رحلة ابن بطوطة ط أكاديمية المملكة المغربية

ابن بطوطة

المجلد الاول

[المجلد الاول] [مقدمة المحقق] من حوافز التّفكير في هذا النشر الجديد ... لقد كان في صدر ما دفعنا لمراجعة الرحلة البحث عن مدى صحة المقولة التي تذكر أنّ الرحلة الموجودة بين أيدينا إن هي إلا" تلخيص" على حد تعبير ابن جزي نفسه، تلخيص من" تقييد" صاحب الرحلة ... وأن هناك أثرا للنص الكامل لذلك التقييد الأصلي ... وقد دعتنا للبحث حول هذا الموضوع فقرات وردت عند بعض الذين تحدثوا عن ابن بطوطة، نقلوها على أنها من أخباره في الرحلة ... وقد كان في صدر هؤلاء لسان الدين بن الخطيب 776- 1374 الذي نقل عن شيخه أبي البركات البلفيقي" أن ابن بطوطة أخبر أنه دخل الكنيسة العظمى بالقسطنطينية، وهي على قدر مدينة مسقفة كلّها، وفيها اثنا عشر ألف أسقف ... " «1» هذا إلى فقرات نقلها أبو الحسن علي التمجروتي عن مدينة قابس في رحلته (997- 1589) وأنها كذا وكذا، ثم إلى فقرات ساقها أبو القاسم الزّياني تتحدث عن" حوار" تم بين ابن بطوطة والسلطان أبي عنان في أعقاب زيارة الرّحالة المغربي لبلاد السودان. قال الزّياني- نقلا كما يزعم عن البلوي في رحلته-: إن أبا عنان لما أحضر ابن بطوطة بين يديه عاتبه على عدم الاجتماع به لمّا قدم لفاس ... فقال: «يا مولانا إنما أتيت بقصد المثول بين يديك، ولكن لما دخلت المدرسة التي شيدتها ولم أكن وقفت على مثلها فيما شاهدته في المعمور كلّه، قلت: والله لابد لي أن أتمم عملي وأبرّ في قسمي بالوصول إلى أقاليم السودان حتى أشاهده وأقسم أنّ ليس في المعمور كلّه مثلها! فحقق الله ظني وأبرّ يميني، هذا موجب تأخيري عن المثول بين يديك". «2» وها نحن نرى أولا أن ابن بطوطة في الرحلة التي بين أيدينا يصرح أنه لم يدخل إلى الكنيسة، وإنما دخل حرمها ... وأنه لم يذكر عددا محددا لأساقفتها ... كما أن الرحلة- ثانيا- لم تتحدث عن قابس بمثل ما تحدث به التمگروتي، كما أنها لم تتحدث إطلاقا عن حوار جرى بين السلطان أبي عنان وبين ابن بطوطة على ما زعمه الزّياني «3» ، ونتيجة لكل

ذلك فإن نقل البلفيقي حول الكنيسة ونقل التمگروتي عنه حول قابس ونقل الزّياني عن ذلك (الحوار) ... كل ذلك يبقى في عهدة رواته، سامحهم الله! ولم يسلم ابن بطوطة من الذين تقوّلوا عليه حتى في عصرنا الحديث هذا، فهناك من نقل عنه أنه خرج مغاضبا لذويه وانه لم يكن متعلقا بأسرته! ومنهم من ذكر أنه أي ابن بطوطة تأثر بما قيل إنه حديث (اطلبوا العلم ولو بالصّين) فشدّ الرحلة من اجل ذلك للصين! بل وفى العلماء من نسب إليه حديثه عن البلهارسيا في مصر ... وفي علماء الهند من حكى لي عن وقائع غريبة تروي عن ابن بطّوطة هناك ... !! غير أنه إذا كان البحث قد أدى بنا إلى أنه ليست هناك زيادات كثيرة على" تلخيص" ابن جزي لتقييد ابن بطوطة، فقد اكتشفنا إضافات فرضت علينا أن نقف أمامها معقّبين أو مصلّحين أو مستدركين. وحملتنا على الاقتناع حقّا بأن نشر الرحلة من قبل الأستاذين ديفريميري (DEFREMERY) وسانگينيتي (SANGUINETTI) في منتصف القرن الماضي معتمدين على المخطوطات الثلاث، أصبح متجاوزا فعلا سيما مع ما عثرنا عليه من تحريف لبعض الكلمات أو نقص في بعض الألفاظ مما سيقع التّنبيه عليه في مكانه بحول الله بعد أن توفّرنا على نحو من ثلاثين مخطوطة ... وقد كان من حوافز نشر الرحلة كذلك رغبة ملحة في الاستجابة لأمنية غالية شعرت بأهميتها عند ما انتسبت للمؤتمر العالمي للأسماء الجغرافية، تلك هي ضبط المواقع الجغرافية التي ذكرها الرحالة، وهي زهاء ألف علم جغرافي ورد ذكرها في الرحلة إلى القارات الثلاث، وهذه ثروة هائلة كان علينا أن نحافظ عليها كما أداها لنا ابن بطوطة. نحن نعلم أنّ السبب في تأليف ياقوت الحموي لموسوعته العظيمة: (معجم البلدان) هو ضبط علم جغرافي ورد في حديث نبوي شريف. لقد كان ياقوت بمرو الشاه خان «4» في مجلس يناقش موضوع أسواق العرب في الجاهلية وضبط كلمة (حباشة) حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتّجر لحساب السيدة خديجة، فرأى ياقوت أنها بضم الحاء، ورأى أحد المحدثين أنها بفتح الحاء، فاندفه ياقوت يبحث عن نصوص تؤيد ما ذهب اليه وطال بحثه حتى وقع على ما يؤيد رأيه ... وهنا فكّر في وضع موسوعة لضبط أسماء البلدان والمواقع على ما يقوله هو في المقدمة مغتنما هذه الفرصة ليردّ على المثل القائل: " ما ترك الأول للآخر شيئا"، ومردّدا قوله الجاحظ: ليس هناك أضر على العلم من هذا المثل الذي يفتّر الهمة ويضعف المنّة!! وهكذا جمعت عددا من الخرائط من ذات المقياس الواسع الذي يصل احيانا إلى مقياس واحد على خمسين ألفا. وهنا وجدت نفسي فعلا أنني أمام عالم واسع فسيح الأرجاء..

ولقد حاولنا أن نعيش مع حاضرنا ما أمكن، لذلك تجاوزنا (معجم البلدان) في التعريف ببعض المواقع الجغرافية ... كما حاولنا أن نتجاوز التعابير بالفراسخ والأميال والمراحل وما أشبهها إلى التعبير بالكيلوميترات، والتحديد بخطوط الطول والعرض ما أمكن ذلك. ولقد كان ابن جزيّ عظيما عند ما كان يلح في معظم الحالات على تحريك الأسماء الجغرافية أي شكلها بالوصف كما عرفنا ... وهي ظاهره كان ابن جزيّ من السبّاقين إليها ... لقد لاحظ البارون دوسلان De Slane في مقدمته لكتاب المغرب لأبي عبيد البكري أنّ إهمال ضبط كلمة من أربعة أحرف مثل (يعرف) ، عارية من التّنقيط، يمكن أن تصل احتمالات قراءتها إلى ثلاثمائة طريقة!! ونحن مع الأعلام الجغرافية في الرحلة لابد أن نشير إلى بعض الذين علّقوا على الرحلة واصطدموا ببعض الأسماء الجغرافية التي لم يصلوا إلى الحقيقة حولها، أولئك وجدوا من السهل عليهم أن يشكّكوا في مصداقية مرويات ابن بطوطة عوض أن يقوموا بتحقيق تلك الأعلام في عين المكان ودون ما أن يستسلموا لليأس!! ومع هذا فإنه من المفيد أن نعرف أن كثيرا من الذين اشتغلوا بابن بطوطة لم يفتهم أن يوسّعوا دائرة بحثهم حول المناطق التي زارها الرحالة المغربي. وهكذا نجدهم عند حديث ابن بطوطة عن البحرين مثلا يذكرون أن مدلول البحرين بالأمس كان أوسع بكثير مما هو عليه الأمر اليوم، بمعنى أن البحرين كانت تمتد لتشمل دولة الكويت الحالية وتشمل دولة قطر وتمتد إلى الاحساء. ومثل هذا نقوله عند الحديث عن زيارة ابن بطوطة لبعض الجهات في منطقة عمان (بضم العين) حيث نقرأ عن شمول الزيارة لبعض الإمارات العربية المتحدة اليوم: الشارقة مثلا التي تتبعها كلباء وخور فكان كما وقفنا عليها بالعيان! وعند ما يجدون أنفسهم مع ابن بطوطة في آسيا:- مل جاوة- قمارة، طوالسي، نقرأ عن احتمال زيارته للفيتنام، والطايلاند علاوة على الفيليبين واليابان ... ، ومالاكا في ماليزيا،- وسنغافور- والتّبّت- بورما (بره نكار) - الكامبودج والسيام ... وفي مصاحبته للأميرة التركية يبقى علينا أن نعرف عن بعض المناطق التي سلكها وعن حظ بعض دوّل أروبا الشرقية في إفادات ابن بطوطة على ما سنشرحه في التعليقات ... ومثل هذا نقوله عن زيارته لشرق إفريقيا الذي يحتضن اليوم عددا من الأمم التي لها كيانها الخاص، على نحو ما نقوله عن الدول التي توجد اليوم في إفريقيا الغربية التي كانت خاتمة رحلاته: موريطانيا، السينغال، غامبيا، غينيا، مالي، النيجر ... وإلى جانب الأسماء الجغرافية التي كان فيها ما يحرّك ... هناك تلك اللائحة الطويلة والعريضة من الأعلام الشخصية للعلماء والملوك والزعماء والقادة والمتصوفة والمحدثين الخ،

كلّ هؤلاء كان علينا أن نبحث عن تراجمهم في مختلف المصادر المشرقية والمغربية: حياتهم، اهتماماتهم، اتصالاتهم ... وقد كان إلحاحنا على تقديم تراجم الرجال الذين ورد ذكرهم في الرحلة والنساء كذلك ... مناسبة أخرى للتأكد من مصداقية مرويات ابن بطوطة، فقد تضافرت المصادر التي رجعنا إليها عند التحقيق في حياة أولئك الرجال ... ، تضافرت على تزكية ما ورد في الرحلة جملة وتفصيلا حول أولئك الذين كانت لهم فرصة الاجتماع بابن بطوطة أو الاتصال به من بعيد أو قريب. ونرى من واجبنا أن نشيد مرة أخرى بالفائدة الجلّى التي استقيناها من كتاب الدّرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة تاليف شيخ الاسلام شهاب الدّين ابن حجر المتوفى سنة 852، فلكأنما بعث الله هذا الرجل ليكون شاهدا صادقا يؤيد كلّ التأييد مرويات الرحالة المغربي عن شيوخه وشيخاته ... ! وقد تكوّن لدينا من كلّ أولئك الرجال فهرس ثرى يفتح هو ذاته الطريق أمامنا للتعرف على عوالم أخرى. وهكذا تمكنا- والفضل لله- من تصحيح بعض الأسماء التي وردت مغلوطة في بعض المخطوطات أو قرأها بعض الناشرين محرّفة عن الصواب فكتبوها حسبما اتفق لهم ... !! ولم يبق علينا إلّا عدد ضئيل وضئيل جدّا من الأسماء التي لم نستطع أن نصل فيها إلى كلمة فاصلة. ومن تلك الأعلام الشخصية ما اقتضى منا- على نحو ما كان منا في الأسماء الجغرافية وبعض المصطلحات- تحرير المراسلات وتبادل الخطابات مما كوّن لدينا ملفا ضخما مليئا بالفوائد التي نظل فيها مدينين لمن استجابوا لاستفساراتنا، وكلّ هذا كان الهدف منه محاولة أداء الرسالة الملقاة على كاهلنا. (تراجع الملاحق)

وقد رأيت أنّ مما يقرّبنا إلى الصورة- علاوة على هذا التقديم وعلاوة على التعريف بالأعلام الشخصية وتحديد الأسماء الجغرافية- أن أضع عند بداية كلّ فصل من الفصول الثمان عشرة التي وزّعت الرحلة عليها خريطة جغرافية ترسم معالم الطّريق المسلوك حتى يتسنّى للقارىء أن يستأنس بها لمتابعة خطوات رحّالتنا، على أن أجعل في آخر المجلّدات خريطة شاملة كاملة لمسالك ابن بطوطة من طنجة إلى الصّين. كما رأيت أن أثري كلّ فصل من تلك الفصول بما تيسّر من رسوم وصور تجعلنا تقريبا في الجوّ الذي كان يعيشه ابن بطوطة ... وربّما أضفت إلى بعض العناوين التي فصّل بها المؤلف رحلته بعض ما يكشف المبهم منها أو يشدّ القارئ إليها ... وقد وجدت نفسي أمام حيرة الاختيار حول أيّة مخطوطة أعتمدها لوضع أرقام تكميلية توثيقية أجعلها على يمين الصفحات لأني اعتمدت- كما سبق أن قلت- عددا من المخطوطات. ولهذا، وحرصا مني على أن تكون الفائدة عامّة وشاملة بالنسبة لكل الذين يهتمون بابن بطوطة منذ أكثر من قرن ونصف القرن ... اخترت بدوري أن أوزع الرحلة على أربع مجلدات وأن يكون الرقم الأساسي هو الذي تحمله المجلدات التي طبعت في باريز عام 1858 لأنها المرجع الأصليّ الوحيد لكل الذين درسوا الرحلة دراسة علمية بمختلف اللغات بمن فيهم بعض الذين درسوها باللغة العربية، من أمثال الزّميلين الراحلين: الأستاذ محمد الفاسي الذي تحدث عن الرحلة في العدد الأول والثاني من مجلة المغرب 1934، والدكتور سليم النعيمي الذي تحدث عنها في مجلة المجمع العلمي العراقي، العدد 24- 25- 26 عام 1974- 75 ... ثمّ إنّنا بعد هذا وجدنا أن مما يساعد على ضبط الرحلة وتقييد أوابدها أن نقوم- اقتداء بمن سبقونا- على وضع فهرس بل فهارس ترشد لمفاتيحها المتنوّعة. وهكذا خصّصنا مجلدا خامسا لفهارسها التي تجاوزت الثلاثة والثلاثين ... تتناول الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والأشعار والقوافي، والأمثال والأقوال السائرة، والأعلام الشخصية والأسماء الجغرافية، وأسماء القبائل والعشائر والأجناس، ثم الأدوات والآلات، والوسائل والمراكب، والأسلحة، والأمراض، والأنهار، والجواهر والحلي، والحيوان، والعطور، والطّعام والشراب، والعادات، وأسماء الكتب، واللّباس والمعلومات، والأسواق، والحصون، والزوايا والرباطات، والقصور والقلاع، والكنائس والأديرة، والمدارس، والمزارات، والمساجد، والمنشآت المتفرقة، والمواد، والنبات، والنقود، والعملات، والألفاظ الحضارية، وكذلك فهرس لموضوعات الرحلة ثم فهرس لمراجع الرحلة علاوة على الملاحق ... لقد رأينا أن هذه الفهارس والملاحق كانت ضرورية للمساعدة على الاستفادة الكاملة من هذا التراث الغنيّ والضخم الذي هو رحلة ابن بطوطة.

وأخيرا أرى دينا علىّ أن أتقدّم مرة أخرى بالشكر الجزيل والتقدير الجم لكل الباحثين الذين تمكنت بفضل ما سبقوني به- عربا وعجما- من أعمال جليلة عظيمة عمّني نفعها وخيرها، وخطوات رائدة أرشدني قبسها ونورها، وتمكنت عن طريقهم من الإدلاء بدلوي في هذا الموضوع" الشّاق والصّعب" الذي قدرت جيّدا تبعته- وأكاديمية المملكة المغربية نرى نشرها- مذكّرا بأن رحلة ابن بطوطة ستبقى في حاجة أكثر إلى استجلاء غوامضها والكشف عن المزيد من أسرارها وفوائدها ... وكما كان مني في تأليفي السابقة فإن الشّعار الذي أرفعه وأنا أخوض هذه المغامرة هو نفس الشّعار الذي رفعه قبلي العلامة ابن خلدون الذي اعترف في مقدّمة تاريخه بالعجز وأهاب بمن ياتي بعده- ممّن يزوده الله بعلم صحيح- أن يكمّل ما نقص ويفصّل ما أجمل، ويلحق ما أهمل، ويصلح ما أغفل، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. فيلّا بغداد- الرباط 15 يونيه 1996- 28 محرم 1417 د. عبد الهادي التازي.

المخطوطات الثلاثون للرحلة

المخطوطات الثلاثون للرحلة

1 - مخطوطة خزانة جامع القرويين بفاس رقم 561:

مخطوطات رحلة ابن بطوطة لقد وقفت على عدد كبير من مخطوطات الرحلة في شتى الجهات، وسأقوم بتقديم عرض لما وقفت عليه منها أملا في أن يأخذ الباحث- عند الاقتضاء- فكرة عن أصولها جميعا ... 1- مخطوطة خزانة جامع القرويين بفاس رقم 561: أذكر أن أبرز جهة ورد على بالي أن أقصدها ليس فقط لأنها قريبة إليّ، ولكن كذلك لأنها محطة الحدث! تلك هي مدينة فاس التي ألقى فيها ابن بطوطة عصا التّسيار على حد تعبير ابن جزي في مقدمته للرحلة- وقد أخذني العجب- وأنا أعد أطروحتي عن جامعة القرويين وخزانتها العلمية- «1» أن أقف على عدد من المخطوطات التي كانت مرجعا للباحثين هناك في الخزانة والتي كان من بينها بعض أسفار تاريخ ابن خلدون التي حبسها على الخزانة المذكورة وعليها خطه عام 799- 1397، ولكني لم أعثر من نسخ رحلة ابن بطوطة التي ألّفت بأمر السلطان أبي عنان إلّا على السفر الثاني من الرحلة (رقم 561) وهو متلاش مبتور الأواخر ... وعار عن وثيقة التحبيس التي يمكن أن تكون على صدر السفر الأول ... ! وأول الموجود منه:" ولما كان بتاريخ الغرة من شهر الله المحرم مفتتح عام أربعة وثلاثين وسبعمائة وصلنا إلى وادي السند المعروف ببنج آب ... وآخره في هذه النسخة الناقصة" ذكر وصول الامر الكريم إليّ ... " أوراق هذا المخطوط 110، ومستطرته 25، مقياسه 27 على 18. فأين هي تتمة هذه النسخة؟ بل أين هي النسخ الأخرى التي كان من المفروض أن تتوفر عليها خزائن فاس؟ ذلك ما سنقرأ الجواب عنه في الكلمة التي كتبها زميلنا الراحل الأستاذ محمد العابد الفاسي محافظ الخزانة عند ما بكى ضياع الكثير من كتب الخزانة التي لم يبق لها أثر اليوم وأغلبها من وقف بني مرين «2» ...

مخطوطة خزانة جامع القرويين رقم 561- الورقة الأولى من السفر الثاني.

الورقة الأخيرة من مخطوطة خزانة جامع القرويين

2 - مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 8488:

2- مخطوطة الخزانة الحسنية «3» رقم 8488: تضم هذه المخطوطة السفر الأول، وتقع في 229 ورقة (كل ورقة فيها صفحتان) مسطرتها 19 سطرا، ومقياسها 22- 5. 16، مكتوبة بخط مغربي مجوهر جميل، وتوجد بأطرافها خروم شديدة، مجلدة بغلاف أحمر، ولكنّها مخيطة على غير ترتيب! بالرغم من أنها مرممة بعض الشيء. وتعتبر هذه النسخة، في نظري، في صدر النسخ الصحيحة التي وقفت عليها واعتمدتها كذلك على ما سنرى، مضبوطة، ولو أنها مبتورة مع الأسف في بعض جهاتها حيث نجد بتورا في صفحة 111 أثناء حديث ابن بطوطة عن الصّراع بين الشيعة والسنة في شيراز: حوالي ست صفحات، كما نجد بترا في صفحة 176 وابن بطوطة في مدينة مطرني في آسيا الصّغرى ... وعلى خلاف كلّ النسخ التي تنسب المقدمة، خطأ، إلى ابن بطوطة عند بداية الكتاب، فقد كتب على رأس ديباجة الصفحة الأولى ما يأتي:" ... الشيخ «4» الفقيه الكاتب البارع الناظم ... عبد الله محمد بن الشيخ الفقيه ... العالم المتفنن أبي القاسم محمد ... الكلبي الغرناطي عفا الله عنه". وهذه النّسخة لا تحمل تاريخا وهي تمضي كسائر النسخ إلى نهاية السفر الأول: " ومن هنالك بعث المخبرون بخبرنا إلى أرض الهند وعرّفوا ملكها بكيفية أحوالنا. وهاهنا ينتهي بنا الكلام في هذا السّفر ... " 3- مخطوطة الخزانة الحسنية بالرباط رقم 4355: هذه مخطوطة ثانية للسفر الأول من رحلة بن بطوطة تحمل على خلاف المعتاد اسم: (نزهة الخواطر وبهجة الأسماع والنواظر) ، وتقع في 99 ورقة كبيرة، مسطرتها بين 18 و 19 و 24، مقياسها 32- 8. 20 بخطّ مغربي كذلك. كتبت على الصفحة الأولى عبارة (ياكيكتج احفظ هذا الكتاب «5» ) . ولا يحمل هذا السّفر تاريخا للنسخ «6» . وقد تم البيع الأول فيه بتوقيع العدول واشتراه الفقيه عبد الواحد الشفشاوني من الفقيه عبد القادر الغزواني.

الورقة الأولى من مخطوطة الخزانة الملكية (الخزانة الحسنية) رقم 8488، وتعتبر في صدر النسخ الموثوقة وربما كانت بخط ابن جزي

الورقة الأخيرة من مخطوطة الخزانة الملكية رقم 8488

4 - مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 3631:

4- مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 3631: مخطوطة ثالثة من هذا السفر الأول من الرحلة تقع في 205 ورقة، مسطرتها 16 سطرا، مقياسها 23 على 17، مكتوبة بخط مغربي، كثيرة الخروم في سائر أطرافها. وهي تحمل في رأس الصفحة الأولى ما يلي:" قال الشيخ الإمام العالم الأوحد أبو العباس سيدي أحمد بن بطوطة رحمه الله" وقد نسخت بثغر تطاون أوائل المحرم عام اثنين وأربعين وألف. وتحمل الورقة الأولى كذلك عبارة يا كيكتج! وعلى الهامش الأيمن لهذه الصفحة صفقة شراء مؤرخة في رمضان سنة 1194، وهي مطابقة في نصها وترتيبها مطابقة تامة للنسخ المعهودة، بدءا ونهاية. 5- مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 8218: وهذه جزء من الرحلة يقع في 151 ورقة، مسطرته 14 سطرا، مقياسه 26 على 17، مكتوب بخط مغربي واضح وبأطرافها خروم شديدة، وهو يبدأ فقط من اجتماع الرحالة بناسك عبادان الذي دعا لابن بطوطة بأن يبلغه الله مراده في الدنيا والآخرة.:" فقد بلغت- يقول ابن بطوطة- بحمد الله مرادي في الدنيا وهو السياحة في الأرض وبلغت من ذلك ما لم يبلغه غيري فيما أعلمه، وبقيت الأخرى، والرجاء قوي في رحمة الله وتجاوزه وبلوغ المراد من دخول الجنة". 6- مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 356: وهذه مخطوطة غابت عن تدوين الأستاذ عنان رحمه الله، وهي تقع في مجلدين أحمرين، عدد أوراق الأول منهما 209 بينما عدد أوراق الثاني 158 ورقة، مسطرتها 33 سطرا ومقياسها 26 على 18. وقد ورد في نهاية السّفر الأول ما يلي:" انتهى في منسلخ محرم سنة 1125" وقد كتب التاريخ بالخط الفاسي أو القلم الرومي: ع- س صى هـ، وبعد هذا يأتي تاريخ نسخ السّفر الثاني:" انتهى الكتاب في منتصف المحرم من نفس السنة"، وقد كتب التّاريخ بنفس الخط الفاسي «7» .

المخطوطة رقم 3631 من الخزانة الملكية وهي تسمي ابن بطوطة أحمد وتكنيه أبا العباس

الورقة الأخيرة من المخطوط رقم 356 من الخزانة الملكية حيث يلاحظ التاريخ بالقلم الفاسي أو القلم الرومي، آخر السفر الأول وآخر السفر الثاني.

7 - مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 151:

7- مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 151: وهذه نسخة أيضا غابت عن ذكر الأستاذ عنان، نسخة جيدة الخط، ولكنها أحيانا في منتهى التعب، خيطت خياطة سيئة بحيث تجد أوراقا منها تتصل بالسفر الثاني حتى يصل إلى السودان صفحة 136، وهنا ينتقل إلى السفر الأول حتى يصل إلى نهايته!! ص 310 وتتخلل هذه المخطوطة أوراق تحتوي على فوائد لا صلة لها بالرحلة! ومن الطرر التي نقرأها على هامش المخطوطة حديث عن الفدية المالية العظيمة التي تبرّع بها السلطان أبو عنان لتحرير طرابلس من هيمنة احتلال جنوة حيث نقرأ:" يدخل في كلّ شهر لبيت مال المسلمين على يد مولانا إسماعيل ابن الشريف نصره الله أكثر من هذا العدد المذكور الذي تعجب منه مؤلف الأصل". ومعنى هذا أن تاريخ النسخة يرجع لعهد السلطان مولاي إسماعيل الذي استمر حكمه من 1082 هـ إلى 1139 هـ. أوراقها 316، مسطرتها 20، مقياسها 24 على 17. 8- مخطوطة الخزانة الحسنية رقم 3030: وبعد هذا نقف على نسخة كاملة موثّقة لابن بطوطة، ويتعلق الأمر بالنسخة التي كانت تقرأ بمجالس السلطان المولى الحسن (الأول) والتي كان يعلق عليها عمّه الأمير المولى العباس أثناء القيام ببعض الحركات السلطانية عام 1294- 1877. «8» لقد كنت أرجع إلى هذه النسخة عند الحاجة لأنها أولا لم تنسب في ديباجة الورقة الأولى من السّفر الأول،" المقدمة" التي كتبها ابن جزي إلى ابن بطوطة! وكان هذا عندي دليلا على مصداقيتها! ثم إنها كانت النسخة المسلوكة قبلي من لدن مولاي العباس الذي نعلم أنه، إلى وظيفته كقائد أعلى للجيش المغربي في فترة حرب تطوان، كان على قدر كبير من الثقافة والدبلوماسية. ولعل من المفيد أن نشير إلى طرة هامة للأمير مولاي العباس وهو يقرأ عن العطاء السخي للسلطان أبي عنان حتى يحرر طرابلس. وجاءت أهمية الطرة من أن مولاي العباس كان هو الواسطة بين المغرب وإسبانيا في أداء المغرب عشرين مليونا من الريالات حتى ترحل إسبانيا عن تطوان التي كانت احتلتها عام 1860 ... قالت الطرة:" ... واستعظمت الناس ذلك (العطاء من المغرب) جهلا بالواقعة، وما دروا أنه لو بقى الأمر على حاله لعرفت البلاد الوبال ... !! " ومن الطريف أن نجد طرة أخرى

ورقة من المخطوطة رقم 151 من الخزانة الحسنيه،

المخطوطة رقم 3030 التي كانت تصحب تحركات السلطان مولاي الحسن وتحتوي على تعليقات بخط الأمير مولاي العباس قائد الجيش المغربي في حرب تطوان. الورقة الأولى من السفر الأول.

الورقة الأخيرة من السفر الثاني من المخطوطة 3030

9) مخطوطة الخزانة العامة رقم 2399/ ك:

تقول في آخر ورقة من المخطوط:" الحمد لله فرغنا من مطالعة جميع الرحلة المباركة في يوم الأربعاء الخامس من شهر شعبان عام أربعة وتسعين ومائتين وألف (15 غشت 1877) بمحلّة مولانا أمير المؤمنين المؤيد بنصر الله الكريم المتين مولانا الحسن بن أخينا سيدي محمد رحمه الله، أدام الله نصره في الخافقين وأعانه بمنه آمين وأعلى مناره في علّيين، ببلاد زمور بقرب؟ ضاية رومي ... " عدد أوراق المخطوط بسفريها 714، مسطرتها 21 مقياسها 29 على 21. 9) مخطوطة الخزانة العامة «9» رقم 2399/ك: هي السّفر الثاني من الرحلة وكانت في الأصل ملكا للخزانة الكتانية، ولذلك يرمز لها بحرف الكاف. أوراقها تصل إلى 360 ورقة، مسطرتها 19 سطرا، مقياسها: 24- 18. النسخة خيطت بالغلط على نحو النسخة السابقة التي تحمل في الخزانة الحسنية رقم 8488، وهي مبتورة الأول على عادة معظم المخطوطات، لكن البتر البيّن فيها والذي كان على ما يبدو متعمدا هو الذي يتصل بزيارة ابن بطوطة للأندلس. وموضوع الزيارة هذا هو الذي اهتم به المستشرق المعروف الأستاذ ليفي بروفنصال الذي كان على ما نعلم، صديقا للشيخ عبد الحي الكتاني. فلا يبعد أن يكون الشيخ أعاره هذه الورقات الخاصة بالأندلس فلم يعدها بروفنصال إلى صاحبها على عكس ما كان بالنسبة لمخطوطة صلة الصلة لابن الزبير «10» وهذه النسخة الكتانية لها شبه بالنسخة التي تحمل رقم 8488 في الخزانة الحسنية في ضبطها وتوثيقها وتصحيحها اعتمادا على النسخة الأصلية على ما يبدو من بعض الهوامش التي كتبها الشيخ الكتاني رحمه الله ...

مخطوطة الخزانة العامة رقم 2399/ك، وتقتصر على السفر الثاني، وتعتبر من أوثق النسخ وأقربها إلى عصر المؤلف ... مبتور الأول ... والوسط، الورقة الأولى.

الورقة الأخيرة من مخطوط الخزانة العامة رقم 2399/ك

10 - مخطوطة الخزانة العامة رقم \G\200 2541 D\G\000:

10- مخطوطة الخزانة العامة رقم:D 2541 هذه نسخة" كاملة" بالخزانة العامة لكنها تبتدىء بنسبة المقدمة لابن بطوطة! " قال الشيخ الفقيه السائح الثقة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي شمس الدين ابن بطوطة المعروف بالشريف الغرناطي تغمده الله برحمته". وكان الفراغ من انتساخ السّفر الأول يوم 20 محرم 1133 وانتهى نسخ السفر الثاني صبيحة يوم الخميس الرابع من صفر الخير عام ثلاث وثلاثين ومائة وألف ... عدد أوراقها: 499، مسطرتها 32 سطرا ... مقياسها 28/21. 11- مخطوطة الخزانة العامة 247 ق: هذه المخطوطة" مما امتن الله به على الزاوية الناصرية" اكتمل نسخها يوم الأحد مستهل شهر رجب الفرد المبارك عام ستة وعشرين وتسعمائة عرّفنا الله خيره". ويلاحظ حرف (القاف) الذي يقترن بالرقم- وهو يشير للأوقاف-. والمخطوط فعلا من مخطوطات الأوقاف على الزاوية المذكورة. نسخة مكتوبة بعناية كبيرة، وقد صورت بالميكروفيلم الذي يحمل رقم 325. عدد أوراق المجلد 452، مسطرته 19، مقياسه 29 على 20. وتحمل هذه النسخة الناصرية عددا من الطرر المفيدة والطريفة، فقد علق صاحبها مثلا على قول: إن أم المؤمنين عائشة سمعت الحديث في موضع بجامع دمشق: قال: إن هذا خطأ صراح! فإن عائشة توفيت قبل بناء المسجد بمدة كثيرة ... والعجب من ابن جزي كيف أثبت هذا مع علمه واطلاعه. وكتبه محمد المكي بن محمد ناصر الذي كان بفاس عام 1160، ولقى شيخه الأديب محمد ونّان التواتي الملّوكي «11» . 12- مخطوطة الخزانة العامة 248 ق: هذه المخطوطة مما" نسخ لخزانة مولانا السلطان أمير المسلمين أبي عبد الله محمد الشيخ من دولة بني وطّاس نصر الله أعلامه وأمدّ في خير وعافية أيامه" ... فهي تحمل تاريخ شهر رمضان المعظم من سنة تسع وثمانين وثمانمائة: 889. والغريب في هذه النسخة أنها تشعرنا بأن كتاب الرحلة قسم على أسفار وليس على سفرين، وهكذا فإن هذا السفر الذي نعت بالثاني إنما هو تكملة للجزء الأول فهو يبتدئ بأخبار سلطان شيراز ...

المخطوطة رقم 2541/د- وهي تنعت ابن بطوطة بالشريف الغرناطي؟

المخطوطة رقم 247 ق- من الخزانة العامة، وقد كانت تابعة للزاوية الناصرية في تامگروت جنوب المغرب، وتعتبر من النسخ المصححة.

الورقة الأخيرة من المخطوطة رقم 248 ق، السفر الثاني، نسخت برسم السلطان محمد الشيخ من دولة بني وطّاس.

13 - مخطوطة خزانة وزان 31:

وحتى نعرف عن مدى اهتمام الملوك الوطاسيين بالرحلة وتيسيرها للعامة لقراءتها، وجدنا أن هذه النسخة المخصصة للخزانة الملكية «12» تشكل شكلا تاما ... ويلاحظ أن عليها طابع الزاوية الناصرية، وكانت تحمل فيها رقم 1070. وتعتبر هذه النسخة من أقدم النسخ التي تتوفر عليها الخزائن المغربية. ويحمل الميكروفيلم لهذه المخطوطة رقم 326. ويدل بعض أوراقها، بما تحمله من تعاليق وطرر، على أن الحجاج المغاربة وخاصة منهم المثقفين كانوا يصحبون معهم رحلة ابن بطوطة للاستئناس بها. عدد الأوراق 262 المسطرة 17 المقياس 28- 17. 13- مخطوطة خزانة وزّان 31: هذه نسخة تحتوي على السّفرين الاثنين من الرحلة، كنت وقفت على أثرها منذ صيف 1941 لما زرت خزانة وزان لأول مرة أيام قاضي المدينة الفقيه ابن جلون رحمه الله وكتبت عنها مذكرة ما تزال ضمن مقيداتي. ويبتدئ السّفر الأول بعد البسملة على العادة هكذا:" قال الشيخ الإمام الفقيه الصالح الثقة أبو عبد الله بن ابراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة رحمه الله ورضي عنه ... " وقد كانت في ملك بعض الأشراف من أهل وزان: محمد بن عبد الجبار بن علي بن أحمد وانتقلت إلى ولده محمد ثم دخلت في أحباس المسجد الأعظم بالشراء من ورثة الشريف أعلاه ... وينتهي السفر الثاني بذكر تاريخ النسخ الذي هو سنة 1211، أوراقها: الأول 201 ورقة، والثاني 124 ورقة (كل ورقة بها صفحتان) مسطرتها 19 مقياسها 22- 17. 14- مخطوطة خزانة مراكش رقم 412: هذه النسخة الأنيقة تحتوي على السّفرين معا في مجلّد واحد" وكان الفراغ من تسويدها لستّ ليال خلون من جمادى الأولى صبيحة يوم الجمعة سنة تسع ومائة وألف. وبالنسخة خروم" قليلة في الصفحات الأولى، وكانت حبسا عام 1158 من السلطان مولاي عبد الله على مسجد القطب سيدي أبي العباس أحمد السبتي دفين مراكش عام 601 هـ.

الورقة الأولى والأخيرة من مخطوطة خزانة المسجد الأعظم لمدينة وزان رقم 31 وهي تحتوي على السفرين كاملين، وكانت ملكا للشريف سيدي محمد بن عبد الجبار بن علي بن أحمد الوزّاني.

مخطوطة ابن بطوطة التي حبسها السلطان مولاي عبد الله بن اسماعيل على جامع سيدي أبي العباس بمراكش وهي بخزانة كلية ابن يوسف رقم 412 الورقة الأولى.

الورقة الأخيرة من مخطوطة خزانة كلية ابن يوسف

15 - مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2289 - 910:

أوراقها 248، مسطرتها 24 سطرا، مقياسها 28 على 18. على ما في فهرس مخطوطات خزانة ابن يوسف بمراكش الذي حرّره الأستاذ الراحل الصّدّيق بلعربي رحمه الله! ... 15- مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2289- 910: هذه المخطوطة- وما بعدها- كانت تابعة للخزانة الملكية الفرنسية (Royale) (Bibliotheque وتحمل طابعها القديم. والمزية الأولى لهذه النسخة أنها من أكمل وأضبط النسخ باستثناء الديباجة «13» التي أقحمت في فاتحة الرحلة، وبغير خطّها الأصلي! والتي تزعم أن" المقدمة" هي من قول ابن بطوطة مع أنها- كما هو واضح- من عمل الكاتب ابن جزي ... فلو أن الناشرين الفرنسيين الأوّلين: ديفريميري وسانگينيتي استغنيا عن تلك الديباجة على الطفيلية على المخطوطة أو نبّها على الأقل لتفاهتها لجنّبا كلّ الذين نقلوا عنهما تكرار هذا الخطأ على ما سنرى. وتحمل هذه النسخة رقم 2289 الذي يوازيه رقم إضافي Sup 910 إلى جانب كلمة."Arabe "للتمييز بين اللغة العربية وباقي مخطوطات اللغات الشرقية التي تصل في المكتبة إلى نحو 80 لغة! وقد ختم السّفر الأول بهذه الكلمات" وكان الفراغ من كتابة هذا السفر المبارك (الأول) في يوم الاثنين وهو أول يوم من محرم الحرام عشية من عام 1180 ثمانين ومائة وألف (9 يونيه 1766) على يد العبد الفقير ... محمد بن أحمد بن قاسم بن محمد ساسي البوني التّميمي ... وقد كتبت أكثره وأنا بحال مرض نسأل الله الشفاء" ... بينما ختم السفر الثاني بهذه الكلمات:" كمل السفر الثاني من (الدرر الملقوطة من رحلة ابن بطوطة) على يد العبد الفقير محمد بن أحمد ... بن محمد ساسي بن إبراهيم بن محمد بلعيد ... شفاه الله من جميع الأسقام ... وكان ذلك صبيحة يوم الحادي عشر من صفر الخير من عام ثمانين ومائة وألف".

المخطوطة الباريزية 2289/910- من أكمل النسخ وأضبطها، يلاحظ أن خط الديباجة يختلف عما يليها- الديباجة تنسب- خطأ- المقدمة إلى ابن بطوطة مع انها لابن جزي.

المخطوطة 2289: الدّرر الملقوطة ...

16 - مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2287 - 909.

وهي تحتوي على 153 ورقة (كل ورقة تحتوي على صفحتين) مسطرتها 31، مقياسها 30- 20. 16- مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2287- 909. وهذه النسخة بسفريها كانت ملكا لشخصية فرنسية معروفة: دولا بّورط (Delaporte) الآتي الذكر. وتحتوي المخطوطة التي تحمل كذلك رقما إضافيا -Sup 909 على أوراق عددها: 206 (كل منها يضم صفحتين) ، مسطرتها 28 سطرا، مقياسها 29 على 20. ولا يحتوي السّفر الأول ولا الثاني على إشارة لتاريخ النسخ، وإنما يكتفي الناسخ بالدعاء في السفر الثاني- الذي يحمل عنوان: (نزهة النّواظر وبهجة المسامع والنّواظر) - لمن قرأها وسعى في انتساخها ... بما يعبّر عن رضى الناس على الرحلة ... 17- مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2288- 911 وهذه النسخة ضاعت منها الورقة الأولى والورقتان الأخيرتان علاوة على بعض البتر والتحريف، وهي تحمل كذلك رقما إضافيا Sup 911 وتحتوي على 160 ورقة، مسطرة 27 سطرا، مقياسها 30 على 20. ولا تحمل خاتمة السفر الأول تاريخا ... بينما يحمل أول السفر الثاني اسما كذلك للرحلة على نحو سابقه وهو (نزهة النواظر وبهجة المسامع والنواظر «14» ) وهو اسم يضاف إلى الاسم الآخر الذي مرّ بنا: (الدرر الملقوطة من رحلة ابن بطوطة) . 18- مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2290- 908 تبتدىء هذه النسخة التي تقتصر على السفر الأول بفهرست الرحلة: العناوين وأرقام الصفحات بالأرقام الهندية مما يرجح لديّ أن دولابّورط أتى بها من بلاد كانت تحت الحكم العثماني ... ولها رقم إضافي أيضا هو.Sup 908 تحتوي على مائتي ورقة (كل ورقة بها صفحتان) مسطرتها 20 سطرا، المقياس 31 على 21. وقد نص في اخرها على أن نسخها تم أواسط صفر سنة 1134 ... (النصف الأول من دجنبر 1721) ، وذكر في أول الصفحة أن المقادير ساقتها إلى نوبة سالم بن الحاج يحيى السّاسي (؟) بالشراء الصحيح ... بتاريخ أوائل شعبان في السنة الثانية من العشرة الثانية من المائة الثالثة من الألف الثانية 1212.

مخطوطة باريز 2287/909- يلاحظ عدم نسبة المقدمة لابن بطوطة ومعنى هذا أنها لابن جزي ... - الورقة الأولى لبداية السفر الأول ... -

الورقة الأولى من السفر الثاني مخطوطة باريز رقم 2287/909. تحمل اسم نزهة النواظر

مخطوطة باريز 2288/911- مبتورة الأول

يحمل أول السفر الثاني اسم (نزهة النواظر)

مخطوطة باريز 2290/908- تقتصر هذه المخطوطة على السفر الأول، ويلاحظ أن الديباجة لا تنسب لابن بطوطة! - الورقة الأولى.

الورقة الأخيرة من مخطوطة باريز 2290/908

19 - مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2291 - 907:

19- مخطوطة المكتبة الوطنية بباريز رقم 2291- 907: تضم هذه النسخة السفر الثاني من الرحلة، وتعرف على الخصوص بمخطوطة دولابّورط (Delaporte) كما هو مكتوب بالفرنسية على ظهر الورقة الأولى، ودولابّورط هذا مستعرب فرنسي تقلب في عدة وظائف هامة وخاصة ببعض البلاد العربية مثل مصر وليبيا والجزائر ... وكان منها المغرب: أولا بطنجة التي عمل فيها كقنصل مساعد أيام السلطان مولاي سليمان (1206- 1238 هـ) ، حيث اجتمع في خريف 1828 مع روني كايي العائد من تنبكتو، وهو الذي صحب السّفير الفرنسي الكونط دومورني إلى مكناس حيث تم استقبال السفارة الفرنسية في مارس من لدن السلطان مولاي عبد الرحمن. وثانيا في مدينة الصويرة عندما أصبح قنصلا هناك حيث نجده صحبة اليوتنان كولونيل البارون دولاري (De Larue) المبعوث إلى مكناس عام 1836 أيام السلطان مولاي عبد الرحمن لتقديم احتجاج فرنسا على العاهل المغربي الذي ما انفكّ يساعد ثورة الأمير عبد القادر، حيث نرى السلطان يعهد إلى الوزير محمد الطيب البياز بمتابعة المفاوضات مع البعثة الفرنسية «15» . فيترجح لديّ أنه عندما كان بالصّويرة تمكن من الحصول على هذا السفر الثاني من رحلة ابن بطوطة، فلقد أمست الصويرة منذ تأسيسها من لدن الملك محمد الثالث تتوفر على مجتمع علمي ثقافي مهتم بالتراث المغربي ... وقد علق فهرس المكتبة الوطنية الذي ألفه البارون دوسلان بما يفيد أن هذا السفر ربّما كان بخط ابن جزي، حيث إنه يتميز عن غيره من سائر النسخ بأنه ينص في آخره على عبارة لا توجد في غيره، وهي تقول: " وكان الفراغ من كتبها في صفر عام 757 عرف الله من كتبها «16» ... "، والقصد إلى جملة" عرف الله من كتبها" ومع اعتقادنا بأن هذه النسخة ربما كانت من أقدم ما وصلنا من الرحلة إلا أن بعض الأخطاء الإملائية واللغوية التي توجد فيها ربما تبعد القول بأنها بخط الكاتب ابن جزي سيّما ولم يتيسّر لي أن أقف على خط ابن جزي في تأليف من تأليفه ... !

مخطوطة باريز 2291/907- تعرف بمخطوطة (دولابورط) الدبلوماسي الفرنسي الذي حصل عليها من الصّويرة. - يذكر أنها ربما كانت بخط ابن جزي ... -

الورقة الأخيرة من مخطوطة باريز رقم 2291/907

20 - مخطوطة دار الكتب، تونس رقم 5048 ب:

20- مخطوطة دار الكتب، تونس رقم 5048 ب: وقفت على هذه المخطوطة في عين المكان «17» ، وهي نسخة جيّدة، وجاءت جودتها من أنها كانت ملكا لأحمد باشا باي صاحب كرسي تونس الذي حبّسها على" من له أهلية الانتفاع بها ولو استنساخا"، بتاريخ أواخر رمضان المعظم من عام 1256، أواخر نونبر 1840. وقد ختم السفر المكتوب بخط مغربي بإعطاء اسم جديد للرحلة سبق أن سمعناه وهو: " الدرر الملقوطة من رحلة ابن بطوطة". وقد اهتم مالك المخطوطة بالتعريف ببعض المواقع الجغرافية بما ينقله عن بعض المصادر المتداولة مثل كتاب فتوح إفريقية أو المسالك والممالك أو شرح المقامات للشريشي ... صفحات المخطوطة، 263 مسطرتها 33، مقياسها 27- 19. 21- مخطوطة مدريد التي اعتمدها دوزي (Dozy) . أثار انتباهي لهذه النسخة حديث المستشرق الهولاندي المعروف، رينهارت دوزي (Dozy) عنها في كتابه" المعجم المفصل بأسماء الملابس عند العرب" الذي ترجمه الباحث العراقي د. أكرم فاضل «18» . عندما ذكر أن دي گايانگوس (De Gayangos) أعاره النسخة النفيسة لرحلة ابن بطوطة التي يمتلكها هو ... " إن هذا الكتاب، يقول دوزي- من النسق الرفيع، أما المختصر المترجم من قبل القس صموئيل لي (Lee) فإنه لا يعطينا إلا فكرة ضعيفة كلّ الضعف عن أهمية الكتاب الأصلي". ومن هنا اتجهت إلى زملائي في ليدن الذين أشاروا علي بالتحوّل إلى مدريد للاتصال بالأكاديمية الملكية للتاريخ (Real Academia de La Historia) التي استجابت لرغبتي مشكورة بفضل مساعدة زميلي الراحل إيميليوگارسيا گوميز. هذه النسخة، يحتوي السفر الأول منها على 331 صفحة بينما يحتوي السفر الثاني على 245 صفحة، مسطرتها 21 سطرا، مقياسها 28 على 13. خط مغربي واضح، وتبتدىء بعد البسملة والتصلية هكذا وعلى العادة: «قال الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة رحمه الله ... » وتختتم الرحلة بالحديث عن تاريخ تقييد ابن بطوطة لرحلته. وقد نص على أن ناسخ الرحلة هو" أحمد بن عبد الرحمن المغيلي غفر الله ذنوبه وغفر لوالديه ... ولكاسبه وقارئه ولمن سعى في كتبه ... بتاريخ ثامن من صفر الخير عام تسعة وثلاثين ومائة وألف": 5/10/1726.

مخطوطة دار الكتب التونسية رقم 5048 ب- وقد كانت في ملك أحمد باشا ... -

يختتم السفر الثاني من مخطوطة تونس 5048 بإعطاء اسم جديد للرحلة: الدّرر الملقوطة ...

مخطوطة كايانكوس التي اعتمدها دوزي، نسخة لا تحمل رقما، وقد حصلت عليها من الأكاديمية الملكية للتاريخ بمدريد بمساعدة الزّميل الراحل إيميليو گارسيا گوميز وتحمل تاريخ 8 صفر الخير سنة 1139.

الصفحة الأخيرة من مخطوطة كايانگوس

22 - مخطوطة الاكاديمية العلمية في لشبونة\G\200 1254 A\G\000

22- مخطوطة الاكاديمية العلمية في لشبونةA 1254 وقد وقفت على المخطوطة التي طالما تحدث الباحثون عنها، ويتعلق الأمر بالنسخة التي اقتناها الأب خوسي دي سانطو أنطونيو مورا (Jose de Santo -Antonio Moura) من مدينة فاس أثناء وجوده ضمن سفارة وردت من البرتغال عام 1797- 98 1211. وقد ترجم قسما منها إلى البرتغالية. وقفت عليها في يناير 1993 بالأكاديمية العلمية في لشبونة «19» ... والمهم أن نعرف أن المخطوطة هذه تنسب المقدمة لصاحبها ابن جزيّ، وقد نسخت في (تنبكتو) المحروسة، وقد وافق الفراغ منها أواسط رجب عام ثلاثة وأربعين وألف (أواسط يناير 1634) في عهد الدولة السعدية أي أيام الوليد بن زيدان ابن أحمد المنصور الذهبي (1040- 1045- 1630- 1635) «20» . ومعنى هذا أيضا أن مخطوطة ابن بطوطة كانت معروفة بل مطلوبة في تنبكتو وبلاد التكرور، وهو الامر الذي يفسّر لنا قيام أبي عبد الله محمد الولّاتي بترجمة لابن بطوطة في كتابه: (فتح الشكور في معرفة أعيان التكرور) ، ترجم له ولو أنه أي ابن بطوطة ليس من تلك الجهات، تكريما له وتقديرا لمقامه وتخليدا لزيارته لتلك الديار علاوة على أصرة" الولّاتية" التي تجمع بينهما! 23- مخطوطة الشيخ حمودة: وهناك مخطوطة للشيخ حمودة بن لفغون شيخ الإسلام سابقا في قسطنطينة (الجزائر) ، وقد نسخت بتاريخ 22 شوال 1160- 17 أكتوبر 1747 م، وأشار إليها الناشران الفرنسيان: ديفريميري وسانكينتّي في مقدمة ترجمتهما للرحلة، وردّد ذلك فانسان مونطي في مدخله الجديد للرحلة 24- مخطوطة اللّمسي وقد أهدى لي الزميل التونسي الأستاذ الحبيب اللمسي صاحب دار الغرب الاسلامي في بيروت، صورة مخطوطة للرحلة يمتلكها تقع في سفرين مختلفي الخط، ورقاتها من طول 21 على 14، مسطرتها: السفر الاوّل 21 بينما كانت مسطرة الثاني 17، وهكذا فإن صفحات الأول تصل إلى 320 بينما تبلغ صفحات السفر الثاني 356.

مخطوطة الأكاديمية العلمية بلشبونة A 1254 ,وقد كانت ضمن المعروضات في أوائل مايه 1995 بمناسبة انعقاد اجتماع أكاديمية المملكة المغربية في العاصمة البرتغالية كما أسلفنا- الورقة الأولى من المخطوطة ... -

الورقة الأخيرة من مخطوطة الأكاديمية العلمية بلشبونة وقد نسخت في تنبكتو

الورقة الأولى من مخطوطة الحبيب اللمسي ويلاحظ فيها عدم نسبة المقدمة لابن بطوطة ...

كانت المخطوطة في ملك الحاج محمد بن حسين العريبي القلّال عام 1257 هـ قبل أن تنتقل إلى محمد ابن الحاج- بالشّراء الصحيح- على يد الدلال محمود السعيدي يوم 18 ربيع الأنور عام 1286 وقد كتبت تواريخها بالأرقام الهندية. والمهم في هذه النسخة أن ديباجتها لا ترتكب الخطأ الذي وقع فيه بعض النساخ من نسبة المقدمة إلى ابن بطوطة مع العلم أن المقدمة- كما قلنا مرارا- هي بقلم ابن جزي، ويلاحظ كذلك أن ناسخ السفر الأول لم ينتبه للوقوف حيث انتهى سائر النساخ ... ومن هناك وجدنا أن ناسخ السفر الثاني ابتدأه بالوصول إلى مدينة بخاري عوض الوصول إلى وادي السند المعروف ببنج آب! وإذا كانت الرحلة قد عرفت ذلك العدد العديد مما عرفنا بعضه من النسخ، فإن من مظاهر العناية بها قيام بعض المشايخ المشارقة" بانتقاء" أو" انتخاب" بعض الأطراف منها. وعلينا، قبل أن نعرف عن هذا، أن نتساءل: متى وصلت نصوص الرحلة إلى المشرق؟ وهل عن طريق أحد الحجاج القاصدين للحجاز أو طريق مشرقيّ ورد على المغرب وحمل الرحلة معه؟ إن المقريزي المتوفى عام 845- 1441 عندما يتحدث عن معركة مرج الصفّار التي وقعت كما هو معلوم يوم ثاني رمضان 702- 120 أبريل 1303، والتي تحدث عنها ابن بطوطة لم يشر لما رواه ابن بطوطة وهو الأمر الذي يدل على أن الرحلة لم تكن قد وصلت للمشرق على عهد المقريزي ... وكذلك فإن ابن إياس الذي توفى عام 930- 1524 لم يعرج على معلومات ابن بطوطة حول تلك المعركة، ومعنى هذا أن الرحلة لم تكن قد وصلت إلى تلك الديار، ولهذا فإني على مثل اليقين من أن رحلة ابن بطوطة وصلت إلى ديار المشرق في أواخر القرن العاشر الهجري عند ما بعث المغرب، في عهد الدولة السعدية، بسفيره إلى اسطامبول أبي الحسن علي التمجروتي عام 997- 1589 حيث وجدنا هذا السفير وهو يتحدث- في رحلته- عن بعض المحطات التي مرّ بها في المشرق ينقل عن ابن بطوطة ... فمن هنا قد يصح القول إن التمجروتي اصطحب معه مقيّدات ابن بطوطة منذ ذلك التاريخ «21» .

25 - مخطوطة وقف تيمور، دار الكتب المصرية نسخة (أ) :

يضاف إلى السفير التمجروتي، الشيخ المقري صاحب نفح الطيب الذي رحل إلى المشرق مع بداية الربع الثاني من القرن الحادي عشر، والذي نعتقد أن رحلة ابن بطوطة كانت ضمن حقائبه، كيف لا وهو الذي ردد أيضا" ترتيب" الرحلة في" موسوعته" الأندلسية المذكورة «22» ، ومن هنا نؤكد أن الرحلة لم تنتظر أبا القاسم الزياني ليحملها معه عام- 1756 1169 إلى موسم الحج، مشهّرا بصاحبها مشكّكا في المعلومات التي أتى بها ابن بطوطة!! فماذا عن الذين قاموا بعملية" الانتقاء" من الرحلة أو" اختصارها" حتى يثيروا الانتباه إلى الرحلة الأصلية ... لقد كان في صدر هؤلاء العلامة محمد بن فتح الله بن محمود بن محمد البيلوني «23» الحلبي المتوفّى سنة 1085- 1674 والذي نوّه بعمله الزّبيدي صاحب (تاج العروس) ... وهذا" المنتقي" للبيلوني هو الذي قام القس صموئيل لي (Lee) بترجمته عام 1829 «24» ، والذي قال عنه دوزي، كما ردّدناه قبل صفحات، عند الحديث عن النسخة التي اعتمد عليها لگايانگوس:" إن ذلك" المنتقي" لا يعطي إلّا فكرة ضعيفة كلّ الضعف عن أهمية الكتاب الأصلي". وقد توفرت مكتبتي على عدد من نسخ هذا" المنتقي": 25- مخطوطة وقف تيمور، دار الكتب المصرية نسخة (أ) : ميكروفيلم رقم 17732 نسخة (أ) وهي تحمل تاريخ يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وألف 1091 هـ- 1674 م كتاريخ لتحريرها أي بعد ست سنوات فقط من وفاة البيلوني، وهي تحتوي على 197 صفحة، مسطرتها 19 سطرا مقياسها 24 على 16.

مخطوطة منتقى البيلوني وقف تيمور، دار الكتب المصرية الورقة الأخيرة التي تتحدث عن وصول أمر أمير المؤمنين لابن بطوطة بالعودة إلى المغرب- وهي بتاريخ 8 ربيع الأول 1091.

26 - مخطوطة أخرى من وقف تيمور ... نسخة (ب) :

26- مخطوطة أخرى من وقف تيمور ... نسخة (ب) : وهذه نسخة ثانية أنجز تحريرها على يد كاتبها الفقير علي الاسلامبولي في 15 شهر شوال 1272، وفي أسفل هذا توجد طرة تقول: «ونقلت من نسخة بخط الفاضل الشيخ محمد العزيزي، كان كتبها برسم الشيخ سليمان الفيومي، وتاريخها 17 شوال 1210- 1796 وقوبلت عليها وشارك في مقابلة البعض كاتبه الفقير نصر الهوريني (ت 1291- 1874) ... وكان ذلك في قصر حضرة عبد الحميد بك نافع؟ الذي كتبت هذه النسخة برسمه أسبغ الله عليه ظلال نعمه» . أوراقها 146 (في كل واحدة صفحتان) ، المسطرة 21 سطرا، المقياس 22 على 12. 27- مخطوطة الفاتيكان رقم 1601 وهذه نسخة ثالثة من منتقي البيلوني وقد كتبت في أوائل رجب الفرد المعظم من شهور سنة أربع وثمانين ومائة وألف (1184) . عدد أوراقها 112 مسطرتها 21 سطرا، مقياسها 20 على 15، خط شرقي كسابقه وقد حصلت عليها من الكرسيّ البابوي بمساعدة مونسينيور جاكلين. 28- مخطوطة الفيومي رقم 4063 هذه نسخة كتبت بتاريخ 17 شعبان 1210 على ما نقرأه في آخر المخطوطة، وهي تذكر أنها كتبت على يد الفقير محمد بن أحمد العزيزي الشافعي الأزهري برسم" أستاذنا الأعظم الشيخ سليمان الفيومي"، وعلى رأس الورقة الأولى من المخطوط هامش يحدد تاريخ رحلة ابن بطوطة ونهايتها وتوقيع الشيخ نصر الهوريني ثم تاريخ 1223. عدد أوراقها 72 (في كل ورقة صفحتان) ، مسطرتها 23 سطرا، مقياسها 20 على 14. ومن المهم أن نشير هنا إلى أن الورقة الأولى من هذه المخطوطة، وهي التي تحمل العنوان، تحتوي على قطعتين شعريتين لهما دلالة جد مفيدة على مصداقية رحلة بن بطوطة، وعلى المركز الذي كانت تنعم به في المشرق منذ ذلك التاريخ (القرن الحادي عشر الهجري) عندما ظهر" المنتقي"، حيث كان الناس يتوقون للحصول على" منتقاها" ما داموا لم يستطيعوا الحصول على" أصلها"! تقول القطعة الأولى إذا ما رحلة الطنجيّ عزّت ... وشحّ بها لئيم أو كريم! وألفيت الملخّص والمنقّى ... من ابن جزي: البحر الخضيم فدع نجدا لساكنه وأعرض ... وحسبك من عراراته شميم!!

مخطوطة أخرى من منتقى البيلوني منتسخة يوم 15 شوال 1272 ... الورقة الأولى من المخطوط الذي حبسه تيمور نسخة (ب) .

مخطوطة أخرى من منتقى البيلوني بالفاتيكان رقم 1601 ب، وقد كتبت أوائل رجب 1184، الورقة الأولى من المخطوط وهي هدية من القاصد الرسولي بالرباط مونسينيور جاكلين.

مخطوطة منتقى البيلوني كتبت بتاريخ 17 شعبان 1210 برسم الشيخ سليمان الفيومي، ورقة العنوان تحتوي على معلومات مفيدة عن الرحلة وشهادات حولها.

29 - منتخب الرحلة لمؤلف مجهول رقم 22741:

وهو يشير في البيت الأخير إلى البيت المعروف: تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار! ثم تقول القطعة الثانية التي تصف الرحلة الأصلية بأنها" قطب" لجميع الرحلات! حيث أبصرت رحلة لإمام ... فهي ذيل لرحلة ابن بطوطة إنما الكون دارة، وهي قطب ... بجميع الجهات منه منوطة جعل الله روحه في رياض ... حيثما ينسج الغمام خيوطه «25» ونعتقد أنه من المهم أن نورد ما جاء في ديباجة (المنتقي) للبيلوني" ... هذا ما انتقيته مما لخصه الإمام الكاتب محمد ابن جزي الكلبي من رحلة الفقيه أبي عبد الله محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة، وإنما انتقيت ما كان غريبا غير مشهور أو مشهور النقل لكن ربّما لا يعتمد عليه لغرابته وتسامح المؤرخين في النقل غالبا، فأثبتته لكون صاحب الرحلة ثقة وكتب ما ثبت عنه من أخبار الأمم والأقطار، فنقل الصدوق أوقع في الاعتبار والاستبصار، وبعض ما نقله قد يخالف ما ذكره غيره، كما في وصفه بعض ما شاهده من عقاقير الهند، فإن بعضه مخالف لما ذكره الأطباء في وصفها. والظن بالشيخ الصدق. وقد خرج الشيخ ابن بطوطة صاحب الرحلة بقصد الحج والسياحة من بلدته طنجة عام خمسة وعشرين وسبعمائة، وانما أذكر بعض أسماء البلاد التي اجتازها في رحلته وإن لم يكن في ذلك كبير فائدة للتنبيه على كمال همته وتوكله وعدم سئامته من الحل والترحال وقطع مشاق الفيافي والجبال ... " 29-" منتخب الرحلة لمؤلف مجهول رقم 22741: وإلى جانب" منتقي" البيلوني بنسخه الأربعة ظهر" منتخب" الرحلة رقم 22741 لمؤلف مجهول، وافق الفراغ منه يوم الثلاثاء رابع شهر ذي القعدة من أشهر سنة ألف ومائة واثنتين من الهجرة النبوية (30 يوليه 1691) أخذت النسخة عن الميكروفيلم رقم 22741، دار الكتب القومية أوراقها 46 (في كلّ ورقة صفحتان) ، المسطرة 21 سطرا ومقياسها 22 على 14.

منتخب الرحلة لمؤلف مجهول رقم 22741، وقع الفراغ منه في 4 ذي القعدة 1102 الورقة الأولى، وهذه النسخة غير اخرى طبعت على الحجر بمصر عام 1278- 1861 وتعتبر كذلك في عداد المخطوطات ...

الورقة الأخيرة من منتخب الرحلة لمؤلّف مجهول

30 - منتخب الأزهري 1278:

30- منتخب الأزهري 1278: وقد طبع هذا" المنتخب" في القاهرة أواخر ربيع الأول 1278- 1861 على نفقة أحمد أفندي الأزهري بتصحيح الشيخ علي المخللاتي، ويقع في 79 صفحة، ولذلك يعرف هذا" المنتخب" باسم منتخب الأزهري، وتعتبر أيضا في عداد المخطوطات. ونرى كذلك من المفيد أن نورد ما جاء في مقدمة (المنتخب) فيما يلي: " ... وبعد فهذا ما" انتخبته" من مختصر رحلة الإمام العالم الرحّال السايح في البلاد أبي عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة المغربي المعروف في البلاد المشرقية بالشيخ شمس الدين، وهو الذي طوّف الآفاق معتبرا، وطوى الأمصار مختبرا وباحث فرق الأمم، وسير العرب والعجم، التي اختصرها وضبط مشكل ألفاظها الشيخ الامام العلامة محمد بن محمد بن أحمد ابن جزي الكلبي المغربي باشارة أمير المؤمنين المتوكل على الله سلطان الحضرة الفاسية ... " 31- نسخة ضومباي النّمساوي؟ لقد وردت الإشارة إلى هذه النسخة ضمن رسالة بعثها بتاريخ 26 محرم 1200- 29 نونبر 1785 أحد النساخ المغاربة إلى الديبلوماسي النمساوي ضومباي الذي كان يعمل بسفارة النمسا بطنجة، وكان يهتم باقتناء المخطوطات ... في هذه الرسالة يخبر الناسخ المغربي زميله بأن رحلة ابن بطوطة الصغيرة كملت ودفعت للسفّار أي المجلّد، فماذا عن هذه النسخة" الصغيرة" وهل هي عمل جديد غير" المنتقي" و" المنتخب" «26» ؟ وهكذا نستشفّ من خلال كلّ هذا أن هناك اهتماما زائدا بالرّحلة عبر العصور سواء من لدن الحكام أو من لدن العلماء والمثقفين بحيث إنه لم تخل فترة من الفترات دون أن نجد فيها أثرا للرحلة نسخا أو بيعا أو شراء ... بل إنّنا كنا نلاحظ في بعض الأحيان أن تواريخ النّسخ تتقارب فيما بينها، ومعنى هذا أن هناك طلبا متواليا على الرحلة من طرف هواتها والمعجبين بها، من طرف الذين وجدوا فيها ما يرضي استطلاعهم ويزيد في معلوماتهم عن عالم العروبة والإسلام ...

ليست" المنتقى؛ وليست" المنتخب" ولكنها الرحلة" الصغيرة" فماذا يعني بها الكاتب المغربي؟

الأربعة الذين كانوا وراء إنجاز الرحلة

الأربعة الذين كانوا وراء إنجاز الرحلة

(1) السلطان أبو عنان

(1) السلطان أبو عنان عندما يذكر التاريخ المعالم الحضارية التي شيدها السّلطان أبو عنان (759 هـ- 1358 م) بن السلطان أبي الحسن بن السلطان أبي سعيد بن السلطان يعقوب بن عبد الحق مؤسس دولة بني مرين، وعند ما يذكر التاريخ مجالسه العلمية التي كانت أشبه ما تكون بدور الحكمة بالأمس أو بالأكاديميات كما نسميها اليوم، وعند ما يذكر التّاريخ الأصداء العظيمة التي تركها أبو عنان على الساحة الدّولية بما وقّعه من اتفاقيات وما أبرمه من معاهدات، وعند ما تتحدث مصادر التاريخ عن أسطوله الذي كان يقوم بنفسه على بنائه، وعند ما نذكر حسّه السياسي المرهف وحزمه في ممارسة الحكم وعند ما نذكر هوايته الرياضية المفضلة: القنص بالصّقر ... عند ما يذكر الناس كلّ هذا فإن من واجبهم أن يذكروا إلى جانب تلك المناقب والمحامد عملا آخر لا يقلّ- إن لم نقل إنه ينافس- عن تلك الأعمال أو يفوقها، ذلك العمل هو الأمر الذي أصدره- وهو بفاس- بانتساخ رحلة ابن بطوطة وجعلها في متناول القراء بالرغم مما ظهر من بعض معاصري الرحالة المغربي من أمثال ابن خلدون الذين شككوا في مصداقية الرحلة وقصدوا الوزير ابن ودرار في محاولة لكتم أنفاسها! لقد تأكد أن القرار الذي اتخذه العاهل المغربي كان قرارا عظيما وائدا، وكان وراء تخليد اسم أبي عنان بالرغم من أن حكمه لم يتجاوز عشر سنوات!! فها نحن اليوم نعيش مع اهتمام رجال الفكر كلّهم سواء كانوا عربا أو عجما ... بهذه الرحلة التي كانت بالفعل حدثا فريدا من نوعه، حدثا ربط تاريخ المغرب لأول مرة بتاريخ بقية العالم، بما في ذلك الجهات النائية، وبما في ذلك بعض الجهات التي لم تكن تدين بالإسلام. وهكذا وجدنا أن الرحلة تمثّل جسرا متينا يجسد الحوار بين الحضارات في دول المعمور سواء في القارة الافريقية أو الأسيوية أو الأروبية. ومن ثمت كان لها بعد دولي واسع أعطى للعاهل المغربي فرصة ثمينة لكي يخلد اسمه عبر التاريخ كنصير لحرية الفكر وكمنقذ للتراث ومشجع للإبداع، ويكفي أن نعرف أن الفكر الحديث يعتبر أن ابن بطوطة ثالث ثلاثة رفعوا اسم المغرب عاليا بعد ابن رشد وابن خلدون وأنه أي ابن بطوطة أكبر رحالة في التاريخ البشري كله على حد قول أندري ميكيل «1» !! وقد استمعنا إلى الكاتب الفرنسي الأكاديمي جان دور ميصون (J.D'ormesson) (مارس 1995) أثناء حفل تكريمي حاشد" إشادة كبيرة وعظيمة وعطرة بمركز ابن بطوطة المؤرخ والجغرافي والاجتماعي الذي كان ممّن" استطاعوا أن يؤثروا عليّ- يقول دورميطون- بمفاتن إبداعهم، الأمر الذي لم يظهر أثره فقط على ما كتبته ولكن ظهر فيما كنت أستوحيه

2) ابن ودرار

مما دوّنه ابن بطوطة الذي كان في صدر الذين أعطوا للإسلام بعدا دوليا فيما يتصل بعظمته وتسامحه ... » 2) ابن ودرار كان في أبرز ما لفت نظرنا من سيرته أنه الوزير الحصيف الذي أنصف ابن بطوطة وأرجع ابن خلدون إلى صوابه فيما يتعلق بمصداقية الرحلة. كان أبو زيان فارس ابن ميمون ابن ودرار الحشمي «2» قائدا موموقا لدى السلطان أبي الحسن، ومن هنا رشّحه للقيام بالسفارة عنه لدى الملك الناصر محمد بن قلاوون بمصر في أعقاب استرجاع السلطان أبي الحسن لملكه على تلمسان وبجاية عام 737- 1337، الأمر الذي ردّدت صداه ممالك إفريقيا على ما تؤكده كتب التاريخ. وقد تضمنت الرسالة التي حملها ابن ودرار إلى العاهل المصري أخبارا جدّ هامة عن الحالة في الغرب الإسلامي «3» . ثم أصبح ابن ودرار وزيرا ملازما للسلطان أبي عنان بعد تمكنه من الحكم عوض أبيه، فكان السلطان يعهد إليه بالمهمات الجسام، وهكذا نجح عام 753- 1352، في المهمّة التي عهد بها إليه في معركة أنگاد ... كما نجح في تطويق حركة قامت جنوب المغرب عام 754- 1353 حيث أنشأ مدينة أسماها (القاهرة) أحكم بها الحصار على المتمردين هناك! وبعد أربع سنوات، أي في عام 758- 1357 عهد إليه بإخماد ثورة للحفصيين بتونس فجاءوا إليه مهطعين. وهكذا بلغ ابن ودرار منزلة لم يبلغها أحد في الدولة، وهنا حصل ما يمكن أن يحصل عند ما يشعر القائد، أيّ قائد، بأنه أمسى في موقع" لا يمكن الاستغناء عنه فيه"، بل وبأنّ في استطاعته أن يصبح الرقم الواحد في الدّولة!. ولم يكن السلطان أبو عنان من الملوك الذين تغيب عنهم" الهواجس"، وهكذا فما لبث الوزير أن فوجيء بمداهمة بيته والإجهاز عليه والناس يحتفلون بعيد الأضحى من عام 758 (أواخر نونبر 1357) «4»

3) ابن جزي

3) ابن جزي وتاتي الشخصية الثالثة التي كان سبب ظهورها على الساحة حدثا وقع على سبيل الصدفة! ويتعلق الأمر بأبي عبد الله محمد بن أبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي المولود بغرناطة سنة 721- 1321. لقد اجتمع هذا الرجل بالرحالة المغربي في غرناطة، وبالضبط في بستان أبي القاسم ابن عاصم حيث انتظم لقاء نزهة جمع عددا من وجوه العاصمة الاندلسية، ووجدنا أن ابن جزي يعرب عن ارتياحه للاستمتاع بأخبار رحلة ابن بطوطة، ولم يتردد في الاعتراف بأنه قيّد عنه في ذلك البستان أسماء الأعلام الذين لقيّهم ابن بطوطة في الرحلة، وأنه استفاد منه فوائد عجيبة ... " وبهذه المناسبة سأل ابن بطوطة عن مولده فأخبره بأنه ولد بطنجة يوم الاثنين 17" رجب 703 «5» . ولا ننسى أنّ ابن جزي هذا كان على ذلك العهد في خدمة أبي الحجاج يوسف ابن الأحمر النصري ملك غرناطة الذي كان يطرب لأدب الكاتب وفكاهته «6» ... " وإذا أراد الله أمرا هيّأ له أسبابه" كما يقولون. فقد حدث أن تعرض ابن جزي لظلم لحقه من ملكه أبي الحجاج في أعقاب وشاية آثمة، ولم يتحمل ابن جزي إهانة السوط فالتحق بالمغرب «في آخر عام ثلاثة وخمسين» حيث وجد من السلطان أبي عنان ما كان يرجوه ... وقد كان ابن جزي في صدر الذين قالوا الشعر في" الزاوية العظمى" «7» التي بناها السلطان أبو عنان على ضفاف وادي الجواهر. وقد شرع في تأليف حول تاريخ غرناطة. وقف لسان الدين ابى الخطيب على بعض أجزائه عام 755- 1354 بمناسبة سفارته لدى السلطان أبي عنان. وعند ما قرّر السلطان أبو عنان استنساخ رحلة ابن بطوطة لم يجد في مجلسه أفضل من الكاتب ابن جزي صاحب الخط الرفيع البديع سيّما وأنه قام- على ما أسلفنا- بالخطوات الأولى وهو في غرناطة، وهكذا امتثل الأمر على ما كان به من علة لم تمهله. وهكذا كتب لابن جزي أن يستمر ذكره عبر الأرجاء رغم عمر قصير لم يتجاوز ستّا وثلاثين سنة «8» ...

4) ابن بطوطة

4) ابن بطّوطة سيكفينا هذا الرجل أمر التعريف بنفسه من خلال ما حكاه هو عن سيرته الذاتية. وهكذا فإننا لا نجد عنه شيئا سوى ما ورد عن لسان الدين ابن الخطيب (ت 776- 1375 1374) في الإحاطة من معلومات جدّ محدودة، على خلاف صنيعه مع ابن جبير الذي ينتمي لبلدته والذي خصص له لسان الدّين عشر صفحات كاملة!! وسوى ما ورد عن ابن خلدون (ت 808- 1405- 06) في مقدمته، وما ورد عن ابن حجر (ت 852- 1448) في الدرر الكامنة من معلومات أضافت بعض العناصر المفيدة على نحو ما قرأناه عن التمجروتي عام 997- 1589 في" النفحة المسكية"، والمقري (ت 1041- 1632) في" نفح الطيب ... " لكن ما دوّنه في رحلته كان كافيّا وحده ليعطي فكرة مدققة عن الرجل من نشأته بطنجة إلى أن استقبله بفاس السلطان أبو عنان، وإلى أن صحب ركبه وهو عائد من مراكش يحتمل شلو أبيه ... فكرة مدققة عن صفاته، عن شخصيته، عن إبائه، عن حالته الاجتماعية. وتبقى بعد هذا نحو ثلاث عشر سنة من حياة الرجل ظلت تفاصيلها غائبة عنا لم نعرف عنها شيئا، عن أهله وعن نسله سوى أنه يزاول القضاء في إقليم تامسنا الذي يعتبر من أوسع وأغنى الأقاليم المغربية في مملكة فاس «9» ... لقد خفت صوته باختفاء وليّ نعمته السلطان أبي عنان. وهو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن يوسف اللّواتي الطنجي الملقب في المشرق بشمس الدّين والمكنّى عندي بأبي أحمد لوجود ولد له يحمل هذا الاسم «10» ... ومعلوم أن (لواتة) قبيلة واسعة الانتشار في مصر يؤكد المقريزي أنها عربية «11» . ولد بطنجة يوم الاثنين 17 رجب 703- 24 يبراير 1304، ويبدو أن الأسرة تنسب إلى سيدة كانت تحمل اسم فاطمة: عادة معروفة من قديم تنسب الناس إلى أمهاتهم، وتتحول فاطمة في المشرق- تدلّلا- إلى بطة، ونحن نعرف عن ابن بطة العكبرى (ت 387) ، وتمسي بطّة في المغرب بطّوطة كسفّودة على ما في تاج العروس للزّبيدى (فصل الباء من باب الطاء) . وبيت ابن بطوطة معروف على أنه بيت علم وقضاء ... ونعرف أن طنجة نفسها كانت

مرفأ دوليا هاما يتوفر على كلّ مقومات الحضارة. وقد عرفنا عن استقبالها للشعراء أمثال أبي الحسن الحصرى صاحب القصيدة التي مطلعها: «ياليل الصبّ متى غده» كما عرفنا عن ابن سمجون اللواتي الطنجي الذي رحل إلى المشرق وعاد لطنجة ومات بها، وقد وقفنا في البرتغال على نص ملكية لبعض مخطوطات (قضاة قرطبة للخشني) : وهو هكذا" ملكه محمد بن محمد بن عبد الرحمن اللّواتي الشهير في طنجة بابن بطوطة" وسنقرأ حديث ابن بطوطة، وهو في رندة، عن ابن عمه أبي القاسم محمد بن يحيى قاضي المدينة ... كما نعرف عن أسرة البطوطي التي وضع أحد أفرادها بفاس قطعة أسطرلاب فائقة الدقة «12» . وبعد عودة ابن بطوطة إلى المغرب، وبعد إفلاته من اشاعة" تناجي" بعض المعاصرين حوله على ما أشرنا أمسى من جلساء السلطان أبي عنان الذي أصدر أمرا لكاتبه ابن جزيّ بتدوين رحلة ابن بطّوطة. قبل أن يتقلد هذا الأخير منصب قاضي إقليم تامسنا. وقد وجدنا في (نفاضة الجراب) للسان الدين ابن الخطيب رسالة موجّهة من هذا إلى القاضي ابن بطوطة. وكان ابن الخطيب قرّر عند ما التجأ إلى المغرب عام 760- 1359 أن يستثمر أمواله في منطقة نفوذ ابن بطوطة، وكانت تامسنا تابعة لمملكة فاس على ما يقوله الحسن ابن الوزان «13» . وإذا كان مترجموه أهملوا الحديث عن ظروف وفاته، فإن الحافظ ابن حجر سالف الذكر في" الدرر الكامنة" (4، 100) يفيد أن ابن بطوطة بقي إلى سنة سبعين وأدركته وفاته وهو متول للقضاء يعني حتى عهد السلطان عبد العزيز بن أبي الحسن أخى السلطان أبي عنان مما يعني أنّ أجله أدركه بتامسنا التي كانت عاصمتها انذاك أنفا وليس بفاس ولا بطنجة «14» ... ولله در مولانا جلال الدّين الرومي (672- 1273) عند ما يقول:" حينما نموت لا تبحثوا عن قبورنا في التّراب ولكن ابحثوا عنا في قلوب الناس!! " لقد كان رحله دائما على استعداد، وهو لا يفتأ متنقلا باحثا عما يضمن له الزاد في

خطاب لسان الدين ابن الخطيب لصديقه شمس الدين ابن بطوطة قاضي تامسنا- نسخة خاصة. تامسنا الأمس قدر لها أن تكتسب اليوم هذه المعلمة الحضارية الكبرى" مسجد الحسن الثاني"

الحل والترحال ... وقد كان يصدق عليه قول ابن زريق البغدادي في قصيدته: ما آب من سفر إلا وأزعجه ... رأى إلى سفر بالعزم يجمعه كأنّما هو من حل ومرتحل ... موكّل بفضاء الله يذرعه! إذا الزمان أراه بالرحيل غنى ... ولو إلى السّند أضحى وهو يزمعه!! لقد قام ابن بطوطة برحلاته العديدة التي كان يستهدف فيها أحيانا لسائر أنواع الامتحان، ويتعرض للخطر في عدد من الحالات ... ، وحتى عند ما قام بزيارة الأندلس وبلاد السودان، لكنه نجا من جميع تلك الأهوال فكان لسان حاله ينشد قول الشريف الادريسي: دعني أجل ما بدت لي ... سفينة أو مطيّة لا بدّ يقطع سيري ... أمنة أو منية!! وإن الذين يسمحون لأنفسهم بتحجيم ابن بطوطة والادعاء بأنه كان محدود الثقافة كانوا بعيدين عن الحقيقة ... ولعل بعضهم ظلّل بما قرأه عن تكليف السلطان أبي عنان للكاتب ابن جزي بترتيب الرحلة ... حيث وجد في ذلك ما يعبر- ربّما- عن" عجز" ابن بطوطة عن القيام بالمهمة ... ! وهذا خطأ" بيّن، تكشف لنا عنه أولا الصفة التي رشّحت ابن جزي للقيام بهذا العمل والتي أشار اليها المقري في (النفح) " بأنه أي ابن جزي، إن كتب أربى على ابن مقلة بخطّه ... " وثانيا ما أضفاه ابن جزي نفسه في المقدمة على ابن بطوطة من كل الاوصاف التي تؤكد عن عمق معارف الرحالة: فهو" الشيخ، وهو الفقيه وهو الثقة وهو الصدوق، وهو الذي باحث فرق الأمم، وسبر سير العرب والعجم، ولم أتعرض- يقول ابن جزي- لبحث عن حقيقة ما قال لأنه سلك في إسناد صحاحها أقوم المسالك ... ! ونريد أن نقول، ونحن نقف إلى جانب من يقتنعون بالمركز العلمي الموموق للرحالة المغربي، نقول: إن القرار الذي اتخذه السلطان أبو عنان بالإعلان عن مصداقية الرحلة وأهميتها لم يكن قرارا ارتجاليا أو عاطفيا، ولكنه كان وليد استمزاج رأي أعضاء المجلس العلمي الذي اعتاد السلطان أن يركن إليه كلّ مطلع شمس، ذلك المجلس الذي كان بمثابة أكاديمية حقيقية يلجأ إليها العاهل عند الحاجة، وقد قرأنا فيما سجله الكاتب ابن جزي في مقدمة الرحلة أنه" لا تقع في مجلس أبي عنان مسألة علمية في أيّ علم كان، إلا حل مشكلها

وباحث في دقائقها واستخرج غوامضها واستدرك على علماء مجلسه ما فاته من مغلقاتها ... فكانت مجالسه لا تخلو من مباحثات ومناظرات ... وقد ذكر العلامة المؤقت أبو زيد عبد الرحمن الجاديري (ت 938- 1534) نقلا عن شيخه الرئيس أبي الوليد اسماعيل بن الأحمر (ت 807- 1405) في شرحه لقول البوصيري: لعلّ رحمة ربي حين يقسمها ... تأتي على حسب العصيان في القسم ذكر ما يؤكد أن ابن بطوطة كان معدودا في صدر أعضاء ذلك" المجلس الأكاديمي". وقد وقع الكلام بين يدي السلطان أمير المؤمنين أبي عنان ... في مقعد ملكه من المدينة البيضاء من حضرة فاس بمحضر الفقهاء والعلماء والأساتذة والقضاة والشرفاء والخطباء وأصحاب العلوم ... وأخذ الرئيس أبو الوليد يعددهم واحدا واحدا إلى أن قال: وشيخنا الفقيه القاضي الخطيب الحاج الكثير الجولة بالمشرق والمغرب وجميع البلاد محمد ابن بطوطة الطنجي العارف بالتاريخ ... " على ما نذكره في الملاحق. ومعنى هذا أن الرحالة المغربي كان معدودا في صدر رجالات الفكر والعلم والدولة جميعا «15» وللمتتبع لغضون الرحلة أن يقف بنفسه عند الخطوات الأولى للرجل، وهو يودّع طرابلس، عند ما تقدم على سائر رفاقه وفرض نفسه على بقية أعضاء الركب. وإن ابن بطوطة، وهو ما يزال في بداية طريقه، في الاسكندرية أخذ عن الشيخ ياقوت تلميذ أبي العباس المرسي، فهو شادلي بالواسطة وقد حصل في دمشق على نحو من ثلاث عشرة إجازة، وفيمن أجازوه أم عبد الله زينب بنت الكمال المقدسية، ولقد كان حريصا على أن يذكر أسماء الذين أجازوه في أرض الشام، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على" انتساب" الرجل إلى بيت العلم والفقه والحديث ...

ولا بد أن نستمع إلى الانتقاد المر الذي وجهه الرحالة العالم لخطيب البصرة الذي لم يحترم قواعد النحو التي إنما عرفت ازدهارها ورواجها بين البصرة والكوفة «16» . ولنتتبع زيارته لبغداد حيث نجده بالمدرسة المستنصرية يحضر مجالس الامام الشيخ أبي حفص القزويني الذي كان يتناول بالدرس مسند الدّارمي ... لقد كان حاضرا في مثل هذه المشاهد بذاكرته وبحسه يعترض على ما يسمعه أحيانا إذا لم يقتنع، ويصحح ما يرى أن غيره جافى فيه الصواب. وهو في بلاد فارس اغتنم الفرصة لاستجماع حصيلة كبرى من المعارف والاتصال بأكبر عدد من رجالات الحديث والفقه والتصوف. وقد كان يعرف كيف يتحبب الى الناس ويتقرب إليهم بما أوتيه، هو نفسه، من خصال العلماء وفضائل الفقهاء ... وهكذا وجدناه يضيف إلى إجازاته في دمشق إجازات أخرى من بعض رجال العلم والفضل في إصفهان. أكثر من هذا، استمعنا إليه يخبرنا عن تأليف له جديد، غير هذه الرحلة، وهو خبر طريف، ويتعلق الأمر بتصنيف طلب منه أحد الملوك في آسيا الصغرى: سلطان بركي: أن يؤلفه له حول الحديث الشريف ... وما من شك في أن المرء لا يجرؤ على حمل القلم للتدوين في موضوع كهذا دون أن يكون متوفرا على زاد من العلم كبير ... وقد قرأنا بعضا من قصيدته اللّامية في مدح السلطان وهو بالهند: فلو أن فوق الشمس للمجد رتبة ... لكنت لأعلاها إماما مؤهّلا فانت الامام الماجد الأوحد الذي ... سجاياه حتما أن يقول ويفعلا!! وكان مما يدل على مكانة الرجل العلمية ما كنا نتحسسه من خلال مذكراته مما كان يعبّر فعلا على أنه أطروفة من أطاريف الزمان وأنّه ليس إمّعة يردد ما قاله الآخرون دون تمحيص. ولأضرب مثلا بما ينقله أحيانا عن ابن جبير من معلومات، فهو عند حديثه مثلا (201 ,I) عن فوائد مستغلات جامع دمشق في كلّ سنة، يقدر ذلك بنحو خمسة وعشرين ألفا دينار ذهبي من سكة بني مرين، وهكذا نجده يحول تقديرات ابن جبير البالغة خمسة عشر ألف دينار من سكة بني عبد المؤمن ... وقد فعل ذلك لتيويم المعلومات أي جعلها مواكبة لعصره ... وهو إذ يستأنس بابن جبير أيضا، نراه لا يردد ما أفاده سلفه من أن خطبة الجمعة تتضمن الدعاء للخليفة. وخلافا لذلك نجده يتحدث عن الدعاء لملك مصر لأنّ اليوم غير الأمس والحكام الحاليون ليسوا هم الحكام السابقين!!

وإذا كان ابن الخطيب في الإحاطة نسب اليه المعرفة بالطب فإنه مصيب في ذلك نظرا لما احتوته الرحلة من دلالات وشهادات ... وابن بطوطة هو الذي لاحظ أنّ أهل الهند لا يجعلون بيت المال عاصبا عندما تستكمل حصص الوارثين على عكس ما يوجد عند المالكية الذين يعتبرون بيت المال عاصبا عند فقدان الوارث وهو ما كان يعتمده المغرب إلى عهد قريب. وحديث ابن بطوطة عند التعزير عند الشافعية وأنه لا يتجاوز الحد. بينما نجد أن التعزير عند المالكية غير محدد، وان للإمام أن يجتهد فيه حسبما يراه ولو تجاوز الحدّ. وقد رأيناه بين الفينة والأخرى يتحدث عن أن هذا الحكم يجري على مذهب الشافعية وذلك يجري على مذهب الإمام مالك الأمر الذي يجعل رحلته أيضا مصدرا من مصادر الفقه الإسلامي. وقد سمعناه يقول وقد عرضت عليه وظيفة سياسية هامة:" إن القضاء والمشيخة شغله وشغل آبائه" ... وقد تحدث فعلا عن فقيه جليل هو أبو الحسن علي الأنجرى الذي كان يتردد على والد ابن بطوطة بطنجة التي عرفت مجالس أمثال الشيخ أبي سعيد «17» وما بالك بسائح يلقى مكانة رفيعة عند الحدود المصرية ويستضيفه" أستاذ دار" الذي يعهد إليه عادة بترصّد علية القوم واداء فروض الاحترام لهم. وما بالك بفقيه لم يتردد في استنكار ركوب الشيخ هود علي محفّة تحملها أكتاف فتيانه وكأنهم الحيوانات عوض أن يركب متون الخيل التي كانت تمشي مع الموكب مجنوبة؟! ولقد كانت آخر وظيفة له كما قلنا أن كان قاضيا في (أنفا) عاصمة تامسنا التي احتضنت عددا كبيرا من رجال العلم والمعرفة ممّن ترجمت لهم كتب التاريخ من أمثال أبي الحسن ابن الرقاص الذي كان يقرئ بمدرسة أنفا التي بناها السلطان أبو عنان بالجامع الأعظم «18» ... وإذا كان ابن بطوطة إنما اشتهر بالرحلة التي توجد بين أيدينا، فإن صاحب كتاب: " دليل مؤرخ المغرب الأقصى" يذكر أن لابن بطوطة تأليفا آخر يحمل اسم (الوسيط في أخبار من حلّ تمنطيط) «19» ، تكلم فيه على رجال المدينة المذكورة التي تقع في إقليم توات، وكانت

اهلة بالعلم في القرنين السادس والسابع الهجري ويقع التأليف في مجلد ضخم على ما أخبره به بعض علماء الإقليم ... وقد كان مما لفت النظر في الرحلة أنّ ابن بطوطة- بالرغم مما تقلب فيه من وظائف وما مرّ به من ظروف- لم ينس المغرب الذي ظل أمام مخيلته وبين سمعه وبصره. وحتى نعرف درجة الحسّ الوطني للرجل لا بد أن نلاحظ تصيّده الفرصة لذكر المغرب، فهو يفيدنا أن المغاربة شاركوا ضد هجوم القرامطة على الكعبة، وهي الحقيقة التي نجد لها صدى في المصادر القديمة للتّاريخ الدّولي للمغرب ... ولم ينس أن يقارن بين (الصقورة) في المغرب وبين (سيربيدار) في فارس ... ولم ينس أن يقارن بين نظام" الفيلات" في الصين ومثيلاتها في سجلماسة!! بل وبين قطع الأسطول والأجفان بالمغرب وعددها في الصين ... سواء منها الغزوية او السّفرية، أو الحربية والتجارية بالمصطلح الحديث. ولقد علقت بمخيلته صور الأودية الكبرى بالمغرب، فهو يقارن وادي سلا، بنهر مدينة إصطنبول ... ولا يفوته أن يذكر بأنه يدّخر مذكراته التي يكتبها ليفيد بها مواطنيه بالمغرب ... وعند ذكر الطيور وعند حضور الأسماك، وعند رؤيته للأواني الخزفية التي تقدم إليه، لا بد أن يعتزّ بالخزف الذي تصنعه الأيادي المغربية. وحتى في شكل الخصومات والمرافعات نجده يقارن بين شكلها ونوعها في بلاده الأصلية وفي الأماكن التي كان يتجول فيها ... ويلاحظ أن الرجل كان في مستوى ما تنعم به بلاده من ذكر جميل ولا بد أن نحضر معه ذات يوم خروجه للأسواق ليقتني الملابس المناسبة لرحلة صيد دعاه إليها السلطان. إنه كان يريد" أن يظهر القوة والهمة" ... لقد كان حريصا على أن يمثل بلاده أحسن تمثيل إذ كان عظيم الاعتزاز بهويته المغربية في البلاط الهندي. وهو الأمر الذي ما يزال مثقفو الهند يذكرونه إلى اليوم، لقد كان يعلم أن بلاده، في ذلك العهد، كانت على وضع ممتاز، وأحسن على كلّ حال من وضع تلك الجهات، ولذلك فإنه كان يجيب عند ما يسأل عن أصله: بأنه ينتسب إلى بلد أصيل اثيل وفي هذا الصدد لابد أن نلفت النظر إلى نوع من المقارنات الطريفة والدالة على الحسّ الاقتصادي والتجاري الذي كان يتوفر عليه، والذي يعبر عن شمولية شخصيته واكتمالها: قضية تتبّعه للأسعار وتتبّعه للمكاييل والمعايير والموازين، وقيمة العملات حتى لكأنك مصحوبا بجريدة تطلعك على أسعار ما يجري في السوق. وهكذا لم يكن الرحالة رجل فقه وأحكام وأوراق، ولكنه رجل مطلع على كل شيء. فقد بدا مهتما بقضايا الصرف والمقارنة بين العملة في المغرب وغيره، عند ما كان بمصر والبصرة، وتركيا ... والهند، وكذلك المقارنة بين الرطل بالمغرب والمنّ في الجهات

الأخرى، والأوقية والدينار المغربي وما تعرف عليه هناك مما سماه التّنكة ... ولم يفته، وهو يتحدث عن دور ضرب السّكة في الصّين أن يذكر دور السكة في بلاده المغرب. إن أسعار الخيول هناك غيرها في المغرب ... وإن أسعار الفراء في أرض الظلمة ترتفع إلى مبلغ هائل لا يتصوره شخص نشأ في أرض لا ترتدي الفراء. وقد رأيناه أحيانا يربط بين المعلومات المتعلقة بآسيا والمعلومات المتصلة بإفريقيا السوداء ... ومن هنا اعتبرت الرحلة في العصر الوسيط دليلا تجاريا للذين تهمهم الدراسات الاقتصادية على ذلك العهد على ما أشرنا إليه «21» ومن الملاحظ أن الرجل كان يتأقلم بسرعة زائدة، فهو يتعلم اللّغة التي يتكلم بها القوم الذين ينزل بساحتهم ... وقد بدأ يفهم اللغة الفارسية قبل أن يتعلم التركية، لأن الفارسية كانت منتشرة في المنطقة كلّها حتّى في بلاد الصّين ويكتب اللّغتين بحروف عربية على ما كان عليه الحال ... وحتى إذا لم يحسن الكلام باللسان فان اذانه تلتقط ما يصلها من جمل وكلمات، ومن هنا وجدناه يردد بعض الكلمات التي تطرق سمعه بالفارسية والتركية «22» ... وفي سائر الحالات فانه لم يكن يشعر بمركّب نقص وهو يستعين بترجمان ينقل عنه ما يريد أن يقول، وفي هذا الصدد ساق بعض النكت التي وقعت له مع بعض التراجمة من الذين يدّعون أنهم يحسنون اللغة! ومن تأقلمه وجدناه يتناول التنبول منذ وصوله إلى دمشق وأثناء مقامه بمكة المكرمة وبافريقيا الشرقية وطول مقامه بالهند ... إن سائر الأشياء كانت بالنسبة إليه مقبولة ما دامت ترضي من يوجد حواليه شريطة أن لا تخالف مبادئه. ولم يفت ابن بطوطة أن يتعرف على جنسيات السفن التي كان يمتطيها للقيام برحلته، بل لم يفته أن يشيد بمن يستحق الاشادة إنصافا وعدلا، ويندد بمن كان سلوكه لا يرتضى، لا فرق عنده بين مسلم ونصراني على نحو ما كان يفعله الرّحالة ابن جبير والرّحالة أبو حامد الأندلسي الغرناطي ... ولقد أخذنا فكرة عن الحركة البحرية على عهده، كما عرفنا عن الأساطيل التجارية التي كانت لها الهيمنة على ذلك العهد، فقد كان يتنقل مع السفن الجنوية والصّينية واليمنية والعمانية والكطلانية ...

ومن الملاحظ أنه أي ابن بطوطة لم يتحدث- وهو عائد إلى المغرب- عن السفن أو المراكب المغربية، مع العلم أن السلطان أبا الحسن المريني كان في تونس يتوفر على عدد من قطع الاسطول المغربي، ولكنه أي ابن بطوطة فضّل أن يعود، كما نعلم، عن طريق أحد المراكب القطلانية حتّى لا يحرج أحدا بمطلب ... ! والحديث عن المراكب يسلمنا إلى الحديث عن الرياح الطيبة وتحكّمها في مواعد السفر، وهذا موضوع من الأهمية بمكان، وقد أصبح ابن بطوطة من العارفين بالرياح والقنباص. وقد كوّن لديه الوضع الاجتماعي للمرأة ومركزها عند الأمم التي زارها أفكارا لا تخلو من إراف وإتحاف، وقد تحدث عن النساء المتجملات المتعطرات في مكة ... إذا قامتا تضوّع المسك منهما ... نسيم الصبّا جاءت بريّا القرنفل! وتحدث عن عفة المرأة وشفقتها وهو في خراسان، كما تحدث عما تبلغه المرأة من مكانة سامية في بلاد الترك والتتر حتّى أن القرارات لا تصبح نافذة إلا إذا صدرت عن أمر الخواتين إلى جانب السلاطين!! وحتّى بلاد السودان والصحراء عند ما تتمتع السيدة بحريتها في التعامل الشريف.... وعند ما تتميز باستظهار القرآن في هنور من بلاد الهند! انّ الرحلة مع ابن بطوطة في عالم المرأة يجعلك تشعر بأن الرجل نموذج للصراحة والبراءة معا، فهو رجل مقروء مفتوح، وهو يسمّي الأشياء بمسمّياتها بدون لفّ ولا دوران، فكان يعبر بذاك عن قوة شخصية عند ما يحكي عمّا تخفيه مكامنه ... لم يجد أيّ حرج في الحديث عن الخصومة التي شبّت بينه وبين صهره لزوجته الأولى الصفاقسيّة ... ولم يجد ما يمنعه لكي يقترح توقيف ركب الحاج في الجبل الأخضر حتى يحتفل بعرسه على سيدة فاسية كانت ترافق والدها إلى مكة ... ! ولم تكن هذه (الفاسية) هي الثانية والأخيرة في حلقات السلسلة الطويلة لزوجاته التي قد تكون بدأت من طنجة! فقد تزوج بدمشق عند زيارته الأولى حفيدة لمكناسي كان مقيما هناك، وقد عرفنا من أسماء زوجاته الأسيويات (مباركة) و (الحور نسب) ، أما اللاتي لم نعرف عن اسمهن فعددهن كثير وكثير!. ويتأكد أن قلّة السّراج الذي يساعد على السّمر هو الذي كان وراء الرحالة المغربي في البحث عمن تعوضه عن الحديث والسراج! وكما سنرى فإنه لم يشعر بأي خجل في المقارنة بين هذه أو تلك، ليس فقط من حيث الأخلاق والسلوك والعشرة ولكن من حيث إرضاء الرغبات الجنسية كذلك!

ولم ينس ابن بطوطة في كل مناسبة أن يهتم بكلّ ما يقوي الباءة ويساعد على المضاجعة!! فهو يتحدث دوما عن الوصفات الطبّية التي تقوّي الظهر، ولا شك أن مثل هذه الشهادات مما يزيد في صدق المقولة السائرة بأن العرب يتميّزون عن غيرهم فيما يتصل بهذه الحقول!! وفي هذا الصدد أيضا لم يغفل ابن بطوطة عن التّنويه بالسّيدات المهرتيات (Les mahrattes) اللّاتي" كان لهنّ من طيب الخلوة والمعرفة بحركات الجماع ما ليس لغيرهن". وقد شغله أمر اهتمام السلطان بالملكة (طايطو غلي) وحظوتها عنده دون سائر الخواتين حتى اهتدى للسرّ الذي حاول أن يصل إلى حقيقته!! ولا شك أن هذا الحديث يتبعه الحديث عن الذّرية التي خلّفها ابن بطوطة في تلك الجهات ومن غير أن نعتبر أن هذا ممّا يدخل في اطار حياته الخاصة كما يقولون اليوم. فإن ما عرفناه من تلك الذرية هو اسم أحمد الذي تركه حيّا بالهند عند الامير غياث الدّين والذي قال عنه: إنه لم يعرف ما فعل الله به! في حين تحدث فيه عن بقية أولاده بما نعرفه ...

بين ماركو بولو وابن بطوطة

بين ماركو بولو وابن بطوطة لقد اقترن الحديث عن ماركو بولو البندقي بالحديث عن ابن بطوطة الطنجي لدى كل الذين اهتموا بالرحالة، وخاصة عند علماء الغرب، «1» وقد كان من حقّهم أن يفعلوا، فإن الأول هو الذي قصد- قبل نحو من ستين سنة من تحرك ابن بطوطة، بلاد الشرق الأقصى وسجلت مذكراته التي كانت محل تعليق واسع ... لكنّ الملاحظ أنّ رحلة ابن بطوطة اتسع فضاؤها أكثر مما كان الأمر بالنسبة لرحلة ماركو بولو علاوة على الحصيلة العلمية التي كانت تختلف من الواحد إلى الآخر ... وهكذا فإذا كان ابن بطوطة قد حقق رحلته وحيدا، وإذا كان محرر رحلته ابن جزي كان يقتصر على إضافات محدودة وموثقة، فإن محرر رحلة ماركو بولو روستيشيلو (RUSTICHELLO) كان يضيف من خياله على ما لاحظه بعض المعقّبين وخاصة عند الحديث عن الصين «2» ... يضاف إلى كل هذا أن رحلة الأول اقتصرت على آسيا دون افريقيا وأوربا ... ومعنى هذا أن الجمهور الذي عرف عن الرحالة المغربي كان أوسع من جمهور ماركوبولو. وفي معرض اعتزاز ابن بطوطة بطول نفسه في الرحلة، واتساع رقعة منهاجه في التجوال ذكر أنه يفوق السائح المصري الشيخ عبد الله الذي لم يدخل لا إلى الصّين ولا إلى جزيرة سرنديب ولا المغرب ولا الأندلس ولا بلاد السودان. وأعتقد أنه لو قدر لابن بطوطة أن يجتمع بماركو بّولو لعلّق بمثل ذلك التعليق، إذ إننا عرفنا أن الأراضي التي زارها الرحالة المغربي كانت تفوق كثيرا وكثيرا ما قطعه ماركو بّولو. وقد تفوق رحالة طنجة على رحالة البندقية بشيء أهمّ وهو أنه استطاع أن يمتزج مع سكان البلاد التي وصلها عن طريق المصاهرات، وعن طريق الوظائف السامية التي تقلدها والاتصالات التي كان يجريها مع مختلف الأوساط، الأمر الذي كان يرضي فضوله وتطلعاته المتنوعة والمتجددة في ذات الوقت. ويكفي- لكي نعرف حجم الرجلين ونعرف مع هذا مدى رصيد الجانب المعرفي لكلا العملين- يكفي أن نقوم بجرد لعدد الأسماء الجغرافية التي وردت عند هذا وذاك، وأن نعدّ الأعلام الشخصية التي جاءت في مذكرات الأول والثاني، يكفي ذلك لنخلص إلى الإشادة بذاكرة الرحالة المغربي التي استطاعت أن تختزن كل تلك الأسماء جغرافيا وانسانيا، وأن تحتفظ بشكلها وضبطها ومواقعها بالرغم من العدوان الذي وقع على مذكراته. إن كل ذلك الاستظهار وذلك الاستيعاب كان فوق طاقة البشر حقّا. وحتى جانب الاتحاف والإطراف في كلا الرحلتين كان يبرز، دون تردد، تفوق ابن بطوطة. وقد مر ويمر بنا

كان ابن بطوطة أول مغربي أخذت له منذ عام 747- 1346 عدة صور بمختلف المدن الصينية بمناسبة زيارته لتلك الجهات (ج 4 ص 262) . وإذا فاتنا الحصول على تلك الصور، فإنه لا يفوتنا أن نقدم هنا رسما من عمل ليون بينيط (Leon Benett) من القرن التاسع عشر يتخيل ابن بطوطة في مصر، حيث تحدّى زميله الشيخ عبد الله الذي لم يبلغ الصين ... ! هذا الرسم أخذناه من أرشيف روجي فيولي (ROGER -VIOLLET) باريز بعد الإذن رقم 778 بتاريخ 11/4/94. نشير بالمناسبة إلى محاولات لاحقة لتخيّل صورة لابن بطوطة كان فيها ما ظهر على طابع بريدي يوم سابع مايه 1963 ضمن أعلام المغرب العربي ثم يوم ثاني غشت 1966 لمناسبة تدشين خط حاملة السيارات، ابن بطوطة طنجة- مالقة ثم ما نشره أبيركرومبي في (ناسيونال جيوگرافيك) دجنبر 1991 وما قدّمه محمد الادريسي إلى دار الأدب في فرانكفورت (العلم 14/9/1995) وأخيرا الطابع الذي هيأته وزارة البريد 1996 بمناسبة الملتقى الدولي المزمع تنظيمه حول الرحالة، وهو يحتوي على النقش الذي وقف عليه ابن بطوطة في مسجد مالديف ...

