رسالة في بيان أجمع آية في القرآن

سامي القدومي

فضل تعلم القرآن وتعليمه

فضل تعلُّم القرآن وتعليمه: الحمد لله الذي علّم القرآن، وجعل تعليمه نعمة مقدمةً على خلق الإنسان، ومقدمةً على تعليمه البيان {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} (الرحمن). والصلاة والسلام على رسول الله الهادي إلى سبيل الإيمان، وعلى آله وصحبه وأهل القرآن، اللهمَّ أدخلنا في زمرتهم يا رحيم يا رحمن! أما بعد: فلما أحبَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عبدَ الله بن عباس المحبة البالغة، والتي دفعته إلى أن ضمَّه إلى صدره، دعا له ببالغ الدعاء وأعظمه، وطلب له كمال الخير وأكمله، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ (البخاري: 73). وتعليم الكتاب لا ينحصر في قراءته وحفظه فقط، بل فهمه في أعلى المقامات، لأن الغاية من إنزاله وإرساله هو اتباع الخلق، ولا يكون ذلك إلا بعد الفهم والعلم. وعلم تفسير القرآن هو مَن أجلس ابنَ عباس - وهو ما زال فتى - مجالس الشيوخ الكبار من أصحاب الرأي والمشورة، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ. فَقَالَ: بَعْضُهُمْ لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا، وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟

فَقَالَ: إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ. قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي مَعَهُمْ. قَالَ: وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي. فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نَدْرِي. أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا. فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَذَاكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} وَالْفَتْحُ فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ، إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا. قَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ (البخاري: 3956) وبيّن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَن خير الناس وأفضلهم فقال: إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ (البخاري: 4640) فأيُّ فضل بعد هذا الفضل، وأيُّ خير بعد هذا الخير، تعلُّم القرآن خير التعلُّم، ومتعلِّم القرآن خير المتعلِّمين، وتعليمه خير التعليم، ومعلِّمه خير المعلِّمين، وخيرٌ من الناس الباقين.

والاشتغال بتفسير القرآن خير الاشتغال؛ لأن الاشتغال يأخذ حكمه بناء على قيمة العلم المشتغل به، فكلما دنا دنا، وكلما علا علا، والاشتغال بالقرآن خير الاشتغال، لأن القرآن خير الحديث، فهو كلام الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ... (مسلم: 1435) ولا بد لقارئ القرآن من التدبر في الآيات، والتفكّر في المعاني {أَفَلَا يَتَدَبَّرُوْنَ القُرْآنَ} (النساء: 82) ولا يكون ذلك دون معرفة التفسير. جهود السابقين: ولأجل هذا بذل السابقون الجهود في تفسير القرآن، فمنهم من اهتم بالحديث والأثر، ومنهم من اهتم بالاجتهاد بناء على الحديث والأثر، ومنهم من اهتم بالبيان والبلاغة، ومنهم من اهتم بالنحو، ومنهم من اهتم بمجادلة أهل العقائد الهالكة، ومنهم من اهتم بالأحكام، إلى غير ذلك من الاهتمامات، كلٌ منهم اهتم بما يجد الحاجة إليه، أو يجد أنه بارع فيه. ولا بد من العلم أن كل أهل عصر صنَّفوا من التفاسير ما يناسب عصورهم في الأسلوب أو المحتوى. سبب التأليف: طلب إليَّ غير واحد ممن أحسب فيه الخير، وممن يتشوّق إلى معرفة تفسير القرآن، طلبوا إلي أن أكتب تفسيراً سهلاً ميسَّراً، أي يريدون تفسيراً تعليمياً، ففكرت في الأمر مليّاً؛ لأن التفاسير التي تحوي التفصيل لا يصل إلى فهمها إلا أهل التفسير أو طلابه الحاذقون، والتفاسير السهلة ما هي إلا تفاسير للمعنى الإجمالي، والذي لا يروي ظمأ كثير ممن يريدون معرفة الكثير عن كتاب الله، ولكن ظل الأمر في خانة الأمور المؤجلة إلى أن يُحدث الله أمراً. ومرَّ زمن وأنا أقول: وما الداعي إلى كتابة هذا التفسير، أهو نسخ ما كتبه السابقون فقط؟!! ولكن بعدما اتضح في فكري صورة هذا التفسير أقدمت عليه، سائلاً الله سبحانه القبول والتسديد.

