رسالة الملائكة

أَبُو العَلاء المَعَرِّي

قال أبو الفضل المؤيد بن الموفق الصاحبي في كتاب (المحكم البوالغ في شرح الكلم النوابغ) : رسالة الملائكة ألفها أبو العلاء المعري على جواب مسائل تصريفية ألقاها إليه بعض الطلبة فأجاب عنها بهذا الطريق المشتمل على الفوائد الأنيقة، مع صورتها المستغربة الرشيقة: رسالة الملائكة إملاء الشيخ الأمام أبي العلاء أحمد بن عبد الله ابن سليمان التنوخي المعري قدس الله رُوحَهُ

بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله

بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله قال أبو العلاء احمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي الحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد وعترته المنتخبين، ديانة مولاي الشيخ أدام الله عزه وسلم جسده ونفسه تبعث من سمع بذكره على الشوق إلى حضرته فإذا اضيف اليها علمه وأدابه هم أن يطير بالمشتاق أربه وليس مولاي الشيخ بأول رائد ظعن إلى الإرض العازبة فوجدها من النبات قفراً ولا بآخر شائم ظن الخير بالسحابة فكانت من قطر صفراً وقد شهر بالفضل وسمه والمعرفة به اسمه جاءتني منه فوائد كأنها في الحسن بنات مخر فأنشأتُ متمثلا ببيت صخر: لعمري لقد نبهت من كان نائما ... وأسمعت من كانت له أذنان إن الله يسمع من يشاء وما أنت بسمع من في القبور أولئك ينادون من كان بعيد. وكنت في غيسان الشبيبة أود أنني من أهل العلم فَشَجَنَتْي عنه شواجن غادرتني مثل الكرة وهي المحاجن فالآن مشيت رويداً وتركت عمراً للضارب وزيداً وما أوثر أن يزاد في صحيفتي خطأ في النحو فيخلد آمناً من المحو وإذا

صدق فجر اللمّة فلا عذر لصاحبها في الكذب ومن لمعذب وصدق الشعر في المفرق يوجب صدق الانسان الفرق وكون الحالية بلا خُرصٍ أجملُ بها من التخرص وقيام النادبة بالمعاذب أحسن بالرجال من أقوال الكاذب وهو ادام الله الجمال به يلزمه البحث عن غوامض الأشياء لانه يُعتمد بسؤال رائح وغادٍ. وحاضر يرجو الفائدة وبادٍ فلا غرو إن كشف عن حقائق التصريف واحتج للنكرة وللتعريف وتكلم في همزة وإدغام وأزال الشبه من صدور الطغام فأما أنا فحلس البيت الاَّ اكن الميت فشبيه بالميت لو أعرضت الاغربة عن النعيب إعراضي عن الأدب والأديب لأصبحت لاتحسن نعيبا ولا يطيق هرمهُا زعيبا. ولما وافى شيخنا ابو القسم علي بن محمد بن همام بتلك المسائل الفيتها في اللذة كأنها الراح يستفز من سمعها المراح فكانت الصبهاء الجرجانية طرق بها عميد كفر بعد ميل الجوزاء وسقوط الغفر وكان علي يحياها جلب الينا الشمس واياها فلما جليت الهدي ذكرت ما قال الأسدي: فقلت اصطحبها أو لغيري فاهدها ... فما أنا بعد الشيب ويبك والخمر تجاللت عنها في السنين التي مضت ... فكيف التصابي بعدما كلا العمر وما رغبتي في كوني كبعض الكروان تكلم في الخطب جرى والظليم يسمع ويرى فقال الأخنس أو الفرا اطرق كرا اطرق كرا ان النعام في القرى وحق لمثلي الا

