رسم المصحف العثماني وأوهام المستشرقين في قراءات القرآن الكريم

عبد الفتاح شلبي

مقدمة

مقدمة ... تقديم: الموضوع, أهدافه, منهج البحث فيه, مصادره: هذا بحث يعالج رسم المصحف، ومكانته في الاحتجاج للقراءات، وقد دفعني إلى معالجة هذا الموضوع رأي قرأته للعالم المستشرق: إجنتس جولدتسيهر في كتابه "مذاهب التفسير الإسلامي" مفاده: أن الخط العربي الذي كتبت به المصاحف لخلوه من النقط والشكل, كان سببًا في اختلاف القراءات، وقد أدى إلى اختلافات نحوية ومعنوية أيضًا ... قرأت ما قال جولدتسيهر وتدبرته, فإذا بي أراه يهدم النقل عن الأئمة القراء، وينكر صلة هذه القراءات بالسند عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ومعنى ذلك: أن ما كان من هذه القراءات متصلًا بخصوصية الخط العربي -وهو كثير- ليس مما نزل به جبريل على قلب الرسول، وليس من الأحرف السبعة التي نص الرسول في صحيح ما روي عنه: "أن كلها شافٍ كافٍ"!! ومعنى ذلك أيضًا إنكار هذا القرآن في الجملة والتفصيل، ثم إنكار ما دار حول نصه الكريم من ثقافات متعددة الألوان، وفي ذلك من الخطورة ما فيه. ولست أريد أن أزيِّف على القارئ الكريم، فأنكر أمامه أني دفعت أول الأمر بعاطفتي الدينية إلى دحض ما قرره "جولدتسيهر" لا! بل أذكر صراحة أن كلام "جولدتسيهر" أهاج عندي هذه العاطفة، وحملني حملًا على التفكير في الموضوع. ثم كان أن خليت ما بيني وبين هذه العاطفة من صلات ووشائج، وتناولت الموضوع بروح الباحث العلمي، البعيد عن التعصب الديني ومزالقه، ومكن لي من ذلك أن رسالتيّ الجامعيتين اللتين قدمتهما لنيل درجة الماجستير والدكتوراه، كانتا متصلتين اتصالًا وثيقًا بهذه الدراسات القرآنية1. وكنت أعد كلًّا منهما، ورأي "جولدتسيهر" ماثل أمام عيني، وفي خاطري لعلي أجد من الدلائل ما يثبته أو ينفيه ...

_ 1 موضوع رسالة الماجستير: الإمالة في القراءات واللهجات العربية. وموضوع رسالة الدكتوراه: أبو علي الفارسي، حياته ومكانته بين أئمة العربية، وآثاره في القراءات والنحو.

وبهذا الاتجاه العلمي الخالص مضيتُ أجمع البراهين، وأقيّد الأدلة، وأتناول الموضوع ... فانتهيت إلى ما سيعرض على القارئ في هذا البحث بعد حين ... وتبارك الله الذي نزل الكتاب بالحق وهو خير المنزلين ... قدمت هذا البحث بكلمة موجزة شرحت فيها المقصود برسم المصحف, وتطور هذا الرسم منذ أبي بكر -رضي الله عنه- إلى أن كتب عثمان -عليه الرضوان- مصحفه الإمام، ثم رددت شبهة القائلين بأن القراءات تابعة للرسم، وبينت أن القراءة سنة متبعة، ثم ذكرت موقف القدامى -نحويين وقرّاء- من رسم المصحف والاحتجاج به، وبينت الرأي الذي أرتضيه، ثم تعرضت للاختيار عند القرّاء، ومتى يكون صحيحًا غير مردود، وهو موضوع يمتّ بصلة وثيقة إلى القول بأن القراءة سنة ... تلكم كانت أهداف الموضوع، وذلكم منهج البحث فيه، وقد استفتيت فيه ما وصلت إليه يدي من كتب النحو والقراءات، فاستعنت فيه بسيبويه, والكسائي، والفراء، وأبي حاتم السجستاني، وأبي بكر بن مجاهد، وابن جرير الطبري، والزجاج، والزجاجي، والرماني، وأبي علي الفارسي، وابن جني، والربعي، ومكي بن أبي طالب القيسي، والداني، وأبي العباس القسطلاني، وابن الجزري، والبنا الدمياطي، وغير هؤلاء من النحويين والقراء. وبعد, فهذه لبنة في صرح الدراسات القرآنية الشامخ المكين، وجهد متواضع بذلته وفاء لحق القرآن وما له من فضل علينا عظيم ... ورغبة في أن يقر في صدر القارئ ما وقر في صدري -بعد البحث والتأييد- أن القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, تنزيل من حكيم حميد1. 21 من شعبان 1379هـ 18 فبراير "شباط" 1960م عبد الفتاح شلبي مصر الجديدة

_ 1 من فضل الله عليّ، وتحدثا بنعمته, أن يكون هذا الكتاب أول ما ألف في موضوعه، وقد كتب الشيخ عبد الفتاح القاضي -رحمه الله- كتابه: "القراءات في نظر المستشرقين والملحدين" القاهرة 1972, كتبه بعد كتابي هذا باثني عشر عامًا, والحمد لله على توفيقه.

رسم المصحف

1- رسم المصحف: ما المراد بالرسم؟ وماذا يعنون بالمصحف؟ الرسم: أصله الأثر، والمراد: أثر الكتابة في اللفظ، وهو تصوير الكلمة بحروف هجائها بتقدير الابتداء بها، والوقوف عليها. والمراد بالمصحف: المصاحف العثمانية التي أجمع عليها الصحابة1. وقد جمع أبو بكر القرآن مشتملًا على سبعة الأحرف التي أذن الله -عز وجل- للأمة في التلاوة بها، ولم يخص حرفًا بعينه2، ثم كان لكثير من أئمة الصحابة مصاحف: عمر بن الخطاب3، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب4، وعبد الله بن مسعود5، وابن عباس6, كما كان لزوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك: عائشة، وحفصة، وأم سلمة7. كذلك كان للتابعين من أمثال عطاء بن رباح، وعكرمة، ومجاهد8؛ وفي هذه المصاحف ما صح سنده، وثبتت تلاوته، ووافق العربية، ولكن اختلف بعضها عن بعض حتى كان المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يتلقون فيختلفون، ويختلف القراء من أهل العراق والشام9، هذا الاختلاف الذي أغضب حذيفة بن اليمان10 حتى احمرّت عيناه. ويفزع حذيفة إلى سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ويشرح الله صدر عثمان إلى هذا العمل الجليل، فيجمع الأمة على حرف واحد، ورسم واحد11 -ما عدا اختلافات أحصاها المشتغلون بالدراسات القرآنية12- خالٍ من

_ 1 انظر ص 211، لطائف الإشارات في علم القراءات، لشهاب الدين أبي العباس القسطلاني. 2 المقنع: 129. 3 انظر المصاحف للسجستاني: 50. 4 المصدر السابق: 53. 5 المصدر السابق: 54. 6 المصدر السابق: 73. 7 المصاحف: 83-88. 8 انظر المصاحف: من 88-91. 9 المقنع: 129. 10 انظر الخبر بتمامه ص12، المصاحف للسجستاني. 11 النشر: 1/ 11. 12 انظر المقنع: ص88-131.

النقط والشكل وبعث بالمصاحف إلى الأمصار، وأمر أهل كل مصر أن يقيموا مصاحفهم على المصحف المبعوث إليهم1، فأصبحت قراءة كل قطر تابعة لرسم مصحفهم2، ومنع عثمان -رضي الله عنه- القراءات بما خالف خطها، وساعده على ذلك زهاء اثني عشر من الصحابة والتابعين، واتبعه على ذلك جماعة من المسلمين بعده، وصارت القراءة عند جميع العلماء بما يخالفه بدعة وخطأ، وإن صحت ورويت3. هذا الرسم الذي أجمعت عليه الأمة، وتلقته بالقبول بترتيب آياته، بل كلماته، بل حروفه، ليس لنا إلى إنكاره من سبيل، وأصبح مصحف عثمان الإمام والدليل فيما يعنيه من ترتيب يمنع التقديم والتأخير، ومن حصر يمنع الزيادة والنقصان، وإبدال لفظ بلفظ آخر4، وهو حجة على القارئين والمقرئين إلى يوم الدين، وأصبحت القراءة بما يخالف الرسم وإن وافق العربية وصح سنده -كالذي جاء في مصاحف الصحابة والتابعين- شاذة؛ لكونها شذت عن رسم المصحف الإمام المجمع عليه، فلا يجوز القراءة بها لا في الصلاة, ولا في غيرها5. أورد القرطبي في تفسيره: قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "وطلع منضود" بالعين وتلا هذه الآية: {وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} ، وهو خلاف المصحف. وفي رواية أنه قرئ بين يديه: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} فقال: وما شأن الطلح؟ إنما هو: "وطلع منضود"، ثم قال: {لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} فقيل له: أفلا نحوّلها؟ 6 فقال: لا ينبغي أن يهاج القرآن ولا يحوّل7. فقد اختار هذه القراءة، ولم ير إثباتها في المصحف؛ لمخالفة ما رسمه مجمع عليه.

_ 1 فضائل القرآن لابن كثير: 39. 2 غيث النفع للصفاقسي: 114. 3 الإبانة لمكي بن أبي طالب: 1. 4 التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن: 86. 5 منجد المقرئين: 16 وما بعدها. 6 وفي رواية: قيل له: يا أمير المؤمنين! أنَحُكها من المصحف؟ فقال: لا يهاج القرآن اليوم. قال أبو بكر "الأنباري": ومعنى هذا أنه رجع إلى ما في الصحف، وعلم أنه هو الصواب، وأبطل الذي كان من قوله. 7 تفسير القرطبي: جـ17/ 208.

شاذ إذًا بعد المصحف الإمام أن نقرأ الآيات الآتية كما كانت تقرأ من قبل هذا الإمام، وكانت حلًّا فيما سبقه من أيام، بل كانت مما دونت في مصاحف كبار الصحابة -عليهم الرضوان- مثل: أ- زيادة كلمة1: "لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلًا من ربكم"2, في مواسم الحج3. ب- نقص كلمة: "ومن الشياطين من يغوص له ويعمل وكنا لهم حافظين"4. جـ- إبدال كلمة بأخرى: "إن الله لا يظلم مثقال نملة"5. د- تقديم وتأخير: "إذا جاء فتح الله والنصر"6, "وجاءت سكرة الحق بالموت"7. هـ- تأويل أثبت مع التنزيل: "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر"8. و منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه9. وهكذا, كان عمل سيدنا عثمان من قبيل صون القرآن عن التحريف والتبديل والاختلاف، وأخلص من هذا إلى بيان أنهم كانوا -وهم يكتبون المصحف الإمام- يتحرون الدقة والتثبت؛ حتى إنهم كانوا يتوقفون عن الكتابة حتى يثقوا من صحة ما يكتبون، وأنه عن رسول الله وارد، ومنه منقول. كانوا إذا تماروا في الآية يقولون: إنه قد أقرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية فلان بن فلان, وهو على رأس أميال من المدينة، وفي رواية: على رأس ثلاث ليالٍ. فيبعث إليه

_ 1 انظر المواهب الفتحية: 86، والانتصار للباقلاني. 2 المصاحف للسجستاني: 82. 3 مصحف عبد الله بن الزبير 82، وابن عباس 74. 4 المصدر السابق: مصحف عبد الله بن مسعود ص95. 5 المصدر السابق: مصحف عبد الله بن مسعود ص54. 6 المصدر السابق: مصحف ابن عباس ص81. 7 الإبانة لمكي: ص7. 8 النشر: 1/ 14. 9 مقدمة المصاحف Geffry P. "181".

من المدينة فيجيء, فيقولون: كيف أقرأك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آية كذا وكذا؟ فيقول: كذا وكذا, فيكتبون1 كما قال، ومن هنا جعلت موافقة القراءة رسم المصحف ركنًا من أركان القراءة الصحيحة2، وهم لا يريدون بذلك إلا الرسم العثماني الذي يتفق هو والمروي الثابت من صحيح القراءات، دون ما عداه من قراءات كانت في المصاحف الأخرى، وانتزعها عثمان رضي الله عنه3. وهكذا ألف القرآن -كما قال مالك عليه الرضوان- على ما كانوا يسمعون من قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم4- وإجماع القراء عليه5, أممًا عن أمم6.

_ 1 المقنع: 8. 2 النشر: 1/ 9. 3 انظر المصاحف للسجستاني: 34. 4 وانظر تاريخ القرآن للزنجاني: من ص40-46. 5 المقنع: 9. 6 منجد المقرئين: 60.

نماذج من كتاب المقنع في رسم مصاحف الأمصار: باب ذكر ما رسم في المصاحف بالحذف والإثبات: ذكر ما حذفت منه الألف اختصارًا: حدثنا أحمد بن عمر بن محمد بن عمرو الجيزي قراءة مني عليه، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عبد العزيز الإمام، قال: حدثنا عبد الله بن عيسى المدني، قال: حدثنا عيسى بن مينا قالون, عن نافع بن أبي نعيم القارئ، قال: الألف غير مكتوبة -يعني في المصاحف- في قوله: - في البقرة: {وَمَا يَخْدَعُونَ} "9" "وإذ وعدنا" "51" "وواعدنا موسى"1 "7-142" "وواعدناكم" "20-80" حيث وقعن, و"فأخذتكم الصعقة" "2-55" و"تشبه علينا" "2-70" و"به خطيئته" "2-81" و"تظهرون" "2-85" و"أسرى" "2-85" و"تفدوهم" "2/85" و"أوكلما عهدوا" "2-100" و"تصريف الريح" "2-164" و"طعام مسكين" "2-184" و"فيضعفه" "2-245" و"يضعف" و"مضعفة" حيث وقعن, "ولولا دفع الله" "2-251" حيث وقعت "22-40" وفي "فرهن مقبوضة" "2-283". [البقرة: 2] . - وفي آل عمران: "منهم تقة" "28" مكتوبة بالياء "فيكون طيرا" "49" حيث وقع "5-110" "وقتلوا وقُتلوا" "3- 195". [آل عمران: 3] . - وفي النساء: "وثلث وربع" "3" "ذرية ضعفا" "9" "كتب الله عليكم" "24" "والذين عقدت أيمنكم" "33" "حسنة يضعفها" "40" "أو لمستم النساء" "43". ومثله في المائدة "5-6" "فلقتلوكم" "4-90" "مرغما كثيرا" "4-100". [النساء: 4] . - وفي المائدة: "سبل السلم" "16" فما بلغت رسالته" "67" "بلغ

_ 1 سقطت في ب.

الكعبة، طعام مسكين" "95" "قيما للناس" "97" "عليهم الأولين" "107" "فيكون طيرا" "110" "أكلون للسحت" "42". [المائدة: 5] . - وفي الأنعام: "طير يطير" "38" "وذريتهم" "87" "أكبر مجرميها" "123" "حيث يجعل رسالته" "124" "دار السلم" "127". [الأنعام: 6] . - وفي الأعراف: "إنما طيرهم" "131" "وبطل ما كانوا يعملون" "139" "عليهم الخبيث" "157" "وكلمته" "158" حيث وقعت "خطيئتكم" "161" "إذا مسهم طيف" "20". [الأعراف: 7] . - وفي الأنفال: "الحق بكلمته" "7" "وتخونوا أمنتكم" "27". [الأنفال: 8] . - وفي التوبة: "أن يعمروا مسجد الله" "17" "خلف رسول الله" "81". [التوبة: 9] . - وفي يونس: "كلمت ربك" "33". [يونس: 10] . - وفي هود: "وبطل ما كانوا يعملون" "16" "يضعف لهم" "20" "قالوا سلما قال سلم" "69" حيث وقع "51-25". [هود: 11] . - وفي يوسف: "آيت للسائلين" "7" و"في غيبت" "10 و15" بحذف الألف في الحرفين. [يوسف: 13] . - وفي الرعد: "وسيعلم الكفر" "42". [الرعد: 13] . - وفي إبراهيم: "به الريح" "18". [إبراهيم: 14] . - وفي بني إسرائيل: "طيره في عنقه" "13". [بنو إسرائيل: 17] . - وفي الكهف: "تزور عن كهفهم" "17" "لكلمته ولن" "27" "نفسًا زكية" "74" "لتخذت عليه" "77" "تذروه الرياح" "45" "لكلمت ربي" "109". [الكهف: 18] . - وفي مريم: "تسقط عليك" "25". [مريم: 19] . - وفي طه: "الأرض مهدا" "53" حيث وقع "43-10" و"78-6" و"ووعدنكم" "20-80". [طه: 20] .

- وفي الأنبياء: "فجعلهم جذاذا" "58" "تعمل الخبيث" "74" "كانوا يسرعون" "90" "وحرم على قرية" "95". [الأنبياء: 21] . - وفي الحج: "إن الله يدفع" "38" "ولولا دفع الله" "40" "للذين يقتلون" "39" "معجزين" "51". [الحج: 22] . - وفي "المؤمنون": "لأمنتهم" "8" "المضغة عظما فكسونا العظم" "14" "سمرا تهجرون" "67". [المؤمنون: 23] . - وفي النور: "يخرج من خلله" "43". [النور: 24] . - وفي الفرقان: "ارسل الريح" "48" "فيها سرجا" "61" "أزواجنا وذريتنا" "74". [الفرقان: 25] . - وفي النمل: "آيتنا مبصرة" "13" "قال طيركم عند الله" "47" "بل ادّرك علمهم" "66". [النمل: 27] . - وفي القصص: "فرغا إن كادت" "10" "قالوا سحرن تظهرا وقالوا" "48". [القصص: 28] . - وفي العنكبوت: "ءايت من ربه" "50". [العنكبوت: 29] . - وفي لقمان: "وفصله" "14" "ولا تصعر" "18". [لقمان: 31] . - وفي الأحزاب: "تظهرون منهن" "4". [الأحزاب: 33] . - وكذلك في المجادلة: في الحرفين "2 و3" وكذلك حيث وقع "يضعف لها" "33-30". [المجادلة: 58] . - وفي سبأ: "في مسكنهم" "15" "وهل يجزى" "17" "ربنا بعد" "19". [سبأ: 34] . - وفي فاطر: "على بينت منه" "40". [فاطر: 35] . - وفي يونس: "فكهون" "55" حيث وقع "حملنا ذريتهم" "41" "بقدر على أن" "81". [يونس: 36] . - وفي والصافات: "فهم على أثرهم" "70". [الصافات: 37] .

- وفي الزمر: "من هو كذب" "3". [الزمر: 39] . - وفي غافر: "كلمت ربك" "6". [غافر: 40] . وفي فصلت: "وما تخرج من ثمرت" "47". [فصلت: 41] . - وفي حم عسق: "ويحق الحقّ بكلمته" "24" و"إن يشأ يسكن الريح" "33". [حم عسق: 42] . - وفي الزخرف: "عليه أسورة" "53" "وقل سلم" "89". [الزخرف: 43] . - وفي الأحقاف: "أو أثرة من علم" "4" و"بقدر على" "33". [الأحقاف: 46] . - وفي القتال: "والذين قتلوا" "4". [القتال: 47] . - وفي الفتح: "بما عهد عليه الله" "10". [الفتح: 48] . - وفي الذاريات: "فقالوا سلما قال سلم" "25". [الذاريات: 51] . - وفي والطور: "واتبعتهم ذريتهم، بهم ذريتهم" "21". [الطور: 52] . - وفي التحريم: "وإن تظهرا عليه" "4" "بكلمت ربها وكتبه" "12". [التحريم: 66] . - وفي ن والقلم: "لولا أن تدركه" "49". [ن والقلم: 68] . - وفي المعارج: "برب المشرق والمغرب" "40". [المعارج: 70] . - وفي نوح: "مما خطيئتهم" "25". [نوح: 71] . - وفي الإنسان: "عليهم ثيب سندس" "21". [الإنسان: 76] . - وفي النبأ: "لغوا ولا كذبا" "35". [النبأ: 78] . قال أبو عمرو: فهذا جميع ما في رواية عبد الله بن عيسى, عن قالون, عن نافع مما حذفت منه الألف في الرسم.

وحدثنا أبو الحسن بن غلبون، قراءة مني عليه, قال: حدثنا أبي, قال: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن قالون، عن نافع، بعامة هذه الحروف، وزاد في الكهف: "فلا تصحبني" "76". وفي الحج "سكرى وما هم بسكرى" "2". وفي حم عسق "كبير الإثم" "37". ومثله في والنجم "32". وفي الواقعة "بموقع النجوم" "75". وفي المطففين "ختمه مسك" "26". وفي الفجر "فادخلي في عبدي" "29". قال أبو عمرو: ورأيت رسم عامة الحروف المذكورة في مصاحف أهل العراق وغيرها على نحو ما رويناه عن مصاحف أهل المدينة. حدثنا خلف بن إبراهيم بن محمد قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: رأيت في الإمام مصحف عثمان بن عفان -استخرج لي من بعض خزائن الأمراء ورأيت فيه أثر دمه- في سورة البقرة "خطيكم" "58" بحرف واحد والتي في الأعراف "خطيئتكم" "161" بحرفين, قال أبو عمرو: وكذلك التي في نوح "25" في جميع المصاحف بحرفين "وميكيل" "2-98" بغير ألف. وفي يوسف "حش لله" "31 و51". وفي الرعد "وسيعلم الكفر" "42". وفي طه "إن هذان" "63". قال: وكذلك رأيت التثنية المرفوعة كلها فيه بغير ألف, وفي "المؤمنون" "أم تسئلهم خرجًا" "72" وفيها "85، 87، 89" "سيقولون لله لله لله" وفي الإنسان "قواريرا" "15" الأولى بالألف والثانية "16" كانت بالألف, فحكت ورأيت أثرها بينا هناك, وأما "سلسلا" "4" فرأيتها قد درست. حدثنا الخاقاني قال: حدثنا أحمد المكي قال: حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن هارون قال: حدثنا عاصم الجحدري قال: هو في الإمام مصحف عثمان بن عفان الذي كتبه للناس كلهن "لله لله" يعني قوله في "المؤمنون": "سيقولون لله" قال عاصم: وأول من زاد هاتين الألفين نصر بن عاصم الليثي. قال أبو عبيد: ثم تأملتها في الإمام فوجدتها على ما رواه الجحدري قال: وهكذا رأيتها في مصحف قديم بالثغر بُعث به إليهم قبل خلافة عمر بن عبد العزيز, وكذلك هي في مصاحف المدينة وفي مصاحف الكوفة جميعًا وأحسب

مصاحف الشام عليها، حدثنا محمد بن علي قال: حدثنا محمد بن قطن قال: حدثنا سليمان بن خلاد قال: حدثنا اليزيدي قال: في مصاحف أهل المدينة ومكة "وسيعلم الكفر" "13-42" على واحد. فصل: قال أبو عمرو: أجمع1 كتاب المصاحف على حذف الألف من الرسم بعد يا التي للنداء وبعدها التي للتنبيه اختصارًا أيضًا؛ وذلك في نحو قوله: "يأيها الناس" و"يأرض" و"يأولي الألبب" و"يأخت هرون" و"يئادم" و"ينوح" و"يلوط" و"يهود" و"يشعيب" و"يصلح" و"يهرون" و"يمريم" و"يفرعون" و"يهمن" و"يملك" و"ياسفى" و"يويلتى" و"ويحسرتى" و"يربّ" و"يبنيّ" و"يبَنِيَّ" و"يقوم" و"هانتم" و"هؤلاء" و"هذا" و"هذه" و"هذن" و"هتين" و"هكذا" وما كان مثله حيث وقع, والألف الثانية في الخط بعد الياء والهاء فيما كان بعدهما فيه همزة هي2 الهمزة لكونها مبتدأة. وكذلك أجمعوا على حذف الألف في قوله: "الرحمن" عز وجل حيث وقع, وفي قوله: "ذلك" و"ذلكم" و"ذلكن" و"أولئك". باب ذكر ما حذفت منه الياء اجتزاء بكسر ما قبلها منها "ويلحظ السند الدقيق المبني على الرواية الصحيحة": حدثنا محمد بن أحمد بن علي البغدادي قراءة عليه, قال: حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري النحوي قال: والياءات المحذوفات من كتاب الله -عز وجل- اكتفاء بالكسرة منها على غير معنى نداء في سورة البقرة "فإيي فارهبون" "40" "وإيي فاتقون" "41" "ولا تكفرون" "152" "دعوة الداع إذا دعان" "186" "واتقون يا أولي الألبب" "197"، وفي سورة آل عمران: "ومن اتبعن وقل" "20" "وأطيعون" "50" "وخافون إن كنتم" "175"، وفي النساء: "وسوف يؤت الله" "146"، وفي المائدة: "واخشون اليوم" "3" "واخشون ولا تشتروا" "44"، وفي سورة الأنعام: "يقض الحق" "57" وفيها "وقد هدن" "80",

_ 1 كذا في 46 وب، وفي 47 واجتمع، وفي 48 واجتمعوا كتاب. 2 من في 46.

في الأعراف: "ثم كيدون فلا تنظرون" "195"، وفي يونس: "ولا تنظرون" "71" "ننج المؤمنين" "103"، وفي هود: "فلا تسئلن ما ليس" "46" "ثم لا تنظرون" "55" "ولا تخزون في ضيفي" "78" "يوم يأت لا تكلم" "105"، وفي يوسف: "فأرسلون" "45" "ولا تقربون" "60" "حتى تؤتون موثقا" "66" "لولا أن تفندون" "94"، وفي الرعد: "الكبير المتعال" "9" "وإليه متاب" "30" "وإليه مئاب" "36" "فكيف كان عقاب" "32"، وفي إبراهيم: "وخاف وعيد" "14" "بما أشركتمون من قبل" "22" "وتقبل دعاء ربنا" "40"، وفي الحجر: "فلا تفضحون" "68" "ولا تخزون" "69"، وفي النحل: "فاتقون" "2" "فإيي فارهبون" "51"، وفي بني إسرائيل: "لئن أخرتن" "62" "فهو المهتد" "97"، وفي الكهف: "فهو المهتد" "17" "إن يهدين" "24" "إن ترن" "39" "أن يؤتين خيرا" "40" "على أن تعلمن" "66" "ما كنا نبغ" "64"، وفي طه: "ألا تتبعن" "93"، وفي الأنبياء: "فاعبدون" "25" "فلا تستعجلون" "37" "وأنا ربكم فاعبدون" "92"، وفي الحج: "والباد ومن يرد" "25" "فكيف كان نكير" "44" "وإن الله لهاد الذين" "54"، وفي المؤمنون: "بما كذبون" "26" "بما كذبون" "39" "فاتقون"1 "52" "أن يحضرون" "98" "رب ارجعون" "99" "ولا تكلمون" "108"، وفي الشعراء: "أخاف أن يكذبون" "12" "أن يقتلون" "14" "فهو يهدين" "78" "ويسقين" "79" "فهو يشفين" "80" "ثم يحيين" "81" "وأطيعون" في ثمانية مواضع2 "وإن قومي كذبون" "117"، وفي النمل: "واد النمل" "18" "أتمدونن بمال فما آتان الله" "36" "حتى تشهدون" "33"، وفي القصص: "أن يقتلون" "33" "أن يكذبون" "34"، وفي العنكبوت: "فاعبدون" "56"، وفي الروم: "يهد العمي" "53"، وفي سبأ: "الجواب" "13" و"نكير" "45"، وفي فاطر "نكير" "26"، وفي يس: "إن يردن الرحمن" "ولا ينقذون" "23" "فاسمعون" "25"، وفي

_ 1 زيادة في 48 فقط. 2 هي: 108، 110، 126، 131، 144، 150، 163، 179.