وهذه الرسالة مقتبسة من كتابي (التفسير البياني لما في سورة النحل من دقائق المعاني) وهذا التفسير يقع في حوالي أربعمئة صفحة، وهو أول إصدار ضمن سلسلة (الريحان في تفسير القرآن) ومنهجي في كتابة هذا التفسير في نقاط: 1 - قد كتبت هذا التفسير بأسلوب تعليمي، يستطيع كلٌّ أن يأخذ منه قدر حاجته، ولهذا قسّمته إلى ثلاثة مستويات: الأول: المفردات. الثاني: المعنى الإجمالي. الثالث: المعنى التفصيلي. فمن أراد معرفة معاني مفردات الآية، قرأ المستوى الأول، ومن أراد الاستزادة، قرأ المستوى الثاني، وهو المعنى الإجمالي، أما المستوى الثالث فيحتوي على الفوائد التفصيلية المستنبطة من الآية. وهذا التفسير يفهمه طلاب المدارس باختلاف مراحلها، لوضوح بيان معاني المفردات، ولأن المعنى الإجمالي شامل وواضح، ويفيد منه المتعلمون على اختلاف تخصصاتهم، بل ويفيد منه المتخصصون في دراسة التفسير، لما فيه من التوسع المفيد في مستوى المعنى التفصيلي. 2 - كتبته بلغة سهلة واضحة – قدر الإمكان – حيث كنت آتي على الفوائد البيانية والفقهية والعقدية واللغوية أصوغها بلغة واضحة سهلة، وقد كنت أتأكد من هذا الأمر عن طريق دفع الأوراق إلى متعلمين غير متخصصين في العلوم الشرعية، فأناقشهم بكل عبارة لا يفهمونها، وأعود إلى صياغتها وفق قدرتهم على الفهم. 3 - هذا التفسير مأخوذ من التفاسير السابقة، وفيه بعض الزيادات لا يعرفها إلا من قارن ودقّق، بل فيه من الزيادات الكثير مما ليس في أي تفسير. ولم أعزُ إلى التفاسير عزواً مفصّلاً، بل عزوت عزواً عامّاً بالإشارة إلى أن هذا التفسير مستفاد ممَّن سبق، كما استفاد مَن سبق ممن سبقه وهكذا، وأما زياداتي فمن أراد المقارنة ميّزها، ومن لا يريد تمييزها فالأمر إليه.

ومنهج العزو العام منهج متّبع، فهذا - على سبيل المثال - أبو السعود - كما في مقدمة تفسيره - يعزو تفسيره إلى الكشاف وأنوار التنزيل وإلى ما وجده في غيرهما من الفوائد، وما أدّاه إليه اجتهاده. وكذا ابن عاشور - في مقدمة تفسيره - بيّن أنه لا يعزو العزو التفصيلي إلى ما سبقه من التفاسير بقصد الاختصار. 4 - لا أذكر حديثاً إلا خرَّجته وبيّنت درجته صحة وضعفاً. 5 - حرصت على بيان التناسق والمناسبات بين الآيات. 6 - سلكت في بيان آيات الصفات مسلك السلف الصالح، معرضاً عما ابتدعه الخلف من التحريفات. 7 - إذا تكلمتُ في تفسير آية عن البلاغة من تقديم أو تأخير أو حذف أو زيادة أو غير ذلك، فلا يلزم من هذا أن أقارن في البلاغة بين هذه الآية والآيات الأخرى، وقد أُقارن في بعض المواطن؛ لتقديري أن هذه المقارنة في هذا المكان نافعة ومتناسقة مع سياق التفسير. 8 - إذا وقفت على أخطاء عند المفسرين، فإنني أُناقش القول دون ذكر اسم القائل، تقديراً للقائل؛ لأن المهم هو التوضيح والبيان، وليس من الأهمية بمكان أن أذكر أسماء العلماء في سياق بيان أخطاء لا يُعصم أحد من المفسرين عنها؛ فهم مجتهدون ومأجورون إن شاء الله، ونحن إنما نقتات على موائدهم، ونحن عالة على جهودهم، فعار علينا أن نذمَّ من يكرمنا ويفيدنا ويعلِّمنا، ولكن لأجل الحق، فإنني أُناقش ما أراه محلّاً للنقاش. فأنا أُجلُّ منهج من يناقش الرأي ويبين فيه الحق دون تصيُّد لأخطاء السابقين، وإنما يُذكر السابقون في سياق مناقشة رأي اشتُهر به أحدهم، من باب عزو الآراء، أما تصيُّد الأخطاء فهو شيء آخر. أسأل الله الهداية والسداد، والقبول والإمداد! كتبه سامي وديع عبد الفتاح القدومي عمان - الأردن ربيع الثاني - 1430هـ / نيسان - 2009 م