يسال فان سئل تعين عليه ألا يجيب فإن أجاب ففرض على السامع الا يسمع منه فان خالف باستماعة فريض إلا يكتب ما يقول فان كتبه فوا جب ألا ينظر فيه فان نظر فيه فقد خبط في عشواء وقد بلغت سن الاشياخ وما حار يبذي نفع من هذا الهذيان والطعن إلى الآخرة قريب أفتراني أدافع ملك النفوس فأقول أصل ملك مالك وإنما أخد من الألوكة وهي الرساله ثم قلب ويدلنا على ذلك قولهم الملائكة في الجمع لات الجموع ترد الأشياء إلى أصولها. وأنشده قول الشاعر: فلست لأنسي ولكن لملاك ... تنزل من جو المسماء يصوب فيعجبه ما سمع فينطر في ساعة لاشتغاله بما قلت فاذا هم بالقبض قلت وزن ملك على هذا القول معل لأن الميم زائدة واذا كان الملك من ألألوكة فهو مقلوب من ألك إلى لأك والقاب في الهمزة وحروف العلة معروف عند أهل المقاييس فأما جذب وجبذ ولقم الطرق ولمقه فهو عند أهل اللغة قلب والنحويون لايرونه مقلوبا بل يرون اللفطين كل واحد منهما اصل في بابه فوزن الملائكة عد هذا معافلة لأنها مقلوبة عن مآلكة ومنه قالوا الكني إلى فللان قال الشاعر: الكني إلى قومي السلام رسالة ... بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا وقال الأعشى في المألكة.

أبلغ يزيد بني شيبان مألكة ... أبا ثبيت أما تنفك تاتكل فكأنهم فروا في الملائكة من ابتدائهم بالهمزة ثم يجيئون بعدها بالألف فرأوا إن مجيء الألف أولا أخف كما فروا من شأي إلى شاء ومن نأي إلى ناء قال عمر بن أبي ربيعة: بان الحمول فما شأونك نقرة ... ولقد أراك تشاء بالأظعان وأنشد أبو عبيدة: أقول وقد ناءت بهم غربة النوى ... نوى خيتعور لا تشط ديارُك فيقول الملك من ابن أبي ربيعة وما أبو عبيدة وما هذه الأباطيل إن كان لك عمل صالح فأنت السعيد وإلا فاخسا وراءك فأقول أمهلني ساعة حتى أخبرك بوزن عزرائيل فأقيم الدليل على إن الهمزة زائدة فيه فيقول الملك هيهات ليس الأمر ألي إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. ام تراني اداري منكرا ونكيرا فأقول كيف جاء اسماكما عربيين منصرفين واسماء الملائكة أكثرها من الأعجمية مثل اسرافيل وجبريل وميكاييل فيقولان هات حجتك وخل الزخرف عنك فأقول

متقربا إليهما قد كان ينبعي لكما إن تعرفا ما وزن ميكاييل وجبريل على اختلاف اللغات فيهما اذ كانا أخويكما في عبادة الله فلا يزيدهما ذلك على الاغلظة ولو علمت انهما يرغبان في مثل هذه العلل لا عددت لهما شيئا كثيرا من ذلك ولقت لهما ما تريان في وزن موسى كليم الله الذي سألتماه عن دينه وحجته فألان وأوضح فإن قالا موسى أسم أعجمي الا انه يوافق من العربية وزن مفعل وفعلى اما مفعل فإذا كان من ذوات الواو مثل أوسيت وأوريت فانك تقول موسى ومورى واذا كان من ذوات الهمزة فانك تخفف حتى تكون خالصة من مفعل تقول آنيت، العشاء فهو مؤنى فان خففت قلت مونى. قال الحطيئة: وآنيتُ العشاء إلى سُهَيل ... أو الشعرى فطال بي الأناء ويروى اكريت العشاء لمرقد حكى بعهم همز مؤسى اذا كان اسما وزعم النحويون إن ذلك لمجاورة الواو الضمة لأن الواو إذا كانت مضمومة ضما لغير أعراب وغير ما يشابه الأعراب جازان تحول همزة. كما قالوا وقتت وأقتف ... وحمائم ورق وأرق ووشحت وأشحت قال الهذلي: أبا معقل إن كنت أشحت حلة ... أبا معقل فانظر بسهمك من ترمي وقال حميد بن ثور:

