فَائِدَة " فِي الشُّكْر " [لله تَعَالَى، لتعاليه عَنْهَا، وَلَا للْعَبد] فِي الدُّنْيَا؛ لِأَنَّهُ مشقة "، إِذْ هُوَ ارْتِكَاب الْوَاجِب وَاجْتنَاب الْمحرم، وَهُوَ تَعب ناجز، " وَلَا حَظّ للنَّفس فِيهِ، وَلَا فِي الْآخِرَة؛ إِذْ لَا مجَال لِلْعَقْلِ فِي ذَلِك " - كَذَا بِخَطِّهِ - أَي: فِي ثَوَاب الْآخِرَة أَو نَفعهَا. وَإِمَّا التزامهم الْقسم الثَّانِي - وَهُوَ عود الْفَائِدَة إِلَى العَبْد فِي الدُّنْيَا. الشَّرْح: " قَوْلهم: الْفَائِدَة الْأَمْن من احْتِمَال الْعقَاب فِي التّرْك " لشكر الْمُنعم، " وَذَلِكَ " الِاحْتِمَال " لَازم الخطور " ببال كل عَاقل يرى نَفسه متقلبا فِي نعم محسن، ثمَّ لَا يشكره؛ فَإِن مثل هَذَا بالحري أَن يخَاف عِقَاب الْمُنعم على نَفسه. وَهُوَ قَول " مَرْدُود لمنع الخطور " خطور الْعقَاب " فِي " بَال " الْأَكْثَر " من الْخلق. " وَلَو سلم " خطوره لجَمِيع الْعُقَلَاء، " فمعارض بِاحْتِمَال الْعقَاب على الشُّكْر "، فَإِذن احْتِمَال

الشُّكْر؛ لِأَنَّهُ تصرف فِي ملك غَيره، أَو لِأَنَّهُ كالاستهزاء، كمن شكر ملكا على لقْمَة، بل اللُّقْمَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْملك أَكثر. هَامِش الْعقَاب - وَإِن قَامَ عِنْد عدم الشُّكْر - فَهُوَ قَائِم عِنْد وجدانه، إِمَّا " لِأَنَّهُ تصرف فِي ملك غَيره " - كَذَا بِخَطِّهِ - وَفِي بعض النّسخ الْغَيْر، بِإِدْخَال الْألف وَاللَّام على " غير " - وَهُوَ لحن. وَإِنَّمَا قُلْنَا: تصرف فِي ملك غَيره؛ لِأَن مَا يتَصَرَّف فِيهِ العَبْد من جوارحه، ملك لباريه، وَالتَّصَرُّف فِي ملك غَيره بِغَيْر إِذْنه قَبِيح. " أَو لِأَنَّهُ كالاستهزاء " بالمنعم، فَكَانَ الشاكر لرَبه " كمن شكر ملكا على لقْمَة " وَقَامَ فِي المحافل يُنَادي بهَا، فَإِن الْعُقَلَاء يعدونه مستهزئا بِهِ، بل اللُّقْمَة - وَإِن حقرت " بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْملك أكبر " من هَذِه النعم وَإِن تعاظمت بِالنِّسْبَةِ إِلَى الله. واستغراق العَبْد أَيَّامه ولياليه بالشكر، أَحْقَر فِي جنب الله من شكره للْملك بتحريك إصبعه. وعَلى مَسْأَلَة شكر الْمُنعم يتَخَرَّج مَسْأَلَة من لم تبلغه الدعْوَة، فعندنا يَمُوت ناجيا، وَلَا يُقَاتل حَتَّى يدعى إِلَى الْإِسْلَام، وَهُوَ مَضْمُون بِالْكَفَّارَةِ وَالدية، وَلَا يجب ... ... ...

إلا أن يكون قوم وراء الترك قلت وهذا إن كان هو في زمن الشافعي رضي الله عنه وأما الآن فما أدري أحدا إلا وقد بلغته دعوة محمد

الثَّانِيَة: لَا حكم فِيمَا لَا يقْضِي الْعقل فِيهِ بِحسن وَلَا قبح. وَثَالِثهَا: لَهُم الْوَقْف عَن الْحَظْر وَالْإِبَاحَة. وَأما غَيرهم فانقسم عِنْدهم إِلَى الْخَمْسَة. هَامِش الْقصاص على قَاتله على الصَّحِيح؛ إِذْ لَيْسَ هُوَ بِمُسلم. قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ: وَلَا أعلم أحدا لم يبلغهُ هَذَا، يَعْنِي: دَعْوَة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا أَن يكون قوم وَرَاء التّرْك. قلت: وَهَذَا إِن كَانَ هُوَ فِي زمن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ، وَأما الْآن فَمَا أَدْرِي أحدا إِلَّا وَقد بلغته دَعْوَة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. الشَّرْح: " الثَّانِيَة: لَا حكم لِلْعَقْلِ فِيمَا لَا يقْضِي الْعقل فِيهِ بِحسن وَلَا قبح ". وللمعتزلة مَذَاهِب: أَحدهَا: القَوْل بِالْإِبَاحَةِ. وَثَانِيها: التَّحْرِيم. " وَثَالِثهَا: لَهُم الْوَقْف عَن الْحَظْر وَالْإِبَاحَة. وَأما غَيرهَا " فَمَا لِلْعَقْلِ فِيهِ قَضَاء بِحسن أَو قبح، " فانقسم عِنْدهم إِلَى الْخَمْسَة " من وَاجِب، ومندوب، وَحرَام، ومكروه، ومباح، بِحَسب تأدية الْعُقُول. وَذكر القَاضِي: أَنه انقسم عِنْدهم إِلَى أَرْبَعَة: وَاجِب، كشكر الْمُنعم وَالْعدْل، وَندب كالتفضل وَالْإِحْسَان، وَحرَام كالجهل بالصانع وَكفر النِّعْمَة، ومباح، وَلم يذكر الْمَكْرُوه. وَاعْلَم أَن الْكَلَام فِي الْمَسْأَلَة فِي موضِعين: أَحدهمَا: فِي حكم الْأَشْيَاء قبل وُرُود الشَّرَائِع مُطلقًا، سَوَاء مَا قضى فِيهَا الْعقل بِشَيْء عِنْد

صفحة فارغة هَامِش الْقَائِلين بقضايا الْعُقُول، وَمَا لم يقْض. وَالصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا: أَن الحكم مُرْتَفع إِذْ ذَاك، سَوَاء كَانَت الْأَفْعَال ضَرُورِيَّة أم اختيارية، وَلَا عَلَيْك إِن أشعرت عبارَة الإِمَام الرَّازِيّ بِخِلَاف هَذَا، على أَن لَهَا محملًا صَحِيحا ذَكرْنَاهُ فِي غير هَذَا الْمَكَان، وَهَذَا لِأَن الحكم عندنَا عبارَة عَن الْخطاب، فَحَيْثُ لَا خطاب لَا حكم، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضا بقوله تَعَالَى: {قل أَرَأَيْتُم مَا أنزل الله لكم من رزق فجعلتم مِنْهُ حَرَامًا وحلالا قل آللَّهُ أذن لكم أم على الله تفترون} [سُورَة يُونُس: الْآيَة 59] فَمن ادّعى تَحْرِيم شَيْء، أَو تَحْلِيله بِغَيْر إِذْنه، فقد افترى عَلَيْهِ. وَاعْلَم أَنه رُبمَا عبر أَصْحَاب هَذَا القَوْل الْمُخْتَار عَن قَوْلهم: بِالْوَقْفِ، وَهِي عبارَة أَكثر الْمُتَقَدِّمين، ونقلت عَن شَيخنَا أبي الْحسن، وَأبي بكر الصَّيْرَفِي، وَأبي بكر الْفَارِسِي وَأبي عَليّ الطَّبَرِيّ. وَلَا تحسبن أَن المُرَاد بِهِ التَّرَدُّد فِي أَن الْأَمر مَا هُوَ؟ وَإِنَّمَا مُرَادهم بِهِ أَن الحكم مَوْقُوف على وُرُود السّمع مجزوم بِهِ قبل وُرُوده، وَهَذَا شَأْن كل مَوْقُوف فِي الْوُجُود على غَيره، فافهمه، وَبِه صرح القَاضِي فِي " التَّقْرِيب "، وَابْن السَّمْعَانِيّ، وَغَيرهمَا. وَقَالَت الْمُعْتَزلَة: هَذِه الْأَشْيَاء إِمَّا أَن يقْضِي فِيهَا الْعقل بِشَيْء، فَيتبع فِيهَا حكمه. وَإِمَّا أَلا يقْضِي فَفِيهَا الْمذَاهب الْمَذْكُورَة فِي الْكتاب، وَثَالِثهَا: لَهُم لَا لنا الْوَقْف. ومرادهم بِهِ فِيمَا أَظن التَّرَدُّد، فَلم يُرِيدُوا بِالْوَقْفِ مَا نريده نَحن، وَقد تَابعهمْ فِي كل قَول من هَذِه الْأَقْوَال بعض فقهائنا مِمَّن لم يعرف عود كَلَامهم. والموضع الثَّانِي: تفريعها على الأَصْل السَّابِق، فَيَقُول: مَا لَا يقْضِي الْعقل فِيهِ بِشَيْء فَلَا يتَّجه تَعْرِيفه على الأَصْل السَّابِق، وَهَذَا وَاضح لمن تدبره؛ فَإِن الأَصْل السَّابِق إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ يقْضِي الْعقل، هَل يتبع حكمه؟

لِأَنَّهَا لَو كَانَت محظورة، ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش وَإِنَّمَا الْأَصْحَاب قَالُوا: هَب أَن ذَاك الأَصْل صَحِيح، فَلم قضيتم حَيْثُ لَا قَضَاء لِلْعَقْلِ؟ وَلَيْسَ هَذَا تَفْرِيعا على ذَلِك الأَصْل. وَأما مَا لِلْعَقْلِ فِيهِ قَضَاء فهم ذَهَبُوا إِلَى انقسامه حسب تأدية الْعقل، وَخَالفهُم أَصْحَابنَا. وَعند هَذَا أَقُول: لم ترد هَذِه الْمَسْأَلَة على قَوْلك: مَا لِلْعَقْلِ فِيهِ قَضَاء اتبع الْمُعْتَزلَة فِيهِ عُقُولهمْ، وَنحن خالفناهم، وَذَلِكَ هُوَ عين مَسْأَلَة التحسين والتقبيح، فَكيف يُقَال: إِنَّه فرع عَنهُ؟ ولعمري كَذَلِك [يُقَال فِي مَسْأَلَة شكر الْمُنعم: الشُّكْر هُوَ اجْتِنَاب الْقبْح وارتكاب الْحسن، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ إِلْكيَا: هُوَ عين مَسْأَلَة التحسين والتقبيح] . وَقد لَاحَ بِهَذَا أَنه لَا تَفْرِيع لهاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ على قَاعِدَة الْحسن والقبح، والسر عِنْدِي فِي إِفْرَاد الأولى بِالذكر - أَن أبلغ فقاقع الْمُعْتَزلَة بتشنيعهم بِأَن شكر الْمُنعم عقلا، وصاروا يموجون فِي تشنيعهم ومناداتهم علينا بِهَذَا القَوْل فَأَرَادَ أَصْحَابنَا تَبْيِين سفاهتهم، وَتَخْصِيص هَذِه الْمَسْأَلَة بِالذكر، وَأَنَّهَا مَمْنُوعَة على قَضِيَّة أصلهم، كَمَا هِيَ مَمْنُوعَة على أصل غَيرهم. والسر فِي إِفْرَاد الثَّانِيَة أَن أَصْحَابنَا يَقُولُونَ: معاشر الْقَدَرِيَّة فيمَ هَذَا الطغيان؟ ! وَالْقَوْل بِإِضَافَة الحكم إِلَى غير الرَّحْمَن، وَالْحَال حالان قبل الشَّرْع وَبعده. فَأَما بعده، فالشرع قَائِم، والمرجع إِلَيْهِ. وَإِن قيل: فالحسن والقبح حق؛ إِذْ هُوَ كاشف لَا يُخطئ، فَلَا فَائِدَة فِي العتو وَالْبَغي، وَإِطْلَاق القَوْل بِأَن الْحَاكِم هُوَ الْعقل، وَرب الأرباب يُنَادي فِي كِتَابه: {إِن الحكم إِلَّا لله} [سُورَة يُوسُف: الْآيَة 40] ، {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} [سُورَة الْإِسْرَاء: الْآيَة 15] ، {ألم يأتكم رسل مِنْكُم} [سُورَة الزمر: الْآيَة 71] ، {ألم يأتكم نَذِير} [سُورَة تبَارك: الْآيَة 8] ، {رسلًا مبشرين ومنذرين لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة} [سُورَة النِّسَاء: الْآيَة 165] إِلَى غير ذَلِك من الْآي. وَأما قبله فَمَا لَيْسَ لِلْعَقْلِ فِيهِ قَضَاء على أصولكم لَا يتَّجه القَوْل فِيهِ بالحظر؛ الشَّرْح: " لِأَنَّهَا " أَي الْمَنَافِع - وَالْحَالة هَذِه - " لَو كَانَت محظورة " عِنْد توهم عقولكم فِيهَا

وفرضنا ضدين، لكلف بالمحال. الْأُسْتَاذ: إِذا ملك جواد بحرا لَا ينزف، ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش الْحَظْر، وَكَانَ فِيهَا فعلان " وفرضنا ضدين " لَا ثَالِث لَهما كالحركة والسكون " لكلف بالمحال " إِن حظرتم جَمِيعهَا، وَإِن خصصتم بَعْضهَا بالحظر دون بعض، فَهُوَ تَرْجِيح من غير مُرَجّح، فقد سقط القَوْل بالحظر. وَاعْلَم أَن المُرَاد بالضدين هُنَا مَا يَسْتَحِيل خلو الْمحل عَنْهُمَا، كَذَا ذكره القَاضِي وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَغَيرهمَا. لَا يُقَال: مثل هذَيْن الضدين من الْأَفْعَال الضرورية، وَالْكَلَام فِي الاختيارية لِأَن الْكَلَام فيهمَا جَمِيعًا على حد سَوَاء كَمَا أسلفناه. قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: وَإِن خصصوا الْحَظْر بِمَا يَعْتَقِدُونَ الْخُلُو عَنهُ أصلا، فمرجعهم إِلَى أَن التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه قَبِيح، وَقد مضى من الْكَلَام مَا يدرؤه. الشَّرْح: وَقَالَ " الْأُسْتَاذ " فِي الرَّد على الحاظر: " إِذا ملك جواد بحرا لَا ينزف "، وَهُوَ

وَأحب مَمْلُوكه قَطْرَة، فَكيف يدْرك تَحْرِيمهَا عقلا. قَالُوا: تصرف فِي ملك الْغَيْر. قُلْنَا: يَنْبَنِي على السّمع، وَلَو سلم، ففيمن يلْحقهُ ضَرَر مَا، وَلَو سلم، فمعارض بِالضَّرَرِ الناجز. هَامِش مستغن عَنهُ، " وَأحب مَمْلُوكه قَطْرَة "، وَهُوَ عطشان لاهث، " فَكيف يدْرك تَحْرِيمهَا عقلا " حَتَّى يقْضى بِهِ. وَهَذَا الْكَلَام من الْأُسْتَاذ وَاضح فِي تسفيه رَأْي الْخُصُوم، وَفِي أَن الْكَلَام فِي الضَّرُورِيّ والاختياري سَوَاء، إِذْ مثل بالعطشان اللاهث. وَلَكِن قَالَ الإِمَام: لَا حَاجَة إِلَيْهِ مَعَ وضوح مَسْلَك الْبُرْهَان. الشَّرْح: " قَالُوا: تصرف فِي ملك الْغَيْر " بِغَيْر إِذْنه، فَيكون حَرَامًا. " قُلْنَا ": لَا نسلم، بل " يبْنى على السّمع "، وَلَوْلَا وُرُود السّمع لما عرفنَا تَحْرِيم التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر، وَإِن كُنَّا قائلين بقاعدة الْعقل. " وَلَو سلم " أَنه مِمَّا يدْرك تَحْرِيمه عقلا " ففيمن يلْحقهُ ضَرَر " بِالتَّصَرُّفِ فِي ملكه لَا على الْإِطْلَاق وَالله - تَعَالَى - منزه عَن لحاق الضَّرَر، فَلَا يقبح عقلا التَّصَرُّف فِي ملكه. " وَلَو سلم " أَنه لَا يجوز التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر مُطلقًا، سَوَاء كَانَ مِمَّن يلْحقهُ ضَرَر أم لَا. " فمعارض بِالضَّرَرِ الناجز "، فَإِنَّهُ لَو لم يتَصَرَّف، وانتظر الْإِذْن الشَّرْعِيّ لتضرر فِي الْحَال بترك اللَّذَّة العاجلة، وَالْعقل يقْضِي بالاحتراز من الضَّرَر العاجل، فَهَذَا تَمام الرَّد على الْقَائِلين بالحظر.

وَإِن أَرَادَ الْمُبِيح أَن لَا حرج، فَمُسلم وَإِن أَرَادَ خطاب الشَّارِع، فَلَا شرع، وَإِن أَرَادَ حكم الْعقل، فالفرض أَنه لَا مجَال لِلْعَقْلِ فِيهِ. قَالُوا: خلقه وَخلق المنتفع بِهِ، فالحكمة تَقْتَضِي الْإِبَاحَة. قُلْنَا: معَارض بِأَنَّهُ ملك غَيره، وخلقه ليصبر، فيثاب. هَامِش الشَّرْح: " وَإِن أَرَادَ الْمُبِيح [أَن] لَا حرج " فِي هَذِه الْأَفْعَال " فَمُسلم "؛ إِذْ الْحَرج إِنَّمَا يكون بِالشَّرْعِ " وَإِن أَرَادَ خطاب الشَّرْع فَلَا " نسلم؛ إِذْ لَا " شرع ". " وَإِن أَرَادَ حكم الْعقل " بالتخيير " فالفرض أَنه لَا مجَال لِلْعَقْلِ فِيهِ "، أَي: فِيمَا لَيْسَ لِلْعَقْلِ فِيهِ قَضَاء؛ إِذْ كلامنا فِيمَا لَا يحكم الْعقل فِيهِ بِحسن وَلَا قبح. الشَّرْح: " قَالُوا: خلقه "، أَي: خلق العَبْد، " وَخلق " الشَّيْء " المنتفع بِهِ فالحكمة تقضي الْإِبَاحَة "، وَإِلَّا لَكَانَ خلقه عَبَثا، وَهُوَ قَبِيح؛ للضَّرَر، وَلم يقل بِهِ عَاقل. وَإِنَّمَا قَالَ: المنتفع بِهِ، وَلم يقل: الرزق؛ لِأَن الْحَرَام [عِنْدهم] لَيْسَ برزق، فَلَو قَالَ: الرزق. قيل: إِنَّمَا يكون رزقا على أصلك بعد إِثْبَات أَنه حَلَال. " قُلْنَا: معَارض بِأَنَّهُ ملك غَيره "، فَلَا يجوز التَّصَرُّف فِيهِ، " وخلقه " للنفع وَلَا ينْحَصر النَّفْع فِي التَّنَاوُل، بل جَازَ أَن يكون " ليصبر " العَبْد " فيثاب "، وَالثَّوَاب نفع، فَهَذَا تَمام الرَّد على الْقَائِلين بِالْإِبَاحَةِ.

وَإِن أَرَادَ الْوَاقِف أَنه وقف لتعارض الْأَدِلَّة، ففاسد. هَامِش الشَّرْح: " وَإِن أَرَادَ الْوَاقِف أَنه وقف لتعارض الْأَدِلَّة " فَلم يدر الْحق فِي أَي طرف " ففاسد " لما مر من بطلَان الْإِبَاحَة وَالتَّحْرِيم، وَإِن أَرَادَ أَن الحكم مَوْقُوف على وُرُود السّمع وَلَا حكم فِي الْحَال فَصَحِيح - وَهُوَ مَذْهَبنَا - وَهَذَا ذكره الْغَزالِيّ، وَتَبعهُ الْآمِدِيّ وَالْمُصَنّف. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك؛ لِأَن الواقفية مِنْهُم أَصْحَابنَا، وَمِنْهُم الْمُعْتَزلَة، وَمُرَاد أَصْحَابنَا بِالْوَقْفِ غير مُرَاد الْمُعْتَزلَة كَمَا عرفت، وَهَذَا كُله فِيمَا قبل الشَّرْع مِمَّا لم يقْض الْعقل فِيهِ بِحسن وَلَا قبح، أما مَا لَهُ فِيهِ قَضَاء، فقد عرفت أَنهم قسموه إِلَى الْخَمْسَة، وَلم يتَكَلَّم المُصَنّف عَلَيْهِ، وَعند هَذَا يظْهر لَك أَن مَا لَا يقْضِي فِيهِ الْعقل بِشَيْء لَا يكون فرعا لمسألة الْحسن والقبح؛ إِذْ هِيَ مَقْصُورَة على مَا لِلْعَقْلِ [فِيهِ] قَضَاء، وَإِنَّمَا كَانَ يتَّجه لَو تكلمُوا فِيمَا لِلْعَقْلِ فِيهِ قَضَاء، فَكَانَ فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ فرعا، بل هُوَ عين الْمَسْأَلَة كَمَا ذَكرْنَاهُ. وَلَو قيل: إِذا كُنْتُم معاشر الْقَدَرِيَّة تتبعون الْعُقُول، وَفرض مَسْأَلَتنَا أَنه لَا عقل فَبِأَي وَجه حكمتم لَكَانَ صَوَابا قَاضِيا على مَا أوردهُ من الشّبَه الْعَقْلِيَّة فِي طرفِي الْحَظْر وَالْإِبَاحَة بِالْفَسَادِ والتناقض، إِذْ فرضوا الْكَلَام فِيمَا لَا تقضي فِيهِ الْعُقُول، ثمَّ قضوا واستندوا إِلَى الْعقل، وَهَذَا لعمر الله تنَاقض لائح، وَقد أَشَرنَا [إِلَيْهِ] آنِفا.

تعريف الحكم الشرعي

(تَعْرِيف الحكم الشَّرْعِيّ) الحكم، قيل: خطاب الله تَعَالَى الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين، فورد ... ... ... ... هَامِش الشَّرْح: " الحكم: قيل " فِي تَعْرِيفه: " خطاب الله الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين ". وَالْخطاب: تَوْجِيه الْكَلَام للأفهام، وبإضافته إِلَى الله - تَعَالَى - خرج من عداهُ؛ إِذْ لَا حكم إِلَّا لله.

