رد الطعون الواردة في الموسوعة العبرية عن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم

موسى البسيط

مقدمة

ردُّ الطعون الواردة في الموسوعة العبرية عن السنة النبوية د/موسى البسيط بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، وبعد: فالإسلام هو الطرح البديل الذي جاء ليحقق الأمن والسعادة والسلام للبشرية جمعاء، لقد جاء وارثاً لشرائع السماء ومهيمناً عليها. إنه يحرر العقل من الاستعباد، وينفض عنه غبار التعصب والتقليد، ويهدي البصائر المطموسة بحقائقه الدامغة وبراهينه الواضحة الساطعة، فما من عقيدة من عقائده إلا ويسندها الدليل وتضيء بالحجة. إن أصدق ما يوصف به الإسلام أنّه {نُّورٌ عَلَى نُورٍ} [النور:35] كما جلّى ذلك الله في كتابه {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} [النور:35] والكفر في كل زمان يتشابه في أهدافه وغاياته، وفي تصوراته وأساليبه، فتجد أساطينه يُعمي التعصبُ بصائرَهم، ولا يزالون يثيرون حول الإسلام ورسولِه ومصادرِه الشبهاتِ والشكوكَ، زاعمين في صنيعهم سلوك المنهج العلمي وَهُم منه برآء. ولقد نظرت في المجلد الرابع من "الموسوعة العبرية" في مادة "الإسلام" فألفيت فيها كثيراً من المغالطات والمزاعم، فرأيت من الواجب أن أتناولها بالردّ العلمي والتفنيد، بعيداً عن الانفعال العاطفي.

إنّ المؤلفين في مادة "الإسلام" في الموسوعة هم: لاستر، وشموئيل م. ستيرين، وهم يستندون إلى كتابات المستشرقين أمثال: إيسدبي، و"إش. د.غويطن" و"ي. ي.ر يفيلين" "وحافا لزروس. يافا". و"غولد تسهير" وغيرهم. ولاشك أنّ لهذه الأسماء بريقها وشهرتها في أوساط الاستشراق والمستشرقين. ولابد لنا قبل تناول الشبهات المثارة في الموسوعة العبرية حول الإسلام ورسوله أن نقدم لمحة عن الاستشراق وجذورِه وأهم سمات مناهج المستشرقين في البحث في دراساتهم الإسلامية.

الاستشراق

الاستشراق جذور الاستشراق ... الاستشراق: لعل أدق التعاريف للاستشراق أنه مصطلح يطلق على دراسات أكاديمية يقوم بها غربيون من أهل الكتاب للإسلام والمسلمين في شتى الجوانب: عقيدة، وثقافة، وشريعة، وتاريخاً، ونُظماً، وثروات وإمكانات ... بهدف تشويه الإسلام، ومحاولة تشكيك المسلمين فيه وتضليلهم عنه، وفرض التبعية للغرب عليهم، ومحاولة تسويغ هذه التبعية بدراسات ونظريات تدّعي العلمية والموضوعية، وتزْعم التفوّق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق الإسلامي (1) . ويرى الدكتور إدوارد سعيد أن الاستشراق أسلوب غربي للهيمنة على الشرق وإعادة صياغته وتكوينه فكرياً وسياسياً، وممارسة السلطة عليه (2) . والشرق الذي يسعى الغرب إلى إحكام السيطرة عليه وإعادة صياغته وبنائه هو الشرق الإسلامي. إنّ توجّه الأكاديميين لدراسة الشرق الإسلامي نابع من منطق إحساسهم بالتفوق العنصري والثقافي على الشرق، ويتّصف هؤلاء الأكاديميون بصفات لها تأثيرها في دراساتهم، فليسوا هم من المسلمين، بل عُرفوا بالعداوة للإسلام وتخصصوا بالكيد للمسلمين.

_ (1) غراب، أحمد، رؤية إسلامية للاستشراق ص9. (2) Edward Said: Orientalism- p-i.

جذور الاستشراق: يعد الاستشراق موقفاً عقدياً وفكرياً يقفه من الإسلام مَن لا يؤمن به منذ ظهوره وحتى اليوم، وهو موقفُ الإنكار للرسالة والتكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم، وإثارة الشبهات حول الإسلام وكتابِه ورسوله بوجه خاص، لتشكيك المسلمين في دينهم تمهيداً لردّتهم. وليس الاستشراق في نشأته جديداً، بل له أصوله الضاربة في التاريخ، فقد وجه الكفار سهام التشكيك إلى مصداق مصدر الرسالة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، وتركزت افتراءاتهم وشبهاتهم حول الزعم بأنّ القرآن ليس وحياً، وأنّه من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم أو عاونه على تأليفه وتَعَلُّمِه بَشَر: {بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} [الأنبياء:5] . وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ، وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ، تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} [الحاقة:40-43] . وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان:4-5] . وقال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [النحل:103] . إنّ هذه الآية تشير إلى زعم الكفار أنّ غلاماً نصرانياً أعجمياً لا يعرف

العربية هو الذي كان يُعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) . ويتكرر هذا الزعم على ألْسنة المستشرقين في العصر الحديث فيقولون: إنّ القرآن يستمد كثيراً من موضوعاته من المصادر اليهودية والنصرانية (انظر ص15 من هذه الدراسة) - إن الافتراءات التي تصدر عن المستشرقين ضد الإسلام ورسوله ومصادِره هي افتراءاتٌ قديمة، لكنهم يُلبسونها ثوباً جديداً، ويُضْفون عليها ما يسمى بمسْحَة المنهج العلمي - وهو من العلمية براء - وإنّما كان هذا التشابه في الافتراءات؛ لأن نفوس مَنْ تصدر عنهم هذه الدعاوى نفوسٌ متشابهةٌ تتصف جميعها بالجحود والطغيان والاستكبار عن قبول الحق وإتباعه. وتكاد تجد إجماعاً من المستشرقين قديماً وحديثاً على فكرة إنكار أن القرآن وحيٌ من عند الله، وأنّ محمداً صلى الله عليه وسلم اعتمد كثيراً في القرآن على الأخذ من اليهودية والنصرانية، وبخاصة على الأخذ من العهدين القديم والجديد أي من التوراة والإنجيل (انظر ص13 من هذه الدراسة) . ويردد هذا الزعم "ريتشارد بل" في كتابه "مقدمة القرآن" حيث يرى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت فرصته في المدينة للتعرف على ما في العهد القديم أفضل من وضعه السابق في مكة؛ إذ كان على اتصال بالجاليات اليهودية في المدينة، وعن طريقها حصل على قسط غير قليل من المعرفة بكتب موسى على الأقل (2) . وعن التأثير النصراني في القرآن يقول "بارت": (3)

_ (1) انظر: تفسير ابن كثير (4/523) . (2) اللبان، إبراهيم، المستشرقون والإسلام ص15 (ملحق مجلة الأزهر، نيسان 1970م) . (3) زقزوق، محمود حمدي، الإسلام في الفكر الغربي 67-68.

"لقد كانت معلومات الناس بمكة - في عصر النبي - عن النصرانية محدودة وناقصة، ولم يكن النصارى العرب سائرين في معتقداتهم في الاتجاه الصحيح، ولهذا كان هناك مجال لظهور الآراء البدعية المنحرفة، ولولا ذلك لما كان محمد على علم بأمثال تلك الآراء التي تنكر صلب المسيح، وتذهب إلى أنّ نظرية التثليث النصرانية لا تعني الأب والابن والروح القدس، وإنّما تعني الله وعيسى بن مريم، وعلى أية حال فإن المعارف التي استطاع محمد أن يجمعها عن حياة المسيح وأثره كانت قليلة ومحدودة، وعلى العكس من ذلك كان محمد يعرف الشيء الكثير عن ميلاد عيسى وعن أمه مريم". وملخص قول "بارت" أن محمداً هو مؤلف القرآن، وأنه جمع معلوماته عن المسيح وأمه من شائعات النصارى. لقد ذهب كثير من المستشرقين إلى زعم أنّ مصدر محمد عن النصرانية هو "بحيرى الراهب" في رحلته التجارية إلى الشام، بل إنّ مقابلته لبحيرى دفعته ليتمثل في نفسه ما سمعه من بحيرى وعرفه من يهود، فخرج بهذا الدين (1) . إنّ كل هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة، ولا سند لها من التاريخ، وقد ناقشها الدكتور "محمد عبد الله دراز" مناقشة علمية قيمة، وتوصل إلى القول: "إن جميع سبل البحث التي وقعت تحت أيدينا وناقشناها ثبت ضعفها وعدم قدرتها على تقديم أي احتمال لطريق طبيعي أتاح للنبي صلى الله عليه وسلم فرصة

_ (1) وقصة بحيرى ضعَّفها أهل العلم ولم يثبتوها ورأوها منكرة. انظر: زاد المعاد (1/18) ، وميزان الاعتدال (3/581) ، وتلخيص الذهبي لمستدرك الحاكم (2/615) .

الاتصال بالحقائق المقدسة، ورغم الجهد الذهني الذي نبذله لتضخيم معلوماته السمعية ومعارف بيئته فإنّه يتعذر علينا تفسيراً كافياً لهذا البناء الشامخ من العلوم الواسعة والمفصلة التي يقدمها لنا القرآن في مجال الدين والتاريخ والقانون والكون والأخلاق" (1) . ولتفنيد زعمهم نقول: إن القرآن أتى بالعقائد والأصول العامة التي أتت بها كل رسالات التوحيد الموحَى بها قبلَه، وقد جاء القرآن وهو أعلى وأوسع وأكمل من كل المعلومات التي كانت لدى بحيرى الراهب ولدى كل النصارى واليهود، جاء القرآن مصدقاً لما نزل على موسى وعيسى وداود وسليمان، كما جاء القرآن مهيمناً على هذه الكتب وحاكماً عليها، كما في قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة:48] . ولكن هذا القرآن يختلف عن الكتب السابقة بما يلي: أولاً: الكتب السابقة أنزلت على رسل بُعثوا إلى أقوامهم خاصة، وهذا القرآن أنزل إلى الناس عامة. ثانياً: أنّ الكتب السابقة "التوراة والإنجيل" حُرّفت، بينما بقي القرآن محفوظاً من كل تحريف وتبديل، وقد أكد الله تعالى ذلك بقوله عن اليهود: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} [البقرة:79] .

_ (1) دراز، محمد عبد الله، مدخل إلى القرآن، 165.

وقوله: {مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [النساء:46] . وقال عن النصارى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ} [المائدة:14] . ثالثاً: ثم إن القرآن يخبرنا عن تحريف أهل الكتاب لعقيدة التوحيد {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:31] . فكيف يُعقل أن يأخذ القرآن عن الكتب التي أعلن تحريفها؟ وتحريف التوراة والإنجيل في مقابل خلو القرآن من التحريف حققه العلماء الباحثون في مقارنة الأديان. إنّ دعوى استفادة الإسلام من اليهودية والنصرانية تكذبها الوثائق التاريخية التي تتعلق بالعصرين الجاهلي والإسلامي، وكلها تؤكد أنّه ليس ثمة تأثير أجنبي في تلك البيئة على مصادر الإسلام. إن الإسلام ليس ديناً تابعاً لأي دين آخر، ولكنه الدينُ الذي أراده الله خاتماً للأديان، إن منهج المستشرقين في دراسة الإسلام منهج مرفوضٌ؛ إذ إنّ منهج التأثر والتأثير بين التراث الإنساني منهجٌ قاصرٌ عن فهم طبيعةِ الوحي الإلهي.

سمات منهاج المستشرقين في البحث

سمات منهاج المستشرقين في البحث: إن موقف المستشرقين في دراساتهم عن الإسلام لا يتسم بالموضوعية ولا النزاهة، بل إننا من خلال اطلاعنا على بحوثهم ودراساتهم، وجدنا أن بحثهم "العلمي" اتسم بإساءة الظن والتشويه والتحريف والجهل والتحكّم في المصادر، بل والتحكّم بالنتائج قبل إجراء الدراسة.

ويرحم الله الدكتور السباعي فلقد فصّل جميع الظواهر التي يوصف بها منهاج الاستشراق، وأنا بدوري أوردها كاملة كما ذكرها. 1- سوء الظن والفهم لكل ما يتصل بالإسلام في أهدافه ومقاصده. 2- سوء الظن برجال المسلمين وعلمائهم وعظمائهم. 3- تصوير المجتمع الإسلامي في مختلف العصور - وخاصة في العصر الأول - بأنه مجتمع متفكك تقتل الأنانية رجاله وعظماءه. 4- تصوير الحضارة الإسلامية تصويراً دون الواقع بكثير؛ تهويناً لشأنها واحتقاراً لآثارها. 5- الجهل بطبيعة المجتمع الإسلامي على حقيقته، والحكم عليه من خلال ما يعرفه هؤلاء المستشرقون من أخلاق شعوبهم وعادات بلادهم. 6- إخضاع النصوص للفكرة التي يفرضونها حسب أهوائهم، والتحكم بما يرفضونه ويقبلونه من النصوص. 7- تحريفهم للنصوص في كثير من الأحيان، تحريفاً مقصوداً، وإساءتهم فهم العبارات حين لا يجدون مجالاً للتحريف. 8- تحكمهم في المصادر التي ينقلون منها، فهم ينقلون مثلاً من كتب الأدب ما يحكمون به في تاريخ الحديث، ومن كتب التاريخ ما يحكمون به في تاريخ الفقه، ويصححون ما ينقله (الدميري) في كتاب (الحيوان) ، ويكذبون ما يرويه "مالك" في "الموطأ"، كل ذلك انسياقاً مع الهوى، وانحرافاً عن الحق (1) .

_ (1) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي 188-189.

إن مناهج المستشرقين تعتمد التشكيك في كل ما ينبثق من الإسلام ابتداء من إنكار رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن الكريم عليه. ثم تشكيكهم في صحة الحديث النبوي، رغم الجهود الجبارة التي بذلها علماؤنا لتنقية الحديث الصحيح من غيره، مستندين إلى منهج النقد العلمي الذي تفتقر إليه كتب اليهود والنصارى. كما شكك المستشرقون في قيمة الفقه الإسلامي، وزعموا أنّه مستمد من القانون الروماني، الأمر الذي أثبت العلماء بطلانه، وتوصلوا إلى استقلالية الفقه الإسلامي. وشكك المستشرقون في اللغة العربية وقدرتها على استيعاب كل جديد. إن المتأمل في دراسات المستشرقين يلحظ الهجمة الشرسة على الإسلام ونبيه، ونظمه بكل الوسائل والأساليب، ومن خلال ذلك تظهر الخدمة الجليلة التي يقدمها الاستشراق للاستعمار أيّاً كان هذا الاستعمار. وإلى مناقشة شبه أصحاب الموسوعة، والرد عليها:

الإسلام هو الدين الحق

الإسلام هو الدين الحق ديانات التوحيد ... الإسلام هو الدين الحق: زعم كاتب الموسوعة العبرية (1) في المجلد (4) الصفحة (954) الفقرة الأولى: "أن الإسلام منبثق من اليهودية". وقال في (ج4) الصفحة (955) الفقرة الثانية: "أدرك محمد صلى الله عليه وسلم حقيقةَ وسببَ دعوتِه فقط، بعدَ وبفضل الاتصالات التي أجراها مع ممثلي الديانات الأخرى (اليهود والنصارى) وحتى الديانة الوثنية". وانظر أيضاً (ج4) الصفحة (956) الفقرة الأولى وج (22) الصفحة (1012) الفقرة الأخيرة، وقال في الصفحة (956) السطر الأول حتى آخر الصفحة: "إن محمداً صلى الله عليه وسلم اعترف طوال حياته بتأثير ديانات التوحيد القديمة (اليهودية والنصرانية) ". "في البداية ما كان يخطر بباله أنّه يدعو إلى دين جديد، وإنما كان التجديد فقط بكون الكتاب الذي جاء به عربياً. وكان محمد يعتقد أن شعبه سيحظى منذ تلك اللحظة بنفس القوانين الجيدة والمناسبة التي أعطاها الله لشعوبٍ سابقةٍ بلغاتها، فيحظى بانتقاء الجيد مما في التوراة". "وعندما رأى محمد صلى الله عليه وسلم أن اليهود في المدينة لا يرون في الإسلام الصورة

_ (1) رجعت في نقد ما جاء في الموسوعة العبرية إلى المجلدات التالية منها، وهي: (4، 22، 26) وإلى "مذكرة" تتضمن أبرز الأفكار المحرّفة عن الإسلام أُخِذت من الموسوعة العبرية، والمذكرةُ تدرّس على سبيل النَقْد لها في كلٍ من كلية الشريعة بباقة الغربية، وكلية الدعوة والعلوم الإسلامية – بأم الفحم، فحيث كان الرقم من 1-40 فهو في المذكرة.

العربية لديانتهم اليهودية، وعندها فقط أدرك أن ما يحمله يختلف عن اليهودية، لذا أخذ محمد صلى الله عليه وسلم يسوّغ الفروق بين الإسلام واليهودية مثل: تغيير القبلة، وإلغاء صوم عاشوراء وإبداله بصوم رمضان، وإبدال اليوم المقدس بالجمعة مع السماح بالعمل فيه، والتسهيل بالأطعمة المسموحة، ولكن كل هذه الاختلافات كانت بالفرائض العملية، ولم تُلغ الطابع العام للإسلام والمتميز بقربه من اليهودية والمسيحية. ويرى الباحث أندريه أنّ الإسلام تأثر باليهودية في النواحي المادية، وتأثر بالمسيحية في النواحي الروحانية"، وفي الصفحة (954) الفقرة الأخيرة يقول في الموسوعة: "إن معنى كلمة الإسلام حسب تفسير محمد لها بالقرآن هو؛ إخلاص المؤمن لله، وفي صفحة (40) فقرة (1) يقول: "تحريم الخمر تدريجياً في القرآن مأخوذ من التلمود الذي نصّه "السكران يُمنَع من الصلاة" "السكرانُ يصلي كمن يعبد الأوثان". (من المذكرة) . الرد: إنّ الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للبشرية وأرسل به الرسل جميعاً – إنه دين الأنبياء كلهم ودين محمد صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص، وليس الإسلام منبثقاً عن ديانة سابقة له، وإنما هو امتدادٌ لرسالات السماء التي جاءت بمعنى واحد وأصل واحد هو عبادة الله وحده لا شريك له. ولا بد لنا في ردنا على مزاعم الموسوعة العبرية من إيراد الحقائق والثوابت التالية: إن الإسلام في اللغة: يعني الخضوع والاستسلام والانقياد لله رب العالمين، وهو في الاصطلاح: الانقياد التام لشرع الله تعالى بتمام الرضا والقبول.

وهو دين الله المرضي عنده، أوحى به إلى رسُله الكرام، وبلّغوه إلى الناس: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران:19] ، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] ، {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة: 132] . ثم خُصّ لفظ الإسلام بالدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من ربه، وبالانقياد التام له بلا قيد ولا شرط، وبهذا الانقياد يظهر خضوع الإنسان لخالقه {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة:3] . هذا هو مفهوم الإسلام في القرآن الكريم: مفهومٌ عامٌ وآخر خاص. ثم لما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام قال: "أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً" (1) . إنّ هذا التعريف للإسلام وإنْ كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنّه من وحي الله إليه {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4] . وهو تعريف جامع بيّن فيه أنّ الإسلام يقوم على دعائم ثلاثة أساسية هي:

_ (1) أخرجه مسلم رقم (1) .

