رفع الاشتباه من مسائل المياه

ابن قُطْلُوْبَغَا

رفع الاشتباه من مسألة المياه تصنيف الحافظ زين الدين قاسم بن قُطْلُوبُغَا الحَنَفِي المتوفى سنة 879 هـ يطبع لأول مرة حققه وعلق عليه أبو المنذر مَحْمُود بن مُحمَّدِ بن مُصْطَفَى المِنِياوِي عفا الله تعالى عنه وعن والديه

[مقدمة المحقق]

بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}. أما بعد، .. فهذا جهد المقل في تحقيق مخطوط "رفع الاشتباه من مسألة المياه" وهو الرسالة الأولى ضمن سلسلة رسائل ألفها الحافظ قاسم بن قطلوبغا الحنفي - رحمه الله تعالى - والنية منعقدة على إخراج باقي رسائل المخطوط بإذن الله تعالى. عملي في المخطوط: 1 - قام بعض الإخوة بنسخ المخطوط فقمت بتصحيحه ومراجعة النسخ إلا أن بعض الكلمات أو العبارات لم أهتد لوجهها فأثبتها كما هي، وقد أشير في الحاشية إلى الوجه الذي أراه صوابا فيها، كما أنني قمت بإضافة بعض الكلمات حتى تستقيم العبارة ووضعتها بين معكوفتين لتتميز عن صلب الرسالة. 2 - إثبات ما وجدته من زيادات وحواشي على هامش المخطوط. 3 - شرح غريب بعض الألفاظ بالرجوع إلى كتب المعاجم، والغريب. 4 - ترجمت لمعظم الأعلام الوارد أسماؤهم في الرسالة الذين ليس لهم شهرة كبيرة. 5 - التعريف ببعض الكتب التي ينقل عنها المؤلف. 6 - تخريج الأحاديث والآثار الواردة في الرسالة مع الحكم على أسانيدها ما أمكنني ذلك.

حول المخطوط

حول المخطوط: جاءت هذه الرسالة في صدر مجموع فيه بضع وعشرين رسالة للحافظ ابن قطلوبغا. بيانات المخطوط (المجموع): اسم المؤلف: قاسم بن قطلوبغا الحنفي / ت 879 هـ. عدد الأوراق: 123 ورقة بكل ورقة وجهان، ما عدا الأخيرة فهي وجه واحد وفيها خاتمة الرسالة الأخيرة والمجموع كامل ومكتوب بخط واضح. وأما رسالتنا موضوع التحقيق فتقع في (16) ورقة، وفي كل ورقة وجهان، وكل وجه مكون من (29) سطر وفي كل سطر ما لا يزيد على (12) كلمة. والوجه الأول من الورقة الأولى فيه فهرس للرسائل التي يحويها المجموع، وفي الوجه الأول من الورقة الأخيرة بداية رسالة فيها أجوبة عن بعض مسائل وقعت. مصدر المخطوط: مكتبة برنستون نيوجيرسي أمريكا. رقم المخطوط: جاريت 3393 ملاحظة: بآخره رسالة: تعريف المسترشد في حكم الغراس في المسجد لابن أمير حاج حلبي. صور المخطوطات: صورة الوجه الثاني من الورقة الأولى:

صورة الوجه الثاني من الورقة الأخيرة:

تحقيق نسبة المخطوط للمؤلف

تحقيق نسبة المخطوط للمؤلف: والرسالة منسوبة لقاسم بن قُطْلُوبُغا، وذلك كما هو موجود في الصفحة الأولى منها بخط واضح لا طمس فيه، كما نسبها إليه حاجي خليفة في "كشف الظنون" وسماها: "رفع الاشتباه، عن مسيل المياه"، والبغدادي في "هدية العارفين" وسماها: "رفع الِاشْتِبَاه عَن سبل الْمِيَاه"، وغيرهما.

ترجمة المصنف

ترجمة المصنِّف (¬1) اسمه ونسبه ولقبه وكنيته: هو: قاسم بن قُطْلُوبُغا بن عبد الله السُّودوني، الجَمالي، المصري، الحنفي. لقبه: «زين الدين» أو «الزين»، وربما لُقِّبَ «الشَّرَف». كنيته: أبو العدل. ونسبته: السودوني، وهي نسبة لمُعتق أبيه سودون الشيخوني نائب السَّلْطنة في ذلك العصر. مولده ونشأته: ولد الحافظ ابن قطلوبغا في المحرم سنة اثنتين وثمانمائة بالقاهرة. ومات أبوه وهو صغير، فنشأ يتيماً، وحفظ القرآن وكتباً عرض بعضها على العز بن جماعة، وتكسب بالخياطة وقتاً، وبرع فيها. ¬

_ (¬1) وقد قمت بنسخ الترجمة التي أعدها الشيخ: شادي بن محمد بن سالم آل نعمان في صدر تحقيقه لكتاب "الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة" للمؤلف، وهذا توفيرا للوقت وللاستفادة من الجهود السابقة مع الأمانة العلمية في عزو الأقوال لقائليها، وقد عزا الترجمة للمصادر التالية: «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع»: (6/ 184 - 190، 223) و «البدر الطالع»: (2/ 45 - 47) و «شذرات الذهب»: (7/ 326) و «بدائع الزهور»: (3/ 67) و «عنوان الزمان»: (2/ 470) و «الفوائد البهية»: (ص99) و «فهرس الفهارس»: (2/ 972) و «الأعلام»: (5/ 180) و «معجم المؤلفين»: (2/ 648) و «هدية العارفين»: (1/ 830) و «معجم المطبوعات»: (1/ 216) و «تاريخ الأدب العربي»: (6/ 321). طلبه للعلم وشيوخه: -أقبل الحافظ ابن قطلوبغا على الاشتغال مبكراً، فسمع تجويد القرآن على «الزراتيتي». - وبعض التفسير على «العلاء البخاري». - وأخذ علوم الحديث عن «التاج أحمد الفرغاني النعماني» قاضي بغداد، و «الحافظ ابن حجر». - والفقه وأصوله عن «السراج»، و «المجد الرومي»، و «النظام السيرامي»، و «العز عبد السلام البغدادي»، و «عبد اللطيف الكرماني»، و «العلاء البخاري»، و «الشرف السبكي». - وأصول الدين عن «العلاء»، و «البسطامي»، وكذا قرأ على «السعد بن الديري» في سنة اثنتين وثلاثين شرحه لـ «عقائد النسفي». - والفرائض والميقات عن «ناصر الدين البارنباري» وغيره، واستمد فيها وفي الحساب كثيراً بالسيد علي تلميذ ابن المجدي. - والعربية عن العلاء، والتاج، والمجد، والسبكي.

رحلاته

- والصرف عن البسطامي. - والمعاني والبيان عن العلاء، والنظام، والبسطامي. - والمنطق عن السبكي. - وبعضهم في الأخذ عنه أكثر من بعض. - واشتدت عنايته بملازمة ابن الهمام بحيث سمع عليه غالب ما كان يقرأ عنده في هذه الفنون وغيرها، وذلك من سنة خمس وعشرين حتى مات، وكان معظم انتفاعه به ومما قرأه عليه الربع الأول من «شرحه للهداية» وقطعة من «توضيح صدر الشريعة» وجميع «المسايرة» من تأليفه. - وطلب الحديث بنفسه يسيراً فسمع على الحافظ ابن حجر، وابن الجزري، والشهاب الواسطي، والزين الزركشي، والشمس بن المصري، والبدر حسين البوصيري، وناصر الدين الفاقوسي، والتاج الشرابيشي، والتقي المقريزي، وعائشة الحنبلية، والطبقة. - ونظر في كتب الأدب ودواوين الشعر فحفظ منها شيئاً كثيراً. رحلاته: - ارتحل الحافظ ابن قطلوبغا مع شيخه التاج النعماني إلى الشام بحيث أخذ عنه «جامع مسانيد أبي حنيفة» للخوارزمي، و «علوم الحديث» لابن الصلاح، وغيرهما، وأجاز له في سنة ثلاث وعشرين. - وكذا دخل إسكندرية وقرأ بها على الكمال بن خير، وقاسم التروجي. - وحَجَّ غير مرة. - وزار بيت المقدس. تصديه للتدريس والإفتاء، ونبذة عن تلاميذه: - تصدى الحافظ ابن قطلوبغا للتدريس والإفتاء قديماً. - وأخذ عنه الفضلاء في فنون كثيرة. - وأسمع من لفظه «جامع مسانيد أبي حنيفة» بمجلس الناصري ابن الظاهر جقمق، بروايته له عن التاج النعماني، عن محيي الدين أبي الحسن حيدرة بن أبي الفضائل محمد بن يحيى العباسي مدرس

مكانته العلمية بين أبناء عصره

المستنصرية ببغداد سماعاً، عن صالح بن عبد الله بن الصباغ، عن أبي المؤيد محمد بن محمود بن محمد الخوارزمي مؤلفه. - وكان الناصري ممن أخذ عنه واختص بصحبته بل هو فقيه أخيه الملقب بعد بالمنصور. - وكذا قرئ الجامع المذكور ببيت المحب بن الشحنة وسمعه عليه هو وغيره وحمله الناس عنه قديماً وحديثاً. - وممن أخذ عنه السخاوي رحمه الله فقال عن نفسه: صحبته قديماً، وسمعت منه مع ولدي المسلسل بسماعه له على الواسطي، وكتبت عنه من نظمه وفوائده أشياء، بل قرأت عليه «شرح ألفية العراقي». - وممن كتب عنه من نظمه ونثره البقاعي. مكانته العلمية بين أبناء عصره: - عُرِفَ الحافظ ابن قطلوبغا بقوة الحافظة والذكاء وأشير إليه بالعلم، وأَذِنَ له غير واحد بالإفتاء والتدريس. - ووصفه ابن الديري بالشيخ العالم الذكي. - والحافظ ابن حجر بالإمام العلامة المحدث الفقيه الحافظ. - ووصفه كذلك بالشيخ الفاضل المحدث الكامل الأوحد. - ووصفه الزين رضوان بقوله: من حُذَّاق الحنفية، كَتَب الفوائد واستفاد وأفاد. - وقال السخاوي: هو إمام، علامة، قوي المشاركة في فنون، ذاكر لكثير من الأدب ومتعلقاته، واسع الباع في استحضار مذهبه وكثير من زواياه وخباياه، متقدِّم في هذا الفن، طلق اللسان، قادر على المناظرة وإفحام الخصم، لكن حافظته أحسن من تحقيقه. - وقال السخاوي كذلك: قد انفرد عن علماء مذهبه الذين أدركناهم بالتقدم في هذا الفن، وصار بينهم من أجلة شأنه ... وقُصِدَ بالفتاوى في النوازل والمهمات فبلغوا باعتنائه بهم مقاصدهم غالباً؛ واشتهر بذلك.

مؤلفاته

- وقال البقاعي: كان مفنناً في علوم كثيرة: الفقه، والحديث، والأصول، وغيرها، ولم يُخَلَّف بعده حنفياً مثله. ثم بالغ في أذيته بما ذكره السخاوي. إقباله على التأليف والتصنيف: أقبل الحافظ ابن قطلوبغا على التأليف من سنة عشرين وثمانمائة، أي عندما كان في الثامنة عشرة من عمره، وهلم جرا. مؤلفاته: برع الحافظ ابن قطلوبغا في علوم شتى وكانت له يد في التصنيف والتأليف في غالب الفنون، ورأيت أن أقتصر هنا على ذكر أهم مصنفاته الخاصة بعلم الرجال لأنبه على مدى اعتنائه بهذا الفن ونبوغه فيه: 1 - «الإيثار برجال معاني الآثار». 2 - رجال «الموطأ» لمحمد بن الحسن. 3 - رجال «الآثار» لمحمد بن الحسن. 4 - رجال «مسند أبي حنيفة» لابن المقري. 5 - ترتيب «الإرشاد» للخليلي، في مجلد. 6 - ترتيب «التمييز» للجوزقاني، في مجلد. 7 - ترتيب «أسئلة الحاكم» للدارقطني. 8 - من روى عن أبيه عن جده، في مجلد. 9 - الاهتمام الكلي بإصلاح ثقات العجلي، في مجلد. 10 - زوائد رجال «الموطأ» على الكتب الستة. 11 - زوائد رجال «مسند الشافعي» على الكتب الستة. 12 - زوائد رجال «سنن الدارقطني» على الكتب الستة. 13 - الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة، وهو الذي بين يديك. 14 - تقويم «اللسان في الضعفاء»، في مجلدين.

الوظائف التي تولاها

15 - حاشية على «المشتبه» للحافظ ابن حجر. 16 - حاشية على «التقريب» للحافظ ابن حجر. 17 - تاج التراجم. الوظائف التي تولاها: لم يَلِ الحافظ ابن قطلوبغا مع انتشار ذكره وظيفة تناسبه بل كان في غالب عمره أحد صوفية الأشرفة، إلى أن استقر في تدريس الحديث بقبة البيبرسية. المؤاخذات عليه: وصف السخاويُّ الحافظ ابن قطلوبغا بأنه مغرم بالانتقاد ولو لمشايخه حتى بالأشياء الواضحة، والإكثار من ذكر ما يكون من هذا القبيل بحضرة كل أحد ترويجاً لكلامه بذلك، كثير الطرح لأمور مشكلة يمتحن بها وقد لا يكون عنده جوابها، ولهذا كان بعضهم يقول: إن كلامه أوسع من علمه، قال السخاوي: أما أنا فأزيد على ذلك بأن كلامه أحسن من قلمه. صفاته الخُلُقية: وصف السخاويُّ الحافظَ ابن قطلوبغا بأنه كان غاية في التواضع، وطَرْح التكلف وصفاء الخاطر جداً، وحُسْن المحاضرة، لا سيما في الأشياء التي يحفظها، وعدم اليبس والصلابة، والرغبة في المذاكرة للعلم، وإثارة الفائدة، والاقتباس ممن دونه مما لعله لم يكن أتقنه. وقال السخاوي: ربما تفقده الأعيان من الملوك والأمراء ونحوهم فلا يدبر نفسه في الارتفاق بذلك بل يسارع إلى إنفاقه ثم يعود لحالته وهكذا مع كثرة عياله وتكرر تزويجه، وبالجملة فهو مقصر في شأنه. وذكر أنه لما عُرض عليه السكن بقاعة مشيخة المؤيدية لضيق منزله وارتفاعه لم يقبل. نظمه: مما نظمه الحافظ ابن قطلوبغا رداً لقول القائل: إن كنت كاذبة التي حدثتني ... فعليك إثم أبي حنيفة أو زُفَر

مرضه ووفاته

الواثبين على القياس تمرداً ... والراغبين عن التمسك بالأثر فقال: كذب الذي سب المآثم للذي ... قاس المسائل بالكتاب وبالأثر إن الكتاب وسُنَّةَ المختار قد ... دلَّا عليه فدع مقالة من فشر مرضه ووفاته: تَعَلَّلَ الحافظ ابن قطلوبغا مدة طويلة بمرض حاد وبعسر التبول والحصاة وغير ذلك، وتنقل لعدة أماكن إلى أن تحول قبيل موته بيسير بقاعة بحارة الديلم بالقاهرة، فلم يلبث أن مات فيها في ليلة الخميس رابع ربيع الآخر سنة (879هـ). وصُليَ عليه من الغد تجاه جامع المارداني في مشهد حافل، ودفن على باب المشهد المنسوب لعقبة عند أبويه وأولاده، وتأسف الناس على فقده.

رفع الاشتباه من مسألة المياه

(ق1/ ب) رفع الاشتباه من مسألة المياه بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر ولا تعسر يا كريم رب تمم بالخير الحمد لله وبه اكتفي، وسلام على عباده الذين اصطفى وَبَعْدُ .. فإن سيدنا وشيخنا صاحب التقرير والتحرير منقح أغصان الفروع والأصول ومعدل عنوان (¬1) المعقول والمنقول أبو المعاني زين الملة والدّين: شرف الدين قاسم بن قطلوبغا الحنفي عامله الله بلطفه الخفي وأدام النفع به بمحمد (¬2) وآله (¬3) .. ¬

_ (¬1) كذا بالأصل، والأنسب للمعنى: ميزان. (¬2) والراجح عدم مشروعية التوسل بذات النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو بجاهه بعد موته؛ لعدول الصحابة - رضي الله عنهم - عنه، مع وجود المقتضي، وانتفاء الموانع، وتوسلهم بدعاء العباس - رضي الله عنه - للاستسقاء، فدل هذا على أن التوسل المشروع عندهم هو التوسل بدعائه، وبشفاعته، لا السؤال بذاته، ولا بجاهه، ومما يؤكد ذلك دعاء النبي للرجل الأعمى الذي توسل به - صلى الله عليه وسلم - ليرد الله له بصره. وانظر في التوسل: "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة" لابن تيمية، و" التوصل إلى حقيقة التوسل" لمحمد نسيب الرفاعي، و"التوسل أنواعه، وأحكامه" للشيخ الألباني، و" صيانة الإنسان" للسهسواني، فقد أجاد في بيان أنواع التوسل المشروع، والممنوع، ولولا طول كلامه، وخشية الإطالة لنقلته برمته. (¬3) وهذا أولى بالمنع من سابقه، وقد اختلف العلماء في المراد بالآل على أقوال كثيرة ذكرها ابن القيم في جلاء الأفهام (ص/210)، وما بعدها، وغيره، وأقوى الأقوال عندى ما رحجه الشيخ: عبد المحسن ابن حمد العباد البدر في رسالته: "فضلُ أهل البيت وعلوُّ مكانتِهم عند أهل السُّنَّة والجماعة"حيث قال: (القولُ الصحيحُ في المرادِ بآل بيت النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - هم مَن تَحرُم عليهم الصَّدقةُ، وهم أزواجُه وذريَّتُه، وكلُّ مسلمٍ ومسلمةٍ من نَسْل عبدالمطلب، وهم بنُو هاشِم بن عبد مَناف؛ قال ابن حزم في جمهرة أنساب العرب (ص:14): ((وُلِد لهاشم بن عبد مناف: شيبةُ، وهو عبدالمطلب، وفيه العمود والشَّرف، ولَم يبْقَ لهاشم عَقِبٌ إلاَّ مِن عبدالمطلب فقط)).

