ردع الإخوان عن محدثات آخر جمعة رمضان
اللكنوي، أبو الحسنات
حُقوُق الطبع محفُوظة الطبعة الأولى في لكنو من الهند سنة 1303 الطبعة الثانية في لكنو أيضًا سنة 1337 الطبعة الثالثة وهي المحققة في بيروت سنة 1420 هـ - 1999 م دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع هاتف: 702857 - فاكس: 704963/ 009611 بيروت - لبنان ص ب: 5955/ 14 e-mail: [email protected]
تقدمة المعتني بالكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم تقدمة المعتني بالكتاب الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسلامُ على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، ورضي الله عن أصحابِهِ الغُرِّ الميامين، الهداة المهديّين، ومن تبعهم بإحسان من العلماء العاملين، الذين حملوا راية العلم بعزيمة ويقين، ونفوا عنه تحريف الغالين، وتأويل المُبْطلين، وبدَع الجاهلين. وبعد؛ فهذه رسالةٌ لطيفة من رسائل نابغة المتأخِّرين الإِمام المحقِّق المدقِّق، الفقيه المحدث، الشيخ محمَّد عبد الحي اللكنوي الهندي، المولود سنة 1264، والمتوفى سنة 1304 عن 39 سنة وأربعة أشهر رحمه الله تعالى، وأكثر من 115 أثر علمي ما بين رسالة صغيرة في صفحات وكتاب ضخم في مجلدات، في أصعب المباحث وأدق الموضوعات. وقد تميَّز في هذه الرسالة كشأنِهِ في سائِر مباحثِهِ وآثاره العلمية الثمينة باستيعاب الأدلة، وكثرةِ الشواهد، ونُدْرة النقول، مع التحلِّي بالإِنصاف الذي هو من أجمل الأوصاف.
سبب تأليفه للرسالة ومجمل مواضيعها
سبب تأليفه للرسالة ومُجْمل مواضيعها: أَبَانَ المؤلِّف في مقدمة رسالته "رَدْع الإِخوان عن مُحْدَثات آخر جمعةِ رمضان" أنَّه ألَّفها حمايةً للسُّنَّة النبويَّة، وتحذيرًا من بدعٍ أحدثها بعض الناس في آخر جمعة شهر رمضان. وقد حذَّر فيها من بعض البدع المُحْدَثة، وحقَّق ما لها وما عليها، وما جَازَ منها وما لم يجز. والذي دعاه إلى تأليف هذه الرسالة أنَّ أحد تلامذته النابهين، وهو العالم الجليل أبو الطيِّبات أحمد عبد الله السَّكندرفوري الهَزَاروي الذي لازمه مدة، واستفاد منه، حدَّثه عن بدعة منتشرة في بلد، يقوم بها العوام، بل بعض خواص أهل العلم!! هذه البدعة هي القضاء العُمُري تكفيرًا لقضاء ما فاتهم من الصلاة في جميع العمر، وذلك بأداء أربع ركعات نفلًا مع الجماعة تداعيًا قبل صلاة آخر جمعة من رمضان، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل ويحسبون أنها كفارة لفوائت آبائهم وأجدادهم!! وقد أطلعه تلميذه المذكرر على نقولٍ من كتب الوعظ والأوراد تحثُّ على هذا القضاء المزعوم، وطَلَبَ منه وألحَّ عليه أن يؤلِّف رسالةً في التحذير من هذه البدعة الشنيعة. فقام رحمه الله تعالى بهذه المهمة أحسن قيام، وردَّ هذه البدعة ردًّا لم يُبْق فيه شبهة لقائل، ولا متمسكًا لعامل بها. فقد سَرَد أقوال المتمسِّكين بهذه البدعة من كتبهم، وبيَّن أن صنيعهم
من أقبح البدع من ستة وجوهٍ فصَّلها بأدلتها وشواهدها، وناقشهم في كل ما استدلوا به من شبهٍ واهية، ونثر في رده كثيرًا من الفوائد والفرائد. ويعدُّ تحذيره من هذه البدعةِ هو محور الكتاب، وشغل قرابة ثلثي الرسالة. وقد نقل ما يتعلق بهذا المبحث من هذه الرسالة أستاذنا العلامة المحقِّق المحدِّث الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى في "تعليقاته الحافلة على الأجوبة الفاضلة" ص 31 - 34، وقال في ختام نقوله: "هذه النقول لو شدَّ طالبُ العلم الرَّحْل إليها شهرًا كاملًا لكان ذلك جديرًا بها، فإنَّها لُباب الحق، ومحضُ النُّصح والصدق، فلهذا أطَلْتُ بها، فرحم الله الإِمام اللكنويَّ، وجزاهُ عن العلم والدين خيرًا". وبعد ردِّه هذه البدعة باستيفاء وتفصيل، حذَّر من بدعة ثانية، وهي: حفيظة رمضان التي يكتبها بعض الناس في آخر جمعة رمضان أثناء خطبة الخطيب، بدعوى أنَّها تحفظُ من الغَرَق والحَرَق والسَّرَق وسائر الآفات!! فردَّ هذه البدعة، ونقلَ كلام الكثير من أهل العلم في التحذير منها. وأما البدعة الثالثة، فهي: تسمية الجمعة الأخيرة من جمعات رمضان بجمعة الوداع. وبيَّن أنَّ هذه التسمية وإن لم يَرِدْ بها كتابٌ ولا سنَّة، فلا بأس بها, وليس في أمثال هذه التسمية ابتداء أمر غير مشروع، أو اختراع أمر ممنوع. وأما البدعة الرابعة: فهي في التحذير من إيراد الأشعار الفارسية، والهندية في خطبة آخر جمعة رمضان، أو قراءة الخطبة بغير العربية؛ لأنَّه خلاف السنَّة المتوارثة. وأما الأمر المُحْدَث الخامس: فهو ما اشتهر في أكثر البلاد من
تضمين خطبة الجمعة الأخيرة من المعاني والألفاظ الدالَّة على التحسُّر والحزن بذهاب ذلك الشهر. ووقف في تحذيره من هذه البدعة موقف الإِنصاف بين المتشدِّدين المانعين، والمتساهلين المجوِّزين. فهناك فرقةٌ منعتْ مثلَ هذه الخُطَب، واعتبرتها بدعةً مُحْدثة؛ لأنها لم تنقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فردَّ هذا القول، بأنَّه لا يختص بخطبة الوداع، بل يجري في كلِّ خطبة صنَّفها الخطباء بعباراتٍ جديدة لم تنقل عن صاحب الرسالة - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّه يلزم منه حَصْر الخطب في الخطب المنقولة عن أصحاب القرون الثلاثة الأولى. وبين أن المقصود من الخطبة: التذكير والتخويف وتعليم الأحكام، سواء كانت ألفاظه ومعانيه مأثورة أو مُحْدَثة، على أن لا تفوِّت الألفاظ والمعاني الجديدة مقصود الخطبة ووضعها. وأما الفرقة الثانية المُتَساهلة التي بالغت في تجويز خطبة الوداع والتزمته، حتى أدَّى إلى ظنِّ ما ليس من الشرع من الشرع، وما ليس بسنَّةٍ من السنَّة، فبيَّن أن الأوْلى الاتباع لطريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فإن الخير كلَّه في الاتِّباع. وبهذا ختم رسالتَهُ النافعة، وحقَّق فيها بنَصَفة واعتدال، متجنِّبًا الإِفراط والتفريط. وهو مما منحه الله تعالى ووفقه إليه، كما يقول في ترجمته لنفسه في مقدمة كتابه "النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير" (¬1) مُعدِّدًا نعم الله تعالى عليه: ¬
كلمة عن أصول الرسالة وعملي فيها
"ومن منحه تعالى: أنَّه جعلني سالكًا بين الإِفراط والتفريط، لا تأتي مسألةُ معركةِ الآراء بين يدي إلَّا أُلهمت الطريق الوسط فيها". انتهى. ويقول في كتابه "ظَفَر الأماني" (¬1) في مبحث الحديث الموضوع واختلاف الحفاظ فيما بينهم ووجوه المرجِّحات: "وإني أحمد الله حمدًا متواليًا، وأشكره شكرًا متتاليًا على أن وفقني للتوسُّط في جميع المباحث الفقهية والحديثية، ورزقني نظرًا وسيعًا وفهمًا رفيعًا، أقْتَدر به على الترجيح فيما بين أقوالهم المتفرِّقة، ونجَّاني من بليَّة تقليد المشدِّدين والمتساهلين تقليدًا جامدًا، واختيار قولِ إحدى الطائفتين -من دون تبصُّر وتفكُّر- اختيارًا كاسدًا. لا أقول هذا تكبُّرًا وفخرًا، بل تحدُّثًا بنعمة الربِّ وشكرًا, ولربي عليَّ مننٌ مُختَصَّةٌ، لا أقْدِرُ على عَدِّها، ونعمٌ متكثرةٌ، لا يمكن مني حَصْرُها، فشكري هو العَجْزُ عن أداءِ شكرها، وأرجو من ربي دَوَامَها وذُخرها". كلمة عن أصول الرسالة وعملي فيها: طُبِعت هذه الرسالة في الهند طَبْعَا حَجَريًّا قديمًا، وتيسَّر لي الوقوف على طبعتين: الطبعة الأولى صَدَرت في حياة المؤلف ضمن مجموعة من رسائله النفيسة، عُرِفت باسم مجموعة الرسائل الخمس، وهي: 1 - ترويح الجَنان بتشريح حكم شرب الدخان. ¬
2 - ردع الإِخوان عن محدثاتِ آخر جمعةِ رمضان -وهي التي بين يديك-. 3 - آكام النفائس في أداء الأذكار بلسان الفارس. 4 - زجْر الناس على إنكار أثر ابن عباس. 5 - الإِنصاف في حكم الاعتكاف (¬1). وقد طبعت هذه المجموعة سنة 1303، طبعتها أجْوَد المطابع وأتقنها في ذلك الحين: (المطبع المُصْطفائي) في مدينة لكنو في 13 صفحة من القطع الطويل والخط الناعم الدقيق. والطبعة الثانية التي وقفتُ عليها طبعة حجرية أيضًا صدرت سنة 1337 في المطبع اليوسفي للحاج المفتي محمَّد يوسف ضمن مجموعة الرسائل الخمس في 17 صفحة. وعن هاتين الطبعتين أنشر هذه الرسالة المفيدة، مجتهدًا في العناية بها، وقد نفدت طبعاتها منذ أكثر من ثمانين سنة، وتعدُّ هذه الرسالة وأخواتها في عداد النُّسخ المخطوطة لنُدْرة وجودها، وتعذُّر الحصول عليها. فلذا رأيت طبعها بالحروف الناضرة، والإِخراج المتقن، والعناية اللائقة، والتعليق المفيد، لتزيد الاستفادة منها. ¬
وأما عملي في هذه الرسالة، فقد كتبت مقدمة موجزة في التعريف بالرسالة ومضمونها, ولم أترجم لمؤلِّفها -رحمه الله تعالى- اكتفاءً بالترجمة الحافلة الشاملة التي كتبها أستاذنا العلَّامة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة -رحمه الله تعالى- في أول كتابه: "الرفع والتكميل"، و "الأجوبة الفاضلة"، و"تحفة الأخيار". ولشيخنا الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة -رحمهُ الله تعالى- فضل التعريف بهذا الإِمام الجليل في البلاد العربية، ونشر كتبه بعناية وإتقان، وتحقيق وتعليق لا سيما في تحقيق كتابه الفذ الفريد: "الرفع والتكميل"، وكتبه الأخرى مثل: "الأجوبة الفاضلة"، و"ظَفَر الأماني". رحمهما الله تعالى وجزاهما عن العلم وأهله خير الجزاء. ومن جوانب عنايتي بهذه الرسالة أني فصَّلت مقاطعها وجملها، وراعيتُ علامات الترقيم (التفهيم)، وضبطتُ كثيرًا من العبارات بالشكل، لتكون أيسر قراءة وأقرب فهمًا. - وقوَّمت ما وقع فيها من تصحيفات يسيرة بالعودة إلى أكثر المصادر المنقول منها. - وخرَّجت الأحاديث الواردة فيها، وعزوت أكثر النصوص إلى مصادرها. - وعلَّقتُ على بعض المواضع في هذه الرسالة، لا سيما في التعريف بالكتب الفقهية الكثيرة ومؤلِّفيها، إحياءً لذكر هؤلاء الأئمة الفقهاء، وتعريفًا بهم وبمراتبهم، وتوثيقًا لصلة طلاب العلم بهذه الكتب التي انقطعت صلتهم بها.
- وصنفتُ لها فهارس عامة تمكن من الرجوع إليها والأخذ منها بأسرع وقت. وفي الختام: أسألُ الله عزَّ وجلَّ أن يُخلص نيَّتي، ويتقبَّل عملي، ويوفِّقني لخدمةِ كتابه الكريم وسنَّة نبيِّه العظيم عليه أفضل الصلاة والتسليم، كما أسأله سبحانه أن يرحمنا ويرحمَ والدينا ومشايخنا وسائر المسلمين، ويُصلح لنا ذراريَّنا ودنيانا وآخرتَنا، ويُحسن ختامنا، وهو ربُّنا ومولانا، وهو أرحمُ الراحمين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى الله على سيدنا محمَّد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا. وكتبه: مجد بن أحمد مكي جدة / الاثنين 19 جمادى الأولى 1420
[مقدمة المصنف]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أزالَ أمورَ الجاهليّة ببعثةِ خيرِ البريَّة، وَجَعَلَ لمن تَبِعَهُ وسَلَكَ مَسْلَكه الدَّرجاتِ العَليَّة، أشهدُ أنَّه لا إله إلَّا هو وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، شهادةً تُنْجِينا من الدَّرَكاتِ الدنيّة، وأُصلِّي وأُسلِّمُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ الهادينَ إلى السُّنَنِ المرضيّة، القامعينَ للبِدْعات الرديّة، وعلى من تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ حساب الأعمالِ الجَلِيَّة والخفِيّة. وبعد؛ فيقول الراجي عَفْوَ ربِّه القويِّ، أبو الحسنات محمَّد عبد الحيِّ اللكنوي: هذه رسالةٌ وجيزة، وعُجَالة مفيدة مسمَّاةٌ بـ: "رَدْع الإِخوان عن مُحْدَثَاتِ آخر جُمعةِ رمضان" ألَّفْتُهَا حِمَايةً للسُّنَّة المحمَّديَّة، ونُصْرةً للطريقةِ الأحمديّة، سائلًا منَ الله تعالى أن يجعلَها ويجعلَ سائرَ تصانيفي نافعةً للبريّة، ومُوجبةً لفوزي بالمراتبِ السَّنِيَّة. * * *
اعلم أنهم قد أحدثوا في آخر جمعة شهر رمضان أمورا مما لا أصل لها
اعلم أنَّهم قد أحدثوا في آخرِ جمعةِ شهر رمضان أمورًا ممَّا لا أصْلَ لها، والتزمُوا أمورًا لا أصْل لِلُزومِها، فأردتُ أنْ أكشفَ القِنَاعَ عنها، وأحقِّقَ ما لها وما عليها، وأبيِّنَ ما جازَ منها وما لم يَجُزْ منها، مع الإِنصاف الذي هو خيرُ الأوصاف، والتجنُّبِ عن طريق الإِفراط والتفريط الموجِبَيْنِ للاعتساف. فمنها: القضاء العُمُري: حدثَ ذلك في بلاد خُراسَان وأطْرافِها، وبعضِ بلاد اليمن وأكنافِهَا، ولهم في ذلكَ طرقٌ مُختلفةٌ، ومَسَالِكُ مُتَشَتِّتة. فمنهم: مَن يُصلِّي في آخرِ جمعةِ رمضان خمسَ صَلَواتِ قضاءً بأذانٍ وإقامةٍ مع الجماعة، ويجْهرون في الجهريَّة، ويُسِرُّون في السِّرِّيَّة، وينوون لها بقولهم: نويتُ أنْ أُصَلِّي أربعَ ركعاتٍ مفروضة قضاءً لما فاتَ من الصَّلواتِ في تمامِ العُمُر ممَّا مضا، ويعتقدونَ أنَّها كفَّارةٌ لجميعِ الصَّلواتِ الفائتةِ فيما مضى. ومنهم: مَن يصلِّي أربعَ رَكَعاتٍ نَفْلًا مع الجَمَاعة تداعيًا، وينوون بقولهم: نويتُ أنْ أُصلِّيَ أربعَ ركعاتِ تقْصيرًا وتكفيرًا لقضاءِ ما فات منِّي في جميع عمري صَلاةَ النفل. ومنهم: مَن زاد نغمةً، واعتقدَ أنَّها كفارةٌ لفوائتِ آبائِهِ وأجْداده أيضًا. وقد نقلوا لإِثبات ما فعلوا عبارات، وذكروا فيه روايات.
