رسالة رد الروافض

أحمد السهرندي

المقدمة

المقدمة - بسم الله الرحمن الرحيم - الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا عليه كما يحب ربنا ويرضى. والصلاة والسلام على سيدنا محمد أكرم البشر المبعوث إلى الأسود والأحمر كما يناسب بعلو شأنه ويحرى، وعلى خلفائه الراشدين المهديين وذريته الطيبين الطاهرين وسائر أصحابه المرضيين كما يليق بمراتبهم العظمى ودرجاتهم العليا. أما بعد، فيقول العبد الفقير إلى رحمة الله الواحد الصمد خادم علماء أهل السنة أحمد بن عبد الأحد العمري الفاروقي نسبا والسهرندي مولدا ووطنا والحنفي مذهبا: وصلت إلى هذا الفقير قليل البضاعة في هذا الوقت رسالة كتبها الشيعة عند محاصرة عبد الله خان أوزبك المشهد إلى علماء ما وراء النهر في جواب ما كتبوا من تكفير الشيعة وإباحة دمائهم وأموالهم. وكان حاصل تلك الرسالة المزخرفة بعد طي مقدمات يغتر بها السفهاء تكفير الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم وذم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وكان بعض طلبة العلم من الشيعة المترددين إلى هذه البلاد يتباهون ويفتخرون بتلك المغالطات ويشيعونها في مجالس الأمراء والسلاطين. وهذا الفقير وإن كان يردها بالدلائل العقلية والنقلية مشافهة في المجالس والمعارك ويطلع الناس على مزلاتهم الصريحة، لكن حمية الإسلام والعرق الفاروقي مني لم يكفيا بهذا القدر من الرد والإلزام وغليل صدري لم يذهب بما ذكر من الكبت والإفحام. فتقرر في خاطري أن إظهار مفاسدهم وإبطال مقاصدهم لا يفيد فائدة تامة ولا ينفع منفعة عامة حتى يقيد بالكتابة ويجعل في حيز التحرير. فشرعت في رد مقاصدهم الفاسدة وعقائدهم الكاسدة التي أوردوها في تلك الرسالة. وها أنا افيض في المقصود مستعينا بالله الصمد الودود وهو يصون عما يشين وهو المولى والمعين وبه التوفيق ومن عنده التحقيق. اعلموا أحسن الله إرشادكم أن الشيعة يزعمون أن الإمام الحق بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي رضي الله عنه، إما بنص جلي أو خفي، وأن الإمامة لا تخرج منه ومن أولاده إلا بتقية منهم أو بظلم من غيرهم. وهم على كثرة طرقهم وتعدد أصنافهم يجمعهم ثنتان وعشرون فرقة يكفر بعضهم بعضا ويشنع كل واحدة على الأخرى؛ وكفى الله المؤمنين القتال. وبين متأخريهم ومتقدميهم وبين قدمائهم وأقدميهم تفاوت عظيم في البعد عن الحق والقرب منه، لكن جميع فرقهم لفرط تعصبهم وعنادهم يستحقون اللعن والتكفير، إذ أزكى الاعمال وأفضل الطاعات عندهم سب السلف والطعن في الخلفاء الثلاثة بل تكفيرهم. وتحقيق هذه المسألة سيجيء عن قريب، {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين}. (¬1) ونحن قبل الشروع في المقصود نذكر فرقا منهم نطلعكم على مقاصدهم لتعلموا فضائح هؤلاء الضلال وشنايعهم بأتم وجه. فنقول: 1 - منهم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، زعم أن عليا رضي الله عنه إله فنفاه سيدنا علي رضي الله عنه إلى المدائن وزعم أيضا أن ابن ملجم لم يقتل عليا بل قتل شيطانا تمثل بصورته وعلي في السحاب والرعد صوته والبرق سوطه؛ وهم يقولون عند استماع صوت الرعد: عليك السلام يا أمير المؤمنين. ¬

_ (¬1) البقرة: 16

2 - ومنهم الكاملية أصحاب أبي كامل، يكفرون أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بترك بيعة علي رضي الله عنه ويكفرون عليا بترك حقه ويقولون بالتناسخ. 3 - ومنهم البيانية أصحاب بيان بن سمعان، يزعمون أن الله على صورة إنسان ويهلك جميع أجزائه إلا وجهه وأن روح الله حلت في علي وبعده في ابنه محمد بن الحنفية وبعده في ابنه هاشم وبعده في بيان. 4 - ومنهم المغيرية أصحاب مغيرة بن سعيد العجلي، يزعمون أن الله على صورة رجل نوراني على رأسه تاج من نور وقلبه منبع الحكمة. 5 - ومنهم الجناحية أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين، يقولون بتناسخ الارواح وبأن روح الله حلت في آدم ثم في شيث ثم في الأنبياء والأئمة حتى انتهى إلى علي وذريته ثم في عبد الله. وهم ينكرون القيامة ويستحلون المحرمات كالخمر والميتة والزنا وغيرها. 6 - ومنهم المنصورية أصحاب أبي منصور العجلي كان يلازم الإمام الباقر فلما تبرأ منه وطرده ادعى الإمامة لنفسه. زعموا أن أبا منصور صعد إلى السماء فمسح الله رأسه بيده وقال: يا بني اذهب فبلغ عني، ثم نزل إلى الأرض وهو الكسف المذكور في قوله تعالى: {وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحابٌ مركومٌ} (¬1) وزعموا أن الرسالة لا تنقطع وأن الجنة عبارة عن الإمام الذي أمرنا بمحبته والنار كناية عمن أمرنا ببغضه كأبي بكر وعمر والفرائض جماعة أمرنا بمحبتهم والمحرمات قوم أمرنا ببغضهم. 7 - ومنهم الخطابية أصحاب أبي الخطاب الأسدي كان يلازم الإمام جعفر الصادق فلما رأى الإمام غلوه فيه تبرأ منه وطرده فصار بعد ذلك يدعي الإمامة لنفسه. زعموا أن الأئمة أنبياء وأبا خطاب نبي بل زادوا على ذلك وزعموا أن الأئمة آلهة والجعفر الصادق إله ولكن أبو الخطاب أفضل منه ومن علي. واستحلوا شهادة الزور لموافقهم على مخالفهم والمحرمات وترك الفرائض، وزعموا أن الجنة نعيم الدنيا والنار آلامها وأن الدنيا لا تفنى أبدا. 8 - ومنهم الغرابية وزعموا أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - أشبه بعلي رضي الله عنه من غراب بغراب وذباب بذباب، وأن الله كان يوحي إلى علي ولكن أخطأ جبريل لكمال المشابهة فأتى بالوحي إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -. قال شاعرهم: "غلط الأمين فجازها عن حيدره" وهم يلعنون جبرئيل عليه السلام. 9 - ومنهم الذمية يذمون محمدا - صلى الله عليه وسلم - يزعمون أن عليا إله وهو الذي أرسل محمدا ليدعو الناس إليه فتركه ودعى إلى نفسه وزعم بعضهم أن كلا منهما إله. ثم اختلفوا فمنهم من قدم محمدا - صلى الله عليه وسلم - في أحكام الألوهية ومنهم من قدم عليا رضي الله عنه. وزعم بعضهم أن الآلهة خمسة وهم أصحاب العباء محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم وأنهم شيء واحد والروح حلت فيهم على السواء لا فضل لأحد منهم على الآخر. وهم لا يقولون فاطمة بتاء التأنيث تحرزا عن وصمة التأنيث. 10 - ومنهم اليونسية أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمي زعموا أن الله على العرش وأن الملائكة حملوه وهو أقوى منهم كالكركي يقوم على قدميه وهو أعظم منهما. ¬