1- شهادة أن لا إله إلا الله. 2- وشهادة أنّ محمداً رسول الله. 3- والعمل الصالح وفي مقدمته: الصلاة والزكاة والصيام والحج على المستطيع. وإنّما اكتفى بهذه الأعمال ليؤكد أهميتها، وإن كانت حياة المسلم كلها عمل صالح منبثق من طاعة الله، بالإقرار والاعتراف بوحدانيته في الإلوهية والربوبية والحاكمية، والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم والنزول على ما جاء به من ربه. ديانات التوحيد: إنّ الإسلام والمسيحية واليهودية ديانات سماوية توصف في دوائر المعارف بأنها ديانات التوحيد، وهذا حق وصدق إذا ما نظرنا إلى أصول الديانتين اليهودية والمسيحية قبل أن تمتد إليهما يد التحريف والتبديل، إنّ اتحاد هذه الديانات في العقيدة أدخل في أذهان البعض فكرة انبثاق الإسلام من اليهودية وتأثره بها، أو أنه امتداد لها. وفي معرض الرّدّ على هذا الزعم يجدر أن نشير إلى أنّ مصدر الكتب السماوية واحد وغايتها واحدة، واستمع إلى قوله تعالى في سورة آل عمران: {الم، اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ، مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران:1-4] . أجل، جاءت الكتب السماوية لتكون منهج حياة للبشر، تهديهم وتصلح حالهم، ولقد بيّن الله في القرآن الكريم الهدف الذي من أجله تنزلت التوراة: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ

لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء} [المائدة:44] . ولا شك أنّ الديانات السماوية والرسل جميعاً متفقون في دعواتهم، فلقد جاء الدين واحداً، فالإسلام شعارٌ عام كان يدور على ألْسنةِ الأنبياء وأتباعهم منذ أقدم عصور التاريخ، من لدن نوح عليه السلام، إذ قال: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:72] ، وإبراهيم عليه السلام: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة:131] ، وحتى موسى عليه السلام إذا قال لقومه: {يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} [يونس:84] .

جوهر الرسالات السماوية

جوهر الرسالات السماوية: إنّ لب دعوة الرسل، وجوهر رسالاتهم إنما هو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونبْذ ما يُعبد من دونه، وقد جاءت هذه القضية في القرآن في مواطن شتى من سيرة الرسل الكرام: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] ، {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13] .

بعض ما اتفقت عليه الرسالات

بعض ما اتفقت عليه الرسالات: وباستعراض آيات الكتاب نجد أموراً اتفقت عليها الرسالات، مما يوهم بأنّ المتأخر من الرسل اقتبس من المتقدم، وليس الأمر كذلك، غاية ما في الأمر أنّ مصدر هذه الرسالات واحد وبينها قواسم مشتركة، ولكن كلاً منها يحمل استقلالية وتميّزاً.

ومن القواسم المشتركة التي جاءت بها الديانات ودعت إليها واعتمدتها: الصوم والصلاة والزكاة ومواضع النسك: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ} [الأنبياء:73] ، وقال تعالى لموسى عليه السلام: {فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] ، وقال عيسى عليه السلام: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم:31] ، وقال تعالى مخاطباً المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} [الحج:34] . إنّ هذه القواسم المشتركة بين ديانات السماء تختلف في أدائها من شريعة إلى شريعة، وقد يُحِلُّ الله أمراً في شريعة لحكمة، ويحرمه في شريعة أخرى لحكمة. وعلى الرغم من اشتراك الإسلام مع غيره في هذه العبادات إلا أنّه جاء بتشريع متفرّد مستقل، إنّ هذا التشابه في بعض العبادات والشرائع، لا يعني بالضرورة أنّ المتأخر أخذ من المتقدم فزاد عليه أو أنقص منه، وإنّما مردّ ذلك إلى {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران:19] ، وديانات السماء هي كالتوائم المتشابهة، والأنبياء أبناء علات أو إخوة من عَلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (1) . إنّ دعوى تأثّر الإسلام باليهودية في

_ (1) صحيح مسلم 4/1837 رقم (143) قال العلماء: أولاد العلات: الأخوة لأب من أمهات شتى، أصل إيمانهم واحد، وشرائعهم مختلفة، فإنهم متفقون في أصول التوحيد، وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف (ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث 3/291) .

النواحي المادية، وتأثره بالمسيحية الشرقية في النواحي الروحانية، هذه الدعوى التي ادعاها الباحث "أندريه" إنما ينطلق فيها من كون اليهودية يغلب عليها الطابع المادي، ومن كون المسيحية يغلب عليها الطابع الروحاني، في الوقت الذي يمتاز الإسلام عن الديانتين بإحاطة مبادئه بالجانبين معاً؛ إذ فيه رصيد الروح من عبادات، ورصيد المادة من معاملات، بل إنّ كل شأن من شؤون الإسلام تجده مزيجاً من الأمرين معاً. وما دمنا وضحنا استقلالية رسالة الإسلام، وكونها تصدر مع رسالات السماء من مشكاة واحدة، إذن فإنّ هذه الدعوى من الباحث أندريه تضمحل وتتلاشى. لقد جاءت رسالة الإسلام خاتمة للرسالات السماوية، لذا أوجب الله على جميع من بلغته هذه الدعوة من جميع الأمم الانقياد إليها، ولم يقبل من أحد منهم ديناً سواها. نعم، ختم الله الشرائع والملل بالشريعة العامة، الكاملة، المحتوية على جميع محاسن الشرائع المتضمنة لجميع مصالح العباد في المعاش والمعاد، فأكمل الله بها دينه الذي ارتضاه لنفسه، وختم بها العلم الذي أنزله من السماء على رسله، وزادت عليه أموراً عظيمة وأشياء كثيرة من العلوم النافعة والأعمال الصالحة التي خصّ بها هذه الأمة. وفضلهم بها على منْ قبلهم من الأمم (1) .

_ (1) ابن رجب، جميع الرسل كان دينهم الإسلام ص20.

وحي الله إلى رسله

وحي الله إلى رسله تشريع للحاضرة والبادية ... وحي الله إلى رسله: لقد خص الله رسله جميعاً بظاهرة الوحي؛ إذ بواسطته يتلقوْن عن ربهم كل ما يأمرهم بتبليغه للناس، وللوحي مقامات وصور تضمنتها الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى:51] فيُلقى الوحيُ في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم ما يُؤْمر بتبليغه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ روح القدس نفث في روعي أنّ نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" (1) . ويكون الوحي للرسول بالمنام كما وقع لإبراهيم حين رأى في المنام أنّه يذبح ولده إسماعيل، فبادر إلى تنفيذ الأمر بعد أن عدّ الرؤيا أمراً إلهياً (2) . وفيما أخرجه البخاري من حديث عائشة قالت: "أول ما بُدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، وكان لا يرَى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح" (3) . ويكون الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك كما كان ذلك في مجيئ جبريل

_ (1) البغوي شرح السنة 14/304، وجاء في المشكاة (3/1458) عزوه للبغوي بهذا السياق وللبيهقي في الشعب، لكنّه لم يذكر "إنّ روح القدس ... " وكذا ابن ماجه في سننه برقم 2173 ك: التجارات بدونه، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/4) ، وابن حبان في صحيحه كما في الموارد برقم 1084، 1085، وانظر الصحيحة للشيخ الألباني (1/6/209) . (2) تراجع سورة الصافات: 102-103. (3) البخاري في صحيحه، ك: بدء الوحي، وانظر (الأرقام) 4955، 4956، 6982.

عليه السلام، ولم يقع كلام مباشر بين الرسل عليهم الصلاة والسلام وبين الله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [الشورى:51] . وقد وقع كلام الله لبعض رسله، ولكن من وراء حجاب، فكلم موسى عليه السلام فقال: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143] وقال: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى، إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى، وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى، إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه:11-14] . ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم هو بشر يُوحَى إليه كما أَوْحى الله إلى رسله الكرام: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف:110] . {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء:192-195] . والنبي الموحى إليه يجد اليقين بأنه من عند الله، سواء كان هذا الوحي بواسطة أم بغير واسطة بصوت يسمعه أو بغير صوت. وباب النبوة ليس مفتوحاً لكل أحد عظم إشراقُه، أو سمت نفسُه، كما أنّ الوحي في مفهومه الديني الصحيح ظاهرة روحية خصّ الله بها من اصطفاه للنبوة. ومن المستشرقين من يتحدث عن الوحي والنبوة كما يتحدث علماء النفس عن أبطال التاريخ وعظماء الرجال وقادة الثورات.. (1) .

_ (1) مناهج المستشرقين 1/27.

والحق أنّ هؤلاء المستشرقين لا يفهمون حقيقة الوحي والنبوة، لذلك ضلوا ضلالاً بعيداً. تشريع للحاضرة والبادية: وفي (ج4) صفحة (955) الفقرة الثانية قال: "لكسبِ التأييد الشعبي فإن محمداً صلى الله عليه وسلم لكونه تاجراً فقد انعكس ذلك على القوانين التي وضعها حيث وجّهها إلى سكان المدن لا البادية". ونقول: إنّ التشريع الإسلامي ليس من محمد صلى الله عليه وسلم بل من الله تعالى على لسان نبيه محمد، وليس لمحمد في هذا التشريع إلا التبليغ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة:67] . وهذا الدين لا يُشَرِّع لطائفة دون طائفة، ولا للأغنياء فقط بل للناس جميعا بمختلف طبقاتهم وأجناسهم: الفقير والغني، الكبير والصغير، القوي والضعيف، العربي والأعجمي، الأبيض والأسود، الشرقي والغربي، على حد سواء {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ:28] . لقد جاء الإسلام بتشريع ينظّم حياة الإنسان بدءاً بالطهارة وكيفية الغسل، وانتهاء بتشريع العلاقات الدولية، وإنّنا لا ننكر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد اشتغل بالتجارة في شبابه وجرّبت خديجة مهارته وأمانته فيها (1) ، لكن هذا لا يعني أنّه من أجل ذلك أرسى قوانين تنظّم التجارة وتُوجَّه لسكان المدن وتُغْفِل ساكني البادية.

_ (1) البوطي، فقه السيرة، (69-70) .

كلا، إنّ الإسلام دين حضارة وتمدّن، جاء بتشريعات متكاملة يفيد منها الحضري في كل زمان، ولم يترك الأعرابيَ غُفلاً من التشريع والتقنين بل سنّ له ما يضمن نجاة أمواله وتجارته، فنهى أن يتلقاه الحضري قبل أن يصل بسلعته إلى سوق الحاضرة، فيغرَّر به بابتياع ما لديه بثمن بخس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَلقّوا الركبان، ولا يبع حاضر لباد" (1) . ثم أيّ حياة معقّدة هي حياة البادية حتى يشرّع لها الإسلام ما يحل مشكلاتها وتعقيداتها. إنّ الإسلام شرّع للبيئات والأزمان جميعاً، لكن التشريع يظهر أثره أكثر حيث يوجد الاحتكاك، والأخذ والعطاء، والبيع والشراء، والمعاملات والمبادلات بمختلف أنواعها، بينما يقلُّ ذلك في البادية.

_ (1) أخرجه البخاري 3/92، 94، ومسلم، كتاب البيوع 11، 19.

أركان الإسلام

أركان الإسلام الصلاة ... أركان الإسلام وفي أول صفحة (17) من المذكرة يقول الكاتب: "إنّ أركان الإسلام الخمسة لم تُذكر مجموعة في القرآن". "ومفهوم أركان الإسلام المعروف اليوم تطور فقط بعد وفاة محمد "عليه السلام" (من المذكرة) . ونقول: إنّ أركان الإسلام الخمسة هي الأسس التي عليها بناء الإسلام كله. وقد أوضحنا سبب الاقتصار على هذه الأركان مع أنّ مفهومَ الإسلام أوسعُ ومنهجه في تنظيم الحياة البشرية أعم وأشمل. وقد وردت أركان الإسلام كلها في القرآن الكريم مفرقة في مواضع كثيرة فلفظ "الصلاة" ذكر في القرآن سبعاً وستين مرة، ولفظ "الزكاة" ورد في اثنين وثلاثين موضعاً، و "الصيام" ذكر سبع مرات، ولفظ "الحج" تكرر عشر مرات. وأما كلمة التوحيد والشهادتين فما أكثر ما وردت وتكررت في القرآن، قال الله تعالى مادحاً صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح: 26] ، وكلمة التقوى هي الشهادتان، وذُكرت هذه الأركان مجموعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً" (1) .

_ (1) البخاري باب -2- حديث رقم -8-.

كذلك ثبت عن عمر رضي الله عنه قال: "بينما نحن جلوس عند رسول الله إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد.. (1) فذكر القصة وفيها أنّ جبريل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم موجِّها ومعلِّماً صحابته عن أركان الإسلام، وأركان الإيمان، والإحسان، وعن بعض أمور الدين. ولقد سأله عن الإسلام فأجابه: "أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت". ولا فرق بين أن تأتي أركانُ الإسلام في القرآن أو أن تأتي في السنة النبوية التي هي وحيٌ من الله. إنّ اجتماع هذه الأركان في حديث عمر رضي الله عنه دفع كاتب الموسوعة إلى الزعم بأن مفهوم أركان الإسلام برز وترسّخ بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ اعتماداً منه على أن الأحاديث المنسوبة إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم إنما هي من وضع الصحابة رضوان الله عليهم، والحق أنّ دعوى تطور مفهوم أركان الإسلام وترسيخه بعد النبي صلى الله عليه وسلم لا تستند إلى دليل ولا برهان أو سنة أو استحسان، وإنّما هي تقليد لآراء المستشرقين "جولد تسيهر" الذي قال في كتابه [العقيدة والشريعة في الإسلام] : "إنّ القسم الأكبر من الحديث ليس إلا نتيجة للتطور الديني والسياسي والاجتماعي للإسلام في القرنين الأول والثاني" (2) .

_ (1) مسلم، الإيمان رقم 1. (2) انظر: السباعي، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص195.

ورداً على ذلك نود أن نقرر ما يلي: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو المبلغ عن ربه - قد وضع الأسس الكاملة لبنيان الإسلام الشامخ بما أنزل الله عليه في كتابه، وبما سنّه من سنن وشرائع وقوانين شاملة وافية حتى إنّه قال: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنتي" (1) . وكان من أواخر ما تنزل عليه صلى الله عليه وسلم: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة:3] ، ويعني ذلك كمال الإسلام وتمامه وعدم قابليته للزيادة عليه أو تطويره بمفهوم المستشرقين، ولقد صادف الصحابةُ جزئيات وحوادث لم ينص على بعضها القرآنُ ولا السنةُ فعملوا باجتهادهم قياساً واستنباطاً حتى وضعوا لها الأحكام وهم بذلك لم يخرجوا عن دائرة الإسلام وتعاليمه، وثمة أدلة واقعية تطبيقية تشهد على اكتمال الإسلام ونضجه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهمها: * مقدرة الإسلام الفائقة على السيطرة على مملكتي كسرى وقيصر، وكان لهما من الحضارة والمدنية ما يصعب على دين غير ناضج مواجهته. * وحدة المسلمين في عهد الصحابة ومَنْ بعدهم واجتماعهم على عقيدة واحدة وعبادة واحدة وتعامل واحد، في شرق الأرض وغربها، ولا يمكن أن

_ (1) الحاكم، المستدرك 1/93 وصححه من لفظ حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- وقال: "له أصل في الصحيح" ووافقه الذهبي واللفظ المذكور لأبي هريرة رضي الله عنه ذكره الحاكم كشاهد لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- ولم يحكم عليه.

يكون ذلك لو لم يكن للمسلمين قبل مغادرتهم جزيرة العرب نظام تام ناضج، وفهْمٌ صحيح للإسلام متفق عليه زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذن فليس بمستغرب ما أشارت إليه الموسوعة العبرية من تشابه في دعاء الشهادتين بين ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة، وما تبقّى من موروثاتٍ لدى يهود مما جاء به موسى عليه السلام عن ربه، فقد ورد في المذكرة ص18 الفقرة الأولى: الشهادتان تماثلان دعاءً يهودياً يقال في الصلوات ويُعرفُ بـ: ونصها: ونص آخر: ونقول: كون نص الشهادتين ليس كاملاً في القرآن فإن ذلك لا يدعو إلى الشك في ثبوت ركن من أركان الإسلام، ثم إن معنى "وأشهد أنّ محمداً رسول الله" مقرر في القرآن الكريم في أكثر من موضع؛ فحسبك قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144] . وقوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128] . والله تعالى وصف محمداً بأنه رسول، وأمر بطاعته في آيات كثيرة جداً (1) .

_ (1) ينظر مادة (رسول) في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.

ثم إنّ السنة النبوية مؤكدة لما جاء في القرآن، ومفصلة ومفسرة ومكملة، ولها نفس المرتبة من حيث الاحتجاج بها والعمل بمقتضاها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نطق بهذه الشهادة، وعلَّمناها، وأمرنا بها، وقد ردّنا القرآن إلى طاعة محمد صلى الله عليه وسلم وإتباعه وعدم مخالفته أو ترك شيء من التعاليم التي نطق بها، فنُطقنا بعدُ لهاتين الشهادتين إنما هو إتباع للقرآن، واستمع إلى قوله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [النساء:80] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من شهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنَّة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان عليه من العمل". وفي رواية: "من شهد أن لا إله الله وأنّ محمداً رسول الله، حرم الله جسده على النار" (1) . إنّ الفارق الأساسي بين لفظ الشهادتين عند المسلمين وبين ما ورد عند اليهود هو؛ أنّها عند اليهود تقتصر على كلمة التوحيد فحسب، أما المسلم فلا تكفي هذه الكلمة في تمام إيمانه وكماله، بل لا يُعدّ مؤمناً ما لم ينطق بالشق الثاني من الكلمة. ومعنى الشطر الأول: لا معبود بحق سوى الله، ولا مالك لي ولا لغيري، ولا مطاعٌ ولا معظّمٌ ومتوكلٌ عليه ومستمسكٌ به إلا الله.

_ (1) مسلم، إيمان، رقم 46، 47.

ولا يمكن للمؤمن أن يَقوم بلوازم الشطر الأول إلا إذا عرف رسوله، وتعرّف بواسطته على الطريق الذي ينبغي أن يسلكه ليحقق لوازم الوحدانية، لذا كانت معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم تعدل معرفة الله، وقد حكم الله بكفر من لم يؤمن بالرسول الذي هو حجة على الناس. {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً، أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [النساء:150-151] . ومن هنا جاء الحكم على اليهود بالكفر، وإنْ نطقوا بكلمة التوحيد؛ لأنهم آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، ولم يؤمنوا بالأنبياء والرسل، بل قتلوهم وآذوهم وتنكروا لهم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران:21] . ولقوله تعالى في وصف يهود: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [آل عمران:112] . ولسنا ندّعي أنّ أهل الكتاب جميعاً بهذه المثابة، فالله تعالى يستثني منهم ويقول: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ

قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ، يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:113 -114] . على أنّ كلمة التوحيد التي ينطق بها يهود - على حد قول كاتب الموسوعة - لا نجد تطبيقاتها في حياتهم، فهم منذ القدم يُشْركون مع الله فيقولون: عزير ابن الله، ويعظّمون الأشخاص تعظيماً يوصلهم إلى حد الاعتقاد بهم والتوجّه إليهم، هذا عدا عن وصف الله تعالى بأوصاف لا تليق به.