ففي "زاد اللبيب" (¬1): "ذكر نماز كفارت نماز هاكه قضا شده باشنداز نسخة شيخ الإِسلام والمسلمين رئيس الأولياء ومقتدي الأوتاد شيخ ركن الدين قَدَّس الله سِرَّه كه براي سلطان قطب الدين تبرك وهديه آورده بو دند واستاد اين نماز از حضرت رسالت بناه - صلى الله عليه وسلم - منقول ست هركرا نماز ها قضا شده باشند وندا ندكه اعداد جندست بايدكه روز جمعه جار ركعت نفل بيك سلام بكذا ردودر هو ركعت بعد از فاتحة آية الكرسي هفت بار وإنا أعطينا بانزده بار بخوا اندو أمير المؤمنين علي كفت از ببغمير - صلى الله عليه وسلم - شنيده أم اكر هفت صد سال نماز وي قضا سنده بأشد كفاره شودياران كفتند يا رسول الله عمر آدمي هفتاد ويا هشتاد سال ست جندين صفت جيست رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فر مود نمازي كه أو قضا كرده بأشد ونماز مادر وبدرو نماز هاكه از فرز ندان أو قضا سنده اند همه قبول افتندو نيت اين نماز اين ست نويت لله أن أصليَ أربعَ ركعات تقصيرًا أو تكفيرًا لقضاء ما فات منِّي في جميع عمري صلاة نفل". انتهى. ومثلُه في "أنيس الواعظين"، وحاصِلُ ما فيه مُعَرَّبًا: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "من فاتته صلوات، ولا يدري عددَها، فلْيصلِّ يومَ الجمعة أربع ركعاتٍ نَفْلًا بسلامٍ واحد، ويقْرأُ في كلِّ رَكعةٍ بعد الفاتحة آية الكرسي سبعَ مراتٍ، وإنَّ أعطيناك الكوثر خمس عشرة مرة". قال علي بن أبي طلب رضي الله عنه: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنْ فاتته صلوات سبعمائة سنة كانت هذه الصلاة كفارة لها. قالت الصحابة: إنَّما عُمر الإِنسان -أي: من هذه الأمة- سبعون سنة أو ثمانون؟ فقال ¬
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كانت كفارة لما فاته، وما فاتَ من الصَّلوات من أبيه وأمِّه، ولفوائتِ أولادِهِ". ونيَّةُ هذه الصَّلاة أن يقول: نويْتُ أن أُصَلِّيَ أربعَ ركعاتٍ تَقْصيرًا وتكفيرًا لقضاءِ ما فاتَ مني في جميعِ عُمُري صلاةَ نفل متوجِّهًا إلى الكعبة. وفي "أوراد راحة العابدين": "در مصابيح مذكور ست هركه در آخر روز جمعة ازماه رمضان جار ركعت نماز كذار وبيش از نماز ظهر كه آنرا قضاي عمري نا مند كويندد جميع عمرش كه نماز ناغه سنده بأشد بجامي افتدوا زين نما زا داشوند بيشك كفته اند اتفاقي ست وكدامي از ابل سنت وجماعت، دروي اختلاف نكرده اندونخوا هند كرد وخركه ابا كند ضال ومضل ست واز دائرة اسلام خارج وامادراد اكر دن بجماعت اختلاف ست ميان علماء بعضي مي كويند بجماعت مكروه است كذا ردن وى كه اداي نفل با مامت مكروه است وبعضي مي كويند كه كذا ردن بوصف مذكور مكروه نيست كه درين نماز مدخل فوائت است وبرين قول كذا ردن فوائت بجماعت صحيح غير مكروه است جنانجة در كتب فقه مشهور ست وبرين فتوى داده خلف بن أيوب كه يكي از تلامذة إمام أعظم ست ودر فتاوى واجد الدين نسفي در باب نوافل ست كه در بلاد عرب أولى آنست كه يكان يكان كذا ار ند كه ايشان در كلام وز بان فصاحت وبلاغت دارند وقراءة قرآن بخو بي مي كنند امادر بلاد عجم على الخصوص در عهد مايان اصح واولى آنست كه بجماعت كذار ند كه اكثر عجم از قدر قرآن قدر ما يجوز به الصلوة ند انند ومخارج حروف نشنا سند" انتهى. وحاصِلُ ما فيه مُعَرَّبًا: مَنْ صلَّى في آخر جُمُعَةٍ من رمضان أربعَ
رَكعاتٍ قبل الظُّهر، وهو المُسَمَّى بالقَضَاء العُمُري، كانت كفارة لفوائتِ جميع عُمُره. قالوا: وهذا لا شبهةَ فيه، وهو اتفاقي لم يختلف فيه أحدٌ من أهلِ السنَّة والجماعة، ولا يختلفون، ومَنْ أنكره فهو ضَالٌّ مُضِل، وخارجٌ عن دائرة الإِسلام. وأما أداؤها بالجماعة ففيه اختلاف، قال بعضهم: أداؤها بالجماعة مكروعٌ؛ لأنَّ أداءَ النَّفْل بالجماعة مكروه. وقال بعضهم: لا يُكره أداءُ الصَّلاة المذكورة بالوصفِ المذكور بالجماعة؛ لأن فيه دخلًا للفوائت، وأداءُ الفوائت بالجماعة صحيح غير مكروه على ما في كتب الفقه، وبه أفتى خَلَفُ بن أيوب؛ أحد تلامذة الإِمام الأعظم. وذكر في "فتاوى واجد الدين النَّسفي" أنَّ الأَوْلى في بلادِ العرب أن يؤدُّوها فُرادى فُرادى؛ لكونهم فصحاء وبلغاء، ويَقْرؤون القرآن بأحسنِ وجهٍ، وأما في بلاد العجم، لا سيَّما في زماننا فالأصحُّ والأَوْلى أن يؤدُّوها بالجماعةِ؛ لأنَّ أكثرهم لا يعرفونَ مَخَارجَ الحروف، ولا يقْرؤونَ القرآن على الوجْهِ الحَسَن. وفي "مفتاح الجنان" (¬1): فضيلت نماز باكه قضا بسيا رشده باشندو عدد آن ندا ند روز جمعه بيش از نماز جمعه ياهر وقتي كه توا ند جار ركعت نماز بيك سلام بكذ ارد ودر هو ركعت بعد از فاتحة آية الكرسي يك بار وسورة الكوثر بانزده بار بخو اند أبو بكر صديق رضي الله عنه كفت من شنيدم از رسول - صلى الله عليه وسلم - هركه اين نماز بكذا اردو وبست سال نماز ها ¬
كفاره شوند وبر وايت عمر رضي الله عنه جار صد سال نماز قضا كفارت شوند وبر وايت عثمان رضي الله عنه شش صد سال نماز ها كفارت شوند وبر وايت علي رضي الله عنه هفت صد سال نماز هاكه قضا سنده با شند كفارت شوند يا ران بر سيد ند يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر آدمي هفتا دو يا هشتاد سال بأشد جندين نماز جيست فر مود ثد نماز هاي مادر وبدر وجد وخويش وفر زندان كفارت شوند وقبول افتد. انتهى. وحاصلُه مُعَرَّبًا: أنَّ من فاتَتْ لهُ صَلَواتٌ كثيرة، ولا يعلمُ عدَدها، فَلْيُصلِّ يومَ الجُمُعة قبلَ صَلاة الجمعة، أو أيِّ وقتٍ شاء: أربع ركعات بتحريمةٍ واحدة، ويقْرأُ في كلِّ رَكعةٍ بعد الفاتحة آيةَ الكرسيِّ مرَّةً، وسورةَ الكوثر خمس عشرة مرَّة. قال أبو بكر رضي الله عنه: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صَلَّى هذه كانت له كفَّارة لصَلوات اثنتين وعشرين سنة". وفي رواية عمر رضي الله عنه: "لصلواتِ أربعمائة سنة". وفي رواية عثمان رضي الله عنه: "لصلواتِ ستمائة سنة". وفي رواية عليّ رضي الله عنه: "لصلواتِ سبعمائة سنة". قالوا: يا رسولَ الله، إنَّما عُمُر الإِنسان سبعون أو ثمانون؟ فقال: "تكون هذه الصَّلاة كفَّارةً لصَلَوَاتِهِ الفائتةِ وفوائتِ أُمِّه وأبيهِ وجدِّهِ وأبنائِهِ وصِهْرِه". وهذه العبارات قد أَوْقَفني عليها الفاضلُ النبيلُ العالمُ الجليل المولوي أبو الطيِّبات أحمد بن المولوي عبد الله السكندرفوري الهزاروي حين حَضَر عندي لتكميل بقية كتبِهِ كشرحِ مُلخَّص الجغميني وغير ذلك،
وأقام في مجالسِ درسي مُدَّةً، وحَصَّل عندي ما حَصَّل برهة، وهو الذي أصرَّ عليَّ لتأليف رسالة فيما هنالك، وذَكَرَ لي أن عوام أطرافِ بلدته، بل بعض خواصِّ أكنافِ مُسْتَقَرِّهِ يهتمُّون بهذه الصَّلاة غايةَ الاهتمام، ويؤدُّونها بالالتزام، بل منهم من يَقْضي صَلَواتِهِ عَمْدًا ظنًّا أنَّه يُصلِّي القضاءَ العُمُري في جمعةِ رمضان، فيكون ذلك كفارة. وأقولُ مُعتصمًا بحبل الله المتين: كلُّ ما يفعلونَهُ ويعتقدونَهُ من حَرَكاتِ الغافلين. أما صنيعُهم مِنْ تَركِ الصَلاةَ عَمْدًا مُعتمدًا على القَضَاء العُمُري، فهو من أَقْبح القبائح. فقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بينَ الرَّجل والكفر ترك الصلاة"، أخرجه أحمد (¬1). وفي رواية مسلم: "بين الرَّجل وبين الشِّرك أو الكفر: تركُ الصَّلاة" (¬2). وفي روايةِ أبي داود والنسائي: "ليس بين العبدِ وبين الكفرِ إلَّا تركُ الصَّلاة" (¬3). وفي رواية الترمذي: "بين الكفر والإِيمان ترك الصلاة" (¬4). ¬
وفي رواية الطبراني: "مَنْ تَرَكَ الصَّلاة متعمِّدًا فقد كَفَر جهارًا" (¬1). وفي رواية ابن ماجَه والبيهقي: "من تركها متعمِّدًا فقد بَرِئَتْ منه الذمَّة" (¬2). وعند البزَّار بسند حسن: "مَن تَرَك الصَّلاةَ لقيَ الله وهُوَ عليهِ عَضْبان" (¬3). وعند البزار: "لا سَهمَ في الإِسلام لمن لا صَلاَةَ له، ولا صَلاةَ لمن لا وُضوءَ له" (¬4). وفي البابِ أخبارٌ كثيرة وآثارٌ شهيرةٌ. ¬
قال ابن حَجَر المكِّي الهَيْتَمي في "الزَّواجر عن اقترافِ الكبائر"، بعد ذكر كثيرٍ منها: "اختلف العلماءُ ومَنْ بَعدَهُم في كُفر تاركِ الصَّلاة، وقد مَرَّ في الأحاديثِ الكثيرةِ السَّابقة التصريحُ بكفره وشِركِهِ، وخروجِهِ عن المِلَّة، وبأنَّه تَبْرأُ منه ذِمَّةُ الله ورسوله، وبأنَّه يحبط عملُه، وبأنَّه لا دينَ له، وبأنَّه لا إيمانَ له، ونحو ذلك من التغليظات. وأخذَ بظاهرها جماعةٌ من الصَّحابة والتابعين ومنْ بعدهم، فقالوا: مَن تَرك صلاةً متعمِّدًا حتى خَرج جميع وقتها كان كافرًا مُراقَ الدَّم، منهم: عُمر، وعبد الرَّحمن بن عوف، ومعاذ بن جَبل، وأبو هُريرة، وابنُ مسعود، وابنُ عباس، وجابر، وأبو الدرداء. ومن غير الصحابة: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنَّخَعي، وابن عُتَيْبة (¬1)، وأيوبُ السَّخْتِياني، وأبو داود الطَّيَالسي، وأبو بكر بن أبي شَيْبة، وزهيرُ بن حرب، وغيرهم. فهؤلاء الأئمَّة كلُّهم قائلونَ بكفرِ تاركِ الصَّلاة وإباحةِ دمه. وقال محمَّد بن نصر المَرْوَزي: قال إسحاق: صَحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ تاركَ الصلاة كافرٌ. وأمَّا الشافعيُّ وآخرون، فإنَّهم وإنْ قالوا بعدم كفره إذا لم يستحل الترك، لكنهم قائلون بأنَّه يمتَل بترك صلاة واحدة؛ فإذا أمِرَ بها في وقتها حتى خَرَجَ ولم يُصَلِّها، ثمَّ قيلَ له: صَلِّها، فأبى، ضُرب عُنُقُه بالسيف" (¬2). انتهى. ¬
وأما اعتقادهم في أنَّ صلاةَ رمضان، وإنْ كانت فريضةً فَضلًا عن غيرها تعدلُ كثيرًا من الصَّلوات، فهو قبيحةٌ ثانية. قال في "الفتاوى البزَّازية" (¬1): "يصلي في رمضان لا غير، ويقول: اين خود بسياراست، أو يقول: صَلاةٌ في رمضان تعدل سبعين صلاة: يكفر" (¬2) انتهى. وفي "الفُصُول العِمَادية" (¬3): رجلٌ يُصلِّي في رمضان لا غير، ويقول: اين خود بسياراست، أو يقول: زيادت في آيد؛ لأن كل صلاة في رمضان تساوي سبعين صلاة: يكفر. انتهى. ومثله في "جامع الفصولين" (¬4). ¬
وفي "خزانة المفتين" (¬1): رجل يُصَلي في رمضان لا غير ويقول: اين خود بسياراست، أو صلَّى إلى غير القِبْلة متعمّدًا فوافق ذلك القِبْلة، أو صلَّى بغير وضوء متعمِّدًا، أو صلَّى إلى غير القِبْلة على وجه الاستهزاء والاستخفاف: صارَ كافرًا في الفصول كلها. انتهى. وفي "كشف الوقاية": رجلٌ صلَّى في رمضان لا غيره، ويقول: اين خود بسياراست، أو يقول: زيادت مي آيد؛ لأنَّ كلَّ صلاة في رمضان تساوي سبعين يكفر. انتهى. وفي "الفتاوى العالمكيرية" (¬2): رجل يُصَلِّي في رمضان لا غير، ويقول: اين خود بسياراست، أو يقول: زيادَت في آيد؛ لأنَّ كلَّ صلاة في رمضان تساوي سبعين صلاة يكفر (¬3). انتهى. فإنْ قلتَ: كيف هذا، وقد أخرج العُقَيلي وضعَّفه، وابنُ خزيمة في صحيحه, والبيهقي، والخطيب، والأصبهاني في "الترغيب" عن سلمان ¬