والصافات: "لتردين" "56" "إلى ربي سيهدين" "99" "صال الجحيم" "163"، وفي ص: "عذاب" "8" "فحق عقاب" "14"، وفي الزمر: "يعباد فاتقون" "16" "فبشر عباد الذين" "17"، وفي المؤمن1: "عقاب" "5" "يوم التلاق" "15" "يوم التناد" "32" "اتبعون أهدكم" "38"، وفي عسق2 "الجوار" "32"، وفي الزخرف: "سيهدين" "27" "واتبعون هذا" "61" "وأطيعون" "63"، وفي الدخان: "أن ترجمون" "20" "فاعتزلون" "21" وفي ق: "فحق وعيد" "14" و"المناد" "41" و"وعيد" "45"، وفي الذاريات: "ليعبدون" "56" "أن يطعمون" "57" "فلا تستعجلون" "59"، وفي القمر: "فما تغن النذر" "5" "يدع الداع" "6" "مهطعين إلى الداع" "8" وفيها ستة مواضع "ونذر"3, وفي الرحمن: "الجوار" "24", وفي الملك: "نذير" "17" و"نكير" "18"، وفي نوح: "وأطيعون" "3"، وفي والمرسلات: "فكيدون" "39"، وفي كورت: "الجوار الكنس" "16"، وفي والفجر: "إذا يسر" "4" "وبالواد" "9" و"أكرمن" "15" و"أهنن" "16"، وفي قل يا أيها الكفرون: "ولي دين" "6". قال أبو بكر: فهذه الحروف كلها الياء ساقطة منها في المصحف والوقف عليها بغير ياء وما سوى ذلك فهو بالياء, قال أبو عمرو: وقد أغفل ابن الأنباري من الياءات المحذوفات في الرسم خمسة مواضع, فلم يذكرها مع نظائرها, فأولها في طه "بالواد المقدس" "12"، وكذلك في القصص "الواد الأيمن" "30", وكذا في والنازعات: "بالواد المقدس" "16", وفي الشعراء: "إن معي ربي سيهدين" "62"، وفي ق: "واستمع يوم يناد" "41"، ولا خلاف بين المصاحف في حذف الياء من هذه المواضع كسائر ما تقدم, فأما قوله: "فبم تبشرون" "54"، في الحجر و"تشقون فيهم" "27" في النحل: فمن كسر النون فيهما ألحقهما بنظائرهما من الياءات المحذوفات, ومن فتح النون فيهما أخرجهما من جملة الياءات. حدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال: وكل اسم

_ 1 وتسمى: غافر. 2 هي الشورى. 3 هي في الآيات: 16، 18، 21، 30، 37، 39.

منادى أضافه المتكلم إلى نفسه فالياء منه ساقطة, كقوله: "يقوم" "يعباد فاتقون" "16" "يعباد الذين ءامنوا" "10" في سورة الزمر, إلا حرفين أثبتوا فيهما الياء في العنكبوت "يعبادي الذين ءامنوا" "56"، وفي الزمر: "يعبادي الذين أسرفوا" "53", قال: واختلفت المصاحف في حرف في الزخرف "يعبادي لا خوف عليكم" "68" فهو في مصاحف أهل المدينة بياء, وفي مصاحفنا يعني مصاحف أهل العراق بغير ياء. حدثنا محمد بن علي قال: حدثنا محمد بن قطن قال: حدثنا أبو خلاد قال: حدثنا اليزيدي عن أبي عمرو أنه رأى ذلك في مصاحف أهل المدينة والحجاز بالياء، قال اليزيدي: وهو في مصاحفنا بغير ياء, وروى معلى بن عيسى عن عاصم الجحدري قال: "إبراهيم" في البقرة بغير ياء, كذا وجد في الإمام وهو في كل القرآن بالياء. فصل: قال أبو عمرو: وكل اسم مخفوض أو مرفوع آخره ياء ولحقه التنوين, فإن المصاحف اجتمعت على حذف تلك الياء بناء على حذفها من اللفظ في حال الوصل لسكونها وسكون التنوين بعدها, وذلك في نحو قوله: " {غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} ، و {مِنْ هَادٍ} ، و {مِنْ وَالٍ} ، و {مِنْ وَاقٍ} ، وغواش، وليال، وبواد، وفي كل واد، ومستخف، وإلا زان، ودان، و {لَآتٍ} ، و {مُلاقٍ} ، و {مَنْ رَاقٍ} " وشبهه. حدثنا بذلك محمد بن أحمد بن علي, عن محمد بن القسم الأنباري, وكذلك وجدنا ذلك في كل المصاحف, وبالله التوفيق. باب ذكر ما حذفت منه الواو اكتفاء بالضمة منها, أو لمعنى غيره: حدثنا أبو مسلم1 محمد بن أحمد الكاتب قال: حدثنا ابن الأنباري قال: وحذفت الواو من أربعة أفعال مرفوعة, أولها في سبحان: "ويدع الإنسن بالشر"

_ 1 كذا في 46 وب، وفي 47 أبو هشام، وفي 48 بحذف الكنية. ترجم في غاية النهاية ج2 ص13 وكني بأبي مسلم.

"11"، وفي عسق: "ويمح الله البطل" "24"، وفي القمر: {يَدْعُ الدَّاعِ} "6"، وفي العلق: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} "18"، قال أبو عمرو: ولم تختلف المصاحف في أن الواو من هذه المواضع ساقطة, وكذا اتفقت على حذف الواو من قوله في التحريم: "وصلح المؤمنين" "4" وهو واحد يؤدى عن جمع1. حدثنا الخاقاني قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: رأيت في الإمام مصحف عثمان: {وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [63-10] بحذف الواو, واتفقت بذلك المصاحف فلم تختلف, وقال الحلواني أحمد بن يزيد عن خالد بن خداش قال: قرأت في الإمام أمام عثمان: "وأكون" بالواو وقال: رأيت المصحف ممتلئًا دما وأكثره في النجم. وحدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا محمد بن القاسم قال: قال الفراء: حذفت واو الجمع في المصحف في قوله: {نَسُوا اللَّهَ} [9-67] ، [59-19] قال أبو عمرو: ولا نعلم أن ذلك كذلك في شيء من مصاحف أهل الأمصار والذي حُكي عن الفراء غلط من الناقل. باب ذكر ما رسم بإثبات الألف على اللفظ أو المعنى: حدثنا خلف بن حمدان المقرئ قال: حدثنا أحمد بن محمد المكي قال: حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: رأيت في الإمام مصحف عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في البقرة: "اهبطوا مصرا" "61" بالألف، وفي يوسف "ءايات للسائلين" "7" بالألف والتاء, وفي الكهف: "لكنا هو الله" "38" بالألف، وفي الأحزاب: "الظنونا" "10" و"الرسولا" "66" و"السبيلا" "67" ثلاثتهن بالألف. قال أبو عبيد: وقوله "سلسلا" [76-4] و"قواريرا قواريرا" [76-15 و16] الثلاثة الأحرف في مصاحف أهل الحجاز والكوفة بالألف, وفي مصاحف أهل البصرة: "قواريرا" الأولى بالألف والثانية بغير ألف.

_ 1 في 48 و46 يؤدى عن جميع، وفي 47 عن الجميع.

وحدثنا محمد بن أحمد الكاتب قال: حدثنا محمد بن القاسم النحوي قال: حدثنا إدريس عن خلف قال: في المصاحف كلها الجدد والعتق "قواريرا" الأولى بالألف، والحرف الثاني "قوارير" فيه اختلاف, فهو في مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة "قواريرا قواريرا" جميعًا بالألف, وفي مصاحف أهل البصرة الأولى بالألف والثاني "قوارير" بغير ألف. قال أبو عمرو: وكذلك في مصاحف أهل مكة, وروى محمد بن يحيى القُطي عن أيّوب بن المتوكّل قال: في مصاحف أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل مكة وعتق مصاحف أهل البصرة "قواريرا قواريرا" بألفين, قال أبو عمرو: ولم تختلف مصاحف أهل الأمصار في إثبات الألف في {الظُّنُونَا} و {الرَّسُولا} و {السَّبِيلا} و {سَلاسِلا} واختلف في "قواريرا قواريرا". وحدثنا أحمد بن عمر بن محمد القاضى قال: حدثنا محمد بن أحمد بن منير قال: حدثنا عبد الله بن عيسى قال: حدثنا قالون عن نافع أن الثلاثة الأحرف التي في الأحزاب "10 و66 و67" والثلاثة الأحرف التي في الإنسان "4 و15 و16" في الكتاب بالألف. وحدثنا محمد بن أحمد, حدثنا ابن الأنباري قال: حدثنا إدريس عن خلف قال: سمعت يحيى بن آدم يحدث عن ابن إدريس قال: في المصاحف الأول الحرف الأول والثاني يعني "قوارير قوارير" بغير الألف. حدثنا خلف بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو عبيد قال: وقوله عز وجل: {عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ} "40" في سورة فاطر رأيتها في بعض المصاحف بالألف والتاء, قال أبو عمرو: وكذلك وجدت أنا ذلك في بعض مصاحف أهل العراق الأصلية القديمة, ورأيت ذلك في بعضها بغير ألف. وحدثنا أحمد بن عمر بن محفوظ قال: حدثنا محمد بن أحمد الإمام قال: حدثنا عبد الله بن عيسى قال: حدثنا قالون عن نافع أن ذلك مرسوم في الكتاب بغير ألف, وكذلك "ءايت للسائلين" "7" في يوسف. حدثنا خلف بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن هارون قال: حدثني عاصم الجحدري قال

في الإمام مصحف عثمان بن عفان في الحج "ولؤلؤا" 23" بالألف والتي في الملائكة1 "ولؤلؤ" "33" خفضٌ بغير ألف. قال أبو عبيد: وكان أبو عمرو يقول: إنما أثبتوا فيها الألف كما زادوها في "كانوا" و"قالوا" قال: وكان الكسائي يقول: إنما زادوها لمكان الهمزة, حدثنا محمد بن أحمد بن علي قال: حدثنا محمد بن أحمد بن قَطَن قال: حدثنا سليمان بن خلاد قال: حدثنا اليزيدي قال: قال أبو عمرو: إنما كتبوا الألف في قوله: "ولؤلؤا" "23" في الحج كتبوا ألف2 "قالوا" وما أشبهه. قال أبو عمرو: ولم تختلف المصاحف في رسم الألف في الحج "23" وإنما اختلفت3 في فاطر "33". وزعم نصير أن المصاحف اتفقت على حذف الألف في فاطر4, وروى إبراهيم بن الحسن عن بشار بن أيوب عن أسيد عن الأعرج قال: كل موضع فيه "اللؤلؤ" فأهل المدينة يكتبون فيه ألفًا بعد الواو الأخيرة وحدثنا أحمد بن عمر الجيزي قال: حدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن عيسى قال: حدثنا قالون عن نافع أن الحرف الذي في فاطر "ولؤلؤا" بألف مكتوبة5. وحدثنا ابن خاقان المقرئ إجازة قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الله الأصبهاني بإسناده عن محمد بن عيسى الأصبهاني قال: كل شيء في القرآن من ذكر "اللؤلؤ" فإنما يكتب "لؤلؤ" ليس فيه6 ألف في مصاحف البصريين إلاّ في مكانين ليس في القرآن غيرهما: في الحج "ولؤلؤا" "23" وفي هل أتى على الإنسان "حسبتهم لؤلؤا" "19" قال: وقال عاصم الجحدري: كل شيء في الإمام مصحف عثمان: من ذكر اللؤلؤ"7 فيها ألف إلاّ التي في الملائكة8 "33" وقال الفراء: هما في مصاحف أهل المدينة والكوفة بألفين. حدثنا فارس بن أحمد قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا عمر بن يوسف قال: حدثنا الحسين بن شيْرَك قال: حدثنا أبو حمدون قال: حدثنا اليزيدي في قوله: "نفسا زاكية" [18-74] قال: هي مكتوبة بالألف في مصاحف أهل المدينة وأهل مكة.

_ 1 هي سورة فاطر. 2 في 47: الألف في. 3 في 47: اختلفوا. 4 من: وزعم, إلى: في فاطر غير موجود في 46 و48. 5 في ب: بالألف مكتوب. 6 فيها في 47. 7 زيادة ملحقة بهامش 47. 8 هي سورة فاطر.

وحدثنا أحمد بن عمر, قال: حدثنا محمد بن منير قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا قالون عن نافع أنها مكتوبة بغير ألف, وحدثنا خلف بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد المكي قال: حدثنا علي قال: قال أبو عبيد في الكتاب "ألا أن ثمودا" "68" في هود وفي الفرقان "38" وفي العنكبوت "38" والنجم "51" بالألف مثبتة, وحدثنا أحمد بن محفوظ قال: حدثنا ابن منير قال: حدثنا المدني عن قالون عن نافع أن الأربعة في الكتاب بألف, قال أبو عمرو: ولا خلاف بين المصاحف في ذلك. فصل: ولا خلاف ترد بينها1 في زيادة الألف بعد الميم في قوله "مائة" و"مائتين" حيث وقعا ولم تزد في قوله "فئة" و"فئتين" وكذلك زيدت الألف بعد الواو في قوله عز وجل: "الربوا" في جميع القرآن, وفي قوله: "إن امرؤٌا هلك" "176" في النساء وكذلك زيدت في نحو قوله: "يعبؤا وتفتؤا ولا تظلموا ويبدؤا والضعفؤا وآنِّا بُرَءؤا" وشبهه مما رسمت الهمزة المتطرفة المضمومة فيه واوا على مراد الوصل للمشابهة التي بين هذه الواو في هذه المواضع, وبين واو الجمع وواو الأصل في الفعل من حيث وقعت طرفا كهنّ. وقال محمد بن عيسى: رأيت في المصاحف كلها: "شيء" بغير ألف, ما خلا الذي في الكهف يعني قوله: "ولا تقولن لشاي" "23" قال: وفي مصحف2 عبد الله رأيت كلها بالألف "شاي" قال أبو عمرو: ولم أجد شيئًا من ذلك في مصاحف أهل العراق وغيرها بألف. حدثنا خلف بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا علي3 بن عبد العزيز قال: حدثنا أبو عبيد أن المصاحف كلها اجتمعت على رسم ألف بعد اللام في قوله في مريم: "لأَهب لك" "19".

_ 1 كذا في ب, وفي ثلاثة أصولنا: ولا خلاف أيضًا بينهما. 2 كذا في ب, وفي ثلاثة أصولنا مصاحف. وفي 47 مصاحف عبد الله يعني ابن مسعود. 3 في ب محمد, والذي في غاية النهاية علي بن عبد العزيز, روى عن أبي عبيد القاسم بن سلام, وروى عنه أحمد بن محمد.

فصل: قال أبو عمرو: واتفق1 كتاب المصاحف على رسم ألف بعد الواو صورة للهمزة في قوله في المائدة: "أَنْ تبوأ بإثمي" "29" وفي القصص "لتنوأ بالعصبة" "76" ولا أعلم همزة متطرفة قبلها ساكن صوّرت خطّا في المصحف إلا في هذين الموضعين لا غير, وكذلك اتّفقوا على أن رسموا ألفًا بعد الشين في قولة "النشأة" "20" في العنكبوت والنجم "47" والواقعة "62" ولا أعلم همزة متوسطة قبلها ساكن رسمت في المصحف إلا في هذه الكلمة, وفي قوله "موئلا" "58" في الكهف لا غير, ويجوز عندى أن يكون رسموها ههنا على قراءة من فتح الشين ومدّ. واختلفت المصاحف في قوله في الأحزاب "يسئلون عن أنبائكم" "20" وسيأتي ذلك في موضعه إن شاء الله, وقد بقي من هذا الباب مواضع يأتي ذكرها فيما اجتمعت المصاحف على رسمه إن شاء الله. فصل: قال أبو عمرو: واجتمع أيضًا كتّاب المصاحف على رسم النون الخفيفة ألفًا, وجملة ذلك موضعان: في يوسف "وليكونا من الصغرين" "32" وفي العلق {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} "15" وذلك على مراد الوقف وكذلك رسموا النون ألفًا لذلك في قوله: {وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ} و {فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ} و"إذا لأذقنك" و"قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا" وشبهه من لفظه حيث وقع, وكذلك رسموا التنوين نونًا في قوله {وَكَأَيِّنْ} حيث وقع وذلك على مراد الوصل, والمذهبان قد يستعملان في الرسم دلالة على جوازهما فيه, وقال الغازي بن قيس: العذاب، والعقاب، والحساب، والبيان، والغفار, والجبّار، والساعة، والنهار, بألف يعني في المصاحف وذلك على اللفظ. قال أبو عمرو: وكذلك رسموا كل ما كان على وزن فَعال -بفتح الفاء وبكسرها- وعلى وزن فاعل نحو: "ظالم، وكاتب, وشاهد، ومارد، وشارب، وطارد" وعلى وزن فعَّال نحو: "خوان، وختار، وصبار، وكفار" وعلى وزن

_ 1 واتفقت في ب.

فُُعلان نحو: بنيان، وطغيان، وكفران، وقربان، وخسران، وعدوان. وفعلان نحو: "صنوان، وقنوان" "وكذلك الميعاد، والميزان، والميقات، وميراث] 1. وكذلك ما أشبهه مما ألفه زائدة للبناء, وكذلك إن كانت منقلبة من ياء أو من واو حيث وقع. وحدثنا فارس بن أحمد قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا عمر بن يوسف قال: حدثنا الحسين بن شيراك2 قال: حدثنا أبو حمدون قال: حدثنا اليزيدي قال: كُتبت "تترا" [23-44] بالألف, وكذلك رأيتها أنا في مصاحف أهل العراق وغيرها وأحسبهم رسموها كذلك على قراءة من نون أو على لفظ التفخيم, وكذلك وجدت فيها {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ} في الكهف "33" بالألف, وذلك على أن الألف للتثنية أو على مراد التفخيم إِن كانت للتأنيث. وروى محمد بن يحيى القطعي عن سليمان بن داود عن بشر بن عمر عن هارون عن عاصم الجحدري قال الإمام: "ولا أوضعوا" في التوبة "47" و"أو لا أذبحنه" غير النمل "21" بألف, وقال نصير: اختلفت المصاحف في الذي في التوبة واتّفقت على الذي في النمل وحُدثتُ عن قاسم بن أصبغ قال: حدثنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال: كتبوا في المصحف "ولا أوضعوا" و"أو لا أذبحنه" بزيادة ألف, وبالله التوفيق. باب ذكر ما رسم بإثبات الياء على الأصل: اعلم أن الياء التي هي لام الفعل, والزائدة التي للإضافة أثبتت في الرسم في كل المصاحف في أربعين موضعًا, فأول ذلك في البقرة {وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمّ} "150" و {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ} "258" وفي آل عمران: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} "31" وفي الأنعام {لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي} "77" و"أتحجونّي في الله" "80" و"يومَ يأتى بعض ءايت ربك" "158" و"قل إنني هديني ربي" "161" وفي

_ 1 هذه زيادة في ب فقط. 2 في أصولنا الثلاثة: شيرك, وفي ب شريك, ترجمه في غاية النهاية ج1 ص241 فقال: الحسين بن شيرك, ويقال: شارك وقيل: شريك.

الأعراف {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} "53" و"لن تريني" و"فسوف تريني" "143" و {اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي} "150" و {فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ} "178" وفي هود {فَكِيدُونِي جَمِيعًا} "55" وفي يوسف {مَا نَبْغِي هَذِهِ} "65" و {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} "108" وفي إبراهيم {فَمَنْ تَبِعَنِي} "36" وفي الحجر {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي} "54" و {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} "87" وفي النحل {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ} "111" وفي سبحان {وَقُلْ لِعِبَادِي} "53" وفي الكهف {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي} "70" وفي مريم {فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ} "43" وفي طه "أن أسْر بعبادي" "77" و {فَاتَّبِعُونِي} "90" وفي النور {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} "2" و {أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي} "55" وفي القصص {أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} "22" وفي يس {وَأَنِ اعْبُدُونِي} "61" وفي ص "أولي الأيدي والأبصر" "45" وفي الزمر {أَفَمَنْ يَتَّقِي} "24" و"لو أن الله هدني" "57" وفي الدخان {فَأَسْرِ بِعِبَادِي} "23" وفي الرحمن "فيؤخذ بالنوصي" "41" وفي الصف {لِمَ تُؤْذُونَنِي} "5" و {بِرَسُولٍ يَأْتِي} "6" وفي المنافقون {لَوْلا أَخَّرْتَنِي} "10" وفي الفجر "فادخلي في عبدي وادخلي جنّتي" [29 و30] . قال أبو عمرو: فهذا جميع ما وجدته من هذا الباب مرسومًا في الخط, وثابتًا في التلاوة بإجماع من القراءة مما يشاكل في اللفظ والمعنى مما حذفت منه الياء, مما قد تقدم ذكرنا له, وبالله التوفيق. فصل: وكل ياء سقطت من اللفظ لساكن لقيها في كلمة أخرى فهى ثابتة في الرسم نحو قوله: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ} و"وما تغني الأيت والنذر" في يونس "101" وفي يوسف {أَنِّي أُوفِي الْكَيْل} "59" وفي الرعد {أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ} "41" وفي مريم "إلاّ ءاتي الرحمن" "93" و"بهدي العمي" "81" في النمل و"لا نبتغي الجهلين" "55" وفي القصص {أَيْدِيَ النَّاسِ} [48-20] {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ} [16-107] و"يلقى الروح" [40-15] وما كان مثله حاشا خمسة عشر موضعًا من ذلك, فإن المصاحف اتفقت على حذف الياء فيها وقد تقدم ذكرها في جملة الياءات المحذوفات, فأغنى ذلك عن إعادتها ههنا, وبالله التوفيق.

باب ذكر ما رسم في المصاحف من هاءات التأنيث بالتاء على الأصل, أو مراد الوصل: ذكر "الرحمة": حدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا محمد بن القاسم النحوي قال: وكل ما في كتاب الله -عز وجل- من ذكر "الرحمة" فهو بالهاء -يعني في الرسم- إلاّ سبعة أحرف: في البقرة "أولئك يرجون رحمت الله" "218" وفي الأعراف "إِنّ رحمت الله قريب من المحسنين" "56" وفي هود "رحمت الله وبركاته" "73" وفي مريم "ذكر رحمت ربك" "2" وفي الروم "إلى ءاثر رحمت ربك" "50" وفي الزخرف "أهم يقسمون رحمت ربك" "32" وفيها "ورحمت ربك خير ممّا يجمعون" "32". ذكر "النعمة": قال: وكل ما في كتاب الله -عز وجل- من ذكر "النعمة" فهو بالهاء, إلاّ أحد عشر حرفًا: في البقرة "واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم" "231" وفي آل عمران "واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء" "103" وفي المائدة "اذكروا نعمت الله عليكم إذ هَمَّ قوم" "11" وفي إبراهيم "ألم تر إلى الذين بدَّلوا نعمت الله كفرًا" "28" وفيها "وإن تعدّوا نعمت الله لا تحصوها" "34" وفي النحل "وبنعمت الله هم يكفرون" "72" وفيها "يعرفون نعمت الله" "83" وفيها "واشكروا نعمت الله" "114" وفي لقمان "في البحر بنعمت الله" "31" وفي فاطر "اذكروا نعمت الله عليكم هل" "3" وفي الطور "29" "بنعمت ربك". ذكر "السُّنَّة": قال: وكل ما في كتاب الله -عز وجل- من ذكر "السنة" فهو بالهاء, إلاّ خمسة أَحرف، في الأنفال "فقد مضت سنت الأوَّلين" "38" وفي فاطر ثلاثة أحرف "إلاّ سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا" "43" وفي المؤمن "سنت الله التى قد خلت" "58".

ذكر "المرأة": قال: وكل ما في كتاب الله -عز وجل- من ذكر "المرأة" فهو بالهاء, إلاّ سبعة أحرف: في آل عمران {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ} "35" وفي يوسف "امرأت العزيز ترود" "30" وفيها "قالت امرأت العزيز الئن حصحص الحق" "51" وفي القصص {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} "9" وفي التحريم {امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} "10" {امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} "11". ذكر "الكلمة": قال أبو عمرو: وكل ما في كتاب الله -عز وجل- من ذكر "الكلمة" على لفظ الواحد فهو بالهاء إلاّ حرفًا واحدًا في الأعراف {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى} "137" فإن مصاحف أهل العراق اتّفقت على رسمه بالتاء ورسمه الغازي بن قيس في كتابه بالهاء, فأما قوله في الأنعام: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} "115" وفي يونس {كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا} "33" وفيها {كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} "96" وفي غافر {حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ} "6" فإني وجدت الحرف الثاني من يونس في مصاحف أهل العراق بالهاء وما عداه بالتاء من غير ألف قبلها, وهذه المواضع الأربعة تُقرأ بالجمع والإفراد, وحدثنا ابن خاقان قال: حدثنا أحمد المكي قال: حدثنا علي قال: حدثنا أبو عبيد بإسناده عن أبي الدرداء أن الحرف الثاني من يونس في مصاحف أهل الشام {كَلِمَتُ} على الجمع, قال أبو عمرو: ووجدته أنا في مصاحف المدينة {كَلِمَتُ} بالتاء على قراءتهم, وروى محمد بن يحيى عن سليمان بن داود عن بشر بن عمر عن معلّى الوراق قال: سألت عاصما عن {كَلِمَتُ رَبِّكَ} فقال التى في الأنعام تاء والتى في الأعراف هاء, وقال محمد بن عيسى عن نصير {كَلِمَتُ} بالتاء ثلاثة, فذكر الذي في الأنعام والأول من يونس والذي في غافر وقال في اختلاف المصاحف: إنها اختلفت في الذي في غافر, ففي بعضها بالتاء وفي بعضها بالهاء, وحدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا ابن الأنباري أن المرسوم من ذكر "الكلمة" بالتاء ثلاثة أمكنة, فذكر الذي في الأعراف والأول من يونس والذي في المؤمن وقال غيره: هي أربعة وزاد الثاني من يونس, وكذلك وجدت أنا الأربعة الأحرف في المصاحف المدنية, وحدثنا أبو

الفتح قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا عمر بن يوسف قال: حدثنا الحسين بن شيرك قال: حدثنا اليزيدي قال: كتبوا "كَلِمَتُ" في الأول من يونس وفي غافر بالتاء, قال أبو عمرو: ولما وقع هذا الاختلاف تتبعت ذلك في المصاحف فوجدته على ما أثبتُّه. ذكر "اللَّعْنة": قال ابن الأنباري: وكل ما في كتاب الله -عز وجل- من ذكر "اللعنة" فهو الهاء إلاّ حرفين, في آل عمران "فنجعل لعنت الله على الكذبين" "61" وفي النور {أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ} "7". ذكر "المعْصِيَة": قال: وكل ما في كتاب الله -عز وجل- من ذكر "المعصية" فهو بالهاء إلاّ حرفين في المجادلة {وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} "8" و {وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ} "9" قال أبو عمرو: وكالذي رويناه عن ابن الأنباري في رسم هذه التاءات روى محمد بن عيسى عن نصير سواء. ذكر حروف منفردة من هذا الباب: حدثنا أبو مسلم محمد بن أحمد قال: حدثنا محمد بن القاسم قال: وكل ما في كتاب الله -عز وجل- من ذكر "الشجرة" فهو بالهاء إلاّ حرفًا واحدًا في الدخان {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ} "13" قال: وكل ما في كتاب الله -عز وجل- من ذكر "قُرة عين" فهو بالهاء إلاّ حرفًا واحدًا في القصص {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} "9" قال: وكل ما في كتاب الله -عز وجل- من ذكر "الثمرة" فهو بالهاء إلاّ حرفًا واحدًا في فصلت "من ثمرت من أكمامها" "47" قال أبو عمرو: وهذا يختلف فيه بالجمع والإفراد قال: وكتبوا في هود {بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ} "86" بالتاء قال أبو عمرو: وكل ما في كتاب الله -عز وجل- من ذكر "الجنة" فهو بالهاء إلاّ حرفًا واحدًا في الواقعة: {وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} "89" وكل ما في كتاب الله -عز وجل- من ذكر "آية" فهو بالهاء إلاّ حرفًا واحدًا في العنكبوت "لولا أنزل عليه ءايت من ربه" "50" وهذا أيضًا يُقرأ بالجمع والإفراد وكتبوا في كل المصاحف في يوسف "ءايت للسائلين" "7" و"غيبتِ الجبّ" [10 و15] في الموضعين وفي سبأ "في الغرفت ءامنون" "37"

وفي فاطر {عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ} "40" وفي والمرسلات "كأنّه جملتٌ صفر" "33" بالتاء وهذه المواضع تقرأ أيضًا بالجمع والإفراد, وكذلك رسموا {مَرْضَاتِ اللَّهِ} و"يأبت" حيث وقعا و {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ} [23-36] في الموضعين و {ذَاتَ بَهْجَةٍ} "60" في النمل و {ذَاتِ الشَّوْكَةِ} [8-7] و {بِذَاتِ الصُّدُورِ} حيث وقع و {فِطْرَتَ اللَّهِ} "30" في الروم و {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} "3" في ص و"اللتَ والعزّى" "19" في النجم و {مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ} "12" في التحريم بالتاء في الجمع. حدثنا فارس بن أحمد المقرئ قال: حدثنا جعفر بن محمد البغدادي قال: حدثنا عمر بن يوسف قال: حدثنا الحسين بن شيرك قال: حدثنا أبو حمدون قال حدثنا اليزيدي قال: كتبوا يعني في المصاحف {بَقِيَّتُ اللَّهِ} و {فِطْرَتَ اللَّهِ} و"غيبت الجب" في الموضعين, و {كَلِمَتُ رَبِّكَ} في الحرف الأول من يونس وفي فاطر {عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ} و"من ثمرت" و"أن شجرة الزقوم" بالتاء, وروى مضر بن محمد عن إسحاق بن الحجاج عن عبد الرحمن بن أبي حماد عن حمزة وأبي حفص الخزاز "بينت" في الملائكة و"من ثمرت" في السجدة و {جَنَّتُ نَعِيمٍ} في الواقعة بالتاء, وقال محمد عن نصير في اتفاق المصاحف "قرت عين" و"ءايت من ربه" و {فِطْرَتَ اللَّهِ} و"من ثمرت" و"يأبت" و"غيبت الجب" و"جنت نعيم" و"شجرت الزقوم" بالتاء قال أبو عمرو: وكتبوا {لَوْمَةَ لائِمٍ} [5-54] و {نَاقَةُ اللَّهِ} [91-13] و {مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} في السجدة "17" بالهاء وكذلك سائر هاءات التأنيث سوى ما تقدم ذكرنا له, وذلك على مراد الوقف؛ إذ التاء تبدل فيه هاء وبالله التوفيق.