الصلاة: ويتكلم كاتب الموسوعة على الصلاة فيقول في (ج4) الصفحة (972) الفقرة الثانية: "الصلاة لغوياً مأخوذة من الآرامية، "صلوتاً" (.....) ، وفي القرآن "صلاة" وفي المدينة ذُكرت الصلاة الوسطى الثالثة (سورة 2 آية 238) بالإضافة للصلاتين المفروضتين على المسلمين في فترة حياتهم بمكة. ولكن يحتمل أن تكون سنّة إعادة أداء فرض الصلوات الخمس يومياً قد بدأت خلال أيام حياة محمد "عليه السلام". ويقصد من هذا التغيير في عدد الصلوات من (3) إلى (5) ، مخالفة المتبع لدى اليهود الذين لديهم ثلاث صلوات بتأثير من الفرس حسب أقوال غولد تسيهر، ورغم ذلك بقي تقارب كبير بين الصلاة عند المسلمين وعند اليهود، وربما بقي التقارب القائم في مبنى الصلاة. التيمم مثلاً موجود باليهودية أيضاً ... كذلك الأمر مع صلاة القصر عند السفر والحضر، دون التوقف عن السفر أو النزول عن الدابة للصلاة". صفحة (48) الفقرة الأخيرة من (المذكرة) يقول: "اختلفت الآراء حول مدى التأثيرات اليهودية والمسيحية على نظام الصلاة ومضمونها في الإسلام. بقايا عادات عربية جاهلية نلمسها فقط بمواعظ يوم الجمعة". ونقول: رداً على هذه المزاعم التي لا تستند إلى الدليل القاطع والبرهان الساطع: قال تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] .

وفي ضوء ذلك يزعم كاتب الموسوعة أن أصل فرض الصلاة في الإسلام كان ثلاث صلوات، بدليل ذكر الصلاة الثالثة، بالإضافة إلى الصلاتين المفروضتين على المسلمين في فترة حياتهم بمكة، ويَحْتمِل كلام الكاتب أن يكون أداء الصلوات الخمس يومياً قد بدأ خلال أيام محمد؛ حيث غيّر عدد الصلوات من ثلاث إلى خمس مخالفة لليهود، ويعزو ذلك إلى تأثره بالفرس. والحق أنّ الصلاة عبادة مشتركة بين الديانات عامة، عند رسل الله جميعاً فإبراهيم يقول: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ} [إبراهيم:40] ، وفي وصف إسماعيل ورد قوله تعالى: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ} [مريم:55] ، ولقمان وصّى ابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} [لقمان:17] وفي قصة فرض الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ما يدل على أنّها فرضت خمس مرات في اليوم والليلة، فقد ثبت في صحيح البخاري أنّ الله تعالى فرض على الأمّة الإسلامية خمسين صلاة، فلما أَخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام بذلك قال لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "إنّ أُمتك لا تطيق ذلك"، فرجع إلى ربه يسأله التخفيف حتى انتهى به إلى خمس، وجعل ثوابها خمسين (1) . فمن أين دعوى أنّ الصلاة كانت في بدء فرضها ثلاث مرات؟؟!!. ثم إنّ الآية الكريمة تأمر بالمحافظة على جميع الصلوات، وتؤكّد على وجوب المحافظة على الصلاة الوسطى وهي العصر، وصلاة العصر وسط بين صلاتي الفجر والظهر من جانب، والمغرب والعشاء من جانب آخر، والصلاة

_ (1) البخاري، توحيد باب (37) حديث 7517.

التي يريدها الإسلام ليست مجرد أقوال يلوكها اللسان، وحركات خالية من الخشوع والتدبّر، بل هي التي تأخذ حقها من التأمل والخشية واستحضار عظمة المعبود جل جلاله. إن الصلاة في الإسلام حركات مخصوصة في أوقات مخصوصة بقراءة وألفاظ مخصوصة لها شروطها وأركانها التي لا تؤدّى إلا بها. وقد فرضت الصلاة في مكة قبل الهجرة بنحو ثلاث سنوات، وكانت طريقة فرضها دليلاً على عناية الله بها، فالعبادات كلها في الإسلام فرضت في الأرض، أما الصلاة فهي وحدها التي فرضت في السماء ليلة الإسراء والمعراج. وفي المجلد (22) الصفحة (1013) الفقرة الثانية من الموسوعة قال: "إن تغيير محمد للقِبْلة من القدس إلى مكة كان خطوة عبّر بها محمد عن يأسه من محاولتِه وجهودِه لكسب واستِمَالةِ قلبِ اليهود إلى فكرته". ونقول: لقد صلى المسلمون إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً (1) . والذي عليه جمهور العلماء أنّ الله تعالى أوجب على رسوله استقبال بيت المقدس، ثم نسخ الله ذلك وأمره أن يستقبل بصلاته الكعبة (2) ؛ بدليل قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة:143] ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلّب وجهه في السماء

_ (1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 1/198. (2) انظر تفسير ابن كثير (1/274) طبعة دار الشعب، وأبو شهبة، السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة 2/105.

متجهاً إلى ربه دون أن ينطق لسانه بشيء تأدباً مع الله، وانتظاراً لتوجيهه لما يرضاه في شأن القبلة. ثم نزل القرآن يستجيب لما يعتمل في صدره صلى الله عليه وسلم: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144] . لقد كان هذا التحول اختباراً وامتحاناً للقلوب والأفئدة، وانطلقت أبواق يهود وقد عزّ عليهم أن يتحوّل محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه عن قبلتهم، انطلقت تُلقي في صفوف المسلمين وقلوبهم بذور الشك في نبيهم وفي دينهم (1) . لقد كان تحويل القبلة أولاً عن الكعبة إلى المسجد الأقصى لحمة تربوية نجدها في الآية: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة:143] ، ذلك أنّ العرب كانت تعظم الكعبة في الجاهلية، فأراد الله بذلك أن يختبر إخلاصهم وتجردهم لله تعالى وانعتاقهم من الموروثات القديمة. ثم لما توجهوا إلى المسجد الأقصى، وأخلصوا التوجّه لله، صدَرَ الأمر الإلهي بالاتجاه إلى المسجد الحرام ليتميّز للمسلمين كلُّ خصائص الوراثة، وراثة الدين، ووراثة القبلة، ووراثة الفضل من الله (2) . وزعم كاتب الموسوعة أن تحول النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة أثار معارضة بين

_ (1) سيد، في ظلال القرآن 1/126-128. (2) سيد، في ظلال القرآن 1/127.

مؤمنيه (مؤيديه) فيقول في صفحة 20 رقم -1-: "غيّر محمد القبلة من القدس إلى مكة كما في (سورة 2 آية 142) وهذا أثار معارضة من المؤمنين به". وهو زعم لا أساس له من الصحة. فمن ذا الذي عارض التوجه نحو الكعبة من المؤمنين برسالة الإسلام؟! إنّ الرواية التاريخية الصحيحة لا تحفظ لنا معارضاً واحداً للتوجه نحو الكعبة إلا يهود، فعن البراء بن عازب قال: "أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل على أجداده – أو أخواله – من الأنصار وأنّه صلى قِِبَل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت، وأنّه صلى أول صلاة صلاها، صلاة العصر، وصلى معه قومه، فخرج رجل ممن صلى معه، فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال: "أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل الكعبة فداروا كما هم قِِبَل البيت"، وكانت اليهود قد أعجبهم إذْ كان يُصلي قِبَل بيت المقدس، فلما ولّى وجهه قِبَل البيت أنكروا ذلك فنزلت الآية {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا} [البقرة:142]- السفهاء أي اليهود - (1) . لقد جاء فرض الصلاة مجملاً في القرآن الكريم، ولا نجد فيه التفصيل المعروف للصلاة بأركانها وشروطها وسجودها وركوعها وقراءتها، وكل ذلك فصلته سنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال لصحابته: "صلوا كما رأيتموني

_ (1) الطبري، جامع البيان 1/129-130.

أصلي" (1) وقال: "خذوا عني مناسككم" (2) . إنّ قِصَر نظر المستشرقين وعدم إيمانهم بأن أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وحي من الله: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] دعا كاتب الموسوعة في (ص46 الفقرة الثانية من المذكرة) إلى القول بأن: "أحكام الصلاة في القرآن بعيدة عن شكلها النهائي في الإسلام".

_ (1) ذكره الشيخ الألباني في إرواء الغليل (1/291) برقم 262 وقال: صحيح أخرجه البخاري وغيره. (2) رواه مسلم في صحيحه (2/943) ك: المناسك برقم 1297، بلفظ "لتأخذوا عني مناسككم ... ".

الزكاة

الزكاة: ويقول في صفحة (26) فقرة -2-: (من المذكرة) . "كلمة زكاة أصلها من الآرامية "زكوتا" (....) وفي القرآن "زكاة" وبمرور الزمن أصبحت الزكاة ضريبة ثابتة ومحددة" (1) . الزكاة عبادة مالية هامة هي الفريضة الثانية في الإسلام قرنها الله تعالى مع الصلاة في عشرات المواضع، وذكرها تارة بلفظ "الزكاة"، وطوراً بلفظ "الصدقة" وأحياناً بلفظ "الإنفاق". وعرفت الزكاة في الرسالات السماوية السابقة، وذكرها الله في وصاياه للأنبياء والرسل، يقول الله تعالى عن إبراهيم وإسح?ق ويعقوب: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ} [الأنبياء: 73] . وفي مواثيق الله لبني إسرائيل يقول: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [البقرة:83] .

_ (1) ذهب المستشرق "شاخت" إلى القول بأن كلمة زكاة أصلها من العبرية والآرامية، وهذا زعم لا دليل عليه فالعبرية والآرامية والعربية لغات سامية، وهناك جذور مشتركة بين هذه اللغات لا يمكن الجزم بأن إحداها نقلت عن الأخرى بل قد تكون عائدة إلى أصل مشترك. وشاخت في زعمه يتبع نهجاً شائعاً بين علماء اليهود في الإصرار على نسبة كل الكلمات المشتركة بين اللغات السامية إلى العبرية. (انظر الزكاة عند شاخت في كتاب مناهج المستشرقين 2/205-227) .

وقال أيضاً: {وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [المائدة:12] ، والزكاة ليست تبرعاً يتفضل به غنيٌ على فقير، أو يحسن به واجد على معدوم، بل هي جزء هام من نظام الإسلام الاقتصادي. والحكومة في الإسلام هي التي تجبي الزكاة، وقد أكد الإسلام ذلك فجعل ضمن مصارفها سهماً لجباتها العاملين عليها، وإنّما وكّل الدولة بالجباية لضمان الجباية الدقيقة والتوزيع العادل وحفاظاً على الكرامة الإنسانية.

هل الزكاة ضريبة كما زعم كاتب الموسوعة؟

هل الزكاة ضريبة كما زعم كاتب الموسوعة؟ هناك فرق بين الزكاة والضريبة، فالضريبة فريضة إلزامية يلتزم المموّل بأدائها إلى الدولة تبعاً لمقدرته على الدفع بغض النظر عن المنافع التي تعود عليه من وراء الخدمات التي تؤديها السلطة الحاكمة، وتستخدم حصيلتها في تغطية النفقات العامة من ناحية، وتحقيق بعض الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها من الأغراض التي تنشد الدولة تحقيقها من ناحية أخرى (1) . لقد اختار الشرع لفظ "الزكاة" ليميّزها عن الضريبة، فالزكاة تدل في اللغة على الطهارة والنماء والبركة، و"الضريبة" لفظة مشتقة من ضَرَبَ عليه الغرامة أو الخراج أو الجزية، أي ألزمه بها، وكلفه تحمّل عبئها؛ من هنا ينظر الناس إلى الضريبة على أنّها مغرَم.

_ (1) القرضاوي، العبادة في الإسلام ص242.

إنّ كلمة الزكاة تحمل دلالة التطهير والتنمية والبركة فلابد للمال من تطهير وإنّ كَنْزه أو الاستمتاع به من غير إخراج حق الله منه يجعله خبيثاً بَخِساً. وليست الطهارة للمال فحسب، فنفس الغني تطهر وتزكى، ونفس الفقير تصفو من كل حقد وضغينة. إن الزكاة عبادة فرضت على المسلم شكراً لله وتقرباً إليه، أما الضريبة فهي إلزام محض خال من العبادة والقُربة، إنّ الزكاة حق مقدّر بتقدير الشارع، هو الذي حدد أنصبتها ومقاديرها بخلاف الضريبة، فهي تخضع في كل أنظمتها لاجتهاد السلطة الحاكمة. والزكاة لها صفة الثبات والدوام ما دام في الأرض إسلام، أما الضريبة فليس لها هذه الصفة (1) . ويقدح كاتب الموسوعة في تطبيق تشريع الزكاة زاعماً في صفحة 27 فقرة -1- (من المذكرة) "إن جباية ضريبة الزكاة واستعمالها لم يكن دائماً حسب الشريعة الإسلامية، مما أثار بين الحين والآخر غضب الفقهاء على الحكام الذين أضافوا لذلك فرض ضرائب جائرة مختلفة (مكوس) على رعيتهم، رغم عدم ذكر هذه الضرائب في القرآن، والفكرة القائلة بأن الفقير ينقذ الغني من نار جهنم ما زكّى وتصدق موجودة باليهودية". الرد: إن قوله إنّ جباية ضريبة الزكاة بالواقع واستعمالها فعلياً لم يكن دائماً

_ (1) القرضاوي، فقه الزكاة (انظر الفصل المتعلق بحقيقة الضريبة وحقيقة الزكاة 2/997 وما بعدها) .

حسب قوانين الشريعة مما أثار بين حين وآخر غضب الفقهاء على الحكام، يشتمل على أمرين: أولاً: سوء التطبيق لتشريع الزكاة دوماً، وهذه دعوى عريضة استغرق كاتب الموسوعة فيها كل عصور الإسلام منذ عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو مخالف لواقع العصر النبوي وعصر الخلافة الراشدة، خلافة عمر بن عبد العزيز، بل وكل عصر من العصور التي وجد الإسلام فيه تطبيقاً. وكان يمكن صاحب الموسوعة أن يشير إلى سوء التطبيق في بعض العصور وعندها يقال: إنّ سوء التطبيق للنظام لا يقدح في صلاحيته. ثانيا: "فرض بعض الحكام ضرائب أخرى غير الزكاة" وهذا في الحقيقة من تجاوزات الحكام، وإن ذهب العلماء إلى جواز فرض ضريبة لها شرعيتها بشروط هي: 1- الحاجة الحقيقية إلى المال، ولا مورد آخر غير هذه الضريبة. 2- توزيع أعباء الضرائب بالعدل. 3- أن تُنفق في مصالح الأمة لا في الشهوات. 4- موافقة أهل الشورى والرأي في الأمة. وفي حالة اختلال شرط من هذه الشروط فلا يُلتزم بضريبة. وقد روى لنا التاريخ الإسلامي مواقف رائعة لعلمائنا، وقفوا فيها مع مصلحة الشعوب ضد شر السلاطين وأتباعهم (1) .

_ (1) القرضاوي، فقه الزكاة 2/1079-1087.

الصوم

الصوم: يقول كاتب الموسوعة في صفحة (27) الفقرة الأخيرة (من المذكرة) : "أول صوم في الإسلام كان صوم عاشوراء من المساء إلى المساء في العاشر من محرم، ويقابله في اليهودية صومُ الغفران في العاشر من تشرين، ولكن بعد ابتعاد محمد عليه السلام عن اليهود حلّ صوم شهر رمضان مكان صوم يوم عاشوراء. وصوم رمضان متأثر باليهودية، ويقابله صوم شهر أيلول والأيام الرهيبة (....) ، وربما متأثر بالمسيحية أو بغيرها. وفي صفحة (28 مذكرة) الفقرة الثانية يقول أيضاً: "سرعان ما فقد شهرُ رمضان روح التوبة والمغفرة التي أراد محمد عليه السلام غرسها فيه. إن الكثيرين يعتكفون كثيراً في المساجد في الثلث الأخير من شهر رمضان، وعوّض الصائمون أنفسهم عن الصوم بإحياء ليالي السهر والفرح بأماكن التسلية والترفيه، ولا يُسْمع صوتُ الفقهاء ورجال الدين". ونقول: الصوم عبادة مشتركة بين الديانات قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] . ولكن صيام الإسلام تميّز عن كل صيام، فقد اختار الله لهذا الصيام شهراً مباركاً، هو الشهر الذي نزل فيه القرآن جملة واحدة، حمله الروح الأمين إلى قلب محمد صلى الله عليه وسلم؛ {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى

لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] ، إنّ الهدف الذي من أجله فرض الصوم قديماً وحديثاً هو ما أخبرنا به الله تعالى بقوله: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] . ففي الصوم تقوية للروح وهو جانب من تكوين الإنسان لابد من العناية به، وفي الصوم صحّة البدن، فالمعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء، وأكثر ما يصيب الأبدان من الأمراض سببه التخمة وتخليط الطعام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم أُكُلاتٍ يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه وثلث لنفسه" (1) . وفي الصوم تربية للإرادة، وتربية على الصبر فالصوم نصف الصبر ويُعرِّف المرء بمقدار نعم الله عليه، ويذكّر الإنسان بحرمان المحرومين، وللصوم آثاره في حياة المسلم؛ إذ فيه يلتزم المؤمن أخلاق الصوم وآدابه في كل حركة وسكنة في العبادة والمعاملة والتصرف والسلوك. أمّا انحراف فئة من الناس وارتكابهم المعاصي والآثام في ليالي رمضان وأيام العيد التي تعقب الصوم فذلك ليس بحجة، وليس من الإسلام في شيء، بل إنّ الإسلام يحث على أن يفْرح المسلم في أيام العيد في حدود طاعة الله والتزام أوامره واجتناب نواهيه.

_ (1) رواه أحمد، المسند، 4/132، والترمذي في سننه، الزهد، برقم 2380 وقال: حسن صحيح، والحاكم في المستدرك (4/331) وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (9/528) إلاّ أنّه اختلف في سماع يحيى بن جابر الطائي عن المقدام، ورواية أحمد تثبت ذلك حيث جاء عنده: "سمعت المقدام"، فهو متصل إذاً هنا، انظر المسند (28/423) بتحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط ومن معه.