_ (¬1) الطور: 44

11 - ومنهم المفوضية زعموا أن الله خلق الدنيا ففوضها إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - وأباح له كل شيء فيها وزعم بعضهم أنه فوضها إلى علي رضي الله عنه. 12 - ومنهم الإسماعيلية يقولون بباطن القرآن دون ظاهره. زعموا أن الباطن من الظاهر بمترلة اللب من القشر ومن تمسك بالظاهر ابتلي بالمشقة في امتثال الأوامر واجتناب النواهي، والتمسك بالباطن يفضي إلى ترك العمل بالظاهر، فاستباحوا المحرمات وتمسكوا بقول عز من قائل: {فضرب بينهم بسور له بابٌ باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} (¬1) وزعموا أن الأنبياء المتكلمين بالشرائع سبعة: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليه الصلاة والسلام ومحمد المهدي فعدوا المهدي من الرسل. وأصل دعوتهم إلى إبطال الشرائع والتشكيك في الأحكام؛ يقولون: لم تقضي الحائض الصوم دون الصلاة ولم وجب الغسل من المني دون البول ولم فرضت في بعض الصلوات أربع ركعات وفي بعضها ثلاث وفي بعضها ركعتان؟ ويؤولون الشرائع فالوضوء موالاة الإمام والصلاة هو الرسول. ويتمسكون بقوله تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} (¬2) والاحتلام إفشاء الأسرار إلى غير أهلها والزكاة تزكية النفس بالمعرفة والكعبة محمد والباب علي والصفا محمد والمروة علي والأشواط السبعة في الطواف موالاة الأئمة السبعة والجنة راحة الأبدان عن مشقة التكاليف والنار مشقة الابدان بمعالجة التكاليف. ولهم خرافات كثيرة بمثل ما ذكرنا. ويزعمون أن الله ليس بموجود ولا معدوم وليس بعالم ولا جاهل وليس بقادر ولا عاجز. ولما ظهر الحسن بن محمد الصباح جدد الدعوة نيابة عن الإمام الذي لا يخلو زمان عن وجوده بزعمهم، وأصحابه ينهون العوام عن الخوض في العلم مطلقا والخواص عن النظر في الكتب المتقدمة لئلا يطلعوا على فضائحهم. ويتشبثون بأذيال الفلاسفة ويستهزؤن بالشرائع. 13 - ومنهم الزيدية ينتسبون إلى زيد بن علي زين العابدين رضي الله عنهما. وهم ثلاث فرق: الجارودية يقولون بالنص الخفي على إمامة علي رضي الله عنه ويكفرون الصحابة بترك متابعته بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، والثانية السليمانية يقولون إن الإمامة شورى بين الناس وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما إمامان ولكن الناس أخطأوا في بيعتهما مع وجود علي رضي الله عنه ولا يجعلون هذا الخطأ فسقا ويكفرون عثمان وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم، والثالثة التبرية وهم يوافقون السليمانية في جميع ما ذكر إلا أنهم توقفوا في عثمان رضي الله عنه. وأكثر الزيدية مقلدون في الأصول للمعتزلة وفي الفروع للإمام أبي حنيفة رحمه الله إلا في مسائل معدودة. ¬

_ (¬1) الحديد: 13 (¬2) العنكبوت: 45

قال علماء ما وراء النهر شكر الله سعيهم: قد اشتهر بل تواتر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوقر الخلفاء الثلاثة ويقدمهم في الأمور على غيرهم ويدنيهم

14 - ومنهم الإمامية يقولون بالنص الجلي على إمامة علي رضي الله عنه ويكفرون الصحابة رضي الله عنهم. واتفقوا على الأئمة المنصوص عليهم إلى جعفر الصادق رضي الله عنه ثم اختلفوا من بعده. والمشهور المختار عند جمهورهم أن الإمام بعده موسى بن جعفر الكاظم رضي الله عنه ثم علي بن موسى الرضا رضي الله عنه ثم محمد بن علي التقي رضي الله عنه ثم علي بن محمد العسكري رضي الله عنه ثم حسن بن علي الزكي رضي الله عنه ثم محمد بن الحسن وهو القائم المنتظر. وكان أوائلهم على مذهب أئمتهم وأما متأخروهم فمنهم من مال إلى المعتزلة ومنهم من مال إلى المشبهة. وهذا آخر بيان فرقهم الضالة المضلة. وإنما لم نذكر باقي الفرق لأنهم موافقون بالمذكورين إلا في اشياء يسيرة وكل من له أدنى دراية وتميز واطلع على مطالبهم فإنه يحكم لا محالة بفساد مذهبهم بأدنى النظر وإن لم يرجع إلى الأدلة. وماذا أشنع من أنهم ينسبون أنفسهم إلى أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعون متابعتهم وموالاتهم، وأولئك الأخيار يتبرؤن عن هذه المحبة المفرطة ولا يقبلون منهم متابعتهم. إنما محبة هؤلاء الضلال كمحبة النصارى بعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام: أفرطوا في محبته حتى عبدوه وهو بريء منهم. وأخرج أحمد عن علي رضي الله عنه أنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فيك مثل من عيسى عليه السلام أبغضته اليهود حتى بهتوا امه وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمترلة التي ليست له" ثم قال: يهلك في رجلان محب مفرط يفرطني بما ليس في ومبغض يحمله شنأني على أن يبهتني. وقوله سبحانه: {إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا} (¬1) يبين حال الرفضة ومآل أمرهم {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}. (¬2) قال علماء ما وراء النهر شكر الله سعيهم: قد اشتهر بل تواتر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوقر الخلفاء الثلاثة ويقدمهم في الأمور على غيرهم ويدنيهم؛ وصحت في فضائلهم ومناقبهم أحاديث لا تعد ولا تحصى. وجميع أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله بأمر الله تعالى ووحيه لقوله عز من قائل: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحيٌ يوحى} (¬3) والشيعة في طعنهم وذمهم يخالفون الوحي ومخالفة الوحي كفر. ¬