جولد تسيهر والقراءات

2- جولدتسيهر والقراءات: وأخلص بعد هذا العرض السريع إلى مناقشة "جولدتسيهر" حيث يقرر في كتابه "المذاهب الإسلامية" أن القراءات ترجع في معظمها إلى أن الخط العربي كان غفلًا من النقط والحركات، وأرجو أن أدفع ما رمى به عقيدة المسلمين في كتابهم المحفوظ إلى يوم الدين، ذلك أنه قال ما ترجمته: "والقسم الأكبر من هذه القراءات يرجع السبب في ظهوره إلى خاصية الخط العربي؛ فإن من خصائصه أن الرسم الواحد للكلمة الواحدة قد يقرأ بأشكال مختلفة؛ تبعًا للنقط فوق الحروف أو تحتها، كما أن عدم وجود الحركات النحوية، وفقدان الشكل في الخط العربي، يمكن أن يجعل للكلمة حالات مختلفة من ناحية موقعها من الإعراب، فهذه التكميلات للرسم الكتابي، ثم هذه الاختلافات في الحركات والشكل، كل ذلك كان السبب الأول "؟؟ " لظهور حركة القراءات فيما أهمل نقطه, أو شكله من القرآن"1. فها نحن أولاءِ نراه يرجع اختلاف القراءات إلى سببين رئيسين: أ- تجرد المصحف من النقط. ب- عدم وجود الحركات النحوية، وفقدان الشكل في الخط العربي. ثم ضرب أمثلة لألفاظ وقع فيها الاختلاف بين القرّاء، وكان ذلك الاختلاف نتيجة تجرد المصحف من النقط مثل: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} 2 بالباء الموحدة، وفي قراءة: "تستكثرون" بالثاء المثلثة3. وفي هذه السورة4: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} 5 بالباء وفي قراءة: "نشرا"6.

_ 1 المذاهب الإسلامية: ص4. 2 سورة الأعراف: آية 48. 3 لم ترد هذه في القراءات الأربع عشرة، انظر إتحاف فضلاء البشر: 225. 4 آية 75. 5 هي قراءة عاصم، انظر النشر 2 ص269، وقرأ ابن عامر: "نُشْرًا"، وقرأ حمزة والكسائي: "نَشْرًا". 6 وقرأ الباقون: "نُشُرًا".

وفي سورة التوبة1: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} 2 بالياء المثناة التحتية، وفي قراءة غريبة لحماد الراوية: "أباه"3 بالباء الموحدة, ثم قال: "في آية "94" من سورة النساء تظهر على الأخص هذه الظاهرة, في كل الحروف تقريبًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} وفي قراءة: "فتثبتوا" ورسم هذه الكلمة {فَتَبَيَّنُوا} محتمل4 للقراءتين". ثم ضرب أمثلة للقراءات المسببة عن فقدان الشكل في الخط العربي، وعدم وجود الحركات النحوية بما جاء في سورة الحجر: {مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ} 5 فاختلفت القراءات في {نُنَزِّلُ} , وتبع ذلك الاختلاف في كيفية نزول الملائكة، فبعض يقرؤها: {نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ} 6 وذلك على معنى: أننا ننزلها، أو أنها هي التي تنزل7, وبما جاء في سورة الرعد: {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} 8، وفي قراءة أخرى: "وَمِنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ"9، وهناك قراءة ثالثة10: "وَمِنْ عندِه عُلِمَ الكتابُ"11. وقول جولدتسيهر هو الضلال ابن السبهلل12!! هل الأمر في القراءات لا ضابط له من أثر أو رواية؟ وإذا كان الدكتور "آثر جفري"13، قد نقل هذا الرأي في مقدمته لكتاب المصاحف للسجستاني "316هـ"، وضرب مثلًا لذلك: {بِعِلْمِهِ} قال: "كان يقرؤها الواحد "يُعَلِّمُهُ"، والآخر "نُعَلِّمُهُ" أو "تُعَلِمُهُ" أو "بِعِلْمِهِ" إلخ على حسب تأويله للآية" ... أقول: إذا كان الدكتور

_ 1 انظر النشر: 2/ 269. 2 آية: 114. 3 لم ترد في القراءات الأربع عشرة، انظر إتحاف فضلاء البشر للدمياطي: 245. 4 المذاهب الإسلامية: ص5. 5 آية: 8. 6 انظر: إتحاف فضلاء البشر ص274. ففيها القراءات: "تُنَزَّلُ" "تُنَزِّلُ" "نُنْزلُ" "تَنَزَّلُ". 7 المذاهب الإسلامية: 7. 8 آية 43, هذه قراءة الجمهور, انظر إتحاف فضلاء البشر: ص270. 9 قراءة الحسن، انظر الإتحاف ص270، ولم ترد هذه القراءة في النشر, انظر: ص298. 10 قال البنا الدمياطي: هذه القراءة ليست من طرق كتابه إتحاف فضلاء البشر, انظر: ص270. 11 المذاهب الإسلامية: 7. 12 الضلال ابن السبهلل: الباطل. 13 مقدمة كتاب المصاحف ص70.

"آثر جفري" قد قال بهذا الذي قاله "جولدتسيهر" من قبل ونقل عنه، وكان له عذره في ذلك بثقافته الإسلامية الضيقة، وتعصبه الذي به يلحد في آيات الله، فما عذر الدكتور "علي عبد الواحد وافي" في متابعة هؤلاء، وقوله بما يقولون؟! وذلك ما أورد في كتابه فقه اللغة: "يرجع بعض مظاهر الاختلاف في قراءات القرآن إلى اختلافهم في قراءة الكلمة حسب رسمها في المصحف العثماني، فقد كان الرسم مجردًا من الإعجام والشكل؛ ولذلك كان يمكن قراءة بعض الكلمات على وجوه مختلفة"1!!! من فضيلة الدكتور عبد الفتاح شلبي: أطلعني فضيلة الأستاذ وهبة حسن وهبة -صاحب مكتبة وهبة- على ما كتبه المستشرق جاك بيرك "بين قراءتين" ... وأخبرني فضيلته بأنه أشد سطوة في تفسيره لمنشأ القراءات من جولدتسيهر.. وهما يأخذان من معين واحد ... {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ} ..1 مقال مجلة منبر الإسلام, عدد رجب 1419هـ, بقلم: د. جمال رجب سيدبي. وللرد على المستشرقين، ومن تابعهم من المحدثين أسوق الأدلة الآتية:

_ 1 فقه اللغة, حاشية ص119, الطبعة الأولى.

أدلة من التاريخ والنقل

3- أدلة مِنَ التَّاريخ والنّقل: فأولًا: إِن رجع الاختلاف إِلى خاصية الخط العربي، وإغفاله من النقط والشكل؛ فخطأ في الرأي، وباطل في التوجيه: ألم تُرْوَ الروايات وتُتداول قبل تدوين المصاحف؟ ثم ألم تَرَهم كيف كانوا يتحرون ويتثبتون؟ أولم يكن القرآن محفوظًا في الصدور قبل جمع القرآن؟ بلى! فلم يكن اختلاف القراءات بين قرّاء الأمصار راجعًا إلى رسم المصحف؛ فهو يرجع إلى أن الجهات التي وجهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة، وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل، فاحتملت ما صح نقله، وثبتت تلاوته عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إِذ كان الاعتماد على الحفظ لا على مجرد الخط، فثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعًا عن الصحابة بشرط موافقة الخط، وتركوا ما يخالف الخط امتثالًا لأمر عثمان الذي وافقه عليه الصحابة، لما رأوا في ذلك من الاحتياط في القرآن. وثانيًا: يظهر أن هؤلاء أجروا القرآن الكريم مجرى ما وقع فيه التصحيف من كلام العرب شعرًا أو نثرًا؛ فقد صحّف الفيض بن عبد الحميد في حلقة يونس، إذ أنشد بيت ذي الإِصبع: عذير الحي من عدوا ... ن كانوا حيّة الأرض فقال الفيض: كانوا جنّة الأرض، بالجيم والنون1. وحدّث قاسم بن أصبغ قال: "لما رحلت إلى المشرق نزلت القيروان, فأخذت عن بكر بن حماد، فقرأت عليه يومًا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قدم عليه قوم من مضر مجتابي النمار, فقال: "إنما هو مجتابي الثمار" فقلت: "إنما هو مجتابي النمار, هكذا قرأته على كل من لقيته بالأندلس والعراق".

_ 1 التصحيف للعسكري: ص13 وما بعدها.

فقال لي: "بدخولك العراق تعارضنا, وتفخر علينا أو نحو هذا ... ". ثم قال لي: "قم بنا إلى ذلك -لشيخ كان في المسجد- فإن له بمثل هذا علمًا". فقمنا إليه، وسألناه عن ذلك فقال: "إنما هو مجتابي النمار، وهم قوم كانوا يلبسون الثياب مشققة جيوبهم أمامهم، والنمار: جمع نمرة"1. وإذا كان العلماء قد وقفوا بالمرصاد لهذه التصحيفات الخاطئة فقبحوها مستبشعين2، وذموا المصحّفين، ونهوا عن الأخذ1 عنهم، وذكروا ما ورد من نوادر التصحيف مما وهم فيه الخليل3، وأبو عمرو4، وعيسى بن عمر5, وأبو عبيدة6، والأخفش7, وغيرهم. أقول: إذا كان العلماء قد وقفوا بالمرصاد لما روى هؤلاء -وهم أئمة- فماذا ترى أن يكون موقفهم8 بجانب كتاب الله الكريم والمصحِّفين فيه, وهم المدققون في روايته، وكانوا القوامين عليه ومن حفظته، ثم هم الذين وقفوا جهودهم على سدانته؟ ومن عجب! يمدح خلف الأحمر بأنه لا يأخذ إِسناده عن الصحف، فيقول فيه الحسن بن هانئ: لا يَهِمُ الحاءَ في القراءةِ بالخَا ... ءِ ولا يأخذُ إسنادَه عن الصُّحُفِ9 وأنه كان جماع العلم؛ لأنه ثبت في الرواية, إذ قيل في رثائه: أودى جماع العلم مذ أوى خلف ... راوية لا يجتني من الصحف

_ 1 نفح الطيب: 1/ 345 وما بعدها. 2 التصحيف للعسكري: ص8. 3 التصحيف: 36. 4 التصحيف: 43. 5 التصحيف: 47. 6 التصحيف: 49. 7 التصحيف: 52. 8 وانظر في تعقب العلماء للتصّحيف والمصحِّفين: الفاضل والمفضول للمبرد: 82، وطبقات الزبيدي: 102، ونزهة الألباء: 36، والزهر: 2/ 232. 9 التصحيف: 13.

ويرمي قراء القرآن الكريم بعد ذلك بأنهم يأخذون إسنادهم عما احتمله الرسم في المصحف الإمام؟! وإذا كان بعض ما أورده "جولدتسيهر" من اختلاف القراءات باختلاف النقط صحيحًا, كما في قراءة "مسسوا" فإن صحتها؛ لأنها رويت كذلك قبل أن ترسم. وما كان حمزة والكسائي وخلف في قراءتهم "فتثبتوا" -من التثبت- من المصحِّفين. وما كان القراء الباقون في قراءتهم من التبيين ضالين، وإنما كانوا جميعًا -هؤلاء وهؤلاء- من الرواة الضابطين. ومن هذا الباب ما صوّبه العلماء من الروايات المحتملة للأوجه المختلفة في النقط, مما ورد في الشعر والنثر -ولكتاب الله المثل الأعلى- ولكني أردت تقريب الأمر على هؤلاء المستشرقين، ومن لف لفهم من المحدثين، بذكر مثال من كلّ: أ- حكى الأصمعي قال: أنشدنا أبو عمرو: فما جبنوا أنّا نشد عليهمُ ... ولكن رأوا نارًا تُحَشُّ وتُسْفَعُ قال: فذكرت ذلك لشعبة، فقال: "ويلك! إنما هي تحس وتسفع"! أي: تحرق وتسوِّد. قال الأصمعي: قد أصاب أبو عمرو: "لأن معنى تحش: توقد" وقد أصاب شعبة أيضًا1! فإذا كانت الروايتان صحيحتين: "تحش وتحس" فلم لا تصح الروايتان "فتثبتوا" و {فَتَبَيَّنُوا} على أنهما كذلك مرويتان، لا على أنهما بذلك: "مسسوا" مرسومتان؟ ب- ومن ذلك ما قال أبو القاسم الزجاجي: "أصل الخداج النقصان في الخلق كان, أو في العِدّة".

_ 1 نزهة الألباء: 21.

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل صلاة لا قراءة فيها, فهي خداج" أي: "ذات خداج". ومنه قول علي -رضي الله عنه- في ذي الثدية أنه مخدج اليد، والعلماء يقولون: "الثدي مذكر، وإنما قيل: ذو الثدية بالهاء؛ لأنه ذهب به إلى معنى اللحمة والزيادة"، وبعضهم يقول: "ذو اليُدَيّة -بالياء- يجعلها تصغير اليد"1. وهكذا يصح التأويل في "اليدية" على أية صورة نطقت بها مختلفًا نقطها، فلماذا لا يصح ما روي في قراءة "مسسوا" كذلك؟! ثالثًا: لو كانت القراءة تابعة للرسم كما يقول: "جولدتسيهر" لصحت كل قراءة يحتملها رسم المصحف، ولكن الأمر على غير ذلك، فإن بعض ما يحتمل الرسم صحيح مثل "مسسوا"2، وبعضه مردود مثل قراءة حماد الراوية: "أباه" في سورة التوبة3، وقراءة: "وما كنتم تستكثرون" في سورة الأعراف4، مع أن هذه القراءة قد استشهد بها "جولدتسيهر" على ما ذهب إليه؟! فالأصل أن الرسم تابع للرواية والنقل، وأن القراءة منقولة من أفواه الرجال الحفظة5، لا كما يقلب هؤلاء الوضع، فإذا احتمل الرسم قراءة غير مروية ولا ثابتة, ولا مسندة إسنادًا صحيحًا رُدَّت، وكُذّبت، وكفر متعمدها6، وما وافق الرسم من القراءات الصحيحة تعبد به، وكان تنزيلًا من حكيم حميد. لقد يحتمل الرسم من قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} ما نسبت إلى حمزة الزيات من أعدائه: "ذلك الكتب لا زيت فيه"7! كما يحتمل الرسم في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} "ولله ميزاب السموات والأرض"8 هذا فيما يختص بالنقط.

_ 1 ورقة 19 أخبار أبي القاسم الزجاجي. 2 سورة النساء: آية 94. 3 آية 114، وانظر الإتحاف للدمياطي: ص245. 4 آية 48، ولم ترد هذه القراءة في السبع، ولا العشر، ولا الأربع عشرة، انظر الإتحاف: ص225. 5 التصحيف للعسكري: ص9. 6 منجد المقرئين: 17. 7 انظر التصحيف للعسكري: 9. 8 تكملة الفهرست: ص5.

كما يحتمل من حيث تجرد خط المصحف من الشكل قراءة المعتزلة: "وكلم اللهَ موسى تكليما". والرافضة: "وما كنت متخذ المضلَّين عضدا" بفتح اللام, يعنون: أبا بكر وعمر, رضي الله عنهما1. ولكن شيئًا من ذلك لم ينقل في صحيح الرواية، ولم يرد فيما ثبت عن الرسول، فهو إذًا من تحريف أهل البدع والأهواء، فأصبحت القراءة به بهتانًا وكفرًا، ومنكرًا من القول وزورًا. على أنه يتبين من الآيات التي أوردها "جولدتسيهر" أنه اعتمد على قراءات لم ترد في قراءات الأربعة من بعد العشر. ثم أود أن أسأل سؤالًا: لماذا استُتيب ابن شنبوذ عن قراءة له بحضور ابن مجاهد، وجماعة من العلماء والقضاة؟ 2. ثم لماذا أحضر السلطان ابن مقسم "354هـ" واستتابه بحضرة الفقهاء والقراء فأذعن بالتوبة، وكتب محضر توبته3؟!. السبب في ذلك أن ابن مقسم ذُكِرَ عنه أنه كان يقول: "إن كل قراءة وافقت المصحف، ووجهًا في العربية فالقراءة بها جائزة, وإن لم يكن لها سند"4. أمّا ابن شنبوذ, فإنه كان يغير حروفًا من القرآن، ويقرأ بخلاف ما أنزل5، كان يعتمد على السند وإن خالف المصحف، واتفقا على موافقة العربية6. موقفان متغايران! هذا يعذب؛ لأنه خالف رسم المصحف. وذاك يعذب؛ لأنه اختار القراءة بكل ما يحتمله الرسم. والأمر لا يبدو عجبًا؛ بل هو دليل على أن القراءة سنّة مُتَّبعَة، وأنها كذلك رويت مسندة إلى الصحابة تلقيًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأجمعوا عليها كذلك. فابن مقسم جعل القراءة تابعة للرسم، وأخلاها من السند فردت قراءته.

_ 1 منجد المقرئين: 23. 2 طبقات القرّاء: 2/ 54. 3 طبقات القرّاء: 2/ 124. 4 طبقات القرّاء: 2/ 124. 5 وفيات الأعيان: 3/ 326. 6 طبقات القرّاء: 2/ 54.

أما ابن شنبوذ, فإنه كان يقرأ: "فامضوا إلى ذكر الله"1. "وتجعلون شكركم أنكم تكذبون"2. "كل سفينة صالحة غصبا"3. "كالصوف المنقوش"4. "فاليوم ننجيك بندائك"5. "تبت يدا أبي لهب وقد تب"6. "فلما خر تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولًا في العذاب المهين"7. "فقد كذب الكافرون فسوف يكون لزامًا"8. "وينهون عن المنكر، ويستغيثون الله على ما أصابهم وأولئك هم المفلحون"9. "وفساد عريض"10. "غير المغضوب عليهم وغير الضالين"11. وهذه القراءات قد تكون صحيحة يقرأ بها، وبعد أن جمع أبو بكر القرآن، ولكنها أصبحت بعد المصحف الإمام محرّمة أن يقرأ بها القرآن؛ لأنها تخالفه بالزيادة والنقصان، والإبدال والتقديم، والتقديم والتأخير، إلخ ... مما يعد من قبيل المخالفة المردودة. قال مكي: ما خالف خط المصحف هو من السبعة إذا صحت روايته، ووجهه في العربية، ولم يضادّ معنى خط المصحف، لكن لا يقرأ به؛ إذ لا يأتي إلاّ بخبر الآحاد، ولا يثبت قرآن بخبر الآحاد، وإذ هو مخالف للمصحف المجتمع عليه, فهذا الذي نقول به ونعتقده12. ويدحض قول: "جولدتسيهر".

_ 1 س 62، آ 9. 2 س 56، آ 82. 3 س 18، آ 82. 4 س 101، آ 5. 5 س 10، آ 92. 6 س 111، آ 1. 7 س 34، آ 14. 8 س 25، آ 77. 9 س 3، آ 104. 10 س 8، آ 73. وفيات الأعيان: 30/ 327. 11 الإبانة لمكي: ص5. 12 المصدر السابق.

الاحتجاج لكلمات خالية من الضبط والنقط: - قرئ "قُل فيهما إثمٌ كثيرٌ" [آية: 219] 1: بالثاء، قرأها حمزة والكسائي*. ووجه ذلك: أن الإثم ههنا عُودل به المنافع التي تتصف بالكثرة؛ لكونها جمعًا في قوله تعالى: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} 2، فلما عودل به ما تقرر فيه الكثرة حسن فيه أيضًا أن يوصف بالكثرة، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ} 3 الآية، فبين أن ما يحدث من الخمر مضار كثيرة في باب الدّين، فدلّ على أن كثرة الإثم متقرّرة فيهما. وقرأ الباقون {كَبيِرٌ} بالباء4؛ وذلك لأن الإثم إِنما يوصف بالكبر نحو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ} 5، و {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} 6، ثم إِنهم أجمعوا في قوله تعالى: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ} 7 على الباء دون الثاء، فإجماعهم عليه في الثاني يدلّ على أنه في الأول أيضًا بالباء8. - "قُلِ العَفْوُ" [آية: 219] : بالرفع, قرأها أبو عمرو وحده9. ووجه ذلك: أنه جَعَلَ ذا من قوله: {مَاذَا} 10 بمنزلة الذي، ولم يجعلها مع ما بمنزلة اسم واحد، فيكون التقدير على هذا: ويسألونك ما الذي ينفقونه؟ قل العَفْوُ، بالرفعِ، الذي ينفقونه العفوُ، فيرتفع العفوُ بخبر المبتدأ، ومبتدؤه مضمر يدلّ عليه الذي ينفقونه؛ وهو ما في سؤالهم.

_ 1 السبعة: 182، التيسير: 80، النشر: 2/ 227. 2 الآية نفسها 219/ البقرة. 3 91/ المائدة. 4 انظر مصادر القراءة الأولى. 5 37/ الشورى. 6 31/ النساء. 7 219/ البقرة. 8 حجة أبي علي 2/ 307-315، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 260، وحجة ابن خالويه: 96، وحجة أبي زرعة: 132 و133، والكشف 1/ 391 و292، والإتحاف: 157. 9 السبعة: 182، التيسير: 80، النشر: 2/ 227. 10 {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} الآية نفسها 219/ البقرة. * حجة أبي علي 2/ 306 و307، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 255 و256، وحجة ابن خالويه: 95 و96، وحجة أبي زرعة: 131 و132، والكشف: 1/ 289-291، والإتحاف 156 و157.

وقرأ الباقون {الْعَفْوَ} بالنصب1؛ وذلك لأنهم جعلوا {مَاذَا} اسمًا واحدًا في قوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} فهو مثل قولك: ما ينفقون، فماذا على هذا في موضع النصب بأنه مفعول {يُنْفِقُونَ} ، كما تقول: ويسألونك أي شيء ينفقون؟ فقوله تعالى: {الْعَفْوَ} بالنصب جواب {مَاذَا يُنْفِقُونَ} وهو في موضع نصب، فجوابه أيضًا نصب، كأنه قال: ينفقون العفو2. - "حتى يطَّهَّرن" [آية: 222] : بفتح الطاء والهاء وتشديدهما، قرأها حمزة والكسائي وعاصم ياش3؛ لأنّ معناه: حتى يتطهرن بالماء وأراد الاغتسال؛ لأنهن ما لم يغتسلن فهُنّ في حكم الحُيّض في كثير من الأشياء، ويؤيد ذلك أنهم أجمعوا على {تَطَهَّرْنَ} في قوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} 4، فكما أن ذلك لا يكون إلاّ الاغتسال، فكذلك ينبغي أن يكون معنى هذا أيضًا. وقرأ الباقون {حَتَّى يَطْهُرْنَ} بسكون الطاء وضم الهاء5، ومعناه: حتى ينقطع دم حيضهن، ويجوز أن يكون {يَطْهُرْنَ} أيضًا بمعنى "يَطَّهَّرْن" لأنهن إِنما يطهرنَ طهرًا تامًّا إذا اغتسلْن6. - "وَلَوْلا دفِاعُ اللهِ النّاسَ" [آية: 251] : بالألف قرأها نافع ويعقوب7، وذلك أنه يجوز أن يكون مصدرًا لفَعَلَ نحو: كَتَب كتابًا، ويجوز أن يكون مصدرًا لفاعَلَ, كقاتل قتالًا، يدلّ على ذلك قراءة من قرأ: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} 8، وليس فاعَل ههنا مما يكون الفعل فيه من اثنين، لكن دَفَع ودافَع بمعنى واحد.

_ 1 المصادر السابقة. 2 حجة أبي علي 2/ 316-321، وإعراب القرآن للنحاس 1/ 260، وحجة ابن خالويه: 96، وحجة أبي زرعة: 133 و134، والكشف: 1/ 292 و293، والإتحاف: 57. 3 السبعة: 182, التيسير: 80، النشر: 2/ 227. 4 الآية نفسها 222/ البقرة. 5 انظر مصادر القراءة الأولى. 6 حجة أبي علي 2/ 321، وحجة ابن خالويه: 96، وحجة أبي زرعة: 134 و135، والكشف: 1/ 293 و294، والإتحاف: 157. 7 السبعة: 187، التيسير: 82، النشر: 2/ 230. 8 38/ الحج، قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: "إِن الله يَدْفَعُ" بفتح الياء والفاء وإسكان الدال من غير ألف، وقرأ باقي القراء العشرة بضم الياء وفتح الدال وألف بعدها مع كسر الفاء "النشر 2/ 326".