رحلة ابن بطوطة في الدراسات الاستشراقية

رحلة ابن بطوطة في الدراسات الاستشراقية

رحلة ابن بطوطة في الدّراسات الاستشراقية نال المغرب نصيبا وافرا في الدّراسات الاستشراقية، ليس فقط لأنه غني بما يزخر به من تراث حضاريّ هائل، وليس فقط لأنّه البلد الوحيد الذي ظل يتمتّع بكيانه كدولة طوال عصور متتابعة، ولكن لأنّ مركزه الجغرافيّ ووضعه بين الأمم الأخرى جعل منه بلدا إفريقيّا وبلدا عربيا وبلدا مسلما، وبلدا له حضور قويّ في القارة الأوربية «1» . ومن ثمّت كان محلّ اهتمام من لدن الذين تشغلهم إفريقيا، وممن يهتمّون بالعالم العربي والعالم الإسلامي، وأخيرا من الذين يولون عنايتهم للعلاقات التي شدّت أوربّا بعالم المشرق والمغرب. وهكذا فنحن أمام اهتمام متنوّع يتناول سائر الفضاءات التي ربّما لا يخطر بعضها على البال. لقد وجد المستشرقون في كلّ ذلك التّراث مجالا واسعا لنشاطهم لأنّه من جهة يساعدهم على فهم الجهات الأخرى، ولأنه من جهة ثانية يعطي صورة دقيقة عن نمط خاصّ يتميز عن الأنماط التي عرفوها في بعض الأنحاء ... وسينصبّ حديثنا هنا على موقف المستشرقين من رحلة ابن بطوطة إن في حديثها عن القارة الإفريقية أو الأسيوية أو الأوربية ... لقد كانت أصداء وجود رحلة ما لابن بطوطة تجاوزت بلاد المغرب عند ما روّج أخبارها ابن خلدون في مقدمته والتمجروتي في رحلته وكذلك المقرّي في كتابه نفح الطيب، هذا إلى أصداء الرسالة الهامة التي وقفنا عليها ضمن الوثائق التي كان يتوفر عليها الدبلوماسي النمساوي المستعرب ضومباي (DOMBAY) على ما عرفنا في فصل (مخطوطات الرحلة) ... وهكذا فبعد كلّ تلك الأصداء والأخبار مما عرفنا ومما لم نعرف، أخذ المستشرقون يبحثون عن نسخها الأصلية، ولكنهم لم يجدوا إلّا مختصرا اكتشفه المستشرق العالم

الألماني بوركهارت (Burckhardt) الذي كان أول من أثار انتباه أروبا لهذه الرحلة في أعقاب المهمة التي كلف بها في إفريقيا عام 1809 «2» . وقد حصل سيتزن - (Seetzen) وهو بالمشرق- حوالي سنة 1810 على طائفة من المخطوطات لفائدة مكتبة گوثه (Goethe) كان من بينها تأليف من أربعة وتسعين صفحة يحتوي على مختصر- كذلك- لرحلة ابن بطوطة. وبعد مضيّ عشر سنوات على عمل سيتزن (Seetzen) نشر المستشرق الألماني كوسگارتن،Kosegarten) (بمناسبة ندوة أكاديمية عام 1818 مقالة تحتوي على نصّ مصحوب بالترجمة لثلاث قطع من ذلك المختصر. وهكذا كان كوسگارتن الباحث الأوّل الذي قدم إلينا بعض المقاطع من الرحلة، الأمر الذي مكّن أحد الجغرافيين من التعرّف على مسالك السّودان ... لقد نشر كوسگارتن ثلاث مقتطفات من ذلك المختصر: إحداها عن رحلة ابن بطوطة إلى إفريقيا، والثانية عن رحلته إلى بلاد فارس، والثالثة عن رحلة ابن بطوطة إلى مالديف، وإضافة إلى هذا أعلن كوسگارتن عن نيته في أن يقوم بنشر سائر المختصر، لكن مشروعه هذا لم يتمّ ... إلّا أنّ أحد تلامذته أبّيتز (Apetz) قام عام 1819 بنشر مقتطفة رابعة من ذلك المختصر عن بلاد الفلفل والأبزار: المليبار. (Malabar) وقد شهدت نفس السنة 1819 ظهور رحلة في بلاد النوبة للمستشرق بوركهارت سالف الذّكر، وفي الملحق الذي صحب هذه الرحلة للنّوبة نجد تعليقا يتصل بابن بطوطة. وقد تبيّن أن بوركهارت يمتلك مختصرا اخر أكثر ضبطا من المختصر الذي اشتغل عليه سيتزن وكوسگارتن وأپّيتز. ونذكر من الآن أن بوركهاردت أنصف الرحالة المغربي ابن بطوطة عندما أضفى عليه النعت بأعظم رحّالة يقوم بتسجيل مذكراته في العصر الوسيط، وهي الشّهادة التي نرى البروفيسور أندري ميكيل بعد قرن وثلاثة أرباع القرن يزكّيها على نحو ما كان من الكاتب الانجليزي أبيركرومبي والأكاديمي الفرنسي جان دورميصون «3» .

ولم يكن ذلك المخطوط المختصر المكتشف- ونسخه ثلاث- من لدن بوركهاردت غير" المنتقي" الذي ألّفه العالم محمد بن فتح الله البيلوني الذي تحدثنا عنه عند تعرضنا للنسخ المخطوطة من ابن بطوطة، وقد انتقل المخطوط بعد وفاة البيلوني- إلى مكتبة جامعة كيمبريدج. وعلى هذا المخطوط، وتحت إشراف الجمعية التي تعني بترجمة المكتبة الشرقية اشتغل العالم المستشرق صامويل لي (Samuel lee) فترجمه إلى الإنجليزية وزوّده بعدد من التعليقات المفيدة. وعن هذا المختصر قال دوزي كلمته الصادقة التي سجلها عند الحديث عن مخطوطة ابن بطوطة التي كان يمتلكها المؤرخ الإسباني دي كايانكوس De Gayangos على ما أسلفنا. وأحب أن أضيف هنا معلومة أخرى، تلك أنه إلى جانب (منتقى) البيلوني، وجدنا في المشرق، وبالذات في مصر (منتخبا) آخر للرحلة مجهول المؤلف ولكنه عرف بعنوان" مختصر الأزهري» على ما قلناه ... وبعد هذا الحديث عن هذه المختصرات للرّحلة، أنتقل إلى (الرحلة) في نصها الكامل، وعلى ما عرفت به بعد في التاريخ المعاصر بسفريها الأول والثاني. وهنا نلاحظ أن المستشرق البرتغالي الأب جوزي دي سانطو انطونيو مورا (P.Jose de Santo Antonio Moura) قام عام 1797 بترجمة السفر الأوّل من الرحلة الأصلية إلى البرتغالية ونشرته" الأكاديمية" في ليشبونة عام 1840 على ما أسلفناه ... وهذه الترجمة تقوم على مخطوط كان هذا الأب اشتراه أثناء مقامه بمدينة فاس عندما صحب السفارة البرتغالية- ترجمانا- إلى بلاط العاهل المغربي السلطان مولاي سليمان عام 1211- 1212- 1797- 1798 قريبا من تاريخ مقام ضومباي بطنجة وكذلك تاريخ مقام دولابّورط بها وبمدينة الصويرة ... وفي مقدمته يؤكد الأب مورا أنه قام بترجمة أمينة لهذا الجزء مضيفا إلى هذا أن المخطوط مكتوب بخط جميل ومعتنى به أكثر ما يكون الاعتناء، بل إنه (أي الأب مورا) يعتقد أنه منقول مباشرة من النسخة التي كتبها ابن جزي بخطه «4» ومما يلاحظ أنّ الأب (مورا) لم يبدأ الترجمة إلى البرتغالية إلّا من الفقرة التي تتحدث عن خروج ابن بطوطة من طنجة لأنه- على ما قال- لم يعثر على الورقتين الأوليين لهذا السفر، وفعلا فإن المخطوط كما وقفت عليه في مكتبة الأكاديمية العلمية بلشبونة عدة مرّات مبتور الورقات الأولى ...

وقد كان مما لوحظ على عمل الأب مورا أنه أسقط الأبيات الشعرية من حسابه فلم يترجمها! بل وقد أهمل كلّ النقول عن ابن جبير إلخ ... أكثر من هذا. لقد حذف بعض المقاطع برمّتها، مثلا ما يتصل بعلماء الإسكندرية ... وقد برّر هذا الصنيع منه بقوله:" إن اللائحة واسعة ومزعجة." وهكذا كان عمله عند ذكر ملوك مصر وقضاتها وعلمائها وأعيانها ... وكان هذا فعله وهو يصف مكة والمدينة ... إنّ ما حذفه كان يوازي ربع السفر الأوّل، علاوة على تساهله في ضبط المواقع الجغرافية والشخصية على ما لاحظه الباحثان المعروفان رينو (Reinaud) ودوزي. (Dozy) والحديث عن محاولة الأب مورا يجرّنا إلى الحديث عن بقية من حاولوا ترجمة الرحلة. ... وهنا لابد من التّذكير بأن هناك أجزاء كثيرة ومهمة من الرحلة الأصليّة أمست مترجمة إلى عدة لغات ... وقد كان في أوّلها قطعة جيّدة تتعلق بالسّودان ترجمها البارون دوسلان مصحوبة بعدد من التعاليق، ومتبوعة- وهذا مهمّ- بخطاب بعث به دوسلان إلى رينو حول المخطوط الأصلي للرّحلة «5» . وقد أتى بعد هذا إدوار دولوريي (Edouard Dulaurier) فقدم إلينا في (جورنال أسياتيك «6» ) النصّ والترجمة مصحوبين بالتعاليق للقسم من الرحلة الخاص بجزر الأرخبيل الهندي، ثم قام كلّ من ديفريميري (Defremery) وسانكينيتي (Sanguinetti) مرّات متلاحقة بترجمة أطراف واسعة من الرحلة الأصلية. وهكذا نشر، بادى الأمر، القسم الخاص برحلة ابن بطوطة إلى فارس وإلى آسيا الوسطى «7» ، ثم كان الحديث عن الرحلة إلى القرم وقفجق «8» ثم أيضا الرحلة إلى آسيا الصغرى» ... ثم الفصل المتعلق بالسلطان المغولي الذي كان يحكم العراقين: عراق العرب وعراق العجم ويحكم كذلك خراسان وهو السلطان أبو سعيد بهادور «10» طبعا كلّ هذه الأعمال كانت مصحوبة بالتعاليق التي يقتضيها الحال أنذاك. وفي بداية سنة 1852 قدّم شيربونو (Cherbonneau) أستاذ العربية بقسطنطينة ترجمة مختصرة لقسم أول من الرحلة إلى أن أخذ ابن بطوطة طريقه نحو سوريا، علاوة على المقدمة

التي حررها ابن جزي «11» ، ولم يكن تحت يد الأستاذ شيربونو غير مخطوطة واحدة حديثة العهد، جدّا الأمر الذي، ربما. يفسر الأخطاء التي احتوت عليها الترجمة. وهكذا ومن خلال ما تقدم أخذنا فكرة عن الصحوة التي أعقبت المبادرة الأولى التي قام بها المستشرقون الألمان ... لكن العمل الذي نبقى مدينين له بكل التقدير هو ذلك الذي قام به فيما بين عام 1853- 1858- وبتكليف من الجمعية الأسيوية- كلّ من ديفريميري (C.Defremery) وسانگينتي (B.R.Sanguinetti) سالفي الذّكر، ذلك العمل الذي تمثّل في نشرهما للرحلة مترجمة بكاملها في أربعة أجزاء، وقد شجعهما على ذلك العمل ما أمست الخزانة الملكية بباريز تتوفر عليه من نسخ ثلاث مخطوطة لرحلة ابن بطوطة «12» . وبفضل ظهور المجلّدات الأربع للرحلة مصحوبة بالترجمة الفرنسية أمست رحلة ابن بطوطة في متناول العالم الغربي، بل وحتّى في متناول العالم العربي والإسلامي الذي كاد أن يجهل كلّ شيء عن رحلة ابن بطوطة!! إن مبادرة هذين الرجلين نبّهت، وبشكل بارز، كلّ الذين كانوا بحاجة إلى أن يعرفوا أكثر عن الجانب الجغرافي للرحلة وكذا عن الجانب التّاريخي والأنثروبولوجي. وإذا كان الاثنان قد أسهما بصفة جيّدة في بعث هذا التراث المغربي الكبير من مرقده، فإن هناك شخصية ثالثة أسدت معروفا لا ينسى لذلك التراث، ويتعلق الأمر بالأستاذ الراحل هاميلتون أليكساندر روسكين گيب H.A.R.Gibb الذي قام بترجمة معظم الرحلة إلى اللغة الانجليزية منذ أواخر العشرينات «13» " ولم يكتف گيب بالترجمة الحرفية ولكنه كان يحاول أن يصل إلى أسرار المعنى. أكثر من هذا قام السير گيب بتحديد طائفة من الأعلام الجغرافية ومواقعها ما أمكنه ذلك، وقد قام إلى جانب هذا بالعمل على التعريف بعدد من الشخصيات التي وردت في صلب الكتاب ذاكرا في أغلب الأحيان مصادره ومراجعه. ويصح القول بأنه لا يمكن للمهتم برحلة ابن بطوطة أن

يستغني عن المجهود الذي بذله هذا الرجل في سبيل تصحيح ما قام به السابقون مما استفدنا منه بطبيعة الحال «14» . وقد كان گيب نشر قبل إصدار الجزء الثالث دراسة نقدية حول رحلة ابن بطوطة في آسيا الصغرى وفي روسيا" بمناسبة تكريم الأستاذ الراحل ليفي بروفنصال «15» . وما دمنا في ذكر گيب نسجّل هنا أنه بعد وفاته اهتم أحد الباحثين بنشر الجزء الرابع من ترجمة الرحلة إلى الإنجليزية، ويتعلق الأمر بالأستاذ بيكينگام Beckingham الذي قام عام 1994 باصدار هذا الجزء واعدا في المقدمة وفي بعض التعاليق بأنّ مجلدا خامسا في طريقه إلى الظهور خصّصه، فيما يبدو، للفهارس وللجانب الكرونولوجي والتوثيقي ... وقد كان في صدر من استفاد من عمل گيب، المستشرق الروسي أ. يو. كراتشكوفسكي (ت 1951) في كتابه القيّم" تاريخ الأدب الجغرافي العربي" الذي ترجمه الزميل الراحل صلاح الدين عثمان هاشم. لقد قال عن ابن بطوطة:" إنه منافس خطير لمعاصره الأقدم منه تاريخا ماركوبولو. ومن الطبيعي- يقول كراتشكوفسكي- أن ابن بطوطة الطنجي كان له إحساس فطري ذاتي بظروف حضارة العالم الذي يصفه أكثر ممّا كان لدى ماركو بولو البندقي وإن وصف الرحالة المسلم لخط سير رحلته كان أدعى إلى الثقة ممّا عليه الحال مع معاصره المسيحي «16» . وقد قام الأستاذ روس دان (Ross E.Dunn) في كتابه باللّغة الانجليزية: (مغامرات ابن بطوطة) بنشر عرض للرحلة ولو أنه كان يحكي عن ابن بطوطة بأسلوب خاص، ولكنه زود كتابه بتعاليق وبخرائط جدّ مفيدة «17» . وقد ظهر عالم تشيكي جليل قام بدراسة نقدية رائعة للرحلة خاصة ما يتصل فيها بتحديد المراحل والمواقع والمسافات مقرونة بتحديد الأزمان والظروف، ولا اعتقد أن احدا يستطيع أن يجد من الوقت ومن الصبر ما يمكنّه من القيام، بأناة وتوأدة، من ملاحقة

ابن بطوطة وكشف هفواته والوقوف على فجواته على نحو ما قام ذلك المستشرق التشيكي العالم المتمكن الزميل إيفان هربك الذي قرأنا له بحثا جدّ مفيد في براغ أوائل الستينات «18» قبل أن يتوفاه الله عام 1993. وقد تهافتت جهات أخرى ممّن تنتمي للعالم الناطق باللّغة الانجليزية على الاستفادة من الرحلة بعد ظهور الترجمة الانجليزية، وهكذا اتسعت دائرة المعرفة بها والاطلاع عليها أكثر فأكثر ... هذا وقد قرأ الناس ترجمة الرحلة كلّا أو بعضا بعدد من اللّغات الأخرى غير الفرنسية والانجليزية، فترجمها الدكتور هانس قون مزيك (Hans Von Mzik) إلى الألمانية «19» ... وترجمها إيقان هربك، (Ivan Hrbek) سالف الذكر، إلى اللغة التشيكية، وترجمها إلى الإيطالية گابرييلي (Gabrieli) عام 1961 «20» ، وترجمت إلى اللغة التّركية على يد لجنة وزارة المعارف أواخر عهد العثمانيين في خمسة مجلدات «21» ، ... وقد ترجمت إلى اللّغة الفارسية من لدن الدكتور الزميل محمد علي موحّد تحت عنوان:" سفرنامه ابن بطوطة" «22» ، وإلى اللغة السويدية وقد قام بترجمتها هيرمان المكيسط (Herman Almquist) وخاصة منها الفصل الخاص بتحرّك ابن بطوطة من طنجة إلى الاسكندرية، هذا إلى ترجمتها للّغة الهندية واللغة الأرمنية، واللّغة اليابانية واللّغة الإسبانية «23» . وعلمت أثناء زيارتي لسمرقند صيف 1974 أن جماعة من المحققين يعكفون على مراجعة ترجمة للرحلة باللغة الرّوسية. وقد أهديت لي أثناء زيارتي للصين ترجمة كاملة للرحلة باللغة الصينية «24» عام 1984. لقد ناهزت الترجمات العشرين، ونحن على يقين أن هناك ترجمات أخرى لا نعرفها. وكأنّ ترجمة واحدة للرحلة لم تكن كافية لأصحاب تلك اللغة،

فوجدنا من بين أصحاب اللغة الواحدة من ينافس زميله في البحث عن خفايا الرحلة فيقدم لنا رحلة ابن بطوطة باللغة الفرنسية أو الانجليزية أو البرتغالية أو الألمانية في بحوث وترجمات أخرى بأساليب أخرى. ومن هذا ما ظهر 1990 عن مؤسسة (لاديكوفيرت couverte "" (La De -بباريز من تقديم وتعليق في ثلاثة أجزاء للأستاذ صطيفان ييرازيموس Yerasimos) (Stephane اعتمد فيها أساسا على الناشرين الفرنسيين السابقين وعلى أعمال السّير هاميلتون گيب. هذا إلى جانب العمل السابق الذي قام به 1968 فانسان مونطي (V.Monteil) عند ما أعاد نشر الرحلة وزودها، بدوره، بتقديم جيّد وتعليقات مفيدة اعتمد فيها على عمل العالم التشيكي إيفان هربك سالف الذكر، هذا إلى البحوث المركزة التي عززت جانب الرحلة من أمثال بحث العالم الفرنسي الأستاذ ر. موني وفريقه، والأستاذ أ. ميكيل وأمثالهما كثير «25» . وينبغي أن نؤكد أن معظم هذه الترجمات- إن لم نقل كلّها- تصحب بتعليقات لا غنى عنها للقارىء، بل أكثر من هذا فائدة أن بعض هؤلاء الأساتذة قاموا بوضع مقدمات لكل جزء من الأجزاء حتى يجعلوا القارئ الأجنبي عن العربية في الصورة الكاملة لفهم العالم الاسلامي وتقاليده، ولفهم تاريخ دوله على ذلك العهد ... لاحظنا هذه المبادرة ابتداء من الناشرين الأولين ديفريميري وسانگينيتّي وانتهاء بالسّير هاميلتون گيب والأستاذ ييرازيموس وأخيرا بالأستاذ طوماس ج. ايبركرومبي (T.J. Abercrombie) الذي قام عام 1991 برحلة فريدة من نوعها سار فيها على خطى ابن بطوطة بتكليف من المجلة الإمريكية الذائعة الصيت:" ناشيونال جيوغرافيك ... (National Geographic) " «26» " ونذكر إلى جانب كلّ ذلك العطاء الجمّ الذي قدمته إلينا الدّراسات الغربية فيما يتصل بابن بطّوطة أننا نرى مما يثري هذا الموضوع أن نشير إلى بعض المؤاخذات التي لنا على جانب من تلك الأعمال بالرغم من أنها مؤاخذات جدّ محدودة ...

هناك بعض الكلمات المغربية التي استعملها ابن بطوطة بحكم أنه كان يعيش معها، هاته الكلمات لم تجد عند باحثينا عناية بها للبحث عنها في الفضاء المغربي فراحوا يبحثون عنها في قواميس بعيدة عن بيئتنا!! وأذكر على سبيل المثال كلمة (الفقّاع) المغربية التي تعنى بكل بساطة: الفطر أو الكمأة لكن زملاءنا رأوا فيها ما يوحي بنبيذ الشعير ... ! وإلى جانب الفقاع نذكر كلمة مغربية أخرى: بوقنينة التي حيّرت أصدقاءنا فوضع بعضهم علامة استفهام عليها، وراح بعضهم يبحث عن معني لها من خلال معنى القنّينة عند المشارقة، مع أن الكلمة معروفة في شمال المغرب الذي ينتسب إليه ابن بطوطة، وهو نبات قصير يكثر في المناطق الجبلية يستعمل لعدّة أغراض. وقد حفظ في الأمثال المغربية هناك: " غرسته حبق فخرج لي بوقنينه"! «27» ولقد تعب الناشران في البحث عما تترجم به كلمة (البوجات) المستعملة في المغرب بمعنى: الهودج أو المحفّة التي تحمل فيها العروس، فراحا يبحثان عن معناها في اللّغات الأسيوية. وقد التبست عليهما كلمة القريّة (كهديّة) فقراها القربة بالباء (146 -IV) ! ونذكر إلى جانب هذا كلمة (المقيّرة) التي استعملها ابن بطوطة نعتا للجبة عند ما وقع أسيرا بأيدي الهنود وغدا مدينا بحريته لشابّ هندي أعطاه الرحالة المغربي جبته- وكانت من نوع رفيع- فأعطاه الشاب الهندي جبة مقيّرة باليّة. هنا بالرغم من أن الناشرين الاثنين يريان أن النسخ التي يتوفران عليها تكتب المقيّرة فانهما- كما يؤكدان في التعليق- لم يتردد افي أنها (المنيرة) بالنون عوض القاف وراحا يبحثان في الأصل الفارسي عن الكلمة وترجماها بالفعل بأنها آتية من النّيلة الفارسية، ومع أن كلمة مقيّرة معروفة إلى الآن عند المغاربة بمعنى وسخة كأنها مطليّة بالقار، يقال ثوبه مقير يعني عليه طبقات من الأوساخ ... والجدير بالذكر أن المخطوطات التي نتوفر عليها بما فيها مخطوطة گايانگوس والخزانة الملكية والخزانة العامة، وفيها ما نعتقد أنه بخط الرحالة المغربي، كلّها وبدون استثناء ترسمها مقيّرة على نحو ما نعرفه نحن اليوم. وقد كان من هفوات الترجمة أنه في معرض الثناء على زوجة له طيبة المعاشرة، ذكر أنه إذا تزوج عليها بخّرت ثيابه، فقد ترجما (تزوج عليها) بما يفيد أنه (تزوج بها) وقد كان من التعسّف تفرقتهم- في الترجمة- بين كلمة العشارين (275 -204 -IV) وقد كان مما أثار انتباهنا- وقد وقفنا في (مالديف) على اللّوحة التي تنص على اسم

المغربي الذي أدخل الإسلام إلى تلك الجزر- أن بعض المشتغلين بابن بطوطة، وهو (ييرازيموس صطيفان) رأى أن ينتزع تلك" البطوطة" من" البربري" ويعطيها إلى التّبريزي نسبة إلى مدينة تبريز بالرغم من أنه اعتمد في الترجمة أساسا على الناشرين الاثنين! لكنه أي صطيفان رأى في هذه المرة أن يعتمد ليس على الاثنين لكن على آخر اسمه فوربس Forbes الذي اعتمد بدوره على مخطوطة كان صاحبها يجهل كلّ ما كتبه ابن بطوطة قبله بأربعة قرون عن إسلام جزر مالديف «28» ! وإذا كان ييرازيموس فضلّ أن يعطي البطولة للتبريزي، فإن العالم التشيكي هربك رأى أن القصد بالبربري إلى أحد المنتسبين لبلاد الصومال نظرا لأنها أقرب جغرافيا إلى مالديف! وكأن هربك لم يقرأ عن اجتماع محمد بن عمر التازي البغدادي بالخليفة العباسي المعتمد (ت 289- 902) على ما نجده عند التنوخي في كتابه (نشوار المحاضرة) ، ولم يقرأ عن المقدسي في كتابه" أحسن التقاسيم" وهو يجتمع بعدد من علماء الأندلس بمكة عام 377- 987. هذا إلى أنهما أي الناشرين السابقين أحيانا لم يتريثا قليلا لتقديم معلوماتهما عن بعض المواقع الجغرافية في المغرب. وفي هذا الصدد ينبغي أن نرجع إلى الجزء الأول من عملهما ص 84، والجزء الرابع ص 312. حيث تكررت ترجمة (الزاوية) التي انشأها السلطان أبو عنان بفاس، بالمدرسة البوعنانية! مع أن القصد إلى منشأة أخرى غير المدرسة يقول ابن بطوطة إن العاهل بناها بخارج حضرته، ومعلوم أن أبا عنان أنشأ هذه المعلمة الكبرى كفندق لإيواء الضيوف على مقربة من وادي الجواهر وكانت آية في النقوش والرسوم المجسّدة على ما سنرى في الملاحق هذا إلى أعلام جغرافية أخرى وقع فيها الخطأ عندهما فسرى إلى من قلّدهما. ونذكر على سبيل المثال (ج، 2، 196) ظفار الحبوضي التي نقل الاثنان أنها ظفار الحموض على ما سنرى عند التعليقات على صلب النص. ونحن نتحدث عن الاسماء الجغرافية في الرحلة لاحظنا أن هناك عددا من الأعلام لم تنل حظها من البحث والتنقيب على نحو ما كان عليه الأمر في وادي قرة بالأندلس، وجناتة، ودار الطمع بالمغرب على ما سنرى في التعليقات. وقد اعترضتنا بعد هذا انسياقات أخرى كان عليهما أن يتريّثا فيها، مثلا حديثهما (ج 1 ص 155) عن الأديب أبي الفتيان جبوس عوضا عن ابى حيّوس الذي هو الصواب.

وحديثهما (ج 1، 191) عن الشاعر شرف الدّين ابن محسن عوضا عن الشاعر أبي المحاسن عنين الذي هو الصواب. ومثلا ما ورد (ج (222،I عن كتاب المفهم في شرح صحيح مسلم للقرطبي، هذا الكتاب سمي عندهما انسياقا مع إحدى المخطوطات (المعلم) الذي الفه المازري مع أن الصواب كما هو معلوم: المفهم، وقد كان مما ورد عندهما (ج (230،I نسبة مدرسة هامة بالصالحية في دمشق إلى ابن عمر مع أنها لأبي عمر على ما هو في المخطوطات الموثوقة. وقد كان مما لفت نظرنا ما ورد عندهما (ج (248،I حول العلامة ابن الشحنة الحجار، فقد نقلا معا أنه الحجازي عوض الحجّار ... وقد كان مما وقفنا عليه عند الناشرين المذكورين (ج I ص 252) ما ورد حول الشيخ (البجدي) بالباء ثم الجيم فلقد تحرف عندهما الى النجدى، هذا إلى خطأ آخر في نفس الجزء والصفحة (1، 252) ويتعلق الأمر بجمال الدّين أبي المحاسن يوسف المزي الذي رسم خطأ المزني (بالنون) ، الامر الذي سار عليه كل الذين نقلوا عن الاثنين دون روية ... ! وفي الأعلام الشخصية التي كانت تحتاج إلى التصحيح ما ورد عندهما (ج II ص 83) حول روز جهان القبلي عوض روز بهان البقلى الذي هو الصحيح. وقد كان من الأخطاء التي أثارت الانتباه ما ورد من حديث عن ابن شبرين (بالباء) السبتي نسبة إلى سبتة المغربية، هذا العالم تحوّل اسمه عندهما إلى ابن شيرين (بالياء) عوض الباء كما تحول السبتي إلى البستي نسبة إلى بست، ويا بعد ما بين سبتة وبست!! وفي حديثهما عن ابن بطوطة وهو بتونس عائدا من المشرق تحوّل عندهما (ج 4، 330) اسم زيان بن أمديون العلوي وزير السلطان أبي الحسن وصهره وظهيره إلى ابن أمريون بالراء عوض الدال. ومثلا (ج 4 ص 331) تحول اسم الآبلي نسبة لآبلة) AVILA (في الأندلس إلى الأبلي نسبة إلى الأبلة في البصرة! والملاحظ أن هذه الهفوات وقع في معظمها جلّ الذين اعتمدوا على النسخة الفرنسية من الناشرين اللّاحقين على ما سنرى ... ! وقد كان من غريب ما وقع فيه المترجمان أن تلتبس عليهما في البداية كلمة (الصاحب) التي كان يقصد بها ابن بطوطة: الصاحب بن عباد، بكلمة (الصاحب) التي تعني الصديق (ج 2، ص 16) ! لنقرأ هذه الفقرة في الرحلة تعليقا على أن ماء مدينة البصرة غير جيّد، قال ابن جزي: ألوان أهل البصرة مصفرة، حتّى ضرب بهم المثل، قال بعض الشعراء وقد أحضرت بين يدي الصاحب أترجة.

لله أترج غمدا بيننا ... معبّرا عن حال ذي عبرة كما كسا الله ثياب الضنّا ... أهل الهوى وساكني البصرة! الشاهد عندنا في أحضرت، الهمزة مضبوطة عند الاثنين بالفتح وقد ترجمت هكذا: Un poete de mes amis. a qui je presentai un citron composa ces vers: ومن هذا المعنى نذكر التباس كلمة السّفر بكسر السين وتسكين الفاء، بمعنى الجزء أو المجلّد، بكلمة السّفر بفتح السين والفاء، التبس ذلك على بعض التراجمة الإنجليز فكان في بعض الأحيان يترجم كلمة السّفر ب!! (Journey) ومع كلّ هذا فإنه لا يسعنا إلا أن ننوه بالعمل الجادّ الذي قام به التراجمة من مختلف الجنسيات من أجل بعث رحلة ابن بطوطة من مرقدها وجعلها في متناول الجميع وبمختلف الوسائل ... والحقيقة أنّني لم أسمع في الدنيا عن رحلة نقلت من لغتها الأصلية إلى لسان ثان، ثم ترجمت من ذلك اللّسان الثاني لتعود إلى لغتها الأولى بصياغة حديثة، ولقد تحقق ذلك في رحلة ابن بطوطة التي ترجمها غيرمو غوسطافينو عن الإسبانية بأسلوبه العربي الذي كان يرى أنّه أكثر إثارة وأوفى إشارة «29» !! وقد لذّ لي- وأنا أزور دول القارة الإمريكية التي لم يصلها ابن بطوطة- أن أبحث: هل ما إذا كان له صدى هناك، ولشدّ ما كان استغرابي وأنا أقف على عشرات البحوث التي كتبها إمريكانيون بل واستراليون عن هذه الرّحلة العظيمة التي لن ينتهي الحديث عنها ...

اهتمام الكتاب العرب بالرحلة

اهتمام الكتّاب العرب بالرحلة

اهتمام الكتاب العرب بالرحلة ... والآن وقد ألممنا بعض الشيء بعمل المستشرقين من أجل رحلة ابن بطوطة، نرى من المفيد أن نخصص هذا الحيّز لما قام به الزملاء العرب كذلك من جهود متنوعة مشكورة للإستفادة من الرحلة ... وأرى من المفيد، منذ البداية، أن أذكّر بأنه بالرغم مما ظهر في المشرق من طبعات عديدة للرحلة منذ أواخر القرن الماضي وبالضبط 1288 هـ 1871 م إلى اليوم فإن كل تلك الطبعات، وبدون استثناء، إنما كانت منقولة من الطبعة الباريزية، أي إنه لا يوجد ناشر واحد قام بمبادرة من عنده للاعتماد على مخطوطات جديدة غير التي اعتمد عليها الناشران الفرنسيان: ديفريميري وسانگينيتي، بل لم نجد واحدا من زملائنا من كلّف نفسه حتى زيارة المخطوطات الباريزية للقيام ببعض المقارنات والمفارقات ... ! ولكثر ما اعتمد الناشرون على الطبعات السائرة، وجدنا بعضهم يقتصر على اعتماد هذه" الطبعات" فيما ترسمه وتكتبه، فيقول مثلا: بعض الطبعات ترسمه كذا وبعضها تكتبه كذا! وكأنّ الأصول المخطوطة مفقودة «1» ! وفي مصر التي تعتبر- على مرّ العصور- بحقّ رائدة الفكر وعاصمة الكتاب العربي، فإن الرحلة لم تشتهر إلا عند ما صدرت كاملة في باريز عام 1853- 1858!. فهنا تحركت الهمم لطبعها بمصر نقلا- بالحرف- من الطبعة الفرنسية، ونقول بالحرف ونحن نقصد إلى أن الناشرين التّابعين لم يبذلوا أيّ جهد حتى في تصحيح نسبة الديباجة لابن جزي وليس لابن بطوطة على ما ندركه من قراءة السطور الأولى للمقدمة ... وقد تمّ هذا الطبع أولا بمطبعة وادي النيل بتصحيح أبي السعود أفندي «2» في منتصف جمادى الثانية 1288 هـ- أول شتنبر 1871 م" على أصله المطبوع مع ترجمته بالفرانساوية بمدينة باريز في سنة 1858 ميلادية" كما تقول هذه الطبعة. وتحركت في بداية هذا القرن 1322 هـ 1904 م همة أحد أبناء فاس فتطوّع الشريف مولاي أحمد بن عبد الكريم القادري الحسني المغربي الفاسي بطبع الرحلة من جديد، وكان عليه- هو الآخر- أن يعتمد على النسخة المطبوعة بمصر المعتمدة بدورها على طبعة باريز.

لقد عرفنا للشريف القادري بعض المبادرات المماثلة عندما طبع على ذمته" كشف الأسرار عن علم الغبار" للإمام القلصادي عام 1318 هـ- 1900 م، وعند ما طبع كذلك على ذمّته" مختصر الشيخ خليل" في الفقه المالكي عام 1322 هـ- 1904 م بالمطبعة الحجرية بفاس ... ولعلّ الشريف القادري تعذّر عليه أن يقوم بطبع رحلة ابن بطوطة في مطابع الحجر بفاس، فقام بهذه المبادرة الجرّيئة واتّصل بمصر التي ظهرت فيها هذه" الطبعة الثانية" للرحلة بمطبعة التقدّم بشارع محمد علي بالقاهرة يوم 13 ربيع الثاني 1332- 17 يونيه 1904 «3» ولكن مع حذف أن الأصل هو الطبعة الباريزية كما فعلت من قبل مطبعة وادي النيل!! وقد ظهرت بالقاهرة طبعة ثالثة عام 1928 عن المطبعة الأزهرية: جزان في مجلد واحد أشرف عليها ابن الشيخ حسن الفيومي إبراهيم ونعتها ب" الأولى" ولم تقف الرحلة في مصر عند هذا الحد، فقد رأت وزارة المعارف المصرية، على ما يؤكده المستشرق الرّوسي كراتشكوفسكي، أن دراسة الرحلة في المدارس مما يساعد أبناء مصر على توسيع مداركهم وإثراء معلوماتهم. وهكذا عهدت 1352- عام 1933 إلى اثنين من كبار رجال التعليم في أول هذا القرن بالاهتمام بالرحلة وإعدادها لتصبح ضمن المقررات المفروضة على طلاب المدارس الثانوية كما عهدت إلى الشيخ محمد فخر الدين بوضع خرائط لها، فكان كتاب (مهذّب رحلة ابن بطوطة «4» ... ) ونرى من المفيد هنا أن نشير إلى النقد اللاذع الذي لقيه كتاب (مهذّب الرحلة) من لدن عدد من الباحثين كان منهم زميلنا الراحل د. حسين مؤنس الذي يقول:" وهل هناك أدلّ على الجهل بقيمة رحلة ابن بطوطة من أن تمسخ في صورة" مهذّب" يستعمل كتاب مطالعة لتلاميذ المدارس؟ ولا ندري كيف يمكن أن يهذب وصف رحلة على هذه القيمة؟ وما هي الأجزاء التي ينبغي استبعادها حتى تكون الرحلة مهذّبة «5» ؟ " وإلى جانب هذه الطبعات المصرية وجدنا بيروت بدورها تولي اهتمامها لرحلة ابن بطوطة، وكان أول ما لفت النظر للرحلة، حسب علمنا، سلسلة" الروائع" لفؤاد أفرام البستاني في طبعتها الأولى (يونيه 1927) حيث توالت طبعاتها فيما بعد. وقد قدمت (الروائع) ابن بطوطة عبر رحلته (تحفة النظار) في ثلاث كتيبات صغيرة ...

ومن هنا تحركت (دار صادر) «6» لتقدم إلينا عام 1960 طبعتها الكاملة للرحلة، ثم نافست دار الكتاب دار صادر فنشرتها «7» كذلك، في نفس عام 1960. ونرى من المهم أن ننبه هنا إلى سابقة خطيرة: تلك أن الناشر في (دار صادر) أقدم على حذف الكلمات المتعلقة بضبط وشكل الأسماء الجغرافية! هذا الضبط والشكل الذي يذكره المؤتمر العالمي لتنميط الأعلام الجغرافية التابع للأمم المتحدة على أنه من مناقب رحلة ابن بطوطة ومزاياها!! ومن الواضح أن صنيع (دار صادر) هذا يعتبر بدعة منكرة لا تتفق وأهداف البحث الذي يعتبر أن ضبط الأسماء نوع من التوثيق الذي تفرضه الأمانة العلمية. وإذا كان الأوربيون يستغنون عن ضبط الأسماء الجغرافية والشخصية فلأنّ كتابتهم تقوم مقام الشكل الموصوف في اللغة العربية. هذا علاوة على حذف بعض الجمل التي رأت الدار أنها لا تليق بالأحوال الجارية اليوم،! وعلاوة على بعض التعليقات في الهوامش التي تظل بعيدة عن مفاهيم الأسرة الإسلامية والبيئة المغربية «8» . ومن الملاحظ أن (دار الكتاب اللبناني) سارت في نفس اتجاه (دار صادر) ، فقد استغنت عن ضبط الأسماء الجغرافية والأعلام الشخصية تقليدا لزميلتها دار صادر. أكثر من هذا فقد قامت هذه الطبعة هي الأخرى بحذف بعض الفقرات بل وبعض الأشعار «9» التي لم ترقّها من الرحلة ظلما وعدوانا على نحو ما كان قام به المستشرق البرتغالي الأب انطونيو مورا سالف الذكر، وقام به كذلك العالم الايراني د. على موحد. لقد حكى عن الجاحظ أنه صنف كتابا وبوّبه أبوابا، فأخذه بعض أهل عصره فحذف منه أشياء وجعله أشلاء، فاحضره الجاحظ وقال له: يا هذا! إن المصنّف كالمصوّر، وقد صورت في تصنيفي صورة كانت لها عينان فعوّرتهما أعمى الله عينيك! وكان لها أذنان فصلمتهما صلم الله أذنيك! وكان لها يدان فقطعتهما قطع الله يديك! حتى عدّد اعضاء الصور ... فاعتذر إليه الرجل وتاب إلى الله من المعاودة «10»

وقد ظهرت بمصر عام 1964 م 1383 عن المكتبة التجارية الكبرى طبعة أخرى للرحلة وذكر على أول صفحة فيها أنّها" روجعت وصححت على عدة نسخ صحيحة، بمعرفة لجنة من الأدباء" وقد أغراني هذا الإعلان فشددت الرحلة لطلب هذه الطبعة المصحّحة على عدة نسخ ومن طرف ثلة من الأدباء الذين لم يذكر منهم اسم واحد، لكنها كانت نسخة طبق الأصل من كل النسخ التي صدرت بمصر: فهي تبتدىء بالخطإ المشهور الذي ينسب المقدمة لابن بطوطة مع أنها لابن جزي. ثم تسير على نحو سابقاتها في أغلاطها. والفرق الوحيد بينها وبين سابقاتها أنها تجعل الكلمات التي تشكل الأعلام الجغرافية بين هلالين مثلا: بلاد (البره نكار) يقول عنها: (وضبطها بفتح الباء الموحدة والراء والنون والكاف وسكون الهاء) . وهي عبارة عن جزئين في مجلد واحد. وقد ختم المصححون" السفر الاول" بايراد تذييل لابن خلدون حول «تناجي الناس» وحول اتصاله اي ابن خلدون بالوزير أبن ودرار ... بينما ختم السفر الثاني بالتنويه" بالحاج مصطفى محمد صاحب المكتبة التجارية الكبرى شارع محمد علي." وقد وافق التمام أوائل شهر رجب من عام 1377- (22 يناير 1958) . هذا وقد صدرت طبعة أخرى عن المكتبة التجارية الكبرى عام 1386- 1967 ... وفي سنة 1388- 1968 صدر عن دار التراث في بيروت نسخة جديدة مزيّتها فقط أنها تنسب المقدمة لصاحبها ابن جزي وليس لابن بطوطة، والباقي جار على سنن الطبعات السابقة. وقد ظهرت طبعة جديدة للرحلة عام 1392- 1972 لمؤسسة الرسالة في بيروت رأى زميل لنا عزيز «11» أن يقوم بتقليد صنيع الناشرين في لبنان، وهكذا حذف العبارات التي تضبط الأعلام الجغرافية، بل وقام باجتهاد جديد وهو أنه" جرّد أقوال ابن جزي من صلب الرحلة وجعلها في ذيول على حدة نظرا لكون فائدتها- في نظره- ثانوية! وقد سلك هذا الصّنيع أيضا في بعض النصوص التي وردت أثناء الكتاب. ومعنى كلّ هذا أن الرحلة التي عرفها الناس أيام السلطان أبي عنان راحت لتعوّضها رحلة" أخرى بترتيبات أخرى. وقد أتعب مثل هذا الصنيع أصحابه فلم يستطيعوا الالتزام به ابتداء من أول فقرة في الرحلة عندما استهل أبن جزي مقدمته بقوله:" الحمد لله الذي ذلل الأرض لعباده ليسلكوا فيها سبلا فجاجا" إلخ. فهل لم يكن من واجب هؤلاء الزملاء- وقد قرروا فصل كلام ابن جزي عن الرحلة- أن يجعلوا المقدمة ذيلا كذلك؟! هذا إلى هفوات بالغة لم ينتبه لها: مثل كلمة التارات في المقدمة التي تحولت إلى القارات! وكلمة الفارسية التي تحولت كذلك إلى الفاسية!

وما كان لي أن أتحدث عن هذه الهفوات التي افترضت أنها مطبعية لولا ما أدّت اليه حيث جاء بعد هذا أحد زملائنا من لبنان فقام باجتهادات أخرى، وهكذا اعتمد على زميلنا الذي أشرنا إليه من غير أن يرجع إلى أصول الرحلة ونقل عنه منهاجه في الاستغناء عن ضبط الأعلام، وحذف تعليقات ابن جزي من صلب الكتاب لتصبح في الهامش. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، ولكنه تجاوزه إلى إعطاء" تفسيرات" غير صحيحة تماما لبعض الهفوات الواقعة في الرحلة المنقول عنها"، مثلا فسّر هذا الباحث: القصد من كلمة (القارات) ، مع أنها التارات «12» وليس القارات، فسّرها بأنها افريقيا وآسيا وأوربا مضيفا إلى هذا قوله:" إن إمريكا وأستراليا لم تكونا قد اكتشفتا بعد"! وفسر القصد من كلمة المملكة (الفارسية) . مع أنها المملكة الفارسية: بأنها مملكة مدينة فاس!! وبدّل هذا الناشر بعض العبارات التي لم تعجبه في الرحلة على نحو ما فعل سلفه «13» . وأخيرا ظهر له أن يستغنى عن العناوين التي جعلها ابن بطوطة لكتابه وابتكر هو عناوين أخرى ... ومن الإنصاف أن نقدر الجهد المضني للأستاذ طلال حرب في محاولته- لأول مرة- لإعداد فهارس متنوعة، وكنت أتمنى أن يتسع صدره لمراقبة أكثر للكنى والألقاب وللتحري في التعريف بالأعلام الشخصية، والتصدّي للأخطاء المطبعية التي كنت أحيانا ضحيتها أيضا!! وقد وقفنا أخيرا على طبعة للرحلة صدرت عن دار إحياء العلوم في بيروت (1412- 1992) وكانت بتقديم وتعليق الشيخ محمد عبد المنعم العريان وقد اعتمد في عمله على ما صدر من بعض الطبعات السابقة على ما أسلفنا ... ويبقى أخيرا أن نذكر أن رحلة ابن بطوطة ألهمت بعض الكتاب العرب المعاصرين فنسجوا على منوالها رحلة خيالية ابتدعوها تحت عنوان: (رحلة مغربي إلى حضرموت) وحاكوها بدقة وذكاء حتى مرّت الحيلة، ردحا من الزمان، على بعض زملائنا سيما وقد برع ذلك المخترع في إضفاء حلة البرود اليمانية على البرانس المغربية «14» .!!

ومن السادة الذين تصدوا للرحلة- وهم كثير كثير- من تجنّب نشرها حرفيّا وتحقيقها على الطريقة المعهودة في كتب التراث، واكتفى بعرضها أي إنه كان يحكي عن ابن بطوطة، ويتحدث عنه حديث الغائب وبأسلوب غير أسلوب ابن بطوطة ... «15» . وقد برّر بعضهم هذا الصنيع بأنّه نوع من" التعريب" أي نوع من ترجمة الأسلوب القديم إلى (الأسلوب الحديث) ، وقد استأنس هذا البعض في ذلك بصنيع الدكتور طه حسين في كتابه (صوت أبي العلاء) عندما قال:" وما دام جمهور المثقفين يعظم ويضخم من يوم إلى يوم، فلا بد أن نقرّب إليهم أدبنا القديم ... فليس كلّ الناس قادرا على قراءة اللّزوميات والفصول والغايات ورسالة الغفران وفهمها ... وإلا انقطعت الصلة بين الحديث والقديم وأصبح مكان الأدب العربي القديم من المثقفين مكان الأدب اللاتيني من الفرنسيين والإيطاليين" ... ويلاحظ أن بعض الناشرين في المشرق لم يكلّفوا أنفسهم عناء البحث عن بعض الكلمات المغربية الواردة في الرحلة فأطلقوا العنان لاجتهادهم الذي أخطأ الصواب في بعض الأحيان. وسأكتفي بسرد طائفة من الألفاظ معتمدا على القارئ في العودة إليها: كلمة (متّيجة) وهي علم جغرافي كما هو معلوم، وليست اسما لاداة من أدوات النقل في المغرب، كلمة (القبرية) التي هي عبارة عن شاهد القبر الذي يسجل فيه اسم الميت وتاريخ وفاته، كتبوا عوضها (التّبرية) وقالوا: إنها نسبة إلى التّبر أي الذهب وقد تكون من النحاس أو الحديد أو الرصاص! وقد استشكل بعضهم كلمة (الظهير) التي تعني في المغرب- كما هو معلوم- المرسوم الملكي، ولفظ (الشّكارة) التي تعني في المغرب ظرفا من الجلد توضع فيه النقود مثلا وليست إناء على كلّ حال، وكلمة (الفرجية) ليست ضربا من الأقبية ولكنها لباس، وهي لفظ مغربي على ما يؤكد دوزي في كتابه (معجم الملابس) ... وكلمة (أفراج) : تعني في المغرب مجموعة خيام سكنية متنقلة تكون صحبة الركب الملكي، والكلمة بربرية، وقد ورد ذكرها مرارا في المصادر المغربية. أما عن (التهليل) فإنه ظرف يجعل فيه (المصحف) وربّما (دلائل الخيرات) كتعويذة، وليس القصد إلى قطعة ذهب على شكل الهلال ... والمجشر ويجمع على مجاشر- وقد يحرف إلى مداشر- لا يعني في المغرب الحوض، ولا المبلغ من المال، ولكنه

يعني مجموعة سكنية في البادية. هذا إلى كلمة (السّنداس) التي تعني في المغرب المرحاض، وكلمة (المصرية) التي تعني في المغرب البيت المنعزل الذي يأوي إليه شباب الأسرة مثلا. يكون ملحقا بالدار التي تسكنها العائلة «16» ، وكلمة (التّبريح) في المغرب تعني الإعلام العلني: برّحوا بالملك على أنّه سيقوم بسفر نحو جهة من الجهات، بمعنى أعلموا به وأشهروه، هذا المعنى فات بعض الناشرين ففسّروا التبريح بأنه الضّرب المبرّح، وهذا معنى لا صلة له بالموضوع، وكلمة (أزواج الحرث) وجد الاستاذ كرم البستاني أنها تحريف لكلمة أرواح وانطلق يؤوّل، وكلمة (القيّرة) يستعملها ابن بطوطة وابن خلدون على أنها مقتبسة من الكلمة الاسبانية (الگيرة) بمعنى الحرب، حوّلها البستاني إلى كلمة الغزاة ... ! والبحائر التي هي جمع لبحيرة على وزن سفينة، جعلها جمعا لبحرة، و (صاحب العلامة) التي يعني لقبا حضاريا يعني الموظف السامي في الدولة الذي يعهد اليه- بعد أن تحرر الرسالة الملكية- بوضع العلامة السلطانية عليها، هذا المعنى خفي على بعضهم فحول العبارة إلى الصاحب العلّامة!! بالرغم من أن المشرق عرف أيضا هذه الوظيفة على ما في (بدائع الزهور) . علامة ملوك بني مرين ونحن نلتمس العذر لأولئك الذين لم يدققوا في الفرق بين حج الإفراد (بكسر الهمزة) وحج القران (بكسر القاف) ، ولم يتتبعوا التعابير التي وردت في (حزب البحر) أو الحزب الصغير كما قد يسمّونه لأبي الحسن الشاذلي رحمه الله. ولا يفوتني بعد هذا أن أضيف إلى ما ذكرته أن سائر الذين اهتموا بالرحلة لم ينتبهوا إلى أن الشعر الفارسي الذي طالب أمير أمراء الصين بغنائه وترديده مرارا حتى حفظه ابن بطوطة من أفواههم هو بيت واحد للشيخ سعدي من قصيدة مشهورة، وليس بيتين من بحر الرجز على ما سنرى ذلك في محله ...

دراسات نقدية

دراسات نقدية

الدراسات النقدية ... ولقد بقيت رحلة ابن بطوطة بعيدة عن كل نقد وعن كلّ تعليق- عدا ما حكيناه عن ابن الخطيب وابن مرزوق وابن خلدون- حتى قيض الله لها من بعض المستشرقين من قام بمتابعتها وتعقبها، وقد ابتدأت الدراسات النقدية في الواقع منذ اليوم الذي نشرت فيه الأطراف الأولى من الرحلة في بعض البلاد الأروبية. ومن أشهر من تناولها بالنقد- بعد الناشرين الفرنسيين- السير هاميلتون گيب والعلّامة التشيكي إيفان هربك «1» والباحثان الفرنسيان فانسان مونطي وصطيفان ييرازيموس، وروس دان الاستاذ بجامعة ولاية سان دييگو واخرون غير هؤلاء وهكذا توفّرنا على دراسات نقدية أثرت رحلة ابن بطوطة وأثارت انتباه الباحثين اليها من سائر جهات المعمور وبكل لسان. لقد تتبّعوا تلك المذكّرات من خلال عدد من المقاييس والمعايير، مثلا ضبط التّواريخ التي يوردها مقارنة بأسماء الأيام التي يذكرها: يوم الاثنين مثلا، وهل بالفعل يتطابق مع تاريخ اليوم السابع عشر من رجب الفرد سنة ثلاث وسبعمائة الذي ذكر تاريخا لميلاده؟ وهناك حديث ابن بطوطة عن شدّة البرد في شهر قمري: (شوال مثلا) في حين أن هذا الشهر كان يوافق يونيه أو يوليه الذي نعتاد فيه الحر. وهم يتقّفون أثره وهو يجتاز بعض البلاد مثلا فلا يذكر تاريخا ليوم ولا لشهر ولا لسنة، وبذلك يتركنا في غموض من أمر التسلسل الزمني. وقد حاسبوه على ذكر بعض الأحداث في غير محلّها، وأنه يحكى في الرحلة السابقة ما حصل له في الرحلة اللاحقة. على نحو ما حكاه عن الشريف أبي غرة وهو في النجف بينما سيسمع الحكاية عنه وهو في الهند، وما حكاه في زيارته الأولى عن الطاعون بدمشق. وقد حاسبوه فيما روى عن بعض الشخصيات واتّصاله بها في حين كان يستحيل عليه ذلك! هذا إلى إهماله لذكر أسماء الحكام في بعض الجهات التي زارها مع أن عادته جرت على أن يعطي الأولوية لزيارة المتنفّذين والمسؤولين عن البلاد. ولم يتردد بعضهم في اتهام ابن بطوطة بأنه كان أحيانا" يصطنع" الرحلات ويتقمص شخصيات أخرى فينسب له ما كان لتلك الشخصيات ... كل هذا إلى إهماله لذكر بعض المشاهد والمزارات التي كان من المفروض أن تكون مقصودة من لدنه، مثلا إغفاله لذكر مزارة الشيخ عبد القادر الگيلاني في بغداد!

وقد كان في صدر ما أثار انتباهنا حقا تلك الطّفرات والقفزات التي سجلت على الرجل في بعض المناطق التي كنا نصحبه فيها مرحلة مرحلة. كنا نشعر في بعض الأحيان وكأنه ركب طائرة ليحلّق فيها من محطة إلى أخرى بعيدا عن الأنظار، وكم بذلنا من جهد حتى نتعرف على خطوط سيره!! لقد انشغل عن تعداد المراحل عند ما انتقل من بغداد إلى تبريز عاصمة الإيلخان، ولعل مصاحبته للسلطان أبي سعيد كانت وراء اختفاء شخصيته، فانشغل بغيره عن نفسه، وكثيرا ما يحدث هذا ولا ينبّئك مثل خبير! وكذا كان حاله فيما بين ماردين وبغداد ... ومن الوثبات المحيّرة التي لم نعرف لها طريقا الوثبة التي كانت له من جنوب الروسيا إلى شمال تركيا. هل وصل صحبة الخاتون عبر الصحراء أو عبر الدانوب؟ لقد اختفت شخصيته رفقة الاميرة أيضا. ومن ميلاس غربا جنوب الأناضول إلى قونية شرقي شمالها، ثم من أرز الرّوم شرقا إلى برگي غربا، لم نستطع تقفي أثاره، وهو في شرق إفريقيا أيضا، لم نستطع مصاحبته وهو يتحرك من كلوة إلى ظفار بحرا. «2» وفي طريق ابن بطوطة من مكة صحبة الأمير البهلوان عن طريق المدينة حتى يصل للعراق عن طريق حصن فيد- وهو الحائل- انشغل أيضا عن تناول القلم والورق على نحو ما كان منه وهو يرافق ركب السلطان أبي سعيد من بغداد إلى تبريز، وركب الخاتون إلى القسطنطينية العظمى. وهو في الأردن سلك طريقه من الجيزة إلى بصرى الشام، وهو طريق غير مسلوك اليوم. ولو أنه سافر على الطريق المألوف لكان عليه أن يجتاز على عمان قصبة البلقاء، عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية حاليا على ما يؤكده الزميل الأستاذ الدكتور ناصر الدّين الأسد في بحثه المقدم إلى مجمع اللغة العربية بالقاهرة في دورة 1996. وقد لاحظ زميلنا الراحل السفير خليل الله خليلي وهو يتحدث عن ابن بطوطة في أفغانستان طفرة الرحالة من بلخ إلى أن وصل إلى هرات وتساءل أيّ طريق سلكه؟ هذا علاوة على وثبة بسطام إلى قندوز وبغلان «3» . وعند ما عبر نهر السند مع علاء الملك إلى العاصمة لاهري من الحدود الشمالية الحالية وفي اتجاه جنوب البلاد، هناك لم يستوعب المحطات النّهرية التي كان يمر بها. وهو في شرق

الصّين ابتداء من مضيق فرموزة وعبر النهر الأعظم والنهر الأصفر وآب حياة ... كان كسولا في تتبع محطات سيره ولكأنما كانت الصين صحراء قفراء. لا ذكر لبعض الأطعمة الصينية وأشربتها وفي صدرها الشاي الذي كان انتشر على ذلك العهد «4» . لكن الوثبات الكبرى هي التي سجلت عليه وقد قرر أن يعود إلى بلاده المغرب عندما أنهى زيارته للصين ورجع من حيث أتى دون تدقيق ولا تفصيل. فمن مدينة الزيتون حيث عشرات الجنوك ... عبر الجاوة ثم طوالسى وسمطره حيث حضر أعراس الأمير ولد الملك الظاهر في الجاوة، ثم إلى ظفار، وفارس والعراق، ثم الحج السادس والأخير قبل أن يعود إلى المغرب ... كان يمر سريعا وكأن وراءه ما يمنعه عن الاسترسال في الحديث. وقد لاحظ گيب ومعه هربك أن أمير شيراز لا يمكن أن يكون عام 727- 1327 هو أبا إسحاق ابن محمد الذي إنما حكم من عام 1343 إلى عام 1357. وهكذا نجد مرة أخرى أن الرحالة المغربي يمزج مشاهداته عند الذهاب بمشاهداته عند الإياب ... ! وعند ما يذكر ابن بطوطة أنه زار هرمز عام 731- 1331 يعقّب هربك أيضا بأن الرحالة المغربي إنما زار هرمز عند عودته من الهند والصين عام 1347! وعند ما وصل ابن بطوطة لمدينة (العلايا) أول بلاد الروم أمسك هربك بتلابيبه وضبط بالعدّ والحساب أنه زار 29 محلة في انطالية انطلاقا من العلايا حوالي فاتح ربيع الثاني 20 733- دجنبر 1332. وقد حاول العالم التشيكي أن يقوم هو بإعادة تمثيل خط السير فاصطدم بمصاعب وتناقضات ... !! وعند ما تحدث ابن بطوطة عن استشهاد الأمير عمر بك ابن سلطان يزمير، عقّب گيب على ذلك بأن الأمير قام بغزوته الأولى في الدردنيل عام 732- 1332، وقد لقي حتفه في شهر مايه 1348- محرم 749، وهكذا فإن ابن بطوطة لم يمكنه أن يعلم باستشهاده الّا عند العودة من سفره ... وقد بيّن هربك أن ابن بطوطة- وهو في سوريا- ذكر أنه زار أكثر من عشرين موقعا خلال شعبان ورمضان 726 يوليه، غشت 1326 ... وهذا غير مقبول، ولا معقول! وهو الأمر الذي يؤكد أن الرحالة المغربي كان يخلط بين زياراته للأماكن في المرة الأولى والثانية. وقد حاول بعض الباحثين أن يشكّك في أمر وصول ابن بطّوطة إلى اصطنبول لكن

معظم الذين اشتغلوا بالرحلة لا يرتابون إطلاقا في وصول الرحالة المغربي للقسطنطينية العظمى. وعلى نحو ذلك شكك بعضهم، من أمثال الدبلوماسي الشهير كابرييل قيران، في زيارة ابن بطوطة للصين، إلا أن كثيرا ممّن عالجوا هذا الموضوع كانوا مقتنعين بأن الرجل زار فعلا تلك الدّيار، «5» وأن الصينيين أنفسهم لا يشكون في ذلك. وخلال المحاضرة التي ألقيتها هناك في جامعة پكين، قسم الدراسات الشرقية. صيف 1988 كنت أشعر بأنني أمام عدد من المثقفين الذين كانوا يدينون للرحالة المغربي بالكثير من المعلومات الأصيلة التي انفرد بها عما سواه ممن تحدثوا عن تاريخ الصين وأسطول الصين بمن في أولئك ماركوبّولو! وقد وضعوا خرائط لزيارته لبلادهم وهم يرددون اسمه على أنه رائد من روّاد الصّين الكبار ... وتبقى هناك- مع هذا- بعض المواخذات التي تستوقفنا حقّا: الأولى: قضية حضور ابن بطوطة لمجلس تقيّ الدّين ابن تيمية وهو بدمشق بعد أن كان وصلها يوم الخميس 9 رمضان 726- 9 غشت 1326 فقد أخبر أولا عن سجن ابن تيمية وإطلاق سراحه، ثم أخبر أنه وقع منه مثل ما استوجب سجنه أولا فسجن مرة ثانية وقال: إنه حضر يوم الجمعة وشاهد ابن تيمية يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم، وإنّ من جملة كلامه: أن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء إلى آخر الحكاية ... مع العلم أن ابن تيمية أودع في السجن منذ سادس شعبان ... أي قبل وصول الرحالة إلى دمشق «6» !! فكيف يصحّ قول ابن بطوطة هذا مع تلك الفقرة التي نسبها لشيخ الإسلام في تفسيره لحديث النزول بما هو من قول المجسّمة المخالف لمذهب السلف الذي يعد ابن تيمية قطبا من أقطابهم؟ ونعتقد أن أحسن ما يمكن الجواب به عن هذا الانتقاد ما عقب به زميلنا الراحل الأستاذ عبد الله كنون رحمه الله من أن الخبر وقع فيه تزيّد من خصوم ابن تيمية فرواه رحالتنا على علاته ... ولم يخف الأستاذ گنون شكوكه في صنيع الكاتب ابن جزي الذي يجوز أنه توهم حضور ابن بطوطة للواقعة المزعومة «7» .

وقد وقفت في كتاب نيل الديباج لأحمد بابا السوداني (ت 1032- 1623) عند ترجمة أبي زيد عبد الرحمن وترجمة أخيه ابي موسى عيسى ابنى الإمام البرشكي أنهما رحلا إلى المشرق وناظرا تقي الدين ابن تيمية الذي كانت له مقالات يحمل فيها حديث النزول على ظاهره، وقوله فيه" كنزولي هذا"، قال صاحب الديباج وهذه الزيادة أعني قول" كنزولي هذا" اثبتها ابن بطوطة في رحلته ... «8» الثانية: هي تلك التي أثارت الكثير من التعاليق: وهو سفره إلى مدينة بلغار التي سمع بها وهو بحضرة السلطان محمد أوزبك خان حتى يرى ما ذكر له عنها من تناهي قصر الليل بها وقصر النهار أيضا في الفصل المعاكس، وانه طلب إلى السلطان مساعدته للوصول إليها وكان بينها وبين محلة السّلطان مسيرة عشرة أيام. إن المسافة بين الموقعين ألف وثلاثمائة كيلوميتر، فكيف يصل إليها المرء في عشرة أيام؟ ولم يشفع لابن بطوطة ما نعرفه عن الإمكانات المادية للسلطان والتي من شأنها، كما خبرنا ذلك، أن تتجاوز المعروف عند الإنسان العادي، ولهذا أصر المعلقون على أن هذه المعلومة تحتاج إلى ما يدعمها ... أما المؤاخذات الأخرى الباقية فكانت تتصل ببعض الحكايات التي تتسم بالمبالغات التي لا يقبلها العقل، ونذكر على سبيل المثال حكاية ابن بطوطة عن الغواصين الذين يبحثون عن اللؤلؤ في الخليج فيما بين ميناء سيراف والبحرين. فقد ذكر أن في الغواصين من يصبر الساعة والساعتين في الماء ... مع العلم أنه لا يمكن تجاوز سبعين إلى مائة ثانية ... وقد كان زميلي الراحل الشيخ عبد الله الأنصاري القطري يحكي لي- وهو ممّن زاولوا الغوص- أن الغواصين كانوا يتنافسون في مدى التحمّل وقد نبّهني إلى أن قصد ابن بطوطة ليس هو الغوص تحت الماء طوال تلك المدة ولكن القصد إلى أنّ عملية النزول إلى عمق البحر والصعود منه تستمر تلك المدة. وهذا ما وجدته في بعض الترجمات الجديرة بالثقة، وهو ما تؤيده شهادة السيدين، جمعة الماجد وسيف الغرير، وكانا أيضا من رجال الغوص ... ولا بد أن نذكّر هنا بأن ابن بطوطة هو الذي كان بين الفينة والأخرى يشعر بأن بعض ما يرويه قد لا يقبل من لدن بعض العقول فيقول مثلا- وهو يتحدث عن مزاعم الناس حول شجرة (درخت روان) - «ولهم في شأنها أكاذيب يحيلها العقل» وقال عن مزاعمهم حول

مفعول أوراقها- وهي شجرة في سرنديب:" قالوا إن من تناولها عاد له الشباب وهو باطل!! وقال، وقد سمع الناس يتناقلون حديثا غريبا" لم أذكره خيفة مكذّب به". وقد سخر بعضهم من روايته لرؤية بعض النساء بثدي واحد بينما طالعتنا صور الأحداث اليوم بوجود إنات لهن ثلاثة اثداء!! ملاحظة أخيرة: كنا نشعر بوجوده في مكان ما من الأمكنة لكنه لسبب أو آخر يفقد قلمه ويعطل ذاكرته فلا يحفل بما كان ينبغي له أن يحفل به على ما أشرنا، وهكذا ففي أثناء وجوده بمصر أهمل ذكر جامع ابن طولون الذي تحدث عنه معظم الرحالة المغاربة ولا سيما وقد كان للمغاربة فيه" مأوى يسكنونه ويحلقون فيه حيث تجري النفقات عليهم في كل شهر" على حدّ تعبير ابن جبير ... هذا إلى اهمال ذكر رواق المغاربة في الأزهر الشريف. ورواقهم- وهذا مهم- في القدس، وقد تحدث عنه علوي في كتابه (سفرنامه) ، ولم يتحدث وهو في سلا عن الجامع الأعظم في الوقت الذي تحدث فيه عن حسان التي لم يصعدها على نحو ما فعل في الكتبية. وابن بطّوطة الذي تحدث عن الزيتونة والأزهر لم يلفت نظره جامع القرويين الذي كان كعبة لكبار العلماء وكذا عيون الطلاب الذين كانوا يسكنون في المدارس التي تحف به: مدرسة الصفارين والعطارين والمصباحية علاوة على إهماله البيمارستان الذي يسهر على علاج الناس والذي كان موجودا بفاس على ذلك العهد. وابن بطوطة في الأندلس أهمل ذكر الجامع الأعظم في رندة التي كانت عاصمة الأمير أبي مالك ابن السلطان أبي الحسن ... لكنّ الحقيقة التي ينبغي أن نجعلها نصب أعيننا ونحن نتتبع تلك التعقيبات هي أن تلك" التقييدات" التي جمعها ابن بطوطة قرابة ثلاثين سنة قام ابن جزي" بتلخيصها" في أقلّ من ثلاثة شهور. ومتى كانت ثلاثة شهور كافية لتغطية تلك الأعوام واستيعاب ذلك العدد من الأسماء الجغرافية والأعلام الشخصية التي مرت بذاكرة الرحالة عبر تلك الأحقاب؟! يقوم أحدنا في العصر الحاضر برحلة في أمد معروف البداية والنهاية ولا يذكر بعد مرور بضعة أسابيع من رحلته بعض الأسماء التي مرت به فيأخذ في الاستنجاد برفاقه في الطريق!! وأعتقد أن ابن جزي كان مستعجلا أكثر مما ينبغي في أداء مهمته، وربما كان مشغولا بمشكل صحي طارئ عليه وهو الأمر الذي عرّضه للتصرّف، ودفع به إلى الاستغناء كلية عن بعض" التقاييد. ولا ندري هل كان ابن بطوطة يجلس إلى جانب ابن جزي ليراجع هذا" التلخيص" بعد تحريره ليعطي رأيه فيه؟ مهما يكن فإن بعض التّبعة تقع على الظرف القصير الذي حدد للقيام بالمهمة ... وإذا ما أضفنا إلى استعجال ابن جزي عنصرا ثانيا قرأناه في أثناء الرحلة، وهو

الحسرة الجارحة التي كانت تحزّ في ابن بطوطة وهو يتحدث عن السّطو الذي تعرض له في الجزيرة الصغرى التي تقع بين هنور وفاكنور حيث سلبه القراصنة جميع ما عنده من جواهر ويواقيت، حتى الثياب والزّوادات، وبالرغم من القيمة المادية الهائلة لما افتقده في هذه الحادثة، فإنه نسى كلّ تلك الثروات وكلّ تلك التحف ولم يبق عالقا بذاكرته إلا" التقييدات" التي كان يودع فيها معلومات عن الشخصيات التي تعرف عليها وعن التصانيف التي ألفتها تلك الشخصيات! ولم ينتظر للتعبير عن حزنه على ضياع تلك المذكرات الظرف الزمني الذي وقع فيه الحادث، ولكنه. والمذكرات امر ذو بال يشغله- استعجل بذكر ذلك عند ما كان يتحدث عن علماء بخارى على ما سنرى ... وينبغي أن نضيف إلى كل هذا أيضا مشاكل الترجمة التي لم يفته هو التنصيص على بعض أخطائها، فقد كان يتلقى أخبارا من المترجمين والمرشدين الذين يجدهم أمامه ليستعين بهم فيما يطلب من معلومات كان يرويها كما سمعها. فلقد قيل له- وهو في بيزنطة- عن النبي إلياس الذي ينطق به عندهم Elie فظنه عليّ ... واستغرب هو من ذلك!! ولكن المهم بعد هذا وقبل هذا أن سائر الذين، تعقبوه وانتقدوا بعض مقاطعه وفقراته أجمعوا على إكباره وتقديره، وعلى براعته في طريقته لجلب القراء بما كان يختاره من بديع النكتة ودقة التعبير، وبما كان يتخذه شعارا له من الصراحة في القول مما قد لا يجرؤ أحدنا اليوم على الجهر به. فهو يواجه الأمراء بما قد لا يرضيهم، وهو ينصف المستحقين منهم ولو أنه كان بعيدا عنهم، وهو في الأخير متحفظ فيما يرويه إذا لم يكن مقتنعا به حيث نجده «يخرج عن العهدة بما يشعر من الألفاظ بذلك» على حدّ تعبير ابن جزى الذي عرفه حقّ المعرفة. لقد كانوا جميعا يتفقون على أن ابن بطوطة هو الرحالة الأمين الذي كانت مذكراته تتميّز عن غيرها بما يحسه القراء ولا يستطيعون التعبير عنه سواء أكانوا يعيشون في أروپاأو آسيا أو إفريقيا.

النقوش كمصدر لابن بطوطة

النقوش كمصدر لابن بطوطة وأحب أن أثير الانتباه هنا إلى عنصر في الرحلة كاف وحده للتأكيد على جدّيتها وصدق أخبارها، ويتعلق الأمر بالنقوش التي كان يقف عليها مكتوبة على لوحة خشبية أو قطعة من حجر أو رخام، فكان يسجلها ويحفظها، وقد أمست بالنسبة إلينا اليوم بمثابة وثيقة حية تؤكد ما كان يرويه الرجل قبل نحو من سبعة قرون! فإن المؤرخ قد يتأثر بما حواليه وبمن حواليه بينما تبقى الوثيقة المعاصرة أمينة شاخصة. ولقد لذّ لي أن أهتم بهذا الجانب من الرحلة وأن أقف بنفسي على مروياتها باعتبارها، كما قلت، دليلا لا يقبل الطعن سيما وبعض تلك النقوش ما يزال شاخصا للعيان. وهكذا فقد قرأ ابن بطوطة على شاهد قبر الشيخ أبي الحسن الشاذلي اسمه ونسبه متصلا إلى الحسن بن علي وفاطمة الزهراء عليهما السلام. وقد كان فيما اكتشفه من خطوط ما قرأه على قبرية فاطمة بنت الحسين بن علي: " هذا قبر أمّ سلمة فاطمة بنت الحسين رضي الله عنه" بينما قرأ في لوح آخر:" صنعه محمد بن أبي سهل النقاش بمصر" وتحت ذلك ثلاثة أبيات ... وعند ما زار ابن بطوطة قبر النبي هود عليه السلام شرقيّ مدينة تريم في حضرموت لاحظ أن القبر مكتوب عليه:" هذا قبر هود بن عابر صلى الله عليه وسلم"، وهو ما يعتمده الحضارمة إلى اليوم. وفي هذا الإطار ما قرأه على قبرية سعد بن عبادة، وما سجله وهو بمكة عن معالمها التاريخية مما يعتبر فيه ابن بطوطة حجة، سيّما بعد اختفاء تلك الآثار، هذا إلى ما علق بذاكرة الرّحالة مما قرأه في دمشق وفي عسقلان ومدينة البصرة وبغداد وسوريا. ومن المهمّ أن نسمع ابن بطوطة- وهو الحريص على توثيق تلك المنقوشات- نسمعه يتحسر لضياع مذكّراته على نحو ما وقع بالنسبة لمقيّدات الهروي أثناء احتلال الروم للأراضي المقدسة «1» ! ويخبرنا بأنه كتب على قبر البخاري:" هذا قبر محمد بن إسماعيل البخاري وقد صنف من الكتب" كذا وكذا ... وكذلك كتبت على قبور علماء بخاري أسماؤهم وأسماء تصانيفهم." وكنت قيدت من ذلك كثيرا- يقول ابن بطوطة- وضاع مني في جملة ما ضاع لمّا

سلبني كفار الهند في البحر ... " وقد اهتم- وهو في بلاد السند والهند- بتقصي المنقوشات باعتبارها الرائد الذي لا يكذب أهله، فأخبرنا بأنه قرأ على مقصورة الجامع في ملتان التي أمر السلطان غياث الدّين تغلق شاه بعملها، قرأ:" إني قاتلت التتر تسعا وعشرين مرة فهزمتهم فحينئذ سميت بالملك الغازي «2» " وقد اخبرنا كذلك بأنه قرأ على محراب الجامع الأعظم في مدينة دهلي تاريخ افتتاح المدينة من أيدي الكفار سنة 584 هـ- (1188 م) ... وقد أمكنه أن يسجل ما نقشه جلال الدّين أحسن شاه على صفحتي الدينار: (سلالة طه ويس أبو الفقراء والمساكين جلال الدنيا والدّين الواثق بتأييد الرحمن، أحسن شاه السلطان) . ومما يجري مجرى النقوش نذكر بعض النصوص التاريخية التي حرص على تسجيلها مما يعتبر اليوم لدى المهتمين بها حججا يعتمد عليها، ونشير مثلا إلى النص التاريخي لجواب سلطان الهند على رسالة إمبراطور الصين هيّونتي (Hyunti) الذي طالب بترميم معبد بودى عتيق بقرب جبل الهيملايا في الموقع المعروف بسمهل، حيث نجد أن العاهل الهندي يكتب إليه قائلا:" إن هذا المطلب لا يجوز في ملة الإسلام إسعافه، ولا يباح بناء كنيسة بأرض المسلمين إلا لمن يعطي الجزية فإن رضيت بإعطائها أبحنا لك بناءه، والسلام على من اتبع الهدى" «3» . إلى غير هذا من الوثائق التي لم يغفلها بما فيها الكتابات باللسان الهندي على نحو ما قرأناه له وهو في مدينة تارنا الأثرية من بلاد السند. وقد تعلقت نفسي بمتابعة هذه المعلومات في الرحلات التي قمت بها عبر الأنحاء التي زارها، وقد ذهبت بعيدا إلى جزر المالديف في المحيط الهندي لأعرف جليّة الأمر حول ما نقله ابن بطوطة في رحلته عما كان قرأه هناك" على مقصورة الجامع منقوشا في الخشب من أن سلطان هذه الجزائر أسلم على يد أبي البركات البربري المغربي" فعلا طلبت أن أقف على اللوحة المذكورة، فوجدت أنها نقلت من مكانها الأصلي وعوضت بقطعة حديثة حاولت أن تنقل ما كان في اللوحة الأصلية لكنها حرّفت كلمة أبي البركات إلى أبي الرّكاب! وكلمة البربري إلى التبريزي! ومن حسن الحظ أن اللوحة الأصلية

يحتفظ بها المتحف الوطني اليوم، ويمكن أن نقرأ فيها هذه العبارات بوضوح: ووصل في هذا البلد أبو البركات ... البربري وأسلم السلطان على يده في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وخمسمائة «4» (يوليه 1153) . والحديث عن علاقة المغرب مع المالديف بالأمس يسوقنا إلى التذكير بانعكاس تلك العلاقات على حاضرنا اليوم حيث شاهدنا لقاء فريدا من نوعه تسبّبه شهادة ابن بطّوطة «5» .

الرحلة كمصدر لتاريخ العلاقات الدولية

الرحلة كمصدر لتاريخ العلاقات الدّولية تتجاوز الرحلة محتواها كمجرد مذكّرات إلى أنها تعتبر مصدرا هاما من مصادر التاريخ الدولي ليس للمملكة المغربية وحدها، بل إنها مرجع أساس للتاريخ الدولي للعالم الإسلامي وعلاقات هذا العالم بعضه بعضا وعلاقاته مع العالم المسيحي بحيث إن رحلة ابن بطوطة تعتبر من هذه الناحية تاريخا لما أهمله التاريخ. وهكذا فمن خلال الرحلة استمعنا لابن بطوطة وهو يستعرض أمامنا أقطاب الدول الكبرى التي كانت تهيمن في عهده على معظم أطراف الدنيا، وكان عددهم سبعة: سلطان المغرب، وسلطان مصر والشام، وسلطان العراقين، وسلطان الترك، وسلطان تركستان وما وراء النهر، وسلطان الهند، وسلطان الصين. ولقد وجدنا أن هناك بعض الثغرات المهملة من لدن بعض المؤرخين التقليديين فيما يتصل ببلاد المغرب يملأها الرحالة ابن بطوطة، مثلا حديثه عن مصادفته لسفارة من تونس في قصور بني عبد الواد وهي السفارة التي رافقها عند عودتها لتونس ... وفي هذه المدينة (تونس) نقرأ حديثه عن ظهور العاهل الحفصي أبي يحيى أبي بكر في عيد الفطر 725 شتنبر 1325 وليس بعد هذا التاريخ كما يحكيه آخرون «1» ... ومن هنا كان من المتعذر كتابة تاريخ هذه المغارب دون العودة إلى رحلة ابن بطوطة سواء عند ما كان ذاهبا للحج حيث كان هناك ثلاثة مغارب أو عند ما كان عائدا حيث كان هناك مغرب واحد تحت قيادة واحدة. وعند ما يتحدث التاريخ عن العلاقات الأولى للمغرب مع الأتراك لابد أنّنا سنفاجأ بمعلومة طريفة تتحدث عن استقبال الرحالة المغربي من لدن الأميرة بيلون خاتون زوجة السلطان اختيار الدّين أورخان بك بن السلطان عثمان الأول الذي أصبحت تنتسب إليه الامبراطورية العثمانية التي دوّخت العالم بأسره. وعلى صعيد علاقات المغرب بالمشرق أذكر أيضا الأصداء التي تركتها معركة مرج الصفّار التي وقعت في ثاني رمضان 702- 21 أبريل 1303 بين التتر وبين المماليك، بين الملك الايلخاني قازان وبين الملك الناصر. ومن خلال هذه الأحداث شاهدنا علاقات دولة المماليك بالمغرب عند ما بعثوا للعاهل المغربي بعدد من الهدايا الرمزية من الأكداش التي كان يستعملها التتر ... ووجدنا أن المغرب، بالمقابل، يبعث للمشرق بهدايا مماثلة: أجراس ضخمة انتزعها من كنائس الروم كردّ فعل لإتلاف هؤلاء لعدد من المنابر الإسلامية.

هذا أيضا إلى العلاقات التي ربطت مصر بافريقيا السوداء وخاصة بعد حجة إمبراطور مالي موسى ومقدم سراج الدّين بن الكويك على العاهل الإفريقي ... وإذا تحدث التاريخ عن المراسم والتشريفات المتبعة في القصور فلابد أن يرجع إلى الرحالة المغربي وهو يؤدي وصفا دقيقا لامر المراسم بالهند عندما يتنقّل السلاطين وعند استقبالهم للأعياد وتنظيمهم للاستقبالات والحفلات واستعمالهم للسّرير الأعظم والمبخرة العظمى. ومن خلال رحلة ابن بطوطة عرفنا عن ممالك أخرى كانت بالنسبة إلينا وراء الظل، مثلا عن انطاليا (بلاد الأناضول) وما احتوت عليه من إمارات توزعت الحكم هنا وهناك: إمارات وممالك في الأناضول كان ابن بطوطة يخترق حدودها بدون تأشيرة. ومن خلال الرحلة عرفنا عن الدولة الأرتقية في ماردين شمال العراق وجنوب تركيا وقد استمرت طوال ثلاثة قرون. ولقد عرفنا، عن طريق الرحلة، عن علاقات جمهورية جنوة بآسيا الصغرى وبجنوبي الروسيا، وعلاقات هذه المنطقة بمماليك مصر ... ومن خلال الرحلة سمعنا عن بطل من أبطال التاريخ الإسلامي: عمر بك الذي استمات في الدفاع عن وطنه وحاول جاهدا أن يفتح القسطنطينية قبل الموعد الذي نعرفه لفتحها، حيث التجأت الروم إلى البابا الذي عهد إلى جنوة وفرنسا بمساعدة القسطنطينية. كثيرة هي المعلومات التي قدمها إلينا مما لم يكن معروفا حتى لدى ابناء البلاد المعنية بالأمر. لقد حمل تلك المعلومات معه إلى بلاد المغرب بعيدا عن الرّقابة حيث تقدم اليوم لأصحابها حتى يضيفوها إلى ما عندهم. وقد أصبح اليوم حديثه عن الحدود بين حكومة وأخرى وعن الإجراءات التي كان يقوم بها لدى الجهات المعنية حتى يؤذن له بالزيارة، أصبح ذلك حجة تتردد أصداؤها اليوم في المحافل الدولية على أنها تعني حقائق تاريخية ينبغي الاستئناس بها إن لم يمكن التمسك بها على ما سنشير إليه في التعاليق عند الاقتضاء. وقد كشف ابن بطوطة عن دور الزواج السياسي في إحكام العلاقات بين أمة وأخرى، وقد عاش هو هذا التاريخ فرأى كيف أن سلطان قفجق يتزوّج بإحدى بنات أمبراطور القسطنطينية، ورأى أنّ ملك مصر يتزوج ابنة سلطان خوارزم، إلى آخر النظائر التي ذكرها. وابن بطوطة هو الذي لفت نظرنا إلى مناهضة العنصرية من لدن بعض الحكام الهنود المستنيرين من الذين حرّموا في إقليمهم استعمال كلمة (الأجنبي) أو حتى كلمة (الغريب) ...

وهم يستعملون عوض هذين النعتين، كلمة (العزيز) ج (الأعزة) لكل طارىء قصدهم. ولهم، أي لهؤلاء الأعزة مكانهم المتميّز في المراسم والحفلات، وقد كان من اللقطات الهامة في تاريخ العلاقات الدولية وخاصة فيما يتصل بشيراز والتتر تلك التي استأثر بذكرها الرحالة المغربي عند ما تحدث عن وصول سفير عن سلطان العراق أبي سعيد بهادور إلي هذه المدينة، وكان السفير بالصدفة هو الأمير ناصر الدّين الدّرقندي، وكان خراساني الأصل، وقد قدم في حاشية تتألف من نحو خمسمائة فارس من خدّامه وأصحابه، هذا إلى السفير رجب البرقعي، وأصله من القرم. راح سفيرا من الهند إلى" الخليفة" في مصر حيث استقبل بمحضر الملك الصالح إسماعيل. وعن طريق ابن بطوطة علمنا عن وجود سفارة مصرية برئاسة صدر الدين سليمان المالكي الذي وجّهه الملك الناصر إلى سلطان العراق في إطار العلاقات بين المماليك وبين الإيلخان. هذا إلى سفارات أخرى قرأنا عنها في الرحلة كان من أبرزها الحركة الدبلوماسية الواسعة النطاق التي شاهدتها بلاد فارس عند ما قام محمد خذا بنده بتوجيه بعثات إلى مختلف الجهات لحملها على الموافقة على جعل المذهب الشيعي هو المذهب الأساسي للدولة، هذا إلى سفارة الشيخ زاده الخراساني السفير عن ملك هراة إلى الملك أبي اسحاق في شيراز. ولقد كان عدد السفراء الذين تبادلتهم الدولتان: المغول والمماليك كثيرا؛ وكان لابن بطوطة فضل الإشارة اليهم، كما كان له فضل الإشارة للعلاقات بين الدولة الرسولية في اليمن وبين المماليك في مصر من خلال وجود المدرسة المظفرية بمكة المكرمة ودورها العلمي هناك. وعن طريق ابن بطوطة قرأنا عن وفادة من الخان الأعظم إمبراطور الصين إلى سرنديب للحصول على قطعة من الصخرة التي رسم عليها قدم آدم!. وعن طريقه عرفنا عن صلة ملك الصين بملك طوالسي هذه المملكة الواسعة التي يمكن أن تندرج تحتها أمم عظيمة تعرف اليوم بالفليبين واليابان وما جاورهما! على نحو ما تندرج تحت اسم (مل جاوة) شعوب وأمم تعرف اليوم تحت اسم طايلاند وبورما وفيتنام على ما أسلفنا. وإن معلومات ابن بطوطة عن سلطنة مترة (MADURA) وعلاقاتها بالإمارات الأخرى تظل معلومات دقيقة أيدتها النقود المكتشفة، هذا إلى حديثه عن مخالفة سدكاوان للهند!. وعن طريق ابن بطوطة عرفنا عن أخبار الجماعات اليهودية التي كانت منتشرة هنا وهناك. وهكذا فكما كانت الرحلة مصدرا هاما للعقيدة الإسلامية كانت مرجعا لأهل الديانات الأخرى التي كانت تتعايش فيما بينها طوال التاريخ. وعن طريقه تعرفنا على عدد من قواعد العالم الإسلامي على ذلك العهد من أمثال دولة لورستان الكبرى وإمبراطورية القفجق وسلطانها محمد أوزبك خان.

وقد قدّم إلينا في ثنايا الرحلة معلومات تنفعنا على صعيد التعامل الدولي فقد ذكر أن تطبيق الحكومة، في قالقوط، للقاعدة الفقهية التي تقضي بإرجاع إرث الأجانب الهلكى إلى أهلهم وورثتهم أينما كانوا، أقول إنّ تطبيق ذلك هو الذي كان يساعد المستثمرين على اختيار قالقوط مركزا تجاريا لهم. كما أفادنا فائدة تاريخية لم نقرأ عنها في التأليف التاريخية الأخرى مثل جامع التواريخ لرشيد الدّين، عن مأساة اجتياح بغداد من لدن المغول ... لقد قال إن عدد الذين قضوا في تلك الفتنة من العلماء فقط أربعة وعشرون ألف عالم! وكلّنا يعرف عن عشيرة آل مهنّا العربية بديار الشام وما قامت به من أدوار وما كان لها من صدى سواء على صعيد العلاقات العربية العربية أو العلاقات العربية البيزنطية، مهنا الأول المتوفى حوالي 660- 1262، ومهنا بن عيسى (الثاني) المتوفى 735- 1335 والملقب بسلطان العرب، هذا الذي أرسل ابنه موسى إلى ملك التتر في العراق مع قراسنقر وجماعته قبل أن يلتحق هو بالمنطقة التترية. تواريخ مثيرة لهذه العشيرة التي كانت معلومات ابن بطوطة عنها محلّ تزكية من لدن الذين كتبوا عن عشائر الشام وصحّحوا ما قاله ابن بطوطة عن آل حيار بن مهنّا بن عيسى «2» قبل أن تنكسر شوكتهم بموت محمد بن حيار. وقد قدم لنا ابن بطوطة معلومات جدّ قيّمة عن أشراف الحجاز على عهده بمن فيهم الحسنيون أصحاب مكة بما عرف عنهم من احتكاكات بدولة المماليك، وهكذا قرأنا عن رميثه بن أبي نمي بن أبي سعد بن علي بن قتادة. كما عرفنا عن الحسينيين أصحاب المدينة بما عرف عنهم من تنافس ساخن، وهكذا سمعنا عن كبيش بن منصور بن جمّاز بن شيحة بن هاشم «3» . ومن الطريف أن نعرف عن شريف حسيني، حفيد لجماز يحمل اسم قاسم يلتحق بغرناطة ويشارك في معركة ويستشهد على مقربة من الجزيرة الخضراء. وابن بطوطة هو الذي ساعدنا على معرفة الظروف التي جعلته يتوجس خيفة من حركة القراصنة وهو في طريقه إلى المغرب عبر جزيرة سردانية، فقد كانت الاتفاقية المغربية مع ممالك جنوب أوربا أتت على نهايتها فلا غرو إذن أن يحتاط الرّحالة لنفسه «4» .

وقد أجمعت المصادر الإيطالية وهي تتحدث عن تاريخ جنوة، أجمعت على النقل عن ابن بطوطة عند ما تحدث عن افتداء السلطان أبي عنان لمدينة طرابلس بتلك المبالغ السخية من العملة الذهبية حتى لا تبقى طرابلس بيد الجنويين! لقد تحدث ابن فضل الله العمري في السفر السابع والعشرين عن احتلالها من لدن جنوة، ولكنه ترك المدينة أسيرة. ولم يكن هناك غير ابن بطوطة الذي تحدث عن تحريرها من لدن السلطان أبي عنان وهي المبادرة التي سجلتها الرحلة، وأكدتها تهاني غرناطة لفاس «5» ثم أتت المصادر الإيطالية وغيرها لتعتمد تلك المعلومات. وقد أفادنا ابن بطوطة عن اهتمام المشرق بأخبار المغرب وأنه أي المشرق ما انفك يتتبع الأخبار الواردة عليه من بلادنا وخاصة منها ما يتصل بحركات الجهاد في الأندلس، ومن هنا علم ابن بطوطة لما وصل إلى بغداد، في شوال عام ثمانية وأربعين، علم من بعض المغاربة الذين كانوا هناك بأخبار كارثة وقعة طريف واستيلاء الروم على الجزيرة الخضراء على نحو ما كان وصلنا بالمغرب عن سقوط بغداد كما يذكره ابن عبد الملك المراكشي ... وقد عاش ابن بطوطة مرحلة دقيقة جدا من تاريخ المغرب الكبير أدّى عنها بعباراته ما سمحت به ظروفه، وبحكمة ودبلوماسية فائقة عند ما تحدث عن مرورة بتونس فسلّم على السلطان أبي الحسن واجتمع بمجلس علمه ورجال مشورته، ثم لم يلبث أن أصبح ببلاط أبي عنان المناهض لوالده، ومع كل ذلك فإنه لم يسمح لنفسه أن يتدخل فيما لا يعنيه، ويتحدث بما لا يرضي عما يجري بين الوالد وولده بالرغم من أنّه صحب ركب أبي عنان الذي كان يحمل شلو أبيه. وابن بطوطة هو الذي أحاطنا علما بما كان يضمه بلاط عهد السلطان أبي عنان من وفود ترد من خارج المغرب، مثلا ابن أمير الموصل وديار بكر الشريف علاء الدين الذي كان- أثناء تحرير رحلة ابن بطوطة- بعاصمة فاس:" مستقر الغرباء ومأوى الخائفين" على حد تعبير ابن جزي!. وابن بطوطة، ولو أنه لم يصرح بذلك- حفظا للأسرار على ما جرت عليه الأعراف بين الدول- ... هو الذي وجهه السلطان أبو عنان، على ما يبدو، في مهمة إلى غرناطة في ظروف كانت فيه العلاقات بين أبي عنان وبين والده على ما لا يرضى «6» . وبهذا نفسر المرض الدبلوماسي لملك غرناطة وبهذه المناسبة عرفنا وضع (رندة) التي كانت عاصمة للقسم الأندلسي التابع لدولة بني مرين. وابن بطوطة هو الذي راح مبعوثا أيضا في مهمة للسلطان أبي عنان

إلى بلاد السودان على ما يظهر حيث تم اتصاله المباشر بعدد من أقطاب وأمراء المنطقة، وحيث قضى وقتا هناك قبل أن يصله مبعوث خاص من العاهل المغربي يطلب إليه أن يعود فورا إلى حاضرة فاس. ولا ننسى أن ابن بطوطة هو الذي ذكرنا- وهو يعيش في مالديف- بأنه ترك في المغرب عددا من الأسرى من الروم. وكان الوقت يصادف فعلا سلسلة من الاحتكاكات التي تجري بين المغرب وقشتالة. وقد أعطانا الرحالة المغربي وصفا للطريقة التي كانت الحكومة المغربية تستعملها لضبط الأسرى ومنعهم من الفرار إلى أن يتم افتداؤهم بمن يوجد من المغاربة في قبضة حكومات الأطراف الأخرى. وقد حدث أن بعض الدول التي كان ابن بطوطة يتحدث عنها اختفت من مسرح السياسة وأتى بعدها قوم آخرون فأحرقوا كتب الأولين ودمروا آثارهم فلم يعرف عنهم شيء إلا ما قرأناه من خلال معلومات ابن بطوطة التي" فلتت" للخارج فاحتفظت بحياتها وبجدّتها. ونذكر بهذه المناسبة ما حكاه عن بني نبهان في عمان كمثل شاهد للعيان. كثيرة هي اللقطات التي تفيد المهتمّين بالتاريخ الدّولي للعالم الاسلامي ... وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن الرحالة لم يكن مجرد سائح يمشي في مناكب الأرض، ولكنه كان يهدف إلى تعريف فريق بفريق ... وكأنني به يكتب تقريرا لملوك المغرب عما رآه وما شاهده عبر أطراف الدنيا ليأخذوا منه ما يرونه صالحا لمسيرتهم إذا كانوا يريدون. من حسن حظنا أن ابن بطوطة كان يعمل بنصيحة القاضي أبي بكر بن العربي سفير المغرب لدى العراق عام 489/1097 الذي قال: في تأليفه (كتاب الرحلة) عند ما دخل إلى بغداد وتعرّف على الخليفة بها: «نعمت المعرفة التعرّف بالسلطان والتشرف به عند التغرّب من الأوطان ونعم العون على العلم الرياسة بالأمن والاستيطان «7» . فبفضل العمل بتلك النصيحة أمكننا التعرف على الكثير من القادة المتنفذين آنذاك ...

مكان رحلة ابن بطوطة من أدب الرحلات

مكان رحلة ابن بطّوطة من أدب الرحلات يلاحظ في المؤلفات العربية على العموم، وخاصة منها التي تتصل بالأدب العربي، غياب الحديث عن الذين يكتبون تلك التأليف، عن شخصيتهم، عن أفكارهم، عن أحاسيسهم، بحيث إنك تقرأ الكتاب من ألفه إلى يائه دون ما أن تجد أثرا يعرّفك بمحرّر الكتاب أو بعصر تأليفه أو حتى بظروف تأليفه وما يجري من حواليه. وقد استثنى من كل هذه المؤلفات جميعا كتاب الرحلة أية رحلة، الذي يمتاز كما هو معلوم بمعرفة المزيد من المعلومات عن المؤلف وهو يتحدث عن مراحل تنقلاته وعن مشاعره، مما يرتضيه ولا يرتضبه، هذا إلى تعرفنا على الجهات التي يمرّ بها جغرافيا وبشريا وفكريا، فنشعر بنوع من التجديد في الفائدة، بنوع من تمكن الكاتب من التعبير عمّا يريد أن يؤديه، بأسلوبه الذي يتغلب به على كلّ الصّعاب، والذي يجعله مهيمنا على إبلاغ الناس ما يريد إبلاغه من وصف للطبيعة وتقديم للظواهر التي تحف بمحيطه والبيئة التي يعيشها ... وهكذا فإن الكتاب الذين حرروا مذكراتهم التي نطلق عليها اليوم اسم (الرحلات) يمثلون في واقع الأمر جانبا إبداعيا في أدبنا العربي، ومن هنا نحسّ تلقائيا بميل نفوسنا إلى هذا النّوع من الكتابة المحببة لأن ذلك مما يعبر عما يروج في فكر الكاتب دون ما تصنّع أو انفعال، ولأنه يجعلنا نرافقه في رحلته، نشعر بمثل الشعور الذي كان يعيشه سواء كان ذلك الكاتب فقيها أو شاعرا أو مؤرخا أو عالم اجتماع ... وقد عرف المغاربة من قديم بأنهم متفوّقون في أدب الرحلة وموفقون كذلك ... يدل على هذا ما تركوه من بصمات لهم في مختلف كتب التراث العربي «1» . وترجع أسباب اهتمام المغاربة بالرحلة والكتابة عن تحركاتهم وخاصة في العهد الإسلامي: أولا وبالذات، إلى أن الإسلام يجعل من الحج ركنا بارزا من أركانه، فالمسلم وهو يفكر في الثوابت التي تجعل منه مسلما مثاليا- تنتصب أمام مخيلته الكعبة المشرفة سواء أكان في شرقها أو غربها، خمس مرات في اليوم على الأقل يتجه إليها في صلاته وفي توسلاته ... وهكذا يكون العامل الأول هو تحقيق الأمل في زيارة تلك البقاع التي تشدّنا اليها شدّا ... ، ومن هنا ندرك السرّ في توجه المغربي نحو الشرق، نحو مهد الحضارة ومهبط الوحي، ومن ثمت كان بعض من يقصد البلاد الحجازية من الفقهاء والعلماء والأدباء لأداء

فريضة الحج يشعر بأن عليه دينا يجب أن يؤديه لإخوته من الذين لم تسمح لهم ظروفهم بالالتحاق بتلك الديار والذين كانوا يقنعون بوصف تلك المعالم وما تحتضنه من عوالم. وهذا الدّين يتجلّى في تحرير التعريف بتلك البقاع وبمن تضمّهم تلك البقاع من رجال، احياء وأموات، طبعا مع وصف المراحل التي مرّ بها الحاج من مدينته التي انتقل منها إلى حيث يجتمع بإخوته من سائر جهات العالم الإسلامي، محرما ملبيا إلى أن يقف على عرفة. وذلك" التعريف" هو الذي نسميه بالرحلة التي يتحدث فيها الرّحالة عن محطاته المتبعة سواء كانت برّا أو كانت بحرا، مضيفا إلى هذا حديثه، كما قلنا، عما يعترضه في طريقه من مشاهدات ... ، ومعرّفا بالآثار التي خلّفها الأسلاف، ومعطيا نبذة عن المواقع الجغرافية التي يسلكها بما تحتوي عليه من نعوت وأوصاف. وهكذا ازدهرت، نتيجة لهذا، حركة انتساخ المخطوطات، وخاصة منها كتب الرحلة لدى الحجاج يستصحبونها معهم للاستئناس وللقيام أحيانا بالمقارنات والمفارقات ... ويلاحظ أن تاريخ المغرب وخاصة في القرن الخامس والسادس والسابع والثامن عرف نوعا من تطور مثل هذه الرحلات الحجازية بفضل تشجيع الناس بمن فيهم القادة والحكّام لتوفير هذا النوع من المعرفة للمواطنين. ولم يقلّل من شأن الرحلة الحجازية إلّا ما ظهر من ميل لتفضيل الجهاد على الحج في اعقاب العدوان المتوالي على المسلمين في الأندلس، وذلك اعتمادا على فتوى لابن رشد ردّد صداها النّاصري في كتابه" الاستقصاء" وهي تعطي الأسبقية للجهاد على الحج «2» . وهكذا تكوّنت لدينا لائحة لهؤلاء الأعلام الذين قصدوا الديار المقدسة لأداء مناسك الحج، فيهم الكثير ممن لم تصلنا أثارهم إلى اليوم لكن فيهم طائفة ممّن اشتهر ذكرهم بما خلّفوه من أعمال جليلة خلدت أسماءهم. ونذكر من هؤلاء الرحالة أبا الحسن محمد بن أحمد بن جبير الأندلسي (578 هـ) الذي سار بالرحلة خطوات واسعة، كما نذكر ابن رشيد الفهري السبتي (683 هـ) ، صاحب كتاب «ملء العيبة «3» » ومحمد العبدري الحيحى صاحب الرحلة المغربية (688 هـ) «4» كما

نذكر رحلة أبي القاسم التجيبى (695 هـ) صاحب مستفاد الرحلة والاغتراب «5» ، وابن بطوطة (725 هـ) موضوع الحديث، وخالد بن عيسى البلوى (736 هـ) صاحب (تاج المفرق) «6» ، وابن الحاج النّميري صاحب (فيض العباب) (774 هـ) الذي سجلت له رحلة أيضا إلى الحجاز في مجلدة «7» ، ومحمد بن سعيد الرعينى (778 هـ) صاحب الرحلة الحجازية المنظومة «8» . وعلاوة على السبب المتلخص في أداء فريضة الحج، هناك الرحلة الدراسية: أي طلب العلم ولقاء المشايخ الكبار حيث نجد أن المكتبة العربية تزخر كذلك بمن الّفوا عمن أخذوا عنهم في رحلتهم الدراسية من الشيوخ. وعما حصلوا عليه من إجازات تأذن لهم في تلقين ما حصلوا عليه للآخرين ... ونذكر إلى جانب هذا: الرحلات العلمية وهي غير الرحلات الدراسية. ويمكن أن نصنّف في هذا الباب بعض الرحلات التي كانت تقصد إلى حمل كتاب علمي من جهة إلى جهة قصد تعميم الفائدة منه. واذكر هنا على سبيل المثال الرحلة التي قام بها هشام بن هذيل مكلفا من قبل الخليفة الأندلسي عبد الرحمن الناصر من أجل طلب المساعدة على ترجمة مخطوطة ديوسقوريدس المكتوبة باللغة اليونانية والتي كان الإمبراطور البيزنطي أهداها إلى الخليفة الناصر عام 337 هـ في حفل مشهود تحدثت عنه المصادر التاريخية والمؤلفات الطبية. وقد استجاب الامبراطور البيزنطي لرسالة الخليفة الناصر فبعث اليه بالراهب نيقولا الذي وصل إلى قرطبة عام أربعين وثلاثمائة «9» . ومن أسباب الرحلة كذلك المهمّات السياسية التي يروح فيها علية القوم من علماء وأدباء بما كان قد يصحبهم من مرافقين ومساعدين.

وقد حفظ التاريخ لنا اسماء عدد من السّفراء الذين كانوا يدونون رحلاتهم في كراريس يرفعونها في أغلب الأحيان إلى الملوك. ونتيجة لذلك زخرت المكتبة المغربية أكثر من غيرها بعدد من الرحلات السّفارية التي أثرت الأدب المغربي علاوة على ما قدمته من معلومات جدّ قيمة عن البلاد التي زارها أولئك السفراء وعن الأحوال الدولية على ذلك العهد وعن التطورات التي تمرّ بها الأمم ... وهكذا ظلت اخبار سفارة يحيى بن حكم الغزال (ت 250 هـ) التي راحت إلى بيزنطة ردّا على سفارة ثيوفيلوس (Theophilus) إلى الأندلس في اعقاب فتح عمّورية. وقد لخص أخبارها ابن دحية (ت 633 هـ) السبتي في كتابه" المطرب من اشعار المغرب" «10» ، أقول ظلت حديث المجالس الأدبية والسياسية بما تضمنته من طريف نكتة وجميل ظرف، وبخاصة فيما يتعلق بحديث السفير الأندلسي إلى ثيودورا زوجة إمبراطور القسطنطينية ... وتعتبر رحلة يحيى الغزال أقدم من الرحلات التي قام بها أيام الدولة العباسية أحمد ابن فضلان إلى بلاد الخزر والروس، وأبو دلف إلى إيران والهند والصين في النصف الأول من القرن الرابع ... وناصر خسرو علوي إلى الدّيار الحجازية بين عام 437 و 444 ... وبين أيدينا خروم من رحلة القاضي أبي بكر ابن العربي الأشبيلي صحبة أبيه عبد الله عام 489- 1097 إلى مدينة السلام، وقد بقيت هذه الرحلة حديث المجالس كذلك بما تضمنته من" مكتوب الخليفة المنقول في أيدي الناس" على حدّ تعتبر ابن خلدون «11» . وإلى جانب الرحلات الحجازية والدراسية والعلمية والسّفارية نعيش مع نوع آخر من أنواع الرحلة وهي تلك الرحلات السياحية، التي تكون غاية واضعها من سفره مجرد السياحة والوقوف على الآفاق وعجائب المخلوقات والتعرف على أخلاق الشعوب وعوائدها. وهذا النوع أيضا مما تزخر به المكتبة المغربية. ونذكر في صدر ما وصلنا من هذا الصّنف. في النّصف الثاني من القرن السادس الهجري كتاب (تحفة الألباب) تاليف أبي حامد الأندلسي الغرناطي الذي يقول في مقدمتها:" ومنذ اغتربت عن المغرب الأقصى عام 557 شاهدت من الأيمة الكرام مالا يعدّ ولا يحصى، وأولاني الله عز وجلّ على ايديهم من أنواع النعم مالا يقدر على إحصائها إنسان".