الفارسي رضي الله عنه قال: خَطَبنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر يومٍ من شعبان فقال: "يا أيُّها النَّاس: قد أظلَّكُم شهرٌ مباركٌ، شهرٌ فيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، جعلَ الله صيَامه فريضةً، وقيامَ ليلهِ تطوُّعًا، من تَقَرَّب فيه بخَصْلَة من الخيرِ كانَ كمَّن أدَّى فريضةً فيمَا سِوَاه، ومن أدَّى فريضةً فيه كان كَمَن أدَّى سبعينَ فريضةً فيما سواه" الحديث (¬1) ذكره بطوله الحافظ السيوطي في تفسيره "الدر المنثور" (¬2). قلت: هذا أمرٌ آخر، فإنَّهم لا يُنكرون فَضْلَ صلاة رمضان، وبلوغ فرضه ثوابًا إلى سبعين فريضةٍ في غير رمضان، بل غرضهم إبْطال قول من يقول: إنَّ صلاة رمضان تعدل سبعينَ صلاة معادلةً حقيقيَّةً، وتقوم مقَامَها، وأنها مُجزيةٌ من سبعينَ صلاة، وإنَّما حكمُوا بكفر من اعتقد هذا، وترك الصَّلواتِ معْتَمِدًا على هذا، لا بكفر من اعتقد حصول زيادةِ الثواب، فإنَّه فَضْلُ العزيز الوهَّاب. ولهذا قال عليٌّ القاري في "المِرقاة شرح المِشْكاة" (¬3) عند المبحث ¬
في مضاعَفِة الثواب في مسجد مكة والمدينة: "ثم المراد بالتضعيف السَّابق: في الأَجْر دون الإِجْزاء باتفاق العلماء، فالصَّلاةُ في أحدِ المساجدِ الثلاثة لا يُجزئُ عن أكثر من واحدةٍ إجماعًا، وما اشتهر على ألسنة العوام: "أنَّ من صلَّى داخل الكعبة أربع ركعات يكون قضاءَ الدهر" باطلٌ لا أَصْل له". انتهى. وأمَّا ظنُّهم بأنَّ صَلاةً واحدةً، أو صلواتٍ خمسة تُجْزئ عن جميع فَوَائت عُمُره، فهو شَنَاعَةٌ ثالثة، لوجوه: أحدها: أنَّ هذا أمرٌ لم يُعهد نظيرُه في الشَّرع، فلم يَرِد فيه عبادَةٌ تكون قائمةً مقامَ عبادات كثيرة، ومُجْزيةً عنها. وثانيها: أنَّ القضاء دَيْنٌ من ديون الله في ذِمة عباده، وقد تقرَّر في مَقَرِّهِ: أنَّ الدِّيْن لا يَسقطُ عن ذِمَّة المدْيون إلَّا بالأداء أو بالإِبْراء، ومن المعلوم أنَّ أداء صلاةٍ واحدة، أو صلواتٍ خمسة ليس بأداءٍ لصلواتِ كثيرة، ولم يوجد الإِبْراء، فكيف يصحُّ الإِجْزاء. وثالثها: أنَّ القضاءَ عبارةٌ عن تسليمِ مثلِ الواجب، كما نصَّت عليه أئمَّةُ الأصول، والمثْليّة بين صَلاةٍ واحدةٍ أو صَلَواتٍ خمسة لصلواتٍ كثيرة غيرُ معقول؛ ألا ترى أنَّه لو أدَّى مَنْ عليه أربع ركعات: ثلاث ركعات أو خمسَ رَكَعاتٍ لا يكون ذلك مُجْزيًا، فكيف يكونُ في رَكَعات عديدة إجزاءٌ عن آلاف ركعة؟ ورابعها: أنَّ قضاءً الفرضِ فرضٌ بالنَّص، ومن المعلوم أنَّ الفروض مُتزاحِمة، فلا بدَّ من تعيين ما يُريد أدَاءَهُ حتى تَبْرأَ ذمَّتَه، فإنَّ فرضًا من
الفروض لا يتأدَّى بنيَّة فرض آخر، كما نصَّ عليه في "التبيين" (¬1)، فكيف يمكن أن تتأدَّى صلوات كثيرة غير معيَّنة بصلاةٍ واحدة. وخامسها: أنَّه ذكر في "الظهيريَّة" (¬2) و"البحر الرائق" وغيرهما أنه لو كانت الفوائت كثيرة، فاشتغلَ بالقضاء يحتاج إلى تعيين الظهر والعصر، وينوي أيضًا ظهرَ يوم كذا، فإنْ أراد تسهيلَ الأمر ينوي أوَّل ظهر عليه، أو آخر ظهرٍ عليه" (¬3). انتهى. فكيف يمكن أن تَبرأَ الذمَّةُ بالواحدةِ أو الخمسةِ عن الكثيرةِ غيرِ المتعيِّنة. وسادسها: أنَّه وَرَد في الحديث الصحيح: "إنما الأعمَال بالنيات، وإنَّما لكل امرئٍ ما نوَى". أخرجه البخاري في بَدء صحيحه وفي كتاب الإِيمان والعتق والهجرة والنكاح والأَيْمان والنذور وترك الحِيَل، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد، والدارقطني، وابن حِبَّان، والبيهقي وغيرهم (¬4). ولم يخرِّجْه مالكٌ في "موطأه"، كذا ذكره ¬
القسطلاني في "إرشاد السَّاري شرح صحيح البخاري" (¬1). ولم يُصب في قوله: "لم يخرجه مالك في موطأه". وقد تَبعَ فيه الحافظَ ابنَ حجر العسقلاني، حيث قال في "فتح الباري" (¬2)، وغيره كذلك، فإنَّ هذا الحديث موجودٌ في موطأ مالك برواية محمد بن الحسن (¬3)، وقد أوْضَحتُ ذلك في حاشيتي عليها المسمَّاة بـ "التعليق المُمَجَّد على مُوَطأ محمَّد" (¬4). وهذا الحديثُ يدلُّ على أنَّ ثوابَ الأعمال، أو صحَّةَ الأعمال موقوفٌ على النيّة، وأنَّ المَرء لا يحصلُ له إلَّا ثوابُ ما نَوى، أو صحَّةُ ما نوى لا غيره، فكيف يمكنُ أن تتأدَّى فوائت كثيرة بصلاةٍ أُدِّيْت بنيّة النَّفْل، فإنَّما لكل ما نوى. وقد ذكر في "فتح القدير" في باب الوتر عن "التجنيس" (¬5) وغيره أن ¬
الفرض لا يتأدَّى بنيّةَ النَّفْل، ويجوزُ عكسُه (¬1). انتهى. فإن قالوا: نحن ننوي معه قَضَاءَ عُمُريًّا فَتَتَأدَّى به. قلت: هذه النيّةَ لا مِثل لها في الشَّرع، وهل ذلك إلَّا كَمَن نوى بصيامٍ واحد أدَاء صِيَاماتٍ متعدِّدة، أو بحجّ واحد حَجَّاتٍ كثيرة. وسابعها: أنَّه أخرج الثوريُّ في جامعه عن إبراهيم النخعي قال: "من ترك صلاةً واحدةً عشرين سنةً، لم يُعِد إلَّا تلك الصَّلاةَ الواحدةَ"، وذكره البخاري في صحيحه تعليقًا (¬2). وأخرج البخاري عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ نسيَ صلاةَ فَلْيُصَلِّ إذا ذكَرَها, لا كَفَّارَةَ لها إلَّا ذلك" (¬3). وفي روايةٍ لمسلم عن أبي هريرة: "مِنْ نَسِيَ الصَّلاة فَلْيُصلِّها إذا ذَكَرَها فإنَّ الله يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (¬4). وفي روايةٍ له عن أبي قَتَادة في حديث طويل: "أَمَا إنَّه ليس في النَّوم تفريطٌ، إنَّما التفريط على من لم يُصَلِّ الصَّلاة حتى يجيءَ وقتُ الصَّلاة الأخرى، فمن فَعَلَ ذلك فَليُصَلِّها حين ينتبه لها" (¬5). وفي رواية له عن أنس مرفوعًا: "من نَسيَ صلاةَ فلْيُصلِّها إذا ذَكَرَها، لا كفَّارةَ لها إلَّا ذلك". ¬
وفي رواية له عنه: "مَنْ نسيَ صلاةً أو نام عنها، فكفَّارتُها أن يصليَها إذا ذكرها". وفي رواية له عنه: "إذا رَقَد أحدُكُم عن الصَّلاة أو غَفَلَ عنها، فَلْيُصلِّها إذا ذَكَرَها" (¬1). وكذلك أخرجه أصحاب السُّنن الأربعة وغيرهم بألفاظٍ مُتَقَارِبَة (¬2). فهذه الأخبارُ الصِّحاح شَاهِدةٌ على فَسادِ ما يعتقدونَه؛ لأنَّها دالَّةٌ على أنَّ الفائتةَ لا تتأتَّى إلَّا بأدائها بنفسِها, ولا كفارةَ لها إلَّا ذلك، وأنَّه لا يقومُ شيءٌ آخر مقامَها. وأمَّا ظنُّهم أنَّ مثل هذه الصَّلاة تكونُ مُجزية عن فوائت الآباء والأجداد والأولاد والأحفاد فهو شناعةٌ رابعةٌ، بل هو أُضحوكةٌ للنَّاظرين، ومُزَخْرَفةٌ عند العاقلين، فإنَّهم إنْ أرادوا به أنَّ ثوابَها يَصِلُ إليهم فهو ليسَ بصحيح، فإنَّ ثوابَ العبادة إنَّما يكون لمن يكتَسبُها لا لغيره، بنصِّ قولِه تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (¬3). ولذا لمَّا ذهب بعض العلماء إلى أنَّ ثوابَ عبادةِ الصَّبي يكون للوليِّ، ردَّه المحقِّقون بأنَّ الوليَّ إنَّما يُثابُ ثوابَ التحريضِ والتسبيب، وأمَّا ثوابُ نفسِ العبادة فكَلَّا، على ما هو مَبْسوط في "حواشي التلويح"، وغيرها. ¬
فإنْ قَصَدوا أنَّ ثوابَهَا يَصِلُ إليهم بإِيصاله إليهم، فهو وإنْ كان صحيحًا، لكنَّه خارج عن البحث، مع أنَّه ليس مختصًّا بالآباء والأولاد، بل يصل ثوابُ العبادة أيَّ عبادةٍ كانت إلى مَنْ أَوْصَلَ ثَوابَها إليه، وإنْ كان أجنبيًّا. وإنْ أرادُوا به أنَّ هذه الصَّلاة تكون مُجْزيةً وكفارةً عن فَوَائت الآباء والأولاد، فهو مخالِفٌ لقوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (¬1). ولحديث: "إذا ماتَ ابنُ آدم انقطع عملُه إلَّا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو لَه"، أخرجه ابن ماجَهْ ومسلم وغيرهما (¬2). ولقول الفقهاء: النيابةُ لا تجْري في العباداتِ البدنية، بل في المالية. وقد ذكر في "الدر المختار" و "البحر الرائق"، وغيرهما: لو قَضَاها وَرَثَتُهُ بأمرِهِ لم يجز (¬3). انتهى. وقد أخرج النَّسائيُّ في "السُّنن الكبرى" -بإسناد صحيح- عن ابن عباس قال: "لا يُصَلِّي أحدٌ عن أحدٍ، ولا يصوم أحدٌ عن أحدٍ" (¬4). وروى عبد الرزاق مثله من قول ابن عمر (¬5)، ذكره ابن حجر في ¬
"التلخيص الحبير بتخريج أحاديث شرح الرافعي الكبير" (¬1). وأمَّا أداؤهم هذه الصَّلاة، وهي قضاءٌ لكلّ فائتة عندهم في المسجد فهو شَنَاعةٌ خامسة، لما قال في "البحر الرائق": إذا فاتَتْ صلاة عن وقتها ينبغي أن يقضيَها في بيته، ولا يقضيها في المسجد (¬2). انتهى. وفي "الدُّر المختار": ينبغي أن لا يُطْلع غيره على قضائِهِ؛ لأنَّ التأخيرَ معصية، فلا يُظهرها. انتهى. وقال في "ردِّ المحتار": تقدَّم في بابِ الأذان أنَّه يُكره قضاء الفائتة في المسجد، وعلَّله الشَّارح البارع بما ها هنا: أنَّ التأخيرَ معصيةٌ، فلا يظهرها، وظاهرُهُ: أنَّ الممنوع هو القضاء مع الاطِّلاع عليه، سواء كان في المسجد أو غيره، كما أفادَهُ في "المِنَح" (¬3). قلت: والظاهرُ أنَّ "ينبغي" ها هنا للوجوب، وأنَّ الكراهية تحريميّة؛ لأنَّ إظهارَ المعصيةِ معصيةٌ. انتهى (¬4). ¬
وأما أداؤها بالجماعة تداعيًا على تقدير كونها تطوُّعًا، كما تدلُّ عليه بعض العبارات المذكورة فهو شَنَاعة سادسة، لتصريح الفقهاء بكراهية جماعة التطوع تداعيًا. قال في "الغُنية شرح المُنْية" (¬1): النَّفْل بالجماعة على سبيل التداعي مكروه. انتهى. وفي "الدر المختار": ولا يصلي الوترَ ولا التطوُّع بجماعةٍ خَارجَ رمضان، أي يكره ذلك لو على سبيل التداعي، بأنْ يقتديَ أربعة بواحد، كما في "الدُّرر" (¬2) انتهى. وفي "البزَّازية": يُكره الاقتداء في صلاة رغائب، وبراءة، وقَدْر، إلَّا إذا قال: نَذَرتُ كذا رَكعة بهذا الإِمام جماعة، ولا ينبغي أن يتكلَّف لالتزام ما لم يكن في الصَّدْر الأول كل هذا التكلُّف لإِقامة أمرٍ مكروه، وهو أداءُ النَّفْل بالجماعة على سبيل التداعي، فلو ترك أمثالَ هذه الصَّلوات تاركٌ ليعلِّم النَّاسَ أنَّه ليس من الشَّعائر فحَسَنٌ (¬3). انتهى. ¬
ومثله في كثيرٍ من الكتب مسطور، على ألسنة العلماء مذكور. فإن قالوا: إنَّ هذه الصلوات ليست بتطوُّع، بل قضاء لما فاته. قلنا: إنْ أرادُوا به أنه بنفسه قضاء لجميع ما فاته فهو غير صحيح؟ لعدم صدقِ تعريف القضاء عليه، وإن أرادوا به أنَّ الله تعالى يجعلُها بفضلِهِ قضاءً لما فاتَهُ، ويُعطي بها ثوابًا يُجزئ عمَّا فاتَهُ فهو على تقدير ثُبوتِهِ لا يُخرجه عن التطوعيَّة. وبهذا يظهرُ سَخَافة قولِ مَنْ أفتى بعدمِ كراهةِ الجماعة فيه مُسْتَنِدًا بأنَّ فيه دَخَلًا للفوائت، فإنَّ هذا لا يسلُب عنه اسمَ التطوع، ولا يجعله خارجًا عن أفراد التطوع، كيف وقد وَرَدَ في بعض النصوص التي ذكروها أنَّ هذه الصَّلاة نَفْل، فَيُكره أداؤه بالجماعة بلا شُبهة. وبالجملة، فهذه الصَّلاة التي اخترعوها مشتملةٌ على مفاسِدَ كثيرةٍ، وأداؤها مع ما زعموا أنه قضاءٌ لما فاتَ خلافُ المعقول والمنقول، ومضادٌّ للفروع والأصول. والذي يدلُّ على أنَّ الصلاة المذكورة لا أصلَ لها خلو أكثر الكتب المعتمدَة عن ذكرها كـ "البزَّازية" (¬1)، و "الخُلاصة" (¬2)، و "فتاوى قاضي ¬