وقرأ الباقون: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ} بغير ألف على فَعْلٍ1؛ لأنه مصدر دَفَع دَفْعًا، كالضرب الذي هو مصدر ضَرَبَ ضَرْبًا2. - "لَا بَيْعَ فِيهِ وَلاَ خُلّةَ وَلَا شَفاعَةَ" [آية: 254] : بالفتح في كلهن, قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب3. ووجه ذلك: أن كل واحد من هذه الأسماء الثلاثة بُني مع لا على الفتح إرادة النفي العام؛ لأنهم جعلوه جواب: هل فيه من بيع أو خلة أو شفاعة؟، فقيل: لا بيعَ فيه ولا خلّة ولا شفاعةَ، يعنون انتفاء جنس هذه الأشياء، فالنفي عام للجنس، كما أن السؤال كان عاما للجنس. وقرأ الباقون بالرفع فيهن كلهنّ4؛ لأنهم جعلوه جواب: أفيه بيعٌ أو خلةٌ أو شفاعةٌ؟ فجواب لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، بالرفع على الابتداء، كما كان المسئول عنه مرفوعًا بالابتداء، ولم يجعلوا النفي في هذه الأسماء نفيًا عامًّا في اللفظ، وإن كان معلومًا أن النفي في القراءتين أريد به العموم والكثرة، ألا ترى أنك إذا قلت: لا حولَ ولا قوةَ إلاّ بالله, أو لا حولٌ ولا قوة إلاّ بالله، فقد أردت من نفي الحول ما أردته من نفي القوة5. - "اللهُ لا إلهَ إلاّ هُوَهْ" [آية: 225] : بالهاء في حال الوقف، قرأها يعقوب وحده6، وكذلك "أَحقٌّ هُوَهْ"7 و"لِوَقْتِها إلاَّ هُوَهْ"8 ونحوها في الوقف؛ وذلك لأن هذه هاء الوقف أُلحقت الواو ههنا حرصًا على بيان حركتها في حال الوقف، ولئلا يزيله الوقف بالسكون،

_ 1 مصادر القراءة الأولى. 2 حجة أبي علي 2/ 352-354، وإعراب القرآن للنحاس: 1/ 279 و280، وحجة ابن خالويه: 99، وحجة أبي زرعة: 140 و141، والكشف: 1/ 304 و305، والإتحاف: 161. 3 السبعة: 187، التيسير: 82، النشر: 2/ 211. 4 المصادر السابقة. 5 انظر {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} الفقرة 16 من هذه السورة, وحجة أبي علي: 2/ 358 و359، وإعراب القرآن للنحاس: 1/ 282، وحجة ابن خالويه: 99، وحجة أبي زرعة: 141 و142، والكشف: 1/ 305 و306، والإتحاف: 161. 6 انظر النشر: 2/ 135، والإتحاف: 104. 7 53/ يونس. 8 187/ الأعراف.

كما ألحقت في: اغزُهْ وارمِهْ كذلك، إلا أن القراء يكرهون ذلك؛ لأن الهاء ليست في المصحف وهو الإمام، فَكرهوا مخالفته. - {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [آية: 258] : بإثبات الألف بعد النون، قرأها نافع, ش, و, ن، وكذلك في جميع القرآن، إِذا لقيت همزة مفتوحة أو مضمومة، فإذا كانت مكسورة فلا يثبت الألف1. ووجه ذلك: أن هذه الكلمة هي ضمير المتكلم، والاسم منها هو الهمزة والنون فحسب، فأما الألف التي بعد النون فإنّما ألحقت حالة الوقف ليوقف عليها، وليبقى آخر الاسم على حركته، كلما ألحقتْ هاء الوقف حيث أُلحقتْ؛ لذلك فهي تجري مجراها، فينبغى أن تسقط هذه الألف في الوصل، كما يسقط الهاء في الوصل، إلاَّ أن نافعًا أراد أن يُجري الوصل مجرى الوقف، وهو ضعيفٌ جدا؛ لأن مثل ذلك إنما يأتي في ضرورة الشعر، نحو قول الأعشى2: فكيف أنا وانتحالي الشواف ... يَ بعد المشيب كفى ذاك عارا وليس هذا مما يحسن الأخذ به في القرآن3. وإثبات نافع هذه الألف مع الهمزة المفتوحة والمضمومة دون المكسورة, هو لإرادة الأخذ بالوجهين, ولأن الهمزة بعد الألف أبين، وامتناعه عنها عند كسر الهمزة لاستثقال الكسرة فيها بعد الألف والفتحة.

_ 1 وصلًا فقط، أما في حال الوقف فلا خلاف في إثباتها للرسم، وفيها لغتان: لغة تميم إثباتها وصلًا ووقفًا، وعليها تحمل قراءة نافع هذه، والثانية إثباتها وقفًا فقط، وعليها تحمل قراءة الباقين. انظر السبعة: 187 و188، والنشر: 2/ 230 و231، والإتحاف: 161 و162. 2 في ديوان الأعشى ص53: فما أنا أم ما انتحالي القوا ... في بعد المشيب كفى ذاك عارا الشاعر ينفي عن نفسه تهمة السطو على شعر غيره, وانتحاله لنفسه. والشاهد فيه: إثبات ألف أنا في الوصل. انظر تكملة أبي علي: 203، وشرح المفصل لابن يعيش 4/ 45، والمقرب لابن عصفور 2/ 35، واللسان: نحل. 3 يحسن الأخذ به إذا وردنا برواية صحيحة، كرواية ورش وقالون عن نافع هذه، وهي مما يقوّي هذه اللغة التي هي لغة تميم، "والقرآن حجة للّغات, لا العكس"، علمًا بأن أبا جعفر وهو من القراء العشرة, قرأ القراءة نفسها. انظر حجة ابن خالويه: 100، والنشر 2/ 231، وهمع الهوامع للسيوطي: 1/ 206، والإتحاف: 162، وانظر هامش قراءة نافع السابقة.

وقرأ الباقون "أَنَ" بغير ألف، وكذلك -روي*- عن نافع1، وذلك أن هذا هو الأصل الذي ينبغي أن يكون عليه الكلام, وهو أن يلحق "أنا" الألف إلا في حال الوصل. - "نُنْشِرُها" [الآية: 259] : بالراء وضم النون، وقرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب2. ومعنى ذلك: نحييها، من قولهم: أنشر الله الميت فَنَشَرَ هُوَ، قال الله تعالى: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} . وقرأ الباقون {نُنْشِزُهَا} بالزاي وضم النون أيضًا4، على أنه من النشز، وهو ما ارتفع من الأرض، أي: نجعل بعضها ناشزة إلى بعضٍ عند الإحياء، أي: مرتفعة. وروى أبان عن عاصم "نَنْشُرُها" بالراء وفتح النون5، وهو من قولهم: نَشَرَ الله الميت فنشر، أو من: النَّشْر ضدّ الطيّ، أي: ننشرُها بالإحياء بعد الطيّ، وهذه رواية شاذة6. - "قَالَ آعْلَمْ" [آية: 259] : بوصل الألف وجزم الميم على الأمر، قرأها حمزة والكسائي7. ووجه ذلك: أنه نزَّل نفسه منزلة غيره، فخاطبها كما يخاطب الغير فقال:

_ 1 انظر هامش قراءة نافع السابقة ومصادرها. 2 السبعة: 189، التيسير: 82، النشر: 2/ 231. 3 22/ عبس. 4 المصادر السابقة. 5 السبعة: 189. 6 حجة أبي علي: 2/ 379-382، وإعراب القرآن للنحاس: 1/ 285، وحجة ابن خالويه: 100 و101، وحجة أبي زرعة: 144، والكشف: 1/ 310 و321، والإتحاف: 162. 7 السبعة: 189، والتيسير: 82، والنشر: 2/ 231 و232. * إسماعيل بن جعفر أحد رواة نافع.

"اعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلّ شَيْءٍ قَديرٌ"، وذلك أنه لما علم العلم الذي لا طريق للشبهة عليه، قال لنفسه: اعلم هذا الضرب من العلم، وهذا يئول معناه إلى معنى الخبر، كأنه يحقق عند نفسه هذا العلم. وقيل: بل هو من خطاب المَلَك له. والباقون {أَعْلَمُ} بقطع الألف وضم الميم على الخبر1، وذلك أنه لما عايَنَ من إحياء الله تعالى إياهُ بعد موته، أخبر عما تبينه مما لم يَتَبَيَّنْهُ قبل ذلك, هذا التبين الذي لا سبيل للشك فيه، فأخبر عن نفسه فقال: {أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} علمًا لا يتطرق إليه شبهة2. - "فَصِرْهنَّ" [آية: 260] : بكسر الصاد, قرأها حمزة ويعقوب, يس. الباقون {فَصُرْهُنّ} بضم الصاد3. فمن قرأ بكَسْر الصاد جَعَلَه من صار يصير، ومن قرأها بالضم جعلها من صار يصور، وكل واحد منهما قد جاء بمعنى أمال وقطع جميعًا4. - {فَنِعِمَّا} [آية: 271] : بكسر النون والعين جميعًا، قرأها ابن كثير ونافع, ش, وعاصم, ص, ويعقوب5. والوجه في ذلك: أن أصل نعم: نَعِم بفتح النون وكسر العين، فكسرت فاء الكلمة من أجل حرف الحلق، كما كسروه من نحو: لِعِب وشِهِد؛ لأن حرف الحلق لما فيه من الاستعلاء يستتبع حركة ما قبله.

_ 1 المصادر السابقة. 2 حجة أبي علي: 2/ 383-385، وحجة أبي زرعة: 144 و145، والكشف: 1/ 312 و313، والإتحاف: 162. 3 السبعة: 189 و190، التيسير: 82، النشر: 2/ 232. 4 مجاز القرآن: 1/ 80، وحجة أبي علي: 2/ 389-394، وحجة ابن خالويه: 101، وحجة أبي زرعة: 145، والكشف: 1/ 313، والإتحاف: 163، وانظر اللسان "صور". 5 السبعة: 190، التيسير: 84، النشر: 2/ 235 و236.

وقرأ أبو عمرو ونافع, ن, و, بل, وعصام, ياش: "فَنِعْمّا" بكسر النون وإسكان العين1، وهذا غير مستقيم عند النحاة؛ لأن فيه جمعًا بين ساكنَين وليس الأول منهما حرف لين، وإنما جاز التقاؤهما عندهم إذا كان الأول منهما حرف لين نحو: "دابّة"2، وشابّة، و"الضالّين"3. ويشبه أن يكون أبو عمرو سلك في ذلك طريقته في الإخفاء نحو: "بارئكم", فتوهموا أنه أسكن4. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: "فَنَعِمَّا" بفتح النون وكسر العين5، وهذا هو الأصل في هذه الكلمة, أعني: "نَعِم" بفتح النون وكسر العين. وهؤلاء كلهم شدّدوا الميم؛ لأن أصله: نَعِم على ما سبق من الوجوه، و"ما" هي النكرة التي تفيد معنى شيء، وهي في موضع نصب، على التفسير للفاعل المضمر في "نعما" والمعنى: نعم شيئًا هي6.

_ 1 المصادر السابقة. 2 ورد هذا الحرف في أربعة عشر موضعًا من القرآن الكريم، أولها: 164/ البقرة. 3 ورد هذا الحرف ثماني مرات في القرآن الكريم، أولاها: 7/ الفاتحة. 4 سبق أن قلت في أكثر من موضع: إن القرآن حجة على اللغة، لا اللغة حجة على القرآن، وما دامت القراءة بالجمع بين ساكنين لم يكن أولها حرف لين، قد وردت من طريقها المقطوع بصحته, فإنها هي التي يجب أن يصار إليها وأن تقعَّد عليها القواعدُ، هذا على فرض أن الجمع بين الساكنين لم يرد عن العرب، كيف وقد ورد. فلنصغِ إلى الإِمام ابن الجزري, يقول القول الفصل: قال -رحمه الله- في معرض حديثه عن قراءات هذا الحرف: واختلف عن أبي عمرو وقالون وأبي بكر، فروى عنهم المغاربة قاطبة إخفاء كسرة العين ليس إِلا، يريدون الاختلاس؛ فرارًا من الجمع بين الساكنين. وروى عنهم العراقيون والمشرقيون قاطبة الإسكان، ولا يبالون من الجمع بين الساكنين لصحته رواية, ووروده لغة. وقد اختاره الإمام أبو عبيدة أحد أئمة اللغة، وناهيك به، وقال: هو لغة النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يروى: "نِعْمّا المال الصالح للرجل الصالح"، وحكى النحويون الكوفيون سماعًا من العرب: "شهْر رّمضان" مدغمًا، وحكى ذلك سيبويه في الشعر، وروى الوجهين جميعًا عنه الحافظ أبو عمرو الداني، ثم قال: والإسكان آثَر، والإخفاء أقيس. ص"346" رسالة دكتوراه بإشرافنا "الموضح في وجوه القراءات" تحقيق ودراسة عمر حمدان الكبيسي, جامعة أم القرى 1408هـ. 5 المصدر السابق: ص347. 6 المصدر السابق: ص348.

- "تَرْجِعُونَ فِيهِ" [آية: 281] : بفتح التاء وكسر الجيم، قرأها أبو عمرو ويعقوب1، وذلك أن المعنى على هذه القراءة: تصيرون إليه، فالفعل فيه لازم، ومثله: {وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} و {إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} و {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} 2، والإياب: الرجوع. وقرأ الباقون: {تُرْجَعُونَ} بضم التاء وفتح الجيم3، والفعلُ على هذا متعد؛ لأن رَجَعَ قد جاء لازمًا ومتعديًا، وهو مبني ههنا على ما لم يسمّ فاعله، وحجته من التنزيل: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ} , و {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي} 4، 5. - "إِنْ تَضِلّ" [آية: 282] : بكسر الألف، قرأها حمزة وحده6، على أنه جعل إِنْ للشرط، و"تضلّ" مجزوما بالشرط، وفتحة لامه هي لالتقاء الساكنين؛ لأنها أخف الحركات، وجَعَل الفاء في قوله: "فَتُذَكّرِ" جواب الشرط, والشرط وجوابه جميعًا موضعهما رفع على هذا؛ لأنهما وصف للمرأتين في قوله تعالى: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} . وقرأ الباقون {أَنْ تَضِلَّ} بفتح الألف7، على إِضمار اللام، والتقدير: لأن تضل إحداهما فتذكر، فتضلّ ههنا منصوب بأَنْ، وقوله: {فَتُذَكِّرَ} عطف على {أَنْ تَضِلَّ} وحقيقة معنى لام العلة إِنما هو في التذكير لا في الضلال؛ لأن الضلال هو

_ 1 السبعة: 193، التيسير: 85، النشر: 2/ 208 و209. 2 الأحرف الثلاثة على ترتيبها في الكتاب: 156/ البقرة , 70/ يونس و23/ لقمان, 25/ الغاشية. 3 مصادر القراءة الأولى. 4 الحرفان على ترتيبهما: 62/ الأنعام, 36/ الكهف. 5 حجة أبي علي: 2/ 417 و418، وحجة أبي زرعة: 149، والكشف: 1/ 319 و320، والإتحاف: 166. 6 السبعة: 193، التيسير: 85، النشر: 2/ 236. 7 المصادر السابقة.

سبب الإذكار، والمعنى: لأجل أنها إِذا نسيت إِحداهما الشهادة ذكّرتها الأخرى، والضلال ههنا النسيان1. - "فَتُذَكّرُ" [آية: 282] : بتشديد الكاف ورفع الراء، قرأها حمزة وحده2، وذلك لأنه قرأ: "إِنْ تَضِلّ" بالكسر3، على الشرط وجعل "فَتُذَكّرِ" جوابه، فيكون مرفوعًا، كما تقول: إِن تضربْ زيدًا فيضربُك بالرفع، أي: فهو يضربك، فيكون موضع الفاء وما دخل عليه جزمًا، والتقدير: إِن تَضِل تُذَكّرْ. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم والكسائي بتشديد الكاف ونصب الراء4، على أنه معطوف على {تَضِلَّ} المنصوب بأَنْ. وذَكّرَ في هاتين القراءتين معدّى بالتضعيف، وهو أكثر من المنقول بالهمزة في هذه الكلمة، يقال: ذَكَرَ فلانٌ الشيء, فذكَّرته إِياهُ بالتشديد.

_ 1 معاني القرآن للفراء: 1/ 184، وحجة أبي علي: 2/ 419 وما بعدها، وإعراب القرآن للنحاس: 1/ 298 و299، وحجة ابن خالويه: 104، وحجة أبي زرعة: 150، والكشف: 1/ 320، والإتحاف: 166. 2 السبعة: 193، التيسير: 85، النشر: 2/ 236 و237. 3 انظر الحرف السابق. 4 المصادر الثلاثة السابقة.

قراءات يحتملها الرسم صحيحة في اللغة ولكن لم يقرأ بها

4- قراءات يحتملها الرسم صحيحة في اللغة, ولكن لم يقرأ بها: ثم أترك هذه المناقشة إلى أدلة أخرى تلقم المعاندين الحجر، وتقيم الحجة بأن القراءة سنّة متبعة، جرت على الرواية والأثر، وأغلب هذه الأدلة قراءات يحتملها الرسم، كما أنها صحيحة في اللغة، نطق بها العرب، وجرت على ألسنتهم في نثرهم، ولكنها مع ذلك لم يقرأ بها؛ لأنها لم ترد، ولم يكن لها سند صحيح يعتدّ به من نقل أو رواية. فأولًا: أننا نجد حرفًا يتكرر في القرآن الكريم برسم واحد لا يختلف السور التي ورد فيها، ومع ذلك نجد القرّاء يختلفون في قراءته في بعض المواضع, ويتفقون فيها على البعض الآخر, فلو كان رسم المصحف سببًا من أسباب الاختلاف ما كان اتفاقهم على: {مَالِكَ الْمُلْكِ} 1 و {مَلِكِ النَّاسِ} 2 من المِلْك لا من المُلْك على حين يختلفون في {مَالِكِ 3 يَوْمِ الدِّينِ} فتقرأ بإثبات الألف وإِسقاطها4، مع أن رسم الكلمات: مالك يوم الدين، ومالك الملك5، وملك الناس في المصحف, واحد غير مختلف. وقد تكرر ذلك في القرآن الكريم, وقراءات القراء في كثرة ظاهرة: فهم يختلفون في إِفراد الريح وجمعه في مواضع أشارت إليها كتب القراءات6، كما أشارت إِلى أن حمزة يفرد الريح في كل المواضع إلاّ التي في الفرقان، والكسائي إلا في الحجر، ونافعًا يجمع الجميع، والعربيين: "أبا عمرو وابن عامر" إِلا في إِبراهيم والشورى، وابن كثير في البقرة، والحجر، والكهف، والشريعة7 مع أن الرسم واحد في الجميع، ولم يقع الخلف8 إِلا في الحجر.

_ 1 س 3، آ 26. 2 س 114، آ 2. 3 س 1، آ 4. 4 انظر: القراءات لابن مجاهد. 5 انظر المقنع: ص88. 6 انظر النشر: 2/ 223. 7 البحر المحيط: 1/ 467. 8 المقنع: ص1-15.

كما اختلفوا في: {يُبَشِّرُكَ} و {نُبَشِّرُكَ} , فقرئ: يبشرك من البشر وهو البشرى والبشارة، كما قرئت من الإبشار، ومن التبشير في سبحان، والكهف، والتوبة، ومريم، والشورى، واتفقوا على تشديد {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ} في الحجر1. ثم انظر اختلافهم في السُّوء في التوبة والفتح, واتفاقهم على الفتح في مواضع. واختلفوا في {نُسْقِيكُمْ} "سورة النحل" وفي "المؤمنون" بالنون وفتحها وضمها، واتفقوا على ضم حرف الفرقان: {وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا} . وفي اللغة: خطِف يخطَف، وخطَف يخطِف، ولكن "القراء لم يقرءوا إلاّ {يَخْطَفُ} ، وخطِف مثل علم. قال أبو علي الفارسي: ولا نعلم أحدًا قرأ إلاّ الأخرى"2. فهل كانوا يتفقون ويختلفون, متبعين في ذلك الرسم؟ إن كان ذلك فالرسم واحد، واتحاد الرسم يدعو -في رأي "جولدتسيهر"- إلى اختلافهم في جميع الوارد من هذا الحرف, يقرءون بكل ما يحتمله الرسم ما دام المعنى صحيحًا دون أن يتفقوا في بعض منه, أما وقد اتفقوا على بعض منه مجمعين, فليس من تفسير لذلك إلا أنهم كانوا للرواية والأثر متبعين. وثانيًا: وهناك ما هو أشد اتصالًا بالأثر، وأقوى احتجاجًا بأن القراءة سنّة: ذلك ما تجوِّز اللغة والصناعة النحوية نطقه بأوجه مختلفة، ومع هذا لم يقرأ القراء إلا بوجه واحد من هذه الوجوه. جاء في البحر المحيط: قال ابن عطية: "أجمع القراء على ضم الميم من {مُكْثٍ} في قوله: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} 3 مع أن

_ 1 انظر النشر: 1/ 239 وما بعدها. 2 الحجّة لأبي علي الفارسي: 1/ 365. 3 سورة الإسراء: 106.

اللغة تجوز في الميم من مكث: الضم والفتح والكسر"1، ولم يقرأ واحد من القراء الأربعة عشر إلا {مُكْثٍ} بضم الميم2. ويروي الزجاج ما تجوزه اللغة في قوله تعالى: {صَدُقَتِهِنَّ} ، واعبدا الطاغوت، وما قرئ به من هذه اللغات الجائزة؛ اتباعا للرواية3. ويجوز في الرضاعة فتح الراء وكسرها, ولم يقرأ إلا بالفتح4. وأهل اللغة يحكون "بزعمهم" مثلثة الزاي, ولم يقرأ إلا بالفتح. فلو كان الأمر كما يقول "جولدتسيهر" من أن إغفال الحركات في الخط العربي كان سببا في الأوجه المختلفة للقراءات لرأينا القراء يقرءون أمثال هذه الكلمات, بما تجوز اللغة فيها من مختلف الحركات!! بل, إن الكسائي نفسه هو الذي روى الكسر في "الرِّضاعة"5 لغة، ولكنها لم ترد عنه قراءة!!! بل, إن اللغة تجوز في محيض "مجيضا"6، وخلو الرسم من النقط يحتمل النطق بالكلمة "بوجهيها" إذ كانت مرسومة: "محصا"، ولكن "مجيضا" وإن كانت اللغة تجوزها والرسم يحتملها, لم تجز في القرآن، وإن كان المعنى واحدا، والخط غير مخالف؛ لأن القرآن سنة لا تخالف فيه الرواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والسلف وقراء الأمصار بما يجوز في النحو واللغة, وما فيه فأفصح مما يجوز، فالاتباع فيه أولى7. هذه أمثلة فيما هو خاص باللغة.

_ 1 البحر المحيط: 6/ 88. 2 انظر إتحاف فضلاء البشر: 287. 3 انظر معاني القرآن للزجاج, عند كلامه على قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} . 4 معاني القرآن للفراء: 149. 5 انظر: معاني القرآن للفراء: 149. 6 انظر لسان العرب, مادة جيض، وأساس البلاغة والقاموس المحيط. 7 معاني القرآن للزجاج.

أما فيما يختص بالصناعة النحوية, فالأمر فيه أوضح وأشهر، ولعله قد أتاك نبأ يحيى بن يعمر وتلحينه الحجاج، وكيف استبشع الحجاج أن يلحنه ابن يعمر في كتاب الله, في وقت كان اللحن فيه هجنة للشريف. إنه لحنه في قراءته: "أحبُّ" بالرفع من قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ ... أَحَبَّ إِلَيْكُمْ} 1 مع أن الصناعة النحوية تجيز الرفع2، ولكن أحدا من القراء الأربعة عشر لم يقرأ به3. أرأيت كيف جرت القراءة على السنة والرواية؟ وكيف لم يستطع الحجاج على سطوته, وقدرته أن يحيد عنها، أو يحاجّ ابن يعمر بما تجيزه الصناعة النحوية، أو يعتذر من لحنه فيها بما تجيزه العربية, مع وجود المخلص له من هذا اللحن المستهجن القبيح؟! فكيف يقال بعد ذلك: إن القراءات كان السبب الأكبر فيها خلو الرسم من الشكل والنقط, وتغمض الأبصار، ويختم على البصائر؟!! فإن قلت: إن زمن الحجاج ويحيى بن يعمر لم تستحصد فيه الصناعة النحوية، والتأويل الإعرابي، حتى يستطيع أن يحاجّ بما أوردت، فالجواب أن تقرأ ما يقول المازني, وقد جاء الأصمعي يوما وهو في مجلسه فقال الأصمعي: "ما تقول في قول الله عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ؟ قال المازني: سيبويه يذهب إلى أن الرفع فيه أقوى من النصب في العربية لاشتغال الفعل بالمضمر، وأنه ليس ههنا شيء هو بالفعل أولى، ولكن أبت عامة القراء إلا النصب، فنحن نقرؤها لذلك اتباعا؛ لأن القراءة سنة"4. على أن خبر الحجاج ويحيى بن يعمر لا يزال قائم الحجة على الذين ينكرون أن القراءة سنة! ثم انظر -في خبر المازني والأصمعي- كيف يخضع الأئمة الأولون لما هو وارد في الأثر، ولو كان مرجوحا من حيث الصنعة؛ اتباعا للرواية، واقتداء بالسنة! وثالثا: بل, إن بعض هؤلاء الأئمة كان له اختيار في القراءة على مذاهب العربية5، وعلى قياسها ولكنه جانب الأثر في اختياره، فلم توثق قراءته من

_ 1 سورة التوبة: آية 24. 2 انظر المحيط: 5/ 22. 3 انظر إتحاف فضلاء البشر: 241. 4 أخبار الزجاجي، ورقة 36. 5 طبقات القراء: 1/ 613.

أجل ذلك. من هؤلاء عيسى بن عمر البصري الثقفي, صاحب الإكمال والجامع؛ كان الغالب عليه حب النصب إذا وجد لذلك سبيلا منه1، قرأ: "وَالسَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا"2، وقرأ: {الزَّانِيَةَ وَالزَّانِيَ} 3، ولم يقرأ أحد من القراء العشرة4، بل القراء الأربعة بعدهم, بشيء من ذلك5. فإن قلت: لقد ضربت مثلا بإمام بصري، فهلا كان ذلك من كوفي؟ فالجواب ما قال الفراء في معاني القرآن -في مواضع كثيرة منه- ولو قرأ قارئ بكذا كان صوابا ... وعلى سبيل المثال ما قال: ولو قرأ قارئ: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ} نصبا, كان صوابا إذا جعلت أن وما حرفا واحدا6، ولم يقرأ به واحد من سبعة ابن مجاهد، ولا الثلاثة الذين بعدهم7، ولا الأربعة الذين بعد هؤلاء8. وهنا يجمل أن أورد قول "جولدتسيهر": "من أهم ما تجده من هذا القبيل, يشير إلى اختلاف القراءات فيما أهمل شكله من القرآن: تلك القراءات المختلفة في حروف هذه الكلمة "أن"، وهل هي أَنَّ أو إِنَّ بالتشديد فيما؟ أو هي فقط أَنْ بدون التشديد؟ وفي سورة آل عمران9 نجد مثالا لذلك يتبين فيه كيف يحاول الفن النحوي أن يجد سبيلا لهذا, أو ذاك"10. وقد رجعت إلى هذه الآيات في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} 11، {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} 12، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 13، رجعت إلى هذه الآيات، ثم تعرفت على القراءات الأربع عشرة, فما وجدت خلافا بينهم في قراءة

_ 1 طبقات القراء: 1/ 613. 2 س 5: آ 38. 3 س 24، آ 2. 4 انظر النشر: 2/ 254، 330. 5 انظر إتحاف فضلاء البشر: 199، 222. 6 معاني القرآن: 101. 7 انظر النشر: 2/ 321. 8 انظر الإتحاف: 305. 9 آيات 16-18. 10 المذاهب الإسلامية: هامش 7. 11 آية 16. 12 آية 16. 13 آية 18.