بين يدي تفسير الآية

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. بين يدي تفسير الآية: الآية هي الآية (90) من سورة النحل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) وسورة النحل مكية إلا قوله تعالى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِين َ} (النحل: 126). فعن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُصِيبَ مِنْ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ رَجُلًا وَمِنْ الْمُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ فِيهِمْ حَمْزَةُ فَمَثَّلُوا بِهِمْ. فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ يَوْمًا مِثْلَ هَذَا لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ قَالَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (النحل: 126). فَقَالَ رَجُلٌ: لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُفُّوا عَنْ الْقَوْمِ إِلَّا أَرْبَعَةً. وهو حديث حسن. رواه (الترمذي: 3054) وقال: هذا حديث حسن غريب من حديث أُبي بن كعب، وبنفس سند الترمذي رواه النسائي في (السنن الكبرى). ورواه أيضاً عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (20280) (20281)، ابن حبان في (صحيحه ج2/ص239)، الحاكم في (المستدرك على الصحيحين ج2/ص484)، والبيهقي في (شعب الإيمان)، كلهم عن عيسى بن عبيد عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أُبي بن كعب. مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ. الموضوع العام للسورة: تتحدث هذه السورة عن توحيد الله سبحانه وتعالى، وما يتصل به من الموضوعات، كبيان نِعَمِ الله التي تدل على وحدانيته وقدرته، وكبيان عذاب الله للكفار في الدنيا والآخرة، وتتحدث عن مواضيع متفرِّعة عن هذه المواضيع.

تفسير الآية

تفسير الآية: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90) المفردات: - الفحشاء: ما حكم الشرع بعِظم قبحه من الأقوال والأفعال. - المنكر: ما حكم الشرع بقبحه من الأقوال والأفعال. - البغي: التعدي. - تذكّرون: تتّعظون. المعنى الإجمالي: لما بيّنت الآية السابقة أن القرآن أُنزل (تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، أتت هذه الآية - وما بعدها - لتبين أن في القرآن بياناً لكل شيء يحتاجه الناس. فالقرآن يأمرنا بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ويأمرنا بترك ما يخالف هذه الأوامر، وينهانا عن المعاصي كبيرها وصغيرها، وينهانا عن التعدي، وكل هذا لأجل أن نتعظ، فنفعل ما أمرنا الله، وننتهي عن ما نهانا عنه. المعنى التفصيلي: - هذه الآية هي أجمع آية في القرآن؛ وذلك لأن ألفاظها جامعة عامة، يندرج تحتها أفراد كثيرة نكاد لا نحصيها. والقول بأنها أجمع آية في القرآن مروي من قول صحابي جليل: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما في القرآن آية أجمع لحلال وحرام وأمر ونهي من هذه الآية (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ... ) ". رواه البخاري في (الأدب المفرد: 489) بسند حسن؛ للمقال الذي في عاصم بن بهدلة، وقد جاء من طرق أخرى عند الحاكم في (المستدرك: 3358) وغيره. - (إِنَّ اللَّهَ) استُفتحت الآية بحرف التوكيد (إِنَّ) وباسم الجلالة (اللَّهَ) تعظيماً لشأن المأمور به في الآية.

- لم يأت النص مخبراً أن القرآن يأمرنا، رغم أن الآية بيان لما تضمنه القرآن من البيان، وذلك تصريحاً بأن القرآن إنما هو من عند الله، ( ... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ... ) (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُر ُ ... )، فالتبيان من الله تعالى لا من أحد غيره. - جاء النص (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) وليس "اعدلوا وأحسنوا وآتوا "؛ لأن ذكر الأمر فيه تعظيم الأمر، وأضربُ مثلاً - ولله المثل الأعلى - قولَ سيّدٍ في قومه لأحد أتباعه: "افعل كذا" ليس بقوة قوله له: "آمرك أن تفعل كذا"؛ لأنه بقوله: "افعل كذا" طلبَ منه الفعل فقط، ولكن بقوله: "آمرك أن تفعل كذا" طلبَ منه الفعل، وزاد عليه التأكيد بالتصريح أن هذا الفعل إنما هو فعل أمر إن لم تكن منتبهاً فانتبه، كأنه يقول له: افعل كذا وهو أمرٌ فاحذر أن تعصيه. - أتى التعبير بـ (يَأْمُرُ) و (يَنْهَى)؛ لأن الآية بيان للآية السابقة ( ... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ... )، وللدلالة على أن التبيان والهدى والرحمة والبشرى تكون بإطاعة الله في الأمر والنهي. - أتى التعبير (يَأْمُرُ) و (يَنْهَى) بصيغة الفعل المضارع؛ لأن الآية بيان للآية السابقة ( ... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ... ) فكأن التقدير: إن الله يأمر الناس في القرآن بـ ... وينهى الناس في القرآن عن ... ، والقرآن حاضر يأخذ الناس أحكامهم منه في كل وقت، ونتيجة ذلك فإن أمر الله ونهيه متجدد في كل وقت. - حُذف المفعول في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ)، أي لم يأت النص "يأمركم" أو "يأمرهم"؛ للدلالة على العموم، ليشمل كل مخاطَب. وكذلك حُذف المفعول لتوجيه الانتباه إلى الفعل والفاعل، وترك الانشغال بالمفعول.

