رسالة في اسم الفاعل

العبادي

بسم الله الرحمن الرحيم

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم سُؤال رفع للشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة أَحْمد بن قَاسم الْعَبَّادِيّ رَحْمَة الله عَلَيْهِ صورته الْحَمد لله مَا قَوْلكُم رَضِي الله تَعَالَى عَنْكُم فِي اسْم الْفَاعِل المُرَاد بِهِ الِاسْتِمْرَار فِي جَمِيع الْأَزْمِنَة إِذا أضيف إِلَى معرفَة هَل يتعرف بِالْإِضَافَة بِكُل اعْتِبَار أَو يجوز فِيهِ اعتباران كَمَا نَقله شَارِح التَّوْضِيح عَن اليمني شَارِح الْكَشَّاف أَحدهمَا أَن إِضَافَته غير مَحْضَة لصدقه بِالْحَال والاستقبال وَالثَّانِي أَنَّهَا مَحْضَة لصدقه بالماضي

وَهل الثُّبُوت والدوام غير الِاسْتِمْرَار أَو لَا وَهل بَين قَول شَارِح التَّوْضِيح تَنْبِيه إِذا قصد باسم الْفَاعِل معنى الثُّبُوت عومل مُعَاملَة الصّفة المشبهة فِي رفع السببي الخ وَبَين قَول التَّوْضِيح تَنْبِيه جَمِيع هَذِه الصِّفَات صِفَات مشبهة إِلَّا فَاعِلا كضارب فانه اسْم فَاعل إِلَّا إِذا أضيف إِلَى مرفوعه وَذَلِكَ فِيمَا دلّ على الثُّبُوت كطاهر الْقلب وشاحط الدَّار أَي بعيدها فصفة مشبهة ايضا مُنَافَاة فَإِن قَول الأول عومل مُعَاملَة الصّفة المشبهة الخ يدل على أَنه حِينَئِذٍ لَيْسَ بِصفة مشبهة وَقَول الثَّانِي أَنه صفة مشبهة يدل على خلاف ذَلِك أَو لَا وَإِذا قُلْتُمْ بِأَن إِضَافَته حَال دلَالَته على الثُّبُوت معنوية فَمَا الْفرق بَينه وَبَين الصّفة المشبهة إِذا سلمتم أَنه غَيرهَا حِينَئِذٍ مَعَ اتحادهما فِي الدّلَالَة على الثُّبُوت وَهل يَصح الْفرق بَينهمَا بِأَن اسْم الْفَاعِل حِينَئِذٍ غير عَامل فَلَيْسَتْ إِضَافَته فِي نِيَّة الِانْفِصَال فافادته التَّعْرِيف أَو التَّخْصِيص بِخِلَاف الصّفة المشبهة فَإِنَّهَا مُضَافَة إِلَى معمولها فِي نِيَّة الِانْفِصَال فَلم تفدها الاضافة شَيْئا مِنْهُمَا وَهل يَصح تأييد هَذَا الْفرق بِأَن إِضَافَة اسْم الْفَاعِل إِذا كَانَ بِمَعْنى الْمَاضِي معنوية لبُطْلَان عمل اسْم الْفَاعِل حِينَئِذٍ فَلم تكن فِي نِيَّة الِانْفِصَال وَإِن كَانَ دَالا على الْحُدُوث وَيكون مدَار الْفرق على الْإِضَافَة إِلَى الْمَعْمُول وَعدمهَا وَهل

قَول الْعَلامَة السُّيُوطِيّ فِي الْفرق بَينهمَا وَأما كَون الصّفة المشبهة لَا تتعرف مُطلقًا فَلِأَن إضافتها تقل عَن أصل وَهُوَ الرّفْع بِخِلَاف غَيرهَا فَإِنَّهُ نقل عَن فرع وَهُوَ النصب مَعْنَاهُ أَنه لما كَانَ الْمُضَاف إِلَيْهِ فِيهَا الرّفْع قوي الِانْفِصَال فِيهَا بِخِلَاف اسْم الْفَاعِل أوضحُوا لنا الْجَواب فقد اشكلت هَذِه الْمَسْأَلَة على الطلاب لَا زلتم بزمام الْحق ماسكين ولطريق النجاح سالكين وَصُورَة الْجَواب للشَّيْخ أَحْمد بن قَاسم الْعَبَّادِيّ الْمَرْفُوع إِلَيْهِ السُّؤَال رَحْمَة الله عَلَيْهِ الْحَمد لله وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه اجمعين ذكر فِي الْكَشَّاف فِي الْكَلَام على قَوْله تَعَالَى {مَالك يَوْم الدّين} أَن اسْم الْفَاعِل إِذا أُرِيد بِهِ زمَان مُسْتَمر كَانَت إِضَافَته حَقِيقِيَّة وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ ذكر فِي الْكَلَام على قَوْله تَعَالَى {وَجعل اللَّيْل سكنا وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسبانا}

