رسالة إلى جار المسجد

أزهري أحمد محمود

الحمد لله منزل الكتاب ..

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله منزل الكتاب .. والهادي إلى الصواب. والصلاة والسلام على رسوله الصادق. وعلى آله وصحبه زينة الخلائق. وبعد: أخي المسلم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخي: يا من حباك الله بنعمة الإسلام .. وأسبغ عليك أنوار الهداية .. يا من عرفت الحق بدلائله وعلاماته .. أخي: إليك أنت يا من تردد نداء الحق في أذنك صباح مساء، أن (حي على الفلاح). أخي: هل تفكر يومًا أو تأملت في هذه الكلمة؟ ! حي على الفلاح .. حي على الفلاح .. أخي: يا من جاورت أشرف وأفضل البقاع .. جاء رجل إلى النبي فقال، يا رسول الله أي البلدان أحب إلى الله؟ وأي البلدان أبغض إلى الله؟ قال: «لا أدري حتى أسأل جبريل عليه السلام». فأتاه جبريل فأخبره: «إن أحسن البقاع إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق! » [رواه أحمد والحاكم/ صحيح الجامع: 320].

من هو جار المسجد

أخي: يا جار المسجد .. يا من تسمع النداء! إليك كتبت هذه الرسالة، ولم أدخر وسعًا في دلالتك إلى الخير العظيم الذي يجاورك! وذلك أخي هو غاية ما أملك .. فتقبل أخي كلماتي هذه .. وضعها في سويداء قلبك .. ولتردد النظر فيها، فإنك لن تعدم خيرًا تجده فيها. * من هو جار المسجد؟ * أخي المسلم: أتدري من هو جار المسجد؟ يجيبك على هذا السؤال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يوم أن قال: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد! ). قيل: ومن جار المسجد؟ قال: «من سمع الأذان».؟ أخي في الله: يا من سمعت الأذان .. أنت جار المسجد .. أنت جار بيت من بيوت الله! أنت جار لأفضل البقاع .. أنت الذي قامت عليك حجة الله تعالى بسماعك للأذان صباح مساء ..

أخي .. هل أديت حق هذه المجاورة

* أخي .. هل أديت حق هذه المجاورة؟ * أخي: إن من حق هذه المجاورة أن تكون شاهدًا لخير في اليوم والليلة خمس مرات .. إن من حق هذه المجاورة إذا سمعت المؤذن يقول: حي على الصلاة .. حي على الفلاح .. أن تبادر لمنادي ربك تعالى، فتسارع إلى هذه البيوت الطاهرة .. إن من حق هذه المجاورة أخي أن تؤدي الصلاة في الجماعة ولا تتخلف عنها .. * وجوب شهود صلاة الجماعة في المسجد * أخي المسلم: ما أظنك ترغب عن معرفة أهمية شهود الصلاة مع الجمعة في المسجد .. أخي: لقد تنوعت الأدلة في ذلك من الكتاب والسنة وكلام الصحابة - رضي الله عنهم - ومن بعدهم من السلف الصالح رحمهم الله .. وها أنا أخي أهدي إليك من تلك البساتين النيرات .. الدليل من الكتاب العزيز: قال الله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102].

الدليل من السنة

أخي: لقد أمر الله تعالى نبيه بإقامة صلاة الجماعة في أشد الأحوال وهي حال الحرب! وكفى بهذا دليلاً على وجوب إقامة الجماعة. قال الإمام ابن القيم: (إن الجماعة حال الخوف يفارقون الإمام، ويعملون العمل الكثير في الصلاة، ويجعلون الإمام منفردًا في وسط الصلاة كل ذلك لأجل تحصيل الجماعة، وكان من الممكن أن يصلوا وحدانًا بدون هذه الأمور. ومحال أن يرتكب ذلك وغيره لأجل أمر مندوب! إن شاء فعله، وإن شاء لم يفعله، وبالله التوفيق). الدليل من السنة: * عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرّق عليهم بيوتهم .. » [رواه البخاري ومسلم]. * وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر» [رواه ابن ماجه والحاكم، صحيح الترغيب: 421]. * عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى النبي رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد. فسأل رسول الله أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: «هل تسمع النداء بالصلاة؟ ». فقال: نعم. قال: «فأجب» رواه مسلم.