خان" (¬1)، و"المحيط" (¬2)، و"الذخيرة" (¬3)، و"خزانة المفتين" (¬4)، و "الواقعات" (¬5)، و"النوازل" (¬6)، و"الهداية" (¬7)، وشروحها: ¬
"الكفاية" (¬1)، و"البناية" (¬2)، و"العناية" (¬3)، و"فتح القدير" (¬4)، و"معراج ¬
الدراية" (¬1)، و"غاية البيان" (¬2)، و"الوقاية" (¬3) وشروحه: لصَدْر الشريعة (¬4)، وللفصيح الهروي (¬5)، وغيرهما، و"مختصر ¬
الوقاية" (¬1) وشروحه: للبِرْجَنْدي (¬2) وإلياس زَادَهْ (¬3)، و"كمال الدراية" (¬4) للشُّمُنّي، و"الكنز" (¬5) وشروحه: كـ "البحر الرائق" (¬6)، و"النَّهْر ¬
الفائق" (¬1)، و"تبيين" (¬2) الزيلعي، و"الدر المختار" (¬3) وحواشيه، و "مواهب الرحمن" وشرحه "البرهان" (¬4)، و "الجامع الصغير" ¬
و "الكبير" (¬1) وشرحهما للصَّدر الشهيد (¬2)، وشمس الأئمة السَّرَخْسي (¬3)، وغيرهما (¬4)، و "المبسوط" (¬5)، ¬
و "الزيادات" (¬1)، وتصانيف الطحاوي (¬2)، وتصانيف الحاكم الشهيد (¬3)، ¬
والكَرْخي (¬1)، وغيرها من المتون والشُّروح والفتاوى المشهورة. وكذلك كتب الشافعية والمالكيّة والحنبلية خالية عن ذلك. ومن المعلوم أنَّه لو كان لها أصلٌ، لبادروا إلى ذِكرها، وذكر فَضْلها، كيفَ لا وهذه الصَّلاة على ما زعموا من أفضلِ الصَّلوات حيثُ يكون أداء ركعاتٍ عديدة كفارةً لجميع فوائتِ العمر، بل عن فوائتِ الأجداد والأحفاد، فالغفلةُ عن مثل هذه الصَّلاة غَفلةٌ عظيمة. وهذا صاحب "جامع الرموز" (¬2) جامع كلِّ رَطْب ويابس لم يَتَنَبه له، وصاحب "إحياء العلوم" مع اهتمامه بذكر العبادات الفاضلة، وإنْ كانت رواياتُها ضعيفة لم يتعرَّض له. وهذا صاحب "خزانة الروايات" (¬3) الجامع بين كل غثٍّ وسمين لم ¬
يذكره. وهذا كلُّه دليلٌ على عَدم العِبْرة به. بقي الكلام فيما استندوا به من العبارات المذكورة والروايات المسطورة. فأقول: إسنادهم بها مخدوش؛ لوجوه: أحدها: أنَّ الكتب التي اسْتَندوا بها ليست من الكتب المشهورة المعتَمَدة، وقد ذكر ابن نُجَيْم المصري في بعض رسائله، ونقله عنه الحَمَوي (¬1) في حواشي "الأشباه والنظائر": أنَّه لا يجوزُ الإِفتاءُ من الكتب غير المشهورة. وفي "تنقيح الفتاوى الحامديّةَ" (¬2) نقلًا عن "الرسائل الزينيّة" (¬3): ¬
لا يحلُّ الإِفتاء من الكتب الغريبة (¬1). انتهى. وثانيها: أنَّ تجويزَ هذه الصَّلاة بتلك الكيفية لم يُنقل عن أئمتنا أبي حنيفة وأبي يوسُف ومحمد رحمهم الله، ولا عن تلامذتهم، ومن يحذو حَذْوَهم، فلا يجوزُ الإِفتاء بها أخذًا من الكتب غير المتداولة. قال في "القُنْية" (¬2)، نقلًا عن "نوازل أبي الليث" (¬3): قيل لأبي نصر: وقعت عندنا أربعة كتب؛ كتاب إبراهيم بن رستم (¬4)، و"أدب القاضي" عن الخصَّاف، وكتاب "المجرَّد"، و "النوادر" (¬5) من وجه ¬
هشام (¬1)، هل يجوز لنا أن نفتي منها؟ فقال: ما صحَّ عن أصحابِنا فذلك علمٌ مُجْتَبى، مرغوبٌ فيه، مرضيٌّ، فأمَّا الفتوى فإني لا أَرَى لأحدٍ أن يُفتي بشيءٍ لا يفهمُهُ، ولا يتحمَّل أثقالَ الناس، فإن كانت مسائل قد اشتهرت وظَهَرَتْ عن أصحابنا رَجَوْتُ أن يَسَع الاعتمادُ عليها. انتهى. وقال علي القاري في "تذكرة الموضوعات": من القواعد المعلومة الكليَّة: أنَّ نقْلَ الأحاديثِ النبويَّة، والمسائلِ الفقهيّة، والتفاسيرِ القرآنية: لا يجوزُ إلَّا من الكتب المتداوَلة؛ لعدمِ الاعتماد على غيرها من وضعِ الزنادقة، وإلحاق الملاحدة، بخلافِ الكتب المحفوظة (¬2). انتهى. ¬
وثالثها: أنَّ هذه الكتب التي استندوا بها ليست من المتون المعتَبَرة، ولا من الشروح المعتَمَدة، وإنَّما هي من جنس الفتاوى كالصَّحَارى. وقد ذكر ابنُ نُجيم في رسالته "رفع الغِشاء عن وقت العصر والعِشاء" نقلًا عن "أنفع الوسائل" (¬1): أنَّه لا عبرة بنقول الفتاوى إذا عارضتها نقول المذهب، وإنَّما يُستأنس بما في الفتاوى إذا لم يُوجَد ما يخالفُها من كتبِ المذهب. انتهى. وقد عَرَفتَ أنَّ نُقُولَ هذه الكتب في تجويزها هذه الصلاة بتلك الكيفيَّة مخالِفةٌ لفروعِ المذهب المدوَّنة، وللأصول المقرَّرة، فلا يصحُّ الإِفتاء بها. ورابعها: أنَّ الإِفتاء بها موقوفٌ على عِلمِ حال مُصنِّفيها، وأنَّهم التزموا فيها نقلَ الأقوال "الصحيحة" وبدون ذلك لا يحلُّ الإِفتاء منها. قال ابن عابدين في "ردِّ المحتار": في "شرح الأشباه" لشيخنا المحقِّق هبة الله البعلي (¬2): قال شيخنا العلَّامة صالح الجنيني (¬3): إنه ¬
لا يجوز الإِفتاء من الكتب المختَصَرة: كـ "النَّهر"، و"شرح الكنز" للعيني، و"الدر المختار شرح تنوير الأبصار". أو لعدم الاطِّلاع على حالِ مصنِّفيها كـ "شرح الكنز" لملَّا مسكين، و"شرح النُّقاية" للقُهُسْتاني. أو لنقل الأقوال الضعيفة فيها كـ "القُنية" للزاهدي (¬1)، فلا يجوز الإِفتاء من هذه إلَّا إذا علم المنقول عنه وأخذه منه (¬2). انتهى. وقال أيضًا في "تنقيح الفتاوى الحامديّة" في بحث لبس الأحمر، بعدما ذكر ما يدلُّ على كراهته: "على أنَّ الذي يجب على المقلِّد اتِّباع مذهب إمامه، والظاهر أنَّ ما نقله هؤلاء الأئمة هو مذهب الإِمام أبي حنيفة، لا ما نقله أبو المكارم، فإنَّه رجلٌ مجهول، وكتابُهُ كذلك، والقُهُستاني كجَارفِ سَيْلٍ، وَحَاطبِ لَيْلٍ، خُصوصًا واستنادُهُ إلى كتب الزاهديِّ المعتزلي" (¬3). انتهى. ¬
وقد ذكرتُ ما يتعلَّق بهذا المبحث في رسالتي "النَّافع الكبير لمن يُطالع الجامع الصغير" (¬1)، وبَسَطْتُ الكلامَ فيها فيما يحلُّ الإِفتاء منه وما لا يحلُّ الإِفتاء منه، فَلْتُطالَع. وخامسها: أن الاستناد بها موقوفٌ على تحقيقِ حالِ مؤلِّفيها من أنَّهم من أيِّ طبقةٍ من طبقات الفقهاء، وإذْ ليس فليس، وكونهم من أصحاب الأوراد والوظائف، أو من أرباب تصفيةِ اللطائف لا يُجوزُ الإِفتاء، فلكل فنٍّ رجالٌ، ولكلِّ مقامٍ مقالٌ. قال عليٌّ القاري المكي في رسالته "شمّ العوارض في ذمِّ الروافض": ثمَّ اعلم أنَّه لا بدَّ للمُفتي المقلِّد أن يعلمَ حال من يُفتي بقوله، ومعرفة مرتبته في الرواية، ودرجته في الديانة، ليكون على بصيرةٍ وافيةٍ في التمييز بين القائلَيْن المتخالفَيْن، وقدرةٍ كافيةِ في الترجيح بين القولَيْن المتعارضَيْن، فقد قال ابنُ كمال باشا (¬2): إن للفقهاء سبعَ طبقات (¬3): ¬
الأولى: طَبَقةُ المجتهدين في الشَّرع: كالأئمة الأربعة، وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهم في تأسيسِ قواعدِ الأصول، واستِنْباط أحكام الفروع عن الأدلة على حسب تلك القواعد من غير تقليدٍ لأحد، لا في الفروع، ولا في الأصول. والثانية: طَبقةُ المجتهدين في المذهب: كأبي يوسُف ومحمد، وسائر أصحاب أبي حنيفة، القادرين على استخراج الأحكام من الأدلة المذكورة على القواعد التي قررَّها أستاذهم، وهم وإن خالفوه في بعضِ ¬
الفروع، لكن يقلِّدونه في قواعدِ الأصول، وبه يمتازونَ عن المعارضين في المذهب، كالشَّافعي ونظرائِهِ المخالفين لأبي حنيفة في الأحكام، غير مقلِّدين له في الأصول (¬1). والثالثة: طبقةُ المجتهدين في المسائل التي لا روايةَ لها عن صاحب المذهب: كالخصَّاف، والطحاوي (¬2)، والكَرْخي، وشمس الأئمة الحَلْواني (¬3)، وشمس الأئمة السَّرَخْسي، وفخر الإِسلام البَزْدوي، وقَاضِيخَان، وأمثالهم، فإنَهم لا يقدرون على مخالفة الشيخ لا في الأصول ولا في الفروع، لكنَّهم يستَنْبطون الأحكامَ في المسائلِ التي لا نصَّ فيها على حسب أصول قرَّرها. ¬
الرابعة: طبقةُ أصحابِ التخريج من المقلِّدين: كأبي بكر الرازي وأضْرابه، فإنَّهم يقدرون على تفصيل قول مُجْمَل ذي وَجْهَين، وحكمٍ مُحتَمل الأمرَين. الخامسة: طبقةُ أصحاب الترجيح من المقلِّدين: كالقُدروي، وصاحب "الهداية" وأمثالهما، وشأنهم: تفضيل بعض الروايات على بعض بقولهم: هذا أوْلى، وهذا أصحُّ رواية, وهذا أرفق بالناس. والسادسة: طبقة المقلِّدين القادرين على التمييز بين الأقوى والقوي، والضعيف، وظاهر المذهب، وظاهر الرواية, والرواية النادرة: كأصحاب المتون المعتبَرة من المتأخرين، مثل صاحب "الكنز" (¬1)، وصاحب "الوقاية" (¬2)، وصاحب "المختار" (¬3)، وصاحب "المجمع" (¬4). ¬
والسابعة: طبقةُ المقلِّدين الذين لا يقدرون على ما ذُكر، ولا يفرِّقون بين الغثِّ والسَّمين، ولا يميِّزون الشمال عن اليمين، بل يجمعون ما يجدون، كحاطب ليل، فالويل لهم ولمن قلَّدهم كل الويل" انتهى. وسادسها (¬1): أنَّ الرواياتِ التي ذَكَرها هؤلاء المصنفون لم يذكروا سَنَدها, ولا أسندوها إلى أحدٍ من المخرِّجين، وقَبولُ الحديث الذي لا أصل -أي: لا سند- له: ليس من شأن العاقلين، فإنَّ بين النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وبين هؤلاء الناقلينَ مفاوزَ تنقطعُ فيها مَطَايا السَّائرين، فكيف يجوزُ الاستناد بمجرَّد قولهم: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كذا وكذا؟! فإن الرواية -وصولُها إليهم وإلينا- لا يمكنُ أن يكون بدون الوسائط، فلا بدَّ من تحقيقِ أحوالِ الوسائط وتشخيصِهم، وَكَشْفِ عدالتهم؛ ليكتسبَ الحديث به صفةَ القَبول إن وُجِدَت في رواتِهِ صفاتُ القَبول، أو صفةَ الردِّ إن كانت في رواتها صفاتُ الردِّ، وبدون ذلك فالاستناد به لا يليق بمن له أدنى مُسْكة. وقال محمَّد بن عبد الباقي الزُّرقاني في "شرح المواهب": قال ابن المبارك: "الإِسناد من الدِّين، ولولا الإِسناد لقالَ مَنْ شاءَ ما شَاء". وعنه: "مَثَلُ الذي يَطْلُب دينَه بلا إسناد، كَمَثَل الذي يرتقي السَّطحَ بلا سُلَّم". وقال سفيان الثوري: "الإِسنادُ سِلاحُ المؤمن، فإذا لم يكن معه سلاحٌ فبأي شيءٍ يقاتل"؟! ¬
وقال الشافعيُّ: "مَثَلُ الذي يطلبُ الحديث بلا إسنادٍ كَمَثَلِ حاطب ليل". وقال بقيَّة: ذاكرتُ حمَّاد بن زيد بأحاديث، فقال: "ما أجْوَدَها لو كانت لها أجنحة" -يعني إسنادًا- انتهى ملخصًا (¬1). وقال عليٌّ القاري المكي في "تذكرة الموضوعات": "قد حكى الحافظ أبو بكر بن خَيْر (¬2): اتَّفق العلماء على أنَّه لا يحلُّ لمسلمٍ أن يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويًّا ولو على أقلِّ وجوهِ الروايات" (¬3). انتهى. فإن قُلتَ: هذه الأحاديث من الأحاديث المشهورة، فلا حاجةَ إلى تحقيق أسانيدها. قُلتُ: إنْ أُريدَ بكونها مشهورةً شُهرتها بالمعنى المصْطَلح عند الأصوليين (¬4)، فهو أيضًا موقوف على ثبوت طُرقها، والاستنادُ بها أيضًا ¬