مَا حَاصله أَن اسْم الْفَاعِل إِذا أُرِيد بِهِ زمَان مُسْتَمر كَانَت إِضَافَته لفظية فقد تنَاقض كَلَامه قَالَ السَّيِّد كالسعد وَأجِيب بِأَن الزَّمَان المستمر يَشْمَل الْمَاضِي وَالْحَال والاستقبال فَجَاز أَن يعْتَبر جَانب الْمَاضِي فَلَا يكون الِاسْم عَاملا وَتَكون إِضَافَته حَقِيقِيَّة وَأَن يعْتَبر جَانب الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال فَكَانَ الِاسْم عَاملا وإضافته غير حَقِيقِيَّة وكل وَاحِد من الاعتبارين يتَعَلَّق باقتضاء الْمقَام وقرائن الْأَحْوَال انْتهى وَفِي هَذَا الْجَواب الَّذِي أقره السَّيِّد كالسعد تَصْرِيح بِجَوَاز الْأَمريْنِ بالاعتبارين وَقَالَ الرضي وَأما اسْما الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فعملهما فِي مَرْفُوع هُوَ سَبَب جَائِز مُطلقًا سَوَاء كَانَ بِمَعْنى الْمَاضِي أَو بِمَعْنى الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال أَو لم يَكُونَا لأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة بل كَانَا للاطلاق الْمُسْتَفَاد مِنْهُ الِاسْتِمْرَار نَحْو زيد ضامر

بَطْنه أَو مسود وَجهه اَوْ مؤدب خُدَّامه وَإِذا كَانَ كَذَا فاضافتهما إِلَى سَبَب هُوَ فاعلهما معنى لفظية دَائِما وَيعْمل اسْما الْفَاعِل وَالْمَفْعُول الرّفْع فِي غير السَّبَب بِمَعْنى الْإِطْلَاق كَانَا أَو بِأحد الْأَزْمِنَة الثَّلَاثَة نَحْو مَرَرْت بِرَجُل نَائِم فِي دَاره عَمْرو ومضروب على بَابه بكر لَكِن لَا يضافان إِلَى مثل هَذَا الْمَرْفُوع إِذْ لَا ضمير فِيهِ يَصح انْتِقَاله إِلَى الصّفة وارتفاعه بهَا فَيبقى بِلَا مَرْفُوع فِي الظَّاهِر وَأما عمل اسْم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول فِي الْمَفْعُول بِهِ وَغَيره من المعمولات اللفظية فَيحْتَاج إِلَى شَرط لكَونهَا أَجْنَبِيَّة وَهُوَ مشابهتهما الْفِعْل معنى ووزنا وَيحصل هَذَا الشَّرْط لَهما إِذا كَانَا بِمَعْنى الْحَال أَو الِاسْتِقْبَال أَو الاطلاق الْمُفِيد للإستمرار فَإِذا ثَبت أَن اسْمِي الْفَاعِل وَالْمَفْعُول يعملان فِي الْأَجْنَبِيّ إِذا كَانَا بِأحد هَذِه الْمعَانِي الثَّلَاثَة فاضافتهما إِذن إِلَى ذَلِك الْأَجْنَبِيّ لفظية لِأَن ذَلِك

مَبْنِيّ على الْعَمَل كَمَا تقدم أَي فِي قَوْله وَغَيره كَون إِضَافَة الصّفة إِضَافَة لفظية مَبْنِيّ على كَونهَا عاملة فِي مَحل الْمُضَاف إِلَيْهِ إِمَّا رفعا أَو نصبا انْتهى الْمَقْصُود نَقله مفرقا فِي كَلَامه الطَّوِيل وَفِيه تَصْرِيح بِأَن إِضَافَة الْوَصْف إِلَى فَاعله لفظية وَإِن كَانَ بِمَعْنى الْمَاضِي بِخِلَاف إِضَافَته إِلَى غير فَاعله إِذا كَانَ بِمَعْنى الْمَاضِي وَفِيه أَيْضا التَّصْرِيح باطلاق أَن إِضَافَة الْوَصْف المُرَاد بِهِ الِاسْتِمْرَار لفظية خلاف لما تقدم عَن الْكَشَّاف وَأَتْبَاعه لكنه قَالَ بعد ذَلِك فاسم الْفَاعِل وَالْمَفْعُول المستمر يَصح أَن تكون إِضَافَته مَحْضَة كَمَا يَصح أَن لَا تكون كَذَلِك وَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ بِمَعْنى الْمُضَارع إِلَّا أَن اسْتِمْرَار مُلَابسَة الْمُضَاف للمضاف إِلَيْهِ يَصح تعينه بِهِ أَو تخصصه قَالَ سِيبَوَيْهٍ تَقول مَرَرْت بِعَبْد الله ضاربك كَمَا