الدليل من أقوال الصحابة - رضي الله عنهم -

الدليل من أقوال الصحابة - رضي الله عنهم -: * قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (ما بال أقوام يتخلفون يتخلف بتخلفهم آخرون، والله لقد هممت أن أرسل إليهم فيُجأ (أي يُطعن) أعناقهم ثم يقال: اشهدوا الصلاة). * وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا، فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى. ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته! لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم. وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة. ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف). * وقال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: (من سمع المنادي فلم يجب بغير عذر فلا صلاة له). كلام أهل العلم من المتقدمين: * قال الإمام ابن المنذر: "ولقد روينا عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا: (من سمع النداء فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له) منهم ابن مسعود وأبو موسى الأشعري ".

من فتاوى العلماء المعاصرين

* واستدل الإمام ابن القيم لفرضية وجوب الجماعة بأمور: أحدها: إن الجمع لأجل المطر جائز وذلك للمحافظة على الجماعة وإلا كان من الممكن صلاتها منفردًا وهذا لا يتم من أجل ندب محض. الثاني: إن المريض إذا لم يطق القيام في الجماعة، وأطاق القيام وحده؛ صلى جماعة وترك القيام ولا يكون ترك ركن من أركان الصلاة من أجل مندوب. الثالث: الجماعة في حال الخوف يعملون العمل الكثير في الصلاة وكل ذلك لأجل تحصيل الجماعة، وكان من الممكن أن يصلي كل واحد منفردًا، فمحال أن يرتكب كل ذلك لأجل مندوب). كتاب الصلاة/ باختصار وتصرف. أخي .. وهذه فتاوى تهمك .. * من فتاوى العلماء المعاصرين * أخي المسلم: يا من يهمك معرفة دينك .. هذه فتاوى اخترتها لك من كلام العلماء العارفين بأحكام الدين فتأمل فيها أخي لتعلم موضعك من أحكام الشريعة الطاهرة. * فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: السؤال: ما حكم صلاة الجماعة؟ وهل المقصود بالجماعة جماعة المسجد؟ ما حكم صلاة الرجل في بيته من غير عذر ومنزله قريب من المسجد؟

* فتوى للجنة الدائمة

الجواب: (صلاة الجماعة واجبة ويأثم من تركها بغير عذر، وإذا أطلقت فالمراد بها جماعة المسجد إذا وجدوا وقدر المسلم على أدائها معهم) فتاوى اللجنة الدائمة/ فتوى رقم 6036. * فتوى للجنة الدائمة: السؤال: هل يجب على الرجل المحافظة على جميع الصلوات الخمس جماعة في المسجد؟ وهل يأثم إذا صلى بعضها في البيت بدون عذر شرعي؟ على أنه يسمع النداء في كل وقت، والمسجد ليس بعيدًا عن البيت؟ الجواب: (صلاة الفرائض الخمس جماعة في المسجد واجبة على المكلفين من الرجال، فمن ترك صلاتها جماعة في المسجد بلا عذر فهو آثم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر» أخرجه ابن ماجة والدارقطني بإسناد صحيح. وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن العذر، فقال: (خوف أو مرض). وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. فتاوى اللجنة الدائمة، فتوى رقم 7044. * إلى العاملين بالشركات والمؤسسات * فتوى للجنة الدائمة: السؤال: رجل يعمل في شركة، حول مبنى الشركة من المساجد أكثر من الثلاثة يخرج إلى الصلاة في المسجد دائمًا، زملاؤه

إلى الآباء ...