- لكن لماذا لم يُحذف المفعول في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء: 58) جاءت هذه الآية في سياق بيان ما وقع فيه الكفار من الكفر والمعاصي وتضييع الأمانات والحقوق، فاستأنفت الآية أمر المؤمنين لئلا يكونوا مثلهم، فكان الخطاب فيها موجهاً للمؤمنين، ولذا كان من المهم التنبيه على المفعول في هذا السياق. - (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ ... ) ما جاء الأمر به في هذه الآية إنما هو مجمل غير مفصَّل، وذلك من باب الإشارة إلى أن القرآن احتوى على بيان كل ما يحتاجه الناس في دينهم، وعلى هذا يكون التقدير (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ) في القرآن على وجه التفصيل (بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)، (وَيَنْهَى) في القرآن على وجه التفصيل (عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ). - (بِالْعَدْلِ) العد ل في الآية لفظ عام يندرج تحته ما لا ينحصر من الأنواع، فالعدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، وهو ضد الظلم. فتوحيد الله من العدل؛ ألا ترى أن الله يقول ( ... إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان: 13). وعبادة الله من العدل؛ لأن حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً. وطاعة الله من العدل مع النفس؛ لأننا بالطاعة ندخل الجنة، وبالمعاصي ندخل النار، قال تعالى (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (البقرة: 57). ومن العدل أيضاً: العدل مع الأولاد وبينهم بكل صوره، والعدل مع الزوجات وبينهن، والعدل مع الناس وبينهم.

حتى أن إعطاء الحيوان حقه من العدل؛ فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ، رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ) (البخاري: 3071) (مسلم: 4951) فيندرج تحت العدل كل الأقوال والأفعال بكل ارتباطاتها مع كل الأشياء من أشخاص وأوقات وحيوان وجماد. - والأمر (بِالْعَدْلِ) نهي عن كل صور الظلم في هذه الحياة، فانظر –بارك الله فيك- سعة عموم الأمر بالعدل. - (وَالْإِحْسَانِ) الواو للعطف، والإحسان مصدر أحسن، نقول: أحسن إحساناً. والإحسان هو: إتقان الشيء على أكمل وجه، وله أنواع، منها: الإحسان إلى غيره بمعاملته على أكمل وجه، نقول: أحسن الابن إلى والديه. وكذلك إتقان المرء فعله، نقول: أحسن الرجل عمله. وقيل: إن "الإحسان" هو المندوب، وهذا غير صحيح، فإن من الإحسان ما هو فرض كالإحسان إلى الوالدين (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ... ) (الإسراء: 23)، ومن الإحسان ما هو مندوب، كما يحسن أحدنا إلى أحد دون أن يَجِبَ عليه. - (الْإِحْسَانِ) لفظ عام يندرج تحته كل صور الإتقان في الأقوال والأفعال، فالإحسان مع الله سبحانه وتعالى (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) (البخاري: 48) (مسلم: 9) حتى أن الله شرع لنا الإحسان للحيوان؛ فعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ (مسلم: 3615) - ولعموم "الإحسان" في الآية؛ فإنه لم يبقَ أي نوع من الإحسان إلا واندرج تحته.