قال: لما منع علماؤنا - رضي الله عنهم - من كان له أهلية النظر من محض تقليدهم على ما رواه الشيخ الإمام العالم العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف (¬1) قال: حدثنا أبو يوسف (¬2) عن أبي حنيفة -رحمه الله- أنه قال: "لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعرف من أين قلناه" (¬3)، وتتبعت مآخذهم وحصّلت منها بحمد الله تعالى على الكثير ولم أقنع بتقليد ما في صحف كثيرة من المصنفين فاتفق وقوع كلام على مسألة البئر مع بعض فذكرت شيئاً من إثبات تحقيق ¬

_ (¬1) هو إبراهيم بن يوسف بن ميمون بن قدامة البلخي أبو إسحاق الباهلي الفقيه عرف بالماكياني نسبة إلى جده وهو الإمام المشهور كبير المحل عند أصحاب أبي حنيفة وشيخ بلخ وعالمها في زمانه لزم أبا يوسف حتى برع وروى النسائي عن إبراهيم هذا وقال ثقة ذكره ابن حبان فى الثقات توفي سنة إحدى وأربعين، في أولها، وقيل: سنة تسع وثلاثين ومائتين، رحمه الله تعالى. وانظر ترجمته في الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 51)، الطبقات السنية في طبقات الحنفية (1/ 75)، سير أعلام النبلاء (9/ 117)، وغيرها. (¬2) هو الإمام المجتهد العلامة المحدث قاضي القضاة أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بجير بن معاوية الأنصاري الكوفي حدث عن أبي حنيفة ولزمه وتفقه به وهو أنبل تلامذته وأعلمهم تخرج به أئمة كمحمد بن الحسن ومعلى بن منصور وهلال الرأي وابن سماعه وعدة، وقال هلال الرأي: كان أبو يوسف يحفظ التفسير ويحفظ المغازي وأيام العرب كان أحد علومه الفقه، توفي سنة اثنتين وثمانين، وترجمته في طبقات الحنفية 1/ 519، والسير 8/ 535، وطبقات الفقهاء 1/ 141. (¬3) رواه بنحوه ابن عبد البر في "الانتقاء في "فضائل الأئمة الثلاثة" (ص/267) وقد روى هذا الأثر من طريق كثيرة بألفاظ متقاربة، وانظر مقدمة صفة صلاة النبي (1/ 24).

المناط (¬1)، فلم يكن عند المتكلم معي شعور بحقيقة الحال ورأى أن أحداً في هذا العصر لا يصح منه قلت الصحيح (¬2) فنظر في كتب الأصحاب وتتبع أمكنة فعله، ثم جاء محتجًّا عليَّ بقول صاحب الاختيار (¬3): "والأصل أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه والكثير لا، ولقوله - عليه السلام - في البحر "هو الطهور ماؤه" (¬4) واعتبرناه فوجدناه مما لا يخلص بعضه إلى بعض (¬5)، فنقول: كل ما لا يخلص بعضه إلى بعض لا ينجس بوقوع النجاسة فيه، فهذا معنى قولهم لا يتحرك طرفيه بتحريك الطرف الآخر، واعتبر المشايخ الخلوص بالمساحة، فوجدوه عشراً في عشرٍ، فقدروه بذلك تيسيراً، وقال أبو مطيع (¬6): إذا كان خمسة عشر في خمسة عشر لا يتخلص، أما عشرين في عشرين لا أرى في ¬

_ (¬1) أي متعلقات الحكم، والمناط هو العلة فمعنى تحقيق المناط تحقيق العلة في الفرع. (¬2) حذف فعل القول وذكر المقول، والمقصود أنه لا يصح للمتأخرين التصحيح والخروج عن ربقة التقليد. (¬3) هو عبد الله بن محمود بن مودود بن محمود الموصلي، الحنفي (أبو الفضل، مجد الدين). فقيه. ولد بالموصل في شوال 599هـ، وولي القضاء بالكوفة، وتوفي ببغداد في 19 المحرم 683 هـ. من تصانيفه: شرح الجامع الكبير للشيباني، المختار في الفتوى، الاختيار لتعليل المختار. انظر ترجمته في: الجواهر المضية للقرشي (1/ 291)، تاج التراجم لمؤلفنا (ص/23)، الأعلام للزركلي (4/ 135)، معجم المؤلفين لكحالة (6/ 148). (¬4) صحيح: أخرجه أبوداود، والترمذي وقال: «حسن صحيح»، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد (2/ 237، 361)، وغيرهم - كلهم - من طريق مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. وفي إسناد هذا الحديث اختلاف، وقد صححه جماعة من العلماء، فنقل ابن حجر في التلخيص (1/ 10 - 11) تصحيحه عن: البخاري فيما حكاه عنه الترمذي، وابن منده، وابن المنذر، والبغوي، وصححه أيضا الشيخ الألباني في «الإرواء»، وصحح إسناده الشيخ الأرناؤوط في هامش المسند. (¬5) المقصود بيان أن القليل ما تصل النجاسة فيه من الجزء المستعمل إلى الجانب الآخر، وإلا فكثير. (¬6) هو: أبو مطيع البلخي: الحكم بن عبد الله بن مسلمة بن عبد الرحمن، الإمام العالم العامل، أحد أعلام هذه الأمة، ومن أقر له بالفضائل جهابذة الأئمة. كان من كبار أصحاب أبي حنيفة، وهو راوي " الفقه الأكبر "، ولي قضاء بلخ، وكانت مدة ولايته على قضاء بلخ ستة عشر سنة، يقول بالحق ويعمل به، وقدم بغداد غير مرة، وحدث بها، وتلقاه أبو يوسف، وتناظر معه، ومن تفرداته، أنه كان يقول بفرضية التسبيحات الثلاث في الركوع والسجود، وقيل كان من رؤوس المرجئة، وقال أبو داود تركوا حديثه لأنه كان جهميا وتوفي ببلخ سنة تسع وتسعين ومائة. وانظر ترجمته في: الجواهر المضية (2/ 265)، تاج التراجم (1/ 331)، الطبقات السنية (1/ 263)، وغيرها.

نفسي منه شيئاً وإن كان له طول ولا عرض له، فالأصح أنه لو كان بحال لو ضم طوله إلى عرضه يصير عشراً في عشرٍ فهو (¬1) (ق2/ أ) كثير، والمختار في العمق ما لا ينحسر أسفله بالغرف (¬2)، ثم إذا كانت النجاسة مرئيَّة (¬3) لا يتوضأ من موضع الوقوع المتيقن بالنجاسة برؤية عينها، وإن كانت غير مرئية فلو توضأ منها جاز لعدم التيقن بالنجاسة؛ لاحتمال انتقالها، ومنهم من قال: لا يجوز أيضاً؛ لأن الظاهر بقاؤها في الحال" (¬4). انتهى فذكرت له ما في هذا من الفساد فأجاب بأن هذا رجل متقدم مصنف، فاختصرت الكلام عند ظهور المقام، ثم سألني من تتعين إجابته أن أكتب له ما صدر مني في بيان فساد الكلام المتقدم، وما لي في المسألة من تحقيق، وما كنت ذكرت له من مسألة الماء المستعمل، وقلت مستعيناً بالله سبحانه وتعالى إنه حسبي ونعم الوكيل: قوله: "والكثير لا" باطل بإجماع الأمة (¬5) على الماء الكثير إن تغير بنجس ينجس. ¬

_ (¬1) وبعض هذه العبارة مكرر في الأصل. (¬2) أي لا ينكشف بالاغتراف باليد؛ لأنه إذا انحسر ينقطع الماء بعضه عن بعض ويصير الماء في مكانين فتخلص إليه النجاسة، قال ابن نجيم في "البحر الرائق" (1/ 81): "حتى لو انكشف ثم اتصل بعد ذلك لا يتوضأ منه". (¬3) كجيفة ميتة ونحوها. (¬4) انظر الاختيار (1/ 14 – 15). (¬5) والإجماع نقله ابن المنذر حيث قال في "الإجماع" (ص: 35): (وأجمعوا على أن الماء القليل، والكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيرت للماء طعما، أو لونا، أو ريحًا: أنه نجس ما دام كذلك). وقال ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص/17): (واتفقوا أن الماء الراكد إذا كان من الكثرة بحيث إذا حرك وسطه لم يتحرك طرفاه ولا شيء منهما فانه لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته).

قوله: "كل ما لا يخلص بعضه إلى بعض لا ينجس بوقوع النجاسة فيه". هذا باطل (¬1) بما تقدم (¬2) ومنقوض بما ذكره بعد من قوله: "ثم إن كانت النجاسة مرئيّة لا يتوضأ من موضع الوقوع للتيقن بالنجاسة برؤية عينها"، ومما ذكره بعد ذلك أيضاً من قوله: "ولو وقعت جيفة في نهر كبير لا يتوضأ من أسفل الجانب الذي فيه الجيفة"، وهذا أبلغ؛ لأنه مع الكثرة جاز قوله: "وهذا معنى قولهم لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر" يتوقف بيان فساده على مقدمته، وهو أن الكلام ليس في بيان نهاية الكثرة؛ لأن أكثر ما لا يخلص بعضه إلى بعض وأكثر ما لا يتحرك أحد طرفيه بتحرك الطرف الآخر، إنما تحقق في نحو الطرفان بل الكلام في أقل ما لا يخلص بعضه إلى بعض؛ ليكون مبتدأ حد الكثرة ويتحقق مقابلة الذي هو نهاية حد القلة، وأنه قد روي في اعتبار التحريك ثلاث روايات إحداها: عدم التحريك بالاغتسال (ق2/ ب) وهي رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة. ثانيها: عدم التحريك بالوضوء هي رواية محمد عن أبي حنيفة. ثالثها: عدم التحريك الكتب (¬3) إذا عرف هذا فيقال: إن كان أقل ما لا يخلص بعضه إلى بعض هو أقل ما لا يتحرك بالاغتسال يكون بالضرورة أقل ما لا يتحرك بالتوضؤ مما يخلص فيكون في حد القلة، والرواية مبدأ حد الكثرة، وكذا أقل ما لا يتحرك بالتوضؤ يكون مما يتحرك بالاغتسال بالضرورة، وكذا أقل ما لا يتحرك بغسل اليد يكون ما لا يتحرك بالتوضؤ فلا يتصور أن يكون أقل ما لا يخلص بعضه إلى بعض هو أقل ما لا يتحرك أحد طرفيه بتحرك الطرف الآخر على اعتبار الروايات كلها للتنافي، وإن كان على اعتبار التحريك بأحد الروايات، فليس في الكلام ما يفيده ولا يصح له وجه؛ لأنه امتحان أمرٌ حسّيّ بأمر حسّيّ. قوله: "وامتحن المشايخ الخلوص بالمساحة، فوجدوه عشرً في عشرٍ" يتأتى في فساد ما تقدم؛ لأنهم إن كانوا امتحنوا ما لا يخلص بحركة الاغتسال ورد عليه رواية التوضؤ، وغسل اليد .. الخ ما قدمناه، وفيه مخالفة لما ذكروه في عامة الكتب المطولات عن محمد -رحمه الله- أنه سئل عن الغدير العظيم، ¬

_ (¬1) بالأصل زيادة: "بإجماع الأمة" إلا أنه مضروب عليها. (¬2) أي بالإجماع السابق. (¬3) كذا بالأصل: والصواب: " باليد "، وهو الموافق للروايات المذكورة في المذهب، وهو الموافق أيضا للسياق.

فقال: قدر مسجدي هذا فذرع (¬1)، فكان عشراً في عشرٍ من خارج الجدار إلى آخره، ولما قاله نوح الجامع (¬2) في جامعه عن محمد - رحمه الله – أنه كان يوقت بعشراً في عشرٍ، ولفظ المشايخ في عرفهم يراد به من بعد أبي حنيفة وصاحبيه، وإذا كانت المسألة منصوصة عن أحد الثلاثة لا يقال فيها امتحن المشايخ .. الخ. قوله: "وقال أبو مطيع: إذا كان خمسة عشر في خمسة عشر لا يخلص". يقال للمصنف: لو كان امتحان المشايخ على ما ذكرت لم يتصور أن يقع فيه خلاف لأن ما وجد علي كمية مخصوصة لا يعقل مخالفته، وإن كان قول أبي مطيع على اعتبار التحريك بالاغتسال (ق3 / أ) وقول المشايخ الذي نسب إليهم الامتحان بعشر على اعتبار غير الاغتسال نفي قوله، وهذا معنى قولهم لا يتحرك إلى آخره ... (¬3) وعلى هذا فالخمسة عشر أعلى الاعتبارات، فما معنى قوله بعد ذلك: "أما العشرون في العشرين، فلا أجد في نفسي منه شيئاً". قوله: "وإن كان له طول ولا عرض له فالأصح أنه لو كان بحال لو ضم طوله إلى عرضه يصير عشراً في عشرٍ فهو كثير" مبني على أن الكثرة أثراً، وسيأتي ما يظهر به فساده. قوله: "والمختار في العمق ما لا ينحسر أسفله بالغرف" مقابل هذا المختار ذراع، وشبر، وعرض ... (¬4)، وما يستر وجه الأرض ¬

_ (¬1) أي قيس بالذراع، والذراع هي بسط اليد ومدها، وأصله من الذراع وهو الساعد، وهو ما بين طرفي المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى، ومقداره في المذهب الحنفي (375 ,46) سم، وانظر رسالة المكاييل والموازين الشرعية (ص/50). (¬2) هو نوح بن أبى مريم، أبو عصمة القرشى قاضى مرو، ويعرف بنوح الجامع سمى الجامع لأنه أخذ الرأى عن أبى حنيفة، وابن أبى ليلى والحديث عن حجاج بن أرطاة ومن كان فى زمانه، وأخذ المغازى عن محمد بن إسحاق، والتفسير عن الكلبى، ومقاتل، وكان مع ذلك عالما بأمور الدنيا، فسمى نوح الجامع كان فقيها واسع العلم وكان له أربع مجالس مجلس للأثر ومجلس لأقاويل أبي حنيفة ومجلس للنحو ومجلس للشعر إلا أنهم كذبوه في الحديث، وَقِيلَ: كَانَ مُرْجِئًا توفي سنة ثلاث وسبعين ومائة. وانظر ترجمته في الجواهر المضية (1/ 176)، تاج التراجم (1/ 146)، معجم المؤلفين (13/ 119)، وتاريخ الإسلام (4/ 757)، وغيرها. (¬3) كلمة غير واضحة بالأصل. (¬4) كلمة غير واضحة بالأصل.

وفيه دليل على فساد ما تقدم، وذلك أن امتحان الخلوص بالاغتسال لا يتصور في حد العمق، ولا يمكن أن يقال فيه بطريق الفرض؛ لأن الكلام في أنهم امتحنوا ما لا يخلص بنفسه بفعل حسي، وهو الاغتسال على زعمه، ثم ذرعوا ما لا يتحرك، فوجدوه عشراً في عشرٍ هذا ظاهر كلامه على ما لا يخفى. قوله: "ثم إن كانت النجاسة مرئيّة لا يتوضأ من موضع الوقوع"، يقال له: إذا كان الحكم هذا فأين الأصل الذي هو ادعيته، وهو أن الكثير لا ينجس، وكيف خرج هذا عن دليل الأصل الذي أوردته، وهو الحديث به، فليزمك أحد أمرين: إما عدم صحة الأصل الذي ادعيته، أو عدم صحة دلالة الحديث عليه، أو مخالفة الحديث بالرأي قوله: لاحتمال انتقالها إذا كان فرض المسألة في نجاسة مائعة وقعت في ما راكد فأين تنتقل؟ وهذا لا يجري هذا الاحتمال في البئر إذا وقعت فيها نجاسة مائعة ونزح بعضها. قوله: "ومنهم من قال: لا يجوز أيضاً؛ لأن الظاهر بقاؤها في الحال" ظاهر السوق أن هذا مرجوح بالنسبة إلى المتقدم، وقد صرح بذلك صاحب التحفة والبدائع على مآتي فقال له: قد علم أن الحكم يكون مع الظاهر، إلا أن يقوم دليل يخالفه، فكيف (ق3 / ب) كان الراجح هنا بخلاف الظاهر بلا دليل، واحتمال الانتقال قد علمت ما فيه، ثم مفهوم قوله: "بقاؤها في الحال" أنه إذا أتى عليها زمان بات يجوز بلا خلاف، ولم يظهر له وجه؛ لأنه متى حكم بنجاسته في الحال للاختلاط لا يحكم بطهارته بعد الاستهلاك، وهذا الكلام وإن كان قد سبق إليه الشيخ علاء الدين السمرقندي (¬1) في التحفة؛ حيث قال: "وأما إذا كان الماء راكداً اختلف العلماء. قال أصحاب الظواهر: بأن الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه كيفما كان؛ لقوله -عليه السلام-: "خلق الماء طهوراً لا ينجسه شيء" (¬2)، وقال عامة العلماء: إن كان الماء قليلاً ينجس، وإن كان كثيراً لا ينجس، ¬

_ (¬1) هو محمد بن أحمد بن أبي أحمد، الإمام، علاء الدين، أبو منصور، السمرقندي. تفقه عليه الإمام أبو بكر بن مسعود الكاساني، وغيره. وله كتاب "تحفة الفقهاء" واللباب في الأصول، وغير ذلك. توفي نحو (540 هـ) وترجمته في الجواهر المضية (2/ 6)، الأعلام للزركلي (5/ 317)، معجم المؤلفين لكحالة (8/ 228) وغيرها. (¬2) لا أصل له: الحديث بهذا اللفظ لم أقف عليه، وقال ابن حجر في موافقة الخبر الخبر (1/ 485) عن حديث: (خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه): الحديث بهذا السياق لا يوجد في شيء من كتب الحديث.