تَقول مَرَرْت بِعَبْد الله صَاحبك أَي الْمَعْرُوف بضربك كَمَا تَقول مَرَرْت بِرَجُل شبهك أَي الْمَعْرُوف بشبهك فَإِذا قصدت هَذَا الْمَعْنى لم يعْمل الْفَاعِل فِي مَحل الْمَجْرُور بِهِ نصبا كَمَا فِي صَاحبك وَإِن كَانَ أَصله اسْم فَاعل من صحب يصحب بل تقدره كَأَنَّهُ جامد انْتهى فقد فصل فِي إِضَافَة الْوَصْف المُرَاد بِهِ الِاسْتِمْرَار لَكِن مدرك تَفْصِيله غير مدرك تَفْصِيل الْكَشَّاف وَأَتْبَاعه الْمُسْتَفَاد من الْجَواب السَّابِق كَمَا هُوَ ظَاهر فَهُوَ مُوَافق لَهُم فِي التَّفْصِيل مُخَالف لَهُم فِي الْمدْرك وَأما ابْن هِشَام فَكَلَامه فِي مغنيه صَرِيح فِي اعْتِمَاده أَن إِضَافَة الْوَصْف المُرَاد بِهِ الِاسْتِمْرَار حَقِيقَة أبدا فِي غير تَفْصِيل فَإِنَّهُ نقل كَلَام الْكَشَّاف الأول وَاسْتَحْسنهُ ثمَّ رد كَلَامه الثَّانِي بعد ادِّعَاء مناقضته للْأولِ ويتحصل من ذَلِك كُله أَن صَاحب الْكَشَّاف وَأَتْبَاعه كالسعد وَالسَّيِّد على التَّفْصِيل فِي إِضَافَة الْوَصْف المُرَاد بِهِ الِاسْتِمْرَار وَكَذَا الرضي لكنه مُخَالف لَهُم فِي مدرك التَّفْصِيل كَمَا تقرر وَأَن ابْن هِشَام على الاطلاق فِيهَا ثمَّ قَالَ السَّيِّد بعد مَا تقدم عَنهُ مَا نَصه وَيُمكن بِأَن يُقَال الِاسْتِمْرَار فِي

مَالك يَوْم الدّين ثبوتي وَفِي جَاعل تجددي بتعاقب أَفْرَاده فَكَانَ الثَّانِي عَاملا واضافته لفظية لوُرُود الْمُضَارع بِمَعْنَاهُ دون الأول انْتهى وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أُمُور الأول أَن الِاسْتِمْرَار أَعم من الثُّبُوت والدوام لِأَنَّهُ يكون تجدديا بتعاقب أَفْرَاده وثبوتيا بدوام الثَّابِت وَبِذَلِك يحصل الْجَواب عَن قَول السَّائِل وَهل الثُّبُوت والدوام غير الِاسْتِمْرَار وَالثَّانِي ان اسْم الْفَاعِل إِذا كَانَ للثبوت كَانَ غير عَامل وَكَانَت إِضَافَته حَقِيقِيَّة وَحِينَئِذٍ يسْتَشْكل ذَلِك بِالصّفةِ المشبهة فَإِنَّهَا للثبوت وَمَعَ ذَلِك فَهِيَ عاملة وإضافتها لفظية وَجَوَابه أَن مدَار كَون الاضافة لفظية أَو حَقِيقِيَّة على عمل الْوَصْف وَعدم عمله كَمَا صرح بذلك الْأَئِمَّة وَتقدم فِي كَلَام الرضي وَالصّفة تعْمل وَإِن كَانَت للثبوت لِأَن عَملهَا بِسَبَب مشابهتها لاسم الْفَاعِل فِي أَنَّهَا تؤنث وتثنى وَتجمع وَهَذِه المشابهة متحققة فِيهَا دَائِما فَعمِلت دَائِما وَكَانَت إضافتها لفظية دَائِما لوُجُود سَبَب الْعَمَل دَائِما بِخِلَاف اسْم الْفَاعِل فان عمله لمشابهته الْفِعْل الْمُضَارع فاذا كَانَ بِمَعْنى الثُّبُوت فَأَتَتْهُ المشابهة لِأَن الْمُضَارع لَا يكون للثبوت فَلم يعْمل لانْتِفَاء سَبَب الْعَمَل وَكَانَت إِضَافَته حَقِيقِيَّة