- والأمر بـ "الإحسان" أمر بكل مندوب فضلاً عن الفرض، ونهي عن كل مكروه فضلاً عن الحرام. فانظر - بارك الله فيك- سعة عموم الأمر بالإحسان. - قُدِّم ذكر "العدل" على "الإحسان"؛ لأن "العدل" كله واجب، بينما "الإحسان" واجب ومندوب، والواجب أولى؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ " (البخاري: 6021) - قد يسأل سائل: لماذا بُدئ الأمر بالبرِّ الذي يضم المندوبات أولاً، ثم جاء الأمر بالتقوى التي هي فعل الواجبات وترك المحرمات في قوله تعالى ( ... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ... ) (المائدة:2) وهذا على خلاف ما ورد في هذه الآية من الترتيب حيث كان الأمر بالعدل أولاً ثم الأمر بالإحسان؟ جاء الترتيب في هذه الآية بالعدل أولاً ثم الأمر بالإحسان؛ لأن هذه الآية بيان لما تضمنه القرآن، فكان المناسب أن يُذكر الأهم، بينما في قوله تعالى ( ... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ... ) (المائدة:2) فإن فيه حضاً على التعاون، فبُدئ بالأعم وهو البرِّ؛ لتوسيع دائرة الحض على التعاون، ثم ذُكر الخاص – وهو التقوى – تنبيهاً على أهميته. إذن، فلكل آية مقصد خاص، وبين المقصدين فرق؛ ولذا اختلف التعبير. - (وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) الواو للعطف، أي: أن الله سبحانه وتعالى يأمر كذلك بإيتاء ذي القربى، والإيتاء: الإعطاء، و (الْقُرْبَى) مصدر، وقيل: مؤنث أقرب. وهم كل من تربطك به قرابة. - (وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) أمر بإعطاء القرابة حقوقهم من البر والصلة، وحُذف ذكر الشيء المُعطَى في الآية؛ ليعُمَّ كل ألوان العطاء وأنواعه وأشكاله، زيادة في الخير، حتى نعطي ونعطي ولا نستكثر، وكذلك يشمل هذا العطاء الواجب كما أنه يشمل المندوب. - لكن صلة القربى تدخل ضمن العدل والإحسان، فلماذا ذُكرت بعدهما؟

ذُكرت صلة القربى بعدهما من باب ذكر الخاص بعد العام؛ للأهمية والتأكيد على حقوق ذوي القربى. وجاء هذا التنبيه؛ لأن كثيراً من الناس من يحسن إلى البعيد وينسى القريب؛ إما غفلة عن قرابته – كما قيل: شدّة القُرب حجاب - وإما سعياً إلى السمعة بين الناس، وهذا لا يتحقق بالإحسان إلى القريب كما في الإحسان إلى البعيد، وإما طمعاً بعلاقات جديدة غير علاقة القربى؛ لأنها مضمونة. - لماذا لم يُخَص الوالدين بالذكر كما في قوله تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) (النساء: 36)؟ لم يُخَص الوالدين بالذكر؛ لأن آية النحل (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى .. ) عامة، وآية النساء (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى ... ) تفصيلية، فناسب عدم ذكر الوالدين في "سورة النحل"؛ لأن الوالدين يدخلان ضمن ذوي القربى دخولاً أولوياً. - لماذا جاء التعبير في هذه الآية بـ (وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) وليس "وإيتاء أولي القربى"؟ وقبل الإجابة عن السؤال فلا بد من بيان معنى "ذو" و"أولو"، فأما "ذو" اسم بمعنى الصاحب، فـ "ذو القربى" صاحب علاقة القرابة، و"أولو" جمع بمعنى "ذو"، ولا واحد له من لفظه. ولكن جاء التعبير في القرآن بـ "أولي القربى" في سياق الكلام عن المقرَّبين من الأقارب، وانظر – بارك الله فيك – إلى الآيات:

1 - (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) (النساء: 8) وعادة لا يحضر هذه القسمة كل قريب، بل الأقارب الذين تربطهم بأهل الميت قرابة أقوى من غيرهم، فقد يجتمع لأهل الميت من الأقارب ما يصل إلى ألف رجل، ولكن لا يُدعى لمثل هذا الأمر إلا القليل الأقربون. 2 - (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور: 22) سبب نزول هذه الآية أن مِسْطح بن أُثاثة لما قال في حق عائشة – رضي الله عنها - ما قال، وأنزل الله براءتها، أقسم أبو بكر– رضي الله عنه - أن لا يُنفق على مِسْطح، فأنزل الله هذه الآية، فأنفق عليه أبو بكر بعد نزول الآية. ومِسطح إنما هو قريب لأبي بكر؛ لأن أم مسطح هي ابنة خالة أبي بكر؛ لأن أمها هي بنت صخر بن عامر، وهي خالة أبي بكر. انظر (البخاري: 3826، كتاب: المغازي، باب: حديث الإفك) (مسلم: 4974، كتاب: التوبة، باب: حديث الإفك) 3 - (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (التوبة: 114) وفي هذه الآية نهي عن الاستغفار لذوي القربى مهما كانت قرابتهم؛ لأن المسلم لا يصر عادة على الاستغفار لكافر إلا لقربه الشديد، ولذا جاء الكلام في الآية التالية عن استغفار إبراهيم لأبيه.