_ (¬1) البقرة: 166 (¬2) آل عمران: 8 (¬3) النجم: 3 - 4

وأجابت الشيعة عن ذلك أولا بأنه لو تم دليلكم هذا للزم منه القدح في الخلفاء الثلاثة وبطلان خلافتهم وذلك لأن شارح المواقف نقل عن الآمدي وهو من أكابر أهل السنة أن الصحابة اختلفوا عند وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتين. الأولى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إيتوني بقرطاس أكتب لكم شيئا لا تضلوا بعده" فلم يرض عمر بذلك وقال إن الرجل غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وارتفعت الأصوات فتأذى النبي - صلى الله عليه وسلم - من اختلافهم وقال: "قوموا عني فلا ينبغي التراع عندي" والثانية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر قوما أن يخرجوا مع أسامة فتخلف ناس وبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "جهزوا جيش أسامة. لعن الله من تخلف عنه" (¬1) ومع هذا الوعيد الشديد تخلف ناس ولم يخرجوا معه. فنقول أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإحضار القرطاس وكتابة الوصية وحي للآية التي تلوتموها، ورد عمر أمره وعدم رضائه به رد للوحي، ورد الوحي كفر على ما اعترفتم به على ما دل عليه قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} (¬2) والكافر لا يستحق خلافة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ونقول أيضا التخلف عن جيش أسامة كفر لما ذكر، وقد ثبت عن الخلفاء الثلاثة باتفاق منا ومنكم. ولنا أن نقول أيضا إخراج النبي - صلى الله عليه وسلم - مروان من المدينة لا جرم بالوحي وإدخاله عثمان إياه فيها وتوقيره وتفويضه أمور الخلافة كفر بوجهين أحدهما ما اعترفتم به والثاني قوله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}. (¬3) أقول ومن الله العصمة والتوفيق: لا نسلم أن جميع أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله بالوحي. وتمسكهم بقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحيٌ يوحى} ليس بتام لأنه مختص بالقرآن. قال القاضي البيضاوي: معناه: وما يصدر نطقه بالقرآن عن الهوى. ولو كان جميع أقواله وأفعاله - صلى الله عليه وسلم - بالوحي لما نزل القرآن بالعتاب في بعض المواضع كما في قوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك} (¬4) وقوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} (¬5) وقوله سبحانه: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا} (¬6) وقوله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} (¬7) نزلت هذه الآية في رواية بعد الصلاة على المنافق وفي رواية قبلها بعد ما صمم العزم عليها. وعلى التقديرين العتاب على الفعل ثابت فعل القلب كان أو فعل الجوارح. ¬

_ (¬1) الضعيفة 4972 (¬2) المائدة: 44 (¬3) المجادلة: 22 (¬4) التحريم: 1 (¬5) التوبة: 43 (¬6) الانفال: 67 (¬7) التوبة: 84

قال القاضي البيضاوي في تفسير قوله عز من قائل: {ما كان لنبي} الخ دليل على أن الأنبياء يجتهدون وأنه قد يكون خطأ. وبالجملة فكان للصحابة في الأمور العقلية والأحكام الاجتهادية مجال اختلاف ومساغ خلاف وكان الوحي في بعض الأوقات يوافق رأي بعض الأصحاب كما نزل في أسارى بدر على موافقة رأي أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه ولا يقدح ذلك في النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ منشأه تهيأ قلبه للوحي وقلة التفاته إلى الأمور العقلية. قال القاضي البيضاوي: روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى يوم بدر بسبعين اسيرا منهم العباس وعقيل بن أبي طالب فاستشار فيهم فقال أبو بكر رضي الله عنه: قومك وأهلك استبقهم لعل الله تعالى يتوب عليهم وخذ منهم فدية يتقوى بها أصحابك، وقال عمر رضي الله عنه: اضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر وإن الله تعالى أغناك عن الفداء، مكني من فلان ومكن عليا وحمزة من إخوانهما فلنضرب أعناقهم، فلم يهو ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "إن الله تعالى ليلين قلوب عباد حتى تكون ألين من اللبن وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا ابا بكر مثل إبراهيم قال: {فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفورٌ رحيمٌ} (¬1) ومثلك يا عمر مثل نوح قال: {لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا} " (¬2) فخير أصحابه فأخذوا الفدية، فترلت يعني آية {ما كان لنبي} فدخل عمر رضي الله عنه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال: يا رسول الله أخبرني فإن أجد بكاء بكيت وإلا تباكيت فقال: "أبكي على أصحابي في أخذهم الفداء ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة" لشجرة قريبة منه. وقال القاضي أيضا روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ" وذلك لأنه أشار بالإثخان أيضا. ¬

_ (¬1) إبراهيم: 36 (¬2) نوح: 26

وإذا تمهد هذا فنقول يمكن أن لا يكون أمره - صلى الله عليه وسلم - بإحضار القرطاس وتجهيز جيش أسامة وكذا إخراجه المروان بطريق الوحي بل بطريق الرأي والاجتهاد. واختلافهم في أمثال ذلك لا نسلم أنه كفر لأن هذا القسم تكرر صدوره من الصحابة ولم يعاتبهم الله. وكان الله يترل الوعيد الشديد في أدنى إساءة أدب معه - صلى الله عليه وسلم - كما قال عز من قائل: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} (¬1) قال شارح المواقف نقلا عن الآمدي: كان المسلمون عند وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على عقيدة واحدة وطريقة واحدة إلا من كان يبطن النفاق ويظهر الوفاق، ثم نشأ الخلاف بينهم في أمور اجتهادية لا توجب إيمانا ولا كفرا وكان غرضهم إقامة مراسم الدين وإدامة مناهج الشرع القويم وذلك كاختلافهم عند قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرض موته: "إيتوني بقرطاس" الخ وكاختلافهم بعد ذلك في التخلف عن جيش أسامة فقال قوم بوجوب الاتباع لقوله: "جهزوا جيش أسامة" الخ وقال قوم بالتخلف انتظارا لما يكون منه في مرضه. فإن قال قائل: ثبوت اجتهاده إنما هو بالوحي فصح أن جميع أقواله وأفعاله بالوحي، قلنا: فرق بين أن يكون كل فعل فعل وقول قول صادرا من الوحي وبين أن يكون جواز الاجتهاد ثابتا من الوحي وتكون الأحكام الاجتهادية بتفاصيلها مستنبطة من أدلتها التفصيلية ومقدماتها الفكرية ألا ترى أن أقوال المجتهدين من الأمة ليست من الوحي وإن كان اجتهادهم ثابتا بالوحي وهو قوله تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} (¬2) ولإن سلمنا أن جميعها بالوحي قلنا أن نمنع كلية المقدمة القائلة بأن مخالفتها كفر وسند المنع ما مر. والذي وقع في كلام علماء ما وراء النهر من إن جميع أقواله - صلى الله عليه وسلم - بالوحي إنما المراد به والله أعلم ما سوى الأمور الاجتهادية والمقصود من التعميم بيان أن ما صدر من الوحي الجلي والخفي سواء، وهذا القدر يكفي في مقصودهم لأن الأحاديث الواردة في مدح الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم من قبل الإخبار بالمغيبات فهي لا بد من الوحي قال تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} (¬3) وقال: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول} (¬4) وعلى هذا التقدير يكون المراد من الوحي في قوله تعالى: {إن هو إلا وحيٌ يوحى} أعم من القرآن وغيره من الوحي، ولا شك إن مخالفة مثل هذه الأفعال والأقوال تستلزم مخالفة الوحي ومخالفته كفر والأحاديث الواردة في مدائحهم مما هي من إعلام الله سبحانه يقينا كثيرة بلغت الشهرة بل التواتر: 1 - منها ما رواه الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأبي بكر رضي الله عنه: "أنت صاحبي في الغار وصاحبي على الحوض". 2 - ومنها ما رواه الترمذي أيضا أنه قال: "أتاني جبرئيل فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي يدخل منه أمتي" فقال أبو بكر: يا رسول الله وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما أنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة". ¬