وَالثَّالِث أَنه لَا يَصح إِطْلَاق أَن إِضَافَة الصّفة المشبهة لفظية إِن جعلنَا اسْم الْفَاعِل المُرَاد بِهِ الثُّبُوت صفة مشبهة حَقِيقَة على مَا سَيَأْتِي وَقد اخْتلف تعبيرهم فِيهِ مِنْهُم من يعبر بِأَنَّهُ صفة مشبهة وَمِنْهُم من يعبر بِنَحْوِ أَن لَهُ حكم الصّفة المشبهة وَأَنه يُعَامل معاملتها فَيحْتَمل أَن اخْتِلَاف هَذَا التَّعْبِير مَبْنِيّ على الِاخْتِلَاف فِي اسْم الْفَاعِل الْمَذْكُور هَل هُوَ صفة مشبهة حَقِيقَة أَو لَا وَيحْتَمل أَن المُرَاد مِنْهُمَا وَاحِد وَأَن فِي أَحدهمَا مُسَامَحَة إِمَّا بِأَن يُرَاد بِالْأولِ أَنه صفة مشبهة حكما وَإِمَّا بِأَن يُرَاد بِالثَّانِي أَنه صفة مشبهة حَقِيقَة وَالتَّعْبِير بِأَن لَهُ حكمهَا أَو أَنه يُعَامل معاملتها لَا يُنَافِي أَنه مِنْهَا حَقِيقَة وَإِنَّمَا عبروا بذلك لِأَن إِدْخَاله فِيهَا أَمر طارىء على أصل وَضعه وَقد قَالَ الْمرَادِي قلت وَلقَائِل أَن يَقُول إِن ضامرا ومنطلقا وَنَحْوهمَا مِمَّا يجْرِي على الْمُضَارع أَسمَاء فاعلين قصد بهَا الثُّبُوت فعوملت مُعَاملَة الصّفة المشبهة وَلَيْسَت بِصفة مشبهة فقد رد مَا ذهب إِلَيْهِ من قَالَ إِنَّهَا لَا تكون جَارِيَة لكَوْنهم متفقين على أَن شاحطا فِي قَوْله (من صديق أَو أخي ثِقَة ... أَو عَدو شاحط دَارا)

وكتبه الفقير أحمد بن قاسم العبادي

صفة مشبهة قلت إِن صَحَّ الِاتِّفَاق فَهُوَ مَحْمُول على أَن حكمه حكم الصّفة المشبهة لِأَنَّهُ قصد بِهِ الثُّبُوت كَمَا تقدم فَلذَلِك أطلق عَلَيْهِ صفة مشبهة انْتهى وَبِمَا تقرر يعلم أَن الْفرق الْمَذْكُور فِي السُّؤَال هُوَ نَص كَلَامهم حَيْثُ صَرَّحُوا بِأَن مدَار اللفظية والحقيقية على الْعَمَل وَعَدَمه فَلَا حَاجَة مَعَ ذَلِك إِلَى التأييد وَمَا ذكره السُّيُوطِيّ فِي الْفرق مُشكل وَفِيه نظر لِأَن نقل إِضَافَة الصّفة المشبهة عَن الرّفْع يلْزم مِنْهُ إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه لِأَن المُرَاد من الصّفة ومرفوعها وَاحِد كَمَا هُوَ ظَاهر وَيُخَالِفهُ قَول التَّوْضِيح كَغَيْرِهِ لِأَن الصّفة المشبهة لَا تُضَاف لمرفوعها حَتَّى يقدر تَحْويل إسنادها عَنهُ إِلَى ضمير الْمَوْصُوف أَي وَحِينَئِذٍ ينصب الْمَرْفُوع فيتغاير مَعَ الصّفة ثمَّ تقع الْإِضَافَة فَلْيتَأَمَّل وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب وَكتبه الْفَقِير أَحْمد بن قَاسم الْعَبَّادِيّ عُفيَ عَنْهُمَا وَجَاء فِي آخر النُّسْخَة م وَهَذَا آخر مَا رَأَيْته من السُّؤَال وَالْجَوَاب ونقلته وَالله أعلم وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على من لَا نَبِي بعده آمين

§1/1