أما الآيات التي جاء التعبير فيها بـ "ذي القربى " فإن موضوعها إما أن يكون في النصرة أو الإنفاق العام، وإنما جاء التعبير عن القرابة بالمفهوم الأوسع في النصرة؛ لأن النصرة إنما هي عند العرب عامة في كل القرابة، اقتربت أم بعدت؛ لأن النصرة إنما هي من مفهوم العشيرة والقبيلة، وكذلك جاء التعبير عن القرابة بالمفهوم الأوسع في الإنفاق العام ليشمل كل القرابة وإن بعدت قرابتهم. أما الآيات التي جاءت في النصرة: 1 - ( ... فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ ... ) (المائدة: 106) 2 - ( ... وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ... ) (الأنعام: 152) 3 - (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ... ) (فاطر: 18) أما الإنفاق العام فإن الآيات التي وردت فيه كثيرة، وأذكر آية واحدة من باب التمثيل. (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) (البقرة: 83)

واعذرني أخي القارئ، فإنني أريد أن أُعيد لك ما قلته آنفاً: إن الآيات التي جاء التعبير فيها بـ "ذي القربى " فإن موضوعها إما أن يكون في النصرة أو الإنفاق العام، وإنما جاء التعبير عن القرابة بالمفهوم الأوسع في النصرة؛ لأن النصرة إنما هي عند العرب عامة في كل القرابة، اقتربت أم بعدت؛ لأن النصرة إنما هي من مفهوم العشيرة والقبيلة، وكذلك جاء التعبير عن القرابة بالمفهوم الأوسع في الإنفاق العام ليشمل كل القرابة وإن بعدت قرابتهم. وجاء التعبير عن القرابة بالمفهوم الأوسع في قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ... )؛ لأنها آية عامة، يناسب سياقها الكلام بعمومٍ عن موضوع إيتاء القربى. - (وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ) حُذف ذِكر الفاعل جل جلاله؛ لدلالة السياق عليه (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ .... وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ)، وحُذف ذكر المفعول به للفعل "ينهى"؛ للدلالة على العموم؛ حتى يشمل كلَّ مخاطَب. - الأمر بالعدل والإحسان يلزم منه النهي عن الفحشاء والمنكر، فلماذا وقع النص بالنهي مع أنه معلوم بدلالة الأمر؟ وقع النص بالنهي مع أنه معلوم بدلالة الأمر؛ لأن التنصيص زيادة في التأكيد والبيان، وتثبيت لمعنى النصوص في القلوب. وأيضاً فإن المقامَ مقامُ بيانٍ لبيانِ القرآن، والقرآن الكريم احتوى على الأمر مفصّلاً، واحتوى على النهي كذلك. - (الْفَحْشَاءِ) هو: ما حكم الشرع بعِظم قبحه من الأقوال والأفعال، فيندرج تحته كل الذنوب العظيمة، أذكر منها: القتل والزنا والسرقة والغصب وقطع الطريق والقذف. - (وَالْمُنْكَر) هو: ما حكم الشرع بقبحه من الأقوال والأفعال، وتندرج الفحشاء ضمن المنكر من جهة كون الشرع قد قبَّحها ونهى عنها. (وَالْمُنْكَر) اسم مفعول من "أنكر"، أي أن هذا الشيء تنكر الشريعة فعله، فهو أمر غير معروف بالخير عندها.

وقد مدح الله الناهين عن المنكر بقوله (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... ) (التوبة: 71) وذمَّ الله من لا ينهى عن المنكر بقوله (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)) (المائدة) - (وَالْمُنْكَر) قيل: إن الاستنكار مراتب، منها: مرتبة الحرام، ومنها: مرتبة المكروه فإنه منهيّ عنه. وهذا القول فيه نظر؛ وإن كان المنكر من الناحية اللغوية يحتمل هذا القول، لأن الإنكار هو عدم القبول، قال ابن فارس في (مقاييس اللغة): " (نكر) النون والكاف والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على خلاف المعرفة التي يَسكُن إليها القَلب. ونَكِرَ الشَّيءَ وأنكَره: لم يَقْبَلْه قلبُه ولم يعترِفْ به لسانُه ". أما المنكر في الآية فهو الحرام، وقد استعرضت الآيات التي ورد فيها ذكر "المنكر" لفهم المقصود منه، فوجدت أكثرها يحتاج لنص آخر لبيان المقصود من المنكر؛ ولكن من الآيات ما يوضح أن المنكر عند الإطلاق إنما يدل على الحرام: قال تعالى (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (79)) (المائدة) وكلمة (مُنْكَرٍ) في الآية على العموم، حيث يندرج تحتها كل أنواع المنكر؛ وذلك لأنها نكرة في سياق النفي، فهل استحق بنو إسرائيل اللعن وذم عملهم لأنهم لم يتناهوا عن المكروهات؟

