رسالة أي المشددة

ابن قائِد

رسالة أي المشددة

رِسَالَة أَي الْمُشَدّدَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه ثقتي ورجاي الْحَمد لله رَافع المشكلات عَن أولي الْأَلْبَاب وناصب العلامات على ذَلِك من سنة وَكتاب حَتَّى انخفض لَهُم وَسَهل مَا أرادوه فجزموا بِأَن الْفَاعِل حَقِيقَة من قصدوه وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على خير خلقه مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَبعد فَيَقُول العَبْد الْفَقِير إِلَى رَحْمَة ربه الْعلي عُثْمَان بن أَحْمد النجدي الْحَنْبَلِيّ لطف الله تَعَالَى بهما وَالْمُسْلِمين هَذِه فَوَائِد تتَعَلَّق ب أَي الْمُشَدّدَة الْيَاء من كَلِمَات الْعَرَبيَّة توضح مَا فِيهَا من أَقسَام وَأَحْكَام حَتَّى تصير خفياتها جلية أسأَل الله تَعَالَى بفضله العميم أَن ينفع بهَا قَارِئهَا والناظر فِيهَا بقلب سليم وَقد رتبت الْكَلَام فِيهَا على ثَلَاثَة فُصُول وخاتمة نرجو حسنها وَالْقَبُول

الفصل الأول في أقسامها

الْفَصْل الأول فِي أقسامها اعْلَم أَن أيا فِي الْعَرَبيَّة على سِتَّة أوجه 1 - أَحدهَا أَن تكون شَرْطِيَّة كَقَوْلِه تَعَالَى {أيا مَا تدعوا فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى}

2 - الثَّانِي أَن تكون استفهامية كَقَوْلِه تَعَالَى {فَأَي الْفَرِيقَيْنِ أَحَق بالأمن}

3 - الثَّالِث أَن تكون صفة لنكرة نَحْو مَرَرْت بِفَارِس أَي فَارس

4 - الرَّابِع أَن تكون حَالا لمعْرِفَة نَحْو مَرَرْت بزيد أَي زيد وَهِي فِي الوصفية والحالية على معنى الْكَمَال 5 - الْخَامِس أَن تكون مَوْصُولَة كَقَوْلِه تَعَالَى {ثمَّ لننزعن من كل شيعَة أَيهمْ أَشد}

6 - السَّادِس أَن تكون وصلَة لنداء مَا فِيهِ أل كَقَوْلِه تَعَالَى {يَا أَيهَا المزمل} وَمعنى كَونهَا وصلَة لنداء مَا فِيهِ أل أَنه لَا يجوز فِي الِاخْتِيَار جمع يَا وأل إِلَّا مَعَ الله ومحكي الْجمل فَلَا تَقول يَا المزمل وَلَا يَا الْقَائِم وَنَحْوهمَا فَمَتَى أَرَادوا نِدَاء مَا فِيهِ أل أَتَوا قبله ب أَي فأدخلوا عَلَيْهَا حرف النداء وَأتوا بعْدهَا بهاء التَّنْبِيه جبرا لما فاتها

من الْإِضَافَة ثمَّ أَتَوا بِالْمَقْصُودِ بالنداء فِي صُورَة نعت ل أَي تَابع لَهَا على اللَّفْظ لَا على الْمحل فَإِن محلهَا نصب على المفعولية بِفعل مَحْذُوف وجوبا تَقْدِيره أَدْعُو أَو أنادي أَو أطلب وَنَحْو ذَلِك فَمَتَى كَانَ الْمُنَادِي أيا وَجب وَصفه بمرفوع معرف بالأداة لما ذكرنَا كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك فِي الْخُلَاصَة بقوله