إن الأولى بالكسر في {إِنَّنَا} والثانية بالفتح في {أَنَّهُ} 1، وينفرد الكسائي بفتح همزة أنّ في قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ} 2، فلِمَ لا يكون انفراده هذا في ذلك الحرف, متبعا فيه الرواية؟! والدليل على ذلك -مثلا- في قول الله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا} قال الفراء: "قرأه القراء بالكسر، ولو قرئت بفتح أن على معنى: إذ لم يؤمنوا, ولأن لم يؤمنوا, ومن أن لم يؤمنوا لكان صوابا3، ومع ذلك لم يقرأ واحد من الأربعة عشر بفتح همزة إن, بل اتفق الجميع على أنها مكسورة الهمزة4. ثم أرجو بعد ذلك أن نرى تأويل المبرد لحركة همزة "إن" في قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَت} 5. ورابعًا: ولو كان الأمر راجعا إلى رسم المصحف, لصحت كل قراءة يحتملها الرسم ما دامت موافقة لوجه من وجوه العربية، ولكن الأمر جرى على غير ذلك. وخامسًا: اختلف القراء في {مُوصٍ} من قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا} 6: فقرئت {مُوصٍ} من أوصى، وقرئت "مُوَصٍّ" من وصّى. وقد يدل ظاهر الأمر على أن هذا الاختلاف مبعثه خلو الخط العربي من الشكل الضابط لنطق الكلمة، ولا أثر للرواية فيه, ولكن الاستيعاب والتعميق ينتهيان بنا إلى أن ذلك أثر من آثار الرواية لا طبيعة الخط, وآية ذلك أن في القرآن. أوصى: وذلك قوله تعالى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} 7, فذلك دليل موصٍ. وفيه كذلك وصّى في قوله: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} 8, وذلك دليل مُوَصٍّ.

_ 1 انظر الإتحاف: ص172. 2 انظر النشر: 2/ 238. 3 معاني القرآن للفراء: ص58. 4 انظر إتحاف فضلاء البشر: 288. 5 طبقات الزبيدي: 110. 6 سورة البقرة: آية 182. 7 سورة مريم: آية 31. 8 سورة البقرة: آية 132.

ومع اختلافهم في حرف {مُوصٍ} على هذا النحو بالتخفيف والتشديد, فإنه لا خلاف بينهم في {يُوصِيكُمُ} بالتخفيف, مع أن الرسم يحتمل التشديد كذلك. وكذلك يقال في: {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} في لقمان، {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} في عسق، فمن قرأ بالتشديد حجته قوله تعالى: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} 1، ومن ترك التشديد حجته قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} 2. هذا فيما هو خاصّ بالضوابط الحركية، أما ما هو خاصّ بالنقط، ففي القرآن كذلك الدليل: روى حفص عن عاصم: {أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ} وحجته في ذلك: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} . وقرأ حمزة: "سوف نؤتيهم" بالنون, وحجته قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ} وقوله: {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} 3, فيجب أن تترك الحجة الواهية التي يقول بها "جولدتسيهر" أن الرسم يحتمل التشديد والتخفيف, ويُركَن إلى القول بالرواية، ما دامت -أي: الرواية- قد ورد الدليل عليها صريحا مرويا في أماكن أخرى. وسادسًا: نجد إماما من الأئمة, اشتغل بالنحو فصار فيه مقدما، واشتغل بالقراءات حتى عد من القراء السبعة، ومع ذلك تجده يخالف قارئا4 مذهبه نحويا4، وأسوق لذلك مثلين أحدهما لقارئ من نحاة البصرة "كأبي عمرو" والآخر من نحاة الكوفة "كالكسائي"؛ لأوضح ما أقول: قال ابن خالويه: "وأدغم أبو عمرو وحده الراء في اللام: "من يغفر لكم" وما شاكله في القرآن، وهو ضعيف عند البصريين"5.

_ 1 سورة الفرقان: آية 48. 2 سورة الحديد: آية 27. 3 الحجة للفارسي: 3/ 301. 4 منصوب على الحال. 5 الحجة لابن خالويه، وجه ورقة 10.

أرأيت كيف خالف عمرو النحو البصري في قراءته؟ ألا يفسر ذلك بأنه اتبع الأثر في الإدغام، وما تلقاه في روايته؟! ونرى الكسائي -كذلك- يتخذ موقفين متغايرين كل التغاير: فهو -نحويا1- يرى أن "كلتا" ألفها ألف تثنية2، ويخالف بذلك البصريين الذين يقولون: إن "كلتا" ألفها ألف تأنيث, وهو يميل "كلتا" قارئا3. وفي ذلك دليل على أنه خالف مذهبه النحوي4 في قراءاته؛ لتلقيه عن شيوخه بالسند المتصل5. وسابعًا: أن القراءة لا تجري على الأفشى في اللغة، والأقيس في العربية6، ومن هنا قال ابن فيره: "وما لقياس في القراءة مدخل". ولذلك نرى في باب الإمالة -مثلا- قاعدة تنطبق على حروف بأعيانها في القرآن الكريم، فيميل قارئ من القراء بعض هذه الحروف دون البعض الآخر7، وقد يجتمع في بعض الحروف من أسباب الإمالة ما لا يجتمع في حروف أخرى من جنسها، فيميل بعض القراء ما كان سبب الإمالة فيه ضعيفا، ويترك ما كان السبب فيه قويا8. وثامنًا: على أنه ربما رجح إمام من الأئمة السبعة جانب الرواية على مرسوم المصحف، فيأخذ بالأولى؛ لأنها ثابتة عنده بالنقل والأخذ عن شيوخه الذين اتصل سندهم بقراءة الرسول؛ ذلك ما روى ورش عن نافع9: "إنما أنا رسول ربك ليهب لك"10، مع أنها مرسومة في المصحف: {لِأَهَبَ لَكِ} ؛ حدث أبو عمرو الداني عن شيوخه قال: حدثنا أبو عبيدة: "أن المصاحف كلها

_ 1 منصوب على الحال. 2 الإنصاف، مسألة: 62. 3 إبراز المعاني: 165. 4 إرشاد المريد: 167، انظر الإنصاف في مسألة: 62. 5 راجع تفصيل ذلك, وتحقيقه في بحثي: القراءات واللهجات العربية, الإمالة من ص193-205. 6 منجد المقرئين: 65. 7 حرز الأماني: 78، ط 1351هـ. 8 انظر الإبانة لمكي بن أبي طالب، ورقة: 14, والموضح للداني: ص65، ص4. 9 انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 11/ 91. 10 سورة مريم: آية: 19.

اجتمعت على رسم الألف بعد اللام في قوله في مريم: {لِأَهَبَ لَكِ} 1، وقد قرأها الأئمة ما عدا ورشا في روايته عن نافع: {لِأَهَبَ} 2، ولكن ورشا رجح جانب الرواية عن شيخه نافع. وقد كان هذا الحرف موضع جدل بين الخليفة المأمون، ويحيى بن أكثم، ومحمد بن أبي محمد مقرئ المأمون3. وتاسعًا: وآية أن القراءة سنة متبعة كذلك: اختلاف الراويين فيما يرويان عن إمام واحد، أحدهما -في باب كالإمالة مثلا- يقرأ بها في كثرة ظاهرة، والآخر يروي الإمالة عن شيخه في قلة نادرة، ذلك عند راويي عاصم: أبي بكر، وحفص، وراويي نافع: قالون، وورش4, حتى إن حفصا لم يمل من جميع القرآن إلا "مجريها" فقط5. أكان ذلك مبعثه الهوى أو أثارة من رأي أو نظر؟ أم كان الداعي إليه الرواية والأثر؟ وهل اقتصار حفص على إمالة هذا الحرف فقط مبعثه الرسم؟ لا! إذ لا ينفرد رسم هذا الحرف بما يدل على إفراده بالإمالة حتى يقرأه حفص -دون غيره- مميلا له. وعاشرًا: ومما يدل على أن القراءة سنة، وينفي أن الرسم وخاصية الخط العربي سبب اختلاف القراء ما نجده من اختلاف القراء في الواحد -ذي الرسم المتحد- مع اختلاف المواضع, كقراءة أبي جعفر "يُحزِن" بضم الياء وكسر الزاي في الأنبياء فقط6، وفتح الياء وضم الزاي في باقي القرآن7، وقراءة نافع ممكنة في جميع القرآن بضم الياء وكسر الزاي8 إلا في الأنبياء, فإنه فتح الياء وضم الزاي9. وأستشهد في هذا المقام بما أورد المقدسي في كتابه: "أحسن التقاسيم"، فقد رجّح قراءة ابن عامر لأسباب ذكرها، وذكر من بين هذه الأسباب أنه رأى

_ 1 المقنع للداني: ص45. 2 انظر النشر: 2/ 317 وما بعدها. 3 انظر ذلك في طبقات الزبيدي: 79. 4 انظر في ذلك قرة العين, لابن القاصح مثلا. 5 منجد المقرئين: 61. 6 إتحاف فضلاء البشر: 312. 7 النشر: 2/ 244. 8 الإتحاف: 200. 9 النشر: 2/ 244.

قراءة ابن عامر قياسية: إذا استعمل التاء والتثقيل في موضع أجراه في جميع النظائر، وغيره يقول: "في سورة كذا بالثاء، وفي سورة كذا بالياء، وفي موضع سِدًّا، وموضع آخر سُدًّا، وخراجا وخَرجا، وكُرها وكَرها ... "؛ ثم قال: "فإن قال خصم: أوليس قد ناقض ابن عامر في غير موضع؟ أجبناه: لو لم يناقض لزهدنا في قراءته، وظننا به الظنون؛ لأن القراءة لا تؤخذ بالقياس به، فلما ناقض علمنا أنه متبع وناقل، إلا أن نقله وافق القياس"1. واقرأ بعد ذلك ما أورده مكي بن أبي طالب حموش القيسي في كتابه الإبانة, وفيه دليل على أن اختلاف القراء فيما يحتمله خط المصحف ليس مرجعه أن الرسم غفل من النقط؛ وإنما مرجع الاختلاف النقل عن الرسول والصحابة، قال: "فإن سأل سائل فقال: ما السبب الذي أوجب أن تختلف القراءة فيما يحتمله خط المصحف، فقرءوا بألفاظ مختلفة في السمع, والمعنى واحد نحو: جُذوة وجِذوة وجَذوة؟ وقرءوا بألفاظ مختلفة في السمع, وفي المعنى نحو: يسيركم وينشركم؟ وكل ذلك لا يخالف الخط في رأي العين؟ فالجواب عن ذلك: أن الصحابة -رضي الله عنهم- كان قد تعارف بينهم من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك الإنكار على من خالفت قراءته قراءة الآخر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف, فاقرءوا بما شئتم". وبقوله: "نزل القرآن على سبعة أحرف, كلٌّ شافٍ كافٍ"، ولإنكاره -صلى الله عليه وسلم- على من تمارى في القرآن -والأحاديث في ذلك كثيرة- فكان كل واحد منهم يقرأ كما علم، وإن خالف قراءة صاحبه لقوله, صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا كما علمتم" 2.

_ 1 أحسن التقاسيم للمقدسي: 143. 2 الإبانة لمكي بن أبي طالب: 15، تحقيق المؤلف, مطبعة الرسالة, القاهرة، وطبع الطبعة الثانية بمكتبة الفيصلية بمكة المكرمة.

هذا, والمطّلع على كتب القراءات في تسلسل النقل, وفي طرقه يجد مثلا أعلى من إحكام الضبط, والتدقيق البالغ غايته في شتى النواحي المتصلة بالقرآن الكريم, وكلماته، وآياته، وطرق أدائه؛ ويكفي أن تقرأ الأسانيد المختلفة التي أوردها ابن مجاهد في كتابه المترجم بالقراءات، أو التي أوردها الداني في الموضح, مع أنه مؤلف في جانب صوتي محض, هو الإمالة، أو البحوث الأولى في كتاب النشر لابن الجزري1، أو ما أورده الباب الرابع من منجد المقرئين في سرد مشاهير من قرأ بالعشرة، وأقرأ بها في الأمصار إلى الزمن الذي عاش فيه1, يكفي أن يقرأ بعض هذا ليعلم حرص المسلمين على كتاب الله أن يعتوره تحريف، أو يبعده عن النقل بالسند الصحيح، أو يجعل قراءاته المختلفة تبعا للرسم الخالي من النقط والحركات.

_ 1 وانظر المنجد لابن الجزري: ص29-46.

خاتمة: وأرجو -بعد هذه الأدلة على أن القراءة سنة- أرجو أن يُقرأ هذا النصان: النص الأول: وهو صريح بأن القراءة سنة يرجع فيها إلى السماع من الشيوخ، والرواية، فقد ورد في النص الآتي كلمتان متفقتان في الرسم، ولكنهما مختلفتان في النطق، هاتان الكلمتان هما نركبا ونركبا هكذا من غير نقط ولا شكل كما وردتا في المصحف العثماني، في قصة إبراهيم "عليه السلام" سورة الصافات: الأولى رقم 113 والأخرى رقم 108 وصورتهما في مصحف عثمان واحدة كما بينا. وإليك بقية الحديث عن هاتين الكلمتين المتفقتين في الصورة, المختلفتين في القراءة: حدث ابن أخي الأصمعي -عبد الرحمن, وكان ثقة فيما يرويه عن عمه, وعن غيره- قال الأصمعي: قلت لأبي عمرو بن العلاء: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ} في موضع {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ} في موضع، أيعرف هذا؟ فقال: ما يعرف إلا أن يسمع من المشايخ الأولين1! وقال أبو عمرو بن العلاء: "إنما نحن فيمن مضى كبَقْل في أصول نخل طوال". أما النص الآخر, وهو دليل يوضح بجلاء ألا علاقة بين نشأة القراءات وخلوّ المصحف العثماني من الضبط, وأن الأصل والأساس الرواية والسماع من الشيوخ الضابطين "عليهم جميعا رحمة الله". جاء في جمال القراء وكمال الإقراء لعَلَم الدين السخاوي ت 643هـ ما نصه2: قال الأصمعي: قلت لأبي عمرو بن العلاء: من يقول: "مُرْية"؟ قال: "بنو تميم".

_ 1 كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد, تحقيق الدكتور شوقي ضيف، ص48. 2 انظر جـ2 ص"450".

قلتُ, والقائل الأصمعي: أيهما أكثر في العرب؟ قال: مُرْية. قلت: فلأي شيء قرأتَ: {مِرْيَةٍ} ؟ قال: كذلك "أُقْرِئتها هناك" يعني: على شيوخ الحجاز1, وإمامهم ابن كثير المكي. وكان أبو عمرو قد قرأ عليه2؛ فقد ولد بمكة، ونشأ بالبصرة، ومات -رحمه الله- بالكوفة سنة أربع وخمسين ومائة3. وبهذه النصوص وما أمثالها -وما أوردته كل من كثر، وغيض من فيض- يسقط كلام جولدتسيهر. ولله الحجة البالغة.

_ 1 انظر جـ2 ص450. 2 انظر ترجمة أبي عمرو في جـ2, طبقات القراء لابن الجزري. 3 جـ2 ص450 جمال القراء.

في القراءات المتخالفة بلاغة

5- في القراءات المتخالفة بلاغة: لو أمعنت النظر لوجدت أن في القراءات المتخالفة نواحي من السمو في البلاغة، ألا ترى مثلا اختلاف القراءة في قوله تعالى: "بِكُلّ سَحِرٍ" في الأعراف وفي يونس، وقد رسمت فيها بغير ألف1, فقرأ حمزة والكسائي وخلف: "سحَّار" على وزن فعّال في الموضعين، وقرأ الباقون في السورتين: {سَاحِرٍ} على وزن فاعل2، واتفقوا على حرف الشعراء أنه {سَحَّارٍ} 3 -رسمت الألف بعد الحاء في الشعراء- واختلافهم في الأعراف ويونس، واتفاقهم على التي في الشعر أمر يقتضيه المقام -دع ما يشير إليه الرسم-؛ لأنه في الشعراء جواب لقول فرعون فيما استشارهم فيه من أمر موسى بعد قوله: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} فأجابوه بما هو أبلغ من قوله رعاية لمراده، بخلاف التي في الأعراف، فإن ذلك جواب لقولهم، فتناسب اللفظان. وأما التي في يونس, فهي أيضا جواب من فرعون لهم حيث قالوا: {إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ} فرفع مقامه عن المبالغة4. وللأستاذ المرحوم مصطفى صادق الرافعي رأي يشبه ذلك، وهو ما ألحقه بمعاني الإعجاز؛ إذ تكون الألفاظ في اختلاف بعض صورها مما يتهيأ معه استنباط حكم، أو تحقيق معنى من معاني الشريعة؛ ولذا كانت القراءات من حجة الفقهاء في الاستنباط والاجتهاد. وهذا المعنى مما انفرد به القرآن الكريم، ثم هو ما لا يستطيعه لغوي أو بياني في تصوير خيال, فضلا عن تقرير شريعة5، وهيهات أن يكون شيء من ذلك إذا كانت القراءات تابعة لخاصية الخط العربي في خلوه من النقط والشكل!! أكان الاختلاف من أجل الرسم يتضمن هذه البلاغة حين يتفقون وحين يختلفون؟! فكيف نسلك سبيل المتحاملين على الإسلام، ونشايعهم في آرائهم من غير تدقيق في النظر, أو إحكام؟

_ 1 انظر المقنع: 21. 2 النشر: 2/ 271. 3 المقنع: 22. 4 النشر: 2/ 271. 5 إعجاز القرآن: 53، الطبعة الثالثة.

وبعد, فأشهد الله أني كتبت هذا الفصل غير مدفوع بعقيدة تسيطر على البحث، أو توجه في التأويل، ولكني تجردت وشككت حتى وصلت إلى وجه الحق واليقين، وانتهيت كما ترى إلى أن هذا القرآن الكريم -بقراءاته الصحيحة- كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.

رسم المصحف وموقف قدامى النحويين والقراء منه

6- رسم المصحف وموقف قدامى النحويين والقراء منه: وقف القدامى من المحتجين للقراءات -نحويين وقراء- من رسم المصحف مواقف مختلفات، فمنهم من ينظر إليه، ويستعين به، ويعتمد عليه، ويمنحه فضل اهتمام في الاحتجاج والتعليل، وهؤلاء -في الأعم الأغلب- هم القراء، ويمثلون مدرسة الأثر ... ومنهم من لا يعتمد عليه، سالكا سبيل أهل الرأي في الاحتجاج والتخريج، وهؤلاء هم فريق من النحاة ... ويمثلون مدرسة القياس والنظر، وفيما لي بيان لمواقف هؤلاء من الاحتجاج برسم المصحف: أما سيبويه "180هـ" فكان يحتجّ لبعض الأوجه الإعرابية في القراءات بما هو مرسوم في بعض المصاحف؛ ففي حديثه عن قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} 1: زعم هارون أنها في بعض المصاحف: "ودوا لو تدهن فيدهنوا"2، وقد أوردها Jeffry في مصحف ابن مسعود3، ووجدها كذلك4، وكذلك وردت في مصحف أُبي، والأعمش5. وذكر سيبويه قول الله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ} 6 ثم قال: وزعموا أنها في مصحف أُبي: "أنهم لا يقدرون"7، وقد ذكرها جفري في كتاب المصاحف بكسر الهمزة, وهو خطأ8.وسيبويه باستشهاده بما جاء في المصاحف على هذا النحو يقرب من أهل النقل والأثر، وهي ظاهرة لو انضمت إلى قوله: "والقراءة لا تخالف؛ لأنها

_ 1 سورة القلم: آية 9. 2 الكتاب: 1/ 422. 3 p. 103. 4 المصاحف للسجستاني: 63. 5 انظر ما أورده p. 47: Jeffry 6 سورة الحديد: آية 29. 7 الكتاب: 1/ 481. 8 p. 169.

سنة"1, فإن ذلك يجعلني أضع سيبويه مع مدرسة القراء الذين يأخذون بالنقل عن الأئمة، ويعتدون برسم المصحف، ولكن ما جاء في كتابه من اعتداد بالقياس وتضعيف بعض الأئمة القراء, يدفعني إلى القول بأنه كان مترددًا بين المذهبين، وهو إلى مذهب القياس ومدرسته أقرب؛ ذلك لأن الملاك العام في احتجاجه للقراءات أنه أراد أن يجريها على مقاييس العربية, ومن هنا رأينا أنه لا يتحرج أن يصف كلا من القارئ والقراء بالضعف2؛ لأنهما لم يتفقا مع ما انتهى إليه من قياس. فإذا ما انتقلت إلى الفراء "207 هـ" وجدته يتخذ موقفًا من رسم المصحف، والاعتماد عليه في الاحتجاج, ألخص معالمه الكبرى في النقاط الآتية: أ- فهو حينًا يعلل محتجًّا لرسم كتاب المصاحف {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} من غير ألف، ورسم {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} بألف3. ب- وقد تكون القراءة صحيحة خالفت رسم المصحف المخالفة الجائزة, على النحو الذي بينه في هذا البحث، فيحتج لها الفراء4. جـ- وقد يرتضي القراءة الشاذة التي تجوزها العربية، وإن كانت مخالفة للرسم5. د- وقد ينفي شهوته "كذا" قراءة صحيحة؛ لأنها مخالفة للرسم6. هـ- ورأيته يحتج لرجوع الكسائي عن قراءة إلى أخرى بموافقتها قراءة العامة، والكتاب7. وهكذا نرى الفراء لا يخضع لاتجاه معين، أو نظرة إلى رسم المصحف مطردة؛ فهو حينًا يرتضي ما يخالف الرسم، وأحيانًا يشير إلى موافقة الكتاب فيحتج برسمه. على أن الاتجاه -في أغلبه- يدل على أنه معتد بالرسم إذا

_ 1 الكتاب: 1/ 481. 2 انظر مثلًا الكتاب: 2/ 423. 3 معاني القرآن للفراء: 2. 4 معاني القرآن: 88. 5 انظر المصدر السابق: 96. 6 معاني القرآن: 125. 7 معاني القرآن: 202، والمقصود بالكتاب هنا رسم المصحف.

وجد له وجهًا من كلام العرب1، وذلك يجعله بين أهل الأثر، ويبعده عن أصحاب القياس والنظر. وقد رأيت أبا جعفر الطبري "ت 310هـ" يروي في كتابه: جامع البيان في تفسير القرآن, القراءات المختلفة مسندة إلى من قرأها، يستجيز منها بعضًا فيرجحه، ولا يستجيز بعضًا فيفسده، كما رأيته يتخذ من وسائل الترجيح رسم المصحف, ويقول: "ليس لأحد خلاف رسوم مصاحف المسلمين"2. وفي الاحتجاج لقراءة: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} 3 يقول: "وعلى هذه القراءة قراءة الأمصار، وبه رسوم مصاحفهم، وبه نقرأ؛ لإجماع الحجة من القراء عليه، ووفاقه خط مصاحف المسلمين"4. والرسم عند أبي إسحاق الزجاجي "ت 311هـ" لا يخالف، ويتخذه الزجاج حجة في تحذير القارئ أن يقرأ بما يخالفه، ويحتج الزجاج برسم المصحف في اللغويات، والإعراب، والصرفيات. وإليك مثالًا لكل واحدة من هذه5: قال في الاحتجاج برسم المصحف في اللغويات: {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} أي: سكنت قلوبكم، ويقال: اطمأن الشيء إذا سكن، وطمأنته إذا سكنته، وقد روي: اطبأن -بالباء- ولكن لا تقرأ بها؛ لأن المصحف لا يخالف البتة. ويقول محتجا برسم المصحف في الإعراب: وأما رفع {يُؤْتُونَ} في قوله تعالى: {فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} فعلى الرفع: فلا يؤتون الناس نقيرًا إذًا، ومن نصب فقال: فإذا لا يؤتوا الناس جاز ذلك في غير القراءة، فأما المصحف فلا يخالف. تعليق: قرأ بالنصب ابن مسعود6. وأما تحذيره القارئ أن يقرأ بما يخالف الرسم فيما يتعلق بالصرفيات, فذلك

_ 1 انظر الصاحبي لابن فارس: 11. 2 جامع البيان: 2/ 48. 3 سورة المؤمنون: آية 60. 4 جامع البيان: 18/ 23. 5 يرجع إلى معاني القرآن للزجاج, في مواطن الآيات التي وردت في هذه الأمثلة. 6 انظر البحر المحيط: 2/ 273.

قوله: "وأما من يرتدد فهو الأصل؛ لأن التضعيف إذا سكن الثاني من المضاعفين ظهر التضعيف نحو قوله: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} ولو قرئت: "إن يمسّكم قرح" كان صوابًا، ولكن لا تقرأن به لمخالفة المصحف، ولأن القراءة سنة". ويمثل أبو بكر بن مجاهد "ت 324هـ" مدرسة الأثر تمثيلًا خالصًا، فهو في كتاب القراءات يحتج بما حدّث به الشيوخ مسندًا إلى الإمام القارئ، كما يحتج برسم المصحف. وفي الاحتجاج بالرسم يقول: "قرأ ابن عامر وحده: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام"1. ومن أجل تمسك ابن مجاهد بالإسناد عن شيوخه، ورسم المصحف في الاحتجاج, دفع الوزير ابن مقلة إلى تعذيب ابن مقسم الذي خالف في قراءته الأساس الأول؛ إذ كان يقول: إن كل قراءة وافقت المصحف؛ ووجهًا في العربية, فالقراءة بها جائزة، وإن لم يكن لها سند2، كما عذب ابن شنبوذ الذي كان يقرأ معتمدًا على السند، وموافقة العربية، وإن خالف المصحف الإمام3. وكان ابن خالويه "ت 370هـ" مولعًا بالاحتجاج برسم المصحف, متعبدًا بما رسم الكاتبون في السواد -على حد تعبيره- وقربه ذلك من مسلك أهل الأثر، وفيما يلي أمثلة مختلفات تجلي ما كان لابن خالويه من اتجاه: أ- قال ابن خالويه: "قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} قرأه حمزة بإشباع فتح الشين، ووقفه على الياء قبل الهمزة، وكذلك يفعل بكل حرف سكن قبل الهمزة، والحجة له في ذلك أنه أراد صحة اللفظ بالهمزة وتحقيقها على أصلها، فجعلها كالمبتدأ، وسهل ذلك عليها أنها في حرف عبد الله مكتوبة في السواد شاي بالألف ... "4 وقد رسمت كذلك في مصحفه حيثما وردت في القرآن الكريم5.

_ 1 الحجة: 1/ 472، مراد ملا. 2 طبقات القراء: 1/ 124. 3 طبقات القراء: 2/ 54. 4 الحجة لابن خالويه: وجه ورقة ص6. 5 انظر المقنع للداني: 56.

ب- وقال في الاحتجاج لمن قرأ: {اتَّخَذْتُمْ} بالإظهار: "أتى بالكلمة على أصلها، واغتنم الثواب على كل حرف منها"1. جـ- وقال: "قوله تعالى: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا} تقرأ: "هزؤًا"، و"كفؤًا" بالضم والهمز، و"جزءًا" بإسكان الزاي والهمز، والحجة في ذلك اتباع الخط؛ لأن هزؤا وكفؤا2 في المصحف مكتوبان بالواو، وجزءًا بغير واو، فاتبعوا في القراءة تأدية الخط". د- وقال: "قوله تعالى: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} يقرأ وما شاكله: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} ، {سُلْطَانِيَهْ} ، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} 3 بإثبات الهاء، وطرحها في الإدراج. فالحجة لمن أثبتها أنه اتبع الخط فأدى ما تضمنه السواد، والحجة لمن طرحها أنه إنما أثبت لتبين بها حركة ما قبلها في الوقف، فلما اتصل الكلام صار عوضًا منها، وميزانها في آخر الكلام كألف الوصل في أوله. وكان بعض القراء يتعمد الوقوف على الهاء؛ ليجمع بذلك موافقة الخط، وتأدية اللفظ ... "4. فإذا ما أردنا أن نعرف رأي الفارسي "377هـ"، واحتجاجه في هذا الحرف: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} , رأيناه يقول ما يفهم منه أنه لا يذهب مذهب ابن خالويه في الاحتجاج برسم المصحف؛ بل يحكم القياس والنظر، وذلك حيث يقول: "فأما قراءة ابن كثير، ونافع، وابن عمرو، وعاصم، وابن عامر, هذه الحروف كلها بإثبات الهاء في الوصل: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} ... وما شاكله" فبأن ذلك مستقيم في قياس العربية في {يَتَسَنَّهْ} ، وذلك أنهم يجعلون اللام في {يَتَسَنَّهْ} الهاء، فإذا وقفوا, وقفوا على اللام، وإذا وصلوا, كان بمنزلة: لم يتقه زيد, ولم يجبه عمر ... " ثم قال أبو علي: قال أحمد بن موسى: "لم يختلفوا في: {كِتَابِيَهْ} ، و {حِسَابِيَهْ} أنها بالهاء في الوصل، فاتفاقهم في هذا دلالة على تشبيههم ذلك بالقوافي، وذلك أنه لا يخلو

_ 1 الحجة لابن خالويه: ظهر ورقة ص8. 2 الحجة لابن خالويه: ظهر ورقة 10. 3 الحجة لأبي علي الفارسي: 3/ 17، ن البلدية. 4 الحجة لابن خالويه: وجه ورقة ص30.