يصلون على باب الشركة، ويريدونه أن يصلي معهم في الشركة ولا يذهب إلى المسجد، وقد أفتاه بعض إخوانه بالصلاة معهم، وإلقاء المواعظ والدروس عليهم بعد الصلاة بحكم أنه أعلمهم بالسنة والصلاة بهم مع وجود من هو أقرأ منه وأحفظ. فهل يسمع لمفتيه؟ أو يستمر في صلاته في المسجد غير عابئ بما قاله له؟ الجواب: (يجب على عمال الشركة أن يصلوا مع جماعة أحد المساجد القريبة من مبني الشركة كما يفعل زميلهم فهو المصيب بصلاته في المسجد وهم المخطئون في صلاتهم على باب الشركة لما دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوب أداء الصلاة مع الجماعة في المسجد ولا يجوز التأخر عنها إلا بعذر شرعي. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، فتاوى اللجنة الدائمة/ فتوى رقم 5186. * إلى الآباء ... * فتوى للجنة الدائمة: السؤال: هل تنوب صلاة الأولاد (وهم دون العاشرة) مع أبيهم أثناء الصلاة عن صلاة الجماعة؟ الجواب: (لا تنوب صلاة الرجل بأولاده الفريضة جماعة عن صلاة الجماعة في المسجد، سواء كان أولادهم بالغين أو غير بالغين.

أخي .. المؤمن الصادق هو الذي يعمر المساجد ..

بل يجب عليه أن يؤدي صلاة الفريضة جماعة في المسجد فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - هم أن يحرق على قوم بيوتهم وهم فيها لتخلفهم عن صلاة الجماعة في المسجد مع أنهم كانوا يصلون في بيوتهم ولم يستفسر هل كانوا يصلونها جماعة في بيوتهم أم لا. فعليك أن تحرص على أداء الصلوات الخمس جماعة في المسجد وتمرن أولادك على ذلك حتى يتعودوا عمارة المساجد بأداء الصلوات فيها جماعة ويألفوا ذلك. وبالله التوفيق وصلى الله على بينا محمد وآله وصحبه وسلم) فتاوى اللجنة الدائمة/ فتوى رقم 2010. * أخي .. المؤمن الصادق هو الذي يعمر المساجد .. * أخي المسلم: ما أظنك ترضى أن يقال لك: إنك مؤمن غير صادق! ولكن أخي إذا أردت أن تعرف من هم المؤمنون الصادقون؟ المؤمنون الصادقون أولئك الذين يعمرون بيوت الله بالصلاة والذكر .. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18].

أخي .. احذر النفاق

قال الإمام القرطبي: (قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} دليل على أن الشهادة لعمّار المساجد بالإيمان صحيحة لأن الله سبحانه ربطه بها وأخبر عنه بملازمتها. وقد قال بعض السلف: إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فحسنوا به الظن). أخي في الله: إن عمارة المساجد من خصال الصالحين كما رأيت، وإنها- أخي- لسبب لشهادة المؤمنين لعبد بالإيمان .. قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (من شهد معنا الصلوات شهدنا له بالإيمان ثم تلا: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [التوبة: 18]. * أخي .. احذر النفاق! * أخي المسلم: إياك وخصال أهل النفاق! فإن التخلف عن الجماعة في المسجد بريد النفاق! كما أن شهود الجمعات بريد الإيمان .. أخي: وإذا أردت أن تعرف ذلك فاسمع معي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا. لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ثم آمر رجلا يؤم الناس، ثم آخذ شعلاً من نار فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد! » [رواه البخاري].

بشرى لأهل المساجد ..

قال الحافظ ابن حجر: (ودل هذا على أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين ومنه قوله تعالى: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى}. وإنما كانت العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما لقوة الداعي إلى تركهما لأن العشاء وقت السكون والراحة، والصبح وقت لذة النوم ... ). قال ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا إذا فقدنا الرجل في هاتين الصلاتين: صلاة العشاء وصلاة الصبح، أسأنا به الظن). أخي في الله: كن خير جار لمسجد .. وأقبل على بيوت الله بعمارتها بالصلوات، واعمل الطاعات .. فإنك إن فعلت ذلك أخي أعانك الله تعالى على أمور دنياك، وختم لك الخاتمة الحسنة يوم خروجك من الدنيا، لتلقى أخي ثواب أعمالك في دار الخلود مع أهل الإيمان والصدق .. عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق» [رواه الترمذي/ صحيح الترغيب: 404]. * بشرى لأهل المساجد .. * أخي المسلم: مساكين أولئك الذين حرموا من تلك الخيرات العظيمة التي يجنيها أهل المساجد كل يوم خمس مرات!