واختلفوا في الحد الفاصل بينهما، فقال مالك: إن كان بحال يتغير طعمه أو لونه أو ريحه فهو دليل (¬1)، وإن كان لا يتغير فهو كثير، وقال الشافعي: إذا بلغ الماء قلتين فهو كثير لا يحمل الخبث؛ لورود الحديث (¬2)، وقال العلماء (¬3) -رضي الله عنهم-: وإن كان الماء بحال يخلص بعضه إلى بعض فهو قليل، وإن كان لا يخلص فهو كثير، واختلفوا في تفسير الخلوص. اتفقت الروايات عن أصحاب المتقدمين أنه يعتبر بالتحريك، فإن تحرك طرف منه بتحرك الجانب الآخر، فهذا مما يخلص، وإن كان لا يتحرك فهو مما لا يخلص، ولكن في رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة يعتبر التحريك بالاغتسال، وفي رواية محمد بالوضوء والمشايخ المتأخرين اعتبر بعضهم الخلوص بالصبغ، بالتحريك، بالتكدير (¬4) وقال بعضهم بالمساحة إن كان عشرًا في عشرٍ فهو مما لا يخلص، وإن كان دونه فهو مما يخلص، وبه أخذ مشايخ بلخ، ثم إن كانت النجاسة مرئيّة (¬5) مثل أن يبول فيه إنسان أو اغتسل فيه جُنُب اختلف المشايخ فيه. قال مشايخ العراق: بأن حكم المرئيّة وغير المرئيّة سواءً، فإنه لا يتوضأ من الجانب الذي وقعت (ق4/ أ) فيه النجاسة، وإنما يتوضأ من الجانب الآخر بخلاف الماء الجاري، ومشايخنا فصلوا بين ... الأمرين كما قالوا جميعاً في الماء الجاري، وهو الأصح" (¬6). انتهى وتبعه الشيخ الإمام أبو بكر الكاساني (¬7) في "البدائع" فقال: "فإن كان راكداً فقد اختلف فيه. قال أصحاب الظوهر: أن الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه أصلاً سواء كان راكداً أو جارياً وسواء كان قليلاً أو كثيراً تتغير لونه أو طعمه أو رائحته أو لم يتغير، وقال عامة العلماء: إن كان قليلاً ينجس، وإن كان كثيراً لا ينجس؛ ¬

_ (¬1) كذا بالأصل: والصواب: "قليل". (¬2) أي حديث القلتين وسيأتي. (¬3) أي من الحنفية، وبالتحفة التي ينقل عنها: "وقال علماؤنا". (¬4) ونص العبارة بالتحفة: (اعتبر بعضهم الخلوص بالصبغ وبعضهم بالتكدير وبعضهم بالمساحة). (¬5) كذا بالأصل: والصواب "غير مرئية" كما في "التحفة. (¬6) تحفة الفقهاء (1/ 57 – 58). (¬7) هو أبو بكر مسعود بن أحمد، علاء الدين الكاساني - الفقيه الحنفي ويعرف بملك العلماء ونسبته إلى كاسان بلدة كبيرة بتركستان خلف سيحون وراء الشاش، ومن أهم مصنفاته: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع وكتاب السلطان المبين في أصول الدين، توفي في 587هـ، وترجمته في الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 244)، الأعلام للزركلي (3/ 76 - 77)، سير أعلام النبلاء (4/ 305) 0

لكونهم اختلفوا في الحد الفاصل بين القليل والكثير. قال مالك: إن تغير لونه أو طعمه أو رائحته فهو قليل، وإن لم يتغير فهو كثير، وقال الشافعي: إذا بلغ الماء قلتين فهو كثير والقلتان عنده خمس قرب كل قربة خمسون منًّا فيكون جملته مائتين وخمسون منًّا. وقال أصحابنا: إن كان بحال يخلص بعضه إلى بعض فهو قليل، وإن كان لا يخلص فهو كثير، فأما أصحاب الظواهر فاحتجوا بظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الماء طهور لا ينجسه شيء" (¬1) واحتج مالك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "خلق الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته" (¬2)، وهو تمام الحديث أو بني العام على الخاص عملا الدليل (¬3)، واحتج الشافعي - رضي الله عنه - بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا بلغ الماء قلتين لا يحمل خبثاً" (¬4) –أي يرفع الخبث عن نفسه- وقال الشافعي: قال ابن جريج: أراد بالقلتين قلال هجر كل قربة تسع فيها قربتين وشيئاً. قال الشافعي: وشيء مجهول، فقدرته بالنصف احتياطاً، ولنا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) صحيح - أخرجه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن، والنسائي، وأحمد: (3/ 31، 86)، وغيرهم من حديث أبي سعيد – رضي الله عنه – به، وقال ابن حجر في التلخيص: (1/ 13): "صححه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين". (¬2) إسناده ضعيف بهذا التمام – أخرجه ابن ماجه، والطبراني في "الكبير"، و"الأوسط"، والدارقطني من طريق رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح عن راشد ين سعد عن أبي أمامة رضي الله عنه به، وفي إسناده رشدين بن سعد قال عنه في «التقريب»: «ضعيف»، وفي «التلخيص»: «متروك»، والحديث ضعفه الشافعي، والدارقطني، والحافظ، وقال النووي: "اتفق المحدثون على تضعيفه"، إلا أن الإجماع منعقد على معنى هذه الزيادة. (¬3) كذا بالأصل، وفي البدائع: " بالدليلين". (¬4) صحيح: أخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد (2/ 12، 26، 38)، والدارمي (1/ 186 - 187)، والشافعي في «المسند» (ص7)، وعبد بن حميد (817) (ص259)، وابن الجارود (44) (ص23)، وابن خزيمة (92) (1/ 49)، وغيرهم من طريق محمد بن جعفر عن عبدالله، وعند بعضهم عبيدالله بن عبدالله بن عمر عن ابن عمر رضي الله عنهما به، والحديث صححه الطحاوي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والنووي، وابن حجر، وغيرهم، وأما إعلال البعض له بالاضطراب فإنما ذلك في بعض طرقه الضعيفة.

أنه قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمسن يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده" (¬1)، ولو كان الماء لا ينجس بالغمس لم يكن للنهي والاحتياط توهم النجاسة معني، وكذا الأخبار مستفيضة في الأمر (ق4/ ب) بغسل [الإناء] (¬2) من ولوغ الكلب مع أنه لا يغير لونه ولا طعمه ولا ريحه. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لايبول أحدكم في الماء الراكد، ولا يغتسل فيه من جنابة" (¬3) من غير فصل بين بين دائم ودائم، وهذا نهي عن تنجس الماء؛ لأن البول والاغتسال في ما لا ينجسه لكثرته ليس بنهي، فدل على كون الماء الدائم مطلقاً محتملا النجاسة لاحتمام النجاسة (¬4)؛ إذا النهي عن تنجس ما لا يحتمل النجاسة ضرب من السفة، وكذا الماء الذي يمكن الاغتسال فيه يكون أكثر من قلتين، والبول والاغتسال فيه لا يغير لونه ولا طعمه ولا ريحه. وعن ابن عباس وابن الزبير - رضي الله عنهما - أنهما أمرا في زنجي وقع في بئر زمزم ينزح ¬

_ (¬1) صحيح: البخاري، ومسلم، وغيرهما من طرق عن أبي هريرة - رضي الله عنه – به إلا أن البخاري لم يذكر العدد. (¬2) زيادة من البدائع. (¬3) غير محفوظ بهذا اللفظ - أخرجه أبو داود، وأحمد، وابن أبي شيبة، وابن حبان والبيهقي وغيرهم من طريق محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه، ورواه أبو عبيد في "الطهور"، والطحاوي في "معني الآثار" من طريق ابن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه، وهذا الحديث بهذا اللفظ غير محفوظ، فإسناده وإن كان جيدا ومحمد بن عجلان صدوقا إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة، وقد خالف جماعة من الحفاظ من أصحاب أبي هريرة في سياقه للحديث ومنهم: همام بن منبه، محمد بن سيرين، وعبدالرحمن بن هرمز الأعرج، وحميد بن عبدالرحمن الحميري، في لفظه ولفظه عندهم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) متفق عليه وهذا لفظ ابن هرمز عند البخاري. والنهي في هذا الحديث أخص من حديث الباب، والكلام ليس في ثبوت النهي عن البول في الماء الدائم بمفرده، أو الاغتسال فيه من الجنابة بمفرده، وإنما الكلام على جمع الحدثين في حديث واحد على نحو الرواية المذكورة وانفراد ابن عجلان بها ومخالفته الثقات فيه يدل على أنه لم يحفظه كما قال البيهقي. (¬4) قوله: " لاحتمام النجاسة" غير موجود بالبدائع، والأولى حذفه.

ماء البئر كله (¬1)، ولم يظهر أثر في الماء، وكان الماء أكثر من قلتين، وذلك بمحضر من الصحابة - رضي الله عنهم -، ولم ينكر عليهما أحد فانعقد الإجماع من الصحابة على ما قلنا، وعرف بهذا الإجماع أن المراد بما رواه مالك هو الماء الكثير والجاري وبه تبين أن ما رواه الشافعي غير ثابت؛ لكونه مخالفاً لإجماع الصحابة - رضي الله عنهم -، وخبر الواحد إذا ورد مخالفاً للإجماع يرد، [يدل] (¬2) عليه أن علي بن المديني قال لم يثبت هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال أبو داود: لا يكاد يصح لواحد من الفريقين حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تقدير الماء، ولهذا رجع أصحابنا في التقدير إلى الدلائل الحسية دون الدليل (¬3) السمعية، ثم تفسير الخلوص، فاتفقت الروايات عن أصحابنا أنه يعتبر الخلوص بالتحريك، وهو أنه إن كان بحال لو حرك طرف منه بتحرك الطرف الآخر فهو ما يخلص، وإن كان لا يتحرك فهو مما لا يخلص، وإنما اختلفوا في جهة التحريك. فروي عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه يعتبر التحريك بالاغتسال من غير عنف. وروى محمد عنه أنه يعتبر التحريك بالوضوء في رواية باليد من غير (ق5 / أ) اغتسال ولا وضوء، ¬

_ (¬1) أثر ابن عباس أخرجه الدارقطني، وعنه البيهقي عن عبدالله بن زياد عن أحمد ابن منصور عن محمد بن عبدالله الأنصاري عن هشام عن محمد بن سيرين: (أن زنجيا وقع في زمزم - يعني فمات فأمر به ابن عباس -رضي الله عنهما-فأخرج وأمر بها أن تنزح ... ) وهذا إسناد منقطع بين ابن سيرين وابن عباس كما قال ابن المديني، وابن معين، البيهقي، وغيرهم، وله طرق أخرى ضعيفة عن ابن عباس، قال النووي في المجموع (1/ 116): لا أصل له روي من أوجه كلها ضعيفة. اهـ والأثر ضعفه أيضا الزيلعي في نصب الراية (1/ 129)، وابن حجر في الدراية (1/ 60). وأما اثر ابن الزبير فأخرجه أبو عبيد في "الطهور" والطحاوي في "معاني الآثار"، وابن المنذر في "الأوسط" من طريق هشيم، قال: أخبرنا منصور بن زاذان، عن عطاء أن زنجيا، مات في زمزم فأمر ابن الزبير أن ينزح حتى غلبهم الماء. (¬2) غير موجودة بالأصل، وأثبتناها من البدائع (1/ 72)، والسياق يقتضيها. (¬3) كذا بالأصل، والصواب الدلائل، وكذا هي بالبدائع.

واختلف المشايخ، فالشيخ أبو حفص الكبير البخاري (¬1) اعتبر الخلوص بالصبغ، وأبو نصرمحمد بن محمد بن سلام (¬2) اعتبره بالتكرير، وأبو سليمان الجوزاني (¬3) اعتبره بالمساحة، فقال: إن كان عشر في عشر فهو مما لا يخلص، وإن كان دونه فهو مما يخلص. وعبد الله بن المبارك اعتبره بالعشرة أولاً ثم بخمسة عشر ثانية. ذهب أبو مطيع فقال: إن كان خمسة عشر في خمسة عشر أرجو أن يجوز، وإن كان عشرين في عشرين لا أجد في قلبي شيئاً. وروي عن محمد أنه قدره بمسجده، وقال مسجده ثمان في ثمان، وبه أخذ محمد بن سلمة، وقيل كان مسجده عشراً في عشرٍ، وقيل مُسِحَ مسجده فوجد داخله ثمان في ثمان وخارجه عشراً في عشرٍ إلى أن قال: ثم إن النجاسة إذا وقعت في الحوض الكبير كيف يتوضأ منه؟ فنقول: النجاسة لا تخلوا إما أن تكون مرئيّة أو غير مرئيّة، فإن كنت مرئيّة كالجيفة ونحوها ذكر في ظاهر الرواية أنه لا يتوضأ من الجانب الذي فيه الجيفة، ويتوضأ من الجانب الآخر، ومعناه أنه يترك من موضع النجاسة بقدر حوض صغير، ثم يتوضأ كما فسره في الإملاء عن أبي حنيفة؛ لأنا تيقنا بالنجاسة في ذلك الجانب وشككنا فيما وراءه. وروي عن أبي يوسف أنه يجوز التوضؤ من أي جانب كان إلا إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه؛ لأن حكمه حكم الماء الجاري، ولو وقعت الجيفة في وسط الحوض على قياس ظاهر الرواية إن كان بين الجيفة وبين كل جانب في الحوض مقدار ما لا يخلص بعضهم إلى بعض يجوز التوضؤ فيه، وإلا فلا لما ذكرنا، ¬

_ (¬1) هو أحمد بن حفص المعروف بأبي حفص الكبير البخاري الإمام المشهور أخذ العلم عن محمد بن الحسن وله أصحاب لا يحصون ببخارى، وكان في زمن محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح. وترجمته في الجواهر المضية (1/ 67)، تاج التراجم (ص/95)، والطبقات السنية (1/ 103). (¬2) هو محمد بن محمد بن سلام البلخي أبو نصر من أقران أبي حفص الكبير روى عن نصير بن يحيى البلخي، مات سنة خمس وثلاث مائة رحمه الله تعالى، وترجمته في الجواهر المضية (2/ 117). (¬3) هو موسى بن سليمان أبو سليمان الجوزجاني كان رفيقا للمعلي بن منصور فى أخذ الفقه ورواية الكتب وهو أسن وأشهر من المعلي وتوفي بعد الثمانين لما عرض عليه المأمون القضاء قال يا أمير المؤمنين أحفظ حقوق الله فى القضاء ولا تول على أمانتك مثلي فإني والله غير مأمون الغضب ولا أرضى لنفسي أن أحكم فى عباده قال صدقت وقد أعفيناك فدعا له بخير ومن تصانيفه السير الصغير وكتاب الصلاة وكتاب الرهن، ترجمته في الجواهر المضية (2/ 187).

وإن كانت غير مرئيّة بأن بال فيها إنسان أو اغتسل جنب اختلف المشايخ فيه قال مشايخ العراق: أن حكمه حكم المرئيّة حتى لا يتوضأ من ذلك الجانب، وإنما يتوضأ من الجانب الآخر لما ذكرنا (ق5/ ب) في المرئيّة بخلاف الماء الجاري؛ لأنه ينقل النجاسة من موضع إلى موضع، فلم يتيقن بالنجاسة في موضع الوضوء، ومشايخنا مما وراء النهر فصلوا بينهما في غير المرئية أنه يتوضأ من أي جانب كان كما قالوا جميعاً في الماء الجاري وهو الأصح؛ لأن غير المرئية لا يستقر في الجانب الذي يتوضأ منه، فلا يحكم بنجاسة بالشك على الأصل المعهود أن اليقين لا يزول بالشك بخلاف المرئية. ... انتهى وكان قبل هذا قال فإن وقع في الماء، فإن كان جارياً فإن كان جارياً، فإن النجس غير مرئي كالبول، والخمر ونحوهما لا ينجس ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه، ويتوضأ منه من أي موضع كان من الجانب الذي وقع فيه النجس أو من الجانب الآخر كذا ذكره محمد في كتاب "الأشربة" لو أن رجلاً صب خابية من خمر في الفرات ورجل آخر أسفل منه يتوضأ به إن تغير لونه أو طعمه أو ريحه لا يجوز، وإن لم يتغير يجوز، وعن أبي حنيفة في جاهل بال في الماء الجاري، ورجل أسفل منه يتوضأ به. قال: لا بأس به، وهذا لأن الماء الجاري مما لا يخلص بعضه إلى بعض فالماء الذي يتوضأ منه يحتمل أنه نجس ويحتمل أنه طاهر، والماء طاهر في الأصل فلا يحكم بنجاسة بالشك، وإن كانت النجاسة مرئيّة الجيفة ونحوها، فإن كان جميع الماء يجري على الجيفة لا يجوز الوضوء من أسفل الجيفة لا (¬1) نجس بيقين والنجس لا يطهر بالجريان، وإن كان أكثره يجري على الجيفة، فكذلك لأن العبرة للغالب، وإن كان أقله يجري على الجيفة والأكثر يجري على الطاهر يجوز التوضؤ به من أسفل الجيفة؛ لأن المغلوب ملحق بالعدم في أحكام الشرع، وإن كان يجري عليها النصف أو دون النصف، فالقياس أن يجوز التوضؤ به؛ لأن الماء كله طاهر بيقين، فلا يحكم بقوله (¬2) نجساً بالشك، وفي الاستحسان لا يجوز (ق6 / أ) احتياطاً. انتهى وفيه ما في الأول وزيادة، وأنا أبين لك ذلك: قوله: وقال أصحاب الظواهر أن الماء لا ينجس بوقوع النجاسة يتبادر منه أنه يجوز استعماله عندهم؛ حيث لم يحكم يتنجيسه، وليس كذلك بل قالوا: لا ¬

_ (¬1) كذا بالأصل، والصواب: "؛ لأنه نجس" كذا في البدائع. (¬2) كذا بالأصل، والصواب: " بكونه " كذا في البدائع.