وأيها مصحوب أل بعد صفه يلْزم بِالرَّفْع لَدَى ذِي الْمعرفَة وَإِنَّمَا جَازَ اتِّبَاع وصف أَي لَهَا فِي حَرَكَة بنائها لِأَنَّهُ عَارض وَالْحَرَكَة الْحَادِثَة بمجيء النداء شَبيهَة بحركة الْإِعْرَاب الْحَادِثَة بمجيء الْعَامِل وَنَظِير هَذَا نعت اسْم لَا الْمَبْنِيّ مَعهَا فَإِنَّهُ يجوز فِيهِ النصب إتباعا لفتح اسْم لَا عِنْد بَعضهم نَحْو لَا رجل صَالحا محروم وَقد أَشَارَ إِلَى ذَلِك الْعَلامَة ابْن هِشَام فِي مُغنِي اللبيب فَقَالَ فِي الْجِهَة السَّادِسَة من الْبَاب الْخَامِس مَا نَصه وَأما لَا رجل ظريفا فَإِنَّهُ عِنْد سِيبَوَيْهٍ مثل يَا زيد الْفَاضِل بِالرَّفْع انْتهى وَهَذَا بِخِلَاف حَرَكَة الْبناء فَإِنَّهُ لَا يجوز إتباعها لعدم الشّبَه الْمَذْكُور ثمَّ اعْلَم أَنه يسْتَثْنى من نِدَاء مَا فِيهِ أل اسْم الله الْأَعْظَم كَقَوْلِنَا يَا الله اغْفِر لنا وَكَذَا يجوز دُخُول حرف النداء على مَا فِيهِ أل من جملَة جعلت علما كَمَا لَو سميت شخصا ب المنطلق زيد فَإِنَّهُ يجوز أَن تَقول فِي ندائه يَا المنطلق زيد وَالله أعلم

تَنْبِيه أَي فِي أقسامها الْأَرْبَعَة الأول معربة وَهِي الشّرطِيَّة والاستفهامية والوصفية والحالية لِأَنَّهَا وَإِن كَانَ فِيهَا شبه الحرفية فِي بعض الْأَحْوَال وَهُوَ تضمنها معنى الشَّرْط إِذا كَانَت شَرْطِيَّة وَمعنى الِاسْتِفْهَام إِلَّا أَن هَذَا الشّبَه قد عَارضه لُزُومهَا الْإِضَافَة إِلَى مُفْرد وَذَلِكَ من خَصَائِص الْأَسْمَاء فَرَجَعت إِلَى مَا هُوَ الأَصْل فِيهَا من الْإِعْرَاب وَالْأَصْل يرجع إِلَيْهِ بِأَدْنَى سَبَب وَأما الموصولة فَفِيهَا تَفْصِيل سَيَأْتِي فِي الْفَصْل الثَّالِث إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما الوصلة فتبنى بِلَا تَفْصِيل لِأَنَّهَا مُفْرد معرفَة وَالله أعلم

الفصل الثاني فيما يلزمها من الإضافة

الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا يلْزمهَا من الْإِضَافَة أعلم أَن أيا فِي جَمِيع أقسامها وَاجِبَة الْإِضَافَة إِمَّا لفظا أَو تَقْديرا إِلَّا الْوَاقِعَة وصلَة فَإِنَّهَا لَيست مُضَافَة لَا لفظا وَلَا تَقْديرا وَلذَلِك ألزموها هَا التَّنْبِيه عوضا عَمَّا فاتها من الْإِضَافَة كَمَا تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَهِي بِاعْتِبَار مَا تُضَاف إِلَيْهِ على ثَلَاثَة أَقسَام أَحدهَا مَا يجب فِيهِ أَن تُضَاف إِلَى معرفَة وَهِي الْوَاقِعَة موصوله الثَّانِي مَا يجب فِيهِ أَن تُضَاف إِلَى نكرَة وَهِي الْوَاقِعَة صفة لنكرة أَو حَالا لمعْرِفَة كَمَا تقدم من الْأَمْثِلَة مَا تكون فِيهِ مُضَافَة إِلَى معرفَة تَارَة والى نكرَة أُخْرَى وَهِي الْوَاقِعَة شرطا أَو استفهاما فمثالهما معرفتين أَيهمْ يقم أقِم مَعَه وأيهم يقوم ومثالهما نكرتين أَي رجل يقم أقِم مَعَه وَأي رجل يقوم