_ (¬1) الحجرات: 2 (¬2) الحشر: 2 (¬3) الانعام: 59 (¬4) الجن: 27

3 - ومنها ما رواه البخاري ومسلم عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: دخلت الجنة إلى أن قال: «ورأيت قصرا بفنائه جارية فقلت لمن فقالوا لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك» فقال عمر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أعليك أغار. 4 - ومنها ما رواه ابن ماجة عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ذاك الرجل أرفع أمتي درجة". قال أبو سعيد: والله ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى مضى لسبيله. 5 - ومنها ما أخرج البخاري عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما قدمت أبا بكر وعمر ولكن الله قدمهما". (¬1) 6 - ومنها ما أخرجه أبو يعلى عن عمار بن ياسر أنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "أتاني جبرئيل فقلت يا جبرئيل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب فقال لو أحدثك ما لبث نوح في قومه ما نفدت فضائله وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر". 7 - ومنها ما رواه الترمذي عن أنس وابن ماجة عن علي بن أبي طالب أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين». 8 - ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري أنه قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «افتح له وبشره بالجنة» ففتحت له فإذا أبو بكر فبشرته بما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «افتح له وبشره بالجنة» ففتحت له فإذا عمر فأخبرته بما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله ثم استفتح رجل فقال: «افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه» فإذا عثمان فأخبرته بما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله ثم قال: والله المستعان. وأيضا لو سلم أن إخراج مروان كان بالوحي فلا نسلم أن المقصود نفيه أبدا. لم لا يجوز أن يكون إخراجه موقتا وتغريبه مؤجلا كما وقعت في حد الزنا حيث قال: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ويكون سيدنا عثمان مطلعا على ذلك التوقيت فلما انقضت المدة أدخله المدينة ولا محذور فيه. وقوله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون} (¬2) إنما يمنع من مودة الكفار ولم يثبت كفر مروان حتى يكون مودته منهيا عنها. وأجابت الشيعة ثانيا بأن ثبوت فضائل الخلفاء الثلاثة من النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بمتفق عليه بين الفريقين إذ ليس منها شيء في كتب الشيعة والأحاديث الدالة على ذمهم كالروايتين المذكورتين وغيرهما موجودة في كتب الفريقين جميعا. وأيضا جوز بعض أهل السنة وضع الأحاديث للمصلحة فلا اعتماد على حديثهم إذا لم يكن متفقا عليه. ¬

_ (¬1) لم يروه البخاري (¬2) المجادلة 22

قال علماء ما وراء النهر رحمهم الله: إن الخلفاء الثلاثة قد شرفهم الله تعالى برضوانه

أقول: لما تدينت الشيعة لشدة تعصبهم وعنادهم لطعن السلف وسب الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم لم يبالوا بقدح الأحاديث الصحيحة الواردة في مناقبهم ولا بتحريف الروايات والتصرف فيها من عند أنفسهم حتى أنهم قالوا في قوله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه} (¬1) ما قالوا واعتقدوا أن عثمان رضي الله عنه كتم من القرآن ما نزل في فضائل أهل البيت. وقد ذكرنا سابقا أن منهم طائفة تجوز شهادة الزور لموافقهم على مخالفهم، فإذا كان كذلك ارتفع الأمن من أحاديثهم ورواياتهم ولم يبق تعريج على جرحهم وتضعيفهم وصارت الأحاديث التي يروونها عن أئمة أهل البيت بمترلة التوراة والانجيل حيث حرفهما اليهود والنصارى. ومناقب الخلفاء الثلاثة موجودة في صحيح البخاري الذي هو اصح كتاب بعد كتاب الله وفي صحيح مسلم وغيرهما. والذي ظنوه ذما وتخيلوه جرحا ليس كما ظنوا، إنما ظنهم ذلك بمترلة وجدان الصفراوي السكر مرا. وأما الذي ذكروه من إن بعض أهل السنة جوزوا وضع الحديث فإنما يرفع الأمان عن حديثهم إذا لم يرد المحققون من أهل السنة كلام ذلك البعض ولم ينكروا عليهم. والأمر ليس كذلك بل جهابذة أهل الحديث بينوا الأحاديث الموضوعة وأنكروا على واضعها. وحينئذ لا يعود إليهم شيء ولا يلتبس الحق الواضح بالباطل. وأجابت الشيعة ثالثا بأن مخالفة خبر الواحد ليس بكفر إذ ليس واحد من علمائكم المجتهدين إلا قد خالف بعض أخبار الآحاد. أقول: لا يخفى أن الأحاديث الواردة في فضائل الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم وإن كانت من جهة ألفاظها أحادية لكنها لتعدد طرقها وكثرة رواتها متواترة بالمعنى. ولا شك أن إنكار مدلول مثل هذه الأخبار كفر، ولم يخالف أحد من المجتهدين مثلها. بل الإمام أبو حنيفة رحمة الله عليه الذي هو رئيس أهل السنة يقدم خبر الواحد مطلقا، بل أقوال الصحابة أيضا على القياس. وأجابت الشيعة رابعا بعد التسليم بأن توقير النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقديمه الخلفاء الثلاثة كان قبل مخالفتهم ونكثهم البيعة فلا يدل شيء من ذلك على حسن خاتمتهم وسلامة عاقبتهم لأن العقوبة قبل صدور العصيان وإن كان معلوما لا تليق بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. ولهذا أخبر علي رضي الله عنه بما يفعله ابن الملجم ولم يعاقبه. أقول: لا يخفى أن الأحاديث الواردة في فضائلهم ناصة على حسن خاتمتهم وسلامة عاقبتهم كالأحاديث التي رويناها سابقا. وكما أن عقوبة العاصي قبل صدور العصيان وإن كان معلوما ليست بمحمودة فكذلك مدح من علم سوء خاتمته والإبرام في ذكر فضائله والتناهي في توقيره وتقديمه غير محمود. ولهذا قلنا إن هذه الأمور دالة على حسن حالهم حالا ومآلا. وعلي رضي الله عنه كما لم يعاقب ابن الملجم على ما يفعله فكذلك لم يمدحه بل بين ما يدل على سوء حاله في المآل. قال علماء ما وراء النهر رحمهم الله: إن الخلفاء الثلاثة قد شرفهم الله تعالى برضوانه بقوله: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} (¬2) فيكون سبهم كفرا. ¬