ينجس الجواهر الماسة في نفسها، ولكن لا تستعمل لاتصال النجاسة بها، وعدم إمكان تمييزها من النجاسة قال الحافظ علي بن حزم (¬1) في كتابه المسمى بالمحلي: "وأما إذا تغير لون الحلال الطاهر بماء مازجه من نجس أو حرام وتغير طعمه بذلك أو تغير ريحه بذلك، فإنا حينئذ لا نقدر على استعمال الحلال إلا باستعمال الحرام، واستعمال الحرام في الأكل والشرب وفي الصلاة حركة (¬2) -كما قلنا- وكذلك وجب الامتناع منه لا لأن الحلال الطاهر حرم وتنجست عينه، ولو قدرنا على تخليص الحلال الطاهر من الحرام النجس لكان حلالاً بحسبه. قوله: وإن كان كثيراً لا ينجس هذا لم يقل به العامة هكذا بل قيدوه بعدم التغير، فقالوا: لا ينجس ما لم يتغير. قوله، وقال أصحابنا إن كان بحال يخلص بعضه إلى بعض فهو قليل، وإن كان لا يخلص فهو كثير هذا يوهم أن أصحابنا يقولون في الكثير أنه لا ينجس جميعه، وليس كذلك وفروعهم ناطقة بأنه ينجس كله التقديري وبعضه الحقيقي كما مر، وسنحقق هذا إن شاء الله تعالى. وأما وساق حديث المستيقظ، وفيه ما قاله شيخنا في شرح الهداية (¬3): "قلنا: ليس فيه تصريح بتنجس الماء بتقدير كون اليد نجسة، بل ذلك تعليل منا للنهي المذكور، وهو غير لازم، أعني تعليله بتنجس الماء عيناً بتقدير نجاستها بجواز كونه الأعم من النجاسة والكراهة فنقول: نهى لتنجس الماء بتقدير كونها متنجسة ¬

_ (¬1) هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن خلف بن سعد بن سفيان بن يزيد. كنيته: أبو محمد. ويعرف بابن حزم الأندلسي نسبة إلى بلاد الأندلس، فقيه ظاهري، أصولي، حافظ، متكلم، ولد في 384هـ في قرطبة، ومن أهم مصنفاته: المحلى (في الفقه الظاهري)، الفِصَل في الملل والأهواء والنحل، جمهرة الأنساب، الناسخ والمنسوخ، حجة الوداع، التقريب لحد المنطق والمدخل إليه، جوامع السيرة، الأحكام لأصول الأحكام، المفاضلة بين الصحابة طوق الحمامة (في الأدب)، إبطال القياس والرأي، مراتب العلوم وديوان شعر0 وترجمته في الأعلام للزركلي (4/ 254)،الوافي بالوفيات (20/ 93)،سير أعلام النبلاء (18/ 184)، وغيرهم. (¬2) كذا بالأصل، والصواب: "حرام" والتصويب من المحلى وحسبما يقتضيه السياق. (¬3) يشير إلى: كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام (المتوفى: 861هـ)، وقد اشتدت عنايته بملازمة ابن الهمام بحيث سمع عليه غالب ما كان يقرأ عنده في هذه الفنون وغيرها، وذلك من سنة خمس وعشرين حتى مات، وكان معظم انتفاعه به ومما قرأه عليه الربع الأول من «شرحه للهداية» المعروف بفتح القدير.

بماء غيِّر (¬1) ولكراهة (¬2) بتقدير كونها بما لا يغير". انتهى (¬3) قوله: "وكذا الأخبار مستفيضة في الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب". فيه أن الأمر بالغسل لا يلزم وأن يكون للنجاسة؛ (ق6 / ب) لجواز أن يكون لمنع تعدى خبث الطبع. قوله: وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من نجاسة (¬4) من غير فصل دائم ودائم ... الخ يقال عليه: انظر هل أنت من أكبر مخالفي هذا الحديث؛ حيث قلت أنت ومشايخك: أنه يتوضأ من الجانب الآخر في المرئيّة ويتوضأ من أي جانب كان في غير المرئية، كما إذا بال فيه إنسان أو اغتسل جنب. أم أنت من العاملين به؟! فإنه لا أعجب ممن يستدل بحديث هو أحد من خالفه. قوله: وعن ابن عباس وابن الزبير - رضي الله عنهما - أنهما أمرا في زنجي وقع في بئر زمزم بنزح الماء كله (¬5)، ولم يظهر أثره في الماء. قوله: من قبل تفسد لا من الأثر المروي. قال الشافعي في "القديم": قد رويتم عن ابن عباس رفعه: "الماء لا ينجسه شيء" افتراء أن ابن عباس روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم – خبرا وتركه إن كانت هذه رواية وتروون عنه أنه توضأ من غدير يدافع جيفة وتروون عنه "الماء لا ينجس"، فإن كان شيئاً من هذا صحيحاً فهو يدل على أنه لم ينزح زمزم للنجاسة، ولكن للتنظيف إن كان فعل، وزمزم للشرب، وقد يكون الدم ظهر على الماء حتى رأى فيه. انتهى قوله: ولم ينكر عليهما أحد، فانعقد الإجماع من الصحابة على ما قلنا، وإذا كان من يرى أنها لا يتنجس يرى بجواز ذلك للتنظيف والتطيب كيف ينكره. قوله، وعرف بهذا الإجماع أن المراد مما رواه مالك هو الماء الكثير والجاري، فقال: فإذا كان المراد الكثير والجاري فكيف ساغ مخالفته في الجيفة الواقعة في الماء الجاري أو الكثير الراكد. قوله: وبه تبين أن ما رواه الشافعي غير ثابت؛ لكونه مخالفاً لإجماع الصحابة فيه ما تقدم. قوله: ولهذا رجع أصحابنا في التقدير إلى الدلائل الحسيّة. ¬

_ (¬1) كذا بالأصل، والصواب: "بما يُغَيِّرُ" والتصويب من فتح القدير. (¬2) كذا بالأصل، والصواب: " أو الكراهة" والتصويب من فتح القدير. (¬3) انظر فتح القدير (1/ 78). (¬4) ونص عبارته السابقة: "من جنابة". (¬5) سبق تخريجه.

(ق7 / أ) قلت: لم يجعل أحد من علماؤنا الثلاثة الأمور الحسيّة المذكورة دليلاً على الكثيرة، وإنما جعلوا ذلك دليلاً على سريان النجاسة، وليس عند أبي حنيفة أن الكثير لا ينجس جميعه، بل فروعه ناطقة بخلافه. قال الإمام محمد بن الحسن (¬1) في "الأصل" (¬2): "وإذا وقعت الجيفة أو غيرها من النجاسات في حوض صغير لم (¬3) يخلص بعضه إلى بعض لم يستعمل، وإن كان كبير لا يخلص بعضه إلى بعض فلا بأس بأن يتوضأ من ناحية أخرى. وقال الإمام أبو يوسف (¬4) في "الإملاء": قال أبو حنيفة في حوض مسبغة إذا حرك ناحية منه لم تضطرب الناحية الأخرى، فهذا لا ينجسه بول يقع فيه، أو دم، أو جيفة إلا ذلك الموضع وإذا كان يرى بتنجس موضع الوقوع من الماء الكثير كيف يكون قائلاً بأن الكثير لا ينجس كالشافعي -رحمه الله- في القلتين، ومالك في ما يكون بحال لا يتغير بالاختلاط ينجس، وسأنبهك على سر المسألة عنده إن شاء الله تعالى. قوله: ثم اختلفوا في تفسر الخلوص ... الخ هذا ظاهر في أن مراده خلوص الماء بعضه إلى بعض، وليس هو المنظهر إليه لذاته ¬

_ (¬1) هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني , والشيباني نسبة إلى قبيلة شيبان وكنيته أبو عبد الله، فقيه حنفي, أصولي , نحوي فصيح , ويعده الحنفية من طبقة المجتهدين في المذهب. ولد في 132 هـ في مدينة واسط (في العراق)، ومن أهم مصنفاته: الأصل (ويعرف بالمبسوط في الفروع) , الجامع الكبير (جمع فيه أهم مسائل في الفقه) , الحجة على أهل المدينة , الأمالي , السِّيَر الكبير، توفي في 189 هـ في مدينة الري، وانظر ترجمته في الجواهر المضية (2/ 42)، تاج التراجم (ص/237). (¬2) يعنون به كتاب المبسوط للشيباني، وسمي بالأصل لأنه صنفه قبل سائر كتبه المعروفة كما ذكر ذلك ابن عابدين، وانظر الكواشف الجلية (ص/48). (¬3) كذا بالأصل والصواب حذفها حتى تستقيم العبارة، وحذفها هو الموافق لعبارة الشيباني في "الأصل". (¬4) هو الإمام المجتهد العلامة المحدث أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بجير بن معاوية الأنصاري الكوفي حدث عن أبي حنيفة ولزمه وتفقه به وهو أنبل تلامذته وأعلمهم تخرج به أئمة كمحمد بن الحسن ومعلى بن منصور وهلال الرأي وابن سماعه وعدة وعن هلال الرأي قال كان أبو يوسف يحفظ التفسير ويحفظ المغازي وأيام العرب كان أحد علومه الفقه توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة، وترجمته في الجواهر المضية (2/ 220، 519)، تاج التراجم (ص/315)، والسير (8/ 535)، وطبقات الفقهاء (1/ 141).

عند أبي حنيفة -رحمه الله تعالى-، وإ نما المنظور إليه عنده في نفس الأمر الشيوع بالنجاسة، إلا أنه لما كان في غير المرئيّة أمراً خفياً نظر إلى ما يدل عليه وهو إما خلوص الماء بنفسه أو الحركة بما ذكر، وغيره استدل على خلوصها الباطن بالصبغ الظاهر أو التكرير، كما نقل، وبعضهم خمن أنها لا تخلص إلى مقدار عشرة أذرع، وبعضهم خمسة عشر كما نقلت عنهم، وهذا مما وعدتك بالتنبيه عليه. قال شيخ الإسلام أبو بكر خُوَاهَر زَادَه (¬1) في كتابه المسمى بـ "المبسوط": واختلفوا بعد هذا بأي سبب يعرف خلوص النجاسة إلى الجانب فاتفقت الروايات عن علمائنا الثلاثة أنه يعتبر بالتحريك واختلفوا في سببه وبهذا تبين ما قدمته (ق7 / ب) لك من أن الدلائل المذكورة دلائل خلوص النجاسة لا دلائل الكثرة التي لا يكون معها التنجس إلا بالظهور كما زعم من لم يحقق سر المسألة عند أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- وعبارة الاختيار والتحفة والبدائع ومن تبعهما صريحة في أن المراد خلوص الماء في الجانب الآخر، وأنه دليل الكثرة، وحيث علمت هذا علمت أن نظر الإمام بعد سطح الماء لا إلى العمق، فظهر عدم صحة ما صححه من أنه إذا لم يكن له عرض ... الخ. رد عند تقارب الجوانب يعم السريان، والله أعلم. وممن ظن صحة هذا التقسيم المذكور في أول المسألة قال شيخنا في "شرح الهداية" مما استدل به المصنف للمذهب من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يبولن أحدكم في الماء الراكد"؛ لحديث "لا يمس" محل الخلاف، وهذا لأن حقيقة الخلاف إنما هو في تقدير الكثير الذي يتوقف تنجسه على تغيره. انتهى وأنا أقول: أن هذا التقدير لا يعرف عن أبي حنيفة -رحمه الله- ¬

_ (¬1) هو محمد بن الحسين بن محمد بن الحسن البخاري، المعروف بـ"بكرخُوَاهَر زَادَه"،كان إمامًا، فاضلًا، له طريقة حسنة مفيدة، جمع فيها من كل فن. وله كتاب "المبسوط". سمع أباه، وأباالفضل منصور الكاغدي، وجماعة. وأملى ببخارى مجالس، وخرَّج له أصحاب أئمة، وكان عالم ما وراء النهر. توفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة. ترجمته في تاج التراجم (ص/259)، الإعلام (6/ 100)، ومعجم المؤلفين (9/ 253).

النظر إليه بوجه، وإنما حقيقة مذهبه ما قال الرازي (¬1) في أحكام القرآن من سورة الفرقان، وهو قوله: وأما الماء الذي خالطته نجاسة، فإن مذهب أصحابنا فيه أن كل ما تيقنا فيه جزء من النجاسة، أو غلب في الظن ذلك لم يجز استعماله ولا يختلف في هذا الحد ماء البحر وماء البئر والغدير والماء الراكد والماء الجاري؛ لأن ماء البحر لو وقعت فيه نجاسة لم يجز استعمال الماء الذي فيه النجاسة، وكذلك الماء الجاري، وأما اعتبار أصحابنا للغدير إ ذا حرك أحد طرفيه لم يتحرك الطرف الآخر، فإنما هو كلام في جهة تغليب الظن في بلوغ النجاسة الواقعة في أحد طرفيه إلى طرف الآخر، وليس هذا كلاما في أن بعض المياه الذي فيه النجاسة قد يجوز استعماله، وبعضها لا يجوز استعماله، ولذلك قالوا: لا يجوز استعمال الماء الذي في الناحية التي فيها النجاسة. انتهى وهو صريح فيما قلت بخلاف ما زعمه من قدمنا ذكره. قوله: النجاسة لا تخلوا إما أن تكون مرئيّة أو غير مرئيّة، فإن كانت مرئيّة كالجيفة ونحوها ذكر في ظاهر (ق 8 / أ) الرواية أنه لا يتوضأ من الجانب الذي فيه الجيفة، ويتوضأ من الجانب الآخر هذا خارج عن الأصل الذي قرره، وهو أن الكثير لا تنجس، ومخالف لمحمل الحديث عنده؛ حيث قال: أن المراد من الكثير والجاري، وكذا قوله: ولو وقعت الجيفة في وسط الحوض، وكذا قوله: وإن كانت غير مرئية على كلا القولين المذكورين لمشايخ العراق ومشايخ ما وراء النهر، وكذا التفصيل المذكور في الجيفة الواقعة في النهر الكبير والصغير كل مخالف للأصل المذكور والحديث. قوله: لأن غير المرئية لا تستقر في الجانب الذي يتوضأ منه، فلا يحكم بنجاسته بالشك على الأصل المعهود، وأن اليقين لا يزول بالشك بخلاف المرئية. هذا إنما يتصور لو كانت النجاسة مستجدة متجسدة، وأما إذا كانت مائعة فهي لمخالطتها الماء في موضع الوقوع نجسة، وانتشرت في غيره وماس المتنجس غيره ¬

_ (¬1) هو أحمد بن علي الرازي , ولقب بالجصاص نسبة إلى عمله بالجص وكنيته أبو بكر، ولد في 305 هـ في بغداد، انتهت إليه رئاسة المذهب الحنفي في عصره وكان إماما , مفسرا , أصوليا. ومن أهم مصنفاته: أحكام القرآن , شرح مختصر الكرخي , شرح مختصر الطحاوي , شرح الجامع شرح الأسماء الحسنى , وله كتاب في القضاء وآخر في أصول الفقه سماه الأصول في الفصول. توفي في370 هـ ودفن في بغداد. وانظر ترجمته في الجواهر المضية (1/ 84)، تاج التراجم (ص/96)، الطبقات السنية (ص/122).

فنجسه، ولا يبقى اليقين بطهارة الماء مع العلم باختلاطه بالنجاسة، وفرض المسألة في الماء الراكد تمنع تجوز انتقال النجاسة بما خالطته، ومع تقدير التحريك والاضطراب تخليص المتنجس بالطاهر، فيبطل هذا التمويه، ولو كان ثم يقين لما احتمل جواز النقيض، ثم محل الأصل المعهود الذي أشار إليه أن يكون الطارئ على الأصل مجرد التجويز من غير مزيد. قال محمد بن الحسين -رحمه الله تعالى-: إذا علم المتوضئ دخوله الخلاء للحاجة وشك في قضائها قبل خروجه فعليه الوضوء، وفيما نحن فيه طرأ عمل يقين الطهارة يقين اختلاط النجاسة بموضع الوقوع، فكيف يتصور ما ذكر. قوله: لأن الماء الجاري مما لا يخلص بعضه إلى بعض ... الخ، هذا مما لا يكاد يفهم، والله سبحانه أعلم. ومن نظر تدافع أمواج الأنهار لما فيها من المرئيات جزم بخلاف مقتضى هذه العبارات والعلة عند غيره أن النجاسة لا تستقر مع الجريان، فما لم يجد فيما يقترفه أثر النجاسة يعلم أنها لم تكن فيه وهاهنا بحث آخر من وجوه: أحدها أنهم قالوا في اختلاط الماء المطلق (ق 8 / ب) باللعاب المشكوك في طهارته ونجاسته أنه لا يطهر، ولم يجوز فيه احتمال الانتقال، ولا ننظر إلى أن الأصل في الماء الطهارة، فلا يزول اختلاط المشكوك فيه، ويكون مطهراً على حاله، بل قالوا عند تبعية الأصول كان الماء طاهراً بيقين فلا ينجس بالشك، وكان الحدث ثابتاً بيقين فلا يزول بالشك، فهذا الماء الذي يشك في تنجسه أولى بالمنع من التطهرية من ذلك، وأولى أن يقال فيه: كان الحدث ثابتاً بيقين فلا يرتفع بالشك، ولم يرو عنهم اختصاص مسألة السؤر بنحو ماء الأواني لتفارق ما نحن فيه. الوجه الثاني: أنهم قالوا في علة البطن (¬1) من التطهير بالماء المستعمل أنه بواسطة استعمال (¬2) لم يبقى في معنى المنزل من السماء، وهذا أولى أن يقال فيه أنه بعد اختلاط النجاسة لم يبقى في معنى المنزّل من السماء. الثالث: أن هذا الاحتمال المذكور يجري مثله في قطرة بول أو خمر وقعت في حوض طوله تسعة أذرع ونصف وربع، وعرضه كذلك ونحو ذلك مما يتحرك أحد طرفيه بتحرك الطرف الآخر، بل يجري فيما هو ¬

_ (¬1) كذا بالأصل. (¬2) كذا بالأصل.