وأبو حامد هذا هو الذي أشاد بمعاملة أهل الصين للتجار من المسلمين، وتمنى أن يقتدي ملوك المسلمين بمثل هذا السلوك ... !! والطريف أن أبا حامد وصل بهذا إلى فهم ذكي للحديث النبوي الذي يقول: (الدّنيا سجن المؤمن) . فلقد أدرك أنّ معنى ذلك أن دنيا المسلم خالية في بعض الأحيان من العدل والاحسان! «12» " وهناك نوع من الرّحلات يمكن أن يطلق عليه اسم الرحلات الاستكشافية وهي غير الرحلة التي تكون أصلا لغرض السياحة وهي التي يقوم بها اصحابها من أجل اكتشاف بلاد جديدة والاطلاع على أحوالها. ويمكن أن ندرج في هذا النوع من الرّحلات ما قام به أحد عمالقة الأدب الجغرافي في تاريخ الاسلام، ويتعلق الأمر بالشريف الإدريسي السبتي الذي قدم إلينا «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» هذا الكتاب الذي يعتبر معلمة من المعالم التي يعتزّ بها العالم الإسلامي على الصعيد الدولي. فهو أي الإدريسي، ولو أنه لا يتعرض كثيرا للوقائع التي حدثت له أثناء أسفاره ولا يتعرض غالبا لشيء من أحواله الشخصيّة، لكنّ تاليفه ذو صلة قوية بموضوع الرحلات باعتباره يخطط المراحل للجوّالين والمسافرين، وباعتباره مصدرا اعتمد على الرحلات السابقة لغيره. «13» ونذكر إلى جانب هذا، الرحلات الزيارية أي التي يقوم بها بعض بقصد زيارة أضرحة الأنبياء والصحابة ورجال الصّلاح. ولا شك أن هذا النوع من الرحلات يعتبر من أهم المصادر عن تاريخ الحياة الدينية والحركة الصوفية. وهذا يفيدنا في نفس الوقت من حيث الفنّ المعماري الخاصّ ببناء المساجد والمزارات والمشاهد. ومن منّا ينكر فائدة كتاب" الإشارات إلى معرفة الزيارات". لأبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي وهو كتاب لا تستغني عنه مكتبة «14» ... وقد أثار انتباهنا ونحن نقرأ عن تاريخ انتشار الإسلام في بلاد آسيا وفي تخوم إفريقيا الحديث عن نوع من الرحلة كان له الأثر الأكبر في دخول الإسلام في تلك المناطق النائية، لا عن طريق السيف ولا عن طريق الإكراه، ولكن عن طريق إعطاء المثل الحسن ونشر الفضيلة وتقديم القدوة. وكان الذين قاموا بمثل هذا العمل المتئد الرصين والحكيم هم

الذين كانوا يقومون بالرحلات التجارية إلى تلك الأصقاع. كلّ الذين أشادوا في الماضي والحاضر بظهور الإسلام هناك كانوا يقفون مشدوهين امام الأثر الحميد الذي خلفته الرحلة التجارية في نفوس أولئك الذين اقبلوا على الإسلام بكل ما يملكونه من حب. وقد ذهب بعض المهتمين بأمر الرحلة إلى أبعد من هذا في استيعاب انواع الرحلة فتحدثوا عن الرحلة البرّية والبحرية، والخارجية والداخلية، والاختيارية والقسرية، والفردية والجماعية، والرحلة الخيالية والرحلة التي تتخد شكل المراسلات أو تهدف إلى إبرام المعاهدات «15» . لكننا سنقف هنا لنترك الفرصة للحديث عن نوع أكثر شمولا وأوفر فضاء من كل تلك الأنواع التي تقدمت للرحلة ... ذاك ما نعطيه اسم الرحلة العامة ... ونقصد بها الرحلات التي جمعت الكثير من كل تلك الأغراض، ونذكر على الخصوص رحلة ابن بطوطة، فقد غادر بلدته طنجة في بداية الأمر عام 725 بقصد الحج. لكن بسبب تعذر الحج تلك السنة لما صادفه من اضطرابات بين البجاة والمماليك على ساحل البحر الأحمر اضطر للإنتظار سنة كاملة لحضور موسم الحج عام 726. وهنا أثناء هذا الفراغ نمت فيه الرغبة للقيام بحضور مجالس للدراسة، وفي التزوّج مرة أخرى! وفي القيام كذلك بزيارات سياحية على جانب كبير من الأهمية، وفي القيام برحلات داخل الرحلة. ولم يلبث أن عبر الدنيا وارتاد الأماكن البعيدة. وينبغي أن نقوم بجولة سريعة في المحطات التي مرّ بها لنجد أن ابن بطوطة كانت تتمثل فيه وتنطبق عليه صفات كلّ أولئك الرحالة. فهو حاج وهو دارس وهو سفير وهو سائح وهو مكتشف وهو زائر وهو داعية، وهو تاجر أيضا ... وهو مبشّر بالمعنى الحقيقي للمبشر.

الفصل الأول المغرب الكبير

الفصل الأول المغرب الكبير تقديم ابن جزي للرحلة ونعته لابن بطّوطة بالثقة الصدوق الذي جال الدنيا بالطّول والعرض. شرح منهاج ابن جزي في تحرير الرحلة. حديث ابن بطوطة عن خروجه من طنجة أيام السلطان أبي سعيد ... الوصول إلى تلمسان، وتعرّفه على سفارة تونس التي صادفها هناك ... مرضه ببجاية. حلوله بتونس التي لم يعرفه بها أحد! ذكر ملك تونس أخذه الطريق إلى طرابلس وبناؤه بها على سيّدة صفاقسية ...

كلام ابن جزي

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه [كلام ابن جزيّ] قال الشيخ الفقيه الكاتب البارع الناظم أبو عبد الله محمد ابن الشيخ الفقيه العالم المتفنن أبي القاسم محمد ابن جزيّ الكلبي الغرناطي عفا الله عنه «1» : الحمد لله الذي ذلّل الأرض لعباده ليسلكوا منها سبلا فجاجا، وجعل منها وإليها تاراتهم «2» الثلاث نباتا وإعادة وإخراجا، دحاها بيد القدرة فكانت مهادا للعباد، وأرساها بالأعلام الراسيات والأطواد، ورفع فوقها سمك السماء بغير عماد، وأطلع الكواكب هداية في ظلمات البر والبحر، وجعل القمر نورا، والشمس سراجا، ثم أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد الممات، وأنبت فيها من كل الثمرات، وفطر أقطارها بصنوف النبات، وفجر البحرين عذبا فراتا، وملحا أجاجا، وأكمل على خلقه الإنعام، بتذليل مطايا الأنعام، وتسخير المنشآت كالأعلام، ليمتطوا من صهوة القفر ومتن البحر أثباجا، وصلى الله على سيدنا

ومولانا محمد الذي أوضح للخلق منهاجا، وطلّع نور هدايته وهاجا، بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، واختاره خاتما للنبيّين، وأمكن صوارمه من رقاب المشركين، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا وأيده بالمعجزات الباهرات، وانطق بتصديقه الجمادات، وأحيا بدعوته الرّمم الباليات، وفجر من بين أنامله ماء ثجاجا، ورضى الله تعالى عن المتشرفين بالانتماء إليه أصحابا والا وأزواجا، المقيمين قناة الدين فلا تخشى بعدهم اعوجاجا، فهم الذين أزّروه على جهاد الأعداء، وظاهروه على إظهار الملة البيضاء، وقاموا بحقوقها الكريمة من الهجرة والنصرة والإيواء، واقتحموا دونه نار البأس حامية وخاضوا بحر الموت عجاجا، ونستوهب الله تعالى لمولانا الخليفة أمير المؤمنين، المتوكل على الله رب العالمين المجاهد في سبيل الله، المؤيد بنصر الله، أبي عنان «3» فارس ابن موالينا الأيمة المهتدين، الخلفاء الراشدين، نصرا يوسّع الدنيا وأهله ابتهاجا، وسعدا يكون لزمانة الزمان علاجا، كما وهبه الله بأسا وجودا لم يدعا طاغيا ولا محتاجا، وجعل بسيفه وسيبه «4» لكل ضيقة انفراجا. وبعد فقد قضت العقول، وحكم المعقول والمنقول، بأن هذه الخلافة العلية المجاهدة المتوكلية الفارسية «5» هي ظل الله الممدود على الأنام، وحبّله الذي به الاعتصام، وفي سلك طاعته يجب الانتظام، فهي

التي أبرأت الدين عند اعتلاله، وأغمدت سيف العدوان عند انسلاله، وأصلحت الأيام بعد فسادها، ونفّقت سوق العلم بعد كسادها وأوضحت طرق البر عند إنهاجها، وسكّنت أقطار الأرض عند ارتجاجها وأحيت سنن المكارم بعد مماتها، وأماتت رسوم المظالم بعد حياتها وأخمدت نار الفتنة عند اشتعالها، ونقضت أحكام البغى عند استقلالها، وشادت مباني الحق على عمد التقوى واستمسكت من التوكل على الله بالسبب الأقوى، فلها العز الذي عقد تاجه على مفرق الجوزاء، والمجد الذي جز أذياله على مجرّة السماء، والسعد الذي رد على الزمان غض شبابه، والعدل الذي مد على أهل الإيمان مديد أطنابه، والجود الذي قطّر سحابه اللجين والنضار، والبأس الذي فيّض غمامه الدم الموّار، والنصر الذي نفض كتائبه الأجل، والتأييد الذي بعض غنائمه الدول، والبطش الذي سبق سيفه العذل، والأناة التي لا يملّ عندها الأمل، والحزم الذي يسد على الأعداء وجوه المسارب، والعزم الذي يفلّ جموعها قبل قراع الكتائب، والحلم الذي يجني العفو من ثمر الذنوب، والرفق الذي أجمع على محبّته بنات القلوب، والعلم الذي يجلو نوره دياجي المشكلات، والعمل المقيّد بالاخلاص والأعمال بالنيات. ولما كانت حضرته العلية مطمح الآمال، ومسرح همم الرجال، ومحط رحال الفضائل، ومثابة أمن الخائف ومنية السائل، توخّى الزمان خدمتها ببدائع تحفه، وروائع طرفه، فانثال عليها العلماء انثيال جودها على الصفاة، وتسابق إليها الأدباء تسابق عزماتها إلى العداة، وحج العارفون، حرمها الشريف، وقصد السائحون، استطلاع معناها المنيف، ولجأ الخائفون إلى الامتناع بعز جنابها، واستجارت الملوك بخدمة أبوابها، فهي القطب الذي عليه مدار العالم، وفي القطع بتفضيلها تساوت بديهة عقل الجاهل والعالم، وعن ماثرها الفائقة يسند صحاح الآثار كلّ مسلم، وبإكمال محاسنها الرائقة يفصح كلّ معلم. وكان ممن وفد على بابها السامي «6» ، وتعدّى أو شال البلاد إلى بحرها الطامي، الشيخ الفقيه السائح الثقة الصدوق جوّاب الأرض، ومخترق الاقاليم بالطول والعرض، أبو عبد الله محمد ابن عبد الله بن محمد بن ابراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة، المعروف في البلاد الشرقية بشمس الدين، وهو الذي طاف الأرض معتبرا وطوى الأمصار مختبرا، وباحث فرق الأمم وسبر سير العرب والعجم ثم ألقى عصا التّسيار بهذه الحضرة العليا، لما علم أن لها مزية الفضل دون شرط ولا ثنيا، وطوى المشارق إلى مطلع بدرها بالمغرب، وآثرها على الأقطار إيثار التّبر على التّرب، اختيارا

بعد طول اختبار البلاد والخلق، ورغبة في اللّحاق، بالطائفة التي لا تزال على الحق، فغمره من إحسانها الجزيل، وامتنانها الحفيّ الحفيل، ما أنساه الماضي بالحال، وأغناه عن طول التّرحال، وحقّر عنده ما كان من سواها يستعظمه، وحقق لديه ما كان من فضلها يتوهمه، فنسى ما ألفه من جولان البلاد، وظفر بالمرعى الخصب بعد طول الارتياد. ونفذت الإشارة الكريمة بأن يملي ما شهده في رحلته من الأمصار، وما علق بحفظه من نوادر الأخبار ويذكر من لقيه من ملوك الأقطار، وعلمائها الأخيار وأوليائها الأبرار، فأملى من ذلك ما فيه نزهة الخواطر، وبهجة المسامع والنواظر، من كل غريبة أفاد باجتلابها، وعجيبة أطرف بانتخابها، وصدر الأمر العالي لعبد مقامهم الكريم، المنقطع إلى بابهم، المتشرف بخدمة جنابهم، محمد «7» بن محمد «8» بن جزي الكلبي أعانه الله على خدمتهم، وأوزعه شكر نعمتهم، بأن يضم أطراف ما أملاه، الشيخ أبو عبد الله، من ذلك في تصنيف يكون على فوائده مشتملا، ولنيل مقاصده مكمّلا، متوخيا تنقيح الكلام وتهذيبه، معتمدا إيضاحه وتقريبه، ليقع الاستمتاع بتلك الطّرف، ويعظم الانتفاع بدرّها عند تجريده عن الصدف، فامتثل ما أمر به مبادرا، وشرع في منهله ليكون، بمعونة الله، عن توفية الغرض منه صادرا، ونقلت معاني كلام الشيخ أبي عبد الله بألفاظ موفية للمقاصد التي قصدها، موضّحة للمناحي التي اعتمدها، وربما أوردت لفظه على وضعه فلم أخلّ بأصله ولا فرعه، وأوردت جميع ما قيده من الحكايات والأخبار، ولم أتعرض لبحث عن حقيقة ذلك ولا اختبار، على أنه سلك في إسناد صحاحها أقوم المسالك، وخرج عن عهدة سائرها بما يشعر من الألفاظ بذلك، وقيّدت المشكل من أسماء المواضع والرجال بالشكل والنقط، ليكون أبلغ في التصحيح والضبط، وشرحت ما أمكنني شرحه من الأسماء الأعجمية لانها تلتبس بعجمتها على الناس، ويخطئ في فك معماها معهود القياس، وأنا أرجو أن يقع ما قصدته من المقام

(قال ابن بطوطة)

العلي أيده الله بمحلّ القبول، وأبلغ من الإغضاء عن تقصير المأمول، فعوائدهم في السماح جميلة، ومكارمهم بالصفح عن الهفوات كفيلة، والله تعالى يديم لهم عادة النصر والتمكين ويعرفهم عوارف التأييد والفتح المبين بمنه وحوله. (قال ابن بطوطة) قال الشيخ أبو عبد الله: كان خروجي «9» من طنجة مسقط رأسي في يوم الخميس الثاني من شهر الله رجب الفرد عام خمسة وعشرين وسبعمائة معتمدا حج بيت الحرام، وزيارة قبر الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام منفردا عن رفيق انس بصحبته، وركب أكون في جملته «10» ، لباعث من النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة كامن في الحيازيم، فجزمت أمري ولم ابن على السكون، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكون «11» ، وكان والديّ بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصبا، ولقيت كما لقيا نصبا، وسنّى يومئذ اثنتان وعشرون سنة. قال ابن جزي أخبرني أبو عبد الله بمدينة غرناطة أن مولده بطنجة في يوم الاثنين السابع عشر من رجب الفرد سنة ثلاث وسبعمائة «12» . رجع، وكان ارتحالي في أيام أمير المؤمنين، وناصر الدين، المجاهد في سبيل رب العالمين الذي رويت أخبار جوده موصولة الأسناد بالإسناد، وشهرت اثار كرمه شهرة واضحة الإشهاد وتحلّت الأيام، بحلا فضله، ورتع الانام، في ظل رفقه وعدله، الإمام المقدس

فلس ضرب في طنجة في عهد الولاة الأمويين عن أرشيف بنك- المغرب

لوحة لطنجة عام 1590 منظر لطنجة عام 1702

منظر لطنجة عام 1826

أبو سعيد «13» ابن مولانا أمير المؤمنين، وناصر الدين، الذي فل حدّ الشرك صدق عزائمه، وأطفأت نار الكفر جداول صوارمه، وفتكت بعبّاد الصليب كتايبه، وكرمت في إخلاص الجهاد مذاهبه، الإمام المقدس أبو يوسف بن عبد الحق «14» جدد الله عليهم رضوانه، وسقى ضرايحهم المقدسة من صوب الحيا سحّه وتهتانه، وجزاهم أفضل الجزاء عن الاسلام والمسلمين، وأبقى الملك في عقبهم إلى يوم الدين، فوصلت مدينة تلمسان «15» وسلطانها يومئذ أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان ابن يغمراسن ابن زيان «16» ، ووافقت بها رسولى ملك افريقية السلطان أبي يحيى رحمه الله «17» ، وهما قاضي الأنكحة بمدينة تونس أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن علي بن ابراهيم النفزاوي والشيخ الصالح أبو عبد الله

محمد بن الحسين بن عبد الله القرشي الزّبيدي «18» ، بضم الزاي، نسبة إلى قرية بساحل المهدية، وهو أحد الفضلاء، وفاته عام أربعين. وفي يوم وصولي إلى تلمسان خرج عنها الرسولان المذكوران فأشار علي بعض الاخوان بمرافقتهما فاستخرت «19» الله عز وجل في ذلك، وأقمت بتلمسان ثلاثا في قضاء مآربي، وخرجت أجدّ السير في آثارهما فوصلت مدينة مليانة «20» وأدركتهما بها وذلك في إبان القيظ فلحق الفقيهين مرض أقمنا بسببه عشرا، ثم ارتحلنا وقد اشتد المرض بالقاضي منهما فأقمنا ببعض المياه على مسافة أربعة أميال من مليانة ثلاثا، وقضى القاضي نحبه ضحى اليوم الرابع، فعاد إبنه أبو الطيب «21» ورفيقه أبو عبد الله الزّبيدي إلى مليانة فقبروه

دينار مريني يرجع لعهد السلطان أبي سعيد عثمان بن يعقوب الذي ودّع في أيامه ابن بطوطة طنجة مع شكرنا لوالي بنك المغرب نقش على وجهه بسم الله الرحمن الرحيم صلّى الله عليه محمد وآله الحمد لله وحده لا إله إلا الله محمد رسول الله وإلهكم إله واحد/ لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. نقش على ظهره ضرب بمدينة سجلماسة أمنها الله عن أمر عبد الله أبي سعيد عثمان أمير المسلمين أيده الله ونصره وإلهكم اله واحد/ لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.

تلمسان ... منارة المنصورة بعض الأطلال لأسوار مدينة المنصورة (من تأسيس بني مرين)

بها وتركتهم هنالك وارتحلت مع رفقة من تجار تونس منهم الحاج مسعود بن المنتصر والحاج العدولي ومحمد بن الحجر فوصلنا مدينة الجزائر «22» وأقمنا بخارجها أياما إلى أن قدم الشيخ أبو عبد الله وابن القاضي فتوجّهنا جميعا على متّيجة «23» إلى جبل الزّان، ثم وصلنا إلى مدينة بجاية «24» فنزل الشيخ أبو عبد الله بدار قاضيها أبي عبد الله الزواوي ونزل أبو الطيب ابن القاضي بدار الفقيه أبي عبد الله المفسر. وكان أمير بجاية إذ ذاك أبا عبد الله محمد بن سيّد الناس الحاجب «25» ، وكان قد توفي من تجار تونس الذين صحبتهم من مليانة محمد بن الحجر الذي تقدم ذكره وترك ثلاثة آلاف دينار من الذهب «26» ، وأوصى بها لرجل من أهل الجزائر يعرف بابن حديدة ليوصلها إلى ورثته بتونس فانتهى خبره لابن سيّد الناس المذكور فانتزعها من يده، وهذا أول ما شاهدته من ظلم عمال الموحدين وولاتهم! ولما وصلنا إلى بجاية كما ذكرته أصابتني الحمّى فأشار عليّ أبو عبد الله الزّبيدي بالاقامة فيها حتى يتمكن البرء مني، فأبيت، وقلت: إن قضى الله عز وجل بالموت فتكون وفاتي بالطريق، وأنا قاصد أرض الحجاز. فقال لي: أمّا إن عزمت فبع دابتك وثقل المتاع وأنا أعيرك دابة، وخباء وتصحبنا خفيفا فإننا نجدّ السير خوف معرة العرب في الطريق! ففعلت هذا وأعارني ما وعد به، جزاه الله خيرا، وكان ذلك أول ما ظهر لي من الألطاف الالاهية، في تلك الوجهة الحجازية.

ميناء مدينة الجزائر عام 1683

منظر لبجاية عام 1509 م عند ما هاجمها الاسبان

وسرنا إلى أن وصلنا إلى مدينة قسنطينة «27» فنزلنا خارجها وأصابنا مطر جود إضطرنا إلى الخروج عن الأخبية ليلا إلى دور هنالك، فلما كان من الغد تلقانا حاكم المدينة وهو من الشرفاء «28» الفضلاء يسمى بأبي الحسن «29» فنظر إلى ثيابي وقد لوّثها المطر فأمر بغسلها في داره وكان الإحرام «30» منها خلقا فبعث مكانه إحراما" بعلبكيا" وصرّ في أحد طرفيه دينارين من الذهب، فكان ذلك أول ما فتح به علي في وجهتي. ورحلنا إلى أن وصلنا مدينة بونة «31» ونزلنا بداخلها وأقمنا بها أياما ثم تركنا بها من كان في صحبتنا من التجار لأجل الخوف في الطريق «32» ، وتجردنا للسير وواصلنا الجد وأصابتني الحمى فكنت أشد نفسي بعمامة فوق السرج خوف السقوط بسبب الضعف ولا يمكنني النزول من الخوف إلى أن وصلنا مدينة تونس فبرز أهلها للقاء الشيخ أبي عبد الله الزّبيدي، ولقاء أبي الطيب ابن القاضي ابي عبد الله النفزاوي، فأقبل بعضهم على بعض بالسلام والسؤال، ولم يسلّم علىّ أحد لعدم معرفتي بهم فوجدت من ذلك في النفس ما لم أملك معه سوابق العبرة واشتد بكائي فشعر بحالي بعض الحجاج فأقبل عليّ بالسلام والإيناس. وما زال يؤنسني بحديثه حتى دخلت المدينة ونزلت منها بمدرسة الكتبيين «33» .

ذكر سلطان تونس

قال ابن جزي: أخبرني شيخي قاضي الجماعة أخطب الخطباء أبو البركات محمد بن محمد بن ابراهيم السلمي، هو ابن الحاج البلفيقي «34» أنه جرى له مثل هذه الحكاية، قال: قصدت مدينة بلش «35» من بلاد الأندلس في ليلة عيد برسم رواية الحديث المسلسل بالعيد عن أبي عبد الله بن الكماد وحضرت المصلّى مع الناس فلما فرغت الصلاة والخطبة أقبل الناس بعضهم على بعض بالسلام وأنا في ناحية لا يسلم عليّ أحد فقصد إليّ شيخ من أهل المدينة المذكورة وأقبل عليّ بالسلام والإيناس، وقال: نظرت إليك فرأيتك منتبذا عن الناس لا يسلّم عليك أحد، فعرفت أنك غريب فأحببت إيناسك، جزاه الله خيرا. ذكر سلطان تونس وكان سلطان تونس عند دخولي إليها السلطان أبو يحيى ابن السلطان أبي زكرياء يحيى ابن السلطان أبي اسحاق إبراهيم ابن السلطان أبي زكرياء يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص «36» رحمه الله، وكان بتونس جماعة من أعلام العلماء، منهم قاضي الجماعة بها

منظر لتونس عن المكتبة الوطنية بباريز

مدينة تونس

أبو عبد الله «37» محمد، بن قاضي الجماعة أبي العباس «38» أحمد، بن محمد بن حسن، بن محمد الأنصاري الخزرجي البلنسي الأصل ثم التونسي، هو ابن الغمّاز ومنهم الخطيب أبو إسحاق إبراهيم بن حسين بن علي بن عبد الرفيع الرّبعي، وولى أيضا قضاء الجماعة في خمس دول «39» ، ومنهم الفقيه أبو علي عمر بن علي بن قدّاح الهواري وولى أيضا قضاءها وكان من من أعلام العلماء «40» ، ومن عوائده أنه يستند كل يوم جمعة بعد صلاتها إلى بعض أساطين الجامع الأعظم المعروف بجامع الزيتونة4» ويستفتيه الناس في المسائل، فلما أفتى في أربعين مسألة انصرف عن مجلسه ذلك. وأظلني بتونس عيد الفطر فحضرت المصلى وقد احتفل الناس لشهود عيدهم وبرزوا

في أجمل هيئة وأكمل إشارة ووافى السلطان أبو يحيى المذكور «42» راكبا وجميع أقاربه وخواصه وخدام مملكته مشاة على أقدامهم في ترتيب عجيب وصليت الصلاة وأنقضت الخطبة وانصرف الناس إلى منازلهم. وبعد مدة تعين ركب للحجاز الشريف، شيخه يعرف بأبي يعقوب السوسي، من أهل إقلي «43» من بلاد إفريقية، وأكثره المصامدة «44» ، فقدموني قاضيا بينهم، وخرجنا من تونس في أواخر شهر ذي القعدة «45» سالكين طريق الساحل، فوصلنا إلى بلدة سوسة وهي صغيرة حسنة مبنية على شاطىء البحر، بينها وبين مدينة تونس أربعون ميلا «46» ، ثم وصلنا إلى مدينة صفاقس «47» وبخارج هذه البلدة قبر الإمام أبي الحسن اللخمي المالكي مؤلف كتاب التبصرة في الفقه «48» .

قال ابن جزي: في بلدة صفاقس يقول عليّ بن حبيب التّنوخى: سقيا لأرض صفاقس ... ذات المصانع والمصلّى فحمى القصير إلى الخليج «49» ... فقصرها السّامي المعلّى بلد يكاد يقول حين ... تزوره: أهلا وسهلا! وكأنه والبحر ... يحسر تارة عنه ويملا صبّ يريد زيارة ... فإذا رأى الرّقباء ولّى!! وفي عكس ذلك يقول الأديب البارع أبو عبد الله محمد بن أبي تميم وكان من المجدّين المكثرين: صفاقس لا صفا عيش لساكنها ... ولا سقى أرضها غيث إذا انسكبا ناهيك من بلدة من حلّ ساحتها ... عانى بها العاديين: الرّوم والعربا «50» !! كم ضلّ في البرّ مسلوبا بضاعته ... وبات في البحر يشكو الأسر والعطبا قد عاين البحر قبحا في جوانبها ... فكلّما همّ أن يدنو لها هربا! رجع، ثم وصلنا إلى مدينة قابس «51» ونزلنا بداخلها وأقمنا بها عشرا لتوالي نزول الأمطار.

قال ابن جزي: في ذكر قابس يقول بعضهم: لهفي على طيب ليال خلت ... بجانب البطحاء من قابس كأن قلبي عند تذكارها ... جذوة نار بيدي قابس! رجع، ثم خرجنا من مدينة قابس قاصدين طرابلس وصبّحنا في بعض المراحل إليها نحو مائة فارس أو يزيدون «52» ، وكان بالركب قوم رماة فهابتهم العرب وتحامت مكانهم وعصمنا الله منهم «53» ، وأظلنا عيد الأضحى «54» في بعض تلك المراحل، وفي الرابع بعده وصلنا إلى مدينة طرابلس «55» ! فأقمنا بها مدة، وكنت عقدت بصفاقس على بنت لبعض أمناء تونس فبنيت عليها بطرابلس «56» ، ثم خرجت من طرابلس أواخر شهر المحرم من عام ستة وعشرين «57» ومعي أهلي وفي صحبتي جماعة من المصامدة، وقد رفعت العلم، وتقدمت عليهم وأقام الركب في طرابلس خوفا من البرد والمطر، وتجاوزنا مسلاتة «58» ومسراتة «59»

طرابلس في القرن الثالث عشر الهجري- التاسع عشر الميلادي

قوس ماركوس أوريليوس حيث كانت «أويا» احدى المدن الثلاث التي تعنيها كلمة طرابلس، لقد كان الرحالة المغربي العبدري أول من تحدث عنه، وبعده وصفه التيجاني، أما المنارة التي تظهر خلف القوس فهي لجامع قرجي الذي شيد في مكان المدرسة المستنصرية فيما يظهر- عن كتاب ليبيا من خلال رحلة الوزير الإسحاقي تأليف د. التازي.

وقصور سرت «60» ، وهنالك أرادت الجمامزة من طوائف العرب «61» الإيقاع بنا ثم صرفتهم القدرة وحالت دون ما راموه من إذايتنا. ثم توسطنا الغابة «62» وتجاوزناها إلى قصر برصيص العابد إلى قبة سلّام «63» ، وأدركنا هنالك الركب الذين تخلفوا بطرابلس. ووقع بيني وبين صهري مشاجرة أوجبت فراق بنته، وتزوجت بنتا لبعض طلبة فاس «64» وبنيت بها بقصر الزعافية «65» ، وأولمت وليمة حبست لها الركب يوما وأطعمتهم ... !

الفصل الثاني مصر

الفصل الثاني مصر مدينة الإسكندرية. من الاسكندرية إلى المحلّة الكبرى شرقا من المحلة الكبرى إلى القاهرة. مدينة القاهرة أعيان القاهرة من القاهرة إلى حدود البحر الأحمر جنوبا ... العدول عن طريق البحر الأحمر والعودة إلى سلوك درب الشام.

خريطة مسالك مصر

ذكر أبوابها ومرساها

ثم وصلنا في أول جمادى الأولى «1» إلى مدينة الاسكندرية، حرسها الله، وهي الثغر المحروس، والقطر المأنوس، العجيبة الشان، الأصيلة البنيان، بها ما شئت من تحسين وتحصين، ومآثر دنيا ودين، كرمت مغانيها، ولطفت معانيها، وجمعت بين الضخامة والإحكام مبانيها، فهي الفريدة تجلّى سناها، والخريدة تجلّى في حلاها، الزاهية بجمالها المغرب، الجامعة لمفترق المحاسن لتوسطها بين المشرق والمغرب، فكلّ بديعة بها اجتلاؤها، وكل طرفة فإليها انتقاؤها، وقد وصفها الناس فأطنبوا، وصنفوا في عجائبها فأغربوا «2» ، وحسب المتشوف إلى ذلك، ما سطره أبو عبيد في كتاب المسالك «3» . ذكر أبوابها ومرساها ولمدينة الاسكندرية أربعة أبواب باب السّدرة وإليه يشرع طريق المغرب، وباب رشيد «4» ، وباب البحر، والباب الأخضر، وليس يفتح الا يوم الجمعة فيخرج الناس منه إلى زيارة القبور ولها المرسى العظيم الشأن، ولم أر في مراسي الدنيا مثله إلا ما كان من مرسى كولم، وقاليقوط ببلاد الهند، ومرسى الكفار بسرداق ببلاد الاتراك، ومرسى الزيتون ببلاد الصين «5» وسيقع ذكرها.

الاسكندرية من أرشيف المكتبة الوطنية بباريز رقم C 131926

ذكر المنار

ذكر المنار قصدت المنار «6» في هذه الوجهة فرأيت أحد جوانبه متهدما، وصفته أنه بناء مربع «7» ذاهب في الهواء وبابه مرتفع على الأرض وإزاء بابه بناء بقدر ارتفاعه ووضعت بينهما ألواح خشب يعبر عليها إلى بابه، فإذا أزيلت لم يكن له سبيل، وداخل الباب موضع لجلوس حارس المنار، وداخل المنار بيوت كثيرة وعرض الممر بداخله تسعة أشبار «8» وعرض الحائط عشرة أشبار وعرض المنار من كل جهة من جهاته الأربع مائة وأربعون شبرا، وهو على تلّ مرتفع، ومسافة ما بينه وبين المدينة فرسخ «9» واحد في بر مستطيل يحيط به البحر من ثلاث جهات إلى أن يتصل البحر بسور البلد فلا يمكن التوصل إلى المنار في البر إلا من المدينة، وفي هذا البر المتصل بالمنار مقبرة الإسكندرية. وقصدت المنار عند عودتي إلى بلاد المغرب عام خمسين وسبعمائة «10» فوجدته قد استولى عليه الخراب بحيث لا يمكن دخوله ولا الصعود إلى بابه، وكان الملك الناصر «11» رحمه الله قد شرع في بناء منار مثله بإزائه عاقه الموت عن إتمامه.

عند ما كان المراكشي يتحدث عام 621 هـ في كتاب (المعجب) عن منارة حسان قال: إنها على هيأة منار الاسكندرية ...

ذكر عمود السواري

ذكر عمود السواري ومن غرائب هذه المدينة عمود الرخام الهائل الذي بخارجها المسمى عندهم بعمود السواري «12» وهو متوسط في غابة نخل وقد امتاز عن شجراتها سموا وارتفاعا وهو قطعة واحدة محكمة النحت قد أقيم على قواعد حجارة مربعة أمثال الدكاكين العظيمة ولا تعرف كيفية وضعه هنالك. ولا يتحقق من وضعه. قال ابن جزي: أخبرني بعض أشياخي الرحالين أن أحد الرماة بالإسكندرية صعد إلى أعلى ذلك العمود ومعه قوسه وكنانته واستقر هنالك وشاع خبره فاجتمع الجمع الغفير لمشاهدته وطال العجب منه وخفى على الناس وجه احتياله واظنه كان خائفا أو طالب حاجة فأنتج له فعله الوصول إلى قصده لغرابة ما أتى به. وكيفية احتياله في صعوده أنه رمى بنشابة قد عقد بفوقها خيطا طويلا وعقد بطرف الخيط حبلا وثيقا. فتجاوزت النشابة أعلى العمود معترضة عليه ووقعت من الجهة الموازية للرامي فصار الخيط معترضا على أعلى العمود فجذبه حتى توسط الحبل أعلى العمود مكان الخيط فأوثقه من إحدى الجهتين في الأرض وتعلق به صاعدا من الجهة الأخرى واستقر بأعلاه وجذب الحبل واستصحب من احتمله فلم يهتد الناس لحيلته وعجبوا من شأنه. رجع. وكان أمير الاسكندرية في عهد وصولي إليها يسمى بصلاح الدين «13» ، وكان فيها أيضا في ذلك العهد سلطان إفريقية المخلوع وهو زكرياء أبو يحيى بن أحمد بن أبي حفص المعروف باللّحياني «14» ، وأمر الملك الناصر بإنزاله بدار السلطنة من الإسكندرية، وأجرى له مائة درهم في كل يوم، وكان معه أولاده: عبد الواحد ومصري واسكندري وحاجبه أبو زكرياء بن يعقوب ووزيره أبو عبد الله ابن ياسين، وبالاسكندرية توفي اللحياني المذكور وولده الاسكندري وبقي مصري بها إلى اليوم.

عمود السوارى- كوم الشقافة

ذكر بعض علماء الإسكندرية

قال ابن جزي: من الغريب ما اتفق من صدق الزّجر في اسمى ولدى اللحياني الإسكندري ومصري فمات الإسكندرى بها وعاش مصري دهرا طويلا بها، وهي من بلاد مصر. رجع. وتحوّل عبد الواحد ببلاد الاندلس والمغرب وافريقية، وتوفي هنالك بجزيرة جربة ذكر بعض علماء الإسكندرية فمنهم قاضيها عماد الدين الكندي إمام أيمة علم اللّسان، وكان يعتم بعمامة خرقت المعتاد للعمائم لم أر في مشارق الأرض ومغاربها عمامة أعظم منها! رأيته يوما قاعدا في صدر محراب وقد كادت عمامته أن تملأ المحراب! ومنهم فخر الدين بن الرّيغي «15» وهو أيضا من القضاة بالإسكندرية فاضل من أهل العلم. حكاية [الفأل الحسن] يذكر أن جد القاضي فخر الدين الريغي كان من أهل ريغة واشتغل بطلب العلم، ثم رحل إلى الحجاز فوصل الاسكندرية بالعشي، وهو قليل ذات اليد، فأحب أن لا يدخلها حتى يسمع فألا حسنا، فقعد قريبا من بابها إلى أن دخل جميع الناس، وجاء وقت سد الباب ولم يبق هنالك سواه فاغتاظ الموكّل بالباب من إبطائه، وقال له متهكما: أدخل يا قاضي فقال: قاض إن شاء الله! ودخل إلى بعض المدارس ولازم القراءة وسلك طريق الفضلاء، فعظم صيته وشهر اسمه وعرف بالزهد والورع، واتصلت أخباره بملك مصر واتفق أن توفي قاضي الاسكندرية وبها إذ ذاك الجم الغفير من الفقهاء والعلماء وكلهم متشوف إلى الولاية، وهو من بينهم لا يتشوف لذلك، فبعث إليه السلطان بالتقليد وهو ظهير القضاء وأتاه البريد بذلك فأمر خديمه أن ينادي في الناس: من كانت له خصومة فليحضر لها. وقعد للفصل بين الناس، فاجتمع الفقهاء وسواهم إلى رجل منهم كانوا يظنون أن القضاء لا يتعداه، وتفاوضوا في مراجعة السلطان في أمره ومخاطبته بأن الناس لا يرتضونه! وحضر لذلك أحد الحذاق من المنجمين فقال لهم: لا تفعلوا ذلك فإني عدلت طالع ولايته وحققته فظهر لي أنه يحكم

ذكر كرامة له

أربعين سنة، فأضربوا عما همّوا به من المراجعة في شأنه. وكان أمره على ما ظهر للمنجم، وعرف في ولايته بالعدل والنزاهة. ومنهم وجيه الدين الصنهاجي من قضاتها مشتهر بالعلم والفضل. ومنهم شمس الدين ابن بنت التنّيسي فاضل شهير الذكر، ومن الصالحين بها الشيخ أبو عبد الله الفاسي من كبار أولياء الله تعالى، يذكر أنه كان يسمع رد السلام عليه إذا سلم من صلاته، ومنهم الامام العالم الزاهد الخاشع الورع خليفة «16» صاحب المكاشفات. ذكر كرامة له أخبرني بعض الثقات من أصحابه، قال: رأي الشيخ خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال له يا خليفة زرنا. فرحل إلى المدينة الشريفة وأتى المسجد الكريم فدخل من باب السلام وحيّى المسجد وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقعد مستندا إلى بعض سواري المسجد ووضع رأسه على ركبتيه، وذلك يسمى عند المتصوفة التزييق «17» ، فلما رفع رأسه وجد أربعة أرغفة وآنية فيها لبن وطبقا فيه تمر فأكل هو وأصحابه وانصرف عائدا إلى الاسكندرية ولم يحج تلك السنة. ومنهم الامام العالم الزاهد الورع الخاشع برهان الدين الأعرج من كبار الزهاد، وأفراد العبّاد، لقيته أيام مقامي بالإسكندرية وأقمت في ضيافته ثلاثا. ذكر كرامة له دخلت عليه يوما فقال لي: أراك تحب السياحة والجولان في البلاد، فقلت له: نعم إني أحب ذلك، ولم يكن حينئذ خطر بخاطري التوغل في البلاد القاصية من الهند والصين، فقال: لا بد لك إن شاء الله من زيارة أخي فريد الدين بالهند وأخي ركن الدين زكرياء بالسند وأخي برهان الدين بالصين! فإذا بلغتهم فأبلغهم مني السلام. فعجبت من قوله، وألقي في روعي التوجه إلى تلك البلاد، ولم أزل أجول حتى لقيت الثلاثة الذين ذكرهم وأبلغتهم سلامه. ولما

كرامة لأبي الحسن الشاذلي

ودعته زوّدني دراهم لم تزل عندي محوطة ولم احتج بعد إلى إنفاقها إلى أن سلبها مني كفار الهنود فيما سلبوه لي في البحر. ومنهم الشيخ ياقوت الحبشي «18» من أفراد الرجال، وهو تلميذ أبي العباس المرسي «19» ، وأبو العباس المرسي تلميذ ولي الله تعالى أبي الحسن الشاذلي الشهير ذي الكرامات الجليلة والمقامات العالية «20» . كرامة لأبي الحسن الشاذلي أخبرني الشيخ ياقوت عن شيخه أبي العباس المرسي أن أبا الحسن كان يحج كل سنة ويجعل طريقه على صعيد مصر، ويجاور بمكة شهر رجب وما بعده إلى انقضاء الحج، ويزور القبر الشريف ويعود على الدرب الكبير إلى بلده، فلما كان في بعض السنين وهي آخر سنة خرج فيها، قال لخديمه: استصحب فأسا وقفة وحنوطا وما يجهز به الميت، فقال له الخديم: ولماذا يا سيدي؟ فقال له: في (حميثرا) سوف ترى، وحميثرا بصعيد مصر في صحراء عيذاب «21» . وبها عين ماء زعاق، وهي كثيرة الضباع، فلما بلغا حميثرا اغتسل الشيخ أبو الحسن وصلى ركعتين وقبضه الله عز وجل في آخر سجدة من صلاته ودفن هناك،

الاسكندرية- جامع أبي العباس المرسي

ذكر حزب البحر المنسوب إليه

قبره وعليه قبرية مكتوب فيها اسمه ونسبه متصلا إلى الحسن بن علي رضي الله عنه. ذكر حزب البحر المنسوب إليه كان يسافر في كل سنة كما ذكرناه على صعيد مصر وبحر جدة «22» فكان إذا ركب السفينة يقرأه كل يوم، وتلامذته إلى الآن يقرءونه في كل يوم «23» ، وهو هذا:" يا الله، يا عليّ يا عظيم، يا حليم، يا عليم، أنت ربي وعلمك حسبي، فنعم الرب ربي، ونعم الحسب حسبي تنصر من تشاء وأنت العزيز الرحيم، نسألك العصمة في الحركات والسكنات والكلمات والإرادات والخطرات من الشكوك والظنون والأوهام السّاترة للقلوب، عن مطالعة الغيوب، فقد ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا، وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا، فثبتنا وانصرنا وسخّر لنا هذا البحر كما سخرت البحر لموسى عليه السلام وسخّرت النار لابراهيم عليه السلام وسخرت الجبال والحديد لداوود عليه السلام وسخرت الريح والشياطين والجن لسليمان عليه السلام، وسخر لنا كل بحر هو لك في الأرض والسماء، والملك والملكوت وبحر الدنيا وبحر الآخرة، وسخر لنا كل شيء يا من بيده ملكوت كل شيء، كهيعص «24» انصرنا فإنك خير الناصرين، وافتح لنا فأنت خير الفاتحين، واغفر لنا فإنك خير الغافرين، وارحمنا فإنك خير الراحمين وارزقنا فإنك خير الرازقين واهدنا ونجّنا من القوم الظالمين، وهب لنا ريحا طيبة كما هي في علمك، وانشرها علينا من خزائن رحمتك، واحملنا بها حمل الكرامة مع السلامة والعافية في الدّين والدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير، اللهم يسّر لنا أمورنا مع الراحة لقلوبنا وأبداننا والسلامة والعافية في ديننا ودنيانا وكن لنا صاحبا في سفرنا، وخليفة في أهلنا وأطمس على وجوه

حكاية

والعافية في ديننا ودنيانا وكن لنا صاحبا في سفرنا، وخليفة في أهلنا وأطمس على وجوه أعدائنا وامسخهم على مكانتهم فلا يستطيعون المضيّ ولا المجيء الينا، ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنّى يبصرون، ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون «25» يس شاهت الوجوه، وعنت الوجوه للحي القيوم، وقد خاب من حمل ظلما «26» ، طسّ «27» ، حم عسق «28» ، مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان «29» ، حم حم حم حم حم حم حم «30» ، حمّ الأمر وجاء النصر، فعلينا لا ينصرون، حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل الثوب شديد العقاب ذي الطول، لا إله إلّا هو، إليه المصير «31» ، بسم الله بابنا تبارك حيطاننا، يسّ سقفنا، كهيعص كفايتنا، حم عسق حمايتنا، فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم، «32» ستر العرش مسبول علينا، وعين الله ناظرة" إلينا، بحول الله لا يقدر علينا، والله من ورائهم محيط، بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ «33» ، الله خير حفظا وهو أرحم الرّاحمين، إن وليّى الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين، حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء" في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم. له معقّبات" من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله «34» ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. حكاية وممّا جرى بمدينة الاسكندرية سنة سبع وعشرين- وبلغنا خبر ذلك بمكة شرفها

بالكركي «35» فذهب إلى حماية الروم، وأمر بالمسلمين فحضروا بين فصيلي باب المدينة، وأغلق دونهم الأبواب نكالا لهم فأنكر الناس ذلك وأعظموه وكسروا الباب وثاروا إلى منزل الوالي فتحصّن منهم وقاتلهم من أعلاه، وطيّر الحمام «36» بالخبر إلى الملك الناصر فبعث أميرا يعرف بالجمالي «37» ثم أتبعه أميرا يعرف بطوغان، جبار قاسي القلب متهم في دينه، يقال: إنه كان يعبد الشمس، فدخلا إسكندرية وقبضا على كبار أهلها وأعيان التجار بها كأولاد الكوبك وسواهم وأخذا منهم الأموال الطائلة وجعلت في عنق القاضي عماد الدين الكندي جامعة حديد، ثم أن الأميرين قتلا من أهل المدينة ستة وثلاثين رجلا وجعلوا كل رجل قطعتين وصلّبوهم صفين وذلك في يوم جمعة. وخرج الناس على عادتهم بعد الصلاة لزيارة القبور وشاهدوا مصارع القوم فعظمت حسرتهم وتضاعفت أحزانهم وكان في جملة أولئك المصلوبين تاجر كبير القدر يعرف بابن رواحة وكان له قاعة معدة للسلاح فمتى كان خوف أو قتال جهز منها الماية والمايتين من الرجال بما يكفيهم من الاسلحة.

وبالمدينة قاعات على هذه الصورة لكثير من أهلها، فزلّ لسانه وقال للأميرين أنا أضمن هذه المدينة وكلما يحدث فيها أطالب به، وأحوط على السلطان مرتّبات العساكر والرجال. فأنكر الاميران قوله، وقالا: إنما تريد الثورة على السلطان! وقتلاه ... وانما كان قصده رحمه الله إظهار النصح والخدمة للسلطان، فكان فيه حتفه. وكنت سمعت أيام كوني بالإسكندرية بالشيخ الصالح العابد المنقطع المنفق من الكون أبي عبد الله المرشدي «38» وهو من كبار الأولياء المكاشفين أنه منقطع بمنية ابن مرشد، له هنالك زاوية هو منفرد فيها لا خديم له ولا صاحب ويقصده الأمراء والوزراء وتأتيه الوفود من طوائف الناس في كل يوم فيطعمهم الطعام، وكل واحد منهم ينوي أن يأكل عنده طعاما أو فاكهة أو حلواء فيأتي لكل واحد بما نواه! وربما كان ذلك في غير إبانه، ويأتيه الفقهاء لطلب الخطط فيولي ويعزل، وذلك كله من أمره مستفيض متواتر، وقد قصده الملك الناصر مرات بموضعه، فخرجت من مدينة الاسكندرية قاصدا هذا الشيخ نفعنا الله به. ووصلت قرية تروجة «39» وضبطها بفتح التاء المعلوة والراء وواو وجيم مفتوح. وهي على مسيرة نصف يوم من مدينة الإسكندرية، قرية كبيرة بها قاض ووال وناظر، ولأهلها مكارم أخلاق ومروءة، صحبت قاضيها صفي الدين وخطيبها فخر الدين وفاضلا من أهلها يسمى بمبارك وينعت بزين الدين، ونزلت بها على رجل من العبّاد الفضلاء كبير القدر يسمى عبد الوهاب، وأضافني ناظرها زين الدين ابن الواعظ، وسألني عن بلدي وعن مجباه فأخبرته أن مجباه نحو اثني عشر ألفا من دينار الذهب، فعجب، وقال لي: رأيت هذه القرية؟ فإن مجباها اثنان وسبعون الف دينار ذهبا. وإنما عظمت مجابي ديار مصر لأن جميع أملاكها لبيت المال. ثم «40» خرجت من هذه القرية فوصلت مدينة دمنهور «41» وهي مدينة

كبيرة جبايتها كثيرة، ومحاسنها أثيرة، أمّ مدن البحيرة «42» بأسرها، وقطبها الذي عليه مدار أمرها، وضبطها بدال مهملة وميم مفتوحين ونون ساكنة وهاء مضمومة وواو وراء، وكان قاضيها في ذلك العهد فخر الدين بن مسكين «43» من فقهاء الشافعية وتولى قضاء الاسكندرية لما عزل عنها عماد الدين الكندي بسبب الوقعة التي قصصناها، وأخبرني الثقة أن ابن مسكين أعطى خمسة وعشرين الف درهم، وصرفها من دنانير الذهب ألف دينار «44» ، على ولاية القضاء بالاسكندرية. ثم رحلنا إلى مدينة فوّا «45» وهذه المدينة عجيبة المنظر، حسنة المخبر، بها البساتين الكثيرة، والفوائد الخطيرة الأثيرة، وضبطها بالفاء والواو المفتوحين مع تشديد الواو، وبها قبر الشيخ الولي أبي النجاة الشهير الاسم، خبير تلك البلاد، وزاوية الشيخ أبي عبد الله المرشدي الذي قصدته بمقربة من المدينة يفصل بينهما خليج هنالك، فلما وصلت المدينة تعديتها ووصلت إلى زاوية الشيخ المذكور قبل صلاة العصر وسلّمت عليه ووجدت عنده الأمير سيف الدين يلملك «46» وهو من كبار الأمراء الخاصّكية. «47» وأول اسمه (يا) آخر الحروف، ولامه الأولى مسكنة والثانية مفتوحة مثل الميم، والعامة تقول فيه: الملك فيخطئون، ونزل هذا الأمير بعسكره خارج الزاوية، ولما دخلت على الشيخ رحمه الله قام إلى وعانقني، وأحضر طعاما فواكلني، وكانت عليه جبة صوف خضراء وعمامة صوف سوداء، فلما حضرت صلاة العصر قدمني للصلاة إماما وكذلك لكل من حضرني

كرامة لهذا الشيخ

عنده، حين إقامتي معه من الصلاة. ولما أردت النوم قال لي: اصعد إلى سطح الزاوية فنم هنالك وذلك أوان القيظ، فقلت للأمير: بسم الله، فقال لي (وما منا إلا له مقام معلوم) «48» فصعدت السطح فوجدت به حصيرا ونطعا وآنية للوضوء وجرة ماء وقدحا للشرب. فنمت هنالك. كرامة لهذا الشيخ رأيت ليلتي تلك، وأنا نائم بسطح الزاوية كأني على جناح طائر عظيم يطير بي في سمت القبلة، ثم يتيامن ثم يشرق ثم يذهب في ناحية الجنوب ثم يبعد الطيران في ناحية الشرق وينزل في أرض مظلمة خضراء ويتركني بها فعجبت من هذه الرؤيا، وقلت في نفسي: إن كاشفني الشيخ برؤياي فهو كما يحكى عنه! فلما غدوت لصلاة الصبح قدمني إماما لها، ثم أتاه الأمير يلملك فوادعه وانصرف. وودعه من كان هناك من الزوار وانصرفوا أجمعين من بعد أن زودهم كعيكات صغارا. ثم صلى سبحة الضحى، ودعاني وكاشفني برؤياي، فقصصتها عليه فقال سوف تحج وتزور النبي صلى الله عليه وسلم وتجول في بلاد اليمن والعراق وبلاد الترك وبلاد الهند وتبقى بها مدة طويلة وستلقى بها أخي دلشاد الهندي، ويخلّصك من شدة تقع فيها، ثم زوّدني كعيكات ودراهم ووادعته وانصرفت، ومنذ فارقته لم ألق في أسفاري إلا خيرا وظهرت علي بركاته، ثم لم ألق فيمن لقيته مثله الا الولي سيدي محمد الموله، بأرض الهند. ثم رحلنا إلى المدينة النّحرارية «49» وهي رحبة الفناء، حديثة البناء، أسواقها حسنة الرواء، وضبطها بفتح النون وحاء مهمل مسكن وراءين، وأميرها كبير القدر يعرف بالسّعدي وولده في خدمة ملك الهند وسنذكره، وقاضيها صدر الدين سليمان المالكي

من كبار المالكية «50» سفر عن الملك الناصر إلى العراق، «51» وولى قضاء البلاد الغربية وله هيئة وصورة حسنة وخطيبها شرف الدين السخاوي من الصالحين. ورحلت إلى مدينة أبيار «52» وهي قديمة البناء، أرجة الأرجاء، كثيرة المساجد، ذات حسن زائد، وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان الباء الموحدة وياء آخر الحروف وألف وراء، وهي بمقربة من النّحرارية يفصل بينهما النيل وتصنع بأبيار ثياب حسان تغلو قيمتها بالشام والعراق ومصر وغيرها، ومن الغريب قرب النحرارية منها والثياب التي تصنع بها غير معتبرة ولا مستحسنة عند أهلها. ولقيت بأبيار قاضيها عز الدين المليحي الشافعي وهو كريم الشمايل كبير القدر، حضرت عنده مرة يوم الركبة وهم يسمعون بذلك يوم ارتقاب هلال رمضان. وعادتهم فيه ان يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان «53» بدار القاضي ويقف على الباب نقيب المتعمّمين، وهو ذو شارة وهيئة حسنة، فإذا أتى أحد الفقهاء أو الوجوه تلقاه ذلك النقيب ومشى بين يديه قائلا: بسم الله. سيدنا فلان الدين! فيسمعه القاضي ومن معه فيقومون له ويجلسه النقيب في موضع يليق به، فإذا تكاملوا هنالك ركب

القاضي وركب من معه أجمعين وتبعهم جميع من بالمدينة من الرجال والنساء والعبيد والصبيان وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة، وهو مرتقب الهلال عندهم، وقد فرش ذلك الموضع بالبسط والفرش فينزل فيه القاضي ومن معه فيرتقبون الهلال ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب، وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس، ويوقد أهل الحوانيت بحوانيتهم الشمع، ويصل الناس مع القاضي إلى داره ثم ينصرفون، هكذا فعلهم كل سنة. ثم توجهت إلى مدينة المحلة الكبيرة «54» وهي جليلة المقدار، حسنة الآثار كثير أهلها، جامع بالمحاسن شملها، واسمها بيّن، وبهذه المدينة قاضي القضاة، ووالي الولاة، وكان قاضي قضاتها أيام وصولي إليها في فراش المرض ببستان له على مسافة فرسخين من البلد وهو عز الدين. بن خطيب الاشمونين «55» ، فقصدت زيارته صحبة نائبه الفقيه أبي القاسم ابن بنون المالكي التونسي، وشرف الدين الدميري قاضي محلة منوف «56» وأقمنا عنده يوما. وسمعت منه، وقد جرى ذكر الصالحين، أن على مسيرة يوم من المحلة الكبيرة بلاد البرلس 5» ونسترو «58» ، وهي بلاد الصالحين وبها قبر الشيخ مرزوق صاحب المكاشفات، فقصدت تلك البلاد ونزلت بزاوية الشيخ المذكور، وتلك البلاد كثيرة النخل والثمار والطير البحري، والحوت المعروف بالبوري، «59» ومدينتهم تسمى ملطين «60» وهي على ساحل البحيرة

المجتمعة من ماء النيل وماء البحر المعروفة ببحيرة تنّيس «61» ونسترو بمقربة منها، نزلت هنالك بزاوية الشيخ شمس الدين الفلوي من الصالحين، وكانت تنّيس «62» بلدا عظيما شهيرا وهي الآن خراب. قال ابن جزى: تنّيس بكسر التاء المثناة والنون المشددة وياء وسين مهمل، وإليها ينسب الشاعر المجيد أبو الفتح بن وكيع وهو القائل في خليجها. قم فاسقني، والخليج مضطرب ... والريح تثني ذوائب القصب كأنها والرياح تعطفها ... صبّ قنا. سندسية العذب والجوّ في حلّة ممسّكة ... قد طرزتها البروق بالذّهب ونسترو، بفتح النون وأسكان السين وراء مفتوحة وواو مسكن، والبرلّس بباء موحدة وراء وآخره سين مهمل، وقيده بعضهم بضم حروفه الأول الثلاث وتشديد اللام، وقيده أبو بكر بن نقطة بفتح الاولين، وهو على البحر. ومن غريب ما اتّفق به ما حكاه أبو عبد الله الرّازي عن أبيه أن قاضي البرلّس، كان رجلا صالحا، خرج ليلة إلى النيل فاسبغ الوضوء وصلى ما شاء الله أن يصلي فسمع قائلا يقول: لولا رجال لهم سرد يصومونا ... وآخرون لهم ورد يقومونا لزلزلت أرضكم من تحتكم سحرا ... لأنكم قوم سوء لا تبالونا! قال: فتجوزت في صلاتي وأدرت طرفي فما رأيت أحدا ولا سمعت حسا فعلمت أن ذلك زاجر من الله تعالى.

رجع، ثم سفرت في أرض رملة إلى مدينة دمياط «63» وهي مدينة فسيحة الأقطار متنوعة الثمار، عجيبة الترتيب، آخذة من كل حسن بنصيب، والناس يضبطون اسمها بإعجام الذال، وكذلك ضبطه الإمام أبو محمد عبد الله بن علي الرشاطي، وكان شرف الدين الامام العلامة أبو محمد عبد المومن ابن خلف الدمياطي «64» امام المحدثين يضبطها بإهمال الدال، ويتبع ذلك بأن يقول: خلافا للرشاطي وغيره، وهو أعرف بضبط اسم بلده. ومدينة دمياط على شاطىء النّيل وأهل الدور الموالية له يستقون منه الماء بالدلاء، وكثير من دورها بها دركات ينزل فيها إلى النيل وشجر الموز بها كثير يحمل ثمره إلى مصر في المراكب، وغنمها سائمة هملا بالليل والنهار، ولهذا يقال في دمياط: سورها حلوى، وكلابها غنم! وإذا دخلها أحد لم يكن له سبيل إلى الخروج عنها إلا بطابع الوالي، فمن كان من الناس معتبرا طبع له في قطعة كاغد يستظهر به لحراس بابها، وغيرهم يطبع على ذراعه فيستظهر به! والطير البحري بهذه المدينة كثير متناهي السمن. وبها الألبان الجاموسية التي لا مثل لها في عذوبة الطعم وطيب المذاق، وبها الحوت البوري يحمل منها إلى الشام وبلاد الروم ومصر، وبخارجها جزيرة بين البحر والنيل تسمى البرزخ «65» ، بها مسجد وزاوية لقيت بها شيخها المعروف بابن قفل وحضرت عنده ليلة جمعة ومعه جماعة من الفقراء الفضلاء المتعبدين الأخيار قطعوا ليلتهم صلاة وقراءة وذكرا. ودمياط هذه حديثة البناء والمدينة القديمة هي التي خرّبها الافرنج «66» على عهد الملك

[لحية الشيخ جمال الدين]

الصالح، وبها زاوية الشيخ جمال الدين السّاوي «67» قدوة الطائفة المعروفة بالقرندرية «68» وهم الذين يحلقون لحاهم وحواجبهم، ويسكن الزاوية في هذا العهد الشيخ فتح التكروري. [لحية الشيخ جمال الدين] حكاية، يذكر أن السبب الداعي للشيخ جمال الدين الساوي إلى حلق لحيته وحاجبيه أنه كان جميل الصورة حسن الوجه فعلقت به امرأة من أهل ساوة وكانت تراسله وتعارضه في الطرق وتدعوه لنفسها وهو يمتنع ويتهاون، فلما أعياها أمره دست له عجوزا تصدت له إزاء دار على طريقه إلى المسجد وبيدها كتاب مختوم، فلما مر بها قالت له يا سيدي: أتحسن القراءة؟ قال نعم، قالت له: هذا الكتاب وجهه اليّ ولدي وأحب أن تقرأه علي، فقال لها: نعم، فلما فتح الكتاب قالت له: يا سيدي إن لولدي زوجة وهي باسطوان الدار، فلو تفضلت بقراءته بين بابي الدار بحيث تسمعها: فأجابها لذلك، فلما توسط بين البابين غلقت العجوز الباب «69» وخرجت المرأة وجواريها فتعلقن به وأدخلنه إلى داخل الدار. وراودته المرأة عن نفسه، فلما رأى أن لا خلاص له، قال لها: إني حيث تريدين فأريني بيت الخلاء، فأرته إياه فأدخل معه الماء وكانت عنده موسى حديدة فحلق لحيته وحاجبيه وخرج عليها فاستقبحت هيئته واستنكرت فعله! وأمرت بإخراجه، وعصمه الله بذلك فبقى على هيئته فيما بعد وصار كلّ من يسلك طريقته يحلق رأسه ولحيته وحاجبيه. كرامة لهذا الشيخ يذكر أنه لما قصد مدينة دمياط لزم مقبرتها وكان بها قاض يعرف بابن العميد فخرج يوما إلى جنازة بعض الأعيان فرأى الشيخ جمال الدين بالمقبرة فقال له أنت الشيخ المبتدع؟ فقال له: وأنت القاضي الجاهل تمرّ بدابتك بين القبور وتعلم أن حرمة الانسان ميتا كحرمته حيا! فقال له القاضي: وأعظم من ذلك حلقك للحيتك!! فقال له: إياي تعني؟ وزعق الشيخ ثم رفع رأسه فإذا هو ذو لحية سوداء عظيمة، فعجب القاضي ومن معه ونزل

إليه عن بغلته ثم زعق ثانية فإذا هو ذو لحية بيضاء حسنة ثم زعق ثالثة ورفع رأسه فإذا هو بلا لحية كهيئته الأولى، فقبل القاضي يده وتلمذ له وبنى له زاوية حسنة، وصحبه أيام حياته، ثم مات الشيخ فدفن بباب الزاوية حتى يكون كل داخل إلى زيارة الشيخ يطأ قبره! وبخارج دمياط المزار المعروف بشطا «70» بفتح الشين المعجمة والطاء المهملة، وهو ظاهر البركة يقصده أهل الديار المصرية، وله أيام في السنة معلومة لذلك، وبخارجها أيضا بين بساتينها موضع يعرف بالمنية «71» فيه شيخ من الفضلاء يعرف بابن النعمان قصدت زاويته وبت عنده. وكان بدمياط أيام إقامتي بها وال يعرف بالمحسني «72» من ذوي الإحسان والفضل، بني مدرسة على شاطىء النيل بها كان نزولي في تلك الأيام وتأكدت بيني وبينه مودة. ثم سافرت إلى مدينة فار سكور «73» وهي مدينة على ساحل النيل، والكاف الذي في اسمها مضموم، ونزلت بخارجها ولحقني هنالك فارس وجّهه إلى الأمير المحسني، فقال لي إن الأمير سأل عنك وعرف بسيرتك فبعث إليك بهذه النفقة، ودفع اليّ جملة دراهم جزاه الله خيرا. ثم سافرت إلى مدينة أشمون الرّمان «74» ، وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان الشين المعجم، ونسبت إلى الرّمان، لكثرته بها، ومنها يحمل إلى مصر، وهي مدينة عتيقة كبيرة على خليج من خلج النيل، ولها قنطرة خشب ترسو المراكب عندها، فإذا كان العصر رفعت تلك الخشب وجازت المراكب صاعدة ومنحدرة. وبهذه البلدة قاضي القضاة ووالي الولاة «75» . ثم سافرت عنها إلى مدينة سمنّود «76» وهي على شاطىء النيل كثيرة المراكب حسنة

الأسواق وبينها وبين المحلة الكبيرة ثلاثة فراسخ، وضبط اسمها بفتح السين المهمل والميم وتشديد النون وضمها وواو ودال مهمل، ومن هذه المدينة ركبت النيل مصعدا إلى مصر ما بين مدائن وقرى منتظمة متصل بعضها ببعض، ولا يفتقر راكب النيل إلى استصحاب الزاد لأنه مهما أراد النزول بالشاطئ نزل للوضوء والصلاة وشراء الزاد وغير ذلك، والأسواق متصلة من مدينة الاسكندرية إلى مصر ومن مصر إلى مدينة أسوان «77» من الصعيد. ثم وصلت إلى مدينة مصر هي أم البلاد، وقرارة فرعون ذي الأوتاد «78» ، ذات الأقاليم العريضة، والبلاد الأريضة المتناهية في كثرة العمارة، المتباهية بالحسن والنضارة، مجمع الوارد والصادر، ومحط رحل الضعيف والقادر، وبها ما شئت من عالم وجاهل وجادّ وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف، تموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم، على سعة مكانها وإمكانها «79» ، شبابها يجدّ على طول العهد، وكوكب تعديلها لا يبرح منزل السعد، قهرت قاهرتها الامم، وتملكت ملوكها نواصي العرب والعجم، ولها خصوصية النيل التي جل خطرها، واغناها عن ان يستمد القطر قطرها، وأرضها مسيرة شهر لمجد السير، كريمة التربة، مؤنسة لذوي الغربة. قال ابن جزي: وفيها يقول الشاعر: لعمرك ما مصر بمصر وإنما ... هي الجنّة الدّنيا لمن يتبصّر فأولادها الولدان والحور عينها ... وروضتها الفردوس، والنيل كوثر. وفيها يقول ناصر الدين بن ناهض: شاطىء مصر جنّة ... ما مثلها من بلد لا سيما مذ زخرفت ... بنيلها المطرد وللرّياح فوقه ... سوابغ من زرد مسرودة ما مسّها ... داودها بمبرد سائلة هواؤها ... يرعد عاري الجسد والفلك كالافلاك بين ... حادر ومصعد

مصر القاهرة عن المكتبة الوطنية بباريز رقم C 61657

ذكر مسجد عمرو بن العاص والمدارس والمارستان والزوايا

رجع، ويقال إن بمصر من السقائين على الجمال اثنى عشر ألف سقاء وإن بها ثلاثين ألف مكار «80» ، وإن بنيلها من المراكب ستة وثلاثين ألفا للسلطان والرعية، تمر صاعدة إلى الصعيد، ومنحدرة إلى الاسكندرية ودمياط بأنواع الخيرات والمرافق، وعلى ضفة النّيل مما يواجه مصر الموضع المعروف بالروضة، وهو مكان النزهة والتفرج، وبه البساتين الكثيرة الحسنة. وأهل مصر ذوو طرب وسرور ولهو، شاهدت بها مرة فرجة بسبب برء الملك الناصر من كسر أصاب يده «81» فزين كل أهل سوق سوقهم وعلقوا بحوانيتهم الحلل والحلي وثياب الحرير وبقوا على ذلك أياما. ذكر مسجد عمرو بن العاص والمدارس والمارستان والزوايا ومسجد عمرو بن العاص «82» مسجد شريف كبير القدر شهير الذكر، تقام فيه الجمعة، والطريق يعترضه من شرق إلى غرب، وبشرقه الزاوية حيث كان يدرس الإمام أبو عبد الله الشافعي «83» . وأما المدارس بمصر فلا يحيط أحد بحصرها لكثرتها «84» ، وأما المارستان الذي بين القصرين عند تربة الملك المنصور قلاوون «85» فيعجز الواصف عن محاسنه، وقد أعد فيه من المرافق والأدوية ما لا يحصر، ويذكر أن مجباه ألف دينار كل يوم.

وأما الزوايا فكثيرة وهم يسمونها الخوانق «86» ، واحدتها خانقه والأمراء بمصر يتنافسون في بناء الزوايا، وكل زاوية بمصر معينة لطائفة من الفقراء وأكثرهم الأعاجم، وهم أهل أدب ومعرفة بطريقة التصوف، ولكل زاوية شيخ وحارس، وترتيب أمورهم عجيب. ومن عوائدهم في الطعام أنه يأتي خديم الزاوية إلى الفقراء صباحا فيعين له كلّ واحد ما يشتهيه من الطعام، فإذا اجتمعوا للأكل جعلوا لكل إنسان خبزه ومرقه في إناء على حدة لا يشاركه فيه أحد وطعامهم مرّتان في اليوم ولهم كسوة الشتاء وكسوة الصيف، ومرتب شهري من ثلاثين درهما للواحد في الشهر إلى عشرين، ولهم الحلاوة من السكر في كل ليلة جمعة، والصابون لغسل أثوابهم والأجرة لدخول الحمام والزيت للاستصباح «87» ، وهم أعزاب، وللمتزوجين زوايا على حدة، ومن المشترط عليهم حضور الصلوات الخمس والمبيت بالزاوية واجتماعهم بقبة داخل الزاوية. ومن عوائدهم أن يجلس كل واحد منهم على سجادة مختصة به، وإذا صلّوا صلاة الصبح قرأوا سورة الفتح وسورة الملك وسورة عمّ «88» ، ثم يؤتى بنسخ من القرآن العظيم مجزأة، فيأخذ كل فقير جزءا ويختمون القرآن ويذكرون، ثم يقرأ القرآن على عادة أهل المشرق 8» ، ومثل ذلك يفعلون بعد صلاة العصر. ومن عوائدهم مع القادم أنه يأتي باب الزاوية فيقف به مشدود الوسط وعلى كاهله سجادة وبيمناه العكاز وبيسراه الإبريق «90» ، فيعلم البواب خديم الزاوية بمكانه ويخرج اليه ويسأله من أي البلاد أتى؟ وأي الزاويا نزل في طريقه؟ ومن شيخه؟ فإذا عرف صحة قوله أدخله الزاوية وفرش له سجادة في موضع يليق به وأراه موضع الطهارة، فيجدّد الوضوء، ويأتي إلى سجادته فيحل وسطه، ويصلي ركعتين ويصافح الشيخ ومن حضر، ويقعد معهم. ومن عوائدهم أنهم إذا كان يوم الجمعة أخذ الخادم جميع سجاجدهم فيذهب بها إلى المسجد ويفرشها لهم هنالك ويخرجون مجتمعين ومعهم

ذكر قرافة مصر ومزاراتها

شيخهم فيأتون المسجد ويصلي كلّ واحد على سجادته فإذا فرغوا من الصلاة قرأوا القرآن على عادتهم ثم ينصرفون مجتمعين إلى الزاوية ومعهم شيخهم. ذكر قرافة مصر ومزاراتها ولمصر القرافة العظيمة الشأن في التبرك بها، وقد جاء في فضلها أثر خرجه القرطبي «91» وغيره لانها من جملة الجبل المقطم «92» الذي وعد الله أن يكون روضة من رياض الجنة، وهم يبنون بالقرافة القباب الحسنة ويجعلون عليها الحيطان فتكون كالدور ويبنون بها البيوت ويرتبون القراء يقرءون ليلا ونهارا بالأصوات الحسان، ومنهم من يبني الزاوية والمدرسة إلى جانب التربة، ويخرجون في كل ليلة جمعة إلى المبيت بها بأولادهم ونسائهم، ويطوفون على المزارات الشهيرة، ويخرجون أيضا إلى المبيت بها ليلة النصف من شعبان «93» ، ويخرج أهل الأسواق بصنوف المآكل. ومن المزارات الشريفة المشهد المقدس العظيم الشأن حيث رأس الحسين بن علي «94» عليهما السلام، وعليه رباط ضخم عجيب البناء «95» على أبوابه حلق الفضة وصفائحها أيضا كذلك، وهو مؤفي الحق من الإجلال والتعظيم، ومنها تربة السيدة نفيسة بنت زيد بن علي بن

الحسين بن علي عليهم السلام «96» ، وكانت مجابة الدعوة، مجتهدة في العبادة، وهذه التربة أنيقة البناء، مشرقة الضياء، عليها رباط مقصود ومنها تربة الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه وعليها رباط كبير ولها جراية ضخمة وبها القبة الشهيرة البديعة الاتقان، العجيبة البنيان، المتناهية الأحكام المفرطة السمو وسعتها أزيد من ثلاثين ذراعا. «97» وبقرافة مصر من قبور العلماء والصالحين ما لا يضبطه الحصر «98» ، وبها عدد جم من الصحابة وصدور السلف والخلق رضي الله عنهم، مثل عبد الرحمن بن القاسم، «99» وأشهب بن عبد العزيز «100» ، وأصبغ بن الفرج «101» وابن عبد الحكم «102» وأبي القاسم

ذكر نيل مصر

بن شعبان «103» ، وأبي محمد عبد الوهاب «104» لكن ليس لهم بها اشتهار، ولا يعرفهم الا من له بهم عناية، والشافعي رحمه الله ساعده الجد في نفسه واتباعه وأصحابه في حياته ومماته فظهر من أمره مصداق قوله رحمة الله عليه: الجدّ يدني كلّ أمر شاسع ... والجدّ يفتح كلّ باب مغلق! ذكر نيل مصر ونيل مصر «105» يفضل أنهار الأرض عذوبة مذاق واتساع قطر وعظم منفعة، والمدن والقرى بضفتيه منتظمة ليس في المعمور مثلها ولا يعلم نهر يزدرع عليه ما يزدرع على النيل، وليس في الأرض نهر يسمى بحرا غيره قال الله تعالى: فإذا خفت عليه فألقيه في اليم «106» فسماه يما وهو البحر. وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل ليلة الإسراء إلى سدرة المنتهى «107» فإذا في أصلها أربعة أنهار: نهران ظاهران ونهران باطنان فسأل

عنها جبريل عليه السلام، فقال: أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنّيل والفرات. وفي الحديث أيضا أن النّيل والفرات وسيحان وجيحان «108» كل من أنهار الجنة. ومجرى النّيل من الجنوب إلى الشمال خلافا لجميع الأنهار. ومن عجائبه أن ابتداء زيادته في شدة الحر عند نقص الأنهار وجفوفها، وابتداء نقصه حين زيادة الأنهر وفيضها، ونهر السند مثله في ذلك، وسيأتي ذكره. وأول ابتداء زيادته في حزيران، وهو يونيه «109» فإذا بلغت زيادته ستة عشر ذراعا تم خراج السلطان، فإن زاد ذراعا كان الخصب في العام، والصلاح التام، فإن بلغ ثمانية عشر ذراعا أضر بالضياع وأعقب الوباء، وان نقص ذراعا عن ستة عشر نقص خراج السلطان، وإن نقص ذراعين استسقى الناس وكان الضرر الشديد. والنيل أحد أنهار الدنيا الخمسة الكبار: وهي النيل والفرات ودجلة وسيحون وجيجون، وتماثلها أنهار خمسة أيضا: نهر السند ويسمى بنج آب «110» ، ونهر الهند، ويسمى الكنك، واليه تحج الهنود وإذا حرّقوا أمواتهم رموا برمادهم فيه، ويقولون هو من الجنة، ونهر الجون بالهند أيضا، ونهر إتل بصحراء قفجق، وعلى ساحله مدينة السّرا، ونهر السرو «111» وبأرض الخطا، وعلى ضفته مدينة خان بالق، ومنها ينحدر إلى مدينة الخنسا، ثم إلى مدينة الزيتون بأرض الصين «112» وسيذكر ذلك كله في مواضعه ان شاء الله.

ذكر الأهرام والبرابي

والنيل يفترق بعد مسافة من مصر على ثلاثة أقسام «113» ولا يعبر نهر منها إلا في السفن شتاء وصيفا، وأهل كل بلد لهم خلجان تخرج من النيل فإذا مدّ أترعها ففاضت على المزارع. ذكر الأهرام والبرابي وهي من العجائب المذكورة على مر الدهور، وللناس فيها كلام كثير وخوض في شأنها، وأولية بنائها ويزعمون أن جميع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان أخذت عن هرمس الأول الساكن بصعيد مصر الأعلى، ويسمى خنوخ وهو إدريس عليه السلام «114» وأنه أول من تكلم في الحركات الفلكية والجواهر العلوية وأول من بنى الهياكل ومجّد الله تعالى فيها وأنه أنذر الناس بالطوفان وخاف ذهاب العلم ودروس الصنائع فبنى الأهرام والبرابي «115» وصور فيها جميع الصنائع والآلات ورسم العلوم فيها لتبقى مخلدة. ويقال إن دار العلم والملك بمصر مدينة (منوف) وهي على بريد من الفسطاط «116» فلما بنيت الاسكندرية انتقل الناس

ذكر سلطان مصر

اليها وصارت دار العلم والملك إلى أن أتى الإسلام فاختط عمرو بن العاص رضي الله عنه مدينة الفسطاط فهي قاعدة مصر إلى هذا العهد. والأهرام بناء بالحجر الصلد المنحوت متناهي السمو مستدير متسع الأسفل ضيق الأعلى كالشكل المخروط، ولا أبواب لها ولا تعلم كيفية بنائها. ومما يذكر في شأنها أن ملكا من ملوك مصر قبل الطوفان رأى رؤيا هالته وأوجبت عنده أنه بنى تلك الأهرام بالجانب الغربي من النيل لتكون مستودعا للعلوم ولجثث الملوك، وأنه سأل المنجمين: هل يفتح منها موضع؟ فأخبروه أنها تفتح من الجانب الشمالي، وعينوا له الموضع الذي تفتح منه، ومبلغ الانفاق في فتحه، فأمر أن يجعل بذلك الموضع من المال قدر ما أخبروه أنه ينفق في فتحه، واشتد في البناء فأتمه في ستين سنة، وكتب عليها: بنينا هذه الأهرام في ستين سنة فليهدمها من يريد ذلك في ستمائة سنة، فإن الهدم أيسر من البناء «117» . فلما أفضت الخلافة إلى أمير المومنين المامون «118» أراد هدمها فأشار عليه بعض مشايخ مصر أن لا يفعل، فلج في ذلك وأمر أن تفتح من الجانب الشمالي فكانوا يوقدون عليها النار، ثم يرشونها بالخل ويرمونها بالمنجنيق حتى فتحت الثلمة التي بها إلى اليوم ووجدوا بإزاء النقب ما لا أمر أمير المومنين بوزنه فحصر ما أنفق في النقب فوجدهما سواء فطال عجبه من ذلك ووجدوا عرض الحائط عشرين ذراعا. ذكر سلطان مصر وكان سلطان مصر على عهد دخولي اليها الملك الناصر أبو الفتح محمد بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي «119» ، وكان قلاوون يعرف بالألفي، لأن الملك الصالح اشتراه بألف دينار ذهبا، وأصله من قفجق، وللملك الناصر رحمه الله السيرة الكريمة

الجيزة- أبو الهول وهرم خفرع

والفضائل العظيمة، وكفاه شرفا انتماؤه لخدمة الحرمين الشريفين، وما يفعله في كل سنة من أفعال البر التي تعين الحجاج من الجمال التي تحمل الزاد والماء للمنقطعين والضعفاء وتحمل من تأخر أو ضعف عن المشي في الدربين المصري والشامي. وبنى زاوية عظيمة بسرياقص «120» خارج القاهرة. لكن الزاوية التي بناها مولانا أمير المؤمنين، وناصر الدين، وكهف الفقراء والمساكن، خليفة الله في أرضه، القائم من الجهاد بنفله وفرضه، أبو عنان، أيد الله أمره وأظهره، وسنى له الفتح المبين ويسّره، بخارج حضرته العلية المدينة البيضاء «121» حرسها الله لا نظير لها في المعمور في إتقان الوضع وحسن البناء والنقش في الجص بحيث لا يقدر أهل المشرق على مثله، وسيأتي ذكر ما عمره أيده الله من المدارس والمارستانات والزوايا ببلاده حرسها الله وحفظها بدوام ملكه.

قنديل يحمل اسم الملك الناصر عن المتحف العربي بالقاهرة

ذكر بعض أمراء مصر

ذكر بعض أمراء مصر منهم ساقي الملك الناصر وهو الأمير بكتمور «122» ، وضبط اسمه بضم الباء الموحدة وكاف مسكن وتاء معلوة مضمومة وآخره راء، وهو الذي قتله الملك الناصر بالسّم، وسيذكر ذلك. ومنهم نائب الملك الناصر أرغون الدّوادار «123» ، وهو الذي يلي بكتمور في المنزلة وضبط اسمه بفتح الهمزة وإسكان الراء وضم الغين المعجمة. ومنهم طشط «124» المعروف بحمّص أخضر، واسمه بطاءين مهملين مضمومين بينهما شين معجم، وكان من خيار الأمراء، وله الصدقات الكثيرة على الأيتام من كسوة ونفقة وأجرة لمن يعلّمهم القرآن، وله الإحسان العظيم للحرافيش «125» وهم طائفة كبيرة أهل صلابة وجوه ودعارة، وسجنه الملك الناصر مرة فاجتمع من الحرافيش آلاف ووقفوا بأسفل القلعة ونادوا بلسان واحد: يا أعرج النحس، يعنون الملك الناصر، أخرجه، فأخرجه من محبسه وسجنه مرة أخرى ففعل الأيتام مثل ذلك فأطلقه. ومنهم وزير الملك الناصر يعرف بالجمالي «126» بفتح الجيم، ومنهم بدر الدين بن

البابه «127» ومنهم جمال الدين نائب الكرك «128» . ومنهم تقزدمور، «129» واسمه بضم التاء المعلوة وضم القاف وزارى مسكن ثم دال مضموم وميم مثله وآخره راء، ودمور بالتركية الحديد. ومنهم بهادور الحجازي «130» واسمه بفتح الباء الموحدة وضم الدال المهمل وآخره راء، ومنهم قوصون «131» واسمه بفتح القاف وصاد مهمل مضموم ومنهم بشتك «132»

ذكر القضاة بمصر في عهد دخولي إليها

واسمه بفتح الباء الموحدة واسكان الشين المعجم وتاء معلوة مفتوحة. وكل هؤلاء يتنافسون في أفعال الخيرات وبناء المساجد والزوايا. ومنهم ناظر جيش الناصر وكاتبه القاضي فخر الدين القبطي «133» ، وكان نصرانيا من القبط فأسلم وحسن إسلامه، وله المكارم العظيمة والفضائل التامة، ودرجته من أعلى الدرجات عند الملك الناصر، وله الصدقات الكثيرة والإحسان الجزيل، ومن عادته أن يجلس عشى النهار في مجلس له باسطوان داره على النيل ويليه المسجد فإذا حضر المغرب صلى في المسجد وعاد إلى مجلسه وأوتى بالطعام، ولا يمنع حينئذ أحدا من الدخول كائنا من كان، فمن كان ذا حاجة تكلم فيها فقضاها له ومن كان طالب صدقة أمر مملوكا له يدعى بدر الدين واسمه لؤلؤ بأن يصحبه إلى خارج الدار وهنالك خازنه معه صرر الدراهم فيعطيه ما قدّر له ويحضر عنده في ذلك الوقت الفقهاء، ويقرأ بين يديه كتاب البخاري «134» فإذا صلى العشاء الأخيرة انصرف الناس عنه. ذكر القضاة بمصر في عهد دخولي إليها فمنهم قاضي القضاة الشافعية وهو أعلاهم منزلة وأكبرهم قدرا واليه ولاية القضاة بمصر وعزلهم وهو القاضي الامام العالم بدر الدين بن جماعة «135» وابنه عز الدين هو الآن متولي ذلك، ومنهم قاضي القضاة المالكية الامام الصالح تقي الدين الإخناءى «136» ومنهم

حكاية [الملك الناصر يقعد للمظالم]

قاضي القضاة الحنفية الامام العالم شمس الدين الحريري «137» ، وكان شديد السطوة لا تأخذه في الله لومة لائم، وكانت الأمراء تخافه، ولقد ذكر لي أن الملك الناصر قال يوما لجلسائه: إني لا أخاف من أحد الا من شمس الدين الحريري: ومنهم قاضي القضاة الحنبلية ولا أعرفه الآن إلا أنه كان يدعى بعز الدين «138» . حكاية [الملك الناصر يقعد للمظالم] كان الملك الناصر رحمه الله يقعد للنظر في المظالم ورفع قصص المشتكين كل يوم اثنين وخميس، ويقعد القضاة الأربعة عن يساره وتقرأ القصص بين يديه، ويعين من يسأل صاحب القصة عنها، وقد سلك مولانا أمير المؤمنين، ناصر الدين، أيده الله في ذلك مسلكا لم يسبق إليه، ولا مزيد في العدل والتواضع عليه، وهو سؤاله بذاته الكريمة، لكل متظلم وعرضه بين يديه، مكرمة أبي الله أن يخص بها سواه، ادام الله عليه أيامه. وكان رسم القضاة المذكورين أن يكون أعلاهم منزلة في الجلوس قاضي الشافعية ثم قاضي الحنفية ثم قاضي المالكية ثم قاضي الحنبلية، فلما توفى شمس الدين الحريري وولّى مكانه برهان الدين بن عبد الحق الحنفي «139» أشار الأمراء على الملك الناصر بأن يكون مجلس المالكي فوقه،

ذكر بعض علماء مصر وأعيانها

وذكروا أن العادة جرت بذلك قديما إذ كان قاضي المالكية زين الدين بن مخلوف «140» يلي قاضي الشافعية تقي الدين بن دقيق العيد، فأمر الملك الناصر بذلك، فلما علم به قاضي الحنفية غاب عن شهود المجلس أنفة من ذلك فأنكر الملك الناصر مغيبه وعلم ما قصده فأمر بإحضاره فلما مثل بين يديه أخذ الحاجب بيده وأقعده حيث نفذ أمر السلطان مما يلي قاضي المالكية واستمرّ حاله على ذلك. ذكر بعض علماء مصر وأعيانها فمنهم شمس الدين الأصبهاني إمام الدنيا في المعقولات «141» ، ومنهم شرف الدين الزواوي المالكي «142» ، ومنهم برهان الدين ابن بنت الشاذلي نائب قاضي القضاة بجامع الصالح «143» ، ومنهم ركن الدين ابن القوبع التونسي من الأيمة في المعقولات «144» ، ومنهم شمس الدين ابن عدلان كبير الشافعية «145» ، ومنهم بهاء الدين ابن عقيل فقيه كبير

«146» ، ومنهم أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن حيان الغرناطي «147» وهو أعلمهم بالنحو، ومنهم الشيخ الصالح بدر الدين عبد الله المنوفي «148» ومنهم برهان الدين الصفاقسي «149» ، ومنهم قوام الدين الكرماني وكان سكناه بأعلى سطح الجامع الأزهر وله جماعة من الفقهاء والقراء يلازمونه ويدرس فنون العلم ويفتى في المذاهب، ولباسه عباءة صوف خشنة وعمامة صوف سوداء، ومن عادته أن يذهب بعد صلاة العصر إلى مواضع الفرج والنزهات منفردا عن أصحابه «150» ! ومنهم السيد الشريف شمس الدين ابن بنت الصاحب تاج الدين بن حناء «151» ، ومنهم شيخ شيوخ الفقراء بديار مصر نجد الدين الأقصرائي، نسبة إلى أقصرة من بلاد الروم، ومسكنه سرياقص «152» ومنهم الشيخ جمال

الجامع الأزهر منظر خارجي

ذكر يوم المحمل بمصر

الدين الحويزاءي، والحويزاء «153» على مسيرة ثلاثة من البصرة ومنهم نقيب الأشراف بديار مصر السيّد الشريف المعظم بدر الدين الحسيني «154» من كبار الصالحين ومنهم وكيل بيت المال المدرس بقبة الامام الشافعي مجد الدين بن حرمي «155» ، ومنهم المحتسب بمصر نجم الدين السهرتي «156» من كبار الفقهاء وله بمصر رياسة عظيمة وجاه. ذكر يوم المحمل بمصر وهو يوم دوران المحمل «157» يوم مشهود وكيفية ترتيبهم فيه أنه يركب قضاة القضاة الأربعة ووكيل بيت المال والمحتسب، وقد ذكرنا جميعهم، ويركب معهم أعلام الفقهاء، وأمناء الرؤساء، وأرباب الدولة ويقصدون جميعا باب القلعة: دار الملك الناصر فيخرج إليهم المحمل على جمل وأمامه الأمير «158» المعين لسفر الحجاز في تلك السنة، معه عسكره والسقاءون على جمالهم ويجتمع لذلك أصناف الناس من رجال ونساء، ثم يطوفون بالمحمل وجميع من ذكرنا معه بمدينتي القاهرة ومصر، والحداة يحدون أمامهم ويكون ذلك في رجب فعند ذلك تهيج العزمات وتنبعث الأشواق وتتحرك البواعث ويلقى الله تعالى العزيمة على الحج في قلب من يشاء من عباده، فيأخذون في التأهب لذلك والاستعداد «159» .

مسيرة احتفالية بالمحمل ...

ثم كان سفري من مصر على طريق الصعيد برسم الحجاز الشريف، فبت ليلة خروجي بالرباط الذي بناه الصاحب تاج الدين بن حناء بدير الطين «160» وهو رباط عظيم بناه على مفاخر عظيمة، وآثار كريمة، أودعها فيه، وهي قصعة من قطعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والميل الذي كان يكتحل به، والدّرفش وهو الأشفى الذي كان يخصف به نعله، ومصحف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي بخط يده رضي الله عنه. ويقال إن الصاحب اشترى ما ذكرناه من الآثار الكريمة النبوية بمائة الف درهم وبنى الرباط وجعل فيه الطعام للوارد والصادر والجراية لخدام تلك الآثار الشريفة، نفعه الله تعالى بقصده المبارك. ثم خرجت من الرباط المذكور ومررت بمنية القائد «161» ، وهي بلدة صغيرة على ساحل النيل، ثم سرت منها إلى مدينة بوش «162» ، وضبطها بضم الباء الموحدة وأخرها شين معجم، وهذه المدينة أكثر بلاد مصر كتانا ومنها يجلب إلى سائر الديار المصرية وإلى إفريقية. ثم سافرت منها فوصلت إلى مدينة دلاص «163» ، وضبط اسمها بفتح الدال المهمل وآخره صاد مهمل، وهذه المدينة كثيرة الكتان أيضا كمثل الذي ذكرنا قبلها ويحمل أيضا منها إلى ديار مصر وإفريقية. ثم سافرت منها إلى مدينة ببا «164» ، وضبط اسمها بباءين موحدتين أولاهما

حكاية خصيب

مكسورة، ثم سافرت منها إلى مدينة البهنسة «165» ، وهي مدينة كبيرة وبساتينها كثيرة، وضبط اسمها بفتح الموحدة واسكان الهاء وفتح النون والسين، وتصنع بهذه المدينة ثياب الصوف الجيدة. وممن لقيته بها قاضيها العالم شرف الدين، وهو كريم النفس فاضل، ولقيت بها الشيخ الصالح أبا بكر العجمي، ونزلت عنده وأضافني، ثم سافرت منها إلى مدينة منية ابن خصيب، وهي مدينة كبيرة الساحة، متسعة المساحة، مبنية على شاطىء النّيل «166» ، وحقيق حقيق لها على بلاد الصعيد التفضيل، بها المدارس والمشاهد والزوايا، والمساجد، وكانت في القديم منية لخصيب عامل مصر «167» . حكاية خصيب يذكر أن أحد الخلفاء من بني العباس رضي الله عنهم غضب على أهل مصر فآلى أن يولى عليهم أحقر عبيده وأصغرهم شأنا قاصدا لإرذالهم والتنكّل، وكان خصيب أحقرهم اذ كان يتولى تسخين الحمام «168» ، فخلع عليه وأمّره على مصر، وظنّه أنه يسير فيهم سيرة سوء ويقصدهم بالإذاية حسبما هو المعهود ممن ولى عن غير عهد بالعز، فلما استقر خصيب بمصر سار في أهلها أحسن سيرة، وشهر بالكرم والإيثار فكان أقارب الخلفاء وسواهم يقصدونه فيجزل العطاء لهم ويعودون إلى بغداد شاكرين لما أولاهم. وإن الخليفة افتقد بعض العبّاسيين وغاب عنه مدة ثم أتاه فسأله عن مغيبه، فأخبره أنه قصد خصيبا، وذكر له ما أعطاه خصيب، وكان عطاء جزيلا، فغضب الخليفة وأمر بسمل عيني خصيب وإخراجه من مصر إلى بغداد، وأن يطرح في أسواقها، فلما ورد الامر بالقبض

عليه حيل بينه وبين دخول منزله، وكانت بيده ياقوته عظيمة فخبّأها عنده وخاطها في ثوب له ليلا، وسملت عيناه وطرح في أسواق بغداد، فمر به بعض الشعراء، فقال له: يا خصيب، إني كنت قصدتك من بغداد إلى مصر مادحا لك بقصيدة فوافقت انصرافك عنها وأحب أن تسمعها، فقال كيف بسماعها وأنا على ما تراه؟ فقال إنما قصدي سماعك لها، وأما العطاء فقد أعطيت الناس وأجزلت جزاك الله خيرا قال: فافعل فأنشده: أنت الخصيب وهذه مصر ... فتدفّقا، فكلاكما بحر! «169» فلما أتى على أخرها قال له: افتق هذه الخياطة، ففعل ذلك، فقال له: خذ الياقوتة فأبى فأقسم عليه أن ياخذها فأخذها وذهب بها إلى سوق الجوهريين، فلما عرضها عليهم، قالوا له: إن هذه لا تصلح إلا للخليفة، فرفعوا أمرها إلى الخليفة، فأمر الخليفة بإحضار الشاعر واستفهمه عن شأن الياقوتة فأخبره بخبرها فتأسف على ما فعله بخصيب، وأمر بمثوله بين يديه وأجزل له العطاء وحكّمه فيما يريد فرغب أن يعطيه هذه المنية، ففعل ذلك وسكنها خصيب إلى أن توفى وأورثها عقبه إلى أن انقرضوا. وكان قاضي هذه المنية أيام دخولي إليها فخر الدين النّويري المالكي وواليها شمس الدين أمير خيّر كريم، دخلت يوما الحمام بهذه البلدة فرأيت الناس بها لا يستترون فعظم ذلك علي، وأتيته فأعلمته بذلك فأمرني أن لا أبرح وأمر بإحضار المكتريين للحمامات وكتب عليهم العقود أنه متى دخل أحد الحمام دون ميزر فإنهم يؤاخذون على ذلك واشتد عليهم أعظم الاشتداد، ثم انصرفت عنه. وسافرت من منية ابن خصيب إلى مدينة منلوي «170» وهي صغيرة مبنية على مسافة ميلين من النيل، وضبط اسمها بفتح الميم واسكان النون وفتح اللام وكسر الواو، وقاضيها الفقيه شرف الدين الدّميري بفتح الدال المهمل وكسر الميم الشافعي، وكبارها قوم يعرفون ببني فضيل بنى أحدهم جامعا انفق فيه صميم ماله. وبهذه المدينة إحدى عشرة معصرة للسكر ومن عوائدهم أنهم لا يمنعون فقيرا من دخول معصرة منها فيأتي الفقير بالخبزة

حكاية [منبر ملك الناصر]

الحارة فيطرحها في القدر التي يطبخ فيها السكر ثم يخرجها وقد امتلأت سكرا فينصرف بها. وسافرت من منلوي المذكورة إلى مدينة منفلوط «171» وهي مدينة حسن رواؤها، مؤنق بناؤها، على ضفة النيل، شهيرة البركة، وضبط اسمها بفتح الميم وإسكان النون وفتح الفاء وضم اللام وآخرها طاء مهمل. حكاية [منبر ملك الناصر] أخبرني أهل هذه المدينة أن الملك الناصر رحمه الله أمر بعمل منبر عظيم محكم الصنعة بديع الإنشاء برسم المسجد الحرام زاده الله شرفا وتعظيما، فلما تم عمله أمر أن يصعد به في النيل ليجاز إلى بحر جدة، ثم إلى مكة شرفها الله، فلما وصل المركب الذي احتمله إلى منفلوط وحاذى مسجدها الجامع وقف وامتنع من الجري مع مساعدة الريح، فعجب الناس من شأنه أشد العجب وأقاموا أياما لا ينهض بهم المركب فكتبوا بخبره إلى الملك الناصر رحمه الله، فأمر أن يجعل ذلك المنبر بجامع مدينة منفلوط ففعل ذلك، وقد عاينته بها. ويصنع بهذه المدينة شبه العسل يستخرجونه من القمح ويسمونه النّيدا «172» يباع بأسواق مصر. وسافرت من هذه المدينة إلى مدينة أسيوط «173» وهي مدينة رفيعة، أسواقها بديعة، وضبط اسمها بفتح الهمزة والسين المهملة والياء آخر الحروف وواو وطاء مهملة، وقاضيها شرف الدين بن عبد الرحيم الملقب" بحاصل ما ثمّ" لقب شهر به، وأصله أن القضاة بديار مصر والشام بأيديهم الأوقاف والصدقات لابناء السبيل فإذا أتى فقير لمدينة من المدن قصد

القاضي بها فيعطيه ما قدر له، فكان هذا القاضي إذا أتى الفقير يقول له: (حاصل ما ثم) «174» ! أي لم يبق من المال الحاصل شيء، فلقّب بذلك ولزمه. وبها من المشايخ الفضلاء الصالح شهاب الدين بن الصباغ، أضافني بزاويته، وسافرت منها إلى مدينة إخميم «175» وهي مدينة عظيمة أصيلة البنيان، عجيبة الشأن بها البربي المعروف باسمها، وهو مبني بالحجارة في داخله نقوش وكتابة للأوائل، لا تفهم في هذا العهد وصور الأفلاك والكواكب، ويزعمون أنها بنيت والنسر الطائر ببرج العقرب، وبها صور الحيوانات وسواها، وعند الناس في هذه الصور أكاذيب لا يعرج عليها. وكان بإخميم رجل يعرف بالخطيب أمر على هدم بعض هذه البرابي وابتنى بحجارتها مدرسة، وهو رجل موسر معروف بالإيثار، ويزعم حساده أنه استفاد ما بيده من المال من ملازمته لهذه البربى. ونزلت من هذه المدينة بزاوية الشيخ أبي العباس بن عبد الظاهر، «176» وبها تربة جدّه عبد الظاهر، وله من الاخوة ناصر الدين ومجد الدين وواحد الدين، ومن عادتهم أن يجتمعوا جميعا بعد صلاة الجمعة ومعهم الخطيب نور الدين المذكور وأولاده وقاضي المدينة الفقيه مخلص وسائر وجوه أهلها فيختمون القرآن ويذكرون الله إلى صلاة العصر، فإذا صلوها قرأوا سورة الكهف ثم انصرفوا. وسافرت من إخميم إلى مدينة (هو) «177» مدينة كبيرة بساحل النيل، وضبطها بضم الهاء، نزلت منها بمدرسة تقي الدين ابن السراج ورأيتهم يقرءون بها في كل يوم بعد صلاة الصبح حزبا من القرآن ثم يقرءون أوراد الشيخ أبي الحسن الشاذلي وحزب البحر وبهذه المدينة السيد الشريف أبو محمد عبد الله الحسنى من كبار الصالحين.

كرامة له

كرامة له دخلت إلى هذا الشريف متبركا برؤيته والسلام عليه فسألني عن قصدي، فأخبرته، إني أريد حج البيت الحرام على طريق جدة، فقال لي: لا يحصل لك هذا في هذا الوقت فارجع وإنما تحج أول حجة على الدرب الشامي فانصرفت عنه ولم اعمل على كلامه ومضيت في طريقي حتى وصلت إلى عيذاب فلم يتمكن لي السفر فعدت راجعا إلى مصر ثم إلى الشام، وكان طريقي في أول حجاتي على الدرب الشامي حسبما أخبرني الشريف نفع الله به. ثم سافرت إلى مدينة قنا وهي صغيرة حسنة الاسواق، واسمها بقاف مكسورة ونون، وبها قبر الشريف الصالح الوالي صاحب البراهين العجيبة، والكرامات الشهيرة عبد الرحيم القناوي رحمة الله عليه «178» ، ورأيت بالمدرسة السّيفية منها حفيده شهاب الدين أحمد. وسافرت من هذا البلد إلى مدينة قوص «179» وهي بضم القاف مدينة عظيمة، لها خيرات عميمة، بساتينها مورقة وأسواقها مونقة، ولها المساجد الكثيرة، والمدارس الأثيرة، وهي منزل ولاة الصعيد، وبخارجها زاوية الشيخ شهاب الدين ابن عبد الغفار، وزاوية الأفرم، وبها اجتماع الفقراء المتجردين في شهر رمضان من كل سنة، ومن علمائها القاضي بها جمال الدين بن السديد «180» ، والخطيب بها فتح الدين بن دقيق العيد «181» أحد الفصحاء البلغاء الذين حصل لهم السبق في ذلك، لم أر من يماثله إلا خطيب المسجد الحرام بهاء الدين الطبري، وخطيب مدينة خوارزم حسام الدين المشاطي وسيقع ذكرهما، ومنهم

الفقيه بهاء الدين بن عبد العزيز المدرس بمدرسة المالكية، ومنهم الفقيه برهان الدين ابراهيم الأندلسي له زاوية عالية. ثم سافرت إلى مدينة الأقصر «182» وضبط اسمها بفتح الهمزة وضم الصاد المهمل، وهي صغيرة حسنة وبها قبر الصالح العابد أبي الحجاج الأقصرى «183» وعليه زاوية، وسافرت منها إلى مدينة أرمنت، «184» وضبط اسمها بفتح الهمزة وسكون الراء وميم مفتوحة ونون ساكنة وتاء معلوة، وهي صغيرة ذات بساتين مبنية على ساحل النّيل، أضافني قاضيها وأنسيت اسمه، ثم سافرت منها إلى مدينة أسنا «185» وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان السين المهمل ونون، مدينة عظيمة متسعة الشوارع، ضخمة المنافع، كثيرة الزوايا والمدارس والجوامع، لها أسواق حسان وبساتين ذات أفنان، قاضيها قاضي القضاة شهاب الدين بن مسكين، أضافني وأكرمني وكتب إلى نوابه بإكرامي، وبها من الفضلاء الشيخ الصالح نور الدين علي والشيخ الصالح عبد الواحد المكناسي وهو على هذا العهد صاحب زاوية بقوص. ثم سافرت منها إلى مدينة أدفو «186» وضبط اسمها بفتح الهمزة وإسكان الدال المهمل وضم الفاء. وبينها وبين مدينة أسنا مسيرة يوم وليلة في صحراء. ثم جزنا النيل من مدينة أدفوا إلى مدينة العطواني، «187» ومنها اكترينا الجمال، وسافرنا مع طائفة من العرب تعرف بدغيم، بالغين المعجمة، في صحراء لا عمارة بها إلا أنها آمنة السبل، وفي بعض

منازلها «188» نزلنا (حميثرا) حيث قبر ولي الله أبي الحسن الشاذلي، وقد ذكرنا كرامته في إخباره أنه يموت بها، وأرضها كثيرة الضباغ، ولم نزل ليلة مبيتنا بها نحارب الضباع، ولقد قصدت رحلي ضبع منها فمزقت عدلا كان به واجترّت منه جراب تمر وذهبت به، فوجدناه لما أصبحنا ممزقا مأكولا معظم ما كان فيه. ثم لما سرنا خمسة عشر يوما وصلنا إلى مدينة عيذاب «189» وهي مدينة كبيرة كثيرة الحوت واللبن ويحمل اليها الزرع والتمر من صعيد مصر، وأهلها البجاة «190» وهم سود الألوان يلتحفون ملاحف صفرا ويشدون على رؤوسهم عصايب يكون عرض العصابة منها أصبعا وهم لا يورّثون البنات، وطعامهم ألبان الإبل ويركبون المهاري «191» ويسمونها الصّهب، وثلث المدينة للملك الناصر وثلثاها لملك البجاة وهو يعرف بالحدربي «192» بفتح الحاء المهمل وإسكان الدال وراء مفتوحة وباء موحدة وياء، وبمدينة عيذاب مسجد ينسب للقسطلاني «193» شهير البركة رأيته وتبركت به، وبها الشيخ الصالح موسى، والشيخ المسن محمد

المراكشي زعم أنه ابن المرتضى «194» ملك مراكش وان سنه خمس وتسعون سنة. ولما وصلنا إلى عيذاب وجدنا الحدربي سلطان البجاة يحارب الأتراك، «195» وقد خرق المراكب وهرب الترك أمامه، فتعذر سفرنا في البحر فبعنا ما كنا أعدادناه من الزاد وعدنا مع العرب الذين اكترينا الجمال منهم إلى صعيد مصر فوصلنا إلى مدينة قوص التي تقدم ذكرها. وانحدرنا منها في النيل وكان أوان مده فوصلنا بعد مسيرة ثمان من قوص إلى مصر فبت بمصر ليلة واحدة ... وقصدت بلاد الشام وذلك في منتصف شعبان سنة ست وعشرين، «196» فوصلت إلى مدينة بلبيس «197» ، وضبط اسمها بفتح الموحدة الأولى وفتح الثانية ثم ياء آخر الحروف مسكنة وسين مهمل وهي مدينة كبيرة، ذات بساتين كثيرة، ولم ألق بها من نحبّ ذكره «198» ، ثم وصلت إلى الصالحية «199» ، ومنها دخلنا الرمال، ونزلنا منازلها: مثل السّوادة

والورّادة والمطيلب والعريش والخروبة «200» وبكل منزل منها فندق، وهم يسمونه الخان ينزله المسافرون بدوابهم، وبخارج كل خان سانية للسبيل، وحانوت يشتري منها المسافر ما يحتاجه لنفسه ودابته. ومن منازلها قطيا «201» المشهورة وهي بفتح القاف وسكون الطاء وياء آخر الحروف مفتوحة والف والناس يبدّلون ألفها هاء تانيث، وبها توخذ الزكاة من التجار «202» وتفتش أمتعتهم ويبحث عما لديهم أشد البحث، وفيها الدواوين والعمال والكتاب والشهود، ومجباها في كل يوم الف دينار من الذهب ولا يجوز عليها أحد من «203» الشام إلا ببراءة من مصر ولا إلى مصر الا ببراءة من الشام احتياطا على أموال الناس وتوقيا من الجواسيس العراقيين «204» . وطريقها في ضمان العرب قد وكلوا بحفظه، فإذا كان الليل مسحوا على الرمل لا يبقى به أثر ثم ياتي الامير صباحا فينظر إلى الرمل فإن وجد به أثرا طلب العرب بإحضار مؤثره فيذهبون في طلبه فلا يفوتهم فيأتون به الأمير فيعاقبه بما شاء، وكان بها في عهد

وصولي اليها عز الدين استاذ «205» الدار أقماري، من خيار الأمراء، أضافني وأكرمني وأباح الجواز «206» لمن كان معي، وبين يديه عبد الجليل المغربي الوقاف، وهو يعرف المغاربة وبلادهم، فيسأل من ورد منهم من أي البلاد؟ لئيلا يلبّس عليهم فإنّ المغاربة لا يعترضون في جوازهم على (قطيا) .