الحج

الحج: وفي صفحة 29 (من المذكرة) الفقرة الأخيرة يقول كاتب الموسوعة العبرية: "الحج لمكة في الجاهلية نَقَله محمد صلى الله عليه وسلم للإسلام، ورغم صياغة مضمون جديد لعادة الحج الجاهلية، إلا أنّ مناسك الحج الجاهلية لم تتغير تقريباً في الإسلام، فبقيت هذه العبادة موروثاً وثنياً غريباً في الإسلام، وكل فترة تُسمع أصوات متنكِرة لهذه العبادة - خاصة لمس الحجر الأسود أو تقبيله - مثل استهجان عمر بن الخطاب لهذه العادة بقوله: (لولا أنّي رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك) ". وفي صفحة (30) الفقرة الثالثة (من المذكرة) يقول: "هناك من حاول إيجاد تفسير تأويلي للحج إلى الكعبة، وكان ثمّة من عارض تنفيذ ركن الحج معارضة واضحة مع تطبيقه باقي الأركان". ونقول: إنّ البيت العتيق الذي يحج المسلمون إليه هو أول بيت أقيم في الأرض لعبادة الله، وبانيه هو الخليل إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام، وهما الرسولان الكريمان اللذان جعل الله من ذريتهما هذه الأمة المسلمة: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سورة البقرة: 127-128] . إن دعوة إبراهيم هي دعوة التوحيد، وإبراهيم أبو الملة الحنيفية، وإننا نحن أمة الإسلام تربطنا بإبراهيم رابطة العقيدة: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن

كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:67-68] . ولما كان البيت الحرام بمكة بهذه المنزلة وقد شهد الله بأنه بيت الله أقيم في الأرض {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} [آل عمران:96] فقد فرض تعالى القصد إليه وتعظيمه فقال: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97] ، وأهم أعمال الحج بعد الإحرام إنّما هي الطواف بالكعبة والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة في نهار التاسع من ذي الحجة. وكان كثير من هذه الأعمال في حج الجاهلية توارثوها عن ملة إبراهيم عليه السلام، ولكنهم خلطوا حقاً بباطل، فحرفوا الحج عن وجهته وملؤوا بيت الله الحرام بالأوثان والأصنام واتخذوها آلهة تقربّهم إلى الله، ومارسوا أنواع العبادة لها ... فلما جاء الإسلام نظف ونقى الحج الذي هو من شعائر الإسلام التي دعا إليها إبراهيم عليه السلام، وأمره الله تعالى بأن يؤذن في الناس بالحج: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج:27] . نظفه من ضلالات الجاهلية وأدرانها، إذن الحج ليس موروثاً وثنياً وإنما هو موروث توحيدي حنيفي يعود إلى ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين، إنّه لا ضير على الإسلام أن يُبْقِي الصالح من تقاليد العرب وشرائعهم التي ورثوها من إبراهيم، وهو بذلك يقرر وحدة الدين وامتداد نسبه في أعماق التاريخ السحيق. ويحلو للكاتب أن يغمز الإسلام في عبادة الحج بأنها بقية من وثنية العرب.

إنّ هذه الأقوال من كاتب الموسوعة مجانبة للصواب بعيدة عن العلمية، والمسلم الذي يطوف بالكعبة أو يستلم الحجر يعتقد اعتقاداً جازماً، أنها جميعاً أحجار لا تضر ولا تنفع وأننا نطوف ونقبّل الحجر؛ إتباعاً للرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاء حرباً على الوثنية. وعبادةُ الحج بكل مناسكها تدعو إلى التوحيد. إن العبادات في الإسلام ذات مقصد عظيم هو الامتثال لله وطاعته فيما أمر، الحجُّ من أكثر العبادات الإسلامية اشتمالاً على الأمور التعبدية التي لا تُعْرف حكمتُها التفصيلية على وجه التأكيد، إنّ الآية الكريمة تعلّل هذه العبادة بقولها: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج:28] . وعبارة "منافع لهم" مختصرة موجزة تحتها تفصيل يمكننا جعله في نقاط: أولاً: أنّ للحج آثاراً في النفس والضمير فيعود المسلم أصفى قلباً وأطهر مسلكاً وأقوى عزيمة على الخير.. وكلما كان حجه مبروراً خالصاً لله كان أثره في حياته يقيناً لا ريب فيه، بل إنّ هذه الشحنة الروحية العاصفة.. تعيده كأنما هو مولود جديد.. (1) . ثانياً: أنّ الحج فيه توسيعٌ لأفق المسلم الثقافي، كما أن فيه درْبة له على تحمّل المشاق وتربية المسلم على احتمال الشدائد والصبر على المكاره ومواجهة المصاعب. ثالثاً: في الحج جانب مادي هو تبادل المنافع التجارية على نطاق واسع بين المسلمين.

_ (1) القرضاوي، نظام الإسلام 286-292.

رابعاً: يتجلّى في الحج معنى المساواة في أجلى صوره، لا فرق بين غني وفقير أو حاكم ومحكوم، ولا بين أبيض وأسود. خامساً: الحج مؤتمر عالمي يتيح للمسلم أن يجتمع بالمسلم مهما كانت جنسيته أو قوميته، وقد عرف علماء الإسلام قيمة هذا المؤتمر فاتخذوا منه مناسبة لتبادل الآراء والمعارف والأفكار. إنّ التاريخ البشري لم يحفظ معارضاً واحداً يعارض تنفيذ ركن الحج معارضة واضحة، فهل لكاتب الموسوعة أن يَنْبِس ولو بواحد؟ وصنيع عمر رضي الله عنه حين قبّل الحجر اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إنّما يُجسّد قمة الولاء والإتباع للحق، ممثلاً بإتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من وحي رباني. إنّ ركن الزكاة وجد معارضة في تنفيذه عند مرتدة العرب، على عكس فرض الحج الذي يُجمِع عليه حتى الجاهليون الذين ورثوه من إبراهيم عليه السلام.

اختلاؤه صلى الله عليه وسلم في الغار

اختلاؤه صلى الله عليه وسلم في الغار فهم مغلوط ... اختلاؤه صلى الله عليه وسلم في الغار: وفي (المجلد22) الصفحة (1010) الفقرة الأولى من الموسوعة يقول: "بعد زواجه - عليه السلام - من خديجة وعلى مدار 15 سنة تصارع محمد مع رؤساء قبيلته على مكانته بينهم، وكان اختلاؤه بالغار بهدف التفكير بالمشاكل الاجتماعية في مدينة مكة". ونقول: إن اختلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار امتداد لأمر في الجاهلية يقال له التحنث، أي التبرّر والخروج من الإثم (1) ، ففي سيرة ابن هشام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجاور ذلك الشهر من كل سنة يُطعِم من جاءه من المساكين، فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعاً، ثم يرجع إلى بيته، حتى إذا كان الشهر شهر رمضان خرج إلى حِراء كما كان يخرج بجواره ... فذكر قصة نزول الوحي (2) . "وكان اختياره صلى الله عليه وسلم لهذه العزلة طرفاً من تدبير الله له، وليكون انقطاعه عن شواغل الأرض وضجة الحياة، وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة، نقطة تحول لاستعداده لما ينتظره من الأمر العظيم، فيستعد لحمل الأمانة الكبرى ... " (3) . وقبْلَ محمد صلى الله عليه وسلم كان اختلاء موسى عليه السلام بربه بخروجه في الصحراء فناداه ربه {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] .

_ (1) ابن هشام، السيرة النبوية: 1/253. (2) ابن هشام، السيرة النبوية: 1/254. (3) الرحيق المختوم 63.

فهم مغلوط: ذكر كاتب الموسوعة من (المجلد22) الصفحة (1011) الفقرة الثانية: "في البداية ومحمد صلى الله عليه وسلم ضعيفٌ، نظرَ بتسامح للأماكن المقدسة التي خُصّصت للأصنام في الجاهلية، كما اعتبر هذه الأصنام وسطاء وبمثابة ملائكة". ثم قال في نفس الفقرة الثالثة: "وعندما تقوّى وبفضل مَنْ آمن به، تجرّأ على آلهة العرب كاللات والعزى ... واعتبرها أسماء لم يعطها الله سلطاناً". وكأن الكاتب يشير إلى ما نُقِل في قصة الغرانيق، وهذه القصة لم يخرجها أحد من أصحاب الصحاح ولا السنن ولا هي في مسند أحمد. وما رواه البخاري في صحيحه بشأن هذه القصة فهو على النحو التالي: "عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة "النجم" فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد مَنْ خلْفه إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قُتل كافراً" (1) . أما سجود رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته فإتباعاً لأمر الله، وأمّا سجود المشركين فَلِما سمعوه من أسرار البلاغة والفصاحة وعيون الكلم لجوامع الأنواع من الوعيد والإنكار والتهديد والإنذار، وقد كان العربي يسمع القرآن فيخرّ له ساجداً (2) .

_ (1) صحيح البخاري مع الفتح 4863. (2) السيرة النبوية 1/367.

وهذه القصة "قصة الغرانيق" أخرجها ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبي بشير عن سعيد بن جبير قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بمكة "والنجم" فلما بلغ قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم:19-20] ألقى الشيطان على لسانه "تلك الغرانيق العُلا، وإن شفاعتهن لتُرتجى "فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجدوا فنزلت {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج:52] (1) . القصة باطلة نقلاً وعقلاً. والقصة من حيث الثبوت وردت بأسانيد كلها ضعيفة أو منقطعة، سوى طريق سعيد بن جبير الذي أخرجه البزار وابن مردويه، وقد طعن في القصة الأئمة النقّاد والعارفون بطرق الحديث وعلله: سئل محمد بن إسحق بن خزيمة عن القصة فقال: إنها من وضع الزنادقة، وقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل (2) . وقال القاضي عياض: "إن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب، المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم، ومن حكيت عنه هذه المقالة من المفسرين والنابغين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها

_ (1) ابن جرير 17/120 الدر المنثور 4/366. (2) تفسير الفخر الرازي 6/193.

إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم ضعيفة واهية" (1) . وأنكر القصة أبو بكر بن العربي وطعن فيها من جهة النقل (2) وأنكرها الماتريدي فقال: "الصواب أن قوله "تلك الغرانيق العلا" من جملة إيحاء الشيطان إلى أوليائه من الزنادقة". وطعن ابن كثير في ثبوت القصة قائلاً: "قد ذكر كثير من المفسرين هاهنا قصة الغرانيق ... ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح" (3) . وقد أعلَّ العلماء هذه القصة بالاضطراب، والاضطراب هو الاختلاف في الروايات من غير إمكان للجمع أو الترجيح بينها مما يقدح بصحة القصة إذا اعتراها، والاضطراب في هذه القصة فاحش، فمتى حصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود؟ وكيف؟ هنا الاضطراب. فمن قائل: إنه صلى الله عليه وسلم كان خارج الصلاة، ومن قائلٍ: إنه كان في الصلاة، ومن قائلٍ: إنه حدّث نفسه فيها، ومن قائل: إن الشيطان قالها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أو قالها وهو ناعس، أو أن الشيطان انتهز سكتة من سكتات النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة فقرأها حاكياً صوت النبي صلى الله عليه وسلم (4) ، فلا جمع ولا ترجيح بين هذه الأوجه كلها. إنّ علماء النقد وأئمة العلل حكموا على القصة من حيث النقل بالسقوط؛ إذ طرق القصة مراسيل لم يسند منها شيء، وأكثر علماء الحديث على عدم الاحتجاج بالمرسل.

_ (1) الشفا 2/117. (2) أحكام القرآن 3/1300. (3) تفسير ابن كثير 6/600. (4) السيرة النبوية 1/366.

لقد كانت عناية نقاد المسلمين بالإسناد شديدة حتى بنوا على صحة الإسناد المتن، إلا أنهم تغاضوا في بعض الأحيان عن الإسناد حين تتلقى الأمة حديثاً بالقبول فتجتمع على صحته. قال ابن عبد البر في "الاستذكار" فيما حكي عن الترمذي أنّ البخاري صحح حديث البحر (هو الطهور ماؤه) قال: "وأهل الحديث لا يصححون مثل إسناده، لكن الحديث عندي صحيح؛ لأن العلماء تلقوه بالقبول". وقال في "التمهيد": روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم "أربعة وعشرون قيراطاً" قال: وفي قول جماعة العلماء وإجماع الناس على معناه غني عن الإسناد فيه. وقال أبو إسحاق الإسفرائيني: تُعرف صحةُ الحديث إذا اشتهر عند أئمة الحديث بغير نكير منهم (1) . وهذه الرواية على فرض توفر الإسناد فيها بل وتوفر الصحة في أسانيدها، فإن الإجماع على مصادمتها للعقيدة يبطلها ويشكك فيها. إنّ حجة ابن حجر والسيوطي في إثبات الرواية أنّ كثرة الطرق لهذه القصة تدل على أنّ لها أصلاً (2) ، لكنهما أوّلاها بما يتفق مع عصمة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ الإجماع حاصل على أنه لا يجوز أن يجري على لسان النبي صلى الله عليه وسلم الكذب لا عمداً ولا سهواً. والتأويل الذي ارتضاه الحافظ ابن حجر هو: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتل القرآن ترتيلاً، فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك

_ (1) تدريب الراوي ص66. (2) الفتح 8/354-355.

الكلمات؛ محاكياً نَغْمته فسمعها من دنا فظنّه قوله، وأشاعها بين الناس" قال ابن حجر: "وهو الذي ارتضاه عياض وأبو بكر بن العربي واستحسناه" (1) . وهذا التأويل هو على فرض التسليم بالصحة، ولا تصح روايات القصة (2) ، ثم إنه تأويل غير سائغ لما يلي: إنّ تسليط الشيطان على الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجوز، وليس للشيطان سلطان على العباد الصالحين، فكيف يكون له سلطان على الرسول صلى الله عليه وسلم، واستمع إلى قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر:42] وقال: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99] وقال: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص:82-83] . 1- وإذا سمع الصحابة هذا الأمر الذي حكي على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلماذ لم يبادر الصحابة إلى تنبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه؟ إنّ هذه القصة تصادم القرآن الكريم حيث قال تعالى: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً} [الإسراء: 74] فلولا أن ثبّت الله محمداً لكاد أن يركن إلى المشركين، لكن لم تقع الفتنة بأصنامهم والله عصَمَه وثبَّته. 2- لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرباً على الأصنام والأوثان وعابديها، ففي القرآن مواضع كثيرة تشهد لذلك (3) .

_ (1) الفتح 8/35. (2) انظر نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق للشيخ الألباني. (3) انظر مثلاً: سورة الأنبياء 98.

3- لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يميل أو يتنازل أو يخطب وُدّ الكفار أو يساوم، إن محمداً صلى الله عليه وسلم وصحابته لم يسجدوا يوماً لصنم، ولم يتفاوضوا للتنازل عن عقيدتهم، بل كانت المفاصلة بينهم وبين الجاهليين والوثنيين مفاصلة كاملة تجلّت في أمر الله تعالى لنبيه بقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون:1-3] . ولو وُجد شيء من اللين والتفاوض ... بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والوثنيين يومئذ لما أخرج من وطنه، ولا لاحقته قريش في دار هجرته، ولأمْكَنَ إيجاد صيغة تعايشٍ سِلْمي لا يسود فيها الإسلام ولا تقوم له في الكون دولة. إنّ الإسلام دين عزة وارتفاع، دين لا يرضى بالدنية والتبعية بل هو دين السيادة، يَحْكُم ولا يُحكم.

إجلاء اليهود عن المدينة

إجلاء اليهود عن المدينة: يزعم كاتب الموسوعة في (المجلد 22) الصفحة (1013) الفقرة الأخيرة أنّ: "سبب إجلاء اليهود من المدينة ومحاربتهم بقسوة كان شجاراً بين مسلمين ويهود بسوق المدينة، وهو ذاته سبب محاربة اليهود بقسوة". "ولأن وجودهم يذكّر محمداً بفشله في إقناعهم بدعوته" (ص1014) . ويزعم: "أنّ المسلمين أخذوا كل أملاك اليهود بعد إجلائهم بما فيها مجوهراتهم" (ج22 ص1013) وفي صفحة (1014) يزعم أنّ بني قريظة بقوا حياديين عند محاصرة المدينة. ولكن صاحب الموسوعة أشار (ص1012) إلى شمول دستور المدينة لليهود أيضاً طلباً؛ لتأييدهم ومحاولة لاسترضائهم ... ". ونقول: لم يكن سببُ إجلاء اليهود من المدينة شجاراً بينهم وبين المسلمين في سوقها، إنّ حادث الشجار له خلفيته التي بيّنها علماء السنة والسيرة ونقلوها لنا نقلاً صحيحاً جلياً، وأنا أورد الحادثة وليتأملها المتأملون، ومن ثم لهم أن يحكموا بإنصاف ونزاهة: حين انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر حرك هذا الانتصار حفيظة اليهود وصاروا يرجفون (*) في المدينة، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعظهم بالحسنى،

_ (*) أرجف القوم: إذا خاضوا في الأخبار السيئة وذكر الفتن. (والمرجفون في المدينة) هم الذين يُولّدون الأخبار الكاذبة التي يكون معها اضطراب - لسان العرب - مادة (رجف) .

ويدعوهم إلى الدخول في الإسلام، وقابلهم في سوقهم وقال لهم: "يا معشر اليهود: احذروا من الله مثل ما أنزل بقريش من النقمة، وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهْد الله إليكم" فقالوا له: "يا محمد لا يغرنّك أنّك لقيت قوماً لا علم لهم بالحروب فأصبت منهم فرصة، أما والله لئن حاربناك لتعلمنّ أنا نحن الناس" (1) فأنزل الله تعالى قوله: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ، قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} [آل عمران: 12-13] ، لكن بني قينقاع تمادوا في إيذائهم، فكانت الحادثة التي سببّت إجلاءهم. وتتلخص الحادثة في أنّ امرأة من العرب قدِمَت بجَلَب لها فباعته بسوق بني قينقاع، ثم جلست إلى صائغ منهم، فجعلوا يريدونها عن كشف وجهها فأبت، فعمد الصائغ إلى عمل مشين، فقد عقد طرف ثوبها إلى ظهرها وهي لا تشعر، فلما قامت انكشفت سوءتها فضحكوا منها، فصاحت واستغاثت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ اليهودي فقتله، فتجمّع اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل الإسلام المسلمين، فغضب المسلمون ووقع الشر بينهم وبين اليهود (2) .

_ (1) سيرة ابن هشام 294والسنن لأبي داود (3/267) ك: الخراج والإمارة والفيء ح3001، مع تفاوت يسير في اللفظ. (2) سيرة ابن هشام 294.

وإزاء ذلك رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني قينقاع نقضوا العهد بهذه الفعلة النكرة، فأخبرهم بنقض العهد الذي كان بينه وبينهم؛ تأدباً بأدب القرآن الذي يأمر بذلك فيقول: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء} [الأنفال:58] ، ثم حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة حتى نزلوا على حكم الله ورسوله، فاستشار الرسول كبارَ أصحابه وانتهى الأمر بإجلائهم (1) . ولا يُعتقد أنّ سبب إجلاء بني قينقاع يعود إلى رفضهم قبول الإسلام، ففي هذه المرحلة كان يُقبل التعايش السلمي معهم، ولم يكن الرسول ليشترط على أحد من اليهود أن يدخل الإسلام مقابل بقائه في المدينة، بل إنّ نصوص المعاهدة تؤكد إعطاء اليهود حريتهم الدينية في المدينة المنورة.

_ (1) صحيح البخاري 3/11، وانظر السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة 2/395.