مثل: {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} [سُورَة الصافات: الْآيَة 96] فزيد بالاقتضاء أَو التَّخْيِير، فورد كَون الشَّيْء دَلِيلا وسببا وشرطا، فزيد: أَو الْوَضع فاستقام. وَقيل: بل هُوَ رَاجع إِلَى الِاقْتِضَاء والتخيير. وَقيل: لَيْسَ بِحكم، وَقيل: الحكم خطاب الشَّارِع بفائدة شَرْعِيَّة هَامِش وَقَوله: " الْمُتَعَلّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين " يخرج مَا لَيْسَ كَذَلِك، وَالْمرَاد. جنس الْفِعْل، والمكلف وَاحِدًا كَانَ أَو أَكثر. فَلَو قيل: بِفعل الْمُكَلف، كَانَ أوضح. قَوْله: " فورد "، أَي: نقضا على هَذَا التَّعْرِيف مَا لَهُ تعلق بِفعل الْمُكَلف، وَلَيْسَ بِحكم " وَمثل: {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} [سُورَة الصافات: الْآيَة 96] . فزيد بالاقتضاء، أَو التَّخْيِير ". والاقتضاء: الطّلب، فيندرج فِيهِ الْأَرْبَعَة، والتخيير: الْإِبَاحَة. وَإِنَّمَا زيد هَذَا؛ لدفع الْإِيرَاد الْمشَار إِلَيْهِ، فورد بِسَبَب زِيَادَته مَا لم يكن واردا من قبل، وَهُوَ كَون الشَّيْء دَلِيلا - ك " الدلوك " دَلِيل الصَّلَاة - وسببا - ك " البيع " سَبَب صِحَة التَّصَرُّفَات - وشرطا - ك " الطَّهَارَة " للصَّلَاة - فَإِن كل وَاحِد مِنْهَا حكم شَرْعِي، وَلَا اقْتِضَاء فِيهِ وَلَا تَخْيِير، فزيد " أَو الْوَضع " عِنْد ذكر هَذَا الْإِيرَاد، فاستقام الْحَد من جهتي الطَّرْد وَالْعَكْس. وَهَذَا عِنْد من يرى السُّؤَال واردا كالمصنف. وَقيل: بل هُوَ، أَي: مَا أورد لَا يرد؛ لِأَنَّهُ دَاخل فِي الْحَد؛ إِذْ هُوَ رَاجع إِلَى الِاقْتِضَاء والتخيير؛ لوُجُوب الشَّيْء عِنْده، وَمعنى سَبَبِيَّة الدلوك وجوب الصَّلَاة عِنْده، وَصِحَّة البيع إِبَاحَة التَّصَرُّف، ومانعية الْحَدث للصَّلَاة رَاجِعَة إِلَى تَحْرِيمهَا. وَهَذِه طَريقَة الإِمَام الرَّازِيّ، وَعَلَيْهَا يعْتَمد. " وَقيل: لَيْسَ " وَاحِد من هَذِه الْأَشْيَاء " بِحكم "، بل عَلَامَات الحكم. " وَقيل: الحكم: خطاب الشَّارِع بفائدة شَرْعِيَّة " - قَالَه الْآمِدِيّ - وَلم يرد بالفائدة الشَّرْعِيَّة مُتَعَلق الحكم الشَّرْعِيّ، وَإِلَّا لزم الدّور، وَإِنَّمَا أَرَادَ - كَمَا ذكر فِي " الإحكام " - الِاحْتِرَاز عَمَّا

أقسامه

تخْتَص بِهِ، أَي: لَا تفهم إِلَّا مِنْهُ لِأَنَّهُ إنْشَاء فَلَا خَارج لَهُ. (أقسامه) فَإِن كَانَ طلبا لفعل غير كف، ينتهض تَركه فِي جَمِيع وقته سَببا ... ... ... ... ... هَامِش [لَا] يُفِيد فَائِدَة شَرْعِيَّة؛ كالإخبار عَن المعقولات، والمحسوسات وَنَحْوهَا. وَقد أورد عَلَيْهِ أَنه صَادِق على إِخْبَار الشَّارِع عَن المغيبات، مثل: {الم غلبت الرّوم} [سُورَة الرّوم: الْآيَة 2] ؛ إِذْ هِيَ فَائِدَة غير عقلية وَلَا حسية، وَلَيْسَت حكما. وَعِنْدِي أَنه مندفع؛ لِأَنَّهُ نَحْو الْعَقْلِيَّة والحسية، وَهُوَ قد احْتَرز " بالشرعية " عَنْهُمَا وَعَن نَحْوهمَا، لَا عَنْهُمَا فَقَط. وَالْمُصَنّف لما رأى هَذَا الْإِيرَاد يسْتَلْزم بطلَان الْحَد بِإِبْطَال طرده بالإخبار الشَّرْعِيّ قيل: الْخطاب يُفِيد كَونه بِكَوْن يكون مَعَه إنشائيا؛ لظَنّه وُرُود الْإِيرَاد، فَقَالَ: " تخْتَص بِهِ [أَي: لَا تفهم] أَي: لَا تعرف إِلَّا مِنْهُ "، فَخرج الْإِخْبَار الشَّرْعِيّ، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ خطابا بفائدة شَرْعِيَّة، لَكِن قد تفهم تِلْكَ الْفَائِدَة من غير ذَلِك الْخطاب. وَأما الْفَائِدَة الشَّرْعِيَّة الَّتِي هِيَ فِي الحكم، فَلَا تفهم إِلَّا من الْخطاب؛ " لِأَنَّهُ " - أَي: الحكم - " إنْشَاء فَلَا خَارج لَهُ "، وَإِذا لم يكن لَهُ خَارج، لم يتأت فهمه إِلَّا من الْخطاب. وَلَك أَن تَقول: لَا حَاجَة مَعَ هَذَا الْقَيْد الَّذِي زَاده المُصَنّف إِلَى لَفْظَة " شَرْعِيَّة "؛ إِذْ هُوَ مفصح عَن المُرَاد بهَا فَقَط كَمَا عرفت - وَهُوَ مغن عَن ذكرهَا. الشَّرْح: إِذا عرفت هَذَا " فَإِن كَانَ " الحكم " طلبا لفعل غير كف ينتهض تَركه فِي جَمِيع وقته سَببا للعقاب، فوجوب ". وَقَيَّدنَا " الْفِعْل " بِغَيْر الْكَفّ ليحترز عَن النَّهْي؛ إِذْ مُقْتَضَاهُ عندنَا فعل الضِّدّ، لَا الانتفاء، وَقَالَ: فِي جَمِيع وقته - ليدْخل الموسع.

للعقاب، فوجوب، وَإِن انتهض فعله خَاصَّة للثَّواب، فندب، وَإِن كَانَ طلبا لكف عَن فعل، ينتهض فعله سَببا للعقاب، فتحريم. وَمن يسْقط " غير كف " فِي الْوُجُوب يَقُول: طلبا لنفي هَامِش " وَإِن انتهض فعله خَاصَّة " سَببا " للثَّواب، فندب ". وَإِنَّمَا قَالَ: " خَاصَّة " ليعرف أَنه لَا يَتَرَتَّب على تَركه شَيْء. وَإِن أورد الْفَقِيه رد شَهَادَة من اعْتَادَ ترك السّنَن الرَّاتِبَة، وتسبيحات الرُّكُوع [وَالسُّجُود] ، وَنَحْو ذَلِك. وَقيل لَهُ: لَيْسَ الْعقَاب فِي شَيْء من ذَلِك لمُجَرّد ترك السّنَن، بل للإشعار من فَاعله بقلة المبالاة بالمهمات. " وَإِن كَانَ طلبا لكف عَن فعل ينتهض فعله سَببا للعقاب، فتحريم. وَمن يسْقط " قَوْلنَا: " غير كف فِي " تَعْرِيف " الْوُجُوب " وَهُوَ قَائِل: إِن مَطْلُوب النَّهْي [عَن] الانتفاء - كَأبي هَاشم - " يَقُول: طلبا لنفي فعل " ينتهض فعله سَببا للعقاب " فِي التَّحْرِيم ". وَلَا نعني بانتهاض فعله سَببا للعقاب، عِقَاب الدُّنْيَا بِخُصُوصِهِ من حد أَو تَعْزِير، وَنَحْوهمَا، بل أَعم من عِقَاب الدُّنْيَا وإثم الْآخِرَة، فَلَا يرد حرَام لَا يُعَاقب مرتكبه فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ القَاضِي أَبُو حَامِد المروروذي: فِيمَن دخل من أهل الْقُوَّة الْحمى الَّذِي حماه الإِمَام فرعى مَاشِيَته أَنه لَا غرم وَلَا تَعْزِير عَلَيْهِ، وكما قيل على وَجه آخر: إِذا وطئ السَّيِّد الْمُكَاتبَة فَلَا يُعَزّر، وَإِن

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة.

صفحة فارغة هَامِش كَانَ عَالما بِالتَّحْرِيمِ، وكما قَالَ الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام: إِنَّه لَا يجوز تَعْزِير الْأَوْلِيَاء على الصَّغَائِر، بل تقال عثراتهم، وكما قيل - على وَجه -: فِيمَا إِذا وطئ الْأَب جَارِيَة الابْن - وَقُلْنَا: بِالصَّحِيحِ، وَهُوَ أَنه لَا حد عَلَيْهِ - أَنه لَا تَعْزِير أَيْضا، وكما قَالَ ابْن دَاوُد - شَارِح " مُخْتَصر الْمُزنِيّ " -: إِن قَاتل الزَّانِي الْمُحصن إِذا وجده مَعَ أَهله فَقتله على تِلْكَ الْحَالة لَا يُعَزّر.

فعل فِي التَّحْرِيم، وَإِن انتهض الْكَفّ خَاصَّة للثَّواب، فكراهة، وَإِن كَانَ تخييرا، فإباحة، وَإِلَّا، فوضعي. هَامِش قَالَ: لِأَن الغيظ وَالْحمية حمله، وَهُوَ قد جنى على مَحل حَقه، فَجَاز أَن يُعَزّر - وَإِن كَانَ حَرَامًا - للافتيات على الإِمَام. فَهَذِهِ معاص لَا عِقَاب فِيهَا فِي الدُّنْيَا، وَهِي مُسْتَثْنَاة من الْقَاعِدَة الْمَشْهُورَة فِي الْفِقْه. إِن من أَتَى مَعْصِيّة لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة، عَلَيْهِ التَّعْزِير، فاحفظها. وَكَذَلِكَ نقُول فِي الْوَاجِب: مرادنا " بانتهاض تَركه سَببا للعقاب " مَا هُوَ أَعم من عِقَاب الدَّاريْنِ. " وَإِن انتهض الْكَفّ خَاصَّة سَببا للثَّواب فكراهة ". وَقَالَ: خَاصَّة فِي الْكَرَاهَة أَيْضا؛ ليعلم أَنه لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا عِقَاب، وَإِن أورد الْفَقِيه هُنَا مواظب لعب الشطرنج، وَنَحْوه، وكالندب. وَإِن انتهض " الحكم تخييرا " بَين الْفِعْل وَالتّرْك، " فإباحة ". " وَإِلَّا " - أَي: وَإِن لم يكن طلبا وَلَا تخييرا - " فوضعي " كالصحة والبطلان، وَكَون الشَّيْء سَببا ودليلا وشرطا ومانعا، وَغير ذَلِك. وَالْمُصَنّف جَار فِي الوضعي على مختاره - وَقد سبق القَوْل فِيهِ - وتابع فِي حصر الِاقْتِضَاء والتخيير فِي الْأَحْكَام الْخَمْسَة لعلمائنا أَجْمَعِينَ. وَأَنا أَقُول: بَقِي خلاف الأولى الَّذِي تذكره الْفُقَهَاء فِي مسَائِل عديدة، ويفرقون بَينه وَبَين الْمَكْرُوه، كَمَا فِي صَوْم يَوْم " عَرَفَة " للْحَاج الصَّحِيح خلاف الأولى. وَقيل: مَكْرُوه. وَالْخُرُوج من صَوْم التَّطَوُّع أَو صلَاته بعد الثُّلثَيْنِ بِغَيْر عذر مَكْرُوه. وَقيل: خلاف الأولى. ونفض الْيَد فِي الْوضُوء مُبَاح.

صفحة فارغة هَامِش وَقيل: مَكْرُوه. وَقيل: خلاف الأولى. وَالزِّيَادَة على الثَّلَاث فِي الْوضُوء مَكْرُوه. وَقيل: حرَام. وَقيل: خلاف الأولى. وَقيل: مَكْرُوهَة. وتفضيل أَعْضَاء الْعَقِيقَة. خلاف الأولى. وَأَصَح الْوَجْهَيْنِ فِي " شرح الْمُهَذّب ": أَنه غير مَكْرُوه. قَالَ النَّوَوِيّ: لِأَنَّهُ لم يثبت فِيهِ نهي مَقْصُود. وَعمارَة الدّور وَسَائِر الْعقار، الأولى ترك الزِّيَادَة فِيهَا. وَرُبمَا قيل: تكره والمعتكف. قَالَ فِي " الْبَحْر ": يكره أَن يغسل يَده من غير طست.

وَفِي تَسْمِيَة الْكَلَام فِي الْأَزَل خطابا خلاف. هَامِش وَقيل: [لَا] يكره، وَلَكِن الْأَحْسَن غَيره. وَيكرهُ أَن يُقَال لغير الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم: فلَان صلوَات الله عَلَيْهِ. وَقيل: خلاف الأولى. وَإِذا كَانَ مَوضِع الإِمَام أَعلَى من مَوضِع الْمَأْمُومين، وَلم يكن مرِيدا تعليمهم أَفعَال الصَّلَاة، فَهُوَ خلاف الأولى. وَأطلق ابْن الصّباغ وَالْمُتوَلِّيّ فِيهِ لفظ الْكَرَاهَة. وَمن تَأمل وجده خَارِجا عَن الْخَمْسَة، ولعلنا نحقق ذَلِك فِي التعليقة، فلنقل: الحكم إِمَّا طلب لفعل غير كف، أَو لفعل هُوَ كف، أَو تَخْيِير. وَالْأول: إِمَّا مَعَ الْجَزْم [فالوجوب، أَو لَا، فالندب. وَالثَّانِي: إِمَّا مَعَ الْجَزْم] فالحرمة، أَو لَا، وَفِيه نهي مَخْصُوص، فالكراهة، أَو لَا نهي فِيهِ مَخْصُوص، فخلاف الأولى. وَالثَّالِث: الْإِبَاحَة، وَالنَّدْب، وَالسّنة، وَالْمُسْتَحب، وَالطَّاعَة، وَالْحسن، وَالنَّفْل - مترادفة، خلافًا لبَعض فقهائنا. الشَّرْح: " وَفِي تَسْمِيَة الْكَلَام فِي الْأَزَل خطابا خلاف " مُفَرع على تَفْسِير الْخطاب. فَمن قَائِل: إِنَّه الْكَلَام الَّذِي يقْصد بِهِ إفهام من هُوَ متهيئ للفهم. وَمن قَائِل: الَّذِي يعلم مِنْهُ أَنه يقْصد بِهِ الإفهام، فعلى هَذَا هُوَ خطاب دون الأول.

الوجوب والواجب

(الْوُجُوب وَالْوَاجِب) الْوُجُوب: الثُّبُوت والسقوط، وَفِي الِاصْطِلَاح مَا تقدم. وَالْوَاجِب: الْفِعْل الْمُتَعَلّق للْوُجُوب كَمَا تقدم، وَمَا يُعَاقب تَاركه مَرْدُود؛ بِجَوَاز الْعَفو، وَمَا أوعد بالعقاب تَاركه مَرْدُود؛ بِصدق إيعاد الله تَعَالَى، وَمَا يخَاف مَرْدُود؛ بِمَا يشك فِيهِ. القَاضِي: مَا يذم تَاركه شرعا بِوَجْه مَا. وَقَالَ: " بِوَجْه مَا " ليدْخل الْوَاجِب الموسع والكفاية؛ حَافظ على عَكسه؛ فأخل بطرده؛ إِذْ يرد النَّاسِي والنائم وَالْمُسَافر فَإِن قَالَ: يسْقط الْوُجُوب بذلك. قُلْنَا: وَيسْقط بِفعل الْبَعْض. هَامِش الشَّرْح: " الْوُجُوب " فِي اللُّغَة: " الثُّبُوت "، وَمِنْه الحَدِيث: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك مُوجبَات

صفحة فارغة هَامِش رحمتك "، " والسقوط "، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا وَجَبت جنوبها} [سُورَة الْحَج: الْآيَة 36] . وَفِي حَدِيث أبي عُبَيْدَة ومعاذ " إِنَّا نحذرك يَوْمًا تجب فِيهِ الْقُلُوب " فَكَأَنَّهُ الشَّيْء الَّذِي سقط على الْمُخَاطب فَلَزِمَ وأثقله، كَمَا يسْقط عَلَيْهِ الشَّيْء. فَلَا يُمكنهُ دَفعه عَن نَفسه.

صفحة فارغة هَامِش " وَفِي الِاصْطِلَاح مَا تقدم ". " الْوَاجِب الْفِعْل الْمُتَعَلّق للْوُجُوب، كَمَا تقدم ". وتعريفه بِأَنَّهُ " مَا يُعَاقب تَاركه ". مَرْدُود بِجَوَاز الْعَفو من الله تَعَالَى. وَمَا أوعد بالعقاب على تَركه. قَالَ المُصَنّف: " مَرْدُود بِصدق إيعاد الله ". وَلَك أَن تَقول: قد يتَجَاوَز الرب وَيَعْفُو، ثمَّ لَا يَنْتَفِي الصدْق. " وَمَا يخَاف " الْعقَاب على تَركه، رده إِمَام الْحَرَمَيْنِ بِمَا يحسبه الْمَرْء وَاجِبا، فَإِنَّهُ يخَاف الْعقَاب عَلَيْهِ، وَقد لَا يكون كَذَلِك. وَهَذَا صَحِيح، فَإِن من اعْتقد جهلا صِيَام رَجَب، يخَاف الْعقَاب على تَركه مَعَ انْتِفَاء الْوُجُوب. وَقد عبر المُصَنّف تبعا للآمدي عَن هَذَا الرَّد بِعِبَارَة غير سديدة، فَقَالَ: " مَرْدُود بِمَا يشك فِيهِ " أَنه وَاجِب، أَو لَا؛ إِذْ الْخَوْف مَوْجُود مَعَ عدم الْوُجُوب. وَالظَّاهِر: أَن المُرَاد بِهَذِهِ الْعبارَة مَا ذكره الإِمَام، وَلَكِن فِيهَا قُصُور. والاعتراض عَلَيْهَا لائح ذَلِك منع وجود الْخَوْف، وَإِن سلم فالخوف من قبل الْوُجُوب. وَإِن قدر اخْتِلَاط الْحَلَال بالحرام كَمَا فِي امْرَأَة اخْتلطت بأجنبيات محصورات فالحرمة متحققة، إِلَّا أَنَّهَا فِي وَاحِدَة بِالذَّاتِ، وَفِي الأخريات بمقدمة الْوَاجِب. وَقَالَ " القَاضِي ": الْوَاجِب " مَا يذم تَاركه شرعا بِوَجْه مَا ". وَالْمرَاد بالذم شرعا: أَنه وَاقع من قبل الشَّارِع؛ إِذْ لَا حكم إِلَّا من الشَّرْع. " وَقَالَ بِوَجْه مَا " كَمَا ذكر فِي كتاب التَّقْرِيب، " ليدْخل فِيهِ الْوَاجِب الموسع ". قَالَ المُصَنّف: " والكفاية "؛ فَإِن التارك فِيهَا لَا يذم مُطلقًا، بل بِوَجْه دون وَجه فَفِي الموسع إِذا ترك فِي جَمِيع الْوَقْت، وَفِي الْكِفَايَة إِذا لم يظنّ قيام غَيره بِهِ، وَكَذَا الْمُخَير إِذا قُلْنَا: كل وَاحِد

وَالْفَرْض وَالْوَاجِب مُتَرَادِفَانِ الْحَنَفِيَّة: الْفَرْض الْمَقْطُوع بِهِ، وَالْوَاجِب المظنون. هَامِش وَاجِب، فَإِنَّهُ يذم تَاركه إِذا ترك مَعَه الآخر لَا مُطلقًا. وَأما إِذا قُلْنَا: الْوَاجِب فِيهِ وَاحِد مُبْهَم - كرأي المُصَنّف - فيذم تَاركه بِأَيّ وَجه فرض؛ فَلذَلِك لم يذكرهُ كَغَيْرِهِ. وَلَك أَن تَقول: كَانَ يَنْبَغِي أَيْضا أَلا يذكر فِي فرض الْكِفَايَة إِلَّا أَن يُحَقّق أَن القَاضِي يَقُول: إِنَّه على الْجَمِيع. وَالْقَاضِي لم يذكرهُ فِي " التَّقْرِيب " فَلَعَلَّهُ يَقُول: إِنَّه على الْبَعْض. وَاعْلَم أَن القَاضِي بِهَذَا الْقَيْد " حَافظ على عَكسه "، فَلم يخرج من الْحَد مَا هُوَ الْمَحْدُود، أَعنِي: الموسع والكفاية " فَأخذ بطرده "، لدُخُول مَا لَيْسَ من الْمَحْدُود فِيهِ، " إِذْ يرد النَّاسِي والنائم "؛ حَيْثُ لَا تجب عَلَيْهِمَا الصَّلَاة، " وَالْمُسَافر "، حَيْثُ لَا يجب عَلَيْهِ الصَّوْم، ويذمون على تَركه بِوَجْه مَا، وَذَلِكَ عِنْد انْتِفَاء الْأَعْذَار، كَمَا يذم فرض الْكِفَايَة بِتَقْدِير ترك الْجَمِيع. " فَإِن قَالَ " القَاضِي: لَا نسلم أَن هَذِه غير وَاجِبَة، بل هِيَ وَاجِبَة، وَإِنَّمَا " يسْقط الْوُجُوب بذلك " الْعذر - عذر السّفر، وَالنَّوْم، وَالنِّسْيَان. " قُلْنَا ": كَذَلِك فِي الْكِفَايَة " يسْقط " الذَّم " بِفعل الْبَعْض " الآخر. وَاعْلَم أَن القَاضِي لَا يَقُول ذَلِك؛ إِذْ صرح فِي " التَّقْرِيب " بِأَنَّهُ لَا وجوب على النَّائِم وَالنَّاسِي، وَنَحْوهمَا حَتَّى السَّكْرَان، وَأَن الْمُسَافِر يجب عَلَيْهِ صَوْم أحد الشَّهْرَيْنِ كالواجب الْمُخَير سَوَاء. وللقاضي الْجَواب بِأَن النَّائِم لَا يذم بِوَجْه مَا. قَوْلكُم: عِنْد انْتِفَاء الْعذر. قُلْنَا: لَيْسَ هُوَ - وَالْحَالة هَذِه - نَائِما، وَالْكَلَام فِي النَّائِم. الشَّرْح: " وَالْفَرْض وَالْوَاجِب " لفظان " مُتَرَادِفَانِ " وَقَالَت " الْحَنَفِيَّة: الْفَرْض: الْمَقْطُوع، وَالْوَاجِب: المظنون ". وَالْخلاف لَفْظِي.

صفحة فارغة هَامِش وَحكي القَاضِي فِي " التَّقْرِيب " عَن بَعضهم أَن الْفَرْض مَا ورد فِي الْقُرْآن، وَالْوَاجِب مَا ورد فِي السّنة، وَهُوَ فَاسد، ولفظي أَيْضا.