وما هاج هذا الشوق إلا حمامة ... دعت ساق حر ترحة وترنما من الأرق حماء العلاطين باكرت ... عسيب أشاء مطلع الشمس أسحما وقد ذكر الفارسي هذا البيت مهموزأ. أحب المؤقدين الي مؤسى ... وحزرة لو أضاء لي الوقود وعلى مجاورة الضمة جاز الهمز في سوق جمع ساق في قراءة من قرا كذلك ويجوز إن يكون على فعل مثل أسد فيمن ضم السين ثم همزت الواو ودخلها السكون بعد إن نذهب فيها حكم الهمز وإذا قيل موسى فُعلى فان جعل أصله الهمز وافق فعلى من ماس بين القوم إذا افسد بينهم قال الأفوه: إما تري رأسي ازرى به ... ماس زمان ذي انتكاس مؤوس ويجوز إن يكون فعلى من ماس يميس فقلبت الياء واواً للضمة كما قالوا الكوسى وهي من الكيس ولو بنوا فعلى من قولهم هذا أعيش من هذا واغيظ منه لقالوا العوشى والغوظى فإذا سمعت ذلك منهما قلت لله أنتما لم اكن احسب إن الملائكة تنطق بمثل هذا الكلام ولا تعرف احكام العربية فأن غشي علي من الخيفة فأفقت وقد أشارا إلي بالإرزبة قلت تثبتا رحمكا الله كيف تصغران الإرزبة وتجمعانها جمع التكسير فأن قالا أريزبة بالتشديد قلت هذا وهم إنما ينبغيي إن اريزبة بالتخفيف وكذلك في جمع التكسير أرازب، بالتخفيف فان قالا كيف قالوا علابي فشددوا كما قال القريعي:

وذي نخوات طامح الطرف جاذبت ... حبالى فلوى من علابيه مدي قلت ليس الياء كغيرها من الحروف لأنها وان لحقها التشديد ففيها عنصرين اللين فان قالا أليس قد زعم صاحبكم عمرو بن عثمان المعروف بسيبويه إن الياء إذا شددت ذهب منها اللين وأجاز في القوافي حيا مع ظبي قلت قد زعم ذلك الا إن السماع من العرب لم يأت فيه نخو ما قال الا يكون شاذا قليلا فإذا عجبت مما قالاه أظهرا لي تهاةنا بما يعلمه بنو آدم وقالا لو جمع ما علمه أهل الالاض على اختلاف الازمنة اكل بلغ علم واحد من الملائكة يعدونه فيهم ليس بعالم فاسبح الله وامجده واقول قد صارت لي بكما وسيلة فوسعا لي في الجدف إن شئتما بالفاء وان شئتما بالثاء لان إحداهما تبدل من الأخرى كما قالوا مغاثير ومفافير وأثافي وافافي وثوم وفوم وكيف تقران رحمكما الله هذه الآية وفومها وعدسها وبصلها أبا لثا كما في مصحف عبد الله بن مسعود ام بالفاء كما في قراءة الناس وما الذي تحتار إن في تفسير الفوم أهو الحنطة كما قال أبو محجن: قد كنت احسبنبي كأغنى واحد ... قدم المدينة عن زراعة فوم أم هو هذا الثوم الذي له رائحة كريهة والى ذلك ذهب الفراء وقد جاء في الشعر الفصيح قال الفرزدق: من كل اغبر كالراقود حجزته ... إذا تعشى عتيق التمر والثوم