موقوفٌ على البحثِ عن رواتها. وإنْ أُرِيدَ به مُطْلق الشُّهرة، ولو على ألسنة المتفقِّهة أو العامَّة فلا ينفعُ ذلك؛ لأنَّ مثل هذه الشهرة ساقطةٌ عن الاعتبار فيما هنالك. فكم من أحاديث اشتهرت على ألسنة العامَّة، أو سُطِّرتْ في كتبِ المتفقِّهة ولا أصْلَ لها في الشَّريعة، بل هي موضوعة أو ضعيفة ساقطة، كحديث: "لولاكَ لما خَلَقْتُ الأفلاك"، وحديث: "علماء أمَّتي كأنبياء بني إسرائيل"، وحديث: "يومُ صومكم يومُ نحركم"، وحديث: "لسانُ أهل الجنة العربية والفارسية الدَّرِيَّة"، إلى غير ذلك، على ما لا يخفى على مَنْ طالَعَ كتبَ نُقَّاد الحديثِ المصنَّفة في هذا الباب، كـ "موضوعات" ابن الجوزي، و"اللآلئ المَصْنُوعة في الأحاديث الموضوعة"، و"الدُّرر المُنْتثرة في الأحاديث المشتهرة" كلاهما للسيوطي، و "المقاصد الحَسَنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة" للسَّخَاوي، و"تذكرة الموضوعات" لعلي القاري المكي، وغير ذلك. قال محمَّد بن عبد الرحمن السَّخَاوي في "فتح المغيث بشرح ألفية الحديث" (¬1): المشهورُ يقعُ على ما يُروى بأكثر من اثنين، وعلى ما اشتَهَرَ على الألسنة، فيشملُ ما لَهُ إسنادٌ واحدٌ فَصَاعدًا، بل ما لا يوجد له إسنادٌ أصلًا، كـ "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"، و "وُلِدْتُ في زمنِ الملكِ ¬
العادل كِسْرى"، وقد يَشْتَهر بين الناس أحاديث هي موضوعة بالكلِّيَّة، وذلك كثيرٌ جدًّا، ومن نَظَر في "الموضوعات" لابنِ الجوزيِّ عَرَفَ الكثيرَ من ذلك. انتهى. وقال أيضًا: "لا اعتبار إلَّا بما هو مشهور عند أهل الحديث" (¬1). انتهى. وبالجملة: الشُّهرة الاصْطلاحية، وهي كونُ رواةِ الحديث في الطبقة الأولى آحادًا معدودين، وكثرتُهُم بعد ذلك على ما ذكره أصحاب أصول الحنفيَّة، أو كون طرقه محصورة بأكثر من اثنين على ما ذكره علماء أصول الحديث، مفقودةٌ في هذه الروايات؛ لكونها خاليةً عن الطُّرق والأسانيد. وأمَّا الشُّهرة المُطْلَقَة بمعنى كونها مشهورةً على ألسنة العامة فغيرُ مُعْتَبَرة، وإلَّا يلزم قَبول كثيرٍ من الأحاديث الموضوعة. فإن قال قائلٌ: إنها مشهورةٌ عند الفقهاء. قلنا: ليس ذلك؛ لخلوِّ أكثر كتب الفقه من المذاهب الأربعة عن ذكرها. وإن ادَّعَى أنَّها مشهورةٌ عند المحدِّثين. قلنا: هذا المدَّعي من الكاذبين، فإن أكثر كتب الحديث، بل كلُّها لا أثر لها فيها. فإن قال قائلٌ: نَقْلُ من نَقَلَ هذه الرواياتِ لجلالةِ قَدْرهم، ونَبَاهَةِ ذكرهم: كافٍ للاستناد به. ¬
قلنا: كلَّا، لا يُقْبل حديثٌ من غير إسْناد، ولو نَقَلَهُ مُعْتَمَدٌ، لا سيَّما إذا لم يكن الناقلُ من نقَّاد الأحاديث. وجَلاَلةُ قدْرِهِ لا يَسْتَوجِبُ قَبُولَ كلِّ ما نَقَل، ألا ترى إلى نقلِ صاحبِ "إحياء العلوم" مع جَلالةِ قدْرِهِ أورد في كتابه أحاديثَ لا أَصْلَ لها، فلم يُعتبر بها، كما يظهر من مطالعة "تخريج أحاديثه" للحافظ العراقيّ، وهذا صاحبُ "الهداية" مع كونه مِن أجِلَّة الحنفيَّة، أورَدَ فيها أخبارًا غريبةً وضعيفةً، فلم يُعتَمَد عليها، كما يظهر من مطالعة "تخريج أحاديثها" للزيلعي، وابن حجر العسقلاني. وسابعها: أنَّ آثار الوضع على هذه الروايات ظاهرة، وقرائنُ الاخْتِلاق عليها قائمة. قال الحافظ زين الدين العراقي في "شرح ألفيَّة الحديث": "قال ابن الصَّلاح: وإنما يُعرف كون الحديث موضوعًا بإقرار واضعه، أو ما ينزل منزلةَ إقْراره، قال: وقد يفهمون الوضع من قرينةِ حال الراوي أو المروي، فقد وُضِعَت أحاديث طويلةٌ تشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها" (¬1). انتهى. وروِّينا عن الرَّبيع بن خُثَيم قال: إنَّ للحديثِ ضوءًا كضوءِ النَّهار تُعْرَف، وظلمةً كظلمة الليل تُنْكَر (¬2). وقال ابن الجوزي: اعلم أنَّ الحديث المنكر يقشعِرُّ له جِلْدُ الطالب للعلم، وَيَنْفِرُ عنه قلبُه في الغالب" (¬3). انتهى. ¬
وقال السَّخَاويُّ في "شرح الألفيّة": وربما يُعرف -أي الوضع- بالرِّكَّة -أي الضَّعف- عن قوَّةِ فَصَاحته - صلى الله عليه وسلم - في اللفظ والمعنى معًا، وكذا في أحدهما. والركة في المعنى: كأن يكون مخالفًا للعقل ضرورةً واستدلالًا، ولا يَقبل تأويلًا بحال، نحو الإِخبار عن الجمع بين الضِّدَّين. قال ابن الجوزي: كلُّ حديثٍ رأيتَهُ يخالفُ العقول، أو يناقضُ الأصول، فاعلم أنَّه موضوع، فلا تتكلَّف اعتباره، أي: لا تعتبر رُواتَه، ولا تنظر في جرحهم (¬1). أو يكون مما يدفعه الحِسُّ والمُشاهَدَة، أو مُبَاينًا لنصّ الكتاب، أو السنَّة المتواترة، أو الإِجماع القطعي، أو يتضمَّن الإِفْراطَ بالوعيد الشديد على الأمر اليسير، أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير، وهذا الأخير كثير موجود في حديث القُصَّاص" (¬2). انتهى. وقال الحافظ ابن حجر في "شرح نُخْبة الفكر": "ومنها -أي: قرائن الوضع-: ما يُؤْخذ من حال المرويِّ، كأن يكون مناقضًا لنصِّ القرآن، أو السنَّة المتواترة، أو الإجماع القطعي، أو صريح العقل" (¬3). انتهى. وقال السيوطيُّ في "تَدْريب الراوي بشرح تَقْريب النواوي": "ومن جملة دلائل الوضع: أن يكون مخالفًا للعقل، بحيث لا تقْبل التأويل، أو يكون مما يدفعه الحِسُّ والمُشَاهَدة، وأن يكون منافيًا لأدلة الكتاب ¬
القطعيّة، أو السنَّة المتواترة أو الإِجماع القطعي. وقال ابن الجوزي: ما أحسنَ قول القائل: إذا رأيتَ الحديث يُباينُ المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنَّه موضوع. قال: وأما معنى مناقضته الأصول: أن يكون خارجًا عن دواوين الإِسلام من المسانيد والكتب المشهورة" (¬1). انتهى ملخصًا، ومثله في "مقدمة ابن الصلاح" (¬2)، و"مختصر ابن جماعة" (¬3)، و"خلاصة الطيبي" (¬4)، وغيرها من كتب أصول الحديث. وتفصيل هذا المبحث مفوَّض إلى رسالتي "ظَفَر الأماني بشرح المختَصَر المنسوبِ إلى الجُرْجَاني" (¬5)، وفَّقني الله لختمِهِ كما وَفَقني لِبَدْئِهِ (¬6). ومن المعلوم أنَّ هذه القرائن التي ذكروها لكون الحديث موضوعًا موجودة في هذه الروايات التي سَطروها، فإنَّها مخالفة للعقول، وَمُبَايِنَةٌ ¬
للأصول، ومناقِضَةٌ لصحيح المنقول، ولا أثَرَ لها في دواوين الحديث المشهورة المعتَبَرَة الكافلة لجمع آثار الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفيها من رَكَاكةِ الألفاظ ما لا يخفى على المُتَبَحِّر، ووعدٌ كثير مُبَايِنٌ للعقل والنقل على الفعل القليل المُحْتَقَر. والذي أظنُّه ظنًّا صحيحًا إنْ شاء الله تعالى: أنَّ أمثال هذه الروايات وضَعَها بعض المتعبِّدين الجاهلين، ظنًّا منهم أنَهم يُحسنون، من غير علم أنَّهم في ذلك مُؤَاخَذُون، ونقلَ عنهم جَمْع بعد جمعٍ اعتمادًا عليهم، واغترارًا بحُسْنِ سيرتهم. ويشهدُ لذلك: أنَّه لا يوجد أمثال هذه الروايات إلَّا في كتبِ أصحابِ الأورادِ والوظائفِ، ورسائل من يقْصدُ جمعَ الغرائب واللطائف من غير تَنْقيد وتَسْديد، ولو كان لها أصلٌ لكان له أثرٌ في كتب الصِّحاح أو السُّنن أو المسانيد وغيرِها من تصانيف المحدِّثين، أو كان له ذكر في كتبِ الفقهاءِ المعْتَبَرين، وإذْ ليسَ فليسَ. فإن قال قائل: نَقَلَةُ هذه الروايات من الثقات، ويُسْتبعَدُ عنهم نقلُ الخُرافاتِ والمكذوباتِ. قلنا: كونُهم من المُتَديِّنين لا يُسْتَبْعَدُ به وقوعُ ذلك عنهم، ولا أقول: إنَّهم نَقَلوا ذلك مع علمهم بكذبِ ذلك، بل وقع لهم الاغترارُ بقول غيرهم، فإنَّهم ليسوا من المحدِّثين، ولا أسْندوها إلى أحدٍ من الناقدين. والعبرةُ في هذا البابِ لهم لا لغيرهم. وقد قال السَّخاوي في "شرح الألفية": وأضرُّهم -أي الوضَّاعين-: قومٌ لزهدٍ وصلاحٍ نُسبوا، كأبي بِشْر أحمد بن محمَّد
المَرْوَزي الفقيه، وأبي داود النَّخَعي، قد وضعوا الأحاديثَ في الفضائل والرغائب للحُسْبة، بمعنى أنهم يحتسبون -بزعمهم الباطل وجهلهم في صنيعهم ذلك- الأجر وطلب الثواب، فقُبِلَت تلك الموضوعات رُكونًا إليهم، وَوُثوقا بهم؛ لما اتَّصفُوا بِهِ من التديُّن" (¬1). انتهى. وقال العراقي: وضربٌ يتديَّنون بذلك لترغيبِ النَّاسِ في أفعال الخير بزعمهم، وهم منسوبون إلى الزُّهد، وهم أعظم الأصناف ضَررًا؛ لأنَّهم يحتسبون بذلك، ويرونَهُ قُرْبةً، فلا يمكن تركُهم لذلك، والنَّاسُ يركنون إليهم؛ لما سنُّوا لهم من الزُّهد والصَّلاح، فينقلونُها عنهم. ولهذا قال يحيى بن سعيد القطَّان: ما رأيتُ الصَّالحين أكذب منهم في الحديث، يريد -والله أعلم- بذلك: المنسوبين للصلاح، بغير علم يفرِّقون به بين ما يجوز لهم وما يمتنع عليهم. انتهى. وقد صَرَّح جمعٌ من المحدِّثين بكونِ أمثال هذه الروايات موضوعة، وبكون هذه الصَّلاةِ بِدْعة باطلة. قال علي القاري المكي في "تذكرة الموضوعات" (¬2): حديث "مَنْ قضى صَلاةً من الفرائض في آخرِ جمعةٍ من رمضان كان ذلك جابرًا لكُلّ صلاة فاتَتْهُ في عمره إلى سبعين سنة" باطلٌ قَطْعًا؛ لأنَّه مناقضٌ للإِجماع، على أنَّ شيئًا من العبادات لا يقومُ مقامَ فائتةِ سَنَوات، ثم لا عِبْرة بنقل صاحب "النهاية" (¬3) ولا بقيّة شُرَّاح الهداية؛ لأنَّهم ليسوا من المحدِّثين، ¬
ولا أسْندوا الحديثَ إلى أحدٍ من المخرِّجين (¬1). انتهى، ومثله في رسالة أخرى مختصرة له في الموضوعات مسمَّاة بـ "المَصْنوع في معرفة الموضوع" (¬2). ¬
وقال القاضي الشَّوْكاني في "الفوائِد المجموعة في الأحاديث الموضوعة": حديثُ "مَن صَلَّى في آخر جمعة رمضان، الخمس الصلوات المفروضة في اليوم والليلة، قَضَتْ عنه ما أخَلَّ به من صلاة سنة" هذا موضوعٌ بلا شك فيه، ولم أجدْه في شيءٍ من الكتب التي جمع مصنفوها فيها الأحاديث الموضوعة، ولكنه اشتُهِرَ عند جماعةِ من المتفقِّهة بمدينة صَنْعاء في عَصْرنا هذا، وَصَارَ كثيرٌ منهم يفعلونَ ذلك، ولا أدْري مَنْ وَضَعَه لهم، فقبَّح الله الكذَّابين (¬1). انتهى. وقال الشَّيخ عبد العزيز الدهلوي (¬2) في رسالته "العُجَالة النافعة" (¬3) عند ذكر قرائنِ الوضع ما معرَّبه: الخامس: أن يكون مخالفًا لمُقتَضَى العقل، وتكذِّبه القواعد الشرعية، مثل القضاء العُمُري، ونحو ذلك. انتهى. وفي "شرح المواهب اللدنية" لمحمد بن عبد الباقي الزُّرقاني المالكي نقلًا عن "شرح منهاج النووي" لابن حَجَر المكي الهيْتَمي الشافعي المسمَّى بـ "التُّحفة" بعد ذكر قَبَاحَةِ حفيظةِ رمضان، وسيأتي ذكرها: "وأقْبَحُ من ذلك ما اعتيدَ في بعض البلاد من صَلاةِ الخمس في هذه الجمعة عَقِبَ صلاتها، زاعمينَ أنَّها تكفِّر صَلَواتِ العام أو العُمُر ¬
المتروكة، وذلك حَرَامٌ، لوجوهٍ لا تخفى (¬1). انتهى. وَنَقَلَ بعضهم عن "حماية الفقه": لا سبيلَ لقضاءِ الصَّلوات الخمس في آخرِ جمعةِ رمضان كما قيل: مَنْ قضى صلوات خمسة فهي جابرةٌ لسبعين سنة؛ لأن الأحاديثَ المرويَّة فيه موضوعةٌ عند المحدّثين. انتهى. وَنَقَل أيضًا عن "مواهب المنَّان شرح تُحفة الإخوان" و"التبيين": "وما اعتَادَه بعضُ أهل خُراسان من قَضَاء الفوائتِ المتكثِّرة بقضاءِ صلاةِ يومٍ واحد في الجمعة الأخيرة من رمضان خلفَ الإِمام فليس بشيءٍ؛ لأنَّ فيه مفاسد: أحدها: أنَّ من شروط الاقتداء: اتِّحاد صلاةِ الإِمام والمأمُوم اتحادًا شخصيًّا، وهذا لا يوجَدُ فيهم يقينًا. والثاني: أنَّهم يعتقدون أنَّ هذه الصلاة تكفيهم عن جميع الفوائت، وهذا الاعتقاد يَقْلع أصل أحكام الإِسلام. والثالث: أنَّها إعلانٌ وتشهيرٌ لكبائرِ نفوسِهِم، وهو فسقٌ. والرابع: أنَّها اختراعٌ بِدْعيٌّ، وضلالة ما أجازَ لهم الشَّارعُ لذلك لا دلالةً ولا إشارةً ولا قياسًا ولا إجماعًا، وما رووه من حديث في ذلك: كذبٌ لا ينبغي للمؤمنِ المحقِّق أن يُصْغيَ إليه كما حقَّقه علي القاري في "التذكرة"، والفاضل الكجراتي (¬2) في "مَجْمَع البحار" وغيرهما في غيرهما". انتهى. ¬