الأداء والقضاء والإعادة

(الْأَدَاء وَالْقَضَاء والإعادة) الْأَدَاء: مَا فعل فِي وقته الْمُقدر لَهُ شرعا أَولا، وَالْقَضَاء: مَا فعل ... ... ... ... هَامِش واقتضت عبارَة صَاحب " التَّنْبِيه " فِي كتاب الْحَج: أَن الْفَرْض أَعم من الْوَاجِب؛ إِذْ قَالَ فِي " بَاب فروض الْحَج وَالْعمْرَة ": وَذكر أَرْكَان الْحَج من واجباته، وَهِي مؤولة، فاعرف ذَلِك. وَنقل الرَّافِعِيّ عَن زيادات الْعَبَّادِيّ أَنه لَو قَالَ: الطَّلَاق وَاجِب عَليّ، تطلق، أَو فرض عَليّ، لم تطلق. وَلَيْسَ افتراقا بَين حقيقتيهما، وَإِنَّمَا هُوَ ادّعى أَن الْعرف جرى بِالْوَاجِبِ دون الْفَرْض. الشَّرْح: وَالْعِبَادَة المؤقتة تَنْقَسِم بِاعْتِبَار فعلهَا فِي الْوَقْت وخارجه إِلَى أَدَاء، وَقَضَاء، وإعادة.

من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها وإذا أوقعها في الثاني لم يكن أداء وليس قوله أولا متعلقا بقوله فعل فيكون معناه فعل أولا لتخرج الإعادة لأن الإعادة

بعد وَقت الْأَدَاء استدراكا لما سبق لَهُ وجوب مُطلقًا، أَخّرهُ عمدا أَو سَهوا، تمكن من فعله كالمسافر، أَو لم يتَمَكَّن؛ لمَانع من الْوُجُوب شرعا؛ كالحائض، أَو عقلا؛ كالنائم، وَقيل: لما سبق وُجُوبه على الْمُسْتَدْرك، فَفعل الْحَائِض والنائم قَضَاء على الأول لَا الثَّانِي إِلَّا على قَول ضَعِيف. والإعادة مَا فعل فِي وَقت الْأَدَاء ثَانِيًا؛ لخلل. وَقيل: لعذر. هَامِش فَأَما " الْأَدَاء " فَهُوَ " مَا فعل فِي وقته الْمُقدر لَهُ شرعا أَولا "، فَخرج مَا لم يقدر لَهُ وَقت كالنوافل الْمُطلقَة، أَو قدر لَا بِأَصْل الشَّرْع، كمن يضيق عَلَيْهِ الموسع لعَارض ظَنّه الْفَوات إِن لم يُبَادر، وَمَا وَقع فِي وقته الْمُقدر لَهُ شرعا، وَلَكِن غير الْوَقْت الَّذِي قدر لَهُ أَولا. كالظهر وَقتهَا الأول مَا بَين زَوَال الشَّمْس إِلَى صيرورة ظلّ كل شَيْء مثله، ووقتها الثَّانِي إِذا ذكرهَا بعد النسْيَان، لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا فليصلها إِذا ذكرهَا "، فَإِن ذَلِك وَقتهَا. وَإِذا أوقعهَا فِي الثَّانِي لم يكن أَدَاء. وَلَيْسَ قَوْله: أَولا مُتَعَلقا بقوله: فعل فَيكون مَعْنَاهُ: فعل أَولا لتخرج الْإِعَادَة؛ لِأَن الْإِعَادَة

صفحة فارغة هَامِش قسم من الْأَدَاء فِي مصطلح الْأَكْثَرين، وَعَلِيهِ جرى الْآمِدِيّ. " وَالْقَضَاء " اخْتلف فِيهِ، وَالْمُخْتَار أَنه " مَا فعل بعد وَقت الْأَدَاء استدراكا لما سبق لَهُ وجوب مُطلقًا " أَي: سَوَاء كَانَ الْوُجُوب على الْمُسْتَدْرك أم غَيره، وَسَوَاء " أَخّرهُ عمدا أم سَهوا " وَسَوَاء " تمكن " الْمُسْتَدْرك " من فعله " فِي وقته " كالمسافر " إِذا ترك الصَّوْم، " أَو لم يتَمَكَّن لمَانع من الْوُجُوب ". إِمَّا " شرعا كالحائض " فِي الصَّوْم، إِذا لم نقل بِوُجُوب الصَّوْم عَلَيْهَا فِي زمن الْحيض، وَهُوَ رَأْي الْأُصُولِيِّينَ، " أَو عقلا كالنائم " فِي الصَّلَاة. " وَقيل ": مَا فعل بعد وَقت الْأَدَاء استدراكا " لما سبق وُجُوبه على الْمُسْتَدْرك ". وَهَذَا أخص من الأول، وَيظْهر الْفرق بَينهمَا فِي الْحَائِض والنائم، " فَفعل الْحَائِض " بعد انصرام الْحيض، " والنائم " بعد الانتباه " قَضَاء على الأول "؛ إِذْ هُوَ اسْتِدْرَاك لما سبق لَهُ وجوب مُطلقًا، " لَا الثَّانِي إِلَّا فِي قَول ضَعِيف "، وَهُوَ قَول من يَقُول بِوُجُوب الصَّوْم على الْحَائِض. وَقد قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق: إِن الْخلاف فِي الْوُجُوب على الْحَائِض لَفْظِي. وَذكرنَا فِي " شرح الْمِنْهَاج ": أَن مِنْهُم من بنى عَلَيْهِ وجوب التَّعَرُّض للْأَدَاء، وَالْقَضَاء فِي النِّيَّة، وَيَنْبَغِي أَن تبدل لَفْظَة " الْوُجُوب " فِي التعريفين بالمشروعية، فَيُقَال: مَا سبقت لَهُ مَشْرُوعِيَّة، ليشْمل النَّوَافِل المؤقتة، فَإِن أصح أَقْوَال الشَّافِعِي أَنَّهَا تقضي. والإعادة: مَا فعل فِي وَقت الْأَدَاء ثَانِيًا لخلل فِي الأول "، من فقدان ركن أَو شَرط، كَذَا صرح بِهِ القَاضِي أَبُو بكر. " وَقيل ": فِي وَقت الْأَدَاء ثَانِيًا " لعذر "، فعلى الأول صَلَاة من أدّى مُنْفَردا، ثمَّ أعَاد فِي جمَاعَة لَا يكون إِعَادَة، وعَلى الثَّانِي يكون؛ إِذْ وجد أَن الْجَمَاعَة عذر. وَكَذَا يتَخَرَّج من صلى وَلَو فِي جمَاعَة، ثمَّ رأى من يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاة الْفَرِيضَة وَحده، فَإِنَّهُ يسْتَحبّ لَهُ أَن يُصليهَا مَعَه لتحصل لَهُ فَضِيلَة الْجَمَاعَة. وَمن صلى فِي جمَاعَة ثمَّ أدْرك جمَاعَة أُخْرَى، يسْتَحبّ لَهُ الْإِعَادَة على الصَّحِيح، سَوَاء

الواجب على الكفاية

(الْوَاجِب على الْكِفَايَة) (مَسْأَلَة:) الْوَاجِب على الْكِفَايَة على الْجَمِيع، وَيسْقط بِالْبَعْضِ. لنا إِثْم ... ... ... ... هَامِش اشْتَمَلت الْجَمَاعَة الثَّانِيَة على زِيَادَة فَضِيلَة من كَون الإِمَام أعلم، أَو أورع، أَو الْجمع أَكثر، أَو الْمَكَان أشرف، أَو لَا، وسماها الْفُقَهَاء إِعَادَة. وَقد يُقَال: لَا عذر إِذا اسْتَوَت الجماعتان من كل وَجه، وَيكون على هَذَا الْإِعَادَة مَا فعل فِي وَقت الْأَدَاء ثَانِيًا مُطلقًا، وَهُوَ الْمُخْتَار، فِي تَعْرِيفهَا، وَقد يُقَال: وجدان جمَاعَة أُخْرَى عذر. (" فرع ") قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن: إِذا شرع فِي الصَّلَاة ثمَّ أفسدها، ثمَّ صلاهَا فِي وَقتهَا كَانَت قَضَاء، وَتَبعهُ غَيره على ذَلِك، ومأخذه: أَنَّهَا تضيقت عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ. وَهُوَ ضَعِيف، لِأَن التَّضْيِيق بِالشُّرُوعِ بِفِعْلِهِ لَا بِأَمْر الشَّرْع، وَالنَّظَر فِي الْقَضَاء وَالْأَدَاء إِلَى أَمر الشَّرْع، لَا إِلَى فعله كَمَا عرفت. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " الْوَاجِب على الْكِفَايَة ".

الْجَمِيع بِالتّرْكِ بِاتِّفَاق. قَالُوا: يسْقط بِالْبَعْضِ. قُلْنَا: استبعاد. هَامِش قَالَ الْغَزالِيّ: وَهُوَ مُهِمّ ديني يقْصد الشَّرْع حُصُوله، وَلَا يقْصد بِهِ عين من يَتَوَلَّاهُ. وَاجِب " على الْجَمِيع، وَيسْقط بِالْبَعْضِ " عِنْد الْجُمْهُور، وَمِنْهُم المُصَنّف، وَأبي رَحمَه الله تَعَالَى. وَقيل: على الْبَعْض - وَهُوَ الْمُخْتَار. ويعبر عَنهُ بِأَنَّهُ غير وَاجِب على وَاحِد بِعَيْنِه إِلَّا بِشَرْط أَلا يقوم بِهِ غَيره. [قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: فَيكون على الأول فرضا إِلَّا أَن يقوم بِهِ] الْغَيْر [فَيسْقط، وعَلى الثَّانِي لَيْسَ بِفَرْض إِلَّا أَلا يقوم بِهِ الْغَيْر] فَيجب، ومداره على الظنون، فَإِن ظن قيام غَيره بِهِ سقط، أَو عدم قِيَامه لم يسْقط. " لنا: إِثْم الْجَمِيع بِالتّرْكِ بِاتِّفَاق "، وَلَو لم يتَعَلَّق بِالْكُلِّ لما أثموا. وَلَك أَن تَقول: إِنَّمَا أثموا لوُقُوع تَفْوِيت الْمَقْصد الشَّرْعِيّ، وَلم يَأْثَم الْكل، لكَوْنهم تركُوا. وَعند هَذَا نقُول: الدَّلِيل لنا لَا لكم؛ إِذْ نقُول: لَو وَجب على الْجَمِيع لأثموا بتركهم إِيَّاه، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا يأثمون بِعَدَمِ وُقُوعه فِي الْخَارِج، لَا بِعَدَمِ إيقاعهم إِيَّاه. فَإِن قلت: كَيفَ يأثمون على مَا لَيْسَ من فعلهم؟ قلت: هم مكلفون بِوُقُوع هَذَا الْفِعْل فِي الْخَارِج، سَوَاء كَانَ وُقُوعه مِنْهُم أم من غَيرهم، وَذَلِكَ مَقْدُور لَهُم بتحصيلهم بِأَنْفسِهِم أَو بغيرهم.

خاتمة

قَالُوا: كَمَا أَمر بِوَاحِد مُبْهَم أَمر بعض مُبْهَم. قُلْنَا: إِثْم وَاحِد مُبْهَم لَا يعقل قَالُوا: {فلولا نفر} [سُورَة التَّوْبَة: الْآيَة 122] . قُلْنَا: يجب تَأْوِيله على الْمسْقط؛ جمعا بَين الْأَدِلَّة. هَامِش والقائلون بِمَا اخترناه " قَالُوا: سقط بِالْبَعْضِ "، وَلَو وَجب على الْكل لما كَانَ كَذَلِك؛ إِذْ يستبعد سُقُوط الْوَاجِب على الْمُكَلف بِفعل غَيره. " قُلْنَا: استبعاد " لَا يَقْتَضِي الِامْتِنَاع. الشَّرْح: " قَالُوا: كَمَا أَمر بِوَاحِد مُبْهَم " فِي خِصَال الْكَفَّارَة " أَمر بعض مُبْهَم. قَالَ: " قُلْنَا: إِثْم وَاحِد مُبْهَم لَا يعقل "، بِخِلَاف الْإِثْم بترك وَاحِد مُبْهَم. وَلَك أَن تَقول: نَحن لَا نؤثم [مُبْهما] ، وَإِنَّمَا نؤثم الْكل، وَلَا يمْتَنع كَمَا قدمْنَاهُ. " قَالُوا: {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة " [سُورَة التَّوْبَة: الْآيَة 122] ". دَلِيل على أَن فرض الْكِفَايَة غير معِين؛ إِذْ طلب التفقه - وَهُوَ من فروض الْكِفَايَة من طَائِفَة وَهِي غير مُعينَة. قَالَ: " قُلْنَا ": الطَّائِفَة كَمَا يحْتَمل أَن يَكُونُوا الَّذين أوجب عَلَيْهِم طلب التفقه، يحْتَمل أَن يَكُونُوا هم الَّذين يسقطون الْوُجُوب بِالْمُبَاشرَةِ من الْجَمِيع، وَحِينَئِذٍ " يجب تَأْوِيله على الْمسْقط " - وَإِن كَانَ مرجوحا - " جمعا بَين الْأَدِلَّة ". وَلَك أَن تَقول: أَي أَدِلَّة ذكرت؟ وَلَيْسَ إسقاطهم عَن غَيرهم بفعلهم أولى من تأثيم غَيرهم بتركهم، وَمِمَّا يدل على مَا اخترناه قَوْله تَعَالَى: (ولتكن مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر} [سُورَة آل عمرَان: الْآيَة 104] ، وَقَوله تَعَالَى: {وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} [سُورَة النُّور: الْآيَة 2] . (" خَاتِمَة ") الْأَفْعَال قِسْمَانِ: مَا يتَكَرَّر مصْلحَته بتكرره، فَهُوَ على الْأَعْيَان وكالظهر مثلا، مصلحتها الخضوع، وَهُوَ يتَكَرَّر بتكررها، وَمَا لَا يتَكَرَّر وَهُوَ فرض الْكِفَايَة، كإنقاذ الغريق، وَكِسْوَة العاري، وَنَحْوه

صفحة فارغة هَامِش فَإِن قلت: الْجَدِيد فِيمَن صلى ثمَّ أعَاد فِي جمَاعَة أَن الأولى للْفَرض، وَالْقَدِيم إِحْدَاهمَا لَا بِعَينهَا، وَفِي وَجه هما جَمِيعًا يقعان على الْفَرْض، وَمُقْتَضى مَا فرقت بِهِ بَين هذَيْن الفرعين أَن يكون هَذَا الْوَجْه هُوَ الْأَصَح؛ لِأَن مصلحَة الخضوع تَتَكَرَّر بِتَكَرُّر الْفِعْل. قلت: المُرَاد تعدد الفاعلين لَا تكْرَار أفعالهم، وَإِلَّا لَوَجَبَتْ الْإِعَادَة على الْمُصَلِّي، وَلَا يتناهى ذَلِك، بل إِذا أعَاد كَانَ حسنا، وَقد يُوصف فعله بالفريضة، ولاشتماله على الْمصلحَة الَّتِي من أجلهَا جعل أصل الْفِعْل فرضا، وَقد لَا يُوصف، لعدم الْعقَاب على تَركه، وَقَائِل هَذَا الْوَجْه لم يقل: إِنَّهَا فرض، بل [قَالَ: يَقع] عَن الْفَرْض وَلَا بعد فِيهِ، لما ذكرنَا. وَمن هُنَا يعلم أَن الْمَقْصُود فِي فرض الْعين الفاعلون وأفعالهم بطرِيق الْأَصَالَة، وَفِي فرض الْكِفَايَة الْفَرْض: وُقُوع الْفِعْل من غير نظر إِلَى فَاعله، وَهَذَا معنى قَول الْغَزالِيّ: إِنَّه كل مُهِمّ ديني يُرَاد حُصُوله، وَلَا يقْصد عين من يَتَوَلَّاهُ، كَمَا قدمْنَاهُ عَنهُ. وَبِهَذَا يتَرَجَّح عنْدك أَنه لَا يجب على الْكل؛ لِأَن الفاعلين لَا نظر إِلَيْهِم فِيهِ بِالذَّاتِ. بل [لضَرُورَة) ] الْوَاقِع؛ إِذْ لَا يَقع الْفِعْل إِلَّا من فَاعل، فَمَا بالنا نجعله مُتَعَلقا بِالْكُلِّ وَلَا ضَرُورَة تَدْعُو إِلَى ذَلِك، وملاقاة الْوُجُوب للْبَعْض مُمكنَة بِالْمَعْنَى الَّذِي أسلفناه. وَلَو أَن غريقا قذفه الْحُوت إِلَى شاطئ الْبَحْر فيحيا، أَو جائعا قدر الله لَهُ الشِّبَع بِدُونِ أكل، فَيحْتَمل أَن يُقَال: بالتأثيم؛ لعصيان الْكل بالجرأة على الله تَعَالَى. وَالْأَظْهَر: أَنه لَا يَأْثَم أحد لحُصُول الْمَقْصُود. فَإِن قلت: كَيفَ يستحبون صَلَاة الْجِنَازَة لمن لم يصلها مَعَ حُصُول الْفَرْض بِالصَّلَاةِ أَولا. قلت: الْفَرْض بِالذَّاتِ من صَلَاة الْجِنَازَة انْتِفَاع الْمَيِّت وَالدُّعَاء سَبَب، فَمَا لم يتَحَقَّق الِانْتِفَاع يسْتَحبّ الصَّلَاة؛ إِذْ يحْتَمل أَن الله لم يستجب دُعَاء الْأَوَّلين، وَإِنَّمَا لم [توجب] إِعَادَة الصَّلَاة لِئَلَّا [يُوجب] مَا لَا يتناهى، إِذْ لسنا على يَقِين من الاستجابة فِي وَاحِدَة من الصَّلَوَات، وَأَيْضًا فالاستجابة لَيست فِي قدرتنا، والتوصل إِلَيْهَا مرّة وَاجِب، وَبِمَا زَاد [مُسْتَحبّ] .

ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم قالوا نعم قال أفشوا السلام بينكم والمودة لا تحصل إلا بين المجيب والمبتدي دون الساكت ولذلك يستحب للثاني الجواب فإذا أجاب وقع فرضا كما قلناه

صفحة فارغة هَامِش فَإِن قلت: قد قَالَ الْأَصْحَاب: إِن صَلَاة الطَّائِفَة الثَّانِيَة تقع فرضا مَعَ سُقُوط الْحَرج وَالْإِثْم بِالْأولِ، فَكيف يكون فرضا مَعَ جَوَاز تَركهَا. قلت: فرض الْكِفَايَة قِسْمَانِ: مَا يحصل تَمام الْمَقْصُود مِنْهُ أَولا، وَلَا يقبل الزِّيَادَة، كإنقاذ الغريق، فَهَذَا إِذا وَقع فعله لَا يتَصَوَّر وُقُوعه ثَانِيًا. وَمَا تتجدد بِهِ مصلحَة بِتَكَرُّر الفاعلين، كالاشتغال بِالْعلمِ وَصَلَاة الْجِنَازَة، وَهَذَا كل من أوقعه وَقع فرضا. فَإِن قلت: رد السَّلَام فرض كِفَايَة، وَقد قَالَ الْأَصْحَاب: لَو سلم على جمَاعَة فَأجَاب الْجَمِيع كَانُوا كلهم مؤدين للْفَرض، سَوَاء أجابوا مَعًا، أم على التَّعَاقُب، وَمُقْتَضى مَا يَقُولُونَ إِن الْفَرْض فِيمَا إِذا أجابوا على التَّعَاقُب الأول؛ لحُصُول تَمام المقصودية. قلت: الْمَقْصُود الَّذِي من أَجله شرع أصل السَّلَام إِلْقَاء الْمَوَدَّة بَين الْمُسلمين على مَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَلا أدلكم على شَيْء إِذا فعلتموه تحاببتم؟ قَالُوا: نعم. قَالَ: أفشوا السَّلَام بَيْنكُم " والمودة لَا تحصل إِلَّا بَين الْمُجيب والمبتدي، دون السَّاكِت؛ وَلذَلِك يسْتَحبّ للثَّانِي الْجَواب، فَإِذا أجَاب وَقع فرضا، كَمَا قُلْنَاهُ. (" فَائِدَة ") فرض الْكِفَايَة منزلَة بَين منزلتين: فرض الْعين، وَالسّنة، [وَهُوَ] يضاهي فرض الْعين من جِهَة وُجُوبه، وَالسّنة من جِهَة جَوَاز تَركه عِنْد فعل الْغَيْر، ولربما وَقع خلاف فِي صُورَة، ومثاره من

صفحة فارغة هَامِش هَذَا، كَمَا تَقول: لَا يُؤَدِّي بِالتَّيَمُّمِ فريضتان. وَيُؤَدِّي نافلتان، وَهل يجمع بَين فَرِيضَة، وَصَلَاة جَنَازَة، أَو صَلَاتي جَنَازَة. أصح الْقَوْلَيْنِ: الْجَوَاز، وَالْخلاف جَار فِي أَنه هَل يُصَلِّي على جنازتين صَلَاة وَاحِدَة بِتَيَمُّم

فائدة

صفحة فارغة هَامِش وَاحِد؟ وَهل يقْصد فِي صَلَاة الْجِنَازَة؟ وَفرض الْعين يلْزم بِالشُّرُوعِ، دون النَّفْل؟ وَفِي فرض الْكِفَايَة خلاف. قَالَ الْجُمْهُور: يجب إتْمَام صَلَاة الْجِنَازَة بِالشُّرُوعِ. وَقَالَ الْغَزالِيّ: [الْأَصَح] أَن الْعلم وَسَائِر فروض الكفايات تجب بِالشُّرُوعِ. قلت: وَيظْهر أَن يفرق بَين صَلَاة الْجِنَازَة وَالْعلم، [وَبَين] ترك فرض عين أجبر، بِخِلَاف النَّفْل. وَفِي فرض الْكِفَايَة خلاف جَار فِي القَاضِي، وكفالة اللَّقِيط، وَغَيرهمَا، وَالصَّحِيح الْإِجْبَار وَفِي كتَابنَا " الْأَشْبَاه والنظائر " صور أخر. (" فَائِدَة ") قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَولده إِمَام الْحَرَمَيْنِ، والأستاذ أَبُو إِسْحَاق: فرض الْكِفَايَة أفضل من فرض الْعين.

فائدة

صفحة فارغة هَامِش (" فَائِدَة ") [نِسْبَة] سنة الْكِفَايَة من سنة الْعين نِسْبَة فرض الْكِفَايَة من فرض الْعين، وَقد زعم فَخر الْإِسْلَام [الشَّاشِي] أَنه لَيْسَ لنا سنة على الْكِفَايَة إِلَّا الِابْتِدَاء بِالسَّلَامِ وَلَيْسَ كَذَلِك، فَمن سنَن الْكِفَايَة تشميت الْعَاطِس، وَالتَّسْمِيَة على الْأكل. وَالْأَذَان وَالْإِقَامَة، وَمَا يفعل بِالْمَيتِ، وَمَا ندب إِلَيْهِ، وَالشَّاة الْوَاحِدَة إِذا ضحى بهَا وَاحِد من أهل الْبَيْت، تأدى [الشعار] .