أصغر من هذا، والله أعلم. حيث أسمعتك عن بعضهم ما يتمثلوا له بقول المعرى (¬1): فغدت حجج الكلى حجا غدير ... وشكا ينعقد أو ينتقض (¬2) ، فأورد ذلك تحقيق مذاهبهم نقلاً عن ضباطها، وأوضح حججها عند محققيها ومختار منها، وحجج على مختاري وأجوبتي عما خالفها، والله المستعان. وأقول: قال الكرخي (¬3) في "المختصر": وما كان من المياه في الأواني فوقعت فيه نجاسة مائعة، فهو نجس، ويغسل الإناء ثلاثاً ما صغر من الأواني، وما كبر غلب على لون الماء وطعمه وريحه، أو لم يغلب على شيء ¬

_ (¬1) هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن قصناعة التنوخي المعري اللغوي الشاعر - والمعري - بفتح الميم والعين المهملة وتشديد الراء - وهذه النسبة إلى معرة النعمان، وهي: بلدة صغيرة بالشام بالقرب من حماة وشيزر، وهي منسوبة إلى النعمان بن بشير الأنصاري، رضي الله تعالى عنه - كانت ولادته يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلثمائة بالمعرة، وعمي من الجدري أول سنة سبع وستين، كان متضلعاً من فنون الأدب، وله التصانيف الكثيرة المشهورة والرسائل المأثورة، وله من النظم لزوم ما لا يلزم وهو كبير يقع في خمسة أجزاء أو ما يقاربها، وله سقط الزند أيضاً، وشرحه بنفسه، وسماه ضوء السقط، وبلغني أن له كتباً سماه الأيك والغصون وهو المعروف بالهمزة والردف يقارب المائة جزء في الأدب أيضاً، مات في أوائل شهر ربيع الأول من سنة تسع وأربعين وأربع مائة، وترجمته في معجم الأدباء (1/ 296)،وفيات الأعيان (1/ 113)، سير أعلام النبلاء (13/ 291)، الأعلام للزركلي (1/ 157). (¬2) كذا البيت بالأصل، وصوابه: غدَتْ حُججُ الكلامِ حَجا غديرٍ ... وشيكاً يَنعَقِدْنَ ويَنتَقِضْنَه (¬3) هو: عبيد الله بن الحسين بن دلال بن دَلْهَم، أبو الحسن الكرخي. انتهت إليه رئاسة الحنفية، وانتشر أصحابه. تفقه عليه أبو بكر الرازي، وأبو عبد الله الدامغاني، وأبو علي الشاشي، وأبو القاسم التنوخي. وكان كثير الصوم والصلاة، صبورًا على الفقر والحاجة، واسع العلم والرواية. صنف "المختصر" و"الجامع الكبير" و"الجامع الصغير" وأودعها الفقه والحديث والآثار المخرّجة بأسانيده، وكتاب "الأشربة". مولده سنة ستين ومائتين. ووفاته ليلة النصف من شعبان سنة أربعين وثلاثمائة. وترجمته في: الجواهر المضية (1/ 337)، السير (12/ 38)، تاج التراجم (ص/200).

من ذلك لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في وضوء الكلب (¬1)، وما أمر به من إراقة ما عده فيه الفأرة إذا كان مائعاً ويطرحها وما حولها إذا كان جامداً (¬2). قلت: هذا هو المعتمد عندي في تنجس القليل، وإن لم يتغير قال: ولنهيه - صلى الله عليه وسلم – (ق 9 / أ) عن البول في الماء الدائم، وإن لم يغتسل فيه من جنابة (¬3).قلت: وهذا عندي بالاعتضادي في المنع عن تنجس الماء في الجملة. قال: وأمره المستيقظ من منامه يغسل يده ثلاثاً قبل أن يدخلها الإناء؛ لأنه لا يدري أين باتت يده (¬4). قلت: وهذا الاعتضاد الأول على بعض الاحتمالات. قال: فليس في جميع ذلك ما يغير لوناً أو طعماً أو رائحة، وما كان من المياه في المصانع والغدران أو في مستنقع من الأرض وقعت فيه نجاسة نظر المستعمل في ذلك، فإن كان في غالب رأيه أن النجاسة لم يختلط بجميعه بكثرته توضأ من الجانب الذي هو ظاهر عنده في غالب رأيه، واجتنب الباقي؛ لأن هذين ماء نجس وطاهر يستعمل غالب رأيه في إصابة الطاهر منه وليس هذا تنجساً بالماء بالشك؛ لأن هاهنا نجاسة حاصلة متيقنة وما كان قليلاً يحيط العلم أن النجاسة قد حصلت إلى جميعه، ولو كان ذلك في غالب رأيه لم يتوضأ منه، وإذا ¬

_ (¬1) لعله يشير إلى ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: " «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرار». (¬2) يشير إلى ما رواه أبو داود، وأحمد وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامدا فألقوها، وما حولها، وإن كان مائعا فلا تقربوه»، وقال الشيخ الأرناؤوط في هامش المسند: " متن الحديث صحيح، ورجاله إسناده ثقات رجال الشيخين، إلا أن معمرا قد أخطأ في إسناده إذ رواه عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، فقد خالفه أصحاب الزهري فرووه عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن ميمونة، وهو أصح، قاله البخاري والترمذي وأبو حاتم وغيرهم، وأخطأ في متنه فزاد فيه زيادة غريبة وهي: "وإن كان مائعا فلا تأكلوه" وانظر تفصيل ذلك في "تهذيب السنن" لابن القيم 5/ 336 - 337 " وحديث ميمونة رضي الله عنها عند البخاري ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سئل عن فأرة سقطت في سمن، فقال: «ألقوها وما حولها فاطرحوه، وكلوا سمنكم». (¬3) غير محفوظ بهذا اللفظ كما سبق بيانه في صدر الرسالة. (¬4) يشير إلى ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده».

أمر بشيء قد تغير ولا يعلم أنه يغير النجاسة لا بأس بالوضوء؛ لأنه قد يتغير بطول المكث. انتهى وقد روي اعتبار خلوص النجاسة بخلوص الماء لنفسه وبالتحريك على ما قدمت لك من عبارة الأصل والإملاء. وقال شمس الأئمة (¬1): " المذهب الظاهر التحري والتفويض إلى رأي المبتلي من غير حكم بالتقدير، فإن غلب عليَّ الظن وصولها تنجس، وإن غلب عدم وصولها لم ينجس، وهذا هو الأصح". انتهى وصححه في الغاية وغيرها ووجه أصحيته أن المعتبر سريان النجاسة، وهو يختلف باختلاف كثرتها وقلتها فقد لا يسري كوز خمر إلى طرفي غدير على نهاية ما يتحرك، وقال ركن الإسلام أبو الفضل عبد الرحمن القرماني (¬2) في "شرح الإيضاح" (¬3): كل ما تيقن حصول النجاسة فيه أو ¬

_ (¬1) يراد بها الإمام السرخسي صاحب "المبسوط" عند الإطلاق، وقد يراد بها غيره مع التقييد في الاسم، أو النسب دون إطلاق، فيقال مثلاً: شمس الأئمة الحلواني، وشمس الأئمة الكَرْدَرِي، شمس الأئمة الأوزجندي، وانظر الكواشف الجلية (ص/41). وهو: محمد بن أحمد بن أبي سهل وكنيته أبو بكر ولقب بالسرخسي نسبة إلى سَرَخْس (في خراسان). فقيه حنفي , أصولي , محدث , ويعده الحنفية من المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب وحبس مدة طويلة وألف أكثركتبه وهو سجين. ومن أهم مصنفاته: المبسوط (في الفقه , أملاه على تلاميذه وهو سجين في الجب بِأُوزْجَنْد بلدة في ما وراء النهر) , شرح السير الكبير (لمحمد الشيباني) النكت (شرح زيادة الزيادات لمحمد الشيباني) الأصول (في أصول الفقه) , وشرح كتابي النفقات وأدب القاضي (للخصاف). وفاته: 483 هـ في فرغنة (من بلاد مرغينان - وراء النهر). ترجمته في الجواهر المضية (2/ 28)، تاج التراجم (ص/234). (¬2) كذا بالأصل، ولم أقف فيمن لقبوا بركن الإسلام على من اسمه عبد الرحمن، والأقرب أن مقصوده: ركن الدين، وهو عبد الرحمن بن محمد بن أميرويه بن محمد بن إبراهيم، ركن الدين، أبو الفضل الكرماني، ولد بكِرْمان في شوال سنة سبع وخمسين وأربعمائة. وقدم مرو فتفقه وبرع حتى صار إمام الحنفية بخراسان. وله كتاب "شرح الجامع الكبير" وكتاب "التجريد" وشرحه بكتاب سماه "الإيضاح" وكتاب "إشارات الأسرار"وكتاب" النكت على الجامع الصغير". ومات بمرو ليلة العشرين من ذي القعدة، سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وترجمته في: تاج التراجم (ص: 184)، والجواهر المضية (1/ 304). (¬3) وهو شرح لكتابه: "التجريد الركني في الفروع".

(ق9/ ب) غلب على ظننا، فإنه لا يجوز الوضوء قليلاً كان أو كثيراً جارياً كان أو راكداً، وإنما اعتبر غلبة الظن لا (¬1) تجري مجرى اليقين في وجوب العمل (¬2) كما لو أخبر واحد بنجاسة الماء وجب العمل به، وإن لم يقدر [على] (¬3) اليقين. وتقدمت عبارة الرازي بهذا. قال: الكرماني: "فأما الماء إذا كان كثيرا لا يخلص بعضه إلى بعض إذا وقعت النجاسة في طرف منه جاز أن يتوضأ من الجانب الآخر. وروي عن أبي يوسف أنه قال في الماء الجاري أنه لا ينجس إلا بظهور النجاسة فيه، واختلفت الروايات في تحديد الكثير، مراده أي عند أبي حنيفة ليكون له حكم القلتين عند الشافعي، بل المراد كثير يحتاج إلى النظر في خلوص النجاسة فيه، والحكم المصحح عنه مصرح (¬4) واختلفت الروايات في تحديد الكثير والظاهر عند محمد أنه عشر في عشرٍ، والصحيح عند أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- أنه لم يوقت في ذلك بشيء، وإنما هو موكول إلى غلبة الظن في خلوص النجاسة. وروي عن أبي يوسف أنه اعتبر الغدير بالماء الجاري، وقال: لا ينجس إلا بظهور النجاسة؛ لأن الضرورة تقتضي العفو عن ذلك. ¬

_ (¬1) كذا بالأصل، والصواب حذفها، وحتى تستقيم العبارة يمكن استبدالها بـ: "التي"، أو: "وهي" (¬2) قال الشيخ الزحيلي في "القواعد الفقهية" (1/ 108): "إن الأحكام الشرعية تبنى على الظاهر، وإن الوصول إلى اليقين يتعذر في كثير من الأحيان، لذلك جوَّز الشرع الاعتماد على الظن، واعتباره في الاجتهاد والعمل والتطبيق وقبول الأحكام. ولكن الظن على درجات، وقد ترتقي درجة الظن بكثرة الأدلة والأمارات، فيسمى الظن الغالب الذي يقرب من اليقين، وقرر الفقهاء أن الظن الغالب ينزل منزلة اليقين، وأن اليقين لا يزول بالشك بل لا بدَّ من يقين مثله أو ظن غالب". وقال أيضا: "ولكن هناك بعض المسائل لا يعتبر فيها الظن أو غلبة الظن، ولابد فيها من اليقين فمن ذلك: عقد النكاح على أختين، طلاق إحدى نسائه، الحبل ... ". (¬3) غير مذكورة بالأصل. (¬4) هكذا العبارة بالأصل.

وقال الحاكم الشهيد (¬1) في "الكافي": قال أبو عصمة (¬2): كان محمد بن الحسن يوقت في ذلك عشرة في عشرة، ثم رجع إلى قول أبي حنيفة، وقال: لا أوقت فيه شيئاً. انتهى فالحاصل أن ماء الأواني ينجس بوقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير، ولا ينظر فيه بغلبة الظن الخلوص ولا بغيره. انتهى وأما المصانع والغدران يعمل فيه بغلبة الظن على الصحيح عند أبي حنيفة. وما روي عن أبي يوسف: أن ما لا يخلص كالجاري لا ينجس إلا بظهور النجاسة فيه هو المختار عندي، وأرى قول محمد مثله. قال محمد في كتاب الآثار: أخبرنا أبو حنيفة: قال: حدثنا الهيثم بن أبي الهيثم عن ابن عباس: قال: "أربعة لا ينجسها شيء: (الجسد والثوب والماء والأرض) (¬3) ". ¬

_ (¬1) هو: محمد بن محمد بن أحمد بن عبدالله بن عبد المجيد بن إسماعيل، أبوالفضل، الحاكم، الشهيد، الشهير بالحاكم المروزي السلمي. جمع وصنف الكثير، ومن ذلك:"المختصر الكافي": جمع فيه كتب محمد بن الحسن المبسوطة، وما في جوامعه المؤلفة. قال الحاكم أبو عبدالله: ما رأيت في جملة من كتبت عنهم من أصحاب أبي حنيفة أحفظ للحديث، وأهدى إلى رسومه، وأفهم له منه. وقُتِل شهيدا وهو في صلاة الصبح، في ربيع الأول، سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة. وترجمته في: الجواهر المضية (2/ 113)، وتاج التراجم (ص/272). (¬2) هو نوح ابن أبي مريم واسمه يزيد بن جعونة الجامع المروزي قيل إنما لقب به لأنه أول من جمع فقه أبي حنيفة، وقيل لأنه كان جامعا بين العلوم كان له أربعة مجالس مجلس الأثر ومجلس لأقاويل أبي حنيفة ومجلس النحو ومجلس الأشعار، أخذ الفقه عن أبي حنيفة، وابن أبي ليلى، وروى الحديث عن الزهري وغيره، مات سنة ثلاث وسبعين ومائة كان على قضاء مرو، وكذبوه في الحديث، وترجمته في: الجواهر المضية (2/ 258)، والمجروحين لابن حبان (3/ 48)، وتهذيب الكمال (30/ 56). (¬3) إسناده ضعيف والأثر حسن لغيره – الهيثم لم يدرك ابن عباس، فلإسناد منقطع، ولكنه لم ينفرد به فقد تابعه الشعبي وحبيب بن أبي ثابت. وورد عن الشعبي من طريقين: الأول عن زكريا بن أبي زائدة عند الدارقطني في سننه، والبيهقي في الكبرى، وفي معرفة السنن والآثار، وزكريا ثقة إلا أنه كان يدلس عن شيخه العبي كما قال أبو زرعة. والثاني: عن جابر الجعفي عند الطبري في تهذيب الآثار، وجابر ضعيف رافضي، والراوي عنه شريك القاضي: صدوق يخطئ كثيرا. وأما طريق حبيب بن أبي ثابت فهو عند الطبري في "تهذيب الآثار" بإسناد صحيح إلا أن حبيب كان كثير التدليس والإرسال وقد عنعنه، والأثر يتقوى من هذه الطرق.

قال محمد: ويعتبر ذلك عندنا أن ذلك إذا أصابه القذر فغسل ذهب ذلك عنه، فلم يحمل قذراً وإنما معناه في الماء إذا كان كثيراً أو جارياً أنه لم يحمل خبثاً، هذا في (ق10/ أ) الراكد، وأما الجاري قال محمد في كتاب "الأشربة": في الأصل ولو صب رجل خابية خمر في نهر مثل الفرات أو أصغر منه، ورجل أسفل منه فمر به الخمر فلا بأس بأن يشرب من ذلك الماء، إلا أن يجد فيه ريحها أو طعمها، فلا يحل له في هذا لفظ (¬1)، وإن كانوا كلهم قالوا ورجل يتوضأ ... الخ ما قدمته عنهم وتقدم عن أبي حنيفة في الجاهل يبول في الماء الجاري أنه لا بأس بالوضوء من أسفل منه، فصار الاتفاق على أن الجاري لا ينجس إلا بظهور النجاسة فيه إذا كانت غير مرئية، وأما المرئية فقال الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن رمضان (¬2) في كتابه المسمى بـ "الينابيع": "وقال أبو يوسف في ساقية صغيرة فيها كلب ميت قد سد عرضها فيجري الماء فوقه وتحته أنه لا بأس بالوضوء أسفل من الكلب، وهذا هو المختار أيضاً، وتقدمت التفاصيل في مثل هذا على قول أبي حنيفة، فاستدلوا في كثير من الكتب بقول أبي حنيفة بما قدمت بطلانه، وقال الرازي في "أحكام القرآن": والذي يحتج به لقول أصحابنا قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، والنجاسة لا محالة من الخبائث، وقال: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} [البقرة: 173]، وقال في الخمر: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90]، ومر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرين، فقال: "إنهما لا (¬3) يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول، وأما الآخر كان يمشي بالنميمة" (¬4)، فحرم الله هذه الأشياء تحريماً ¬

_ (¬1) كذا بالأصل. (¬2) وهو محمد بن رمضان الإمام أبو عبد الله الرومي مؤلف كتاب الينابيع وقد شرح القدوري شرحًا جامعًا لكثير من الفروع الفقهية، وسماه"الينابيع في معرفة الأصول والتفاريع" كما في تاج التراجم (ص/260)، والجواهر المضية (2/ 53). (¬3) كذا بالأصل، والصواب حذفها كما في رواية أبي داود. (¬4) والحديث متفق عليه ولفظه عند البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: «إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة».