_ (¬1) القيامة: 17 (¬2) الفتح: 18

وأجابت الشيعة بمنع دلالة الآية على تشريفهم بالرضوان لأن مدلولها عند التدقيق رضاء الله تعالى بذلك الفعل الخاص أي البيعة وليس أحد ينكر أنه قد صدر منهم بعض الأفعال المرضية إنما الكلام أنهم صدر منهم بعد ذلك أفعال تكون نقضا لذلك العهد ونكثا لتلك البيعة حيث خالفوا نص النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخلافة وغصبوها من مستحقها وآذوا فاطمة رضي الله عنها. وقد أخرج البخاري عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من آذاها فقد آذاني» وقال الله تعالى: {إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة} (¬1) وتخلفوا عن جيش أسامة. فلأمثال هذه الأفعال استحقو الطعن، إذ سلامة العافية بحسن الخاتمة والوفاء بالعهد والبيعة. أقول: مدلول الآية عند التحقيق أن رضاء الله تعالى تعلقت بالمؤمنين عند بيعتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أنها تعلقت بالبيعة. غاية ما في الباب أن التدقيق يقضي إلى علية بيعتهم لرضاء الله تعالى عنهم. نعم كون البيعة مرضية إنما يفهم من كونها علة للرضاء وكون هؤلاء مرضيين لأجلها، فتكون مرضية بالطريق الأولى. أما أن البيعة هي المرضي عنها أصالة مع عدم كون أهلها مرضيين كما زعموا فمما لا يفهم أصلا. ولما التبس عليهم الحق سموا خطأهم تدقيقا. فإذا تمهد هذا فنقول: لما رضي الله عنهم وقد علم سرائرهم وبواطنهم وأنزل السكينة والطمأنينة عليهم على ما دل قوله تعالى: {فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم} (¬2) وبشرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، فلا بد أنهم مصونون عن سوء الخاتمة ونقض العهد ونكث البيعة. ولئن سلمنا أن مدلولها رضاء الله بذلك الفعل الخاص فلنا أن نقول لما رضي الله تعالى عن بيعتهم لزم منه أن يكونوا مرضيين وأن تكون عاقبتهم محمودة لأن الله تعالى لا يرضى عن أفعال الكفار قال تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء} (¬3) وقال: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافرٌ فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة} (¬4) فالعمل الذي يكون مضمحلا في الآخرة ولا تترتب عليه ثمرة لا معنى لرضاء الله به، إذ الرضاء نهاية القبول والقبول إنما هو باعتبار المآل وإنما العبرة بالخواتيم. ثم ورود النص من النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الخليفة بعده علي رضي الله عنه غير ثابت، بل قام الدليل على نفيه لأنه لو ورد لنقل بالتواتر لأنه مما يتوفر الدواعي إلى نقله كقتل الخطيب على المنبر. وأيضا لو كان نص في هذا الباب لاحتج به علي ولمنع به أبا بكر من الخلافة كما منع أبو بكر الأنصار بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الأئمة من قريش» فأذعنوا له ولم يناقشوه. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 57 (¬2) الفتح: 18 (¬3) النور: 39 (¬4) البقرة: 217

قال علماء ما وراء النهر: قد سمى الله تعالى الصديق صاحبا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه لا يكون قابلا للعن

قال شارح التجريد: وكيف يزعم من له أدنى مسكة أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أنهم بذلوا مهجهم وذخائرهم وقتلوا أقاربهم وعشائرهم في نصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإقامة شريعته وانقياد أمره واتباع طريقته أنهم خالفوه قبل أن يدفنوه مع وجود هذه النصوص القطعية الظاهرة الدالة على المراد؟ بل ههنا أمارات وروايات ربما يفيد باجتماعها القطع بعدم أمثال تلك النصوص وهي مما لم يثبت ممن يوثق به من المحدثين مع شدة محبتهم لأمير المؤمنين ونقلهم الأحاديث الكثيرة في مناقبه وكمالاته في أمر الدين والدنيا. ولم ينقل في خطبه ورسائله ومفاخراته ومخاصماته وعند تأخره عن البيعة وجعل عمر الخلافة شورى بين ستة نفر ودخل علي في الشورى وقال عباس لعلي: امدد يدك ابايعك حتى يقول الناس هذا عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان، فقال: لا تنازع أبا بكر وددت أني سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا الأمر فيمن هو وكنا لا ننازعه. وحاج معاوية ببيعة الناس له لا بنص من النبي - صلى الله عليه وسلم -. والظاهر أن النهي عن إيذاء فاطمة رضي الله عنها ليس على عمومه حتى يتناول أي إيذاء بأي وجه كان لأنها قد تأذت عن علي رضي الله عنهما في بعض الأوقات كما جاء في الأخبار. وأيضا قال النبي لبعض أزواجه: «لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لا يأتيني وأنا في ثوب أمرأة إلا عائشة» فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إيذاء عائشة إيذاء نفسه. ولا شك أنها تأذت من علي رضي الله عنه. وحينئذ نقول: الإيذاء المنهي عنه إنما هو الناشئ عن هوى النفس ووسوسة الشيطان، وأما الذي يحصل عن إظهار امر الحق على وفق القرآن والسنة فليس بممنوع ولا منهي عنه. ومعلوم أن سبب تأذي فاطمة من الصديق رضي الله عنهما منعه فدك عنها، وكان متمسكا في ذلك بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نحن معاشر الأنبياء لا نرث ولا نورث ما تركناه صدقة» ولم يكن لهواه، فلا يكون داخلا في الوعيد. فإن قال قائل: لما كان الصديق رضي الله عنه متمسكا بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فما وجه غضب فاطمة رضي الله عنها وتأذيها إذ يرجع حينئذ الأمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله؟ قلنا: هذا الغضب والتأذي لم يكن بالاختيار ولا داخلا تحت القدرة ولا يتعلق النهي بأمثال ذلك ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. قال علماء ما وراء النهر: قد سمى الله تعالى الصديق صاحبا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه لا يكون قابلا للعن. وأجابت الشيعة بأن المصاحبة قد تقع بين المسلم والكافر ويكون أحدهما صاحبا للآخر. قال الله تعالى: {قال له صاحبه وهو يحاوره} (¬1) وقال يوسف: {يا صاحبي السجن} فسماهما صاحبيه وهما كافران، فمجرد الصحبة لا يكون دليلا على حسن العاقبة. ¬

_ (¬1) الكهف: 34

قال علماء ما وراء النهر: تسليم علي رضي الله عنه الخلافة للخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم

أقول: الصحبة مع المناسبة مؤثرة وإنكار تأثيرها مصادم للبداهة ومعارض للعرف والعادة، حتى قال بعض الحكماء في شعره: من أنكر آثار الصحبة يتقرر جهله عندنا. ولما لم يكن بين المسلم والكافر مناسبة حرم أثر الصحبة. على أنه روي أن هذين الكافرين أدركتهما بركة صحبة يوسف عليه السلام فأسلما. فالصديق رضي الله عنه مع المناسبة التامة لم يكون محروما ولا يكون مستفيدا من كمالاته. كيف وقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما صب الله شيئا في صدري إلا وقد صببته في صدر أبي بكر" رضي الله عنه. وكلما كانت المناسبة أكثر كانت فوائد الصحبة أوفر. ولهذا صار الصديق رضي الله عنه أفضل الصحابة رضي الله عنهم. ولم يدرك أحد منهم درجته لأنه كان أكثرهم مناسبة. قال عليه الصلاة والسلام: "ما فضل أبي بكر بكثرة الصلاة ولا بكثرة الصيام ولكن بشيء وقر في قلبه" قال العلماء: وذلك الشيء حب النبي - صلى الله عليه وسلم - والفناء فيه. فإذا كان هذا حاله كيف يكون قابلا للذم واللعن {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا} (¬1) قال علماء ما وراء النهر: تسليم علي رضي الله عنه الخلافة للخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم وعدم اعتراضه عليهم بالمنع بل مبايعته لهم ومتابعته إياهم مع كمال شجاعته وشدة بأسه دليل واضح على صحة خلافتهم؛ وإلا لزم نقصه. وأجابت الشيعة بأنه كان مشغولا بتجهيز النبي - صلى الله عليه وسلم - وتكفينه، فجمع أبو بكر وعمر الناس في سقيفة بني ساعدة وأخذا منهم البيعة من غير علمه رضي الله عنه ولما اطلع عل ذلك لم يباشر الحرب لقلة الأتباع وخوف هلاك أهل الحق بأجمعهم أو لعلة أخرى مما يضاهي ما قلنا، وهذا لا يدل على صحة خلافتهم، كيف وكان علي رضي الله عنه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة والنبي - صلى الله عليه وسلم - أشجع منه وأقوى فلم يقاتلا كفار قريش وخرجا منها خفية ثم صالحا في الحديبية على الوجه المعلوم في السير. فكل ما يصلح جوابا هنالك يصلح جوابا ههنا بالطريق الأولى. ويتأتى مثل هذا الكلام في إملاء الله تعالى لأعدائه. ألا ترى كيف سلط الله فرعون على مصر أربعمائة سنة يدعي الألوهية واملأ لشداد ونمرود دهرا طويلا مع قدرته في إهلاكهم في طرفة عين، ولكن هنالك حكم ومصالح لا يمكن أن يحيط بها بشر. وقولكم: مبايعته لهم، قلنا: وقوع البيعة من غير إكراه وتقية ممنوع. ¬

_ (¬1) الكهف: 5

أقول: علماء ما وراء النهر جعلوا مجموع تسليم الخلافة وعدم الاعتراض دليلا على حقية خلافتهم، فلا يرد النقض بتأخير النبي - صلى الله عليه وسلم - حرب كفار قريش وإملاء الله لفرعون؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذمهم واعترضهم بالرد وأظهر شناعة فعلهم وما سلم لهم ما هم فيه قط. فأين هذا من ذاك؟ ولما لم تجد الشيعة مساغا لإنكار بيعة علي للصديق رضي الله عنهما لأنه من الخبر المتواتر وإنكاره يصادم بداهة العقل التجأوا إلى القول بالإكراه والتقية ولم يجدوا مخلصا أحسن منه؛ وهو باطل. والصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل دفنه إنما اشتغلوا بنصب الإمام لأنهم رأوه واجبا بعد انقراض زمان النبوة بل أهم الواجبات، وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بإقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيوش وجهاد الكفار وحفظ بيضة الإسلام وذلك لا يتأتى إلا بنصب الإمام، وما لا يتأتى الواجب المطلق إلا به وكان مقدورا فهو واجب. ولهذا قال الصديق رضي الله عنه: يا أيها الناس من كان يعبد محمدا - صلى الله عليه وسلم - فإن محمدا - صلى الله عليه وسلم - قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله تعالى حي لا يموت، لا بد لهذا الأمر ممن يقوم به فانظروا وهاتوا آراءكم. فقالوا: صدقت فبايعه عمر ثم بايعه المهاجرون والأنصار، وصعد أبو بكر المنبر ونظر في وجوه القوم فلم ير الزبير فدعا به فجاء فقال: ابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام فبايعه ثم نظر في وجوه القوم فلم ير عليا رضي الله عنه فدعا به فجاء فقال: ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وختنه على ابنته أردت أن تشق عصا المسلمين؟ فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبايعه. وأظهر علي رضي الله عنه العذر في تأخيره البيعة فقال: ما غضبنا إلا لأنا أخرنا عن المشورة مع أن لنا فيها حقا وأنا نرى أبا بكر أحق الناس بالخلافة وإنه لصاحب الغار وإنا لنعرف شرفه وكبره ولقد أمره - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة بالناس وهو حي. فثبتت خلافته رضي الله عنه بالإجماع واندفع احتمال الإكراه والتقية. قال الإمام الشافعي رحمه الله: "أجمع الناس على خلافته وذلك لأنه اضطر الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر رضي الله عنه فولوه رقابهم".

وأيضا اجتمعت الأمة على حقية خلافة أحد الثلاثة أبي بكر وعلي وعباس رضي الله عنهم ولم ينازعا أبا بكر رضي الله عنه بل بايعاه فانعقد الإجماع على خلافته إذ لو لم يكن على الحق لنازعاه كما نازع علي معاوية رضي الله عنهما ولم يبال بسفك الدماء مع إن الطلب إذ ذاك أشد وفي أول الأمر أسهل لقرب عهدهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وشدة رغبتهم في تنفيذ أحكامه، وأيضا طلب عباس من علي رضي الله عنهما البيعة فلم يقبلها والزبير وبنو هاشم معه فلو لم يكن الحق لأبي بكر رضي الله عنه لقبل، والإجماع كاف في ثبوت خلافة الصديق رضي الله عنه وإن لم يكن نص كما قال جمهور العلماء بل الإجماع أقوى من النصوص غير المتواترة إذ مدلوله قطعي ومدلولها ظني. ومع هذا فالنصوص قد وردت كما ذكره بعض المحققين. وإنما معنى قول الجمهور أنه لم ينقل لأحد نصا جليا، والإكراه والتقية إنما يحتملان لو لم يكن أهل ذلك العصر تابعين للحق ولا مبشرين بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «خير القرون قرني» قال ابن الصلاح والمنذري: الصحابة كلهم عدول رضي الله عنهم. وقال ابن حزم: الصحابة رضي الله عنهم كلهم من أهل الجنة قطعا، قال الله تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} (¬1) والصحابة رضي الله عنهم هم المخاطبون فثبت لكل منهم الحسنى وهي الجنة. وقيد الإنفاق والقتال خرج مخرج الغالب ولا مفهوم له فلا يخرج من لا يتصف بذلك منهم. أو نقول المراد من اتصف بذلك ولو بالقوة وباعتبار العزم. وأيضا الإكراه والتقية يستلزمان نقص علي رضي الله عنه إذ في تسليمه الخلافة بالإكراه ترك العزيمة وفي التقية كتمان الحق وهو منهي عنه؛ ولما لم يكن الرجل من عامة المؤمنين راضيا بترك الأولى وبارتكاب المنهي عنه فأسد الله وزوج بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان من الشجاعة في الدرجة المعلومة أولى بأن لا يفعل ذلك. وهل القول بهما إلا كمال الجهل وفرط الضلالة فتخيلوا القدح مدحا والنقصان كمالا {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا} (¬2) ¬