الأمر بواحد مبهم الواجب المخير

(الْأَمر بِوَاحِد مُبْهَم " الْوَاجِب الْمُخَير ") (مَسْأَلَة:) الْأَمر بِوَاحِد من أَشْيَاء كخصال الْكَفَّارَة مُسْتَقِيم. وَقَالَ بعض الْمُعْتَزلَة: الْجَمِيع وَاجِب. وَبَعْضهمْ الْوَاجِب مَا يفعل. وَبَعْضهمْ الْوَاجِب وَاحِد معِين، وَيسْقط بِهِ وبالآخر. هَامِش (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " الْأَمر بِوَاحِد مُبْهَم من " أَشْيَاء " مُعينَة "، " كخصال الْكَفَّارَة "، وَمَا هُوَ على التَّخْيِير من كَفَّارَات الْحَج " مُسْتَقِيم " عِنْد عُلَمَائِنَا، وَيعرف ب " الْوَاجِب الْمُخَير " عِنْد جَمِيع الطوائف. " وَقَالَ بعض الْمُعْتَزلَة: الْجَمِيع وَاجِب "، وَيسْقط بِوَاحِد. ومأخذ الْخلاف بَيْننَا وَبينهمْ الْحسن والقبح. قَالُوا: إِيجَاب مُبْهَم يمْنَع حسنه الْخَاص بِهِ، فَلَو كَانَ وَاحِد من الثَّلَاثَة وَاجِبا، وَاثْنَانِ

لنا: الْقطع بِالْجَوَازِ؛ وَالنَّص دلّ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا وجوب تَزْوِيج أحد الخاطبين، وإعتاق وَاحِد من الْجِنْس، فَلَو كَانَ التَّخْيِير يُوجب الْجَمِيع، لوَجَبَ تَزْوِيج الْجَمِيع، وَلَو كَانَ معينا؛ لخُصُوص أَحدهمَا، امْتنع التَّخْيِير. هَامِش غير واجبين، لخلى اثْنَان عَن الْمُقْتَضى للْوُجُوب، فَلَا بُد وَأَن يكون كل وَاحِد بِخُصُوصِهِ مُشْتَمِلًا على صفة تَقْتَضِي وُجُوبه، وَلَكِن كل مِنْهُمَا يقوم مقَام الآخر، فَلهَذَا سمي بالمخير. وَقد وافقهم على إِطْلَاق القَوْل بِوُجُوب الْجَمِيع ابْن خويز منداد، من الْمَالِكِيَّة. نَقله الْمَازرِيّ. " وَبَعْضهمْ " قَالَ: " الْوَاجِب مَا يفعل ". " وَبَعْضهمْ: الْوَاجِب وَاحِد مِنْهَا معِين، وَيسْقط " الْفَرْض " بِهِ وبالآخر ". وَهَذَا يُسمى قَول التراجم ينْسبهُ أَصْحَابنَا إِلَى الْمُعْتَزلَة، والمعتزلة إِلَى أَصْحَابنَا فاتفق الْفَرِيقَانِ على فَسَاده، وَلست أرى مسوغا لنقله عَن وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ وَقد [تعاضدا] على إفساده. وَقَالَ أبي - رَحمَه الله -: وَعِنْدِي أَنه لم يقل بِهِ قَائِل، وَلَا وَجه [لَهُ] ، لرِوَايَة أَصْحَابنَا لَهُ عَن الْمُعْتَزلَة لمنافاة قواعدهم لَهُ. الشَّرْح: " لنا: الْقطع بِالْجَوَازِ "؛ إِذْ لَا يلْزم محَال من قَوْلك: أوجبت عَلَيْك وَاحِدًا مُبْهما من هَذِه الْأُمُور، وأيها فعلت بَرِئت ذِمَّتك، وَإِن تركت الْجَمِيع عاقبتك، لتركك أَحدهَا من حَيْثُ هُوَ أَحدهَا " وَالنَّص دلّ عَلَيْهِ "، كَمَا فِي الْكَفَّارَة، فَوَجَبَ حمله عَلَيْهِ. " وَأَيْضًا [وجوب] تَزْوِيج أحد الخاطبين " الكفؤين إِذا دعت الْمَرْأَة إِلَيْهِمَا،

صفحة فارغة هَامِش " وإعتاق وَاحِد من الْجِنْس " جنس الرَّقَبَة فِي الْكَفَّارَة بالتخيير. " وَلَو كَانَ التَّخْيِير يُوجب الْجَمِيع لوَجَبَ تَزْوِيج الْجَمِيع "، وإعتاق جَمِيع الرّقاب. " وَلَو كَانَ " التَّخْيِير " معينا لخُصُوص أَحدهمَا، امْتنع التَّخْيِير "؛ لِأَن التَّعْيِين يُوجب أَلا

الْمُعْتَزلَة: غير الْمعِين مَجْهُول، ويستحيل وُقُوعه، فَلَا يُكَلف بِهِ. وَالْجَوَاب أَنه معِين من حَيْثُ إِنَّه وَاجِب، وَهُوَ وَاحِد من الثَّلَاثَة، فَيَنْتَفِي الْخُصُوص، فصح إِطْلَاق غير الْمعِين عَلَيْهِ. قَالُوا لَو كَانَ الْوَاجِب وَاحِدًا من حَيْثُ هُوَ أَحدهَا لَا بِعَيْنِه مُبْهما، ... ... ... ... هَامِش يُجزئ الآخر، والتخيير يُوجب الْإِجْزَاء، وهما متنافيان، فَلم يبْق إِلَّا إِيجَاب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه، وَهُوَ الْمَطْلُوب، وَفِي هَذَا نظر سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. الشَّرْح: قَالَت " الْمُعْتَزلَة: غير الْمعِين مَجْهُول "، والمجهول لَا يُكَلف بِهِ، وَأَيْضًا فالمجهول " مُسْتَحِيل وُقُوعه، فَلَا يُكَلف بِهِ ". وَالْجَوَاب: أَنه معِين من حَيْثُ هُوَ وَاجِب، وَهُوَ وَاحِد من الثَّلَاثَة، فَيبقى الْخُصُوص " أَي: تعينه الشخصي؛ لِأَنَّهُ أحد الثَّلَاثَة لَا بِعَيْنِه " فصح إِطْلَاق غير الْمعِين عَلَيْهِ " بِانْتِفَاء خصوصه الشخصي، وَإِطْلَاق الْمعِين عَلَيْهِ بِاعْتِبَار كَونه وَاجِبا، فصح بِهَذَا الِاعْتِبَار كَونه مَعْلُوما وَوُقُوع التَّكْلِيف بِهِ. الشَّرْح: " قَالُوا: لَو كَانَ الْوَاجِب وَاحِدًا من حَيْثُ هُوَ أَحدهَا لَا بِعَيْنِه مُبْهما لوَجَبَ أَن يكون الْمُخَير فِيهِ وَاحِدًا [لَا] بِعَيْنِه من حَيْثُ هُوَ أَحدهَا، فَإِن تعددا " - أَي: الْوَاجِب والمخير فِيهِ - " لزم التَّخْيِير بَين وَاجِب وَغير وَاجِب "، مثل: صل، أَو: كل، " وَإِن اتحدا لزم اجْتِمَاع التَّخْيِير " وَهُوَ جَوَاز التّرْك " وَالْوُجُوب "، وَهُوَ عدم جَوَاز التّرْك فِي شَيْء وَاحِد، وهما متناقضان. " وَأجِيب بلزومه فِي " أَعْيَان وَاحِد من " الْجِنْس، و [فِي] " تَزْوِيج أحد " الخاطبين "، فَإِن دليلكم بِعَيْنِه يَأْتِي فيهمَا. " وَالْحق " فِي الْجَواب " أَن الَّذِي وَجب " - وَهُوَ الْمُبْهم - " لم يُخَيّر فِيهِ، والمخير فِيهِ " - وَهُوَ كل وَاحِد من المتعينات - " [لم يجب] ، لعدم التَّعْيِين "، وَإِن كَانَ يَتَأَتَّى بِهِ الْوَاجِب، لتَضَمّنه مَفْهُوم أَحدهَا، " والتعدد " فِيمَا صدق عَلَيْهِ أَحدهَا إِذا تعلق بِهِ الْوُجُوب، والتخيير " يَأْبَى كَون

ليلة الإسراء بين الخمر واللبن وقيل فيه إن ذلك كان في السماء وليست عالم تكليف وأنه كان من خمر الجنة وليس بحرام ويمكن أن يقال إنه على ما به وخير بين واجب وحرام لعلم الله تعالى أنه لا يقع منه الحرام ويتجوز بهذا أن

لوَجَبَ أَن يكون الْمُخَير فِيهِ وَاحِدًا لَا بِعَيْنِه من حَيْثُ هُوَ أَحدهَا. فَإِن تعددا، لزم التَّخْيِير بَين هَامِش المتعلقين " - متعلقي الْوُجُوب والتخيير - وَاحِدًا، " كَمَا لَو حرم وَاحِدًا وَأوجب وَاحِدًا " من الْأَمريْنِ، فَإِن مَعْنَاهُ: أَيهمَا فعلت حرم الآخر، وَأيهمَا تركت وَجب الآخر، والتخيير بَين وَاجِب وَغَيره بِهَذَا الْمَعْنى جَائِز، كَمَا أَن الصَّحِيح فِيمَن قَالَ لامْرَأَته: أَنْت عَليّ حرَام كَظهر أُمِّي، وَنوى الطَّلَاق وَالظِّهَار مَعًا بقوله: حرَام، أَنه يُخَيّر فِي الْأَخْذ بِمَا شَاءَ من الطَّلَاق وَالظِّهَار، وَأيهمَا أَخذ بِهِ حرم الآخر. وَكَذَا - على وَجه - المبتدأة الَّتِي لَا تَمْيِيز لَهَا إِذا عرفت ابْتِدَاء دَمهَا، وَقُلْنَا: تحيض سِتا أَو سبعا - أَن ذَلِك على سَبِيل التَّخْيِير. وعَلى هَذَا إِن شَاءَت السِّت، وَجب عَلَيْهَا فِي الْيَوْم السَّابِع الصَّلَاة وَالصَّوْم، وَإِلَّا حرما، فَهِيَ فِي السَّابِع مخيرة بَين أَمريْن أَيهمَا أخذت بِهِ حرم الآخر. وَإِنَّمَا ذكرنَا هذَيْن المثالين للتقريب، وَإِلَّا فقد يضايق فيهمَا؛ لِأَن تَحْرِيم أَحدهمَا وَإِن كَانَ مِنْهُمَا فَلَيْسَ بِالْأَصَالَةِ، كَمَا فِي: حرمت أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه، وأوجبت الآخر، وَالْفَرْض أَن مثل ذَلِك لَا يمْتَنع، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنع التَّخْيِير بَين وَاجِب بِعَيْنِه، وَغير وَاجِب بِعَيْنِه، على مَا فِيهِ من النّظر؛ إِذْ لقَائِل أَن يَقُول: قد خير النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة الْإِسْرَاء بَين الْخمر وَاللَّبن. وَقيل فِيهِ: إِن ذَلِك كَانَ فِي السَّمَاء، وَلَيْسَت عَالم تَكْلِيف، وَأَنه كَانَ من خمر الْجنَّة، وَلَيْسَ بِحرَام. وَيُمكن أَن يُقَال: إِنَّه على مَا بِهِ، وَخير بَين وَاجِب وَحرَام، لعلم الله - تَعَالَى - أَنه لَا يَقع مِنْهُ الْحَرَام، ويتجوز بِهَذَا أَن التَّخْيِير بَين وَاجِب وَحرَام، إِنَّمَا يمْتَنع إِذا كَانَ الْمُخَاطب مِمَّن لَا يبعد إِتْيَانه لكل مِنْهُمَا، أما إِذا امْتنع عَلَيْهِ الْإِتْيَان بالحرام، وعصم عَنهُ فَلَا.

وَاجِب وَغير وَاجِب، وَإِن اتحدا، لزم اجْتِمَاع التَّخْيِير وَالْوُجُوب. وَأجِيب بلزومه فِي هَامِش فَإِن قلت: وَأي فَائِدَة فِيهِ حِينَئِذٍ؟ قلت: رفع دَرَجَته بِكَوْنِهِ قد تعاطى اخْتِيَار الْحَلَال؟ وَفِي قصَّة الْإِسْرَاء زِيَادَة لَطِيفَة، وَهِي أَن شرب اللَّبن سَبَب هِدَايَة هَذِه الْأمة، وَلَو شرب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْخمر لغوت أمته - كَمَا أخبر بِهِ جِبْرِيل - عَلَيْهِ السَّلَام - فَوَقع التَّخْيِير بَينهمَا، ليختار اللَّبن فَتَقَع هِدَايَة أمته على يَدَيْهِ، وَيكون هُوَ السَّبَب فِيهَا. وَهَذَا كُله حائد عَن مقصدنا، وَالْغَرَض من جَوَاب المُصَنّف أَن مُتَعَلق الْوُجُوب هُوَ الْقدر الْمُشْتَرك بَين الْخِصَال، وَلَا تَخْيِير فِيهِ، ومتعلق التَّخْيِير خصوصيات الْخِصَال، وَلَا وجوب فِيهَا. وَكَانَ أبي - رَحمَه الله - يسْلك فِي الْجَواب مسلكا فائقا عَائِدًا على هَذَا الْجَواب بمزيد تَحْرِير، فَيَقُول: الْقدر الْمُشْتَرك يُقَال: على المتواطئ، كَالرّجلِ، وَلَا إِيهَام فِيهِ، فَإِن حَقِيقَته مَعْلُومَة متميزة عَن غَيرهَا من الْحَقَائِق. وَقَالَ: على الْمُبْهم بَين شَيْئَيْنِ أَو أَشْيَاء، كَأحد الرجلَيْن. وَالْفرق بَينهمَا: أَن الأول لم يقْصد فِيهِ إِلَّا الْحَقِيقَة الَّتِي هِيَ مُسَمّى الرجولية، وَالثَّانِي: قصد فِيهِ أخص من ذَلِك، وَهُوَ أحد الشخصين بِعَيْنِه، وَإِن لم يعين، وَلذَلِك سمي مُبْهما؛ لِأَنَّهُ أبهم علينا أمره، وَالْأول لم يقل أحد: إِن الْوُجُوب يتَعَلَّق بخصوصياته كالأمر بِالْإِعْتَاقِ، فَإِن مُسَمّى الْإِعْتَاق، ومسمى الرَّقَبَة متواطئ كَالرّجلِ، فَلَا تعلق لِلْأَمْرِ بالخصوصيات لَا على التَّعْيِين، وَلَا على التَّخْيِير، وَلَا يُقَال فِيهِ: وَاجِب مُخَيّر، وَلَا يَأْتِي فِيهِ الْخلاف الَّذِي فِي الْمُخَير، وَأكْثر أوَامِر الشَّرِيعَة من ذَلِك. وَالثَّانِي: مُتَعَلق بالخصوصيات؛ فَلذَلِك وَقع الْخلاف فِيهِ، وَسمي الْوَاجِب الْمُخَير. وَبِهَذَا تبين لَك أَن وجوب تَزْوِيج أحد الخاطبين، وإعتاق وَاحِد من الْجِنْس اللَّذين ذكرهمَا

الْجِنْس وَفِي الخاطبين. وَالْحق أَن الَّذِي وَجب لم يُخَيّر فِيهِ، والمخير فِيهِ لم يجب؛ لعدم هَامِش المُصَنّف، وَكَذَا نصب أحد المستعدين للْإِمَامَة - إِذا شغر الْوَقْت عَن إِمَام - لَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ؛

التَّعْيِين. والتعدد يَأْبَى كَون المتعلقين وَاحِدًا، كَمَا لَو حرم وَاحِدًا، وَأوجب وَاحِدًا. هَامِش لِأَنَّهُ مِمَّا يتَعَلَّق الْوُجُوب فِيهِ بِالْقدرِ الْمُشْتَرك من غير نظر إِلَى الخصوصيات.

صفحة فارغة هَامِش وَكَانَ أبي - رَحمَه الله - يمثل بِأَهْل الشورى الَّذين جعل عمر - رَضِي الله عَنهُ - الْأَمر [فِيهَا] بأعيانهم.

قَالُوا: يعم، وَيسْقط، وَإِن كَانَ بِلَفْظ التَّخْيِير كالكفاية. قُلْنَا: الْإِجْمَاع ثمَّة على تأثيم الْجَمِيع، وَهنا: بترك وَاحِد لَا بِعَيْنِه، وَأَيْضًا: فتأثيم وَاحِد لَا ... ... ... هَامِش الشَّرْح: " قَالُوا ": الْوُجُوب " يعم " كل الْخِصَال، " وَيسْقط " بِمُبَاشَرَة أَحدهَا، " وَإِن كَانَ بِلَفْظ التَّخْيِير " وَذَلِكَ " كالكفاية "، فَإِن فرض الْكِفَايَة - كَمَا مهدتم - وَاجِب على الْجَمِيع، وَيسْقط بِالْبَعْضِ بِجَامِع حُصُول الْمصلحَة بمبهم. " قُلْنَا ": الْفرق أَن " الْإِجْمَاع ثمَّ على تأثيم الْجَمِيع "، وَالْإِجْمَاع " هُنَا " على الذَّم " بترك وَاحِد [لَا بِعَيْنِه] "، كَذَا ذكر فِي " الْمُنْتَهى ". وَنقل عَن بعض الْمُعْتَزلَة التأثيم بِالْجَمِيعِ. وَلَكِن ظَاهر إِيرَاد الْأَكْثَرين مَا ذكره المُصَنّف من اتِّفَاق الْفَرِيقَيْنِ على أَن التارك إِنَّمَا يَأْثَم بِوَاحِد، وَقَالُوا: على هَذَا، لَا خلاف فِي الْمَعْنى. وَمِمَّنْ صرح بِأَنَّهُ لَا خلاف فِي الْمَعْنى إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَابْن السَّمْعَانِيّ، وَجَمَاعَة من الْمُتَأَخِّرين.

بِعَيْنِه غير مَعْقُول بِخِلَاف التأثيم على ترك وَاحِد من ثَلَاثَة. قَالُوا: يجب أَن يعلم الْآمِر الْوَاجِب. قُلْنَا: يُعلمهُ حَسْبَمَا أوجبه، وَإِذا أوجبه غير معِين، وَجب أَن يُعلمهُ غير معِين. قَالُوا: علم مَا يفعل فَكَانَ الْوَاجِب. قُلْنَا: فَكَانَ الْوَاجِب؛ لكَونه ... ... ... ... ... هَامِش وَقد حكى الْمَاوَرْدِيّ فِي " الْحَاوِي " وَجْهَيْن، فِيمَن مَاتَ وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة المخيرة، وَلم يوص بإخراجها، وَعدل الْوَارِث عَن أول الْأُمُور إِلَى الْعتْق، هَل يُجزئ؟ قَالَ: وَيُشبه أَن يَكُونَا مخرجين من الْخلاف الْمَذْكُور. إِن قُلْنَا: الْجَمِيع وَاجِب، وَله إِسْقَاط الْوُجُوب بِإِخْرَاج وَاحِد آخر. ون قُلْنَا: أَحدهَا لَا بِعَيْنِه لم يُجزئ؛ لِأَنَّهُ لم يتَعَيَّن فِي الْوُجُوب. " وَأَيْضًا فتأثيم وَاحِد لَا بِعَيْنِه غير مَعْقُول "؛ لِأَنَّهُ لَا يُمكن عِقَاب أحد الشخصين إِلَّا على التَّعْيِين، " بِخِلَاف التأثيم على ترك وَاحِد من الثَّلَاثَة "، لجَوَاز أَن الْعقَاب على أحد الْفِعْلَيْنِ لَا بِعَيْنِه. وَالَّذين ذَهَبُوا إِلَى أَن الْوَاجِب معِين عِنْد الله تَعَالَى. الشَّرْح: " قَالُوا: يجب أَن يعلم الْآمِر الْوَاجِب "؛ لِأَنَّهُ طَالبه، ويستحيل طلب الْمَجْهُول، وَإِذا علمه كَانَ معينا، لتميزه عَن غَيره. " قُلْنَا ": أما وجوب علمه بِمَا أوجبه فَصَحِيح، وَلَكِن إِنَّمَا " يُعلمهُ حسب مَا أوجبه، وَإِذا أوجب " وَاحِدًا " غير معِين، وَجب أَن يُعلمهُ غير معِين "، وَإِلَّا لم يكن عَالما بِمَا أوجبه. وَالْحَاصِل: أَن الْمعِين يُطلق على المشخص، وَلَا يلْزم أَن يعلم الطَّالِب المشخص، وَلَا أَن يُوَجه الطّلب نَحوه، وعَلى الْمَعْلُوم المتميز، فَإِن لَهُ تعينا بِوَجْه مَا، وَهُوَ الْمَوْجُود هُنَا، وَالَّذين قَالُوا: الْوَاجِب هُوَ: مَا يَفْعَله العَبْد. الشَّرْح: " قَالُوا: علم " الله " مَا يفعل " العَبْد، " فَكَانَ " الْمَفْعُول " الْوَاجِب " فِي علمه تَعَالَى، للاتفاق على إثْبَاته بِالْوَاجِبِ إِذا فعل مَا شَاءَ مِنْهُمَا.