الفصل الثالث في الموصولة

الْفَصْل الثَّالِث فِي الموصولة أعلم وفقنا الله وَإِيَّاك أَن أيا الموصلة على أَقسَام كبر وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إِمَّا أَن تكون صلتها جملَة أَو شبهها وعَلى الأول إِمَّا أَن تكون الْجُمْلَة اسمية أَو فعلية وعَلى الأول إِمَّا أَن يكون الْخَبَر فِيهَا مُفردا أَو لَا وعَلى الأول أَعنِي مَا إِذا كَانَت الصِّلَة جملَة اسمية وَالْخَبَر فِيهَا مُفْرد لَهَا أَرْبَعَة أَحْوَال أَحدهَا أَن تُضَاف لفظا وَيذكر صدر صلتها نَحْو يُعجبنِي أَيهمْ قَائِم الثَّانِي عَكسه بِأَن لَا تُضَاف لفظا وَلَا يذكر صدر صلتها بل يحذف نَحْو يُعجبنِي أَي قَائِم فِي الدَّار الثَّالِث أَن يذكر الصَّدْر وَلَا تُضَاف نَحْو يُعجبنِي أَي هُوَ قَائِم الرَّابِع أَن تُضَاف لفظا ويحذف الصَّدْر نَحْو يُعجبنِي أَيهمْ قَائِم وَهَذَا الْقسم بِعَيْنِه هُوَ الَّذِي يجب فِيهِ بِنَاء أَي الموصولة من بَين أقسامها وَضَابِط هَذَا الْقسم الَّذِي يجب بناؤها فِيهِ فَقَط أَن يجْتَمع فِيهَا أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن تُضَاف لفظا وَالثَّانِي أَن يحذف صدر صلتها فَلَو انْتَفَى الْأَمر الثَّانِي وَحده كَمَا فِي الْحَال الأول وانتفى الْأَمر الأول وَحده كَمَا فِي الْحَال الثَّالِث وانتفيا مَعًا كَمَا فِي الْحَال الثَّانِي فَإِنَّهَا تكون معربة واما إِذا وصلت بجملة اسمية نَحْو يُعجبنِي أَيهمْ وَلم يكن الْخَبَر فِيهَا مُفردا فإمَّا أَن تكون جملَة اسمية نَحْو يُعجبنِي أَيهمْ هُوَ أَبوهُ قَائِم أَو فعلية نَحْو يُعجبنِي أَيهمْ هُوَ قَائِم أَبوهُ أَو شبه جملَة ظرفا أَو جارا أَو مجرورا نَحْو