فيقولان أو أحدهما انك لمتهدم الجول وإنما يوسع لك في ريمك عملك فأقول الله أنتما ما أفصحكما لقد سمعت في الحياة الدنيا إن الريم القبر. وسمعت قول الشاعر: إذا مت فاعتادي القبور وسلمي ... على الريم اسقيت السحاب الغواديا فكيف تبنيان رحمكما الله من الريم مثل إبراهيم اتريان فيه رأي الخليل وسيبويه فلا تبنيان مثله من الأسماء العربية أم تذهبان إلى ما قاله سعيد بن مسعدة فتجيزان إن تبنيا من العربي مثل الأعجمي فيقولان تربا لك ولمن سميت أي علم في ولد آدم انهم للقوم الجاهلون وهل أتودد إلى مالك خازن النار فأقول رحمك الله ما أوحد الزبانية فأن بني آدم فيهم مختلفون بعضهم الزبانية لا واحمد لهم من لفظهم وإنما يجبرون مجرى السواسية أي القوم المستوين في الشر. قال الشاعر: سواسية سود الوجوه كأنما ... بطونهم من كثرة الزاد أوطب ومنهم من يقول واحد الزبانية زبنية وقال آخرون واحدهم زَّبنُّي أو زُبْنيٌّ فيعبس لما سمع ويكفهر فأقول يا مال رحمك الله ما ترى في نون غسلين وما حقيقة هذا اللفظ أهو مصدر كما قال بعض الناس أم واحد أم جمع أعربت نونه تشبيها بنون مسكين كما اثبتوا نون قلين وسنين في الإضافة كما سحيم بن وثيل:

وماذا يدري الشعراء مني ... وقد جاوزت حد الأربعين فأعرب النون وهل النون في جهنم زائدة أما سيبويه فلم يذكر في الابنية فعنلا وجهنم اسم أعجمي ولو حملناه على الاشتقاق لجاز إن يكون من الجهامة في الوجه أو من قولهم تجهمت الأمر إذا جعلنا النون الزائدة واعتقادنا زيادتها في هجنف وانه مثل هجف وكلاهما صفة للظليم قال الهذلي: كان ملأتي على هجف ... يعين مع العشية للرئال وقال جران العود: يشبها الرائي المشبه بيضة ... غدا في الندى عنها الظليم الهجنف وقال قوم يقال ركية جهنام اذا كانت بعيدة القعر فان كانت جهنم عربية فيجوز إن تكون من هذا وزعم قوم أنه يقال احمر جهنام إذا كان شديد الحمرة ولا يمتنع إن يكون اشتقاق جهنم منه فأما سقر فأن كان عربيا فهو مناسب لقولهم صقرته الشمس إذا آلمت دماغه يقال بالسين والصاد. قال ذو الرمة:

إذا ذابت الشمس اتقى صقراتها ... بأفنان مربوع الصريمة معبل والسين والصاد يتعاقبان في الحرف اذا كان بعدهما قاف أو خاء أو غين أو طاء يقال سُقْتُ وصُقْتُ وسوَيقٌ وصويقٌ وبسط وبصط وسلغ الكبس وصلغ فيقول مالك ما أجهلك وأقل تمييز ما جلست ها هنا للتصريف وإنما جلست لعقاب الكفره القاسطين. وهل أقول للسائق والشهيد اللذين ذكرا في الكتاب الكريم قوله وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ياصاح انظراني فيقولان لم تخاطبنا خطاب الواحد ونحن اثنان فأقول ألم تعلما إن ذلك جائز من الكلام وفي الكتاب العزيز وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ألقيا في جهنم كل كفار عنيد فوحد القرين وثنى في الآخر كما قال الشاعر. فان تزجراني يابن عفان أنزجر ... وإن تدعاني أحم عرضا ممنعاً وكما قال امرؤ القيس: خليلي مرا بي على أم جندب ... لأقضي حاجات الفؤاد المعذب ألم ترياني كلما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وان لم تطيب