فائدة

وَاحِدًا مِنْهَا لَا لخصوصه؛ للْقطع بِأَن الْخلق فِيهِ سَوَاء. هَامِش قُلْنَا: علم الله مَا يَفْعَله العَبْد فَكَانَ مَا يَفْعَله العَبْد هُوَ الْوَاجِب، " لكَونه وَاحِدًا مِنْهَا " - أَي: من الثَّلَاثَة - " لَا بِخُصُوصِهِ " من إطْعَام، أَو كسْوَة، أَو إِعْتَاق، " للْقطع بِأَن الْخلق فِيهِ سَوَاء " من غير تفَاوت، وَأَن الْوَاجِب على زيد هُوَ الْوَاجِب على عَمْرو. (" فَائِدَة ") ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ أَن أَصْحَابنَا قَالُوا: إِذا فعل الْخِصَال، فَالْوَاجِب أَعْلَاهَا؛ لِأَنَّهُ مثاب على جَمِيعهَا، وثواب الْوَاجِب أَكثر من ثَوَاب النّدب، فَانْصَرف الْوَاجِب إِلَى أَعْلَاهَا، ليكْثر ثَوَابه، وَإِن ترك الْجَمِيع عُوقِبَ على أدناها، ليقل وباله ووزره؛ وَلِأَن الْوُجُوب [سقط] بِفعل الْأَدْنَى. انْتهى. وَلَا أعرف هَذَا عَن الْأَصْحَاب، وَلكنه قَول القَاضِي أبي بكر، وَادّعى عبد الْجَلِيل الصَّابُونِي مناقضته فِيهِ. وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَاهُ؛ لما ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ من التَّفْرِقَة. نعم - إِن اتجه مَا قَالَه فِي الْعقَاب فَلَا يتَّجه فِي الثَّوَاب، بل التَّحْقِيق فِيهِ أَنه يُثَاب ثَوَاب الْوَاجِب على مُسَمّى أَحدهَا. وَقَوله: الْوَاجِب أَكثر ثَوابًا صَحِيح، وَلَكِن الْمُتَعَيّن لَيْسَ بِوَاجِب كَمَا عرفت. وَابْن السَّمْعَانِيّ بنى هَذَا على أَصله من أَن الْوَاجِب يتَعَيَّن بِفعل الْمُكَلف، وَيكون مُبْهما قبل الْفِعْل، مُتَعَيّنا بعده بِفِعْلِهِ، فَإِنَّهُ نصير هَذَا، وَنَقله عَن جُمْهُور الْفُقَهَاء. وَجُمْهُور الْفُقَهَاء إِذا حقق مَذْهَبهم لم يكن إِلَّا مَا اخترناه، وَهُوَ رَأْي الْمُتَكَلِّمين من أهل السّنة، وَنقل عَن حذاق الْفُقَهَاء. وَأما هَذَا فَهُوَ الْمَذْهَب الَّذِي عزاهُ المُصَنّف إِلَى بعض الْمُعْتَزلَة. وَمَا أَظن ابْن السَّمْعَانِيّ ذهب إِلَّا إِلَى الْمُخْتَار، وَلَكِن فِي عِبَارَته قُصُور. (" فرع ") قد يَقع التَّخْيِير بَين ضدين ك " قُم " أَو اقعد، أَو خلافين، كَمَا فِي خِصَال الْكَفَّارَة وَجَزَاء الصَّيْد، أَو المثلين مثل: صل رَكْعَتَيْنِ غَدا، أَو بعد غَد.

الواجب الموسع

(الْوَاجِب الموسع) ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... هَامِش وَمثل لَهُ الْمَازرِيّ ب " صل رَكْعَتَيْنِ قبل قدوم زيد بساعة، أَو بعد قدومه بساعة " وَزيد لَا يعلم مَتى يقدم، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا وَإِن تصور، لَا يرد بِهِ الشَّرْع إِلَّا على القَوْل بتكليف مَا لَا يُطَاق. قلت: وَهَذَا صَحِيح، والاستحالة فِيهِ من قبل الْمِثَال، لَا من التَّخْيِير بَين المثلين، وَقد مثلنَا بواضح. ثمَّ مَا وَقع التَّخْيِير فِيهِ قد لَا يُمكن الْجمع بَين الْمُخَير بَينهمَا عقلا وَشرعا كالضدين، وَقد يُمكن عقلا وَشرعا، كَمَا ذكرنَا من الخلافين. وَقد يُمكن عقلا لَا شرعا كالتزويج من الخاطبين.

مسألة

(مَسْأَلَة:) الموسع: الْجُمْهُور: إِن جَمِيع وَقت الظّهْر وَنَحْوه وَقت لأدائه ... ... ... ... هَامِش (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " الموسع " قَالَ " الْجُمْهُور: [إِن] جَمِيع وَقت الظّهْر وَنَحْوه " مِمَّا وَقت بِوَقْت

القَاضِي: الْوَاجِب الْفِعْل أَو الْعَزْم وَيتَعَيَّن آخرا، وَقيل: وقته أَوله، فَإِن أَخّرهُ فقضاء. بعض الْحَنَفِيَّة: آخِره، فَإِن قدمه، فنفل يسْقط الْفَرْض. الْكَرْخِي: إِلَّا أَن يبْقى بِصفة التَّكْلِيف، فَمَا قدمه وَاجِب. هَامِش يفضل عَنهُ، كَسَائِر الصَّلَوَات الْخمس " وَقت لأدائه " فَفِي أَي جُزْء أوقعه مِنْهُ، فقد أوقعه فِي وقته، مَعَ تعلق الْوُجُوب بِأول الْوَقْت وجوبا موسعا يُطلق فِيهِ التَّأْخِير إِلَى وَقت، يعلم أَنه إِن أخر فَاتَ، فَحِينَئِذٍ يضيق عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن شُجَاع المثلجي، وَغَيره من الْحَنَفِيَّة وَجُمْهُور الْمُتَكَلِّمين. ثمَّ قَالَ " القَاضِي " وَجُمْهُور الْمُتَكَلِّمين: " الْوَاجِب " فِي كل جُزْء " الْفِعْل، أَو الْعَزْم " فِيهِ على الْفِعْل فِي ثَانِي الْحَال، " وَيتَعَيَّن " الْفِعْل " آخرا ". " وَقيل: وقته أَوله، فَإِن أَخّرهُ فقضاء ". ثمَّ زَاد بَعضهم: يسد مسد الْأَدَاء - يَعْنِي: وَلَا يَعْصِي بِتَأْخِيرِهِ، وَحمله على ذَلِك نقل القَاضِي أبي بكر، وَمن تَابعه الْإِجْمَاع على أَنه لَا يَأْثَم بِتَأْخِيرِهِ عَن أول الْوَقْت. وَهُوَ نقل مَدْفُوع؛ فَإِن الشَّافِعِي - رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ - نقل فِي " الْأُم " فِي كتاب الْحَج عَن بَعضهم التأثيم - وَهُوَ أثبت - فَيَنْبَغِي الِاقْتِصَار على لَفْظَة الْقَضَاء كَمَا فِي الْكتاب. وَقَالَ " بعض الْحَنَفِيَّة ": وقته " آخِره، فَإِن قدمه فنفل يسْقط الْفَرْض "، كتحصيل الزَّكَاة قبل وُجُوبهَا.

لنا: أَن الْأَمر قيد بِجَمِيعِ الْوَقْت، فالتخيير وَالتَّعْيِين تحكم، وَأَيْضًا، لَو كَانَ معينا، لَكَانَ الْمُصَلِّي فِي غَيره مقدما؛ فَلَا يَصح، أَو قَاضِيا؛ فيعصي، وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع. القَاضِي: ثَبت فِي الْفِعْل والعزم حكم خِصَال الْكَفَّارَة. وَأجِيب ... ... ... ... هَامِش وَقَالَ " الْكَرْخِي ": آخِره " إِلَّا أَن يبْقى بِصفة التَّكْلِيف " إِلَى آخر الْوَقْت " فَمَا قدمه وَاجِب "، وَهُوَ عِنْده مَوْقُوف مرَاعِي. الشَّرْح: " لنا: أَن الْأَمر قيد بِجَمِيعِ الْوَقْت "، وَلَا تعرض فِيهِ للتَّخْيِير بَين الْفِعْل والعزم كَمَا يَقُول القَاضِي، وَلَا بِأول الْوَقْت وَآخره كَقَوْل الآخرين، " فالتخيير وَالتَّعْيِين [تحكم] . وَأَيْضًا: لَو كَانَ الْوَقْت معينا لَكَانَ الْمُصَلِّي فِي غَيره مقدما فَلَا يَصح، أَو " مُؤَخرا " قَاضِيا "؛ لِأَنَّهُ أخرج الْعِبَادَة عَن وَقتهَا " فيعصي، وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع ". وَدَعوى الْإِجْمَاع فِي الْمُؤخر قد عرفت أَنَّهَا لَيست بصحيحة بِنَقْل الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ. الشَّرْح: وَاحْتج " القَاضِي " بِأَنَّهُ " ثَبت فِي الْفِعْل والعزم " قبل آخر الْوَقْت الَّذِي هُوَ وَقت التَّضْيِيق " حكم خِصَال الْكَفَّارَة " من حَيْثُ هُوَ وجوب أَحدهَا لَا بِعَيْنِه، وَذَلِكَ لِأَن الْفِعْل لما جَازَ تَركه فِي أول الْوَقْت، فَلَو لم يجب الْعَزْم بَدَلا لم يكن الْفِعْل وَاجِبا مُطلقًا، لِأَنَّهُ جَازَ تَركه بِلَا بدل، فَيكون الْوَاجِب فِي أول الْوَقْت أَحدهَا. " وَأجِيب: بِأَن الْفَاعِل " للصَّلَاة فِي أول الْوَقْت " ممتثل، لكَونهَا صَلَاة قطعا لأحد الْأَمريْنِ " وَلَا كَذَلِك فِي خِصَال الْكَفَّارَة. وَأما " وجوب الْعَزْم " فَإِنَّهُ لَا يدل على التَّخْيِير؛ لِأَنَّهُ غير مَخْصُوص بالموسع، بل هُوَ جَار

إنما الأعمال بالنيات قلت وهذا ساقط فإن القاضي لم يرد بالعزم النية على الفعل أو على تقدير إرادة النية فلا نسلم أنها واجبة في كل واجب قبل الشروع فيه والذي يوجبه القاضي هنا إنما هو العزم على أن يفعل في ثاني الحال ويسميه

بِأَن الْفَاعِل ممتثل لكَونهَا صَلَاة قطعا لَا لأحد الْأَمريْنِ، وَوُجُوب الْعَزْم فِي كل وَاجِب من أَحْكَام الْإِيمَان. هَامِش " فِي كل وَاجِب من أَحْكَام الْإِيمَان " أَي: كل أَمر ديني يجب الْعَزْم على فعله إِذا كَانَ وَاجِبا، لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ". قلت: وَهَذَا سَاقِط، فَإِن القَاضِي لم يرد بالعزم النِّيَّة على الْفِعْل، أَو على تَقْدِير إِرَادَة النِّيَّة، فَلَا نسلم أَنَّهَا وَاجِبَة فِي كل وَاجِب قبل [الشُّرُوع] فِيهِ، وَالَّذِي يُوجِبهُ القَاضِي هُنَا إِنَّمَا هُوَ الْعَزْم على أَن يفعل فِي ثَانِي الْحَال، ويسميه بَدَلا عَن الْفِعْل فِي أول الْحَال، وَهُوَ غير نِيَّة الْفِعْل الْمُقَارنَة للشروع فِيهِ. وَلَقَد أَطَالَ أَصْحَابنَا فِي الرَّد على القَاضِي فِي إِيجَاب الْبَدَل. والطريقة المحررة عندنَا فِي الرَّد عَلَيْهِ أَن تَقول: إِمَّا أَن يكون الْفِعْل فِي الأول وَاجِبا، أَو لَا،

تأخير الواجب الموسع

الْحَنَفِيَّة: لَو كَانَ وَاجِبا أَولا، عصى بِتَأْخِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ ترك. قُلْنَا: التَّأْخِير والتعجيل فِيهِ كخصال الْكَفَّارَة. (تَأْخِير الْوَاجِب الموسع) (مَسْأَلَة:) من أخر مَعَ ظن الْمَوْت قبل الْفِعْل عصى اتِّفَاقًا، فَإِن لم يمت ثمَّ ... ... ... ... هَامِش إِن لم يكن فَلَا حَاجَة إِلَى الْبَدَل، وَإِن كَانَ فإمَّا أَن يكون كل الْوَاجِب، أَو لَا، إِن كَانَ فيتأدى بِبَدَلِهِ، وَإِلَّا فَيلْزم أَن يكون واجبان، وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ. وَالْقَاضِي فِي " التَّقْرِيب " ذكر مَا حَاصله أَن قَوْلنَا: لَا دَلِيل على الْعَزْم مَمْنُوع، بل دَلِيله أَنه إِذا ثَبت جَوَاز التّرْك مَعَ الْقَضَاء عَلَيْهِ بِالْوُجُوب فَلَا بُد وَأَن يكون تَركه على خلاف ترك النَّفْل ليتميز عَنهُ، فليجب الْعَزْم لذَلِك. وَلقَائِل أَن يَقُول: يَكْفِي فِي تَمْيِيزه عَن النَّفْل أَن إِخْرَاج الْوَقْت عَنهُ يؤثم، وَلَا حَاجَة إِلَى مَا ذكرت. الشَّرْح: واحتجت " الْحَنَفِيَّة " بِأَنَّهُ " لَو كَانَ وَاجِبا أَولا عصى بِتَأْخِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ ترك " الْوَاجِب وَهُوَ الْفِعْل أَولا. " قُلْنَا: التَّأْخِير والتعجيل فِيهِ كخصال الْكَفَّارَة "؛ لأَنا لم نقل: إِنَّه وَاجِب أَولا عينا. وَحَاصِل قَوْلنَا: إِن الْوُجُوب يلاقي الْمُكَلف فِي أول الْوَقْت، لَا أَنه يجب عَلَيْهِ إِيقَاع الْفِعْل أول الْوَقْت، فَلم يلْزم ترك الْوَاجِب. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " من أخر " الموسع " مَعَ ظن الْمَوْت قبل الْفِعْل عصى اتِّفَاقًا "؛ لِأَنَّهُ تضيق عَلَيْهِ

فعله فِي وقته فالجمهور: أَدَاء. وَقَالَ القَاضِي: قَضَاء، فَإِن أَرَادَ وجوب نِيَّة الْقَضَاء فبعيد، هَامِش بظنه " فَإِن " تبين خطأ ظَنّه، " وَلم يمت ثمَّ فعله فِي وقته، فالجمهور " قَالُوا: إِنَّه " أَدَاء "، لَا مفعول فِي وقته الْمُقدر لَهُ شرعا، وَلَا يرْتَفع ذَلِك الْإِثْم، لجرأته، كمن وطئ امْرَأَته يَظُنهَا أَجْنَبِيَّة. وَعَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ: أَن الْإِثْم يَنْتَفِي. وَنَظِيره قَول بعض الْأَشْيَاخ: إِن الرّجْعَة ترفع إِثْم الطَّلَاق فِي الْحيض. " وَقَالَ القَاضِي: قَضَاء "، لِأَنَّهُ تضيق عَلَيْهِ بظنه، وَهُوَ نَظِير مَا قدمْنَاهُ عَن القَاضِي، وَالْحق مَعَ الْجُمْهُور. وَنَظِير الْمَسْأَلَة: الزَّانِي، وَمن وطئ امْرَأَته وَهُوَ يَظُنهَا أَجْنَبِيَّة، وَلَا يشك ذُو نظر صَحِيح؛ أَن إِثْم الزَّانِي أبلغ، وَأَن هَذَا إِنَّمَا يَأْثَم على جرأته. ومثار التَّرَدُّد أَنه هَل ينظر إِلَى مَا فِي نفس الْأَمر أَو الظَّاهِر. وَهِي قَاعِدَة من فروعها: مَا لَو رأى الْعَسْكَر سوادا، وظنوه عدوا، فصلوا صَلَاة الْخَوْف، وَبَان غير عَدو، فَفِي الْقَضَاء قَولَانِ: أظهرهمَا: الْوُجُوب. وَلَو رَأَوْا عدوا فخافوا، ثمَّ بَان أَنه كَانَ بَينهم وَبَينه خَنْدَق، فَالصَّحِيح وجوب الْقَضَاء، وَلَو استناب المعضوب الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ ثمَّ برِئ، فَالْأَصَحّ عدم الْإِجْزَاء، نظرا إِلَى مَا فِي نفس الْأَمر فِي الْكل. " فَإِن أَرَادَ " القَاضِي بِكَوْنِهِ قَضَاء حَقِيقَة الْقَضَاء المصطلح عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ وجوب نِيَّة الْقَضَاء فبعيد، إِذْ هُوَ وَاقع فِي [الْوَقْت] الْمَحْدُود لَهُ. وَلقَائِل أَن يَقُول: إِذا كَانَ ينظر إِلَى فصل الْمُكَلف إِلَى الْوَقْت الْمَحْدُود فِي نفس الْأَمر فَلَا بعد فِيهِ، وَقد علمت مُوَافقَة القَاضِي الْحُسَيْن لَهُ، وَهُوَ من أساطين الْفُقَهَاء. ثمَّ لَا يلْزم من كَونه قَضَاء " وجوب نِيَّة الْقَضَاء "؛ لأَنا لَا نشترط نِيَّة الْقَضَاء فِي الْقَضَاء، وَلَا نِيَّة الْأَدَاء فِي الْأَدَاء، نعم هُوَ فِي نَفسه ضَعِيف ناء عَن صَنِيع السّلف. " وَيلْزمهُ " أَن الْمَرْء " لَو اعْتقد انْقِضَاء الْوَقْت قبل دُخُول الْوَقْت "، وَقد يتَّفق ذَلِك، كمحبوس

وَيلْزمهُ لَو اعْتقد انْقِضَاء الْوَقْت قبل الْوَقْت، فيعصي بِالتَّأْخِيرِ. وَمن أخر مَعَ ظن السَّلامَة، فَمَاتَ فَجْأَة فالتحقيق لَا يَعْصِي بِخِلَاف مَا وقته الْعُمر. هَامِش لَا يعرف أَمر الْأَوْقَات فعصى بِالتَّأْخِيرِ أَي: لم يفعل عِنْد ظَنّه، ثمَّ تبين خطأ ظَنّه، وأوقعها فِي الْوَقْت أَن يكون ذَلِك قَضَاء. هَذَا تَقْرِير كَلَام المُصَنّف، وَبِه يظْهر لَك أَن جَوَاب " لَو " مَحْذُوف، لدلَالَة مَا قبله - وَهُوَ مَا يلْزمه عَلَيْهِ، ففاعل يلْزمه ضمير يعود على الْقَضَاء الْمُتَقَدّم كَمَا قَرَّرْنَاهُ. وَالْمعْنَى: وَيلْزمهُ الْقَضَاء فِي هَذِه الصُّورَة. وَقَوله: " فيعصي بِالتَّأْخِيرِ " مَعْطُوف على اعْتقد، أَصله: لَو اعْتقد فعصى. وَقد توهم الشِّيرَازِيّ أَن لفظ المُصَنّف فيعصي - فعل مضارع - ثمَّ توهم ثَانِيًا أَن ذَلِك جَوَاب " لَو "، ثمَّ اعْتقد ثَالِثا أَن عدم الْعِصْيَان فِي هَذِه الصُّورَة مفروغ مِنْهُ، فَلَمَّا لزم الْقَضَاء ألزم بِهِ، ليتبين فَسَاد قَوْله، فَأخذ ينتصر للْقَاضِي بِأَنَّهُ لَا يلْزم، إِذْ لَا يلْزم من كَون الظَّن مُوجبا للعصيان بِالتَّأْخِيرِ عَن الْوَقْت المظنون فِي الْوَقْت الْمَشْرُوع كَونه مُوجبا بِالتَّأْخِيرِ عَنهُ قبل الْوَقْت الْمَشْرُوع. وَمَا رُوِيَ أَن المُصَنّف وكل أحد يَقُول بالعصيان، وَأَن المفروغ مِنْهُ ثُبُوت الْعِصْيَان لَا انتفاؤه، وَأَن الَّذِي ألزم بِهِ القَاضِي جعل هَذِه الصُّورَة قَضَاء فَقَط، فَإِن الْتَزمهُ فقد بَاء بعظيم، فَإِن أحدا لَا يَقُول بِأَن الْعِبَادَة تقع قبل الْوَقْت أَدَاء وَبعده قَضَاء، وَإِلَّا فقد تحكم؛ إِذْ فِي المكانين ظن بَان خَطؤُهُ وأثم بِتَأْخِير الْعِبَادَة فِيهِ، وَكَون ذَلِك الْوَقْت الْمَشْرُوع لَا هَذَا، لِأَن الْوَقْت عِنْده مَا يَظُنّهُ الْمُكَلف فَحسب. وَهَذَا على تَقْدِير أَن يكون القَاضِي أَرَادَ بِكَوْنِهِ قَضَاء، الْقَضَاء المصطلح عَلَيْهِ الَّذِي دلّ عَلَيْهِ المُصَنّف بِمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من وجوب نِيَّة الْقَضَاء. وَعِنْدِي أَن القَاضِي يلْتَزم كَونه قَضَاء، بل هَذَا قَوْله، وَلَا حَاجَة إِلَى الاستفسار. وَأما نِيَّة الْقَضَاء ففرع عَنهُ، وَلَا يلْزم أَيْضا، لما ذَكرْنَاهُ من عدم اشْتِرَاطهَا فَلَا تصح إرادتها بِلَفْظ الْقَضَاء، وَإِذا كَانَ هَذَا هُوَ مدعى القَاضِي فَلَا يُقَال: إِنَّه يلْزم. وَلَعَلَّ المُصَنّف إِنَّمَا عدل عَن الْقَضَاء إِلَى نِيَّة الْقَضَاء؛ لِئَلَّا يكون قد ألزم بِنَفس الْمُدعى فَأخذ يلْزم بأثر من آثاره، يستبعد الْتِزَامه وَهُوَ النِّيَّة.