_ (¬1) الحديد: 10 (¬2) فاطر: 8

قال علماء ما وراء النهر رحمهم الله: لما جوزت الشيعة لعن الشيخين وذي النورين رضي الله عنهم وبعض الأزواج الطاهرات كفروا بذلك كفرا ظاهرا

قال علماء ما وراء النهر رحمهم الله: لما جوزت الشيعة لعن الشيخين وذي النورين رضي الله عنهم وبعض الأزواج الطاهرات كفروا بذلك كفرا ظاهرا فوجب على والي المسلمين وعامتهم أن يستأصلوهم ويخربوا بلادهم ويأخذوا أموالهم ويقعدوا لهم كل مرصد. (¬1) وأجابت الشيعة أولا بأن شارح العقائد النسفية استشكل التكفير بسب الشيخين. وصاحب جامع الأصول عد الشيعة من الفرق الإسلامية. وصاحب المواقف ذهب إلى ذلك أيضا. والشيخ أبو الحسن الأشعري لا يرى تكفير أهل القبلة الشيعة وغيرهم. والغزالي أنكر أن يكون سبهما كفرا. فقولكم كفروا بذلك ليس موافقا بأقوال سلفكم ولا مطابقا بمدلول الكتاب والسنة. أقول: سب الشيخين رضي الله عنهما كفر لأحاديث صحيحة تدل على ذلك. أخرج الطبراني والحاكم عن عويمر بن ساعدة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله اختارني واختار لي أصحابا فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا". وأخرج الدارقطني عن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سيأتي من بعدي قوم لهم نبز يقال لهم الرافضة فإن أدركتهم فاقتلهم فإنهم مشركون" قال: قلت يا رسول الله ما العلامة فيهم؟ قال: "يقرظونك بما ليس فيك ويطعنون على السلف" وفي رواية له: وذلك أنهم يسبون أبا بكر وعمر ومن سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس. وأيضا سب الشيخين لا شك أنه بغض لهما وبغضهما كفر لخبر: "من أبغضهم فقد أبغضني ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله" وأيضا أخرج ابن عساكر إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما كفر". وأخرج عبد الرحمن بن أحمد عن أنس مرفوعا: "إني لأرجو لأمتي في حبهم لأبي بكر وعمر ما أرجو لهم في قول لا إله إلا الله". وبغضهما يعرف حاله من حال حبهما لأنهما نقيضان فيكون كفرا. وأيضا تكفير المؤمنين كفر لما ورد في الحديث الصحيح: «من رمى رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك رجعت عليه» ونحن نعلم يقينا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما مؤمنان مبشران بالجنة؛ فيكون تكفيرهما راجعا إلى القائل فمقتضاء الحكم بالكفر. وهذا الحديث وإن كان من خبر الآحاد لكن يستفاد منه الحكم وإن لم يكن جاحده كافرا. ¬

_ (¬1) كتب شاه عبد العزيز في حاشية هذه الرسالة، قوله "لما جوزت الشيعة" الخ. ينبغي التفطن ههنا لقاعدة عظيمة وهو أن تجويز سب الشيخين هو الموجب للكفر عند علماء ما وراء النهر لأن حرمة سبهم تثبت بالأدلة القطعية المتواترة وتحليل الحرام القطعي كفر بإجماع المسلمين، نعم سب الشيخين إذا لم يكن مع التجويز بل يصدر بطريق المعصية ليس بكفر ومن ههنا زال الإشكال بأن سب الشيخين قد وقع في رواية مسلم عن عباس وعلي حيث قال لهما عمر وإنما تزعمان أن أبا بكر فيه كذا وكذا يعني غادرا ثم وكذا وقع سب علي من عباس في قوله لعمر حين اختصما في صدقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرحني من هذا الظالم الغادر الآثم. وكذا وقع سب عثمان وعلي من بعض الصحابة عند الإنكار على بعض أفعالهما من دون أن يعتقدوا جواز السب فافهم ذلك فإنه دقيق.

قال إمام عصره أبو زرعة الرازي: إذا رأيت الرجل ينقص أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق، وذلك أن القرآن حق والرسول حق وما جاء به حق وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة رضي الله عنهم، فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة فيكون الجرح به ألصق والحكم عليه بالزندقة والضلالة هو الأقوم الأحق. قال سهل بن عبد الله التستري، وناهيك به علما وزهدا: لم يؤمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لم يوقر أصحابه. وسئل عبد الله بن المبارك وكفى به جلالة: أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: الغبار الذي دخل أنف فرس معاوية رضي الله عنه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير من عمر بن عبد العزيز كذا مرة. أشار بذلك أن فضيلة صحبته ورؤيته - صلى الله عليه وسلم - لا يعدلها شيء، وهذا في من لم يفز إلا بمجرد رؤيته - صلى الله عليه وسلم - فما بالك في من ضم إليه أنه هاجر وجاهد في سبيل الله معه - صلى الله عليه وسلم - وأنفق امواله وذخائره وبذل مهجه أو نقل شيئا من الدين الى من بعده؟ فهذا مما لا يمكن إدراك فضله أصلا. ولا شك أن الشيخين من أكابر الصحابة رضي الله عنهم بل أفضلهم فتكفيرهم كفر وزندقة وضلالة. وفي المحيط لمحمد رحمه الله: لا يجوز الصلاة خلف الرافضة لأنهم أنكروا خلافة الصديق رضي الله عنه وقد أجمعت الصحابة رضي الله عنهم على خلافته. وفي الخلاصة: من أنكر خلافة الصديق رضي الله عنه فهو كافر. وفي المرغيناني: ويكره الصلاة خلف صاحب هوى وبدعة ولا يجوز خلف الرافضة. ثم قال: وحاصله أن كل ما هو هوى يكفر به لا يجوز وإلا يجوز، ويكره كذا من أنكر خلافة عمر رضي الله عنه في أصح الأقوال. وأجابت الشيعة ثانيا بأن ما نسبتم إلى الشيعة من قذف عائشة فحاشاهم عن ذلك، ثم حاشاهم. نعم لما خالفت أمر الله أي قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن} (¬1) وجاءت البصرة وأقدمت على حرب علي رضي الله عنه وأبغضته، وحرب علي هو حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقوله: "حربك حربي" صارت موردا لطعن. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 33