نقوش من قوص عن أرشيف بيرشم- جنيف أقدم جواز سفر على البردي، أهداه إلينا مشكورا معهد د. حسين رجب بالقاهرة

الفصل الثالث الشام وفلسطين

الفصل الثالث الشام وفلسطين من غزة إلى القدس فعسقلان من عسقلان إلى حلب مدينة حلب من حلب إلى جبلة من اللاذقية إلى دمشق مدينة دمشق والجامع الأموي ضواحي دمشق الأوقاف في دمشق ومجيز وابن بطوطة بها.

خريطة مسالك الشام وفلسطين

ثم سرنا حتى وصلنا إلى مدينة غزة «1» ، وهي أول بلاد الشام مما يلي مصر متسعة الأقطار كثيرة العمارة حسنة الأسواق بها المساجد العديدة ولا سور عليها، وكان بها مسجد جامع حسن، والمسجد الذي تقام الآن به الجمعة فيها بناه الأمير المعظم الجاولي «2» ، وهو أنيق البناء محكم الصنعة ومنبره من الرخام الأبيض، وقاضي غزة بدر الدين السلختي الحوراني، ومدرسها علم الدين بن سالم، وبنو سالم كبراء هذه المدينة، ومنهم شمس الدين قاضي القدس. ثم سافرت من غزة إلى مدينة الخليل «3» صلى الله على نبيّنا وعليه وسلم تسليما، وهي مدينة صغيرة الساحة، كبيرة المقدار، مشرقة الأنوار حسنة المنظر، عجيبة المخبر، في بطن واد، ومسجدها أنيق الصنعة محكم العمل بديع الحسن سامي الارتفاع «4» مبني بالصخر المنحوت، في أحد أركانه صخرة أحد أقطارها سبعة وثلاثون شبرا. ويقال: إن سليمان عليه السلام أمر الجن ببنائه «5» ، وفي داخل المسجد الغار المكرم المقدس، فيه قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب، صلوات الله على نبينا وعليهم، ويقابلها قبور ثلاثة: هي قبور أزواجهم، وعن يمين المنبر بلصق جدار القبلة موضع يهبط منه على درج رخام محكمة العمل إلى مسلك ضيق يفضي إلى ساحة مفروشة بالرخام فيها صور القبور الثلاثة، ويقال: إنها

نقوش من غزة ومن مدينة الخليل

قبرية بيبرس الصالحي

محاذية لها. وكان هنالك مسلك إلى الغار المبارك وهو الآن مسدود وقد نزلت بهذا الموضع مرات، ومما ذكره أهل العلم دليلا على صحة كون القبور الثلاثة الشريفة هنالك ما نقلته من كتاب علي بن جعفر الرازي الذي سماه" المسفر للقلوب، عن صحة قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب" «6» أسند فيه إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسرى بي إلى بيت المقدس مرّ بي جبريل على قبر إبراهيم، فقال: انزل فصلّ ركعتين فإن هنا ولد أخوك عيسى عليه السلام، ثم أتى بي إلى الصخرة، وذكر بقية الحديث ... ولما لقيت بهذه المدينة المدرس الصالح المعمر الامام الخطيب برهان الدين الجعبري «7» أحد الصلحاء المرضيين، والأئمّة المشهورين، سألته عن صحة كون قبر الخليل عليه السلام هنالك، فقال لي: كلّ من لقيته من أهل العلم يصححون أن هذه القبور قبور إبراهيم وإسحاق ويعقوب على نبيّنا وعليهم السلام، وقبور زوجاتهم، ولا يطعن في ذلك إلا أهل البدع، وهو نقل الخلف عن السلف لا يشك فيه. ويذكر أن بعض الأيمة دخل إلى هذا الغار ووقف عند قبر سارة، فدخل شيخ فقال له: أي هذه القبور هو قبر إبراهيم، فأشار له إلى قبره المعروف، ثم دخل شاب فسأله كذلك، فأشار له إليه، ثم دخل صبي فسأله أيضا فأشار له اليه، فقال الفقيه أشهد أن هذا قبر إبراهيم عليه السلام لا شك، ثم دخل إلى المسجد فصلى به وارتحل من الغد، وبداخل هذا

المسجد أيضا قبر يوسف عليه السلام «8» ، وبشرقيّ حرم الخليل تربة لوط عليه السلام «9» وهي على تل مرتفع يشرف منه على غور الشام، وعلى قبره أبنية حسنة، وهو في بيت حسن البناء مبيض ولا ستور عليه. وهنالك بحيرة لوط «10» وهي أجاج يقال إنها موضع ديار قوم لوط. وبمقربة من تربة لوط مسجد اليقين «11» وهو على تل مرتفع له نور وإشراق ليس لسواه ولا يجاوره إلا دار واحدة يسكنها قيّمه، وفي المسجد بمقربة من بابه موضع منخفض في حجر صلد قد هيء فيه صورة محراب لا يسع إلا مصليا واحدا، ويقال إن إبراهيم سجد في ذلك الموضع شكرا لله تعالى عند هلاك قوم لوط فتحرك موضع سجوده وساخ في الأرض قليلا. وبالقرب من هذا المسجد مغارة فيها قبر فاطمة بنت الحسين بن علي عليهما السلام، وبأعلى القبر وأسفله لوحان من الرخام في أحدهما مكتوب منقوش بخط بديع: بسم الله الرحمن الرحيم، لله العزة والبقاء وله ما ذرأ وبرأ وعلى خلقه كتب الفناء، وفي رسول الله أسوة، هذا قبر أم سلمة فاطمة بنت الحسين رضي الله عنه، وفي اللوح الآخر منقوش: صنعه محمد بن أبي سهل النقاش بمصر، وتحت ذلك هذه الأبيات: أسكنت من كان في الأحشاء مسكنه ... بالرّغم منّي بين التّرب والحجر يا قبر فاطمة بنت ابن فاطمة ... بنت الأيمة بنت الأنجم الزّهر

يا قبر، ما فيك من دين ومن ورع ... ومن عفاف، ومن صون ومن خفر «12» ثم سافرت من هذه المدينة إلى القدس، فزرت في طريقي اليه تربة يونس عليه السلام وعليها بنية كبيرة ومسجد، وزرت «13» أيضا بيت لحم موضع ميلاد عيسى عليه السلام، وبه أثر جذع النخلة «14» وعليه عمارة كثيرة «15» والنصارى يعظمونه أشد التعظيم ويضيّفون من نزل به. ثم وصلنا إلى بيت المقدس شرفه الله ثالث المسجدين الشريفين في رتبة الفضل، ومصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ومعرجه إلى السماء، والبلدة كبيرة منيفة بالصّخر المنحوت وكان الملك الصالح الفاضل صلاح الدين بن أيوب «16» ، جزاه الله عن

رسم قديم لبيت المقدس من المكتبة الوطنية لباريز

ذكر المسجد المقدس

الإسلام خيرا، لما فتح هذه المدينة هدم بعض سورها، ثم استنقض الملك الظاهر هدمه خوفا أن يقصدها الروم فيمتنعون بها، ولم يكن بهذه المدينة نهر فيما تقدم، وجلب لها الماء في هذا العهد، الأمير سيف الدين تنكيز «17» أمير دمشق. ذكر المسجد المقدس وهو من المساجد العجيبة الرائقة الفائقة الحسن، يقال إنه ليس على وجه الأرض مسجد أكبر منه وأن طوله من شرق إلى غرب سبعماية واثنتان وخمسون ذراعا بالذراع المالكية «18» وعرضه من القبلة إلى الجوف أربعماية ذراع وخمس وثلاثون ذراعا، وله أبواب كثيرة في جهاته الثلاث، وأما الجهة القبلية منه فلا أعلم بها إلا بابا واحدا وهو الذي يدخل منه الامام، والمسجد كله فضاء غير مسقف إلا المسجد الأقصى فهو مسقف، «19» في النهاية من إحكام العمل وإتقان الصنعة، مموّه بالذهب والاصبغة الرائقة، وفي المسجد مواضع سواه مسقفة.

ذكر قبة الصخرة

ذكر قبة الصخرة وهي من أعجب المباني وأتقنها وأغربها شكلا قد توفر حظها من المحاسن وأخذت من كل بديعة بطرف، وهي قائمة على نشز في وسط المسجد يصعد إليها في درج رخام، ولها أربعة أبواب والدائر بها مفروش بالرخام أيضا محكم الصنعة، وكذلك داخلها وفي ظاهرها وباطنها من أنواع الزواقة، ورايق الصنعة، ما يعجز الواصف، وأكثر ذلك مغشى بالذهب فهي تتلألأ نورا وتلمع لمعان البرق، يحار بصر متأملها في محاسنها ويقصر لسان رائيها عن تمثيلها. وفي وسط القبّة الصخرة الكريمة التي جاء ذكرها في الآثار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم عرج منها إلى السماء، وهي صخرة صماء ارتفاعها نحو قامة «20» ، وتحتها مغارة في مقدار بيت صغير ارتفاعها نحو قامة أيضا، ينزل إليها على درج، وهنالك شكل محراب وعلى الصخرة شباكان اثنان محكما العمل يغلقان عليها: أحدهما وهو الذي يلي الصخرة من حديد بديع الصنعة «21» والثاني من خشب، وفي القبة درقة كبيرة من حديد معلقة هنالك، والناس يزعمون انها درقة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.

مسجد الصّخرة، القدس/ فلسطين

ذكر بعض المشاهد المباركة بالقدس الشريف

ذكر بعض المشاهد المباركة بالقدس الشريف فمنها بعدوة الوادي المعروف بوادي جهنم في شرقي البلد على تلّ مرتفع هنالك بنية يقال إنها مصعد عيسى عليه السلام إلى السماء «22» ، ومنها أيضا قبر رابعة البدوية (منسوب إلى البادية وهي خلاف رابعة العدوية الشهيرة «23» ، وفي بطن الوادي المذكور كنيسة يعظمها النصارى ويقولون: إن قبر مريم عليها السلام «24» بها، وهنالك أيضا كنيسة أخرى معظمة يحجها النصارى «25» ، وهي التي يكذبون عليها ويقولون إن قبر عيسى عليه السلام بها «26» ، وعلى كل من يحجّها ضريبة معلومة للمسلمين، وضروب من الإهانة يتحملها رغم أنفه، وهنالك موضع مهد عيسى عليه السلام يتبرك به. ذكر بعض فضلاء القدس فمنهم قاضيه العالم شمس الدين محمد بن سالم الغزّي بفتح الغين وهو من أهل غزة وكبرائها «27» ، ومنهم خطيبه الصالح الفاضل عماد الدين النابلسي، ومنهم المحدّث المفتي شهاب الدين الطبري، ومنهم مدرس المالكية وشيخ الخانقات الكريمة أبو عبد الله محمد بن

وثيقة تأسيس الرباط الذي أنشأه بالقدس السلطان قلاون عام 681- 1282 عن أرشيف ماكس فان بيرشم جنيف

ورقات من المصحف الذي كتبه بخطه وأهداه إلى بيت المقدس سلطان المغرب أبو الحسن علي بن أبي سعيد عثمان وجعل على تلاوته أوقافا عديدة ...

مثبت الغرناطي نزيل القدس «28» ، ومنهم الشيخ الزاهد أبو علي حسن المعروف بالمحجوب من كبار الصالحين، ومنهم الشيخ الصالح العابد كمال الدين المراغي، ومنهم الشيخ الصالح العابد أبو عبد الرحيم عبد الرحمن بن مصطفى من أهل أرز الروم وهو من تلامذة تاج الدين الرفاعي، صحبته ولبست منه خرقة التصوف «29» . ثم سافرت من القدس الشريف «30» برسم زيارة ثغر عسقلان «31» وهو خراب قد عاد رسوما طامسة، وأطلالا دارسة، وقلّ بلد جمع من المحاسن، ما جمعته عسقلان، اتقانا وحسن وضع وأصالة مكان، وجمعا بين مرافق البر والبحر، وبها المشهد الشهير حيث كان رأس الحسين بن علي عليه السلام قبل أن ينقل إلى القاهرة «32» ، وهو مسجد عظيم سامي العلو فيه جب للماء أمر ببنائه بعض العبيديين وكتب ذلك على بابه «33» . وفي قبلة هذا المزار مسجد كبير يعرف بمسجد عمر لم يبق منه إلا حيطانه، وفيه أساطين رخام لا مثل لها في الحسن وهي ما بين قائم وحصيد، ومن جملتها أسطوانه حمراء عجيبة يزعم الناس أن النصارى احتملوها إلى بلادهم ثم فقدوها فوجدت في موضعها بعسقلان.

نقوش من عسقلان ترجع لعام 155 هجرية عن أرشيف بيرشم، جنيف

وفي القبلة من هذا المسجد بئر تعرف ببئر إبراهيم عليه السلام «34» ينزل اليها في درج متسعة ويدخل منها إلى بيوت، وفي كل جهة من جهاتها الاربع عين تخرج من أسراب مطوية بالحجارة، وماؤها عذب وليس بالغزير، ويذكر الناس من فضائلها كثيرا. وبظاهر عسقلان وادي النّمل ويقال إنه المذكور في الكتاب العزيز «35» وبجبانة عسقلان من قبور الشهداء والأولياء مالا يحصر لكثرته «36» أوقفنا عليهم قيّم المزار المذكور وله جراية يجريها له ملك مصر مع ما يصل إليه من صدقات الزوار. ثم سافرت منها إلى مدينة الرّملة «37» : وهي فلسطين، مدينة كبيرة كثيرة الخيرات حسنة الأسواق وبها الجامع الأبيض «38» ويقال إن في قبلته ثلاثمائة من الأنبياء مدفونين، عليهم السلام «39» وفيها من كبار الفقهاء مجد الدين النابلسي. ثم خرجت منها إلى مدينة نابلس «40» وهي مدينة عظيمة كثيرة الأشجار، مطردة الأنهار، من أكثر بلاد الشام زيتونا، ومنها يحمل الزيت إلى مصر ودمشق، وبها تصنع حلواء الخروب وتجلب إلى دمشق وغيرها، وكيفية عملها أن يطبخ الخروب ثم يعصر ويؤخذ ما يخرج منه من الرّب فتصنع منه الحلواء، ويجلب ذلك الرّب أيضا إلى مصر والشام وبها البطيخ

الرّملة/ فلسطين

المنسوب اليها وهو طيب عجيب. ومسجدها الجامع في نهاية من الاتقان والحسن، وفي وسطه بركة ماء عذب. ثم سافرت منها إلى مدينة عجلون «41» وهي بفتح العين المهملة وهي مدينة حسنة، لها أسواق كثيرة، وقلعة خطيرة، ويشقها نهر ماؤه عذب. ثم سافرت منها بقصد اللّاذقية فمررت بالغور «42» وهو واد بين تلال به قبر أبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة رضي الله عنه «43» ، زرناه وعليه زاوية فيها الطعام لابناء السبيل وبتنا هنالك ليلة. ثم وصلنا إلى القصير «44» وبه قبر معاذ بن جبل رضي الله «45» عنه، تبركت أيضا بزيارته. ثم سافرت على الساحل فوصلت إلى مدينة عكّة «46» وهي خراب، وكانت عكة قاعدة

قلعة الربض نقوش من عجلون: عن أرشيف ماكس فان بيرشم- جنيف

بلاد الافرنج بالشام ومرسى سفنهم، وتشبه بقسطنطينية العظمى، وبشرقيها عين ماء تعرف بعين البقر، يقال إن الله تعالى أخرج منها البقرة لآدم عليه السلام «47» ، وينزل اليها في درج، وكان عليها مسجد بقى منه محرابه وبهذه المدينة قبر صالح عليه السلام «48» . ثم سافرت منها إلى مدينة صور وهي خراب «49» ، وبخارجها قرية معمورة، وأكثر أهلها رافضيون «50» ولقد نزلت بها مرة على بعض المياه أريد الوضوء فأتى بعض أهل تلك القرية ليتوضأ، فبدأ بغسل رجليه ثم غسل وجهه ولم يتمضمض ولا استنشق ثم مسح بعض رأسه فأخذت عليه في فعله فقال لي إن البناء إنما يكون ابتداؤه من الأساس! ومدينة صور هي التي يضرب بها المثل في الحصانة والمنعة لأن «51» البحر محيط بها من ثلاث جهاتها، ولها بابان أحدهما للبر والثاني للبحر، ولبابها الذي يشرع للبر أربعة فصلان كلها في ستاير محيطة بالباب، وأما الباب الذي للبحر فهو بين برجين عظيمين. وبناؤها ليس في بلاد الدنيا أعجب ولا أغرب شأنا منه لأن البحر محيط بها من ثلاث جهاتها وعلى الجهة الرابعة سور، تدخل السفن تحت السور، وترسو هنالك، وكان فيما تقدم، بين البرجين سلسلة حديد معترضة لا سبيل إلى الداخل هنالك ولا إلى الخارج إلا بعد حطها، وكان عليها الحراس والأمناء فلا يدخل داخل ولا يخرج خارج إلا على علم منهم. وكان لعكة أيضا ميناء مثلها ولكنها لم تكن تحمل إلا السفن الصغار.

صور

ثم سافرت منها إلى مدينة صيدا «52» وهي على ساحل البحر حسنة كثيرة الفواكه يحمل منها التين والزبيب والزيت إلى بلاد مصر نزلت عند قاضيها كمال الدين الأشموني المصري وهو حسن الأخلاق كريم النفس. ثم سافرت منها إلى مدينة طبرية «53» وكانت، فيما مضى مدينة كبيرة ضخمة ولم يبق منها إلا رسوم تنبئ عن ضخامتها، وعظم شأنها، وبها الحمّامات العجيبة، لها بيتان: أحدهما للرجال والثاني للنساء وماؤها شديد الحرارة، ولها البحيرة الشهيرة طولها نحو ستة فراسخ وعرضها أزيد من ثلاثة فراسخ. وبطبرية مسجد يعرف بمسجد الانبياء فيه قبر شعيب «54» عليه السلام وبنته زوج موسى الكليم عليه السلام، وقبر سليمان عليه السلام، وقبر يهودا وقبر روبيل صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم. وقصدنا منها زيارة الجبّ الذي ألقي فيه يوسف عليه السلام 5» وهو في صحن مسجد صغير وعليه زاوية، والجب كبير عميق شربنا من مائه المجتمع من ماء المطر، وأخبرنا قيّمه أن الماء ينبع منه أيضا.

طبريّا/ فلسطين

حكاية أبي يعقوب يوسف المذكور

ثم سرنا إلى مدينة بيروت «56» وهي صغيرة حسنة الأسواق، وجامعها بديع الحسن، وتجلب منها إلى ديار مصر الفواكه والحديد. وقصدنا منها زيارة قبر أبي يعقوب يوسف الذي يزعمون أنه «57» من ملوك المغرب وهو بموضع يعرف بكرك نوح «58» من بقاع العزيز، وعليه زاوية يطعم بها الوارد والصادر، ويقال إن السلطان صلاح الدين وقف عليها الأوقاف وقيل السلطان نور الدين «59» ، وكان من الصالحين، ويذكر أنه كان ينسج الحصر ويقتات بثمنها. حكاية أبي يعقوب يوسف المذكور يحكى أنه دخل مدينة دمشق فمرض بها مرضا شديدا وأقام مطروحا بالأسواق، فلما برئ من مرضه خرج إلى ظاهر دمشق ليلتمس بستانا يكون حارسا له فاستؤجر لحراسة بستان للملك نور الدين، وأقام في حراسته ستة أشهر فلما كان في أوان الفاكهة أتى السلطان، إلى ذلك البستان، وأمر وكيل البستان، أبا يعقوب أن يأتي برمان، يأكل منه

السلطان، فأتاه برمان، فوجده حامضا، فأمره أن يأتي بغيره ففعل ذلك فوجده أيضا حاوضا، فقال له الوكيل أتكون في حراسة هذا البستان منذ ستة أشهر ولا تعرف الحلو من الحاوض فقال: إنما استأجرتني على الحراسة لا على الأكل! فأتى الوكيل إلى الملك فأعلمه بذلك، فبعث اليه الملك وكان قد رأى في المنام أنه يجتمع مع أبي يعقوب وتحصل له منه فائدة، فتفرّس أنه هو فقال له أنت أبو يعقوب؟ قال نعم، فقام إليه وعانقه وأجلسه إلى جانبه ثم احتمله إلى مجلسه فأضافه بضيافة من الحلال المكتسب بكدّ يمينه وأقام عنده أياما. ثم خرج من دمشق فارا بنفسه في أوان البرد الشديد، فأتى قرية من قراها وكان بها رجل من الضعفاء، فعرض عليه النزول عنده، ففعل وصنع له مرقة وذبح دجاجة، فأتاه بها وبخبز شعير، فأكل من ذلك ودعا للرجل وكان عنده جملة أولاد منهم بنت قد آن بناء زوجها عليها، ومن عوائدهم في تلك البلاد أن البنت يجهزها أبوها ويكون معظم الجهاز أواني النحاس وبه يتفاخرون وبه يتبايعون، فقال أبو يعقوب للرجل هل عندك شيء من النحاس؟ قال: نعم، قد اشتريت منه لتجهيز هذه البنت، قال: ائتني به فأتاه به، فقال له استعر من جيرانك ما أمكنك منه، ففعل، وأحضر ذلك بين يديه، فأوقد عليه النيران، وأخرج صرة كانت عنده فيها الإكسير، فطرح منه على النحاس، فعاد كلّه ذهبا وتركه في بيت مقفل. وكتب كتابا إلى نور الدين ملك دمشق يعلمه بذلك وينبّهه على بناء مارستان للمرضى من الغرباء ويوقف عليه الأوقاف ويبني الزوايا بالطرق ويرضى أصحاب النحاس ويعطي صاحب البيت كفايته. وقال له في آخر الكتاب « ... وإن كان إبراهيم بن أدهم قد خرج عن ملك خراسان فأنا قد خرجت من ملك المغرب وعن هذه الصنعة والسلام ... » وفرّ من حينه، وذهب صاحب البيت بالكتاب إلى الملك نور الدين، فوصل الملك إلى تلك القرية واحتمل الذهب بعد أن أرضى أصحاب النحاس وصاحب البيت. وطلب أبا يعقوب فلم يجد له أثرا ولا يقع له على خبر فعاد إلى دمشق وبنى المارستان المعروف باسمه «60» الذي ليس في المعمور مثله.

ثم وصلت إلى مدينة طرابلس «61» وهي إحدى قواعد الشام، وبلدانها الضخام، تخترقها الأنهار، وتحفّها البساتين والأشجار، ويكنفها البحر بمرافقه العميمة والبر بخيراته المقيمة، ولها الأسواق العجيبة، والمسارح الخصيبة والبحر على ميلين منها وهي حديثة البناء. وأما طرابلس القديمة فكانت على ضفة البحر وتملّكها الروم زمانا، فلما استرجعها الملك الظاهر خربت، واتخذت هذه الحديثة، وبهذه المدينة نحو أربعين من أمراء الأتراك، وأميرها طيلان «62» الحاجب المعروف بملك الأمراء، ومسكنه منها بالدار المعروفة بدار السّعادة، ومن عوائده أن يركب في كل يوم اثنين وخميس، ويركب معه الأمراء والعساكر ويخرج إلى ظاهر المدينة فإذا عاد إليها وقارب الوصول إلى منزله ترجل الأمراء ونزلوا عن دوابهم ومشوا بين يديه حتى يدخل منزله، وينصرفون «63» وتضرب الطّبلخانة عند دار كل أمير منهم بعد صلاة المغرب من كل يوم، وتوقد المشاعل. وممن كان بها من الأعلام كاتب السر بهاء الدين ابن غانم «64» أحد الفضلاء الحسباء، معروف بالسخاء والكرم، وأخوه حسام الدين هو شيخ القدس الشريف، وقد ذكرناه «65» ، وأخوهما علاء الدين «66» كاتب السر بدمشق.

ومنهم وكيل بيت المال قوام الدين، ابن مكين من أكابر الرجال، ومنهم قاضي قضاتها شمس الدين ابن النّقيب «67» من أعلام علماء الشام. وبهذه المدينة حمامات حسان: منها حمام القاضي القرمي وحمام سندمور «68» وكان سندمور أمير هذه المدينة، ويذكر عنه أخبار كثيرة في الشدة على أهل الجنايات منها أن امرأة شكت إليه بأن أحد مماليك الخواص تعدى عليها في لبن كانت تبيعه فشربه ولم تكن لها بيّنة، فأمر به فوسّط «69» ، فخرج اللبن من مصرانه! وقد اتفق مثل هذه الحكاية للعتريس «70» أحد أمراء الملك الناصر أيام إمارته على عيذاب، واتفق مثلها للملك كبك سلطان تركستان. ثم سافرت من طرابلس إلى حصن الاكراد «71» وهو بلد صغير كثير الأشجار والأنهار بأعلى تل، وبه زاوية تعرف بزاوية الابراهيمي نسبة إلى بعض كبراء الأمراء ونزلت عند قاضيها ولا أحقق الآن اسمه. ثم سافرت إلى مدينة حمص «72» وهي مدينة مليحة، أرجاؤها مؤنقة، وأشجارها مورقة، وأنهارها متدفقة، وأسواقها فسيحة الشوارع، وجامعها متميّز بالحسن الجامع، وفي وسطه بركة ماء، وأهل حمص عرب لهم فضل وكرم، وبخارج هذه المدينة قبر خالد ابن

الوليد «73» سيف الله ورسوله، وعليه زاوية ومسجد وعلى القبر كسوة سوداء، وقاضي هذه المدينة جمال الدين الشريشى «74» من أجمل الناس صورة وأحسنهم سيرة. ثم سافرت منها إلى مدينة حماة «75» إحدى أمهات الشام الرفيعة، ومدائنها البديعة، ذات الحسن الرائق، والجمال الفائق تحفّها البساتين والجنات، عليها النواعير كالأفلاك الدائرات «76» يشقها النّهر العظيم المسمى بالعاصي «77» ، ولها ربض سمي بالمنصورية أعظم من المدينة، فيه الأسواق الحافلة والحمامات الحسان. وبحماة الفواكه الكثيرة، ومنها المشمش اللوزي اذا كسرت نواته وجدتّ في داخلها لوزة حلوة «78» . قال ابن جزي: وفي هذه المدينة ونهرها ونواعيرها وبساتينها يقول الأديب الرّحال نور

مدينة حماة نقوش من حماة

الدين أبو الحسن علي بن موسى ابن سعيد «79» العنسي العمّاري الغرناطي نسبة لعمار بن ياسر رضي الله عنه: حمى الله من شطّى حماة مناظرا ... وقفت عليها السمع والفكر والطّرفا تغنّى حمام أو تميل خمائل ... وتزهى مبان تمنع الواصف الوصفا يلومونني أن أعصي الصّون والنّهى ... بها، وأطيع الكأس واللهو والقصفا! إذا كان فيها النّهر عاص، فكيف لا ... أحاكيه عصيانا وأشربها صرفا؟! وأشدو لدى تلك النّواعر شدوها ... وأغلبها رقصا وأشبهها غرفا تئنّ وتذري دمعها، فكأنّها ... تهيم بمراها وتسألها العطفا ولبعضهم في نواعيرها ذاهبا مذهب التّورية وناعورة رقّت لعظم خطيئتي ... وقد عاينت قصدي من المنزل القاصي بكت رحمة لي ثم باحت بشجوها ... وحسبك أن الخشب تبكى على العاصي

لقطة من معرة النعمان، عن مؤسسة بيرشم- جنيف

ولبعض المتأخرين فيها أيضا من التورية: يا سادة سكنوا حماة وحقّكم ... ما حلت عن تقوى وعن إخلاصي والطّرف بعدكم إذا ذكر اللّقا ... يجري المدامع طائعا كالعاصي! رجع، ثم سافرت إلى مدينة المعرّة التي ينسب اليها الشاعر أبو العلاء المعري «80» ، وكثير سواه من الشعراء. قال ابن جزي: وإنما سميت بمعرة النعمان لان النعمان بن بشير الأنصاري «81» صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي له ولد أيام إمارته على حمص فدفنه بالمعرة فعرفت به، وكانت قبل ذلك تسمى ذات القصور «82» ، وقيل إن النعمان جبل مطلّ عليها سميت به. والمعرة مدينة حسنة أكثر شجرها التين والفستق، ومنها يحمل إلى مصر والشام، وبخارجها على فرسخ منها قبر أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز «83» ، ولا زاوية عليه ولا

خديم له، وسبب ذلك أنه وقع في بلاد صنف من الرافضة «84» أرجاس يبغضون العشرة من الصحابة رضي الله عنهم ولعن مبغضهم، ويبغضون كلّ من اسمه عمر، وخصوصا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما كان من فعله في تعظيم عليّ رضي الله عنه. ثم سرنا منها إلى مدينة سرمين «85» ، وهي حسنة كثيرة البساتين، وأكثر شجرها الزيتون، وبها يصنع الصابون الآجورى، ويجلب إلى مصر والشام ويصنع بها أيضا الصابون المطيّب لغسل الأيدي ويصبغونه بالحمرة والصفرة، ويصنع بها ثياب قطن حسان تنسب اليها. وأهلها سبّابون يبغضون العشرة «86» ، ومن العجب أنهم لا يذكرون لفظ العشرة وينادي سماسرتهم بالأسواق على السلع فإذا بلغوا إلى العشرة قالوا: تسعة وواحدا!! وحضر بها بعض الأتراك يوما فسمع سمسارا ينادي تسعة وواحد، فضربه بالدّبوس على رأسه، وقال: قل عشرة بالدبوس! وبها مسجد جامع فيه تسع قباب ولم يجعلها عشرة قياما بمذهبهم القبيح! ثم سرنا إلى مدينة حلب المدينة الكبرى، والقاعدة العظمى. قال أبو الحسين ابن جبير في وصفها: قدرها خطير، وذكرها في كل زمان يطير، خطابها من الملوك كثير، ومحلها من النفوس أثير، فكم هاجت من كفاح، وسل عليها من بيض الصفاح، لها قلعة شهيرة الامتناع، باينة الارتفاع تنزهت حصانة أن ترام أو تستطاع، منحوتة الأرجاء، موضوعة على نسبة اعتدال واستواء، قد طاولت الأيام والأعوام، وشيعت الخواص والعوام، أين أمراؤها الحمدانيون، وشعراؤها «87» ؟ فني جميعهم ولم يبق إلا بناؤها! فيا عجبا للبلاد تبقى ويذهب أملاكها! ويهلكون ولا يقضى هلاكها وتخطب بعدهم فلا يتعذر إملاكها، وترام فيتيسر بأهون شيء إدراكها.

قلعة حلب

هذه حلب كم ادخلت ملوكها في خبر كان، ونسخت ظرف الزمان بالمكان! أنّث اسمها فتحلت بحلية الغوان، ودانت بالعذر فيمن دان، وتجلت عروسا بعد سيف دولتها ابن حمدان، هيهات هيهات سيهرم شبابها، ويعدم خطابها، ويسرع فيها بعد حين خرابها! وقلعة حلب تسمى الشهباء «88» ، وبداخلها جبّان ينبع منهما الماء، فلا تخاف الظمأ، ويطيف بها سوران، وعليها خندق عظيم ينبع منه الماء، وسورها متدانى الأبراج، وقد انتظمت بها العلاليّ العجيبة المفتحة الطيقان، وكلّ برج منها مسكون، والطعام لا يتغير بهذه القلعة على طول العهد «89» . وبها مشهد يقصده بعض الناس يقال: إن الخليل عليه السلام كان يتعبد به. وهذه القلعة تشبه قلعة رحبة مالك بن طوق التي على الفرات بين الشام والعراق «90» ، ولما قصد قازان «91» طاغية التتر مدينة حلب حاصر هذه القلعة أياما ونكص عنها خائبا. قال ابن جزي: وفي هذه القلعة يقول الخالدي «92» شاعر سيف الدولة: وخرقاء قد تاهت على من يرومها ... بمرقبها العالي وجانبها الصّعب يجرّ عليها الجوّ جيب غمامة ... ويلبسها عقدا بأنجمه الشّهب

إذا ما سرى برق بدت من خلاله ... كما لاحت العذراء من خلل السّحب فكم من جنود قد أماتت بغصّة ... وذي سطوات قد أبانت على عقب وفيها يقول أيضا وهو من بديع النظم وقلعة عانق العيون سافلها ... وجاز منطقة الجوزاء عاليها لا تعرف القطر إذ كان الغمام لها ... أرضا توطّأ قطريه مواشيها إذا الغمامة راحت غاض ساكنها ... حياضها قبل أن تهمي عواليها يعدّ من أنجم الأفلاك مرقبها ... لو أنّه كان يجري في مجاريها ردّت مكايد أقوام مكايدها ... ونصّرت لدواهيهم دواهيها وفيها يقول جمال الدين علي بن أبي منصور: كادت لبون سموّها وعلوّها ... تستوقف الفلك المحيط الدّايرا وردت قواطنها المجرّة منهلا ... ورعت سوابقها النّجوم زواهرا

ويضلّ صرف الدهر منها خائفا ... وجلا، فما يمسي لديها حاضرا! ويقال في مدينة حلب: حلب إبراهيم «93» ، لأن الخليل صلوات الله على نبيّنا وعليه وسلامه، كان يسكنها، وكانت له الغنم الكثيرة فكان يسقي الفقراء، والمساكين والوارد والصادر من ألبانها فكانوا يجتمعون ويسألون حلب إبراهيم فسميت بذلك. وهي من أعز البلاد التي لا نظير لها في حسن الوضع وإتقان الترتيب واتساع الأسواق وانتظام بعضها ببعض، وأسواقها مسقفة بالخشب فأهلها دائما في ظلّ ممدود، وقيساريتها «94» لا تماثل حسنا وكبرا وهي تحيط بمسجدها، وكلّ سماط منها محاذي لباب من أبواب المسجد، ومسجدها الجامع من أجمل المساجد «95» ، في صحنه بركة ماء، ويطيف به بلاط عظيم الاتساع، ومنبرها بديع العمل مرصع بالعاج والأبنوس. وبقرب جامعها مدرسة مناسبة له في حسن الوضع واتقان الصنعة تنسب لأمراء حمدان، وبالبلد سواها ثلاث مدارس، وبها مارستان «96» .

وأما خارج المدينة فهو بسيط أفيح عريض، به المزارع العظيمة وشجرات الأعناب منتظمة به، والبساتين على شاطىء نهرها، وهو النهر الذي يمر بحماة ويسمى العاصي «97» وقيل أنه سمي بذلك لانه يخيل لناظره أن جريانه من أسفل إلى علو، والنفس تجد في خارج مدينة حلب انشراحا وسرورا ونشاطا لا يكون في سواها، وهي من المدن التي تصلح للخلافة. قال ابن جزي: أطنبت الشعراء في وصف محاسن حلب وذكر داخلها وخارجها وفيها يقول أبو عبادة البحتري «98» : يا برق أسفر عن قويق مطالبي ... حلب، فأعلى القصر من بطياس «99» عن منبت الورد المعصفر صبغه ... في كلّ ضاحية ومجنى الآس! أرض إذا استوحشت ثم أتيتها ... حشدت عليّ فأكثرت إيناسي

وقال فيها الشاعر المجيد أبو بكر الصنوبري «100» : سقى حلب المزن مغنى حلب ... فكم وصلت طربا بالطّرب وكم مستطاب من العيش لذ ... بها إذ بها العيش لم يستطب إذا نشر الزّهر أعلامه ... بها ومطارفه والعذب غذا وحواشيه من فضّة ... تروق وأوساطه من ذهب وقال أبو العلاء المعري «101» : حلب للوارد جنة عدن ... وهي للغادرين نار سعير والعظيم العظيم يكبر في عي ... نيه منها قدر الصغير الصّغير فقويق في أنفس القوم بحر ... وحصاة منه مكان ثبير!

وقال فيها أبو الفتيان بن حيّوس «102» يا صاحبيّ إذا أعياكما سقمي ... فلقّياني نسيم الرّيح من حلب من البلاد التي كان الصّبا سكنا ... فيها، وكان الهوى العذريّ من أربي وقال فيها أبو الفتح كشاجم «103» : وما أمتعت جارها بلدة ... كما أمتعت حلب جارها بها قد تجمّع ما تشتهي ... فزرها فطوبى لمن زارها وقال أبو الحسن علي بن موسى بن سعيد الغرناطي العنسي: حادي العيس، كم تنيخ المطايا ... سق بروحي من بعدهم في سياق حلب إنها مقرّ غرامي ... ومرامي وقبلة الأشواق!

لا خلا جوشن وبطياس وال ... عبد من كلّ وابل غيداق «104» كم بها مرتع لطرف وقلب ... فيه سقي المنى بكأس دهاق وتغنّي طيوره لإرتياح ... وتثني غصونه للعناق وعلوّ الشّهباء حيث استدارت ... أنجم الأفق حولها كالنّطاق. رجع، وبحلب ملك الأمراء أرغون الدّوادار أكبر أمراء الملك الناصر «105» ، وهو من الفقهاء موصوف بالعدل لكنه بخيل. والقضاة بحلب أربعة للمذاهب الأربعة، فمنهم القاضي كمال الدين بن الزّملكاني «106» شافعي المذهب عالي الهمة كبير القدر كريم النفس حسن الأخلاق متفنن بالعلوم، وكان الملك الناصر قد بعث إليه ليولّيه قضاء القضاة بحضرة ملكه فلم يمض له ذلك، وتوفى ببلبيس وهو متوجه إليها، ولما ولى قضاء حلب قصدته الشعراء من دمشق وسواها وكان فيمن قصده شاعر الشام شهاب الدين أبو بكر محمد ابن الشيخ

المحدث شمس الدين أبي عبد الله محمد بن نباتة القرشي الأموي الفارقي، «107» فامتدحه بقصيدة طويلة حافلة، أولها: أسفت لفقدك جلّق «108» الفيحاء ... وتباشرت لقدومك الشّهباء وعلا دمشق وقد رحلت كابة ... وعلا ربا حلب سنا وسناد قد أشرقت دار سكنت فناءها ... حتّى غدت ولنورها لألأء يا سائرا يبغي المكارم والعلى ... ممّن يبخّل عنده الكرماء هذا كمال الدين لذ بجنابه ... تنعم؟ فثمّ الفضل والنّعماء قاضي القضاة أجلّ من أيامه ... تغنى بها الأيتام والفقراء قاض زكا أصلا وفرعا فاعتلى ... شرفت به الآباء والأبناء! منّ الإله على بني حلب به ... لله وضع الفضل حيث يشاء

كشف المعمّى فهمه وبيانه ... فكأنّما ذاك الذّكاء ذكاء يا حاكم الحكّام قدرك سابق ... عن أن تسرّك رتبة شمّاء إنّ المناصب دون همّتك التي ... في الفضل دون محلّها الجوزاء لك في العلوم فضايل مشهورة ... كالصّبح شقّ له الظلام ضياء ومناقب شهد العدوّ بفضلها ... والفضل ما شهدت به الأعداء! وهي أزيد من خمسين بيتا، وأجازه عليها بكسوة ودراهم وانتقد عليه الشعراء ابتداءه بلفظ أسفت. قال ابن جزي: وليس كلامه في هذه القصيدة بذلك، وهو في المقطعات أجود منه في القصائد، وإليه انتهت الرياسة في الشعر على هذا العهد في جميع بلاد المشرف وهو من ذرية الخطيب أبي يحيى عبد الرحيم بن نباتة منشئ الخطب الشهيرة، ومن بديع مقطعاته في التورية قوله: علقتها غيداء حالية العلى ... تجني على عقل المحبّ وقلبه بخلت بلؤلؤ ثغرها عن لاثم ... فغدت مطوقة بما بخلت به!

رجع، ومن قضاة حلب، قاضي قضاة الحنفية الامام المدرس ناصر الدين ابن العديم «109» حسن الصورة والسيرة، أصيل بمدينة حلب. تراه إذا ما جئته متهلّلا ... كأنك تعطيه الذي أنت سائله «110» ! ومنهم قاضي القضاة المالكية لا أذكره، كان من الموثقين بمصر وأخذ الخطة عن غير استحقاق، ومنهم قاضي قضاة الحنابلة لا أذكر اسمه وهو من أهل صالحية دمشق. ونقيب الاشراف بحلب بدر الدين ابن الزهراء «111» . ومن فقهائها شرف الدين ابن العجمي 11» وأقاربه هم كبراء مدينة حلب. ثم سافرت منها إلى مدينة تيزين «113» وهي على طريق قنّسرين «114» ، وضبط اسمها بتاء معلوة مكسورة وياء مدّ وزاي مكسورة وياء مد ثانية ونون، وهي حديثة اتخذها التركمان، وأسواقها حسان، ومساجدها في نهاية من الاتقان، وقاضيها بدر الدين العسقلاني، وكانت مدينة قنسرين قديمة كبيرة ثم خربت ولم يبق الا رسومها.

ثم سافرت إلى مدينة أنطاكية، «115» وهي مدينة عظيمة أصيلة، وكان عليها سور محكم لا نظير له في أسوار بلاد الشام، فلما فتحها الملك الظاهر هدم سورها، وأنطاكية كثيرة العمارة، ودورها حسنة البناء كثيرة الأشجار والمياه، وبخارجها نهر العاصي، وبها قبر حبيب النجار «116» رضي الله عنه، وعليه زاوية فيها الطعام للوارد والصادر، شيخها الصالح المعمّر محمد بن علي، سنّه ينيف على الماية، وهو ممتع بقوته، دخلت عليه مرة في بستان له وقد جمع حطبا ورفعه على كاهله ليأتي به منزله بالمدينة، ورأيت ابنه قد أناف على الثمانين إلا أنه محدودب الظهر لا يستطيع النهوض، ومن يراهما يظن الوالد منهما ولدا والولد والدا!! ثم سافرت إلى حصن بغراس «117» وضبط اسمه ببناء موحدة مضمومة وغين معجمة مسكنة وراء وآخره سين مهمل، وهو حصن منيع لا يرام، عليه البساتين والمزارع، ومنه يدخل إلى بلاد سيس «118» ، وهي بلاد كفار الارمن، وهم رعية للملك الناصر يؤدون إليه مالا، ودراهمهم فضة خالصة، تعرف بالبغلية «119» ، وبها تصنع الثياب الدبليزية «120» ، وأمير هذا الحصن صارم الدين بن الشيباني، وله ولد فاضل اسمه علاء الدين وابن أخ اسمه حسام الدين فاضل كريم يسكن الموضع المعروف بالرّصص بضم الراء والصاد المهمل الأول «121» ، ويحفظ الطريق إلى بلاد الأرمن.

حكاية

حكاية شكى الأرمن مرة إلى الملك الناصر بالأمير حسام الدين وزوّروا عليه أمورا لا تليق فنفّذ أمره لأمير الأمراء بحلب أن يخنقه فلما توجه الأمير بلغ ذلك صديقا له من كبار الأمراء فدخل على الملك الناصر، وقال ياخوند! إن الأمير حسام الدين هو من خيار الأمراء ينصح للمسلمين ويحفظ الطريق، وهو من الشجعان، والأرمن يريدون الفساد في بلاد المسلمين فيمنعهم ويقهرهم، وإنما أرادوا إضعاف شوكة المسلمين بقتله، ولم يزل به حتى أنفذ أمرا ثانيا بسراحه والخلع عليه ورده لموضعه، ودعا الملك الناصر بريديا يعرف بالاقوش، وكان لا يبعث إلا في مهم، وأمره بالاسراع والجد في السير فسار من مصر إلى حلب في خمس وهي مسيرة شهر فوجد أمير حلب قد أحضر حسام الدين وأخرجه إلى الموضع الذي يخنق به الناس فخلصه الله تعالى وعاد إلى موضعه. ولقيت هذا الأمير ومعه قاضي بغراس شرف الدين الحموي بموضع يقال له العمق «122» متوسط بين أنطاكية وتيزين وبغراس، ينزله التركمان بمواشيهم لخصبه وسعته. ثم سافرت إلى حصن القصير «123» ، تصغير قصر، وهو حصن حسن، أميره علاء الدين الكردي، وقاضيه شهاب الدين الأرمنتي، من أهل الديار المصرية. ثم سافرت إلى حصن الشّغر بكاس «124» ، وضبط اسمه بضم الشين المعجم وإسكان الغين المعجم وضم الراء والباء الموحدة وآخره سين مهمل، وهو منيع في رأس شاهق أميره سيف الدين الطّنطاش، فاضل، وقاضيه جمال الدين بن شجرة من أصحاب بن التيمية.

ثم سافرت إلى مدينة صهيون «125» وهي حسنة، بها الأنهار المطردة، والأشجار المورقة، ولها قلعة جيّدة، وأميرها يعرف بالإبراهيمي، وقاضيها محي الدين الحمصي، وبخارجها زاوية في وسط بستان، فيها الطعام للوارد والصادر، وهي على قبر الصالح العابد عيسى البدوي رحمه الله وقد زرت قبره. وسافرت منها فمررت بحصن القدموس، وضبط اسمه بفتح القاف وإسكان الدال المهمل وضم الميم وآخره سين مهمل، ثم بحصن المينقة، وضبط اسمه بفتح الميم وإسكان الياء وفتح النون والقاف، ثم بحصن العلّيقة، واسمه على لفظ واحدة العلّيق، ثم بحصن مصياف، وصاده مهملة، ثم بحصن الكهف «126» ، وهذه الحصون لطائفة يقال لهم الإسماعيلية ويقال لهم الفداويّة «127» ولا يدخل عليهم أحد من غيرهم، وهم سهام الملك الناصر بهم يصيب من يعدو عنه من أعدائه بالعراق وغيرها، ولهم المرتّبات، وإذا أراد السلطان أن يبعث أحدهم إلى اغتيال عدوّ له أعطاه ديته، فإن سلم بعد تأتّي ما يراد منه فهي له، وإن أصيب فهي لولده، ولهم سكاكين مسمومة يضربون بها من بعثوا إلى قتله، وربما لم تصح حيلتهم فقتلوا كما جرى لهم مع الأمير قرا سنقور «128» ، فإنه لما هرب إلى العراق بعث اليه الملك الناصر جملة منهم فقتلوا! ولم يقدروا عليه لأخذه بالحزم.

حكاية [الملك الناصر وقاتل أخيه]

حكاية [الملك الناصر وقاتل أخيه] كان قراسنقور من كبار الأمراء وممن حضر قتل الملك الأشرف أخي الملك الناصر وشارك فيه، ولما تمهد الملك للملك الناصر وقرّ به القرار واشتدت أواخيّ سلطانه «129» جعل يتتبع قتلة أخيه فيقتلهم واحدا واحدا إظهارا للأخذ بثأر أخيه وخوفا أن يتجاسروا عليه بما تجاسروا على أخيه وكان قراسنقور أمير الأمراء بحلب فكتب الملك النّاصر إلى جميع الأمراء أن ينفروا بعساكرهم وجعل لهم ميعادا يكون فيه اجتماعهم بحلب ونزولهم عليها حتى يقبضوا عليه، فلما فعلوا ذلك خاف قراسنقور على نفسه وكان له ثمانمائة مملوك، فركب فيهم وخرج على العساكر صباحا فاخترقهم وأعجزهم سبقا وكانوا في عشرين ألفا وقصد منزل أمير العرب مهنّا بن عيسى «130» ، وهو على مسيرة يومين من حلب، وكان مهنا في قنص له، فقصد بيته ونزل عن فرسه والقى العمامة في عنق نفسه، ونادى: الجوار يا أمير العرب! وكانت هنالك أم الفضل زوج مهنّا وبنت عمه، فقالت له: قد أجرناك وأجرنا من معك، فقال: إنما أطلب أولادي ومالي، فقالت له: لك ما تحب، فانزل في جوارنا، ففعل ذلك وأتى مهنّا فأحسن نزله وحكّمه في ماله، فقال: إنما أحبّ أهلي ومالي الذي تركته بحلب، فدعى مهنّا بإخوانه وبني عمه فشاورهم في أمره فمنهم من أجابه إلى ما أراد، ومنهم من قال له: كيف نحارب الملك الناصر، ونحن في بلاده بالشام؟ فقال لهم مهنا: أما أنا فأفعل لهذا الرجل ما يريده وأذهب معه إلى سلطان العراق. وفي أثناء ذلك ورد عليهم الخبر بأن أولاد قراسنقور سيّروا على البريد إلى مصر، فقال مهنّا لقراسنقور: أما أولادك فلا حيلة فيهم، وأما مالك فنجتهد في خلاصه، فركب فيمن أطاعه من أهله واستنفر من العرب نحو خمسة وعشرين ألفا، وقصدوا حلب فأحرقوا باب قلعتها وتغلبوا عليها، واستخلصوا منها مال قراسنقور ومن بقى من أهله ولم يتعدوا إلى

سوى ذلك، وقصدوا ملك العراق، وصحبهم أمير حمص الأفرم «131» ووصلوا إلى الملك محمد خدا بنده «132» سلطان العراق وهو بموضع مصيفه المسمى قراباغ «133» بفتح القاف والراء والباء الموحدة والغين المعجمة، وهو ما بين السلطانية وتبريز، فأكرم نزلهم وأعطى مهنّا عراق العرب وأعطى قراسنقور مدينة مراغة من عراق العجم «134» ، وتسمى دمشق الصغيرة، وأعطى الأفرم همدان، وأقاموا عنده مدة مات فيها الأفرم، وعاد مهنّا إلى الملك الناصر بعد مواثيق وعهود أخذها منه، وبقى قراسنقور على حاله. وكان «135» الملك الناصر يبعث له الفداوية مرة بعد مرة، فمنهم من يدخل عليه داره فيقتل دونه، ومنهم من يرمي بنفسه عليه وهو راكب فيضربه وقتل بسببه من الفداوية جماعة، وكان لا يفارق الدّرع أبدا ولا ينام إلا في بيت العود والحديد، فلما مات السلطان محمد وولى ابنه أبو سعيد وقع ما سنذكره من أمر الجوبان كبير أمرائه، وفرار ولده الدمرطاش إلى الملك الناصر. ووقعت المراسلة بين الملك الناصر وبين أبي سعيد واتفقا على أن يبعث أبو سعيد إلى الملك الناصر برأس قراسنقور ويبعث اليه الملك الناصر برأس الدّمرطاش، فبعث الملك الناصر برأس الدمرطاش إلى أبي سعيد، فلما وصله أمر بحمل قراسنقور إليه، فلما

مراغة: القبة الزرقاء

حكاية أدهم [الزاهد]

عرف قراسنقور بذلك أخذ خاتما كان له مجوفا في داخله سم ناقع فنزع فصه وامتص ذلك السم فمات لحينه، فعرّف أبو سعيد بذلك الملك الناصر ولم يبعث له برأسه «136» . ثم سافرت من حصون الفداوية إلى مدينة جبلة «137» وهي ذات أنهار مطردة وأشجار، والبحر على نحو ميل منها وبها قبر الولي الصالح الشهير إبراهيم بن أدهم «138» رضي الله عنه، وهو الذي نبذ الملك وانقطع إلى الله تعالى حسبما شهر ذلك، ولم يكن ابراهيم، من بيت ملك كما يظنه الناس، انما ورث الملك عن جده أبي أمه وأما أبوه أدهم فكان من الفقراء الصالحين السائحين المتعبدين الورعين المنقطعين. حكاية أدهم [الزاهد] يذكر أنه مرّ ذات يوم ببساتين مدينة بخارى وتوضأ من بعض الأنهار التي تتخللها فإذا بتفاحة يحملها ماء النّهر، فقال: هذه لا خطر لها فأكلها، ثم وقع في خاطره من ذلك وسواس، فعزم على أن يستحلّ من صاحب البستان، فقرع باب البستان فخرجت إليه جارية، فقال لها: ادعي لي صاحب المنزل! فقالت: إنه لامرأة، فقال: استأذني لي عليها ففعلت، فأخبر المرأة بخبر التّفاحة، فقالت له: ان هذا البستان، نصفه لي ونصفه للسلطان، والسلطان يومئذ ببلخ، وهي مسيرة عشرة من بخارى، وأحلته المرأة من نصفها وذهب إلى بلخ فاعترض السلطان في موكبه، فأخبره الخبر واستحله، فأمره أن يعود اليه من الغد. وكان للسلطان بنت بارعة الجمال قد خطبها أبناء الملوك فتمنّعت وحبّبت إليها العبادة وحب الصالحين، وهي تحب أن تتزوج من ورع زاهد في الدنيا فلما عاد السلطان إلى منزله

حكاية [المهدي الكاذب]

أخبر بنته بخبر أدهم، وقال: ما رأيت أورع من هذا، ياتي من بخاري إلى بلخ لاجل نصف تفاحة! فرغبت في تزوجه، فلما أتاه من الغد قال: لا احلك إلا أن تتزوج ببنتي، فانقاد لذلك بعد استعصاء وتمنع، فتزوج منها فلما دخل عليها وجدها متزينة، والبيت مزين بالفرش وسواها، فعمد إلى ناحية من البيت، وأقبل على صلاته حتى أصبح، ولم يزل كذلك سبع ليال. وكان السلطان ما أحلّه قبل، فبعث اليه أن يحله، فقال: لا أحلك حتى يقع اجتماعك بزوجتك، فلمّا كان الليل واقعها، ثم اغتسل، وأقام إلى الصلاة، فصاح صيحة وسجد في مصلاه فوجد ميتا رحمه الله. وحملت منه، فولدت إبراهيم، ولم يكن لجده ولد فأسند الملك إليه. وكان من تخلّيه عن الملك ما اشتهر، وعلى قبر ابراهيم بن أدهم زاوية حسنة فيها بركة ماء وبها الطعام للصادر والوارد، وخادمها ابراهيم الجمحى من كبار الصالحين، والناس يقصدون هذه الزاوية ليلة النصف من شعبان من سائر أقطار الشام ويقيمون بها ثلاثا ويقوم بها خارج المدينة سوق عظيم فيه من كل شيء ويقدم الفقراء المتجردون من الآفاق لحضور هذا الموسم وكل من يأتي من الزوار لهذه التربة يعطي لخادمها شمعة فيجتمع من ذلك قناطير كثيرة. وأكثر أهل هذه السواحل هم الطايفة النّصيرية «139» الذين يعتقدون أن علي بن أبي طالب إلاه! وهم لا يصلون ولا يتطهرون «140» ولا يصومون، وكان الملك الظاهر ألزمهم بناء المساجد بقراهم فبنوا بكل قرية مسجدا بعيدا عن العمارة ولا يدخلونه ولا يعمّرونه وربما أوت اليه مواشيهم ودوابهم! وربما وصل الغريب اليهم فينزل بالمسجد، ويؤذن للصلاة، فيقولون له: لا تنهق! علفك ياتيك! وعددهم كثير. حكاية [المهدي الكاذب] ذكر لي أن رجلا مجهولا وقع ببلاد هذه الطائفة فادعى الهداية «141» ، وتكاثروا عليه فوعدهم بتملك البلاد وقسم بينهم بلاد الشام وكان يعين لهم البلاد ويأمرهم بالخروج إليها

ويعطيهم من ورق الزيتون ويقول لهم: استظهروا بها، فإنها كالأوامر لكم، فإذا خرج أحدهم إلى بلد أحضره أميره فيقول له: إن الإمام المهدي أعطاني هذا البلد، فيقول له أين الأمر؟ فيخرج ورق الزيتون، فيضرب ويحبس ثم أنه أمرهم بالتجهيز لقتال المسلمين، وأن يبدأوا بمدينة جبلة، وأمرهم أن يأخذوا عوض السيوف قضبان الآس، ووعدهم أنها تصير في أيديهم سيوفا عند القتال، فغدروا مدينة جبلة وأهلها في صلاة الجمعة، فدخلوا الدور وهتكوا الحريم، وثار المسلمون من مسجدهم فأخذوا السلاح وقتلوهم كيف شاءوا، واتصل الخبر باللاذقية فأقبل أميرها بهادر عبد الله «142» بعسكره وطيّرت الحمام إلى طرابلس فأتى أمير الأمراء بعساكره وأتبعوهم حتى قتلوا منهم نحو عشرين ألفا، وتحصّن الباقون بالجبال وراسلوا ملك الأمراء والتزموا أن يعطوه دينارا عن كل رأس إن هو حاول إبقاءهم. وكان الخبر قد طيّر به الحمام إلى الملك الناصر وصدر جوابه أن يحمل عليه السيف، فراجعه ملك الأمراء وألقى له انهم عمال المسلمين في حراثة الأرض وأنهم إن قتلوا ضعف المسلمون لذلك، فأمر بالابقاء عليهم. ثم سافرت إلى مدينة اللاذقية «143» وهي مدينة عتيقة على ساحل البحر يزعمون أنها مدينة الملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا «144» ، وكنت إنما قصدتها لزيارة الولي الصالح عبد المحسن الاسكندري فلما وصلتها وجدته غائبا بالحجاز الشريف فلقيت من أصحابه الشيخين الصالحين سعيد البجائي ويحيى السلاوي، وهما بمسجد علاء الدين بن البهاء أحد فضلاء الشام وكبرائها صاحب الصدقات والمكارم وكان عمّر لهما زاوية بقرب المسجد وجعل بها الطعام للوارد والصادر، وقاضيها الفقيه الفاضل جلال الدين عبد الحق المصري المالكي، فاضل كريم تعلق بطيلان ملك الأمراء فولاه قضاءها.

حكاية [ابن المؤيد الهجاء]

حكاية [ابن المؤيد الهجاء] كان باللاذقية رجل يعرف بابن المؤيد هجّاء لا يسلم أحد من لسانه، متهم في دينه مستخف، يتكلم بالقبائح من الإلحاد فعرضت له حاجة عند طيلان ملك الأمراء فلم يقضها له، فقصد مصر وتقول عليه أمورا شنيعة، وعاد إلى اللاذقية، فكتب طيلان إلى القاضي جلال الدين أن يتحيّل في قتله بوجه شرعي، فدعاه القاضي إلى منزله وباحثه، واستخرج كامن إلحاده، فتكلم بعظائم أيسرها يوجب القتل، وقد أعد القاضي الشهود خلف الحجاب، فكتبوا عقدا بمقاله، وثبت عند القاضي، وسجن وأعلم ملك الأمراء بقضيته، ثم أخرج من السجن وخنق على بابه. ثم لم يلبث ملك الأمراء طيلان أن عزل عن طرابلس ووليها الحاج قرطية «145» ، من كبار الأمراء وممن تقدّمت له فيها الولاية، وبينه وبين طيلان عداوة فجعل يتبع سقطاته وقام لديه إخوة ابن المؤيد شاكين القاضي جلال الدين، فأمر به وبالشهود الذين شهدوا على ابن المؤيد فأحضروا، وأمر بخنقهم، وأخرجوا إلى ظاهر المدينة حيث يخنق الناس، وأجلس كل واحد منهم تحت مختنقه ونزعت عمائمهم، ومن عادة أمراء تلك البلاد أنه متى أمر أحدهم بقتل أحد من الناس يمرّ الحاكم من مجلس الأمير سبقا على فرسه إلى حيث المأمور بقتله، ثم يعود إلى الأمير فيكرر استئذانه يفعل ذلك ثلاثا، فإذا كان بعد الثلاث أنفذ الأمر، فلما فعل الحاكم ذلك قامت الامراء في المرة الثالثة وكشفوا رؤوسهم، وقالوا: أيها الامير هذه سبة في الاسلام! يقتل القاضي والشهود! فقبل الأمير شفاعتهم وخلى سبيلهم وبخارج اللاذقية الدّير المعروف بدير الفاروص «146» وهو أعظم دير بالشام ومصر يسكنه الرّهبان ويقصده النصارى من الآفاق، وكل من نزل به

حكاية الصالحين اللبنانيين وحمار الوحش

من المسلمين فالنصارى يضيفونه، وطعامهم الخبز والجبن والزيتون والخل، والكبر «147» ، وميناء هذه المدينة عليها سلسلة بين برجين لا يدخلها أحد ولا يخرج منها حتى تحطّ له السلسلة وهي من أحسن المراسي بالشام. ثم سافرت إلى حصن المرقب «148» وهو من الحصون العظيمة يماثل حصن الكرك ومبناه على جبل شامخ، وخارجه ربض ينزله الغرباء ولا يدخلون قلعته وافتتحه من أيدى الروم الملك المنصور قلاوون، وعليه ولد ابنه الملك الناصر وكان قاضيه برهان الدين المصري من أفاضل القضاة وكرمائهم. ثم سافرت إلى الجبل الأقرع «149» وهو أعلى جبل الشام، وأول ما يظهر منها من البحر وسكانه التركمان، وفيه العيون والهار. وسافرت منه إلى جبل لبنان، وهو من أخصب جبال الدنيا، به أصناف الفواكه وعيون الماء والظلال والوافرة، ولا يخلو من المنقطعين إلى الله تعالى والزهاد والصالحين، وهو شهير بذلك. ورأيت به جماعة من الصالحين قد انقطعوا إلى الله تعالى ممن لم يشتهر اسمه. حكاية الصالحين اللبنانيين وحمار الوحش أخبرني بعض الصالحين الذين لقيتهم به قال: كنا بهذا الجبل مع جماعة من الفقراء أيام البرد الشديد، فأوقدنا نارا عظيمة، وأحدقنا بها. فقال بعض الحاضرين: يصلح لهذا النار ما يشوى فيها. فقال أحد الفقراء ممن تزدريه الأعين ولا يؤبه به: إني كنت عند صلاة

العصر بمتعبد إبراهيم بن أدهم، فرأيت بمقربة منه حمار وحش قد أحدق الثلج به من كل جانب، وأظنّه لا يقدر على الحراك، فلو ذهبتم اليه لقدرتم عليه، وشويتم لحمه على هذه النار. قال: فقمنا اليه في خمسة رجال فلقيناه كما وصف لنا، فقبضناه وأتينا به أصحابنا وذبحناه وشويناه في تلك النار، وطلبنا الفقير الذي نبّه عليه، فلم نجده ولا وقعنا له على أثر، فطال عجبنا منه. ثم وصلنا من جبل لبنان إلى مدينة بعلبك «150» ، وهي حسنة قديمة من أطيب مدن الشام، تحدق بها البساتين الشريفة والجنات المنيفة، وتحترق أرضها الأنهار الجارية، وتضاهي دمشق في خيراتها المتناهية، وبها من حبّ الملوك ما ليس في سواها، وبها يصنع الدّبس «151» المنسوب إليها، وهو نوع من الرّب يصنعونه من العنب، ولهم تربة يضعونها فيه فيجمد، وتكسر القلة التي يكون بها فيبقى قطعة واحدة، وتصنع منه الحلواء ويجعل فيها الفستق واللوز، ويسمون حلواءه بالملبّن ويسمونها أيضا بجلد الفرس «152» ، وهي كثيرة الألبان وتجلب منها إلى دمشق، وبينهما مسيرة يوم للمجدّ، وأما الرفاق فيخرجون من بعلبك فيبيتون ببلدة صغيرة تعرف بالزّبداني «153» كثيرة الفواكه، ويغدون منها إلى دمشق ويصنع ببعلبك الثياب المنسوبة اليها من الإحرام «154» وغيره ويصنع بها أواني الخشب وملاعقه

لقطة من اللاذقية- عن أرشيف بيرشم لقطة من بعلبك عن المكتبة الوطنية بباريز

التي لا نظير لها في البلاد، وهم يسمون الصحاف بالدّسوت «155» ، وربما صنعوا الصحفة وصنعوا صحفة أخرى تسع في جوفها وأخرى في جوفها إلى أن يبلغوا العشرة يخيل لرائيها أنها صحفة واحدة، وكذلك الملاعق يصنعون منها عشرة واحدة في جوف واحدة، ويصنعون لها غشاء من جلد ويمسكها الرجل في حزامه، وإذا حضر طعاما مع أصحابه أخرج ذلك فيظن رائيه أنها معلقة واحدة ثم يخرج من جوفها تسعا. وكان دخولي لبعلبك عشية النهار وخرجت منها بالغدو لفرط اشتياقي إلى دمشق ووصلت يوم الخميس التاسع من شهر رمضان المعظم عام ستة وعشرين «156» إلى مدينة دمشق الشام فنزلت منها بمدرسة المالكية المعروفة بالشرابشية «157» . ودمشق هي التي تفضل جميع البلاد حسنا وتتقدمها جمالا وكل وصف وإن طال، فهو قاصر عن محاسنها ولا أبدع مما قاله أبو الحسين بن جبير «158» ، رحمه الله تعالى، في ذكرها قال: وأما دمشق فهي جنّة المشرق ومطلع نورها المشرق وخاتمة بلاد الاسلام التي استقريناها وعروس المدن التي اجتليناها. قد تحلت بأزاهير الرياحين وتجلت في حلل سندسية من البساتين. وحلت موضع الحسن بالمكان المكين، وتزيّنت في منتصفها أجمل تزيين، وشرفت بأن أوى المسيح عليه السلام، وأمّه منها إلى ربوة ذات قرار معين، ظل ظليل، وماء سلسبيل «159» . تنساب مذانبه إنسياب الأراقم بكل سبيل. ورياض يحيي النفوس نسيمها العليل، تتبرّح لناظريها بمجتلى صقيل وتنادينا هلموا إلى معرّس للحسن ومقيل. وقد سئمت أرضها كثرة الماء حتى اشتاقت إلى الظماء! فتكاد تناديك بها الصّمّ الصّلاب: أركض برجلك، هذا مغتسل بارد وشراب «160» . وقد أحدقت البساتين بها احداق الهالة

دمشق من أرشيف المكتبة الوطنية بباريز

بالقمر. والاكمام بالثمر. وامتدت بشرقيّها غوطتها «161» الخضراء على امتداد البصر. وكل موضع لحظت بجهاتها الأربع نضرته اليانعة قيد البصر، ولله صدق القائلين عنها: إن كانت الجنة في الأرض فدمشق لا شك فيها، وإن كانت في السماء فهي تساميها وتحاذيها. قال ابن جزي، قد نظم بعض شعرائها في هذا المعنى فقال: إن تكن جنة الخلود بأرض ... فدمشق، ولا تكون سواها! او تكن في السماء فهي عليها ... قد أمدّت هواءها وهواها بلد طيب وربّ غفور «162» ... فاغتنمها عشية وضحاها! وذكر شيخنا المحدث الرحّال شمس الدين أبو عبد الله محمد بن جابر بن حسان القيسي الوادي ءاشي «163» نزيل تونس، ونصّ كلام ابن جبير، ثم قال: ولقد أحسن فيما وصف منها وأجاد، وتوّق الأنفس للتطلع على صورتها بما أفاد، هذا وإن لم تكن له بها إقامة، فيعرب عنها بحقيقة علّامة، ولا وصف ذهبيّات أصيلها، وقد حان من الشمس غروبها ولا أزمان فصولها المنوّعات، ولا أوقات سرورها المنبهات، وقد اختص من قال: ألفيتها كما تصف الألسن، وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الأعين.

قال ابن جزي: والذي قالته الشعراء في وصف محاسن دمشق لا يحصر كثرة، وكان والدي رحمه الله كثيرا ما ينشد في وصفها هذه الأبيات: وهي لشرف الدين بن عنين «164» رحمه الله تعالى: دمشق بى شوق إليها مبرّح ... وإن لجّ واش أو ألحّ عذول بلاد بها الحصباء درّ وتربها ... عبير وأنفاس الشمال شمول تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق ... وصح نسيم الرّوض وهو عليل

وهذا من النمط العالي من الشعر، وقال فيها عرقلة الدمشقي الكلبي «165» : الشام شامة وجنة الدّنيا «166» ، كما ... إنسان مقلتها الغضيضة جلّق «167» من اسها لك جنة لا تنقضي ... ومن الشّقيق جهنم ولا تحرق! وقال أيضا فيها: أما دمشق فجنات معجّلة ... للطّالبين، بها الولدان والحور ما صاح فيها على أوتاره قمر ... إلّا يغنيه قمريّ وشحرور يا حبّذا! ودروع الماء تنسجها ... أنامل الريح إلا أنها زور

وله فيها أشعار كثيرة سوى ذلك: وقال فيها أبو الوحش سبع ابن خلف الأسدي «168» : سقى دمشق الله غيثا محسنا ... من مستهلّ ديمة دهاقها مدينة ليس يضاهي حسنها ... في سائر الدنيا ولا آفاقها تود زوراء «169» العراق أنها ... منها ولا تعزى إلى عراقها! فأرضها مثل السماء بهجة ... وزهرها كالزّهر في إشراقها

نسيم روضها متى ما قد سرى ... افتكّ أخا الهموم من وثاقها قد رتع الربيع في ربوعها ... وسيقت الدنيا إلى أسواقها!! لا تسأم العيون والأنوف من ... رؤيتها يوما ولا استنشاقها! ومما يناسب هذا للقاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني فيها «170» من قصيدة، وقد نسبت أيضا لابن المنير «171» : يا برق هل لك في احتمال تحية ... عذبت فصارت مثل مائك سلسلا باكر دمشق بمشق أقلام الحيا ... زهر الرياض مرصّعا ومكلّلا واجرر بجيرون «172» ذيولك واختصص ... مغنى تأزّر بالعلى وتسربلا

حيث الحيا الرّبعي محلول الحبا ... والوابل الرّبعى مفريّ الكلا وقال فيها أبو الحسن عليّ بن موسى بن سعيد «173» العنسى الغرناطي المدعو نور الدين: دمشق منزلنا حيث النعيم بدا ... مكمّلا، وهو في الآفاق مختصر القضب راقصة والطير صادحة ... والزّهر مرتفع والماء منحدر وقد تجلّت من اللّذات أوجهها ... لكنّها بظلال الدّوح تستتر وكلّ واد به موسى يفجّره «174» ... وكلّ روض على حافاته الخضر! وقال أيضا فيها: خيّم بجلق بين الكأس والوتر ... في جنّة هي ملء السّمع والبصر ومتع الطّرف في مرأى محاسنها ... وروّض الفكر بين الرّوض والنّهر وانظر إلى ذهبيات الأصيل بها ... واسمع إلى نغمات الطّير في الشّجر

وقل لمن لام في لذّاته بشرا ... دعني فإنك عندي سوقة البشر! وقال أيضا فيها: أما دمشق فجنّة ... ينسى بها الوطن الغريب لله أيام السّبوت ... بها «175» ، ومنظرها العجيب أنظر بعينك هل ترى ... إلا محبا أو حبيب!! في موطن غنى الحمام ... به على رقص القضيب وغدت أزاهر روضه ... تختال في فرح وطيب

ذكر جامع دمشق المعروف بجامع بني أمية

وأهل دمشق لا يعملون يوم السبت عملا، إنما يخرجون إلى المنتزهات وشطوط الأنهار، ودوحات الأشجار، بين البساتين النضيرة، والمياه الجارية، يكونون بها يومهم إلى الليل، وقد طال بنا الكلام في محاسن دمشق فلنرجع إلى كلام الشيخ أبي عبد الله. ذكر جامع دمشق المعروف بجامع بني أمية وهو أعظم مساجد الدّنيا احتفالا، وأتقنها صناعة وأبدعها حسنا وبهجة وكمالا، ولا يعلم له نظير ولا يوجد له شبيه، وكان الذي تولى بناءه وإتقانه أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك بن مروان «176» ، ووجه إلى ملك الروم بقسطنطينية يأمره أن يبعث اليه الصناع، فبعث اليه أثنى عشر ألف صانع، وكان موضع المسجد كنيسة فلما افتتح المسلمون دمشق دخل خالد بن الوليد رضي الله عنه من إحدى جهاتها بالسيف فانتهى إلى نصف الكنيسة، ودخل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه من الجهة الغربية صلحا فانتهى إلى نصف الكنيسة فصنع المسلمون من نصف الكنيسة الذي دخلوه عنوة مسجدا وبقى النصف الذي صالحوا عليه كنيسة «177» ! فلما عزم الوليد على زيادة الكنيسة في المسجد طلب من الروم أن يبيعوا منه كنيستهم تلك بما شاءوا من عوض، فأبوا عليه فانتزعها من أيديهم، وكانوا يزعمون أن الذي يهدمها يجنّ، فذكروا ذلك للوليد فقال: أنا أول من يجنّ في سبيل الله! وأخذ الفأس وجعل يهدم بنفسه فلما رأى المسلمون ذلك تتابعوا على الهدم وأكذب الله زعم الروم. وزيّن هذا المسجد بفصوص الذهب المعروفة بالفسيفساء «178» تخالطها أنواع الأصبغة الغريبة الحسن، وذرع المسجد في الطول من الشرق إلى الغرب مائتا خطوة، وهي

دمشق- الجامع الأموي، المحراب

ثلاثمائة ذراع، وعرضه من القبلة إلى الجوف مائة وخمس وثلاثون خطوة، وهي مائتا ذراع، وعدد شمسات الزجاج الملونة التي فيه أربع وسبعون، وبلاطاته ثلاثة مستطيلة من شرق إلى غرب، سعة كل بلاط منها ثمان عشرة خطوة، وقد قامت على أربع وخمسين سارية، وثماني أرجل جصّيّة تتخللها وست أرجل مرخّمة مرصعة بالرخام الملوّن، قد صوّر فيها أشكال محاريب وسواها، وهي تقل قبة الرصاص التي أمام المحراب المسماة بقبّة النسر «179» كأنهم شبهوا المسجد نسرا طائرا والقبة رأسه، وهي من أعجب مباني الدنيا، ومن أي جهة استقبلت المدينة بدت لك قبة النسر ذاهبة في الهواء منيفة على جميع مباني البلاد، وتستدير بالصحن بلاطات ثلاثة من جهاته الشرقية والغربية والجوفية، سعة كل بلاط منها عشر خطا، وبها من السواري ثلاث وثلاثون، ومن الأرجل أربع عشر، وسعة الصحن مائة ذراع، وهو من أجل المناظر وأتمها حسنا، وبها يجتمع أهل المدينة بالعشايا، فمن قارىء ومحدث وذاهب، ويكون انصرافهم بعد العشاء الأخيرة، وإذا لقى أحد كبرائهم من الفقهاء وسواهم صاحبا له أسرع كل منهما نحو صاحبه وحطّ رأسه. وفي هذا الصحن ثلاث من القباب: إحداها في غربيّه وهي أكبرها، وتسمى قبة عائشة أم المؤمنين، وهي قائمة على ثمان سواري من الرخام مزخرفة بالفصوص والأصبغة الملونة مسقفة بالرصاص يقال إن مال الجامع كان يختزن بها. وذكر لي أن فوائد مستغلات الجامع ومجابيه نحو خمسة وعشرين الف دينار ذهبا في كل سنة «180» ، والقبة الثانية من شرقي الصحن على هيئة الأخرى إلا أنها أصغر منها قائمة على ثمان سواري الرخام وتسمى قبة زين العابدين «181» ، والقبة الثالثة في وسط الصحن،

وهي صغيرة مثمنة من رخام عجيب محكم الإلصاق قائمة على أربع سواري من الرخام الناصع وتحتها شباك حديد في وسطه أنبوب نحاس يمجّ الماء إلى علو فيرتفع ثم ينثنى كأنه قضيب لجين، وهم يسمونه قفص الماء، ويستحسن الناس وضع أفواههم فيه للشرب، وفي الجانب الشرقي من الصحن باب يفضي إلى مسجد بديع الوضع يسمى مشهد علي بن أبي طالب رضي الله «182» عنه، ويقابله من الجهة الغربية حيث يلتقى البلاطان الغربي والجوفي موضع يقال: إن عائشة رضي الله عنها سمعت الحديث هنالك. وفي قبلة المسجد المقصورة العظمى «183» التي يؤم فيها إمام الشافعية، وفي الركن الشرقي منها إزاء المحراب خزانة كبيرة فيها المصحف الكريم الذي وجهه أمير المومنين عثمان بن عفان «184» رضي الله عنه إلى الشام، وتفتح تلك الخزانة كلّ يوم جمعة بعد الصلاة فيزدحم الناس على لثم ذلك المصحف الكريم، وهنالك يحلّف الناس غرماءهم ومن ادعوا عليه شيئا، وعن يسار المقصورة محراب الصحابة، ويذكر أهل التاريخ أنه أول محراب وضع في الإسلام، وفيه يؤم إمام المالكية، وعن يمين المقصورة محراب الحنفية وفيه يؤم إمامهم، ويليه محراب الحنابلة وفيه يؤم إمامهم. ولهذا المسجد ثلاث صوامع إحداها بشرقيه، وهي من بناء الروم «185» ، وبابها داخل المسجد وبأسفلها مطهرة وبيوت للوضوء يغتسل فيها المعتكفون والملتزمون للمسجد ويتوضؤون، والصومعة الثانية بغربيّه وهي أيضا من بناء الروم «186» ، والصومعة الثالثة

بشماله وهي من بناء المسلمين «187» وعدد المؤذنين به سبعون مؤذنا، وفي شرقي المسجد مقصورة كبيرة فيها صهريج ماء وهي لطائفة الزّيالعة «188» السودان، وفي وسط المسجد قبر زكرياء عليه السلام «189» ، وعليه تابوت معترض بين أسطوانتين مكسو بثوب حرير أسود معلّم فيه مكتوب بالأبيض:" يا زكرياء إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى «190» ، وهذا المسجد شهير الفضل، وقرأت في (فضايل دمشق) عن «191» سفيان الثوري «192» أن الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة، وفي الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يعبد الله فيه بعد خراب الدنيا أربعين سنة، ويقال إن الجدار القبلي منه وضعه نبي الله هود عليه السلام وأن قبره به، وقد رأيت على مقربة من مدينة ظفار اليمن بموضع يقال له الأحقاف بنية فيها قبر مكتوب عليه: هذا قبر هود بن عابر صلى الله عليه وسلم «193» . ومن فضايل هذا المسجد أنه لا يخلو عن قراءة القرآن والصلاة إلا قليلا من الزمان، كما سنذكره، والناس يجتمعون به بعد صلاة العصر لقراءة تسمى الكوثرية «194» يقرءون

فيها من سورة الكوثر إلى آخر القرآن، وللمجتمعين على هذه القراءة مرتبات تجرى لهم، وهم نحو ستمائة انسان، ويدور عليهم كاتب الغيبة فمن غاب منهم قطع له عند دفع المرتب بقدر غيبته «195» ، وفي هذا المسجد جماعة كبيرة من المجاورين لا يخرجون منه، مقبلون على الصلاة والقراءة والذّكر لا يفترون عن ذلك ويتوضأون من المطاهر التي بداخل الصومعة الشرقية التي ذكرناها، وأهل البلد يعينونهم بالمطاعم والملابس من غير أن يسألوهم شيئا من ذلك. وفي هذا المسجد أربعة أبواب: باب قبلي يعرف بباب الزّيادة، وبأعلاه قطعة من الرمح الذي كانت فيه راية خالد بن الوليد رضي الله عنه، ولهذا الباب دهليز كبير متسع فيه حوانيت السقاطين وغيرهم، ومنه يذهب إلى دار الخيل «196» ، وعن يسار الخارج منه سماط الصفارين وهي سوق عظيمة ممتدة مع جدار المسجد القبلي من أحسن أسواق دمشق، وبموضع هذه السوق كانت دار معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه «197» ودور قومه، وكانت تسمى الخضراء فهدمها بنو العباس رضي الله عنهم، وصار مكانها سوقا، وباب شرقي وهو أعظم أبواب المسجد ويسمى باب جيرون وله دهليز عظيم يخرج منه إلى بلاط عظيم طويل أمامه خمسة أبواب لها ستة أعمدة طوال «198» ، وفي جهة اليسار منه مشهد عظيم، كان فيه رأس الحسين رضي الله عنه، وبإزائه مسجد صغير ينسب إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وبه ماء جار. وقد انتظمت أمام البلاط درج ينحدر فيها إلى الدهليز، وهو كالخندق العظيم يتصل بباب عظيم الارتفاع تحته أعمدة كالجذوع طوال، وبجانبي هذا الدهليز أعمدة قد قامت

عليها شوارع مستديرة فيها دكاكين البزّازين وغيرهم، وعليها شوارع مستطيلة فيها حوانيت الجوهريين والكتبيين وصناع أواني الزجاج العجيبة. وفي الرحبة المتصلة بالباب الأول دكاكين لكبار الشهود: منها دكانان للشافعية، وسائرها لأصحاب المذاهب، يكون في الدكان منها الخمسة والستة من العدول «199» والعاقد للأنكحة من قبل القاضي، وسائر الشهود مفترقون في المدينة، وبمقربة من هذه الدكاكين سوق الورّاقين الذين يبيعون الكاغد والأقلام والمداد، وفي وسط الدهليز المذكور حوض من الرخام كبير مستدير عليه قبة لا سقف لها تقلها أعمدة رخام وفي وسط الحوض أنبوب نحاس يزعج الماء بقوة فيرتفع في الهواء أزيد من قامة الانسان يسمونه الفوارة «200» ، منظره عجيب. وعن يمين الخارج من باب جيرون وهو باب الساعات: غرفة لها هيئة طاق كبير فيه طيقان صغار، لها أبواب على عدد ساعات النهار، والأبواب مصبوغ باطنها بالخضرة وظاهرها بالصفرة، فإذا ذهبت ساعة من النهار انقلب الباطن الأخضر ظاهرا والظاهر الأصفر باطنا، ويقال: إن بداخل الغرفة من يتولى قلبها بيده عند مضي الساعات «201» . والباب الغربي يعرف بباب البريد، وعن يمين الخارج منه مدرسة للشافعية، «202» ، وله دهليز فيه حوانيت للشماعين، وسماط لبيع الفواكه، وبأعلاه باب يصعد اليه في درج له أعمدة

ذكر الأئمة بهذا المسجد

سامية في الهواء، وتحت الدرج سقايتان عن يمين وشمال مستديرتان، والباب الجوفي يعرف بباب النّطفانيين «203» ، وله دهليز عظيم، وعن يمين الخارج منه خانقاه تعرف بالشّميعانية «204» في وسطها صهريج ماء، ولها مطاهر يجرى فيها الماء، ويقال إنها كانت دار عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وعلى كل باب من أبواب المسجد الأربعة دار وضوء يكون فيها نحو مائة بيت تجري فيها المياه الكثيرة. ذكر الأئمة بهذا المسجد وأئمته ثلاثة عشر إماما أولهم إمام الشافعية، وكان في عهد دخولي اليها إمامهم قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني «205» ، من كبار الفقهاء وهو الخطيب بالمسجد وسكناه بدار الخطابة ويخرج من باب الحديد إزاء المقصورة وهو الباب الذي كان يخرج منه معاوية رضي الله عنه، وقد تولى جلال الدين بعد ذلك قضاء القضاة بالدّيار المصرية بعد أن أدى عنه الملك الناصر نحو مائة ألف درهم كانت عليه دينا بدمشق، وإذا سلّم إمام الشافعية من صلاته أقام الصلاة إمام مشهد علي، ثم إمام مشهد الحسين ثم إمام الكلّاسة «206» ثم إمام مشهد أبي بكر ثم إمام مشهد عمر ثم إمام مشهد عثمان رضي الله عنهم أجمعين. ثم إمام المالكية وكان إمامهم في عهد دخولي إليها الفقيه أبو عمر بن أبي الوليد ابن الحاج التّجيبي القرطبي الأصل الغرناطي المولد نزيل دمشق «207» وهو يتناوب مع أخيه رحمهما الله،.

ذكر المدرسين والمعلمين به.

ثم إمام الحنفية وكان إمامهم في عهد دخولي اليها الفقيه عماد الدين الحنفي المعروف بابن الرومي «208» ، وهو من كبار الصوفية وله شياخة الخانقاة الخاتونية، وله أيضا خانقاه بالشرف الأعلى «209» . ثم إمام الحنابلة، وكان في ذلك العهد الشيخ عبد الله الكفيف «210» أحد شيوخ القراءة بدمشق. ثم بعد هؤلاء خمسة أئمة لقضاء الفوايت «211» ، فلا تزال الصلاة في هذا المسجد من أول النهار إلى ثلث الليل وكذلك قراءة القرآن. وهذا من مفاخر هذا الجامع المبارك. ذكر المدرسين والمعلمين به. وبهذا المسجد حلقات التدريس في فنون العلم، والمحدثون يقرءون كتب الحديث على كراسي مرتفعة، وقراء القرآن يقرءون بالأصوات الحسنة صباحا ومساء وبه جماعة من المعلمين لكتاب الله يستند كل واحد منهم إلى سارية من سواري المسجد يلقّن الصبيان ويقرئهم، وهم لا يكتبون القرآن في الألواح تنزيها لكتاب الله تعالى، وانما يقرءون القرآن تلقينا. ومعلم الخط غير معلم القرآن يعلمهم بكتب الأشعار وسواها، فينصرف الصبي من التعليم إلى التكتيب وبذلك جاد خطه لان المعلّم للخط لا يعلّم غيره، ومن المدرسين بالمسجد المذكور العالم الصالح برهان الدين بن الفركح الشافعي «212» ، ومنهم العالم الصالح نور

ذكر قضاة دمشق

الدين أبو اليسر بن الصايغ «213» من المشتهرين بالفضل والصلاح، ولمّا ولى القضاء بمصر جلال الدين القزويني، وجّه إلى أبي اليسر الخلعة والامر بقضاء دمشق، فامتنع من ذلك، ومنهم الامام العالم شهاب الدين بن جهبل «214» من كبار العلماء، هرب من دمشق لما امتنع أبو اليسر من قضائها خوفا من أن يقلد القضاء فاتصل ذلك بالملك الناصر فولى قضاء دمشق شيخ الشيوخ بالديار المصرية قطب العارفين لسان المتكلمين، علاء الدين «215» القونوى وهو من كبار الفقهاء، ومنهم الامام الفاضل بدر الدين على السّخاوي المالكي «216» رحمة الله عليهم أجمعين. ذكر قضاة دمشق قد ذكرنا قاضي القضاة الشافعية بها جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني، وأما قاضي المالكية فهو شرف الدين «217» ابن خطيب الفيوم، حسن الصورة والهيئة من كبار الرؤساء وهو شيخ شيوخ الصوفية، والنائب عنه في القضاء شمس الدين بن

حكاية (الفقيه ابن تيمية)

القفصى، «218» ، ومجلس حكمه بالمدرسة الصّمصامية «219» . وأما قاضي قضاة الحنفية فهو عماد الدين الحوراني وكان شديد السطوة وإليه يتحاكم النساء وأزواجهن، وكان الرجل إذا سمع اسم القاضي الحنفي أنصف من نفسه قبل الوصول اليه، وأما قاضي الحنابلة فهو الإمام الصالح عز الدين ابن مسلّم «220» من خيار القضاة يتصرف على حمار له، ومات بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما لما توجه للحجاز الشريف. حكاية (الفقيه ابن تيميّة) وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين ابن تيمية «221» كبير الشأن يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئا! وكان أهل دمشق يعظمونه أشد التعظيم ويعظهم على المنبر، وتكلم مرة بأمر أنكره الفقهاء ورفعوه إلى الملك الناصر فأمر بإشخاصه إلى القاهرة وجمع القضاة والفقهاء بمجلس الملك الناصر وتكلم شرف الدين الزواوي المالكي «222» ، وقال: إن هذا الرجل قال: كذا، وعدّد ما أنكر على ابن تيمية، وأحضر العقود بذلك ووضعها بين يدي قاضي القضاة وقال قاضي القضاة لابن تيمية: ما تقول؟ قال: لا إلاه إلا الله، فأعاد عليه فأجاب بمثل قوله، فأمر الملك الناصر بسجنه فسجن أعواما، وصنف في السجن كتابا

ذكر مدارس دمشق

في تفسير القرآن سماه بالبحر المحيط في نحو أربعين مجلدا، ثم إن أمه تعرضت للملك الناصر وشكت إليه، فأمر بإطلاقه إلى أن وقع منه مثل ذلك ثانية، وكنت إذ ذاك بدمشق «223» فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به، فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضربا كثيرا حتى سقطت عمامته وظهر على رأسه شاشية حرير، فأنكروا عليه لباسها واحتملوه إلى دار عز الدين بن مسلّم قاضي الحنابلة فأمر بسجنه وعزره بعد ذلك، فأنكر فقهاء المالكية والشافعية ما كان من تعزيره ورفعوا الأمر إلى ملك الأمراء سيف الدين تنكيز «224» وكان من خيار الأمراء وصلحائهم، فكتب إلى الملك الناصر بذلك وكتب عقدا شرعيا على ابن تيمية بأمور منكرة منها: أن المطلّق بالثلاث في كلمة واحدة لا تلزمه إلا طلقة واحدة، «225» ومنها أن المسافر الذي ينوي بسفره زيارة القبر الشريف زاده الله طيبا لا يقصر الصلاة، وسوى ذلك مما يشبهه، وبعث العقد إلى الملك الناصر فأمر بسجن ابن تيمية بالقلعة فسجن بها حتى مات في السجن. ذكر مدارس دمشق إعلم أن للشافعية بدمشق جملة من المدارس أعظمها العادلية22» ، وبها يحكم قاضي القضاة، وتقابلها المدرسة الظاهرية «227» وبها قبر الملك الظاهر، وبها جلوس نواب

حكاية [الشيخ ظهير الدين وقاض القضاة]

القاضي، ومن نوابه فخر الدين القبطي، كان والده من كتاب القبط، وأسلم ومنهم جمال الدين ابن جملة «228» ، وقد تولى قضاء قضاة الشافعية بعد ذلك وعزل لامر أوجب عزله. حكاية [الشيخ ظهير الدّين وقاض القضاة] كان بدمشق الشيخ الصالح ظهير الدين العجمي، وكان سيف الدين تنكيز ملك الأمراء يتتلمذ له ويعظمه، فحضر يوما بدار العدل عند ملك الأمراء وحضر القضاة الأربعة، فحكى قاضي القضاة جمال الدين ابن جملة حكاية، فقال له ظهير الدين: كذبت! فأنف القاضي من ذلك وامتعض له، فقال للأمير: كيف يكذبني بحضرتك؟ فقال له الأمير؟: احكم عليه وسلّمه إليه، وظنه أنه يرضى بذلك، فلا يناله بسوء فأحضره القاضي بالمدرسة العادلية وضربه مائتي سوط، وطيف به على حمار في مدينة دمشق، ومنادي ينادي عليه، فمتى فرغ من ندائه ضربه على ظهره ضربة! وهكذا العادة عندهم، فبلغ ذلك ملك الامراء فأنكره أشد الإنكار وأحضر القضاة والفقهاء، فاجمعوا على خطإ القاضي وحكمه بغير مذهبه، فإن التعزيز عند الشافعي لا يبلغ به الحد «229» ، وقال قاضي القضاة المالكية شرف الدين: قد حكمت بتفسيقه فكتب إلى الملك الناصر بذلك فعزله. وللحنفية مدارس كثيرة وأكبرها مدرسة السلطان نور الدين «230» وبها يحكم قاضي القضاة الحنفية. وللمالكية بدمشق ثلاث مدارس إحداها الصمصامية «231» ، وبها سكن قاضي القضاة المالكية وقعوده للأحكام، والمدرسة

ذكر أبواب دمشق

النورية عمرها السلطان نور الدين محمود ابن زنكى والمدرسة الشرابشية عمّرها شهاب الدين الشرابشي التاجر، وللحنابلة مدارس كثيرة أعظمها المدرسة النجمية «232» . ذكر أبواب دمشق ولمدينة دمشق ثمانية أبواب: منها باب الفراديس «233» ، ومنها باب الجابية «234» ومنها باب الصغير «235» ، وفيما بين هذين البابين مقبرة «236» فيها العدد الجمّ من الصحابة والشهداء فمن بعدهم. قال محمد ابن جزي: لقد أحسن بعض المتأخرين من أهل دمشق في قوله: دمشق في أوصافها ... جنّة خلد راضيه أما ترى أبوابها ... قد جعلت ثمانيه «237» ! ذكر بعض المشاهد والمزارات بها فمنها بالمقبرة التي بين البابين: باب الجابية والباب الصغير، قبر أمّ حبيبة بنت أبي

سفيان أم المؤمنين «238» ، وقبر أخيها أمير المؤمنين معاوية «239» ، وقبر بلال مؤذن «240» رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين، وقبر أويس القرني «241» ، وقبر كعب الأحبار «242» رضي الله عنهما. ووجدت في كتاب المفهم، في شرح صحيح مسلم، للقرطبي «243» أن جماعة من

حكاية في سبب تسميته بذلك

الصحابة صحبهم أويس القرني من المدينة إلى الشام فتوفى في أثناء الطريق في برية لا عمارة فيها ولا ماء فتحيّروا في أمره فنزلوا فوجدوا حنوطا وكفنا وماء فعجبوا من ذلك وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه، ثم ركبوا فقال بعضهم كيف نترك قبره بغير علامة؟ فعادوا للموضع فلم يجدوا للقبر من أثر! قال ابن جزي ويقال: إن أويسا قتل بصفّين «244» مع علي عليه السلام، وهو الأصح إن شاء الله. ويلي باب الجابية باب شرقي «245» عنده جبّانة فيها قبر أبيّ بن كعب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم «246» ، وفيها قبر العابد الصالح «247» رسلان المعروف بالباز الأشهب. حكاية في سبب تسميته بذلك يحكى أن الشيخ الولي أحمد الرفاعي رضي الله عنه كان مسكنه بأم عبيدة بمقربة من

مدينة «248» واسط وكانت بين ولي الله تعالى أبي مدين شعيب ابن الحسين «249» وبينه مؤاخاة ومراسلة، ويقال إن كل واحد منهما كان يسلم على صاحبه صباحا ومساء فيرد عليه الآخر، وكانت للشيخ أحمد نخيلات عند زاويته، فلما كان في إحدى السنين جذّها على عادته، وترك عذقا منها، وقال هذا برسم أخي شعيب فحج الشيخ أبو مدين تلك السنة واجتمعا بالموقف الكريم بعرفة ومع الشيخ أحمد خديمه رسلان فتفاوضا الكلام، وحكى الشيخ حكاية العذق فقال له رسلان: عن أمرك يا سيدي آتيه به، فأذن له فذهب من حينه وأتاه به ووضعه بين أيديهما فأخبر أهل الزاوية أنهم رأوا عشية يوم عرفة بازا أشهب قد انقضّ على النخلة فقطع ذلك العذق وذهب به في الهواء. وبغربي دمشق جبّانة تعرف بقبور الشهداء فيها قبر أبي الدرداء وزوجه أم الدرداء «250» ، وقبر فضالة بن عبيد «251» ، وقبر واثلة ابن الأسقع «252» ، وقبر سهل بن

حنظلية «253» من الذين بايعوا تحت الشجرة «254» ، رضي الله عنهم أجمعين. وبقرية تعرف بالمنيحة «255» شرقي دمشق وعلى أربعة أميال منها قبر سعد بن عبادة «256» ، رضي الله عنه، وعليه مسجد صغير حسن البناء وعلى رأسه حجر فيه مكتوب: هذا قبر سعد بن عبادة رأس الخزرج صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما. وبقرية قبلى البلد وعلى فرسخ منها مشهد أم كلثوم «257» بنت علي بن أبي طالب من فاطمة عليهم السلام، ويقال إن اسمها زينب وكنّاها النبي صلى الله عليه وسلم أم كلثوم لشبهها بخالتها أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه مسجد كريم وحوله مساكن، وله أوقاف، ويسمّيه أهل دمشق قبر الست أم كلثوم، وقبر آخر يقال إنه قبر سكينة بنت الحسين ابن علي عليه السلام «258» . وبجامع النّيرب «259» من قرى دمشق في بيت بشرقيه قبر يقال: إنه قبر أم مريم عليها السلام «260» ، وبقرية تعرف بداريّا «261» غربيّ البلد، وعلى أربعة أميال منها، قبر أبي

[مسجد الأقدام بدمشق]

مسلم الخولاني «262» وقبر أبي سليمان الدّاراني «263» رضي الله عنهما. [مسجد الأقدام بدمشق] ومن مشاهد دمشق الشهيرة البركة مسجد الأقدام «264» وهو في قبلي دمشق على ميلين منها، على قارعة الطريق الأعظم الآخذ إلى الحجاز الشريف والبيت المقدس وديار مصر، وهو مسجد عظيم كثير البركة، وله أوقاف كثيرة، ويعظمه أهل دمشق تعظيما شديدا والأقدام التي ينسب اليها هي أقدام مصورة في حجر هنالك يقال إنها أثر قدم موسى عليه السلام، وفي هذا المسجد بيت صغير فيه حجر مكتوب عليه: كان بعض الصالحين يرى المصطفى صلى الله عليه وسلم في النّوم فيقول له: ها هنا قبر أخي موسى عليه السلام. وبمقربة هذا المسجد على الطريق موضع يعرف بالكثيب الأحمر وبمقربة من بيت المقدس وأريحا «265» موضع يعرف أيضا بالكثيب الأحمر تعظمه اليهود. حكاية [الطاعون الأعظم في دمشق] شاهدت أيام الطاعون الأعظم بدمشق في أواخر شهر ربيع الثاني سنة تسع

ذكر أرباض دمشق

وأربعين «266» ، من تعظيم أهل دمشق لهذا المسجد ما يعجب منه وهو أن ملك الأمراء نايب السلطان أرغون «267» شاه أمر مناديا ينادي بدمشق أن يصوم الناس ثلاثة أيام ولا يطبخ أحد بالسوق ما يؤكل نهارا، وأكثر الناس بها إنما يأكلون الطعام الذي يصنع بالسوق، فصام الناس ثلاثة أيام متوالية كان آخرها يوم الخميس، ثم اجتمع الأمراء والشرفاء والقضاة وساير الطبقات على اختلافها في الجامع حتى غص بهم وباتوا ليلة الجمعة ما بين مصل وذاكر وداع، ثم صلوا الصبح وخرجوا جميعا على أقدامهم وبأيديهم المصاحف، والأمراء حفاة وخرج جميع أهل البلد ذكورا وإناثا صغارا وكبارا، وخرج اليهود بتوراتهم، والنصارى بإنجيلهم، ومعهم النساء والولدان وجميعهم باكون متضرعون متوسلون إلى الله بكتبه وأنبيائه، وقصدوا مسجد الأقدام وأقاموا به في تضرعهم إلى قرب الزوال وعادوا إلى البلد فصلوا الجمعة وخفف الله تعالى عنهم فانتهى عدد الموتى إلى ألفين في اليوم الواحد، وقد انتهى عددهم بالقاهرة ومصر إلى أربعة وعشرين ألفا في يوم واحد. وبالباب الشرقي منارة بيضاء يقال أنها التي ينزل عيسى عليه السلام عندها حسبما ورد في صحيح مسلم «268» . ذكر أرباض دمشق وتدور بدمشق من جهاتها ما عدا الشرقية أرباض فسيحة الساحات، دواخلها أملح من داخل دمشق لأجل الضيق الذي في سككها، وبالجهة الشمالية منها ربض الصالحية «269» وهي مدينة عظيمة لها سوق لا نظير لحسنه، وفيها مسجد جامع ومارستان، وبها

ذكر قاسيون ومشاهده المباركة

مدرسة تعرف بمدرسة أبي عمر «270» موقوفة على من أراد أن يتعلم القرآن الكريم من الشيوخ والكهول وتجرى لهم ولمن يعلمهم كفايتهم من المأكل والملابس. وبداخل البلد أيضا مدرسة مثل هذه تعرف بمدرسة ابن منجّا «271» ، وأهل الصالحية كلّهم على مذهب الامام أحمد بن حنبل رضي الله عنه. ذكر قاسيون ومشاهده المباركة وقاسيون جبل في شمال دمشق والصالحية في سفحه، وهو شهير البركة لانه مصعد الأنبياء عليهم السلام، ومن مشاهده الكريمة الغار الذي ولد فيه إبراهيم «272» الخليل عليه السلام، وهو غار مستطيل ضيق عليه مسجد كبير وله صومعة عالية، ومن ذلك الغار رأي الكوكب والقمر والشمس «273» حسبما ورد في الكتاب العزيز، وفي ظهر الغار مقامه الذي كان يخرج اليه. وقد رأيت ببلاد العراق قرية تعرف ببرص بضم الباء الموحدة وآخرها صاد مهمل، ما بين الحلة وبغداد «274» ، يقال إن مولد إبراهيم عليه السلام بها، وهي بمقربة من بلد ذي الكفل عليه السلام، وبها قبره «275» .

ذكر الربوة والقرى التي تواليها

ومن مشاهده بالغرب منه مغارة الدّم «276» وفوقها بالجبل دم هابيل بن آدم عليه السلام، وقد أبقى الله منه في الحجارة أثرا محمرّا، وهو الموضع الذي قتله أخوه به واجترّه إلى المغارة، ويذكر أن تلك المغارة صلى فيها ابراهيم وموسى وعيسى وأيوب ولوط صلى الله عليهم أجمعين، وعليها مسجد متقن البناء يصعد إليه على درج، وفيه بيوت ومرافق للسكنى، ويفتح في كل يوم اثنين وخمسين، والشمع والسرج توقد في المغارة. ومنها كهف بأعلى الجبل ينسب لآدم عليه السلام «277» ، وعليه بناء وأسفل منه مغارة تعرف بمغارة الجوع «278» . يذكر أنه أوى إليها سبعون من الأنبياء عليهم السلام، وكان عندهم رغيف فلم يزل يدور عليهم وكل منهم يؤثر صاحبه به حتى ماتوا جميعا صلى الله عليهم، وعلى هذه المغارة مسجد مبني والسرج تقد به ليلا ونهارا. ولكل مسجد من هذه المساجد أوقاف كثيرة معينة ويذكر أن فيما بين باب الفراديس وجامع قاسيون «279» مدفن سبعمائة نبي، وبعضهم يقول سبعين ألفا، وخارج المدينة المقبرة العتيقة، وهي مدفن الأنبياء والصالحين وفي طرفها مما يلي البساتين أرض منخفضة غلب عليها الماء، يقال إنها مدفن سبعين نبيّا وقد عادت قرارا للماء ونزهت من أن يدفن فيها أحد. ذكر الربوة والقرى التي تواليها وفي آخر جبل قاسيون الربوة المباركة «280» المذكورة في كتاب الله ذات القرار والمعين ومأوى المسيح عيسى وأمه عليهما السلام «281» ، وهي من أجمل مناظر الدنيا ومنتزهاتها وبها القصور المشيّدة والمباني الشريفة والبساتين البديعة والمأوى المبارك، مغارة صغيرة في

وسطها كالبيت الصغير وبازائها بيت، يقال إنه مصلى الخضر عليه السلام «282» يبادر الناس إلى الصلاة فيهما وللمأوى باب حديد صغير والمسجد يدور به، وله شوارع دائرة وسقاية حسنة ينزل لها الماء من علو، وينصبّ في شاذروان «283» في الجدار يتّصل بحوض من رخام ويقع فيه الماء ولا نظير له في الحسن وغرابة الشكل. وبقرب ذلك مطاهر للوضوء يجري فيها الماء. وهذه الربوة المباركة هي رأس بساتين دمشق وبها منابع مياهها «284» وينقسم الماء الخارج منها على سبعة أنهار كل نهر آخذ في جهة ويعرف ذلك الموضع بالمقاسم، وأكبر هذه الأنهار النهر المسمى بتورة، وهو يشق تحت الربوة وقد نحت له مجرى في الحجر الصلد كالغار الكبير «285» ، وربما انغمس ذو الجسارة من العوّامين في النهر من أعلى الربوة واندفع في الماء حتى يشق مجراه ويخرج من أسفل الربوة، وهي مخاطرة عظيمة، وهذه الربوة تشرف على البساتين الدائرة بالبلد، ولها من الحسن واتساع مسرح الأبصار ما ليس لسواها، وتلك الأنهار السبعة تذهب في طرق شتى فتحار الأعين في حسن اجتماعها وافتراقها واندفاعها وانصبابها، وجمال الربوة وحسنها التام أعظم من أن يحيط به الوصف، ولها الأوقاف الكثيرة من المزارع والبساتين والرباع، تقام منها وظايفها للإمام والمؤذن والصادر والوارد.