صفحة فارغة هَامِش وَسَببه: أَنه ظَنّهَا أثرا من آثَار الْقَضَاء [كَمَا هُوَ مَذْهَب من يشْتَرط تعْيين نِيَّة الْقَضَاء] وَالْأَدَاء، وَحِينَئِذٍ فَإِن كَانَ الْإِلْزَام بِالنِّيَّةِ، وَهُوَ إِمَّا أَن يلْتَزم ذَلِك بِنَاء على هَذَا الْمَذْهَب أَو لَا يلتزمه، وَلَا يلْزمه بِنَاء على عدم الِاشْتِرَاط، وَإِن كَانَ بِكَوْنِهِ قَضَاء، فَهُوَ فِي نفس الدَّعْوَى فَلم يَصح الْإِلْزَام. نعم أَنا أَقُول: يلْزمه إِذْ تضيق عَلَيْهِ الْوَقْت بِالظَّنِّ قبل دُخُوله، وَأخر لعذر، ثمَّ أَن يجوز لَهُ التَّأْخِير وَالْقَضَاء على التَّرَاخِي؛ لِأَن ذَلِك شَأْن الصَّلَاة المتروكة بِعُذْر. فَإِن عَاشَ الْتزم ذَلِك وَقَالَ: يحل لَهُ التَّأْخِير وَالْقَضَاء إِذا دخل الْوَقْت، وَتبين أَنه كَانَ مخطئا فِي ظن دُخُوله، وتضييقه تَأْخِير قَضَائِهِ عَنهُ، وَلَا يعْتَبر بِالْوَقْتِ، لِأَن الْمدَار على الظَّن فَاعْتقد أَن ذَلِك خرق لإِجْمَاع الْأمة، هَذَا تَمام الْكَلَام على هَذَا الشق. وَإِن أَرَادَ القَاضِي غَيره فَلَا بُد من بَيَانه، وَقَالَ فِي " الْمُخْتَصر [الْكَبِير] ": إِن أَرَادَ غَيره لم يكن للْخلاف أثر فِي الْمَعْنى، وَلم يذكر هُنَا هَذَا الشق، إِمَّا لوضوحه، أَو لعود الْخلاف لفظيا. وَقَول الْآمِدِيّ: إِنَّمَا تظهر فَائِدَته فِي نِيَّة الْقَضَاء وَالْأَدَاء بِنَاء مِنْهُ على مَا اعتقده هُوَ وَالْمُصَنّف من أَن كَونه قَضَاء يُوجب نِيَّة الْقَضَاء، ثمَّ يَقُول بِهَذَا التَّقْدِير: إِنَّمَا تظهر الْفَائِدَة إِذا الْتَزمهُ، فَلَا ظُهُور لهَذِهِ الْفَائِدَة، نعم لَو الْتزم القَاضِي مَا ألزمناه نَحن ظَهرت فَائِدَة معنوية للْخلاف، وَهِي حل التَّأْخِير عَن الْوَقْت، لكني أجل مِقْدَاره عَن الْتِزَام ذَلِك، وَالله أعلم. " وَمن أخر مَعَ ظن السَّلامَة فَمَاتَ، فالتحقيق لَا يَعْصِي " فِيمَا لَهُ أمد مَعْلُوم كالصلوات الْخمس " بِخِلَاف مَا وقته الْعُمر " كَالْحَجِّ، فَإِنَّهُ يَعْصِي فِيهِ. وَالْفرق: أَنه بِالْمَوْتِ فِي أثْنَاء وَقت الصَّلَاة لم يخرج وَقت الصَّلَاة، وبالموت فِي أثْنَاء وَقت الْحَج خرج وقته مَعَ القَوْل بِأَن من مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ لَا يقْضى لَهُ إِلَّا على تَأْوِيل - وَهُوَ أَنَّهَا لَو أُقِيمَت [لوقعت على مرتبَة الْوَاجِبَات] . وَأَغْلظ لَهُ ابْن السَّمْعَانِيّ القَوْل فِي الرَّد عَلَيْهِ وَقَالَ: إِن من مَاتَ بَغْتَة غير مفوت للْمَأْمُور؛

مقدمة الواجب

(مُقَدّمَة الْوَاجِب) (مَسْأَلَة:) مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ، وَكَانَ مَقْدُورًا شرطا، وَاجِب ... ... ... ... ... هَامِش لِأَن التَّأْخِير من وَقت إِلَى مثله لَا يعد تفويتا، إِلَّا أَنه صَار فائتا [بِمَعْنى] من قبل الله - تَعَالَى - فَلم يجز أَن يُوصف بالعصيان، وَهُوَ كالمضيق إِذا لم تساعده الْحَيَاة فِي وقته هَذَا حَاصِل كَلَامه، وَهُوَ مَعْرُوف مِمَّا قُلْنَاهُ قَابل للتشكيك. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ " مِمَّا ورد الْأَمر فِيهِ مُطلقًا كَالصَّلَاةِ " وَكَانَ مَقْدُورًا " للمكلف " شرطا " لحُصُول الْمَأْمُور بِهِ كالطهارة للصَّلَاة - " وَاجِب ". وَقَوْلنَا: " مُطلقًا " - احْتِرَاز من الْوُجُوب الْمُقَيد بِشَرْط، كَالزَّكَاةِ، وُجُوبهَا مُتَوَقف على النّصاب، وَالْجُمُعَة، على الْأَرْبَعين، وَلَا يجب تَحْصِيلهَا، " والمقدور " - احْتِرَاز من قدرَة

وَالْأَكْثَر: وَغير شَرط؛ كَتَرْكِ الأضداد فِي الْوَاجِب، وَفعل ضد فِي الْمحرم، وَغسل جُزْء الرَّأْس. وَقيل: لَا، فيهمَا. هَامِش العَبْد على الْفِعْل وداعيته المخلوقين لله تَعَالَى. وَلَا تتمّ الْوَاجِبَات الْمُطلقَة إِلَّا بهَا، وَلَا يجب تحصيلهما، وَلَا يتَوَقَّف الْوُجُوب عَلَيْهِمَا.

صفحة فارغة هَامِش وَقيل: إِن كَانَ سَببا لتَحْصِيل الْوَاجِب كَانَ وَاجِبا، وَإِن كَانَ شرطا فَلَا، وَرُبمَا أوهم إِطْلَاق

صفحة فارغة هَامِش المُصَنّف أَن السَّبَب لَا يجب تَحْصِيله، بِخِلَاف الشَّرْط، وَهَذَا لَا يَقُوله أحد، فَإِن السَّبَب أولى بِالْوُجُوب. وَإِنَّمَا مُرَاده أَنه يجب الشَّرْط الشَّرْعِيّ دون مَا عداهُ الشُّرُوط الْعَقْلِيَّة والعادية، وَهُوَ رَأْي إِمَام الْحَرَمَيْنِ. وَإِنَّمَا أطلق فِي الْكتاب قَوْله: شرطا، وَلم يُقيد بالشرعي؛ لِأَنَّهُ لَا يُسمى الْعقلِيّ والعادية شُرُوطًا كَمَا ظهر من كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ. ومحاولة بعض الشَّارِحين أَن المُصَنّف يخْتَار وجوب الشَّرْط دون السَّبَب إِيقَاع للْمُصَنف فِي خرق الْإِجْمَاع الَّذِي سينقله هُوَ من بعد، وإلزام لَهُ بِمَا لَا [ينتهض] بِهِ تَوْجِيه. وَالْحق عندنَا - وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ الإِمَام وَعَلِيهِ الْأَكْثَر - وُجُوبه مُطلقًا شرطا، وَغير شَرط، مِمَّا يلْزم فعله عقلا " كَتَرْكِ الأضداد فِي الْوَاجِب، وَفعل ضد فِي الْمحرم "، وَعَادَة نَحْو " غسل جُزْء من الرَّأْس " لتحَقّق غسل الْوَجْه كُله.

7 - لنا: لَو لم يجب الشَّرْط، لم يكن شرطا. هَامِش ثمَّ قَالَ أَكْثَرهم: إِن ذَلِك لَيْسَ من صِيغَة اللَّفْظ، بل من دلَالَته، وَهُوَ الصَّحِيح. وَاقْتضى كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ أَن مِنْهُم من يَقُول: بِأَنَّهُ من نفس الصِّيغَة يَقْتَضِي ذَلِك وَهُوَ سَاقِط. " وَقيل: لَا " وجوب " فيهمَا " أَي: فِي الشَّرْط وَغَيره. وَزعم ابْن الْأَنْبَارِي أَنه لَا خلاف فِي وجوب الشَّرْط الشَّرْعِيّ، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلَو تمّ لاتجه للْمُصَنف أَن يَقُول بِوُجُوب الشَّرْط الشَّرْعِيّ دون السَّبَب؛ لِأَن لنا قَائِلا بِأَن السَّبَب لَا يجب. فَإِذا قَامَ الْإِجْمَاع مَعَ ذَلِك على وجوب الشَّرْط كَانَ السَّبَب أولى، بِأَن يُقَال بِوُجُوبِهِ، وَلَكِن ذَلِك مَرْدُود نقلا وَمعنى لَا [تقوم] بِهِ الْحجَّة. الشَّرْح: " لنا " على وجوب الشَّرْط الشَّرْعِيّ أَنه " لَو لم يجب الشَّرْط لم يكن شرطا "، والتالي بَاطِل؛ لِأَنَّهُ خلاف الْفَرْض. وَبَيَان الْمُلَازمَة: أَن الشَّرْط إِذا لم يجب جَازَ تَركه، فَإِذا تَركه، فإمَّا أَن يكون الْفِعْل إِذْ ذَاك مَأْمُورا بِهِ، أَو لَا، والتالي بَاطِل، فَيلْزم أَن يتَقَيَّد الْوُجُوب بِوَقْت وجود الشَّرْط، وَهُوَ خلاف الْفَرْض؛ لِأَن صُورَة الْمَسْأَلَة: إِذا ورد الْأَمر مُطلقًا غير مُتَوَقف بِحَالَة حُصُول المتوقف عَلَيْهِ.

وَفِي غَيره، لَو استلزم الْوَاجِب وُجُوبه، لزم تعقل الْمُوجب لَهُ، وَلم يكن تعلق الْوُجُوب لنَفسِهِ، ولامتنع التَّصْرِيح بِغَيْرِهِ، ولعصى بِتَرْكِهِ، ولصح قَول الكعبي فِي نفي الْمُبَاح، ولوجبت نِيَّته. هَامِش وَالْأول إِمَّا أَن يكون الْفِعْل مُمكن الْحُصُول عِنْد عدم الشَّرْط أَو لَا، والتالي بَاطِل، وَإِلَّا يلْزم تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق، فَيتَحَقَّق الأول، وَهُوَ كَونه غير شَرط. الشَّرْح: " وَفِي " الدّلَالَة على عدم وجوب " غَيره ". قَالَ المُصَنّف: " لَو استلزم الْوَاجِب وُجُوبه لزم تعقل الْمُوجب لَهُ "، وَإِلَّا أدّى إِلَى الْأَمر بِمَا لَا شُعُور لَهُ بِهِ، وَهُوَ قد يغْفل عَنهُ. وَأَيْضًا: " لم يكن تعلق الْوُجُوب " الَّذِي هُوَ الطّلب الْجَازِم بِغَيْر الشَّرْط " لنَفسِهِ ". لَكِن الطّلب الَّذِي هُوَ نِسْبَة بَين الطَّالِب وَالْمَطْلُوب مَا لَا يعقل مِنْهُ غير الْمَطْلُوب فَلَا يسْتَلْزم إِيجَاب شَيْء غَيره. وَأَيْضًا: لَو كَانَ مستلزما وُجُوبه " لامتنع التَّصْرِيح بِغَيْرِهِ "، وَلَا يمْتَنع أَن يَقُول: لَا يجب غسل شَيْء زَائِد على الْوَجْه مثلا. وَأَيْضًا: لَو استلزم " لعصى بِتَرْكِهِ "، وتارك مُقَدّمَة الْوَاجِب إِنَّمَا يَعْصِي بترك الْوَاجِب لَا بترك الْمُقدمَة. " ولصح قَول الكعبي فِي نفي الْمُبَاح "؛ لِأَن فعل الْوَاجِب - وَهُوَ ترك الْحَرَام - لَا يتم إِلَّا بِهِ فَيجب. وَفِي بعض النّسخ - وَلَيْسَ فِي أصل المُصَنّف - " ولوجبت نِيَّته "؛ لِأَنَّهُ عبَادَة، وَلَا تجب إِجْمَاعًا. وَلقَائِل أَن يَقُول: على الأول، لَا نسلم الْغَفْلَة عَنهُ على الْجُمْلَة.

قَالُوا: لَو لم يجب، لصَحَّ دونه، وَلما وَجب التَّوَصُّل إِلَى ... ... ... ... ... ... هَامِش سلمنَا، وَلَكِن لم قُلْتُمْ بامتناع الْغَفْلَة عَنهُ: إِنَّمَا يمْتَنع الْغَفْلَة عَمَّا يجب بِالذَّاتِ؟ أما مَا يكون مُقَدّمَة للْوَاجِب فقد يغْفل عَنهُ، ثمَّ يجب تبعا. وعَلى الثَّانِي: أَن مَا ذكره جَار فِي الشَّرْط الشَّرْعِيّ، فَلم أوجبه. وَالتَّحْقِيق: أَن إِجَابَة الْمُقدمَة لَيْسَ بِذَاتِهِ، بل بِالدّلَالَةِ والاستلزام، كَمَا نَقَلْنَاهُ عَن الْأَكْثَر. وعَلى الثَّالِث: أَنه مُلْتَزم إِن أُرِيد وجوب الْوَسَائِل، وَغير لَازم إِن أُرِيد وجوب الْمَقَاصِد. وعَلى الرَّابِع: أَنه مُلْتَزم أَيْضا. وعَلى الْخَامِس: أَن قَول الكعبي بِهَذَا الطَّرِيق، هُوَ الْمُخْتَار على مَا حقق فِي مَكَانَهُ. وعَلى السَّادِس: أَنه غير لَازم، وَإِنَّمَا تجب نِيَّة الْعِبَادَة الْمَقْصُودَة بِنَفسِهَا. وَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي قيام الْإِجْمَاع على أَن الصَّائِم يخص النِّيَّة بالإمساك الْوَاقِع فِي النَّهَار، وَلَا يجب عَلَيْهِ أَن يبسط النِّيَّة على مَا وَرَاءه، وَإِن قيل: بِوُجُوب الْإِمْسَاك فِيهِ. الشَّرْح: وأصحابنا " قَالُوا: لَو لم يجب " مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ مُطلقًا " لصَحَّ " الْوَاجِب " دونه "، لِأَنَّهُ آتٍ - وَالْحَالة هَذِه - بِكُل مَا وَجب عَلَيْهِ، وَالْفَرْض أَن الْوَاجِب مُمْتَنع إِلَّا بِهِ. وَأَيْضًا: لَو لم يجب " لما وَجب التَّوَصُّل إِلَى الْوَاجِب، والتوصل " إِلَى الْوَاجِب " وَاجِب بِالْإِجْمَاع ". " وَأجِيب إِن أُرِيد بِلَا يَصح " دونه، وَبِأَن التَّوَصُّل إِلَى الْوَاجِب " وَاجِب "، أَنه " لَا بُد مِنْهُ فَمُسلم "، وَلَيْسَ مَحل النزاع، " وَإِن أُرِيد " أَنه " مَأْمُور بِهِ " شرعا، " فَأَيْنَ دَلِيله "؟ وَمَا ذكر من الْإِجْمَاع مَمْنُوع قِيَامه، " وَإِن سلم الْإِجْمَاع فَفِي الْأَسْبَاب " دون الشُّرُوط الْعَقْلِيَّة والعادية، وَهِي فِي الْأَسْبَاب " بِدَلِيل خارجي "، لَا من جِهَة كَونه وَسِيلَة، فَلَا يدل على إِيجَاب الْوَسِيلَة مُطلقًا. وَهَذَا يعرفك أَن المُصَنّف يخْتَار وجوب السَّبَب، بل يسلم قيام الْإِجْمَاع عَلَيْهِ.

فروع

الْوَاجِب، والتوصل وَاجِب بِالْإِجْمَاع. وَأجِيب إِن أُرِيد ب " لَا يَصح وواجب ": لَا بُد مِنْهُ، هَامِش (" فروع ") إِذا ترك وَاحِدَة من الْخمس، وَجَهل عينهَا، وَجب الْخمس. وَالأَصَح: إِيجَاب تيَمّم وَاحِد، لَا خمس تيممات؛ لِأَن الْأَرْبَع - من حَيْثُ إِنَّهَا لم ترد لنَفسهَا - منحطة عَن مَرَاتِب الْفَرَائِض. وَإِذا قَالَ: إِحْدَاكُمَا طَالِق، حيل بَينه وَبَينهمَا إِلَى أَن يعين، خلافًا لأبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة. وَفِي الزَّائِد على مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم من الْمسْح، وَقدر قيمَة الشَّاة من الْبَعِير الْمخْرج عَن الشَّاة الْوَاجِبَة فِي الزَّكَاة، وَمن الْبَدنَة الَّتِي يذبحها الْمُتَمَتّع بَدَلا عَن الشَّاة، وَحلق جَمِيع الرَّأْس، وَتَطْوِيل أَرْكَان الصَّلَاة زِيَادَة على مَا يجوز الِاقْتِصَار عَلَيْهِ، والبدنة المضحى بهَا بَدَلا عَن الشَّاة المقدورة، هَل يُوصف بِالْوُجُوب؟ خلاف، رجح الإِمَام الرَّازِيّ أَنه لَا يُوصف. وَهل يخْتَص الْخلاف فِي مسح الرَّأْس مثلا، بِمَا إِذا وَقع دفْعَة وَاحِدَة، أم

فَمُسلم، وَإِن أُرِيد: مَأْمُور بِهِ، فَأَيْنَ دَلِيله، وَإِن سلم الْإِجْمَاع، فَفِي الْأَسْبَاب بِدَلِيل خارجي. هَامِش صفحة فارغة

تحريم واحد لا بعينه

(تَحْرِيم وَاحِد لَا بِعَيْنِه) (مَسْأَلَة:) يجوز أَن يحرم وَاحِد لَا بِعَيْنِه، خلافًا للمعتزلة، وَهِي كالمخير. هَامِش يُجزئ وَإِن وَقع مُرَتبا؟ فِيهِ وَجْهَان. وَفَائِدَة الْخلاف تظهر فِي الثَّوَاب، فَإِن ثَوَاب الْفَرِيضَة أَكثر من ثَوَاب النَّافِلَة، وَفِيمَا إِذا عجل الْبَعِير عَن شَاة، وَاقْتضى الْحَال الرُّجُوع بِجَمِيعِهِ أَو بسبعه. فِيهِ وَجْهَان فِي " شرح الْمُهَذّب " وَغير ذَلِك. وَمن مُقَدّمَة الْوَاجِب مُؤنَة الْكَيْل الَّذِي يفْتَقر إِلَيْهِ الْقَبْض، وَهُوَ على البَائِع كمؤنة إِحْضَار الْمَبِيع الْغَائِب، وَمؤنَة وزن الثّمن على المُشْتَرِي، وَفِي أُجْرَة نقد الثّمن وَجْهَان. وَإِذا خَفِي عَلَيْهِ مَوضِع النَّجَاسَة من الثَّوْب أَو الْبدن غسله كُله. وَإِذا اكترى دَابَّة للرُّكُوب أطلق الْأَكْثَرُونَ أَن على الْمُكْتَرِي الإكاف والبردعة والحزام وَمَا ناسب ذَلِك، لِأَنَّهُ لَا يتَمَكَّن من الرّكُوب دونهَا. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " يجوز أَن يحرم وَاحِدًا لَا بِعَيْنِه " - أَي: مُبْهَم من أَشْيَاء - فقد يرد التَّخْيِير بَين

صفحة فارغة هَامِش ضدين لَا ثَالِث لَهما. وَالْمعْنَى ملاءمة الْمُكَلف أحد الضدين الَّذِي اخْتَار وآثره على نقيضيه، مثل: أَنهَاك عَن الْحَرَكَة، أَو السّكُون، أَحْبَبْت أَيهمَا شِئْت، وَلَا تَأْكُل اللَّبن أَو السّمك، فقد منعتك عَن أَحدهمَا مُبْهما، لَا عَن كليهمَا جَمِيعًا، وَلَا عَن أَحدهمَا معينا، " خلافًا للمعتزلة "؛ إِذْ منعُوا ذَلِك. " وَهِي كالمخير " خلافًا وحجاجا. وفيهَا زِيَادَة، وَهِي دَعْوَى بعض الْمُخَالفين، كَمَا نقل الْمَازرِيّ أَن اللُّغَة لم ترد بذلك قَالَ: أَلا ترى أَن قَوْله سُبْحَانَهُ: {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} [سُورَة الْإِنْسَان: الْآيَة 24] مَحْمُول على أَنه نهى عَن طاعتهما. قَالَ الْمَازرِيّ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء، قَالَ: وَلَوْلَا الْإِجْمَاع على أَن المُرَاد فِي الشَّرْع النَّهْي عَن طَاعَة الْجَمِيع لم تحمل الْآيَة على ذَلِك. فَاعْلَم أَن الْقَرَافِيّ فرق بَين الْأَمر الْمُخَير، وَالنَّهْي الْمُخَير؛ بِأَن الْأَمر يتَعَلَّق بِمَفْهُوم أَحدهَا، والخصوصيات بتعلق التَّخْيِير، وَلَا يلْزم من إِيجَاب الْمُشْتَرك إِيجَاب الخصوصيات كَمَا مضى. وَأما النَّهْي فَإِنَّهُ إِذا تعلق بالمشترك لزم مِنْهُ تَحْرِيم الخصوصيات؛ لِأَنَّهُ لَو دخل مِنْهُ فَرد إِلَى الْوُجُود لدخل فِي ضمنه الْمُشْتَرك الْمحرم وَوَقع الْمَحْذُور، كَمَا إِذا حرم الْخِنْزِير، يلْزم تَحْرِيم السمين مِنْهُ والهزيل والطويل والقصير. وَتَحْرِيم الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ، وَنَحْوه، إِنَّمَا لَاقَى الْمَجْمُوع عينا لَا الْمُشْتَرك بَين الْأَفْرَاد،

مسألة

(مَسْأَلَة:) يَسْتَحِيل كَون الشَّيْء وَاجِبا حَرَامًا من جِهَة وَاحِدَة إِلَّا عِنْد بعض من يجوز تَكْلِيف الْمحَال. وَأما الشَّيْء الْوَاحِد، لَهُ جهتان؛ كَالصَّلَاةِ فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة، هَامِش فالمطلوب فِيهِ أَلا يدْخل مَاهِيَّة الْمَجْمُوع فِي الْوُجُود، والماهية تنعدم بانعدام جُزْء مِنْهَا، فَأَي أُخْت تَركهَا خرج عَن عُهْدَة الْمَجْمُوع، فَلَيْسَ كالأمر. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " يَسْتَحِيل كَون الشَّيْء وَاجِبا حَرَامًا من جِهَة وَاحِدَة "، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُكَلف بِهِ " إِلَّا عِنْد بعض من يجوز تَكْلِيف الْمحَال "، أَي: التَّكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق. وَعند الآخرين يمْتَنع، لما فِيهِ من التَّنَاقُض. " وَأما الشَّيْء الْوَاحِد " الَّذِي " لَهُ جهتان " غير [متلازمتين] ، فَإِنَّهُ يجوز توارد الْأَمر وَالنَّهْي، بِاعْتِبَار جهتيه " كَالصَّلَاةِ فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة "، مَأْمُور بهَا من حَيْثُ إِنَّهَا صَلَاة، مَنْهِيّ عَنْهَا من حَيْثُ إِنَّهَا شغل ملك الْغَيْر عُدْوانًا، فقد اخْتلفُوا فِيهِ. " فالجمهور " قَالُوا: " يَصح ". " وَالْقَاضِي " قَالَ: " لَا يَصح، وَيسْقط الطّلب عِنْدهَا ". قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: وَهُوَ هذيان. وَقَالَ " أَحْمد وَأكْثر الْمُتَكَلِّمين: لَا يَصح، وَلَا يسْقط ". وَذكر بعض أَصْحَابنَا للمسألة أصلا، وَهُوَ أَن الْأَمر الْمُطلق لَا [يتَنَاوَل] الْمَكْرُوه عندنَا، وَإِن لم يكن محرما. وَقَالَ الْحَنَفِيَّة: يتَنَاوَلهُ. وَاحْتج أَصْحَابنَا بِأَن الْمَكْرُوه مَطْلُوب التّرْك، فَكيف ينْدَرج تَحت الْأَمر الَّذِي هُوَ طلب الْفِعْل، [وَالْجمع بَين طلب الْفِعْل] وَالتّرْك فِي فعل وَاحِد من وَجه وَاحِد يتناقض، ثمَّ إِذا لم

صفحة فارغة هَامِش يدْخل الْمُبَاح تَحت قَضِيَّة الْأَمر، فَكيف يدْخل الْمَمْنُوع، وَإِذا تحقق ذَلِك وَجب أَن يكون الْمَأْمُور بِفعل إِذا فعله على وَجه كره الشَّرْع إِيقَاعه عَلَيْهِ لَا يكون ممتثلا، وينعطف من كراهيته الْإِيقَاع على هَذَا الْوَجْه، فَيدل على الْأَمر الْمُطلق. قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: وَهَذِه الْمَسْأَلَة مثلهَا الْأَئِمَّة بالترتيب فِي الْوضُوء، فَمن يرَاهُ يَقُول: المنكس مَكْرُوه، فَلَا يدْخل تَحت مُقْتَضى الْأَمر. وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: تظهر فَائِدَة الْخلاف فِي قَوْله تَعَالَى: {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} [سُورَة الْحَج: الْآيَة 29] . فعندنا: هَذَا لَا يتَنَاوَل الطّواف بِغَيْر طَهَارَة، وَلَا المنكس، وَعِنْدهم يتَنَاوَلهُ فَإِنَّهُم وَإِن اعتقدوا كَرَاهَته ذَهَبُوا إِلَى أَنه دخل فِي الْأَمر وأجزأ. قلت: وَفَائِدَة هَذَا أَن من يَدعِي دُخُول الْمَكْرُوه تَحت الْأَمر يسْتَدلّ بِالْأَمر عَلَيْهِ، وَلَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل من خَارج، بِخِلَاف من يُنكره، فالشافعي مثلا، يُطَالب الْحَنَفِيّ بِالدَّلِيلِ على إِجْزَاء المنكس فِي الْوضُوء وَالطّواف. فَإِن قَالَ: الِاسْم صَادِق عَلَيْهِ، فَدخل تَحت عُمُوم الْأَمر، مَنعه، وَقَالَ: إِنَّمَا يدْخل تَحت عُمُوم الْأَمر، مَا يكون مَطْلُوبا، وَهَذَا مَكْرُوه بالِاتِّفَاقِ، وَسَوَاء كَانَ مجزئا كَمَا يَقُولُونَ، أم لَا. قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ: وَهَذَا الْمِثَال - يَعْنِي الطّواف - إِنَّمَا يتَصَوَّر على أصلهم. وَأما عندنَا فَلَيْسَ هُوَ بِطواف أصلا. قلت: هَذَا يَنْبَنِي على أَن الْعِبَادَات الشَّرْعِيَّة، هَل هِيَ مَوْضُوعَة للصحيح فَقَط، أَو لما هُوَ أَعم من الصَّحِيح وَالْفَاسِد؟ وسنتكلم على ذَلِك فِي بَاب النواهي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

فالجمهور: تصح، وَالْقَاضِي: لَا تصح، وَيسْقط الطّلب عِنْدهَا. وَأحمد وَأكْثر هَامِش قلت: وَتظهر فَائِدَة الْخلاف أَيْضا فِي الصَّلَاة فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة، إِذا قُلْنَا: إِنَّهَا مَكْرُوهَة كَرَاهَة تَنْزِيه - وَفِي صِحَّتهَا - تَفْرِيعا على هَذَا - وَجْهَان.