وقد بلغني عن بعض النَّاس لما أرسلتُ إليهم عبارةَ القاريِّ الدَّالةَ على الوضع أنه قال: لا اعتبارَ للقاري بحِذاء صَاحبِ "النِّهاية" (¬1) فالمعتَمَدُ هو نقلُ صاحب "النهاية" لا حكمُ القاري. وهذا قولٌ أظُنُّ أنَّ من صَدَرَ عنه جاهلٌ لا يعرفُ مراتبَ المحققين، ولا يعلمُ الفرقَ بين الفقهاء والمحدّثين، فإنَّ الله تعالى خَلَقَ لكل فنٍّ رجالًا، وَجَعَلَ لكلِّ مقامٍ مَقَالًا، وَيَلزَمُ علينا أن نُنزِلَهم منازلَهُم، ونَضَعَهُم بمراتبهم. فأجِلَّهُ الفقهاء إذا كانوا عارين من تنقيدِ الأحاديث: لا نسلِّمُ الرواياتِ التي ذكروها من غير سَنَدٍ ولا مُسْتَنَد إلَّا بتحقيقِ المحدثين. ونقلةُ الأحاديثِ إذا كانوا عارين عن الفَقَاهة: لا نَقْبلُ كلامهم في الفقه، ككلامِ الفقهاء المعتبَرين (¬2). ¬
وقِسْ على هذا صاحبَ كل فن بكل فنٍّ (¬1)، فصاحبُ "النهاية"، وإن كان من أَجِلَّة الفقهاء، لكنه ليس ببالغِ إلى مَرَاتب المحدِّثين، فلا نَقْبَل رواياتِه بلا سَنَد إلَّا إذا نَصَّ على اعتبارها جمعٌ من المحدثين، فإنَّ العبرةَ في هذا الباب كما مرَّ غير مرَّة بهم لا بغيرهم (¬2). ¬
هذا وخُلاصة المَرام في هذا المقام: أن الرواياتِ في بابِ القضاء العُمُري مكذوبةٌ وموضوعةٌ، والاهتمام به مع اعتقادِ تكفير ما مضى بدعةٌ باطلة، وليس العمل به إلَّا كالعملِ بأحاديثِ صلاةِ الرَّغائب، وصلاةِ شعبان، وغيرها ممَّا صَرَّحوا بوضْعها واخْتلاقها، وقد صرَّحوا بأن العمل بالحديث الموضوع، وكذا ذِكْرُهُ من دون اقترانِ حكم وضعه محرَّم لا يفعله من له أدْنى حُلمٍ. * * * ومن الأمور المحَدثَة الباطلة في آخر جمعة رمضان: كتابة حفيظة رمضان قال السَّخَاويُّ في "المَقَاصِدِ الحَسَنة في الأحاديث المُشْتَهرة على الألسنة" (¬1) حديث: "لا آلاءَ إلَّا آلاؤك يا الله (¬2)، إنَّك سميعٌ عليمٌ، محيطٌ به علمك كَعَسْلَهون (¬3)، وبالحقِّ أنزلناه وبالحقِّ نزل". هذه ألفاظ اشتهرت ببلاد اليمن ومكة ومصر والمغرب: أنَّها حفيظة رمضان، تحفظُ من الغَرَق ¬
والسَّرَق والحَرَق وسائر الآفات، وتكتب في آخرِ جمعةِ منه، فجُمهورهم يكتبُها والخطيبُ يخطب على المنبر، وبعضهم بعدَ صلاة العصر، وهي بدعةٌ لا أصلَ لها، وإن وَقَعت في كلام بعضهم (¬1) بورودها في حديث ضعيف. وكان شيخُنا -رحمه الله- ينكرها جدًّا حتى وهو على المنبر في أثناء الخطبة حين يرى من يكتبها كما بيَّنته في "الجواهر والدُّرَر" (¬2). ونقله عنه تلميذه القسطلاني في "المواهب اللدنية" (¬3)، وأقرَّه. وقال الزُّرقاني في شرحه نقلًا عن "التحفة": جَزَم أئمتُنَا وغيرُهم بحرمةِ كتابة وقراءةِ الكلماتِ الأعجمية التي لا يُعرف معناها، وقول بعض: (كعسلهون: حيَّةٌ محيطةٌ بالعرش، رأسُها على ذَنبَها)، لا يُعوَّلُ عليه؛ لأنَّ مثل ذلك لا مَدخَل للرأي فيه، فلا يقبل فيه إلَّا ما ثبَتَ عن معصوم، على أنَّها بهذا المعنى لا تُلاَئم ما قبلها في الحفيظة، وهو: "لا آلاء إلَّا آلاؤك"، بل هذا اللفظ في غاية الإِبهام، ومن ثمَّ قيل: إنَها اسمُ صنمٍ أدخلها مُلحِدٌ على جَهَلة العوام. وكأنَ بعضَهم أرادَ دفع ذلك الإِبْهام فزادَ بعد الجلالة: "محيطٌ به علمك كَعَسْلَهون"، أي: كإحاطة تلك الحيّة بالعرش، وهو غفلةٌ عما تقرَّر أنَّ هذا لا يقبل إلَّا ما صَح فيه عن معصوم. وأَقبح من ذلك ما اعتِيدَ في بعضِ البلاد من صَلاةِ الخمسِ في هذه ¬
الجمعة" (¬1)، إلى آخر ما مرَّ نقله سابقًا. وقال ابن الحاج المالكي في "المدخل": وينهى النَّاسَ عن كَتْبِهِمُ الحفائظَ في آخرِ جمعةِ رمضان في حالِ الخُطبة، وذلك يُمنع، لوجوه: أحدها: لما احتوتْ عليه من اللفظِ العَجَمي، وقد قال مالكٌ لما سُئِلَ عنه: وما يُدريك لعلَّه كفر؟ وثانيها: أنَّ فيه اللغو في حَال الخُطْبة. الثالث: أنَّه يشتغل بالكتب عن سَماع الخُطْبة. الرابع: أنه يشتغل ببدعة، ويترك ما اختلفَ فيه الناس من الإِصْغَاء حال الخُطبة: هل هو فرض أو سنَّةٌ مؤكَّدة؟ الخامس: ما أحدثوه من بيعها وشرائعها في المسجد، فَيَنْهى عن ذلك ويَزْجُرَ فاعلَه، وبعضُ الناس يكتُبها بعد صلاة العصر يوم الجمعة، وذلك بِدعة أيضًا، لكنَّها أخف من البدعة المتقدِّم ذكرها، إذ ليس ثَمَّ خُطبة يُشتغل عنها, ولو كَتَبها وأسْقَط عنها اللفظَ العَجَمي، ولم يتَّخذ لكتابتها وقتًا معلومًا لكَانَ ذلك جائزًا (¬2). انتهى. ¬
ومن الأمور المحدثة: تسميتهم الجمعة الآخرة من جمعات رمضان بجمعة الوداع وهذه التسمية وإن لم يرد بها كتابٌ ولا سُنَّةٌ، لكن لا بأسَ بذلك، أخذًا من تسميةِ آخرِ حَجَّات النبي - صلى الله عليه وسلم - في السَّنَةِ العاشرة من الهجرة بحجَّة الوداع، وليس في أمثالِ هذه التسميةِ ابتداءُ غير مشروع واختراع أمرٍ ممنوع. ومن الأمور المحدثة: ما شاعَ في أكثر بلاد الهند والدَّكَن وغيرهما من قراءة الخطباء في خطبة آخر جمعات رمضان أشعارًا فارسية وهندية، مشتملة على مضامين التحسُّر بذهاب رمضان وهذا أمرٌ يجبُ على العلماء الزَّجرُ عنه، فإنَّ خَلْطَ الخُطبة بغير العربية، وكذا قراءة كلِّها بغير العربية خلافُ السُّنَّة المتوارَثَة من عصر حَضْره الرسالة والصَّحابة ومَنْ بَعدهم من أربابِ الجلالة، وقد حَقَّقْتُ هذه المسألة مع مالَهَا وما عليها في رسالتي: "آكام النفائس في أداءِ الأذكار بلسانِ الفارس"، فَلْتُطَالع. ¬
ومن الأمور المحدَثة: ما ذاعَ في أكثر بلاد الهند والدكن وغيرهما من تسمية خُطبة الجمعة الأخيرة بخطبة الوداع، وتضمينها جُمَلًا دالّةَ على التحسُّر بذَهاب ذلك الشَّهر فَيُدْرجونَ جُمَلًا دالَّةً على فَضَائل ذلك الشَّهر، ويقولون بعد جملة أو جملتين: الوداع والوداع، أو الفراقَ والفراقَ لشهر رمضان، أو الوداع والوداع يا شهرَ رمضان، ونحو ذلك من الألفاظ الدَّالة على ذلك. ومنهم من يقرأ خطبة الوداع يوم عيد الفطر. وهذا المُحدَث لا يُدْرى من أي زمانٍ حَدَثَ، وأينَ حَدَث؟ وكتبُ الفقهِ والحديثِ من المتقدِّمين والمتأخّرين لا يوجَدُ فيها أثرٌ من ذلك. وقد اختلف أربابُ العلم في عصرنا، وشيء ممَّن قبلنا في ذلك، فمن مُفرط مشدِّد، ومن مُفرط غير مشدِّد. أما الفرقة الأولى: فشدَّدت في منعها بالكليَّة، وحكمت بكونها ضلالة لوجوه: الأول: أنَّ مثل هذه الخطبة المشتَمِلة على مثل هذه الكلماتِ الوداعيَّة لم يُنقل عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِهِ وتابعيهم وتبعهم، وكلُّ ما لم يوجد في القرون الثلاثة فهو بِدعةٌ مُحدَثة، وكلُّ بدعةٍ ضَلالةٌ. وفيه: أنَّ البدعة في الكُبرى الأولى إنْ أُريد بها البدعة اللغوية (¬1)، ¬
فإنْ أُريد في كبرى القياس الثاني: البدعة الشرعيَّة، وهي: ما لم يوجد بنفسه ولا بنظيره في القرون الثلاثة، ولم يدلَّ عليه دليلٌ من الأدلة الشرعية فالحدُّ الأوسط غيرُ متكرِّر، وإنْ أُريد بها اللغوية أيضًا، فالكلية ممنوعةٌ، لأنَّ المحكومَ عليه يكون كلِّ فرد منه ضلالة إنَّما هو البدعة الشرعية، وأمَّا اللغوية فَمُنْقَسِمَةٌ إلى أقسامٍ خمسة: مباحة (¬1)، وواجبة (¬2)، ومحرَّمة (¬3)، ومكروهة (¬4)، ومندوبة (¬5). وإن أُريدَ بالبدعة في الكُبْرى الأولى: البدعةُ الشَّرعية فهي في حيِّز المنع، فلا يفيد القياس النفع. وقد حقَّقْتُ هذا البحثَ وما يتعلَّقُ به في رسالتي: "إقامة الحُجَّة على أنَّ الإِكثار في التعبُّد ليس بِبِدعة" (¬6)، وفي رسالتي: "تحفة الأخيار في إحياءِ سُنَّةِ سيِّد الأبرار" (¬7)، وفي رسالتي: "التحقيق العَجيب فيما يتعلَّق بالتثْويب"، وفي رسالتي: "ترويح الجَنَان بتشريح حكم شرب ¬
الدخان" (¬1) وغيرها، فَلْتُطَالَع. وأيضًا، لو تمَّ هذا الدليل لم يخصَّ بخطبة الوداع، بل جرى في كلِّ خطبةٍ صنَّفها العلماء، وقرأها الخطباء بعباراتٍ جديدة لم تُنْقَل عن حضرة الرسالة والصَّحابة ومَنْ بَعدهم ممَّن تَبِعَهم. والحلُّ: أنَّ أصلَ وضعِ الخُطبة لتذكير نِعَم الله، والتخويفِ من عذابِ الله، والمقْصودُ منها إنَّما هو الترغيب والترهيب، وتعليمُ الأحكام، فكل ما اشتَمَل عليه يحصلُ به المَرام، سواءٌ كانت معانيه وألفاظه بعينها مأثورة، أو كانت مُختَرعةً مُحْدَثة، فليسَ الاختراع في مثلِ ذلك موجبًا للضلالة، وإلَّا للزم حَصْرُ الخُطَب في الخطب المنقولة عن أصحابِ القرون الثلاثة، ولم تقُل به أحدٌ من العلماء، فلم يَزل الفُضَلاء يصنِّفون خطبًا مُشْتَملةً على ألفاظٍ جديدة، ومعاني غريبة، ولم يزل الخُطَبَاء يَنحِتون ترغيباتٍ وترهيباتٍ من غير قَصْرٍ على الألفاظِ المأثورة. نعم يجب ألا يكون اختراع الألفاظ والمعاني مُفَوَّتًا لأصْل مَقْصودِ الخُطْبة، وأن لا يكون مغيِّرًا لوضع الخطبة، كالعبارات الفارسيّة والهنديّة وغيرها التي تُغيِّر وضعَها، فإنَّ وضعها إنَّما هو بالعربية لا غيرها. الوجه الثاني: ما ذكره بعضُ أفاضلِ عصرنا (¬2) في مَنْهيات رسالته ¬
"الموعظة الحسنة بما يُخطَب به في أيام السنة" من أن تضمين معنى الحَسْرة على وداع رمضان غير مشروع؛ لأنَّ إفطار الصوم أحد أسباب الفرحة، بدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه"، أخرجه الشيخان (¬1)، وقد شُرِعَت صلاة العيد يوم الفطر للاسْتِبْشَار بخَتْم شهر الصِّيام، وحصول تأدية أمرِ الملك العلَّام، فلا وَجْهَ للتحزُّن وإظهَارِ الحُزن على انْقِضَاء شهر رمضان (¬2). وفيه: أنَّ الفَرحةَ بالإِفطار المذكورة في الحديث، إنَّما هي فرحةٌ عادية طبيعية، لا فرحةٌ شرعيّةٌ، فإنَّ النفسَ الإِنسانيّة لمَّا خُلِقَت متألِّفة بالأكل والشُّرب وقضاءِ اللذَّات، وزُيِّن لها حبُّ الشهوات، لا بدَّ أن تحصَل لها الفرحة بمقْتَضى طَبْعها عند الإِفطار، وهذه فرحةٌ عادية دنيوية، والأُخرى تحصل لها عند رؤية ربِّها الغفار، وأمَّا الفرحةُ الشَّرعيّه فإنَّما هي في الصوم لا في فِطْره، ولذلك ترى النفوس القُدْسيّة يحصُل لهم الفرحُ والنشاطُ في حالةِ العبادة ما لا يحصل بانقضائها، وشاهدُهُ قوله عليه الصلاة والسلام: "حُبِّب إليَّ: النساءُ، والطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّة عيني في الصلاة". قال السَّخَاويُّ في "المَقَاصد الحَسَنة" (¬3): أخرجه الطبراني في ¬