ذكر الأوقاف بدمشق وبعض فضائل أهلها وعوائدهم

وبأسفل الربوة قرية النّيرب «286» وقد تكاثرت بساتينها وتكاثفت ظلالها، وتدانت أشجارها، فلا يظهر من بنائها إلا ما سما ارتفاعه، ولها حمّام مليح ولها جامع بديع مفروش صحنه بفصوص الرخام، وفيه سقاية ماء رائقة الحسن ومطهرة فيها بيوت عدة يجري فيها الماء. وفي القبلىّ من هذه القرية قرية المزّة، وتعرف بمزّة كلب «287» نسبة إلى قبيلة كلب بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران ابن الحاف بن قضاعة، وكانت إقطاعا لهم، وإليها ينسب الامام حافظ الدنيا جمال الدين يوسف بن الزكى الكلبي المزّى «288» وكثير سواه من العلماء، وهي من أعظم قرى دمشق، وبها جامع كبير عجيب وسقاية معينة. وأكثر قرى دمشق فيها الحمّامات والمساجد الجامعة والأسواق وسكانها كأهل الحاضرة في مناحيهم وفي شرقي البلد قرية تعرف ببيت إلاهيّة «289» وكانت فيها كنيسة يقال: إن آزر كان ينحت فيها الأصنام فيكسرها الخليل عليه السلام، وهي الآن مسجد جامع بديع مزين بفصوص الرخام الملونة المنظمة بأعجب نظام، وأزين التئام. ذكر الأوقاف بدمشق وبعض فضائل أهلها وعوائدهم والأوقاف بدمشق لا تحصر أنواعها ومصارفها لكثرتها، فمنها أوقاف العاجزين عن الحج يعطي لمن يحج عن الرجل منهم كفايته، ومنها أوقاف على تجهيز البنات «290» إلى أزواجهن وهي اللواتي لا قدرة لأهلهن على تجهيزهن، ومنها أوقاف لفكاك الأساري، ومنها أوقاف لابناء السبيل يعطون منها ما يأكلون ويلبسون ويتزودون لبلادهم، ومنها أوقاف على

حكاية [المملوك الصغير والصحفة]

تعديل الطرق ورصفها لأن أزقة دمشق لكلّ واحد منها رصيفان في جنبيه يمر عليهما المترجلون ويمر الرّكبان بين ذلك، ومنها أوقاف لسوى ذلك من أفعال الخير، حكاية [المملوك الصّغير والصحفة] مررت يوما ببعض أزقة دمشق فرأيت به مملوكا صغيرا قد سقطت من يده صحفة من الفخار الصّيني وهم يسمونها الصحن، فتكسرت واجتمع عليه الناس، فقال له بعضهم: اجمع شقفها واحملها معك لصاحب أوقاف الأواني، فجمعها وذهب الرجل معه إليه فأراه إياها، فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن، وهذا من أحسن الأعمال فإن سيد الغلام لا بدّ له أن يضربه على كسر الصحن أو ينهره، وهو أيضا ينكسر قلبه ويتغير لأجل ذلك فكان هذا الوقف جبرا للقلوب، جزى الله خيرا من تسامت همته في الخير إلى مثل هذا. وأهل دمشق يتنافسون في عمارة المساجد والزوايا والمدارس والمشاهد، وهم يحسنون الظن بالمغاربة ويطمئنون اليهم بالأموال والأهلين والأولاد «291» ، وكلّ من انقطع بجهة من جهات دمشق لا بد أن يتأتى له وجه من المعاش من إمامة مسجد أو قراءة بمدرسة أو ملازمة مسجد يجيء إليه فيه رزقه، أو قراءة القرآن أو خدمة مشهد من المشاهد المباركة أو يكون لجملة الصوفية بالخوانق تجرى له النفقة والكسوة، فمن كان بها غريبا على خير لم يزل مصونا عن بذل وجهه محفوظا عما يزري بالمروّة، ومن كان من أهل المهنة والخدمة فله أسباب أخرى من حراسة بستان أو أمانة طاحونة أو كفالة صبيان يغدو معهم إلى التعليم ويروح، ومن أراد طلب العلم أو التفرغ للعبادة وجد الاعانة التّامة على ذلك. ومن فضائل أهل دمشق أنه لا يفطر أحد منهم في ليالي رمضان وحده البتة، فمن كان من الأمراء والقضاة والكبراء فإنه يدعو أصحابه والفقراء يفطرون عنده، ومن كان من التجار وكبار السوقة صنع مثل ذلك، ومن كان من الضعفاء والبادية فإنهم يجتمعون كلّ ليلة في دار أحدهم أو في مسجد ويأتي كل أحد بما عنده فيفطرون جميعا.

ولما وردت دمشق وقعت بيني وبين نور الدين السخاوي مدرس المالكية صحبة فرغب منى أن أفطر عنده في ليالي رمضان فحضرت عنده أربع ليال، ثم أصابتني الحمى فغبت عنه فبعث في طلبي فإعتذرت بالمرض فلم يسعنى عذرا فرجعت إليه وبتّ عنده، فلما أردت الانصراف بالغد منعني من ذلك وقال لي: احسب داري كأنها دارك أو دار أبيك أو أخيك، وأمر بإحضار طبيب وأن يصنع لي بداره كل ما يشتهيه الطبيب من دواء أو غداء، وأقمت كذلك عنده إلى يوم العيد، وحضرت المصلى «292» وشفاني الله تعالى مما أصابني، وقد كان ما عندي من النفقة نفد، فعلم بذلك فإكترى لي جمالا وأعطاني الزاد وسواه، وزادني دراهم وقال لي: تكون لما عسى أن يعن لك من أمر مهم، جزاه الله خيرا. وكان بدمشق فاضل من كتاب الملك الناصر يسمى عماد الدين القيصراني «293» من عادته أنه متى سمع أن مغربيّا وصل إلى دمشق بحث عنه وأضافه وأحسن إليه، فإن عرف منه الدين والفضل أمره بملازمته، وكان يلازمه منهم جماعة، وعلى هذه الطريقة أيضا كاتب السر الفاضل علاء الدين بن غانم «294» وجماعة غيره. وكان بها فاضل من كبرائها وهو الصاحب عزّ الدين القلانسي «295» ، له مآثر ومكارم وفضائل وإيثار، وهو ذو مال عريض، وذكروا أن الملك الناصر لما قدم دمشق أضافه وجميع أهل دولته ومماليكه وخواصّه ثلاثة أيام فسمّاه اذ ذاك بالصّاحب. ومما يؤثر من فضائلهم أن أحد ملوكهم السالفين لما نزل به الموت أوصى أن يدفن

بقبلة الجامع المكرّم ويخفى قبره وعين أوقافا عظيمة لقراء يقرءون سبعا من القرآن الكريم في كلّ يوم إثر صلاة الصبح بالجهة الشرقية من مقصورة الصحابة رضي الله عنهم حيث قبره، فصارت قراءة القرآن على قبره لا تنقطع أبدا، وبقى ذلك الرسم الجميل بعده مخلدا. ومن عادة أهل دمشق وسائر تلك البلاد أنهم يخرجون بعد صلاة العصر من يوم عرفة فيقفون بصحون المساجد كبيت المقدس وجامع بني أمية وسواها ويقف بهم أئمتهم كاشفي رؤوسهم، داعين خاضعين خاشعين ملتمسين البركة ويتوخّون الساعة التي يقف فيها وفد الله تعالى وحجاج بيته بعرفات، ولا يزالون في خضوع ودعاء وابتهال وتوسل إلى الله تعالى بحجاج بيته إلى أن تغيب الشمس فينفرون كما ينفر الحاج باكين على ما حرموه من ذلك الموقف الشريف بعرفات داعين إلى الله تعالى أن يوصلهم اليها ولا يخليهم من بركة القبول فيما فعلوه. ولهم أيضا في إتباع الجنائز رتبة عجيبة، وذلك أنهم يمشون أمام الجنازة والقرّاء يقرءون القرآن بالأصوات الحسنة والتلاحين المبكية التي تكاد النفوس تطير لها رقة، وهم يصلون على الجنائز بالمسجد الجامع قبالة المقصورة، فإن كان الميت من أيمة الجامع أو مؤذنيه أو خدامه أدخلوه بالقراءة إلى موضع الصلاة عليه، وإن كان من سواهم قطعوا القراءة عند باب المسجد ودخلوا بالجنازة، وبعضهم يجتمع له بالبلاط الغربي من الصحن بمقربة من باب البريد فيجلسون وأمامهم ربعات القرآن يقرءون فيها، ويرفعون أصواتهم بالنداء لكل من يصل للعزاء من كبار البلدة وأعيانها، ويقولون: بسم الله فلان الدّين من كمال وجمال وشمس وبدر وغير ذلك، فإذا أتموا القراءة قام المؤذنون فيقولون: افتكروا واعتبروا، صلاتكم على فلان الرجل الصالح العالم، ويصفونه بصفات من الخير ثم يصلّون عليه ويذهبون به إلى مدفنه. ولاهل الهند رتبة عجيبة في الجنائز ايضا زائدة على ذلك وهي أنهم يجتمعون بروضة الميت صبيحة الثلاث من دفنه وتفرش الروضة بالثياب الرفيعة، ويكسى القبر بالكسى الفاخرة وتوضع حوله الرياحين من الورد والنّسرين والياسمين، وذلك النوار لا ينقطع عندهم، ويأتون بأشجار الليمون والأترج ويجعلون فيها حبوبها إن لم تكن فيها، ويجعل صيوان يظلّل الناس نحوه، ويأتي القضاة والأمراء ومن يماثلهم فيقعدون، ويقابلهم القراء، ويؤتى بالربعات الكرام فيأخذ كل واحد منهم جزء فإذا تمت القراءة من القراء بالأصوات الحسان يدعو القاضي ويقوم قائما ويخطب خطبة معدة لذلك، ويذكر فيها الميت ويرثيه بأبيات شعر، ويذكر أقاربه

ذكر سماعي بدمشق، ومن أجازني من أهلها

ويعزّيهم عنه ويذكر السلطان داعيا له وعند ذكر السلطان يقوم الناس ويحطون رؤوسهم إلى سمت الجهة التي بها السلطان، ثم يقعد القاضي ويأتون بماء الورد فيصب على الناس صبا يبتدأ بالقاضي ثم من يليه كذلك إلى أن يعم الناس أجمعين ثم يوتى بأواني السّكّر وهو الجلّاب محلولا بالماء فيسقون الناس منه ويبدأون بالقاضي ومن يليه ثم يوتى بالتنبول «296» وهم يعظمونه ويكرمون من يأتي لهم به فإذا اعطى السلطان أحدا منه فهو أعظم من إعطاء الذهب والخلع، وإذا مات الميت لم يأكل أهله التنبول إلا في ذلك اليوم، فيأخذ القاضي أو من يقوم مقامه أوراقا منه فيعطيها لولي الميت فيأكلها وينصرفون حينئذ وسيأتي ذكر التنبول إن شاء الله تعالى. ذكر سماعي بدمشق، ومن أجازني من أهلها سمعت بجامع بني أمية عمّره الله بذكره، جميع صحيح الإمام أبي عبد الله محمد ابن اسماعيل الجعفي البخاري رضي الله عنه على الشيخ المعمر، رحلة الآفاق ملحق الأصاغر بالأكابر، شهاب الدين أحمد بن أبي طالب بن أبي النّعيم بن حسن بن علي بن بيان الدين مقرئ الصالحي، المعروف بابن الشّحنة الحجّار «297» في أربعة عشر مجلسا، أولها يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان المعظم سنة ست وعشرين وسبعمائة وآخرها يوم الاثنين الثامن والعشرين منه «298» بقراءة الامام الحافظ مؤرخ الشام علم الدين أبي محمد القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي الإشبيلي «299» الأصل الدمشقي، في جماعة كبيرة كتب اسماءهم محمد بن طغريل بن عبد الله بن الغزّال الصيرفي، بسماع الشيخ أبي العباس

الحجازي لجميع الكتاب، من الشيخ الامام سراج الدين أبي عبد الله الحسين بن أبي بكر المبارك بن محمد بن يحيى بن علي بن المسلم بن عمران الربيعي البغدادي الزبيدي الحنبلي «300» ، في أواخر شوال وأوائل ذي القعدة من سنة ثلاثين وستمائة بالجامع المظفّري بسفح جبل قاسيون ظاهر دمشق وبإجازته في جميع الكتاب من الشيخين: أبي الحسن محمد بن أحمد بن عمر بن الحسين بن الخلف القطيعي المؤرخ، وعلي بن أبي بكر بن عبد الله بن رؤبة القلانسي العطار البغداديين ومن باب غيرة النساء ووجدهن إلى آخر الكتاب من أبي المنجّا عبد الله بن عمر بن علي بن زيد بن اللّتي الخزاعي البغدادي بسماع أربعتهم من الشيخ سديد الدين أبي الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن ابراهيم السنجزى الهروى الصوفي في سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ببغداد، قال: أخبرنا الإمام جمال الإسلام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد ابن داوود بن أحمد بن معاذ بن سهل بن الحكم الداودي قراءة عليه وأنا أسمع ببوشنج سنة خمس وستين وأربعماية قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حويّة بن يوسف بن أيمن السرخسى قراءة عليه وأنا أسمع في صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، قال: أخبرنا عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر بن إبراهيم الفربري قراءة عليه، وأنا أسمع سنة ست عشرة وثلاثمائة بفربر، قال: أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رضي الله عنه سنة ثمان وأربعين ومائتين بفربر، ومرة ثانية بعدها سنة ثلاث وخمسين. وممن أجازني من أهل دمشق إجازة عامة الشيخ أبو العباس الحجار «301» . المذكور بسؤالي ذلك وتلفظ لي به، ومنهم الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن أحمد بن

محمد المقدسي ومولده في ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وستماية «302» . ومنهم الشيخ الإمام الصالح عبد الرحمن ابن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن البجدي «303» . ومنهم إمام الأيمة جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزّي الكلبي حافظ الحفاظ «304» . ومنهم الشيخ الامام علاء الدين علي بن يوسف بن محمد بن عبد الله الشافعي «305» ، والشيخ الإمام الشريف محيي الدين يحيى ابن محمد بن علي العلوي «306» . ومنهم الشيخ الامام المحدث مجد الدين القاسم بن عبد الله بن أبي عبد الله بن المعلى الدمشقي ومولده سنة أربع وخمسين وستمائة. ومنهم الشيخ الامام العالم شهاب الدين أحمد بن ابراهيم بن فلاح بن محمد الاسكندري «307» . ومنهم الشيخ الإمام ولي الله تعالى شمس الدين بن عبد الله بن تمام «308» ، والشيخان الأخوان شمس الدين محمد، وكمال الدين عبد الله ابنا ابراهيم بن عبد الله بن

أبي عمر المقدسي «309» ، والشيخ العابد شمس الدين محمد بن أبي الزهراء بن سالم الهكّاري «310» والشيخة الصالحة أم محمد عائشة بنت محمد ابن مسلمه بن سلامة الحراني «311» والشيخة الصالحة رحلة الدنيا زينب بنت كمال الدين أحمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي «312» ، كلّ هؤلاء أجازني إجازة عامة في سنة ست وعشرين بدمشق «313» .

الفصل الرابع الحجاز

الفصل الرابع الحجاز من دمشق إلى مدينة الرسول المدينة والحرم الشريف أعيان المدينة وضواحيها من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة مكة والحرم الشريف

خريطة مسالك الحجاز

[إلى الحجاز]

[إلى الحجاز] ... ولما استهل شوال من السنة المذكورة «1» خرج الركب الحجازي إلى خارج دمشق ونزلوا القرية المعروفة بالكسوة «2» فأخذت في الحركة معهم، وكان أمير الركب سيف الدين الجوبان من كبار الأمراء» ، وقاضيه شرف الدين الأذرعىّ الحوراني «4» ، وحج في تلك السنة مدرس المالكية صدر الدين الغماري «5» ، وكان سفري مع طائفة من العرب تدعى العجارمة «6» ، أميرهم محمد بن رافع «7» كبير القدر في الأمراء، وارتحلنا من الكسوة إلى قرية تعرف بالصّنمين «8» عظيمة، ثم ارتحلنا منها إلى بلدة زرعة «9» ، وهي صغيرة من بلاد

حوران نزلنا بالقرب منها، ثم ارتحلنا إلى مدينة بصرى وهي صغيرة «10» ، ومن عادة الركب أن يقيم بها أربعا ليلحق بهم من تخلف بدمشق لقضاء مأربه، وإلى بصرى وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعث في تجارة خديجة، وبها مبرك ناقته، قد بني عليه مسجد عظيم، ويجتمع أهل حوران لهذه المدينة ويتزود الحاج منها، ثم يرحلون إلى بركة زيزة «11» ويقيمون عليها يوما ثم يرحلون إلى اللّجون «12» وبها الماء الجاري، ثم يرحلون إلى حصن الكرك «13» ، وهو من أعجب الحصون وأمنعها وأشهرها ويسمى بحصن الغراب، والوادي يطيف به من جميع جهاته، وله باب واحد قد نحت المدخل اليه في الحجر الصلد، ومدخل دهليزه كذلك وبهذا الحصن يتحصّن الملوك، وإليه يلجأون في النوايب، وله لجأ الملك الناصر «14» لأنه ولي الملك وهو صغير السنّ فإستولى على التدبير مملوكه سلار «15» النايب عنه فأظهر الملك الناصر أنه يريد الحج ووافقه الأمراء على ذلك فتوجه إلى الحج فلما وصل عقبة أيلة «16» لجأ إلى الحصن وأقام به أعواما إلى أن قصده أمراء الشام واجتمعت عليه المماليك.

نقوش من العقبة الكرك الأثرية

وكان قد ولى الملك في تلك المدة بيبرس الشّشنكير «17» ، وهو أمير الطعام، وتسمى بالملك المظفر، وهو الذي بنا الخانقاه البيبرسية «18» بمقربة من خانقاه سعيد السعداء التي بناها صلاح الدين ابن أيوب، فقصده الملك الناصر بالعساكر ففرّ بيبرس إلى الصحراء فتبعه العساكر وقبض عليه وأوتي به إلى الملك الناصر فأمر بقتله فقتل وقبض على سلار وحبس في جبّ حتى مات جوعا، ويقال: إنه أكل خفيه من الجوع، نعوذ بالله من ذلك! وأقام الركب بخارج الكرك أربعة أيام بموضع يقال له الثنيّة «19» وتجهزوا لدخول البرية، ثم ارتحلنا إلى معان «20» وهو آخر بلاد الشام، ونزلنا من عقبة الصوّان «21» إلى الصحراء التي يقال فيها: داخلها مفقود وخارجها مولود، وبعد مسيرة يومين نزلنا ذات حجّ «22» ، وهي حسيان لا عمارة بها، ثم إلى وادي بلدح «23» ولا ماء به. ثم إلى تبوك «24» وهو الموضع الذي غزاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها عين تبضّ بشيء من الماء، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأ منها جادت بالماء المعين، ولم تزل إلى هذا العهد ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن عادة حجاج الشام إذا وصلوا منزل تبوك أخذوا أسلحتهم وجرّدوا سيوفهم وحملوا على المنزل وضربوا النخيل بسيوفهم، ويقولون: هكذا دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينزل الركب العظيم على هذه العين فيروى منها جميعهم ويقيمون أربعة أيام للراحة وإرواء الجمال واستعداد الماء للبرية المخوفة التي بين العلا وتبوك. ومن عادة السقّائين أنهم ينزلون على جوانب هذه العين ولهم أحواض مصنوعة من جلود الجواميس كالصهاريج الضخام يسقون منها الجمال ويملأون الرّوايا والقرب «25» ، ولكل أمير أو كبير حوض يسقي منه جماله وجمال أصحابه ويملأ رواياهم، وسواهم من النّاس يتّفق مع السقّائين على سقي جمله وملء قربته بشيء معلوم من الدراهم، ثم يرحل الركب من تبوك ويجدّون السير ليلا ونهارا خوفا من هذه البرّيّة، وفي سطها الوادي الأخيضر «26» كأنه وادي جهنم أعادنا الله منها، وأصاب الحجاج به في بعض السنين مشقة بسبب ريح السّموم التي تهبّ فانتشفت المياه، وانتهت شربة الماء إلى ألف دينار، ومات مشتريها وبائعها، وكتب ذلك في بعض صخر الوادي! ومن هنالك ينزلون بركة المعظّم «27» وهي ضخمة نسبتها إلى الملك المعظم من أولاد أيوب ويجتمع بهاء ماء المطر في بعض السنين، وربما جفّ في بعضها، وفي الخامس من

أيام رحيلهم عن تبوك يصلون إلى بئر الحجر «28» حجر ثمود «29» ، وهي كثيرة الماء ولكن لا يردها أحد من الناس مع شدة عطشهم اقتداء بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث مر بها في غزوة تبوك فأسرع براحلته وأمر أن لا يسقى منها أحد، ومن عجن به أطعمه الجمال. وهنالك ديار ثمود في جبال من الصخر الاحمر منحوتة لها عتب منقوشة يظن رائيها أنها حديثة الصنعة، وعظامهم نخرة في داخل تلك البيوت، إن في ذلك لعبرة. ومبرك ناقة صالح عليه السلام بين جبلين هنالك وبينهما أثر مسجد يصلي الناس فيه، وبين الحجر والعلا «30» نصف يوم أو دونه، والعلا قرية كبيرة حسنة لها بساتين النخل والمياه المعينة يقيم بها الحجاج أربعا، ويتزودون ويغسلون ثيابهم ويودعون بها ما يكون عندهم من فضل زاد ويستصحبون قدر الكفاية. وأهل هذه القرية أصحاب أمانة. وإليها ينتهي تجار نصارى الشام لا يتعدونها «31» ويبايعون الحجاج بها الزاد وسواه، ثم يرحل الركب من العلا فينزلون في غد رحيلهم الوادي المعروف بالعطاس «32» ، وهو شديد الحر تهب فيه السموم المهلكة، هبّت في بعض السنين على الركب فلم يخلص منهم إلا اليسير، وتعرف تلك السنة سنة الأمير الجالقي «33» ، ومنه ينزلون هديّة «34» وهي حسيان ماء بواد يحفرون به فيخرج الماء وهو زعاق، وفي اليوم الثالث ينزلون بظاهر البلد المقدس الكريم الشريف.

طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم

طيبة «35» مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرّف وكرم وفي عشىّ ذلك اليوم دخلنا الحرم الشريف وانتهينا إلى المسجد الكريم فوقفنا بباب السلام «36» مسلّمين وصلينا بالروضة الكريمة بين القبر والمنبر الكريم، واستلمنا القطعة الباقية من الجذع «37» الذي حنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ملصقة بعمود قائم بين القبر والمنبر عن يمين مستقبل القبلة، وأدينا حق السلام على سيد الأولين والآخرين، وشفيع العصاة والمذنبين، الرّسول النبي الهاشمي الأبطحي محمد صلى الله عليه وسلم تسليما وشرف وكرم، وحقّ السلام على ضجيعيه وصاحبيه: أبي بكر الصديق «38» وأبي حفص عمر الفاروق رضي الله عنهما، وانصرفنا إلى رحلنا مسرورين بهذه النعمة العظمى، مستبشرين بنيل هذه المنة الكبرى، حامدين لله تعالى على البلوغ إلى معاهد رسوله الشريفة، ومشاهده العظيمة المنيفة داعين أن لا يجعل ذلك آخر عهدنا بها وأن يجعلنا ممن قبلت زيارته، وكتبت في سبيل الله سفرته. ذكر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروضته الشريفة المسجد المعظم مستطيل تحفّه من جهاته الاربع، بلاطات دائرة به ووسطه صحن مفروش بالحصى والرمل، ويدور بالمسجد الشريف شارع مبلّط بالحجر المنحوتة، والرّوضة المقدسة «39» صلوات الله وسلامه على ساكنها، في الجهة القبلية مما يلي الشرق من المسجد الكريم، وشكلها عجيب لا يتأتى تمثيله، وهي مؤزّرة بالرخام البديع النحت، الرائق النعت، قد علاها تضميخ المسك والطيب مع طول الأزمان، وفي الصفحة القبلية منها مسمار فضة هو قبالة الوجه الكريم، وهناك يقف الناس للسلام مستقبلين الوجه الكريم، مستدبرين القبلة

المسجد النبوي بالمدينة

ذكر ابتداء بناء المسجد الكريم

فيسلمون وينصرفون يمينا إلى وجه أبي بكر الصديق، ورأس أبي بكر رضي الله عنه، عند قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ينصرفون إلى عمر بن الخطاب، ورأس عمر عند كتفي أبي بكر رضي الله عنهما. وفي الجوفى من الروضة المقدسة زادها الله طيبا حوض صغير مرخّم في قبلته شكل محراب يقال إنه كان بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ويقال أيضا هو قبرها، والله أعلم «40» . وفي وسط المسجد الكريم دفة مطبقة على وجه الأرض مقفلة على سرداب له درج" يفضى إلى دار أبي بكر رضي الله عنه خارج المسجد، وعلى ذلك السرداب كان طريق بنته عايشة أم المؤمنين رضي الله عنها إلى داره، ولا شكّ أنه هو الخوخة التي ورد ذكرها في الحديث، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم تسليما بإبقائها وسدّ ما سواها، وبإزاء دار أبي بكر رضي الله عنه دار عمر ودار ابنه عبد الله بن عمر «41» رضي الله عنهما وبشرقي المسجد الكريم دار إمام المدينة أبي عبد الله مالك بن أنس «42» رضي الله عنه وبمقربة من باب السلام سقاية ينزل إليها على درج ماؤها معين. وتعرف بالعين الزرقاء. ذكر ابتداء بناء المسجد الكريم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم تسليما المدينة الشريفة دار الهجرة يوم الاثنين الثالث عشر من شهر ربيع الأول «43» فنزل على بني عمرو بن عوف «44» وأقام عندهم اثنتين وعشرين ليلة، وقيل أربع عشرة ليلة وقيل أربع ليال، ثم توجه إلى المدينة فنزل على بني النّجار

«45» بدار أبي أيوب الأنصاري «46» رضي الله عنه وأقام عنده سبعة أشهر حتى بنى مساكنه ومسجده. وكان موضع المسجد مربدا لسهل وسهيل ابنى رافع بن أبي عمر بن عاند بن ثعلبة بن غنم ابن ملك بن النّجار وهما يتيمان في حجر أسعد بن زرارة رضي الله عنهم أجمعين، وقيل كانا في حجر أبي أيوب رضي الله عنه فابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلّم تسليما، ذلك المربد، وقيل بل أرضاهما أبو أيوب عنه، وقيل إنهما وهباه لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما، فبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما المسجد وعمل فيه مع أصحابه وجعل عليه حائطا ولم يجعل له سقفا ولا أساطين، وجعله مربّعا طوله مائة ذراع، وعرضه مثل ذلك، وقيل: إن عرضه كان دون ذلك، وجعل ارتفاع حائطه قدر القامة، فلما اشتد الحر تكلم أصحابه في تسقيفه فأقام له أساطين من جذوع النخل، وجعل سقفه من جريدها فلما أمطرت السماء وكف المسجد، فكلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمله بالطين فقال: كلّا! عريش كعريش موسى أو ظلّة كظلّة موسى، والأمر أقرب من ذلك، قيل: وما ظلّة موسى؟ قال صلى الله عليه وسلم: كان إذا قام أصاب السقف رأسه، وجعل للمسجد ثلاثة أبواب ثم سدّ الجنوبي منها حين حولت القبلة «47» ، وبقى المسجد على ذلك حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وحياة أبي بكر رضي الله عنه. فلما كانت أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه زاد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وقال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما يقول: ينبغي أن نزيد في المسجد ما زدت فيه، فانزل أساطين الخشب وجعل مكانها أساطين اللّبن، وجعل الأساس حجارة إلى القامة وجعل الابواب ستة، منها في كلّ جهة ما عدا القبلة، بابان وقال في باب منها: ينبغي أن يترك هذا للنّساء، فما رىء فيه حتى لقى الله عز وجل، وقال:

لو زدنا في هذا المسجد حتى يبلغ الجبّانة لم يزل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسليما. وأراد عمر أن يدخل في المسجد موضعا للعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ورضي عنهما فمنعه منه وكان فيه ميزاب يصبّ في المسجد، فنزعه عمر وقال: إنه يؤذي الناس، فنازعه العباس وحكّما بينهما أبي بن كعب رضي الله عنهما فأتيا داره فلم يؤذن لهما إلا بعد ساعة، ثم دخلا إليه فقال كانت جارتي تغسل رأسي، فذهب عمر ليتكلّم فقال له أبي: دع أبا الفضل يتكلّم لمكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما، فقال العباس: خطّة خطها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وبنيتها معه وما وضعت الميزاب إلا ورجلاي على عاتقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء عمر فطرحه وأراد إدخالها في المسجد. فقال أبي: إن عندي من هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما يقول: أراد داوود عليه السلام أن يبني بيت الله المقدس وكان فيه بيت ليتيمين فراودهما على البيع فأبيا ثم أرادهما فباعاه، ثم قاما بالغبن فردّ البيع واشتراه منهما، ثم ردّاه كذلك فاستعظم داود الثمن، فأوحى الله إليه: إن كنت تعطى من شيء هو لك فأنت أعلم، وإن كنت تعطيهما من رزقنا فأعطهما حتى يرضيا، وان أغنى البيوت عن مظلمة بيت هو لي، وقد حرمت عليك بناءه، قال يا رب فأعطه سليمان، فأعطاه سليمان عليه السلام. فقال عمر من يشهد لي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما قاله؟ فخرج أبي إلى قوم من الأنصار فأثبتوا له ذلك، فقال عمر رضي الله عنه: أما إني لو لم أجد غيرك أخذت قولك، ولكني أحببت أن أثبت، ثم قال للعباس رضي الله عنه، والله لا تردّ الميزاب إلا وقدماك على عاتقيّ، ففعل العباس ذلك ثم قال: أما إذ أثبتت لي فهي صدقة لله، فهدمها عمر وأدخلها في المسجد، ثم زاد فيه عثمان رضي الله عنه وبناه بقوة وباشره بنفسه، فكان يظل فيه نهاره وبيّضه وأتقن محله بالحجارة المنقوشة، ووسعه من جهاته إلا جهة الشرق منها وجعل له سواري حجارة مثبتة بأعمدة الحديد والرصاص وسقفه بالسّاج، وصنع له محرابا وقيل إن مروان هو أول من بنى المحراب، وقيل: عمر بن عبد العزيز في خلافة الوليد. ثم زاد فيه الوليد بن عبد الملك، تولّى ذلك عمر بن عبد العزيز فوسعه وحسّنه وبالغ في إتقانه وعمله بالرخام والساج المذهب «48» ، وكان الوليد بعث إلى ملك الروم: إني أريد أن

أبني مسجد نبينا صلى الله عليه وسلم تسليما فأعنّي فيه. فبعث إليه الفعلة وثمانين ألف مثقال من الذهب «49» ، وأمر الوليد بإدخال حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تسليما، فاشترى عمر من الدور ما زاده في ثلاث جهات من المسجد، فلما صار إلى القبلة امتنع عبيد الله بن عبد الله ابن عمر من بيع دار حفصة، وطال بينهما الكلام حتى ابتاعها عمر على أن لهم ما بقى منها، وعلى أن يخرجوا من باقيها طريقا إلى المسجد وهي الخوخة التي في المسجد. وجعل عمر للمسجد أربع صوامع في أربعة أركانه: إحداهما مطلّة على دار مروان فلما حج سليمان بن عبد الملك نزل بها فأطل عليه المؤذن حين الآذان فأمر بهدمها «50» . وجعل عمر للمسجد محرابا ويقال: هو أوّل من أحدث المحراب، ثم زاد فيه المهدي «51» ابن أبي جعفر المنصور، وكان أبوه هم بذلك ولم يقض له، وكتب اليه الحسن بن زيد «52» يرغّبه في الزيادة فيه من جهة الشرق، ويقول: إنه إن زيد في شرقية توسطت الروضة الكريمة المسجد الكريم، فاتّهمه أبو جعفر بأنه أراد هدم دار عثمان رضي الله عنه، فكتب إليه: إني قد عرفت الذي أردت فاكفف عن دار الشيخ عثمان. وأمر أبو جعفر أن يظلّل الصّحن أيام القيظ بستور تنشر على حبال ممدودة على خشب تكون في الصحن لتكنّ المصلين من الحر «53» . وكان طول المسجد في بناء الوليد مائتي ذراع، فبلّغه المهدي إلى ثلاثمائة ذراع وسوّى المقصورة بالأرض وكانت مرتفعة عنها بمقدار ذراعين، وكتب اسمه على مواضع من المسجد. ثم أمر الملك المنصور قلاوون ببناء دار للوضوء عند باب السلام فتولى بناءها الأمير الصالح علاء الدين المعروف بالأقمر، وأقامها متسعة الفناء تستدير بها البيوت، وأجرى إليها

ذكر المنبر الكريم.

الماء، وأراد أن يبنى بمكة شرفها الله تعالى مثل ذلك، فلم يتمّ له، فبناه ابنه الملك الناصر بين الصّفا والمروة، وسيذكر إن شاء الله. وقبلة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما قبلة قطع لأنه صلى الله عليه وسلم تسليما أقامها، وقيل أقامها جبريل عليه السلام، وقيل كان جبريل يشير له إلى سمتها وهو يقيمها، وروي أن جبريل، عليه السلام، أشار إلى الجبال فتواضعت فتنحّت حتى بدت الكعبة، فكان صلى الله عليه وسلّم تسليما يبني وهو ينظر إليها عيانا، وبكل اعتبار فهي قبلة قطع، وكانت القبلة أول ورود النبي صلى الله عليه وسلم تسليما المدينة إلى بيت المقدس، ثم حوّلت إلى الكعبة بعد ستة عشر شهرا، وقيل بعد سبعة عشر شهرا. ذكر المنبر الكريم. وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم تسليما، كان يخطب إلى جذع نخلة بالمسجد فلما صنع له المنبر وتحوّل إليه، حنّ الجذع حنين الناقة إلى حوارها، وروى أنه صلى الله عليه وسلّم تسليما نزل إليه فإلتزمه فسكن، وقال: لو لم ألتزمه لحن إلى يوم القيامة. واختلفت الروايات فيمن صنع المنبر الكريم فروى أن تميم الدّاري «54» رضي الله عنه هو الذي صنعه، وقيل: إن غلاما للعباس رضي الله عنه صنعه، وقيل غلام لامرأة من الانصار، وورد ذلك في الحديث الصحيح، وصنع من طرفاء الغابة، وقيل من الأثل «55» ، وكان له ثلاث درجات فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما يقعد على علياهن، ويضع رجليه الكريمتين في وسطاهن، فلما ولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه قعد على وسطاهن، وجعل رجليه على أولاهن، فلما ولى عمر رضي الله عنه جلس على أولاهن وجعل رجليه على الأرض، وفعل ذلك عثمان رضي الله عنه صدرا من خلافته ثم ترقى إلى الثالثة. ولما أن صار الأمر إلى معاوية رضي الله عنه أراد نقل المنبر إلى الشام فضجّ المسلمون وعصفت ريح شديدة وخسفت الشمس وبدت النجوم نهارا وأظلمت الأرض فكان الرجل يصادم الرجل ولا يتبيّن مسلكه، فلما رأى ذلك معاوية تركه وزاد فيه ستّ درجات من أسفله فبلغ تسع درجات «56» .

ذكر الخطيب والامام بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما

ذكر الخطيب والامام بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم تسليما وكان الامام بالمسجد الشريف في عهد دخولي إلى المدينة بهاء الدين بن سلامة «57» من كبار أهل مصر، وينوب عنه العالم الصالح الزاهد بغية المشايخ عز الدين الواسطي «58» ، نفع الله به، وكان يخطب قبله ويقضي بالمدينة الشريفة سراج الدين عمر المصري «59» . حكاية [سراج الدين وحلمه] يذكر أن سراج الدّين هذا أقام في خطة القضاء بالمدينة والخطابة بها نحو أربعين سنة، ثم إنه أراد الخروج بعد ذلك إلى مصر فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما في النوم ثلاث مرات، في كلّ مرة ينهاه عن الخروج منها، وأخبره باقتراب أجله فلم ينته عن ذلك، وخرج فمات بموضع يقال له السويس على مسيرة ثلاث من مصر قبل أن يصل اليها، نعوذ بالله من سوء الخاتمة، وكان ينوب عنه الفقيه عبد الله محمد بن فرحون، رحمه الله وابناؤه الآن بالمدينة الشريفة: أبو محمد عبد الله مدرّس المالكية، ونائب الحكم، وأبو عبد الله محمد، وأصلهم من مدينة تونس، ولهم بها حسب وأصالة «60» . وتولى الخطابة والقضاء بالمدينة الشريفة بعد ذلك جمال الدين الأسيوطي «61» من أهل مصر وكان قبل ذلك قاضيا بحصن الكرك.

ذكر خدام المسجد الشريف والمؤذنين به.

ذكر خدام المسجد الشريف والمؤذنين به. وخدام هذا المسجد الشريف وسدنته فتيان من الأحابيش وسواهم، وهم على هيأت حسان وصور نظاف، وملابس ظراف، وكبيرهم يعرف بشيخ الخدام، وهو في هيأة الأمراء الكبار، ولهم المرتبات بديار مصر والشام، ويوتي إليهم بها في كل سنة. ورئيس المؤذنين بالحرم الشريف الإمام المحدث الفاضل جمال الدين المطري «62» من مطرية قرية بمصر، وولده الفاضل عفيف الدين عبد الله، والشيخ المجاور الصالح أبو عبد الله محمد بن محمد الغرناطي المعروف بالتّرّاس «63» ، قديم المجاورة وهو الذي جبّ نفسه خوفا من الفتنة! حكاية [هذا الشيخ الذي جب نفسه] يذكر أن أبا عبد الله الغرناطي كان خديما لشيخ يسمى عبد الحميد العجمي، وكان الشيخ حسن الظن به يطمئن إليه بأهله وماله، ويتركه، متى سافر، بداره، فسافر مرة وتركه على عادته بمنزله فعلقت به زوجة الشيخ عبد الحميد وراودته عن نفسه فقال: إني أخاف الله ولا أخون من ائتمنني على أهله وماله! فلم تزل تراوده وتعارضه، حتى خاف على نفسه الفتنة وجبّ نفسه وغشى عليه ووجده الناس على تلك الحالة فعالجوه حتى برىء، وصار من خدام المسجد الكريم ومؤذنا به ورأس الطائفتين وهو باق بقيد الحياة إلى هذا العهد. ذكر بعض المجاورين بالمدينة الشريفة. منهم الشيخ الصالح الفاضل أبو العباس أحمد بن محمد بن مرزوق «64» كثير العبادة

والصوم والصلاة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما صابر محتسب وكان ربما جاور بمكة المعظمة، رأيته بها سنة ثمان وعشرين وهو أكثر الناس طوافا وكنت أعجب من ملازمته الطواف مع شدة الحرّ بالمطاف، والمطاف مفروش بالحجارة السود وتصير بحر الشمس كأنها الصفائح المحماة، ولقد رأيت السقائين يصبّون الماء عليها فما يجاوز الموضع الذي يصبّ فيه إلا ويلتهب من حينه! وأكثر الطائفين في ذلك الوقت يلبسون الجوارب، وكان أبو العباس بن مرزوق يطوف حافي القدمين، ورأيته يوما يطوف فأحببت أن أطوف معه فوصلت المطاف وأردت استلام الحجر الأسود فلحقني لهب تلك الحجارة وأردت الرجوع بعد تقبيل الحجر فما وصلته إلا بعد جهد عظيم! ورجعت فلم أطف، وكنت أجعل سجادتي «65» على الأرض وأمشي عليه حتى بلغت الرّواق. وكان في ذلك العهد بمكة وزير غرناطة وكبيرها أبو القاسم محمد بن محمد ابن الفقيه أبي الحسن سهل بن مالك الأزدي «66» ، وكان يطوف كل يوم سبعين أسبوعا «67» ، ولم يكن يطوف في وقت القائلة لشدة الحر، وكان ابن مرزوق يطوف في شدة القائلة زيادة عليه. ومن المجاورين بالمدينة، كرّمها الله، الشيخ الصالح العابد سعيد المراكشي الكفيف، ومنهم الشيخ أبو مهدي عيسى بن حرزوز «68» المكناسي.

حكاية [شيخ تاه في الجبال]

حكاية [شيخ تاه في الجبال] جاور الشيخ أبو مهدي بمكة سنة ثمان وعشرين وخرج إلى جبل حراء مع جماعة من المجاورين فلما صعدوا الجبل وصلّوا بمتعبد النبي صلى الله عليه وسلم تسليما، ونزلوا عنه تأخر أبو مهدي عن الجماعة ورأى طريقا في الجبل فظنه قاصدا فسلك عليه ووصل الصحابة إلى أسفل الجبل فانتظروه فلم يأت فتطلّعوا فيما حولهم فلم يروا له أثرا فظنوا أنه سبقهم فمضوا إلى مكة، شرفها الله تعالى، ومرّ عيسى على طريقه فأفضى به إلى جبل آخر وتاه عن الطريق، وأجهده العطش والحرّ وتمزّقت نعله فكان يقطع من ثيابه ويلفّ على رجليه إلى أن ضعف عن المشي واستظلّ بشجرة أن غيلان، فبعث الله أعرابيا على جمل حتّى وقف عليه، فاعلمه بحاله فأركبه وأوصله إلى مكة، وكان على وسطه هميان «69» فيه ذهب فسلّمه إليه، وأقام نحو شهر لا يستطيع القيام على قدميه، وذهبت جلدتهما ونبتت لهما جلدة أخرى وقد جرا مثل ذلك لصاحب لي اذكره ان شاء الله. ومن المجاورين بالمدينة الشريفة أبو محمد السّروي «70» من القراء المحسنين، وجاور بمكة في السنة المذكورة، وكان يقرأ بها كتاب الشفاء للقاضي عياض «71» بعد صلاة الظهر وأمّ في التراويح بها، ومن المجاورين الفقيه أبو العباس الفاسي مدرس المالكية بها، وتزوّج ببنت الشيخ الصالح شهاب الدين الزّرندى. حكاية [المرتكب الصّعب] يذكر أن أبا العباس الفاسي تكلّم يوما مع بعض الناس فانتهى به الكلام إلى أن تكلم بعظيمة ارتكب فيها بسبب جهله بعلم النسب وعدم حفظه للسانه مرتكبا صعبا عفا الله عنه،

ذكر أمير المدينة الشريفة

فقال: إن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهما السلام لم يعقّب، فبلغ كلامه إلى أمير المدينة طفيل بن منصور بن جمّاز الحسيني «72» فأنكر كلامه، ويحقّ إنكاره، وأراد قتله، فكلّم فيه فنفاه عن المدينة، ويذكر أنه بعث من اغتاله، وإلى الآن لم يظهر له أثر نعوذ بالله من عثرات اللسان وزلله! ذكر أمير المدينة الشريفة كان أمير المدينة كبيش بن منصور ابن جماز «73» ، وكان قد قتل عمه مقبلا، ويقال إنه توضأ بدمه ثم إن كبيشا خرج سنة سبع وعشرين، إلى الفلاة في شدة الحر ومعه أصحابه، فأدركتهم القائلة في بعض الأيام فتفرقوا تحت ظلال الأشجار فما راعهم إلا وأبناء مقبل في جماعة من عبيدهم ينادون: يا لثارات مقبل! فقتلوا كبيش بن منصور صبرا ولعقوا دمه! وتولى بعده أخوه طفيل بن منصور الذي ذكرنا أنه نفى أبا العبّاس الفاسي. ذكر بعض المشاهد الكريمة بخارج المدينة الشريفة فمنها بقيع الغرقد، وهو بشرقي المدينة المكرمة ويخرج إليه على باب يعرف بباب البقيع، فأول ما يلقى الخارج إليه، على يساره عند خروجه من الباب قبر صفية بنت عبد المطلب، رضي الله عنهما، وهي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما، وأم الزّبير بن العوّام «74» رضي الله عنه، وأمامها قبر إمام المدينة أبي عبد الله مالك بن أنس رضي الله عنه وعليه قبة صغيرة مختصرة البناء، وأمامه قبر السّلالة الطاهرة المقدسة النبوية الكريمة

إبراهيم بن رسول الله «75» صلى الله عليه وسلّم تسليما وعليه قبّة بيضاء، وعن يمينها تربة عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهو المعروف بأبي شحمة، وبإزائه قبر عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه، وقبر عبد الله بن ذي الجناحين جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما «76» ، وبإزائهم روضة يذكر أن قبور أمهات المؤمنين بها رضي الله عنهنّ، ويليها روضة فيها قبر العباس بن عبد المطلب «77» عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وهي قبة ذاهبة في الهواء بديعة الإحكام عن يمين الخارج من باب البقيع ورأس الحسن إلى رجلي العباس عليهما السلام، وقبراهما مرتفعان عن الارض متسعان مغشّيان بالواح بديعة الالصاق مرصّعة بصفائح الصفر البديعة العمل، وبالبقيع قبور المهاجرين والأنصار وسائر الصّحابة رضي الله عنهم إلا أنها لا يعرف أكثرها، وفي آخر البقيع قبر أمير المؤمنين أبي عمر عثمان ابن عفّان رضي الله عنه، وعليه قبّة كبيرة «78» ، وعلى مقربة منه قبر فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وعن ابنها. ومن المشاهد الكريمة قباء، وهو قبلى المدينة على نحو ميلين منها، والطريق بينهما في حدائق النخل، وبه المسجد الذي أسس على التقوى والرضوان، وهو مسجد مربّع فيه صومعة بيضاء طويلة تظهر على البعد، وفي وسطه مبرك الناقة بالنبي صلى الله عليه وسلم تسليما يتبرك الناس بالصلاة فيه، وفي الجهة القبلية من صحنه محراب على مصطبة وهو أول موضع ركع فيه النبي صلى الله عليه وسلم تسليما، وفي قبلى المسجد دار كانت لأبي أيوب الانصاري رضي الله عنه، ويليها دور تنسب لأبي بكر وعمر وفاطمة وعائشة، رضي الله عنهم وبإزائه بئر أريس، وهي التي عاد ماؤها عذبا لما تفل فيه النبي صلى الله

عليه وسلم تسليما بعد أن كان أجاجا، وفيها وقع الخاتم الكريم من عثمان رضي الله عنه «79» . ومن المشاهد قبة حجر الزيت بخارج المدينة الشريفة، يقال إن الزيت رشح من حجر هنالك للنبي صلى الله عليه وسلم تسليما، وإلى جهة الشمال «80» منه بئر بضاعة وبإزائها جبل الشيطان حيث صرخ يوم أحد وقال: قتل نبيكم، وعلى شفير الخندق الذي حفره النبي صلى الله عليه وسلم تسليما «81» عند تحزب الأحزاب حصن خرب يعرف بحصن العزّاب يقال إن عمر بناه لعزّاب المدينة، وأمامه إلى جهة الغرب بئر رومة التي اشترى أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه نصفها بعشرين ألفا «82» . ومن المشاهد الكريمة أحد «83» وهو الجبل المبارك الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما: إن أحدا جبل يحبّنا ونحبّه، وهو بجوفي المدينة الشريفة على نحو فرسخ منها، وبإزائه الشهداء المكرمون رضي الله عنهم، وهنالك قبر حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما ورضي الله عنه وحوله الشهداء المستشهدون في أحد رضي الله عنهم، وقبورهم لقبلىّ أحد، وفي طريق أحد مسجد ينسب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.

حكاية [الهاتف بالليل]

ومسجد ينسب «84» إلى سلمان الفارسي رضي الله عنه ومسجد الفتح حيث أنزلت سورة الفتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما. وكانت إقامتنا بالمدينة الشريفة في هذه الوجهة أربعة أيام، وفي كل ليلة نبيت بالمسجد الكريم، والنّاس قد حلّقوا في صحنه حلقا وأوقدوا الشمع الكثير، وبينهم ربعات القرآن الكريم يتلونه، وبعضهم يذكرون الله، وبعضهم في مشاهدة التربة الطاهرة زادها الله طيبا، والحداة بكل جانب يترنمون بمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما، وهكذا دأب الناس في تلك الليالي المباركة، ويجودون بالصّدقات الكثيرة على المجاورين والمحتاجين. وكان في صحبتي في هذه الوجهة من الشام إلى المدينة الشريفة رجل من أهلها فاضل يعرف بمنصور بن شكل «85» ، وأضافني بها، واجتمعنا بعد ذلك بحلب وبخاري، وكان في صحبتي أيضا قاضي الزيدية «86» شرف الدين قاسم بن سنان، وصحبني أيضا أحد الصلحاء الفقراء من أهل غرناطة يسمى بعلي بن حجر الأموي. حكاية [الهاتف بالليل] لما وصلنا إلى المدينة كرمها الله، وصلى الله على ساكنها أفضل الصلاة ذكر لي عليّ بن حجر المذكور أنه رأى تلك الليلة في النوم قائلا يقول له: اسمع مني واحفظ عني. هنيئا لكم يا زائرين ضريحه ... أمنتم به يوم المعاد من الرجس وصلتم إلى قبر الحبيب بطيبة ... فطوبى لمن يضحي بطيبة أو يمسي!

وجاور هذا الرجل بعد حجّه بالمدينة، ثم رحل إلى مدينة دهلى قاعدة بلاد الهند في سنة ثلاث وأربعين «87» فنزل في جواري وذكرت حكاية رؤياه بين يدي ملك الهند، فأمر بإحضاره فحضر بين يديه، وحكى له ذلك فأعجبه واستحسنه وقال له كلاما جميلا بالفارسية، وأمر بإنزاله وأعطاه ثلاثمائة تنكة من ذهب، ووزن التنكة من دنانير المغرب ديناران ونصف دينار، وأعطاه فرسا محلّى السرج واللّجام وخلعة، وعيّن له مرتّبا في كل يوم. وكان هناك فقيه طيّب من أهل غرناطة ومولده ببجاية يعرف هنالك بجمال الدين المغربي فصحبه علي بن حجر المذكور وواعده على أن يزوّجه بنته وأنزله بدويرة خارج داره واشترى جارية وغلاما، وكان يترك الدنانير في مفرش ثيابه ولا يطمئن بها لأحد فاتفقا: الغلام والجارية على أخذ ذلك الذهب وأخذاه وهربا، فلما أتى الدار لم يجد لهما أثرا ولا للذهب، فامتنع من الطعام والشراب واشتد به المرض أسفا على ما جرى عليه، فعرضت قضيته بين يدي الملك فأمر أن يخلف له ذلك فبعث إليه من يعلمه بذلك فوجده قد مات رحمه الله تعالى. وكان رحيلنا من المدينة، نريد مكة شرفهما الله، فنزلنا بقرب مسجد ذي الحليفة الذي أحرم «88» منه رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما، والمدينة منه على خمسة أميال، وهو منتهي حرم المدينة، وبالقرب منه وادي العقيق، وهنالك تجردت من مخيط الثياب، واغتسلت ولبست ثوب إحرامي، وصليت ركعتين وأحرمت بالحج مفردا «89» ولم أزل ملبيا في كل سهل وجبل وصعود وحدور إلى أن أتيت شعب عليّ عليه السلام «90» ، وبه نزلت تلك الليلة، ثم

رحلنا منه ونزلنا بالرّوحاء «91» وبها بئر تعرف ببئر ذات العلم، ويقال إن عليا عليه السلام قاتل بها الجن «92» ، ثم رحلنا ونزلنا بالصفراء «93» وهو واد معمور فيه ماء ونخل وبنيان وقصر يسكنه الشّرفاء الحسنيون وسواهم وفيها حصن كبير، وتواليه حصون كثيرة وقرى متصلة. ثم رحلنا منه ونزلنا ببدر «94» حيث نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم تسليما وأنجز وعده الكريم واستأصل صناديد المشركين، وهي قرية فيها حدائق نخل متصلة، وبها حصن منيع يدخل اليه من بطن واد بين جبال، وببدر عين فوّارة يجرى ماؤها، وموضع القليب الذي سحب به أعداء الله المشركون هو اليوم بستان وموضع الشهداء رضي الله عنهم خلفه، وجبل الرحمة الذي نزلت به الملائكة «95» على يسار الداخل منه إلى الصفراء وبإزائه جبل الطبول، وهو شبه كثيب الرمل ممتد، ويزعم أهل تلك البلاد أنهم يسمعون هنالك مثل أصوات الطبول في كل ليلة جمعة، وموضع عريش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان به يوم بدر يناشد ربّه جلّ وتعالى متصل بسفح جبل الطبول، وموضع الوقيعة أمامه، وعند نخل القليب مسجد يقال له مبرك ناقة النبي صلى الله عليه وسلم تسليما، وبين بدر والصّفراء نحو بريد «96» في واد بين جبال تطرّد فيه العيون وتتصل حدائق النخل. ورحلنا من بدر إلى الصحراء المعروفة بقاع البزواء «97» وهي برية يضل بها الدليل، ويذهل عن خليله الخليل، مسيرة ثلاث، وفي منتهاها وادي رابغ يتكون فيه بالمطر غدران يبقى

بها الماء زمانا طويلا، ومنه يحرم حجاج مصر والمغرب وهو دون الجحفة «98» . وسرنا من رابغ ثلاثا إلى خليص «99» ، ومررنا بعقبة السّويق وهي على مسافة نصف يوم من خليص كثيرة الرمل، والحجاج يقصدون شرب السّويق بها ويستصحبونه من مصر والشّام برسم ذلك، ويسقونه الناس مخلطا بالسكر، والأمراء يملأون منه الأحواض ويسقونه الناس ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بها ولم يكن مع أصحابه طعام فأخذ من رملها فأعطاهم إياه فشربوه سويقا. ثم نزلنا بركة خليص «100» وهي في بسيط من الأرض كثيرة حدائق النخل لها حصن مشيد في قنّة جبل، وفي البسيط حصن خرب وبها عين فوارة قد صنعت لها أخاديد في الأرض وسربت إلى الضياع، وصاحب خليص شريف حسني النسب، وعرب تلك الناحية يقيمون هنالك سوقا عظيمة يجلبون إليها الغنم والتمر والإدام. ثم رحلنا إلى عسفان «101» وهي في بسيط من الأرض بين جبال، وبها آبار ماء معين تنسب إحداها إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، والمدرّج المنسوب إلى عثمان أيضا على مسافة نصف يوم من خليص، وهو مضيق بين جبلين وفي موضع منه بلاط على صورة درج وأثر عمارة قديمة، وهنالك بئر تنسب إلى عليّ عليه السلام ويقال إنه أحدثها. وبعسفان حصن عتيق وبرج مشيد قد أوهنه الخراب وبه من شجر المقل «102» كثير.

ثم رحلنا من عسفان ونزلنا بطن مرّ ويسمى أيضا مرّ الظهران «103» ، وهو واد مخصب كثير النخل ذو عين فوارة سيالة تسقى تلك النّاحية، ومن هذا الوادي تجلب الفواكه والخضر إلى مكة شرفها الله تعالى. ثم أدلجنا من هذا الوادي المبارك والنفوس مستبشرة ببلوغ أمالها، مسرورة بحالها ومآلها، فوصلنا عند الصباح إلى البلد الأمين مكة شرفها الله تعالى فوردنا منها على حرم الله تعالى ومبوّأ خليله ابراهيم، ومبعث صفيه محمد صلى الله عليه وسلم، ودخلنا البيت الحرام الشريف الذي من دخله كان آمنا. من باب بني شيبة «104» ، وشاهدنا الكعبة الشريفة زادها الله تعظيما وهي كالعروس تجلى على منصة الجلال، وترفل في برود الجمال، محفوفة بوفود الرحمن، موصلة إلى جنّة الرّضوان، وطفنا بها طواف «105» القدوم واستلمنا الحجر الكريم، وصلّينا ركعتين بمقام ابراهيم، وتعلّقنا بأستار الكعبة عند الملتزم، بين الباب والحجر الأسود حيث يستجاب الدعاء، وشربنا من ماء زمزم، وهو لما شرب له، حسبما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليما، ثم سعينا بين الصفا والمروة ونزلنا هنالك بدار بمقربة من باب إبراهيم، والحمد لله الذي شرفنا بالوفادة على هذا البيت الكريم وجعلنا ممن بلغته دعوة الخليل عليه الصلاة والتسليم، ومتّع أعيننا بمشاهدة الكعبة الشريفة والمسجد العظيم والحجر «106» والحجر الكريم، وزمزم والحطيم. ومن عجائب صنع الله تعالى أنّه طبع القلوب على النزوع إلى هذه المشاهد المنيفة، والشوق إلى المثول بمعاهدها الشريفة، وجعل حبّها متمكنا في القلوب فلا يحلّها أحد إلا أخذت بمجامع قلبه ولا يفارقها إلّا أسفا لفراقها، متولّها لبعاده عنها، شديد الحنين إليها، ناويا لتكرار الوفادة عليها، فأرضها المباركة نصب الأعين ومحبتها حشو القلوب حكمة من

ذكر مدينة مكة المعظمة

الله بالغة، وتصديقا لدعوة خليله عليه السلام، والشوق يحضرها وهي نائية، ويمثلها وهي غائبة، ويهون على قاصدها ما يلقاه من المشاقّ ويعانيه من العناء، وكم من ضعيف يرى الموت عيّانا دونها، ويشاهد التّلف في طريقها، فإذا جمع الله بها شمله تلقاها مسرورا مستبشرا كأنه لم يذق لها مرارة، ولا كابد محنة ولا نصبا، إنه لأمر إلاهي، وصنع ربّاني، ودلالة لا يشوبها لبس ولا تغشاها شبهة، ولا يطرقها تمويه، تقوى بصيرة المستبصر وتسدد فكرة المتفكر «107» . ومن رزقه الله تعالى الحلول بتلك الأرجاء والمثول بذلك الفناء، فقد أنعم الله عليه النعمة الكبرى، وخوّله خير الدارين: الدنيا والأخرى، فحق عليه أن يكثر الشكر على ما خوله ويديم الحمد على ما أولاه، جعلنا الله تعالى ممّن قبلت زيارته وربحت في قصدها تجارته، وكتبت في سبيل الله آثاره، ومحيت بالقبول أوزاره بمنّه وكرمه. ذكر مدينة مكة المعظمة وهي «108» مدينة كبيرة متصلة البنيان مستطيلة في بطن واد تحفّ به الجبال فلا يراها قاصدها حتى يصل إليها وتلك الجبال المطلة عليه ليست بمفرطة الشموخ، والأخشبان «109» من جبالها: هما جبل أبي قبيس وهو في جهة الجنوب منها، وجبل قعيقعان وهو في جهة الغرب «110» . منها وفي الشمال منها الجبل الأحمر، ومن جهة أبي قبيس أجياد الأكبر، وأجياد الأصغر وهما شعبان «111» والخندمة وهي جبل وستذكر، والمناسك كلّها منى

منظر عام للحرم الشريف ومكة المكرمة (1787) م

ذكر مسجد الحرام شرفه الله وكرمه

وعرفة. والمزدلفة بشرقي مكة شرفها الله. ولمكة من الأبواب ثلاث باب المعلى بأعلاها، وباب الشّبيكة من أسفلها ويعرف أيضا بباب الزاهر وبباب العمرة وهو إلى جهة المغرب وعليه طريق المدينة الشريفة ومصر والشام وجدة، ومنه يتوجه إلى التنعيم، وسيذكر ذلك، وباب المسفل وهو من جهة الجنوب، ومنه دخل خالد بن الوليد رضي الله عنه يوم الفتح. ومكة شرفها الله، كما أخبر الله في كتابه العزيز حاكيا عن نبيه الخليل، بواد غير ذي زرع، ولكن سبقت لها الدعوة المباركة فكل طرفة تجلب إليها، وثمرات كل شيء تجبى لها «112» . ولقد أكلت بها من الفواكه العنب والتين والخوخ والرّطب مالا نظير له في الدنيا، وكذلك البطّيخ المجلوب اليها لا يماثله سواه طيبا وحلاوة واللحوم بها سمان لذيذات الطعوم، وكل ما يفترق في البلاد من السلع فيها اجتماعه، وتجلب لها الفواكه والخضر من الطائف «113» ووادي نخلة وبطن مرّ، لطفا من الله بسكان حرمه الأمين ومجاوري بيته العتيق. ذكر مسجد الحرام شرفه الله وكرمه والمسجد الحرام في وسط البلد وهو متسع الساحة طوله من شرق إلى غرب أزيد من أربعمائة ذراع، حكى ذلك الأزرقي «114» ، وعرضه يقرب من ذلك والكعبة العظمى في وسطه، ومنظره بديع، ومرآه جميل، لا يتعاطى اللّسان وصف بدائعه، ولا يحيط الواصف بحسن كماله، وارتفاع حيطانه نحو عشرين ذراعا وسقفه على أعمدة طوال مصطفة ثلاثة صفوف بأتقن صناعة وأجملها، وقد انتظمت بلاطاته الثلاثة انتظاما عجيبا كأنها بلاد واحد، وعدد سواريه الرخامية أربعمائة واحدى وتسعون سارية «115» ما عدا الجصيّة التي في دار النّدوة

ذكر الكعبة المعظمة الشريفة زادها الله تعظيما وتكريما

«116» المزيدة في الحرم، وهي داخلة في البلاط الآخذ في الشمال «117» ويقابلها المقام مع الركن العراقي، وفضاؤها متصل يدخل من هذا البلاط إليه، ويتصل بجدار هذا البلاط مساطب تحت قسّي حنايا يجلس بها المقرؤون والنساخون والخياطون، وفي جدار البلاط الذي يقابله مساطب تماثلها، وسائر البلاطات تحت جداراتها مساطب دون حنايا، وعند باب إبراهيم «118» مدخل من البلاط الغربي فيه سواري جصّية وللخليفة المهدي محمد بن الخليفة أبي جعفر المنصور رضي الله عنهما آثار كريمة في توسيع المسجد الحرام وإحكام بنائه وفي أعلى جدار البلاط الغربي مكتوب: أمر عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين أصلحه الله بتوسعة المسجد الحرام لحاج بيت الله وعمّاره في سنة سبع وستين ومائة «119» . ذكر الكعبة المعظمة الشريفة زادها الله تعظيما وتكريما والكعبة ماثلة في وسط المسجد وهي بنية مربعة ارتفاعها في الهواء من الجهات الثلاث ثمان وعشرون ذراعا، ومن الجهة الرابعة التي بين الحجر الأسود والركن اليماني تسع وعشرون ذراعا وعرض صفحتها التي من الركن العراقي إلى الحجر الأسود أربعة وخمسون شبرا، وكذلك عرض الصفحة التي تقابلها من الرّكن اليماني إلى الركن الشامي وعرض صفحتها التي من الركن العراقي إلى الركن الشامي، من داخل الحجر ثمانية وأربعون شبرا، وكذلك عرض الصفحة التي تقابلها من الركن الشامي إلى الركن العراقي، وأما خارج الحجر فإنه مائة وعشرون شبرا. والطواف إنما هو خارج الحجر، وبناؤها بالحجارة الصم السمر قد ألصقت بأبدع الإلصاق واحكمه واشده فلا تغيرها الأيام، ولا تؤثر فيها الأزمان، وباب الكعبة المعظمة في الصفح الذي بين الحجر الاسود والركن العراقي، وبينه وبين الحجر الاسود عشرة أشبار، وذلك الموضع هو المسمى بالملتزم حيث يستجاب الدعاء، وارتفاع الباب عن الأرض أحد عشر شبرا ونصف شبر، وسعته ثمانية أشبار، وطوله ثلاثة عشر شبرا، وعرض الحائط الذي ينطوي عليه خمسة أشبار وهو مصفح بصفائح الفضّة، بديع الصنعة وعضادتاه

وعتبته العليا مصفّحات بالفضة وله نقّارتان كبيرتان من فضة عليهما قفل، ويفتح الباب الكريم في كل يوم جمعة بعد الصلاة، ويفتح في يوم مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما «120» ورسمهم في فتحه أن يضعوا كرسيا شبه المنبر، له درج وقوايم خشب لها أربع بكرات، يجري الكرسي عليها ويلصقونه إلى جدار الكعبة الشريفة فيكون درجه الأعلى متصلا بالعتبة الكريمة، ثم يصعد كبير الشّيبيين «121» وبيده المفتاح الكريم ومعه السّدنة فيمسكون الستر المسبل على باب الكعبة المسمّى بالبرقع بخلال ما يفتح رئيسهم الباب، فإذا فتحه قبّل العتبة الشريفة ودخل البيت وحده وسدّ الباب، وأقام قدر ما يركع ركعتين، ثم يدخل سائر الشيبيين ويسدون الباب أيضا ويركعون، ثم يفتح الباب ويبادر الناس بالدخول، وفي أثناء ذلك يقفون مستقبلين الباب الكريم بأبصار خاشعة، وقلوب ضارعة، وأيدي مبسوطة إلى الله تعالى فإذا فتح كبّروا ونادوا: اللهم افتح لنا أبواب رحمتك ومغفرتك يا أرحم الراحمين. وداخل الكعبة الشريفة مفروش بالرخام المجزّع، وحيطانه كذلك، وله أعمدة ثلاثة طوال مفرطة الطول من خشب الساج، بين كلّ عمود منها وبين الآخر أربع خطى وهي متوسطة في الفضاء داخل الكعبة الشريفة يقابل الاوسط منها نصف عرض الصفح الذي بين الركنين اليمني «122» والشامي. وستور الكعبة الشريفة من الحرير الأسود مكتوب فيها بالأبيض «123» وهي تتلألأ، عليها نورا وإشراقا وتكسو جميعها من الأعلى إلى الأرض، ومن عجائب الآيات في الكعبة الكريمة أن بابها يفتح والحرم غاصّ بأمم لا يحصيها الا الله الذي خلقهم ورزقهم فيدخلونها أجمعون ولا تضيق عنهم، ومن عجائبها أنها لا تخلو عن طائف أبدا ليلا ولا نهارا، ولم يذكر أحد أنه رآها قط دون طائف، ومن عجائبها أن حمام مكة على كثرته وسواه من الطير لا ينزل عليها ولا يعلوها في الطّيران، وتجد الحمام يطير على أعلى الحرم كلّه فإذا حاذي الكعبة الشريفة عرّج عنها إلى إحدى الجهات ولم يعلها، ويقال إنه لا ينزل عليها طائر إلا إذا كان به مرض، فإما أن يموت لحينه أو يبرأ من مرضه، فسبحان الذي خصّها بالتشريف والتكريم، وجعل لها المهابة والتعظيم.

ذكر الميزاب المبارك

ذكر الميزاب المبارك والميزاب في أعلى الصفح الذي على الحجر وهو من الذّهب، وسعته شبر واحد، وهو بارز بمقدار ذراعين «124» والموضع الذي تحت الميزاب مظنة استجابة الدعاء، وتحت الميزاب في الحجر هو قبر إسماعيل عليه السلام، وعليه رخامة خضراء مستطيلة على شكل محراب متصلة برخامة خضراء مستديرة، وكلتاهما سعتها مقدار شبر ونصف شبر، وكلتاهما غريبة الشكل رائقة المنظر، وإلى جانبه مما يلي الركن العراقي قبر أمه هاجر عليها السلام، وعلامته رخامة خضراء مستديرة سعتها مقدار شبر ونصف وبين القبرين سبعة أشبار. ذكر الحجر الأسود وأما الحجر فارتفاعه عن الأرض ستة أشبار فالطويل من الناس يتطأ من لتقبيله، والصغير يتطاول إليه، وهو ملصق في الركن الذي إلى جهة المشرق، وسعته ثلثا شبر وطوله شبر وعقد، ولا يعلم قدر ما دخل منه في الركن، وفيه أربع قطع ملصقة، ويقال: إن القرمطي لعنه الله، كسره «125» وقيل: إن الذي كسره سواه ضربه بدبّوس فكسره «126» ، وتبادر الناس إلى قتله، وقتل بسببه جماعة من المغاربة «127» . وجوانب الحجر مشدودة بصفيحة فضة يلوح بياضها على سواد الحجر الكريم فتجتلي منه العيون حسنا باهرا، ولتقبيله لذة يتنعم بها الفم ويود لاثمه أن لا يفارق لثمه، خاصيّة مودعة فيه وعناية ربانية به وكفى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه يمين الله في أرضه نفعنا الله باستلامه ومصافحته وأوفد عليه كلّ شيق اليه.

ذكر المقام الكريم

وفي القطعة الصحيحة من الحجر الاسود مما يلي جانبه الموالي ليمين مستلمة نقطة بيضاء صغيرة مشرقة كأنها خال في تلك الصفحة البهية، وترى الناس إذا طافوا بها يتساقط بعضهم على بعض ازدحاما على تقبيله، فقلما يتمكن أحد من ذلك إلا بعد المزاحمة الشديدة «128» ، وكذلك يصنعون عند دخول البيت الكريم، ومن عند الحجر الأسود مبتدأ الطواف، وهو أول الاركان التي يلقاها الطائف، فإذا استلمه تقهقر عنه قليلا وجعل الكعبة الشريفة عن يساره ومضى في طوافه ثم يلقى بعده الركن العراقي وهو إلى جهة الشمال ثم يلقى الركن الشامي وهو إلى جهة الغرب ثم يلقى الركن اليماني وهو إلى جهة الجنوب، ثم يعود إلى الحجر الأسود وهو إلى جهة الشرق. ذكر المقام الكريم إعلم أن بين باب الكعبة شرّفها الله وبين الركن العراقي موضعا «129» طوله اثنا عشر شبرا وعرضه نحو النصف من ذلك وارتفاعه نحو شبرين، وهو موضع المقام في مدّة إبراهيم عليه السلام، ثم صرفه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الموضع الذي هو الآن مصلّى، وبقى ذلك الموضع شبه الحوض، وإليه ينصبّ ماء البيت الكريم إذا غسل «130» وهو موضع مبارك يزدحم الناس للصلاة فيه. وموضع المقام الكريم يقابل ما بين الركن العراقي والباب الكريم، وهو إلى الباب أميل وعليه قبّة تحتها شباك حديد متجاف عن المقام الكريم قدر ما تصل أصابع الإنسان إذا أدخل يده من ذلك الشباك إلى الصندوق، والشباك مقفل، ومن ورائه موضع محوز قد جعل مصلّى لركعتي الطواف، وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما لمّا دخل المسجد أتى البيت فطاف به سبعا ثم أتى المقام، فقرأ: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى «131» ، وركع خلفه ركعتين، وخلف المقام مصلّى إمام الشافعية في الحطيم الذي هنالك.

ذكر الحجر والمطاف.

ذكر الحجر والمطاف. ودور جدار الحجر تسع وعشرون خطوة، وهي أربعة وتسعون شبرا من داخل الدائرة، وهو بالرخام البديع المجزّع المحكم الإلصاق، وارتفاعه خمسة أشبار ونصف شبر، وسعته أربعة أشبار ونصف شبر، وداخل الحجر بلاط واسع مفروش بالرخام المجزّع المنظم المعجز الصنعة، البديع الإتقان، وبين جدار الكعبة الشريفة الذي تحت الميزاب وبين ما يقابله من جدار الحجر على خط استواء أربعون شبرا. وللحجر مدخلان: أحدهما: بينه وبين الركن العراقي وسعته ستة أذرع، وهذا الموضع هو الذي تركته قريش من البيت حين بنته، كما جاءت الآثار الصّحاح، والمدخل الآخر عند الركن الشامي وسعته أيضا ستة أذرع، وبين المدخلين ثمانية وأربعون شبرا. وموضع الطواف مفروش بالحجارة السود محكمة الإلصاق، وقد اتسعت عن البيت بمقدار تسع خطا إلا في الجهة التي تقابل المقام الكريم فإنها امتدت إليه حتى أحاطت به، وسائر الحرم مع البلاطات مفروش برمل أبيض، وطواف النساء، في آخر الحجارة المفروشة. ذكر زمزم المباركة وقبّة بئر زمزم تقابل الحجر الأسود، وبينهما أربع وعشرون خطوة والمقام الكريم عن يمين القبة، ومن ركنها إليه عشر خطا، وداخل القبة مفروش بالرخام الأبيض، وتنّور البئر المباركة في وسط القبة مائلا إلى الجدار المقابل للكعبة الشريفة، وهو من الرّخام البديع الإلصاق مفروغ بالرصاص، ودوره أربعون شبرا وارتفاعه أربعة أشبار ونصف شبر، وعمق البئر إحدى عشرة قامة. وهم يذكرون أن ماءها يتزايد في كل ليلة جمعة «132» ، وباب القبة إلى جهة الشرق، وقد استدارت بداخل القبة سقاية سعتها شبر وعمقها مثل ذلك، وارتفاعها عن الأرض نحو خمسة أشبار تملأ ماء الوضوء وحولها مسطبة دائرة يقعد الناس عليها للوضوء. ويلي قبة زمزم، قبّة الشراب المنسوبة إلى العباس رضي الله عنه «133» ، وبابها إلى

ذكر أبواب المسجد الحرام وما دار به من المشاهد الشريفة.

جهة الشمال، وهي الآن يجعل بها ماء زمزم في قلال يسمونها الدّوارق «134» ، وكلّ دورق له مقبض واحد، وتترك بها ليبرد فيها الماء فيشربه الناس. وبها اختزان المصاحف الكريمة والكتب التي للحرم الشريف، وبها خزانة تحتوي على تابوت مبسوطة متسع فيه مصحف كريم بخط زيد بن ثابت «135» رضي الله عنه منتسخ سنة ثمان عشرة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما، «136» وأهل مكة إذا أصابهم قحط أو شدة أخرجوا هذا المصحف الكريم وفتحوا باب الكعبة الشريفة ووضعوه على العتبة الشريفة ووضعوا في مقام إبراهيم عليه السلام، واجتمع الناس كاشفين رؤوسهم داعين متضرعين متوسلين بالمصحف العزيز فلا ينفصلون إلا وقد تداركهم الله برحمته، وتغمدهم بلطفه. ويلي قبة العباس رضي الله عنه على انحراف منها القبّة المعروفة بقبة اليهودية «137» ذكر أبواب المسجد الحرام وما دار به من المشاهد الشريفة. وأبواب المسجد الحرام شرّفه الله تعالى تسعة عشر بابا، وأكثرها مفتحة على أبواب كثيرة، فمنها باب الصّفا وهو مفتح على خمسة أبواب وكان قديما يعرف بباب بني مخزوم «138» ، وهو أكبر أبواب المسجد، ومنه يخرج إلى المسعى، ويستحب للوافد على مكة أن يدخل للمسجد الحرام شرّفه الله من باب بني شيبة ويخرج بعد طوافه من باب الصّفا جاعلا طريقه بين الاسطوانتين اللتين أقامهما أمير المؤمنين المهدي رحمه الله علما على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إلى الصفا.

ومنها باب أجياد الأصغر «139» مفتح على بابين، ومنها باب الخياطين مفتح على بابين، ومنها باب العباس رضي الله عنه مفتح على ثلاثة أبواب «140» ، ومنها باب النبي صلى الله عليه وسلم تسليما «141» مفتح على بابين، ومنها باب بني شيبة «142» ، وهو في ركن الجدار الشرقي من جهة الشمال أمام باب الكعبة الشريفة متياسرا وهو مفتح على ثلاثة أبواب، وهو باب بني عبد شمس، ومنه كان دخول الخلفاء، ومنها باب صغير إزاء باب بني شيبة لا اسم له، وقيل يسمى باب الرّباط «143» لأنه يدخل منه لرباط السّدرة، ومنها باب الندوة، ويسمى بذلك ثلاثة أبواب: اثنان منتظمان والثالث في الركن الغربي من دار الندوة، ودار الندوة قد جعلت مسجدا شارعا في الحرم مضافا إليه وهي تقابل الميزاب، ومنها باب صغير لدار العجلة «144» ، محدث، ومنها باب السدّة «145» واحد، ومنها باب العمرة «146» واحد، وهو من أجمل أبواب الحرم، ومنها باب إبراهيم «147» واحد، والناس مختلفون في تسميته: فبعضهم ينسبه إلى إبراهيم الخليل عليه السلام، والصحيح أنه منسوب إلى إبراهيم الخوزي من الأعاجم «148» ، ومنها باب الحزورة «149» مفتح على بابين، ومنها باب أجياد الأكبر «150» مفتّح على بابين، ومنها باب ينسب إلى أجياد أيضا مفتح على بابين

«151» ، وباب ثالث ينسب إليه مفتّح على بابين، ويتصل لباب الصفا، ومن الناس من ينسب البابين من هذه الاربعة المنسوبة للأجياد إلى الدقّاقين «152» . وصوامع المسجد الحرام خمس «153» إحداهنّ على ركن أبي قبيس عند باب الصفا، والأخرى على ركن باب بني شيبة، والثالثة على باب دار الندوة، والرابعة على ركن باب السّدّة، والخامسة على ركن أجياد. وبمقربة من باب العمرة مدرسة عمّرها السلطان المعظم يوسف ابن رسول ملك اليمن المعروف بالملك المظفر الذي تنسب إليه الدراهم المظفرية باليمن، وهو كان يكسو الكعبة إلى أن غلبه على ذلك الملك المنصور «154» قلاوون. وبخارج باب إبراهيم زاوية كبيرة فيها دار إمام المالكية الصالح أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن المدعو بخليل «155» ، وعلى باب إبراهيم قبة عظيمة مفرطة السمو قد صنع في

داخلها من غرائب صنع الجص ما يعجز عنه الوصف، وبإزاء هذا الباب عن يمين الداخل إليه كان يقعد الشيخ العابد جلال الدين محمد بن أحمد الأقشهري «156» ، وخارج باب إبراهيم بئر تنسب كنسبته، وعنده أيضا دار الشيخ الصالح دانيال العجمي الذي كانت صدقات العراق في أيام السلطان أبي سعيد «157» تأتي على يديه، وبمقربة منه رباط الموفّق، وهو من أحسن الرّباطات، وسكنته أيام مجاورتي بمكة العظيمة، وكان به في ذلك العهد الشيخ الصالح أبو عبد الله الزواوي «158» المغربي، وسكن به أيضا الشيخ الصالح الطيار سعادة الجوّاني، ودخل يوما إلى بيته بعد صلاة العصر فوجد ساجدا مستقبل الكعبة الشريفة ميتا من غير مرض كان به، رضي الله عنه، وسكن به الشيخ الصالح شمس الدين محمد الشامي نحوا من أربعين سنة، وسكن به الشيخ الصالح شعيب المغربي «159» من كبار الصالحين، دخلت عليه يوما فلم يقع بصري في بيته على شيء سوى حصير فقلت له في ذلك، فقال لي: أستر عليّ ما رأيت. وحول الحرم الشريف دور كثيرة لها مناظر وسطوح يخرج منها إلى سطح الحرم، وأهلها في مشاهدة البيت الشريف على الدوام، ودور لها أبواب تفضي إلى الحرم، منها دار زبيدة زوج الرشيد أمير المؤمنين «160» ، ومنها دار العجلة ودار الشرابي وسواها. ومن المشاهد الكريمة بمقربة من المسجد الحرام قبة الوحي ودار خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بمقربة من باب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي البيت قبة صغيرة حيث ولدت

ذكر الصفا والمروة

فاطمة عليها السلام «161» ، وبمقربة منها دار أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ويقابلها جدار مبارك فيه حجر مبارك بارز طرفه من الحائط يستلمه الناس ويقال له، إنه كان يسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم تسليما جاء يوما إلى دار أبي بكر الصديق ولم يكن حاضرا فنادى به النبي صلى الله عليه وسلم تسليما فنطق ذلك الحجر وقال يا رسول الله: إنه ليس بحاضر. ذكر الصفا والمروة ومن باب الصفا الذي هو أحد أبواب المسجد الحرام إلى الصفا ست وسبعون خطوة، وسعة الصفا سبعة عشرة خطوة وله أربع عشرة درجة، عليا هنّ كأنها مسطبة، وبين الصفا والمروة أربعمائة وثلاث وتسعون خطوة، منها من الصفا إلى الميل الأخضر ثلاث وتسعون خطوة، ومن الميل الأخضر إلى الميلين الأخضرين خمس وسبعون خطوة، ومن الميلين الأخضرين إلى المروءة ثلاث مائة وخمس وعشرون خطوة، وللمروة خمس درجات، وهي ذات قوس واحد كبير، وسعة المروة سبع عشرة خطوة، والميل الأخضر هو سارية خضراء مثبتة مع ركن الصومعة التي علي الركن الشرقي من الحرم عن يسار الساعي إلى المروة، والميلان الأخضران هما ساريتان خضروان إزاء باب عليّ، من أبواب الحرم، إحداهما في جدار الحرم عن يسار الخارج من الباب، والأخرى تقابلها، وبين الميل الأخضر والميلين الأخضرين يكون الرّمل ذاهبا وعائدا، وبين الصفا والمروة مسيل فيه سوق عظيمة يباع فيها الحبوب واللحم والتمر والسمن وسواها من الفواكه، والسّاعون بين الصفا والمروة لا يكادون يخلصون لإزدحام الناس على حوانيت الباعة، وليس بمكة سوق منتظمة سوى هذه إلا البزّازون والعطارون عند باب بني شيبة. وبين الصفا والمروة دار العباس رضي الله عنه وهي الآن رباط يسكنه المجاورون، عمّره الملك الناصر رحمه الله، وبنى أيضا دار وضوء فيما بين الصفا والمروة سنة ثمان وعشرين، وجعل لها بابين أحدهما في السوق المذكورة والأخر في سوق العطارين، وعليها

ذكر الجبانة المباركة

ربع يسكنه خدامها، وتولى بناء ذلك الأمير علاء الدين بن هلال «162» ، وعن يمين المروة دار أمير مكة سيف الدين عطيفة بن أبي نمي وسنذكره. ذكر الجبّانة المباركة وجبّانة مكة خارج باب المعلى، ويعرف ذلك الموضع أيضا بالحجون وإياه عنى الحارث بن مضاض الجرهمي «163» بقوله: كأن لم يكن بين الحجون «164» إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر بلى! نحن كنا أهلها فأبادنا ... صروف اللّيالي والجدود العواثر!! وبهذه الجبّانة مدفن الجم الغفير من الصحابة والتابعين، والعلماء والصالحين، والأولياء إلا أن مشاهدهم دثرت وذهب عن أهل مكة علمها فلا يعرف منها إلا القليل، فمن المعروف منها قبر أم المؤمنين، ووزيرة سيد المرسلين، خديجة بنت خويلد أم أولاد النبي صلى الله عليه وسلم تسليما كلّهم ما عدا إبراهيم، وجدّة السّبطين الكريمين، صلوات الله وسلامه على النبي صلى الله عليه وسلم تسليما، وعليهم أجمعين، وبمقربة منه قبر الخليفة أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور «165» عبد الله بن محمد ابن علي بن عبد الله بن العباس رضي الله عنهم أجمعين، وفيها الموضع الذي صلّب فيه عبد الله بن الزّبير «166» رضي الله عنهما، وكان به

ذكر بعض المشاهد خارج مكة

بنيّة هدمها أهل الطائف غيرة منهم لما كان يلحق حجّاجهم البئيس «167» من اللّعن، وعن يمين مستقبل الجبّانة مسجد خرب يقال: إنه المسجد الذي بايعت الجنّ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما «168» وعلى هذه الجبّانة طريق الصاعد إلى عرفات وطريق الذاهب إلى الطائف وإلى العراق. ذكر بعض المشاهد خارج مكة فمنها الحجون وقد ذكرناه، ويقال أيضا: إن الحجون هو الجبل المطل على الجبّانة، ومنها المحصّب «169» وهو أيضا الأبطح وهو يلي الجبّانة المذكورة، وفيه خيف بني كنانة الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما «170» ، ومنها ذو طوى «171» وهو وادي يهبط على قبور المهاجرين التي بالحصحاص دون ثنيّة كداء، ويخرج منه إلى الأعلام الموضوعة حجزا بين الحلّ والحرم «172» ، وكان عبد الله ابن عمر رضي الله عنه إذا قدم مكة شرّفها الله تعالى يبيت بذي طوى ثم يغتسل منه ويغدو إلى مكة، ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فعل ذلك، ومنها ثنية كدى بضم الكاف «173» ، وهي بأعلى مكة ومنها دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما في حجة الوداع، إلى مكة، ومنها ثنية كداء، بفتح الكاف، ويقال لها الثنية البيضاء، وهي بأسفل مكة، ومنها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما عام الوداع وهي بين جبلين، وفي مضيقها كوم حجارة موضوع على الطريق وكلّ من يمر به يرجمه بحجر، ويقال إنه قبر أبي لهب، وزوجه حمالة الحطب «174» . وبين هذه الثنية وبين مكة بسيط سهل ينزله الركب إذا صدروا عن منى، وبمقربة من هذا الموضع على نحو ميل من مكة شرفها الله مسجد بإزائه حجر موضوع على الطريق كأنه مسطبة، يعلوه حجر آخر كان فيه نقش فدثر رسمه يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم تسليما قعد بذلك

ذكر الجبال المطيفة بمكة.

الموضع مستريحا عند مجيئه من عمرته فيتبرك الناس بتقبيله ويستندون إليه. ومنها التنعيم، وهو على فرسخ من مكة، ومنه يعتمر أهل مكة وهو أدنى الحلّ إلى الحرم، ومنه اعتمرت أم المومنين عائشة رضي الله عنها حين بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما في حجة الوداع مع أخيها عبد الرحمن رضي الله عنه، وأمره أن يعمرها من التنعيم، وبنيت هنالك مساجد ثلاثة على الطريق تنسب كلها إلى عائشة رضي الله عنها، وطريق التّنعيم طريق فسيح، والناس يتحرون كنسه في كلّ يوم رغبة في الأجر والثواب لأن من المعتمرين من يمشي فيه حافيا، وفي هذا الطريق الآبار العذبة التي تسمى الشّبيكة. ومنها الزاهر وهو على نحو ميلين من مكة على طريق التنعيم، وهو موضع على جانبي الطريق فيه أثر دور وبساتين وأسواق، وعلى جانب الطريق دكان مستطيل تصفّ عليه كيزان الشّرب وأواني الوضوء يملأها خديم ذلك الموضع من أبار الزاهر وهي بعيدة القعر جدّا، والخديم من الفقراء المجاورين، وأهل الخير يعينونه على ذلك لما فيه من المرفقة للمعتمرين من الغسل والشرب والوضوء، وذو طوى يتصل بالزاهر. ذكر الجبال المطيفة بمكة. فمنها جبل أبي قبيس، وهو في جهة الجنوب والشرق من مكة حرسها الله وهو أحد الأخشبين وأدنى الجبال من مكة شرفها الله، ويقابل ركن الحجر الأسود، وبأعلاه مسجد «175» وأثر رباط وعمارة، وكان الملك الظاهر «176» رحمه الله أراد أن يعمّره، وهو مطلّ على الحرم الشريف وعلى جميع البلد، ومنه يظهر حسن مكة شرّفها الله، وجمال الحرم واتساعه، والكعبة المعظمة، ويذكر أن جبل أبي قبيس هو أول جبل خلقه الله تعالى وفيه استودع الحجر زمان الطوفان، وكانت قريش تسميه الأمين، لأنه أدى الحجر الذي أستودع فيه إلى الخليل إبراهيم عليه السلام، ويقال: إن قبر آدم عليه السلام به، وفي جبل أبي قبيس موضع موقف النبي صلى الله عليه وسلم تسليما حين انشق له القمر «177» ، ومنها قعيقعان «178» وهو أحد

الأخشبين ومنها الجبل الأحمر «179» وهو في جهة الشمال من مكة شرفها الله، ومنها الخندمة «180» وهو جب عند الشعبين المعروفين بأجياد الأكبر وأجياد الأصغر. ومنها جبال الطير، وهي أربعة عن جهتي طريق التّنعيم، يقال إنها الجبال التي وضع عليها الخليل عليه السلام أجزاء الطير ثم دعاها حسبما نص الله في كتابه العزيز «181» ، وعليها أعلام من حجارة. ومنها جبل حراء وهو في الشمال «182» من مكة شرّفها الله تعالى، على نحو فرسخ منها وهو مشرف على منى ذاهب في الهواء عالي القنّة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما، يتعبّد فيه كثيرا قبل المبعث، وفيه أتاه الحق من ربه وبدأ الوحي، وهو الذي إهتزّ تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما: أثبت فما عليك إلا نبيّ وصدّيق وشهيد واختلف فيمن كان معه يومئذ، وروى أن العشرة كانوا معه، وقد روى أيضا أن جبل ثبير اهتز تحته أيضا. ومنها جبل ثور وهو على مقدار فرسخ من مكة شرفها الله تعالى، على طريق اليمن، وفيه الغار الذي أوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما حين خروجه مهاجرا من مكة شرفها الله ومعه الصدّيق رضي الله عنه حسبما ورد في الكتاب العزيز «183» . وذكر الأزرقي في كتابه: أن الجبل المذكور نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما، وقال: إليّ يا محمد إليّ إليّ، فقد أويت قبلك سبعين نبيا فلما دخل رسول الله الغار وإطمأن به وصاحبه الصّديق معه نسجت العنكبوت من حينها على باب الغار وصنعت الحمامة عشا، وفرخت فيه بإذن الله تعالى فانتهى المشركون ومعهم قصّاص الأثر إلى الغار، فقالوا: ها هنا انقطع الأثر ورأوا العنكبوت قد نسج على فم الغار والحمام مفرّخة، فقالوا: ما دخل أحد هنا، وانصرفوا فقال الصديق: يا رسول الله لو ولجوا علينا منه؟ قال: كنا نخرج من هنا، وأشار بيده المباركة إلى الجانب الآخر ولم يكن فيه باب، فانفتح فيه باب للحين بقدرة الملك الوهاب.

حكاية [شيخ ضل طريقه]

والناس يقصدون زيارة هذا الغار المبارك، فيرومون دخوله من الباب الذي دخله منه النبي صلى الله عليه وسلم تسليما، تبرّكا بذلك، فمنهم من يتأتى له، ومنهم من لا يتأتى له وينشب فيه حتى يتناول بالجذب العنيف، ومن الناس من يصلّي أمامه ولا يدخله، وأهل تلك البلاد يقولون: إنه من كان لرشدة قدر على دخوله ومن كان لزنية لم يقدر على دخوله! ولهذا يتحاماه كثير من الناس لانه مخجل فاضح!! قال ابن جزي: أخبرني بعض أشياخنا الحجاج الأكياس أن سبب صعوبة الدخول اليه هو أن بداخله مما يلي هذا الشقّ الذي يدخل منه حجرا كبيرا معترضا فمن دخل الشق منبطحا على وجهه وصل رأسه إلى ذلك الحجر، فلم يمكنه التولج ولا يمكنه أن ينطوي إلى العلو، ووجهه وصدره يليان الأرض، فذلك هو الذي ينشب ولا يخلص إلا بعد الجهد والجبذ إلى خارج، ومن دخل منه مستلقيا على ظهره أمكنه لانه إذا وصل رأسه إلى الحجر المعترض رفع رأسه واستوى قاعدا فكان ظهره مستندا إلى الحجر المعترض وأوسطه في الشق ورجلاه من خارج الغار ثم يقوم قائما بداخل الغار، رجع. حكاية [شيخ ضل طريقه] ومما اتفق بهذا الجبل لصاحبين من أصحابي: أحدهما الفقيه المكرم أبو محمد عبد الله بن فرحان الافريقي التوزري والآخر أبو العباس أحمد الاندلسي الوادي اشي أنّهما قصدا في حين مجاورتهما بمكة شرفها الله تعالى في سنة ثمان وعشرين وسبع مائة زيارة هذا الغار وذهبا منفردين لم يستصحبا دليلا عارفا بطريقه، فتاها وضلّا طريق الغار وسلكا طريقا سواها منقطعة، وذلك في أوان اشتداد الحرّ وحمّى القيظ، فلما نفذ ما كان عندها من الماء وهما لم يصلا إلى الغار، أخذا في الرجوع إلى مكة شرفها الله تعالى فوجدا طريقا فاتبعاه وكان يفضى إلى جبل آخر واشتد بهما الحرّ وأجهدهما العطش وعاينا الهلاك، وعجز الفقيه أبو محمد بن فرحان عن المشي جملة، وألقى بنفسه إلى الأرض، ونجا الأندلسي بنفسه، وكان فيه فضل قوة ولم يزل يسلك تلك الجبال حتى أفضى به الطريق إلى أجياد فدخل إلى مكة شرفها الله تعالى، وقصدني وأعلمني بهذه الحادثة وبما كان من أمر عبد الله التوزري وانقطاعه بالجبل وكان ذلك في آخر النهار.

ذكر أميري مكة

ولعبد الله المذكور ابن عمّ اسمه حسن، وهو من سكان وادي نخلة «184» وكان إذ ذاك بمكة، فأعلمته بما جرى على ابن عمه، وقصدت الشيخ الصالح الامام أبا عبد الله محمد بن عبد الرحمن المعروف بخليل إمام المالكية نفع الله به فاعلمته بخبره فبعث جماعة من أهل مكة عارفين بتلك الجبال والشعاب في طلبه. وكان من أمر عبد الله التوزري أنه لما فارقه رفيقه لجأ إلى حجر كبير فاستظل بظلّه، وأقام على هذه الحالة من الجهد والعطش، والغربان تطير فوق رأسه وتنتظر موته، فلما انصرم النهار وأتى الليل وجد في نفسه قوة، ونعشه برد الليل، فقام عند الصباح على قدميه ونزل من الجبل إلى بطن واد حجبت الجبال عنه الشمس، فلم يزل ماشيا إلى أن بدت له دابة فقصدها فوجد خيمة للعرب، فلما رآها وقع إلى الارض ولم يستطع النهوض فرأته صاحبة الخيمة وكان زوجها قد ذهب إلى ورد الماء فسقته ما كان عندها من الماء فلم يرو وجاء زوجها فسقاه قربة ماء فلم يرو وأركبه حمارا له وقدم به مكة فوصلها عند صلاة العصر من اليوم الثاني متغيّرا كأنه قام من قبر! ذكر أميري مكة وكانت إمارة مكة في عهد دخولي إليها للشريفين الأجلين الأخوين: أسد الدين رميثة وسيف الدين عطيفة أبنى الامير أبي نمى بن أبي سعد بن علي بن قتادة «185» الحسنيّين ورميثة أكبرهما سنا، ولكنه كان يقدّم اسم عطيفة في الدعاء له بمكة لعدله، ولرميثه من الأولاد أحمد وعجلان، وهو أمير مكة في هذا العهد وثقبة وسند، ومغامس «186» ولعطيفة من الاولاد محمد ومبارك ومسعود، ودار عطيفة عن يمين المروة، ودار أخيه رميثة برباط الشرابي عند باب بني شيبة، وتضرب الطبول على باب كل واحد منهما عند صلاة المغرب من كل يوم.

ذكر أهل مكة وفضائلهم

ذكر أهل مكة وفضائلهم ولاهل مكة الأفعال الجميلة والمكارم التامة والأخلاق الحسنة والايثار إلى الضعفاء والمنقطعين وحسن الجوار للغرباء، ومن مكارمهم أنهم متى صنع أحدهم وليمة يبدأ فيها بإطعام الفقراء المنقطعين المجاورين، ويستدعيهم بتلطّف ورفق وحسن خلق ثم يطعمهم، وأكثر المساكين المنقطعين يكونون بالأفران حيث يطبخ الناس أخبازهم فإذا طبخ أحدهم خبزه واحتمله إلى منزله فيتبعه المساكين فيعطي لكل واحد منهم ما قسم له، ولا يردهم خائبين، ولو كانت له خبزة واحدة فإنه يعطي ثلثها أو نصفها طيّب النفس بذلك من غير ضجر. ومن أفعالهم الحسنة أن الأيتام الصغار يقعدون بالسوق ومع كل واحد منهم قفتان كبرى وصغرى وهم يسمون القفّة مكتلا فياتي الرجل من أهل مكة إلى السوق فيشتري الحبوب واللحم والخضر ويعطي ذلك للصبي فيجعل الحبوب في إحدى قفتيه واللحم والخضر في الأخرى ويوصل ذلك إلى دار الرجل ليهيّأ له طعامه منها، ويذهب الرجل إلى طوافه وحاجته، فلا يذكر أن أحدا من الصبيان خان الأمانة في ذلك قط بل يؤدي ما حمل على أتم الوجوه، ولهم على ذلك أجرة معلومة من فلوس. وأهل مكة لهم ظرف ونظافة في الملابس، وأكثر لباسهم البياض فترى ثيابهم أبدا ناصعة ساطعة ويستعملون الطيب كثيرا ويكتحلون ويكثّرون السواك بعيدان الأراك الأخضر، ونساء مكة فائقات الحسن، بارعات الجمال ذوات صلاح وعفاف، ومن يكثرن التطيب حتى إنّ إحداهن لتبيت طاوية وتشتري بقوتها طيبا! وهن يقصدن الطواف بالبيت في كل ليلة جمعة فيأتين في أحسن زي، وتغلب على الحرم رائحة طيبهن، وتذهب المرأة منهن فيبقى أثر الطيب بعد ذهابها عبقا، ولاهل مكة عوائد حسنة في الموسم وغيره سنذكرها إن شاء الله تعالى إذا فرغنا من ذكر فضلائها ومجاوريها. ذكر قاضي مكة وخطيبها، وإمام الموسم وعلمائها وصلحائها قاضي مكة العالم الصالح العابد نجم الدين محمد بن الامام العالم محيي الدين الطبري «187» وهو فاضل كثير الصدقات والمواساة للمجاورين حسن الأخلاق كثير الطواف

حكاية مباركة

والمشاهدة للكعبة الشريفة، ويطعم الطعام الكثير في المواسم المعظمة وخصوصا في مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما فإنه يطعم فيه شرفاء مكة وكبراءها وفقراءها وخدام الحرم الشريف وجميع المجاورين، وكان سلطان مصر الملك الناصر رحمه الله يعظمه كثيرا وجميع صدقاته وصدقات أمرائه تجرى على يديه. وولده شهاب الدين فاضل وهو الآن قاضي مكة شرّفها الله. وخطيب مكة الامام بمقام إبراهيم عليه السلام الفصيح المصقع وحيد عصره بهاء الدين الطبري «188» وهو أحد الخطباء الذين ليس في المعمور مثلهم بلاغة وحسن بيان، وذكر لي أنه ينشئ لكل جمعة خطبة ثم لا يكررها فيما بعد! وإمام الموسم وإمام المالكية بالحرم الشريف هو الشيخ الفقيه العالم الصالح الخاشع الشهير أبو عبد الله محمد بن الفقيه الصالح الورع أبي زيد عبد الرحمن وهو المشتهر بخليل نفع الله به وأمتع ببقائه، وأهله من بلاد الجريد من إفريقية ويعرفون بها ببني حيّون «189» وهم من كبارها ومولده ومولد أبيه بمكة شرفها الله وهو أحد الكبار من أهل مكة بل واحدها وقطبها بإجماع الطوائف على ذلك، مستغرق العبادة في جميع أوقاته مستحيي، كريم النفس حسن الأخلاق كثير الشفقة لا يرد من سأله خائبا. حكاية مباركة رأيت أيام مجاورتي بمكة شرفها الله وأنا إذ ذاك ساكن منها بالمدرسة المظفرية رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما في النوم وهو قاعد بمجلس التدريس من المدرسة المذكورة بجانب الشبّاك الذي تشاهد منه الكعبة الشريفة والناس يبايعونه فكنت أرى الشيخ أبا عبد الله المدعو بخليل قد دخل وقعد القرفصاء بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما وجعل يده في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أبايعك على كذا وكذا وعدّد

أشياء منها: وأن لا أردّ من بيتي مسكينا خائبا، وكان ذلك آخر كلامه، فكنت أعجب من قوله، وأقول في نفسي: كيف يقول هذا ويقدر عليه مع كثرة فقراء مكة واليمن والزيالعة والعراق والعجم ومصر والشام، وكنت أراه حين ذلك لا بسا جبّة بيضاء قصيرة من ثياب القطن المدعوة بالفشطان، «190» كان يلبسها في بعض الأوقات، فلما صليت الصبح غدوت عليه وأعلمته برؤياي فسرّ بها وبكى، وقال لي: تلك الجبة أهداها بعض الصالحين لجدي فأنا ألبسها تبركا، وما رأيته بعد ذلك يرد سائلا خائبا، وكان يأمر خدامه يخبزون الخبز ويطبخون الطعام وياتون به إليّ بعد صلاة العصر من كل يوم. وأهل مكة لا يأكلون في اليوم إلا مرّة واحدة بعد العصر ويقتصرون عليها إلى مثل ذلك الوقت، ومن أراد الاكل في سائر النهار أكل التمر ولذلك صحت أبدانهم وقلّت فيهم الأمراض والعاهات. وكان الشيخ خليل متزوجا بنت القاضي نجم الدين الطبري فشكّ في طلاقها وفارقها وتزوجها بعده الفقيه شهاب الدين النّويري «191» من كبار المجاورين وهو من صعيد مصر وأقامت عنده أعواما، وسافر بها إلى المدينة الشريفة ومعها أخوها شهاب الدين فحنث في يمين بالطلاق ففارقها على ضنانته بها، وراجعها الفقيه خليل بعد سنين عدة. ومن أعلام مكة إمام الشافعية شهاب الدين ابن البرهان، ومنهم إمام الحنفية شهاب الذين أحمد بن علي «192» من كبار أئمة مكّة وفضلائها يطعم المجاورين وأبناء السبيل، وهو أكرم فقهاء مكة، ويدان في كل سنة أربعين ألف درهم وخمسين ألفا فيؤديها الله عنه، وأمراء

حكاية [قطع يد السارق]

الأتراك يعظمونه ويحسنون الظن به لانه إمامهم، ومنهم إمام الحنابلة المحدث الفاضل محمد بن عثمان «193» البغدادي الأصل المكي الولد، وهو نائب القاضي نجم الدين، المحتسب بعد قتل تقي الدين المصري والناس يهابونه لسطوته. حكاية [قطع يد السارق] كان تقي الدين المصري محتسبا، وكان له دخول فيما يعنيه وفيما لا يعنيه، فاتفق في بعض السنين أن أتى أمير الحاج «194» بصبيّ من ذوي الدعارة بمكة قد سرق بعض الحجاج فأمر بقطع يده، فقال له تقي الدين: إن لم نقطعها بحضرتك والا غلب أهل مكة خدامك عليه فاستنقذوه منهم وخلّصوه، فأمر بقطع يده في حضرته، فقطعت، وحقدها لتقي الدين، ولم يزل يتربص به الدوائر ولا قدرة له عليه لأن له حسبا من الاميرين رميثة وعطيفة، والحسب عندهم أن يعطى أحدهم هدية من عمامة أو شاشية بمحضر الناس تكون جوارا لمن أعطيته ولا تزول حرمتها معه حتى يريد الرّحلة والتحول عن مكة فأقام تقي الدين بمكة أعواما ثم عزم على الرحلة وودع الاميرين وطاف طواف الوداع وخرج من باب الصّفا فلقيه صاحبه الأقطع، وتشكّى له ضعف حاله وطلب منه ما يستعين به على حاجته، فانتهره تقي الدين وزجره فاستل خنجرا له يعرف عندهم بالجنبيّة وضربه ضربة واحدة كان فيها حتفه. ومنهم الفقيه الصالح زين الدين الطبري «195» شقيق نجم الدين المذكور من أهل الفضل والاحسان للمجاورين، ومنهم الفقيه المبارك محمد بن فهد الشرقي من فضلاء مكة وكان ينوب عن القاضي نجم الدين بعد وفاة الفقيه محمد بن عثمان الحنبلي، ومنهم العدل

ذكر بعض المجاورين بمكة

الصالح محمد بن البرهان، زاهد ورع مبتلى بالوسواس، ورأيته يوما يتوضأ من بركة المدرسة المظفرية فيغسل ويكرر، ولما مسح رأسه أعاد مسحه مرات، ثم لم يقنعه ذلك فغطس رأسه في البركة! وكان إذا أراد الصلاة ربما صلّى الإمام الشافعيّ وهو يقول نويت نويت فيصلي مع غيره! وكان كثير الطواف والاعتمار والذكر. ذكر بعض المجاورين بمكة فمنهم الامام العالم الصالح الصوفي المحقق العابد عفيف الدين عبد الله بن أسعد اليمني الشافعي الشهير باليافعي، كثير الطواف اناء الليل وأطراف النهار، وكان إذا طاف من الليل يصعد إلى سطح المدرسة المظفرية فيقعد مشاهدا للكعبة الشريفة إلى أن يغلبه النوم فيجعل تحت رأسه حجرا وينام يسيرا ثم يجدّد الوضوء ويعود لحاله من الطواف حتى يصلي الصبح، وكان متزوجا ببنت الفقيه العابد شهاب الدين بن البرهان وكانت صغيرة السن، فلا تزال تشكو إلى أبيها حالها فيأمرها بالصبر فأقامت معه على ذلك سنين ثم فارقته. ومنهم الصالح العابد نجم الدين الأصفونيّ كان قاضيا ببلاد الصّعيد فانقطع إلى الله تعالى وجاور بالحرم الشريف وكان يعتمر في كلّ يوم من التنعيم في رمضان مرتين في اليوم اعتمادا على ما في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم تسليما أنه قال: عمرة في رمضان تعدل حجة معي. ومنهم الشيخ الصالح العابد شمس الدين محمد الحلبي كثير الطواف والتلاوة، من قدماء المجاورين مات بمكة شرفها الله، ومنهم الصالح أبو بكر الشيرازي المعروف بالصامت كثير الطواف، أقام بمكة أعواما لا يتكلم فيها، ومنهم الصالح خضر العجمي كثير الصوم والتلاوة والطواف، ومنهم الشيخ الصالح برهان الدين العجمي الواعظ كان ينصب له كرسي تجاه الكعبة الشريفة فيعظ الناس ويذكرهم بلسان فصيح وقلب خاشع يأخذ بمجامع القلوب. ومنهم الصالح المجوّد برهان الدين إبراهيم المصري مقرئ مجيد ساكن رباط السدرة ويقصده أهل مصر والشام بصدقاتهم، ويعلّم الايتام كتاب الله تعالى ويقوم بمئونتهم ويكسوهم.