من أن يكون لهذا والتشبيه، أو لأنهم راعوا إثباتها في المصحف، فلا يجوز أن يكون لهذا الوجه؛ ألا ترى أن تاءات التأنيث أو عامتها قد أثبتت في المصحف هاءات؛ لأن الكتابة على أن كل حرف منفصل من الآخر، وموقوف عليه، فلو كان ذلك للخط لوجب أن يجعل تاءات التأنيث في الدرج هاءات لكتابتهم إياها هاءات، ولوجب في نحو قوله: {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} 1 أن يكون في الدرج بالألف؛ لأن الكتابة بالألف، فإذا لم يجز هذا علمت أن الكتابة ليست معتبرة في الوقف على هذه الهاءات، وإذا لم تكن معتبرة علمت أنه للتشبيه بالقوافي"2. وهكذا نرى مسلكين متخالفين: ابن خالويه يعتد اعتدادًا شديدًا برسم المصحف، وأبو علي الفارسي يحكم القياس في الاحتجاج، ولا يرى أن يأخذ برسم المصحف فيه غالبًا. وقد رأيت علي بن عيسى الرماني "384هـ" في كتابه معاني الحروف, يعتد برسم المصحف، حتى إنه قال في ردّ رواية قنبل عن ابن كثير: "لأقسم" على أن اللام لام القسم, وهذه القراءة فيها نظر من وجهين: أحدهما: حذف الألف التي بعد "لا" وهي في الإمام ثابتة. والثاني: حذف النون التي تصحب لام القسم3. وابن جني "ت 392هـ" يستشهد برسم المصحف، ويعتمد عليه إذا أيد الرسم ما يذهب إليه، وإذا كان رسم المصحف متفقًا هو وسنن العربية، ولا يخالف أصلًا من أصولها: أ- ذلك ما رواه ابن مجاهد عن ابن عباس في مصحف ابن مسعود: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا} 4، وفيه: {وَالَّذِينَ

_ 1 سورة الحجر: آية 47. 2 الحجة للفارسي، ن البلدية: 3/ 16-20. 3 معاني الحروف للرماني: لوحة رقم 14. 4 سورة البقرة: آية 127، وانظر المصاحف للسجستاني: 57.

اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ} 1، وفيه: {وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا} 2. قال أبو الفتح: "في هذا دليل على صحة ما يذهب إليه أصحابنا من أن القول مراد مقدر في نحو هذه الأشياء، وأنه ليس كما يذهب إليه الكوفيون من أن الكلام محمول على معناه، دون أن يكون القول مقدرًا معه، وذلك كقول الشاعر: رجلان من ضبة أخبرانا ... أنا رأينا رجلًا عريانا فهو عندنا نحن على "قالا"، وعلى قولهم: "لا إضمار قول هناك؛ لكنه لما كان أخبرانا في معنى "قالا لنا" كأنه قال: "قالا لنا"، فأما على إضمار قالا في الحقيقة فلا، وقد رأيت إلى قراءة ابن مسعود كيف ظهر فيها ما يقدره من القول، فصار قاطعًا على أنه مراد فيما يجري مجراه"3. ونراه هنا يخرج القراءة على ما يذهب إليه البصريون من تقدير القول في نحو هذه الآيات، ويجعل دليله في تخريجه، وتأييد مذهبه النحوي ما رواه ابن مجاهد في مصحف ابن مسعود. ب- كذلك استعان ابن جني في الاحتجاج لقراءة: "تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ"4، وأولها معتمدًا على ما جاء في مصحف عبد الله5. جـ- ثم نراه لا يلتفت إلى الدليل الذي استشهد به يحيى بن الحارث في قراءته: "لنظر كيف تعلمون" بنون واحدة. قال ابن شعيب: "فقلت له: ما سمعت أحدًا يقرؤها" قال يحيى: هذا رأينا في الإمام مصحف عثمان، قال أبو الفتح: ظاهر هذا أنه أدغم نون "ننظر" في الظاء، وهذا لا يعرف في اللغة. ويشبه أن تكون أن مخفاة، فظنها القراء مدغمة على عادتهم في تحصيل كثير من الإخفاء إلى أن يظنوه مدغمًا"6.

_ 1 سورة الزمر: آية 3، وانظر تاريخ المصاحف لجفري: P. 81. 2 سورة الأنعام: آية 93. 3 المحتسب: 1/ 112, 113. 4 سورة سبأ: آية 14. 5 المحتسب: 2/ 235 وما بعدها. 6 المحتسب: 1/ 384.

أما مكي بن أبي طالب "437هـ" في كتابه الكشف، وأبو عمرو عثمان بن سعيد الداني "444هـ" في الموضح، فقد كانت العبارة التي تتردد في كتابيهما حتى اتخذت ما يشبه النماذج التعبيرية: "هذا مع اتباعه -أي القارئ الذي يحتج له- رسم المصحف، أو نحو ذلك1، وهذا ظاهر عند الداني في الاحتجاج لمذاهب القراء في ذوات الياء من الأسماء والأفعال، مما هو مرسوم في المصحف بالياء"2، وسأناقش رأيه بعد حين. هذه أمثلة لمواقف بعض النحاة, والقراء من رسم المصحف والاحتجاج به، والملاك العام عندي في هذا الأمر: "أن القراءة سنة؛ فما خالف منها ظاهر الخط فلا سبيل إلا إلى القراءة به, مرجحين جانب النقل والرواية، وما وافق منها الرسم فذلك نور على نور". وذلك ما يشير إليه أبو شامة "665هـ" حيث يقول: "القراءة نقل، فما وافق منها ظاهر الخط كان أقوى، وليس اتباع الخط بمجرده واجبًا ما لم يعضده نقل، فإن وافق فبها ونعمت"3. ومن ذلك ما ذكره الداني عن شيوخه, عن عاصم الجحدري قال: "في الإمام مصحف عثمان بن عفان في الحج: {وَلُؤْلُؤًا} بالألف4، والتي في الملائك5: "ولؤلؤٍ" خفض بغير ألف"6. قال الشيخ السخاوي: وهذا الموضع أول دليل على اتباع النقل في القراءة؛ لأنهم لو اتبعوا الخط، وكانت القراءة إنما هي مستندة إليه, لقرءوا هنا -أي: في سورة الحج- بألف: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} وفي فاطر بالخفض: "جنات عدن يدخلونها فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ"7.

_ 1 انظر مثلًا في الكشف اللوحات: 10، 50، 62، 485، 472. 2 يراجع الموضح في هذا الباب. 3 إبراز المعاني: 406. 4 سورة الحج: آية 23. 5 سورة فاطر: آية 33. 6 انظر المقنع: 42، ومورد الظمآن: 22. 7 وانظر عقيلة أتراب القصائد, وشرحها تلخيص الفوائد: 44, 45.

قال أبو عبيد: "لولا كراهة لخلاف الناس, لكان اتباع الخط أحب إلي فيكون في الحج بالنصب، وفي فاطر بالخفض، فإنه رسم بالألف في الحج خاصة دون فاطر"1. يقول ذلك أبو عبيد، ولكنه لم يقرأ به متبعًا النقل لا الرسم

_ 1 إبراز المعاني: 406.

تقويم آراء القدماء من النحويين والقراء

7- تقويم آراء القدماء من النحويين والقراء: وإذا وصلت إلى تقويم آراء القدامى أقول: أما سيبويه فقد كان على حق؛ لأنه حين احتج بمصحف ابن مسعود1، ومصحف أُبي مثلًا2, احتج بما هو جائز في العربية، موثق بالأسانيد، وإن خالف رسم المصحف الإمام، ويكفي لتجويز إعراب ما أن تستشهد بما في مرسوم المصاحف التي كانت قبل المصحف الإمام؛ إذ كانت كما قلت موثقة الإسناد، ولكن لا يقرأ بها لمخالفتها المصحف المجمع عليه. ومسلك سيبويه يبدو طبيعيًّا؛ إذ كانت صفته الأولى والباقية على الدهر أنه نحوي ينظر إلى المصاحف على عمومها، محتجًّا بما جاء في مرسومها، غير متقيد بمصحف الإمام؛ ما دامت المصاحف الأخرى كافية على الاحتجاج على المذاهب الإعرابية في فنون الكلام. وصحيح من الفراء, والزجاج أن يرفض كل مخالفة رسم المصحف فيما يتعلق بنقص3 أو تبديل4..... من مرسوم المصحف الإمام, فهذه هي المخالفة المردودة على ما انتهت إليه من قريب. أما القراءات التي يحتملها الرسم العثماني وكانت ترجع في أساسها الأول إلى السنة على النحو الذي فصلت في قول الزجاج بالأثر, فلا داعي لإقحام الاحتجاج برسم المصحف فيها، فالنص على ذلك أمر لا ضرورة له، وأرجو أن ترجعوا إلى تفسير ذلكم في مكانه من هذا البحث. وأقول لابن خالويه من حيث مسلكه في الاحتجاج مثل ما قلت للزجاج، وأزيد أن ابن خالويه بالغ في أن جعل ثواب الله أكبر بقراءة الإظهار في قوله

_ 1 الكتاب: 1/ 281. 2 الكتاب: 1/ 481. 3 كقراءة: "فإذًا لا يؤتوا الناس نقيرًا". 4 كقراءة: "فإذا اطبأننتم".

تعالى: {ثُمَّ اتَّخَذْتُم ... } فإن كرم الله لن يضيق بثوابه على القارئين لكتابه، المتعبدين بما به، ولن يكون ضيقًا حرجًا بالإدغام، وواسعًا عفوًا بالإظهار! فثواب التلاوة ثابت في كلتا الحالين بقدر ما تخشع القلوب، وتلين الجلود!! أما أبو علي الفارسي, فقد أراد أن يحتج للقراءات بطريق القياس والنظر، فبعُد بذلك عن القول بالنقل والأثر، ولم يقل بأن القراءة سنة إلا حين لا يستطيع أن يجري مقاييس العربية، على قراءة من القراءات المروية. وقد سلك هذا المسلك؛ لأنه نصب نفسه للدفاع عن كتاب الله في عصر تغشاه الإلحاد، وتفشاه الكيد للإسلام، فكان عليه أن يدافع عن القرآن بالحجج التي يحتج بها أعداؤه: بالقياس والنظر. وأرجو أن يكون مفهومًا -وهذه عقيدة الفارسي- أنه لا يقول برسم المصحف ركنًا من أركان القراءة الصحيحة، ولكنه ترك جانب الأثر إلى غيره من الجوانب التي دعته إليها دواعي العصر الذي كان يعيش فيه. والأمر مع الداني -ومن تأسى به كابن القاصح-1 حيث جعل من أسباب الإمالة أن تكون الألف رسمت بالباء, وإن كان أصلها الواو يحتاج في تقويمه إلى كلام مفصل طويل، ولكني أوثر جانب الإيجاز2. وأختصر المعالم الكبرى للرأي في ذلك فأقول: لا علاقة بين الإمالة ورسم المصحف، وأدعم ذلك: أ- بالرسم العثماني. ب- وبالأثر المروي. جـ- وبما ورد في أوراق البردي المحفوظة بدار الكتب, والمخطوطة في القرن الرابع الهجري.

_ 1 انظر: كتابه سراج القارئ المبتدئ: 117. 2 يرجع في تفصيل ذلك إلى بحث القراءات واللهجات العربية: الإمالة، للمؤلف من ص167 إلى ص197.

أما فيما يتعلق بالرسم العثماني, فقد تجد كلمات: أ- رسُمت بالألف, وأُميلت مثل: {الْأَقْصَى} و {أَقْصَى الْمَدِينَةِ} و"طغى الماء". ب- وأخرى كُتبت بالواو وأميلت, وذلك {كَمِشْكَاةٍ} . جـ- وحرف {مَا زَكَى} كتب بالياء، ومع ذلك لم يمل على خلاف ما يشير إليه رسم المصحف. د- و {لَدَى} رسمت بالألف في يوسف، وبالياء في غافر، وكان اتباعًا لرسم المصحف ألا يمال في الأولى، ويمال في الأخرى، ولكنه لم يمل في كليهما. هـ- وقد وقعت الإمالة في ذوات الراء، وفي الكلمات التي تنتهي بتاء التأنيث عند الوقف، ولم يكن في رسمها ما يدل على الإمالة. أما ما يكون من طبيعة الكتاب, فثابت من خطئهم في هذا الباب, حيث يضعون الألف مكان الياء وبالعكس، وأن الصحابة -عليهم الرضوان- لم يكونوا من المجودين في هذا الباب، وقد هديت إلى مصحف كوفي قديم في محفوظات دار الكتب خلا خطه من النقط, والشكل مما يدل على أنه مكتوب قبل أبي الأسود الدؤلي -أو على الأقل- بالطريقة التي كانت في عهد عثمان -رضي الله عنه- وظفرت بعلى وردت ثلاث مرات في صفحتين متقابلتين كتبت إحداها بالألف1.

_ 1 وهذا مما يدل على أن ما كان حقه أن يكتب بالياء كتب بالألف, كما أورد الحافظ أبو بكر السجستاني في كتابه المصاحف: إن الألف والياء في المصحف سواء. المصاحف: 104.

والصفحة اليمنى مكتوب فيها قول الله تعالى: 1- خوضهم يلعبون 2- هذا كتاب أنز 3- لناه مبارك مصدق 4- لذي بين يديه 5- لتنذر أم القرى 6- ومن حولها والذ 7- ين يؤمنون بالآخرة 8- يؤمنون به وهم على 9- صلاتهم يحافظون 10- ومن أظلم ممن 11- فترى على الله كذ 12- بًا أو قال أوحي والصفحة اليسرى مكتوب فيها: 1- إلي ولم يوح 2- إليه شيء ومن قال 3- سأنزل مثلما أنزل 4- الله ولو ترى إ 5- ذ الظالمون في 6- غمرات الموت 7- والملائكة باسطو 8- أيديهم أخرجوا 9- أنفسكم اليوم 10- تجزون عذاب 11- الهون بما كنتم تقو 12- لون على الله غير

هذا, وتعليل الداني إخلاص أبي عمرو وفتح بشراي بقوله: "لما رسمت في المصحف ألفا, أخلص أبو عمرو فتحه؛ اتباعًا للرسم؛ حتى لا تجتمع ياءان", هذا التعليل مردود بإمالة أبي عمرو نفسه: {الْعُلْيَا} ، و {الدُّنْيَا} ، و {الرُّؤْيَا} ، و {رُؤْيَاكَ} ، و {رُؤْيَايَ} ، و {الْحَوَايَا} ، {وَمَحْيَايَ} ، و {هُدَايَ} مع أن كلا منها مرسومة في المصحف بالألف وبإمالتها تجتمع ياءان. وأنتهي بعد هذه المعالم إلى القول بأن ما بين الإمالة والخط من توافق أساسه أن كلا منهما يراعى فيه الرجوع بالألف إلى الياء أو أنها ناشئة من الياء؛ لكن هذا التوافق بين الإمالة والخط ليس بدائم؛ لأن للإمالة أسبابًا أساسها التلقي والرواية، وأن الذين ربطوا بين الإمالة والخط -كالداني, وابن القاصح- لحظوا فقط كثرة التوافق، وجروا وراء القول بالرسم من غير أن يدققوا أو يتعمقوا.

الأختيار عند القراء

8- الاختيار عند القراء: وإذ انتهيت هنا في الرد على "جولدتسيهر" إلى أن القراءة أساسها التلقي والرواية, أود أن أشير إلى موضوع اختيار القراء وهو يتصل بسنية القراءة، والقول بالأثر فيها ذلك هو موضع "الاختيار عند القراء". فقد كان لعبد الله بن قيس التابعي المشهور "مات بعد 80هـ" اختيار في القراءة1. وشيبة كان يقول: "انظر ما يقرأ أبو عمرو "154هـ" مما يختار لنفسه، فإنه سيصير للناس إسنادًا"2. "وكان الكسائي "189هـ" يتخير القراءات؛ فأخذ من قراءة حمزة بعضها, وترك بعضًا"3. "كما تجد ليحيى بن سليمان "277هـ" وأبي حاتم السجستاني "255هـ"4 مثل ذلك". وأجد أبا علي الفارسي "277هـ" يقول في تخصيص حمزة بإمالة الأشرار والقرار وذات قرار، والقهار والبوار دون ما عداها من الكلم مما كان في قياسها على صورتها: "فالقياس في ذلك وغيرها واحد، ولعله اتبع في ذلك أثرًا, ترك القياس إليه، أو أحب أن يأخذ بالوجهين، وكره أن يرفض أحدهما ويستعمل الآخر، مع أن كل واحد مثل الآخر في الحسن, والكثرة"5. والذي أريده هنا في عرض هذه الأمثلة من النصوص التي تشير إلى اختيار القراء في قراءتهم, أن أبين أن هذا الاختيار يكون صحيحًا إن وافق إثرًا مرويًّا يدعمه ويستند إليه. فلا يسبقن إلى الذهن أن القراء غير مقيدين في هذا الاختيار فهما لمعنى لفظ الاختيار على إطلاقه وعمومه، وإلا كانت المسألة فوضى لا نظام لها ولا رابط. وها هو ذا الشيخ طاهر الجزائري في كتابه التبيان بيّن قيود الاختيار حيث يقول: "الاختيار عند القوم أن يعمد من كان أهلًا له إلى القراءات

_ 1 طبقات القراء: 442. 2 المصدر السابق: 1/ 292. 3 المصدر السابق: 1/ 38. 4 انظر طبقات القراء: 1/ 320. 5 الحجة للفارسي: 1/ 376.

المروية فيختار منها ما هو الراجح عنده، ويجرد من ذلك طريقًا في القراءة على حدة، وقد وقع ذلك من الكسائي. وممن اختار من القراءات كما اختار الكسائي: أبو عبيد، وأبو حاتم، والمفضل، وأبو جعفر الطبري"1. وأزيد على قيدي الجزائري: أن يكون الاختيار موافقًا للرسم. وها هو ذا مكي بن أبي طالب، بعد أن ذكر اختيارات: يعقوب الحضرمي، وعاصم الجحدري، وأبي حاتم السجستاني يقول: "وأكثر اختياراتهم إنما هو في الحرف إذا اجتمع فيه ثلاثة أشياء: قوة وجهه في العربية، وموافقته للمصحف, واجتماع العامة عليه"2. ثم فسر المراد بالعامة بقوله: "والعامة عندهم ما اتفق عليه أهل المدينة, وأهل الكوفة, فذلك عندهم حجة قوية". وربما جعلوا العامة ما اجتمع عليه أهل الحرمين. ولذا صحت اختيارات، وبطلت أخرى؛ لعدم استيفائها ما شرط في صحة الاختيار؛ فعيسى بن عمر الثقفي "149هـ" لم يصح اختياره، وكذلك الفراء "207هـ" كما بدا في معاني القرآن، وعُذِّب ابن شنبوذ "327هـ" على اختياره, كما عذب ابن مقسم "354هـ". وقد خالف بعض هؤلاء النقل كعيسى بن عمر، والفراء، وابن مقسم، وخالف الآخرون الرسم المخالفة المردودة كابن شنبوذ، ومن هنا لم يكتب لقراءتهم الذيوع والتوثيق مع إمامتهم وأهليتهم للاختيار, كما كتب للأئمة الآخرين الموثقين. ومما يلقي ضوءًا على وجوب تقييد الاختيار بالأثر المروي, قول ابن خالويه "370هـ" في صدر كتابه الحجة: "وبعد, فإني تدبرت قراءة الأئمة السبعة من أهل الأمصار الخمسة المعروفين بصحة النقل، وإتقان الحفظ، المأمونين على تأدية الرواية واللفظ، فرأيت كلا منهم ذهب في إعراب ما انفرد به من حروفه مذهبًا من مذاهب العربية لا يدفع، وقصد من القياس وجهًا لا يمنع، فوافق باللفظ والحكاية طريق النقل والرواية، غير مؤثر للاختيار على واجب الآثار"3.

_ 1 التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن: 99. 2 الإبانة: 8. 3 الحجة لابن خالويه: 1.

وهذا يفسر لنا اختلاف الروايتين عن إمام واحد؛ فكل منهما اختار لنفسه قراءة تلقاها عن إمامه، غير خارجة عن الآثار، فاختيار القراء بذلك الوجه من اللغة حسبما قرأ به؛ فآثره على غيره، وداوم عليه، ولزمه حتى اشتهر عنه، وعرف به، وقصد فيه، وأخذ عنه؛ فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء، وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم, لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد1. لذلك كان أبو عمرو البصري -مثلًا- يقول: "لولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ, لقرأت كذا، وكذا"2. وكذلك روي عن ابن عامر أنه لم يتعد فيما ذهب إليه الأثر، ولم يقل قولًا يخالف فيه الخبر3, وكان نقله موافقًا - مع ذلك- القياس4. وقالوا عن حمزة: "إنه لم يقرأ حرفًا إلا بأثر5, كما قالوا عن غيرهم من الأئمة مثل يحيى بن سلام "200هـ" الذي كان له اختيار في القراءة من طريق الآثار6، ومثله القاسم بن سلام "224هـ" الذي وافق اختياره العربية والأثرة"7. وأنتهي إلى تسجيل هذه النتيجة وهي "أن ما كان من هذه الاختيارات مبينًا على التلقي والرواية، موافقًا للعربية، ورسم المصحف الإمام؛ أخذ به، وإلا رُدّ كما رُدّ اختيار كثير من الأئمة في النحو واللغة وعلوم القرآن".

_ 1 النشر: 1/ 52. 2 طبقات القراء: 1/ 290. 3 المصدر السابق: 1/ 425. 4 أحسن التقاسيم: 143. 5 طبقات القراء: 1/ 261. 6 المصدر السابق: 2/ 373. 7 طبقات القراء: 3/ 18.

الحقائق الكبرى في البحث

9- الحقائق الكبرى في البحث: وبعد, فيجمل بي أن ألخص الحقائق الكبرى التي وردت في غضون هذا البحث: أولًا: المراد بالمصحف, المصحف الإمام الذي أمر بكتابته سيدنا عثمان، وأجمع عليه الصحابة, عليهم الرضوان. ثانيًا: كانت المصاحف في عهد أبي بكر وعمر مشتملة على الأحرف السبعة التي أذن الله للأمة التلاوة بها؛ تيسيرًا عليها، فلما أن كتبت المصاحف العثمانية أصبحت التلاوة بما جاء في المصاحف التي كانت من قبل شاذة؛ لأنها شذت عن الإجماع الذي انعقد بالصحابة، ومن هنا شذت قراءة ابن شنبوذ. ثالثًا: المخالفة المردودة هي التي تخالف مصحف عثمان بزيادة عليه، أو نقص منه، أو تبديل فيه، ولو كان ذلك مما جاء في المصاحف القديمة. رابعًا: القراءات سنة متبعة، أساسها التلقي والرواية، وقد تليت ورويت قبل أن تكتب مصاحف عثمان، ثم تحرى الكَتَبَة في عهد عثمان هذه الروايات الثابتة بالتلقي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإذًا هي أصل والرسم فرع عنها تابع لها, لا كما يقول "جولدتسيهر" ومن تابعه من المحدثين من أن الرسم أصل لاختلاف القراءات بما خلا من النقط والشكل، وقد ناقشت رأيه، وبرهنت على خطله بالأدلة المستنبطة من طبيعة اللغة، وحقيقة الرواية. خامسًا: يجوز الاحتجاج على الأوجه الإعرابية بما جاء في مرسوم المصاحف في عهد أبي بكر وعمر؛ لأنها موثقة بالرواية الصحيحة، والسند المتصل, مع شذوذها في بعض ما جاء فيها مخالفًا المصاحف العثمانية. وقد فعل ذلك سيبويه، وكان على شريعة من الأمر. سادسًا: لا داعي إلى القول برسم المصحف في الاحتجاج فيما يغني عنه القياس, أو القول بالأثر؛ ليسد باب الشبهات التي يرمي بها الملحدون الإسلام والمسلمين في كتابهم الكريم، وهذا ما كان من أبي علي الفارسي "رحمه الله" في كتابه الحجة.

سابعًا: لا صلة بين مذاهب القراء في الإمالة ورسم المصحف؛ لما ذكرت من براهين في غضون هذا البحث. ثامنًا: جعل القراء رسم المصحف ركنًا من أركان القراءة الصحيحة, وهم يريدون المصحف الإمام بعد أن انتزعت المصاحف القديمة بما فيها من مخالفة لمصحف عثمان بالحذف, والتقديم, والتأخير. تاسعًا: الاختيار الصحيح في القراءة مقيد بأن يكون المختار من أهله، ووافق فيه اللفظ والحكاية طريق النقل والرواية، ورسم المصحف الإمام، وهو مردود إذا فقد شرطًا من هذه الشروط، والله أعلم.

ملاحق البحث

10- ملاحق البحث: الملحق الأول: قبسات من الإبانة في سبب اختلاف القراءة وفيه أُورد ما ذكره مكي بن أبي طالب في كتابه "الإبانة عن معاني القراءات"1 في سبب اختلاف القراءة فيما يحتمله خط المصحف. وسنرى مكيًّا يرجع ذلك إلى أن الصحابة -رضوان الله عليهم- قرءوا القرآن بما تلقوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلّمهم إياه، وكان الصحابي لا ينكر على أخيه قراءة تتخالف هي, وقراءته لقوله عليه الصلاة والسلام: "نزل القرآن على سبعة أحرف، كل شافٍ كافٍ". ولما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وتفرّق الصحابة في الأمصار، يفقّهون الناس في الدين، ويقرءونهم القرآن، أقرأ كل واحد منهم أهل مصره على ما كان يقرأ على عهد النبي، وعلى ما تلقاه عنه، فاختلفت قراءة أهل الأمصار على نحو ما اختلفت قراءة الصحابة الذين علموهم، وتلقوا عنهم. فلما وجهت إليهم المصاحف التي كتبها عثمان, وكانت خالية من النقط والشكل, قرأ أهل كل مصر مصحفهم على ما كانوا يقرءون قبل وصول المصاحف إليهم، وكانت قراءتهم متصلة السند بالصحابة الذين تلقوا عن الرسول ... إلى جانب أنها لا تختلف مع خط المصحف ... هذا هو التفسير الصحيح لاختلاف القراءات، ومن ذلك التفسير يتبين أن القراءات المتخالفة سابقة لرسم المصحف، وأن الصحابة ومن تلقى عنهم من أهل الأمصار قرءوا المصاحف التي وجهت إليهم على حسب ما تلقوه متصلًا سنده بالرسول، واختلفت قراءة أهل كل مصر عن الآخرين من أجل ذلك؛ لأنهم تخالفوا بسبب خلو المصاحف من النقط والشكل ... وإليك ما قاله مكي في هذا الموضوع، قال2: فإن سأل سائل: ما السبب الذي أوجب أن تختلف القراءة فيما يحتمل

_ 1 حقّقه المؤلف ونشرته مكتبة نهضة مصر، سنة 1379هـ, 1960م. 2 ص14.