الْمُتَكَلِّمين: لَا تصح، وَلَا يسْقط. هَامِش وَالْقَوْل بِعَدَمِ صِحَّتهَا يتَخَرَّج على أَن الْمَكْرُوه لَا يدْخل تَحت مُطلق الْأَمر.

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

صفحة فارغة هَامِش صفحة فارغة

صفحة فارغة هَامِش ولإمام الْحَرَمَيْنِ احْتِمَال فِي إِعَادَة صَلَاة الْجِنَازَة، أَنَّهَا لَا تصح؛ لِأَن إِعَادَتهَا لَا تسْتَحب وَفِي وَجه: تكره. وَاعْلَم أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ أنكر كَون الْمَكْرُوه لَا يَقع مجزئا مَعَ مُوَافَقَته على أَن الْأَمر لَا يتَنَاوَل الْمَكْرُوه وَقَالَ: إِن من يتتبع قَوَاعِد الشَّرِيعَة ألفى من الْمَكْرُوه المجزئ أَمْثِلَة تفوت الْحصْر. وَحَاصِل كَلَامه آيل إِلَى مَا تقرر فِي الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة، وَأَن النَّهْي إِذا لم يرجع إِلَى عين الْفِعْل الْمَأْمُور بِهِ لم يمْتَنع الْإِجْزَاء من هَذِه الْجِهَة. كَذَا فهمه الْمَازرِيّ عَنهُ، وَاعْتَرضهُ بِأَن الْأَمْثِلَة الْمشَار إِلَيْهَا وَإِن تكاثرت إِنَّمَا ترد لَو عممنا القَوْل، وَقُلْنَا: لَا نعتد بمكروه أصلا، [وَنحن إِنَّمَا نقُول: الأَصْل أَن الْأَمر لَا يتَنَاوَل الْمَكْرُوه] ، وَإِذا لم يتَنَاوَلهُ بقيت الْمُطَالبَة بِمُوجب الْأَمر الأول فَلَا يرد عَلَيْهِ. وَلم يفهم عَنهُ ابْن الْأَنْبَارِي رد القَوْل فِي ذَلِك إِلَى نَظِيره من الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة

لنا الْقطع بِطَاعَة العَبْد وعصيانه، بأَمْره بالخياطة، وَنَهْيه عَن مَكَان ... ... ... ... هَامِش وَقَالَ: لَيْسَ الْأَمر على مَا قَالَه، بل يَسْتَحِيل كَون الْمَكْرُوه طَاعَة على حَال، فَكيف يَصح اجْتِمَاع الْحكمَيْنِ وهما متضادان؟ . نعم: إِن تعدّدت الْوُجُوه أمكن ذَلِك كَمَا فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة. قلت: وَهُوَ حق إِلَّا أَن الإِمَام رد الْمَسْأَلَة إِلَى مآخذ الْكَلَام فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة، فَلذَلِك فهم عَنهُ الْمَازرِيّ ذَلِك، وَلَو لم يكن كَذَلِك لم يتَّجه كَلَامه أَلْبَتَّة. وَأَنا أَقُول فِي رد [هَذَا] القَوْل إِلَى مَأْخَذ الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة نظر، وَإِن ذكر الإِمَام وَابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيرهمَا، وَذَلِكَ لتحَقّق جِهَتَيْنِ فِيهَا، بِخِلَاف مَا نَحن فِيهِ، فَإِن الْوضُوء المنكس مثلا - مَكْرُوه، من حَيْثُ إِنَّه تنكيس وضوء، فَهُوَ كَصَوْم يَوْم النَّحْر سَوَاء، وَلَا كَذَلِك الصَّلَاة، فَإِنَّهَا لَيست حَرَامًا من حَيْثُ إِنَّهَا صَلَاة، بل من حَيْثُ إِنَّهَا شغل فَافْهَم ذَلِك. وَقد أغْلظ الإِمَام القَوْل على أَئِمَّتنَا، وَقَالَ: الِاسْتِدْلَال على وجوب التَّرْتِيب فِي الْوضُوء، بِأَن المنكس مَكْرُوه، وَالْمَكْرُوه لَا يتَنَاوَلهُ الْأَمر فَتبين أَن الْأَمر بِالطَّهَارَةِ لم [يمتثل] فَيُطَالب الْمُكَلف بِهِ، وَذكر أَن مغزى هَذَا إِثْبَات وجوب الشَّيْء من حَيْثُ يثبت الْخصم كَرَاهَته، [وَهُوَ من فن الْعَبَث - أَي لَيْسَ فِي دَعْوَى الْخصم كَرَاهَة] المنكس، مَا ينتهض حجَّة لنا فِي وجوب التَّرْتِيب. وَهَذَا صَحِيح لَو أَن أَئِمَّتنَا يستندون فِي وجوب التَّرْتِيب إِلَى هَذَا، وَإِنَّمَا [لم] يذكر أَئِمَّتنَا هَذَا الطَّرِيق على وَجه الْإِلْزَام والإفحام، كَمَا يَقُول المناظر. قلت: كَذَا وَكَذَا، فَيلْزم عَلَيْك كَذَا وَكَذَا، وَهَذَا اللَّازِم لَا يتَوَجَّه إِلَّا على أُصَلِّي فَدلَّ على [أَنه] الصَّحِيح. إِذا عرفت هَذَا فلنعد إِلَى الْكَلَام فِي تعلق الْأَمر وَالنَّهْي بالشَّيْء الْوَاحِد من جِهَتَيْنِ فَنَقُول: الشَّرْح: " لنا: الْقطع بِطَاعَة العَبْد وعصيانه بأَمْره بالخياطة وَنَهْيه عَن مَكَان مَخْصُوص "، كَمَا إِذا قَالَ: خطّ هَذَا الثَّوْب وَلَا تدخل الدَّار، فَإِنَّهُ إِذا خاط الثَّوْب فِي الدَّار [كَانَ] ممتثلا من

مَخْصُوص؛ للجهتين، وَأَيْضًا، لَو لم تصح، لَكَانَ لِاتِّحَاد المتعلقين؛ إِذْ لَا مَانع سواهُ اتِّفَاقًا، وَلَا اتِّحَاد؛ لِأَن الْأَمر للصَّلَاة، وَالنَّهْي للغصب. وَاخْتِيَار الْمُكَلف جَمعهمَا لَا يخرجهما عَن حقيقتهما. وَاسْتدلَّ: لَو لم تصح، لما ثَبت صَلَاة مَكْرُوهَة، وَلَا صِيَام مَكْرُوه؛ لتضاد الْأَحْكَام. وَأجِيب بِأَنَّهُ إِن اتَّحد الْكَوْن، منع، وَإِلَّا لم يفْسد؛ لرجوع النَّهْي إِلَى وصف منفك. هَامِش الْخياطَة عَاصِيا من حَيْثُ الدُّخُول، وَإِنَّمَا حصل التغاير بَينهمَا " للجهتين. وَأَيْضًا لَو لم يَصح لَكَانَ لِاتِّحَاد المتعلقين "، أَي: لِأَن مُتَعَلق الْوُجُوب وَالْحُرْمَة وَاحِد؛ " إِذْ لَا مَانع سواهُ اتِّفَاقًا "، وَاللَّازِم بَاطِل، إِذْ " لَا اتِّحَاد " للمتعلقين؛ " لِأَن الْأَمر للصَّلَاة وَالنَّهْي للغصب، وَاخْتِيَار الْمُكَلف جَمعهمَا لَا [يخرجهما] عَن حقيقتيهما " اللَّتَيْنِ هما مُتَعَلقا الْأَمر وَالنَّهْي، وَإِذا لم يكن مُتَعَلق الْأَمر وَالنَّهْي وَاحِدًا، صَحَّ تعلقه بِهِ، وَأَيْضًا قد وَافق المخالفون على صِحَة صَوْم الشَّيْخ وَالْمَرِيض اللَّذين يستضران بِالصَّوْمِ، مَعَ أَنه مَنْهِيّ. الشَّرْح: " وَاسْتدلَّ لَو لم يَصح " اجْتِمَاع الْأَمر وَالنَّهْي بِاعْتِبَار جِهَتَيْنِ " لما [ثبتَتْ] صَلَاة مَكْرُوهَة، وَلَا صِيَام مَكْرُوه، لتضاد الْأَحْكَام " الْخَمْسَة، فالوجوب كَمَا يضاد التَّحْرِيم يضاد الْكَرَاهَة، فَلَو لم يثبت مَعَ التَّحْرِيم لما ثَبت مَعَ الْكَرَاهَة، إِذْ لَا مَانع إِلَّا التضاد، وَاللَّازِم بَاطِل؛ بِدَلِيل كَرَاهِيَة مَا لَا ينْحَصر من صَلَاة وَصَوْم. " وَأجِيب " عَن هَذَا الِاسْتِدْلَال " بِأَنَّهُ إِن اتَّحد الْكَوْن " أَي: الْحُصُول فِي الحيز وَاحِد فِي الصَّلَاة، وَهُوَ مَأْمُور بِهِ، وَفِي الْغَصْب مَنْهِيّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْغَصْب فاتحد المتعلقان، فمنعت الصِّحَّة، فَإِن كَانَ الصَّوْم وَالصَّلَاة المكروهين كَذَلِك " منع " كَونهمَا صَحِيحَيْنِ، " وَإِلَّا لم يفْسد "؛ إِذْ لَا يلْزم من الصِّحَّة الْوَاقِعَة فِي الْمنْهِي " لرجوع النَّهْي إِلَى وصف منفك " لَا يتحد فِيهِ الْمُتَعَلّق الصِّحَّة حَيْثُ يرجع إِلَى الْكَوْن الَّذِي هُوَ ذاتي مُتحد الْمُتَعَلّق. وَلقَائِل أَن يَقُول: النَّهْي فِي الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة رَاجع أَيْضا إِلَى وصف منفك، وَلَا يظْهر فرق بَينهمَا وَبَين الصَّلَاة الْمَكْرُوهَة.

وَاسْتدلَّ: لَو لم تصح، لما سقط التَّكْلِيف. قَالَ القَاضِي: وَقد سقط بِالْإِجْمَاع؛ لأَنهم لم يأمروهم بِقَضَاء الصَّلَوَات، ورد بِمَنْع الْإِجْمَاع مَعَ مُخَالفَة أَحْمد، وَهُوَ أقعد بِمَعْرِِفَة الْإِجْمَاع. قَالَ القَاضِي والمتكلمون: لَو صحت، لاتحد المتعلقان؛ لِأَن الْكَوْن وَاحِد، وَهُوَ غصب. وَأجِيب بِاعْتِبَار الْجِهَتَيْنِ كَمَا سبق. هَامِش الشَّرْح: " وَاسْتدلَّ لَو لم يَصح لما سقط التَّكْلِيف " بهَا. " قَالَ القَاضِي: وَقد سقط بِالْإِجْمَاع؛ لأَنهم " أَي: الماضين " لم يأمروهم "، أَي: الْمُصَلِّين فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة " بِقَضَاء الصَّلَوَات ". وَالْقَاضِي هُوَ المحتج بِهَذَا الدَّلِيل، وَلَكِن على السُّقُوط لَا على الصِّحَّة، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الْمَسْأَلَة من القطعيات، لحُصُول الْإِجْمَاع، وَذَلِكَ أَن تقلبهم فِي الْبِلَاد، وتحركهم فِي الْأَسْفَار لَا يسلم مَعَه فِي مُسْتَقر الْعَادَات من الصَّلَاة فِي مَكَان مَغْصُوب، وَلَو كَانَت تُعَاد لنقل عَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، وَلَو نقل عَنْهُم لما خَفِي. وَقد زَاد النَّوَوِيّ فِي " بَاب الْآنِية " من " شرح الْمُهَذّب " فَذكر: أَن أَصْحَابنَا يدعونَ الْإِجْمَاع على الصِّحَّة قبل مُخَالفَة أَحْمد. وَهَذَا لَو تمّ دفع مَذْهَب القَاضِي؛ إِذْ هُوَ مُوَافق على عدم الصِّحَّة. " ورد " هَذَا الْوَجْه " بِمَنْع الْإِجْمَاع "؛ إِذْ كَيفَ يَصح ادعاؤه " مَعَ مُخَالفَة أَحْمد وَهُوَ أقعد بِمَعْرِِفَة الْإِجْمَاع "، فَلَو سبقه إِجْمَاع لَكَانَ أَجْدَر من القَاضِي بمعرفته ثمَّ لم يخرقه. وَمِمَّنْ منع الْإِجْمَاع إِمَام الْحَرَمَيْنِ، وَابْن السَّمْعَانِيّ، وَغَيرهمَا من الْأَئِمَّة وَهُوَ الْحق. وَمَا ذكره القَاضِي من عدم انفكاك عصر الْمَاضِي عَن الصَّلَاة فِي مَكَان مَغْصُوب مَرْدُود عندنَا؛ فَإِن الظَّاهِر من حَال الصَّحَابَة أَن هَذَا لم يتَّفق فِي عصرهم، وَلَو فرض وُقُوعه من وَاحِد من الأتباع لأمكن أَن يخفى عَنْهُم، وعَلى تَقْدِير اطلاعهم فغايته إِجْمَاع سكوتي، وَالْقَاضِي لَا يرَاهُ حجَّة. الشَّرْح: " قَالَ القَاضِي ": " لَو صحت لاتحد المتعلقان " مُتَعَلقا الْأَمر وَالنَّهْي؛ " لِأَن الْكَوْن "

قَالُوا: لَو صحت، لصَحَّ صَوْم يَوْم النَّحْر بالجهتين. وَأجِيب بِأَن صَوْم يَوْم النَّحْر غير منفك عَن الصَّوْم بِوَجْه، فَلَا تتَحَقَّق جهتان، أَو بِأَن نهي التَّحْرِيم لَا يعْتَبر فِيهِ تعدد إِلَّا بِدَلِيل خَاص فِيهِ. وَأما من توَسط أَرضًا مَغْصُوبَة، فحظ الأصولي فِيهِ بَيَان اسْتِحَالَة تعلق الْأَمر وَالنَّهْي هَامِش جُزْء الْحَرَكَة والسكون، وهما جُزْءا الصَّلَاة، فَيكون الْكَوْن جُزْءا للصَّلَاة، وَهُوَ " وَاحِد " فَيكون مَأْمُورا بِهِ، ثمَّ هُوَ بِعَيْنِه مَنْهِيّ [عَنهُ] ؛ لِأَنَّهُ كَون فِي الْمَغْصُوب " وَهُوَ غصب. وَأجِيب " بِالْمَنْعِ من اتِّحَاد الْكَوْن اتحادا شخصيا، للْقطع " بِاعْتِبَار الْجِهَتَيْنِ " فيكونان متغايرين " بِمَا سبق " تَقْدِيره. الشَّرْح: " قَالُوا: لَو صحت لصَحَّ يَوْم النَّحْر بالجهتين "، كَونه صوما وواقعا يَوْم النَّحْر. " وَأجِيب ": بِمَنْع اخْتِلَاف الْجِهَة، " بِأَن صَوْم يَوْم النَّحْر غير منفك عَن الصَّوْم بِوَجْه "، لاستلزام الْمُقَيد الْمُطلق " وَلَا يتَحَقَّق " فِيهِ " جهتان " تنفك إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى، بِخِلَاف الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة. " أَو بِأَن نهي التَّحْرِيم لَا يعْتَبر فِيهِ تعدد إِلَّا بِدَلِيل خَاص فِيهِ "؛ لِأَنَّهُ ظَاهر فِي الْبطلَان منصرف إِلَى الذَّات غَالِبا، بِخِلَاف نهي الْكَرَاهَة فَإِنَّهُ ينْصَرف فِي الْوَصْف غَالِبا، وَهَذَا ضَعِيف وَالْأول هُوَ الْمُعْتَمد. الشَّرْح: " وَأما " مَا لَا يُمكن الانفكاك فِيهِ مثل: " من توَسط أَرضًا مَغْصُوبَة، فحظ الأصولي [فِيهِ] بَيَان اسْتِحَالَة الْأَمر وَالنَّهْي مَعًا بِالْخرُوجِ " مِنْهَا، فَإِنَّهُ تَكْلِيف بالمحال فَيتَعَلَّق التَّكْلِيف بِوَاحِد مِنْهَا يُعينهُ الْفَقِيه. والفقيه يَقُول: يُؤمر بِالْخرُوجِ، كَمَا يُؤمر المولج فِي الْفرج الْحَرَام بالنزع، وَإِن كَانَ بِهِ مماسا لِلْفَرجِ الْحَرَام، وَلَكِن يُقَال: انْزعْ على قصد التَّوْبَة، لَا على قصد الالتذاذ، فَكَذَلِك الْخُرُوج من الْغَصْب فَإِن أَهْون الضررين يصير وَاجِبا بِالْإِضَافَة إِلَى أعظمهما.

مَعًا بِالْخرُوجِ وَخطأ أبي هَاشم، وَإِذا تعين الْخُرُوج لِلْأَمْرِ، قطع بِنَفْي الْمعْصِيَة بِهِ هَامِش وَمن حَظّ الْأُصُولِيِّينَ أَيْضا بَيَان " خطأ أبي هَاشم "، حَيْثُ يَقُول: بِأَنَّهُ مَنْهِيّ عَن خُرُوجه؛ لِأَنَّهُ متصرف فِي ملك الْغَيْر بِغَيْر إِذْنه، وَذَلِكَ قَبِيح لعَينه، ومأمور بِهِ؛ لِأَنَّهُ انْفِصَال عَن الْمكْث. وَهَذَا الشَّيْخ بنى كَلَامه على أَصله الْفَاسِد فِي الْحسن والقبح فأخل بِأَصْلِهِ الْفَاسِد من منع التَّكْلِيف بالمحال، إِذْ حرم عَلَيْهِ الشَّيْء وضده. " وَإِذا تعين الْخُرُوج لِلْأَمْرِ قطع بِنَفْي الْمعْصِيَة بِهِ " إِذا وَقع الْخُرُوج " بِشَرْطِهِ " من السرعة على مبلغ الْجهد، وَاجْتنَاب التَّقْصِير، وَالتَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر لَيْسَ حَرَامًا لعَينه، بل بنهي الشَّارِع، وَهَذَا مَأْمُور بِهِ فَلَا يكون مَعْصِيّة. " وَقَول الإِمَام باستصحاب حكم الْمعْصِيَة مَعَ الْخُرُوج وَلَا نهي بعيد ". وَضَعفه تِلْمِيذه الْغَزالِيّ؛ لِأَنَّهُ معترف بِانْتِفَاء النَّهْي، فالمعصية إِلَى مَاذَا تستند؟ . وَقَوله فِي " الْبُرْهَان ": إِن هَذَا يلْتَفت على مَسْأَلَة الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة فَإِنَّهَا تقع امتثالا من وَجه، وغصبا واعتداء من وَجه، فَكَذَلِك الذَّاهِب إِلَى صوب الْخُرُوج، ممتثل من وَجه، عَاص بِبَقَائِهِ من وَجه، فِيهِ نظر؛ إِذْ الْخُرُوج شَيْء وَاحِد، " وَلَا جِهَتَيْنِ، لتعذر الامثتال "، بِخِلَاف الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة، فَإِن الِامْتِثَال يُمكن، وَإِنَّمَا جَاءَ الِاتِّحَاد من جِهَة الْمُكَلف. وَاعْلَم أَنه اعْترف فِي " الْبُرْهَان " بِأَن الْإِمْكَان لَا بُد مِنْهُ فِي المنهيات والمأمورات. وَقَالَ: إِن الْمعْصِيَة إِنَّمَا هِيَ من أجل نسبته إِلَى مَا تورط فِيهِ آخرا قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ عندنَا مَنْهِيّا عَن الْكَوْن فِي هَذِه الأَرْض، وَلكنه مرتبك فِي الْمعْصِيَة مَعَ انْقِطَاع تَكْلِيف النَّهْي عَنهُ، وَهَذَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ المُصَنّف بقوله: وَلَا نهي. وَالْحَاصِل أَن الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة كَانَ يُمكن الِامْتِثَال، وَلَكِن الِاتِّحَاد جَاءَ من اخْتِيَار الْمُكَلف، فكلف، والتكليف بالمحال لَا خيرة للْعَبد فِيهِ، فَلَا يُكَلف. وَهَذَا فِي الْمحَال الَّذِي لم يكن العَبْد متسببا إِلَى وُقُوعه، وَأما مَا كَانَ متسببا فِيهِ - كَمَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة - فَإِنَّهُ كَانَ فِي وسع هَذَا الْإِنْسَان أَلا يَقع فِي هَذَا الْمُمْتَنع الْمحَال بألا يدْخل الدَّار فَهَل يمْتَنع التَّكْلِيف؟ .