حكاية في فضله

ومنهم الصالح العابد عز الدين الواسطي من أصحاب الأموال الطائلة يحمل إليه من بلده المال الكثير في كل سنة فيبتاع الحبوب والتمر ويفرقها على الضعفاء والمساكين ويتولى حملها إلى بيوتهم بنفسه ولم يزل ذلك دأبه إلى توفى. ومنهم الفقيه الصالح الزاهد أبو الحسن علي بن رزق الله الأنجري من أهل نظر طنجة من كبار الصالحين جاور بمكة أعواما وبها وفاته، كانت بينه وبين والدي صحبة قديمة، ومتى أتى بلدنا طنجة نزل عندنا، وكان له بيت بالمدرسة المظفرية يعلم العلم فيها نهارا ويأوي بالليل إلى مسكنه برباط ربيع، وهو من أحسن الرباطات بمكة، بداخله بئر عذبة لا تماثلها بئر بمكة وسكانه الصالحون وأهل ديار الحجاز يعظمون هذا الرباط تعظيما شديدا، وينذرون له النذور، وأهل الطائف يأتونه بالفواكه، ومن عادتهم أن كل من له بستان من النخيل والعنب والفرسك «196» وهو الخوخ، والتين وهم يسمونه الخمط يخرج منه العشر لهذا الرباط، ويوصلون ذلك إليه على جمالهم، ومسيرة ما بين مكة والطائف يومان، ومن لم يف بذلك نقصت فواكهه في السنة الآتية وأصابتها الجوايح. حكاية في فضله أتى يوما غلمان الأمير أبي نمى صاحب مكة إلى هذا الرباط ودخلوا بخيل الأمير، وسقوها من تلك البئر، فلما عادوا بالخيل إلى مرابطها أصابتها الأوجاع وضربت بأنفسها الأرض وبرءوسها وأرجلها، واتصل الخبر بالأمير أبي نمى فأتي باب الرباط بنفسه واعتذار إلى المساكين به واستصحب واحدا منهم فمسح على بطون الدواب بيده فأراقت ما كان في أجوافها من ذلك الماء وبرئت مما أصابها، ولم يتعرضوا بعدها للرباط إلا بالخير. ومنهم الصالح المبارك أبو العباس الغماري من أصحاب أبي الحسن بن رزق الله وسكن رباط ربيع، ووفاته بمكة شرفها الله، ومنهم الصالح أبو يعقوب يوسف من بادية سبتة كان خديما للشيخين المذكورين فلما توفيا صار شيخ الرباط بعدهما، ومنهم الصالح

حكاية [الشيخ سعيد الهندي]

السايح السالك أبو الحسن عليّ بن فرغوس التلمساني، ومنهم الشيخ سعيد الهندي شيخ رباط كلالة. حكاية [الشيخ سعيد الهندي] كان الشيخ سعيد قد قصد ملك الهند محمد شاه فأعطاه مالا عظيما قدم به مكة، فسجنه الأمير عطيفة وطلبه بأداء المال، فامتنع فعذب بعصر رجليه فأعطى خمسة وعشرين ألف درهم نقرة، وعاد إلى بلاد الهند، ورأيته بها ونزل بدار الأمير سيف الدين غدا بن هبة الله «197» بن عيسى بن مهنّى أمير عرب الشام وكان غدا ساكنا ببلاد الهند متزوجا بأخت ملكها، وسيذكر أمره، فأعطى ملك الهند للشيخ سعيد جملة مال وتوجه صحبة حاج يعرف بوشل من ناس الامير غدا، وجّهه الامير المذكور ليأتيه ببعض ناسه ووجه معه أموالا وتحفا منها الخلعة التي خلع عليه ملك الهند ليلة زفافه بأخته، وهي من الحرير الأزرق مزركشة بالذهب ومرصعة بالجوهر بحيث لا يظهر لونها لغلبة الجوهر عليها، وبعث معه خمسين الف درهم ليشتري له الخيل العتاق فسافر الشيخ سعيد صحبة وشل واشتريا سلعا بما عندهما من الأموال، فلما وصلا جزيرة سقطرة المنسوب اليها الصّبر السقطري «198» خرج عليهما لصوص الهند في مواكب كثيرة فقاتلوهم قتالا شديدا مات فيه من الفريقين جملة وكان وشل راميا فقتل منهم جماعة ثم تغلب السّراق عليهم وطعنوا وشلا طعنة مات منها بعد ذلك وأخذوا ما كان عندهم وتركوا لهم مركبهم بآلة سفره وزاده، فذهبوا إلى عدن ومات بها وشل. وعادة هؤلاء السراق أنهم لا يقتلون أحدا إلا في حين القتال ولا يغرقونه وإنما يأخذون ماله ويتركونه يذهب بمركبه حيث شاء، ولا يأخذون المماليك لانهم من جنسهم، وكان الحاج سعيد قد سمع من ملك الهند أنه يريد إظهار الدعوة العباسية ببلده كمثل ما فعله ملوك الهند

ممن تقدمه مثل السلطان شمس الدين للمش «199» ، واسمه بفتح اللام الأولى وإسكان الثانية وكسر الميم وشين معجم، وولده ناصر الدين، ومثل السلطان جلال الدين فيروز شاه والسلطان غياث الدين بلبن، وكانت الخلع تأتي اليهم من بغداد. فلما توفى وشل قصد الشيخ سعيد إلى الخليفة أبي العباس «200» ابن الخليفة أبي الربيع سليمان العباسي بمصر وأعلمه بالأمر فكتب له كتابا بخطه بالنيابة عنه ببلاد الهند فإستصحب الشيخ سعيد الكتاب وذهب إلى اليمن واشترى بها ثلاث خلع سودا وركب البحر إلى الهند فلما وصل كنباية «201» ، وهي على مسيرة أربعين يوما من دهلى حضرة ملك الهند، كتب صاحب الخبر إلى الملك يعلمه بقدوم الشيخ سعيد وأن معه أمر الخليفة وكتابه فورد الأمر ببعثه إلى الحضرة مكرما فلما قرب من الحضرة بعث الأمراء والقضاة والفقهاء لتلقّيه ثم خرج هو بنفسه لتلقيه، فتلقاه ودفع له الأمر فقبّله ووضعه على رأسه ودفع له الصندوق الذي فيه الخلع فاحتمله الملك على كاهله خطوات ولبس إحدى الخلع وكسى الأخرى الأمير غياث الدين محمد بن عبد القادر بن يوسف بن عبد العزيز بن الخليفة المستنصر العباسي، وكان مقيما عنده، وسيذكر خبره «202» ، وكسى الخلعة الثالثة الأمير قبولة الملقب بالملك الكبير، وهو الذي يقوم على رأسه ويشرد عنه الذباب، وأمر السلطان فخلع على الشيخ سعيد ومن معه وأركبه على الفيل ودخل المدينة كذلك والسلطان أمامه على فرسه وعن يمينه وشماله الأميران اللذان كساهما الخلعتين العباسيتين، والمدينة قد زينت بأنواع الزينة وصنع بها إحدى عشرة قبة من الخشب، كلّ قبة منها أربع طبقات في كل طبقة طائفة من المغنين

رجالا ونساء والراقصات، وكلهم مماليك السلطان، والقبة مزينة بثياب الحرير المذهب، أعلاها وأسفلها وداخلها وخارجها، وفي وسطها ثلاثة أحواض من جلود الجواميس مملوءة ماء قد حل فيه الجلّاب يشربه كل وارد وصادر لا يمنع منه أحد، وكل من يشرب منه يعطي بعد ذلك خمس عشرة ورقة من أوراق التنبول والفوفل والنورة «203» فيأكلها فتطيب نكهته وتزيد في حمرة وجهه ولثاته، وتقمع عنه الصفراء، وتهضم ما أكل من الطعام، ولما ركب الشيخ سعيد على الفيل فرشت له ثياب الحرير بين يدي الفيل يطأ عليها الفيل من باب المدينة إلى دار السلطان، وأنزل بدار تقرب من دار الملك وبعث له أموالا طائلة، وجميع الأثواب المعلقة والمفروشة بالقباب والموضوعة بين يدي الفيل لا تعود إلى السلطان بل يأخذها أهل الطرب وأهل الصناعات الذين يصنعون القباب وخدام الأحواض وغيرهم، وهكذا فعلهم متى قدم السلطان من سفر، وأمر الملك بكتاب الخليفة أن يقرأ على المنبر بين الخطبتين في كل يوم جمعة وأقام الشيخ سعيد شهرا ثم بعث معه الملك هدايا إلى الخليفة فوصل كنبايت، وأقام بها حتى تيسرت أسباب حركته في البحر، وكان ملك الهند قد بعث أيضا من عنده رسولا إلى الخليفة وهو الشيخ رجب البرقعي أحد شيوخ الصوفية، وأصله من مدينة القرم «204» من صحراء قبجق «205» ، وبعث معه هدايا الخليفة منها حجر ياقوت قيمته خمسون الف دينار وكتب له يطلب منه أن يعقد له النيابة عنه ببلاد الهند والسند أو يبعث لها سواه من يظهر له، هكذا نص عليه كتابه اعتقادا منه في الخلافة وحسن نية. وكان للشيخ رجب أخ بديار مصر يدعى بالأمير سيف الدين الكاشف، فلما وصل رجب إلى الخليفة أبي أن يقرأ الكتاب ويقبل الهدية طلا بمحضر الملك الصالح إسماعيل بن الملك «206» الناصر، فأشار سيف الدين على أخيه رجب ببيع الحجر، فباعه واشترى بثمنه وهو ثلاثمائة ألف درهم أربعة أحجار، وحضر بين يدي الملك الصالح، ودفع له الكتاب وأحد الأحجار، ودفع سائرها لأمرائه، واتفقوا على أن يكتب لملك الهند بما طلبه فوجهوا الشهود إلى الخليفة وأشهد على نفسه أنه قدمه نائبا عنه ببلاد الهند وما يليها وبعث الملك الصالح

حكاية [حسن المجنون]

رسولا من قبله وهو شيخ الشيوخ بمصر ركن الدين «207» العجمي، ومعه الشيخ رجب وجماعة من الصوفية وركبوا بحر فارس من الأبلة إلى هرمز، وسلطانها يومئذ قطب الدين تمتهن «208» بن طوران شاه فأكرم مثواهم وجهّز لهم مركبا إلى بلاد الهند فوصلوا مدينة كنبايت والشيخ سعيد بها، وأميرها يومئذ مقبول التّلنكي أحد خواص ملك الهند، فاجتمع الشيخ رجب بهذا الأمير وقال له: إن الشيخ سعيدا إنما جاءكم بالتزوير، والخلع التي ساقها إنما اشتراها بعدن فينبغي أن تثقّفوه وتبعثوه لخوند عالم، وهو السلطان، فقال له الأمير: الشيخ سعيد معظم عند السلطان، فما يفعل به هذا إلا بأمره، ولكني أبعثه معكم ليرى فيه السلطان رأيه. وكتب الأمير بذلك كلّه إلى السلطان وكتب به أيضا صاحب الأخبار، فوقع في نفس السلطان تغيّر، وانقبض عن الشيخ رجب لكونه تكلم بذلك على رؤوس الأشهاد، بعد ما صدر من السلطان للشيخ سعيد من الإكرام ما صدر، فمنع رجبا من الدخول عليه، وزاد في إكرام الشيخ سعيد، ولما دخل شيخ الشيوخ على السلطان قام اليه وعانقه وأكرمه، وكان متى دخل اليه يقوم له، وبقى الشيخ سعيد المذكور بأرض الهند معظما مكرما، وبها تركته سنة ثمان وأربعين، وكان بمكة أيام مجاورتي بها حسن المغربي المجنون، وأمره غريب، وشأنه عجيب وكان قبل ذلك صحيح العقل خديما لولي الله تعالى نجم الدين الأصبهاني أيام حياته. حكاية [حسن المجنون] كان حسن المجنون كثير الطواف بالليل، وكان يرى في طوافه بالليل فقيرا يكثر الطواف ولا يراه بالنهار فلقيه ذلك الفقير ليلة وسأله عن حاله، وقال له يا حسن: إن أمك تبكي عليك وهي مشتاقة إلى رؤيتك، وكانت من إماء الله الصالحات، أفتحب أن تراها؟ قال له نعم! ولكني لا قدرة لي على ذلك، فقال له نجتمع هاهنا في الليلة المقبلة إن شاء الله تعالى فلمّا كانت الليلة المقبلة وهي ليلة الجمعة وجده حيث واعده فطافا بالبيت ما شاء الله ثم خرج وهو في أثره إلى باب المصلى فأمره أن يسد عينيه ويمسك بثوبه ففعل ذلك ثم قال بعد ساعة: أتعرف بلدك؟ قال نعم قال: ها هو هذا! ففتح عينيه، فإذا به على دار أمه، فدخل عليها،

ذكر عادة أهل مكة في صلواتهم ومواضع أئمتهم

ولم يعلمها بشيء مما جرى، وأقام عندها نصف شهر، وأظن أن بلده أسفي، ثم خرج إلى الجبانة فوجد الفقير صاحبه، فقال له: كيف أنت؟ فقال: يا سيدي إني اشتقت إلى رؤية الشيخ نجم الدين، وكنت خرجت على عادتي وغبت عنه هذه الأيام، وأحب أن تردّني إليه، فقال له: نعم! وواعده الجبّانة ليلا، فلما وافاه بها أمره أن يفعل كفعله في مكة، شرّفها الله، من تغميض عينيه والإمساك بذيله، ففعل ذلك فإذا به في مكّة، شرفها الله، وأوصاه أن لا يحدّث نجم الدين بشيء مما جرى، ولا يحدّث به غيره. فلما دخل على نجم الدين، قال له: أين كنت يا حسن في غيبتك؟ فأبى أن يخبره فعزم عليه فأخبره بالحكاية، فقال: أرني الرجل! فأتى معه ليلا وأتى الرجل على عادته، فلما مرّ بهما، قال له: يا سيدي، هو هذا! فسمعه الرجل فضرب بيده على فمه وقال: أسكت أسكتك الله فخرس لسانه، وذهب عقله، وبقى بالحرم مولها يطوف باللّيل والنهار من غير وضوء ولا صلاة، والناس يتبركون به ويكسونه، وإذا جاع خرج إلى السوق التي بين الصفا والمروة فيقصد حانوتا من الحوانيت فيأكل منه ما أحبّ، لا يصدّه أحد ولا يمنعه، بل يسرّ كلّ من أكل له شيئا، وتظهر له البركة والنّماء في بيعه وربحه، ومتى أتى السوق تطاول أهلها بأعناقهم إليه كلّ منهم يحرص على أن يأكل من عنده لما جربوه من بركته، وكذلك فعله مع السقّائين متى أحب أن يشرب، ولم يزل دأبه كذلك إلى سنة ثمان وعشرين، فحج فيها الأمير سيف الدّين يلملك فاستصحبه معه إلى ديار مصر فانقطع خبره نفع الله تعالى به. ذكر عادة أهل مكة في صلواتهم ومواضع أئمتهم فمن عادتهم أن يصلّى أول الأئمة إمام الشافعية، وهو المقدم من قبل أولي الأمر «209» وصلاته خلف المقام الكريم: مقام إبراهيم الخليل عليه السلام في حطيم له هنالك بديع، وجمهور الناس بمكة على مذهبه، والحطيم: خشبتان موصول ما بينهما بأذرع شبه السلّم، تقابلهما خشبتان على صفتهما، وقد عقدت على أرجل مجصّصة، وعرض على أعلى الخشب خشبة أخرى فيها خطاطيف حديد، يعلّق منها قناديل زجاج، فإذا صلى الإمام الشافعي صلّى بعده إمام المالكية في محراب قبالة الركن اليماني، ويصلي إمام الحنبلية معه في وقت واحد مقابلا ما بين الحجر الأسود والركن اليماني، ثم يصلي إمام الحنفية قبالة الميزاب المكرّم تحت حطيم له هنالك ويوضع بين أيدي الأئمة في محاريبهم الشّمع، وترتيبهم هكذا في الصلوات الأربع.

ذكر عادتهم في الخطبة وصلاة الجمعة

وأما صلاة المغرب فإنهم يصلونها في وقت واحد، كل إمام يصلي بطائفته، ويدخل على الناس من ذلك سهو وتخليط، فربّما ركع المالكي بركوع الشافعي وسجد الحنفي بسجود الحنبلي، وتراهم مصيخين كلّ أحد إلى صوت المؤذن الذي يسمع طائفته ليلا يدخل عليه السهو. ذكر عادتهم في الخطبة وصلاة الجمعة وعادتهم في يوم الجمعة أن يلصق المنبر المبارك إلى صفح الكعبة الشريفة فيما بين الحجر الأسود والركن العراقي ويكون الخطيب مستقبلا المقام الكريم فإذا خرج الخطيب أقبل لا بسا ثوب سواد معتما بعمامة سوداء «210» ، وعليه طيلسان «211» أسود كل ذلك من كسوة الملك الناصر، وعليه الوقار والسكينة، وهو يتهادى بين رايتين سوداوين، يتمسكهما رجلان من المؤذنين، وبين يديه أحد القومة في يده الفرقعة، وهي عود في طرفه جلد رقيق مفتول ينفضه في الهواء، فيسمع له صوت عال يسمعه من بداخل الحرم وخارجه، فيكون إعلاما بخروج الخطيب «212» . ولا يزال كذلك إلى أن يقرب من المنبر فيقبل الحجر الأسود، ويدعوا عنده، ثم يقصد المنبر والمؤذّن الزمزمي، وهو رئيس المؤذنين 21» بين يديه لابسا السواد وعلى عاتقه السيف ممسكا له بيد، وتركز الرايتان عن جانبي المنبر فإذا صعد أول درج من درج المنبر قلّده المؤذن السيف فيضرب بنصل السيف ضربة في الدرج يسمع بها الحاضرين، ثم يضرب في الثاني ضربة ثم في الثالث أخرى، فإذا استولى في عليا الدرجات ضرب ضربة رابعة ووقف داعيا بدعاء خفيّ مستقبل الكعبة، ثم يقبل على الناس فيسلم عن يمينه وشماله، ويرد عليه الناس، ثم يقعد ويؤذن المؤذنون في أعلى قبة زمزم في حين واحد فإذا فرغ الآذان خطب الخطيب خطبة يكثر بها من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول في أثنائها: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ما طاف بهذا البيت طائف، ويشير بأصبعه إلى البيت الكريم، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ما وقف بعرفة واقف، ويرضى عن الخلفاء الأربعة وعن سائر الصحابة، وعن عمّي النبي صلى الله عليه وسلم وسبطيه، وأمهما، وخديجة

ذكر عادتهم في استهلال الشهور

جدّتهما على جميعهم السلام، ثم يدعو للملك الناصر، ثم للسلطان المجاهد نور الدين علي بن الملك المؤيد داوود بن الملك المظفر يوسف بن عليّ بن رسول «214» ، ثم يدعو للسيدين الشريفين الحسنيّين: أميري مكة: سيف الدين عطيفة وهو أصغر الأخوين، ويقدم اسمه لعدله، وأسد الدّين رميثة ابنى أبي نمى بن أبي سعد بن علي بن قتادة، وقد دعا لسلطان العراق مرة ثم قطع ذلك، فإذا فرغ من خطبته صلى وانصرف، والرايتان عن يمينه وشماله والفرقعة أمامه إشعارا بانقضاء الصلاة، ثم يعاد المنبر إلى مكانه إزاء المقام الكريم. ذكر عادتهم في استهلال الشهور وعادتهم في ذلك أن يأتى أمير مكّة في أول يوم من الشهر وقواده يحفّون به وهو لابس البياض، معتمّ متقلد سيفا وعليه السكينة والوقار فيصلّي عند المقام الكريم ركعتين ثم يقبّل الحجر ويشرع في طواف أسبوع، ورئيس المؤذنين على أعلى قبة زمزم، فعند ما يكمل الأمير شوطا واحدا ويقصد الحجر لتقبيله يندفع رئيس المؤذنين بالدعاء له، والتهنئة بدخول الشهر رافعا بذلك صوته ثم يذكر شعرا في مدحه ومدح سلفه الكريم ويفعل به هكذا في السبعة أشواط فإذا فرغ منها ركع عند الملتزم ركعتين، ثم ركع خلف المقام أيضا ركعتين ثم انصرف، ومثل هذا سواء يفعل إذا أراد سفرا وإذا قدم من سفر أيضا. ذكر عادتهم في شهر رجب وإذا أهل هلال رجب «215» أمر أمير مكة بضرب الطبول والبوقات إشعارا بدخول الشهر، ثم يخرج في أول يوم منه راكبا ومعه أهل مكة فرسانا ورجالا على ترتيب عجيب، وكلهم بالأسلحة يلعبون بين يديه، والفرسان يجولون ويجرون، والرجالة يتواثبون، ويرمون بحرابهم إلى الهواء ويلقفونها والأمير رميثة والأمير عطيفة، معهما أولادهما وقوادهما، مثل محمد بن ابراهيم، وعلي وأحمد ابنى صبيح وعلي بن يوسف، وشداد بن عمر، وعامر الشّرق، ومنصور بن عمر وموسى المزرق وغيرهم من كبار أولاد الحسن ووجوه القواد، وبين أيديهم الرايات والطبول والدّبابت «216» ، وعليهم السكينة والوقار، ويسيرون حتى ينتهون إلى الميقات، ثم يأخذون في الرجوع على معهود ترتيبهم إلى المسجد الحرام، فيطوف الأمير بالبيت،

ذكر عمرة رجب

والمؤذن الزمزمي وبأعلى قبة زمزم يدعو له عند كل شوط على ما ذكرناه من عادته، فإذا طاف صلّى ركعتين عند الملتزم، وصلى عند المقام وتمسّح به وخرج إلى المسعى فسعى راكبا والقواد يحفون به والحرّابة «217» بين يديه ثم يسير إلى منزله. وهذا اليوم عندهم عيد من الأعياد ويلبسون فيه أحسن الثياب ويتنافسون في ذلك. ذكر عمرة رجب وأهل مكة يحتفلون لعمرة رجب الاحتفال الذي لا يعهد مثله، وهي متصلة ليلا ونهارا، وأوقات الشهر كلّه معمورة بالعبادة، وخصوصا أول يوم منه، ويوم خمسة عشر والسابع والعشرون فإنهم يستعدون لها قبل ذلك بأيام. شاهدتهم في ليلة السابع والعشرين منه، وشوارع مكة قد غصّت بالهوادج «218» ، عليها كساء الحرير والكتان الرفيع، كل أحد يفعل بقدر استطاعته، والجمال مزينة مقلّدة بقلائد الحرير، وأستار الهوادج ضافية تكاد تمس الأرض، فهي كالقباب المضروبة ويخرجون إلى ميقات التنعيم، فتسيل أباطح مكة بتلك الهوادج، والنّيران مشعلة بجنبتي الطّريق، والشمع والمشاعل أمام الهوادج، والجبال تجيب بصداها إهلال الملبين، فترقّ النفوس وتنهمل الدموع، فإذا قضوا العمرة وطافوا بالبيت، خرجوا إلى السعي بين الصفا والمروة بعد مضيّ هزيع من الليل، والمسعى متّقد السرج غاصّ بالناس، والساعيات في هوادجهن، والمسجد الحرام يتلألأ نورا، وهم يسمون هذه العمرة بالعمرة الأكمية، لأنهم يحرمون بها من أكمة أمام مسجد عائشة رضي الله عنها بمقدار غلوة على مقربة من المسجد المنسوب إلى علي رضي الله عنه. والأصل في هذه العمرة أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما لما فرغ من بناء الكعبة المقدّسة «219» خرج ماشيا حافيا معتمرا ومعه أهل مكة وذلك في اليوم السابع

والعشرين من رجب وانتهى إلى الأكمة فأحرم منها، وجعل طريقه على ثنية الحجون إلى المعلّى من حيث دخل المسلمون يوم الفتح، فبقيت تلك العمرة سنة عند أهل مكة إلى هذا العهد. وكان يوم عبد الله مذكورا أهدي فيه بدنا كثيرة، وأهدى أشراف مكة وأهل الاستطاعة منهم وأقاموا أياما يطعمون ويطعمون شكرا لله تعالى على ما وهبهم من التيسير والمعونة في بناء بيته الكريم على الصفة التي كان عليها في أيام الخليل صلوات الله عليه. ثم لما قتل ابن الزبير نقض الحجّاج الكعبة وردها إلى بنائها في عهد قريش «220» وكانوا قد اقتصروا في بنائها «221» ، وأبقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك لحدثان عهدهم بالكفر، «222» ، ثم أراد الخليفة أبو جعفر المنصور أن يعيدها إلى بناء ابن الزبير فنهاه مالك رحمه الله عن ذلك، وقال: يا أمير المؤمنين لا تجعل البيت ملعبة للملوك، متى أراد أحدهم يغيره فعل! فتركه على حاله سدا للذريعة. وأهل الجهات الموالية لمكة مثل بجيلة وزهران وغامد «223» يبادرون لحضور عمرة رجب ويجلبون إلى مكة الحبوب والسمن والعسل والزبيب واللوز فترخص الأسعار بمكة ويرغد عيش أهلها وتعمّهم المرافق، ولولا أهل هذه البلاد لكان أهل مكة في شظف من العيش، ويذكر أنهم متى أقاموا ببلادهم ولم ياتوا بهذه الميرة أجدبت بلادهم ووقع الموتان في مواشيهم، ومتى أوصلوا الميرة أخصبت بلادهم وظهرت فيها البركة ونمت أموالهم فهم إذا حان وقت ميرتهم وأدركهم كسل عنها اجتمعت نساءهم فأخرجنهم! وهذا من لطائف صنع الله تعالى وعنايته ببلده الأمين.

ذكر عادتهم في ليلة النصف من شعبان

وبلاد السّرو التي يسكنها بجيلة وزهران وغامد، وسواهم من القبائل «224» مخصبة كثيرة الأعناب وافرة الغلات، وأهلها فصحاء الألسن لهم صدق نية وحسن اعتقاد، وهم إذا طافوا بالكعبة يتطارحون عليها لائذين بجوارها، متعلقين بأستارها، داعين بأدعية تتصدع لرقتها القلوب، وتدمع العيون الجامدة، فترى الناس حولهم باسطي أيديهم مؤمّنين على أدعيتهم، ولا يتمكن لغيرهم الطواف معهم ولا استلام الحجر لتزاحمهم على ذلك، وهم شجعان أنجاد ولباسهم الجلود، وإذا وردوا مكّة هابت أعراب الطريق مقدمهم وتجنبوا اعتراضهم ومن صحبهم من الزوار حمد صحبتهم، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهم وأثنى عليهم خيرا، وقال: علموهم الصلاة يعلموكم الدعاء. وكفاهم شرفا دخولهم في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: الإيمان يماني والحكمة يمانية، وذكر أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يتحرّى وقت طوافهم ويدخل في جملتهم تبركا بدعائهم، وشأنهم عجيب كلّه وقد جاء في أثر: زاحموهم في الطّواف فإن الرحمة تنصبّ عليهم صبّا. ذكر عادتهم في ليلة النصف من شعبان وهذه الليلة من الليالي المعظمة عند أهل مكة يبادرون فيها إلى أعمال البر من الطواف والصلاة جماعات وأفذاذا والاعتمار، ويجتمعون في المسجد الحرام جماعات لكل جماعة إمام، يوقدون السرج والمصابيح والمشاعل ويقابل ذلك ضوء القمر يتلألأ الأرض والسماء نورا، ويصلون مائة ركعة يقرءون في كل ركعة بأم القرآن، وسورة الإخلاص يكررونهما عشرا، وبعض الناس يصلون في الحجر منفردين، وبعضهم يطوفون بالبيت الشريف وبعضهم قد خرجوا للاعتمار. ذكر عادتهم في شهر رمضان المعظم وإذا أهل هلال رمضان تضرب الطبول والدّبادب عند أمير مكة، ويقع الاحتفال بالمسجد الحرام من تجديد الحصر وتكثير الشمع والمشاعل حتى يتلألأ الحرام نورا ويسطع بهجة وإشراقا، وتتفرق الأئمة فرقا، وهم الشافعية، والحنفية، والحنبلية، والزيدية، وأما المالكية فيجتمعون على أربعة من القراء: يتناوبون القراءة ويوقدون الشمع ولا تبقى في الحرم زاوية

ولا ناحية إلا وفيها قارىء يصلي بجماعته فيرتج المسجد لأصوات القراء وترق النفوس وتحضر القلوب وتهمل الأعين. ومن الناس من يقتصر على الطواف والصلاة في الحجر منفردا، والشافعية أكثر الأئمة اجتهادا، وعادتهم أنهم إذا أكملوا التراويح المعتادة وهي عشرون ركعة يطوف إمامهم وجماعته فإذا فرغ من الأسبوع ضربت الفرقعة التي ذكرنا أنها تكون بين يدي الخطيب يوم الجمعة وكان ذلك إعلاما بالعودة إلى الصلاة، ثم يصلي ركعتين ثم يطوف أسبوعا هكذا، إلى أن يتم عشرين ركعة أخرى ثم يصلون الشّفع والوتر وينصرفون. وسائر الأئمة لا يزيدون على العادة شيئا، وإذا كان وقت السحور يتولى المؤذن الزمزمي التّسحير في الصومعة التي بالركن الشرقي من الحرم «225» ، فيقوم داعيا ومذكرا ومحرضا على السحور، والمؤذّنون في سائر الصوامع، فإذا تكلم أحد منهم أجابه صاحبه، وقد نصبت في أعلى كل صومعة خشبة على رأسها عود معترض قد علق فيه قنديلان من الزجاج كبيران يقدان، فإذا قرب الفجر ووقع الإيذان بالقطع مرة بعد مرة حط القنديلان، وابتدأ المؤذنون بالآذان وأجاب بعضهم بعضا. ولديار مكة شرفها الله سطوح، فمن بعدت داره بحيث لا يسمع الأذان يبصر القنديلين المذكورين، فيتسحّر حتّى إذا لم يبصرهما أقلع عن الأكل، وفي كل ليلة وتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان يختمون القرآن ويحضر الختم القاضي والفقهاء والكبراء ويكون الذي يختم بهم أحد أبناء كبراء أهل مكة فاذا ختم نصب له منبر مزين بالحرير وأوقد الشمع وخطب، فإذا فرغ من خطبته استدعى أبوه الناس إلى منزله فأطعمهم الأطعمة الكثيرة والحلاوات وكذلك يصنعون في جميع ليالي الوتر، وأعظم تلك الليالي عندهم ليلة سبع وعشرين، واحتفالهم لها أعظم من احتفالهم لسائر الليالي، ويختم بها القرآن العظيم، خلف المقام الكريم، وتقام إزاء حطيم الشافعية خشب عظام توصل بالحطيم وتعرض بينها ألواح طوال، وتجعل ثلاث طبقات وعليها الشمع وقناديل الزجاج فيكاد يغشي الأبصار، شعاع الأنوار، ويتقدم الإمام فيصلي فريضة العشاء الأخيرة، ثم يبتدئ قراءة سورة القدر، وإليها يكون انتهاء قراءة الأئمة في الليلة التي قبلها، وفي تلك الساعة يمسك جميع الأئمة عن التراويح تعظيما لختمة المقام، ويحضرونها متبركين فيختم الإمام في تسليمتين ثم يقوم

ذكر عادتهم في شوال

خطيبا مستقبل المقام، فإذا فرغ من ذلك عاد الأئمة إلى صلاتهم وانفضّ الجمع ثم يكون الختم ليلة تسع وعشرين في المقام المالكي في منظر مختصر، وعن المباهاة منزّه موقر، فيختم ويخطب. ذكر عادتهم في شوال وعادتهم في شوال، وهو مفتتح أشهر الحج المعلومات أن يوقدوا المشاعل ليلة استهلاله ويسرجون المصابيح والشمع على نحو فعلهم في ليلة سبع وعشرين من رمضان، وتوقد السرج في الصوامع من جميع جهاتها، ويوقد سطح الحرم كله وسطح المسجد الذي بأعلى أبى قبيس، ويقيم المؤذنون ليلتهم تلك في تهليل وتكبير وتسبيح، والناس ما بين طواف وصلاة وذكر ودعاء، فإذا صلّوا صلاة الصبح، أخذوا في أهبة العيد ولبسوا أحسن ثيابهم، وبادروا لأخذ مجالسهم بالحرم الشريف، وبه يصلون صلاة العيد لأنه لا موضع أفضل منه. ويكون أول من يكبر للمسجد الشّيبيون فيفتحون باب الكعبة المقدسة ويقعد كبيرهم في عتبتها وسائرهم بين يديه، إلى أن يأتي أمير مكة فيتلقونه ويطوف بالبيت أسبوعا والمؤذن الزمزمي فوق سطح قبة زمزم على العادة رفعا صوته بالثناء عليه والدعاء له ولأخيه كما ذكر، ثم يأتي الخطيب بين الرايتين السوداوين، والفرقعة أمامه، وهو لابس السواد فيصلي خلف المقام الكريم، ثم يصعد المنبر ويخطب خطبة بليغة، ثم إذا فرغ منها أقبل الناس بعضهم على بعض بالسلام والمصافحة والاستغفار، ويقصدون الكعبة الشريفة فيدخلونها أفواجا ثم يخرجون إلى مقبرة باب المعلّى تبركا بمن فيها من الصحابة وصدور السلف ثم ينصرفون. ذكر إحرام الكعبة وفي اليوم السّابع والعشرين من شهر ذي القعدة تشمّر أستار الكعبة الشريفة، زادها الله تعظيما، إلى نحو ارتفاع قامة ونصف من جهاتها الأربع صونا لها من الأيدي أن تنتهبها ويسمون ذلك إحرام الكعبة، وهو يوم مشهود بالحرم الشريف ولا تفتح الكعبة المقدسة من ذلك اليوم حتى تنقضي الوقفة بعرفة.

ذكر شعائر الحج وأعماله

ذكر شعائر الحج وأعماله وإذا كان في أول يوم من شهر ذي الحجة تضرب الطبول والدّبادب في أوقات الصلوات وبكرة وعشية إشعارا بالموسم المبارك، ولا تزال كذلك إلى يوم الصعود إلى عرفات «226» ، فإذا كان اليوم السابع من ذي الحجة خطب الخطيب إثر صلاة الظهر خطبة بليغة يعلّم الناس فيها مناسكهم ويعلمهم بيوم الوقفة، فإذا كان اليوم الثامن بكّر الناس بالصعود إلى منى، وأمراء مصر والشام والعراق وأهل العلم يبيتون تلك الليلة بمنى، وتقع المباهاة والمفاخرة بين أهل مصر والشام والعراق في إيقاد الشمع، ولكن الفضل في ذلك لاهل الشام دائما، فإذا كان اليوم التاسع رحلوا من منى بعد صلاة الصبح إلى عرفة فيمرون في طريقهم بوادي محسّر، ويهرولون فيه، وذلك سنّة. ووادي محسّر هو الحد بين مزدلفة ومنى «227» ومزدلفة بسيط من الأرض فسيح بين جبلين، وحولها مصانع وصهاريج للماء مما بنته زبيدة ابنة جعفر بن أبي جعفر المنصور زوجة أمير المؤمنين هارون الرشيد، وبين منى وعرفة خمس أميال، وكذلك بين منى ومكّة أيضا خمسة أميال. ولعرفة ثلاث أسماء، وهي عرفة، وجمع، والمشعر الحرام «228» ، وعرفات: بسيط من الأرض فسيح أفيح تحدق به جبال كثيرة وفي آخر بسيط عرفات جبل الرّحمة، وفيه الموقف، وفيما حوله، والعلمان قبله بنحو ميل، وهما الحد ما بين الحل والحرم، وبمقربة منهما مما يلي عرفة بطن عرنة الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالارتفاع عنه ويجب التحفظ منه، ويجب أيضا الإمساك عن النّفور حتى يتمكن سقوط الشمس، فإن الجمّالين ربّما استحثوا كثيرا من الناس وحذّروهم الزحام في النّفر واستدرجوهم إلى أن يصلوا بهم بطن عرنة فيبطل حجهم.

صورة عرفات

رمي الجمرات في منى

عودة لمكة ... صورة الكعبة

وجبل الرحمة الذي ذكرناه قائم في وسط بسيط جمع، منقطع عن الجبال، وهو من حجارة منقطع بعضها عن بعض، وفي أعلاه قبة تنسب إلى أم سلمة رضي الله عنها، وفي وسطها مسجد يتزاحم الناس للصلاة فيه، وحوله سطح فسيح يشرف على بسيط عرفات، وفي قبليّه «229» جدار فيه محاريب منصوبة يصلي فيها النّاس وفي أسفل هذا الجبل عن يسار المستقبل للكعبة دار عتيقة البناء تنسب إلى آدم عليه السلام، وعن يسارها الصّخرات التي كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم عندها، وحول ذلك صهاريج وجباب للماء، وبمقربة منه الموضع الذي يقف فيه الإمام ويخطب ويجمع بين الظهر والعصر، وعن يسار العلمين للمستقبل أيضا وادي الأراك، وبه أراك أخضر يمتد في الأرض امتدادا طويلا. وإذا حان وقت النّفر أشار الامام المالكي بيده ونزل عن موقفه فدفع الناس بالنفر دفعة ترتج لها الأرض وترجف الجبال فياله موقفا كريما، ومشهدا عظيما، ترجو النفوس حسن عقباه، وتطمح الآمال إلى نفحات رحماه، جعلنا الله ممن خصه فيه برضاه. وكانت وقفتي الأولى يوم الخميس سنة ست وعشرين «230» ، وأمير الركب المصري يومئذ أرغون الدوادار «231» نائب الملك الناصر، وحجت في تلك السنة ابنة الملك الناصر، وهي زوجة أبي بكر بن أرغون المذكور، وحجّت فيها زوجة الملك الناصر المسماة بالخوندة، وهي بنت السلطان المعظم محمد أوزبك ملك لسرا وخوارزم، وأمير الركب الشامي سيف الدين الجوبان «232» . ولما وقع النفر بعد غروب الشمس وصلنا مزدلفة عند العشاء الآخرة فصلينا بها المغرب والعشاء جمعا بينهما حسبما جرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما صلينا الصبح بمزدلفة غدونا منها إلى منى بعد الوقوف والدعاء بالمشعر الحرام، ومزدلفة كلّها موقف إلا وادي محسّر ففيه تقع الهرولة حتى يخرج عنه. ومن مزدلفة يستصحب أكثر الناس حصيات الجمار، وذلك مستحب، ومنهم من يلقطها

ذكر كسوة الكعبة

حول مسجد الخيف «233» ، والأمر في ذلك واسع، ولما انتهى الناس إلى منى بادروا لرمي جمرة العقبة، ثم نحروا وذبحوا، ثم حلقوا وحلّوا من كل شيء إلا النساء والطيب حتى يطوفوا طواف الإفاضة، ورمي هذه الجمرة عند طلوع الشمس من يوم النحر، ولما رموها توجه أكثر الناس بعد أن ذبحوا وحلقوا إلى طواف الإفاضة، ومنهم من أقام إلى اليوم الثاني، وفي اليوم الثاني رمى الناس عند زوال الشمس بالجمرة الأولى سبعة حصيات، وبالوسطى كذلك، ووقفوا للدعاء بهاتين الجمرتين اقتداء بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما كان اليوم الثالث تعجل الناس الانحدار إلى مكة، شرّفها الله بعد أن كمل لهم رمي تسع وأربعين حصاة، وكثير منهم أقام اليوم الثالث بعد يوم النحر حتى رمي سبعين حصاة. ذكر كسوة الكعبة وفي يوم النّحر بعثت كسوة الكعبة الشريفة من الركب المصري إلى البيت الكريم، فوضعت في سطحه، فلما كان اليوم الثالث بعد يوم النحر أخذ الشّيبيون في إسبالها على الكعبة الشريفة، وهي كسوة سوداء حالكة من الحرير مبطنة بالكتان، وفي أعلاها طراز مكتوب فيه بالبياض: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما الآية، وفي سائر جهاتها طرز مكتوبة بالبياض فيها آيات من القرآن، وعليها نور لائح مشرق من سوادها. ولما كسيت شمّرت أذيالها صونا عن أيدي الناس، والملك الناصر هو الذي يتولى كسوة الكعبة الكريمة ويبعث مرتبات القاضي والخطيب والأئمة والمؤذنين والفراشين والقومة وما يحتاج له الحرم الشريف من الشمع والزيت في كلّ سنة. وفي هذه الأيام تفتح الكعبة الشريفة كلّ يوم للعراقيين والخراسانيين وسواهم ممن يصل مع الركب العراقي، وهم يقيمون بمكة بعد سفر الركبين: الشامي والمصري أربعة أيام، فيكثرون فيها الصدقات على المجاورين وغيرهم. ولقد شاهدتهم يطوفون بالحرم ليلا فمن لقوه في الحرم من المجاورين أو المكيين أعطوه الفضّة والثياب، وكذلك يعطون للمشاهدين الكعبة الشريفة، وربما وجدوا إنسانا نائما فجعلوا في فيه الذهب والفضة حتى يفيق! ولما قدمت معهم من العراق سنة ثمان وعشرين «234» فعلوا من ذلك كثيرا، وأكثروا الصدقة حتى رخص سوم الذهب بمكة، وانتهى صرف المثقال إلى ثمانية عشر درهم «235» نقرة لكثرة ما تصدّقوا به من الذهب.

ذكر الانفصال عن مكة شرفها الله تعالى

وفي هذه السنة ذكر اسم السلطان أبي سعيد ملك العراق على المنبر وقبّة زمزم. ذكر الانفصال عن مكة شرفها الله تعالى وفي الموفى عشرين لذى الحجة «236» خرجت عن مكة صحبة أمير ركب العراق البهلوان «237» محمد الحويح بحاءين مهملين، وهو من أهل الموصل، وكان يلي إمارة الحاج بعد موت الشيخ شهاب الدين قلندر، وكان شهاب الدين سخيا فاضلا عظيم الحرمة عند سلطانه يحلق لحيته وحاجبيه على طريقة القلندرية، ولما خرجت من مكة، شرّفها الله تعالى، في صحبة الأمير البهلوان المذكور اكترى لي شقّة محارة «238» إلى بغداد، ودفع إجارتها من ماله، وأنزلني في جواره. وخرجنا بعد طواف الوداع إلى بطن مرّ في جمع من العراقيين والخراسانيين والفارسيين والأعاجم لا يحصى عديدهم، تموج بهم الأرض موجا ويسيرون سير السحاب المتراكم، فمن خرج عن الركب لحاجة، ولم تكن له علامة يستدل بها على موضعه، ضلّ عنه لكثرة الناس. وفي هذا الركب نواضح كثيرة لأبناء السبيل يستقون منها الماء وجمال لرفع الزاد للصدقة ورفع الأدوية والأشربة والسكر لمن يصيبه المرض، وإذا نزل الركب طبخ الطعام في قدور نحاس عظيمة تسمى الدّسوت، وأطعم منها أبناء السبيل ومن لا زاد معه. وفي الركب جملة من الجمال يحمل عليها من لا قدرة له على المشي، كل ذلك من صدقات السلطان أبي سعيد ومكارمه «239» .

قال ابن جزى: كرّم الله هذه الكنية الشريفة، فما أعجب أمرها في الكرم! وحسبك بمولانا بحر المكارم ورافع رايات الجود الذي هو آية في النداء والفضل أمير المسلمين أبي سعيد ابن مولانا قامع الكفار، والآخذ للإسلام بالثأر، أمير المسلمين أبي يوسف، قدس الله أرواحهم الكريمة، وأبقى الملك في عقبهم الطاهر إلى يوم الدين «240» . رجع، وفي هذا الرّكب الأسواق الحافلة، والمرافق العظيمة، وأنواع الأطعمة والفواكه، وهم يسيرون باللّيل ويوقدون المشاعل أمام القطار والمحارات، فترى الأرض تتلألأ نورا والليل قد عاد نهارا ساطعا، ثم رحلنا من بطن مرّ إلى عسفان، ثم إلى خليص، ثم رحلنا أربع مراحل ونزلنا وادي السمك، ثم رحلنا خمسا ونزلنا في بدر، وهذه المراحل اثنتان في اليوم: إحداهما بعد الصبح والأخرى بالعشى، ثم رحلنا من بدر فنزلنا الصّفراء وأقمنا بها يوما مستريحين، ومنها إلى المدينة الشريفة مسيرة ثلاث، ثم رحلنا فوصلنا إلى طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانية وأقمنا بالمدينة، كرمها الله تعالى، ستة أيام واستصحبنا منها الماء لمسيرة ثلاث، ورحلنا عنها فنزلنا في الثالثة بوادي العروس فتزودنا منه الماء من حسيان يحفرون عليها في الأرض فينبطون ماء عذبا معينا. ثم رحلنا من وادي العروس ودخلنا أرض نجد وهو بسيط من الأرض مدّ البصر فتنسمنا نسيمه الطيب الأرج ونزلنا بعد أربع مراحل على ماء يعرف بالعسيلة «241» . ثم رحلنا عنه ونزلنا ماء يعرف بالنقرة «242» فيه أثار مصانع كالصّهاريج العظيمة، ثم رحلنا إلى ماء يعرف بالقارورة «243» ، وهي مصانع مملوءة بماء المطر مما صنعته زبيدة ابنة جعفر، رحمها الله ونفعها، وهذا الموضع هو وسط أرض نجد، فسيح طيّب النسيم صحيح الهواء نقي التّربة معتدل في كل فصل، ثم رحلنا من القارورة، ونزلنا بالحاجر، وفيه مصانع للماء

وربما جفّت فحفر عن الماء في الجفار «244» . ثم رحلنا ونزلنا سميرة «245» ، وهي أرض غائرة في بسيط فيه شبه حصن مسكون، وماؤها كثير في آبار إلا أنه زعاق ويأتي عرب تلك الارض بالغنم والسمن واللبن فيبيعون ذلك من الحجاج بالثياب الخام، ولا يبيعون بسوى ذلك، ثم رحلنا ونزلنا بالجبل المخروق «246» ، وهو في بيداء من الأرض وفي أعلاه ثقب نافذ تخرقه الرّيح، ثم رحلنا منه إلى وادي الكروش، ولا ماء به، ثم أسرينا ليلا وصبّحنا حصن فيد «247» ، وهو حصن كبير في بسيط من الأرض يدور به سور، وعليه ربض وساكنوه عرب يتعيشون مع الحاجّ في البيع والتجارة، وهنالك يترك الحجّاج بعض أزوادهم حين وصولهم من العراق إلى مكة شرفها الله تعالى، فإذا عادوا وجدوه، وهو نصف الطريق من مكة إلى بغداد، ومنه إلى الكوفة مسيرة اثني عشر يوما في طريق سهل به المياه في المصانع. ومن عادة الركب أن يدخلوا هذا الموضع على تعبئة وأهبة للحرب إرهابا للعرب المجتمعين هنالك وقطعا لأطعامهم عن الركب. وهنالك لقينا أميري العرب وهما فياض وحيار واسمه بكسر الحاء واهمالها وياء آخر الحروف وهما أبناء الأمير مهنّا بن عيسى «248» ومعهما من خيل العرب ورجالهم من لا يحصون كثرة، فظهر منهما المحافظة على الحاج والرّحال والحوطة لهم، وأتى العرب بالجمال والغنم فاشترى منهم الناس ما قدروا عليه.

ثم رحلنا ونزلنا الموضع المعروف بالأجفر «249» ويشتهر باسم العاشقين: جميل وبثينة «250» ، ثم رحلنا ونزلنا بالبيداء ثم أسرينا ونزلنا زرود «251» ، وهي بسيط من الأرض فيه رمال منهالة، وبه دور صغار قد أداروها شبه الحصن، وهنالك آبار ماء ليست بالعذبة، ثم رحلنا ونزلنا الثعلبية «252» ، ولها حصن خرب بازائه مصنع هائل ينزل إليه في درج، وبه من ماء المطر ما يعم الركب، ويجتمع من العرب بهذا الموضع جمع عظيم فيبيعون الجمال والغنم والسمن واللبن، ومن هذا الموضع إلى الكوفة ثلاث مراحل «253» ، ثم رحلنا فنزلنا ببركة المرجوم، وهو مشهد على الطريق عليه كوم عظيم من حجارة وكل من مرّ به رجمه، ويذكر أن هذا المرجوم كان رافضيا فسافر مع الركب يريد الحج فوقعت بينه وبين أهل السّنّة من الأتراك مشاجرة فسب بعض الصحابة فقتلوه بالحجارة، وبهذا الموضع بيوت كثيرة للعرب، ويقصدون الركب بالسمن واللبن وسوى ذلك، وبه مصنع «254» كبير يعم جميع الركب مما بنته زبيدة، رحمة الله عليها، وكل مصنع أو بركة أو بئر بهذه الطريق التي بين مكة وبغداد فهي من كريم آثارها جزاها الله خيرا، ووفّى لها أجرها ... ولولا عنايتها بهذه الطريق ما سلكها أحد.

ثم رحلنا ونزلنا موضعا يعرف بالمشقوق «255» فيه مصنعان بهما الماء العذب الصافي، وأراق الناس ما كان عندهم من الماء وتزوّدوا منهما، ثم رحلنا ونزلنا موضعا يعرف بالتّنانير «256» وفيه مصنع ممتلئ بالماء ثم أسرينا منه واجتزنا ضحوة بزمّالة «257» وهي قرية معمورة بها قصر للعرب ومصنعان للماء وأبار كثيرة، وهي من مناهل هذا الطريق، ثم رحلنا فنزلنا الهيثمين «258» ، وفيه مصنعان للماء ثم رحلنا فنزلنا دون العقبة المعروفة بعقبة الشيطان «259» ، وصعدنا العقبة في اليوم الثاني، وليس بهذا الطريق وعر سواها على أنها ليست بصعبة ولا طائلة، ثم نزلنا موضعا يسمى واقصة «260» فيه قصر كبير ومصانع للماء معمور بالعرب، وهو آخر مناهل هذا الطريق. وليس فيما بعده إلى الكوفة منهل مشهور إلا مشارع ماء الفرات، وبه يتلقّى كثير من أهل الكوفة الحاجّ ويأتون بالدقيق والخبز والتمر والفواكه، ويهنئ الناس بعضهم بعضا بالسلامة، ثم نزلنا موضعا يعرف بلورة «261» ، فيه مصنع كبير للماء، ثم نزلنا موضعا يعرف بالمساجد «262» فيه ثلاث مصانع، ثم نزلنا موضعا يعرف بمنارة القرون «263» ، وهي منارة في بيداء من الأرض بائنة الارتفاع مجللة بقرون الغزلان، ولا عمارة حولها، ثم نزلنا موضعا

يعرف بالعذيب «264» وهو واد مخصب عليه عمارة، وحوله فلاة خصبة فيها مسرح للبصر. ثم نزلنا القادسية «265» حيث كانت الوقعة الشهيرة على الفرس التي أظهر الله فيها دين الإسلام وأذل المجوس عبدة النار، فلم تقم لهم بعدها قائمة، واستأصل الله شأفتهم وكان أمير المسلمين يومئذ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وكانت القادسية مدينة عظيمة افتتحها سعد رضي الله عنه وخربت فلم يبق منها الآن إلا مقدار قرية كبيرة وفيها حدائق النخل، وبها مشارع من ماء الفرات. معركة القادسية كما تصورها أحدهم

الفصل الخامس العراق وفارس

الفصل الخامس العراق وفارس (عراق العرب وعراق العجم) النّجف الأشرف من النّجف إلى البصرة حيث سيبتدىء المجلد الثاني من السفر الأول من البصرة إلى إصفهان مدينة إصفهان والخروج إلى شيراز مدينة شيراز من شيراز إلى بغداد مدينة بغداد رحلة إلى تبريز عاصمة سلطنة عراق العرب والعجم حجّة أخرى ومجاورته ثم حجّه مرة ثالثة.

خريطة العراق وفارس

مدينة النجف

مدينة النّجف ثم رحلنا منها [أي القادسية] فنزلنا مدينة مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه «1» بالنّجف، وهي مدينة حسنة في أرض فسيحة صلبة من أحسن مدن العراق وأكثرها ناسا وأتقنها بناء، ولها أسواق حسنة نظيفة، دخلناها من باب الحضرة فاستقبلنا سوق البقالين والطباخين والخبازين، ثم سوق الفاكهة ثم سوق الخياطين والقيسارية، ثم سوق العطارين ثم باب الحضرة حيث القبر الذي يزعمون «2» أنه قبر عليّ عليه السلام، وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة وحيطانها بالقاشاني «3» ، وهو شبه الزّليج عندنا، لكن لونه أشرق ونقشه أحسن. ذكر الروضة والقبور التي بها ويدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة، ولكل وارد عليها ضيافة ثلاثة أيام من الخبز واللحم والتمر مرتين في اليوم، ومن تلك المدرسة يدخل إلى باب القبة وعلى بابها الحجّاب والنقباء والطواشية «4» ، فعندما يصل الزائر يقوم إليه أحدهم أو جميعهم، وذلك على قدر الزائر فيقفون معه على العتبة ويستأذنون له، ويقولون: عن أمركم يا أمير المؤمنين هذا العبد الضّعيف يستأذن على دخوله للروضة العلية، فإن أذنتم له وإلّا رجع! وان لم يكن أهلا لذلك فأنتم أهل المكارم والسّتر! ثم يأمرونه بتقبيل العتبة، وهي من الفضة وكذلك العضادتان، ثم يدخل القبّة، وهي مفروشة بأنواع البسط من الحرير وسواه وبها قناديل الذهب والفضة، منها الكبار والصغار، وفي وسط القبة مصطبة مربعة مكسوة بالخشب عليه صفاح الذهب المنقوشة المحكمة مسمّرة بمسامير الفضة، قد

النجف الأشرف حيث مشهد الإمام علي مع شكرنا للسفارة العراقية بالرباط

غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منه شيء، وارتفاعها دون القامة وفوقها ثلاثة من القبور، يزعمون أن أحدها قبر آدم عليه الصلاة والسلام، والثاني قبر نوح عليه الصلاة والسلام، والثالث قبر عليّ رضي الله عنه، وبين القبور طسوت ذهب وفضة فيها ماء الورد والمسك وأنواع الطيب يغمس الزائر يده في ذلك، ويدهن به وجهه تبركا. وللقبة باب آخر عتبته أيضا من الفضة وعليه ستور من الحرير الملوّن يفضي إلى مسجد مفروش بالبسط الحسان مستورة حيطانه وسقفه بستور الحرير، وله أربعة أبواب، عتبتها فضة وعليها ستور الحرير، وأهل هذه المدينة كلهم رافضيّة. وهذه الروضة ظهرت لها كرامات ثبت بها عندهم أن بها قبر عليّ رضي الله عنه، فمنها أن في ليلة السابع والعشرين من رجب، وتسمى عندهم ليلة المحيا «5» يؤتى الى تلك الروضة بكل مقعد من العراقين وخرسان وبلاد فارس والروم فيجتمع الثلاثون والأربعون ونحو ذلك، فإذا كان بعد العشاء الآخرة جعلوا فوق الضريح المقدس، والناس ينتظرون قيامهم وهم ما بين مصلّ وذاكر وتال ومشاهد للروضة فإذا مضى من الليل نصفه أو ثلثاه أو نحو ذلك قام الجميع أصحّاء من غير سوء، وهم يقولون: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليّ ولي الله «6» . وهذا أمر مستفيض عندهم سمعته من الثقات ولم أحضر تلك الليلة، لكني رأيت بمدرسة الضياف ثلاثة من الرجال أحدهم من أرض الروم والثاني من إصبهان والثالث من خراسان وهم مقعدون فاستخبرتهم عن شأنهم فأخبروني أنهم لم يدركوا (ليلة المحيا) وأنهم منتظرون أوانها من عام آخر، وهذه الليلة يجتمع لها الناس من البلاد ويقيمون سوقا عظيمة مدة عشرة أيام وليس بهذه المدينة مغرم ولا مكاس ولا وال، وإنما يحكم عليهم نقيب الأشراف، وأهلها تجار، يسافرون في الأقطار، وهم أهل شجاعة وكرم، ولا يضام جارهم، صحبتهم في الأسفار، فحمدت صحبتهم، لكنهم غلوا في علي رضي الله عنه. ومن الناس في بلاد العراق وغيرها من يصيبه المرض فينذر للروضة نذرا إذا برىء ومنهم من يمرض رأسه فيصنع رأسا من ذهب أو فضة وياتي به إلى الروضة فيجعله النقيب في الخزانة، وكذلك اليد والرجل وغيرهما من الأعضاء، وخزانة الروضة عظيمة فيها من الأموال ما لا يضبط لكثرته.

ذكر نقيب الأشراف

ذكر نقيب الأشراف ونقيب الأشراف مقدّم من ملك العراق ومكانه عنده مكين، ومنزلته رفيعة وله ترتيب الأمراء الكبار في سفره، وله الأعلام والأطبال، وتضرب الطّبلخانة عند بابه مساء وصباحا، واليه حكم هذه المدينة ولا والي بها سواه، ولا مغرم فيها للسلطان ولا لغيره. وكان النقيب في عهد دخولي إليها نظام الدين حسين بن تاج الدين الآوي «7» نسبة إلى بلده آوه «8» ، من عراق العجم، أهلها رافضة، وكان قبله جماعة يلي كل واحد منهم بعد صاحبه، منهم جلال الدين بن الفقيه، ومنهم قوام الدين بن طاؤوس، ومنهم ناصر الدين مطهر بن الشريف الصالح شمس الدين محمد الأوهري من عراق العجم، وهو الآن بأرض الهند من ندماء ملكها، ومنهم أبو غرّة بن سالم بن مهنّا بن جمّاز بن شيحة «9» الحسيني المدني. حكاية الشريف أبي غرّة كان الشريف أبو غرة قد غلب عليه في أول أمره العبادة، وتعلم العلم واشتهر بذلك، وكان ساكنا بالمدينة الشريفة كرّمها الله، في جوار ابن عمه منصور بن جمّاز أمير المدينة، ثم أنه خرج عن المدينة واستوطن العراق وسكن منها بالحلة، فمات النقيب قوام الدين بن طاؤوس فاتفق أهل العراق علي تولية أبي غرة نقابة الأشراف، وكتبوا بذلك إلى السلطان أبي سعيد فأمضاه ونفّذ له اليرليغ «10» ، وهو الظهير، بذلك، وبعثت له الخلعة والأعلام والطبول

على عادة النّقباء ببلاد العراق. فغلبت عليه الدنيا وترك العبادة والزهد وتصرف في الأموال تصرفا قبيحا فرفع أمره إلى السلطان، فلما علم بذلك أعمل السفر مظهرا أنه يريد خراسان قاصدا زيارة قبر علي بن موسى الرّضى «11» بطوس، وكان قصده الفرار. فلما زار قبر علي بن موسى قدم هراة وهي آخر بلاد خراسان، وأعلم أصحابه أنه يريد بلاد الهند فرجع أكثرهم عنه وتجاوز هو أرض خرسان إلى السند فلما جاز وادي السند المعروف ببنج آب، ضرب طبوله وأنفاره، فراع ذلك أهل القرى وظنوا أن التتر أتو للإغارة عليهم، وأجفلوا إلى المدينة المسمّاة بأوجا، وأعلموا أميرها بما سمعوه فركب في عساكره واستعدّ للحرب وبعث الطلايع فرأوا نحو عشرة من الفرسان وجماعة من الرجال والتجار ممن صحب الشريف في طريقه، معهم الأطبال والأعلام، فسألوهم عن شأنهم، فأخبروهم أن الشريف نقيب العراق أتى وافدا على ملك الهند فرجع الطلايع إلى الأمير. وأخبروه بكيفية الحال، فاستضعف عقل الشريف لرفعه العلامات وضربه الطبول في غير بلاده! ودخل الشريف مدينة أوجا وأقام بها مدة تضرب الأطبال على باب داره غدوة وعشية، وكان مولعا بذلك. ويذكر أنه كان في أيام نقابته بالعراق تضرب الأطبال على رأسه فإذا أمسك النقار عن الضرب، يقول له: زد نقيرة يا نقار! حتى لقب لذلك. وكتب صاحب مدينة أوجا إلى ملك الهند بخبر الشريف وضربه الأطبال بالطريق وعلى باب داره غدوة وعشيا ورفعه الأعلام، وعادة أهل الهند أن لا يرفع علما ولا يضرب طبلا إلا من أعطاه الملك ذلك، ولا يفعله إلا في السفر وأما في حال الاقامة فلا يضرب الطبل إلا على باب الملك خاصة بخلاف مصر والشام والعراق فإن الطبول تضرب على أبواب الأمراء، فلما بلغ خبره إلى ملك الهند كره فعله وأنكره وفعل في نفسه. ثم خرج الأمير إلى حضرة الملك وكان الأمير كشلوخان، والخان عندهم أعظم الأمراء، وهو الساكن بملتان كرسي بلاد السند، وهو عظيم القدر عند ملك الهند يدعوه بالعمّ لانه كان ممن أعان أباه السلطان غياث الدين تغلق شاه على قتال السلطان ناصر الدين خسروشاه، قد قدم على حضرة ملكة الهند فخرج الملك إلى لقائه، فاتفق أن كان وصول الشريف في

ذلك اليوم وكان الشريف قد سبق الأمير بأميال وهو على حاله من ضرب الأطبال فلم يرعه إلا السلطان في موكبه فتقدم الشريف إلى السلطان فسلم عليه وسأله السلطان عن حاله، وما الذي جاء به، فأخبره ومضى السلطان حتى لقى الأمير كشلو خان، وعاد إلى حضرته ولم يلتفت إلى الشريف ولا أمر له بإنزال ولا غيره. وكان الملك عازما على السّفر إلى مدينة دولة أباد، وتسمى أيضا بالكتكة بفتح الكافين والتاء المعلوة التي بينهما، وتسمى أيضا بالدّويجر «12» وهي على مسيرة أربعين يوما من مدينة دهلى حضرة الملك، فلما شرع في السفر بعث إلى الشريف بخمسمائة دينار دراهم، وصرفها من ذهب المغرب مائة وخمسة وعشرون دينارا، وقال لرسوله اليه، قل له: إن أراد الرجوع إلى بلاده فهذا زاده، وان أراد السفر معنا فهي نفقته بالطريق، وإن أراد الاقامة بالحضرة فهي نفقته حتى نرجع، فاغتمّ الشريف لذلك وكان قصده أن يجزل له العطاء كما هي عادته مع أمثاله، واختار السفر صحبة السلطان وتعلق بالوزير أحمد بن أياس المدعو بخواجه جهان، وبذلك سمّاه الملك وبه يدعوه هو، وبه يدعوه سائر الناس، فإن من عادتهم أنه متى سمى الملك أحدا باسم مضاف إلى الملك من عماد، أو ثقة، أو قطب، أو باسم مضاف إلى الجهان من صدر وغيره، فبذلك يخاطبه الملك وجميع الناس، ومن خاطبه بسوى ذلك لزمته العقوبة، فتأكدت المودة بين الوزير والشريف فأحسن إليه ورفع قدره ولاطف الملك حتى حسن فيه رأيه، وأمر له بقريتين من قرى دولة أباد، وأمره أن تكون إقامته بها. وكان هذا الوزير من أهل الفضل والمروءة ومكارم الأخلاق والمحبة في الغرباء والاحسان إليهم، وفعل الخير وإطعام وعمارة الزوايا، فأقام الشريف يستغلّ القريتين ثمانية أعوام، وحصّل من ذلك مالا عظيما، ثم أراد الخروج فلم يمكنه فإنه من خدم السلطان لا يمكنه الخروج إلا بإذنه، وهو محب في الغرباء فقليلا ما يأذن لاحدهم في السراح فأراد الفرار من طريق الساحل فردّ منه، وقدم الحضرة ورغب من الوزير أن يحاول قضية انصرافه، فتلطف الوزير في ذلك حتى أذن له السلطان في الخروج عن بلاد الهند وأعطاه عشرة آلاف دينار من دراهمهم. وصرفها من ذهب المغرب ألفان وخمسمائة دينار فأتى بها في بدرة فجعلها تحت فراشه، ونام عليها لمحبته في الدنانير وفرحه بها وخوفه أن يتصل لأحد من أصحابه شيء منها فانه كان بخيلا، فأصابه وجع في جنبه بسبب رقاده عليها، ولم يزل يتزايد به وهو آخذ في حركة سفره إلى أن توفى بعد عشرين يوما من وصول البدرة اليه، وأوصى بذلك المال للشريف حسن

الحرّاني «13» ، فتصدق بجملته على جماعة من الشيعة المقيمين بدهلي من أهل الحجاز والعراق. وأهل الهند لا يورّثون بيت المال، ولا يتعرضون لمال الغرباء، ولا يسألون عنه، ولو بلغ ما عسى أن يبلغ، وكذلك السودان لا يتعرضون لمال الأبيض ولا يأخذونه، إنما يكون عند الكبار من أصحابه حتى يأتى مستحقه «14» . وهذا الشريف أبو غرّة «15» ، له أخ اسمه قاسم سكن غرناطة مدة، وبها تزوج بنت الشريف أبي عبد الله بن ابراهيم الشهير بالمكّي، ثم انتقل إلى جبل طارق فسكنه إلى أن استشهد بوادي كرّة «16» من نظر الجزيرة الخضراء، وكان بهمة من البهم لا يصطلى بناره، خرق المعتاد في الشجاعة، وله فيها أخبار شهيرة عند الناس، وترك ولدين هما في كفالة ربيبهما الشريف الفاضل أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم بن نفيس الحسيني الكربلائي الشهير ببلاد المغرب بالعراقي «17» ، وكان تزوج أمهما بعد موت أبيهما فماتت عنده وهو محسن لهما جزاه الله خيرا.

المجلد الثانى

[المجلد الثانى] [تتمة] الفصل الخامس العراق وفارس (عراق العرب وعراق العجم) النّجف الأشرف من النّجف إلى البصرة حيث يبتدئ المجلد الثاني من البصرة إلى إصفهان مدينة إصفهان والخروج إلى شيراز مدينة شيراز من شيراز إلى بغداد مدينة بغداد رحلة إلى تبريز عاصمة سلطنة عراق العرب والعجم حجّة أخرى ومجاورته ثم حجّه مرة ثالثة

خريطة العراق وفارس

نحو مدينة البصرة

نحو مدينة البصرة ولمّا تحصّلت لنا زيارة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، سافر الركب إلى بغداد، وسافرت إلى البصرة صحبة رفقة كبيرة من عرب خفاجة «18» ، وهم أهل تلك البلاد، ولهم شوكة عظيمة وبأس شديد، ولا سبيل للسفر في تلك الأقطار إلّا في صحبتهم، فاكتريت جملا على يد أمير تلك القافلة شامر بن درّاج الخفاجيّ وخرجنا من مشهد عليّ عليه السلام فنزلنا الخورنق موضع سكنى النعمان ابن المنذر «19» وابائه من ملوك بني ماء السماء، وبه عمارة وبقايا قباب ضخمة، في فضاء فسيح على نهر يخرج من الفرات، ثم رحلنا عنه فنزلنا موضعا بقائم «20» الواثق، وبه أثر قرية خربة ومسجد خرب لم يبق منه إلا صومعته، ثم رحلنا عنه اخذين مع جانب الفرات بالموضع المعروف بالعذار، وهو غابة قصب في وسط الماء «21» يسكنها أعراب يعرفون بالمعادي، وهم قطّاع الطريق، رافضيّة المذهب خرجوا على جماعة من الفقراء تأخروا عن رفقتنا فسلبوهم حتّى النّعال والكشاكيل «22» ، وهم يتحصّنون بتلك الغابة ويمتنعون بها ممّن يريدهم، والسباع بها كثيرة، ورحلنا مع هذا العذار ثلاث مراحل ثم وصلنا مدينة واسط. مدينة واسط مدينة واسط وهي حسنة الأقطار، كثيرة البساتين والأشجار، بها أعلام يهدي الخير شاهدهم وتهدى الاعتبار مشاهدهم «23» ، وأهلها من خيار أهل العراق، بل هم خير على

البصرة بين الشناشيل والنخيل

الإطلاق، أكثرهم يحفظون القرآن الكريم ويجيدون تجويده بالقراءة الصحيحة واليهم ياتي أهل بلاد العراق برسم تعلّم ذالك. وكان في القافلة التي وصلنا فيها جماعة من الناس أتوا برسم تجويد القرآن على من بها من الشيوخ، وبها مدرسة عظيمة حافلة فيها نحو ثلاث مائة خلوة ينزلها الغرباء القادمون لتعلّم القرآن، عمّرها الشيخ تقيّ الدين بن عبد المحسن الواسطيّ «24» ، وهو من كبار أهلها وفقهائها ويعطي لكلّ متعلّم بها كسوة في السنة ويجرى له نفقته في كلّ يوم ويقعد هو واخوانه وأصحابه لتعليم القرآن بالمدرسة، وقد لقيته وأضافني وزوّدني تمرا ودراهم، ولمّا نزلنا مدينة واسط أقامت القافلة ثلاثا بخارجها للتجارة فسنح لي زيارة قبر الوليّ أبي العباس أحمد الرفاعيّ «25» ، وهو بقرية تعرف بأم عبيدة «26» على مسيرة يوم من واسط، فطلبت من الشيخ تقي الدين أن يبعث معي من يوصلني إليها فبعث معي ثلاثة من عرب بني أسد «27» ، وهم قطّان تلك الجهة، وأركبني فرسا له وخرجت ظهرا فبتّ تلك الليلة بحوش بني أسد، ووصلنا في ظهر اليوم الثاني إلى الرّواق، وهو رباط عظيم فيه آلاف من الفقراء وصادفنا به قدوم الشيخ أحمد كوجك حفيد «28» وليّ الله أبي العبّاس الرفاعي الذي قصدنا زيارته، وقد قدم من موضع سكناه من بلاد الروم برسم زيارة قبر جدّه واليه انتهت الشياخة بالرّواق، ولمّا انقضت صلاة العصر ضربت الطبول والدفوف وأخذ الفقراء في الرقص ثم صلّوا المغرب وقدّموا السّماط، وهو خبز الأرز والسمك والتمر فأكل النّاس ثم صلّوا العشاء الآخرة وأخذوا في الذكر والشيخ أحمد قاعد على سجّادة جدّه المذكور، ثم أخذوا في السماع وقد أعدّوا احمالا من الحطب فأجّجوها نارا ودخلوا في وسطها يرقصون، ومنهم من يتمرّغ فيها، ومنهم من يأكلها بفمه حتّى أطفأوها جميعا وهذا دأبهم وهذه الطايفة الأحمديّة «29»

حكاية [الرقص في النار]

مخصوصة بهذا، وفيهم من يأخذ الحيّة العظيمة فيعضّ بأسنانه على رأسها حتى يقطعه حكاية [الرقص في النار] كنت مرّة بموضع يقال له أفقانبور «30» من عمالة هزار أمروها وبينها وبين دهلي: حضرة الهند مسيرة خمس، وقد نزلنا بها على نهر يعرف بنهر السّرو «31» ، وذلك في أوان الشّكال «32» ، والشكال: عندهم هو المطر، وينزل في ابّان القيظ، وكان السّيل ينحدر في هذا النهر من جبال قراجيل «33» ، فكلّ من يشرب منه من إنسان أو بهيمة يموت لنزول المطر على الحشائش المسمومة، فأقمنا على النهر أربعة أيام لا يقربه أحد، ووصل إليّ هنالك جماعة من الفقراء في أعناقهم أطواق الحديد وفي أيديهم، وكبيرهم رجل أسود حالك اللون، وهم من الطايفة المعروفة بالحيدريّة «34» ، فباتوا عندنا ليلة وطلب منّي كبيرهم أن اتيه بالحطب ليوقده عند رقصهم، فكلّفت والي تلك الجهة وهو عزيز المعروف بالخمّار، وسياتي ذكره، أن يأتي بالحطب فوجّه منه نحو عشرة أحمال، فأضرموا فيه النار بعد صلاة العشاء الآخرة حتّى صارت جمرا وأخذوا في السماع ثمّ دخلوا في تلك النار فما زالوا يرقصون ويتمرغون فيها، وطلب منّي كبيرهم قميصا فأعطيته قميصا في النهاية من الرقّة فلبسه وجعل يتمرّغ به في النار ويضربها بأكمامه حتّى طفئت تلك النار وخمدت وجاء إليّ بالقميص والنّار لم تؤثر فيه شيئا البتّة، فطال عجبي منه!

مدينة البصرة

ولمّا حصلت لي زيارة الشيخ أبى العباس الرفاعي نفع الله به عدت إلى مدينة واسط فوجدت الرفقة التي كنت فيها قد رحلت فلحقتها في الطريق ونزلنا ماء يعرف بالهضيب، ثم رحلنا ونزلنا بوادي الكراع وليس به ماء ثم رحلنا ونزلنا موضعا يعرف بالمشيرب «35» ، ثم رحلنا منه ونزلنا بالقرب من البصرة ثم رحلنا فدخلنا ضحوة النهار إلى مدينة البصرة «36» . مدينة البصرة فنزلنا بها رباط مالك بن دينار «37» ، وكنت رأيت عند قدومي عليها على نحو ميلين منها بناء عالّما مثل الحصن، فسألت عنه فقيل لي هو مسجد علي بن أبي طالب «38» رضي الله عنه، وكانت البصرة من اتّساع الخطّة، وانفساح الساحة، بحيث كان هذا المسجد في وسطها، وبينه الآن وبينها ميلان، وكذلك بينه وبين السور الأول المحيط بها نحو ذلك فهو متوسّط بينهما. ومدينة البصرة إحدى امّهات العراق، الشهيرة الذكر في الآفاق، الفسيحة الأرجاء، المؤنقة الأفناء، ذات البساتين الكثيرة والفواكه الأثيرة، توفّر قسمها من النضارة والخصب، لما كانت مجمع البحرين: الأجاج والعذب «39» ، وليس في الدنيا أكثر نخلا منها فيباع التمر في

سوقها بحساب أربعة عشر رطلا عراقية بدرهم، ودرهمهم ثلث النقرة، ولقد بعث إليّ قاضيها حجّة الدين بقوصرة تمر يحملها الرجل على تكلّف، فاردت بيعها فبيعت بتسعة دراهم أخذ الحمّال منها ثلثها عن أجرة حملها من المنزل إلى السوق! ويصنع بها من التمر عسل يسمّى السّيلان «40» ، وهو طيّب كانّه الجلاب، والبصرة ثلاث محلّات إحداها: محلّة هذيل، وكبيرها الشيخ الفاضل علاء الدين بن الأثير من الكرماء الفضلاء، أضافني وبعث اليّ بثياب ودراهم، والمحلّة الثانية: محلّة بني حرام كبيرها السيّد الشريف مجد الدين موسى الحسنى ذو مكارم وفواضل أضافني وبعث اليّ التمر والسّيلان والدراهم، والمحلّة الثالثة: محلّة العجم كبيرها جمال الدين بن اللّوكيّ «41» . وأهل البصرة لهم مكارم أخلاق وايناس للغريب وقيام بحقّه فلا يستوحش فيما بينهم غريب، وهم يصلّون الجمعة في مسجد أمير المومنين علي رضي الله عنه الذي ذكرته، ثم يسدّ فلا يأتونه إلا في الجمعة. وهذا المسجد من أحسن المساجد، وصحنه متناهي الانفساح مفروش بالحصباء الحمراء التي يوتي بها من وادي السباع «42» ، وفيه المصحف الكريم الذي كان عثمان رضي الله عنه يقرأ فيه لمّا قتل «43» ، وأثر تغيّر الدم في الورقة التي فيها قوله تعالى فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم «44» .

حكاية اعتبار

حكاية اعتبار شهدت مرة بهذا المسجد صلاة الجمعة فلما قام الخطيب به إلى الخطبة وسردها لحن فيها لحنا كثيرا جليا فعجبت من أمره وذكرت ذلك للقاضي حجّة الدين فقال لي: إن هذا البلد لم يبق به من يعرف شيئا من علم النحو! وهذه عبرة لمن تفكّر فيها، سبحان مغيّر الأشياء ومقلّب الأمور. هذه البصرة التي إلى أهلها انتهت رياسة النحو، وفيها أصله وفرعه، ومن أهلها إمامه «45» الذي لا ينكر سبقه لا يقيم خطيبها خطبة الجمعة على دؤبه عليها. ولهذا المسجد سبع صوامع إحداها الصومعة التي تتحرّك، بزعمهم عند ذكر عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، صعدت إليها من أعلى سطح المسجد ومعي بعض أهل البصرة فوجدت في ركن من أركانها مقبض خشب مسمّرا فيها كأنه مقبض مملّسة البنّاء، فجعل الرجل الذي كان معي يده في ذلك المقبض وقال: بحقّ رأس أمير المومنين عليّ رضي الله عنه، تحرّكي! وهزّ المقبض، فتحركت الصومعة، فجعلت أنا يدي في المقبض وقلت له: وأنا أقول: بحقّ رأس أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحرّكى! وهززت المقبض فتحركت الصومعة «46» ! فعجبوا من ذلك! وأهل البصرة على مذهب السنّة والجماعة، ولا يخاف من يفعل مثل فعلي عندهم، ولو جرى مثل هذا بمشهد عليّ أو مشهد الحسين أو بالحلّة أو بالبحرين أو قم أو قاشان أو ساوة أو آوه أو طوس لهلك فاعله! لأنّهم رافضة غالية. قال ابن جزي: قد عاينت بمدينة برشانة «47» من وادي المنصورة من بلاد الأندلس حاطها الله، صومعة تهتزّ من غير أن يذكر لها أحد من الخلفاء أو سواهم، وهي صومعة المسجد الأعظم بها، وبناؤها ليس بالقديم، وهي كأحسن ما أنت راء من الصوامع، حسن

ذكر المشاهد المباركة بالبصرة

منظر واعتدالا وارتفاعا، لا ميل فيها ولا زيغ صعدت اليها مرّة ومعي جماعة من الناس فأخذ بعض من كان معي بجوانب جامورها وهزّوها فاهتزّت حتّى أشرت اليهم أن يكفوا فكفوا عن هزّها! رجع. ذكر المشاهد المباركة بالبصرة فمنها مشهد طلحة بن عبيد الله أحد العشرة، رضي الله عنهم، وهو بداخل المدينة وعليه قبّة ومسجد وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر وأهل البصرة يعظّمونه تعظيما شديدا وحقّ له، ومنها مشهد الزبير بن العوّام حوارّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وابن عمّته رضي الله عنهما وهو بخارج البصرة ولا قبّة عليه وله مسجد وزاوية فيها الطعام لابناء السبيل. ومنها «48» قبر حليمة السعديّة أمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرّضاعة رضي الله عنها وإلى جانبها قبر ابنها رضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم «49» ، ومنها قبر أبي بكرة «50» صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قبّة. وعلى ستّة أميال منها بقرب وادي السباع قبر آنس ابن مالك «51» خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سبيل لزيارته إلا في جمع كثيف لكثرة السباع وعدم العمران. ومنها قبر الحسن بن أبي الحسن البصريّ سيّد التابعين رضي الله عنه «52» ومنها

قبر محمد بن سيرين «53» ، رضي الله عنه، ومنها قبر محمد بن واسع «54» رضي الله عنه، ومنها قبر عتبة الغلام «55» ، رضي الله عنه، ومنها قبر مالك بن دينار رضي الله عنه «56» ، ومنها قبر حبيب العجميّ «57» ، رضي الله عنه، ومنها قبر سهل بن عبد الله التّستريّ «58» رضي الله عنه. وعلى كل قبر منها قبريّة مكتوب فيها اسم صاحب القبر ووفاته، وذالك كله داخل السور القديم، وهي اليوم بينها وبين البلد نحو ثلاثة أميال، وبها سوى ذلك قبور الجمّ الغفير من الصحابة والتابعين المستشهدين يوم الجمل. وكان أمير البصرة حين ورودي عليها يسمّى بركن الدين العجمي التّوريزيّ «59» أضافني فأحسن إلي. والبصرة على ساحل الفرات والدجلة وبها المدّ والجزر كمثل ما هو بوادي سلا «60» من بلاد المغرب وسواه، والخليج المالح الخارج من بحر فارس «61» على عشرة أميال منها

فإذا كان المدّ غلب الماء المالح على العذب وإذا كان الجزر غلب الماء الحلو على المالح فيستسقى أهل البصرة الماء لدورهم، ولذلك يقال: إن ماءهم زعاق. قال ابن جزي: وبسبب ذلك كان هواء البصرة غير جيّد والوان أهلها مصفرّة كاسفة حتّى ضرب بهم المثل وقال بعض الشعراء وقد أحضرت «62» بين يدي الصاحب أترجّة لله أترجّ غدا بيننا ... معبّرا عن حال دي عبرة كما كسى الله ثياب الضنّا ... أهل الهوى وساكني البصرة!! رجع، ثم ركبت من ساحل البصرة في صنبوق «63» وهو قارب صغير إلى الأبلة «64» ، وبينها وبين البصرة عشرة أميال في بساتين متّصلة، ونخيل مضلّلة، عن اليمين واليسار، والباعة في ظلال الأشجار، يبيعون الخبز والسمك واللبن والفواكه. وفيما بين البصرة والأبلّة متعبّد سهل بن عبد الله التّسترى فإذا حاذاه الناس بالسفن تراهم يشربون الماء ممّا يحاذيه من الوادي ويدعون عند ذلك تبرّكا بهذا الواليّ، رضي الله عنه، والنواتية يجدفون في هذه البلاد وهم قيام:

وكانت الابلّة مدينة عظيمة يقصدها تجار الهند وفارس فخربت وهي الآن قرية بها آثار قصور وغيرها دالّة على عظمها، ثم ركبنا في الخليج من بحر فارس في مركب صغير لرجل من أهل الأبلّة يسمّى بمغامس وذلك فيما بعد المغرب فصبحنا عبّادان «65» ، وهي قرية كبيرة في سبخة لا عمارة بها، وفيها مساجد كثيرة ومتعبّدات ورباطات للصالحين وبينها وبين الساحل ثلاثة أميال. قال ابن جزي: عبّادان كانت بلدا فيما تقدّم وهي مجدبة لا زرع بها وانّما بجلب اليها، والماء أيضا بها قليل وقد قال فيها بعض الشعراء، من مبلغ أندلسا أنّني ... حللت عبّادان أقصى الثّرى أوحش ما أبصرت لا كنّني ... قصدت فيها ذكرها في الوارى الخبز فيها يتهادونه ... وشربة الماء بها تشترى!! رجع، وعلى ساحل البحر منها رابطة تعرف بالنسبة إلى الخضر وإلياس عليهما السلام، وبازايها زاوية يسكنها أربعة من الفقراء بأولادهم يخدمون الرابطة والزاوية، ويتعيّشون من فتوحات الناس وكلّ من يمرّ بهم يتصدّق عليهم، وذكر لي أهل هذه الزاوية أنّ بعبّادان عابدا كبير القدر، ولا أنيس له، ياتي هذا البحر مرّة في الشهر فيصطاد فيه ما يقوته شهرا ثم لا يرى إلا بعد تمام شهر، وهو على ذلك منذ أعوام، فلمّا وصلنا عبّادان لم يكن لي شأن إلا طلبه، فاشتغل من كان معي بالصلاة في المساجد والمتعبّدات، وانطلقت طالبا له فجئت مسجدا خربا فوجدته يصلّي فيه فجلست إلى جانبه، فأوجز في صلاته، ولمّا سلّم أخذ بيدي، وقال لي: بلّغك الله مرادك في الدنيا والآخرة! فقد بلغت بحمد الله مرادي في الدنيا وهو السيّاحة في الأرض وبلغت من ذلك ما لم يبلغه غيري فيما أعلمه، وبقيت الأخرى والرجا قوّى في رحمة الله وتجاوزه وبلوغ المراد من دخول الجنّة. ولمّا أتيت أصحابي أخبرتهم خبر الرجل واعلمتهم بموضعه فذهبوا اليه فلم يجدوه ولا وقعوا له على خبر فعجبوا من شأنه! وعدنا بالعشى إلى الزاوية فبتنا بها ودخل علينا أحد الفقراء الأربعة بعد صلاة العشاء الآخرة، ومن عادة ذلك الفقير أن يأتي عبّادان كلّ ليلة فيسرج السرج بمساجدها ثم يعود إلى زاويته، فلما وصل إلى عبّادان وجد الرجل العابد فأعطاه سمكة طريّة، وقال له أوصل هاذه إلى الضيف الذي قدم اليوم، فقال لنا الفقير عند

دخوله علينا: من رأى منكم الشيخ اليوم؟ فقلت له: أنا رأيته! فقال: يقول لك هذه ضيافتك، فشكرت الله على ذلك، وطبخ لنا الفقير تلك السمكة فاكلنا منها أجمعون، وما أكلت قطّ سمكّا أطيب منها، وهجس في خاطري الإقامة بقيّة العمر في خدمة ذلك الشيخ، ثمّ صرفتني النّفس اللجوج عن ذلك. ثم ركبنا البحر عند الصبح بقصد بلدة ماجول «66» ، ومن عادتي في سفري أن لا أعود على طريق سلكتها ما أمكنني ذلك، وكنت أحبّ قصد بغداد العراق فأشار عليّ بعض أهل البصرة بالسفر إلى أرض اللّور ثم إلى عراق العجم، ثم إلى عراق العرب، فعملت بمقتضى إشارته، ووصلنا بعد أربعة أيام إلى بلدة (ماجول) على وزن فاعول، وجيمها معقودة، وهي صغيرة على ساحل هذا الخليج الذي ذكرنا أنه يخرج من بحر فارس وأرضها سبخة لا شجر فيها ولا نبات ولها سوق عظيمة من أكبر الأسواق وأقمت بها يوما واحدا، ثم اكتريت دابّة لركوبي من الذين يجلبون الحبوب من (رامز) إلى (ماجول) ، وسرنا ثلاثا في صحراء يسكنها الأكراد في بيوت الشعر، ويقال إن أصلهم من العرب «67» ، ثم وصلنا إلى مدينة رامز «68» وأول حروفها راء وآخرها زاي وميمها مكسورة، وهي مدينة حسنة ذات فواكه وأنهار ونزلنا بها عند القاضي حسام الدين محمود، ولقيت عنده رجلا من أهل العلم والدين والورع هنديّ الأصل، يدعى بهاء الدين، ويسمى إسماعيل، وهو من أولاد الشيخ بهاء الدين أبي زكرياء الملتاني «69» وقرأ على مشايخ توريز وغيرها. وأقمت بمدينة رامز ليلة واحدة، ثم رحلنا منها ثلاثا في بسيط فيه قرى يسكنها الأكراد، وفي كل مرحلة منها زاوية فيها للوراد الخبز واللحم والحلواء، وحلواءهم من ربّ

الدّهو: مركب شراعي مألوف في شواطئ الجزيرة العربية والخليج، وشرقي افريقيا

العنب، مخلوطا بالدقيق والسمن، وفي كل زاوية الشيخ والامام والمؤذن والخادم للفقراء، والعبيد والخدم يطبخون الطعام. ثم وصلت إلى مدينة تستر «70» وهي آخر البسيط من بلاد أتابك «71» وأول الجبال، مدينة كبيرة، رايقة نضيرة، وبها البساتين الشريفة، والرياض المنيفة، ولها المحاسن البارعة، والأسواق الجامعة، وهي قديمة البناء افتتحها خالد بن الوليد، ووليّ هذه المدينة ينسب إلى سهل بن عبد الله ويحيط بها النهر المعروف بالأزرق «72» وهو عجيب في نهاية من الصفاء شديد البرودة في أيام الحرّ، ولم أر كزرقته إلا نهر بلخشان «73» ، ولها باب واحد للمسافرين يسمّى دروازة دسبول «74» ، والدّروازة عندهم الباب، ولها أبواب غيره شارعة إلى النهر وعلى جانبي النّهر البساتين والدّواليب «75» ، والنهر عميق، وعلى باب المسافرين منه جسر على القوارب «76» كجسر بغداد والحلة. قال ابن جزي: وفي النهر يقول بعضهم انظر لشاذروان تستر واعتجب ... من جمعه ماء لريّ بلاده كمليك قوم جمّعت أمواله ... فغدا يفرّقها على أجناده

جامع تستر

والفواكه بتستر كثيرة، والخيرات متيسّرة غزيرة، ولا مثل لأسواقها في الحسن، وبخارجها تربة معظّمة يقصدها أهل تلك الأقطار للزيارة وينذرون لها النذور، ولها زاوية بها جماعة من الفقراء، وهم يزعمون أنها تربة زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب «77» . وكان نزولي من مدينة تستر في مدرسة الشيخ الامام الصالح المتفنّن شرف الدين موسى بن الشيخ الصالح الامام العالم صدر الدّين سليمان، وهو من ذريّة سهل ابن عبد الله، وهذا الشيخ ذو مكارم وفضائل، جامع بين العلم والدين والصلاح والايثار، وله مدرسة وزاوية، وخدّامها فتيان له أربعة: سنبل وكافور، وجوهر وسرور، أحدهم موكّل بأوقاف الزاوية، والثاني متصرّف فيما يحتاج إليه من النفقات في كل يوم والثالث خديم السّماط بين أيدي الواردين ومرتّب الطعام لهم، والرابع موكل بالطبّاخين والسقّائين والفرّاشين، فاقمت عنده ستّة عشر يوما فلم أر أعجب من ترتيبه، ولا أرغد من طعامه يقدّم بين يدي الرجل ما يكفي الأربعة من طعام الأرز المفلفل المطبوخ في السّمن والدجاج المقليّ والخبز واللحم والحلواء. وهذا الشيخ من أحسن الناس صورة، وأقومهم سيرة، وهو يعظ الناس بعد صلاة الجمعة بالمسجد الجامع ولمّا شاهدت مجالسه في الوعظ صغر لدى كلّ واعظ رأيته قبله بالحجاز والشام ومصر، ولم ألق فيمن لقيتهم مثله، حضرت يوما عنده ببستان له على شاطئ النهر وقد اجتمع فقهاء المدينة وكبراؤها وأتى الفقراء من كل ناحية، فأطعم الجميع ثم صلّى بهم صلاة الظهر، وقام خطيبا وواعظا بعد أن قرأ القرّاء أمامه بالتلاحين المبكّية، والنغمات المحرّكة المهيجة، وخطب خطبة بسكون ووقار، وتصرّف في فنون العلم من تفسير كتاب الله وايراد حديث رسول الله والتكلم على معانيه، ثم ترامت عليه الرّقاع من كل ناحية. ومن عادة الأعاجم أن يكتبوا المسائل في رقاع ويرمونها إلى الواعظ فيجيب عنها «78» فلمّا رمي إليه بتلك الرقاع جمعها في يده وأخذ يجيب عنها واحدة بعد واحدة بأبدع جواب وأحسنه وحان

حكاية [الشيخ السخي]

وقت صلاة العصر فصلّى بالقوم وانصرفوا وكان مجلسه مجلس علم ووعظ وبركة، وتبادر التائبون فأخذ عليهم العهد وجزّ نواصيهم «79» وكانوا خمسة عشر رجلا من الطلبة قدّموا من البصرة برسم ذلك وعشر رجال من عوّام تستر. حكاية [الشيخ السّخي] لمّا دخلت هذه المدينة أصابني مرض الحمّى، وهذه البلاد يحمّ داخلها في زمان الحرّ كما يعرض في دمشق وسواها من البلاد الكثيرة المياه والفواكه، وأصابت الحمّى أصحابي أيضا فمات منهم شيخ اسمه يحيى الخرساني، وقام الشيخ بتجهيزه من كل ما يحتاج إليه الميّت وصلى عليه، وتركت بها صاحبا لي يدعى بهاء الدين الختني فمات بعد سفري. وكنت حين مرضى لا أشتهي الأطعمة التي تصنع لي بمدرسته، فذكر لي الفقيه شمس الدين السندي من طلبتها طعاما فاشتهيته ودفعت له دراهم، وطبّخ لي ذلك الطعام بالسوق وأتى به إليّ فأكلت منه، وبلغ ذلك الشيخ فشقّ عليه وأتى إليّ وقال لي: كيف تفعل هذا وتطبخ الطعام في السوق؟ وهلّا أمرت الخدّام أن يصنعوا لك ما اشتهيته، ثم أحضر جميعهم وقال لهم: جميع ما يطلبه منكم من أنواع الطعام والسكر وغير ذلك فأتوا إليه به وأطبخوا له ما يشاءه واكّد عليهم في ذلك أشدّ التاكيد، جزاه الله خيرا. ثم سافرنا من مدينة تستر ثلاثا في جبال شامخة وبكل منزل زاوية كما تقدم ذكر ذلك، ووصلنا إلى مدينة إيذج، وضبط اسمها بكسر الهمزة وياء مدّ وذال معجم مفتوح وجيم، وتسمى أيضا مال الأمير «80» ، وهي حضرة السلطان أتابك، وعند وصولي إليها اجتمعت بشيخ شيوخها العالم الوارع نور الدين الكرماني وله النظر في جميع الزوايا، وهم يسمّونها المدرسة، والسلطان يعظّمه ويقصد زيارته، وكذلك أرباب الدولة وكبراء الحضرة يزورونه غدوا

ذكر ملك إيذج وتستر

وعشيّا، فأكرمني وأضافني وأنزلني بزاوية تعرف باسم الدّينوري. وأقمت بها أياما وكان وصولي في أيام القيظ «81» ، وكنّا نصلّى صلوات الليل ثم ننام بأعلى سطحها، ثم ننزل إلى الزاوية ضحوة وكان في صحبتي أتنا عشر فقيرا منهم إمام وقارئان مجيدان وخادم، ونحن على احسن ترتيب. ذكر ملك إيذج وتستّر وملك إيذج في عهد دخولي إليها السلطان أتابك أفراسياب ابن السلطان أتابك «82» أحمد، وأتابك عندهم سمة لكل من يلي هذه البلاد من ملك، وتسمى هذه البلاد بلاد اللّور «83» ، وولى هذا السلطان بعد أخيه أتابك يوسف، وولى يوسف بعد أبيه أتابك أحمد، وكان أحمد المذكور ملكا صالحا سمعت من الثقات ببلاده أنه عمّر أربعمائة وستين زاوية ببلاده، منها بحضرة إيذج أربع وأربعون، وقسم خراج بلاده أثلاثا فالثلث منه لنفقة الزوايا والمدارس، والثلث منه لمرتّب العساكر، والثلث لنفقته ونفقة عياله وعبيده وخدّامه، ويبعث منه هديّة لملك العراق في كلّ سنة، وربّما وفد عليه بنفسه. وشاهدت من آثاره الصالحة ببلاده أن أكثرها في جبال شامخة، وقد نحتت الطرق في الصخور والحجارة وسوّيت ووسعت بحيث تصعدها الدواب بأحمالها، وطول هذه الجبال

حكاية [عادة أهل ايذج في مأتم أمرائهم]

مسيرة سبعة عشر في عرض عشرة، وهي شاهقة متّصل بعضها ببعض تشقّها الانهار، وشجرها البلّوط، وهم يصنعون من دقيقه الخبز وفي كلّ منزل من منازلها زاوية يسمونها المدرسة، فإذا وصل المسافر إلى مدرسة منها أوتى بما يكفيه من الطعام والعلف لدابّته سواء طلب ذلك أو لم يطلبه، فإن عادتهم أن يأتي خادم المدرسة فيعدّ من نزل بها من الناس ويعطي كلّ واحد منهم قرصين من الخبز ولحما وحلواء، وكل ذلك من اوقاف السلطان عليها، وكان السلطان أتابك أحمد زاهدا صالحا كما ذكرناه، يلبس تحت ثيابه ممّا يلي جسده ثوب شعر. حكاية [عادة أهل ايذج في مأتم أمرائهم] قدم السلطان اتابك أحمد مرّة على ملك العراق أبي سعيد، فقال له بعض خواصّه إن أتابك يدخل عليك وعليه الدّرع، وظنّ ثوب الشّعر الذي تحت ثيابه درعا، فأمرهم باختبار ذلك على جهة من الانبساط ليعرف حقيقته، فدخل عليه يوما فقام إليه الأمير الجوبان «84» عظيم امراء العراق، والأمير سويته «85» أمير ديار بكر، والشيخ حسن الذي هو الآن سلطان العراق «86» وأمسكوا بثيابه كأنهم يمازحونه ويضاحكونه، فوجدوا تحت ثيابه ثوب الشعر، وراءه السلطان أبو سعيد، وقام إليه وعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال له: سن اطا، ومعناه بالتركية: أنت أبي، وعوّضه عن هديّته بأضعافها وكتب له اليرليغ، وهو الظّهير ألّا يطالبه بهديّة بعدها هو ولا أولاده.

وفي تلك السنة توفيّ، وولى ابنه أتابك يوسف، عشرة أعوام «87» ، ثم ولى أخوه أفراسياب، ولما دخلت مدينة إيذج أردت رؤية السلطان أفراسياب المذكور فلم يتأت لي ذلك بسبب أنه لا يخرج إلّا يوم الجمعة لإدمانه على الخمر، وكان له ابن هو وليّ عهده وليس له سواه فمرض في تلك الأيام، ولمّا كان في إحدى الليالي أتاني أحد خدّامه وسألني عن حالي فعرّفته وذهب عنّي، ثم جاء بعد صلاة المغرب ومعه طيفوران كبيران، أحدهما بالطعام والآخر بالفاكهة، وخريطة فيها دراهم ومعه أهل السماع بآلاتهم، فقال: اعملوا السماع حتى يرهج الفقراء ويدعون لابن السلطان، فقلت له: إن أصحابي لا يدرون بالسماع ولا بالرقص «88» ، ودعونا للسلطان ولولده، وقسمت الدراهم على الفقراء، ولما كان نصف الليل سمعنا الصراخ والنواح، وقد مات المريض المذكور «89» ، ولما كان الغد دخل عليّ شيخ الزاوية وأهل البلد، وقالوا: إن كبراء المدينة من القضاة والفقهاء والأشراف والأمراء قد ذهبوا إلى دار السلطان للعزاء فينبغي لك أن تذهب في جملتهم فأبيت عن ذلك، فعزموا عليّ، فلم يكن لي بدّ من المسير، فسرت معهم فوجدت مشور «90» دار السلطان ممتلئا رجالا وصبيانا من المماليك وابناء الملوك والوزراء والأجناد وقد لبسوا التّلاليس وجلال الدوابّ، وجعلوا فوق رؤسهم التراب والتبن، وبعضهم قد جزّ ناصيته، وانقسموا فرقتين: فرقة باعلى المشور وفرقة بأسفله، وتزحف كلّ فرقة إلى جهة الأخرى وهم ضاربون بأيديهم على صدورهم «91» قائلون: خوند كارما، ومعناه مولاي أنا فرأيت من ذلك امرا هائلا ومنظرا فضيحا لم أعهد مثله.