خط المصحف، فقرءوا بألفاظ مختلفة في السمع والمعنى واحد, نحو: جذوة وجذوة وجذوة1, وقرءوا بألفاظ مختلفة في السمع وفي المعنى, نحو: يسيركم، وينشركم2, وكل ذلك لا يخالف الخط في رأي العين؟ فالجواب عن ذلك: أن الصحابة -رضي الله عنهم- كان قد تعارف بينهم من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك الإنكار على من خالفت قراءته قراءة الآخر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنزل القرآن على سبعة أحرف, فاقرءوا بما شئتم". ولقوله: "نزل القرآن على سبعة أحرف، كل شاف كاف". ولإنكاره -صلى الله عليه وسلم- على من تمارى في القرآن. والأحاديث كثيرة، سأذكر منها طرفًا في آخر هذا الكتاب, إن شاء الله. فكان كل واحد منهم يقرأ كما عُلِّم, وإن خالف قراءة صاحبه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا كما علمتم". وحديث عمر3 مع هشام بن حكيم4 مشهور، إذ تخاصم معه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في قراءة سمعه يقرؤها، فأنكرها عمر عليه، وقاده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ملبَّبًا بردائه5, فاستقرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- كل واحد منهما، فقال له: "أصبت"، ثم قال: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف, فاقرءوا بما شئتم". فكانوا يقرءون بما تعلموا، ولا ينكر أحد على أحد قراءته. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد وجّه بعضهم إلى البلدان؛ ليعلموا الناس القرآن والدين.

_ 1 في قوله تعالى: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [القصص: آية 29] . وقرأ عاصم: {جَذْوَةٍ} بفتح الجيم، وقرأ حمزة وخلف بضمها، والباقون بكسرها, وهي لغات ثلاث في الفاء كالرشوة والربوة. "إتحاف فضلاء البشر: 342". 2 في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس: آية 22] . قرأ ابن عامر وأبو جعفر: "ينشركم" من النشر ضد الطي أي: يفرقكم، والباقون {يُسَيِّرُكُمْ} أي: يحملكم على السير, ويمكنكم منه "الإتحاف: 248". 3 عمر بن الخطاب, ثاني الخلفاء الراشدين. 4 هشام بن حكيم صحابي, لم يترجم له ابن الجزري في طبقات القراء. 5 جمع ثيابه عند نحره, ثم جره مخاصما له.

ولما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج جماعة من الصحابة في أيام أبي بكر1 وعمر إلى ما افتُتح من الأمصار؛ ليعلموا الناس القرآن والدين، فعلم كل واحد منهم أهل مصره على ما كان يقرأ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فاختلفت قراءة أهل الأمصار على نحو ما اختلفت قراءة الصحابة الذين علّموهم. فلما كتب عثمان المصاحف وجّهها إلى الأمصار2 وحملهم على ما فيها، وأمرهم بترك ما خالفها، قرأ أهل كل مصر مصحفهم الذي وجه إليهم على ما كانوا يقرءون قبل وصول المصحف إليهم, مما يوافق خط المصحف، وتركوا من قراءتهم التي كانوا عليها ما يخالف خط المصحف، فاختلفت قراءة أهل الأمصار لذلك بما لا يخالف الخط، وسقط من قراءتهم كلهم ما يخالف الخط. ونقل ذلك الآخر عن الأول في كل مصر، فاختلف النقل لذلك، حتى وصل النقل إلى هؤلاء الأئمة السبعة على ذلك، فاختلفوا فيما نقلوا على حسب اختلاف أهل الأمصار، لم يخرج واحد منهم عن خط المصحف فيما نقل، كما لم يخرج واحد من أهل لأمصار عن خط المصحف الذي وجه إليهم. فلهذه العلة اختلفت رواية القراء فيما نقلوا، واختلفت أيضًا قراءة من نقلوا عنه لذلك. واحتاج كل واحد من هؤلاء القراء أن يأخذ مما قرأ ويترك؛ فقد قال نافع: قرأت على سبعين من التابعين، فما اجتمع عليه اثنان أخذته، وما شك فيه واحد تركته, حتى اتبعت هذه القراءة. وقد قرأ الكسائي على حمزة، وهو يخالفه في نحو ثلاثمائة حرف؛ لأنه قرأ على غيره3، فاختار من قراءة حمزة ومن قراءة غيره قراءة، وترك منها كثيرًا. وكذلك أبو عمرو قرأ على ابن كثير، وهو يخالفه في أكثر من ثلاثة آلاف حرف؛ لأنه قرأ على غيره4، واختار من قراءته ومن قراءة غيره قراءة. فهذا سبب الاختلاف الذي سألت عنه.

_ 1 أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أول الخلفاء الراشدين "رضوان الله عليهم أجمعين". 2 البصرة، والكوفة، ومكة، والشام، واليمن، والبحرين، وأمسك لنفسه مصحفًا الذي يقال له: الإمام "النشر: 1/ 8". 3 الإبانة عن معاني القراءة لمكي ص55، المكتبة الفيصلية. 4 المصدر السابق ص55.

الملحق الثاني: مقتبسات تتصل بموضوعات البحث من الإبانة

الملحق الثاني: مقتبسات تتصل بموضوعات البحث من الإبانة وأورد فيه أسئلة ثلاثة ذكرها مكي بن أبي طالب في كتاب "الإبانة" وأجاب عنها ... وهذه الأسئلة وأجوبتها تتصل بموضوع هذا الكتاب الاتصال الوثيق. وها هي ذي الأسئلة الثلاثة: ما الذي يقبل من القراءات الآن فيقرأ به؟ وما الذي لا يقبل، ولا يقرأ به1؟ وما الذي يقبل ولا يقرأ به؟ قال مكي في الإجابة عن هذه الأسئلة: إن جميع ما روي من القراءات, على ثلاثة أقسام: 1- قسم يقرأ به اليوم، وذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال، وهي: أ- أن ينقل عن الثقات إلى النبي, صلى الله عليه وسلم. ب- ويكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن شائعًا. جـ- ويكون موافقًا لخط المصحف. فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث قرئ به، وقطع على مغيبه وصحته وصدقته؛ لأنه أخذ عن إجماع من جهة موافقته لخط المصحف، وكفر من جحده. 2- والقسم الثاني: ما صح نقله في الآحاد، وصح وجهه في العربية، وخالف لفظه خط المصحف. فهذا يقبل، ولا يقرأ به لعلتين: إحداهما: أنه لم يؤخذ بإجماع، إنما أخذ بأخبار الآحاد، ولا يثبت قرآن يقرأ به بخبر الواحد.

_ 1 الإبانة: ص18.

والعلة الثانية: أنه مخالف لما قد أجمع عليه، فلا يقطع على مغيبه وصحته، وما لم يقطع على صحته لا تجوز القراءة به، ولا يكفر من جحده, وبئس ما صنع إذ جحده. 3- والقسم الثالث: هو ما نقله غير ثقة، أو نقله ثقة, ولا وجه له في العربية. فهذه لا يقبل وإن وافق خط المصحف. ولكل صنف من هذه الأقسام تمثيل تركنا ذكره اختصارًا1. وقد قال إسماعيل القاضي في كتاب القراءات له: إن عمر بن الخطاب قرأ: "غير المغضوب عليهم وغير الضالين"2. قال: وهذا -والله أعلم- ما جاء: أن القرآن أنزل على سبعة أحرف. ثم قال إسماعيل: لأن هذا -وإن كان في الأصل جائزًا- فإنه إذا فعل ذلك رغب في اختيار أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- حين اختاروا أن يجمعوا الناس على مصحف واحد؛ مخافة أن يطول بالناس زمان، فيختلفوا في القرآن. ثم قال إسماعيل: فإذا اختار الإنسان أن يقرأ ببعض القراءات التي رويت مما يخالف خط المصحف, صار إلى أن يأخذ القراءة برواية واحد عن واحد، وترك ما تلقته الجماعة عن الجماعة، والذين هم حجة على الناس كلهم, يعني خط المصحف. قال إسماعيل: وكذلك ما روي من قراءة ابن مسعود, وغيره ليس لأحد أن يقرأ اليوم به, يعني مما يخالف خط المصحف من ذلك3.

_ 1 تمثيل لقراءة صح نقلها في الآحاد وصح وجهها في العربية، وخالف لفظها خط المصحف, كقراءة عمر بن الخطاب: "غير المغضوب عليهم وغير الضالين". تمثيل ما نقله غير ثقة: "ذلك الكتاب لا زيت فيه" "انظر الفهرست لابن النديم". تمثيل ما نقله ثقة ولا وجه له في العربية, وإن وافق خط المصحف, كإسكان {بَارِئِكُمْ} ، و {يَأْمُرُكُمْ} ونحوه "انظر النشر: 1/ 10". 2 سورة الفاتحة: آية 7. 3 مثل قراءة ابن مسعود: "إن الله لا يظلم مثقال نملة". "انظر المصاحف للسجستاني: 54".

قال إسماعيل: لأن الناس لا يعلمون أنها قراءة عبد الله، وإنما هي شيء يرويه بعض من يحمل الحديث, يعني: أن ما خالف خط المصحف من القراءات فإنما يؤخذ بأخبار الآحاد، وكذا ما وافق خط المصحف الذي هو يقين إلى ما يخالف خطه, مما لا يقع على صحته. قال إسماعيل: فإن جرى شيء من ذلك على لسان من غير أن يقصد له, كان له في ذلك سعة، إذا لم يكن معناه يخالف معنى خط المصحف المجمع عليه. ويدخل ذلك في معنى ما جاء: أن القرآن أنزل على سبعة أحرف. قلت: فهذا كله من قول إسماعيل يدل على أن القراءات التي وافقت خط المصحف هي من السبعة الأحرف كما ذكرنا، وما خالف خط المصحف أيضًا هو من السبعة إذا صحت روايته ووجهه في العربية، ولم يضاد معنى خط المصحف, لكن لا يقرأ به؛ إذ لا يأتي إلا بخبر الآحاد، ولا يثبت قرآن بخبر الآحاد، وإذ هو مخالف للمصحف المجمع عليه. فهذا الذي نقول به ونعتقده، وقد بيناه كله.

الملحق الثالث: أمثلة لاختلاف القراءة في سورة الحمد من الإبانة لمكى بن أبي طالب القيسى

الملحق الثالث: أمثلة لاختلاف القراءة في سورة الحمد من الإبانة لمكى بن أبي طالب القيسى وأورد فيه ما ذكره مكي بن أبي طالب من أمثلة لاختلاف القراء في سورة الفاتحة، وقد جعل ذلك في ثلاثة أقسام: قسم ذكر فيه اختلاف القراء السبعة مما يقرأ به, ويوافق الخط. وقسم ثانٍ ذكر فيه اختلاف الأئمة المشهورين غير السبعة في سورة الحمد, مما يوافق المصحف ويقرأ به. وقسم ثالث ذكر فيه اختلاف الأئمة المشهورين غير السبعة في سورة الحمد, مما يخالف خط المصحف, فلا يقرأ به. والحديث عن هذه الأقسام قوي الصلة بموضوع هذا البحث كما ترى. وإليك ما أورده مكي من التمثيل لهذه الأقسام: أولًا: ذكر اختلاف القراء السبعة المشهورين في سورة الحمد، مما قرأت به، ويوافق الخط 1: قرأ عاصم والكسائي: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بألف. وقرأ باقي القراء: "ملك" بغير ألف. وقرأ ابن كثير في رواية قنبل2 عنه: "السراط" و"سراط" بالسين. وقرأه حمزة في رواية خلف3 عنه: {الصِّرَاطَ} بين الصاد والزاي.

_ 1 الإبانة: ص73. 2 هو محمد بن عبد الرحمن أبو عمر المخزومي, مولاهم المكي الملقب بقنبل, شيخ القراء بالحجاز. ولد سنة خمس وتسعين ومائة، وأخذ القراءة عرضًا عن أحمد بن محمد بن عون النبال، وهو الذي خلفه في القيام بها بمكة, روى القراءة عن البزي، وممن روى عنه أحمد بن موسى بن مجاهد، واختلف في سبب تلقيبه قنبلًا، فقيل: اسمه، وقيل: لأنه من بيت بمكة يقال لهم: القنابلة، وقيل: لاستعماله دواء يقال له: قنبيل فلما أكثر منه عرف به، وحذفت الياء تخفيفًا, وقد انتهت إليه رياسة الإقراء بالحجاز, مات سنة إحدى وتسعين ومائتين عن ست وتسعين سنة "طبقات القراء: 2/ 166". 3 هو خلف بن هشام أبو محمد الأسدي, أحد القراء العشرة، وأحد الرواة عن سليم عن حمزة. ولد سنة خمس ومائة، ومات سنة تسع وعشرين ومائتين ببغداد "طبقات القراء: 1/ 272-274".

وقرأ ذلك باقي القراء بالصاد خالصة. قرأ حمزة: "عليهُم" بضم الهاء. وكسرها باقي القراء. قرأ ابن كثير والحواني1 عن قالون2 عن نافع: "عليهمُ" بضم الميم، ويصلانها بواو في الوصل خاصة. وأسكنها باقي القراء. قرأ أبو عمرو: "الرحيم مّلك" بالإدغام. باقي القراء بالإظهار. فهذا ما اختلف فيه القراء السبعة المشهورون في هذه السورة مما قرأت به. ثانيًا: ذكر اختلاف الأئمة المشهورين غير السبعة في سورة الحمد مما يوافق المصحف، ويقرأ به: ولما قرأ به إبراهيم بن أبي عبلة3: "الحمد لله" بضم اللام الأولى. وقرأ الحسن البصري4: "الحمدِ لله" بكسر الدال. وفي القراءتين بعد في العربية، ومجازها الإتباع. قرأ أبو صالح5: "مالكَ يوم الدين" بألف، والنصب على النداء.

_ 1 هو أحمد بن يزيد بن أزداذ الأستاذ أبو الحسن الحلواني, إمام كبير عارف صدوق متقن ضابط, خصوصًا في قالون وهشام. توفي سنة نيف وخمسين ومائتين "طبقات القراء: 149". 2 قالون هو عيسى بن مينا بن وردان. 3 اسمه شمر بن يقظان الشامي الدمشقي, ثقة تابعي, أخذ القراءة عن أم الدرداء الصغرى هجيمة بنت يحيى الأوصابية، وروى عنه مالك بن أسن وخلق. توفي سنة ثلاث وخمسين ومائة "طبقات القراء: 1/ 19". 4 هو الحسن بن أبي الحسن يسار, أبو سعيد البصري. وروى عنه أبو عمرو بن العلاء، توفي سنة 110 عن تسعين سنة "طبقات القراء: 1/ 235". 5 هو محمد بن عمير بن الربيع, أبو صالح الهمذاني الكوفي القاضي, مقرئ عارف بحرف حمزة. طال عمره وبقي إلى حدود عشر وثلاثمائة.

وكذلك قرأ محمد بن السميفع اليماني1، وهي قراءة حسنة. وقرأ شريح بن يزيد الحضرمي أبو حيوة2: "ملكَ يوم الدين" بالنصب على النداء من غير ألف. وقرأ علي بن أبي طالب: "ملَكَ يومَ الدين" بنصب اللام والكاف، ونصب "يوم" جعله فعلًا ماضيًا. وروى عبد الوارث3 عن أبي عمرو أنه قرأ: "ملْك يوم الدين" بإسكان اللام والخفض، ولم أقرأ بذلك له، وهي قراءة منسوبة إلى عمر بن عبد العزيز, رضي الله عنه. قرأ عمر بن فايد الأسواري4: "إيَاك نعبد وإيَاك نستعين" بتخفيف الياء فيهما. وقد كره ذلك بعض المتأخرين لموافقته لفظه لفظ إيا الشمس، وهو ضياؤه. وقرأ يحيى بن وثاب5: "نِستعين" بكسر النون، وهي لغة6 مشهورة حسنة. وروى الخليل بن أحمد7 عن ابن كثير أنه قرأ: "غيرَ المغضوب" بالنصب, ونصبه حسن على الحال، أو على الاستثناء، أو على الصفة من {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} .

_ 1 هو محمد بن عبد الرحمن, كان من أفصح العرب. قرأ على أبي حيوة شريح بن يزيد, وقيل: إنه قرأ على نافع "طبقات القراء: 2/ 162". 2 الحمصي مقرئ الشام وهو والد حيوة بن شريح الحافظ، روى القراءة عن الكسائي، مات سنة 203 "طبقات القراء: 325". 3 هو عبد الوارث بن سعيد بن العنبري مولاهم البصري، إمام حافظ مقرئ ثقة, ولد سنة 102 وعرض القرآن على أبي عمرو، ومات 180هـ. 4 هو عمر بن عيسى بن فايد البغدادي, روى القراءة عرضًا عن إدريس الحداد "انظر طبقات القراء: 1/ 195". 5 يحيى بن وثاب الأسدي مولاهم الكوفي, تابعي ثقة كبير من العباد الأعلام، وكان حسن القراءة, مات سنة 103 "طبقات القراء: 20/ 380". 6 وهي لغة قيس وتميم وأسد وربيعة "انظر البحر المحيط: 23". 7 الخليل بن أحمد أبو عبد الرحمن الفراهيدي الأزدي البصري النحوي, الإمام المشهور صاحب العروض وكتاب العين. مات سنة 170 "طبقات القراء: 1/ 275", وانظر إعراب "غيرَ" بالنصب على ما رواه الخليل "في البحر المحيط: 1/ 29".

قرأ أيوب السختياني1: "ولا الضأَلين" بهمزة مفتوحة في موضع الألف, هَمَز وحرَّك لالتقاء الساكنين، وهو قليل في كلام العرب2. وهذا كله موافق لخط المصحف، والقراءة به ممن رواه عن الثقات جائزة؛ لصحة وجهه في العربية، وموافقته الخط إذا صح نقله. ثالثًا: ذكر اختلاف الأئمة المشهورين غير السبعة في سورة الحمد مما يخالف خط المصحف، فلا يقرأ به اليوم قرأ أبو هريرة.3: "مليك يوم الدين" بياء بين اللام والكاف، وهو معنى حسن؛ لأنه بناء للمبالغة، فهو أبلغ في الوصف والمدح من: "ملك" ومن {مَالِكِ} . قرأ ابن السوار4 الغنوي: "هياك نعبد وهياك نستعين" بالهاء في موضع الهمزة، وهي لغة قليلة، أكثر ما تقع في الشعر. روى الأصمعي5 عن أبي عمرو6 أنه قرأ: "الزراط" بزاي خالصة، وهو حسن في العربية.

_ 1 الأصل السجستاني, ولم يرد في طبقات القراء سجستاني اسمه أيوب. وقد أورد ابن الجزري أيوب السختياني من القراء "انظر طبقات القراء: 1/ 322" كما أورده بهذا اللقب في النشر: 1/ 47، عند نقله كلام مكي في الإبانة. 2 قال ابن الجزري في كتابه النشر: "كذا اقتصر مكي على نسبة هذه القراءات لمن نسبها إليه، وقد وافقهم عليها غيرهم، وبقيت قراءات أخرى عن الأئمة المشهورين في الفاتحة توافق خط المصحف، وحكمها حكم ما ذكر. ذكرها الإمام الصالح الولي أبو الفضل الرازي في كتاب اللوامع له, وأورد ابن الجزري ما ذكره الرازي" "انظر النشر: 1/ 47 و48". 3 هو عبد الرحمن بن صخر أبو هريرة الدوسي الصحابي الكبير, أخذ القرآن عرضًا عن أبي بن كعب، وإليه تنتهي قراءة أبي جعفر ونافع، توفي سنة سبع وقيل: سنة ثمانٍ وله ثمانٍ وسبعون سنة. "طبقات القراء: 1/ 470". 4 في الأصل أبو البرار, والتصويب من البحر المحيط: 1/ 23. 5 هو عبد الملك بن قريب أبو سعيد الأصمعي الباهلي البصري, إمام اللغة وأحد الأعلام فيها وفي العربية والشعر والأدب. روى القراءة عن نافع وأبي عمرو والكسائي, مات سنة 215 عن إحدى وتسعين سنة "طبقات القراء: 1/ 470". 6 هو أبو عمرو بن العلاء, أحد القراء السبعة.

قرأ الحسن البصري1: "اهدنا صراطًا مستقيمًا" منونتين من غير ألف ولام فيهما, وبذلك قرأ الضحاك2, وهو معنى حسن لولا مخالفته للمصحف. قرأ جعفر بن محمد رضي الله عنه: "اهدنا صراطَ المستقيمِ" بإضافة {الصِّرَاطَ} إلى {الْمُسْتَقِيمَ} من غير ألف ولام في الصراط, وهو جائز في العربية كدار الآخرة. قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "صراط مَنْ أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين" فجعل "من" في موضع {الَّذِينَ} و"غير" في موضع {لَا} , وهو في المعنى حسن كالذي قرأ الجماعة في المعنى، وهو مروي أيضًا عن أبي بكر رضي الله عنهما. قرأ ابن مسعود3: "أرشدنا الصراط" في موضع {اهْدِنَا} والمعنى واحد. قرأ ثابت البناني4: "بصِّرنا الصراط" في موضع {اهْدِنَا} والمعنى واحد. قرأ ابن الزبير5: "صراط مَنْ أنعمت عليهم" مثل قراءة عمر في هذا الحرف وحده. قلت: وهذا الاختلاف الذي يخالف خط المصحف وما جاء منه، مما هو زيادة على خط المصحف، أو نقصان من خط المصحف، وتبديل لخط المصحف -وذلك كثير جدا- هو الذي سمع حذيفة في المغازي، وسمع رد الناس بعضهم على بعض، ونكير بعضهم لبعض، فجرّأه ذلك على إعلام عثمان رضي الله عنه، وهو الذي حَدَا عثمان على جمع الناس على مصحف واحد؛ ليزول ذلك الاختلاف فافهمه.

_ 1 هو الحسن بن أبي الحسن يسار أبو سعيد البصري, إمام زمانه علمًا وعملًا، روى عنه أبو عمرو بن العلاء وغيره. ولد سنة إحدى وعشرين, توفي سنة عشر ومائة. "طبقات القراء: 1/ 315". 2 وكذلك قرأها عن الحسن, زيد بن علي ونصر بن علي, كقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ, صِرَاطِ اللَّهِ} "البحر المحيط: 1/ 26". والضحاك هو ابن مزاحم التابعي, سمع سعيد بن جبير، توفي سنة 105هـ "انظر طبقات القراء: 1/ 337". 3 هو عبد الله بن مسعود. 4 هو ثابت بن أسلم أبو محمد البناني المصري، وردت عنه الرواية في حروف من القرآن العظيم، توفي سنة سبع وعشرين ومائة "طبقات القراء: 1/ 188". 5 هو عبد الله بن الزبير بن العوام.

قال أبو محمد: فهذا لا يجوز اليوم لأحد أن يقرأ به؛ لأنه إنما نُقل إلينا بخبر الواحد عن الواحد، ولا يقطع على صحة ذلك ولا على غيبه, وهو مخالف لخط المصحف الذي عليه الإجماع، ويقطع على صحته وعلى غيبه، فخط المصحف أولى؛ لأنه يقين والخبر غير يقين، فلا يحسن أن ينتقل عن اليقين إلى غير يقين. وقد بيّنّا هذا من قول إسماعيل القاضي وغيره. فهذا المثال من الاختلاف الثالث هو الذي سقط العمل به من الأحرف السبعة, التي نص عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو الأكثر في القرآن عن الاختلاف. وإنما قرئ بهذه الحروف التي تخالف المصحف قبل جمع عثمان -رضي الله عنه- الناس على المصحف، فبقي ذلك محفوظًا في النقل, غير معمول به عند الأكثر؛ لمخالفته للخط المجمع عليه.

الملحق الرابع: دفع شبهات أثارها المغرضون

الملحق الرابع: دفع شبهات أثارها المغرضون وأرجو أن أدفع في هذا الملحق بعض الشبهات التي أثارها المغرضون حول كتابة المصحف، واتخذوها دليلًا لهم على وقوع اللحن في القرآن، ووسيلة إلى الطعن في كتاب الله. أثاروا هذا حول ما رواه سعيد بن جبير من أنه قال: في القرآن أربعة أحرف لحنا: "والصابئون"1، {وَالْمُقِيمِينَ} 2، {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} 3، "وإنّ هذان لساحرانِ"4. كما أثاروا نحو ذلك حول ما يروى من أنه "لما فرغ من المصحف أتي به عثمان فنظر فيه فقال: قد أحسنتم، وأجملتم، أرى فيه شيئًا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها"5. وهذه الشبهات التي أثاروها مردودة بأمور: أولًا: المعنى اللغوي لكلمة اللحن. فاللحن: اللغة، والقراءة. قال عمر رضي الله عنه: "إنا لنرغب عن كثير من لحن أُبي"، يعني: لغة أبي6. وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: "أُبي أقرأنا، وإنا لندع بعض لحنه" أي: قراءته7. ثانيًا: قياس العربية يصحح تلاوة هذه الكلمات بما رسمت به. أ- فلا خطأ في قراءة {وَالصَّابِئُونَ} بالرفع كما رسمت في المصاحف, فالصابئون رفع على الابتداء، وخبره محذوف، والنية به التأخير عما في حيز إن

_ 1 في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى} سورة 5، آية 69. 2 في قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} سورة 4، آية 162. 3 سورة 63، آية 10 في قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} . 4 سورة 20، آية 63. 5 المصاحف لأبي داود السجستاني: 32. 6 المصاحف: 32. 7 المقنع للداني: 128.

من اسمها وخبرها كأنه قيل: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا, والصابئون كذلك1. وأنشد سيبويه شاهدًا له: وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق2 أي: فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك. ومثله: فإني وقيار بها لغريب. أي: فإني لغريب وقيار بها كذلك3. ب- أما قراءة {وَالْمُقِيمِينَ} بالياء, فلها وجه من سنن العربية والتوجيه الإعرابي؛ فهو منصوب على المدح بتقدير: أعني المقيمين؛ وذلك لأن العرب تنصب على المدح عند تكرار العطف والوصف. قال الخرنق: لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة، وآفة الجزر النازلون بكل معترك ... والطيبين معاقد الأرز فنصب الطيبين على المدح، فكأنها قالت: أعني الطيبين4. قال الشاعر: إلى الملك القرم، وابن الهمام ... وليث الكتيبة في المزدحم وذا الرأي حين تغم الأمور ... بذات الصليل، وذات اللجم5 فنصب ذا الرأي على المدح6. قالوا: والعرب تفعل ذلك في صفة الشيء الواحد ونعته؛ إذا تطاولت بمدح

_ 1 تفسير الكشاف: 1/ 354. 2 الكتاب: 1/ 290. 3 انظر إعراب القرآن للعكبري: ص124. 4 الإنصاف في مسائل الخلاف: ص276. 5 القرم: المعظم, والمزدحم: ميدان القتال حيث يزدحم الشجعان. تغم الأمور: تظلم. الصليل: صوت الحديد. وذات الصليل: كتيبة من الرجالة يصل حديد سلاحها. وذات اللجم: كتيبة من الفرسان. 6 الإنصاف في مسائل الخلاف: 276، وتفسير الطبري: 2/ 353.