هكذا أنشده الفراء. وبعضهم ينشد ألم ترياني. فقلت لصاحبي لا تحبسانا ... بنزع اصوله واجتز شيحا فهذا كله يدل على إن الخروج من مخاطبة الواحد إلى الاثنين أو من مخاطبة الاثنين إلى الواحد سائغ عند الفصحاء وهل أجيء في جماعة من خمان الأدباء قصرت أعمالهم عن دخول الجنة والحقهم عفو الله فزحزحوا عن النار فنقف على باب الجنة فنقول يارضو لنا إليك حاجة ويقول بعضنا يا رضو فيضم الواو فيقول رضوان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما هذه المخاطبة التي ما خاطبني بها أحد قبلكم فنقول أنا كنا في الدار العاجلة نتكلم بكلام العرب وانهم يرخون الاسم الذي في آخره ألف ونون فيحذفونهما للترخيم. وللعرب في ذلك لغتان تختلف أحكامهما في القياس، قال أبو زُبيد: يا عُثم أدركني فات ركّيتي ... صلدت فأعيت إن تبض بمائها فيقول رضوان ما حاجتكم فيقول بعضنا انا لم نصل إلى دخول الجنة لتقصير أعمالنا وأدركنا عفو الله عز وجل فنجونا من النار فبقينا بين الدارين ونحن نسألك إن تكون واسطتنا إلى أهل الجنة فانهم لا يستغنون عن مثلنا، وأنه قبيح بالعبد المؤمن إن ينال هذه النعم وهو إذا سبح لله لحن. ولا يحسن بساكن الجنان إن يصيب من ثمارها في الخلود وهو لا يعرف حقائق تسميتها ولعل في الفردوس قوما لا يدرون أحروف كمثرى كلها أصلية أم بعضها زائد ولو قيل لهم ما وزن كمثرى على

مذهب أهل التصريف لم يعلموا ووزنه فعلى وهذأ بناء مستنكر لم يذكر سيبويه له نظيرا وإذا صح قولهم للواحدة كمثراة فألف كمثرى ليمت للتأنيث وزعم بعض أهل اللغة إن الكمثرة تداخل الشيء بعضه في بعض فان صح هذا فمنه اشتقاق الكمثرى. وما يجمل بالرجل من الصالحين إن يصيب من سفرجل الجنة في النعيم وهو لا يدري كيف تصغيره وجمعه ولا يشعر أيجوز إن يشتق منه فعل أم لا، والأفعال لا تشتق من الخماسية لأنهم نقصوها عن مزية الأسماء فلم يبلغوا بها بنات الخمسة وليس في كلامهم مثل اسفرجل يسفرجل اسفرجالا. وهذا السندس الذي يطؤه المؤمنون ويفترشونه كم فيهم من رجل لا يدري أوزنه فعُلُلٌ أم فنُعُلٌ والذي اعتقد فيه إن النون زائدة وأنه من السدوس وهو الطيلسان الأخضر قال العبدي وداويتها حتى شتت حبشية ... كان عليها سنُدسا وسُدوساً ولا امنع إن يكون سندس فعللا ولكن الاشتقاق موجب ما ذكرت. وشجرة طوبى كيف يستظل بها المتقون ويجتنونها آخر الأبد وفيهم كثير لا يعرفون أمن ذوات الواو هي أم من ذوات الياء والذي نذهب إليه إذا حملناه على الاشتقاق أنها من ذوات الياء وأنها طاب يطيب بدليل على إن طوبى من ذوات الياء لأننا إذا بنينا فعلا ونحوه من ذوات الواو وقلبناها إلى الياء فقلنا عيد، وقيل وهو من عاد يعود وقال يقول فان قال قائل فلعل قولهم طاب يطيب من ذوات الواو وجاء