مبهما، ولم يفرق بين اختلاطها وانفرادها بالماء، فوجب تحريم استعماله كلما تيقن فيه جزءٌ من النجاسة، ويكون جهة الحذر من طريق النجاسة أولى من جهة الإباحة من طريق الماء المباح في الأصل بأنه متى اجتمع في شيء جهة الحذر والإباحة، فجهة الحذر أولى ألا ترى أن الجارية بين رجلين لو كان لأحدهما فيها مائة جزء وللآخر جزء واحد أن جهة الحذر فيها أولى من جهة الإباحة، وأنه غير جائز لواحد منهما وطؤها، وأيضاً لا نعلم خلافاً بين الفقهاء في سائر المائعات إذا خالطه اليسير في النجاسة كاللبن والأدّهان (ق10/ ب) والخمر ونحوها أن حكم اليسير في ذلك كحكم الكثير، وأنه محذور عليه أكل ذلك وشربه والدلالة من هذا الأصل على ما ذكرنا من وجهين أحدهما: لزوم اجتناب النجاسات بالعموم الذي قدمنا في حالات المخالطة والانفراد، والآخر أن حكم الحذر وهو النجاسة كان أغلب من حكم الإباحة، وهو الذي خالطه من الأشياء الطاهرة ولا فرق في ذلك من أن يكون الذي خالطه من ذلك ماء أو غيره إذا كان عموم الرأي والسنن شاملة له، وإذا كان المعنى وجود النجاسة فيه، وحظر استعمالها، ويدل على صحة قولنا من جهة السنة قوله - عليه السلام -: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ثم يغتسل فيه من الجنابة"، وفي لفظ آخر: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من جنابة" (¬1)، ومعلوم إذ البول القليل في الماء الكثير لا يغير طعمه ولا لونه ولا ريحه، وقد منع النبي - صلى الله عليه وسلم - منه. قال: ويدل عليه قوله -عليه السلام- "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها الإناء، فإنه لا يدري أين باتت يده" (¬2)، فأمر بغسل اليد احتياطاً من نجاسة أصابته من موضع الاستنجاء (¬3)، ومعلوم أن مثلها إذا حلت [بـ] (¬4) الماء لم تغيره. ولو أنها تفسده لما كان الأمر بالاحتياط معنا، وحكم النبي - ¬

_ (¬1) سبق الكلام عليهما. (¬2) سبق تخريجه. (¬3) وفي الحاشية: فائدة: قال الشرف المناوي على الجامع الصغير: قال النووي في بستانه عن محمد بن الفضل التيمي في شرحه لمسلم إن بعض المبتدعة لما سمع بهذا الحديث قال متهكما به أنا أدري أين باتت يدي، ياتت في الفراش، فأصبح وقد أدخل يده في دبره إلى ذراعه. قال ابن طاهر فليتق امرؤ الاستخفاف بالسنن ومواضع التوقيف لئلا يسرع إليه شؤم فعله. (¬4) غير موجودة بالأصل والسياق يقتضيها.

صلى الله عليه وسلم - بنجاسة ولوغ الكلب؛ لقوله: طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبعاً (¬1) وهو لا يغيره. قلت: تقدم أن هذا هو المعتمد عندي، وأن ما سواه .... (¬2) تقدم. ثم قال: وأيضاً العلم بوجود النجاسة فيه كمشاهدتنا كما أن علمنا بوجودها في سائر المائعات كمشاهدتنا. هذا حاصل ما استدل به وهو أبسط مما في كتب الفقه، وهو منتهض على من يرى أن الماء لا ينجس إلا بظهور النجاسة فيه قليلاً كان أو كثيراً وعلى ما زعموه من مذهب أصحاب الظاهر، واستدلوا بقول أبي يوسف بما تقدم من أن الضرورة تقتضي العفو، وأقول: يدل عليه ما روى الدارقطني عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ق11/ أ) وسلم: "الماء طهور إلا ما غلب على ريحه أو طعمه" (¬3)، وفيه رشيد بن أبي سعد (¬4)، ورواه راشد بن سعيد (¬5)، قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ينجس الماء إلا ما غير طعمه أو ريحه"، وهذا مرسل، وصله رشيد بن أبي سعد (¬6) عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي أمامة الباهلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ينجس الماء شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه"، ورواه موقوفاً على راشد بن سعد [و] (¬7) أبي عون (¬8)، وحاصل ما فيه ضعف راشد بن سعد (¬9)، والإرسال وكلاهما غير مضر عندنا؛ لأن علمائنا - رضي الله عنهم - قد احتجوا لمن هو أضعف من رشد بن سعد وعملوا بالمرسل والمنقطع على أن لرشدين متابعا عند البيهقي، فقد أخرجه طريق عطية بن بقية عن أبيه عن ثور عن ¬

_ (¬1) رواه مسلم في "صحيحه" وزاد في آخره: " «سبع مرات أولاهن بالتراب». (¬2) كلمة غير واضحة بالأصل. (¬3) إسناده ضعيف، وسبق تخريجه. (¬4) كذا بالأصل، والصواب: رشدين بن سعد. (¬5) كذا بالأصل، والصواب ابن سعد. (¬6) الصواب: رشدين بن سعد. (¬7) ليست في الأصل، وانظر الهامش التالي. (¬8) روى الدارقطني في سننه من طريق الحسين بن إسماعيل، قال: , نا أبو البختري , نا أبو أسامة , نا الأحوص بن حكيم , عن أبي عون , وراشد بن سعد , قالا: «الماء لا ينجسه شيء إلا ما غير ريحه أو طعمه» وإسناده ضعيف فيه الأحوص قال عنه ابن حجر: "ضعيف الحفظ". (¬9) الصواب: "رشدين".

راشد بن سعد عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الماء طاهر إلا أن يغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة" (¬1) تحدث فيه ولصدره شاهد من حديث أبي سعيد الخدري في بئر بُضاعة، ولفظه "الماء طهور لا ينجسه شيء" (¬2) قال الترمذي: حديث حسن، وقد جوزه أبو أمامة، وصححه أحمد بن معين وأبو محمد بن حزم، وقال ابن القطان: له طريق حسن، وأورده من طريق سهل بن سعد (¬3)، وعلي عجزه انعقد الإجماع نقله البيهقي في المعرفة عن الشافعي (¬4)، وليس فيه تخصيص بجانب دون جانب، ولا قام دليل على اجتناب جانب الوقوع من غير تغيير ليحمل عليه، فإن قلت أنه عام، وأبو يوسف لا يقول بعمومه، قلت: قد عارضه حديث الولوغ، والاستدلال به بلفظ "طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبعاً" (¬5) لا كما ذكره صاحب البدائع، وهذه رواية مسلم في صحيحه وحديث المستيقظ فإنهما يدلان على أن ماء الأواني (ق11/ ب) ينجس، وإن لم يتغير فبقي محمولاً على ماء الغدران والمصانع، وقد صرح الشافعي بأن ماء بئر بضاعة كان كبيرا ¬

_ (¬1) إسناده ضعيف – رواه البيهقي في "سننه" وفيه بقية بن الوليد كان يدلس ويسوي ولم يصرح بالتحديث، وتابع بقية حفص بن عمر عند البيهقي وحفص ضعيف في الرواية، وقال ابن عدي في ترجمته: " وهذا الحديث ليس يوصله عن ثور إلا حفص بن عمر ... وأحاديثه كلها إما منكر المتن أو منكر الإسناد، وهو إلى الضعف أقرب "، وقال البيهقي: "الحديث غير قوي إلا أنا لا نعلم في نجاسة الماء إذا تغير بالنجاسة خلافا". (¬2) سبق تخريجه. (¬3) إسناده ضعيف – أخرجه الدارقطني من طريق فضيل بن سليمان وفضيل قال عنه ابن حجر: صدوق له خطأ كثير، ولكنه لم ينفرد به بل تابعه: حاتم بن إسماعيل عند البيهقي في "معرفة السنن والآثار" كلاهما: فضيل وحاتم عن , محمد بن أبي يحيى الأسلمي , عن أمه , قالت: سمعت سهل بن سعد , يقول: «شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بئر بضاعة» وأم محمد لم أجد من عدّلها ولم يرو عنها إلا ابنها، وقال عنها ابن حجر: "مقبولة"، يعني عند المتابعة وإلا فلينة، وهي علة هذا الإسناد. (¬4) ولفظ كلام الشافعي: "وما قلت: من أنه إذا تغير طعم الماء وريحه، ولونه كان نجسا، يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، من وجه لا يثبت أهل الحديث إسناده، وهو قول العامة، لا أعلم بينهم فيه خلافا". (¬5) سبق تخريجه.

والله أعلم. ويدل عليه ما رواه ابن ماجه عن جابر - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فانتبهنا إلى غدير فيه جيفة، فكففنا وكف الناس حتى أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما لكم تستبقون؟ " فقلنا: يا رسول الله هذه الجيفة. فقال: "استقوا فإن الماء لا ينجسه شيء"، فاستبقنا وارتوينا (¬1). ورواه أبو يعلى الموصلي من حديث أبي سعيد وفيه أنها جمل -يعني الجيفة- (¬2)، وهذا كما ترى ليس فيه بيان اجتناب جانب الجيفة، ولو كانت لتوفرت الدعاوي على نقله، ويدل عليه ما أخرجه ابن أبي شيبة عن عكرمة قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغدير فقالوا: يا رسول الله إن الكلاب تلغ فيه والسباع! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "للسبع ما أخذ في بطنه وللكلب ما أخذ في بطنه فاشربوا وتوضئوا" قال: فشربوا وتوضئوا (¬3). وأصحابنا - رضي الله عنهم - يحتجون بالمرسل. قال الأخسيكثي (¬4) في "منتخب الأصول" أنه ¬

_ (¬1) إسناده ضعيف والحديث صحيح دون قصة الجيفة – أخرجه ابن ماجه من طريق شريك، عن طريف بن شهاب قال: سمعت أبا نضرة، يحدث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه مختصرا بنحوه، وفيه شريك القاضي وهو صدوق يخطئ كثيرا، وشيخه طريف قال عنه الذهبي في "الكاشف": "ضعفوه"، وقال عنه ابن حجر: "ضعيف" وبه أعله البوصيري فقال في "الزوائد": "ضعيف لضعف طريف بن شهاب. قال ابن عبد البر أجمعوا على أنه ضعيف ". (¬2) لم أقف عليه عند أبي يعلى مطولا، وإنما رواه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه بدون ذكر القصة، وقد رواه أبو عبيد في "الطهور" من طريق شريك بن عبد الله، عن طريف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فانتهينا إلى غدير فيه جيفة قال شريك أحسبه , قال: حمار ... الحديث، وإسناده ضعيف كسابقه. (¬3) إسناده ضعيف مرسل - رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" عن عكرمة مرسلا به. (¬4) هو محمد بن محمد بن عمر الأَخْسيْكَثي، الحنفي حسام الدين فقيه، أصولي، من أهل (أخسيكث) من بلاد فرغانة، من تصانيفه: المختصر في أصول الفقه ويعرف بالمنتخب الحسامي نسبة إلى لقبه (حسام الدين)، مفتاح الأصول، غاية التحقيق، ودقائق الأصول والتبيين، مات يوم الإثنين، ثالث عشر ذي القعدة سنة أربع وأربعين وستمائة. وترجمته في تاج التراجم (ص/245)، معجم المؤلفين (11/ 253)، الأعلام (7/ 28).

فوق المسند (¬1)، ويدل عليه ما أخرجه عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد الأسلمي عن داود ابن حصين عن أبيه عن جابر. قلت: يا رسول الله أنتوضأ من ما أفضل الحمر؟ قال: "وبما أفضلته السباع كلها" (¬2)، وإبراهيم يضعف (¬3) إلا أن محمد بن الحسن قد احتج به ورواه مشايخ، ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن حجر شيخ المؤلف في "النزهة" (ص/219): (صورته – أي المرسل -: أن يقول التابعي سواء كان كبيرا أم صغيرا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو فعل كذا، أو فعل بحضرته كذا، ونحو ذلك. وإنما ذُكِر في قسم المردود للجهل بحال المحذوف؛ لأنه يحتمل أن يكون صحابيا، ويحتمل أن يكون تابعيا. وعلى الثاني يحتمل أن يكون ضعيفا، ويحتمل أن يكون ثقة، وعلى الثاني يحتمل أن يكون حمل عن صحابي، ويحتمل أن يكون حمل عن تابعي آخر، فإن عرف من عادة التابعي أنه لا يرسل إلا عن ثقة، فذهب جمهور المحدثين إلى التوقف؛ لبقاء الاحتمال، وهو أحد قولي أحمد، وثانيهما - وهو قول المالكيين والكوفيين-: يقبل مطلقا، وقال الشافعي: يقبل إن اعتضد بمجيئه من وجه آخر يباين الطريق الأولى، مسندا أو مرسلا، ليرجح احتمال كون المحذوف ثقة في نفس الأمر) وهذا القول الأخير هو الأقوى وثمة شروط أخرى ذكرها الإمام الشافعي وغيره، ولا يتسع المجال لذكرها ومناقشتها. (¬2) ضعيف الإسناد، منكر المتن: رواه الشافعي في «الأم»، وفي «المسند»، وعبدالرزاق في «مصنفه»، والدارقطني، والبيهقي في «معرفة السنن والآثار»، كلهم من رواية جابر - رضي الله عنه - به. وفيه ثلاث علل: الأولى: الاختلاف في إسناده؛ حيث روى عن داود بن الحصين عن جابر، وعن داود عن أبيه عن جابر كذلك فالطريق الأول مقطوع والثاني متصل. الثانية: أن في إسناده جماعة تكلم فيهم منهم: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، وسعيد بن سالم القداح، وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهيلي المدني. الثالثة: أن متنه منكر لمخالفة حديث القلتين. والحديث ضعفه ابن الملقن في البدر المنير، وابن حجر في الدراية، والنووي في «المجموع»، والألباني في «تمام المنة». (¬3) وقال عنه أحمد بن حنبل: لا يكتب حديثه، ترك الناس حديثه كان يروى أحاديث منكرة، لا أصل لها، وكان يأخذ أحاديث الناس يضعها فى كتبه وقال بشر بن المفضل: سألت فقهاء أهل المدينة عنه، فكلهم يقولون: كذاب أو نحو هذا.

ورواه الشافعي من حديث ابن أبي ذئب [و] (¬1) من حديث ابن أبي حبيبة عن داود، وله شاهد من حديث أبي سعيد رواه ابن ماجه (¬2)، وأخرجه الدارقطني عن ابن عمر قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، فخرج ليلاً، فمروا على رجل جالس عند مقراة له، فقال ابن عمر: يا صاحب المقراة أولغن السباع الليلة في مقراتك؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا صاحب المقراة لا تخبره هذا (ق12 / أ) تكلف، لها ما حملت في بطونها، ولنا ما يقي شراب وطهور" (¬3) وطريق الاستدلال بهما على نحو ما تقدم في حديث "الماء طهور" (¬4)، ويدل عليه ما رواه ابن أبي شيبة عن عمر بن الخطاب أنه مر بحوض مجنة، فقال: استقوا منه فقالوا: إنه ترده السباع ¬

_ (¬1) غير موجودة بالأصل. (¬2) ضعيف – أخرجه ابن ماجه، والطحاوي في "معاني الآثار"، والطبري في "تهذيب الآثار"، والبيهقي في "السنن الكبرى" – كلهم – من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة، تردها السباع، والكلاب، والحمر، وعن الطهارة منها؟ فقال «لها ما حملت في بطونها، ولنا ما غبر طهور» وفيه: عبد الرحمن بن زيد قال عنه الذهبي: ضعفوه، وقال عنه ابن حجر: ضعيف، وقال عنه الحاكم، وأبو نعيم: روى عن أبيه أحاديث موضوعة. والحديث ضعفه الطحاوي، وابن حجر، والبوصيري وغيرهم. (¬3) أخرجه الدارقطني في "سننه" بسند ضعيف، قال الشيخ الألباني في "تمام المنة": (هذا ضعيف أيضا فيه عند الدارقطني: أيوب بن خالد الحراني قال الحافظ: "ضعيف" وهو مع ضعفه قد اضطرب في إسناده فمرة قال: نا محمد بن علوان عن نافع عن ابن عمر ومرة قال: نا خطاب بن القاسم عن عبد الكريم الجزري عن نافع به. وابن علوان هذا قال الأزدي: "متروك". وخطاب بن القاسم ثقة لكنه اختلط قبل موته كما في "التقريب". على أن الراوي عن أيوب إسماعيل بن الحسن الحراني لم أعرفه. وقد أشار الحافظ في "التلخيص" إلى ضعف هذا الحديث وتبعه الشوكاني في "السيل الجرار". (¬4) سبق تخريجه.