يُعجبنِي أَيهمْ هُوَ الدَّار أَو عنْدك وَفِي كل هَذِه الْأَحْوَال الْأَرْبَعَة إِمَّا أَن تُضَاف أَولا فَتَصِير الْأَحْوَال فِيمَا إِذا كَانَ الْخَبَر لَيْسَ مُفردا ثَمَانِيَة وَهِي معربة فِيهَا كلهَا وَلَا يجوز فِي أحد مِنْهَا حذف الصَّدْر مَعَ إِرَادَته لِأَنَّهُ لَو حذف فِي وَاحِد مِنْهَا لم يكن فِي الْكَلَام مَا يدل عَلَيْهِ لعدم الْحَاجة إِلَيْهِ لِأَن الْبَاقِي بعد حذفه صَالح لِأَن يكون صلَة بل يكون صلَة تَامَّة فَلَا يَدعِي حذف شَيْء لِأَن الأَصْل عَدمه بل مَتى أُرِيد الْإِسْنَاد إِلَى الصَّدْر وَجب التَّصْرِيح بِهِ وَهَكَذَا بِخِلَافِهِ فِي أَرْبَعَة الْمُفْرد فَإِنَّهُ إِذا حذف هُنَاكَ لم يبْق إِلَّا الْمُفْرد وَهُوَ لَا يصلح لِأَن يكون صلَة فَيعلم أَن فِي الْكَلَام شَيْئا محذوفا وَأما إِذا كَانَت الصِّلَة جملَة فعلية نَحْو يُعجبنِي أَيهمْ قَامَ أَبوهُ أَو شبه جملَة نَحْو يُعجبنِي أَيهمْ فِي الدَّار أَو عنْدك فإمَّا أَن يُضَاف لفظا أَو لَا وَهِي معربة فِي هَذِه السِّتَّة أَيْضا فمجموع أَحْوَال أَي الموصولة ثَمَانِيَة عشر حَالا وَإِذا ضممتها إِلَى بَقِيَّة الْأَقْسَام الْخَمْسَة الَّتِي فِي غير الموصولة حصل ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ وَقد علم أَنَّهَا كلهَا معربة فِيهَا إِلَّا فِي قسمَيْنِ الوصلة والموصولة بالقيدين السَّابِقين أَعنِي الْإِضَافَة وَحذف الصَّدْر وَإِذا نظرت إِلَى كَون الْجُمْلَة الفعلية تكون من فعل وفاعل تَارَة وَمن فعل ونائبه أُخْرَى زَادَت الْأَقْسَام على مَا ذكرنَا كَمَا لَا يخفي تَنْبِيه مَتى وَقعت الصِّلَة ظرفا أَو جارا ومجرورا فَلَا بُد من تعلقهما بِفعل مَحْذُوف وجوبا وَلَا يجوز تعلقهما بِالْوَصْفِ لِأَنَّهُ مَعَ معموله فِي حكم الْمُفْرد

وَهُوَ لَا يُوصل بِهِ وَهَذَا بِخِلَاف بَقِيَّة الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة التَّعَلُّق كَمَا فِي الْخَبَر وَالصّفة وَالْحَال فَإِنَّهُ يجوز تعلقهما فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة بِوَصْف وَيجوز تعلقهما بِفعل لعدم وجوب الْجُمْلَة فيهمَا تَتِمَّة قد يسْتَشْكل بِنَاء أَي الموصولة فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة مَعَ كَونهَا مُضَافَة حَتَّى قَالَ الزّجاج الَّذِي هُوَ من كبار النُّحَاة الْبَصرِيين مَا تبين لي أَن سِيبَوَيْهٍ غلط إِلَّا فِي موضِعين هَذَا أَحدهمَا أَي فَإِنَّهُ يسلم أَنَّهَا تعرب إِذا أفردت فَكيف يَقُول ببنائها إِذا أضيفت مَعَ أَن الْإِضَافَة مبعدة عَن شبه الْحَرْف الَّذِي هُوَ مُوجب للْبِنَاء وَالْجَوَاب أَن سَبَب بنائها إِذا أضيفت وَحذف صدر صلتها كَونهَا فِي هَذِه

الْحَالة قد نزل مَا أضيفت إِلَيْهِ منزله الصَّدْر وَلذَلِك لم يقبح حذف صدر صلتها حَيْثُ كَانَت مُضَافَة لطول الصِّلَة بتنزيل الْمُضَاف إِلَيْهِ منزلَة جُزْء مِنْهَا وَقد نَص الإمامان الجليلان الْخَلِيل وسيبويه رحمهمَا الله تَعَالَى على أَن نَحْو يُعجبنِي أَي قَائِم قَبِيح كَمَا فِي جَاءَ الَّذِي قَائِم وَذَلِكَ لقصر الصِّلَة بِحَذْف الصَّدْر مَعَ عدم مَا يقوم مقَامه بِخِلَاف أَيهمْ قَائِم فَإِن ذكر الْمُضَاف إِلَيْهِ حسن حذف صدر الصِّلَة وَحَيْثُ نزل الْمُضَاف إِلَيْهِ منزلَة الصَّدْر بقيت أَي كَأَنَّهَا غير مُضَافَة لَا لفظا وَلَا تَقْديرا أما الأول فلتنزيل الْمُضَاف إِلَيْهِ منزلَة الصَّدْر واما الثَّانِي فلوجود الْإِضَافَة لفظا وَالتَّقْدِير لَا يُجَامع اللَّفْظ فبنيت أَي فِي هَذِه الْحَالة لكَونهَا صَارَت بِمَنْزِلَة المقطوعة عَن الْإِضَافَة لفظا وتقديرا فَسلم شبه الْحَرْف فِيهَا من الْمعَارض بِخِلَاف بَقِيَّة أقسامها فَإِنَّهَا إِمَّا مُضَافَة لفظا من غير تَنْزِيل للمضاف إِلَيْهِ منزلَة الصَّدْر لوُجُود الصَّدْر أَو لعدم الْحَاجة إِلَيْهِ أصلا وَأما المضافة تَقْديرا كَمَا فِي صور قطعهَا عَن الْإِضَافَة وَحِينَئِذٍ لَا يَتَأَتَّى التَّنْزِيل لِأَن مَعْدُوما لَا يقوم مقَام مَعْدُوم وَهَذَا جَوَاب دَقِيق أَفَادَ مَعْنَاهُ أَبُو