على مثال حسب يحسب وقد ذهب إلى ذلك قوم في تاه يتيه وهو من توهت قيل له يمنع من ذلك انهم قالوا طيبت الرجل بالطيب ولم يحك أحد طوبته والمطيبون أحياء من قريش احتلفوا وغمسوا أيديم في طيب فهدا يدلك على ان الطيب من ذوات الياء وكذلك قولهم هذا أطيب من هذا، فأما حكاية أهل اللغة انهم يقولون أوبة وطوبة فانما ذلك على معنى الإتباع كما يعتقد بعض الناس في قولهم حياك الله وبياك انه إتباع وأن اصل بياك بوَّاك اي بوّأك منزلا ترضاه فخفف الهمز فأما قولهم للأجر طوب فان كان عربياَ صحيحاً فيجوز إن يكون اشتقاقه من غير لفظ الطيب الا على رأي أبي الحسن سعيد بن مسعود فانه إذا بنى فُعْلاً من ذوات الياء مثل عاش يعيش وطاب يطيب فانه يقليه إلى الواو فيقول الطوب والعوش فأن كان الطوب الأجر اشتقاقه من الطيب فايما أريد به والله اعلم إن الموضع إذا بني به طابت الإقامة فيه ولعلنا لو سألنا من يرى طوبى في كل حين لم حذفت منها الألف واللام لم يحر جواباً وقد زعم سيبويه إن الفعلى التي تؤخذ من افعل منك لا تستعمل إلا بالألف واللام أو الإضافة، تقول هذا اصغر منك فإذا رددته إلى المؤنث قلت الصغرى ويقبح عنده إن تقول صغرى بغير إضافة ولا ألف ولام ولكن تقول هذه صغراك وصغرى بنانك قال سحيم:

ذهبن بمسواكي وغادرن مذهبا ... من الصوغ في صغرى بنان شماليا وقرا بعض القراء وقولوا للناس حسنى فعلى بغير تنوين وكذلك. قرا في الكهف إما إن تعذب وإما إن تتخذ فيهم حسنى بغير تنوين وزعم سعيد بن مسعدة إن ذلك خطأ لا يجوز وهو رأي أبي إسحاق الزجاج لان الحسنى عندهما وعند غيرهما من أهل البصرة يجب إن تكون بالألف واللام كما جاء في موضع آخر وكذب بالحسنى وكذلك اليسرى والعسرى لأنها أنثى افعل منك وزعم سيبوية إن أخرى معدولة عن الألف واللام ولا يمتنع إن تكون حسنى مثلها وفي الكتاب العزيز ومناة الثالثة الأخرى وفيه أيضاً آية اخرى لنريك من آياتنا الكبرى. قال ابن أبي ربيعة. وأخرى أتت من دون نعم ومثلها ... نهى ذا النهى لو ترعوي أو تفكر ولا يمتنع إن تعد ل حسنى عن الألف واللام كما عدلت أخرى وأفعل منك إذا حذفت من بقي على أرادتها نكرة أو عرف بالألف واللام ولا يجوز إن يجمع بين من وبين حرف التعريف. والذين يشربون ماء الحيوان في النعيم المقيم هل يعلمون ما هذه الواو التي بعد الياء وهل هي منقلبة كما قال الخليل أم هي على الأصل كما يرى غيره من أهل العلم. ومن هو مع الحور العين مخلد هل يدري ما معنى الحور ومن أي شيء اشتقت هذه اللفظة فان الناس يختلفون في الحور فيقول بعضهم هو البياض ومنه اشتقاق الحواري من الخبز والحواريين إذا أريد بهم القصارون والحواريات إذا عني بهن نساء الأمصار وقال قوم الحور في العين إن تكون كلها سوداء وذلك لا يكون في الأنس وإنما يكون في

الوحوش وقال آخرون الحور شدة سواد سواد العين في شدة بياض بياضها وقال بعض الحور سعة العين وعظم المقلة وهل يجوز أيها المتمتع بالحور العين إن يقال حير كما يقال حور فانهم ينشدون هذا البيت بالياء. إلى السلف الماضي وآخر واقف ... إلى ربرب حير حسان جاذره فإذا صحت الرواية بالياء في هذا البيت قدح ذلك في قول من يقول: انهم قالوا الخير اتباعاً للعين كما قال الراجز. هل تعرف الدار بأعلى ذي القور ... قد درست غير رماد مكفور مكتئب اللون مريح ممطور ... أزمان عيناء سرور المسرور حوراء عيناء من العين الحير وكيف يستجيز من فرشه من الإستبرق إن يمضي عليه ابد وهو لا يدري كيف يجمعه جمع التكسير ولا كيف يصغره والنحويون يقولون في جمعه أبارق وفي تصغيره أيبرق وكان أبو إسحاق الزجاج يزعم انه في الأصل مسمى بالفعل الماضي وذلك الفعل استفعل من البرق أو البرق وهذه دعوى من أبي