حكاية [ماتم ابن السلطان]

حكاية [ماتم ابن السلطان] ومن غريب ما اتّفق لي يومئذ أنّي دخلت فرأيت القضاة والخطباء والشرفاء قد استندوا إلى حيطان المشور وهو غاصّ بهم من جميع جهاته وهم بين باك ومتباك ومطرق، وقد لبسوا فوق ثيابهم ثيابا خامة من غليظ القطن غير محكمة الخياطة، بطاينها إلى أعلى ووجوهها ممّا يلي أجسادهم، وعلى رأس واحد منهم قطعة خرقة أو ميزر أسود، وهكذا يكون فعلهم إلى تمام أربعين يوما، وهي نهاية الحزن عندهم، وبعدها يبعث السلطان لكل من فعل ذلك كسوة كاملة فلمّا رأيت جهات المشور غاصّة بالناس نظرت يمينا وشمالا أرتاد موضعا لجلوسي فرأيت هنالك سقيفة مرتفعة عن الأرض بمقدار شبر وفي إحدى زواياها رجل منفرد عن الناس قاعد، عليه ثوب صوف شبه اللّبد يلبسه بتلك البلاد ضعفاء الناس أيام المطر والثلج، وفي لأسفار، فتقدمت إلى حيث الرجل، وانقطع عنّي أصحابي لمّا رأوا إقدامي نحوه، وعجبوا مني وأنا لا علم عندي بشيء من حاله، فصعدت السقيفة وسلّمت على الرجل فردّ عليّ السلام وارتفع عن الارض كأنّه يريد القيام، وهم يسمّون ذلك نصف القيام وقعدت في الركن المقابل له ثم نظرت إلى الناس، وقد رموني بأبصارهم جميعا فعجبت منهم ورأيت الفقهاء والمشايخ والأشراف مستندين إلى الحايط تحت السقيفة، وأشار إليّ أحد القضاة أن أنحطّ إلى جانبه، فلم أفعل، وحينئذ استشعرت أنه السلطان! فلما كان بعد ساعة أتى شيخ المشايخ نور الدين الكرماني الذي ذكرناه قبل، فصعد إلى السقيفة وسلّم على الرجل، فقام إليه وجلس فيما بيني وبينه، فحينئذ علمت أن الرجل هو السلطان، ثم جيء بالجنازة وهي بين أشجار الأترج والليمون والنارنج، وقد ملئوا أغصانها بثمارها والأشجار بأيدي الرجال، فكأنّ الجنازة تمشي في بستان والمشاعل في رماح طوال بين يديها، والشمع كذلك فصلّى عليها، وذهب الناس معها إلى مدفن الملوك وهو بموضع يقال له (هلافيحان) «92» على أربعة أميال من المدينة، وهنالك مدرسة عظيمة، يشقّها النهر، وبداخلها مسجد تقام فيه الجمعة وبخارجها حمّام ويحفّ بها بستان عظيم وبها الطعام للوارد وللصادر، ولم أستطع أن أذهب معهم إلى مدفن الجنازة لبعد الموضع فعدت إلى المدرسة، فلما كان بعد أيام بعث إليّ السلطان رسوله الذي أتاني بالضيافة أولا يدعوني إليه فذهبت معه إلى باب يعرف بباب السّرو، وصعدنا في درج كثيرة إلى أن انتهينا إلى موضع لا فرش به لأجل ما هم فيه من الحزن، والسلطان جالس فوق مخدّة، وبين يديه انيتان قد غطيتا، إحداهما من الذهب والأخرى من الفضّة، وكانت بالمجلس سجّادة خضراء ففرشت

لي بالقرب منه وقعدت عليها، وليس بالمجلس إلا حاجبه الفقيه محمود، ونديم له لا أعرف اسمه، فسألني عن حالي وبلادي وسألني عن الملك الناصر وبلاد الحجاز، فأجبته عن ذلك، ثم جاء فقيه كبير هو رئيس فقهاء تلك البلاد، فقال لي السلطان: هذا مولانا فضيل، والفقيه ببلاد الأعاجم كلّها إنما يخاطب بمولانا «93» ، وبذلك يدعوه السلطان وسواه، ثم أخذ في الثناء على الفقيه المذكور وظهر لي أن السّكر غالب عليه! وكنت قد عرفت إدمانه على الخمر، ثم قال لي: باللسان العربي، وكان يحسنه: تكلّم! فقلت له: إن كنت تسمع منّي أقول لك، أنت من أولاد السلطان أتابك أحمد المشهور بالصلاح والزهد، وليس فيك ما يقدح في سلطنتك غير هذا! وأشرت إلى الآنيتين، فخجل من كلامي، وسكت وأردت الانصراف فأمرني بالجلوس وقال لي: الاجتماع مع أمثالك رحمة، ثم رأيته يتمايل ويريد النوم، فانصرفت وكنت تركت نعلي بالباب فلم أجده، فنزل الفقيه محمود في طلبه، وصعد الفقيه فضيل يطلبه في داخل المجلس، فوجده في طاق هنالك، فأتى إليّ به فأخجلني برّه، واعتذرت إليه، فقبّل نعلي حينئذ، ووضعه على رأسه، وقال لي: بارك الله فيك هذا الذي قلته لسلطاننا لا يقدر أحد أن يقوله له، غيرك، والله إني لأرجو أن يؤثر ذلك فيه. ثم كان رحيلي من حضرة إيذج بعد أيام فنزلت بمدرسة السلاطين التي بها قبورهم، وأقمت بها أياما، وبعث إليّ السلطان بجملة دنانير، وبعث بمثلها لأصحابي، وسافرنا في بلاد هذا السلطان عشرة أيام في جبال شامخة «94» ، وفي كل ليلة ننزل بمدرسة فيها الطعام، فمنها ما هو في العمارة، ومنها ما لا عمارة حوله، ولكن يجلب إليها جميع ما تحتاج اليه. وفي اليوم العاشر نزلنا بمدرسة تعرف بمدرسة كريو الرّخ «95» ، وهي آخر بلاد هذا الملك، وسافرنا منها في بسيط من الأرض كثير المياه من عمالة مدينة إصفهان، ثم وصلنا إلى

بلدة أشتركان «96» ، ويضبط اسمها بضم الهمزة واسكان الشين المعجم وضم التاء المعلوة واسكان الراء وآخره نون، وهي بلدة حسنة كثيرة المياه والبساتين، ولها مسجد بديع يشقّه النهر، ثم رحلنا منها إلى مدينة فيروزان «97» ، واسمها كانّه تثنيّة فيروز، وهي مدينة صغيرة ذات أنهار وأشجار وبساتين، وصلناها بعد صلاة العصر فرأينا أهلها قد خرجوا لتشييع جنازة وقد أوقدوا خلفها وأمامها المشاعل، واتبعوها بالمزامير والمغنّيين بانواع الأغاني المطربة فعجبنا من شأنهم، وبتنا بها ليلة. ومررنا بالغد بقرية يقال لها نبلان «98» وهي كبيرة على نهر عظيم وإلى جانبه مسجد في النهاية من الحسن يصعد إليه في درج وتحفّه البساتين، وسرنا يومنا فيما بين البساتين والمياه والقرى الحسان، الكثيرة أبراج الحمام، ووصلنا بعد العصر إلى مدينة إصفهان «99» من عراق العجم، واسمها يقال بالفاء الخالصة ويقال بالفاء المعقودة المفخّمة، ومدينة إصفهان من كبار المدن وحسانها إلّا أنها الآن قد خرب أكثرها بسبب الفتنة التي بها بين أهل السنّة والروافض «100» ، وهي متّصلة بينهم حتى الآن، فلا يزالون في قتال، وبها الفواكه الكثيرة، ومنها المشمش الذي لا نظير له، يسمّونه بقمر الدّين وهم ييبّسونه ويدّخرونه، ونواه ينكسر عن لوز حلو، ومنها السفرجل الذي لا مثل له في طيب المطعم وعظم الجرم والأعناب الطيبة

جامع الإمام علي باصفهان

والبطيخ العجيب الشأن الذي ليس في الدنيا مثله إلّا ما كان من بطيخ بخاري وخوارزم وقشره أخضر وداخله أحمر، ويدخر كما تدخر الشريحة بالمغرب وله حلاوة شديدة «101» ، ومن لم يكن ألف أكله فإنه في أول أمره يسهله، وكذلك اتّفق لي لمّا أكلته بأصفهان. وأهل إصفهان حسان الصور وألوانهم بيض زاهرة مشوبة بالحمرة، والغالب عليهم الشجاعة والنجدة وفيهم كرم وتنافس عظيم فيما بينهم في الأطعمة تؤثر عنهم فيه أخبار غريبة، وربما دعا أحدهم صاحبه فيقول له: اذهب معي لتأكل نان وماس، والنان بلسانهم الخبز، والماس اللبن «102» ، فإذا ذهب معه أطعمه أنواع الطعام العجيب مباهيا له بذلك، وأهل كل صناعة يقدّمون على أنفسهم كبيرا منهم يسمونه الكلو «103» ، وكذلك كبار المدينة من غير أهل الصناعات وتكون الجماعة من الشبّان الأعزاب، وتتفاخر تلك الجماعات ويضيف بعضهم بعضا مظهرين لما قدروا عليه من الإمكان مختلفين في الأطعمة وسواها الاحتفال العظيم. ولقد ذكر لي أن طائفة منهم أضافت طائفة أخرى فطبخوا طعامهم بنار الشمع ثم اضافتها الأخرى فطبخوا طعامهم بالحرير! وكان نزولي بأصفهان في زاوية تنسب للشيخ على ابن سهل «104» تلميذ الجنيد «105» وهي معظمة يقصدها أهل تلك الآفاق ويتبركون بزيارتها وفيها الطعام للوارد والصادر، وبها حمّام عجيب مفروش بالرخام وحيطانه بالقاشاني وهو موقوف في السبيل لا يلزم أحدا في دخوله شيء، وشيخ هذه الزاوية الصالح العابد الورع قطب الدين حسين بن الشيخ الصالح ولى الله شمس الدين محمد بن محمود بن

كرامة لهذا الشيخ

علي المعروف بالرّجاء وأخوه العالم المفتى شهاب الدّين أحمد، أقمت عند الشيخ قطب الدين بهذه الزاوية أربعة عشر يوما فرأيت من اجتهاده في العبادة وحبّه في الفقراء والمساكين وتواضعه لهم ما قضيت منه العجب، وبالغ في اكرامي وأحسن ضيافتي وكساني كسوة حسنة وساعة وصولي الزاوية بعث اليّ بالطعام وبثلاث بطيخات من البطيخ الذي وصفناه أنفا ولم أكن رأيته قبل ولا أكلته. كرامة لهذا الشيخ دخل عليّ يوما بموضع نزولي من الزاوية وكان ذلك الموضع يشرف على بستان للشيخ، وكانت ثيابه قد غسلت في ذلك اليوم ونشرت في البستان، ورأيت في جملتها جبّة بيضاء مبطنة تدعى عندهم هزرميخي «106» ، فأعجبتني، وقلت في نفسي: مثل هذه كنت أريد، فلما دخل عليّ الشيخ نظر في ناحية البستان، وقال لبعض خدّامه ايئتني بذلك الثوب الهزرميخي فأتوا به، فكساني إياه فأهويت إلى قدميه أقبّلهما وطلبت منه أن يلبسني طاقية من رأسه، ويجيزني في ذلك بما أجازه والده عن شيوخه، فألبسني إياها في الرابع عشر لجمادى الأخيرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة «107» بزاويته المذكورة كما لبس من والده شمس الدين ولبس والده من أبيه تاج الدّين محمود من أبيه شهاب الدّين على الرجاء، ولبس علي من الإمام شهاب الدين أبي حفص عمر بن محمد بن عبد الله السهرودي «108» ولبس عمر من الشيخ الكبير ضياء الدين أبي النجيب السّهروردي، ولبس أبو النجيب من عمّه الامام وحيد الدين عمر ولبس عمر من والده محمد بن عبد الله المعروف بعمويه، ولبس محمد من الشيخ أخي فرج الزنجاني ولبس أخو فرج من الشيخ أحمد الدينوري، ولبس أحمد من الإمام ممشاد الدينوري، ولبس ممشاد من الشيخ المحقّق علي ابن سهل الصوفي ولبس علي من أبي القاسم الجنيد ولبس الجنيد من سريّ السقطي ولبس سريّ السقطيّ من داوود الطائي،

ولبس داوود من الحسن بن أبي الحسن البصري ولبس الحسن بن أبي الحسن البصري من أمير المومنين علي بن أبي طالب. قال ابن جزي: هكذا أورد الشيخ أبو عبد الله هذا السند، والمعروف فيه أنّ سريّا السقطي صحب معروفا الكرخى «109» وصحب معروف داوود الطائي، وكذلك داوود الطائي بينه وبين الحسن حبيب العجمي، وأخو فرج الزنجاني إنما المعروف أنه صحب أبا العباس النّهاوندى، وصحب النّهاوندى أبا عبد الله بن خفيف، وصحب ابن خفيف أبا محمد رويما. وصحب رويم أبا القاسم الجنيد، وأما محمد بن عبد الله عمويه فهو الذي صحب الشيخ أحمد الدينورى الأسود وليس بينهما أحد والله أعلم، والذي صحب أخا فرج الزنجاني هو عبد الله بن محمد بن عبد الله والد أبي النّجيب. رجع، ثم سافرنا من إصفهان «110» بقصد زيارة الشيخ مجد الدين بشيراز «111» وبينهما مسيرة عشرة أيام فوصلنا إلى بلدة كليل، وضبطها بفتح الكاف وكسر اللام وياء مدّ، وبينها وبين إصفهان مسيرة ثلاث وهي بلدة صغيرة ذات أنهار وبساتين وفواكه، ورأيت التّفاح يباع في سوقها خمسة عشر رطلا عراقية بدرهم، ودرهمهم ثلث النقرة، ونزلنا منها بزاوية عمرها كبير هذه البلدة المعروف بخواجه كافي، وله مال عريض قد أعانه الله على إنفاقه في سبيل الخيرات من الصدقة وعمارة الزوايا واطعام الطعام لابناء السبيل، ثم سرنا من كليل

يومئد «112» ووصلنا إلى قرية كبيرة تعرف «113» بصرماء وبها زاوية فيها الطعام للوارد والصادر عمرها خواجه كافي المذكور ثم سرنا منها إلى يزد خاص «114» ، وضبط اسمها بفتح الياء آخر الحروف واسكان الزاي وضم الدال المهمل وخاء معجم والف وصاد مهمل، بلدة صغيرة متقنة العمارة حسنة السوق، والمسجد الجامع بها عجيب مبني بالحجارة مسقّف بها، والبلدة على ضفّة خندق، فيه بساتينها ومياهها وبخارجها رباط ينزل به المسافرون عليه باب حديد وهو في النهاية من الحصانة والمنعة، وبداخله حوانيت يباع فيها كلّ ما يحتاجه المسافرون. وهذا الرباط عمّره الأمير محمد شاه ينجو والد السلطان أبي إسحاق ملك شيراز، وفي يزد خاص يصنع الجبن اليزد خاصي ولا نظير له في طيبه ووزن الجبنة منه من أوقيتين إلى أربع. تم سرنا «115» منها على طريق دشت الروم «116» ، وهي صحراء يسكنها الأتراك، ثم سافرنا إلى مايين «117» واسمها بيائين مسفولتين أولاهما مكسورة، وهي بلدة صغيرة كثيرة الأنهار والبساتين حسنة الأسواق، وأكثر أشجارها الجوز. ثم سافرنا منها إلى مدينة شيراز وهي مدينة أصليّة البناء، فسيحة الأرجاء، شهيرة الذكر، منيفة القدر، لها البساتين المونقة، والأنهار المتدفقة، والأسواق البديعة، والشوارع الرفيعة، وهي كثيرة العمارة متقنة المباني، عجيبة الترتيب، وأهل كل صناعة في سوقها لا يخالطهم غيرهم، وأهلها حسان الصور نظاف الملابس، وليس في المشرق بلدة تداني مدينة دمشق في حسن أسواقها وبساتينها وأنهارها وحسن صور ساكنيها إلّا شيراز، وهي في بسيط من الأرض تحفّ بها البساتين من جميع الجهات وتشقّها خمسة أنهار: أحدها النهر المعروف بركن آباد «118» وهو عذب الماء شديد البرودة في الصيف سخن في الشتاء فينبعث من عين في سفح جبل هنالك يسمى القليعة «119» ، ومسجدها الأعظم يسمى بالمسجد.

شيراز

العتيق «120» وهو من أكبر المساجد ساحة وأحسنها بناء، وصحنه متّسع مفروش بالمرمر، ويغسل في أوان الحرّ كل ليلة ويجتمع فيه كبار أهل المدينة كلّ عشية ويصلّون به المغرب والعشاء وبشماله باب يعرف بباب حسن «121» يفضي إلى سوق الفاكهة، وهي من أبدع الأسواق، وأنا أقول بتفضيلها على سوق باب البريد من دمشق وأهل شيراز أهل صلاح ودين وعفاف وخصوصا نساءها، وهنّ يلبسن الخفاف ويخرجن متلحّفات متبرقعات، فلا يظهر منهن شيء ولهن الصّدقات والإيثار، ومن غريب حالهن أنهن يجتمعن لسماع الواعظ في كلّ يوم اثنين وخميس وجمعة بالجامع الأعظم، فربّما اجتمع منهن الألف والألفان بايديهن المراوح يروّحن بها على أنفسهنّ من شدّة الحرّ، ولم أر اجتماع النساء في مثل عددهنّ في بلدة من البلاد! وعند «122» دخولي إلى مدينة شيراز لم يكن لي همّ الا قصد الشيخ القاضي الامام قطب الأولياء فريد الدهر ذي الكرمات الظاهرة مجد الدين إسماعيل بن محمد بن خذاداد «123» ، ومعنى خذاداد: عطيّة الله فوصلت إلى مدرسته المجديّة المنسوبة اليه، وبها سكناه وهي من عمارته فدخلت إليه رابع أربعة من أصحابي، ووجدت الفقهاء وكبار أهل المدينة في انتظاره فخرج إلى صلاة العصر ومعه محبّ الدين وعلاء الدين ابنا أخيه: شقيقه روح الدين 12» أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وهما نائباه في القضاء لضعف بصره وكبر سنّه فسلمت عليه، وعانقني وأخذ بيدي إلى أن وصل إلى مصلّاه فأرسل يدي، وأوما إليّ أن أصلّي

حكاية هي السبب في تعظيم هذا الشيخ وهي من الكرامات الباهرة

إلى جانبه، ففعلت وصلّى صلاة العصر، ثم قرىء بين يديه من كتاب المصابيح «125» ، وشوارق الأنوار للصاغاني «126» ، وطالعاه نائباه بما جرى لديهما من القضايا، وتقدّم كبار المدينة للسلام عليه، وكذلك عادتهم معه صباحا ومساء ثم سألني عن حالي وكيفية قدومي وسألني عن المغرب ومصر والشام والحجاز فأخبرته بذلك، وأمر خدّامه فأنزلوني بدويرة صغيرة بالمدرسة «127» . وفي غد ذلك اليوم وصل إليه رسول ملك العراق السلطان أبي سعيد وهو ناصر الدين الدّرقندي «128» من كبار الأمراء خراساني الأصل فعند وصوله اليه نزع شاشيته عن رأسه وهم يسمّونها الكلا، وقبّل رجل القاضي وقعد بين يديه ممسّكا أذن نفسه بيده، وهكذا فعل أمراء التتر عند ملوكهم، وكان هذا الأمير قد قدم في نحو خمسمائة فارس من مماليكه وخدامه وأصحابه، ونزل خارج المدينة ودخل إلى القاضي في خمسة نفر ودخل مجلسه وحده منفردا تأدبا. حكاية هي السبب في تعظيم هذا الشيخ وهي من الكرامات الباهرة «129» كان ملك العراق السلطان محمد خذا بنده قد صحبه في حال كفره فقيه من الرّوافض الإمامية يسمى جمال الدين بن مطهر «130» ، فلما أسلم السلطان المذكور وأسلمت باسلامه

التتر زاد في تعظيم هذا الفقيه فزيّن له مذهب الروافض «131» وفضله على غيره، وشرح له حال الصحابة والخلافة، وقرر لديه أنّ أبا بكر وعمر كانا وزيرين لرسول الله وان عليّا ابن عمه وصهره فهو وارث الخلافة ومثّل له ذلك بما هو مألوف عنده من أن الملك الذي بيده إنما هو إرث عن أجداده وأقاربه مع حدثان عهد السلطان بالكفر، وعدم معرفته بقواعد الدّين، فأمر السلطان بحمل الناس على الرفض وكتب بذلك إلى العراقين وفارس وأذربيجان وإصفهان وكرمان وخراسان، وبعث الرسل إلى البلاد، فكان أول بلاد وصل إليها ذلك بغداد وشيراز وإصفهان، فأما أهل بغداد فامتنع أهل باب الأزج «132» منهم وهم أهل السنّة واكثرهم على مذهب الامام أحمد بن حنبل وقالوا: لا سمع ولا طاعة! وأتو المسجد الجامع يوم الجمعة في السلاح وبه رسول السلطان فلما صعد الخطيب المنبر قاموا إليه، وهم نحو اثني عشر ألفا في سلاحهم وهم حماة بغداد والمشار اليهم فيها، فحلفوا له: إنه إن غيّر الخطبة المعتادة أو زاد فيها أو نقص منها فانهم قاتلوه وقاتلوا رسول الملك ومستسلمون بعد ذلك لما شاءه الله! وكان السلطان أمر بأن تسقط أسماء الخلفاء وساير الصحابة من الخطبة ولا يذكر إلا اسم علي ومن تبعه كعمّار رضي الله عنهم فخاف الخطيب من القتل، وخطب الخطبة المعتادة، وفعل أهل شيراز وإصفهان كفعل أهل بغداد، فرجعت الرسل إلى الملك فاخبروه بما جرى في ذلك، فأمر أن يوتي بقضاة المدن الثلاث فكان أول من أوتى به منهم القاضي مجد الدين قاضي شيراز والسلطان إذ ذاك في موضع يعرف بقراباغ «133» ، وهو موضع مصيفه، فلمّا وصل القاضي أمران يرمى به إلى الكلاب التي عنده وهي كلاب ضخام في اعناقها السلاسل معدّة لأكل بني آدم، فإذا أوتي بمن يسلّط عليه الكلاب جعل في رحبة كبيرة مطلقا غير مقيّد ثم بعثت تلك الكلاب عليه فيفرّ أمامها ولا مفرّ له فتدركه فتمزّقه وتأكل لحمه! فلما أرسلت

الكلاب على قاضي مجد الدين ووصلت اليه بصبصت إليه وحركت أذنابها بين يديه ولم تهجم عليه بشيء فبلغ ذلك السلطان، فخرج من داره حافي القدمين، فأكبّ على رجلي القاضي يقبّلهما، وأخذ بيده وخلع عليه جميع ما كان عليه من الثياب، وهي أعظم كرامات السلطان عندهم. وإذا خلع ثيابه كذلك على أحد كانت شرفا له ولبنيه وأعقابه يتوارثونه ما دامت تلك الثياب أو شيء منها وأعظمها في ذلك السراويل «134» ، ولما خلع السلطان ثيابه على القاضي مجد الدين أخذ بيده وأدخله إلى داره وأمر نساءه بتعظيمه والتبرك به ورجع السلطان عن مذهب الرفض، وكتب إلى بلاده أن يقرّ الناس على مذهب أهل السنة والجماعة «135» واجزل العطاء للقاضي وصرفه إلى بلاده مكرما معظما، وأعطاه في جملة عطاياه مائة قرية من قرى جمكان «136» ، وهو خندق بين جبلين طوله أربعة وعشرون فرسخا يشقّه نهر عظيم والقرى منتظمة بجانبيه، وهو احسن موضع بشيراز، ومن قراه العظيمة التي تضاهي المدن قرية ميمن وهي للقاضي المذكور. ومن عجائب هذا الموضع المعروف بجمكان أن نصفه ممّا يلي شيراز، وذلك مسافة اثنى عشر فرسخا شديد البرد وينزل فيه الثلج واكثر شجره الجوز، والنصف الآخر ممّا يلي بلاد هنج وبال وبلاد اللّار في طريق هرمز، شديد الحرّ وفيه شجر النخيل.

ضريح السّلطان محمد خذابنده عن مجلة الموسم 1993

ذكر سلطان شيراز

وقد تكرّر لي لقاء القاضي مجد الدين ثانية حين خروجي من الهند، قصدته من هرمز متبركا بلقائه، وذلك سنة ثمان وأربعين، وبين «137» هرمز وشيراز مسيرة خمسة وثلاثين يوما، فدخلت عليه وهو قد ضعف عن الحركة فسلّمت عليه فعرفني، وقام إليّ فعانقني ووقعت يدي على مرفقه، وجلده لاصق بالعظم لا لحم بينهما، وأنزلني بالمدرسة حيث أنزلني أول مرة وزرته يوما فوجدت ملك شيراز السلطان أبا اسحاق، وسيقع ذكره، قاعدا بين يديه ممسكا بأذن نفسه، وذلك هو غاية الادب عندهم، ويفعله الناس إذا قعدوا بين يدي الملك، وأتيته مرة أخرى إلى المدرسة فوجدت بابها مسدودا، فسألت عن سبب ذلك فأخبرت أن أمّ السلطان واخته نشأت بينهما خصومة في ميراث فصرفهما إلى القاضي مجد الدين فوصلتا اليه إلى المدرسة وتحاكمتا عنده، وفصل بينهما بواجب الشرع. وأهل شيراز لايدعونه بالقاضي، وانما يقولون له مولانا أعظم وكذلك يكتبون في التسجيلات والعقود التي تفتقر إلى ذكر اسمه فيها، وكان آخر عهدي به في شهر ربيع الثاني من عام ثمانية وأربعين ولا حت عليّ أنواره وظهرت لي بركاته نفع الله به وبامثاله. ذكر سلطان شيراز وسلطان شيراز في عهد قدومي عليها الملك الفاضل أبو اسحاق بن محمد شاه ينجو «138» سمّاه أبوه باسم الشيخ أبي اسحاق الكازروني «139» ، نفع الله به، وهو من خيار السلاطين، حسن الصورة والسيرة والهيئة، كريم النفس، جميل الأخلاق ومتواضع، صاحب قوّة، وملك كبير، وعسكره ينيف على خمسين ألفا من الترك والأعاجم وبطانته الأدنون إليه أهل إصفهان، وهو لايأتمن أهل شيراز على نفسه ولا يستخدمهم ولا يقرّبهم ولا يبيح لأحد منهم حمل السلاح لأنهم أهل نجدة وبأس شديد وجرءة على الملوك ومن وجد بيده السلاح منهم عوقب.

ولقد شاهدت مرّة رجلا تجرّه الجنادرة وهم الشّرط إلى الحاكم وقد ربطوه في عنقه، فسألت عن شأنه فأخبرت أنه وجدت في يده قوس بالليل فذهب السلطان المذكور إلى قهر أهل شيراز وتفضيل الأصفهانيّين عليهم لأنه يخافهم على نفسه وكان أبوه محمد شاه ينجوا واليا على شيراز من قبل ملك العراق، وكان حسن السيرة محبّبا إلى أهلها فلما توفّى ولّى السلطان أبو سعيد مكانه الشيخ حسينا، وهو ابن الجوبان أمير الأمراء، وسياتي ذكره، وبعث معه العساكر الكثيرة فوصل إلى شيراز وملكها وضبط مجابيها، وهي من أعظم بلاد الله مجبى. ذكر لي الحاج قوام الدين الطّمغجي «140» ، وهو والي المجبى بها، أنه ضمنها بعشرة آلاف دينار دراهم في كلّ يوم، وصرفها من ذهب المغرب الفا وخمسمائة دينار ذهبا، واقام بها الأمير حسين مدّة، ثم أراد القدوم على ملك العراق فقبض على أبي اسحاق بن محمد شاه ينجوا وعلى أخويه ركن الدين ومسعود بك وعلى والدته طاش خاتون «141» ، وأراد حملهم إلى العراق ليطلبوا بأموال أبيهم، فلما توسّطوا السوق بشيراز كشفت طاش خاتون وجهها وكانت متبرقعة حياء أن ترى في تلك الحال فإنّ عادة نساء الأتراك ألّا يغطين وجوههن، واستغاثت باهل شيراز وقالت: أهكذا يا أهل شيراز أخرج من بينكم وأنا فلانة زوجة فلان؟ فقام رجل من النّجارين يسمى بهلوان محمود قد رأيته بالسوق حين قدومي على شيراز فقال: لا نتركها تخرج من بلدنا ولا نرضى بذلك فتابعه الناس على قوله وثارت عامّتهم ودخلوا في السلاح، وقتلوا كثيرا من العسكر وأخذوا الأموال وخلّصوا المرأة وأولادها، وفرّ الأمير حسين ومن معه وقدم على السلطان أبي سعيد مهزوما فأعطاه العساكر الكثيفة وأمره بالعود إلى شيراز والتحكّم في أهلها بما شاء. فلما بلغ أهلها ذلك علموا أنهم لا طاقة لهم به فقصدوا القاضي مجد الدين، وطلبوا منه أن يحقن دماء الفريقين، ويقع الصلح، فخرج إلى الأمير حسين فترجّل له الامير عن فرسه وسلم عليه ووقع الصلح ونزل الامير حسين ذلك اليوم خارج المدينة.

فلما كان من الغد برز أهلها للقائه في أجمل ترتيب وزيّنوا البلد، وأوقدوا الشمع الكثير ودخل الأمير حسين في أبّهة وحفل عظيم، وسار فيهم بأحسن سيرة، فلما مات السلطان أبو سعيد وانقرض عقبه وتغلّب كل أمير على ما بيده خافهم الامير حسين على نفسه وخرج عنهم، وتغلّب السلطان أبو اسحاق عليها، وعلى إصفهان وبلاد فارس وذلك مسيرة شهر ونصف شهر، واشتدّت شوكته وطمحت همّته إلى تملك ما يليه من البلاد فبدأ بالأقرب منها وهي مدينة يزد، مدينة حسنة نظيفة عجيبة الأسواق ذات أنهار مطّردة وأشجار نضيرة، وأهلها تجار شافعيّة المذهب فحاصرها وتغلب عليها وتحصن الأمير مظفّر شاه ابن الامير محمد شاه بن مظفر بقلعة على ستة أميال منها منيعة تحدق بها الرمال فحاصره بها. فظهر «142» من الأمير مظفّر من الشجاعة ما خرق المعتاد ولم يسمع بمثله فكان يضرب على عسكر السلطان أبي إسحاق ليلا ويقتل ما شاء ويخرق المضارب والفساطيط ويعود إلى قلعته فلا يقدر على النيل منه، وضرب ليلة على دوّار السلطان، وقتل هنالك جماعة، وأخذ من عتاق خيله عشرة وعاد إلى قلعته، فأمر السلطان أن تركب في كل ليلة خمسة آلاف فارس ويصنعون له الكمائين، ففعلوا ذلك وخرج على عادته في مائة من أصحابه فضرب على العسكر واحاطت به الكمائن وتلاحقت العساكر فقاتلهم وخلص إلى قلعته ولم يصب من أصحابه إلا واحد أوتى به إلى السلطان أبي إسحاق فخلع عليه وأطلقه وبعث معه امانا لمظفر لينزل اليه فأبى ذلك. ثم وقعت بينهما المراسلة ووقعت له محبّة في قلب السلطان أبي إسحاق لما رأى من شجا عنه، فقال أريد أن أراه فإذا رأيته انصرفت عنه فوقف السلطان في خارج القلعة ووقف هو ببابها وسلّم عليه، فقال له السلطان انزل على الأمان، فقال له مظفر: إني عاهدت الله ألا أنزل إليك حتى تدخل انت قلعتي، وحينئذ أنزل اليك فقال له: أفعل ذلك، فدخل اليه السلطان في عشرة من أصحابه الخوّاص، فلما وصل باب القلعة ترجّل مظفر وقبّل ركابه، ومشى بين يديه مترجّلا، فأدخله داره وأكل من طعامه ونزل معه إلى المحلّة راكبا فاجلسه السلطان إلى جانبه وخلع عليه ثيابه وأعطاه مالا عظيما ووقع الاتّفاق بينهما أن تكون الخطبة باسم السلطان أبي إسحاق «143» ، وتكون البلاد لمظفر وأبيه وعاد السلطان إلى بلاده

جامع مدينة يزد

حكاية [ملك الهند وكرمه]

وكان السلطان أبو إسحاق طمح ذات مرّة إلى بناء ايوان كإيوان كسرى «144» ، وأمر اهل شيراز أن يتولّوا حفر أساسه فأخذوا في ذلك وكان أهل كلّ صناعة يباهون كلّ من عداهم فانتهوا في المباهاة إلى أن صنعوا القفاف لنقل التراب من الجلد، وكسوها ثياب الحرير المزركش وفعلوا نحو ذلك في برادع الدوّاب وأخراجها وصنع بعضهم الفؤوس من الفضّة، وأوقدوا الشمع الكثير وكانوا حين الحفر يلبسون أجمل ثيابهم ويربطون فوط الحرير على أوساطهم، والسلطان يشاهد أفعالهم في منظرة له، وقد شاهدت هذا المبنى وقد ارتفع عن الأرض نحو ثلاثة أذرع، ولمّا بني أساسه رفع عن أهل المدينة التخديم فيه وصارت الفعلة تخدم فيه بالأجرة، ويحشر لذلك آلاف منهم وسمعت والي المدينة يقول: إن معظم مجباها ينفق في ذلك البناء، وقد كان الموكّل به الأمير جلال الدين بن الفلكي التّوريزي، وهو من الكبار، كان أبوه نائبا عن وزير السلطان أبي سعيد المسمّى علي شاه جيلان «145» ، ولهذا الأمير جلال الدين الفلكي أخ فاضل اسمه هبة الله ويلقّب بهاء الملك، وفد على ملك الهند حين وفودي عليه، ووفد معنا شرف الملك أمير بخت فخلع ملك الهند علينا جميعا، وقدّم كل واحد في شغل يليق به، وعيّن لنا المرتّب والاحسان، وسندكر ذلك، وهذا السلطان أبو اسحاق يريد التشبّه بملك الهند المذكور في الإيثار واجزال العطايا، ولكن اين الثريّا من الثرى! واعظم ما تعرّفناه من عطيّات أبي اسحاق أنه اعطى الشيخ زادة الخراساني الذي أتاه رسولا عن ملك هرات سبعين الف دينار وأمّا ملك الهند فلم يزل يعطي أضعاف ذلك لمن لا يحصى كثرة من أهل خراسان وغيرهم. حكاية [ملك الهند وكرمه] ومن عجيب فعل ملك الهند مع الخراسانيّين أنّه قدم عليه رجل من فقهاء خراسان هروى الدار من سكّان خوارزم يسمّى بالأمير عبد الله بعثته الخاتون ترابك زوج الامير قطلو دمور صاحب خوارزم بهدية إلى ملك الهند «146» المذكور فقبلها وكافى عنها بأضعافها وبعث

حكاية تناسبها

ذلك إليها واختار رسولها المذكور الإقامة عنده فصيّره في ندمائه، فلما كان ذات يوم قال له ادخل إلى الخزانة فارفع منها قدر ما تستطيع أن تحمله من الذهب فذهب إلى داره فأتى بثلاث عشرة خريطة، وجعل في كل خريطة قدر ما وسعته وربط كل خريطة بعضو من اعضائه، وكان صاحب قوة وقام بها فلما خرج عن الخزانة وقع ولم يستطع النهوض! فأمر السلطان بوزن ما خرج به فكان جملته ثلاثة عشر منّا بمنّ دهلى «147» والمنّ الواحد منها خمسة وعشرون رطلا مصرية، فأمره أن ياخذ جميع ذلك فأخذه وذهب به!!. حكاية تناسبها اشتكى مرة أمير بخت الملقّب بشرف الملك الخراساني وهو الذي تقدم ذكره آنفا بحضرة ملك الهند فأتاه الملك عائدا ولما دخل عليه أراد القيام فحلف له الملك أن لا ينزل عن كتّه والكتّ هو السرير، ووضع للسلطان متّكّأة يسمّونها المورة فقعد عليها ثم عاد بالذهب والميزان فجيئ بذلك وأمر المريض أن يقعد في احدى كفّتي الميزان فقال يا خوند عالم، لو علمت أنّك تفعل هذا للبست عليّ ثيابا كثيرة، فقال له البس الآن جميع ما عندك من الثياب، فلبس ثيابه المعدّة للبرد المحشوّة بالقطن، وقعد في كفّة الميزان ووضع الذهب في الكفّة الاخرى حتى رجحه الذهب، وقال له خذ هذا فتصدّق به عن رأسك، وخرج عنه! حكاية تناسبهما وفد عليه الفقيه عبد العزيز الأردويلي، وكان قد قرأ علم الحديث بدمشق وتفقّه فيه فجعل مرتّبه مائة دينار دراهم في اليوم، وصرف ذلك خمسة وعشرون دينار ذهبا، وحضر مجلسه يوما فسأله السلطان عن حديث فسرد له أحاديث كثيرة في ذلك المعنى فأعجبه حفظه وحلف له براسه إنه لا يزول من مجلسه حتّى يفعل معه ما يراه، ثم نزل الملك عن مجلسه فقبّل قدميه وأمر باحضار صينيّة ذهب وهي مثل الطيفور الصغير وأمر أن يلقى فيها الف دينار من الذهب واخذها السلطان بيده فصبّها عليه وقال هي لك مع الصينيّة. ووفد عليه مرة رجل خراساني يعرف بابن الشيخ عبد الرحمن الاسفراينى «148» وكان

ذكر بعض المشاهد بشيراز

أبوه نزل بغداد فاعطاه خمسين الف دينار دراهم وخيلا وعبيدا وخلعا. وسنذكر كثيرا من أخبار هذا الملك عند ذكر بلاد الهند، وانما ذكرنا هذا لما قدّمناه من أن السلطان أبا اسحاق يريد التشبّه به في العطايا، وهو وان كان كريما فاضلا فلا يلحق بطبقة ملك الهند في الكرم والسخاء. ذكر بعض المشاهد بشيراز فمنها مشهد أحمد بن موسى أخي الرضا على بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب رضي الله «149» عنهم، وهو مشهد معظم عند أهل شيراز يتبركون به ويتوسلون إلى الله بفضله. وبنت عليه طاش خاتون أم السلطان أبى اسحاق مدرسة كبيرة وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر والقراء يقرءون القرآن على التربة دائما. ومن عادة الخاتون أنها تاتي إلى هذا المشهد في كل ليلة اثنين ويجتمع في تلك الليلة القضاة والفقهاء والشرفاء وشيراز من أكثر بلاد الله شرفاء سمعت من الثقات أن الذين لهم بها المرتّبات من الشرفاء ألف واربعمائة ونيف بين صغير وكبير، ونقيبهم عضد الدين الحسيني فإذا حضر القوم بالمشهد المبارك المذكور ختموا القرآن قراءة في المصاحف، وقرأ القراء بالأصوات الحسنة وأوتى بالطعام والفواكه والحلواء فإذا أكل القوم وعظ الواعظ ويكون ذلك كلّه من بعد صلاة الظهر إلى العشى، والخاتون في غرفة مطلّة على المسجد لها شباك، ثم تضرب الطبول والأنفار والبوقات على باب التربة كما يفعل عند أبواب الملوك. ومن المشاهد بها مشهد الامام القطب الولي أبي عبد الله ابن خفيف المعروف عندهم بالشيخ «150» وهو قدوة بلاد فارس كلها ومشهده معظم عندهم ياتون اليه بكرة وعشيا فيتمسّحون به، وقد رأيت القاضي مجد الدين أتاه زائرا واستلمه، وتأتى الخاتون إلى هذا المسجد في كل ليلة جمعة، وعليه زاوية ومدرسة ويجتمع به القضاة والفقهاء ويفعلون به

كرامة لهذا الشيخ

كفعلهم في مشهد أحمد بن موسى، وقد حضرت الموضعين جميعا، وتربة الامير محمد شاه ينجوا والد السلطان أبي اسحاق متّصلة بهذه التربة والشيخ أبو عبد الله بن خفيف كبير القدر في الأولياء شهير الذكر، وهو الذي أظهر طريق جبل سرنديب بجزيرة سيلان من أرض الهند «151» . كرامة لهذا الشيخ يحكى أنه قصد مرة جبل سرنديب ومعه نحو ثلاثين من الفقراء فأصابتهم مجاعة في طريق الجبل حيث لا عمارة وتاهوا عن الطريق وطلبوا من الشيخ أن ياذن لهم في القبض على بعض الفيلة الصغار، وهي في ذلك المحلّ كثيرة جدّا، ومنه تحمل إلى حضرة ملك الهند فنهاهم الشيخ عن ذلك فغلب عليهم الجوع فتعدّوا قول الشيخ وقبضوا على فيل صغير منها وذكّوه وأكلوا لحمه (152) ، وامتنع الشيخ من أكله فلما ناموا تلك الليلة اجتمعت الفيلة من كل ناحية وأتت اليهم فكانت تشمّ الرجل منهم وتقتله حتى أتت على جميعهم وشمّت الشيخ ولم تتعرّض له، وأخذه فيل منها ولفّ عليه خرطومه ورمى به على ظهره وأتى به الموضع الذي فيه العمارة فلما رءاه اهل تلك الناحية عجبوا منه واستقبلوه ليتعرّفوا أمره، فلما قرب منهم أمسكه الفيل بخرطومه ووضعه عن ظهره إلى الأرض بحيث يرونه فجاءوا اليه وتمسّحوا به وذهبوا به إلى ملكهم فعرّفوه خبره وهم كفّار، وأقام عندهم أيّاما. وذلك الموضع على خوريسمّى خور الخيزران «153» ، والخور هو النّهر، وبذلك الموضع مغاص الجوهر، ويذكر أن الشيخ غاص في بعض تلك الأيام بمحضر ملكهم وخرج وقد ضمّ يديه معا، وقال للملك: اختر ما في احداهما فاختار ما في اليمنى فرمى إليه بما فيها، وكانت ثلاثة أحجار من الياقوت لا مثل لها وهي عند ملوكهم في التاج يتوارثونها. وقد دخلت جزيرة سيلان هذه، وهم مقيمون على الكفر إلا أنّهم يعظمون فقراء المسلمين ويؤوونهم إلى دورهم ويطعمونهم الطعام ويكونون في بيوتهم بين أهليهم واولادهم خلافا لساير كفار الهند فانهم لا يقربون المسلمين ولا يطعمونهم في آنيتهم ولا يسقونهم فيها، مع أنهم لا يؤذونهم ولا يهجونهم، ولقد كنّا نضطرّ إلى أن يطبخ لنا بعضهم اللحم فياتون به

في قدورهم ويقعدون على بعد منّا ويأتون باوراق الموز فيجعلون عليها الارز وهو طعامهم ويصبّون عليه الكوشان «154» وهو الإدام ويذهبون فنأكل منه وما فضل علينا تاكله الكلاب والطير، وان اكل منه الولد الصغير الذي لا يعقل ضربوه واطعموه روث البقر، وهو الذي يطهّر ذلك في زعمهم! ومن المشاهد بها مشهد الشيخ الصالح القطب روزجهان البقلى «155» من كبار الأولياء، وقبره في مسجد جامع يخطب فيه، وبذلك المسجد يصلّي القاضي مجد الدين الذي تقدم ذكره، رضي الله عنه، وبهذا المسجد سمعت عليه كتاب مسند الإمام أبي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي، قال: أخبرتنا به وزيرة بنت عمر بن المنجا، قالت اخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أبى بكر بن المبارك الزبيدى، قال: اخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدّسى، قال أخبرنا أبو الحسن المكّي بن محمد بن منصور بن علال العرضي، قال: أخبرنا القاضي أبو بكر احمد بن الحسن الحرشي، عن ابى العباس ابن يعقوب الأصم عن الربيع بن سليمان المرادي عن الامام ابى بعد الله الشافعي، وسمعت أيضا عن القاضي مجد الدين بهذا المسجد المذكور كتاب (مشارق الأنوار) للإمام رضي الدين أبى الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن الصغانى بحقّ سماعه له من الشيخ جلال الدين أبى هاشم محمد بن محمد بن أحمد الهاشمي الكوفى بروايته عن الامام نظام الدين محمود بن محمد بن عمر الهروي عن المصنّف. ومن المشاهد بها مشهد الشيخ الصالح زركوب «156» وعليه زاوية لإطعام الطعام، وهاذه المشاهد كلها بداخل المدينة وكذلك معظم قبور أهلها فإن الرجل منهم يموت ولده أو زوجته فيتّخذ له تربة من بعض بيوت داره ويدفنه هناك ويفرش البيت بالحصر والبسط ويجعل الشمع الكثير عند رأس الميت ورجليه ويصنع للبيت بابا إلى ناحية الزقاق وشباك حديد

حكاية [الفقيه الجواد]

فيدخل منه القرّاء يقرءون بالأصوات الحسان وليس في معمور الارض أحسن أصواتا بالقرآن من أهل شيراز ويقوم أهل الدار بالتّربة ويفرشونها ويوقدون السّرج بها فكأنّ الميت لم يبرح، وذكر لي أنهم يطبخون في كلّ يوم نصيب الميت من الطعام ويتصدّقون به عنه. حكاية [الفقيه الجواد] مررت يوما ببعض أسواق مدينة شيراز، فرأيت بها مسجدا متقن البناء جميل الفرش، وفيه مصاحف موضوعة في خرايط حرير موضوعة فوق كرسي، وفي الجهة الشمالية من المسجد زاوية فيها شباك مفتّح إلى جهة السوق، وهنالك شيخ جميل الهيئة واللّباس، وبين يديه مصحف يقرأ فيه، فسلمت عليه وجلست إليه فسألني عن مقدمي، فاخبرته، وسألته عن شأن هذا المسجد، فأخبرني أنه هو الذي عمّره ووقف عليه أوقافا كثيرة للقرّاء وسواهم وان تلك الزاوية التي جلست إليه فيها هي موضع قبره إن قضى الله موته بتلك المدينة، ثم رفع بساطا كان تحته والقبر مغطّى عليه الواح خشب، وأراني صندوقا كان بازائه، فقال: في هذا الصندوق كفني وحنوطي ودراهم كنت استاجرت بها نفسي في حفر بئر لرجل صالح فدفع لي هذه الدراهم فتركتها لتكون نفقة مواراتي، وما فضل منها يتصدّق بها، فعجبت من شانه وأردت الانصراف فحلف عليّ وأضافني بذلك الموضع. ومن المشاهد بخارج شيراز قبر الشيخ الصالح المعروف بالسعدي «157» وكان أشعر أهل زمانه باللسان الفارسي، وربّما ألمع في كلامه بالعربي، وله زاوية كان قد عمرها بذلك الموضع حسنة، بداخلها بستان مليح، وهي بقرب رأس النهر الكبير المعروف بركن آباد، وقد صنع الشيخ هنالك أحواضا صغارا من المرمر لغسل الثياب، فيخرج الناس من المدينة لزيارته ويأكلون من سماطه ويغسلون ثيابهم بذلك النهر وينصرفون، وكذلك فعلت عنده رحمه الله، وبمقربة من هذه الزاوية زاوية أخرى تتّصل بها مدرسة مبنيتان على قبر شمس الدين السّمناني «158» وكان من الامراء الفقهاء، ودفن هنالك بوصيّة منه بذلك.

ضريح الشيخ سعدي بشيراز

كرامة لبعضهم.

وبمدينة شيراز من كبار الفقهاء الشريف مجيد الدين وأمره في الكرم عجيب، وربّما جاد بكلّ ما عنده وبالثياب التي كانت عليه ويلبس مرقّعة له، فيدخل عليه كبراء المدينة فيجدونه على تلك الحال فيكسونه، مرتّبه في كل يوم من السلطان خمسون دينارا دراهم. ثم كان خروجي من شيراز برسم زيارة قبر الشيخ الصالح أبي اسحاق الكازروني بكازرون وهي على مسيرة يومين من شيراز «159» ، فنزلنا أول يوم ببلاد الشّول، وهم طائفة من الاعاجم يسكنون البريّة وفيهم الصالحون. كرامة لبعضهم. كنت يوما ببعض المساجد بشيراز وقد قعدت أتلو كتاب الله عز وجل إثر صلاة الظهر فخطر بخاطري أنه لو كان لي مصحف كريم لتلوت فيه، فدخل عليّ في أثناء ذلك شابّ وقال لي بكلام قوّي: خذ! فرفعت رأسي إليه فألقى في حجري مصحفا كريما، وذهب عنّي فختمته ذلك اليوم قراءة، وانتظرته لا ردّه له فلم يعد إليّ، فسألت عنه، فقيل لي: ذلك بهلول الشّولى ولم أره بعد. ووصلنا في عشىّ اليوم الثاني إلى كازرون فقصدنا زاوية الشيخ أبي اسحاق، «160» نفع الله به، وبتنا بها تلك الليلة، ومن عادتهم أن يطعموا الوارد كائنا من كان الهريسة «161» المصنوعة من اللحم والقمح والسمن وتؤكل بالرقاق ولا يتركون الوارد عليهم للسّفر حتى يقيم في الضيافة ثلاثة أيام، ويعرض على الشيخ الذي بالزاوية حوائجه ويذكرها الشيخ للفقراء الملازمين للزاوية، وهم يزيدون على مائة منهم المتزوّجون، ومنهم الأعزب المتجرّدون، فيختمون القرآن ويذكرون الذكر، ويدعون له عند ضريح الشيخ أبي إسحاق فتقضى حاجته بإذن الله.

وهذا الشيخ أبو اسحاق معظم عند أهل الهند والصين، ومن عادة ركّاب بحر الصين أنهم إذا تغيّر عليهم الهواء وخافوا اللّصوص نذروا لأبي اسحاق نذورا وكتب كل منهم على نفسه ما نذره فإذا وصلوا برّ السلامة صعد خدّام الزاوية إلى المركب واخذوا الزمام وقبضوا من كل ناذر نذره، وما من مركب ياتي من الصين أو الهند إلا وفيه آلاف من الدّنانير فياتي الوكلاء من جهة خادم الزاوية فيقبضون ذلك، ومن الفقراء من ياتي طالبا صدقة الشيخ فيكتب له أمر بها، وفيه علامة الشيخ منقوشة في قالب من الفضّة، فيضعون القالب في صبغ أحمر ويلصقونه بالأمر فيبقى أثر الطابع فيه ويكون مضمّنه أنه من عنده نذر للشيخ أبي إسحاق فليعط منه لفلان، فيكون الأمر بالألف والمائة وما بين ذلك ودونه على قدر الفقير، فإذا وجد من عنده شيء من النذر قبض منه وكتب له رسما في ظهر الأمر بما قبضه. ولقد نذر ملك الهند مرّة للشيخ أبي اسحاق بعشرة آلاف دينار فبلغ خبرها إلى فقراء الزاوية فأتى أحدهم إلى الهند وقبضها وانصرف بها إلى الزاوية. ثم سافرنا من كازرون إلى مدينة الزّيدين «162» ، وسمّيت بذلك لان فيها قبر زيد بن ثابت وقبر زيد بن أرقم الانصاريّين صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما، ورضى الله عنهما، وهي مدينة حسنة كثيرة البساتين والمياه مليحة الاسواق عجيبة المساجد ولأهلها صلاح وأمانة وديانة، ومن أهلها القاضي نور الدين الزيداني، وكان ورد على أهل الهند، فولى القضاء منها بذيبة المهل «163» ، وهي جزائر كثيرة ملكها جلال الدين بن صلاح الدين صالح، وتزوج باخت هذا الملك، وسياتي ذكره، وذكر بنته خديجة التي تولت الملك بعده بهذه الجزائر، وبها توفى القاضي نور الدين المذكور. ثم سافرنا منها إلى الحويزاء بالزاي «164» ، وهي مدينة صغيرة يسكنها العجم، بينها وبين البصرة مسيرة أربع، وبينها وبين الكوفة مسيرة خمس، ومن أهلها الشيخ الصالح

مدينة الكوفة

العابد جمال الدين الحويزاي شيخ خانقاه سعيد السعداء بالقاهرة. ثم سافرنا منها قاصدين الكوفة في برّيّة لا ماء بها إلّا في موضع واحد يسمى الطرفاوي «165» وردناه في اليوم الثالث من سفرنا، ثم وصلنا بعد اليوم الثاني من ورودنا عليه إلى مدينة الكوفة «166» . مدينة الكوفة وهي إحدى أمّهات البلاد العراقيّة، المتميّزة فيها بفضل المزيّة، مثوى الصحابة والتابعين، ومنزل العلماء والصالحين، وحضرة عليّ بن أبي طالب أمير المومنين، الّا أن الخراب قد استولى عليها بسبب أيدي العدوان التي امتدّت اليها وفسادها من عرب خفاجة المجاورين لها، فانّهم يقطعون طريقها، ولا سور عليها، وبناؤها بالآجر، واسواقها حسان وأكثر ما يباع فيها التمر والسمك، وجامعها الأعظم جامع كبير شريف، بلاطاته سبعة قائمة على سواري حجارة ضخمة منحوتة، قد صنعت قطعا، ووضع بعضها على بعض وافرغت بالرصاص وهي مفرطة الطول. وبهذا المسجد آثار كريمة فمنها بيت إزاء المحراب عن يمين مستقبل القبلة، يقال: إن الخليل، صلوات الله عليه، كان له مصلّى بذلك الموضع، وعلى مقربة منه محراب محلّق عليه بأعواد الساج مرتفع وهو محراب عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وهنالك ضربه الشّقي ابن ملجم «167» والناس يقصدون الصلاة به، وفي الزاوية من آخر هذا البلاط مسجد صغير محلّق عليه ايضا بأعواد الساج يذكر أنه الموضع الذي فار منه التنّور حين طوفان نوح عليه السلام «168» ، وفي ظهره خارج المسجد بيت يزعمون أنّه بيت

نوح عليه السلام «169» ، وازاءه بيت يزعمون انه متعبّد إدريس عليه السلام، ويتّصل بذلك فضاء متّصل بالجدار القبليّ من المسجد يقال: إنّه موضع إنشاء سفينة نوح عليه السلام. وفي آخر هذا الفضاء دار عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه والبيت الذي غسل فيه، ويتّصل به بيت يقال أيضا: إنه بيت نوح عليه السلام، والله أعلم بصحّة ذلك كلّه. وفي الجهة الشرقيّة من الجامع بيت مرتفع يصعد إليه، فيه قبر مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه «170» ، وبمقربة منه خارج المسجد قبر عاتكة «171» ، وسكينة «172» بنتي الحسين عليه السلام. وامّا قصر الإمارة بالكوفة الذي بناه سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه فلم يبق إلا أساسه! والفرات من الكوفة على مسافة نصف فرسخ في الجانب الشرقيّ منها، وهو منتظم بحدائق النّخل الملتفة المتّصل بعضها ببعض، ورأيت بغربيّ جبّانة الكوفة موضعا مسودا شديد السواد في بسيط أبيض فأخبرت انّه قبر الشقيّ ابن ملجم، وان أهل الكوفة يأتون في كلّ سنة بالحطب الكثير فيوقدون النار على موضع قبره سبعة أيّام «173» وعلى قرب منه قبّة أخبرت أنها على قبر المختار بن أبي عبيد. ثمّ رحلنا «174» ونزلنا بئر ملّاحة «175» ، وهي بلدة حسنة بين حدائق نخل ونزلت

بخارجها وكرهت دخولها لأن أهلها روافض، ورحلنا منها الصبح، فنزلنا مدينة الحلّة «176» وهي مدينة كبيرة مستطيلة مع الفرات وهو بشرقيّها، ولها أسواق حسنة جامعة للمرافق والصناعات وهي كثيرة العمارة، وحدائق النخل منتظمة بها داخلا وخارجا، ودورها بين الحدائق، ولها جسر عظيم معقود على مراكب متّصلة منتظمة فيما بين الشطّين تحفّ بها من جانبيها سلاسل من حديد مربوطة في كلا الشطّين إلى خشبة عظيمة مثبتة بالساحل. وأهل هذه المدينة كلّها إماميّة اثنا عشريّة، وهم طائفتان إحداهما تعرف بالأكراد والأخرى تعرف بأهل الجامعين، والفتنة بينهم متّصلة، والقتال قائم أبدا. وبمقربة من السوق الأعظم بهذه المدينة مسجد على بابه ستر حرير مسدول وهم يسمّونه مشهد صاحب الزمان «177» ، ومن عادتهم أنّه يخرج في كلّ ليلة مائة رجل من أهل المدينة عليهم السلاح وبأيديهم السيوف مشهورة فيأتون أمير المدينة بعد صلاة العصر فيأخذون منه فرسا مسرّجا ملجما أو بغلة كذلك ويضربون الطبول والأنفار والبوقات أمام تلك الدابّة ويتقدّمها خمسون منهم ويتبعها مثلهم، ويمشي آخرون عن يمينها وشمالها وياتون مشهد صاحب الزمان فيقفون بالباب ويقولون: باسم الله يا صاحب الزمان باسم الله أخرج قد ظهر الفساد وكثر الظلم، وهذا أوان خروجك ليفرق الله بك بين الحق والباطل «178» . ولا يزالون كذلك وهم يضربون الأبواق والأطبال والأنفار إلى صلاة المغرب، وهم يقولون، إن محمد بن الحسن العسكري دخل ذلك المسجد وغاب فيه وأنّه سيخرج: وهو الإمام المنتظر عندهم. وقد كان غلب على مدينة الحلّة بعد موت السلطان أبي سعيد الامير أحمد بن رميثة بن أبي نمى أمير مكّة «179» وحكمها أعواما وكان حسن السيرة يحمده أهل العراق إلى أن غلب

مدينة بغداد

عليه الشيخ حسن سلطان العراق فعذّبه وقتله، وأخذ الاموال والذخاير التي كانت عنده. ثمّ سافرنا منها إلى مدينة كربلاء مشهد الحسين بن عليّ عليهما السلام وهي مدينة صغيرة تحفّها حدائق النخل ويسقيها ماء الفرات. والروضة المقدّسة داخلها، وعليها مدرسة عظيمة، وزاوية كريمة، فيها الطعام للوارد والصادر، وعلى باب الروضة الحجّاب والقومة لا يدخل أحد إلّا عن إذنهم فيقبّل العتبة الشريفة وهي من الفضّة وعلى الضريح المقدّس قناديل الذهب والفضّة وعلى الأبواب أستار الحرير وأهل هذه المدينة طائفتان: أولاد رخيك وأولاد فايز، وبينهما القتال أبدا، وهم جميعا إماميّة يرجعون إلى أب واحد «180» ولأجل فتنهم تخرّبت هذه المدينة. ثم سافرنا منها إلى بغداد. مدينة بغداد مدينة دار السلام «181» ، وحضرة الاسلام، ذات القدر الشريف، والفضل المنيف، مثوى الخلفاء، ومقرّ العلماء، قال أبو الحسين بن جبير رضي الله عنه، وهاذه المدينة العتيقة وان لم تزل حضرة الخلافة العبّاسية، ومثابة الدعوة الإماميّة القرشيّة، فقد ذهب رسمها، ولم يبق الّا اسمها، وهي بالإضافة إلى ما كانت عليه قبل إنحاء الحوادث عليها، والتفات أعين النوائب إليها، كالطلل الدارس، أو تمثال الخيال الشاخص، فلا حسن فيها يستوقف البصر، ويستدعى من المستوفز الغفلة والنظر، إلّا دجلتها التي هي بين شرقيّها وغربيّها كالمرآة المجلوّة بين صفحتين، أو العقد المنتظم بين لبّتين، فهي تردها ولا تظمأ، وتتطلّع منها في مرآة صقيلة لا تصدأ، والحسن الحريمي بين هوائها ومائها ينشأ. قال ابن جزي: وكأن أبا تمّام حبيب بن أوس «182» اطّلع على ما آل إليه أمرها حين قال فيها:

باب ضريح الحسين بن علي في كربلاء

لقد أقام على بغداد ناعيها ... فليبكها لخراب الدّهر باكيها! كانت على مائها والحرب موقدة ... والنّار تطفا حسنا في نواحيها ترجى لها عودة في الدّهر صالحة ... فالآن أضمر منها اليأس راجيها مثل العجوز التي ولّت شبيبتها ... وبان عنها جمال كان يحظيها!! وقد نظم الناس في مدحها وذكر محاسنها فأطنبوا، ووجدوا مكان القول ذا سعة فاطالوا وأطابوا وفيها قال الإمام القاضي أبو محمد عبد الوهّاب بن علي بن نصر المالكي البغدادي «183» ، وأنشدنيه والدي، رحمه الله، مرّات طيب الهواء ببغداد يشوّقني ... قربا إليها وان عاقت مقادير وكيف أرحل عنها اليوم اذ جمعت ... طيب الهوائين ممدود ومقصور وفيها يقول أيضا رحمه الله تعالى ورضي عنه: سلام على بغداد في كلّ موطن ... وحقّ لها منّى السّلام المضاعف فو الله ما فارقتها عن قلى لها ... وانّي بشطّي جانبيها لعارف ولا كنّها ضاقت عليّ برحبها ... ولم تكن الأقدار فيها تساعف وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه ... وأخلاقه تنأى به وتخالف! وفيها يقول أيضا مغاضبا لها، وأنشدنيه والدي رحمه الله غير ما مرّة: بغداد دار لأهل المال واسعة ... وللصّعاليك دار الضّنك والضيق ظللت أمشي مضاعا في أزقّتها ... كأنّني مصحف في بيت زنديق «184» !!

وفيها يقول القاضي أبو الحسن عليّ بن النبيه من «185» قصيدة: انست بالعراق بدرا منيرا ... فطوت غيهبا، وخاضت هجيرا واستطابت ريّا نسائم بغدا ... د فكادت لولا البرى أن تطيرا ذكرت من مسارح الكرخ روضا ... لم يزل ناضرا وماء نميرا واجتنت من ربى المحوّل نورا ... واجتلت من مطالع التّاج نورا ولبعض نساء بغداد في ذكرها «186» : آها على بغدادها وعراقها ... وظبائها والسّحر في أحداقها ومجالها عند الفرات بأوجه ... تبدو أهلّتها على أطواقها متبخترات في النعيم كانّما ... خلق الهوى العذريّ من أخلاقها نفسي الفداء لها، فأي محاسن ... في الدّهر تشرق من سنا إشراقها رجع، ولبغداد جسران اثنان «187» معقودان على نحو الصّفة التي ذكرناها في جسر مدينة الحلّة، والناس يعبرونهما ليلا ونهارا رجالا ونساء، فهم في ذلك في نزهة متّصلة «188» ، وببغداد من المساجد التي يخطب فيها وتقام فيها الجمعة أحد عشر مسجدا، منها بالجانب الغربيّ ثمانية وبالجانب الشرقيّ ثلاثة والمساجد سواها كثيرة جدّا وكذلك المدارس إلا أنها

ذكر الجانب الغربي من بغداد

خربت وحمّامات بغداد كثيرة وهي من أبدع الحمّامات وأكثرها، مطليّة بالقار مسطّحة به فخيّل لرائيه أنه رخام أسود. وهذا القار يجلب من عين بين الكوفة والبصرة «189» تنبع أبدا به ويصير في جوانبها كالصلصال، فيجرف منها، ويجلب إلى بغداد، وفي كلّ حمّام منها خلوات كثيرة كلّ خلوة منها مفروشة بالقار، مطلّى نصف حائطها ممّا يلي الارض به والنصف الأعلى مطلّى بالجصّ الأبيض الناصع، فالضدّان بها مجتمعان متقابل حسنهما. وفي داخل كلّ خلوة حوض من الرخام فيه أنبوبان، أحدهما يجرى بالماء الحارّ والآخر بالماء البارد فيدخل الإنسان الخلوة منها منفردا لا يشاركه أحد إلّا إن أراد ذلك، وفي زاوية كلّ خلوة أيضا حوض آخر للاغتسال، فيه أيضا أنبوبان يجريان بالحارّ والبارد، وكلّ داخل يعطى ثلاثا من الفوط: إحداها يتّزر بها عند دخوله والأخرى يتّزر بها عند خروجه، والأخرى ينشف بها الماء عن جسده ولم أر هذا الاتقان كلّه في مدينة سوى بغداد، وبعض البلاد تقاربها في ذلك. ذكر الجانب الغربي من بغداد الجانب الغربي منها هو الذي عمر أولا «190» وهو الآن خراب أكثره، وعلى ذلك فقد بقى منه ثلاث عشرة محلّة، كلّ محلة كأنها مدينة، بها الحمّامان والثلاثة، وفي ثمان منها المساجد الجامعة. ومن هذه المحلّات محلّة باب البصرة «191» وبها جامع الخليفة أبى جعفر المنصور رحمه الله، والمارستان فيما بين محلّة باب البصرة «192» ومحلّة الشارع على الدّجلة، وهو قصر كبير خرب بقيت منه الآثار.

ذكر الجانب الشرقي منها

وفي هذا الجانب الغربي من المشاهد قبر معروف الكرخى «193» رضي الله عنه، وهو في محلّة باب البصرة وبطريق باب البصرة مشهد حافل البناء في داخله قبر متّسع السّنام عليه مكتوب: هذا قبرعون من أولاد علي بن أبى طالب «194» ، وفي هذا الجانب قبر موسى الكاظم بن جعفر الصادق والد علي بن موسى الرضا «195» وإلى جانبه قبر الجواد «196» والقبران داخل الروضة، عليهما دكّانة ملبّسة بالخشب عليه الواح الفضّة. ذكر الجانب الشرقي منها وهذه الجهة الشرقية من بغداد «197» حافلة الأسواق عظيمة الترتيب، وأعظم اسواقها سوق تعرف بسوق الثلاثاء «198» كلّ صناعة فيها على حدة، وفي وسط هذا السوق المدرسة النّظاميّة «199» العجيبة التي صارت الأمثال تضرب بحسنها، وفي آخره المدرسة المستنصرية «200» ، ونسبتها إلى أمير المؤمنين المستنصر بالله أبي جعفر بن أمير المؤمنين الظاهر بن

المشهد الكاظمي ببغداد المدرسة المستنصرية ببغداد

أمير المؤمنين الناصر، وبها المذاهب الاربعة، لكلّ مذهب إيوان «201» فيه المسجد، وموضع التدريس وجلوس المدرّس في قبّة خشب صغيرة على كرسيّ عليه البسط، ويقعد المدرس وعليه السكينة والوقار لا بسا ثياب السواد معتما، وعلى يمينه ويساره معيدان يعيدان كلّ ما يمليه، وهكذا ترتيب كلّ مجلس من هذه المجالس الاربعة، وفي داخل هذه المدرسة الحمّام للطلبة ودار الوضوء. وبهذه الجهة الشرقيّة من المساجد التي تقام فيها الجمعة ثلاثة: أحدها جامع الخليفة وهو متّصل بقصور الخلفاء ودورهم وهو جامع كبير فيه سقايات ومطاهر كثيرة للوضوء والغسيل، لقيت بهذا المسجد الشيخ الامام العالم الصالح مسند العراق سراج الدين أبا حفص عمر بن علي بن عمر القزويني «202» ، وسمعت عليه فيه جميع مسند أبى محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدّارمي «203» ، وذلك في شهر رجب الفرد عام سبعة وعشرين وسبعماية قال: أخبرتنا «204» به الشيخة الصالحة المسندة ستّ الملوك فاطمة بنت العدل تاج الدين أبي الحسن علي بن علي بن أبي البدر «205» ، قالت اخبرنا الشيخ أبو بكر محمد بن مسعود ابن بهروز الطّبيب المارستانّي، قال أخبرنا أبو الوقت عبد الأوّل ابن شعيب السنجريّ الصّوفي قال: أخبرنا الامام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفّر الداوديّ، قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن احمد بن حمويه السّرخسيّ، عن أبي عمران عيسى ابن عمر بن العبّاس السمرقنديّ عن أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي.

ذكر قبور الخلفاء ببغداد وقبور بعض العلماء والصالحين بها

والجامع الثاني جامع السلطان وهو خارج البلد «206» وتتّصل به قصور تنسب للسلطان، والجامع الثالث جامع الرصافة «207» وبينه وبين جامع السلطان نحو الميل. ذكر قبور الخلفاء ببغداد وقبور بعض العلماء والصالحين بها وقبور الخلفاء العبّاسييّن رضى الله عنهم بالرّصافة، «208» وعلى قبر كلّ منها اسم صاحبه، فمنها قبر المهدي وقبر الهادي وقبر الأمين وقبر المعتصم، وقبر الواثق، وقبر المنتصر، وقبر المستعين، وقبر المعتزّ، وقبر المهتدى، وقبر المعتمد، وقبر المعتضد، وقبر المكتفي، وقبر المقتدر، وقبر القاهر، وقبر الراضي، وقبر المستكفي، وقبر المطيع، وقبر الطايع، وقبر القائم، وقبر القادر، وقبر المستظهر، وقبر المسترشد، وقبر الراشد، وقبر المقتفى، وقبر المستنجد، وقبر المستضي، وقبر الناصر، وقبر الظاهر، وقبر المستنصر، وقبر المستعصم، وهو اخرهم وعليه داخل التّتر ببغداد بالسيف وذبحوه بعد أيّام من دخولهم، وانقطع من بغداد اسم الخلافة العبّاسية، وذلك في سنة أربع وخمسين وستماية، وبقرب «209» الرّصافة قبر الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه «210» ، فيها قبّة عظيمة وزاوية فيها الطّعام للوارد والصادر، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الطعام فيها ما عدا هذه الزّاوية، فسبحان مبيد الأشياء ومغيّرها، وبالقرب منها قبر الامام أبى عبد الله أحمد بن حنبل «211» رضي الله عنه ولا قبّة عليه،

رواق القصر العباسي تربة زمرد خاتون زوجة الخليفة المستضىء بامر الله وأم الخليفة الناصر لدين الله المتوفاة سنة 599 هـ

ذكر سلطان العراقين وخراسان

ويذكر أنّها بنيت على قبره مرارا فتهدّمت بقدرة الله تعالى وقبره عند أهل بغداد معظّم واكثرهم على مذهبه وبالقرب منه قبر ابي بكر الشّبليّ «212» من ائمة المتصوّفة رحمه الله، وقبر سرّي السقطيّ «213» وقبر بشر الحافي 21» ، وقبر داود الطائي «215» ، وقبر أبي القاسم الجنيد رضي الله عنهم أجمعين. واهل بغداد لهم يوم في كل جمعة لزيارة شيخ من هؤلاء المشايخ «216» ، ويوم لشيخ آخر يليه هكذا إلى آخر الأسبوع، وببغداد كثير من قبور الصالحين والعلماء رضي الله تعالى عنهم، «217» وهذه الجهة الشرقيّة من بغداد ليس بها فواكه وانّما تجلب اليها من الجهة الغربيّة لان فيها البساتين والحدائق، ووافق وصولي إلى بغداد كون ملك العراق بها فلنذكره هاهنا. ذكر سلطان العراقين وخراسان وهو السلطان الجليل أبو سعيد بهادرخان، وخان عندهم: الملك وبهادر بفتح الباء الموحدة وضم الدال المهمل وآخره راء ابن السلطان الجليل محمد خذابنده «218» وهو الذي

مسجد الإمام أبي حنيفة مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني

أسلم من ملوك التتر، وضبط اسمه مختلف فيه، فمنهم من قال إن اسمه خذابنده بخاء معجمة مضمومة وذال معجم مفتوح وبنده لم يختلف فيه وهو بباء موحدة مفتوحة ونون، مسكنة ودال مهمل مفتوح وهاء استراحة، وتفسيره على هذا القول عبد الله لأن خذا بالفارسيّة اسم الله عزّ وجلّ، وبنده غلام أو عبد أو ما في معناهما، وقيل انّما هو خر بنده بفتح الخاء المعجم وضمّ الراء المهمل وتفسير خر بالفارسيّة الحمار، فمعناه على هذا غلام الحمار فشذّ ما بين القولين من الخلاف! على أن هذا الأخير هو المشهور، وكأنّ الأوّل غيّره إليه من تعصّب، وقيل إن سبب تسميته بهذا الاخير هو أن التتر يسمّون المولود باسم أول داخل على البيت عند ولادته، فلما ولد هذا السلطان كان أول داخل الزّمال، وهم يسمونه خر بنده فسمّى به، وأخو خر بنده هو قازغان الذي يقول فيه الناس قازان وقازغان هو القدر، وقيل سمّى بذلك لأنه لما ولد دخلت الجارية ومعها القدر. وخذا بنده هو الذي أسلم وقدّمنا قصّته، وكيف أراد أن يحمل الناس لمّا أسلم على الرفض وقصّة القاضي مجد الدين معه، ولمّا مات ولى الملك ولده أبو سعيد بهادرخان، وكان ملكا فاضلا كريما، ملك وهو صغير السنّ، ورايته ببغداد وهو شابّ أجمل خلق الله صورة لا نبات بعارضيه، ووزيره إذ ذاك الأمير غياث الدين محمد بن خواجه رشيد «219» ، وكان أبوه من مهاجرة اليهود واستوزره السلطان محمد خذابنده والد أبي سعيد رأيتهما يوما بحرّاقة في الدجلة وتسمّى عندهم الشبّارة «220» ، وهي شبه سلّورة وبين يديه دمشق خوجه ابن الامير الجوبان المتغلّب على أبي سعيد، وعن يمينه وشماله شبّارتان فيهما أهل الطرب والغناء ورايت من مكارمه في ذلك اليوم أنّه تعرّض له جماعة من العميان فشكوا ضعف حالهم، فأمر لكلّ واحد منهم بكسوة وغلام يقوده، ونفقته تجرى عليه.

ولمّا ولى السلطان أبو سعيد، وهو صغير كما ذكرناه استولى على أمره أمير الامراء الجوبان «221» وحجّر عليه التصرّفات حتّى لم يكن بيده من الملك الّا الاسم، ويذكر أنّه احتاج في بعض الاعياد إلى نفقة ينفقها فلم يكن له سبيل إليه فبعث إلى أحد التجار فاعطاه من المال ما أحبّ، ولم يزل كذلك إلى أن دخلت عليه يوما زوجة أبيه دنيا خاتون، فقالت له لو كنّا نحن الرجال ما تركنا الجوبان وولده على ما هما عليه، فاستفهمها عن مرادها بهذا الكلام، فقالت له: لقد انتهى أمر دمشق خواجه بن الجوبان أن يفتك بحرم أبيك، وأنه بات البارحة عند طغى خاتون! وقد بعث إليّ وقال لي: الليلة أبيت عندك، «223» وما الرأي إلّا أن تجمع الأمراء والعساكر، فإذا صعد إلى القلعة مختفيا برسم المبيت أمكنك القبض عليه، وأبوه يكفي الله أمره. وكان الجوبان إذ ذاك غائبا بخراسان «224» ، فغلبته الغيرة وبات يدبّر أمره، فلما علم أن دمشق خواجه بالقلعة أمر الأمراء والعساكر أن يطيفوا بها من كلّ ناحية فلما كان بالغدوّ خرج دمشق ومعه جنديّ يعرف بالحاجّ المصريّ فوجد سلسلة معرضة على باب القلعة وعليها قفل، فلم يمكنه الخروج راكبا فضرب الحاجّ المصري السلسلة بسيفه فقطعها وخرجا معا فأحاطت بهما العساكر، ولحق أمير من الأمراء الخاصّكيّة يعرف بمصر خواجه وفتى يعرف بلؤلؤ دمشق خواجه فقتلاه وأتيا الملك أبا سعيد برأسه، فرموا به بين يدي فرسه، وتلك عادتهم أن يفعلوا برءوس كبار أعدائهم، وأمر السلطان بنهب داره، وقتل من قاتل من خدّامه ومماليكه. واتّصل الخبر بأبيه الجوبان وهو بخراسان ومعه أولاده أمير حسن، وهو الأكبر، وطالش وجلوخان وهو أصغر هم وهو ابن أخت السلطان أبي سعيد من أمّه ساطي بك، بنت

السلطان خذا بنده «225» ومعه عساكر التتر وحاميتها فاتّفقوا على قتال السلطان أبي سعيد، وزحفوا إليه، فلما التقى الجمعان هرب التتر إلى سلطانهم وأفردوا الجوبان، فلما رأى ذلك نكص على عقبيه، وفرّ إلى صحراء سجستان، وأوغل فيها وأجمع على اللحاق بملك هراة غياث الدين «226» مستجيرا به وتحصّنا بمدينته وكانت له عليه أياد سابقة، فلم يوافقه والده حسن وطالش على ذلك، وقالا له: إنّه لا يفي بالعهد، وقد غدر فيروزشاه «227» بعد أن لجأ اليه وقتله، فأبى الجوبان إلّا أن يلحق به ففارقه ولداه وتوجه ومعه ابنه الأصغر جلوخان، فخرج غياث الدين لاستقباله وترجّل له وأدخله المدينة على الأمان ثم غدره بعد أيّام، وقتل ولده وبعث برأسيهما إلى السلطان أبي سعيد. وأمّا «228» حسن وطالش فانهما قصدا خوارزم وتوجّها إلى السلطان محمد أوزبك فاكرم مثواهما وانزلهما إلى أن صدر منهما ما أوجب قتلهما، فقتلهما، وكان للجوبان ولد رابع اسمه الدّمر طاش «229» ، فهرب إلى ديار مصر فاكرمه الملك الناصر واعطاه الإسكندرية فأبى من قبولها، وقال: إنما أريد العساكر لأقاتل أبا سعيد، وكان متى بعث إليه الملك الناصر بكسوة أعطى هو للّذي يوصلها اليه أحسن منها، إزراء على الملك الناصر، وأظهر أمورا أوجبت قتله فقتله وبعث برأسه إلى أبي سعيد، وقد ذكرنا قصّته وقصّة قراسنقور فيما تقدّم، ولمّا قتل الجوبان جيء به وبولده ميّتين فوقف بهما على عرفات وحملا إلى المدينة ليدفنا

في التربة التي اتّخذها الجوبان بالقرب من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنع من ذلك، ودفن بالبقيع. والجوبان هو الذي جلب الماء إلى مكّة شرفها الله تعالى «230» . ولمّا استقلّ السلطان أبو سعيد بالملك أراد أن يتزوّج بنت الجوبان، وكانت تسمى بغداد خاتون «231» وهي من أجمل النساء وكانت تحت الشيخ حسن الذي تغلّب بعد موت أبي سعيد على الملك وهو ابن عمّته، فأمره فنزل عنها وتزوّجها أبو سعيد، وكانت أحظى النساء لديه، والنساء لدى الأتراك والتتر لهنّ حظّ عظيم وهم إذا كتبوا أمرا يقولون فيه: عن أمر السلطان والخواتين، ولكل خاتون البلاد والولايات والمجابي العظيمة، وإذا سافرت مع السلطان تكون في محلّة على حدة. وغلبت هذه الخاتون على أبي سعيد وفضّلها على سواها، وأقامت على ذلك مدّة أيّامه ثم إنه تزوّج امرأة تسمى بدلشاد «232» فأحبّها حبا شديدا وهجر بغداد خاتون فغارت لذلك وسمّته في منديل مسّحته به بعد الجماع «233» ! فمات وانقرض عقبه، وغلبت امراؤه على الجهات كما سندكره، ولما عرف الامراء أن بغداد خاتون هي التي سمّته أجمعوا على قتلها وبدر لذلك الفتى الرومى خوارجه لؤلؤ، وهو من كبار الأمراء وقدمائهم، فأتاها وهي في الحمّام فضربها بدبّوسه وقتلها «234» ، وطرحت هنالك أيّاما مستورة العورة بقطعة تليس، واستقلّ الشيخ حسن بملك عراق العرب، وتزوج دلشاد امرأة السلطان أبي سعيد كمثل ما كان أبو سعيد فعله من تزوّج امرأته.

ذكر المتغلبين على الملك بعد موت السلطان أبي سعيد.

ذكر المتغلّبين على الملك بعد موت السلطان أبي سعيد. فمنهم الشيخ حسن «235» ابن عمّته الذي ذكرناه آنفا، تغلّب على عراق العرب جميعا، ومنهم إبراهيم شاه ابن الامير سنيته «236» ، تغلب على الموصل وديار بكر، ومنهم الأمير أرتنا «237» تغلب على بلاد التركمان المعروفة أيضا ببلاد الروم، ومنهم حسن خواجه «238» بن الدّمرطاش بن الجوبان تغلب على تبريز والسلطانيّة، وهمدان، وقمّ وقاشان والريّ ورامين وفرغان والكرج «239» ، ومنهم الأمير طغتيمور «240» تغلّب على بعض بلاد الخراسان، ومنهم الأمير حسين ابن الامير غياث الدين «241» ، تغلّب على هراة ومعظم بلاد خرسان

ومنهم ملك «242» دينار تغلّب على بلاد مكران وبلاد كيج، ومنهم محمّد شاه ابن مظفر تغلّب على يزد وكرمان «243» وورقو، ومنهم الملك قطب الدين تمتهن «244» تغلب على هرمز وكيش والقطيف والبحرين وقلهات، ومنهم السلطان أبو اسحاق الذي تقدّم ذكره «245» ، تغلب على شيراز وإصفهان وملك فارس وذلك مسيرة خمس وأربعين، ومنهم السلطان أفراسياب اتابك «246» تغلّب على إيذج وغيرها من البلاد وقد تقدم ذكره. ولنعد إلى ما كنّا بسبيله: ثم خرجت من بغداد «247» في محلّة السلطان أبي سعيد وغرضي أن أشاهد ترتيب ملك العراق في رحيلة ونزوله وكيفيّة تنقّله وسفره وعادتهم، انّهم يرحلون عند طلوع الفجر وينزلون عند الضحى، وترتيبهم أنّه يأتي كلّ امير من الأمراء بعسكره وطبوله وأعلامه فيقف في موضع لا يتعدّاه قد عيّن له، إمّا في الميمنة أو الميسرة، فإذا توافوا جميعا وتكاملت صفوفهم، ركب الملك وضربت طبول الرحيل وبوقاته وأتى كلّ أمير منهم فسلّم على الملك وعاد إلى موقفه، ثم يتقدّم أمام الملك الحجّاب والنقباء، ثم يليهم أهل الطرب وهم نحو مائة رجل عليهم الثياب الحسنة، وتحتهم مراكب السلطان، وأمام أهل الطرب عشرة من الفرسان قد تقلّدوا عشرة من الطبول وخمسة من الفرسان لديهم خمس صرنايات وهي تسمّى عندنا بالغيطات، فيضربون تلك الأطبال والصّرنايات ثم يمسكون

ويغنّى عشرة من أهل الطرب نوبتهم، فإذا قضوها ضربت تلك الأطبال والصّرنايات ثم امسكوا وغنّى عشرة آخرون نوبتهم هكذا إلى أن تتمّ عشر نوبات، فعند ذلك يكون النزول ويكون عن يمين السلطان وشماله حين سيره كبار الامراء وهم نحو خمسين ومن ورائه أصحاب الأعلام والأطبال والأنفار والبوقات ثم مماليك السلطان ثم الأمراء على مراتبهم وكل أمير له أعلام وطبول وبوقات، ويتولّى ترتيب ذلك كلّه أمير جندر وله جماعة كبيرة، وعقوبة من تخلّف عن فوجه وجماعته أن يؤخذ تماقه فيملأ رملا ويعلّق في عنقه ويمشي على قدميه حتّى يبلغ المنزل! فيوتى به إلى الأمير فيبطح على الأرض ويضرب خمسا وعشرين مقرعة على ظهره سواء كان رفيعا ووضيعا لا يحاشون من ذلك أحدا، وإذا نزلوا ينزل السلطان ومماليكه في محلّة على حدة وتنزل كلّ خاتون من خواتينه في محلة على حدة، ولكل واحدة منهن الإمام والمؤذّنون والقرّاء والسّوق. وينزل الوزراء والكتّاب وأهل الأشغال على حدة، ويأتون جميعا إلى الخدمة بعد العصر ويكون انصرافهم بعد العشاء الأخيرة، والمشاعل بين أيديهم، فإذا كان الرحيل ضرب الطبل الكبير ثم ضرب طبل الخاتون الكبرى التي هي الملكة، ثم أطبال سائر الخواتين، ثم طبل الوزير ثم أطبال الأمراء دفعة واحدة، ثم يركب أمير المقدّمة في عسكره ثم يتبعه الخواتين، ثم أثقال السلطان وزاملته وأثقال الخواتين ثم أمير ثان في عسكر له يمنع الناس من الدخول فيما بين الأثقال والخواتين، ثم سائر الناس! وسافرت في هذه المحلّة عشرة أيام، ثم صحبت الأمير علاء الدين «248» محمد إلى بلدة تبريز وكان من الأمراء الكبار الفضلاء فوصلنا بعد عشرة أيام إلى مدينة تبريز ونزلنا

بخارجها في موضع يعرف بالشّام «249» ، وهنالك قبر قازان ملك العراق، وعليه مدرسة حسنة وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر من الخبز واللحم والأرز المطبوخ بالسمن والحلواء، وانزلني الامير بتلك الزاوية، وهي ما بين أنهار متدفّقة، وأشجار مورقة، وفي غد ذلك اليوم دخلت المدينة على «250» باب يعرف بباب بغداد، ووصلنا إلى سوق عظيمة تعرف بسوق قازان من أحسن سوق رأيتها في بلاد الدنيا، كلّ صناعة فيها على حدة لا تخالطها أخرى، واجتزت بسوق الجوهريّين فحار بصري ممّا رايته من أنواع الجواهر وهي بأيدي مماليك حسان الصّور عليهم الثياب الفاخرة وأوساطهم مشدودة بمناديل الحرير، وهم بين أيدي التجار يعرضون الجواهر على نساء الاتراك وهنّ يشترينه كثيرا ويتنافسن فيه، فرأيت من ذلك كلّه فتنة يستعاذ بالله منها! ودخلنا سوق العنبر والمسك فرأينا مثل ذلك أو أعظم، ثم وصلنا إلى المسجد الجامع الذي عمّره الوزير على شاه المعروف بجيلان «251» ، وبخارجه عن يمين مستقبل القبلة مدرسة

المسجد الأزرق الجامع الأزرق كذلك البازار في تبريز اليوم مسجد علي شاه استراحة إلكولي لقطات من تبريز

وعن يساره زاوية، وصحنه مفروش بالمرمر وحيطانه بالقاشاني، وهو شبه الزليج، ويشقه نهر ماء، وبه أنواع الأشجار ودوالي العنب وشجر الياسمين، ومن عادتهم أن يقرءوا به كلّ يوم سورة يس وسورة الفتح وسورة عمّ «252» بعد صلاة العصر في صحن المسجد، ويجتمع لذلك أهل المدينة وبتنا ليلة بتبريز، ثم وصل بالغد أمر السلطان أبي سعيد إلى الامير علاء الدين بأن يصل إليه فعدت معه، ولم ألق بتبريز أحدا من العلماء، ثم سافرنا إلى أن وصلنا محلّة السلطان فاعلمه الامير المذكور بمكاني وأدخلني عليه فسألني عن بلادي وكساني وأركبني، واعلمه الأمير أنّي أريد السفر إلى الحجاز الشريف فأمر لي بالزاد والركوب في السبيل مع المحمل، وكتب لي بذلك إلى أمير بغداد خواجه معروف «253» ، فعدت إلى مدينة بغداد واستوفيت ما أمر لي به السلطان. وكان قد بقى لآوان سفر الركب أزيد من شهرين، فظهر لي أن أسافر إلى الموصل وديار بكر لأشاهد تلك البلاد وأعود الى بغداد في حين سفر الركب فاتوجّه إلى الحجاز الشريف، فخرجت من بغداد إلى منزل على نهر دجيل «254» ، وهو يتفرّع عن دجلة فيسقى قرى كثيرة، ثم نزلنا بعد يومين بقرية كبيرة تعرف بحربة «255» مخصبة فسيحة، ثم رحلنا فنزلنا موضعا على شطّ دجلة بالقرب من حصن يسمّى المعشوق «256» ، وهو مبنّى على الدجلة وفي العدوة الشرقيّة من هذا الحصن مدينة سرّ من رأى وتسمى أيضا سامرّا، ويقال لها سام راه، ومعناه بالفارسيّة طريق سام وراه هو الطريق «257» ، وقد استولى الخراب على

اسوار ديار بكر المئذنة الملوية سامراء

هذه المدينة فلم يبق منها إلا القليل وهي معتدلة الهواء رائقة الحسن على بلائها، ودروس معالمها، وفيها أيضا مشهد صاحب الزمان «258» كما بالحلّة ثم سرنا منها مرحلة ووصلنا إلى مدينة تكريت «259» وهي مدينة كبيرة فسيحة الارجاء مليحة الأسواق، كثيرة المساجد، وأهلها موصوفون بحسن الاخلاق، والدجلة في الجهة الشمالية «260» منها، ولها قلعة حصينة على شطّ الدجلة، والمدينة عتيقة البناء عليها سور يطيف بها، ثم رحلنا منها مرحلتين ووصلنا إلى قرية تعرف بالعقر «261» على شطّ الدجلة، وبأعلاها ربوة كان بها حصن وبأسفلها الخان المعروف بخان الحديد، له أبراج وبناؤه حافل والقرى والعمارة متّصلة من هنالك إلى الموصل، ثم رحلنا ونزلنا موضعا يعرف بالقيّارة «262» بمقربة من دجلة، وهنالك أرض سوداء فيها عيون تنبع بالقار ويصنع له أحواض يجتمع فيها فتراه شبه الصلصال على وجه الارض حالك اللون صقيلا رطبا، وله رائحة طيّبة، وحول تلك العيون بركة كبيرة سوداء يعلوها شبه الطحلب الرقيق فتقذفه إلى جوانبها فيصير أيضا قارا، وبمقربة من هذا الموضع عين كبيرة فإذا أرادوا نقل القار منها أوقدوا عليها النار فتنشق النار ما هنالك من رطوبة مائيّة، ثم يقطعونه قطعا وينقلونه وقد تقدّم لنا ذكر العين التي بين الكوفة والبصرة على هذا النحو، ثم سافرنا من هذه العيون مرحلتين ووصلنا بعدهما إلى الموصل «263» .

مدينة الموصل

مدينة الموصل وهي مدينة عتيقة كثيرة الخصب، وقلعتها المعروفة بالحدباء عظيمة الشأن شهيرة الامتناع عليها سور محكم البناء مشيّد البروج «264» ، وتتّصل بها دور السلطان وقد فصل بينهما وبين البلد شارع متّسع مستطيل من أعلى البلد إلى أسفله وعلى البلد سوران اثنان وثيقان «265» أبراجهما كثيرة متقاربة، وفي باطن السور بيوت بعضها على بعض مستديرة بجداره قد تمكّن فتحها فيه لسعته، ولم أر في اسوار البلاد مثله، إلّا السور الذي على مدينة دهلى حضرة ملك الهند. وللموصل ربض كبير فيه المساجد والحمّامات والفنادق والاسواق، وبه مسجد جامع على شطّ الدجلة تدور به شبابيك حديد وتتّصل به مصاطب تشرف على دجلة، في نهاية من الحسن والاتقان «266» ، وأمامه مارستان وبداخل المدينة جامعان أحدهما قديم والآخر حديث «267» ، وفي صحن الحديث منهما قبة داخلها خصّة رخام مثمّنة مرتفعة على سارية رخام يخرج منها الماء بقوّة وانزعاج، فيرتفع مقدار القامة ثم ينعكس فيكون له مرأى حسن. وقيساريّة الموصل مليحة «268» لها أبواب حديد ويدور بها دكاكين، وبيوت بعضها فوق بعض متقنة البناء.

المئذنة الحدباء تلّ النبيّ يونس بالموصل

وبهذه المدينة مشهد جرجيس «269» النّبي عليه السلام وعليه مسجد والقبر في زاوية منه عن يمين الداخل اليه وهو فيما بين الجامع الجديد وباب الجسر وقد حصلت لنا زيارته والصلاة بمسجده والحمد لله تعالى. وهنالك تلّ يونس «270» عليه السلام وعلى نحو ميل منه العين المنسوبة اليه، يقال: إنه امر قومه بالتّطهير فيها ثم صعدوا التلّ ودعا ودعوا فكشف الله عنهم العذاب، وبمقربة منه قرية كبيرة يقرب منها خراب، يقال: إنه موضع المدينة المعروفة بنينوى مدينة يونس عليه السلام، وأثر السور المحيط بها ظاهر، ومواضع الأبواب التي بها متبيّنة. وفي التلّ بناء عظيم ورباط فيه بيوت كثيرة ومقاصر ومطاهر وسقّايات يضمّ الجميع باب واحد، وفي وسط الرباط بيت عليه ستر حرير وله باب مرصّع يقال: إنه الموضع الذي به موقف يونس عليه السلام، ومحراب المسجد الذي بهذا الرباط يقال إنه كان بيت متعبّده عليه السلام، وأهل الموصل يخرجون في كلّ ليلة جمعة إلى هذا الرباط يتعبّدون فيه، وأهل الموصل لهم مكارم أخلاق ولين كلام وفضيلة ومحبّة في الغريب واقبال عليه، وكان أميرها حين قدومي عليها السيّد الشريف الفاضل علاء الدين علي بن شمس الدين محمّد الملقّب «271» بحيدر، وهو من الكرماء الفضلاء، أنزلني بداره وأجرى عليّ الانفاق مدّة مقامي عنده، وله الصدقات والايثار المعروف، وكان السلطان أبو سعيد يعظمه وفوّض اليه في هذه المدينة وما إليها، ويركب في موكب عظيم من مماليكه وأجناده، ووجوه أهل المدينة وكبراؤها يأتون للسلام عليه غدوّا وعشيّا، وله شجاعة ومهابة، وولده يوجد في حين كتب هذا، في حضرة فاس مستقرّ الغرباء «272» ومأوى الفرق ومحطّ رحال الوفود زادها الله بسعادة أيام مولانا أمير المومنين بهجة واشراقا وحرس ارجاءها ونواحيها.

ثم رحلنا من الموصل ونزلنا قرية تعرف بعين «273» الرّصد وهي على نهر عليه جسر مبنيّ، وبها خان كبير، ثم رحلنا ونزلنا قرية تعرف بالمويلحة «274» ثم رحلنا منها ونزلنا جزيرة ابن عمر «275» وهي مدينة كبيرة حسنة محيط بها الوادي، ولذلك سميّت جزيرة، وأكثرها خراب، ولها سوق حسنة ومسجد عتيق مبنّى بالحجارة محكم العمل، وسورها مبنىّ بالحجارة أيضا واهلها فضلاء لهم محبّة في الغرباء، ويوم نزولنا بها رأينا جبل الجودى المذكور في كتاب الله عزّ وجلّ «276» الذي استوت عليه سفينة نوح عليه السلام، وهو جبل عال مستطيل. ثم رحلنا منها مرحلتين ووصلنا إلى مدينة نصيبين «277» ، وهي مدينة عتيقة متوسّطة قد خرب أكثرها وهي في بسيط أفيح فسيح فيه المياه الجارية، والبساتين الملتفّة، والأشجار المنتظمة، والفواكه الكثيرة، وبها يصنع ماء الورد الذي لا نظير له في العطارة والطيب، ويدور بها نهر يعطف عليها انعطاف السوار منبعه من عيون في جبل قريب منها، وينقسم انقساما فيتخلّل بساتينها، ويدخل منه نهر إلى المدينة فيجرى في شوارعها ودورها ويخترق صحن مسجدها الأعظم وينصبّ في صهريجين أحدهما في وسط الصحن والآخر عند الباب الشرقي.

وبهذه المدينة مارستان ومدرستان، وأهلها أهل صلاح ودين وصدق وأمانة، ولقد صدق أبو نواس «278» في قوله طابت نصيبين لي يوما وطبت لها ... يا ليت حظّي من الدنيا نصيبين! قال ابن جزي: والناس يصفون مدينة نصيبين بفساد الماء والوخامة، وفيها يقول بعض الشعراء. لنصيبين قد عجبت وما في ... دارها داع إلى العلّات يعدم الورد أحمرا في ذراها ... لسقام حتّى من الوجنات «279» ثمّ رحلنا إلى مدينة سنجار «280» ، وهي مدينة كبيرة كثيرة الفواكه والأشجار، والعيون المطرّدة والأنهار، مبنيّة في سفح جبل، تشبّه بدمشق في كثرة أنهارها وبساتينها، ومسجدها الجامع مشهور البركة، يذكر أن الدعاء به مستجاب، ويدور به نهر ماء ويشقّه، وأهل سنجار أكراد، ولهم شجاعة وكرم وممّن لقيته بها الشيخ الصالح العابد الزاهد عبد الله الكرديّ أحد المشايخ الكبار صاحب كرامات، يذكر عنه أنّه لا يفطر الّا بعد أربعين يوما، ويكون إفطاره على نصف قرص من الشّعير لقيته برابطة بأعلى جبل سنجار «281» ، ودعا لي وزوّدني بدراهم لم تزل عندي إلى أن سلبني كفّار الهنود.

ثم سافرنا إلى مدينة دارا «282» وهي عتيقة كبيرة بيضاء المنظر لها قلعة مشرفة وهي الآن خراب لا عمارة بها وفي خارجها قرية معمورة بها كان نزولنا، ثم رحلنا منها فوصلنا إلى مدينة ماردين «283» ، وهي مدينة عظيمة في سفح جبل من أحسن مدن الإسلام وأبدعها وأتقنها وأحسنها أسواقا وبها تصنع الثياب المنسوبة اليها من الصوف المعروف بالمرعز «284» ، ولها قلعة شمّاء من مشاهير القلاع في قنّة جبلها. قال ابن جزي: قلعة ماردين هذه تسمّى الشهباء وايّاها عنى شاعر العراق صفّي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلّي «285» بقوله في سمطه: فدع ربوع الحلّة الفيحاء ... وازورّ بالعيس عن الزّوراء ولا تقف بالموصل الحدباء ... انّ شهاب القلعة الشّهباء محرق شيطان صروف الدّهر وقلعة حلب تسمّى الشّهباء، ايضا، وهذه المسمّطة بديعة مدح بها الملك المنصور سلطان ماردين «286» وكان كريما شهير الصّيت، ولي الملك بها نحو خمسين سنة، وأدرك أيّام قازان ملك التتر وصاهر السلطان خذا بنده بابنته دنيا خاتون.

ذكر سلطان ماردين في عهد دخولي اليها

ذكر سلطان ماردين في عهد دخولي اليها وهو الملك الصالح «287» ابن الملك المنصور الذي ذكرناه آنفا ورث الملك عن أبيه وله المكارم الشهيرة، وليس بأرض العراق والشام ومصر أكرم منه، يقصده الشعراء والفقراء فيجزل لهم العطايا جريا على سنن أبيه، قصده أبو عبد الله محمد بن جابر الاندلسيّ المرويّ الكفيف مادحا فأعطاه عشرين ألف درهم، وله الصدقات والمدارس والزوايا لإطعام الطعام، وله وزير كبير القدر وهو الإمام العالم وحيد الدهر، وفريد العصر، جمال الدين السّنجاريّ قرأ بمدينة تبريز، وأدرك العلماء الكبار، وقاضي قضاته الإمام الكامل برهان الدّين الموصليّ، وهو ينتسب إلى الشيخ الوليّ فتح الموصليّ، وهذا القاضي من أهل الدين والورع والفضل يلبس الخشن من ثياب الصوف الذي لا تبلغ قيمته عشرة دراهم ويعتمّ بنحو ذلك، وكثيرا ما يجلس للأحكام بصحن مسجد خارج المدرسة كان يتعبّد فيه، فإذا رءاه من لا يعرفه ظنّه بعض خدّام القاضي واعوانه! حكاية [صلح بين زوجين] ذكر لي أنّ امرأة أتت هذا القاضي وهو خارج من المسجد ولم تكن تعرفه، فقالت له يا شيخ أين يجلس القاضي؟ فقال لها: وما تريدين منه؟ فقالت له: إنّ زوجي ضربني، وله زوجة ثانية وهو لا يعدل بيننا في القسم، وقد دعوته إلى القاضي فأبى وأنا فقيرة ليس عندي ما أعطيه لرجال القاضي حتّى يحضروه بمجلسه، فقال لها: وأين منزل زوجك؟ فقالت بقرية الملّاحين خارج المدينة، فقال لها: أنا أذهب معك إليه: فقالت: والله ما عندي شيء أعطيك ايّاه، فقال لها: وأنا لا اخذ منك شيئا. ثم قال لها: اذهبي إلى القرية وانتظريني خارجها فإني على إثرك، فذهبت كما أمرها وانتظرته فوصل إليها وليس معه أحد، وكانت عادته أن لا يدع أحدا يتبعه، فجاءت به إلى منزل زوجها، فلمّا رءاه قال لها: ما هذا الشيخ النّحس الذي معك؟ فقال له: نعم والله أنا كذالك، ولا كن أرض زوجتك! فلمّا طال الكلام جاء الناس فعرفوا القاضي وسلّموا عليه، وخاف ذالك الرجل وخجل، فقال له القاضي: لا عليك أصلح ما بينك وبين زوجتك، فأرضاها الرجل من نفسه وأعطاهما القاضي نفقة ذلك اليوم، وانصرف.

ولقيت هذا القاضي وأضافني بداره ثمّ رحلت عائدا إلى بغداد فوصلت إلى مدينة الموصل التي ذكرناها، فوجدت ركبها بخارجها متوجّهين إلى بغداد، وفيهم امرأة صالحة عابدة تسمّى بالسّت زاهدة وهي من ذرّيّة الخلفاء، حجّت مرارا وهي ملازمة الصوم سلّمت عليها، وكنت في جوارها، ومعها جملة من الفقراء يخدمونها، وفي هذه الوجهة توفّيت رحمة الله عليها وكانت وفاتها بزرود، ودفنت هنالك. ثمّ وصلنا إلى مدينة بغداد فوجدت الحاجّ في أهبة الرحيل فقصدت أميرها معروف خواجه فطلبت منه ما أمر لي به السلطان فعيّن لي شقّة محارة «288» وزاد أربعة من الرجال وماءهم، وكتب لي بذالك، ووجّه عن أمير الركب وهو البهلوان محمد الحويح «289» فأوصاه بي وكانت المعرفة بيني وبينه متقدّمة فزادها تأكيد ولم أزل في جواره وهو يحسن إلىّ ويزيد لي على ما أمر لي به. وأصابني عند خروجنا من الكوفة إسهال فكانوا ينزلونني من أعلى المحمل مرّات كثيرة في اليوم، والأمير يتفقّد حالي ويوصي بي، ولم أزل مريضا حتّى وصلت مكّة حرم الله تعالى زادها الله شرفا وتعظيما، وطفت بالبيت الحرام كرّمه الله تعالى طواف القدوم، وكنت ضعيفا بحيت أؤدّي المكتوبة قاعدا فطفت وسعيت بين الصّفا والمروة راكبا على فرس الأمير الحويح المذكور. ووقفنا تلك السنة يوم الاثنين «290» ، فلمّا نزلنا منى أخذت في الراحة والاستقلال من مرضى، ولمّا انقضى الحجّ أقمت مجاورا بمكّة تلك السّنة وكان بها الأمير علاء الدين بن هلال مشيّد الدّواوين مقيما لعمارة دار الوضوء بظاهر العطّارين من باب بني شيبة، وجاور في تلك السنة من المصريّين جماعة من كبراء كبرائهم منهم تاج الدّين بن الكويك «291» ، ونور الدين القاضي «292» ، وزين الدين بن الاصيل، وابن الخليليّ «293» ، وناصر الدين الأسيوطيّ،

وسكنت تلك السنة بالمدرسة المظفّريّة، وعافاني الله من مرضي فكنت في أنعم عيش وتفرّغت للطواف والعبادة والاعتمار. وأتى في أثناء تلك السنة حجّاج الصعيد وقدم معهم الشيخ الصالح نجم الدين الأصفونيّ «294» ، وهي أوّل حجّة حجّها، والاخوان علاء الدين عليّ، وسراج الدين عمر ابنا القاضي الصالح نجم الدين البالسيّ قاضي «295» مصر، وجماعة غيرهم وفي منتصف ذي القعدة وصل الامير سيف الدين يلملك، وهو من الفضلاء، ووصل في صحبته جماعة من أهل طنجة بلدي حرسها الله، منهم الفقيه أبو عبد الله محمد ابن القاضي أبي العبّاس ابن القاضي الخطيب أبي القاسم الجراويّ، والفقيه أبو عبد الله بن عطاء الله، والفقيه أبو محمد عبد الله الحضريّ، والفقيه أبو عبد الله المرسى، وأبو العبّاس ابن الفقيه أبي عليّ البلنسيّ، وأبو محمد بن القابلة وأبو الحسن البياريّ وأبو العبّاس ابن تافوت وأبو الصبر أيّوب الفخّار، وأحمد ابن حكّامة، ومن أهل قصر المجاز «296» الفقيه أبو زيد عبد الرحمن بن القاضي أبي العبّاس ابن خلوف، ومن أهل القصر الكبير «297» الفقيه أبو محمد بن مسلم وأبو اسحاق ابراهيم بن يحيى وولده. ووصل في تلك السنة الامير سيف الدين تقزدمور من الخاصّكية «298» ، والأمير

موسى بن قرمان «299» ، والقاضي فخر الدين ناظر «300» الجيش كاتب المماليك، والتاج اسحاق، والسّت حدق مربية «301» الملك الناصر، وكانت لهم صدقات عميمة بالحرم الشريف واكثرهم صدقة القاضي فخر الدين. وكانت وقفتنا في تلك السنة في يوم الجمعة من عام ثمانية وعشرين «302» ، وفي هذه السنة وصل أحمد بن الأمير رميثة «303» ومبارك بن الأمير عطيفة «304» من العراق صحبة الأمير محمد الحويح والشيخ زاده الحرباويّ، والشيخ دانيال «305» ، وأتوا بصدقات عظيمة للمجاورين وأهل مكّة، من قبل السلطان أبي سعيد ملك العراق، وفي تلك السنة ذكر اسمه في الخطبة بعد ذكر الملك الناصر ودعوا له بأعلى قبّة زمزم وذكروا بعده سلطان اليمن الملك المجاهد نور الدين «306» ، ولم يوافق الامير عطيفة على ذلك، وبعث شقيقه منصورا ليعلم الملك الناصر بذلك، فأمر رميثة بردّه فردّ، فبعثه ثانية على طريق جدّة حتى أعلم الملك الناصر بذلك، ووقفنا تلك السنة وهي سنة تسع وعشرين يوم الثلاثاء «307» .