اسحق الشاطبي وَغَيره وَذكر حفيد الموضح فِي حَوَاشِي التَّوْضِيح أَن هَذَا الْجَواب مِمَّا يَنْبَغِي أَن يكْتب بِمَاء الذَّهَب وَهَا هُنَا إِشْكَال آخر وَهُوَ أَن أيا الموصولة قد اجْتمع فِيهَا معرفان أَحدهمَا إضافتها إِلَى الْمعرفَة وَثَانِيهمَا عهد الصِّلَة الَّذِي بِهِ تعرفت جَمِيع الموصولات الاسمية على الْأَصَح فَكيف اجْتمع معرفان على معرف وَاحِد وَالْجَوَاب كَمَا أَفَادَهُ الْعَلامَة ابْن قَاسم الْعَبَّادِيّ وَغَيره أَن أيا الموصولة فِيهَا إبهامان إِبْهَام الْجِنْس فَإنَّك إِذا قلت يُعجبنِي أَي الرِّجَال فقد علم أَن جنس مَا صدقت عَلَيْهِ وإبهام الشَّخْص فاحتاجت إِلَى معرفين مزيلين لِذَيْنِك الإبهامين فبإضافتها إِلَى الْمعرفَة يَزُول إِبْهَام الْجِنْس أَي هُوَ جنس الرِّجَال وبقى شخصا لما صدق مُبْهما كَمَا فِي قَوْلك جَاءَنِي رجل فاحتيج إِلَى رفع إِبْهَام الشَّخْص بِذكر شَيْء

من عوارضه الْمَعْهُودَة للسامع من قيام أَو قعُود أَو نَحْوهمَا فَإِذا قلت يُعجبنِي أَي الرِّجَال قَامَ فقد أزلت إِبْهَام الشَّخْص بِمَا قَامَ من الْعَهْد الَّذِي بَيْنك وَبَين السَّامع الْمُخَاطب انْتهى