الجواب: لا. بل استحقوا اللعن بعصيانهم على العموم (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ... بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) ومن جملة هذا الاعتداء أنهم لا يتناهون عن المنكر، ولا يدخل فيه المكروهات؛ لأنها ليست من ضمن العصيان والاعتداء، بل هي جائزة في الشرع ولكن غيرها خير منها. وهناك دليل أشد وضوحاً وهو قول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ، أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ (البخاري: 3027) (مسلم: 5305) فهذا المُعذَّب إنما استحق العذاب لأنه كان ينهى عن المنكر ويأتيه، فما هو المنكر؟ إنه الحرام؛ لأن النهي عن المكروه وفعله لا يوجب العذاب؛ لأن فعل المكروه أصلاً لا يوجب العذاب. ولأن المنكر هو الحرام فلا بد من تغييره قدر الاستطاعة؛ قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ (مسلم: 70)

- تنبيه: لا يعني أن المكروه لا يندرج تحت المنكر أن نترك النصيحة في حقه؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104) فالدعوة إلى الخير متضمنة الدعوة إلى ترك المكروه، وكذلك فإن الأمر بالإحسان متضمن النهي عن المكروه. ولكن هناك فرق بين النصيحة والإرشاد في حق المكروه، وبين إنكار المنكر، فالإرشاد إلى ترك المكروه وفعل المندوب إرشاد إلى الأفضل، وبأسلوب لين وترغيب يناسب هذا المقام، بينما أسلوب إنكار المنكر مختلف، لأن فاعله وقع في معصية. - (وَالْبَغْيِ) هو التعدي ومجاوزة الحد؛ فإن أصل مادة "بغى" في اللغة: ةطَلَبُ الشيء، فإن كان في خير كان خيراً، وإن كان في شر كان تعدياً وتجاوزاً للحد. و"البغي" نوع من أنواع الظلم، قال تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات: 9) فالاعتداء على المؤمنين هو ظلم. - لكن ما الفرق بين الظلم والبغي؟ الفرق بين الظلم والبغي، أن الظلم أعم من البغي، فكل بغي ظلم، وليس كل ظلم بغياً، قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)) (الشورى)

اعتُبر - في الآيات – من أصابه البغي مظلوماً (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ)، والفارق الذي يميز البغي عن باقي أنواع الظلم، أن البغي هو التعدي على الآخرين على وجه التسلط والتطاول. ولذا فلا تَعارض بين (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) (الفرقان: 63) وبين (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) (الشورى: 39)؛ لأن مخاطبة الجاهلين ليست بغياً. - النهي عن البغي مندرج تحت النهي عن الفحشاء والمنكر؛ ولكن هذا من باب ذكر الخاص بعد العام للأهمية، لأن الاعتداء على الناس يتضمن حقين، الأول: حق الله سبحانه وتعالى، والثاني: حق العباد؛ ولذا قال تعالى ( ... وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ... ) (المائدة: 2) فالإثم هو الذنب العام، ويندرج العدوان ضمنه، ولكن ذكر العدوان من باب ذكر الخاص بعد العام للأهمية؛ لأن العدوان هو الاعتداء على العباد. - يتساهل الناس في حقوق العباد، فتراهم يصلّون ويصومون، ولكنهم يغشون ويخدعون، ويظنون أنهم على الحق التام، وأن البغي على العباد أمره يسير، وخطبه حقير، ولذا فكم وكم ممن يُظنُّ فيهم الالتزام يخفقون في امتحان حقوق العباد. - ولكن لماذا تقدّم الأمر على النهي في الآية؟ تقدّم الأمر على النهي في الآية؛ لأن الأمر بالواجب والمندوب يتضمن نهياً، فهو طلب فعل وطلب ترك في وقت واحد؛ نقول: صلِّ. وهذا أمر يتضمن النهي عن ترك الصلاة، وهكذا. بينما النهي قد لا يتضمن – أي في بعض الأحيان - أمراً، نقول: لا تشرب الخمر. فهذا النهي لا يُفهم منه أمرٌ بفعل شيء آخر. والخلاصة أن الأمر قُدِّم على النهي؛ لأن الأمر يتضمن في تضاعيفه توجيهات أكثر من النهي، ولكن قد يُقدَّم النهي على الأمر في سياق آخر لأغراض بيانية أخرى.