أو ذم؛ خالفوا بين إعراب أوله وأوسطه أحيانًا، ثم رجعوا بآخره إلى إعراب أوله, وربما أجروا إعراب آخره على إعراب أوسطه، وربما أجروا ذلك على نوع واحد من الإعراب1. وقد يكون موضع المقيمين في الإعراب خفضا على "ما" التي في قوله: {يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} , ويؤمنون بالمقيمين الصلاة2, والمقيمون الصلاة هم الملائكة، قالوا: وإقامتهم الصلاة تسبيحهم ربهم واستغفارهم لمن في الأرض. فمعنى الكلام: والمؤمنون بما أنزل إليه وما أنزل من قبلك، وبالملائكة3. جـ- وأما قراءة: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} بجزم "أكن" فله وجه من الإعراب، ذلك أنه محمول على المعنى, والتقدير: إن أخرتني أكن4. د- وأما "إنّ هذان لساحران" فلا يلتفت لطعن الطاعن فيها؛ فهي قراءة متواترة قرأ بها نافع، وابن عامر، وأبو بكر، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، ويعقوب، وخلف5، على أن لها وجهًا فصيحًا في العربية، ذلك هو إلزام المثنى الألف في جميع حالاته، ومنه قول الشاعر العربي: واها لسلمى ثم واها واها ... يا ليت عيناها لها وفاها وموضع الخلخال من رجلاها ... بثمن يرضى به أباها إن أباها، وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها وهذه لغة بني الحارث بن كعب، وقبائل أخر6. وثالث الأمور التي نرد بها طعن الطاعنين: مكانة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- من الحفاظ على كتاب الله، ومحله من الدين، ومكانه من الإسلام، وشدة اجتهاده في بذل النصيحة. فهل يعقل أن يرى عثمان في المصحف لحنًا وخطأ ثم يتركه؛ ليتولى من يأتي بعده تغييره؟!

_ 1 تفسير الطبري: 9/ 395، وإعراب القرآن للعكبري: 1/ 113. 2 انظر الإنصاف: 277، وتفسير الطبري: 9/ 396. 3 تفسير الطبري: 9/ 396، وانظر تفسير الكشاف: 1/ 313. 4 إعراب القرآن للعكبري: 2/ 138، وانظر تفسير الكشاف: 4/ 103. 5 إتحاف فضلاء البشر: 304. 6 شرح الأشموني: 1/ 143.

عثمان الذي تولى جمع المصحف مع سائر الصحابة الأخيار، وتحرى في ذلك الدقة والأمانة وكمال الضبط؛ رغبة منه في جمع الأمة على مصحف إمام، فلا يقع اختلاف في القرآن بينهم.... عثمان الذي هذا شأنه يرى في كتاب الله ثلمة فيتركها ليسدها من بعدها؟ ثم، ما هذا التناقض الظاهر بين صدر النص: أحسنتم وأجملتم, وآخره: أرى فيه شيئًا من لحن ... كيف يصف نساخ المصحف بالإحسان والإجمال أولًا.... ثم يصف المصحف الذي نسخوه بأن فيه لحنًا....؟ هل يقال للذين لحنوا في المصحف: أحسنتم وأجملتم؟! 1 ألا إن مكانة عثمان ... والاضطراب بين صدر النص وعجزه, كل هذا يدعونا إلى الاعتقاد بأن صدور ذلك عن عثمان أمر بعيد عنه، مدسوس عليه.

_ 1 انظر المقنع للداني: 124؛ ومناهل العرفان: 380.

الملحق الخامس: هل يلتزم رسم المصحف العثماني

الملحق الخامس: هل يلتزم رسم المصحف العثماني؟ هذا سؤال أجاب عنه بعض العلماء بالإيجاب، موجبين التزام الرسم العثماني الذي جاء في المصحف الإمام، ورأوا أنه لا بد من اتباعه والتقيد به. وهناك فريق آخر رأى أنه يجوز كتابة المصحف بالرسوم الإملائية المعروفة للناس. ولزيادة الشرح والإيضاح، أقول: إن الفريق الأول يرى -مثلًا- وجوب كتابة الكلمات الآتية كما وردت برسمها الآتي في المصحف الإمام: "ولا تقولن لشايء إني فاعل ذلك غدًا"1 بالكهف2. "وأصحب لئيكة"3 في سورة ص4. "وإيتائ ذي القربى"5 في النحل6. "بأييكم المفتون"7 في سورة "ن"8. "والسماء بنينها بأييد"9 بالذاريات10. "سأوريكم ءايتي فلا تستعجلون"11 بالأنبياء12. "ولأوضعوا خللكم"13 في براءة14. يرى هذا الفريق التزام هذا الرسم، ويسوقون حججًا لما يرون؛ منها أن للرسم العثماني أسرارًا، فزيادة الياء -مثلًا- في رسم كلمة "أييد" من قوله تعالى: {والسماء بنينها بأييد} يفسرها ما جاء في البرهان للزركشي: "إنما

_ 1 شرح تلخيص الفوائد: 56. 2 آية: 23. 3 شرح تلخيص الفوائد: 75. 4 آية: 13. 5 شرح تلخيص الفوائد: 68. 6 آية: 90. 7 شرح تلخيص الفوائد: 68. 8 آية: 6. 9 شرح تلخيص الفوائد: 68. 10 آية: 47. 11 شرح تلخيص الفوائد: 70. 12 آية: 37. 13 شرح تلخيص الفوائد: 29. 14 آية: 47.

كتبت "بأييد" بياءين فرقًا بين "الأيد" الذي هو القوة، وبين الأيدي "جمع" "يد". ولا شك أن القوة التي بنى الله بها السماء هي أحق بالثبوت في الوجود من الأيدي، فزيدت الياء لاختصاص اللفظة بمعنى أظهر ... "1. وزيادة الألف في: "لَأَاْذْبَحَنَّهُ"2 "وَلَأَوْضَعُوا خِللَكُمْ"3 للتنبيه على أن المؤخر أشد في الوجود من المقدم عليه لفظًا؛ فالذبح أشد من العذاب4، والإيضاع أشد فسادًا من زيادة الخبال5. وحذف الواو من قوله: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ} 6، {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} 7 للدلالة على سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل، وشدة قبول المنفعل المتأثر به في الوجود8. - فعدم التزام الرسم عند هذا الفريق يضيع لمح هذه الأسرار، إلى أن هذا الرسم توفيقي، وما دام كذلك فلا تجوز مخالفته. - ويستشهد هذا الفريق كذلك بقول إمامين جليلين من أئمة المذاهب: فقد سئل الإمام مالك: هل يكتب المصحف على ما أحدث الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى. والإمام أحمد بن حنبل يقول: "تحرم مخالفة خط عثمان في ياء أو ألف أو واو أو غيره"9. - ويقول هذا الفريق: إن الرسم العثماني يدل على القراءات المتنوعة في الكلمة الواحدة، ولتوضيح رأيهم هذا أسوق المثل الآتي: رسمت: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ} 10 هكذا: "يكاد السموات ييفطران" من غير ضبط ولا نقط، فهي برسمها هكذا تحتمل قراءة نافع والكسائي بالياء: "يكاد السموات".

_ 1 البرهان في علوم القرآن للزركشي: 1/ 387. 2 سورة النمل: آية: 21. 3 سورة التوبة: آية 47. 4 في قوله: {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} . 5 في قوله: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} ، وانظر البرهان 1/ 381. 6 سورة الإسراء: آية 11. 7 سورة الشورى: آية 24. 8 مناهل العرفان: 368. 9 المحكم: 15. 10 سورة مريم: آية 90، والشورى: آية 5.

كما تحتمل قراءة الباقين من السبعة بالتاء: {تَكَادُ} ، وقراءة حفص والكسائي: "تتفطّرن" بالتاء، وفتح الطاء مشددة. وقراءة الباقين بالنون وكسر الطاء مخففة1. ويمضي هذا الفريق المحافظ إلى آخر الشوط، فيكره نقط المصاحف، ورووا عن الإمام مالك أنه قال: "جردوا القرآن، ولا تخلطوه بشيء". أو قال: "ولا تخلطوا به ما ليس منه، إني أخاف أن يزيدوا في الحروف وينقصوا"2. كما كره هذا الفريق -كذلك- ذكر أسماء السور، ورسم فواتح السور، وعدد آيها، قال أبو بكر السراج: قلت لأبي رزين: أأكتب في مصحفي سورة كذا وكذا؟ قال: إني أخاف أن ينشأ قوم لا يعرفونه, فيظنوا أنه من القرآن. كما كره بعضهم أن يذكر خاتمة سورة كذا3 وكرهوا التعشير4، والتفصيل5، وكان عبد الله بن مسعود يحك التعشير من المصحف6. وقد أُثيرت هذه المسألة في زماننا، وكان للجنة الفتوى بالأزهر إسهام فيها؛ إذ رأت الوقوف عند المأثور من كتابة المصحف وهجائه، واحتجت لما رأته: "بأن القرآن كتب في عهد النبي برسم كتبت به مصاحف عثمان. واستمر المصحف مكتوبًا بهذا الرسم في عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والأئمة المجتهدين في عصورهم المختلفة، ولم ينقل عن أحد من هؤلاء جميعًا أنه رأى تغيير هجاء المصحف عما رسم به أولًا إلى تلك القواعد التي حدثت في عهد ازدهار التأليف في البصرة والكوفة ... "7. ورأى حفني ناصف -عليه رحمة الله- وجوب المحافظة على الرسم العثماني؛ "لمعرفة القراءة المقبولة والمردودة, وفي المحافظة احتياط شديد لبقاء القرآن على أصله لفظًا وكتابة، فلا يفتح فيه باب الاستحسان"8.

_ 1 التيسير: 150. 2 المحكم: 10, 11. 3 المحكم: 17. 4 التعشير: وضع علامة بعد كل عشر آيات من القرآن. 5 التفصيل: تفصيل ما جاء موجزًا في القرآن، وذلك بإثبات المحذوف إيجازًا بين الكلم "المحكم: 15". 6 المحكم: 14. 7 انظر مجلة الرسالة: العدد 216، سنة 1937. 8 ملخص من مجلة المقتطف: يوليو "تموز" سنة 1933م.

هذا مجمل لما رآه الفريق المحافظ المتحفظ. ولمخالف هذا الفريق أن يقول: إنه لا سر في زيادة الألف في "لأاذبحنه" والياء في "بأييد" ... إلخ, بل إن ما قاله الفريق المحافظ من الأسرار في ذلك ضرب من التكلف في التأويل، وإلا فما السر في زيادة الألف في "ملاقوا ربهم" "بنوا إسرائيل" "أولوا الألباب" وزيادة الياء في "نبإي المرسلين" "آناءي الليل" ... إن ما في الرسم العثماني من زيادات, أو حذف لم يكن توقيفا أوحي به من الله على رسوله ... ولو كان كذلك لآمنا به وحرصنا عليه، بل إن هذا الفريق ليذهب إلى ما هو أبعد من ذلك؛ فيرى أن هذا الرسم بما فيه من زيادات أو حذف أو غيرها هو خطأ من الكتاب. "فقد كان الخط العربي لأول الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الإحكام والإتقان والاجادة، ولا إلى التوسط لمكان العرب من البداوة والتوحش وبعدهم عن الصنائع، وانظر ما وقع لأجل ذلك في رسمهم المصحف حيث رسمه الصحابة بخطوطهم، وكانت غير مستحكمة في الإجادة, فخالف الكثير من رسومهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند أهلها"1. ثم إذا كان الفريق المحافظ يرى التزام الرسم العثماني؛ احتياطًا لبقاء القرآن على أصله لفظًا وكتابة، فإن للفريق الآخر أن يقول: إننا نرى رسم المصحف بالإملاء المعاصر؛ حتى يقرأ القرآن صحيحًا، ويحفظ صحيحًا ... إن الطلبة في المدارس ... والمتعبدين -من غير توقيف- بتلاوة القرآن من عامة الناس إذا قرءوا القرآن مرسومًا بالرسم العثماني، فإنهم يقعون في الخطأ والتحريف. أما إذا قرءوه مرسومًا بالرسم الذي تعارف عليه الناس؛ فإن ألسنتهم تسلم من التحريف والتبديل ... وخذ مثلًا الآيات الكريمة الآتية برسمها العثماني:

_ 1 مقدمة ابن خلدون ص419، ط مصطفى محمد.

"من نّبإِيْ المرسلين"1. "من تلقائ نفسي"2. "بأييكم المفتون"3. "لا يايْئَس من روح الله"4. "ونئا بجانبه"5. إن القارئ الذي تعوّد قراءة الصحف والمجلات في زماننا بالرسم الإملائي, إذا أراد أن يقرأ الآيات السابقة -ولم يكن لها حافظًا- فإن قراءته ستتخالف مع التنزيل الموحى به من عند الله. والحق أن كلا من الفريقين يريد بما ذهب إليه الحفاظ على كتاب الله، وصونه من التغيير: من أراد التزام الرسم العثماني، ومن أراد التحرر منه في بعض الحالات، ولكل وجهة هو موليها ... وكل يستبق الخيرات ... والرأي عندي: كتابة القرآن للعامة بالرسم الإملائي الذي يتعارف عليه الناس؛ ولكن ليس معنى ذلك إهمال الرسم العثماني؛ بل يبقى أثرًا عن أسلافنا الصالحين، يدرسه المتوفرون على البحث العلمي، ويقرؤه الحافظون لكتاب الله الذين يأمنون التغيير والتحريف. وللتدليل على هذا الرأي أقول: إن كل دعوة لإضافة أي جديد للرسم العثماني كانت تتلقى بالتحرج أولًا؛ ولكنها على الرغم من ذلك أخذت طريقها إلى الرسم؛ إيمانًا من القائمين بها بأن فيها بيانًا وتوضيحًا ... لقد كان المصحف خاليًا من النقط، ولما اتجه بعضهم إلى نقطه رأينا من

_ 1 سورة الأنعام: آية 34. 2 سورة يونس: آية 15. 3 سورة القلم: آية 6. 4 سورة يوسف: آية 87. 5 الإسراء: آية 83.

يقف دون ذلك, ويقول: جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء، ثم كان أن ترخص العلماء فيه، وقالوا: العجم نور الكتاب، وإنه لا بأس به ما لم تبغوا1. وبدأ أبو الأسود بالنقط في الحركات والتنوين لا غير ... وجعل الخليل بن أحمد الهمز والتشديد والروم والإشمام, ووقف الناس في ذلك أثرهما؛ واتبعوا فيه سنتهما2. وقال خلف بن هشام البزار: "كنت أحضر بين يدي الكسائي وهو يقرأ على الناس، وينقطون مصاحفهم بقراءته عليهم"3. ثم تدرجوا في النقط والتخميس والتعشير ... وكان البادئون هم الصحابة وأكابر التابعين4، ثم أحدثوا النقط الثلاث عند منتهى الآي، ثم أحدثوا الفواتح والخواتم5. وها نحن أولاء نرى المصاحف قد تغيرت أنواع الخط فيها: فمن كوفي غير منقوط إلى خط النسخ الشرقي أو المغربي ... كما رقمت آياتها، ووضعت علامات لأوائل الأجزاء، والأحزاب، والأرباع، والوقف، والوصل، وما لا ينطق به في الوصل ولا في الوقف، والإدغام، والإظهار، والإخفاء، والمد الزائد، ومواضع السجدات، وعلامات الإمالة، والإشمام، والتسهيل6.... وكان الغرض من كل هذه الزيادات التيسير، وصيانة القرآن الكريم من اللحن والتصحيف، وأداءه أداء فيه ضبط وتحقيق.. فإذا رأى فريق التزام الرسم العثماني حفاظًا على كتاب الله, فإننا نرى عدم التقيد بالرسم العثماني في الميدان التعليمي, وللقارئين -من غير توقيف- المتعبدين غير الحافظين؛ صيانة للقرآن من التغيير والتحريف. وفيما يلي نماذج لرسوم بعض المصاحف. أقول هذا، والنفس أميل إلى الاحتفاظ بالرسم العثماني على كل حال. ولدينا التسجيلات القرآنية تغني, وتحفظ من الوقوع في الخطأ, والله أعلم.

_ 1 المحكم: 12. 2 المحكم: 6. 3 المصدر السابق: 13. 4 النظر المحكم، ص2, 3. 5 انظر المحكم ص2، 17. 6 انظر خاتمة المصحف الأميري المطبوع سنة 1343هـ. وقد يقال: إن هذه المستحدثات ليست من رسم المصحف. وأقول: إنها تجتمع مع رسم المصحف في أنها تبين طريقة الأداء, وفي أن الهدف من إضافتها هو الهدف نفسه الذي نبغيه من كتابة المصحف بالرسم الإملائي المعتاد.

مصحف بالخط المغربي, وفيه علامات الإمالة: نقطة تحت الحرف الممال وعلى يمينه.

رسم آخر لمصحف مغربي فيه علامات الإمالة: نقطة تحت الحرف الممال وعلى يمينه, وليس فيه علامة الفصل بين الآيات. ثم انظر طريقة رسم فواصل الآيات: تلظى, تولى, الأشقى.... إلخ.

وزارة التربية والتعليم بمصر, ورسم المصحف: وقد رأت وزارة التربية والتعليم أخيرًا أن يكتب ما يرد في الكتب المدرسية بالرسم الإملائي المعروف. كما رأينا ما يعرض في "التليفزيون" من آي الذكر الحكيم مكتوبًا بما تعارف عليه الناس في زماننا من رسم إملائي وبالخط الرقعي، وبحواشٍ تفسر الكلمات التي قد تغمض على العامة من الناظرين والسامعين، بل كتب للمكفوفين بالرسم البارز على طريقة "بريل" ولم يعترض على هذا علماؤنا والقائمون منا على سدانة هذا الدين. ويؤيد ما ذهبت الوزارة إليه بما قال سلطان العلماء العز بن عبد السلام: "لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسم الأول باصطلاح الأئمة؛ لئلا يوقع في تغيير من الجهال، ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه؛ لئلا يؤدي إلى دروس العلم، وشيء قد أحكمته القدماء لا يترك مراعاة لجهل الجاهلين، ولن تخلو الأرض من قائم لله بحجة"1. تكفل الله بحفظ كتابه: والله من قبل, ومن بعد قد تكفل بحفظ كتابه المبين، فقال وهو خير القائلين: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .

_ 1 البرهان في علوم القرآن للزركشي: ص379.

مراجع البحث

مراجع البحث: 1- الإبانة: لمكي بن أبي طالب. 2- إبراز المعاني: لأبي شامة. 3- إتحاف فضلاء البشر: للبنا الدمياطي. 4- أحسن التقاسيم: للمقدسي. 5- أخبار أبي القاسم: للزجاجي. 6- إرشاد المريد. 7- إساس البلاغة: للزمخشري. 8- إعجاز القرآن: للرافعي. 9- إعراب القرآن: للعكبري. 10- الإمالة في القراءات واللهجات العربية: للدكتور عبد الفتاح شلبي. 11- الانتصار: للباقلاني. 12- الإنصاف في مسائل الخلاف: لأبي البركات الأنباري. 13- تاريخ القرآن: للزنجاني. 14- تاريخ المصاحف: لجفري. 15- التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن. 16- التصحيف: للعسكري. 17- تفسير البحر المحيط: لأبي حيان. 18- تفسير القرطبي: الجامع لأحكام القرآن. 19- تفسير الكشاف: للزمخشري. 20- تلخيص الفوائد: لابن القاصح. 21- التيسير: للداني.

22- جامع البيان: "في تفسير الطبري". 23- الحجة: لأبي علي الفارسي. 24- الحجة: لابن خالويه. 25- حرز الأماني: للشاطبي. 26- خاتمة المصحف الأميري: طبع 1214هـ. 27- سراج القارئ المبتدئ: لابن القاصح. 28- شرح الأشموني. 29- الصاحبي: لابن فارس. 30- طبقات القراء: لابن الجزري. 31- طبقات الزبيدي. 32- عقيلة أتراب القصائد. 33- غيث النفع: للصفاقسي. 34- فضائل القرآن: لابن كثير. 35- فقه اللغة: للأستاذ الدكتور عبد الواحد وافي. 36- الفاضل والمفضول: للمبرد. 37- الفهرست: لابن النديم. 38- قرة العين في الفتح والإمالة وبين اللفظين: لابن القاصح. 39- القرآن الكريم. 40- القراءات: لابن مجاهد. 41- القاموس المحيط: للفيروزآبادي. 42- الكتاب: لسيبويه. 43- الكشف عن علل القراءات وحججها: لمكي بن أبي طالب. 44- لسان العرب: لابن منظور.

45- لطائف الإشارات في علم القراءات: لشهاب الدين أبي العباس القسطلاني. 46- مجلة الرسالة: العدد 216. 47- مجلة المقتطف: يوليو 1933. 48- المحتسب: لابن جني. 49- المحكم: للداني. 50- المذاهب الإسلامية: لجولدتسيهر. 51- المزهر: للسيوطي. 52- المصاحف: لابن أبي داود السجستاني. 53- معاني الحروف: للرماني. 54- معاني القرآن: للزجاج. 55- معاني القرآن: للفراء. 56- مقدمة ابن خلدون. 57- المقنع: لأبي عمرو الداني. 58- منجد المقرئين: لابن الجزري. 59- المواهب الفتحية: لحمزة فتح الله. 60- نزهة الألباء: للأنباري. 61- النشر في القراءات العشر: لابن الجزري. 62- نفح الطيب: للمقرئ. 63- وفيات الأعيان: لابن خلكان.

فهارس

فهارس فهرس الأعلام ... فهرس الأعلام: رقم الصفحة الاسم ملحوظة: هذا الفهرس مرتب هجائيًّا على حسب العلم الأشهر كنية أو لقبًا أو اسمًا، ولم يعتبر "أبوه" و"آل" في هذا الترتيب. "أ" 94 إبراهيم بن أبي عبلة 5، 63 أبي بن كعب 104 أحمد بن حنبل 67، 93 أحمد بن موسى 33 الأخفش 30، 31، 63 آثر جفري 65 إبو إسحاق الزجاجي 13، 91 إسماعيل القاضي 108 أبو الأسود الدؤلي 34، 51، 59، 96 الأصمعي 63 الأعمش 116 العز بن عبد السلام 96 أيوب السجستاني "ب" 32 بكر بن حماد 105 أبو بكر السراج 5، 89 أبو بكر الصديق "عبد الله بن أبي قحافة" 4، 36، 48، 52 أبو بكر بن مجاهد

"ث" 97 ثابت البناني "ج" 4، 56، 65، 80 أبو جعفر الطبري 20 جعفر بن محمد 4، 45، 58، 60، 96 ابن الجزري 4، 68 ابن جني 3، 29، 30، 35، 49 جولدتسيهر "ح" 4، 29، 63، 79، 80 أبو حاتم السجستاني 13، 51 الحجاج 5 حذيفة بن اليمان 30, 33 الحسن بن هانئ 30، 94، 97 الحسن البصري 5 حفصة 56 حفص بن عاصم 105 حفني ناصف 30, 35 حماد الراوية 29، 34، 35، 40 حمزة "خ" 39، 40، 41، 54، 80 ابن خالويه 33 خلف الأحمر

19، 93، 108 خلف بن هشام البزار 95، 108 الخليل بن أحمد "ذ" 32 ذو الأصبع "ز" 4، 50، 65، 72 الزجاج "س" 70 الشيخ السخاوي 5 أم سلمة 99 سعيد بن جبير 4، 63 سيبويه "ش" 70 أبو شامة 95 شريح بن يزيد الحضري 69 ابن شعيب 36، 37، 80 ابن شنبوذ "ص" 94 أبو صالح "ط" 79، 80 طاهر الجزائري

"ع" 13، 19، 20، 29، 80 عاصم الجحدري 29، 47، 48, 56 ابن عامر 5 عائشة 5, 7 ابن عباس 7، 97 عبد الله بن الزبير 79 عبد الله بن قيس التابعي 5, 7، 21 عبد الله بن مسعود 95 عبد الوارث بن سعيد العنبري 13، 19، 33 أبو عبيد 5، 6، 7، 101 عثمان بن عفان 49 ابن عطية 5 عطاء بن رباح 5 عكرمة 5، 6، 35 علي بن أبي طالب 31 علي عبد الواحد وافي 3، 4، 49 أبو علي الفارسي 4، 68 علي بن عيسى الرماني 5، 88، 91 عمر بن الخطاب 81 أبو عمرو البصري

12، 13، 14، 40، 45، 48 أبو عمرو بن سعيد الداني 33، 52، 80 عيسى بن عمر البصري "ف" 69 أبو الفتح 61 فرعون 4، 20، 50، 64، 72، 80 الفراء 32 الفيض بن عبد الحميد 55 ابن فيرة "ق": 32 قاسم بن أصبغ 4، 34، 35، 51 أبو القاسم الزجاجي 81 القاسم بن سلام 56، 73 ابن القاصح 12، 19، 20 قالون 6، 55 القرطبي "ك" 4، 20، 29، 34، 40 الكسائي 6، 40 ابن كثير "م" 8، 108 مالك 51 المازني 56 المأمون 33 المبرد

5 مجاهد 56 محمد بن أبي محمد 95 محمد بن السميفع اليماني 61 مصطفى صادق الرافعي 80 المفضل 56، 57 المقدسي 4، 6، 37، 70 مكي بن أبي طالب 9، 36 موسى "ن" 9، 19، 20، 40 نافع "هـ" 63 هارون 96 أبو هريرة 88 هشام بن حكيم "و" 43، 55، 56 ورش "ي" 56 يحيى بن أكثم 81 يحيى بن سلام 79 يحيى بن سليمان 95 يحيى بن وثاب 51 يحيى بن يعمر 40، 46، 80 يعقوب الحضرمي 69 يحيى بن الحارث

فهرس الموضوعات

فهرس الموضوعات: الصفحة الموضوع - تقديم 3 الموضوع, أهدافه, منهج البحث فيه, مصادره 1- رسم المصحف: 5 ما المراد بالرسم؟ وماذا يعنون بالمصحف؟ 2- جولدتسيهر والقراءات: 29 مناقشة رأي جولدتسيهر في القراءات 32 3- أدلة من التاريخ والنقل 48 4- قراءات يحتملها الرسم صحيحة في اللغة, ولكن لم يقرأ بها 61 5- في القراءات المتخالفة بلاغة 63 6- رسم المصحف, وموقف قدامى النحويين والقراء منه 63 موقف سيبويه "180هـ" 64 موقف الفراء "207هـ" 65 موقف الطبري "310هـ" 65 موقف الزجاجي "311هـ" 66 موقف أبي بكر بن مجاهد "324هـ" 66 موقف ابن خالويه "370هـ" 67 موقف أبي علي الفارسي "377هـ" 68 موقف علي بن عيسى الرماني "384هـ"

68 موقف ابن جني "392هـ" 70 موقف مكي بن أبي طالب "437هـ" 70 موقف أبي عمرو الداني "444هـ" 72 7- تقويم آراء القدماء من النحويين والقراء 72 تقويم رأي سيبويه 72 ورأي كل من الفراء والزجاج 72 وابن خالويه 73 وأبي علي الفارسي 73 والداني وابن القاصح 73 لا علاقة بين الإمالة ورسم المصحف 79 8- الاختيار عند القراء 82 9- الحقائق الكبرى في البحث 85 10- ملاحق البحث 87 الملحق الأول: قبسات من الإبانة في سبب اختلاف القراءة 90 الملحق الثاني: مقتبسات تتصل بموضوعات البحث من الإبانة 93 الملحق الثالث: أمثلة لاختلاف القراءة في سورة الحمد من الإبانة, لمكي بن أبي طالب القيسي 99 الملحق الرابع: دفع شبهات أثارها المغرضون 103 الملحق الخامس: هل يلتزم رسم المصحف العثماني؟ 103 حجة من يرى وجوب التزام الرسم العثماني 106 حجة من يرى جواز كتابة المصحف بالرسم الإملائي المعتاد

107 الرأي عند المؤلف والتدليل عليه 109 عرض نماذج لرسوم بعض المصاحف 116 - وزارة التربية والتعليم ورسم المصحف 116 - تكفل الله -عز وجل- بحفظ كتابه الكريم 117 - مراجع البحث 120 - فهرس الأعلام 126 - فهرس الموضوعات رقم الإيداع: 17553/ 98 الترقيم الدولي: l. S. B. N. 0-7816-19-977

§1/1