هدف الجهاد

هدف الجهاد: وزعم كاتب الموسوعة في (المجلد 22) الصفحة (1014- 1015) : "أن غزوات المسلمين كانت لأطماع مادية". وفي الصفحة الثالثة عشرة الفقرة الأخيرة حتى الصفحة الرابعة عشرة الفقرة الأولى زعم: "أن محمداً صلى الله عليه وسلم عقد صلح الحديبية مع قريش وهذا لم يرق للمسلمين الذين أرادوا القتال فعوضهم محمد بحرب تعطي ثماراً (غنائم وقتْل) وهي حربه ضد خيبر، وكان سبب الحرب ضد خيبر تعطش المسلمين للقتل وسفك الدماء". ونقول: إن الغاية التي من أجلها شرع الجهاد إنما هي نشر كلمة الله وإعلاء رسالة الإسلام في الأرض، وإخراج الناس من عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده، ولم تكن دوافع الجهاد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً دوافع مادية يهدف من خلالها إلى الاستيلاء على الأموال والأرزاق والغنائم، بل الهدف أسمى من ذلك. وقد أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن عقد صلح الحديبية مع قريش وأمّنهم، وأمِنَ منطقة الجنوب، أراد بسط سيطرته على ناحية الشمال من الجزيرة، وكان في هذه المنطقة يهود خيبر. ولم يكد رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجع من الحديبية ويستريح بالمدينة شهراً حتى أمر بالتجهيز للخروج إلى خيبر، واشترط أن لا يغزو معه إلا من شهد الحديبية كما أمره الله تعالى، وذلك ليضمن صدق النوايا، حتى إن بعض الأعراب الذين تخلفوا عن الحديبية أرادوا أن يخرجوا معه فقال لهم: "لا

تخرجوا معي إلا رغبة في الجهاد، أمّا الغنيمة فلا أعطيكم منها شيئاً" وقد أراد الرسول بذلك أن يبين لهم أن لا حاجة له بالذين لا همّ لهم إلا الغنيمة (1) . ومما يدل على أن المغانم والأموال لم تكن هدف المسلمين من حربهم واستيلائهم على خيبر، ولم يكن التعطش للقتل وسفك الدماء بغيتهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى علياً رضي الله عنه أن يدعو يهود خيبر إلى الإسلام وما يجب عليهم من حق الله، وقال له: "فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم" (2) إنها فرحة لا تعدِلُها فرحة أن يهتدي يهود أو يهتدي أحد منهم إلى الإسلام، إذن كان همُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتحه خيبر نشر العقيدة وإزاحة العقبات من طريقها. ولما سأله علي رضي الله عنه: "يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: "قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" (3) . هذا على مستوى القيادة، أما على مستوى الأفراد والأتباع والجند فتأمل هذه الحادثة: "صح أن أعرابياً شهد فتح خيبر أراد النبي صلى الله عليه وسلم أثناء المعركة أن يقسم له قسماً وكان غائباً، فلما حضر أعطوه ما قسم له، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما على هذا تبعتك، ولكن اتبعتك على أن أُرمى هاهنا وأشار إلى حلقه

_ (1) السيرة النبوية 2/414. (2) مسلم – فضائل الصحابة 4/1872. (3) مسلم مع شرح النووي 15/177.

بسهم، فأدخل الجنة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تصدُق الله يصدقك، قال فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به يُحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم بجُبّة وصلى عليه ودعا له فكان من قوله: "اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيداً وأنا عليه شهيد" (1) . إنّ هذه الرواية وهي صحيحة تعد شاهداً قوياً على ما بلغته نفس هذا الجندي الأعرابي الذي ألِفَ حياة الغزو والسلب والنهب في الجاهلية، إنّه لا يَقْبَل ثمناً إلا الجنة، وإذا كان هذا دافع الإيمان في نفس هذا الفرد فكيف يبلغ الإيمان إذن في نفوس الصفوة المختارة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أيقال: إنهم فتحوا ديار اليهود طمعاً في أرض أو مال؟ أيُتهمون بأن التعصب الديني دفعهم لطرد اليهود، وهم الذين دعوهم للإسلام قبل القتال، وقبلوا أن يعطوهم الأمان بعد الحصار، وأبقوهم في خيبر بعد الاستسلام، فمكثوا فيها حتى خلافة عمر رضي الله عنه، ثم بدت منهم العداوة وغدروا بالمسلمين فقتلوا منهم رجلاً وفدعوا (2) يدي عبد الله بن عمر وهو نائم في سهمه في خيبر، فأجلاهم عمر من خيبر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالاً وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبال" (3) . وقد ورد في رواية صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل والأرض وألجأهم إلى قصرهم فصالحوه على أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء

_ (1) رواه عبد الرزاق في المصنف 5/276/برقم 9597، ورجاله ثقات. (2) الفدع: أن تزول المفاصل عن أماكنها (اللسان-فدع) . (3) المجتمع المدني 174-175.

والبيضاء والحَلْقة، ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ولا يعيبوا شيئاً فإن فعلوه فلا ذمة لهم ولا عهد" (1) . ونلخص ما سبق بما يلي: *لم يكن إجلاء يهود بني قينقاع من المدينة بسبب شجار عابر، وإنما بعبارة مختصرة: لنقضهم العهد. * ولم يكن دافع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته في غزوهم خيبر دافعاً مادياً أو تعطشاً للقتال، وإنما لنشر دعوة الإسلام وفي سبيل الله. * لا يرى الإسلام مانعاً من قبول اليهود مواطنين في الدولة المسلمة، ولولا نقض العهد المتكرر منهم في المدينة لأمكن التعايش بسلام ووئام، وليس الدافع وراء إخراجهم أيضاً فشل رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته إياهم وأن وجودهم يذكره بذلك، كلا، فلأهل الكتاب نظرة خاصة مميزة تتلخص في الإحسان إليهم والعدل فيهم، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا (2) .

_ (1) أبو داود في السنن (3/170) برقم 3006، وحسن إسناده الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/252. والصفراء: الذهب، والبيضاء: الفضة، والحَلْقة: الدروع. (2) ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار 3/307.

التميز في الشخصية

التميز في الشخصية: "وفي (المجلد 22) الصفحة (1012) يقول كاتب الموسوعة: "إن محمداً "عليه السلام" تقرب من اليهود بصوم عاشوراء وتحديد القدس قبلة للمسلمين بهدف نيل دعْم اليهود واعترافهم به نبياً، وهذا من شأنه أن يزيد من اعتناق الناس للإسلام". وفي ج22 (ص1012) قال: "وعندما رفضوا دعوته غيّر القبلة". وقال: "كان اليهود مشمولين بالاتفاق الذي كان بين محمد وأهل المدينة بالفعل، ولكي يحصل محمد على تأييد لمكانته كنبيّ ألبس أقواله لباساً بسبب رغبته أن يعطي لأقواله الاستمرارية مع أقوال الأنبياء الذين سبقوه! لذا جعل محمد القدس قبلة الصلاة كما أنه طبّق الصوم اليهودي وحدّد ساعات بعد الظهر من يوم الجمعة كيوم الصلاة الأسبوعية الجماعية". ونقول: إن ديانة الإسلام منذ اللحظة الأولى من استقرارها في المدينة حرصت على تميز المسلم في تصوره وسلوكه وأسلوب حياته، حتى إن هذا التميز صِيغَ صياغة قانونية، فمذ وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عقد معاهدة بين المهاجرين والأنصار واليهود وهي معاهدة واضحة (1) ففي البند الأول منها: "أنهم - أي المؤمنين المهاجرين والأنصار أهل يثرب - أمة واحدة من دون الناس" تربط أفرادها رابطة العقيدة وليس الدم، فولاؤهم لا للقبيلة، ولا بد من تميز هؤلاء

_ (1) انظر نص الوثيقة ضمن مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة لمحمد حميد الله ص47.

على غيرهم، ويتضح هذا التميّز بالاتجاه نحو الكعبة بعد أن اتجهت الجماعة المسلمة ستة عشر شهراً إلى بيت المقدس. ومضى النبي صلى الله عليه وسلم يميّز أصحابه وأتباعه عن سواهم في أمور كثيرة، ويوضح لهم أنه يقصد بذلك مخالفة أهل الكتاب "اليهود" ومما أمر رسول الله صحابته بالمخالفة فيه: أن اليهود لا يصلّون بالخف، فأذن النبي لأصحابه أن يصلوا بالخف (1) . واليهود لا يصبغون الشيب، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يغيروا الشَّيب بالحناء والكتم (2) . واليهود يصومون عاشوراء، والنبي صلى الله عليه وسلم يصومه لكنه اعتزم آخر حياته أن يصوم يوماً قبله مخالفة لهم (3) . ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدأ عاماً في التعامل مع اليهود تصوراً وسلوكاً وأسلوب حياة، هذا المبدأ هو (لا تشبهوا باليهود) (4) . إنّ التميّز بصفات وتصورات وسمات لا يقف حائلاً أمام التعامل الإنساني والتبادل المعرفي؟ فالإسلام وعاء انصهرت فيه كثير من الثقافات، وأمكنه

_ (1) رواه أبو داود في سننه (1/302) ح652، صحيح، انظر صحيح سنن أبي داود (1/193) للشيخ الألباني. (2) رواه الترمذي في سننه (3/359،358) ، رقم (1752و1753، وقال في الموضعين:"حديث حسن صحيح". (3) رواه أحمد (2/57) وهذا صححه على شرط الشيخين، شعيب ومن معه في تحقيق المسند انظر (9/174) ح5203، ولكنه ليس فيه ذكر المخالفة، إنما جاء فيه أن أهل الجاهلية كانوا يصومون عاشوراء..) (4) رواه أحمد (1/165، 2/356) والترمذي (2695) ، وقال: هذا حديث إسناده ضعيف، لكنه حسّنه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/77) برقم 2695 وفي الصحيحة برقم 9421.

احتواء أتباع من العالم كله بمختلف منابتهم ومشاربهم، والإسلام لا يمنع أحداً من اعتناقه إذا ما قبل به ديناً. إنّ للمسلم ثقافته التي يحرص عليها ولا يتنازل عنها، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوجه إلى بيت المقدس ليخطب ودّ يهود أو يصوم عاشوراء تقرباً لدينهم، كلا وإنما هي أوامر يتلقاها المصطفى صلى الله عليه وسلم بالوحي من ربه ولقد كانت الموافقة في بدايات التشريع، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء (1) . وكان هذا متقدماً ثم نُسخ بعد ذلك، وشرع له مخالفة أهل الكتاب، وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سدل شعره موافقة لهم (2) ، ثم فرق شعره بعد. قال ابن تيمية: "وهذا كما أن الله شرع في أول الأمر استقبال بيت المقدس موافقة لأهل الكتاب، ثم أنه نسخ ذلك وأمر باستقبال الكعبة، وأخبر عن اليهود وغيرهم أنهم سيقولون: {مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا} [البقرة:142] وأنهم لا يرضون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتّبع قبلتهم" (3) . أمّا صيامه صلى الله عليه وسلم عاشوراء: فقد ثبت أنه كان يصومه قبل الحديث مع اليهود بشأنه، بل إن قريشاً كانت تصومه، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت قريش تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية وكان رسول الله يصومه، فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصومه، فلما فرض صوم شهر

_ (1) البخاري (4/230) مسلم (2545رقم 90) أحمد (1/320،5278) . (2) مسلم 1818. (3) اقتضاء الصراط المستقيم (173) .

رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه" (1) وحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فنحن أحق بموسى منكم" (2) قالها تأكيداً لصومه وبياناً أنّ الذي تفعلونه من موافقة موسى نحن أيضاً نفعله، فنكون أولى بموسى منكم" (3) .

_ (1) اقتضاء الصراط المستقيم (173) . (2) البخاري رقم (5404،2002) ، مسلم (ص796،793) (3) اقتضاء الصراط المستقيم (173) .

النبوة والأنبياء

النبوة والأنبياء: وفي المجلد (4) الصفحة (955) الفقرة 3: زعم كاتب الموسوعة "أن الأنبياء يتنافسون على المنصب والتأييد كأي إنسان يسعى للمناصب في المجتمع". ونقول: إن المتأمل في كتابات المستشرقين والمستعرض لمزاعم كاتب الموسوعة العبرية يلمح انتقاصاً من قدْر الأنبياء والمرسلين واتهاماً لهم في عصمتهم وأمانتهم. إننا نعتقد اعتقاداً جازماً راسخاً بعصمة الأنبياء، وقد اتفقت الأمة الإسلامية وأجمعت على أن الرسل جميعاً معصومون في تحمّل الرسالة فلا ينسون شيئاً مما أوحاه الله إليهم إلاّ شيئاً قد نُسخ. {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى، إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ} [الأعلى: 6-7] وهم معصومون في التبليغ فلا يكتمون، والكتمان خيانة، وهم مبرَّؤون منها: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67] . كما يتصف الأنبياء بالكمال البشري، ويترفعون عن السفاسف وما يجرح في العدالة ... ، ولا يتصور منهم أن يتنافسوا بينهم على المنصب والتأييد كما يزعم كاتب الموسوعة (1) إنهم رسل الله المؤيدون منه، وأجمعت الأمة الإسلامية على تفضيل الأنبياء على غيرهم من الصديقين والشهداء والصالحين قال الله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ

_ (1) انظر الفتاوى لابن تيمية 11/321.

مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:83] . وقال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ، وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 84-86] . وثبت أنّ الله تعالى فضّل بعض النبيين على بعض {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء:55] . وأفضل الرسل والأنبياء خمسة هم: محمد صلى الله عليه وسلم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وتفاضلهم إنما يكون بأن يعطى أحدهم أمراً لا يُعطاه غيره، أو برفع درجته، أو باجتهاده في العبادة والدعوة. هذا ما نعتقده وننطلق منه حين نتعامل مع الأنبياء وميراثهم، ولا يمكن أن يقع من الأنبياء معاصٍ أو ذنوب كما هو الاعتقاد السائد في الكتب التي عند اليهود والنصارى. إنّ كاتب الموسوعة العبرية في تعامله مع الأنبياء ينطلق من اعتقاده أنْ ليس للأنبياء عصمة، وينسب إليهم النقص والقبائح. ولننظر على سبيل المثال المواضيع التالية من المصادر اليهودية القديمة: (سفر التكوين إصحاح "19" عدد "30" والإصحاح "31" عدد "17" والإصحاح "35" عدد"32"، وسفر صموئيل إصحاح "11" عدد "1"

وسفر الملوك الأول إصحاح"11" عدد "5") . والنصارى لا يقلّون عن اليهود احتقاراً للأنبياء وتنقيصاً من قدْرهم، وانظر في مصادرهم (إنجيل متى الإصحاح الأول عدد"10"، وإنجيل يوحنا إصحاح "2" عدد "4" وإصحاح "10" عدد "8") . إنّ القرآن الكريم لم يتضمن ذكراً لجميع الرسل والأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى بوحيه ورسالاته، والقرآن يصرّح لنا بذلك فيقول: {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر:78] ويقول: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء:164] وفي ذلك رد على كاتب الموسوعة (ص37 ملاحظة رقم-1- من المذكرة) حيث قال: "أغلب أنبيائنا الكبار مثل (يشعياهو، ويرمياهو، ويحزقائيل) غير مذكورين في القرآن، وثلثا الأنبياء المذكورين في القرآن مأخوذون من الكتاب المقدس (التناخ) ".

مكانة محمد صلى الله عليه وسلم

مكانة محمد صلى الله عليه وسلم تكثيره الطعام ... مكانة محمد صلى الله عليه وسلم: يزعم صاحب الموسوعة المجلد 22 الصفحة (1015) الفقرة الأولى: "أن محمداً "عليه السلام" كرر قوله إنه إنسان ككل الناس، ولكن الشعور بأفضليته وسموه عن الباقين برزت بأوامر متكررة في القرآن. وهذا الشعور لم يكن يحتاج لأوامر قرآنية لكي يؤكَّد بين الناس فأصبحت شخصية محمد "عليه السلام" أسطورية كباقي الأنبياء، فسيرة ابن إسح?ق وابن هشام مليئة بقصص عجيبة عنه منذ البشارة بولادته مروراً بالقصة العجيبة حول سفره الليلي للأقصى والمذكورة في القرآن. ولم تكن المسافة بعيدة بين المعجزات التي حدثت معه وتلك التي أحدثها محمد "عليه السلام" بنفسه رغم رفضه الشديد لفكرة قدرته على إحداث المعجزات. وقد ضخّم الناس صورة نبيهم محمد عليه السلام حتى أوصلوه لدرجة قديس بمفهومها النصراني". ونقول: إنّ النبوة والرسالة ليس بمقدور أحد أن يدّعيها من غير برهان واضح أو دليل ساطع، وهذه الأدلة والبراهين يؤيد الله بها أنبياءه، وهي ما يسمى في المصطلح الإسلامي "دلائل النبوة"، وكان الأنبياء يقولون لأقوامهم: نحن مرسلون من عند الله، وعليكم أن تصدقونا فيما نخبركم به، وتطيعونا فيما نأمركم بفعله، وتجتنبوا ما ننهاكم عنه، وهذا نوح عليه السلام يقول: {أَلَا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:106-108] ، وهكذا

الأنبياء جميعاً هود وصالح ولوط وشعيب، لقد أيّد الله تعالى أنبياءه كلهم بالأدلة بحيث يقيمون الحجة، فلا يبقى لأحد عذر في الجحود وعدم التصديق {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد:25] . ومن أعظم الدلائل الدالة على نبوة الرسل: ما يُجريه الله على أيديهم من أمور خارقة للسنن الكونية المعتادة والقانون الطبيعي الراتب والتي لا قُدرة للبشر على الإتيان بمثلها، كتحويل العصا إلى أفعى تتحرك وتسعى، ونزع خاصّية الاحتراق من النار، بحيث تكون هذه الظواهر أدلة لا تقبل النقض، ويسمى ذلك في عرف علماء العقيدة بالمعجزة وهي: "أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة". ومما يظهر على يد النبي ما يقصد به التحدي، ومنه ما لا يقصد به التحدي، ومن الأخيرة؛ نبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم وتسبيح الحصا في كفه ... ومن الأولى أن يطلق على ذلك كله سواء تحدي به أو لم يتحد لفظ "الآية"، كما ورد في القرآن الكريم (1) . والمعجزات وإظهار الخوارق "والآيات" على أيدي الأنبياء بعامة ليست قصصاً من نسج خيال الأتباع لخلق شخصية أسطورية تُغري باتبّاعها والاستسلام لها، كما يصور ذلك كاتب الموسوعة. ونحن المسلمين حين نرد وندافع عن الأنبياء إنما ننطلق من واقع أنّ ما جاؤوا به هو من الله، لا نسمح لأحد بالمساس به أو التطاول عليه، وما مِن

_ (1) العقيدة الإسلامية للميداني 338 وما بعدها.

نبي إلا وأيّده الله بآية، فصالح عليه السلام طلب منه قومه آية أن يُخرج لهم من الصخر ناقة لها أوصافها {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء:59] . وإبراهيم عليه السلام أشعل الكفار ناراً فرموه بها {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:69-70] وجرت على يد إبراهيم آيات منها؛ إحياء الموتى (1) . وجرت على يد موسى كثير من الدلائل والآيات وعلى رأسها العصا التي تحولت إلى حية عظيمة، وابتلاعها حبال السحرة وعصيهم (2) ، ومنها: ضرب موسى البحر بعصاه وانفلاقه (3) ، وضربه الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً.. (4) . وعلى يد عيسى وضّح القرآن آيات جرت منها: أنه كان يصنع من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيها فتصبح طيراً بإذن الله وقدرته، ويمسح الأكمه فيبرأ بإذن الله وكذا الأبرص، ويحيى الموتى بإذن الله (5) , وطلب من الله أن ينزل عليه مائدة من السماء فأنزلها الله تعالى (6) . ومحمد صلى الله عليه وسلم أيده الله بمعجزات باهرات؛ وآيات واضحات كإخوانه الأنبياء، وقد عدّ العلماء المعجزات والدلائل التي ظهرت على يد الرسول صلى الله عليه وسلم

_ (1) البقرة الآية 260. (2) طه- الآيات (17-21 و 65-69) . (3) طه (77) . (4) الأعراف (160) . (5) المائدة الآية 110. (6) المائدة الآية 112-115.