إسحاق وإنما هو اسم أعجمي عرب وهو العبقري الذي عليه اتكاء المؤمنين إلى أي شيء نسب فأنا كنا نقول في الدار الأولى إن العرب كانت تقول عبقر بلاد تسكنها الجن وانهم إذا رأوا شيئاً جيداً قالوا عبقري كأنه من عمل الجن اذ كانت الأنس ى تقدر على مثله ثم كثر ذلك حتى قالوا سيد عبقري وظلم عبقري قال ذو الرمة: حتى كأن جزون القف ألبسها ... من وشي عبقر تجليل وتنجيد وقال زهير: بخيل عليها جنة عبقرية ... جديرون يوماً إن ينالوا أو يستعلو وان كان أهل الجنة عارفين بهذه الأشياء قد ألهمهم الله العلم بما يحتاجون إليه فلن يستغني عن معرفته الولدان المخلدون، فان ذلك لم يقع إليهم وأنا لنرضى بالقليل مما عندهم جزاء على تعليم الولدان فيبتسم إليهم رضوان ويقول لهبم إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظللال على الأرائك متكئون. فانصرفوا رحمكم الله فقد أكثرتم الكلام فيما لا منفعة فيه وإنما كانت هذه الأشياء أباطيل زخرفت في الدار الفانية فذهبت مع الباطل فإذا رأوا جده في ذلك قالوا رحمك الله نحن نسألك إن تعرف بعض علمائنا الذين حصلوا في الجنة بأنا واقفون على الباب نريد إن نخاطبه في أمر فيقول رضوان من تؤثرون إن أعلم بمكانكم من أهل العلم الذين غفر الله لهم فيشتورون طويلاً ثم يقولون عرف بموقفنا هذا الخليل في أحمد القرهودي فيرسل إليه رضوان بعض أصحابه فيقول له على باب الجنة قوم قد أكثروا الكلام وانهم يريدون إن يخاطبوك فيشرف عليهم الخليل فيقول أنا الذي سألتم عنه فما الذي تريدون فيعرضون عليه مثل ما عرضوا على رضوان فيقول الخليل إن الله جلت قدرته جعل من يسكن الجنة ممن يتكلم بكلام العرب ناطقا بأفصح اللغات كما نطق بها يعرب بن قحطان أو معد بن عدنان وأبناؤه لصبه لا يدركهم الزلل ولا الريغ وإنما افتقر الناس في الدار الغرارة إلى علم اللغة والنحو لأن العربية

الأولى أصابها تغيير. فأما الآن فقد رفع عن أهل الجنة كل الخطأ والوهم فاذهبوا راشدين إن شاء الله، فيذهبون وهم مخفقون مما طلبوه، تم أعود إلى ما كنت متكلماً فيه قبل ذكر الملائكة من أهدى البريرة إلى نعمان وأراق النطفة على الفرات وشرح القضية لأمير المؤمنين فقد أساء فيما فعل ودلني كلامه على أنه بحر يستجيش مني ثمدا وجبل يستضيف إلى صخوره حصى وغاضية، من النيران يجتلب إلى جمارها سقطا وحسب تهامة ما فيها من السمر وسؤال مولاي الشيخ كما قال الأول. فهذي سيوف يا صدي بن مالك ... كثير ولكن أين بالسيف ضارب لا هيثم الليلة للمطي قضية ولا أبا حسن لها وشكاة فأين الحرث ابن كلدة وخيل لو كان لها فوارس والله المستعان عان ما تصفون. والواجب إن أقول لنفسي وراءك أوسع لك الصيف ضيعت اللبن ولا يكذب الرائد أهله لو كان معي ملء السقاء لسلكت في الأرض المقاء وسوف اذكر ظرفا مما أنا