خَاتِمَة فِي فهم مَا يتَعَلَّق بالموصولة من كَلَام الإِمَام جمال الدّين مُحَمَّد بن مَالك فِي خلاصته قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى فِي بَاب الْمَوْصُول (أَي كَمَا وأعربت مَا لم تضف ... وَصدر وَصلهَا ضمير انحذف) فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَوْله أَي كَمَا يُرِيد رَحمَه الله تَعَالَى أَن أيا تكون اسْما مَوْصُولا للمفرد والمثنى وَالْجمع مذكرا أَو مؤنثا كَمَا أَن مَا تكون كَذَلِك تَقول يُعجبنِي أَيهمْ قَامَ وأيهم قاما وأيهم قَامُوا وأيهن قَامَت وأيهن قامتا وأيهن قمن وَلَا تخْتَص فِي الأَصْل بِغَيْر الْعَاقِل بِخِلَاف مَا بل هِيَ بِحَسب مَا تُضَاف إِلَيْهِ من عَاقل وَغَيره والمشبه بالشَّيْء لَا يلْزم أَن يُسَاوِيه فِي خَصَائِصه كلهَا بل وَلَا فِي وَجه الشّبَه كَمَا هُوَ مُقَرر فِي مَحَله قَوْله وأعربت الخ مالم تضف يُرِيد أَن أيا خَالَفت أخواتها فأعربت فِي غَالب أحوالها لما لزمتها الْإِضَافَة كَمَا تقدم قَوْله مَا لم تضف مَا مَصْدَرِيَّة ظرفية فَمَعْنَى كَونهَا مَصْدَرِيَّة أَنَّهَا تؤول مَعَ مَا يَليهَا بمصدر كَمَا هُوَ شَأْن الموصولات الحرفية وَمعنى كَونهَا ظرفية أَن الْمصدر المؤول نَائِب عَن ظرف مَحْذُوف مُضَاف إِلَى الْمصدر فَإِن حذف ظرف الزَّمَان وإنابة الْمصدر عَنهُ فِي النصب على الظَّرْفِيَّة كثير كَمَا فِي قَوْلك آتِيك طُلُوع

الشَّمْس وأمكث نحر جزور والى هَذَا وَنَحْوه أَشَارَ الإِمَام ابْن مَالك فِي خلاصته بقوله (وَقد يَنُوب عَن مَكَان مصدر ... وَذَاكَ فِي ظرف الزَّمَان يكثر) وَلَيْسَ هَذَا من خَصَائِص هَذَا الْبَاب بَاب الْمَفْعُول فِيهِ كَمَا يتَوَهَّم بل هَذَا بَاب وَاسع وَهُوَ حذف الْمُضَاف وَإِقَامَة الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه الَّذِي قيل فِيهِ حدث عَن الْبَحْر وَلَا حرج وَقد ذكره الإِمَام ابْن مَالك أَيْضا بقوله (وَمَا يَلِي الْمُضَاف يَأْتِي خلفا ... عَنهُ فِي الْإِعْرَاب إِذا مَا حذفا) فَظهر لَك من هَذَا أَن قَوْلهم مَا مَصْدَرِيَّة ظرفية مَعْنَاهُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّة أَصَالَة وتأويلا وظرفية نِيَابَة وتقديرا وَالتَّقْدِير فِيمَا نَحن فِيهِ وأعربت أَي مُدَّة عدم إضافتها الْمقيدَة بِحَذْف الصَّدْر وَإِنَّمَا قُلْنَا الْمقيدَة الخ لِأَن جملَة قَوْله وَصدر وَصلهَا ضمير انحدف حَال من نَائِب فَاعل تضف وَالْحَال وصف لصَاحِبهَا قيد فِي عاملها فَقَوله وأعربت الخ منطوقه صَادِق بِجَمِيعِ أَقسَام الموصولة الَّتِي ذكرنَا أَنَّهَا معربة ومفهومة صَادِق بِصُورَة بنائها وَبَيَانه أَن صوره الْبناء فِيهَا قيدان الْإِضَافَة وَحذف الصَّدْر وكل صُورَة من صور إعرابها قد عدم مِنْهَا القيدان أَو أَحدهمَا