فبلغت الألف، وتضمنتها كتب خاصة يطلق عليها "الدلائل" أو "دلائل النبوة" مثل "دلائل النبوة" للبيهقي. و"دلائل النبوة" للأصفهاني. إننا لا نزعم أن جميع الروايات التي ساقتها هذه الدلائل روايات صحيحة، بل منها الصحيح ومنها دون ذلك. وقد دخلت مجال السيرة النبوية والمغازي بعض الإسرائيليات والأساطير والرواياتِ الضعيفة والمكذوبة، فمثل ذلك لا يعتمده العلماء الراسخون وهم متنبهون حَذِرون من كل ما يوضع في هذا المجال وفي غيره ولا يُعد مشكلة في نظرنا. إنّ أعظم آية أعطيها الرسول صلى الله عليه وسلم هي القرآن، تحدى الله بهذا الكتاب فصحاء العرب أن يأتوا بشيء من مثله فعجزوا (1) . لقد جاء القرآن ليكون نمطاً جديداً من المعجزات، وليس معجزة حسية، ولو شاء الله تعالى أن ينزل على نبيه آية حسّية لأنزل {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء:4] ولكنه تعالى أرادها "القرآن" الذي هو منهج حياة كامل ومعجز في كل جوانبه. لقد ناسب أن تكون معجزة الإسلام معجزة مفتوحة للبعيد والقريب، لكل أمة، ولكل جيل، والخوارق القاهرة لا تلوي إلا أعناق من يشاهدونها ثم تبقى بعد ذلك قصة تُروى لا واقعاً يشهد ويُمارس، فأما القرآن فها هو بعدَ أكثر من أربعة عشر قرناً، كتابٌ مفتوح ومنهج مرسوم يستمد منه أهل الزمان ما يقوّم حياتَهم، ويلبي حاجاتهم كاملة، ويقودهم بعدها إلى عالم

_ (1) البقرة آية 23.

أفضل وأفُق أعلى.. ويبقى رصيدُه لا ينفد بل يتجدد (1) . ثم ما عدا القرآن من الآيات المؤيدات التي تأيَّد بها نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم وجرت على يديه طرق إثباتها ليس خيالات الناس كما يرى كاتب الموسوعة، إن إثبات هذه الأمور إنما هو بالخبر الصادق الذي يخضع لقواعد النقد وقوانين الجرح والتعديل، وهي قوانين علمية يسير بها الباحثون المسلمون وفق المنهج العلمي الذي سلم به غير المسلمين أيضاً (2) . ومن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم التي حصلت بل وثبتت بالقرآن: انشقاق القمر {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} [القمر:1-2] . والأحاديث التي أثبتت هذه المعجزة متواترة، وقد شوهد انشقاقه كما يقول ابن كثير في بقاع من الأرض (3) . ولا أريد أن أطيل بذكر جميع الآيات التي جرت على يد رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن أذكر بعضاً منها وأشير إلى الرواية التي ذَكَرَتْها: تكثيره الطعام: طعام القلة يكفي العشرات، ففي الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم لأم سليم: "هلمي يا أم سليم، ما عندك"، فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتّ وعصرتْ عليه أم سليم عكة لها فأَدَمَتْه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله

_ (1) في ظلال القرآن جزء 19/2584. (2) مصطلح التاريخ لأسد رستم ص 67-83. (3) البداية والنهاية 3/118.

أن يقول، ثم قال: "ائذن لعشرة"، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم قال: "ائذن لعشرة"، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا ثم قال: "ائذن لعشرة ... " والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً (1) .

_ (1) رواه البخاري 4/235، برقم:5381، 7/174 مسلم، الأشربة برقم 2040.

تكثير الماء ونبعه من بين أصابعه

تكثير الماء ونبعه من بين أصابعه: هذه الآية تكررت وهذا ابن مسعود يقول: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال: اطلبوا فضلة من ماء فجاؤوا بإناء فيه قليل من الماء فأدخل يده في الإناء ثم قال: حي على الطهور المبارك والبركة من الله.. ولقد رأيت الماء ينبع من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يأكل (2) .

_ (2) رواه أحمد 1/460، والبخاري في صحيحه (6/587) ك: المناقب، ح 3579، والبيهقي في دلائل النبوة 6/10-11.

حنين الجذع

حنين الجذع: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحنّ الجذع، فأتاه فمسح عليه (3) .

_ (3) المرجع السابق 6/66-68.

تسليم الحجر على النبي صلى الله عليه وسلم

تسليم الحجر على النبي صلى الله عليه وسلم: عن جابر بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف حجراً بمكة كان يُسلم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن" (4) . ومن المعجزات الخارقة: الإسراء والمعراج، إسراء الله بنبيّه من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، ثم عروجه إلى السموات العلى، وهي ثابتة بالقرآن،

_ (4) رواه مسلم في صحيحه (4/1782) ك: الفضائل، ح2277وانظر دلائل النبوة للبيهقي 2/153.

لا يملك أحد إنكارها، وفي عروجه صلى الله عليه وسلم رأى آيات عظمى، ورأى جبريل على هيئته التي خلقه الله عليها قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الإسراء:1] . هذه المعجزات جميعاً وهذه الآيات ليست هي بالعجيبة إذا أيقنا أن الله تعالى هو الذي أجراها على يد رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، والله على كل شيء قدير.

شهادات على عظمة محمد صلى الله عليه وسلم

شهادات على عظمة محمد صلى الله عليه وسلم القرآن ... شهادات على عظمة محمد صلى الله عليه وسلم: إنّ مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحددها الناس والأتباع، وإنما يقررها الله تعالى في آيات كثيرة {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح:8-9] . ومعنى توقيره صلى الله عليه وسلم: تعظيمه، وإجلاله، والإكبار من شأنه، والرفع من قدره حتى لا يدانيه أحد من الناس. وأمر الله بطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقال: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [النساء:80] وقال: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النور:54] . وأمر بمتابعته في الاعتقاد والقول والعمل، واشترط لحصول محبة الله أن يُتّبع الرسول فقال سبحانه: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] . إنّ قَدْر محمد صلى الله عليه وسلم مرتبط بقَدْر رسالته التي حَمَلها وهي رسالة الإنسانية، ولسنا نحن المسلمين فقط نعظّم محمداً صلى الله عليه وسلم ونوقره ونشهد له بالفضل، بل إن كتّاباً ومفكرين عالميين درسوا الإسلام وانتهوا بدراستهم إلى هذه النتيجة وشهدوا ضد من تحامل على الإسلام، وها أنا أسوق لك شهادة بعضهم: يقول (برناردشو) بعد أن درس الإسلام: "إني لأعتقد بأنه لو تولى رجل مثل محمد حُكم العالم الحديث، لنجح في حلّ مشكلاته بطريقة تجلب إلى العالم السلام والسعادة والطمأنينة التي هو في أشد الحاجة إليها".

"لقد أفاد الإسلامُ التمدّن أكثر من النصرانية، ونَشَر راية المساواة والأخوة. وهذه الأدلة نذكرها نقلاً عن تقارير الموظفين الإنجليز، وعما كتبه أغلبُ السيّاح من النتائج الحسنة التي نتجت من الدين الإسلامي، وظهرت آياتها منه، فإنه عندما تدين به أمة من الأمم السودانية تختفي بينها - في الحال- عبادة الأوثان، وإتباع الشيطان، والإشراك بالعزيز الرحمن، وتحرّم أكل لحم الإنسان، وقتل الرجال ووأد الأطفال، وتُضْرب عن الكهانة، ويأخذ أهلُها بأسباب الإصلاح وحب الطهارة واجتناب الخبائث والرجس والسعي نحو إحراز المعالي وشرف النفس. ويصبح عندهم قِرى الضيف من الواجبات الدينية، وشرب الخمر من الأمور البغيضة، ولعب الميسر والأزلام محرماً. والرقص القبيح، ومخالطة النساء – اختلاط دون تمييز – بغيضاً. ويحسبون عفة المرأة من الفضائل، ويتمسكون بحسن الشمائل. أما الغلو في الحرية وراء الشهوات، فلا تجيزه الشريعة الإسلامية. والدين الإسلامي هو الدين الذي يقمع النفس عن الهوى، ويحرم إراقة الدماء، والقسوة في معاملة الحيوان والأرقاء، ويوصي بالإنسانية، ويحض على الخيرات والأخوة. ويقول بالاعتدال في تعدد الزوجات، وكبح جماح الشهوات" (1) . أما الفيلسوف الروسي المنصف تولستوي فعندما رأى تحامل أهل الأديان الأخرى على الدين الإسلامي هزّته الغيرة على الحق، فوضع كتاباً عن نبي الإسلام، قال فيه: "وُلد نبي الإسلام في بلاد العرب من أبوين فقيرين. وكان- في حداثة سِنّه - واعياً يميل إلى العُزلة والانفراد في البراري والصحاري،

_ (1) ماذا يقول الغرب عن محمد صلى الله عليه وسلم، لأحمد ديدات، محاضرات بعنوان "ويأبى الله إلا أن يتم نوره" موقع إسلاميات.

ومتأملاً في الله خالق الكون. لقد عبد العرب المعاصرون له أرباباً كثيرة، بالغوا في التقرب إليها واسترضائها، وأقاموا لها العبادات، وقدموا لها الضحايا المختلفة. وكان - كلما تقدم به العمر - ازداد اعتقاداً بفساد تلك الأرباب، وأن هناك إلهاً واحداً حقيقياً لجميع الناس والشعوب. وقد ازداد إيمان محمد بهذه الفكرة، فقام يدعو أمته وأهله إلى فكرته، معلناً: أن الله اصطفاه لهدايتهم، وعهد إليه إنارة بصائرهم، وهدم ديانتهم وعباداتهم الباطلة، وراح يعلن عن عقيدته وديانته. وخلاصة هذه الديانة التي نادي بها الرسول: هو أن الله إله واحد - لا إله إلاّ هو - ولذلك لا يجوز عبادة غيره وأن الله عادل ورحيم بعباده، وأن مصيره النهائي، متوقف عليه وحده، فمن آمن به فإن الله يأجره في الآخرة أجراً حسناً. وإذا ما خالف شريعة الله، وسار على هواه فإنه يعاقب في الآخرة عقاباً أليماً، وإن الله تعالى يأمر الناس بمحبة بعضهم بعضاً. ومحبة الله تكون بالصلاة، ومحبة الناس تكون بمشاركتهم في السراء والضراء. وإن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ينبغي عليهم أن يبذلوا وسعهم لإبعاد كل ما من شأنه إثارة الشهوات النفسية، والابتعاد عن الملذات الدنيوية، وإنه يتحتم عليهم ألا يخدموا الجسد ويعبدوه، بل عليهم أن يخدموا الروح ويهذبوها. ومحمد لم يقل عن نفسه إنه نبي الله الوحيد، بل اعتقد أيضاً بنبوة موسى وعيسى، وقال: "إن اليهود والنصارى لا يُكْرَهون على ترك دينهم".

وفي سني دعوته الأولى، احتمل كثيراً من اضطهادات أصحاب الديانات القديمة، شأن كل نبي قبله نادى أمته إلى الحق، ولكن هذه الاضطهادات لم تثنه عن عزمه، بل ثابر على دعوة أمته. وقد امتاز المؤمنون كثيراً عن العرب (*) : بتواضعهم وزهدهم في الدنيا، وحب العمل والقناعة، وبذلوا جهدهم في مساعدة إخوانهم في الدين عند حلول المصائب بهم. ولم يمض على جماعة المؤمنين زمن طويل، حتى أصبح الناس المحيطون بهم يحترمونهم احتراماً عظيماً، ويعظمون قدرهم، وراح عدد المؤمنين يتزايد يوماً بعد يوم ... !! ومن فضائل الدين الإسلامي: أنه أوصى بالمسيحيين واليهود ورجال دينهم. فقد أمر بحسن معاملته، وقد بلغ من حسن معاملته لهم أنه سمح لأتباعه بالتزوج من أهل الديانات الأخرى، ولا يخفى على أصحاب البصائر العالية، ما في هذا من التسامح العظيم " ثم ختم كلامه قائلاً: "لا ريب أن هذا النبي، من كبار الرجال المصلحين؛ الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جلية، ويكفي فخراً أنه هدى أمته برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح للسلام، وتكف عن سفك الدماء وتقديم الضحايا. ويكفيه فخراً أنه فتح لها طريق الرقي والتقدم، وهذا عمل عظيم لا يفوز به إلا شخص أوتي قوة وحكمة وعلماً، ورجل مثله جدير بالإجلال والاحترام" (1) .

_ (*) يعني: عن سائر العرب من غير المؤمنين. (1) الأعمال الكاملة محمد عبدو: 2/367 مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي عالم المعرفة، العدد 55، سنة 1991.

أما عن معجزة نبينا الخالدة فإن الدكتور: "موريس بوكاي" يستعرض عظمة القرآن ويستدل على أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي مرسل بسؤاله: كيف امتلك هذا القدر من المعارف العلمية الهائلة في القرن السابع من العصر المسيحي في وقت تفشي الجهل وعَمُومِِِهِ؟؟! هذا القدر من المعارف العلمية التي سبقت بأكثر من أربعة عشر قرناً الثقافة العلمية المعاصرة، استمع إليه وهو يقول: "لقد أثارت هذه الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في البداية، فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحد من الدعاوى الخاصة بموضوعات شديدة التنوع، ومطابقة المعارف العلمية الحديثة، وذلك في نص كُتِبَ منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً، في البداية لم يكن لي أي إيمان بالإسلام، وقد طرقت دراسة هذه النصوص بروح متحررة من كل حكم سابق وبموضوعية تامة، وإذا كان هناك تأثير ما قد مورس فهو بالتأكيد تأثير التعاليم التي تلقيتها في شبابي، حيث لم تكن الغالبية تتحدث عن المسلمين وإنما عن المحمديين لتأكيد الإشارة إلى أن المعني به دينٌ أسسه رجل، وبالتالي فهو دين عديم القيمة تماماً إزاء الله، وككثيرين كان يمكن أن أظل محتفظاً بتلك الأفكار حين ألتقي خارج المتخصصين، بمحدثين مستنيرين في هذه النقاط أعترف إذن بأنني كنت جاهلاً قبل أن تُعطَى لي عن الإسلام صورة تختلف عن تلك التي تلقيناها في الغرب ... " "وعندما استطعت قياس المسافة التي تفصل واقع الإسلام عن الصورة التي اختلقناها عنه في بلادنا الغربية، شعرت بالحاجة الملحة لتعلم اللغة العربية التي لم أكن أعرفها، ذلك حتى أكون قادراً على التقدم في دراسة هذا الدين الذي

يجهله كثيرون. كان هدفي الأول هو قراءة القرآن ودراسة نصه جملة جملة مستعيناً بمختلف التعليقات اللازمة للدراسة النقدية: وتناولت القرآن منتبهاً بشكل خاص للوصف الذي يعطيه عن حشد كبير من الظاهرات الطبيعية". لقد أذهلتني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات، وهي تفاصيل لا يمكن أن تدرك إلاّ في النص الأصلي، أذهلني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن تفشي هذه الظاهرات والتي لم يكن ممكناً لأي إنسان في عصر محمد صلى الله عليه وسلم أن يكوّن عنها أدنى فكرة ... ". "إن أول ما يثير الدهشة في روح مَنْ يواجه مثل هذا النص لأول مرة هو ثراء الموضوعات المعالَجة، فهناك الخَلْق وعلم الفلك وعرض لبعض الموضوعات الخاصة بالأرض، وعالم الحيوان وعالم النبات، والتناسل الإنساني، وعلى حين نكتشف في التوراة أخطاء علمية ضخمة لا نكشف في القرآن أي خطأ. وقد دفعني ذلك لأن أتساءل: لو كان كاتب القرآن إنساناً، كيف استطاع في القرن السابع من العصر المسيحي أن يكتب ما اتضح أنه يتفق اليوم مع المعارف العلمية الحديثة؟ إذ ليس هناك أي مجال للشك، فنص القرآن الذي نملك اليوم هو فعلاً نفس النص الأول، ما التعليل؟ إذ ليس هناك سبب خاص يدعو للاعتقاد بأن أحد سكان شبة الجزيرة العربية في العصر الذي كانت تخضع فيه فرنسا للملك داجويير استطاع أن يملك ثقافة علمية تسبق بحوالي عشرة قرون ثقافتنا العلمية فيما يخص بعض الموضوعات". "ومن الثابت فعلاً أن في فترة تنزيل القرآن، أي تلك التي تمتد على عشرين عاماً تقريباً قبل وبعد عام الهجرة (622م) كانت المعارف في مرحلة

ركود منذ عدة قرون، كما أن عصر الحضارة الإسلامية مع الازدهار العلمي الذي واكبها كان لاحقاً لنهاية تنزيل القرآن. إن الجهل وحده بهذه المعطيات الدينية والدنيوية هو الذي يسمح بتقديم الاقتراح الغريب الذي سمعت بعضهم يصوغه أحياناً والذي يقول: "إنه إذا كان في القرآن دعاوى ذات صفة علمية مثيرة للدهشة فسبب ذلك هو تقدم العلماء العرب على عصورهم وأن محمداً صلى الله عليه وسلم بالتالي قد استلهم دراساتهم. إن من يعرف ولو يسيرا تاريخ الإسلام ويعرف أيضاً أن عصر الازدهار الثقافي والعلمي في العالم العربي في القرون الوسطى لاحقٌ لمحمد صلى الله عليه وسلم لن يسمح لنفسه بإقامة مثل هذه الدعاوى الوهمية فلا محل لأفكار من هذا النوع وخاصة أن معظم الأمور العلمية الموحى بها أو المصاغة بشكل بين تماماً في القرآن لم تتلق التأييد في العصر الحديث". من هنا ندرك كيف أنَّ مفسري القرآن (بما في ذلك عصر الحضارة الإسلامية العظيم) قد أخطؤوا حتماً وطوال قرون في تفسير بعض الآيات التي لم يكن باستطاعتهم أن يفطنوا إلى معناها الدقيق. إن ترجمة هذه الآيات وتفسيرها بشكل صحيح لم يكن ممكناً إلا بعد ذلك العصر بكثير، أي في عصر قريب منا؛ ذلك يتضمن أن المعارف اللغوية المتبحرة لا تكفي وحدها لفهم هذه الآيات القرآنية، بل يجب بالإضافة إليها، امتلاك معارف علمية شديدة التنوع. إن دراسة كهذه دراسة إنسيكلوبيدية (*) تقع على عاتق تخصصات عدة، وسندرك – كلما تقدمنا – في عرض المسائل المثارة تنوع المعارف العلمية اللازمة لفهم معنى بعض آيات القرآن، ومع ذلك فليس

_ (*) أي موسوعية.

القرآن كتاباً يهدف إلى عرض بعض القوانين التي تتحكم في الكون، إن له هدفاً دينياً جوهرياً" (1) . هذه شهادة لعالم من علماء الغرب توصل إليها بعد دراسة علمية بعيدة عن الهوى. وقد وصف المستشرق الفرنسي كلود إتيان سافاري – رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقدمة ترجمته للقرآن العظيم (2) فقال: "أسس محمد ديانة عالمية تقوم على عقيدة بسيطة لا تتضمن إلا ما يقره العقل من إيمان بالإله الواحد الذي يكافئ على الفضيلة ويعاقب على الرذيلة، فالغربي المتنور وإن لم يعترف بنبوته لا يستطيع أن يعتبره من أعظم الرجال الذين ظهروا في التاريخ". وينفي المستشرق الإنجليزي توماس كارلايل – دعوى التزوير عن الإسلام ورسول الإسلام فيقول في كتابه " الأبطال وعبادة الأبطال" (3) : "لقد أصبح من أكبر العار على كل فرد متمدن في هذا العصر أن يصغي إلى القول بأن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خداع مزور، إن الرسالة التي أداها ذلك الرجل ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرناً لمئات الملايين من الناس أمثالنا، خلقهم الله الذي خلقنا". ثم يتابع ويقول: "فلو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج، ويصادفان منهم ذلك التصديق والقبول، فما الناس إذاً إلا بُلْه ومجانين، ما الحياة إلا سخف وكبت كان الأولى ألا تخلق".