الكلاب والحمير، فقال لها: ما حملت في بطونها، وما بقي فهو شراب وطهور (¬1). وأخرجه من طريق آخر عن عكرمة أن عمر بن الخطاب أتى على حوض من الحياض فأراد أن يتوضأ ويشرب، فقال أهل الحوض: أنه يلغ فيه الكلاب والسباع، فقال عمر: إن لها ما بلغت في بطونها، قال: فشرب وتوضأ (¬2). وعن أم سلمة أنها كانت تمر بالغدير فيه الجعلان والبعر، فيستقي لها منه فتتوضأ وتشرب (¬3)، وقال لنا ابن علية عن حبيب بن شهاب عن أبيه أنه سأل أبا هريرة عن سؤر الحوض ترده السباع وتشرب منه الحمر فقال: لا يحرم الماء شيء (¬4)، وهذا إسناد صحيح؛ لاتصاله وثقه رجاله، فأبن عليه ثقة حافظ اشتهر من أن يذكر أخرج له الشيخان محتجين به، وحبيب بن شهاب ابن مدلج قال ابن معين ثقة، وقال النسائي ثقة، وقال أحمد بن حنبل لا بأس، وذكره ابن حبان في ثقاته، وقد سمع أباه. وأبو شهاب بن مدلج سمعه (¬5) أبا هريرة وابن عباس وأبا موسى قال أبو زرعة الرازي ثقة، وقاله النسائي وذكره ابن حبان في ثقاته وأبو هريرة هو من جملة من يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ¬

_ (¬1) إسناده ضعيف، والأثر حسن - أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، والطبري في "تهذيب الآثار" من طريق سفيان، عن حبيب، عن ميمون بن أبي شبيب، أن عمر بن الخطاب فذكره مختصرا بنحوه، وحبيب وهو بن أبي ثابت ثقة كثير الإرسال والتدليس، وقد عنعنه، ولكنه يتقوى بالطريق التالي. (¬2) إسناده ضعيف، والأثر حسن - أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، وأبو عبيد في "الطهور" من طريق هشيم، قال: أنا حصين، عن عكرمة عن عمر بنحوه، ورواه أبو عبيد في "الطهور" من طريق إسماعيل، عن أيوب، عن عكرمة بمثله، ورواته ثقات، إلا أن علته أن عكرمة لم يلق عمر فقد ولد على أحسن تقدير بعد وفاة عمر بعام، والأثر رواه الطبري في تهذيب الآثار بإسناد صحيح عن عامر الشعبي عن عمر مطولا بنحوه، وإسناده منقطع بين عامر وعمر فلم يسمع منه إلا أن الأثر يتقوى بهذه الطرق. (¬3) لم أقف عليه عن أم سلمة، وإنما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"، والبيهقي في "الكبرى" من طريق ابن عيينة، عن منبوذ، عن أمه، أنها كانت تسافر مع ميمونة فتمر ... فذكرته، ومنبوذ وأمه مقبولان يعني عند المتابعة، ولم أقف على من تابعهما في رواية هذا الأثر. (¬4) صحيح – أخرجه ابن أبي شيبة من الطريق المذكور ورواته ثقات، وحبيب وأبوه قد وثقا كما ذكر المؤلف. (¬5) كذا بالأصل، والصواب: سمع.

قال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم" الحديث (¬1) وقال: ثنا ابن علية عن إسرائيل عن الزبرقان: قال: ثنا كعب بن عبدالله قال: كنا مع حذيفة فانتهينا إلى غدير فيه الميتة وتغسل في الحائض، فقال: الماء لا يخبث (¬2)، وقال: ثنا وكيع عن الأعمش عن ابن عمرو النهواني (¬3) عن ابن عباس قال: الماء طهور لا ينجسه شيء (¬4)، وقد تقدم تفسيره عن محمد بن الحسن في كتاب الآثار، وأخرج عن الحسن في الجب يقطر فيه القطرة من الخمر والدم، قال: يهراق (¬5)، وعن طاووس أنه كرهه (¬6)، فيثبت أن ماء الأواني تنجس بوقوع النجاسة وإن لم يتغير، وماء الغدران ونحوها لا ينجس إلا بالتغيير (ق12 / ب) سواء كان الواقع فيه مرئياً أو غير مرئي، فالجاري أولى وما كان في غدير أو مستنقع، وهو نحن (¬7) ماء الأواني، فهو ملحق بها؛ إذ لا أثر للمحل والله أعلم، فإن قلت: لم أطلق ما الغدران مع ما ورد من تقديره شرعاً بالقلتين، وحديث القلتين (¬8) قد صححه ابن حبان وابن خزيمة، الحاكم. ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) إسناده ضعيف - رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"، وتابع ابن علية: أبو غسان عند ابن المنذر في "الأوسط" وفيه كعب بن عبد الله لم يرو عنه غير الزبرقان، ولم أقف على من وثقه غير ابن حبان فهو مجهول العين، فالإسناد ضعيف. (¬3) كذا بالأصل، والصواب البهراني كما في كتب التراجم. (¬4) إسناده ضعيف والأثر حسن – أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف من هذا الطريق وفيه عنعنه الأعمش وهو مدلس ولكنه لم ينفرد به بل تابعه: الحجاج بن أرطأة عند ابن المنذر في "الأوسط" والحجاج صدوق كثير الخطأ والتدليس والإسناد يتقوى بهذه المتابعة. (¬5) إسناده ضعيف – أخرجه ابن أبي شيبة من طريق يزيد بن هارون، عن هشام، عن الحسن به ورواته ثقات فهام هو ابن حسان ثقة إلا أن في روايته عن الحسن مقال؛ لأنه قيل كان يرسل عنه، وقال غير واحد أن بينهما حوشب. (¬6) إسناده ضعيف – أخرجه ابن أبي شيبة من طريق وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن طاوس به، وليث هو بن أبي سليم / قال عنه ابن حجر: "صدوق اختلط جدا ولم يتميز حديثه فترك". (¬7) كذا بالأصل، ولعل الموافق للسياق استبدالها بـ: " نحو". (¬8) سبق تخريجه.

قلت: من صححه اعتد (¬1) بعض طرقه ولم ينظر إلى ألفاظه ومفهومها؛ إذ ليس وظيفة المحدث، النظر في ذلك من وظيفة الفقيه؛ إذ عرضه بعد صحة الثبوت الفتوي والعمل بالمدلول، وقد أعل حديث القلتين من الجهتين، وأنا أورد ذلك مستعيناً بالله فأقول: قال ابن عبد البر (¬2) في كتاب "التمهيد": هذا حديث يرويه محمد ابن إسحاق والوليد بن كثير أنه قال فيه عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه يرفعه، ومحمد بن إسحاق يقول فيه عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعاً أيضاً، فالوليد يجعله عن عبد الله بن عبد الله، ومحمد بن إسحاق يجعله عن عبيد الله بن عبدالله (¬3)، ورواه عاصم بن المنذر فاختلف عليه أيضاً قال فيه حماد بن سلمة: إذا كان الماء قلتين أو ثلاثاً (¬4) لم ينجسه شيء، وبعضهم يقول: إذا كان قلتين لم يحمل الخبث (¬5)، وهذا لفظ محتمل للتأويل، ومثل هذا الاضطراب في الإسناد يوجب التوقف عن القول بهذا الحديث على أن القلتين غير ¬

_ (¬1) كذا بالأصل، والصواب: "اعتمد" وهو الموافق للسياق، وكما في فتح القدير. (¬2) هو يوسف بن عمر بن عبد البر بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الحافظ شيخ علماء الأندلس وكبير محدثيها في وقته وأحفظ من كان فيها لسنة مأثورة، وألف كتبا مفيدة منها: التمهيد، الاستذكار، الاستيعاب، الكافي، جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله وغيرها (ولد في 368هـ، وتوفي في 463هـ) وله ترجمة في الديباج المذهب (1/ 357) وتذكرة الحفاظ (3/ 306)، وشذرات الذهب (3/ 314)، والبداية والنهاية (12/ 104)، وغيرها. (¬3) وهذا ليس من باب الاضطراب الذي يعل به الحديث , وقد صنف الحافظ العلائي جزءا في تصحيح حديث القلتين، وقد طبع بعناية الشيخ الحويني – حفظه الله -، وقد صنف أبو عبدالله محمد بن عبد الواحد المقدسي جزءًا رد فيه ما ذكره ابن عبدالبر وغيره." كما ذكر ابن تيمية في الفتاوي، وصنف أيضا أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عبدالهادي جزءا في ذلك أيضا كما ذكر ابن رجب. (¬4) وقد أحاب الحافظ العلائي عن ذلك بأن الرواة لم تتفق على حماد بن سلمة بقوله: "أو ثلاثا" بل اختلفوا عليه فيها، وأن الأكثر والأحفظ لم يذكروها، ورواية الأحفظ أولى بالصواب خصوصا مع موافقتها لرواية أبي أسامة عن الوليد بن كثير ورواية ابن إسحاق له دون هذه الزيادة. (¬5) وقد أجاب الحافظ ابن حجر بأن الصحيح رواية القلتين، لأن رواتها أكثر وأوثق، وأما باقي الألفاظ فضعيفة، ولا يُعارض الضعيف الصحيح.

معروفتين، ومجال أن يتعبد الله عباده بما لا يعرفونه (¬1).انتهى قلت: قد تكلف بعض الناس لدفع اضطراب السند باحتمال أن يكون الحديث عند كل راوٍ اختلف عليه من جميع من اختلف عليه فيه لوروده عن بعض رواته فالوجهين جميعاً (¬2)، لكن بقي هنا شيء آخر وهو ما أشار إليه ابن عبد البر أن القلتين غير معروفتين، قال الدارقطني: قال ابن عرفة: سمعت هيثماً يقول: تفسير القلتين يعني الجرتين الكبار. وروى إسحاق بن راهُويه ومن طريقة الدارقطني عن عاصم ابن المنذر قال: القلال الخوابي العظام (¬3)، وعاصم بن المنذر هو راو الحديث عن عبيد الله عن عبد الله بن عمر، وأخرج أبو قاسم (ق13/ أ) البغوي عن مجاهد أنه قال: القلتان الجرتان (¬4)، وأخرج عن ابن إسحاق راوي الحديث أنه سُئل القلتين فقال هذه الجرار الذي يسقى فيها الماء والدواريق، وروى البيهقي عن وكيع القلة الجرة، وروى الشافعي عن ابن جريج أن كل قلة تأخذ قلتين وشيئا، وفيه بحث آخر. قال الحافظ أبو العباس بن تيمية (¬5): يشبه أن يكون الوليد ¬

_ (¬1) وهذا لا يصح أن يكون سببا لتضعيف الحديث وقد اختار غير واحد من العلماء أن المقصود قلال هجر. (¬2) كذا العبارة بالأصل. (¬3) إسناده صحيح - أخرجه الدارقطني في سننه، والبيهقي في "الكبرى" من طريق عبد العزيز بن أبي رزمة، عن حماد بن زيد، عن عاصم بن المنذر به وإسناده صحيح. (¬4) أخرجه ابن الجعد في "مسنده"، والبيهقي في "الكبرى" من طريق شريك عن أبي إسحاق السبيعي عن مجاهد مطولا به، وشريك إما أن يكون هو القاضي، وإليه جنح محقق مسند ابن الجعد، وهو صدوق يخطئ كثيرا، وإما أن يكون هو ابن عبدالله بن أبي نمر، وهو صدوق يخطئ، فإن كان الأول فالإسناد ضعيف، وإن كان الثاني فيكون حسنا. (¬5) هو: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله ابن تيمية , أبو العباس الحراني الدمشقي الحنبلي. شيخ الإسلام , الإمام المجتهد الفقيه الأصولي المحدث , المفسر ,النحوي , الأديب , الواعظ , الخطيب , الكاتب , القدوة الزاهد والعابد. ومن أهم مصنفاته: اقتضاء الصراط المستقيم , فتاوى ابن تيمية , الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح , السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية منهاج السنة النبوية , الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان رفع الملام عن الأئمة الأعلام. نظرية العقد - التوسل والوسيلة نقض المنطق , الصارم المسلول على شاتم الرسول , الرسائل وغيرها. مولده: بحران (661هـ - 1263م) ووفاته: بدمشق (728 هـ - 1328م) ترجمته في (ذيل طبقات الحنابلة 2/ 387 - فوات الوفيات 1/ 62 البدر الطالع 1/ 63 - الفتح المبين 2/ 134).

ابن كثير غلط في رفع الحديث (¬1)، ويدل على أن هذا لم يكن عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الغسل من الماء من الحلال والحرام من أعظم الأمور التي يحتاج الناس إليها في دينهم لحاجتهم إلى الماء في طهورهم وشرابهم، والناس أحوج إلى الماء منهم في سائر الأشياء، ووقوع النجاسة فيه من الأمور الغالبة، وابن عمر دائماً يفتي الناس ويحدثهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والسنن التي رواها معروفة عند أهل المدينة وغيرهم لاسيما عند سالم ابنه ونافع مولاهم لا العمل به مذهب أحد من أهل المدينة، بل قولهم المستفيض عنهم مخالف لهم، ثم ذكر أن إسماعيل بن إسحاق القاضي روى بإسناده عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسالم بن عبد الله بن عمر أنهما سُئلا عن الماء الذي [لا] (¬2) يجري تموت فيه الدابة هل يشرب منه ويغتسل وتغسل فيه الثياب؟ فقال: لا، إن الماء إذا كان لا يدنسه ما وقع فيه، فنرجوا أن لا يكون به بأس (¬3)، وروى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه قال: كل ما فيه فضل عما يصيبه من الأذى حتى لا يغير ذلك طعمه ولا ريحه ولا لونه ¬

_ (¬1) والصواب أن رواية الرفع ثابتة وترجح على رواية الوقف وانظر رسالة الشيخ العلائي، وموسوعة الطهارة للشيخ الدبيان (1/ 351) وشيخ الإسلام ابن تيمية ممن يثبت حديث القلتين حيث قال في "مجموع الفتاوى" (21/ 41): (وأما حديث القلتين فأكثر أهل العلم بالحديث على أنه حديث حسن يحتج به وقد أجابوا عن كلام من طعن فيه وصنف أبو عبد الله محمد بن عبدالواحد المقدسي جزءا رد فيه ما ذكره ابن عبد البر وغيره). (¬2) غير موجودة بالأصل، وهي مثبتة في المدونة. (¬3) إسناده ضعيف - علقه سحنون في "المدونة" فقال: قال ابن وهب عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران أنه سأل القاسم وسالما فذكره نحوه وفيه ابن لهيعة، وقد اختلف العلماء في ابن لهيعة اختلافا كثيرا، وهذا الحديث من رواية عبد الله بن وهب عنه، وقد صحح جماعة من العلماء رواية العبادلة عن ابن لهيعة، وهذه منها، والأقوى عندي أن ابن لهيعة ضعيف مطلقا. ولم أقف على هذا الأثر من الطريق التي أشار إليها المؤلف.

طاهر يتوضأ به (¬1). قال وابن شهاب من أخص الناس بسالم، وأعلم الناس بحديثه وحديث أبيه، وهذه فتواه وفتوى سالم، وروى إسماعيل بإسناده عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب في هذه الآية، {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] قال: أنزل الله الماء طهوراً (ق 13 / ب) لا ينجسه شيء (¬2). قال: والآثار بذلك معروفة عن أهل المدينة، ولم يعرف أحدٌ من متقدميهم ولا متأخريهم فرق بين الماء الذي ينجس ولا يتنجس بقدر القلتين، فكيف يكون هذه سنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من (¬3) عموم البلوى بها، ولا ينقلها عنه أحدٌ عن أصحابه ولا التابعين لهم بإحسان إلا رواية مختلفة مضطربة عن ابن عمر لم يعمل بها أحد من أهل المدينة ولا عمل بها أهل البصرة، بل مذهب أهل البصرة أن قليله وكثيره لا ينجس إلا بالتغيير ولا أهل الشام عملوا به ولا أهل الكوفة وأطال الكلام -رحمه الله- بما لا يتحمله هذا الموضع. قلت: وقد أخرجه الدارقطني من طريق الزهري عن عبيد بن عبد الله بن عمر عن أبي هريرة، وقال المحفوظ عن ابن عياش عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عبيد الله عن أبيه (¬4)، وأخرجه من طريق عبد الوهاب ابن عطاء عن ابن إسحاق عن الزهري عن سالم عن أبيه (¬5)، وكان الحافظ لم يعتبر هذا للضعْف، وفيه أن جابراً رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "إذا بلغ الماء أربعين قلة لا ¬

_ (¬1) إسناده صحيح - يونس هو ابن يزيد كما ذكر الحافظ في تغليق التعليق، وقال عنه الحافظ في التقريب: " ثقة إلا أن فى روايته عن الزهرى وهما قليلا". (¬2) إسناده صحيح - رواته ثقات. (¬3) كذا بالأصل، والأولى للسياق: مع. (¬4) ضعيف - أخرجه الدارقطني من هذا الطريق ولفظه: أنه سئل عن القليب يلقى فيه الجيف ويشرب منه الكلاب والدواب , فقال: «ما بلغ الماء قلتين فما فوق ذلك لم ينجسه شيء». قال الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود": "وابن عياش ضعيف في روايته عن الحجازيين، وهذه منها، وقد زاد في متن الحديث ما ليس فيه: " فما فوق ذلك " كما أن فيه عنعنة ابن إسحاق. (¬5) قال ابن عبد الهادي في "تعليقه على العلل" (ص: 20): (خالفهم يحيى بن أبي طالب، فرواه عن عبد الوهاب، عن ابن إسحاق، أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر إسناده).