أخي: يا من دنا الخير بقطوفه قريبًا من بابك! لا تحرم أخي نفسك من هذا الخير العظيم، فواحسرة على من زفت له الخيرات حتى بابه! فقال بيده هكذا! يردها .. أخي في الله: تعال معي أدلك على تلك القطوف الدانية! فإنك إن أبصرتها لن تملك نفسك عن قطفها والتلذذ بها .. * عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من غدا إلى المسجد وراح أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح». [رواه البخاري ومسلم] * عن بريدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة». [رواه أبو داود والترمذي/ صحيح الترغيب: 310] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من مشى في ظلمة الليل إلى المسجد لقي الله عز وجل بنور يوم القيامة». [رواه الطبراني وابن حبان/ صحيح الترغيب: 313] * عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «المسجد بيت كل تقي وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة». [رواه الطبراني في الكبير والأوسط/ صحيح الترغيب: 325] * قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلى ظله». فذكر منهم: «ورجل قلبه معلق في المساجد .. ». [رواه البخاري ومسلم]

فوائد صلاة الجمعة في المسجد ..

قال الإمام النووي: (ورجل قلبه معلق في المساجد) معناه: شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها). أخي جار المسجد: لا أدري كيف تطيب نفسك وأنت تتأمل هذا الخير كله ثم تدعه يفلت من بين يديك! أخي: واحسرتاه لمن خرج من الدنيا ولم يتزود للآخرة! واحسرتا لمن غفل عمّا ينفعه حتى فارق الدنيا! واحسرتا على من ترك ما ينفعه واجتهد في تحصيل ما يضره! أخي في الله: لا أملك أكثر من أن أهدي إليك هذه القطوف وأضعها بين يديك .. * فوائد صلاة الجمعة في المسجد .. * أخي: ها هي الخيرات الجليلة لا أزال أنثرها عليك .. فلا تكونن أخي أقل الناس حظًا .. ولا تكونن أخي من أولئك الذين يرغبون في تحصيل متاع الدنيا الفاني وإن فاتهم بسببه الخير الكثير! وإليك أخي هذه الدرر النفيسة أنثرها بين يديك من أصدافها براقة .. زاهية .. تأخذ بالألباب .. * عن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من توضأ ثم أتى المسجد فصلى ركعتين قبل الفجر ثم جلس حتى يصلي الفجر كتبت صلاته يومئذ في صلاة الأبرار وكتب في وفد الرحمن» [رواه الطبراني/ صحيح الترغيب: 413].

* قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة» [رواه أبو داود والترمذي/ صحيح الترغيب: 409]. * عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، ثم يدركه، ثم يكبّه على وجهه في نار جهنم». [رواه مسلم وأبو داود والترمذي] * وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ ) قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة. فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط» [رواه مسلم والترمذي]. * عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا تطهر الرجل ثم أتى المسجد يرعى الصلاة، كتب له كاتباه أو كاتبه بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات، والقاعد يرعى الصلاة كالقانت، ويكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه» [رواه أحمد والطبراني/ صحيح الترغيب: 294].

وإليك أخي هذه الزهرات من فوائد صلاة الجماعة لمن شهدها: * صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له. * شهادة الملائكة له. * جواب الإمام عند قوله: سمع الله لمن حمده. * الأمن من السهو غالبًا. * حصول الخشوع والسلامة عما يلهي غالبًا. * احتفاف الملائكة به. * إظهار شعائر الإسلام. * إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل. * السلامة من صفة النفاق ومن إساءة الظن به. * قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات. * الإنصات لقراءة الإمام، والتأمين عند تأمينه؛ ليوافق تأمين الملائكة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا قال الإمام (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقولوا: آمين. فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري].