_ (1) موريس بوكاي، التوراة والإنجيل والقرآن والعلم 113-118 دار الكندي- بيروت. (2) مناهج المستشرقين 1/24. (3) مناهج المستشرقين 1/25.

ويسترسل كاتب الموسوعة العبرية في التعجب من توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتهم المسلمين فيقول في الأول ص (1016) ، من المجلد (22) : "فنسبوا له مثلاً قدرته على الشفاعة وتغيير إرادة الله رغم تعارض هذا الأمر مع مفهوم" إرادة الله " التي لا مبدل لها، ومع حقيقة كون محمد بشراً كباقي البشر كما صرح هو نفسه. وجعلوا له عيداً خاصاً به يعرف بعيد مولده، وهذه بدعة غير موثوقة وغير مدعومة بفرائض أو أوامر. الشيعة بالغوا في ذلك فنسبوا لعلي صفات الأنبياء وراثياً عن محمد "عليه السلام" وتطور ذلك فرأوا الخلفاء كأئمة ليس فقط بفضل القانون بالدولة، بل أيضاً بفضل صفاتهم الطبيعية، وراثياً عن محمد "عليه السلام". وعند الصوفيين وصل محمد "عليه السلام" درجة كونه شخصية يجب الاختلاء بها تماماً كما يختلي الصوفيون مع الله. ....ولقد حُدّدت للنبي بركة خاصة به هي "عليه الصلاة والسلام من الله". ونقول: الشفاعة خصيصة ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء:79] أي اتبع هذا الذي أمرتك به لنقيمك يوم القيامة مقاماً محموداً يحمدك فيه الخلائق كلهم وخالقهم تبارك وتعالى (1) .

_ (1) ابن كثير 3/58

وفي الصحيحين عن رسول الله: "إن الناس يصيرون يوم القيامة جثياً - أي جماعة – كل أمة تتبع نبيها يقولون: يا فلان اشفع، يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله مقاماً محموداً، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم فيقول: لست بصاحب ذلك المقام، ثم بموسى فيقول كذلك، ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيشفع بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم" (1) . والأحاديث الواردة في شفاعته للخلائق بعامة ولأمته على وجه الخصوص كثيرة جداً، ساقها ابن كثير في تفسيره. (2) وهذه الشفاعة لا تعني أن محمداً صلى الله عليه وسلم له القدرة على تغيير إرادة الله تعالى، كلا وحاشا فهو مقام أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم، منحه إياه ربه وخالقه صاحب الإرادة النافذة لا مبدِّل لكلماته، يعلم ما كان وما سيكون، ولا يملك محمد صلى الله عليه وسلم أن يبدّل شيئاً مما كتب في اللوح المحفوظ، فالله تعالى علم أنه سيُخرج هؤلاء العصاة من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلم أنه سيخفف عن الناس في الموقف بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وأراد ذلك. أما المبالغة في تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يعبد من دون الله، أو يشرك معه في العبادة فقال: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله" (3) .

_ (1) البخاري –زكاة 52، مسلم الجنة 62، أحمد5/254. (2) ابن كثير 3/59-62. (3) رواه البخاري في صحيحه (6/478) كتاب أحاديث الأنبياء، ح3445.

وعقائد الشيعة من تعظيمهم لعلي رضي الله عنه وقدحهم في ما سواه من الصحابة، وما وصلوا إليه من القول بعصمة الأئمة وتفضيلهم، فهو مما يخالف عقائد أهل السنة والجماعة جملة وتفصيلاً. وليس لهم فيه نقل صحيح أو برهان صريح (وانظر للمزيد منهاج السنة النبوية للإمام ابن تيمية) فقد استفاض في الرد عليهم ودحض أدلتهم وبيَّن زيفها. أما مغالاة الصوفية وغيرهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا نحتكم فيها إلى الكتاب والسنة الصحيحة، فما وجدنا عليه من تصرفاتهم وتصوراتهم دليلاً أخذنا به، وما لم نجد عليه دليلاً حكمنا بابتداعه ورمينا به عرض الحائط؛ فإن المطلوب في صحة العبادة أن لا يعبد إلا الله تعالى، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع، والخير كل الخير في الإتباع، والشر إنما هو في الابتداع، وكل بدعة واختراع في دين الله الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إنما هي الضلالة وكل ضلالة في النار. ولقد أثنى الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56] فهذه منزلة رفيعة جعلها الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم. وفيما يتعلق بالمولد النبوي الذي عدَّه كاتب الموسوعة بدعة لا تدعمها أدلة، فيا للعجب! كيف يتخذ الكاتب من تصرفات الناس وابتداعهم في الدين حجّة على الإسلام؟ فأين المنهج العلمي الرصين في البحث؟؟

القرآن ص33 ملاحظة -2- (من المذكرة) يقول: "هناك من فسّر المقصود بجملة {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] المكتوبة على المصحف بأن المقصود؛ "المسلمون" أما غير المطهرين فهم غير المسلمين". ونقول: لقد اقتصر كاتب الموسوعة في معنى هذه الآية على بيان أن المقصود بـ"المطهرون" المسلمون، والحق أن علماء التفسير فسّروا الآية تفسيرات عديدة تبعاً لاختلافهم في تفسير "الكتاب" و "المطهرون"، فالكتاب في الآية على أحد أقوالهم هو: كتاب في السماء أو هو اللوح المحفوظ، وذهب مجاهد وقتادة إلى أنه المصحف الذي في أيدينا. (1) ومعنى "المطهرون": وذهب أنس وسعيد بن جبير إلى أنهم المطهرون من الذنوب، وهم الملائكة. وذهب أبو العالية وابن زيد إلى أنهم الذين طُهّروا من الذنوب كالرسل من الملائكة والرسل من بني آدم، فجبريل النازل به مطهر، والرسل الذين يجيئهم بذلك مطهرون. وهذا نحو قول مالك حيث قال: "أحسن ما سمعت في قوله: {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} أنها بمنزلة الآية التي في سورة "عَبَسَ وَتَوَلَّى": {فَمَن شَاء ذَكَرَهُ، فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ، مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس:12-16] يريد أن المطهرين هم

_ (1) تفسير القرطبي 17/220.

الملائكة الذين وصُفوا بالطهارة، في سورة عبس، وقيل المراد "بالكتاب" المصحف الذي بين أيدينا، وهو الأظهر. وقد روى مالك وغيره أن في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ونسخته "ألا يمس القرآن إلا طاهر" (1) ، وقال ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر" (2) . وقالت أخت عمر لعمر عند إسلامها وقد دخل عليها ودعا بالصحيفة وقرأت: {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} من الأحداث والأنجاس. وقد اختلف العلماء في مسّ المصحف على غير وضوء، فالجمهور على المنع من مسه لحديث عمرو بن حزم، وذهب أبو حنيفة في قولٍ عنه إلى أنه يمسه المحدِث، واحتج بكتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيصر. (3) أما الرأي الذي أشار إليه كاتب الموسوعة من أن المقصود بغير المطهرين المشركون، فهذا ما ذهب إليه ابن عباس الذي كان يَنْهى أنْ يُمكّن أحدٌ من اليهود والنصارى من قراءة القرآن (4) . إن تركيز كاتب الموسوعة على هذه العبارة {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} ، المكتوبة على القرآن فيه من السطحية وضيق الأفق ما فيه، فضلاً عن إظهار الإسلام على أنه دين لا يراد له الانتشار والعالمية، وأنه لا يرحب باطلاع الآخرين على مصادره.

_ (1) وهو حديث صحيح بشواهده (انظر: إرواء الغليل رقم 122) . (2) المصدر السابق. (3) تفسير القرطبي 17/225. (4) تفسير القرطبي 17/226.

كلا! فليس الإسلام أسراراً يُتَكَتّم عليها، وثقافة لطائفةٍ من الطوائف، أو فئةٍ من الفئات، إنه دين الإنسانية جمعاء، دين عالمي فطري يتسم بالسهولة واليسر والوضوح (1) . ص 34 فقرة – 1– (المذكرة) يقول: "ربما كانت كلمة" فرقان "الآرامية" خلاص، إنقاذ"، هي ذاتها المقصودة بكلمة "فرقان" العربية المذكورة في القرآن وربما كان المقصود بها هو "التوارة". ونقول: ورد لفظ الفرقان في القرآن الكريم ست مرات؛ اثنتين منها في تسمية الكتاب المنزل على موسى عليه السلام قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء:48] . وذُكِرت لفظة الفرقان في ثلاثة مواضع جاءت في وصف القرآن الكريم، وأن فيه التفريق بين الحق والباطل، قال تعالى: {هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] وقال {وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ، مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران: 3-4] وقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1] .

_ (1) وللتوسع انظر (خصائص الإسلام العام للقرضاوي) .

وذُكِرت مرة واحدة في وصف يوم "بدر": {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [الأنفال:41] . والفرقان هو القرآن، وكل ما فُرّق به بين الحق والباطل فهو فرقان، ولهذا قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء:48] (1) . وفي حديث فاتحة الكتاب: "ما أُنزل في التوارة ولا الإنجيل ولا الزبور ولا الفرقان مثلها" (2) . والفرقان من أسماء القرآن أي أنه فارق بين الحق والباطل والحلال والحرام. ومن معاني الفرقان في اللغة: الحجة، والنصر، وفي التنزيل: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [الأنفال: 41] . وهو يوم بدر؛ لأن الله أظهر دينه وَفَرّق فيه بين الحق والباطل، وقال تعالى: {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} [البقرة:53] . والفرقان هو الكتاب بعينه وهو التوارة، إلا أنه أعيد ذكره باسمٍ غير الأول تأكيداً وعَنَى به أنه يفرق بين الحق والباطل (3) .

_ (1) انظر لسان العرب مادة (فرق) . (2) تفسير القرآن العظيم ابن كثير (1/11) رواه الترمذي والنسائي من حديث أُبيّ رضي الله عنه، وقال الشيخ الألباني ـ في صحيح الجامع الصغير (2/975) رقم 5560 ـ ((صحيح)) . (3) القرطبي 17/399.

وسمى الله تعالى الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فرقاناً وسمّى الكتاب المنزل على موسى عليه السلام فرقاناً، والمعنى أنه تعالى فرّق بكل واحد منها بين الحق والباطل (1) . إن كاتب الموسوعة العبرية لا يزال يُردِّد أقوال المستشرقين فيما يتعلق بنظرتهم إلى القرآن الكريم حين يردد مزاعم بروكلمان: ص 41 الفقرة -1- (من المذكرة) : "العلم الغربي (الاستشراق) يرى بالقرآن ثمرة نتاج وشخصية محمد" وفي الصفحة (43 الفقرة 2 من المذكرة) يَستمر في نقل مزاعم بروكلمان: "كُتِبت السورة بضمير المتكلم، المتكلمُ هو إما الله أو محمد بلسان الله". ومن مزاعم بروكلمان أيضاً قوله: وتنصَبّ أقوال بروكلمان على نسبةِ القرآن إلى محمد (انظر الشعوب الإسلامية ص 1) . وللرد عليهم نقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمياً لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وقد تحدى الله المشركين بذلك فقال: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48] ، وقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ

_ (1) انظر لسان العرب مادة (فرق) .

الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] . وكان محمد صلى الله عليه وسلم قد أخبر قومه برسالة الإسلام بعد ما خَبَروه وعرفوه، وتجلت لهم أخلاقهُ وكان ذلك بعد سن الأربعين. وتحداهم ببلاغة القرآن وإعجازه: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88] . وقال: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 23-24] . ومما يدل على أن القرآن ليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم: عتابُ الله لنبيه فقد كان الله تعالى يعاتبه، ومن ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1] ، وتأمل عتاب الله له في قصة زيد بن حارثة وزينب بنت جحش: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} [الأحزاب:37] ، وفي قصة ابن أم مكتوم يقول الله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَن جَاءهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى، أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى، فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى، وَمَا

عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى، وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى، وَهُوَ يَخْشَى، فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس: 1-10] . وقال تعالى في قصة صلاته على المنافق عبد الله بن أبي بن سلول: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} [التوبة: 84] . ولو كان القرآن من عنده هل تراه وهو بَشَرٌ يعاتِب نَفسَه بمثل ذلك؟! وفي قصة أسرى بدر استمع إلى قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [الأنفال: 67] . {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة:44-47] . وتفيد هذه الآيات، أن محمداً صادق فيما أبلغهم، وأنه لو تقوَّل بعضَ الأقاويل التي لم يوح بها إليه لأخذه الله فقتله على هذا النحو الذي وَصَفتْه الآيات، ولما كان هذا لم يقع فهو لا بد صادق. وتأمل الحركة التصويرية للآيات؛ الأخذ باليمين، وقطع الوتين، حركة عنيفة هائلة مروّعة حية في الوقت ذاته، ووراءها الإيمان بقدرة الله العظيمة، وعجزُ المخلوق البشري أمامها وضعفُ البشر أجمعين (1) . ثم إن هذا القرآن جُمع جمعاً متواتراً، كتبه الصحابة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسطور وحفظوه ووعوه بالصدور ولا يشك في قطعية ثبوته أحدٌ.

_ (1) في ظلال القرآن 6/3689.

الوحدة الموضوعية في القرآن

الوحدة الموضوعية في القرآن: يقول في (ص 43 الفقرة -1- من المذكرة) "غالباً ما تكون السورة لبعض الموضوعات التي ليس بينهما علاقة مباشرة. هناك سُور كثيرة مكونةٌ من قِطع تمّ جمعها بعضها إلى بعض – كما يبدو- في فترات مختلفة. ونقول: إن هذه الدعوى أن السورة في القرآن تشتمل على مجموعة من الموضوعات لا رابط بينهما، فالوحدة الموضوعية بين موضوعات السورة الواحدة منعدمة. وهذه الدعوى تصدر في الحقيقة عمن لا يتأمل القرآن ولا يتدبر آياته، إذ لو تدبره لوجده مترابط المعاني متحد الموضوع، وتأمل معي ظاهرة تبدو لنا في القرآن المكي والمدني وهي: وجود آيات مدنية في سورة مكية، وآيات مكية في سورة مدنية، أي أن هناك آيات أنزلت في المدينة ولكنها ألحقت بسور مكية وآيات أنزلت في مكة ولكنها ألحقت بسور مدنية. ففي سورة القصص - وهي مكية - آية نزلت بالجحفة في أثناء الهجرة، وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] وآية في سورة محمد - وهي مدنية - نزلت في الطريق أثناء الهجرة، وهي قوله تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} [محمد: 13] وآية في سورة البقرة نزلت بمنى

في حجة الوداع، وهي قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [البقرة:281] . والذي يُلفت النظر أن مكان نزول الآية لم يكن هو الذي حدد موضوعها في المصحف، الآية الأخيرة من سورة المزمل المكية: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} [المزمل:20] ، تنزلت في المدينة ثم أُلحقت بسورةٍ مكيةٍ قبل ذلك بعشر سنوات أو أكثر. إن هذا الانتخاب والتداخل إنما يدل على شيء واحد ألا وهو الوحدةُ الموضوعية لكثير من سور القرآن. وقد تكلم على الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم أئمةٌ يُعتد بكلامهم، منهم الإمام الشاطبي حيث قال: "إن بعض سور القرآن الكريم لكل سورة منها موضوعٌ واحد والبعض الآخر له أكثر من موضوع" (1) وصنف الإمام المفسر برهان الدين البقاعي (ت:885هـ) كتاباً وَسَمه بـ (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) أثبت فيه أن القرآن وحدةٌ مترابطة، وأن هذه الوحدة تسري بين سُوره وآياته؛ وقال في المقدمة: "إن اسم كل سورة مُتَرجِم عن مقصودها؛ لأن اسم كل شيء يُظهر المناسبةَ بينه وبين مسماه، عنوانُه الدالُّ إجمالاً على تفصيل ما فيه ... فأذكر المقصود من كل سورة، وأربط بينه وبين اسمها وأفسر كل بسملة بما يوافق مقصود السورة" (2) .

_ (1) الشاطبي، الموافقات 3/279. (2) البقاعي، نظم الدرر 1/18- 19.

ولو تتبعنا العلماء المعاصرين لوجدناهم قد انتهوا إلى إثبات الوحدة الموضوعية في كل سورة من سور القرآن. يقول محمد عبد الله دراز وهو يتعرض لإعجاز القرآن:" وإن هذه المعاني تتسق في السورة كما تتسق الحجرات في البنيان ... بل إنها لتلتحم فيها كما تلتحم الأعضاء في جسم الإنسان، فبين كل قطعة وجارتها رباط موضعي من أنفسها، كما يلتقي العظمان عند المفصل ... ومن وراء ذلك كله يسري في جملة السورة اتجاه معين، وتؤدي بمجموعها غَرضاً خاصاً " (1) . ولو تأملنا صنيع سيد قطب في تفسيره في ظلال القرآن لوقفنا بأنفسنا على الترابط والتلاحم بين أجزاء السورة الواحدة، يقول عن سورة البقرة: "هذه السورة تضم عدة موضوعات، ولكن المحور الذي يجمعها كلها محور واحد " (2) ويقول عن سورة آل عمران:" ألا إنّ لكل سورة من سور القرآن شخصيتها الخاصة وملامحها المميزة ومحورها الذي تشد إليه موضوعاتها جميعاً" (3) . إن ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم، وقد انعقد إجماع العلماء على ذلك، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر كَتَبَة الوحي بكتابة الآية في موضعها ويقول لهم: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، أو ضعوا آية كذا في موضع كذا (4) .

_ (1) دراز، محمد عبد الله، النبأ العظيم 154-155. (2) سيد- قطب، في ظلال القرآن 1/28. (3) المصدر السابق 1/555. (4) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن ج1 ص60.

عن عثمان بن أبي العاص قال: "كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شخص ببصره ثم صوبه، ثم قال: "أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية في هذا الموضع من هذه السورة {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى} (1) . إن جمع القرآن أي كتابته عن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ في اللحظة الأولى لتنزّل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم ثم إن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما اتفقا على تكليف زيد بن ثابت بجمع القرآن وتتبعه من العسب واللِّخاف، وصدور الرجال. وقد راعى زيد بن ثابت الدقة والتثبت في الكتابة والجمع فكان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة (2) .

_ (1) أخرجه أحمد (4/218) وإسناده حسن. (2) مناع القطان، مباحث في علوم القرآن 126.