وَإِذا تقرر هَذَا فَفِي قَول النَّاظِم رَحمَه الله تَعَالَى وأعربت مَا لم تضف الخ أَرْبَعَة تقارير أَحدهَا أَن قَوْله وَصدر وَصلهَا الخ قيد فِي النَّفْي وَالْمعْنَى وأعربت أَي مُدَّة عدم انْتِفَاء الْإِضَافَة بِشَرْط أَن تكون أَي المقطوعة عَن الْإِضَافَة قد حذف صدر صلتها وَذَلِكَ صَادِق بِصُورَة وَاحِدَة دلّ على إعرابها الْمَنْطُوق وَهِي قَوْلك مثلا يُعجبنِي أَي قَائِم وَبَاقِي صورها مسكوت عَنهُ فَإِن قلت الْمَفْهُوم من الْكَلَام حِينَئِذٍ بِنَاء بَاقِي الصُّور وَلَيْسَ كَذَلِك قلت غَايَة مَا فِيهِ أَن الْمَفْهُوم فِيهِ تَفْصِيل وَذَلِكَ لَا يعْتَرض بِهِ بل التَّفْصِيل موكول إِلَى أَمر خَارج من وقف أَو غَيره التَّقْرِير الثَّانِي أَن قَوْله وَصدر وَصلهَا قيد فِي مَفْهُوم مَا لم تضف وَبَيَانه أَن قَوْله مَا لم تضف مَعْنَاهُ مُدَّة عدم إضافتها أَي فتعرب سَوَاء ذكر الصَّدْر أَو حذف وَهُوَ كَذَلِك وَمَفْهُومه أَنَّهَا إِذا أضيفت تبنى سَوَاء ذكر الصَّدْر أم حذف وَلَيْسَ على إِطْلَاقه تَقْيِيد هَذَا الْمَفْهُوم بقوله وَصدر وَصلهَا ضمير الخ وَمَفْهُوم الْقَيْد أَنه إِذا لم يحذف الصَّدْر تعرب وَهُوَ كَذَلِك وَبَعض صور الْإِعْرَاب أفادها بالمنطوق وَبَعضهَا بِالْمَفْهُومِ وَصُورَة الْبناء ملفقة من الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم وَهَكَذَا جوز بَعضهم وَعَلِيهِ فالنفي للمقيد وَحده اعني الْإِضَافَة

التَّقْرِير الثَّالِث أَن يكون قَوْله مَا لم بمعني إِلَّا وَالْمعْنَى وأعربت أَي فِي جَمِيع صورها إِلَّا أَن تُضَاف ويحذف الصَّدْر فتبنى فَجَمِيع صور الْإِعْرَاب مَنْطُوق وَصُورَة الْبناء مَفْهُوم وَهَذَا نَظِير مَا قيل فِي حَدِيث مَا خير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أَمريْن إِلَّا اخْتَار أيسرهما مَا لم يكن إِثْمًا أَي إِلَّا أَن يكون إِثْمًا فَلَا يُخَيّر وَلَا يخْتَار وَإِنَّمَا أول بذلك ليَكُون قَوْله مَا لم يكن إِثْمًا فِي معنى الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطع التَّقْرِير الرَّابِع وَهُوَ التَّحْقِيق وَجرى عَلَيْهِ جُمْهُور الشُّرَّاح الْمرَادِي وَغَيره وَهُوَ الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِ فِي أول الخاتمة أَن يكون النَّفْي منصبا على الْقَيْد والمقيد وَالتَّقْدِير وأعربت أَي مُدَّة عدم الْإِضَافَة الْمقيدَة بِحَذْف الصَّدْر فَإِنَّهَا لَا تعرب بل تبنى وَمَا سوى هَذِه الْعبارَة تعرب أَي فِيهَا فصورة الْبناء دلّ عَلَيْهَا مَفْهُوم الْكَلَام وصور الْأَعْرَاب دلّ عَلَيْهَا منطوقه

جعلنَا الله وَإِيَّاكُم بفضله من الناطقين بِالْخَيرِ الصامتين عَن الضير وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تمت هَذِه الرسَالَة بالتمام والكمال وَذَلِكَ على يَد أفقر الْعباد وأحوجهم إِلَى عَفْو ربه المنان حسن بن نصار بن مَنْصُور الْحَنْبَلِيّ البيتاوي وَذَلِكَ بالجامع الْأَزْهَر الْمَعْمُور بِذكر الله أدام الله عماره والنفع بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَذَلِكَ نَهَار الْخَمِيس الْمُبَارك نَهَار سَبْعَة وَعشْرين خلت من جماد الثَّانِي من شهور سنة ألف وَمِائَة وَأَرْبَعَة وَخمسين من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَأتم التَّسْلِيم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين آمين

§1/1