رجال ماتوا في المسجد

ذكر هذه الفوائد الحافظ ابن حجر/ باختصار وتصرف. أخي جار المسجد: تلك هي البركات التي ينالها الذين يعمرون بيوت الله تعالى بالصلوات والذكر .. أخي: ما أظنك تزهد في تلك الخيرات الجليلة! فأنت أخي أولى من فاز بها .. فلا تفوتنك أخي فتندم يوم لا ينفعك ندم! فالعجل .. العجل .. لا تفوتنك قافلة الإيمان! * رجال ماتوا في المسجد! ! * أخي: لا تستغرب هذا العنوان، فإن لله تعالى عبادًا شغلتهم طاعته عن الدنيا .. فلا غرابة أن يختم لهم بالموت في أطهر البقاع .. وإليك أخي هؤلاء الصالحين: * عن عطاء بن السائب قال: دخلنا على أبي عبد الرحمن السلمي وهو يقضى - أي يموت - في المسجد! فقلنا له: لو تحولت إلى الفراش فإنه أوثر. قال: حدثني فلان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يزال أحدكم في صلاة ما دام في مصلاه ينتظر الصلاة». ثم قال لهم: فأريد أن أموت وأنا في مسجدي! * وهذا عامر بن عبد الله رحمه الله سمع المؤذن وهو في فراش الموت.

حرصهم على الجماعة في المساجد ..

فقال: خذوا بيدي. فقيل له: إنك عليل! . فقال: أسمع داعي الله فلا أجيبه؟ ! فأخذوه بيده فدخل في صلاة المغرب فركع مع الإمام ركعة ثم مات! أخي المسلم: تلك هي حرارة الإيمان ونور اليقين أضاء لأقوام فكانت أعمالهم أنصع بياضًا من اللبن! وأزهى منظرًا من الدر والياقوت! ! ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيه ... فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا وبالهمة العلياء ترقى إلى العلى ... فمن كان أعلى همة كان أظهرا ولم يتأخر من أراد تقدما ... ولم يتقدم من أراد تأخرا * حرصهم على الجماعة في المساجد .. * أخي: إنك لا تقف على تلك الومضات المشرقة لأهل المساجد إلا عندما تقرأ أخبار الصالحين من سلف هذه الأمة - رضي الله عنهم - الذين عمروا أوقاتهم بالطاعات .. وشغلوا أنفسهم بالإقبال على مولاهم تبارك وتعالى، فكانوا كالشموس في رابعة النهار .. وكالأقمار في حوالك الظلام ..

فانظر معي أخي وتأمل .. * هذا أبو الدرداء - رضي الله عنه - في مرض موته، قال: ألا احملوني. فأخرجوه. فقال: اسمعوا، وبلغوا من خلفكم: (حافظوا على هاتين الصلاتين: العشاء والصبح. ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموها ولو حبوًا على مرافقكم وركبكم! ). * وهذا الحارث بن حسان - رضي الله عنه - وكانت له صحبة تزوج في بعض الليالي، فخرج إلى صلاة الفجر. فقيل له: أتخرج وإنما بنيت بأهلك في هذه الليلة؟ ! فقال: (والله إن امرأة تمنعني من صلاة الغداة في جمع لامرأة سوء). * وهذا سيد التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله قيل له: إن طارقًا يريد قتلك فتغيب. قال: أبحيث لا يقدر الله علي؟ فقيل له: اجلس في بيتك. فقال: (أسمع: حي على الفلاح ولا أجيب؟ ! ). أخي: أولئك هم السعداء حقًا .. اهتدوا إلى كنوز السعادة فهنأوا بها .. أخي: أما رأيت كيف خلد الله ذكرهم قرنًا بعد قرن .. وزمانًا بعد زمان؟ !

وأنت أخي ألا تحب الخلود والذكر الحسن في الدارين؟ ! ألا تحب أن تكون من السعداء حقًا؟ ! ألا تحب الفوز برضا الله تعالى؟ ! ألا تحب زوال الكروب ونزول الفرج والرحمة؟ ! ألا تحب حلاوة العبادة والقرب من مولاك تعالى؟ ! ألا تحب تيسير أمورك في دنياك، والأمن والسرور في الآخرة؟ ! بلى كم أنت سعيد إن تحقق لك ذلك .. أخي جار المسجد: هذه هي السعادة فأين أنت منها؟ ! أخي جار المسجد: أين يذهب قلبك حين ينادي المؤذن: حي على الفلاح؟ ! أخي جار المسجد: أما تفكرت في يوم من الأيام أنك أولى من فاز هذا الفلاح؟ أخي جار المسجد: هل من العقل أن يناديك ريك تعالى في اليوم والليلة خمس مرات ثم لا تجيبه؟ ! أخي جار المسجد: كيف يك إذا ناداك ملك من ملوك الدنيا إلى شيء من متاع الدنيا الفاني؟ ! إذًا لوجدتك سريع الإجابة، مبادرًا إلى الحضور! ! فكيف بك أخي وملك الملوك يدعوك إلى الخير وهو ملك كل شيء؟ !