أقول: الأمر بملازمة البيوت والنهي عن الخروج منها ليس شاملا لجميع الأحوال والأزمنة. يدل على ذلك خروج بعضهن معه - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأسفار. فكان عاما مخصوص البعض ظني الدلالة. وللمجتهد أن يخرج بعض الباقي بعد التخصيص لعلة مشتركة يستنبطها. وكانت عائشة رضي الله عنها مجتهدة. أخرج الترمذي عن أبي موسى أنه قال: ما أشكل علينا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث قط فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها علما. فيمكن أن يكون خروجها في بعض الحالات والأزمنة لمنافع ومصالح تراها مخصصا عندها من هذا العموم فلا محذور. على أن الظاهر من سياق قوله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} (¬1) أن المراد إنما هو النهي عن الخروج بلا ستر ولا حجاب. ثم أن خروجها إلى البصرة كان للإصلاح لا للحرب كما حققه بعض المحققين. ولو كان للحرب كما اشتهر فلا بأس أيضا لأنه عن اجتهاد لا عن هوى. ذكر شارح المواقف عن الآمدي أن واقعات الجمل والصفين كانت عن اجتهاد والمجتهد وإن كان مخطئا لا يكون مؤاخذا. وقال البيضاوي في قوله تعالى: {لولا كتابٌ من الله سبق} (¬2) لولا حكم من الله سبق في اللوح وهو أن لا يعاقب المخطئ في اجتهاده، بل نقول حكم خطإ المجتهدين كحكم الاهتداء والإصابة. روى رزين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سألت ربي عن اختلاف أصحابي من بعدي فأوحى الله إلى يا محمد إن أصحابك عندي بمترلة النجوم في السماء بعضها أقوى من بعض ولكل نور فمن أخذ بشيء مما هم عليه فهو عندي على هدى" ثم قال: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" أما حديث: "حربك حربي" فيمكن أنه لم يكن وصل إلى عائشة أو يكون مخصوصا ببعض الحرب إذ يمكن أن يكون الإضافة للعهد. ثم ذكرت الشيعة ترويجا لكتبهم الباطلة وتزييفا لكتب أهل السنة أنه روي في كتب الشيعة أن ابن أم مكتوم كان جالسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فمرت عليهما امرأة من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فكأنه أنكر عليها فقالت: هو أعمى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لست أنت عمياء". وروي في كتب أهل السنة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمل عائشة على كتفه فأراها قوما يضربون المعازف ثم قال: "يا حميراء هل شبعت". فهذا الشيء لا يمكن أن ينسب إلى أرذل الناس فكيف إلى سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم -. أقول: أخرج البخاري ومسلم أن عائشة رضي الله عنها قالت: والله لقد رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسترني، إلى أن قالت: فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة عل اللهو. فهذا يدل على أنها كانت صغيرة يومئذ غير مكلفة وأن اللهو كان لهوا مشروعا لا ممنوعا إذ اللعب بالحراب بمترلة الرمي في الإعداد للجهاد. ألا ترى أنه كان في المسجد. فظهر أن قولهم حمل عائشة وقولهم يضربون المعازف من تحريفاتهم قبحهم الله. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 33 (¬2) الانفال: 68

واعلم أن الدخول بين الصحابة الكرام رضي الله عنهم والحكم في ما جرى بينهم من المشاجرات سوء أدب وأمارة شقاوة. والأسلم أن يفوض إلى الله ما وقع بينهم ونود كلهم أجمعين. على أن حبهم هو حب النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحبهم فبحبي أحبهم" قال الشافعي رحمه الله أو قال عمر بن عبد العزيز: "تلك دماء طهر الله عنها أيدينا فلنطهر عنها ألسنتنا" ولكن الشيعة الشنيعة لما اجترؤا على سب الصحابة رضي الله عنهم وطعنوا فيهم وجب على علماء الإسلام أن يردوا عليهم ما استطاعوا فكان من هذا القبيل ما جرى من هذا الفقير في هذه الرسالة كما نبهت عليه في صدر الكلام {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}. (¬1) هذا ما تيسر لي في ردهم وأسأل الله سبحانه أن يثبت قلوبنا على دينه ويوفقنا لمتابعة حبيبه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. ولنختم الرسالة بالخاتمة الحسنة: ذكر مناقب أهل البيت رضي الله عنهم. ¬

_ (¬1) البقرة: 286

قال الله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} (¬1) أكثر المفسرين على أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم لتذكير ضمير عنكم وما بعده، وقيل نزلت في نسائه - صلى الله عليه وسلم - لقوله سبحانه: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن} (¬2) ونسب إلى ابن عباس. وقيل المراد النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده. وأخرج أحمد عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت في خمسة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم. وذهب الثعلبي إلى إن المراد من أهل البيت جميع بني هاشم والمراد من الرجس الإثم والشك في ما يجب الإيمان به وتحريمهم على النار. وثبت في بعض الطرق لما نزلت هذه الآية: {ندع أبناءنا وأبناءكم} (¬3) دعاهم - صلى الله عليه وسلم - فاحتضن الحسين وأخذ بيده الحسن ومشت فاطمة خلفه وعلي خلفها، فعلم أنهم المراد من الآية. وعن المسور بن مخرمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني» وفي رواية: «يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها». وعن أبي هريرة قال: خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طائفة من النهار حتى أتى خباء فاطمة فقال: «أثم لكع أثم لكع»، يعني حسنا، فلم يلبث أن جاءه يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه» وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني تارك فيكم ثقلين إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض وانظروا كيف تخلفوني فيهما" وعنه إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم: "أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم". وسئلت عائشة أي الناس كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: فاطمة، فقيل: من الرجال؟ قالت: زوجها. وعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا» وعن علي: الحسن أشبه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين الصدر إلى الرأس والحسين أشبه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان أسفل من ذلك. وعن أنس قال: لم يكن أحد أشبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من الحسن بن علي. وقال في الحسين أيضا كان أشبههم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وعن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاملا حسن بن علي على عاتقه فقال: رجل نعم المركب ركبت يا غلام فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ونعم الراكب هو". وعن عائشة رضي الله عنها في قصة تحري الناس بهداياهم يوم عائشة أنه قال - صلى الله عليه وسلم - لأم سلمة: «لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة» قالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله. ¬

_ (¬1) الأحزاب: 33 (¬2) الأحزاب: 34 (¬3) آل عمران: 61

وقال لفاطمة رضي الله عنها: «يا بنية ألا تحبين ما أحب» قالت: بلى، قال: «فأحبي هذه» وعنها قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ما غرت على خديجة وما رأيتها ولكن كان يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاءثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول: «إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد». وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العباس مني وأنا منه" وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحبوا الله تعالى لما يغدوكم من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي" وعن أبي ذر قال وهو آخذ بباب الكعبة: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها هلك".

§1/1