عليه غريت بي العامة من شب إلى دب يزعمون إني من أهل العلم وأنا منه خلو إلا ما شاء الله ومنزلتي إلى المجال أدنى منها إلى الرهط العلماء ولن أكون مثل الربداء أزعم في الإبل أنني طائر وفي الطير أنني بعير سائر والتمويه خلق ذميم ولكني ضب لا أحمل ولا أطير ولا ثمني في البيع خطير أقتنع بالحبلة والسحاء وأتعوذ من بني آدم في مساء وضحاء وإذا خلوت في بيتي تعللت وان فارقت مأواي ضللت وذكر ابن حبيب أنه يقال في المثل أحير، من ضب وذلك أنهه إذا خرج من ة يته فابعد لا يهتدي إن يرجع إليه وقد علم الله تعالت كلمته أنني لا أبتهج بأن أكون في الباطن استحق تثريباً وادعى في الظاهر أريباً ومثلي مثل البيعة الدامرة يجمع طوائف من المسيحية أنها تبرئ من الحمى أو من كذا وإنما هي جدر قائمة لا تفرق بين ملطس الهادم والمسيعة بيد الهاجري وسيان عندها صن الوبر وما تعتصر من ذكي الورد ولست بدعا ممن كذب عليه وادعى له ما ليس عنده وقد

ناديت بتكذيب القالة نداء خص وعم واعتذرت من التقصير إلى من هزل وجد واعترفت بالجهالة عند من نقص ومن ابر وقد حرم علي الكلام في هذه الأشياء لأني طلقتها طلاقا بائنا لا أملك فيه الرجعة وذلك أني وجدتها فوارك فقابلت فركها بالصلف والقيت المرامي إلى النازع وخليت الخطب لرقاة المنابر وكنت في عدان المهكة أحد إذا زاولت الأدب كأنني عار يعتم أو أقطع الكفين يتختم وينبغي له أدام الله تمكينه إن ذكرني عنده ذاكر إن يقول دهدرين سعد القين إنما ذلك أجهل من صعل الدو خال من الحلية كخلو البو ولو كنت في جن العمر كما قيل كنت قد أنسيت ونسيت لأن حديثي لا يجهل في لزوم عطني الضيق وانقطاعي عن المعاشر ذهاب السيق ولو أنني كما يظن لبلغت ما اخترت وبرزت للأعين فما استترت وهو يروي البيت السائر لزهير:

والستر دون الفاحشات ولا ... يلقاك دون الخير من ستر وانما ينال الرتب في الآدب من يباشرها بنفسه ويفني الزمن بدرسه ويستعين الزهلق والشعاع المتألق لا هو العاجز ولا المحاجز ولا جثامة في الرحل مثلي ... ولا برم إذا أمسى نؤوم ومثله لا يسال مثلي بل للامتحان والحبرة فان سكت جاز إن يسبق إلى الظن الحسن لان السكوت ستر يسبل على الجهول ومل أحب إن تفتري على الظنون كما افترت الألس في ذكرها أني في ذكرها أني من أهل العلم وأحلف بجروة الكذب وهي إذا كانت لي أعز سكان الراكدة علي لأن آزم صابة أو مقرة آثر لذي من إن أتكلم في هذه الصناعة كلمة وقد تكلفت الاجابة فان أخطات فمنبت الخطأ ومعدنه غاو تعرض لما لا يحسبه وان اصبت فلا أحمد على الإصابة رب دواء ينفع وصفه من ليس بآس وكلمة حكم تسمع من حليف وسواس ولا حول ولا قوة إلا بالله تمت الرسالة بحمد الله وعونه. ولطفه وصونه. والحمد لله على أفضاله. وصلى الله على سيدنا محمد وصحبه وآله أجمعين.

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: إلى هنا انتهى الجزء الذي نشره الميمني وهو مقدمة الرسالة فقط، ينظر التعريف بالكتاب في أول هذه النسخة الإلكترونية

§1/1