أخي جار المسجد: أما فكرت يومًا كم فاتك من الخير؟ ! وأنت تعد الأيام عدا لتقبض راتبًا أو حقًا تستوفيه من أحد! ! أخي جار المسجد: أما علمت أن حجة الله تعالى تقوم عليك في كل يوم خمس مرات؟ ! فإذا قصرت أخي فلتعد للسؤال غدًا جوابًا! أخي جار المسجد: أما حدثتك نفسك يومًا لم لا تكون واحدًا من هذه الجموع؟ وأنت تشاهدها تغدو وتروح إلى المسجد لتفوز بما فازوا به .. أخي جار المسجد: ما أظنك ترضى لنفسك أن يختم لك بالشقاء؟ ! فتلقى الله تعالى وهو غضبان عليك .. أخي أليس من علامة الشقاء أن يناديك منادي الله تعالى ثم لا تجيبه؟ ! أخي جار المسجد: نذكر أنك: ستموت ... ستموت .. ويومها ستعلم أن أربح عمل تزودت به هو شهودك للجماعات في بيوت الله تعالى .. وإن كنت من المتخلفين! فوآحسرة .. ووآطول ندم! يوم لا ينفع تحسر ولا ندم .. أخي جار المسجد: تذكر الموت وشدته .. والقبر وظلمته .. والوقوف بين يدي الله تعالى عاريًا، حافيًا خالية يداك لا مال ولا جاه، إلا عملك الصالح! تذكر المرور على الصراط وتحتك جهنم! فوآه لها من لحظات! وعلى أطراف الصراط كلاليب عظيمة تأخذ بأهل الشقاء لترميهم في قعر جهنم! أخي: تذكر أن شهود الجمعات يومها نور يضيء لأولئك الذين أكثروا الخُطى إلى المساجد ..

أخي جار المسجد: أنت اليوم صحيح سليم بإمكانك المبادرة إلى التوبة، والرجوع إلى الله تعالى .. فلا يفاجئنك أخي الموت وأنت غافل، فتكون من الهالكين! أخي جار المسجد: ألا يسرك أن تكون في ضيافة ملك من ملوك الدنيا؟ ! بلى وكم أنت ستفرح بذلك .. ولكن أخي أليس من العجيب أن يدعوك ملك الملوك إلى بيته وأنت كالزاهد عن ذلك؟ ! أخي: إن أنت أجبت منادي ربك تعالى في يومك خمس مرات فأنت في ضيافة ربك تعالى! فليت شعري من مثلك؟ ! من أسعد منك؟ ! من فاز بالربح الوفير مثلك؟ ! أخي جار المسجد: أنت اليوم جار المسجد .. ولكن غدًا لا تدري جار من تكون؟ ! جارًا لأهل الجنان والنعيم الدائم .. أم جارًا لأهل النيران والشقاء الدائم .. أخي: كن خير جار للمسجد، والزم هذا البيت الطاهر الذي جاورته لتكون من أهل الفريق الأول .. أسعدني الله تعالى وأسعدك بذلك. أخي جار المسجد: هذه رسالتي أبعثها إليك .. وفي القلب ما الله به عليم من لوعة الأسى، وحرارة التوجع، أن تكون من أقل الناس نصيبًا وحظًا من ثواب الله تعالى إذا وقف الناس غدًا أمام رب العالمين ..

أخي: لا أملك إلا أن أقول لك: فلتستعن بالله، ولا تعجز، ولتشمر، ولتلق عن كاهلك رداء الكسل .. فتبادر إلى هذه البيوت الطاهرة .. أخي: إن أدمانك كثرة التردد إلى بيوت الله هو بابك إلى الجنة .. أخي: وأنا أودعك لكم يعظم رجائي أن تجد هذه الرسالة في قلبك موضعًا حسنًا؛ فتقبلها كأغلى هدية .. والله تعالى أملُ ورجاءُ من اعتصم به .. وما خاب من استنصر به .. {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: 45]. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته * * *

§1/1