القرآن منهج الله لهداية العباد نزل منجما ومكانة القصص في القرآن

القرآن منهج الله لهداية العباد نزل منجّماً ومكانة القصص في القرآن: يقول في ص 38 الفقرة الثانية (من المذكرة) : "السُور القرآنية المدنية تعكس التغيير الذي حَصل لمحمّد بعد الهجرة إلى المدينة حيث أصبح قائداً سياسياً وعسكرياً بعد أن كان مطارداً.." ويقول في ص 38 الفقرة الأخيرة (مذكرة) : "بعد الحروب الأولى تطوّرت أحكام الجهاد والغنائم وغيرها في السور المدنية ونرى بذلك كيف تطوّرت الديانة الإسلامية لتصبح عربية مستقلة. كما نسمع في السور المدنية صدى الأحداث التي جرت في حياة النبي الخاصة ونجد قصصاً قديمة وخاصة قصص التوراة والحكايات الدينية المعروفة وغير المعروفة، كقصص شاؤول وداود لحث المسلمين على القتال. وفي هذه القصص الكثير من عدم الدقة النابع - ليس فقط من دمجها مع الحكايات الدينية المتأخرة، وإنما أيضاً نابع من عدم فهم، أو عدم معرفة، مما أثار سخرية يهود المدينة". ونقول: إن عدم الإيمان بأن القرآن وحي من لدن الله تعالى أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، يدفعُ مؤلف الموسوعة إلى التعامل مع القرآن على أنه انعكاسات للأوضاع والظروف المتجددة، لقد أوحى الله بهذا الكتاب إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليهدي الإنسانية إلى المحجة البيضاء، فالقرآن كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، المتعبد بتلاوته.

وللقرآن تنزلان؛ الأول: نزوله جملة واحدة في ليلة القدر إلى بيت العزة من السماء الدنيا، عن ابن عباس قال:" أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر" (1) . والثاني: نزولهُ من السماء إلى الأرض مفرقاً في ثلاث وعشرين سنة، قال الله تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً} [الإسراء: 106] . ودعوى "التطور" المنسوبة للآيات بقوله: "تطورت أحكام الجهاد والغنائم وغيرها في السور المدنية" دعوى مخالفة لكيفية تنزل القرآن الكريم من الله تعالى، وهي تُغْفل جانباً هاماً من الجوانب ألا وهو "أسباب النزول" يعني: تنزل القرآن وفق الأحداث، وقد اعتنى الباحثون في علوم القرآن بمعرفة"أسباب النزول" ولمسوا شدة الحاجة إليه، وفي ضوئه يمكن تحقيق إصابة التفسير للآية الكريمة، وكشف الغموض الذي يكتنف بعض الآيات. ولا شك أن من القرآن ما هو مكي ومنه ما هو مدني، وقد عُني العلماء بتحقيق المكي والمدني عناية فائقة، فتتبعوا القرآن آية آية وسورة سورة، فصنفوا الآيات المكية والمدنية بل توصلوا إلى حصر الآيات المكية في السور المدنية، والآيات المدينة من السورة المكية ... (2) ومن أهم خصائص القرآن الذي تنزل في الفترة المدنية أنه يُعنى ببيان العبادات والمعاملات والحدود ونظام الأسرة والعلاقات الدولية في السلم

_ (1) أخرجه الحاكم في المستدرك (2/222) كتاب التفسير وصححه على شرط البخاري ومسلم، ووافقه الذهبي، وكذا رواه النسائي في فضائل القرآن، 69ح15، وصحح إسناده د/ فاروق حمادة - محقق الكتاب - وهو كما قال، ولكنّه من قول ابن عباس - رضي الله عنهما – إلاّ أن مثله يكون له حكم الرفع والله اعلم. (2) راجع جهود العلماء في ذلك من خلال كتب علوم القرآن وانظر (مباحث في علوم القرآن ص54-64) .

والحرب وقواعد الحُكْم ومسائل التشريع، ويخاطب أهل الكتاب من اليهود والنصارى ويدعوهم إلى الإسلام ويبيّن تحريفهم الكتب السماوية وتجنّيهم على الحق. ونجد القصص الكثير في القرآن المدني والمكي، ومن أغراض القصة الإشارة إلى وحدة الأديان السماوية، وبيان أن الدين كله من عند الله، وأن المؤمنين كلهم أمة واحدة، والله الواحد هو ربُّ الجميع: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92] . وبيان مدى الترابط الوثيق بين الشرائع والأديان جميعاً: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13] . وبيان أنّ النصرَ للرسل والهلاك للمكذبين، وفي ذلك تقوية للأنبياء والمرسلين ولأتباعهم بأنّ العاقبة لهم. إننا لا نجد فيما قصّه الله علينا معنىً غامضاً أو مبهماً، بل كثيراً ما نجده يكرر لنا القصة ليرشدنا إلى مواطن العظة والعبرة في حياة كل رسول؛ لنقتدي بهم في سيرتهم وأخلاقهم الطاهرة {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [يوسف:111] . ولقد كان للتكرار حكمتُه البالغة وإشارته الدقيقة المفهومة الدالة على إعجاز القرآن.

ولعل دافع هذا الاتهام - عدم الفهم وعدم المعرفة - في موضوع قصص القرآن هو أن القرآن أكثر من الحديث عن "بني إسرائيل" وأفاض في ذكر حوادثهم ووقائعهم وفضائحهم ليأخذ الإنسان العبرة من حياة هذه الأمة التي قابلت النعمة بالجحود والإحسان بالعصيان، وما كان منهم بعد الجميل الذي قدّمه الله إليهم من نجاتهم من عدوّهم، وهلاك فرعون إلا أنْ عبدوا العجل وتنكروا لدعوة نبيهم وقتلوا الأنبياء واعتدوا في السبت وكانت نهايتهم أن مسخهم الله قردة وخنازير وغضب عليهم ولعنهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [البقرة:61] . ونقلت لنا الآيات أخباراً عن بني إسرائيل وكيف أنهم تطاولوا على ذات الله واتهموه بأنواع من الاتهمات الشنيعة، ورموه بالعجز والظلم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء} [المائدة: 64] . إن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] .

النسخ

النسخ: وفي (ص44 الفقرة الأولى من المذكرة) يقول: "لا يوجد اتفاق تام بين الباحثين الغربيين ولا بين المسلمين أنفسهم بالنسبة للسؤال التالي: لأي فترة تتبع الآيات القرآنية المختلفة بعضها عن بعض بفحواها وأسلوبها؟ ومن أجل تسوية الصعوبة النابعة من التناقض بين الآيات المختلفة، طوّر المسلمون نظرية "النسخ" حيث تلغي الآيات المدنيةُ المتأخرة فعالية الآيات المكية القديمة" ونقول: إنه لابد من توضيح معنى النسخ قبل دحض هذه الفرية. إن نظرية النسخ التي يزعم كاتب الموسوعة أن المسلمين طوروها تعني: رفع الحكم الشرعي بخطاب شرعي، والناسخ هو الله تعالى، والمنسوخ هو الحكم المرتفع، ويُشترط في النسخ ثلاثة شروط هي (1) : 1- أن يكون الحكم المنسوخ شرعياً. 2- أن يكون الدليل على ارتفاع الحكم خطاباً شرعياً متراخياً عن الخطاب المنسوخ حكمه. 3- ألا يكون الخطاب المرفوع حكمه مقيداً بوقت معين. ودليل النسخ قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة:106] . (1) مناع القطان، مباحث في علوم القرآن 232.

ولمعرفة الناسخ والمنسوخ طرقٌ لا بد منها: أولها - النقلُ الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وثانيها - إجماع الأمة على أن هذا ناسخ وهذا منسوخ. وثالثها - معرفة المتقدم من المتأخر في التاريخ. ولا يعتمد في النسخ على الاجتهاد، أو قول المفسرين، أو التعارض بين الأدلة ظاهراً، أو تأخر إسلام أحد الراويين. ومن الناحية العقلية فإن النسخ جائز عقلاً فالله تعالى له أن يأمر بالشيء في وقت وينسخه في وقت آخر وهو أعلم بمصالح العباد. وموقف اليهود من النسخ أنهّم ينكرونه ويزعمون أن القول بالنسخ يقتضي القول بالعبث على الله، بمعنى أن يكون لحكمةٍ ظهرت ولم تكن ظاهرة من قبل وهذا يستلزم سبق الجهل! والحق أن كلاً من حكمة الناسخ وحكمة المنسوخ معلومة لله تعالى من قبل، فلم يتجدد علمُه بها، وهو سبحانه ينقل العباد من حكم إلى حكم لحكمة. واليهود أنفسهم يعتروفون بأن شريعة موسى ناسخة لما قبلها، وجاء النسخ في نصوص التوراة، كتحريم كثير من الحيوان على بني إسرائيل بعد حله، قال الله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93] . فليس النسخ نظرية ابتكرها المسلمون لحل إشكال التعارض والتضارب بين الآيات، بل مشروعية النسخ كما تقدم ثابتة بالقرآن والسنة والعقل.

السنة

السنة: وتحت مادة "السنة" صفحة 967-968 المجلد الرابع يزعم الكاتب أنه يمكن تشبيه السنّة من جهة طابعها "بالمدراش التشريعي" في الديانة اليهودية "والأغاداة" أي قصص حكماء اليهود - بل يرى أن السنة أكثر شبهاً بهذين الأمرين من المشناة والغماراة. ويقول"السنة مكونة من وحدات صغيرة: وهي الحديث، والإسناد، والمتن. إن الاختلاف بين علماء الحديث أدى إلى التشكيك بصحة أحاديث كثيرة. وبالفعل فإن الحديث كان بمثابة شكل أدبي لاستحداث تشريعات جديدة. إننا نلمس تأثيرات يهودية "مسيحية" وأخرى على "الحديث" بأماكن كثيرة، ونجد التأثير بأخذ أقوال حكماء اليهود وعيسى ونسبتها إلى محمد، ومن هنا تطور فرع خاص هو قصص الأنبياء. قصص الأنبياء تشمل؛ حياتهم، وهي مكونة من مواد مأخوذة من التوراة، المدراش، والإسلام. إن شكل الحديث أيضاً يدل على تأثير يهودي بارز". ورداً على ذلك نقول: لابد أن نُعَرِّف بالمدراش والأغاداة قبل توضيح حقيقة السنة ومفهومها لدينا.

إن "المدراش" مقطوعة أدبية تشتمل على نص من التوراة مع تعليقات لحكماء اليهود، وتشتمل المدراش على الإسناد أحياناً، وإنما المقصود منها العبرة والعظة. "والأغاداة" تشتمل على جانب قصصي أكثر، وبسبب هذه الميزة لا نجدها تتمتع بدقة المعلومات، لكن المقصود منها إنما هو العبرة والعظة. وكلا هذين الأمرين - المدراش والأغاداة - يبحث في الأشياء غير المفهومة في نص التوراة، ويعطي أجوبة حسب اجتهادات حكماء اليهود، كالبحث في تحديد ماهية الشجرة التي أكل منها آدم عليه السلام.... ونتسائل أي شَبَهٍ يُعْقد بين السنة النبوية الشريفة وبين هذين الشكلين من أشكال التراث الديني عند اليهود؟! إن السنة مصطلح له دلالات عديدة بحسب اختلاف مناهج العلماء، فقد استعملت بمعنى تعاليم الشريعة الإسلامية، وما كان عليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أما إذا كان العمل مخالفاً فيقال عنه "بدعة". والسنة عند المحدثين هي أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته الخَلْقية والخُلُقية، وسيره ومغازيه وبعض أخباره قبل البعثة. وما يهم المحدثين هو رصْد كل ما يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتصف به. أما الأصوليون فعنايتهم متجهةٌ إلى ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم - غير القرآن - من الأقوال والأفعال والتقريرات، وتعريفهم للسنة مبني على عنايتهم بالدليل. والفقهاء يعدون السنة ما سوى الافتراض والوجوب بمعنى النافلة, أو المندوب.

أما الحديث – لغةً – فهو: ضد القديم، وفي الاصطلاح: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعل أو تقرير أو صفة خُلقية أو خَلقية، وعليه فالحديث مرادف للسنة. والسنة بهذا المفهوم هي الأصل الثاني للإسلام، وهي وحي من الله تعالى إلى رسوله أمره أن يبلغه إلى الناس: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة: 67] . إن هذا التبليغ هو مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووظيفته: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم - بما أوحى الله إليه – يفصّل مجمل القرآن، ويبين مُشكِلَهُ ويُقَيِّد مطلقه، هذه هي العلاقة الوثيقة التي تربط بين القرآن والسنة، فكلاهما وحي من الله؛ القرآن وحي متلو، والسنة وحي غير متلو: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4] . بل إن السنة النبوية تستقل بتشريع بعض الأحكام؛ فقد جاءت فيها أحكام شرعية لم يذكرها القرآن، مثل تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، أو خالتها، وتحريم الذهب للرجال، وتحريم الوشم، ووصل الشعر، وتحريم لحوم الحمر الأهلية ... وغير ذلك. وهل السنة – كما يقول – مكونة من وحدات صغيرة هي الحديث والإسناد والمتن؟ الحديث عرَّفنا به، أما الإسناد فهو شطر الحديث الذي يضمن التوثيق له والعناية به، وكما قال علماؤنا: "لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"، وقد

كان المحدِّثون من التابعين يُعْنَوْن بالإسناد ويسألون عنه في الأحاديث، فإذا كان الرواة ثقات حملوا عنهم، وإن كانوا غير ذلك تركوا حديثهم. أما المتن فهو شطر الحديث المتعلق بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله أو تقريره وهو من الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن المعنى العام من وحي الله تعالى. إن هذه الأحاديث ثابتة النسبة إلى رسول الله وليست من وضع أصحابه كما يعتقد المستشرقون، فكلُّ تشريع جديد تحمله، فإنه تشريع رب العالمين بلّغه إلى محمد فحَمله عنه الصحابة بأمانة ودقة.

الخاتمة

الخاتمة: الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فهذا ما تيسر لي من رد على مزاعم كتّاب الموسوعة العبرية فيما يتعلق بالإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد تبين لي ما يلي: - إن الدراسة العلمية المتجردة عن الأهواء والشهوات، المنعتقة من أغلال التقليد، كفيلة أن تكشف الحقيقة كاملة. - وعند تناول الإسلام بالفهم لأصوله ومنهجه ونظامه، لابد من ربطه بالوحي وبرسالات السماء السابقة له، ولابد من الإلمام بتفصيل عن شخصية محمد صلى الله عليه وسلم، وبغير هذا المنهج الذي ينظر إلى الأديان السماوية على أنها قانون الله في حكم الإنسان وصلاحه – بغير هذا المنهج للدارس أن يتصور الشريعة الإسلامية قانوناً معلقاً بين السماء والأرض، وليس له نسب يشدّه إلى السماء ولا جذور تربطه بإحدى أمم الأرض، ولربما ألجأه اجتهاده إلى إقحام تصورات تنسب الإسلام إلى اليهودية تارة، أو إلى القانون الروماني تارة أُخرى أو إلى النصرانية تارة ثالثة. - إن المستشرقين في بحثهم لم ينظروا نظرة إنصاف إلى ظاهرة "الوحي والنبوة "، بل تعاملوا معها على أنها حالة نفسية اعترت عظماء التاريخ، فضلَّ المستشرقون بذلك وأضلوا. - إن مقولات المستشرقين ومزاعمهم "العلمية"! لا تنطلي على العقل المسلم ولا تلقى لديه رواجاً، هذا العقل الذي نهل من الثقافة الإسلامية من

منابعها الأصلية منطلقاً من قناعة بها، ويقينه بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاء الرسالة. - ولا بد من كلمة أخيرة تقال: إن تراث الإسلام ناصع نظيف، فينبغي لليد التي تحمله، أو تتناوله للبحث فيه أن تكون يداً نظيفة أمينة عليه. والله ولي التوفيق.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي، دار التراث القاهرة. أحكام القرآن، محمد بن عبد الله دراز، المكتبة العلمية بيروت. الاستشراق رؤية إسلامية د. أحمد غراب. الاستشراق، المعرفة، أدوارد سعيد، مؤسسة الأبحاث العربية، ط أولى 1981م. الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع، محمود حمدي زقزوق، مؤسسة الرسالة كتاب الأمة، ط الثانية. اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، للإمام – أحمد بن تيمية – دار الحديث. تدريب الراوي شرح تقريب النواوي، السيوطي، تحقيق – عبد الوهاب عبد اللطيف – القاهرة ط أولى 1379? -1959م. تفسير القرآن العظيم – أبو الفداء إسماعيل بن كثير- دار الفكر. التفسير الكبير – فخر الدين الرازي – دار الفكر بيروت. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد – ابن عبد البر- المركز الإعلامي القاهرة. جامع البيان عن تأويل آي القرآن – محمد بن جرير الطبري – بيروت دار الفكر (1988م) . الجامع الصحيح "صحيح البخاري"، ط- فتح الباري- محمد فؤاد عبد الباقي، مكتبة الرياض الحديثة.

الجامع الصحيح "صحيح مسلم" تحقيق – محمد عبد الباقي – بيروت. جميع الرسل كان دينهم الإسلام – لابن رجب الحنبلي –. الدر المنثور – جلال الدين السيوطي – بيروت دار الكتب العلمية، 1990م. دلائل النبوة – أحمد بن الحسين البيهقي – دار الريان القاهرة 1408?،1988م. الرحيق المختوم – صفي الرحمن المباركفوري – دار الوفاء المنصورة ط7 1990م. السنن لابن ماجه – محمد بن يزيد القزويني – المكتبة العلمية بيروت – ت محمد فؤاد عبد الباقي. سنن أبي داود – سليمان بن الأشعث السجستاني – الدار المصرية القاهرة 1988م. سنن الترمذي المسمى الجامع الصحيح – محمد بن عيسى الترمذي – دار الحديث القاهرة ط، ثانية ت فؤاد عبد الباقي. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي – مصطفى السباعي – المكتب الإسلامي، ط 1978م. السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة – محمد أبو شهبة – دار القلم دمشق، 1409?، 1988م. شرح السنة – الحسين بن مسعود البغوي، المكتب الإسلامي بيروت ط:3، 1983م.

الشفا بتعريف حقوق المصطفى – عياض بن موسى اليحصبي- مكتبة الفاربي دمشق (ت) محمد أمين قره علي. الفتاوى الكبرى – أحمد بن تيمية – دار القلم / بيروت ط 1/1987م. العقيدة الإسلامية وأسسها – عبد الرحمن حسن حبنكة – دار القلم دمشق ط 5/1408?/1988م. العقيدة والشريعة في الإسلام – جولد تسيهر – ترجمة الدكتور محمد يوسف مرسي وآخرين، دار العربي ط الثانية 1959م. في ظلال القرآن – سيد قطب- دار الشروق ط 15 /1989م. القرآن والتوراة والإنجيل والعلم – مورس بوكاي – دار المعارف. لسان العرب – جمال الدين بن مكرم ابن منظور /دار صادر/ بيروت. مباحث في علوم القرآن – مناع القطان – مؤسسة الرسالة /ط17/1411? 1990م. مجمع الزوائد –نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي – مؤسسة بيروت 1403?1986م. المجتمع المدني في عهد النبوة - د. أكرم ضياء العمري/ط1 1403?-1983م. المستدرك على الصحيحين – للحاكم – وبذيله التلخيص للذهبي، دار الكتاب العربي. المسند – للإمام أحمد – وبهامشه منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للمتقي الهندي، ط/المكتب الإسلامي. المصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني – منشورات المجلس العلمي – بيروت.

المعجم المفهرس لألفاظ القرآن – محمد فؤاد عبد الباقي – دار الفكر بيروت 1407?-1987م. منهاج المستشرقين، صادر عن مكتب التربية لدول الخليج. الموافقات في أصول الشريعة – أبو إسحاق الشاطبي دار المعرفة بيروت. النبأ العظيم، محمد عبد الله دراز، دار القلم، الكويت. نظم الدرر، لبرهان الدين البقاعي. مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة – محمد حميد الله – دار النفائس – بيروت ط6 /1407?/1987م.

§1/1