"الأوسط" (¬1) من حديث إسحاق بن عبد الله بن أبي طَلْحة عن أنسِ به مرفوعًا، وكذا هو عنده في "الصغير" (¬2)، وكذا للخطيب في "تاريخ بغداد" (¬3) من هذا الوجْه، لكن مُقْتصرًا على جملة: "وجُعِلَت" فقط، ورواه النسائي في سننه من حديث سيّار (¬4)، عن جعفر عن ثابت، عن أنس بلفظ الترجمة (¬5)، وأخرجه الحاكم في "مستدركه" (¬6) بدون لفظة: "جُعِلتَ"، وقال: إنَّه صحيحٌ على شرطِ مُسلم، ورواه مُؤَمَّلُ بن إهاب في "جزئه" الشهير (¬7)، قال: ثنا سفيان عن جعفر به بلفظ: "وجعل قرَّة" والباقي سواء، وأخرجه ابنُ عديّ في "كامله" (¬8) من جهة سَلَّام: أنبأنا ثابت البناني وعليّ بن زيد، كلاهما عن أنس بلفظ الترجمة، وهو عند النسائي (¬9) أيضًا من جهة سلَّام أبي المنذر عن ثابت عن أنس بلفظ: "حُبِّب إليَّ من الدنيا: النساءُ، والطيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عيني في الصَّلاة"، وَمِنْ هذا الوجه أخرجه أحمد (¬10) ¬
وأبو يعلى في مسنديهما (¬1)، وأبو عَوَانة في مستخرجه الصحيح، والطبراني في "الأوْسط" (¬2)، والبيهقي في "سننه" (¬3)، وآخرون حسبما بَيَّنْتُهُ موضحًا في جُزء أفردتُه لهذا الحديث، وقد عَزَاه الدَّيْلمي بلفظ: "حُبِّب إليَّ كلُّ شيء، وحُبِّب إليَّ النساء ... " للنسائي وغيره ممَّا لم أره فيها" (¬4). انتهى ملخَّصًا. فالحاصل: أنَّ النفوسَ البَرَرة شأنُها الفرحُ بالعِبَادات، مثل الصَّوم والحج وغيرهما، وكذلك ينبغي أن تكون قُرَّةُ العين فيها، وبانقضائِها وَمُضيِّ أيامِها يحصُلُ لهم الحزنُ والألم، ويتكدَّر طبعُهُم بانقضاءِ أيَّام البركة، ويعرضُ لها غمٌّ وأيُّ غمٍ، وأيُّ حزن أعظم للبَرَرَةِ من مُفارَقَةِ أيام رمضان المشْتَمِلَةِ على أنواع الرحمةِ والغُفران. وقد عَقَدَ الحافظ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن رَجَب، من تلامِذَةِ ابنِ القيِّم تلميذِ ابنِ تيمية في كتابه "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، مجالس فيما يتعلَّق بشهر رمضان، وترجم المجلس السادس بقوله: المجلس السادس في وداع شهر رمضان المعظَّم قدره وحرمته، وأورد فيه أحاديث مشتملة على فضائلِهِ وفضائلِ صيامه وقيامِه، وقال فيه: "كان بعضُ السلف يَظْهَرُ عليه الحُزنُ يومَ عيد ¬
الفطْر، فيقال له: إنَّه يومُ فَرَحٍ وسرورٍ، فيقول: صدقتم، ولكني عبدٌ أمرني مولاي أن أعمل له عملًا، فلا أدري أيقبله أم لا؟ ورأى وُهَيْبُ بن الورد قومًا يضحكون في يومِ عيدٍ، فقال: إن كان هؤلاء تُقُبِّل منهم صيامُهم فما هذا فعلُ الشاكرين، وإن كانوا لم يُتَقَبَّلْ منهم صيامُهم، فما هذا فعل الخائفين. ورُوي عن عليّ رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخِر ليلةٍ من رمضان: يا لَيْتَ شِعري! مَنْ هذا المقبول فنهنِّيه، ومَنْ هذا المحروم فنُعَزِّيه؟. وعن ابن مسعود أنه قال: مَنْ هذا المقبولُ فنهنِّيه، ومَنْ هذا المحروم فَنُعَزِّيه؟ أيُّها المقْبولُ: هنيئًا لك، وأيُّها المردود: جَبَر الله مُصيبَتَك" (¬1). انتهى. وقال أيضًا بعد ذكر قدر من بركاته ومناقبه: "عبادَ الله، إنَّ شهرَ رمضان قد عَزَمَ على الرَّحيل، ولم يَبْقَ منه إلَّا القليل، فَمَنْ كان منكم أحسَنَ فيه فعليه التمام، ومن كان فرَّط فَلْيَخْتمه بالحُسْنَى؛ فالعملُ بالخِتَام. فاستمتعوا منه فيما بقي من الليالي اليسيرة والأيام، واسْتَودعوه عَمَلًا صالحًا يشهَدُ لكم به عند المَلِكِ العلَّام، وودِّعوه عند فِراقه بأزْكى تحيَّةٍ وسلام. سَلاَمٌ من الرَّحمن كُلَّ أوان ... على خيرِ شَهْرٍ قد مضَى وزَمَانِ سَلاَمٌ على شَهرِ الصِّيام فإنَّهُ ... أمانٌ من الرَّحمنِ أيُّ أمانِ لَئِنْ فَنِيَتْ أيَّامُك الغُرُّ بَغتةً ... فما الحزنُ من قلبي عليك بفانِ لقد ذَهَبتْ أيَّامُهُ وما أَطَعْتُم، وكُتِبَتْ عليكم آثامُه وما ¬
أضعتم (¬1)، فكأنَّكم بالمشمِّرين فيه وقد وَصلو وانقطعتم. قلوبُ المتَّقين إلى هذا الشَّهر تَحِنُّ، ومن ألم فِراقه تَئِنُّ. دَهَاكَ الفِرَاق فما تَصْنَعُ ... أَتَصْبِرُ للبَيْن أم تَجْزَعُ إذا كُنْتَ تبكي وهُمْ جيرةٌ ... فكيفَ تكونُ إذا وَدَّعُوا كيف لا يَجْري للمؤمنِ على فِراقه دموع، وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع. تذكَّرْتُ أيّامًا مَضَتْ وَلَيَالِيَا ... خَلَتْ فَجَرَتْ من ذكرِهِنَّ دُمُوعُ ألا هَلْ لها يومًا من الدَّهْرِ عَوْدَةٌ ... وَهَلْ لي إلى وقتِ الوِصَال رُجُوعُ وَهَلْ بَعد إعراضِ الحبيبِ تواصُلٌ ... وَهَلْ لبدورٍ قَدْ أَفَلْنَ طُلُوعُ أَينَ حَرَقُ المجتهدين في نهاره؟ أين قَلَقُ المتهجِّدين في أسحاره؟ وإذا كان هذا جَزَعَ مَنْ رَبِحَ فيه، فما حالُ مَن خَسِر في أيَّامه ولياليه؟ ماذا ينفعُ المفرِّطَ فيه بكاؤه، وقد عَظُمَت فيه مصيبتُهُ وَجَلَّ عزاؤه؟ كم نُصِحَ المسكين (¬2) فما قَبِلَ النُّصْحَ؟ كم دُعِيَ إلى المصالحة فما أجابَ إلى الصُّلْح؟ كم شَاهَدَ الواصلين فيه وهو مُتبَاعِد؟ كم مَرَّتْ به زُمَر السَّائرين وهو قاعد؟ حتى إذا ضاقَ به الوقت (¬3)، وحاقَ به المقْتُ، ندم على التفريط حين لا ينفع النَّدَم، وطلبَ الاستدراكَ في وقْتِ العَدَم. أَتَتْركُ من تُحبُّ وأنتَ جارُ ... وتَطْلبُهُم إذا بَعُدَ المَزَارُ ¬
وتبكي بَعْدَ نَأْيِهمُ اشْتِيَاقًا ... وتسألُ في المنازِلِ أينَ سَارُوا تركتَ سؤالَهم وَهُمُ حُضُورٌ ... وتَرْجُو أن تُخَبِّرَكَ الدِّيارُ يا شهرَ رمضان ترفَّقْ، دموعُ المحبِّين تَدَفَّقْ، قلوبُهم مِن ألم الفِراق تَشَقَّقْ، عَسى وقفةٌ للوداع تُطفئ من نار الشَّوْق ما أحْرَقْ، عسى ساعةُ توبةٍ وإقْلاعٍ ترفو من الصِّيام كُلَّ ما تَخَرَّقْ، عَسَى مُنْقَطِعٌ عن رَكْبِ المقْبولين يَلحَق، عسى أسيرُ الأَوْزار يُطْلَقْ، عَسَى من اسْتَوْجَبَ النَّار يُعْتَقْ، عسى رحمةُ المولى لها العاصي يوفَّق" (¬1). انتهى كلامه ملخصًا. الوَجْهُ الثالث: ما ذكره ذلك الفاضل أيضًا: أنَّ الأركان الخمسة الإِسلامية مُتَساوية الأقْدام، ولا دليلَ على تخصيص الحُزنِ بذهاب رمضان، ولم يَرِد به الشَّرع، ولو كان هذا بالقياس، يلزمُ أن يُظهر مثل هذا الحزن والألم بعد كلِّ ركنٍ من الصَّلاة والحج والزكاة، ولا قائلَ به. وفيه: أنَّ الزكاة ليس لأدائها وقت مُعيَّن شرعًا, ولا يمكنُ أداؤها في وقتٍ واحدٍ جمعًا؛ لاختلافِ النَّاس في أزمنةِ مِلْك النِّصَاب، وتفاوتهم في شروط الإِيجاب، وليست لأوقاتِ أدائها بركة معهودة شرعًا ولا عُرفًا، فلا يمكن الحزنُ وإظهارُه عند ذلك، ولا يُتصوَّر التحسُّر من ذهاب شيءٍ فيما هنالك، بخلاف صيام رمضان، فإنَّ له وقتًا معلومًا بالنسبة إلى جميع المكلَّفينَ، وله بَرَكَةٌ عظيمةٌ، ومَنْقَبَةٌ جَسيمةٌ للعالَمين، فذهابُه حَسْرَةٌ عظيمةٌ، كيف لا وإدْراكُ رمضان آخر بسببِ امتداد الزمان أمرٌ موهوم، بخلاف الصَّلاة، فإنَّ جميعَ أوقاتِها ليست في عمومِ المغفرةِ مثل تلك الأيَّام، وإدْراك وقتٍ آخر للصلاة أمرٌ غير موهوم. ¬
وأما أوقات الحج فهي وإن كانت متبرَّكة، لكن هذه العبادة ليست شاملةً في وقت واحد لجميع المكلَّفين، بل خاصٌّ بأهلِ مكة ومَنْ فيها من الآفاقيين. وبالجملة: فالفرقُ بين ذهاب رمضان، وبين ذهاب أوقاتِ الصَّلاة والحج والزَّكاة ظاهرٌ غيرُ خَفِي على الماهر، فلا يلزم من عدم وقوع التحسُّر بذهابها عدم وقوع التحسُّر بذهاب هذا الشهر. وأما الفرقة الثانية: فقد بالغت في تَجْويز خُطبة الوداع، والتزمَتْهُ، وقاسَتْه على خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخرِ شعبان، المُشْتَمِلَةِ على بِشَارة مجيء شهر رمضان على مَا مَرَّ من روايةِ سلمان. وفيه: أن جواز بِشَارة شيء، وإظهار السُّرور بقُربه لا يستلزم إظهارَ التحسُّر بذهابه. والإِنصاف: أنَّ قراءةَ خُطْبةِ الوداع إذا كانت مشتملةً على معاني صحيحة، وألفاظٍ لطيفة لم يدل دليلٌ على منعها, وليس فيها ابْتداع وضلالة في نفسها, لكن الأَوْلى هو الاتِّباع لطريقةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابِه، فإنَّ الخيرَ كلَّه في الاتباع به، لا سيَّما إذا وُجِدَ التزام ما لم يلزم، وظُنَّ ما ليس من الشَّرع من الشَّرع، وما ليس بسُنَّةٍ من السُّنَّة، وقد تقرَّر في مقرِّه أنَّ كل مُبَاحٍ أدَّى إلى التزام غير مشروع، وإلى إفسادِ عقائدِ الجَهَلة وَجَبَ تركُه على الكَمَلة. فالواجبُ على العلماء ألَّا يلتزموا على قراءةِ مثل هذه الخُطبة؛ لكونه مؤدِّيًا إلى اعتقاد السُنِيَّة، وقد وَقَع ذلك من العوام؛ حيث اهتمُّوا بمثل هذه الخطبة غايةَ الاهتمام، وظنُّوها من السُّنن المأثورة، حتى إنَّ من يتركها
ينسبونَه إلى سُوءِ العقيدة، ومن ثَمَّ مَنَعَ الفقهاءُ عن التزام قراءةِ سورة الدَّهر وتنزيلِ السَّجدة في صَلاةِ فجر الجمعة مع كونه ثابتًا في الأخبار المشهورة، وعن سجدةٍ منفردة بعد صلاةِ الوتر، وأمثال ذلك مما يُفْضي إلى ظنِّ العوام أنَّه من السُنَّة، وأنَّ مخالفته بدعة، ونظائرُه كثيرة في كتبِ العلوم شهيرة. وقد بلغ التزام خُطبة الوداع، والاهتمام بها في أعصارنا وديارنا إلى حدٍّ أفسد ظنونَ الجَهَلَة، فعلى أهلِ العلمِ الذين هم كالمِلْح في الطعام، إذا فَسَدَ فَسَدَ الطَّعام، أن يتركوا الالتزام. هذا ما عندي، ولعلَّ عند غيري أحسن ممَّا عندي، وهذا آخر الكلام في هذه الرسالة (¬1)، وكان ذلك ليلة الإِثنين السابع والعشرين من صفر من ¬
السنة السابعة والتسعين بعد الألف والمائتين من الهجرة على صاحبها أفضلُ الصَّلوات وأزكى تحيَّة. وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلاةُ على رسوله محمدِ وآلِهِ وصحبِهِ أجمعين. * * * ¬
فهرس المصادر
فهرس المصادر 1 - آكام النفائس في أداء الأذكار بلسان فارس، للكنوي، المطبع المصطفاني 1303. 2 - الإبداع في مضار الابتداع، لعلي محفوظ، دار الاعتصام، الطبعة السابعة. 3 - أبو جعفر الطحاوي الإمام المحدث الفقيه، لعبد الله نذير، دار القلم، الطبعة الأولى 1411. 4 - الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة، للكنوي، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مطبعة الأصيل بحلب 1384. 5 - إرشاد الساري شرح صحيح البخاري، للقسطلاني، الطبعة الأميرية ببولاق 1323، تصوير دار الكتاب العربي ببيروت 1404. 6 - الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، لملا علي القاري، تحقيق محمَّد الصباغ، المكتب الإِسلامي، الطبعة الثانية 1406. 7 - الإِسناد من الدين، لعبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإِسلامية بحلب، الطبعة الأولى 1412. 8 - الأصل، لمحمد بن الحسن الشيباني، تحقيق أبو الوفا الأفغاني، حيدرآباد. 9 - الأعلام، لخير الدين الزركلي، الطبعة الخامسة، دار العلم للملايين، بيروت 1980. 10 - إقامة الحجة على أن الإِكثار في التعبد ليس ببدعة، للكنوي، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإِسلامية بحلب، الطبعة الثانية 1410. 11 - إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، لإسماعيل باشا البغدادي كشف الظنون. 12 - البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم، تصوير دار المعرفة ببيروت، الطبعة الثانية. 13 - البرهان على تحسين حديث سلمان، لأبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري، دار ابن حزم بالرياض.