- (يَعِظُكُمْ) اختلف في معنى الوعظ، فقيل: الكلام الذي تلين له القلوب. وقيل: زجر مقترن بتخويف. ولكن المعنى المستنبط من الآية، هو: أن الوعظ أمر وكذلك زجر، لأن الآية اشتملت على الأوامر والنواهي، فالوعظ نصيحة وإرشاد يبرز فيه معنى التذكير، وانظر في قصة نوح - عليه السلام - في "سورة هود": فلما سأل نوح - عليه السلام - ربه في شأن ابنه، قال له ربنا سبحانه وتعالى ( ... يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (هود: 46) أي: (أَعِظُكَ)؛ لما سبق من إعلامك ( ... احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (هود:40) وكذلك قوله تعالى (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) يبين العلاقة بين الموعظة والتذكير. - (يَعِظُكُمْ) التفات إلى أسلوب الخطاب؛ فالخطاب في قوله تعال (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ .. ) على العموم، كما سبق بيانه عند بيان الفائدة من حذف المفعول. وكان الخطاب في الآية التي قبل هذه الآية موجهاً للنبي صلى الله عليه وسلم (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل: 89) والالتفات إلى الخطاب (يَعِظُكُمْ)؛ لأن الموعظة فيها التذكير ويناسبه القرب، وأسلوب الخطاب أدعى للقرب. - ولكن لماذا لم يقع العطف بين (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) وبين ما سبقه في الآية؟

هذا يُسمى في علم البلاغة بشبه كمال الاتصال، ويكون شبه كمال الاتصال بأن تكون الجملة الثانية جواباً عن سؤال نَتَجَ عن الجملة الأولى، أي: لماذا يأمرنا الله بالعدل ... وينهى عن ... ؟ الجواب (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي: إن الله يعظكم بما وعظكم لأجل هدايتكم رحمةً بكم. - (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) قد اختلف المفسرون في "لعل"، وهذا الاختلاف في كونها للترجي، والترجي أمر لا يجزم بوقوعه، وبناء على هذا وقع الاختلاف، وكلُّهم على أن الشك لا يُنسب إلى الله سبحانه وتعالى. و"لعل" - هنا - بمعنى التعليل؛ أي أن الله يعظنا حتى نهتدي رحمة بنا. - (تَذَكَّرُونَ) تتعظون؛ فتخرجون من غشاوة الغفلة إلى نور الهداية والذكرى. - لماذا جاء التعبير في الآية بـ (تَذَكَّرُونَ) وليس "تتفكرون" أو "تعقلون"؟ الجواب عن هذا أن فِعل العدل والإحسان وصلة القربى والابتعاد عن الفحشاء والمنكر والبغي لا يحتاج إلى إجهاد العقل في التفكير العميق، وإنما يحتاج إلى تذكّر واتّعاظ، وهذا أمر يقدر عليه كل المكلَّفين؛ ولذا جاء التعبير بـ (تَذَكَّرُونَ) وليس "تتفكرون" أو "تعقلون". وتأمل معي الفرق في استعمال "يتفكرون" و "يعقلون" و"يذَّكرون": 1 - (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل: 11) جاء التعبير بـ (يَتَفَكَّرُونَ) وليس بـ "يتذكرون"؛ لأن الأمر ليس ظاهراً ظهور ما يحتاج إلى تذكّر فقط، وليس بـ"يعقلون" لأن الأمر لا يحتاج إلى المبالغة في إعمال العقل، بل العبرة بأمر الزرع والثمار تحصل بتفكر وتأمل في حال البذرة ونموها وإثمارها، وكيف أن هذه البذرة انتقلت من بذرة يابسة إلى زرع يانع وثمار ناضجة، وهذا يقدر عليه عامة الناس.

2 - (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (النحل: 12) جاء التعبير في هذه الآية بـ (يَعْقِلُونَ) لأن آيات عالَم الفضاء لا يستقلّ بمعرفتها العامة من الناس، بل لا بد من استخدام العقل لمعرفتها. 3 - (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) ... (النحل: 13) جاء التعبير بـ (يذّكرون)؛ لأن الأمر لا يحتاج إلا إلى مجرد التذكر لما غفل عنه الإنسان؛ لأن ما ذرأ الله لنا في الأرض من مختلف الألوان، أمر ظاهر للعيان، بادي لكل إنسان. وفي ختام هذه الرسالة أدعو الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيها الأجر والأثر، إنه سميع مجيب. كتبها: سامي وديع عبد الفتاح القدومي. عمان – الأردن ربيع الثاني - 1430هـ / نيسان - 2009 م

§1/1