بِشَرْطِهِ. وَقَول الإِمَام: باستصحاب حكم الْمعْصِيَة مَعَ الْخُرُوج، وَلَا نهي، بعيد، وَلَا هَامِش قَالَ أَبُو هَاشم: يتَوَجَّه عَلَيْهِ التَّكْلِيف بهما، وَهُوَ خطأ لَا سِيمَا على أَصله، كَمَا قُلْنَا. وَقَالَت الْجَمَاعَة: إِذا كَانَ التعري من الْأَمريْنِ محالا، فَلَا مبالاة بمبدئهما وسببهما، فليقع الْفِعْل مَأْمُورا. وحاول الإِمَام طَريقَة التَّوَسُّط فَقَالَ: إِنَّه غير مَنْهِيّ؛ وَإِن انسحب عَلَيْهِ حكم الْعِصْيَان، وَهَذَا مَوضِع الأناة والاتئاد، فَإِنَّهُ فِي غَايَة من الْإِشْكَال فَنَقُول: الْمَرْء مَنْهِيّ عَن الْغَصْب، وَهُوَ: مَا لم يعر عَن الِاسْتِيلَاء على حق الْغَيْر غَاصِب، إِذْ الْغَصْب الِاسْتِيلَاء على حق الْغَيْر. إِلَّا أَنه لما كَانَ آخِذا فِي الْخُرُوج من الْمعْصِيَة، وَالْأَمر مُتَوَجّه نَحوه إِذْ ذَاك بهَا، لم يكن مَنْهِيّا الْآن، وَهَذَا وَاضح؛ لِامْتِنَاع اجْتِمَاع الْأَمر وَالنَّهْي من جِهَة وَاحِدَة، وَلَكِن النَّهْي السَّابِق قضى عَلَيْهِ بالإثم مَا لم يخرج عَن الِاسْتِيلَاء فَبَقيت آثاره، وَإِن لم يطْرَأ الْآن نهي، فَلم نقل بالمعصية مَعَ انْتِفَاء النَّهْي رَأْسا، بل مَعَ انْتِفَاء نهي طَرَأَ الْآن، ثمَّ الْمعْصِيَة مستندة إِلَى النَّهْي السَّابِق الَّذِي إِن انْقَطع لمصادمة الْأَمر لم [تَنْقَطِع] آثاره، فَإِن المضادة إِنَّمَا وَقعت بَين الْأَمر [وَالنَّهْي] لَا بَين آثارهما، فَإنَّا لَا نعني بِالنَّهْي إِلَّا طلب الْكَفّ وَلَا بِالْأَمر إِلَّا طلب الْفِعْل لَيْسَ بكف، واجتماعهما مُتَعَذر، وَالْأَمر مَوْجُود، فَانْتفى النَّهْي، وَأثر النَّهْي - وَهُوَ التأثيم لَا وَجه لارتفاعه، وَهَذَا كَمَا يَقُول الْفُقَهَاء فِيمَن ارْتَدَّ، ثمَّ جن، ثمَّ آفَاق وَأسلم: إِنَّه يجب عَلَيْهِ قَضَاء صلوَات أَيَّام الْجُنُون، وَمَا ذَلِك إِلَّا لاستصحاب حكم الرِّدَّة عَلَيْهِ، وَلَا [تسألن] الْفَقِيه هُنَا فَمَا قَوْلكُم فِيهِ: لَو مَاتَ أَيَّام جُنُونه، هَل يلقى الله تَعَالَى كَافِرًا أَو غير مُكَلّف؟ . لأَنا نقُول: هَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحن فِيهِ؛ لِأَن لقِيه ربه رَاجع إِلَى مَا عرف الرب من حَاله، وَالَّذِي يظْهر لنا أَنه مُرْتَد، والرب أعلم بِهِ.

جِهَتَيْنِ؛ لتعذر الِامْتِثَال. هَامِش فَإِن قَالَ: فَهَل تقتلون الْمُرْتَد إِذا طَرَأَ جُنُونه؟ قُلْنَا: لَو قيل: لم يُوقع الْموقع، وَلَكنَّا لَا نجوز قَتله لأمر لَا يتَعَلَّق بِمَا نَحن فِيهِ، وَقد مثل إِمَام الْحَرَمَيْنِ بالتائب فِيمَا اقْتَرَف من حُقُوق الْآدَمِيّين، فَإِن الْإِثْم ينسحب عَلَيْهِ مَا لم يعزم. وَإِن عزم على الْعَزْم، وَمَا ذَلِك إِلَّا لتوريطه نَفسه. قَالَ الْمَازرِيّ: وَلَو يمثل بِقِيَام الْحُدُود على السَّكْرَان، وَوُقُوع طَلَاقه، وَإِن كَانَ غير

صفحة فارغة هَامِش عَاقل حِين جِنَايَته مَا جنى لأجل أَن شربه الْخمر مَعْصِيّة، وَهِي طَرِيق إِلَى زَوَال الْعقل، فزوال

صفحة فارغة هَامِش الْعقل كالمكتسب لَهُ بِسَبَبِهِ، وَإِن كَانَ لَا [صنع] لَهُ فِيهِ لَكَانَ أوضح، لكَون الْجِنَايَة الْوَاقِعَة الْآن لَيست كَفعل يقْضِي مثل مَا يقْضِي زمن الْغَصْب، بل هِيَ فعل شرع فِيهِ السَّكْرَان كَمَا شرع الْغَاصِب فِي الْخُرُوج من الدَّار. ثمَّ ذكر إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَن غَرَضه يظْهر بِمَسْأَلَة أَلْقَاهَا أَبُو هَاشم فحارت فِيهَا عقول الْفُقَهَاء، وَهِي أَن من توَسط جمعا من الْجَرْحى، وجثم على صدر وَاحِد مِنْهُم، وَعلم أَنه لَو بَقِي على مَا هُوَ عَلَيْهِ لهلك من تَحْتَهُ، وَلَو انْتقل لهلك آخر، يَعْنِي مَعَ تَسَاوِي الرجلَيْن فِي جَمِيع الْخِصَال. قَالَ: وَهَذَا الْمَسْأَلَة لم أتحصل فِيهَا من قَول الْفُقَهَاء على ثَبت، فَالْوَجْه الْمَقْطُوع بِهِ سُقُوط التَّكْلِيف عَن صَاحب الْوَاقِعَة مَعَ اسْتِمْرَار حكم سخط الله عَلَيْهِ وغضبه. وَوجه السُّقُوط اسْتِحَالَة التَّكْلِيف بالمحال، واستمرار الْعِصْيَان بِسَبَبِهِ إِلَى مَا لَا مخلص مِنْهُ. وَلَو فرض إِلْقَاء رجل على صدر آخر بِحَيْثُ لَا ينْسب الْوَاقِع إِلَى اخْتِيَار فَلَا [تَكْلِيف] وَلَا عصيان. وَقَالَ الْغَزالِيّ: يحْتَمل ذَلِك، وَيحْتَمل أَن يُقَال: يُمكن، فَإِن الِانْتِقَال فعل مُسْتَأْنف، وَيحْتَمل التَّخْيِير.

صفحة فارغة هَامِش وسيكون لنا عودة إِلَى هَذَا فِي أَخْبَار الْآحَاد. وبلغنا أَن الْغَزالِيّ قَالَ للْإِمَام: كَيفَ قلت: لَا حكم، وَأَنت ترى أَنه لَا تَخْلُو وَاقعَة عَن حكم؟ فَقَالَ: حكم الله أَلا حكم، فَقَالَ الْغَزالِيّ: لَا أفهم هَذَا. قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وَهَذَا تأدب من الْغَزالِيّ، وَهَذَا القَوْل غير مَفْهُوم فِي نَفسه وَهُوَ متناقض. قلت: وَيُمكن أَن يُقَال: إِن الله تَعَالَى حكم بِانْتِفَاء الْأَحْكَام الْخَمْسَة الَّتِي هِيَ الِاقْتِضَاء والتخيير، وَتَكون الْبَرَاءَة الْأَصْلِيَّة حكما لله تَعَالَى بِهَذَا الِاعْتِبَار، فَإِن تَركه الْخلق على قضيتها قَضَاء مِنْهُ بهَا، وَلَيْسَ هُوَ الْقَضَاء فِي الْأَحْكَام الْخَمْسَة. وَقد عد الْغَزالِيّ مَا قَالَه الإِمَام من المحتملات مَعَ قَوْله أَيْضا بألا تَخْلُو وَاقعَة عَن حكم. فَإِن قلت: مَا قَوْلكُم فِيمَن كسر رجله، أَو ألْقى بِنَفسِهِ من سطح، هَل يقْضِي الصَّلَاة قَاعِدا؟ . قلت: قَالَ الْغَزالِيّ: لَا، وَيَنْبَغِي مساق كَلَام الإِمَام إِن كَانَ فعل ذَلِك ذَرِيعَة للصَّلَاة قَاعِدا أَن ينسحب عَلَيْهِ حكم الْعِصْيَان، بل وَيجب الْقَضَاء. قَالَ الإِمَام: وَمِمَّا أخرجه على ذَلِك أَن من وَاقع قريب الْفجْر قَاصِدا إِيقَاع ذَلِك الوقاع بِحَيْثُ إِذا طلع الْفجْر اقْترن بمطلعه الانكفاف والنزع، فسد صَوْمه من جِهَة سَببه إِلَى وضع المخالطة فِي مُقَارنَة الْفجْر وَإِن كَانَ منكفا، وَإِن خالط أَهله ظَانّا أَنه فِي مهل من بَقِيَّة اللَّيْل، ثمَّ ابتدره الْفجْر فابتدر النزع فَلَا يفْسد. وَالْفُقَهَاء لَا يفصلون هَذَا التَّفْصِيل، ويحكمون بِأَن النازع لَا يفْطر، وَإِن قصد وتعمد فِي الصُّورَة الَّتِي فرضناها من جِهَة أَنه نَازع مَعَ أول الْفجْر. قلت: وَقد حكى الْأَصْحَاب فِيمَا إِذا قَالَ لزوجته: إِن وَطئتك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه بعد مُضِيّ مُدَّة الْإِيلَاء يُطَالب بِالطَّلَاق على

صفحة فارغة هَامِش التَّعْيِين، وَيمْنَع من الْوَطْء؛ لِأَن الطَّلَاق يَقع بتغييب الْحَشَفَة، فالنزع يَقع بعد وُقُوعه، وَهُوَ نوع استمتاع بالمطلقة فَلَا يجوز. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى وصل النزع بآخر التغييب، بل يَقع بَينهمَا فصل، وَهِي فِي تِلْكَ الْحَالة مُحرمَة عَلَيْهِ. وَأَيْضًا فالصائم إِذا خشِي طُلُوع الْفجْر، وَوُقُوع النزع بعد الطُّلُوع يمْنَع من الْوَطْء فَكَذَا هُنَا. وَالأَصَح الْمَنْصُوص عَلَيْهِ يُطَالب بالفيئة أَو الطَّلَاق، وَلَا يمْنَع من الْوَطْء؛ لِأَن النزع ترك وَخُرُوج عَن الْمعْصِيَة. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَالْقَوْل بِأَن يَقع بَينهمَا فصل لَا حَاصِل لَهُ، فَإِن التَّكْلِيف بِمَا فِي الوسع والفصل الَّذِي لَا [يحسن] لَا عِبْرَة بِهِ. قلت: وَهَذَا نَازع إِلَى أَن المنتسب إِلَى الضدين لَا تَكْلِيف عَلَيْهِ بهما كَمَا تقدم إِلَّا أَن هَذَا أصل إيلاجه حَلَال بِخِلَاف الْغَاصِب، فنظيره: من وَقع على جريح بِغَيْر اخْتِيَار مِنْهُ. قَالَ: وَمَسْأَلَة الصَّوْم مَمْنُوعَة إِن تحقق وُقُوع الْإِيلَاج فِي اللَّيْل، وَلَا فرق بَين الصُّورَتَيْنِ. قلت: هَذَا نَظِير مَسْأَلَة الإِمَام، وَقد قَالَ بِالْجَوَازِ.

هل المندوب مأمور به

(هَل الْمَنْدُوب مَأْمُور بِهِ) (مَسْأَلَة:) الْمَنْدُوب مَأْمُور بِهِ خلافًا للكرخي والرازي. لنا: أَنه طَاعَة، ... ... ... هَامِش وَذكر ابْن الْأَنْبَارِي أَن مَا قَالَه الإِمَام ضَعِيف؛ لِأَن مدَار مَسْأَلَة النزع عَلَيْهِ على أَنه وطئ فيفطر بِهِ أم لَا فَلَا، سَوَاء كَانَ مُتَعَمدا أم نَاسِيا. قلت: قد يَقُول الإِمَام: هُوَ وَطْء إِن كَانَ مُتَعَمدا غير وطي إِن كَانَ نَاسِيا، وَهَذَا لِأَن النزع صَالح [لِأَن يكون] وطئا؛ لما فِيهِ من نوع الِاسْتِمْتَاع. وَألا يكون لكَونه خُرُوجًا ضَرُورِيًّا فيميزه الْقَصْد فَيتَّجه مَا قَالَه. وَالْإِمَام قد قَالَ: نَظِير هَذَا فِيمَا إِذا طلع الْفجْر وَهُوَ يُجَامع وَعلم بِهِ فَمَكثَ، حَيْثُ رد على من قَالَ: ينْعَقد صَوْمه، ثمَّ يفْسد بِأَن النزع إِنَّمَا لَا يُنَافِي الصَّوْم إِذا قصد التّرْك. أما إِذا لم يقْصد فينافيه، فَانْظُر كَيفَ فرق بَين الْقَصْد وَعَدَمه فرقا يتَغَيَّر بِهِ حكمه. وَمن فروع الْمَسْأَلَة: اخْتِلَاف أَصْحَابنَا فِيمَن أحرم نازعا عَن الْجِمَاع، هَل ينْعَقد صَحِيحا أَو فَاسِدا، أَو لَا ينْعَقد أصلا؟ حَكَاهُ ابْن الرّفْعَة، وَالشَّيْخ الإِمَام أبي فِي " شرح الْمِنْهَاج ". وَكَذَلِكَ الصَّائِم - هَل انْعَقَد ثمَّ فسد كَمَا قُلْنَاهُ - وَاخْتَارَهُ أبي رَحمَه الله وَأطَال الْبَحْث فِيهِ - أَو لم ينْعَقد كَمَا نَص الإِمَام. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " الْمَنْدُوب مَأْمُور بِهِ " حَقِيقَة، وَهُوَ رَأْي القَاضِي، " خلافًا للكرخي والرازي " من

وَأَنَّهُمْ قسموا الْأَمر إِلَى إِيجَاب وَندب. هَامِش الْحَنَفِيَّة، وَالشَّيْخ أبي حَامِد، وَالْقَاضِي أبي الطّيب، وَابْن الصّباغ، وَابْن السَّمْعَانِيّ، وَالْإِمَام الرَّازِيّ وَغَيرهم من الشَّافِعِيَّة. فَإِن قلت: كَيفَ يكون الْمَنْدُوب عِنْد المُصَنّف كَذَلِك، وسيقول فِي بَاب الْأَمر: إِن صِيغَة: " افْعَل " حَقِيقَة فِي الْوُجُوب. قلت: الْكَلَام هُنَا فِي الْأَمر - أَمر - لَا فِي صِيغَة " افْعَل "، وَالْأَمر مقول على الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب بِالْحَقِيقَةِ. و" افْعَل " مُخْتَصَّة بِالْوُجُوب، فالندب مَأْمُور بِهِ حَقِيقَة، وَلَا يدْخل فِيهِ صِيغَة " افْعَل "

صفحة فارغة هَامِش حَقِيقَة، هَذَا مَا تحرر من كَلَام المُصَنّف، وَبِه يظْهر أَن كَلَامه غير مُخْتَلف، وَلَوْلَا ذَلِك لناقض كَلَامه هُنَا مَا قَالَه فِي بَاب الْأَمر، وَهَذِه طَريقَة الْآمِدِيّ. وَطَرِيقَة الإِمَام الرَّازِيّ: أَنه لَا فرق بَين الْأَمر وَصِيغَة " افْعَل ". ويعضد طَريقَة الْآمِدِيّ تَصْرِيح بعض أَصْحَابنَا بِأَن الْأَمر حَقِيقَة فِي الْوُجُوب، مَعَ أَن الْمَنْدُوب مَأْمُور بِهِ حَقِيقَة كَمَا نَقله الشَّيْخ أَبُو حَامِد، وَابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيرهمَا، إِلَّا أَنَّهُمَا صرحا بِأَن مَأْخَذ هَذَا الْقَائِل أَن الْوَاجِب مَا يُثَاب [على] فعله، ويعاقب على تَركه، وَالْمَنْدُوب مَا يُثَاب على فعله وَلَا يُعَاقب على تَركه، فَإِذا اسْتعْمل الْأَمر فِي النّدب، فقد اسْتعْمل فِي بعض مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الْوَاجِب فَكَانَ حَقِيقَة كحمل الْعُمُوم على بعض مَا يتَنَاوَلهُ. وَلذَلِك قَالَ سليم الرَّازِيّ فِي " التَّقْرِيب ": وَنَقله عَن أَكثر أَصْحَابنَا، وَنقل كَونه مجَازًا عَن أهل " الْعرَاق ". قلت: وَهَذَا فِيهِ نظر من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن اللَّفْظ إِذا أطلق على بعض مَدْلُوله الْحَقِيقِيّ كَانَ مجَازًا، وَكَذَلِكَ نقُول: فِي الْعَام يُطلق على الْخَاص. وَالثَّانِي: أَن الْمَنْدُوب لَيْسَ بعض الْوَاجِب، بل هُوَ قسيمه، وَإِن اشْتَركَا فِي الثَّوَاب على الْفِعْل، فَافْهَم ذَلِك. قَالَ: " لنا " وَجْهَان: أَحدهمَا: " أَنه طَاعَة " إِجْمَاعًا، وَلذَلِك يعْقد الْفُقَهَاء بَاب صَلَاة التَّطَوُّع للنوافل، وَالطَّاعَة امْتِثَال الْأَمر، فَيكون مَأْمُورا بِهِ وَالثَّانِي: " أَنهم قسموا الْأَمر إِلَى إِيجَاب وَندب "، ومورد التَّقْسِيم مُشْتَرك بَين الْقسمَيْنِ. وَقد يمْنَع كبرى الأول، وَيُقَال: الطَّاعَة فعل الْمَطْلُوب، وَهُوَ أَعم من الْأَمر، وَالْمَنْدُوب طَاعَة؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضى مِمَّن لَهُ الِاقْتِضَاء. قَالَ ابْن الْقشيرِي: وَرُبمَا كَانَ طَاعَة لوُرُود الْوَعْد بالثواب عَلَيْهِ. وَقد يمْنَع صغرى الثَّانِي وَيُقَال: لَا نسلم أَنهم قسموا.

قَالُوا: لَو كَانَ، لَكَانَ تَركه مَعْصِيّة؛ لِأَنَّهَا مُخَالفَة الْأَمر، وَلما صَحَّ " لأمرتهم بِالسِّوَاكِ ". قُلْنَا: الْمَعْنى أَمر الْإِيجَاب فيهمَا. هَامِش الشَّرْح: " قَالُوا: لَو كَانَ " مَأْمُورا بِهِ لَكَانَ " تَركه مَعْصِيّة؛ لِأَنَّهَا " - أَي: الْمعْصِيَة - " مُخَالفَة الْأَمر وَلما صَحَّ " قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة " رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم؛ لِأَنَّهُ ندبهم إِلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَو كَانَ وَاجِبا لأمرهم بِهِ، شقّ أم لم يشق عَلَيْهِم. " قُلْنَا ": " نعني أَمر الْإِيجَاب فيهمَا " - أَي: فِي قَوْلكُم: الْمعْصِيَة مُخَالفَة الْأَمر، وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " لأمرتهم " - لَا مُطلق الْأَمر. وَهَذَا وَإِن كَانَ خلاف الأَصْل، وَلَكِن يُصَار إِلَيْهِ بِمَا ذَكرْنَاهُ من الدَّلِيل. وَلقَائِل أَن يَقُول: هَذَا يُقَال لَك أَيْضا فِي بَاب الْأَمر، حَيْثُ قلت: تَارِك الْمَأْمُور عَاص بِدَلِيل: {أفعصيت أَمْرِي} [سُورَة طه: الْآيَة 93] .

مسألة

(مَسْأَلَة:) الْمَنْدُوب لَيْسَ بتكليف، خلافًا للأستاذ، وَهِي لفظية. هَامِش فَنَقُول: الْمَعْنى بِمَا يَعْصِي بِتَرْكِهِ أَمر الْإِيجَاب بِمَا ذَكرْنَاهُ من الدَّلِيل. (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " الْمَنْدُوب لَيْسَ بتكليف، خلافًا للأستاذ "، وَالْقَاضِي وَهِي مَسْأَلَة " لفظية " رَاجِعَة إِلَى تَفْسِير التَّكْلِيف فيهمَا. يَقُولَانِ: الدُّعَاء إِلَى مَا فِيهِ كلفة ومشقة، والنوافل من ذَلِك، وَنحن نقُول: بل إِلْزَام مَا فِيهِ كلفة.

مباحث المكروه

(مبَاحث الْمَكْرُوه) (مَسْأَلَة:) الْمَكْرُوه مَنْهِيّ عَنهُ غير مُكَلّف بِهِ، كالمندوب، وَيُطلق أَيْضا على الْحَرَام، وعَلى ترك الأولى. هَامِش (" مَسْأَلَة ") الشَّرْح: " الْمَكْرُوه " فِيهِ أبحاث. أَحدهَا: " مَنْهِيّ عَنهُ ".

صفحة فارغة هَامِش وَالثَّانِي: أَنه " غير مُكَلّف بِهِ " على الْمُخْتَار فيهمَا، " كالمندوب " مَأْمُور غير مُكَلّف بِهِ. والمخالف ثمَّ مُخَالف هُنَا. وَالثَّالِث: أَنه " يُطلق أَيْضا على الْحَرَام ". وَهُوَ كثير فِي كَلَام الشَّافِعِي وَغَيره من الأقدمين، وَكَانُوا يتورعون عَن اسْتِعْمَال لَفْظَة الْحَرَام والحلال فِي المجتهدات، خشيَة وفرقا من قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقولُوا لما تصف أَلْسِنَتكُم الْكَذِب هَذَا حَلَال وَهَذَا حرَام} [سُورَة النَّحْل: الْآيَة 116] . " وعَلى ترك الأولى ".

تمّ الْجُزْء الأول من كتاب رفع الْحَاجِب عَن مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب ويليه الْجُزْء الثَّانِي وأوله مَسْأَلَة إِطْلَاق الْجَائِز على الْمُبَاح

§1/1