14 - بلوغ الأماني في سيرة الإِمام محمَّد بن الحسن الشيباني، للكوثري، الأنوار 1368. 15 - تاج التراجم، لابن قطلوبغا، تحقيق محمَّد خير رمضان يوسف، دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى 1413. 16 - تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، مكتبة الخانجي 1349. 17 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، لفخر الدين الزيلعي، مصورة دار المعرفة عن الطبعة الأولى ببولاق 1315. 18 - تحفة الأخيار في إحياء سنة سيد الأبرار، للكنوي، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإِسلامية بحلب، الطبعة الأولى 1412. 19 - تدريب الراوي على تقريب النواوي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، مطبعة السعادة 1388. 20 - ترويح الجنان بتشريح حكم شرب الدخان، للكنوي، المطبع المصطفائي 1299. 12 - التعليقات الحافلة على الأجوبة الفاضلة، لعبد الفتاح أبو غدة، مطبعة الأصيل بحلب 1384. 22 - التعليقات السنية على الفوائد البهية، للكنوي مع الفوائد البهية. 23 - التعليق الممجَّد على موطأ الإمام محمَّد، للكنوي، قدَّم له عبد الفتاح أبو غدة، دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى 1412. 24 - التلخيص الحبير بتخريج أحاديث شرح الرافعي الكبير، لابن حجر، تصحيح عبد الله هاشم اليماني 1384. 25 - جزء المؤمَّل بن إهاب، تحقيق عماد فرة، دار البخاري ببريدة، الطبعة الأولى 1413. 26 - الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإِسلام الحافظ ابن حجر، للسخاوي، تحقيق إبراهيم باجس، دار ابن حزم ببيروت، الطبعة الأولى 1419. 27 - الجواهر المضيَّة في طبقات الحنفية، لعبد القادر القرشي، تحقيق عبد الفتاح الحلو، مؤسسة الرسالة ببيروت 1413. 28 - حاشية ابن عابدين = رد المحتار على الدر المختار. 29 - حُسْن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي، للكوثري، مطبعة الأنوار 1368. 30 - حُسْن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، للسيوطي، تحقيق محمَّد أبو الفضل إبراهيم، الأولى 1387.
31 - حلية البشر في أعيان القرن الثالث عشر، لعبد الرزاق البيطار، مصورة مكتبة الإِمام الشافعي عن طبعة مجمع اللغة العربية 1380. 32 - خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر، للحجي، المطبعة الوهبية، 1284، تصوير دار صادر ببيروت. 33 - الخلاصة في أصول الحديث، للطيبي، تحقيق صبحي السامرائي، عالم الكتب، الطبعة الأولى 1405. 34 - دراسة حديثية مقارنة لنصب الراية وفتح القدير ومنية الألمعي، لمحمد عوامة، مؤسسة الريان، الطبعة الأولى 1418. 35 - الدر المختار بشرح تنوير الأبصار، للحصكفي= رد المحتار على الدر المختار. 36 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور، للسيوطي، دار المعرفة ببيروت. 37 - رجال من التاريخ, لعلي الطنطاوي، دار المنارة بجدة، الطبعة الثامنة 1411. 38 - رد المحتار على الدر المختار، لابن عابدين، مصطفى البابي الحلبي 1386. 39 - الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، لابن الوزير، تحقيق علي العمران، دار عالم الفوائد بمكة المكرمة، الطبعة الأولى 1419. 40 - زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة، لخلدون الأحدب، دار القلم دمشق 1417. 41 - الزواجر على اقتراف الكبائر، لابن حجر الهيتمي، تحقيق أحمد عبد الشافي، دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية 1414. 42 - السعاية في كشف ما في شرح الوقاية، للكنوي، لاهور، باكستان 1396. 43 - سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، للمرادي، الطبعة الميرية 1301، تصوير دار البشائر الإِسلامية، ودار ابن حزم، الطبعة الثالثة 1408. 44 - سنن ابن ماجه، تحقيق محمَّد فؤاد عبد الباقي، مطبعة عيسى البابي الحلبي 1372. 45 - سنن أبي داود، تحقيق محمَّد عوامة، دار القبلة ومؤسسة الريان، الطبعة الأولى 1419. 46 - سنن الترمذي، تحقيق أحمد شاكر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1398. 47 - سنن الدارقطني، طبعة عبد الله هاشم اليماني، 1386. 48 - سنن النسائي، بعناية عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإِسلامية، بيروت 1406. 49 - السنن الكبرى, للنسائي، طبعة دار الكتب العلمية ببيروت.
50 - السنن الكبرى، للبيهقي، مصورة دار الفكر لطبعة حيدرآباد الدكن. 51 - سير أعلام النبلاء، للذهبي، تحقيق جماعة من الأساتذة، مؤسسة الرسالة، ببيروت 1401. 52 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد، دار الآفاق الجديدة. 53 - شرح الزرقاني على المواهب اللدنية، المطبعة الأزهرية 1329، تصوير دار المعرفة بيروت 1414. 54 - شعب الإِيمان، للبيهقي، تحقيق عبد العلي حامد، الدار السلفية بالهند 1406، مطبعة محمَّد السعيد زغلول ببيروت 1410. 55 - الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية، لطاش كبري زاده، تحقيق أحمد صبحي فران، منشورات جامعة استامبول 1405. 56 - صحيح ابن حبان (الإِحسان في ترتيب صحيح ابن حبان) ترتيب علي بن بَلْبان الفارسي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى 1408. 57 - صحيح ابن خزيمة، تحقيق مصطفى الأعظمي، المكتب الإِسلامي، الطبعة الثانية 1401. 58 - صحيح البخاري، مطبوع مع فتح الباري، المطبعة السلفية 1380. 59 - صحيح مسلم، تحقيق محمَّد فؤاد عبد الباقي، مصورة دار إحياء التراث العربي ببيروت. 60 - الضعفاء, للعقيلي، طبعة عبد المعطي قلعه جي، دار الكتب العلمية ببيروت 1404. 61 - الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، للسخاوي، طبعة القدسي 1355. 62 - طرب الأماثل بتراجم الأفاضل، للكنوي، الناشر قديمي كتب خانه، باكستان. 63 - ظفر الأماني بشرح مختصر السيد الشريف الجرجاني، للكنوي، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإِسلامية بحلب، الطبعة الثالثة 1416. 64 - العبر في خبر من غير، للذهبي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1405. 65 - عشرة النساء، للنسائي، تحقيق عمرو علي عمر، مكتبة السنة بالقاهرة، الطبعة الأولى 1408. 66 - العقود الدريَّة في تنقيح الفتاوى الحامدية، لابن عابدين، طبعة الكاستلية. 67 - علوم الحديث، لابن الصلاح، تحقيق نور الدين عتر، دار الفكر بدمشق، 1406.
68 - الفتاوى البزازية، لحافظ الدين محمَّد المعروف بابن البزاز الكردري، مطبوع بحاشية الفتاوى الهندية. 69 - فتاوى قاضيخان، لحسن بن منصور الأوزجندي، مطبوع بحاشية الفتاوى الهندية. 70 - فتاوى النوازل، لأبي الليث السمرقندي، بعناية السيد حيدر محمَّد الحسني القادري، حيدرآباد 1355. 71 - الفتاوى الهندية، للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، طبعة بولاق 1311، تصوير دار إحياء التراث العربي، الطبعة الرابعة 1406. 72 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر العسقلاني، مصورة دار المعرفة عن الطبعة السلفية بمصر. 73 - فتح القدير للعاجز الفقير، شرح الهداية، لابن الهمام، طبعة مصطفى محمَّد 1356. 74 - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، للسخاوي: تحقيق علي حسين علي، دار الإمام الطبري، الطبعة الثانية 1412. 75 - الفوائد البهية في تراجم الحنفية، للكنوي، طبعة الخانجي والجمالي 1324. 76 - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، للشوكاني، تحقيق عبد الرحمن المعلمي، المكتب الإِسلامي، الطبعة الثانية 1392. 77 - القواعد الفقهية، لعلي أحمد الندوي، دار القلم بدمشق، الطبعة الرابعة 1418. 78 - الكاشف، للذهبي، بحاشية سبط ابن العجمي، تحقيق محمَّد عوامة، دار القِبلة بجدة، الطبعة الأولى 1413. 79 - الكامل، لابن عدي، طبعة دار الفكر ببيروت، الأولى 1404. 80 - كشف الأستار عن زوائد البزار، للهيثمي، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة 1399. 81 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، طبعة اصطنبول 1360. 82 - الكفاية في علم الرواية، للخطيب البغدادي. 83 - لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، لابن رجب الحنبلي، تحقيق ياسين السواس، دار ابن كثير بدمشق، الطبعة الأولى 1413. 84 - لمحات النظر في سيرة الإِمام زفر، للكوثري، الأنوار 1368. 85 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للهيثمي، طبعة القدسي 1353.
86 - محمَّد بن الحسن الشيباني نابغة الفقه الإِسلامي، لعلي أحمد الندوي، دار القلم دمشق، الطبعة الأولى 1414. 87 - المدخل، لابن الحاج، مصورة دار الفكر ببيروت 1401. 88 - المدخل الفقهي العام، لمصطفى أحمد الزرقا، دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى 1418. 89 - المرقاة شرح المشكاة، لعلي القاري، مجلس إشاعة المعارف، ملتان، باكستان 1390. 90 - المسند، للإمام أحمد، الطبعة الميمنية 1313. 91 - مسند أبي يعلى الموصلي، تحقيق حسين أسد، دار المأمون للتراث 1404. 92 - المصنف لعبد الرزاق الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإِسلامي 1403. 93 - المصنوع في معرفة الحديث الموضوع، لعلي القاري، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإِسلامية بحلب، الطبعة الرابعة 1414. 94 - المعجم الأوسط للطبراني، تحقيق طارق عوض الله، وعبد المحسن الحسيني، دار الحرمين 1415. 95 - المعجم الصغير، للطبراني، مصورة دار الكتب العلمية بيروت 1403. 96 - المعرفة والتاريخ، للفسوي، تحقيق أكرم العمري، مؤسسة الرسالة ببيروت 1401. 97 - المقاصد الحسنة، للسخاوي، تحقيق عبد الله الصديق، دار الأدب العربي 1375. 98 - مقدمة السعاية، في كشف ما في شرح الوقاية، للكنوي، نشر سهيل أكيديمي، باكستان 1396. 99 - المنهل النووي في مختصر علوم الحديث النبوي، لبدر الدين بن جماعة، تحقيق محيي الدين رمضان، دار الفكر بدمشق، الطبعة الثانية 1406. 100 - المواهب اللدنية، للقسطلاني، تحقيق صالح الشامي، المكتب الإِسلامي، الطبعة الأولى 1412. 101 - الموضوعات لابن الجوزي، المكتبة السلفية بالمدينة المنورة 1386. 102 - الموعظة الحسنة بما يخطب به في أيام السنة، لصديق حسن خان، المكتب الإِسلامي. 103 - الموطأ، رواية الإِمام محمَّد بن الحسن، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإِسلامية بمصر 1387.
104 - الموطأ، للإمام مالك، طبعة فؤاد عبد الباقي، تصوير دار إحياء التراث العربي ببيروت. 105 - النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير، للكنوي، إدارة القرآن والعلوم الإِسلامية، 1411. 106 - نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، لعبد الحي بن فخر الدين الحسني، طبعة باكستان. 107 - نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر، لابن حجر، تحقيق نور الدين عتر، دار الخير بدمشق، الطبعة الثانية 1414. 108 - هدية العارفين في أسماء المؤلفين والمصنفين، لإسماعيل باشا البغدادي، طبعة اصطنبول 1360. * * *