يحمل خبثاً" رواه الدارقطني (¬1). قال: وهم القاسم العمري في إسناده وخالفه روح بن المقسم وسفيان الثوري ومعمر بن راشد رووه عن ابن المنكدر من قوله: "لم يجاريه" (¬2)، ثم أخرجه من طريق من تقدم ذكره، ورواه عن أبي هريرة بلفظ "إن كان الماء أربعين قلة لم يحمل خبثاً" (¬3)، وقد خالفه غير واحد فقالوا: أربعين غربا، فظهر ما قال الحافظ الغرب (¬4) والله أعلم، فإن قلت: أليس أن الطحاوي والرازي أجابا عن حديث بئر بضاعة بأنها كانت طريقاً للماء إلى البساتين، ¬

_ (¬1) ضعيف جدا- أخرجه العقيلي في الضعفاء، وابن عدي في الكامل، والدارقطني في سننه:، والبيهقي - كلهم - من طريق القاسم بن عبدالله بن عمر عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا به، والقاسم قال عنه ابن حجر في التقريب: متروك رماه أحمد بالكذب. والحديث ضعفه جماعة من العلماء منهم ابن القيسراني في ذخيرة الحفاظ (1/ 293)، وابن الملقن في البدر المنير (1/ 410)، وابن عبد الهادي في رسالة لطيفة (ص/29)، والبيهقي في السنن (1/ 262)، وابن حجر في الدراية (1/ 56)، وحكم عليه الشيخ الألباني بالوضع في الضعيفة (1622). وقال الدارقطني في سننه عقب رواية هذا الحديث من الطريق المذكور: كذا رواه القاسم العمري عن بن المنكدر عن جابر ووهم في إسناده وكان ضعيفا كثير الخطأ وخالفه روح بن القاسم وسفيان الثوري ومعمر بن راشد رواه عن محمد بن المنكر عن عبد الله عن عمر - كذا بالأصل، والصواب: ابن عمرو - موقوفا ... اهـ والرواية الموقوفة رواها ابن أبي شيبة، والعقيلي في الضعفاء، والدراقطني من طرق عن محمد بن المنكدر عن عبدالله بن عمرو موقوفا به وإسنادها صحيح كما قال الزيلعي في نصب الراية (1/ 110). (¬2) كذا بالأصل، والصواب: "لم يجاوزه" كما في سنن الدارقطني. (¬3) إسناده ضعيف - أخرجه أبو عبيد القاسم في "الطهور"، والدارقطني في "سننه" من طريق ابن لهيعة , عن يزيد بن أبي حبيب , عن سليمان بن سنان , عن عبد الرحمن بن أبي هريرة , عن أبيه رضي الله عنه به، وإسناده ضعيف فيه ابن لهيعة، وقال البيهقي: "وخالفه غير واحد فرووه عن أبي هريرة فقالوا: أربعين غربا ومنهم من قال: أربعين دلوا، قاله لي أبو بكر بن الحارث عن أبي الحسن الدارقطني الحافظ ... وابن لهيعة غير محتج به، وقول من يوافق قوله من الصحابة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في القلتين أولى أن يتبع". (¬4) كذا بالأصل.

وروى ذلك الطحاوي عن الواقدي. قلت: الواقدي ضعيف، والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب والمحل، ونحن جعلنا حديث بئر بضاعة شاهدا لصدر حديث ثوبان وأبي أمامة، والله أعلم. فإن قلت أن الرازي قد قال: وأما قصة الغدير فجائز أن (ق 14 / أ) يكون الجيفة في جانب منه، فأباح -عليه السلام- الوضوء من الجانب الآخر. قلت: أما تجويز أن يكون في جانب منه فمسلم، بل جاء ذلك في رواية ابن أبي شيبة، وأما أنه أباح لهم من جانب آخر، فليس في الحديث ولو كان لتوفرت الدواعي على نقله، فلما لم يروا لنا أنه أمرهم بجانب دون جانب كان على إطلاقه، فإن قلت: قال الرازي: قوله "الماء طهور لا ينجسه شيء" لا دلالة له فيه على جواز استعماله، وإنما كلامنا في جواز استعماله بعد حلول النجاسة فيه، فليس يجوز الاعتراض به على موضع الخلاف؛ لأنا نقول أن الماء طهور لا ينجسه شيء، ومع ذلك لا يجوز استعماله إذا حلت نجاسته، ولم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الماء إذا وقعت فيه نجاسة، فاستعملوه حتى يحتج به. قلت: هذا إنما يتوجه منه على من يقول بأن الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه قليلاً كان أو كثيراً؛ لأنه يقول يجوز استعمال الجانب الآخر، ثم هو قاصر على لفظ حديث بئر بضاعة، ولا يتوجه عليه لفظ حديث الغدير؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "استقوا، فإن الماء لا ينجسه شيء" (¬1) فإن قلت: ما الفرق بين الماء والمائعات التي قاس عليها الرازي، وإن كان كلامه مع من ذكرت. قلت: الفرق من جهة المعنى بعد ورود النص أن المائعات تصان بالأواني، فلم يكن فيها ضرورة بخلافها الغدران ونحوها. وقد علمت أن قوله علمنا بوجود النجاسة كمشاهدتنا لها إنما يتوجه على من زعموه مذهباً لأصحاب الطاهر وعليه مالك في القليل، فإن ألزمنا به في ماء الغدران عارضناه بالنص، وأما الماء المستعمل فهو كل ماء أسقط فرض التطهير عن عضو واستعمل على وجه القرية. قال شمس الأئمة السرخسي وأبو عبد الله الجرجاني (¬2) لا خلاف بين الثلاثة ¬

_ (¬1) سبق تخريجه. (¬2) هو يوسف بن علي بن محمد الجرجاني أبو عبد الله تفقه على أبي الحسن الكرخي كان عالما تفقه على أبي حنيفة رضي الله عنه وأصحابه ومن تصانيفه خزانة الأكمل فى ست مجلدات، وترجمته في الجواهر المضية (2/ 229)، تاج التراجم (ص/318).

في هذا، واختلف في صفته، فروي الحسن بن زياد عن أبي حنيفة -رضي الله عنه- أن مغلظ النجاسة وروى أبو يوسف (ق 14 / ب) عنه أن مخففها وروى محمد عنه أنه طاهر غير طهور، وبه يفتي مشايخ العراق، لم يحققوا الخلاف فقالوا: طاهر غير طهور عند أصحابنا، وهو اختيار المحققين من مشايخ ما وراء النهر، قال القاضي أبو حازم (¬1): أرجو أن رواية التنجس لم تثبت، وإنما يأخذ الماء حكم الاستعمال بعد انفصاله عن أعضاء المتطهر في الصحيح، ولسنا بصدد الوجوه في هذه الرسالة، وإنما المراد بيان الأحكام، فإذا عرفت أن الفتوى على طهارته فاعلم أنه إذا اختلط بالمطلق لا يقيده ما لم يغلب على المطلق. قال في البدائع في الكلام على حديث "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم" لا يقال أنه ينهى لما فيه من إخراج الماء من أن يكون مطهراً من غير ضرورة وذلك حرام؛ لأنا نقول: الماء القليل إنما يخرج عن كونه مطهراً باختلاط غير المطهر به إذا كان غير المطهر غالبًا كماء الورد واللبن ونحو ذلك، فأما إذا كان مغلوباً فلا، وههنا الماء المستعمل ما يلاقي البدن، ولاشك أن ذلك أقل من غير المستعمل فكيف يخرج به من أن يكون مطهراً. انتهى وقال في موضع آخر فيمن وقع في البئر: فإن كان على بدنه نجاسة حكمية بأن كان محدثاً أو جنباً أو حائضاً أو نفساء، فعلى قول من لا يجعل هذا الماء مستعملا (¬2) لا ينزح شيئاً؛ لأنه طهور، وكذا على قول من جعله مستعملاً وجعل المستعمل طاهرا؛ لأن غير المستعمل أكثر، فلا يخرج عن كونه طهورا، أما إذا لم يكن المستعمل غالباً عليه كما لو صب اللبن في البئر بالإجماع أو بالت شاة فيها عند محمد. انتهى وقال في موضع: ولو اختلط الماء المستعمل بالماء القليل قال بعضهم: لا يجوز التوضؤ به، وإن قل وهذا فاسد، أما عند محمد فلأنه طاهر لم يغلب على الماء المطلق فلا يغيره عن صفة الطهورية ¬

_ (¬1) هو: عبد الحميد بن عبد العزيز القاضي، أبو حازم، أصله من البصرة. أخذ العلم عن الشيوخ البصريين ولي القضاء بالشام والكوفة والكرخ أخذ عنه الطحاوي والدباس ولقيه أبو الحسن الكرخي، وله كتاب "المحاضر والسجلات" وكتاب "أدب القاضي" وكتاب "الفرائض"وكان ورعًا، عالمًاً بمذهب أبي حنيفة، وبالفرائض، والحساب، والذَّرع، والقسمة، والجبر، والمقابلة، وحساب الدور، وغامض الوصايا، والمناسخات. مات سنة اثنتين وتسعين ومائتين. وله ترجمة في: تاج التراجم (ص/182)، والجواهر المضية (1/ 291). (¬2) بالأصل كلمة غير واضحة والتصويب من البدائع.

كاللبن وأما عندهما فلأن القليل مما لا يمكن التحرز عنه [يجعل] (¬1) عفوا، ثم الكثير عند محمد ما يغلب على الماء المطلق وعندهما (ق 15 / أ) أن يستبين موضع القطرة في الإناء. انتهى وقد علمت أن الصحيح المفتي به رواية محمد عن أبي حنيفة -رحمهما الله تعالى-، وقال محمد في كتاب "الآثار" بعد رواية حديث عائشة (¬2): "ولا بأس أن يغتسل الرجل مع المرأة بدأت قبله أو بدأ قبلها" إذا عرفت هذا لم يتأخر عن الحكم بصحة الوضوء في الفساقي الموضوعة في المدارس عند عدم غلبة الظن بغلبة الماء المستعمل أو وقوع نجاسة في الصغار منها، فإن قلت: إذا تكرر الاستعمال هل يمنع ويجمع؟ قلت: الظاهر اعتبار هذا المعنى في النجس، فكيف بالطاهر؟! قال في "المبتغى" (¬3) قوم يتوضئون صفاً على شط نهر جار فكذا في الحوض؛ لأن ماء الحوض في [حكم] (¬4) ماء جار. انتهى وقد روى عن أبي شيبة عن الحسن في الجنب يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها. قال: يتوضأ إن شاء (¬5). عن سعيد بن المسيب: لا بأس أن يغمس الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها (¬6). وعن عائشة بنت سعد قالت: كان سعد يأمر الجارية فتناوله الطهور من الحيض (¬7)، فتغمس يدها فيها، فيقال أنها حائض، فيقول أن حيضتها ليست في يدها (¬8)، وعن عامر قال: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخلون أيديهم في الإناء وهم جنب والنساء وهنّ حيض لا يرون بذلك بأسا يعني قبل أن ¬

_ (¬1) زيادة من البدائع. (¬2) يشير إلى قولها - رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «كان يغتسل هو وبعض أزواجه من إناء واحد يتنازعان الغسل جميعا» والحديث مخرج في الصحيحين بنحوه. (¬3) هو المبتغى في فروع الفقه الحنفي لعيسى بن محمد بن إينانج القرشهري فقيه رومي من علماء الحنفية، وصف بأنه مختصر جم الفوائد. منه نسخ في حيدر آباد والأزهر ودار الكتب، أتمه سنة 734 هـ. (¬4) زيادة من فتح القدير. (¬5) إسناده ضعيف - أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" مطولا بسند فيه هشام بن حسان، وفى روايته عن الحسن مقال لأنه قيل كان يرسل عنه. (¬6) إسناده ضعيف - رواه ابن أبي شيبة من طريق وكيع، عن سفيان، عن الجريري، عمن، سمع سعيد به، وفيه جهالة الراوي عن سعيد. (¬7) كذا بالأصل، والصواب: "الجرة" كما في المصنف. (¬8) إسناده صحيح - أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" بسند رواته ثقات.

يغسلوها (¬1)، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في الرجل يغتسل عن الجنابة، فينضح في إنائه من غسله، فقال: لا بأس به (¬2)، وعن الحسن وإبراهيم والزهري وأبي جعفر وابن سيرين نحوه، فإن قلت: فما محل حديث "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة" قلت: استدل به الكرخي على عدم جواز التطهير بالمستعمل ولا يطابق عمومه فروعهم المذكورة في الماء الكثير، فيحمل على الكراهة، وبذلك أخبر راو الحديث، فأخرج ابن أبي شيبة عن جابر ابن عبد الله قال: كنا نستحب أن نأخذ من ماء الغدير (ق 15 / ب) ويغتسل به [في] (¬3) ناحية (¬4)، وما ذكر من الفروع مخالفاً لهذا فتبنى على رواية النجاسة كقولهم: لو أدخل جنب أو محدث أو حائض يده في الإناء قبل أن يغسلها فالقياس أن يفسد الماء وفي الاستحسان لا يفسد للاحتياج إلى الاعتراف حتى لو أدخل رجله يفسد الماء؛ لانعدام الحاجة ولو أدخلها في البئر لم يفسد؛ لأنه يحتاج إلى ذلك في البئر؛ لطلب الدلو فجعل عفواً ولو أدخل في الإناء أو البئر (¬5) [بعض] (¬6) جسده سوى اليد والرجل أفسده؛ لأنه لا حاجة إليه وأمثال هذه. وقد سئلت عن مسائل وأجوبتها منقولة، فلا بأس نذكرها تتميماً منها، قال في "البدائع": وأما حوض الحمام الذي يخلص بعضه إلى بعض إذا وقعت فيه نجاسة روى عن أبي يوسف أنه إذا كان الماء يجري من الميزاب والناس يغترفون منه لا يصير نجساً، وكذا روى الحسن عن أبي حنيفة؛ لأنه بمنزلة الماء الجاري، وذكر في المنية اختلافاً في اشتراط تدارك الغرف لكن عن ¬

_ (¬1) إسناده ضعيف - أخرجه ابن أبي شيبة بسند فيه جابر بن يزيد بن الحارث وقال عنه ابن حجر: "ضعيف رافضي". (¬2) إسناده ضعيف - رواه عبد الرزاق في"مصنفه" من طريق العلاء بن المسيب عن رجل عن إبراهيم عن ابن عباس به، وفيه جهالة الراوي عن إبراهيم، ورواه ابن أبي شيبة في"مصنفه" وسماه: حماد، ولم أهتد لترجمته، وسماه الشيخ حسين أسد في إسناد مشابه: حماد بن أبي سليمان، ولم يظهر لي وجه كلامه. (¬3) غير مذكورة في الأصل، والزيادة من المصنف. (¬4) إسناده ضعيف - أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، وأحمد بن منيع كما في "المطالب العالية" من طريق ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر، وابن أبي ليلى هو محمد، قال عنه في التقريب: "صدوق سيئ الحفظ جدا"، وأبو الزبير مدلس، وقد عنعنه. (¬5) وكررت هذه العبارة بالأصل: " لم يفسد؛ لأنه يحتاج إلى ذلك في البئر". (¬6) غير مذكورة بالأصل، والزيادة من بدائع الصنائع وغيره.

المتأخرين، وفي كتب الفروع وألحقوا بالجاري حوض الحمام حتى لو أدخلت القصعة النجسة أو اليد النجسة فيه لا يتنجس ويتوضأ من الحوض الذي يخاف فيه قذراً ولا يتقه (¬1) ولا يجب أن يسأل، وكذا إذا وجده متغيراً ما لم يعلم أنه من نجاسته، وكذا اليد إذا يدلي فيها الدلو والجرار الدنسة بحملها الصغار والعبيد الذين لا يعلمون الأحكام ويمسها الرُّسْتَاقِيُّونَ (¬2) بالأيدي الدنسة ما لم يعلم يقيناً النجاسة، ولا بأس بالتوضؤ من جب موضع كوزه في نواحي الدار ويشرب منه ما لم يعلم به قذر، ويكره للرجل أن يستخلص لنفسه إناء يتوضأ منه، ولا يتوضأ منه غيره، وذكر بعضهم أنه يكره استعمال ما مسه الصغير، وفيه تأمل. روى ابن أبي شيبة عن مجاهد (¬3) قال: قلت للشعبي: أكوز عجوز مخمر (ق 16 / أ) أحب إليك أن تتوضأ منه أو المطهرة التي يدخل الجزار يده قال من المطهرة التي يدخل الجزار فيها يده (¬4)، وعن رجاء قال البراء بن عازب: بال ثم جاء إلى مطهرة المسجد، فتوضأ منها (¬5)، وعن ابن جريج قلت لعطاء: رأيت رجلاً يتوضأ في ذلك الحوض منكشفاً، فقال: لا بأس به، قد جعله ابن عباس وقد علم أنه يتوضأ منه الأبيض والأسود (¬6)، وفي رواية: وكان ينكسب من وضوء الناس في جوفها (¬7) وكأنهم رأو الحديث (¬8) المستيقظ خاص به أو أنه أمر تعبدي على إن ابن أبي شيبة قد روى عن ابن معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال: كان أصحاب عبد الله إذا ¬

_ (¬1) كذا بالأصل، والصواب: "ولا يتيقنه" كما في البحر الرائق وغيره، وهو الموافق للسياق. (¬2) قال الطحطاوي في "حاشيته على المراقي: " أي أهل القرى "، وقال الفيومي في "المصباح": " يستعمل في الناحية التي هي طرف الإقليم". (¬3) كذا بالأصل، والصواب: "مزاحم" كما في المصنف. (¬4) إسناده صحيح - أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"، وابن أبي شيبة في "مصنفه" من طريق سفيان، عن مزاحم، قال: قلت للشعبي فذكره، ورواته ثقات. (¬5) إسناده ضعيف - رواه ابن أبي شيبة بسند في عنعنة الأعمش، وهو مدلس. (¬6) إسناده صحيح - رواه ابن أبي شيبة بسند فيه ابن جريج وهو مدلس، ولكنه قال: قلت لعطاء فانتفت شبهة عدم اللقيا. (¬7) رواه ابن أبي شيبة من طريق حفص عن ابن جريج مطولا به. (¬8) كذا بالأصل.

ذكر عندهم حديث أبي هريرة قالوا: كيف يصنع أبو هريرة بالمهراس التي بالمدينة (¬1) والله سبحانه وتعالى أعلم. تمت الرسالة الموسومة برفع الاشتباه عن مسألة المياه والله أعلم. ¬

_ (¬1) إسناده ضعيف - رواه ابن أبي شيبة بسند فيه عنعنة الأعمش وهو مدلس.

§1/1