ولمّا انقضى الحجّ أقمت مجاورا بمكّة حرسها الله سنة ثلاثين، وفي موسمها وقعت الفتنة بين أمير مكّة عطيفة وبين ايدمور أمير جندار الناصريّ «308» وسبب ذلك أنّ تجارا من أهل اليمن سرقوا، فتشكّوا إلى أيد مور بذلك، فقال ايدمور أمير لمبارك بن الامير عطيفة أيت بهؤلاء السرّاق! فقال: لا أعرفهم فكيف نأتي بهم؟ وبعد فأهل اليمن تحت حكمنا، ولا حكم عليهم لك، إن سرق لأهل مصر والشام شيء فاطلبني به، فشتمه أيدمور وقال له: يا قوّاد! تقول لي هكذا! وضربه على صدره، فسقط ووقعت عمامته عن رأسه، وغضب له عبيده، وركب أيدمور يريد عسكره، فلحقه مبارك وعبيده فقتلوه وقتلوا ولده، ووقعت الفتنة بالحرم، وكان به أمير أحمد ابن عمّ الملك الناصر. «309» ورمى الترك بالنشّاب فقتلوا امرأة قيل إنها كانت تحرّض أهل مكّة على القتال، وركب من بالركب من الأتراك واميرهم خاصّ ترك، فخرج إليهم القاضي والأئمة والمجاورون وفوق رؤوسهم المصاحف وحاولوا الصلح ودخل الحجّاج مكّة فأخذوا مالهم بها، وانصرفوا إلى مصر. وبلغ الخبر إلى الملك الناصر فشقّ عليه وبعث العساكر إلى مكّة ففرّ الأمير عطيفة وابنه مبارك وخرج أخوه رميثة وأولاده إلى وادي نخلة فلما وصل العسكر إلى مكّة بعث الامير رميثة أحد أولاده يطلب له الأمان ولولده فأمنوا وأتى رميثة وكفنه في يده إلى الامير فخلع عليه، وسلّمت إليه مكّة وعاد العسكر إلى مصر. وكان الملك الناصر رحمه الله حليما فاضلا.

الفصل السادس بين المحيط الهندي والخليج الفارسي

الفصل السادس بين المحيط الهندي والخليج الفارسي مغادرة جدّة في اتجاه اليمن من جزيرة سواكن إلى مدينة حلي في زبيد عاصمة الجمال والكمال التقاليد بين الهند واليمن صهاريج عدن التاريخية إلى زيلع ومقدشو- جزيرة منبسي- كلوا حضر موت- وشبه سكان المنطقة بصنهاجة المغاربة عمان الكبرى- بين قلهات وهرمز ... مغاصات اللؤلؤ وبلاد البحرين من البحرين إلى القطيف أداؤه مناسك الحج لعام 732

خريطة بين المحيط الهندي والخليج الفارسي

[جنوب الجزيرة - شرق افريقيا - الخليج]

[جنوب الجزيرة- شرق افريقيا- الخليج] فخرجت في تلك الأيّام من مكّة شرفها الله تعالى قاصدا بلاد اليمن فوصلت إلى حدّة «1» ، بالحاء المهمل المفتوح، وهي نصف الطريف ما بين مكّة وجدّة بالجيم المضموم، ثمّ وصلت إلى جدّة «2» وهي بلدة قديمة على ساحل البحر يقال إنها من عمارة «3» الفرس وبخارجها مصانع قديمة وبها جباب للماء منقورة في الحجر الصلد، يتّصل بعضها ببعض تفوت الإحصاء كثرة «4» وكانت هذه السنة قليلة المطر وكان الماء يجلب إلى جدّة على مسيرة يوم وكان الحجّاج يسألون الماء من أصحاب البيوت. حكاية [الأعمى والخاتم] ومن غريب ما اتّفق لي بجدّة انّه وقف على بابي سائل أعمى يطلب الماء يقوده غلام فسلّم عليّ وسمّاني باسمي وأخذ بيدي ولم أكن عرفته قطّ ولا عرفني، فعجبت من شأنه ثم أمسك إصبعي بيده، وقال اين الفتخة؟ وهي الخاتم، وكنت حين خروجي من مكّة قد لقيني بعض الفقراء وسألني، ولم يكن عندي في ذلك الحين شيء، فدفعت له خاتمي، فلما سألني عنه

حكاية [الدراهم المخبوءة بالعديلة]

هذا الأعمى قلت له أعطيته لفقير، فقال: ارجع في طلبه فإنّ فيه أسماء مكتوبة فيها سرّ من الأسرار، فطال تعجّبي منه ومن معرفته بذلك كلّه، والله أعلم بحاله. وبجدّه جامع يعرف بجامع الآبنوس «5» معروف البركة يستجاب فيه الدعاء، وكان الامير بها أبا يعقوب بن عبد الرزّاق وقاضيها وخطيبها الفقيه عبد الله من أهل مكّة شافعيّ المذهب، وإذا كان يوم الجمعة واجتمع الناس للصلاة أتى المؤذّن وعدّ أهل جدّة المقيمين بها، فإن كملوا أربعين خطب وصلّى بهم الجمعة وان لم يبلغ عددهم أربعين صلّى ظهرا أربعا، ولا يعتبر من ليس من أهلها وان كانوا عددا كثيرا «6» . ثم ركبنا من جدّة في مركب يسمّونه الجلبة «7» وكان لرشيد الدين الألفي اليمنيّ الحبشيّ الأصل، وركب الشريف منصور بن أبى نمّى «8» في جلبة أخرى ورغب منّي أن أكون معه فلم أفعل لكونه كان معه في جلبته الجمال فخفت من ذلك، ولم أكن ركبت البحر قبلها وكان هنالك جملة من أهل اليمن قد جعلوا ازوادهم وامتعتهم في الجلب وهم متأهبون للسفر. حكاية [الدّراهم المخبوءة بالعديلة] ولمّا ركبنا البحر أمر الشريف منصور أحد غلمانه أن يأتيه بعديلة دقيق، وهي نصف حمل، وبطّة سمن يأخذهما من جلب أهل اليمن، فأخذهما وأتى بهما إليه فأتاني التّجار باكين، وذكروا لي أن في جوف تلك العديلة عشرة الاف درهم نقرة، ورغبوا منّي أن أكلّمه في ردّها وأن يأخذ سواها، فأتيته وكلّمته في ذلك وقلت له: إنّ للتجار في جوف هذه العديلة شيئا، فقال: إن كان سكرا فلا أردّه اليهم، وان كان سوى ذلك فهو لهم، ففتحوها فوجدوا

نموذج من الفن التصويري عند العرب يذكرنا في الكثير من المشاهد التي يصفها ابن بطوطة في رحلته ... الصورة تمثل مركبا من إحدى مقامات الحريري: المقامة 39. ليننگراد المعهد الشرقي لأكاديمية العلوم.

الدراهم فردّها عليهم، وقال لي: لو كان عجلان ما ردّها، وعجلان هو ابن أخيه رميثة، وكان قد دخل في تلك الأيام دار تاجر من أهل دمشق قاصدا لليمن فذهب بمعظم ما كان فيها، وعجلان هو أمير مكّة على هذا العهد، وقد صلح حاله واظهر العدل والفضل. ثم سافرنا في هذا البحر بالرّيح الطّيبة يومين وتغيّرت الرّيح بعد ذالك وصدّتنا عن السبيل التي قصدناها ودخلت أمواج البحر معنا في المركب واشتدّ الميد بالناس ولم نزل في أهوال حتى خرجنا في مرسى يعرف برأس دوائر، فيما بين عيذاب وسواكن «9» ، فنزلنا به ووجدانا بساحله عريش قصب على هيئة مسجد، وفيه كثير من قشور بيض النّعام مملوّة ماء فشربنا منه وطبخنا. ورأيت بذلك المرسى عجبا وهو خور مثل الوادي يخرج من البحر، فكان الناس يأخذون الثوب ويمسكون بأطرافه ويخرجون به وقد امتلأ سمكا. كلّ سمكة منها قدر الذراع ويعرفونه بالبوريّ، فطبخ منه الناس كثيرا واشتووا وقصدت إلينا طائفة من البجاة، وهم سكّان تلك الأرض سود الألوان لباسهم الملاحف الصفر ويشدّون على رءوسهم عصائب حمرا في عرض الإصبع «10» ، وهم أهل نجدة وشجاعة وسلاحهم الرّماح والسيوف ولهم جمال يسمونها الصّهب يركبونها بالسروج، فاكترينا منهم الجمال وسافرنا معهم في برّيّة كثيرة الغزلان، والبجاة لا يأكلونها فهي تأنس بالآدميّ ولا تنفر منه. وبعد يومين من مسيرنا وصلنا إلى حيّ من العرب يعرفون بأولاد كاهل مختلطين بالبجاة عارفين بلسانهم، وفي ذلك اليوم وصلنا إلى جزيرة سواكن وهي على نحو ستّة اميال من البرّ «11» ولا ماء بها ولا زرع ولا شجر، والماء يجلب اليها في القوارب، وفيها صهاريج يجتمع بها ماء المطر وهي جزيرة كبيرة وبها لحوم النّعام والغزلان وحمر الوحش، والمعزى

ذكر سلطانها

عندهم كثير والألبان والسمن ومنها يجلب إلى مكّة وحبوبهم الجرجور وهو نوع من الذرة كبير الحبّ يجلب منها ايضا إلى مكّة. ذكر سلطانها وكان سلطان جزيرة سواكن حين وصولي اليها الشريف زيد بن أبي نمّى «12» وأبوه أمير مكّة وأخواه أميراها بعده، وهما عطيفة ورميثة اللذان تقدّم ذكرهما، وصارت إليه من قبل البجاة فانّهم أخواله، ومعه عسكر من البجاة وأولاد كاهل وعرب جهينة. وركبنا «13» البحر من جزيرة سواكن نريد أرض اليمن، وهذا البحر لا يسافر فيه بالليل لكثرة أحجاره وانّما يسافرون فيه من طلوع الشمس إلى غروبها ويرسون وينزلون إلى البرّ، فإذا كان الصباح صعدوا إلى المركب وهم يسمّون رئيس المركب الرّبان «14» ، ولا يزال أبدا في مقدم المركب ينبّه صاحب السكّان «15» على الأحجار، وهم يسمّونها النّبات. وبعد ستّة أيّام من خروجنا عن جزيرة سواكن وصلنا إلى مدينة حلي «16» ، وضبط اسمها بفتح الحاء المهمل وكسر اللام وتخفيفها، وتعرف باسم ابن يعقوب وكان من سلاطين

ذكر سلطان حلي

اليمن ساكنا بها قديما وهي كبيرة حسنة العمارة يسكنها طائفتان من العرب وهم بنو حرام وبنو كنانة «17» ، وجامع هذه المدينة من أحسن الجوامع وفيه جماعة من الفقراء المنقطعين إلى العبادة منهم الشيخ الصالح العابد الزاهد قبولة الهنديّ من كبار الصالحين، لباسه مرقّعة وقلنوسة لبد، وله خلوة متّصلة بالمسجد فرشها الرمل، لا حصير بها ولا بساط، ولم أر بها حين لقاءي له شيئا الا إبريق الوضوء، وسفرة من خوص النخيل فيها كسر شعير يابسة، وصحيفة فيها ملح وصعتر، فإذا جاءه أحد قدّم بين يديه ذلك، ويسمع به أصحابه فيأتي كلّ واحد منهم بما حضره من غير تكلّف شيء وإذا صلّوا العصر اجتمعوا للذّكر بين يدي الشيخ إلى صلاة المغرب وإذا صلّوا المغرب أخذ كلّ واحد منهم موقفه للتنفّل فلا يزالون كذلك إلى صلاة العشاء الآخرة فإذا صلوا العشاء الآخرة أقاموا على الذّكر إلى ثلث الليل ثم انصرفوا ويعودون في أوّل الثلث الثالث إلى المسجد، فيتهجّدون إلى الصبح ثم يذكرون إلى أن تحين صلاة الإشراق فينصرفون بعد صلاتها.، منهم من يقيم إلى أن يصلّي صلاة الضّحى بالمسجد، وهذا دأبهم أبدا ولقد كنت أردت الاقامة معهم باقي عمري فلم أوفق لذلك والله تعالى يتداركنا بلطفه وتوفيقه! ذكر سلطان حلي وسلطانها عامر بن ذؤيب من بني كنانة «18» وهو من الفضلاء الأدباء الشعراء صحبته من مكّة إلى جدّة وكان حجّ في سنة ثلاثين، ولمّا قدمت مدينته أنزلني وأكرمني وأقمت في ضيافته أيّاما وركبت البحر في مركب له فوصلت إلى بلدة السرجة «19» ، وضبط اسمها بفتح السين المهمل واسكان الرّاء وفتح الجيم، بلدة صغيرة يسكنها جماعة من أولاد

الهبي «20» ، وهم طائفة من تجار اليمن أكثرهم ساكنون بصعداء «21» ولهم فضل وكرم واطعام لابناء السبيل، ويعينون الحجّاج ويركبونهم في مراكبهم، ويزوّدونهم من أموالهم وقد عرفوا بذلك واشتهروا به، وكثّر الله أموالهم وزادهم من فضله وأعانهم على فعل الخير. وليس بالأرض من يماثلهم في ذلك إلّا الشيخ بدر الدين النقّاس الساكن ببلدة القحمة «22» ، فله مثل ذلك من الماثر والائثار. وأقمنا بالسّرجة ليلة واحدة في ضيافة المذكورين، ثمّ رحلنا إلى مرسى الحادث «23» ولم ننزل به، ثم إلى مرسى الأبواب «24» ثم إلى مدينة زبيد، «25» مدينة عظيمة باليمن بينها وبين صنعاء أربعون فرسخا وليس باليمن بعد صنعاء أكبر منها ولا أغنى من أهلها،

أمام قاضي صعدة من مقامة الحريري السابعة والثلاثين مدينة زبيد

واسعة البساتين كثيرة المياه والفواكه من الموز وغيره وهي برّيّة لا شطّيّة إحدى قواعد بلاد اليمن، وهي بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة، مدينة كبيرة كثيرة العمارة بها النخل والبساتين والمياه، أملح بلاد اليمن وأجملها ولأهلها لطافة الشمائل وحسن الأخلاق وجمال الصور ولنسائها الحسن الفائق الفائت وهي وادي الحصيب الذي يذكر في بعض الآثار أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ في وصيّته: يا معاذ إذا جئت وادي الحصيب فهرول!! «26» ولأهل هذه المدينة سبوت النخل المشهورة «27» ، وذلك انّهم يخرجون في أيّام البسر والرّطب في كلّ سبت إلى حدائق النخل، ولا يبقى بالمدينة أحد من أهلها ولا من الغرباء، ويخرج أهل الطرب وأهل الاسواق لبيع الفواكه والحلاوات، وتخرج النساء ممتطيات الجمال في المحامل، ولهنّ مع ما ذكرناه من الجمال الفائت الاخلاق الحسنة والمكارم «28» ، وللغريب عندهنّ مزيّة ولا يمتنعن من تزوّجه كما يفعله نساء بلادنا، فإذا أراد السفر خرجت معه وودّعته وإن كان بينهما ولد فهي تكفله وتقوم بما يجب له إلى أن يرجع أبوه ولا تطالبه في أيّام الغيبة بنفقة ولا كسوة ولا سواها وإذا كان مقيما فهي تقنع منه بقليل النفقة والكسوة لاكنّهنّ لا يخرجن عن بلدهنّ أبدا ولو أعطيت إحداهن ما عسى أن تعطاه على أن تخرج عن بلدها لم تفعل. وعلماء تلك البلاد وفقهاؤها أهل صلاح ودين وأمانة ومكارم وحسن خلق، ولقيت بمدينة زبيد الشيخ العالم الصالح أبا محمّد الصنعانيّ، والفقيه الصوفي المحقّق أبا العباس الأبيانيّ، والفقيه المحدّث أبا عليّ الزّبيديّ، ونزلت في جوارهم فأكرموني وأضافوني، ودخلت حدائقهم واجتمعت عند بعضهم بالفقيه القاضي العالم أبي زيد عبد الرحمن الصوفي أحد

فضلاء اليمن ووقع عنده ذكر العابد الزاهد الخاشع أحمد بن العجيل اليمنيّ «29» وكان من كبار الرجال وأهل الكرامات. كرامة، ذكروا أنّ فقهاء الزيديّة وكبراءهم أتوا مرّة إلى زيارة الشيخ أحمد بن العجيل فجلس لهم خارج الزاوية واستقبلهم أصحابه ولم يبرح الشيخ عن موضعه فسلّموا عليه وصافحهم ورحّب بهم ووقع بينهم الكلام في مسألة القدر «30» ، وكانوا يقولون: أن لا قدر، وان المكلّف يخلق أفعاله، فقال لهم الشيخ: فإن كان الأمر على ما تقولون فقوموا عن مكانكم هذا فأرادوا القيام، فلم يستطيعوا، وتركهم الشيخ على حالهم ودخل الزاوية، وأقاموا كذلك واشتدّ بهم الحرّ ولحقهم وهج الشمس وضجّوا ممّا نزل بهم، فدخل اصحاب الشيخ إليه وقالوا له إن هؤلاء القوم قد تابوا إلى الله ورجعوا عن مذهبهم الفاسد، فخرج عليهم الشيخ فأخذ بأيديهم وعاهدهم على الرجوع إلى الحقّ وترك مذهبهم السّيء، وأدخلهم زاويته فاقاموا في ضيافته ثلاثا وانصرفوا إلى بلادهم. وخرجت لزيارة قبر هذا الرجل الصالح وهو بقرية يقال لها: غسانة «31» خارج زبيد، ولقيت ولده الصالح أبا الوليد إسماعيل «32» فأضافني وبتّ عنده، وزرت ضريح الشيخ وأقمت معه ثلاثا، وسافرت في صحبته إلى زيارة الفقيه أبي الحسن الزيلعيّ «33» ، وهو من كبار الصالحين ويقدم حجّاج اليمن اذا توجّهوا للحجّ، وأهل تلك البلاد وأعرابها يعظمونه

ذكر سلطان اليمن

ويحترمونه. فوصلنا إلى جبله «34» وهي بلدة صغيرة حسنة ذات نخل وفواكه وأنهار، فلمّا سمع الفقيه أبو الحسن الزيلعيّ بقدوم الشيخ أبي الوليد استقبله وأنزله بزاويته وسلّمت عليه معه، وأقمنا عنده ثلاثة أيّام في خير مقام، ثم انصرفنا وبعث معنا أحد الفقراء فتوجّهنا إلى مدينة تعزّ حضرة ملك اليمن، وضبط اسمها بفتح التاء المعلوّة وكسر العين المهملة وزاء، وهي من أحسن مدن اليمن واعظمها، وأهلها ذوو تجبّر وتكبّر وفظاظة، وكذلك الغالب على البلاد التي يسكنها الملوك، وهي ثلاث محلّات إحداها يسكنها السلطان ومماليكه وحاشيته وأرباب دولته وتسمّى باسم لا أذكره، والثانية يسكنها الأمراء والأجناد، وتسمّى عدينة، والثالثة يسكنها عامّة الناس وبها السوق العظمى، وتسمّى المحالب «35» . ذكر سلطان اليمن وهو السلطان المجاهد نور الدين «36» عليّ ابن السلطان المؤيد هزبر الدين داوود بن السلطان المظفّر يوسف بن عليّ ابن رسول، شهر جدّه برسول لان أحد خلفاء بني العبّاس أرسله إلى اليمن ليكون بها أميرا، ثم استقلّ اولاده بالملك. وله ترتيب عجيب في قعوده وركوبه، وكنت لمّا وصلت هذه المدينة مع الفقير الذي بعثه الشيخ الفقيه أبو الحسن الزيلعيّ

مدينة جبله مدينة تعز

في صحبتي، قصد بي إلى قاضي القضاة الإمام المحدّث صفيّ الدين الطبريّ المكّي «37» فسلمنا عليه ورحّب بنا وأقمنا بداره في ضيافته ثلاثا، فلمّا كان في اليوم الرابع وهو يوم الخميس، وفيه يجلس السلطان لعامّة الناس دخل بي عليه فسلّمت عليه، وكيفيّة السلام عليه أن يمسّ الانسان الأرض بسبّابته، ثمّ يرفعها إلى رأسه، ويقول: ادام الله عزّك، ففعلت كمثل ما فعله القاضي، وقعد القاضي عن يمين الملك، وأمرني فقعدت بين يديه فسألني عن بلادي وعن مولانا أمير المسلمين جواد الأجواد أبي سعيد رضي الله عنه «38» ، وعن ملك مصر وملك العراق وملك اللّور، فأجبته عمّا سأل من أحوالهم وكان وزيره بين يديه فأمره بإكرامي وإنزالي. وترتيب قعود هذا الملك أنّه يجلس فوق دكّانة مفروشة مزيّنة بثياب الحرير، وعن يمينه ويساره أهل السلاح، ويليه منهم أصحاب السيوف والدّرق، ويليهم أصحاب القسيّ، وبين يديهم في الميمنة والميسرة الحاجب، وأرباب الدولة وكاتب السرّ وأمير جندار على رأسه، والشاوشيّة، وهم من الجنادرة وقوف على بعد، فإذا قعد السلطان صاحوا صيحة واحدة: بسم الله، فإذا قام فعلوا مثل ذالك، فيعلم جميع من بالمشور وقت قيامه ووقت قعوده، فإذا استوى قاعدا دخل كلّ من عادته أن يسلّم عليه فسلّم ووقف حيث رسم له في الميمنة أو الميسرة لا يتعدّى أحد موضعه ولا يقعد إلّا من أمر بالقعود. ويقول السلطان للأمير جندار: مر فلانا يقعد، فيتقدّم ذلك المأمور بالقعود عن موقفه قليلا، ويقعد على بساط هنالك بين أيدي القائمين في الميمنة والميسرة، ثم يوتي بالطعام، وهو طعامان طعام العامّة وطعام الخاصّة، فأمّا الطعام الخاصّ فيأكل منه السلطان وقاضي القضاة والكبار من الشرفاء ومن الفقهاء والضيوف وأمّا الطعام العامّ فيأكل منه سائر الشرفاء والفقهاء والقضاة والمشايخ والأمراء ووجوه الأجناد، ومجلس كلّ انسان للطعام معيّن لا يتعدّاه، ولا يزاحم أحد منهم أحدا. وعلى هذا الترتيب سواء هو ترتيب ملك الهند في طعامه، فلا أعلم هل أن سلاطين الهند أخذوا ذلك عن سلاطين اليمن أم سلاطين اليمن أخذوه عن سلاطين الهند.

معصرة السمسم في صنعاء لقد كان لسبأ في مساكنهم آية ...

وأقمت في ضيافة سلطان اليمن أيّاما، وأحسن إليّ وأركبني، وانصرفت مسافرا إلى مدينة صنعاء «39» ، وهي قاعدة بلاد اليمن الأولى، مدينة كبيرة حسنة العمارة بناؤها بالأجرّ والجصّ، كثيرة الأشجار والفواكه والزرع معتدلة الهواء طيّبة الماء، ومن الغريب أن المطر ببلاد الهند واليمن والحبشة إنّما ينزل في أيام القيظ، وأكثر ما يكون نزوله بعد الظهر «40» من كلّ يوم في ذلك الأوان، فالمسافرون يستعجلون عند الزوال لئلّا يصيبهم المطر، وأهل المدينة ينصرفون إلى منازلهم لأن امطارها وابلة متدفّقة. ومدينة صنعاء مفروشة كلّها فإذا نزل المطر غسل جميع أزقّتها وأنقاها وجامع صنعاء من أحسن الجوامع، وفيه قبر نبيّ من الأنبياء عليهم السلام. ثمّ سافرت منها إلى مدينة عدن «41» مرسى بلاد اليمن على ساحل البحر الاعظم، والجبال تحفّ بها ولا مدخل اليها الّا من جانب واحد، وهي مدينة كبيرة ولا زرع بها ولا شجر ولا ماء، وبها صهاريج يجتمع فيها الماء أيّام المطر «42» والماء على بعد منها فربّما منعته العرب وحالوا بين أهل المدينة وبينه حتّى يصانعوهم بالمال والثياب، وهي شديدة الحرّ،

صهاريج عدن ورد ذكرها عند ابن بطوطة وقبله عند ابن المجاور قلعة صيرة- عدن

حكاية [كبش يعتق عبدا]

وهي مرسى أهل الهند تأتي إليها المراكب العظيمة من كنباية وتانة، وكولم، وقالقوط، وفندرانية، والشاليات، ومنجرور، وفاكنور، وهنور، وسندابور، وغيرها «43» ، وتجار الهند ساكنون بها وتجار مصر ايضا. وأهل عدن ما بين تجار وما بين حمّالين وصيّادين للسّمك وللتجار منهم أموال عريضة وربّما يكون لأحدهم المركب العظيم بجميع ما فيه لا يشاركه فيه غيره لسعة ما بين يديه من الأموال، ولهم في ذلك تفاخر ومباهاة. حكاية [كبش يعتق عبدا] ذكر لي أن بعضهم «44» بعث غلاما له ليشتري له كبشا وبعث اخر منهم غلاما له برسم ذلك أيضا، فاتّفق أنّه لم يكن بالسوق في ذلك اليوم إلّا كبش واحد فوقعت المزايدة فيه بين الغلامين، فانتهى ثمنه إلى أربع مائة دينار، فأخذه أحدهما، وقال: إنّ رأس مالي أربع مائة دينار، فإن أعطاني مولاي ثمنه فحسن والّا دفعت فيه رأس مالي ونصرت نفسي وغلبت صاحبي، وذهب بالكبش إلى سيّده فلمّا عرف سيّده بالقضية أعتقه وأعطاه الف دينار وعاد الآخر إلى سيّده خائبا فضربه وأخذ ماله ونفاه عنه! ونزلت في عدن عند تاجر يعرف بناصر الدين الفأريّ. فكان يحضر طعامه في كلّ ليلة نحو عشرين من التجار، وله غلمان وخدّام أكثر من ذلك، ومع هذا كلّه فهم أهل دين وتواضع وصلاح ومكارم أخلاق يحسنون إلى الغريب ويؤثرون على الفقير، ويعطون حقّ الله من الزكاة على ما يجب، ولقيت بهذه المدينة قاضيها الصالح سالم بن عبد الله الهنديّ، وكان والده من العبيد الحمّالين واشتغل ابنه بالعلم فرأس وساد، وهو من خيار القضاة وفضلائهم، أقمت في ضيافته أيّاما.

وسافرت من مدينة عدن في البحر أربعة أيّام «45» ووصلت إلى مدينة زيلع «46» وهي مدينة البربرة، وهم طائفة من السودان «47» شافعيّة المذهب وبلادهم مسيرة شهرين أوّلها زيلع وآخرها مقدشو، ومواشيهم الجمال ولهم أغنام مشهورة السّمن. وأهل زيلع سود الألوان وأكثرهم رافضة، وهي مدينة كبيرة لها سوق عظيمة إلّا أنّها أقذر مدينة في المعمور وأوحشها وأكثرها نتنا، وسبب نتنها كثرة سمكها ودماء الإبل التي ينحرونها في الأزقّة. ولمّا وصلنا إليها اخترنا المبيت بالبحر على شدّة هوله ولم نبت بها لقذرها.

ثم سافرنا منها في البحر خمس عشرة ليلة، ووصلنا مقدشو4» ، وضبط اسمها بفتح الميم واسكان القاف وفتح الدال المهمل والشين المعجم واسكان الواو. وهي مدينة متناهية في الكبر، وأهلها لهم جمال كثيرة ينحرون منها المئين في كل يوم، ولهم أغنام كثيرة وأهلها تجار أقوياء وبها تصنع الثياب المنسوبة إليها التي لا نظير لها، ومنها تحمل إلى ديار مصر وغيرها «49» . ومن عادة أهل هذه المدينة أنّه متى وصل مركب إلى المرسى تصعد الصنابق، وهي القوارب الصغار إليه، ويكون في كل صنبوق جماعة من شبّان أهلها فيأتي كلّ واحد منهم بطبق مغطّى، فيه الطعام فيقدّمه لتاجر من تجار الركب، ويقول: هذا نزيلي، وكذلك يفعل كلّ واحد منهم، ولا ينزل التاجر من المركب إلّا إلى دار نزيله من هؤلاء الشبّان الّا من كان كثير التردّد إلى البلد وحصلت له معرفة أهله فانه ينزل حيث شاء فإذا نزل عند نزيله باع له ما عنده واشترى له، ومن اشترى منه ببخس أو باع منه بغير حضور نزيله فذلك البيع مردود عندهم، ولهم منفعة في ذلك. ولمّا صعد الشبان إلى المركب الذي كنت فيه جاء إليّ بعضهم، فقال له أصحابي: ليس هذا بتاجر وإنما هو فقيه! فصاح بأصحابه وقال لهم: هذا نزيل القاضي، وكان فيهم أحد أصحاب القاضي فعرّفه بذلك، فأتى إلى ساحل البحر في جملة من الطلبة، وبعث إليّ أحدهم فنزلت أنا وأصحابي وسلّمت على القاضي وأصحابه، وقال لي: بسم الله نتوجّه للسلام على الشيخ، فقلت: ومن الشيخ؟ فقال: السلطان، وعادتهم ان يقولوا للسلطان الشيخ، فقلت له: إذا نزلت توجّهت إليه، فقال لي: إن العادة إذا جاء الفقيه أو الشريف أو الرجل الصالح لا ينزل حتّى يرى السلطان، فذهبت معهم إليه كما طلبوا.

ذكر سلطان مقدشو

ذكر سلطان مقدشو وسلطان مقدشو، كما ذكرناه، إنما يقولون له الشيخ واسمه أبو بكر بن الشيخ «50» عمر، وهو في الأصل من البربرة وكلامه بالمقدشيّ، ويعرف اللسان العربيّ، ومن عوائده أنه متى وصل مركب يصعد إليه صنبوق السلطان، فيسأل عن المركب من أين قدم، ومن صاحبه، ومن ربّانه، وهو الرايس، وما وسقه، ومن قدم فيه من التجار وغيرهم، فيعرف بذلك كلّه ويعرض على السلطان، فمن استحقّ أن ينزله عنده أنزله. ولمّا وصلت مع القاضي المذكور، وهو يعرف بابن البرهان المصريّ الاصل «51» ، إلى دار السلطان خرج بعض الفتيان فسلّم على القاضي، فقال له: بلّغ الامانة وعرّف مولانا الشيخ أن هذا الرجل قد وصل من أرض الحجاز، فبلّغ ثم عاد وأتى بطبق فيه أوراق التنبول «52» والفوفل، فأعطاني عشرة أوراق مع قليل من الفوفل، وأعطى للقاضي كذلك، وأعطى لأصحابي ولطلبة القاضي ما بقى في الطبق وجاء بقمقم من ماء الورد الدمشقّي فسكب عليّ وعلى القاضي، وقال: إن مولانا أمر أن ينزل بدار الطلبة وهي دار معدّة لضيافة الطلبة، فأخذ القاضي بيدي، وجئنا إلى تلك الدار وهي بمقربة من دار الشيخ مفروشة مرتّبة بما تحتاج إليه ثمّ أتى بالطعام من دار الشيخ ومعه أحد وزرائه وهو الموكّل بالضيوف، فقال: مولانا يسلّم عليكم ويقول لكم: قدمتم خير مقدم، ثم وضع الطعام، فأكلنا وطعامهم الأرز المطبوخ بالسّمن يجعلونه في صحفة خشب كبيرة ويجعلون فوقه صحاف الكوشان «53» ، وهو الإدام من الدجاج واللحم والحوت والبقول، ويطبخون الموز قبل نضجه في اللبن الحليب،

ويجعلونه في صحفة، ويجعلون اللبن المريّب في صحفة، ويجعلون عليه الليمون المصيّر «54» ، وعناقيد الفلفل المصيّر المخلّل والمملوح، والزنجبيل الأخضر، والعنبا، وهي مثل التفّاح، ولكن لها نواة، وهي، إذا نضجت، شديدة الحلاوة، وتؤكل كالفاكهة وقبل نضجها حامضة كالليمون، يصيّرونها في الخلّ، وهم إذا أكلوا لقمة من الأرز أكلوا بعدها من هذه الموالح والمخلّلات، والواحد من أهل مقدشو يأكل قدر ما تاكله الجماعة منّا، عادة لهم وهم في نهاية من ضخامة الجسوم وسمنها، ثم لمّا طعمنا انصرف عنّا القاضي، وأقمنا ثلاثة أيام يوتي إلينا بالطعام ثلاث مرّات في اليوم وتلك عادتهم، فلمّا كان في اليوم الرابع وهو يوم الجمعة جاءني القاضي والطلبة وأحد وزراء الشيخ وأتوني بكسوة، وكسوتهم فوطة خزّيشدّها الإنسان في وسطه عوض السّراويل فانّهم لا يعرفونها، ودرّاعة من المقطع المصريّ معلمة، وفرجيّة «55» من القدسي «56» مبطّنة وعمامة مصريّة معلمة، وأتو لأصحابي بكسى تناسبهم واتينا الجامع فصلّينا خلف المقصورة «57» ، فلما خرج الشيخ من باب المقصورة سلّمت عليه مع القاضي، فرحّب وتكلّم بلسانهم مع القاضي، ثم قال باللسان العربيّ: قدمت خير مقدم، وشرّفت بلادنا وانستنا، وخرج إلى صحن المسجد فوقف على قبر والده وهو مدفون هنالك فقرأ ودعا ثم جاء الوزراء والأمراء ووجوه الاجناد فسلّموا، وعادتهم في السلام كعادة أهل اليمن: يضع سبّابته في الأرض ثم يجعلها على رأسه ويقول: أدام الله عزّك، ثم خرج الشيخ من باب المسجد فلبس نعليه وأمر القاضي أن ينتعل وأمرني أن أنتعل، وتوجّه إلى منزله ماشيا وهو

بالقرب من المسجد ومشى الناس كلّهم حفاة ورفعت فوق رأسه أربع قباب «58» من الحرير الملوّن، وعلى كل قبّة صورة طائر من ذهب. وكان لباسه في ذلك اليوم فرجيّة قدسي «59» أخضر تحتها من ثياب مصر وطروحاتها «60» الحسان، وهو متقلّد بفوطة حرير معتّم بعمامة كبيرة، وضربت بين يديه الطبول والأبواق والأنفار، وأمراء الأجناد أمامه وخلفه، والقاضي والفقهاء والشرفاء معه، ودخل إلى مشوره على تلك الهيئة، وقعد الوزراء والأمراء ووجوه الأجناد في سقيفة هنالك، وفرش للقاضي بساط لا يجلس معه غيره عليه، والفقهاء والشرفاء معه، ولم يزالوا كذلك إلى صلاة العصر، فلمّا صلّوا العصر مع الشيخ أتى جميع الأجناد ووقفوا صفوفا على قدر مراتبهم، ثم ضربت الأطبال والأنفار والصّرنايات وعند ضربها لا يتحرّك أحد ولا يتزحزح عن مقامه، ومن كان ماشيا وقف فلم يتحرّك إلى خلف ولا إلى أمام «61» ، فإذا افرغ من ضرب الطّبلخانة «62» سلّموا بأصابعهم كما ذكرنا وانصرفوا. وتلك عادة لهم في كل يوم جمعة وإذا كان يوم السبت ياتي الناس إلى باب الشيخ فيقعدون في سقائف خارج الدار، ويدخل القاضي والفقهاء والشرفاء والصالحون والمشايخ والحجّاج إلى المشور الثاني فيقعدون على دكاكين خشب معدّة لذلك، ويكون القاضي على دكّانة وحده، وكلّ صنف على دكّانة تخصّهم لا يشاركهم فيها سواهم، ثم يجلس الشيخ بمجلسه ويبعث عن القاضي فيجلس عن يساره ثم يدخل الفقهاء فيقعد كبراؤهم بين يديه وسائرهم يسلّمون وينصرفون، ثم يدخل الشرفاء فيقعد كبراؤهم بين يديه ويسلّم سائرهم وينصرفون، وإن كانوا ضيوفا جلسوا عن يمينه، ثم يدخل المشايخ والحجّاج فيجلس كبراؤهم ويسلم سائرهم وينصرفون، ثم يدخل الوزراء ثم الأمراء ثم وجوه الأجناد طائفة بعد طائفة أخرى فيسلّمون وينصرفون ويؤتى بالطعام فيأكل بين يدي الشيخ القاضي والشرفاء ومن كان قاعدا بالمجلس، ويأكل الشيخ معهم، وإن أراد تشريف أحد من كبار أمرائه بعث عنه فأكل

اطلال المسجد الأعظم في كلوة (I.B.In BLACK AFRICA)

معهم ويأكل سائر الناس بدار الطعام وأكلهم على ترتيب مثل ترتيبهم في الدخول على الشيخ ثم يدخل الشيخ إلى داره ويقعد القاضي والوزراء وكاتب السرّ وأربعة من كبار الأمراء للفصل بين الناس وأهل الشكايات، فما كان متعلّقا بالأحكام الشرعيّة حكم فيه القاضي وما كان من سوى ذلك حكم فيه أهل الشورى وهم الوزراء والأمراء، وما كان مفتقرا إلى مشاورة السلطان كتبوا إليه فيه فيخرج لهم الجواب من حينه على ظهر البطاقة بما يقتضيه نظره وتلك عادتهم دائما. ثم ركبت البحر من مدينة مقدشو متوجّها إلى بلاد السواحل «63» قاصدا مدينة كلوا من بلاد الزنوج «64» ، فوصلنا إلى جزيرة منبسى، وضبط اسمها ميم مفتوحة ونون مسكّن وباء موحدة مفتوحة وسين مهمل مفتوح وياء، وهي جزيرة كبيرة «65» بينها وبين أرض السواحل مسيرة يومين في البحر ولا برّ ولها أشجار الموز والليمون والأترج، ولهم فاكهة يسمّونها الجمّون «66» وهي شبه الزيتون ولها نوى كنواه إلّا أنها شديدة الحلاوة، ولا زرع عند أهل هذه الجزيرة وانّما يجلب اليهم من السواحل، وأكثر طعامهم الموز والسمك، وهم شافعيّة المذهب أهل دين وعفاف وصلاح، ومساجدهم من الخشب محكمة الإتقان، وعلى كلّ باب من أبواب المساجد البئر والثنتان، وعمق أبارهم ذراع أو ذراعان، فيستقون منها الماء بقدح خشب قد غرز فيه عود رقيق في طول الذراع والأرض حول البئر والمسجد مسطّحة، فمن أراد دخول المسجد غسل رجليه، ودخل، ويكون على بابه قطعة حصير غليظ يمسح بها رجليه، ومن أراد الوضوء أمسك القدح بين فخذيه، وصبّ على يديه، وتوضأ وجميع الناس يمشون حفاة الأقدام.

وبتنا بهذه الجزيرة ليلة وركبنا البحر إلى مدينة كلوا «67» ، وضبط اسمها بضم الكاف واسكان اللام وفتح الواو، وهي مدينة عظيمة ساحلية أكثر اهلها الزنوج المستحكمو السواد، ولهم شرطات في وجوههم كما هي في وجوه اللّيميين من جناوة «68» ، وذكر لي بعض التجار أن مدينة سفالة «69» على مسيرة نصف شهر من مدينة كلو، وأن بين سفالة ويوفي من بلاد اللّميين مسيرة شهر، ومن يوفى يوتى بالتبر إلى سفالة «70» . ومدينة كلوا من أحسن المدن واتقنها عمارة، وكلّها بالخشب وسقف بيوتها الدّيس 7» ، والأمطار بها كثيرة وهم أهل جهاد لأنّهم في برّ واحد متّصل مع كفار الزنوج والغالب عليهم الدين والصلاح وهم شافعيّة المذهب.

ذكر سلطان كلوا

ذكر سلطان كلوا وكان سلطانها في عهد دخولي إليها أبو المظفّر حسن، ويكنّى أيضا أبا المواهب «72» لكثرة مواهبه ومكارمه، وكان كثير الغزو إلى أرض الزنوج يغير عليهم ويأخذ الغنائم فيخرج خمسها ويصرفه في مصارفه المعيّنة في كتاب الله تعالى «73» ، ويجعل نصيب ذوي القربى في خزانة على حدة «74» ، فإذا جاءه الشرفاء دفعه إليهم. وكان الشرفاء يقصدونه من العراق والحجاز وسواها، ورأيت عنده من شرفاء الحجاز جماعة منهم محمد بن جمّاز، ومنصور بن لبيدة بن أبي نمّى، ومحمد بن شميلة بن أبي نمى، ولقيت بمقدشو تبل بن كبيش بن جماز «75» ، وهو يريد القدوم عليه، وهذا السلطان له تواضع شديد ويجلس مع الفقراء وياكل معهم ويعظّم أهل الدين والشرف. حكاية من مكارمه حضرته يوم جمعة وقد خرج من الصلاة قاصدا إلى داره فتعرّض له أحد الفقراء اليمنيّين، فقال له: أبا المواهب، فقال: لبّيك يا فقير ما حاجتك؟ قال: أعطني هذه الثياب التي عليك، فقال له: نعم أعطيكها، قال: الساعة، قال: نعم الساعة، فرجع إلى المسجد ودخل بيت الخطيب فلبس ثيابا سواها وخلع تلك الثياب وقال للفقير: ادخل فخذها فدخل الفقير وأخذها وربطها في منديل وجعلها فوق رأسه وانصرف فعظم شكر الناس للسلطان على ما ظهر من تواضعه وكرمه، وأخذ ابنه وليّ عهده تلك الكسوة من الفقير وعوّضه عنها بعشرة من العبيد، وبلغ السلطان ما كان من شكر الناس له على ذلك فأمر للفقير أيضا بعشرة رؤس من الرقيق وحملين من العاج، ومعظم عطاياهم العاج «76» ، وقلّما يعطون

الذهب ولمّا توفّى هذا السلطان الفاضل الكريم رحمة الله عليه ولّى أخوه داوود «77» فكان على الضدّ من ذلك، إذا أتاه سائل، يقول له: مات الذي كان يعطي ولم يترك من بعده ما يعطى! ويقيم الوفود عنده الشهور الكثيرة وحينئذ يعطيهم القليل حتّى انقطع الوافدون عن بابه. وركبنا البحر من كلوا إلى مدينة ظفار «78» الحموض، وضبط اسمها بفتح الظاء المعجم والفاء واخره راء مبنيّة على الكسر، وهي آخر بلاد اليمن على ساحل البحر الهنديّ، ومنها تحمل الخيل العتاق إلى الهند «79» ، ويقطع البحر فيما بينها وبين بلاد الهند مع مساعدة الريح في شهر كامل، وقد قطعته مرّة من قالقوط من بلاد الهند إلى ظفار في ثمانية وعشرين يوما بالريح الطيّبة لم ينقطع لنا جري بالليل ولا بالنهار. وبين ظفار وعدن في البرّ مسيرة شهر في صحراء، وبينها وبين عمان عشرون يوما، ومدينة ظفار في صحراء منقطعة لا قرية بها «80» ولا عمالة لها، والسوق خارج المدينة بربض يعرف بالحرجاء «81» ، وهي من أقذر الأسواق وأشدّها نتنا وأكثرها ذبابا، لكثرة ما يباع بها من الثمرات والسمك، وأكثر سمكها النوع المعروف بالسّردين، وهو بها في النهاية من

السمن، ومن العجائب أن دوابّهم إنّما علفها من هذا السردين وكذلك غنمهم «82» ولم أر ذلك في سواها. وأكثر باعتها الخدم وهنّ يلبسن السواد، وزرع أهلها الذّرة وهم يسقونها من أبار بعيدة الماء وكيفيّة سقيهم انّهم يصنعون دلوا كبيرة ويجعلون لها حبالا كثيرة، ويتحزّم بكلّ حبل عبد أو خادم، ويجرون الدلو على عود كبير مرتفع عن البئر ويصبّونها في صهريج يسقون منه، ولهم قمح يسمّونه العلس وهو في الحقيقة نوع من السّلت، والأرز يجلب إليهم من بلاد الهند وهو أكثر طعامهم، ودراهم هذه المدينة من النحاس والقصدير، ولا تنفق في سواها «83» ، وهم أهل تجارة لا عيش لهم الّا منها. ومن عادتهم أنّه إذا وصل مركب من بلاد الهند أو غيرها خرج عبيد السلطان إلى الساحل وصعدوا في صنبوق إلى المركب ومعهم الكسوة الكاملة لصاحب المركب أو وكيله وللربّان وهو الرئيس وللكراني. وهو كاتب المركب ويؤتى اليهم بثلاثة أفراس فيركبونها وتضرب أمامهم الأطبال والأبواق من ساحل البحر إلى دار السلطان فيسلّمون على الوزير وأمير جندار. وتبعث الضيافة لكلّ من بالمركب ثلاثا وبعد الثلاث يأكلون بدار السلطان وهم يفعلون ذالك استجلابا لأصحاب المراكب، وهم أهل تواضع وحسن أخلاق وفضيلة ومحبّة للغرباء ولباسهم القطن، وهو يجلب إليهم من بلاد الهند، ويشدّون الفوط في أوساطهم عوض السراول واكثرهم يشدّ فوطة في وسطه ويجعل فوق ظهره أخرى من شدّة الحرّ ويغتسلون مرّات في اليوم وهي كثيرة المساجد، ولهم في كلّ مسجد مطاهر كثيرة معدّة للاغتسال، ويصنع بها ثياب من الحرير والقطن والكتّان حسان جدّا. والغالب على أهلها رجالا ونساء المرض المعروف بداء الفيل، وهو انتفاخ القدمين واكثر رجالهم مبتلون بالأدر والعياذ بالله. ومن عوائدهم الحسنة التصافح في المسجد إثر صلاة الصبح والعصر، يستند أهل الصفّ الأول إلى القبلة ويصافحهم الذين يلونهم، وكذلك يفعلون بعد صلاة الجمعة يتصافحون أجمعون.

ومن خوّاصّ هذه المدينة وعجائبها انّه لا يقصدها أحد بسوء الّا عاد عليه مكروه وحيل بينه وبينها، وذكر لي أن السلطان قطب الدين تمتهن بن طوران شاه صاحب هرمز نازلها مرّة في البرّ والبحر فأرسل الله سبحانه عليه ريحا عاصفا كسرت مراكبه ورجع عن حصارها وصالح ملكها «84» ، وكذلك ذكر لي أن الملك المجاهد سلطان اليمن «85» عيّن ابن عمّ له بعسكر كبير برسم انتزاعها من يد ملكها، وهو أيضا ابن عمّه فلمّا خرج ذلك الأمير عن داره سقط عليه حائط وعلى جماعة من أصحابه فهلكوا جميعا ورجع الملك عن رأيه وترك حصارها وطلبها. ومن الغرائب أن أهل هذه المدينة أشبه الناس بأهل المغرب في شؤونهم نزلت بدار الخطيب بمسجدها الاعظم وهو عيسى بن عليّ، كبير القدر، كريم النفس فكان له جوار مسمّيات بأسماء خدم المغرب: إحداهنّ اسمها بخيت والأخرى زاد المال ولم أسمع هذه الأسماء في بلد سواها. وأكثر أهلها رؤوسهم مكشوفة لا يجعلون العمائم، وفي كلّ دار من دورهم سجّادة الخوص معلّقة في البيت يصلّي عليها صاحب البيت كما يفعل أهل المغرب، وأكلهم الذرة وهذا التشابه كلّه ممّا يقوّي القول بأن صنهاجة وسواهم من قبائل المغرب أصلهم من حمير «86» . وبقرب من هذه المدينة بين بساتينها زاوية الشيخ الصالح العابد أبي محمّد بن أبي بكر «87» عيسى من أهل ظفار، وهذه الزاوية معظمة عندهم يأتون إليها غدوّا وعشيّا، ويستجيرون بها فإذا دخلها المستجير لم يقدر السلطان عليه، رأيت بها شخصا ذكر لي أن له بها مدّة سنين مستجيرا لم يتعرّض له السلطان، وفي الأيّام التي كنت بها استجار بها كاتب السلطان وأقام فيها حتّى وقع بينهما الصلح.

أتيت هذه الزاوية فبتّ بها في ضيافة الشيخين أبي العبّاس أحمد وأبي عبد الله محمد ابني الشيخ أبي بكر المذكور وشاهدت لهما فضلا عظيما، ولمّا غسلنا أيدينا من الطعام أخذ أبو العباس منهما ذلك الماء الذي غسلنا به فشرب منه، وبعث الخادم بباقيه إلى أهله وأولاده فشربوه، وكذلك يفعلون بمن يتوسّمون فيه الخير من الواردين عليهم، وكذلك أضافني قاضيها الصالح أبو هاشم عبد الملك الزّبيديّ وكان يتولّى خدمتي وغسل يدي بنفسه، ولا يكل ذلك إلى غيره. وبمقربة من هذه الزاوية تربة سلف السلطان الملك المغيث «88» ، وهي معظمة عندهم ويستجير بها من طلب حاجة فتقضى له. ومن عادة الجند أنّه إذا تمّ الشهر ولم يأخذوا أرزاقهم استجاروا بهذه التربة وأقاموا في جوارها إلى أن يعطوا أرزاقهم، وعلى مسيرة نصف يوم من هذه المدينة الأحقاف «89» ، وهي منازل عاد «90» ، وهنالك زاوية ومسجد علي ساحل البحر وحوله قرية لصيّادي السمك وفي الزاوية قبر مكتوب عليه: هذا قبر هود بن عابر «91» عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد ذكرت أن بمسجد دمشق موضعا عليه مكتوب هذا قبر هود ابن عابر، والأشبه أن يكون قبره بالأحقاف لأنّها بلاده والله أعلم. ولهذه المدينة بساتين فيها موز كثير كبير الجرم، وزنت بمحضري حبّة منه فكان وزنها ثنتى عشرة أوقية، وهو طيّب المطعم شديد الحلاوة، وبها أيضا التنبول والنارجيل المعروف

ذكر التنبول

بجوز الهند ولا يكونان إلا ببلاد الهند، وبمدينة ظفار هذه، لشبهها بالهند وقربها منها، اللهمّ الّا في مدينة زبيد في بستان السلطان شجيرات من النارجيل، واذ قد وقع ذكر التنبول والنارجيل فلنذكرهما ولنذكر خصائصهما. ذكر التنبول والتنبول «92» شجر يغرس كما تغرس دوالي العنب ويصنع له معرّشات من القصب كما يصنع لدوالي العنب أو يغرس في مجاورة شجر النّارجيل فيصعد فيها كما تصعد الدّوالي، وكما يصعد الفلفل، ولا ثمر للتنبول وانّما المقصود منه ورقه وهو يشبه ورق العلّيق، وأطيبه الأصفر، وتجتنى أوراقه في كلّ يوم، وأهل الهند يعظمون التنبول تعظيما شديدا، وإذا أتى الرجل دار صاحبه فأعطاه خمس ورقات منه فكأنّما أعطاه الدنيا وما فيها! لا سيّما إن كان أميرا أو كبيرا، واعطاؤه عندهم أعظم شأنا وأدلّ على كرامة من اعطاء الفضّة والذهب! وكيفيّة استعماله أن يوخذ قبله الفوفل، وهو شبه جوز الطيب فيكسر حتّى يصير أطرافا صغارا ويجعله الإنسان في فمه ويعلكه، ثمّ يأخذ ورق التنبول فيجعل عليها شيئا من النّورة ويمضغها مع الفوفل، وخاصّيته أنّه يطيب النكهة ويذهب بروائح الفم ويهضم الطعام ويقطع ضرر شرب الماء على الريق، ويفرح أكله ويعين على الجماع ويجعله الإنسان عند رأسه ليلا فإذا استيقظ من نومه أو أيقظته زوجته أو جاريته أخذ منه فيذهب بما في فمه من رائحة كريهة، ولقد ذكر لي أن جواري السلطان والأمراء ببلاد الهند لا يأكلن غيره وسنذكره عند ذكر بلاد الهند. ذكر النارجيل وهو جوز الهند وهذا الشجر من أغرب الأشجار شأنا وأعجبها أمرا، وشجره شبه شجرة النخل لا فرق بينهما إلا أنّ هذه تثمر جوزا، وتلك تثمر تمرا، وجوزها يشبه رأس ابن آدم لان فيها شبه العينين والفم وداخلها شبه الدّماغ إذا كانت خضراء، وعليها ليف شبه

الشعر وهم يصنعون منه حبالا يخيطون بها المراكب عوضا عن مسامير الحديد، ويصنعون منه الحبال للمراكب، والجوزة منها وخصوصا التي بجزائر ذيبة المهل تكون بمقدار رأس الآدميّ. ويزعمون أنّ حكيما من حكماء الهند في غابر الزمان كان متّصلا بملك من الملوك ومعظّما لديه، وكان للملك وزير بينه وبين هذا الحكيم معاداة، فقال الحكيم للملك: إن رأس هذا الوزير إذا قطع ودفن تخرج منه نخلة تثمر بتمر عظيم يعود نفعه على أهل الهند وسواهم من أهل الدنيا فقال له الملك: فإن لم يظهر من رأس الوزير ما ذكرته؟ قال: إن لم يظهر فاصنع برأسي كما صنعت برأسه! فأمر الملك برأس الوزير فقطع وأخذه الحكيم، وغرس نواة تمر في دماغه، وعالجها حتّى صارت شجرة وأثمرت بهذه الجوز! وهذه الحكاية من الأكاذيب ولاكن ذكرناها لشهرتها عندهم. ومن خواصّ هذا الجوز تقوية البدن وإسراع السّمن والزيادة في حمرة الوجه، وأمّا الإعانة على الباءة ففعله فيها عجيب، ومن عجائبه أنّه يكون في ابتداء أمره أخضر فمن قطع بالسّكين قطعة من قشرة وفتح رأس الجوزة شرب منها ماء في النهاية من الحلاوة والبرودة، ومزاجه حارّ معين على الباءة فإذا شرب ذلك الماء أخذ قطعة القشرة وجعلها شبه الملعقة وجرّد بها ما في داخل الجوزة من الطّعم، فيكون طعمه كطعم البيضة إذا شويت ولم يتمّ نضجها كلّ التمام، ويتغذّى به، ومنه كان غدائي أيام إقامتي بجزائر ذيبة المهل مدّة من عام ونصف عام. ومن عجائبه أنه يصنع منه الزيت والحليب والعسل، فامّا كيفيّة صناعة العسل منه فإنّ خدّام النخل منه، ويسمّونه الفازانية «93» ، يصعدون إلى النخلة غدوا وعشيّا إذا ارادوا أخذ مائها الذي يصنعون منه العسل، وهم يسمّونه الأطواق، فيقطعون العذق الذي يخرج منه الثمر ويتركون منه مقدار إصبعين، ويربطون عليه قدرا صغيرة فيقطر فيها الماء الذي يسيل من العذق، فإذا ربطها غدوة وصعد إليها عشيّا ومعه قدحان من قشر الجوز المذكور، احدهما مملوء ماء فيصبّ ما اجتمع من ماء العذق في أحد القدحين ويغسله بالماء الذي في القدح الآخر، وينجر من العذق قليلا، ويربط عليه القدر ثانية، ثم يفعل غدوة كفعله عشيّا، فإذا اجتمع له الكثير من ذلك الماء طبخه كما يطبخ ماء العنب إذا صنع منه الربّ «94» فيصير

ذكر سلطان ظفار

عسلا عظيم النفع طيّبا فيشتريه تجار الهند واليمن والصين، ويحملونه إلى بلادهم ويصنعون منه الحلواء. وأمّا كيفيّة صنع الحليب منه فإنّ بكلّ دار شبه الكرسيّ تجلس فوقه المرأة ويكون بيدها عصا في أحد طرفيها حديدة مشرفة، فيفتحون في الجوزة مقدار ما تدخل تلك الحديدة، ويجرشون ما في باطن الجوزة، وكلّ ما ينزل منها يجتمع في صحفة حتّى لا يبقى في داخل الجوزة شيء، ثمّ يمرس ذلك الجريش بالماء فيصير كلون الحليب بياضا ويكون طعمه كطعم الحليب، ويأتدم به الناس، وأمّا كيفيّة صنع الزيت فانّهم يأخذون الجوز بعد نضجه وسقوطه عن شجره، فيزيلون قشره ويقطعونه قطعا ويجعل في الشمس فإذا ذبل طبخوه في القدور واستخرجوا زيته وبه يستصحبون ويأتدمون به ويجعله النساء في شعورهنّ وهو عظيم النفع. ذكر سلطان ظفار وهو السلطان الملك المغيث ابن الملك الفائز ابن عمّ ملك اليمن «95» ، وكان أبوه أميرا على ظفار من قبل صاحب اليمن، وله عليه هديّة يبعثها له في كلّ سنة، ثمّ استبدّ الملك المغيث بملكها وامتنع من إرسال الهديّة، وكان من عزم ملك اليمن على محاربته وتعيين ابن عمّه لذلك ووقوع الحائط عليه ما ذكرناه آنفا. وللسلطان قصر بداخل المدينة يسمّى «96» الحصن، عظيم فسيح والجامع بازائه ومن عادته أن تضرب الطبول والبوقات والأنفار والصّرنايات على بابه كلّ يوم بعد صلاة العصر، وفي كل يوم اثنين وخميس تأتي العساكر إلى بابه فيقفون خارج المشور ساعة، وينصرفون والسلطان لا يخرج ولا يراه أحد إلّا في يوم الجمعة، فيخرج للصلاة، ثمّ يعود إلى داره ولا يمنع أحدا من دخول المشور وأمير جندار قاعد على بابه وإليه ينتهي كلّ صاحب حاجة أو شكاية، وهو يطالع السلطان ويأتيه الجواب للحين. وإذا أراد السلطان الركوب خرجت مراكبه من القصر وسلاحه ومماليكه إلى خارج المدينة، وأتى بجمل عليه محمل مستور بستر أبيض منقوش بالذهب، فيركب السلطان ونديمه

في المحمل بحيث لا يرى وإذا خرج إلى بستانه وأحبّ ركوب الفرس ركبه ونزل عن الجمل. وعادته أن لا يعارضه أحد في طريقه لرؤيته ولا لشكاية ولا غيرها، ومن تعرّض لذلك ضرب أشدّ الضرب فتجد الناس إذا سمعوا بخروج السلطان فرّوا عن الطريق وتحاموها. ووزير هذا السلطان الفقيه محمّد العدنيّ، وكان معلّم صبيان فعلّم هذا السلطان القراءة والكتابة وعاهده على أن يستوزره إن ملك، فلمّا ملك استوزره فلم يكن يحسنها، فكان الاسم له والحكم لغيره! ومن هذه المدينة ركبنا البحر نريد عمان في مركب صغير لرجل يعرف بعليّ بن ادريس المصيريّ، من أهل جزيرة مصيرة، وفي الثاني لركوبنا نزلنا بمرسى حاسك «97» ، وبه ناس من العرب صيّادون للسمك ساكنون هنالك، وعندهم شجر الكندر «98» ، وهو رقيق الورق، وإذا شرّطت الورقة منه قطر منها ماء شبه اللبن، ثم عاد صمغا، وذلك الصمغ هو اللّبان، وهو كثير جدّا هنالك، ولا معيشة لأهل ذلك المرسى الّا من صيد السمك، وسمكهم يعرف باللّخم، بخاء معجم مفتوح، وهو شبيه كلب البحر، يشرح ويقدّد ويقتات به وبيوتهم من عظام السمك وسقفها من جلود الجمال. وسرنا من مرسى حاسك أربعة أيّام ووصلنا إلى جبل لمعان «99» ، بضمّ اللام، وهو في وسط البحر، وبأعلاه رابطة مبنيّة بالحجارة وسقفها من عظام السمك وبخارجها غدير ماء يجتمع من المطر.

شجرة حصالبان كما وقفت عليها في ظفار- عمان بخور اللبان- صناعة تقليدية بعمان لاستخراج أجود أنواع العطور

ذكر ولي لقيناه بهذه الجبل

ذكر وليّ لقيناه بهذه الجبل ولمّا أرسينا تحت هذا الجبل صعدناه إلى هذه الرابطة، فوجدنا بها شيخا نائما، فسلّمنا عليه فاستيقظ، وأشار بردّ السلام فكلّمناه، فلم يكلّمنا وكان يحرّك رأسه فأتاه أهل المركب بطعام فأبى أن يقبله فطلبنا منه الدعاء فكان يحرّك شفتيه ولا نعلم ما يقول وعليه مرقّعة وقلنسوة لبد وليس معه ركوة ولا إبريق ولا عكّاز ولا نعل، وقال أهل المركب: إنهم ما رأوه قط بهذا الجبل. وأقمنا تلك الليلة بساحل هذا الجبل، وصلّينا معه العصر والمغرب، وجئناه بطعام فردّه، وأقام يصلّي إلى العشاء الآخرة ثمّ أذّن وصلينا معه، وكان حسن الصوت بالقراءة مجيدا لها، ولمّا فرغ من صلاة العشاء الآخرة، أومأ إلينا بالانصراف فودّعناه وانصرفنا ونحن نعجب من أمره، ثم إني أردت الرجوع اليه لمّا انصرفنا، فلمّا دنوت منه هبته وغلب عليّ الخوف، ورجع إليّ أصحابي فانصرفت معهم وركبنا البحر ووصلنا بعد يومين إلى جزيرة الطير «100» وليست بها عمارة فأرسينا وصعدنا إليها فوجدناها ملآنة بطيور تشبه الشقاشق «101» ، إلّا أنها أعظم منها وجاءت الناس ببيض تلك الطيور فطبخوها وأكلوها واصطادوا جملة من تلك الطيور فطبخوها دون ذكاة وأكلوها. وكان يجالسني تاجر من أهل جزيرة مصيرة ساكن بظفار اسمه مسلم فرأيته يأكل معهم تلك الطيور فأنكرت ذلك عليه فاشتدّ خجله، وقال لي: ظننت أنّهم ذبحوها، وانقطع عنّي بعد ذلك من الخجل فكان لا يقربني حتى أدعو به. وكان طعامي في تلك الأيّام بذلك المركب التمر والسمك، وكانوا يصطادون بالغدّ وو العشيّ سمكا يسمّى بالفارسية شيرماهي «102» ومعناه أسد السمك، لأن شير هو الاسد،

إلى جانب السردين هناك أنواع للأسماك الأخرى التي تتميز بها المنطقة ...

كرامة [للحاج خضر]

وماهي: السمك وهو يشبه الحوت المسمّى عندنا بتازّرت وهم يقطّعونه قطعا ويشوونه ويعطون كلّ من في المركب قطعة لا يفضّلون أحدا على أحد، ولا صاحب المركب ولا سواه، ويأكلونه بالتمر وكان عندي خبز وكعك استصحبتهما من ظفار فلمّا نفدا كنت أقتات من تلك السمك في جملتهم، وعيّدنا عيد الأضحى «103» على ظهر البحر وهبّت علينا في يومه ريح عاصف بعد طلوع الفجر ودامت إلى طلوع الشمس وكادت تغرّقنا. كرامة [للحاج خضر] وكان معنا في المركب حاجّ من أهل الهند يسمّى بخضر، ويدعى بمولانا لأنّه يحفظ القرآن ويحسن الكتابة، فلمّا رأى هول البحر لفّ رأسه بعباءة كانت له وتناوم، فلمّا فرّج الله ما نزل بنا، قلت له يا مولانا خضر، كيف رأيت؟ قال: قد كنت عند الهول أفتح عيني أنظر هل أرى الملائكة الذين يقبضون الأرواح جاءوا فلا أراهم، فأقول: الحمد لله، لو كان الغرق لأتوا لقبض الأرواح، ثمّ اغلق عيني، ثمّ أفتحها فأنظر كذلك إلى أن فرّج الله عنّا! وكان قد تقدّمنا مركب لبعض التجار فغرق ولم ينج منه الا رجل واحد خرج عوما بعد جهد شديد، وأكلت في ذلك المركب نوعا من الطعام لم آكله قبله ولا بعده، صنعه بعض تجار عمان وهو من الذرة، طبخها من غير طحن وصبّ عليها السّيلان وهو عسل التمر وأكلناه. ثم وصلنا إلى جزيرة مصيرة «104» التي منها صاحب المركب الذي كنّا فيه وهي على لفظ مصير وزيادة تاء التأنيث، جزيرة كبيرة لا عيش لأهلها الّا من السمك ولم ننزل إليها لبعد مرساها عن الساحل، وكنت قد كرهتهم لمّا رأيتهم ياكلون الطّير من غير ذكاة، وأقمنا بها يوما، وتوجّه صاحب المركب فيه إلى داره وعاد إلينا، ثمّ سرنا يوما وليلة فوصلنا إلى مرسى قرية كبيرة على ساحل البحر تعرف بصور «105» ، ورأينا منها مدينة قلهات في سفح

جبل فخيل لنا أنها قرية، وكان وصولنا إلى المرسى وقت الزوال أو قبله، فلمّا ظهرت لنا المدينة أحببت المشي إليها والمبيت بها، وكنت قد كرهت صحبة أهل المركب، فسألت عن طريقها فأخبرت أنّي أصل اليها عند العصر، فاكتريت أحد البحريّين ليدلّني عن طريقها، وصحبني خضر الهنديّ الذي تقدّم ذكره وتركت أصحابي مع ما كان لي بالمركب ليلحقوا بي في غد ذلك اليوم، وأخذت أثوابا كانت لي، فدفعتها لذلك الدليل ليكفيني مؤنة حملها وحملت في يدي رمحا، فإذا ذلك الدليل يحبّ أن يستولي على أثوابي! فأتى بنا إلى خليج يخرج من البحر فيه المدّ والجزر فاراد عبوره بالثياب، فقلت له: إنّما تعبر وحدك وتترك الثياب عندنا فإن قدرنا على الجواز والّا صعدنا نطلب المجاز، فرجع ثمّ رأينا رجالا جاوزوه عوما فتحقّقنا أنّه كان قصده أن يغرّقنا ويذهب بالثياب فحينئذ أظهرت النشاط وأخذت بالحزم وشددت وسطى، وكنت أهزّ الرمح فهابني ذلك الدليل، وصعدنا حتّى وجدنا مجازا، ثمّ خرجنا إلي صحراء لا ماء بها وعطشنا واشتدّ بنا الأمر فبعث الله لنا فارسا في جماعة من أصحابه، وبيد أحدهم ركوة ماء، فسقاني وسقى صاحبي، وذهبنا نحسب المدينة قريبة منّا وبيننا وبينها خنادق نمشي فيها الأميال الكثيرة. فلمّا كان العشيّ أراد الدليل أن يميل بنا إلى ناحية البحر وهو لا طريق له لأن ساحله حجارة فأراد أن ننشب فيها ويذهب بالثياب، فقلت له: إنّما نمشي على هذه الطريق التي نحن عليها وبينها وبين البحر نحو ميل، فلمّا أظلم الليل، قال لنا: إن المدينة قريبة منّا، فتعالوا نمشي حتّى نبيت بخارجها إلى الصباح، فخفت أن يتعرّض لنا أحد في طريقنا، ولم أحقّق مقدار ما بقى إليها، فقلت له: إنّما الحقّ أن نخرج عن الطريق فننام، فإذا أصبحنا أتينا المدينة إن شاء الله. وكنت قد رأيت جملة من الرجال في سفح جبل هنالك، فخفت أن يكونوا لصوصا وقلت التستّر أولى، وغلب العطش على صاحبي فلم يوافق على ذلك، فخرجت عن الطريق وقصدت شجرة من شجر أمّ غيلان، وقد أعييت وأدركني الجهد، لاكنّي أظهرت قوّة وتجلّدا خوف الدّليل، وأمّا صاحبي فمريض لا قوّة له، فجعلت الدليل بيني وبين صاحبي، وجعلت الثياب بين ثوبي وجسدي، وأمسكت الرمح بيدي، ورقد صاحبي، ورقد الدّليل، وبقيت ساهرا، فكلّما تحرّك الدّليل كلّمته وأريته أنّي مستيقظ ولم نزل كذلك حتّى أصبح، فخرجنا إلى الطّريق فوجدنا الناس ذاهبين بالمرافق إلى المدينة، فبعثت الدليل ليأتينا بماء، وأخذ صاحبي الثياب. وكان بيننا وبين المدينة مهاو وخنادق، فأتانا بالماء فشربنا وذلك أوان الحرّ، ثمّ وصلنا إلى مدينة قلهات، وضبط اسمها بفتح القاف واسكان اللام وآخرة تاء مثنّاة، فأتيناها ونحن

في جهد عظيم، وكنت قد ضاقت نعلي على رجلي حتّى كاد الدم أن يخرج من تحت أظفارها، فلمّا وصلنا باب المدينة كان ختام المشقّة أن قال لنا الموكّل بالباب: لابدّ لك أن تذهب معي إلى أمير المدينة ليعرف قضيّتك، ومن أين قدمت فذهبت معه إليه فرأيته فاضلا حسن الأخلاق، وسألني عن حالي وأنزلني وأقمت عنده ستّة أيّام لا قدرة لي فيها على النّهوض على قدمي لما لحقها من الآلام. ومدينة قلهات على الساحل «106» ، وهي حسنة الأسواق، ولها مسجد من أحسن المساجد حيطانه بالقاشانيّ وهو شبه الزلّيج وهو مرتفع ينظر منه إلى البحر والمرسى وهو من عمارة الصّالحة بيبي مريم «107» ، ومعنى بيبي عندهم الحرّة، وأكلت بهذه المدينة سمكا لم آكل مثله في إقليم من الأقاليم وكنت أفضله على جميع اللحوم فلا آكل سواه وهم يشوونه على ورق الشجر ويجعلونه على الأرز ويأكلونه. والأرز يجلب إليهم من أرض الهند، وهم أهل تجارة، ومعيشتهم ممّا يأتي اليهم في البحر الهنديّ، وإذا وصل إليهم مركب فرحوا به أشدّ الفرح، وكلامهم ليس بالفصيح مع أنّهم عرب، وكلّ كلمة يتكلّمون بها يصلونها بلا، فيقولون مثلا تأكل لا؟ تمشي لا؟ تفعل كذا لا؟ «108» ، وأكثرهم خوارج لا كنهم لا يقدرون على إظهار مذهبهم لأنهم تحت طاعة السلطان قطب الدين تمتهن ملك «109» هرمز، وهو من أهل السنّة، وبمقربة من قلهات قرية طيبي «110» ،

واسمها على نحو اسم الطّيب إذا أضافه المتكلّم لنفسه، وهي من أجمل القرى وأبدعها حسنا ذات أنهار جارية، واشجار ناضرة، وبساتين كثيرة، ومنها تجلب الفواكه إلى قلهات، وبها الموز المعروف بالمرواري، والمرواريّ بالفارسية هو الجوهريّ وهو كثير بها، ويجلب منها إلى هرمز وسواها، وبها أيضا التنبول لا كن ورقته صغيرة والتمر يجلب إلى هذه الجهات من عمان «111» . ثمّ قصدنا بلاد عمان فسرنا ستّة أيّام في صحراء ثمّ وصلنا بلاد عمان في اليوم السابع وهي خصبة ذات أنهار وأشجار وبساتين وحدائق نخل وفاكهة كثيرة مختلفة الأجناس، ووصلنا إلى قاعدة هذه البلاد، وهي مدينة نزوا «112» ، وضبط اسمها بنون مفتوح وزاي مسكن وواو مفتوح، مدينة في سفح جبل تجفّ بها البساتين والأنهار، ولها أسواق حسنة ومساجد معظمة نقيّة، وعادة أهلها انّهم يأكلون في صحون المساجد، ياتي كلّ إنسان بما عنده ويجتمعون للأكل في صحن المسجد، ويأكل معهم الوارد والصادر ولهم نجدة وشجاعة، والحرب قائمة فيما بينهم أبدا وهم إباضيّة المذهب ويصلّون الجمعة ظهرا اربعا «113» فإذا فرغوا منها قرأ الإمام آيات من القرآن ونثر كلاما شبه الخطبة يرضيّ فيه عن أبي بكر وعمر ويسكت عن عثمان وعليّ، وهم إذا أرادوا ذكر عليّ رضي الله عنه كنّوا عنه بالرجل فقالوا ذكر عن الرجل أو قال الرجل ويرضّون عن الشقيّ اللعين ابن ملجم، ويقولون فيه العبد الصالح قامع الفتنة، ونساؤهم يكثرن الفساد ولا غيرة عندهم، ولا إنكار لذلك وسنذكر حكاية إثر هذا ممّا يشهد «114» بذلك.

ذكر سلطان عمان

ذكر سلطان عمان وسلطانها عربيّ من قبيلة الأزد بن الغوث، ويعرف بأبي محمّد بن نبهان «115» ، وابو محمّد عندهم سمة لكلّ سلطان يلي عمان، كما هي أتابك عند ملوك اللور، وعادته أن يجلس خارج باب داره في مجلسه هنالك ولا حاجب له ولا وزير ولا يمنع أحد من الدخول إليه من غريب أو غيره، ويكرم الضيف على عادة العرب، ويعيّن له الضيّافة ويعطيه على قدره. وله أخلاق حسنة ويؤكل على مائدته لحم الحمار الأنسيّ، ويباع بالسوق لأنّهم قائلون بتحليله، ولا كنهم يخفون ذلك عن الوارد عليهم ولا يظهرونه بمحضره، ومن «116» مدن عمان مدينة زكى «117» ، لم أدخلها، وهي على ما ذكر لي مدينة عظيمة، ومنها القريّات وشبا وكلبا وخور فكّان وصحار «118» ، وكلّها ذات أنهار وحدائق وأشجار نخل، واكثر هذه البلاد في عمالة هرمز «119» .

خورفكان شمال إمارة الفجيرة ولكنها تابعة لإمارة الشارقة- البحار والجبال!

حكاية [السلطان المتساهل]

حكاية [السلطان المتساهل] كنت يوما عند هذا السلطان أبي محمّد بن نبهان فأتته امرأة صغيرة السّن حسنة الصورة بادية الوجه فوقفت بين يديه، وقالت له يا أبا محمّد! طغى الشيطان في رأسي، فقال لها اذهبي واطردي الشيطان، فقالت له: لا أستطيع وأنا في جوارك يا أبا محمد، فقال لها: اذهبي فافعلي ما شئت، فذكر لي لمّا انصرفت عنه أن هذه ومن فعل مثل فعلها تكون في جوار السلطان وتذهب للفساد ولا يقدر أبوها ولا ذو قرابتها أن يغيروا عليها، وإن قتلوها قتلوا بها لأنّها في جوار السلطان! ثم سافرت من بلاد عمان إلى بلاد هرمز، وهرمز بلاد على ساحل البحر، وتسمّى أيضا موغ استان، وتقابلها في البحر هرمز الجديدة، وبينهما في البحر ثلاثة فراسخ «120» ، ووصلنا إلى هرمز الجديدة، وهي جزيرة مدينتها تسمى جرون، بفتح الجيم والراء وآخرها نون، وهي مدينة حسنة كبيرة لها أسواق حافلة وهي مرسى الهند والسند، ومنها تحمل سلع الهند إلى العراقين، وفارس وخراسان، وبهذه المدينة سكنى السلطان، والجزيرة التي فيها المدينة مسيرة يوم، وأكثرها سباخ وجبال ملح، وهو الملح الدّراني «121» ، ومنه يصنعون الأواني للزينة، والمنارات التي يضعون السرج عليها، وطعامهم السمك والتمر المجلوب اليهم من البصرة، وعمان، ويقولون بلسانهم (خرما وماهي لوت بادشاهي) «122» معناه بالعربي: التّمر والسمك طعام الملوك!! والماء في هذه الجزيرة له قيمة وبها عيون ماء وصهاريج مصنوعة يجتمع فيها ماء المطر، وهي على بعد من المدينة ويأتون إليها بالقرب فيملأونها ويرفعونها على ظهورهم إلى البحر ويوسقونها في القوارب ويأتون بها إلى المدينة، ورأيت من العجائب عند باب الجامع فيما بينه وبين السوق رأس سمكة كأنّه رابية، وعيناه كأنهما بابان «123» ، فترى الناس يدخلون من أحدهما ويخرجون من الأخرى!

ذكر سلطان هرمز

ولقيت بهذه المدينة الشيخ الصالح السائح أبا الحسن الأقصراني، وأصله من بلاد الروم «124» ، فأضافني وزارني وألبسني ثوبا، وأعطاني كمر الصحبة وهو يحتبى به فيعين الجالس فيكون كأنّه مستند، وأكثر فقراء العجم يتقلّدونه. وعلى «125» ستّة أميال من هذه المدينة مزار ينسب إلى الخضر وإلياس عليهما السلام، يذكر انهما يصلّيان فيه، وظهرت له بركات وبراهين، وهنالك زاوية يسكنها أحد المشايخ يخدم بها الوارد والمصادر، وأقمنا عنده يوما، وقصدنا من هنالك زيارة رجل صالح منقطع في آخر هذه الجزيرة قد نحت غارا لسكناه، فيه زاوية ومجلس ودار صغيرة له فيها جارية، وله عبيد خارج الغار يرعون بقرا له وغنما وكان هذا الرجل من كبار التّجار فحجّ البيت، وقطع العلائق وانقطع هنالك للعبادة، ودفع ماله لرجل من إخوانه يتجر له به، وبتنا عنده ليلة فأحسن القرى وأجمل، رضي الله تعالى عنه، وسيمة الخير والعبادة لائحة عليه. ذكر سلطان هرمز وهو السلطان قطب الدين تمتهن «126» بن طوران شاه، وضبط اسمه بقتح التاءين المعلوّتين وبينهما ميم مفتوح وهاء مسكنة وآخره نون، وهو من كرماء السلاطين كثير التواضع، حسن الأخلاق، وعادته أن ياتي لزيارة كلّ من يقدم عليه من فقيه أو صالح أو شريف ويقوم بحقّه. ولمّا دخلنا جزيرته وجدناه متهيئا للحرب مشغولا بها مع ابني أخيه نظام الدين «127» ،

فكان في كل ليلة يتيسّر للقتال، والغلاء مستول على الجزيرة، فأتى إلينا وزيره شمس الدين محمد بن علي وقاضيه عماد الدين الشونكاري وجماعة من الفضلاء فاعتذروا بما هم عليه من مباشرة الحرب. وأقمنا عنده ستّة عشر يوما، فلمّا أردنا الانصراف قلت لبعض الأصحاب كيف ننصرف ولا نرى هذا السلطان؟ فجئنا دار الوزير وكانت في جوار الزاوية التي نزلت بها، فقلت له: إنّي أريد السلام على الملك، فقال: بسم الله، وأخذ بيدي، فذهب بي إلى داره وهي على ساحل البحر والأجفان مجلسة عندها، فإذا شيخ عليه أقبية ضيقة دنسة، وعلى رأسه عمامة وهو مشدود الوسط بمنديل، فسلم عليه الوزير وسلمت عليه، ولم أعرف أنه الملك وكان إلى جانبه ابن اخته وهو علي شاه بن جلال الدين الكيجي «128» ، وكانت بيني وبينه معرفة، فأنشأت أحادثه وأنا لا أعرف الملك فعرّفني الوزير بذلك، فخجلت منه لإقبالي بالحديث على ابن اخته دونه، واعتذرت إليه، ثم قام فدخل داره وتبعه الأمراء والوزراء وأرباب الدولة ودخلت مع الوزير، فوجدناه قاعدا على سرير ملكه وثيابه عليه لم يبدّلها، وفي يده سبحة جوهر لم تر العيون مثلها لأن مغاصات الجوهر تحت حكمه 12» ، فجلس أحد الأمراء إلى جانبه وجلست إلى جانب ذلك الأمير، وسألني عن حالي ومقدمي وعمّن لقيته من الملوك فأخبرته بذلك، وحضر الطعام فأكل الحاضرون ولم يأكل معهم، ثم قام فوادعته وانصرفت. وسبب الحرب التي بينه وبين ابني أخيه أنه ركب البحر مرّة من مدينته الجديدة برسم النزهة في هرمز القديمة وبساتينها، وبينهما في البحر ثلاثة فراسخ كما قدّمناه، فخالف عليه أخوه نظام الدين، ودعى لنفسه وبايعه أهل الجزيرة، وبايعته العساكر «130» ، فخاف قطب

من أنواع المراكب في المنطقة

حكاية [فقراء مدينة لار]

الدّين على نفسه وركب البحر إلى مدينة قلهات التي تقدّم ذكرها وهي من جملة بلاده، فأقام بها شهورا وجهّز المراكب وأتى الجزيرة فقاتله أهلها مع أخيه وهزموه وعاد إلى قلهات، وفعل ذلك مرارا فلم تكن له حيلة الّا أن راسل بعض نساء أخيه فسمّته ومات! وأتى هو إلى الجزيرة فدخلها وفرّ ابنا أخيه بالخزائن والأموال والعساكر إلى جزيرة قيس حيث مغاص الجوهر وصاروا يقطعون الطريق على من يقصد الجزيرة من أهل الهند والسند ويغيرون على بلاده البحريّة حتى تخرّب معظمها. ثم سافرنا من مدينة جرون برسم لقاء رجل صالح ببلد خنج بال فلمّا عدّينا البحر اكترينا دوابّ من التّركمان وهم سكّان تلك البلاد ولا يسافر فيها إلّا معهم لشجاعتهم ومعرفتهم بالطرق، وفيها صحراء مسيرة أربع ويقطع بها لصوص الأعراب، وتهبّ فيها ريح السموم في شهري تموز وحزيران «131» ، فمن صادفته فيها قتلته، ولقد ذكر لي أن الرجل إذا قتلته تلك الريح وأراد أصحابه غسله ينفصل كلّ عضو منه عن سائر الأعضاء، وبها قبور كثيرة للذين ماتوا فيها بهذه الريح وكنّا نسافر فيها باللّيل فإذا طلعت الشمس نزلنا تحت ظلال الأشجار من أمّ غيلان ونرحل بعد العصر إلى طلوع الشمس، وفي هذه الصحراء وما والاها كان يقطع (الطريق) ، جمال اللّك الشهير الاسم هنالك. حكاية [فقراء مدينة لار] كان جمال اللّك من أهل سجستان أعجميّ الاصل «132» ، واللّك بضم اللّام معناه الأقطع، وكانت يده قطعت في بعض حروبه، وكانت له جماعة كثيرة من فرسان الأعراب والأعاجم يقطع بهم الطرق، وكان يبنى الزوايا ويطعم الوارد والصادر من الأموال التي يسلبها للنّاس، ويقال: إنه كان يدعو أن لا يسلط إلّا على من لا يزكّي ماله! وأقام على ذلك

ذكر سلطان لار

دهرا، وكان يغير هو وفرسانه ويسلكون براريّ لا يعرفها سواهم ويدفنون بها قرب الماء ورواياه، فإذا تبعهم عسكر السلطان دخلوا الصحراء واستخرجوا المياه ويرجع العسكر عنهم خوفا من الهلاك. وأقام على هذه الحالة مدّة لا يقدر عليه ملك العراق ولا غيره ثم تاب وتعبّد حتى مات، وقبره يزار ببلاده. وسلكنا هذه الصحراء إلى أن وصلنا إلى كوراستان «133» ، وضبط اسمه بفتح الكاف واسكان الواو وراء، وهو بلد صغير فيه الأنهار والبساتين وهو شديد الحرّ، ثمّ سرنا منه ثلاثة أيام في صحراء مثل التي تقدّمت ووصلنا إلى مدينة لار «134» ، وآخر اسمها راء، مدينة كبيرة كثيرة العيون والمياه المطّردة والبساتين، ولها أسواق حسان، ونزلنا منها بزاوية الشيخ العابد أبي دلف محمّد «135» ، وهو الذي قصدنا زيارته بخنج بال، وبهذه الزاوية ولده أبو زيد عبد الرحمن، ومعه جماعة من الفقراء، ومن عادتهم أنهم يجتمعون بالزاوية بعد صلاة العصر من كل يوم، ثم يطوفون على دور المدينة فيعطاهم من كلّ دار الرغيف والرغيفان فيطعمون منها الوارد والصادر. وأهل الدور قد ألفوا ذلك فهم يجعلونه في جملة قوتهم ويعدّونه لهم إعانة على إطعام الطعام، وفي كل ليلة جمعة يجتمع بهذه الزاوية فقراء المدينة وصلحاؤها ويأتي كلّ منهم بما تيسّر له من الدراهم فيجمعونها وينفقونها تلك الليلة، ويبيتون في عبادة من الصلاة والذكر والتلاوة وينصرفون بعد صلاة الصبح. ذكر سلطان لار وبهذه المدينة سلطان يسمى بجلال الدين، تركماني الأصل، بعث إلينا بضيافة ولم

نجتمع به ولا رأيناه، ثم سافرنا إلى مدينة خنج بال «136» ، وضبط اسمها بضمّ الخاء المعجم، وقد يعوّض منه هاء واسكان النون وضم الجيم وباء معقودة والف ولام، وبها سكنى الشيخ أبي دلف الذي قصدنا زيارته وبزاويته نزلنا، ولمّا دخلت الزاوية رأيته قاعدا بناحية منها على التراب وعليه جبّة صوف خضراء بالية وعلى رأسه عمامة صوف سوداء فسلّمت عليه فأحسن الردّ، وسألني عن مقدمي وبلادي وأنزلني، وكان يبعث إليّ الطعام والفاكهة مع ولد له من الصالحين كثير الخشوع والتواضع صائم الدّهر كثير الصلاة، ولهذا الشيخ أبي دلف شأن عجيب، وأمر غريب، فإنّ نفقته في هذه الزاوية عظيمة، وهو يعطي العطاء الجزيل ويكسوا الناس ويركبهم الخيل، ويحسن لكل وارد وصادر، ولم أر في تلك البلاد مثله ولا يعلم له جهة إلا ما يصله من الإخوان والأصحاب، حتى زعم كثير من الناس أنه ينفق من الكون! وفي زاويته المذكورة قبر الشيخ الوليّ الصالح القطب دانيال «137» ، وله اسم بتلك البلاد شهير، وشأن في الولاية كبير، وعلى قبره قبّة عظيمة بناها السلطان قطب الدين تهمتن بن طوران شاه وأقمت عند الشيخ أبي دلف يوما واحدا لاستعجال الرفقة التي كنت في صحبتها، وسمعت أن بالمدينة خنج بال المذكورة زاوية فيها جملة من الصالحين المتعبّدين فرحت إليها بالعشيّ وسلّمت على شيخهم وعليهم ورأيت جماعة مباركة قد اثّرت فيهم العبادة، فهم صفر الألوان نحاف الجسوم كثير والبكاء غزير والدّموع وعند وصولي إليهم أتوا بالطعام، فقال كبيرهم: أدعوا لي ولدي محمدا، وكان معتزلا في بعض نواحي الزاوية فجاء الينا الولد وهو كأنّما خرج من قبر ممّا نهكته العبادة، فسلّم وقعد، فقال له أبوه: يا بنيّ شارك هؤلاء الواردين في الأكل تنل من بركاتهم، وكان صائما فأفطر معنا، وهم شافعيّة المذهب، فلمّا فرغنا من أكل الطعام دعوا لنا وانصرفنا.

ذكر مغاص الجوهر

ثم سافرنا منها إلى مدينة قيس وتسمى ايضا بسيراف «138» ، وهي على ساحل بحر الهند المتّصل ببحر اليمن وفارس وعدادها في كور فارس، مدينة لها انفساح وسعة طيّبة البقعة في دورها بساتين عجيبة فيها الرياحين والأشجار الناضرة، وشرب أهلها من عيون منبعثة من جبالها، وهم عجم من الفرس أشراف، وفيهم طائفة من عرب بني سفّاف «139» ، وهم الذين يغوصون على الجوهر. ذكر مغاص الجوهر ومغاص الجوهر فيما بين سيراف والبحرين في خور راكد مثل الواردي العظيم، فإذا كان شهر إبريل وشهر مايه تأتى إليه القوارب الكثيرة فيها الغوّاصون وتجار فارس والبحرين والقطيف ويجعل الغوّاص على وجهه مهما أراد أن يغوص شيأ يكسوه من عظم الغيلم، وهي السلحفاة، ويصنع من هذا العظم أيضا شكلا شبه المقراض يشدّه على أنفه، ثم

الغوص البحث عن اللؤلؤ- عن مجلة (الوثيقة) البحرينية

الغوص للبحث عن اللؤلؤ- عن مجلة الشراع والمجذاف (أبو ظبي)

يربط حبلا في وسطه، ويغوص ويتفاوتون في الصبر في الماء، فمنهم من يصبر السّاعة «140» والسّاعتين فما دون ذلك، فإذا وصل إلى قعر البحر يجد الصدف هنالك فيما بين الأحجار الصّغار مثبتا في الرمل فيقتلعه بيده أو يقطعه بحديدة عنده معدّة لذلك ويجعلها في مخلاة جلد منوطة بعنقه فإذا ضاق نفسه حرّك الحبل، فيحسّ به الرجل الممسك للحبل على الساحل فيرفعه إلى القارب فتوخذ منه المخلاة ويفتح الصّدف فيوجد في أجوافها قطع لحم تقطع بحديدة، فإذا باشرت الهواء جمدت فصارت جواهر فيجمع جميعها من صغير وكبير فيأخذ السلطان خمسه «141» ، والباقي يشتريه التّجار الحاضرون بتلك القوارب وأكثرهم يكون له الدين على الغوّاصين فياخذ الجوهر في دينه أو ما وجب له منه.

ثم سافرنا من سيراف إلى مدينة البحرين «142» وهي مدينة كبيرة حسنة ذات بساتين وأشجار وأنهار، وماؤها قريب المؤنة يحفر عليه بالأيدي فيوجد «143» ، وبها حدائق النخل والرمّان والأترج ويزرع بها القطن، وهي شديدة الحرّ كثيرة الرمال، وربّما غلب الرمل على بعض منازلها وكان فيما بينها وبين عمان طريق استولت عليه الرمال وانقطع فلا يوصل من عمان اليها الّا في البحر. وبالقرب منها جبلان عظيمان، يسمى أحدهما بكسير، وهو في غربيّها ويسمى الآخر بعوير وهو في شرقيّها وبهما ضرب المثل فقيل: كسير وعوير، وكلّ غير خير «144» ، ثم سافرنا إلى مدينة القطيف «145» ، وضبط اسمها بضم القاف كأنّه تصغير قطف، وهي مدينة كبيرة حسنة ذات نخل كثير يسكنها طوائف العرب، وهم رافضيّة غلاة يظهرون

لو عاش ابن بطوطة لرأى الجسر العظيم الذي يربط بين البحرين والحجاز قلعة الرفاع بالبحرين بناها الشيخ سلمان ابن أحمد آل خليفة قبل عام 1816

الرفض جهارا لا يتّقون أحدا: ويقول مؤذّنهم في أذانه بعد الشهادتين: أشهد أنّ عليّا ولىّ الله، ويزيد بعد الحيعلتين: حيّ على خير العمل ويزيد بعد التكبير الأخير: محمّد وعليّ خير البشر، من خالفهما فقد كفر. ثم سافرنا منها إلى مدينة هجر «146» وتسمّع الآن بالحسا بفتح الحاء والسين واهمالهما، وهي التي يضرب المثل بها فيقال: كجالب التّمر إلى هجر، وبها من النخيل ما ليس ببلد سواها، ومنه يعلفون دوابّهم وأهلها عرب وأكثرهم من قبيلة عبد القيس بن أقصى «147» . ثم سافرنا منها إلى مدينة اليمامة وتسمى أيضا بحجر «148» ، بفتح الحاء المهمل واسكان الجيم، مدينة حسنة خصبة ذات أنهار وأشجار يسكنها طوائف من العرب من بني «149» حنيفة وهي بلدهم قديما، واميرهم طفيل بن غانم. ثم سافرت منها في صحبة هذا

حكاية [مقتل أمير أحمد]

الأمير برسم الحج، وذلك في سنة ثنتين وثلاثين، فوصلت إلى مكّة شرّفها الله تعالى، وحجّ في تلك السنة الملك الناصر سلطان مصر رحمه الله وجملة من امرائه، وهي آخر حجّة حجّها، وأجزل الإحسان لأهل الحرمين الشريفين وللمجاورين وفيها قتل الملك الناصر أمير احمد الذي يذكر أنّه ولده وقتل أيضا كبير أمرائه بكتمور الساقي «150» . حكاية [مقتل أمير أحمد] ذكر أن الملك الناصر وهب لبكتمور الساقي جارية، فلمّا أراد الدنوّ منها قالت له: إنّي حامل من الملك الناصر، فاعتزلها، وولدت ولدا سمّاه بأمير احمد ونشأ في حجره، فظهرت نجابته واشتهر بابن الملك الناصر، فلمّا كان في هذه الحجّة تعاهدا على الفتك بالملك الناصر، وأن يتولى أمير أحمد الملك وحمل بكتمور معه العلامات والطبول والكسوات والأموال فنمى الخبر إلى الملك الناصر فبعث عن أمير أحمد في يوم شديد الحرّ فدخل عليه وبين يديه أقداح الشرب فشرب الملك الناصر قدحا وناول أمير احمد قدحا ثانيا فيه السمّ فشربه، وأمر بالرّحيل في تلك الساعة ليشغل الوقت، فرحل النّاس ولم يبلغوا المنزل حتى مات أمير أحمد فاكترث بكتمور لموته وقطع أثوابه وامتنع من الطعام والشراب، وبلغ خبره إلى الملك الناصر فأتاه بنفسه ولا طفه وسلّاه وأخذ قدحا فيه سمّ فناوله إيّاه وقال له: بحياتي عليك ألا شربت فبردّت نار قلبك! فشربه ومات من حينه، ووجد عنده خلع السلطنة والأموال فتحقّق ما نسب اليه من الفتك بالملك الناصر.

الفصل السابع آسيا الصغرى

الفصل السابع آسيا الصّغرى من جدة إلى عيذاب- مصر- الشام. من اللّاذقية إلى (الأناضول) - جماعة الفتيان الأخيّة. في مدينة لاذق وفي قونية. من قونية إلى قيسارية- أرزنجان الأرمن. مدينة بركي حيث اجتمع بطبيب يهودي بمجلس السلطان! حديث عن البطل عمر أمير يزمير. برصى وسلطانها أرخان بك بن عثمان الذي ينسب إليه العثمانيون في بولي حيث رأى الموقد لأول مرة! اجتماعه في يزنيك بالسلطان أرخان وزوجته بيلون خاتون. من قصطمونية إلى شبه جزيرة صنوب على البحر الأسود.

خريطة آسيا الصغرى

ولمّا انقضى الحجّ توجّهت إلى جدّة برسم ركوب البحر إلى اليمن والهند، فلم يقض لي ذلك ولا تأتّى لي رفيق. وأقمت بجدة نحو أربعين يوما وكان بها مركب لرجل يعرف بعبد الله التونسي يروم السّفر إلى القصير من عمالة قوص «1» فصعدت إليه لأنظر حاله فلم يرضني ولا طابت نفسي بالسفر فيه، وكان ذلك لطفا من الله تعالى فانّه سافر فلمّا توسّط البحر غرق بموضع يقال له: رأس أبي محمد «2» فخرج صاحبه وبعض التجار في العشاريّ بعد جهد عظيم وأشرفوا على الهلاك وهلك بعضهم وغرق سائر الناس وكان فيه نحو سبعين من الحجّاج! ثم ركبت البحر بعد ذلك في صنبوق برسم عيذاب فردّتنا الريح إلى مرسى يعرف برأس دوائر، وسافرنا منه في البرّ مع البجاة فسلكنا صحراء كثيرة النّعام والغزلان فيها عرب جهينة وبني كاهل وطاعتهم للبجاة «3» ووردنا ماء يعرف بمفرور وماء يعرف بالجديد، ونفد زادنا فاشترينا من قوم من البجاة، وجدناهم بالفلاة، أغناما وتززّدنا لحومها. ورأيت بهذه الفلاة صبيا من العرب كلّمني باللّسان العربيّ وأخبرني أن البجاة أسروه وزعم أنّه منذ عام لم يأكل طعاما، إنّما يقتات بلبن الإبل. ونفد لنا بعد ذلك اللحم الذي اشتريناه ولم يبق لنا زاد، وكان عندي نحو حمل من التمر الصّيحاني والبرنيّ «4» برسم الهديّة لأصحابي، ففرقته على الرفقة وتزوّدناه ثلاثا.

وبعد مسيرة تسعة أيام من رأس دوائر وصلنا إلى عيذاب «5» وكان قد تقدّم إليها بعض الرفقة فتلقّانا أهلها بالخبز والتمر والماء وأقمنا بها أيّاما واكترينا الجمال، وخرجنا صحبة طائفة من عرب دغيم ووردنا ماء يعرف بالجنيب وحللنا بحميثرا حيث قبر وليّ الله تعالى أبي الحسن الشاذليّ، وحصلت لنا زيارته ثانية وبتنا في جواره، ثم وصلنا إلى قرية العطواني وهي على ضفّة النيل مقابلة لمدينة أدفو من الصعيد الأعلى وأجزنا النيل إلى مدينة إسنا، ثم إلى مدينة أرمنت ثم إلى الأقصر، وزرنا الشيخ أبا الحجاج الأقصري ثانية، ثم إلى مدينة قوص ثم إلى مدينة قنا، وزرنا الشيخ عبد الرحيم القنّاوي ثانية، ثم إلى مدينة هو ثم إلى مدينة أخميم، ثم إلى مدينة أسيوط ثم إلى مدينة منفلوط ثم إلى مدينة منلوي، ثم إلى مدينة الأشمونين، ثم إلى مدينة منية ابن خصيب ثم إلى مدينة البهنسة ثم إلى مدينة بوش ثم إلى مدينة منية القائد، وقد تقدّم لنا ذكر هذه البلاد، ثم إلى مصر وأقمت بها أيّاما، وسافرت على طريق بلبيس إلى الشام ورافقني الحاجّ عبد الله بن أبي بكر بن الفرحان التوزريّ، ولم يزل في صحبتي سنين إلى أن خرجنا من بلاد الهند، فتوفّى بسندابور وسنذكر ذلك، فوصلنا إلى مدينة غزّة ثم إلى مدينة الخليل عليه السلام وتكرّرت لنا زيارته، ثمّ إلى بيت المقدّس ثم إلى مدينة الرّملة، ثم إلى مدينة عكّا ثم إلى مدينة طرابلس ثم إلى مدينة جبلة، وزرنا إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه ثانية، ثم إلى مدينة اللاذقية، وقد تقدم لنا ذكر هذه البلاد كلّها. ومن اللاذقية ركبنا في قرقورة كبيرة «6» للجنويين يسمّى صاحبها بمرتلمين «7» وقصدنا برّ التّركيّة المعروف ببلاد الروم، وانّما نسبت إلى الروم لأنّها كانت بلادهم في القديم، ومنها الروم الأقدمون واليونانية «8» ، ثم استفتحها المسلمون، وبها الآن كثير من النصارى

تحت ذمّة المسلمين من التركمان «9» ، وسرنا في البحر عشرا بريح طيّبة، وأكرمنا النّصرانيّ ولم يأخذ منّا نولا «10» ، وفي العاشر وصلنا إلى مدينة العلايا «11» ، وهي أول بلاد الروم. وهذا الاقليم المعروف ببلاد الروم من أحسن أقاليم الدنيا وقد جمع الله فيه ما تفرّق من المحاسن في البلاد، فأهله أجمل الناس صورا وأنظفهم ملابس وأطيبهم مطاعم واكثر خلق الله شفقة، ولذلك يقال البركة في الشام والشفقة في الروم، وانّما عني به أهل هذه البلاد، وكنّا متى نزلنا بهذه البلاد زاوية أو دارا يتفقّد أحوالنا جيراننا من الرجال والنساء، وهنّ لا يحتجبن فإذا سافرنا عنهم ودّعونا كأنهم أقاربنا وأهلنا، وترى النساء باكيات، لفراقنا متأسفات. ومن عادتهم بتلك البلاد أن يخبزوا الخبز في يوم واحد من الجمعة يعدّون فيه ما يقوتهم سائرها، فكان رجالهم يأتون الينا بالخبز الحار في يوم خبزه ومعه الإدام الطيّب إطرافا لنا بذلك، ويقولون لنا: إنّ النساء بعثن هذا إليكم وهنّ يطلبن منكم الدعاء. وجميع أهل هذه البلاد على مذهب الامام أبي حنيفة رضي الله عنه مقيمين على السّنّة لا قدرىّ فيهم ولا رافضيّ ولا معتزلي ولا خارجيّ ولا مبتدع، وتلك فضيلة خصّهم الله تعالى بها إلّا أنّهم ياكلون الحشيش ولا يعيبون ذلك. ومدينة العلايا التي ذكرناها كبيرة على ساحل البحر يسكنها التّركمان، وينزلها تجار مصر واسكندريّة والشام، وهي كثيرة الخشب ومنها يحمل إلى اسكندرية ودمياط ويحمل

ذكر سلطان العلايا

منها إلى سائر بلاد مصر ولها قلعة بأعلاها «12» عجيبة منيعة بناها السلطان المعظم علاء الدين الروميّ، ولقيت بهذه المدينة قاضيها جلال الدين الأرزنجانيّ، وصعد معي إلى القلعة يوم الجمعة فصلّينا بها، وأضافني وأكرمني وأضافني أيضا بها شمس الدين بن الرجيحاني الذي توفّى أبوه علاء الدين بمالي من بلاد السودان. ذكر سلطان العلايا وفي يوم السبت ركب معي القاضي جلال الدين وتوجّهنا إلى لقاء ملك العلايا، وهو يوسف بك «13» ومعنى بك: الملك، ابن قرمان بفتح القاف والراء، ومسكنه على عشر أميال من المدينة فوجدناه قاعدا على الساحل وحده فوق رابية هنالك والأمراء والوزراء أسفل منه والأجناد عن يمينه ويساره وهو مخضوب الشّعر بالسواد فسلّمت عليه، وسألني عن مقدمي فأخبرته عمّا سأل وانصرفت عنه، وبعث إليّ إحسانا. وسافرت من هنالك إلى مدينة أنطالية «14» وضبط اسمها بفتح الهمزة واسكان النون وفتح الطاء المهمل والف ولام مكسور وياء كآخر الحروف، وامّا التي بالشام هي أنطاكية على وزنها إلا أن الكاف عوّض عن اللّام، وهي من أحسن المدن متناهية في اتّساع الساحة والضخامة أجمل ما يرى من البلاد وأكثره عمارة وأحسنه ترتيبا، وكل فرقة من سكّانها منفردة بأنفسها عن الفرقة الأخرى، فتجار النصارى ماكثون منها بالموضع المعروف بالميناء «15» وعليهم سور تسدّ أبوابه عليهم ليلا، وعند صلاة الجمعة، والروم الذين كانوا أهلها قديما ساكنون بموضع آخر منفردين به، وعليهم أيضا سور، واليهود في موضع آخر وعليهم سور، والملك وأهل دولته ومماليكه يسكنون ببلدة عليها أيضا سور يحيط بها، ويفرّق بينها وبين ما

ذكر الأخية الفتيان.

ذكرناه من الفرق، وسائر الناس من المسلمين يسكنون المدينة العظمى، وبها مسجد جامع ومدرسة وحمّامات كثيرة وأسواق ضخمة مرتّبة بأبدع ترتيب، وعليها سور عظيم يحيط بها، وبجميع المواضع التي ذكرناها، وفيها البساتين الكثيرة والفواكه الطّيبة والمشمش العجيب المسمّى عندهم بقمر الدين، وفي نواته لوز حلو وهو ييبس ويحمل إلى ديار مصر، وهو بها مستطرف، وفيها عيون الماء الطيّب العذب الشديد البرودة في أيّام الصيف. ونزلنا من هذه المدينة بمدرستها، وشيخها شهاب الدين الحمويّ، ومن عادتهم أن يقرأ جماعة من الصبيان بالأصوات الحسان بعد العصر من كلّ يوم في المسجد الجامع وفي المدرسة أيضا سورة الفتح وسورة الملك وسورة عمّ «16» . ذكر الأخيّة الفتيان «17» . واحد الأخية أخي على لفظ الأخ إذا أضافه المتكلّم إلى نفسه، وهم بجميع البلاد التّركمانيّة الروميّة في كل بلد ومدينة وقرية، ولا يوجد في الدنيا مثلهم أشد احتفالا بالغرباء من الناس وأسرع إلى إطعام الطعام وقضاء الحوائج، والأخذ على أيدي الظّلمة، وقتل الشّرط ومن لحق بهم من أهل الشرّ. والأخي عندهم: رجل يجتمع أهل صناعته وغيرهم من الشبّان الأعزاب والمتجرّدين ويقدّمونه على أنفسهم، وتلك هي الفتوّة «18» أيضا، ويبني زاوية ويجعل فيها الفرش والسّرج، وما يحتاج اليه من آلات، ويخدم أصحابه بالنهار في طلب معائشهم ويأتون إليه بعد العصر بما يجتمع لهم فيشترون به الفواكه والطعام إلى غير ذلك ممّا ينفق في الزّاوية، فإذا ورد في ذلك اليوم مسافر على البلد أنزلوه عندهم وكان ذلك ضيافته لديهم، ولا يزال عندهم حتى ينصرف، وإن لم يرد وارد اجتمعوا هم على طعامهم فأكلوا وغنّوا ورقصوا وانصرفوا إلى صناعتهم بالغدوّ، وأتوا بعد العصر إلى مقدّمهم بما اجتمع لهم. ويسمّون بالفتيان، ويسمّى مقدّمهم كما ذكرنا الأخي، ولم أر في الدنيا أجمل أفعالا منهم، ويشبههم في أفعالهم أهل شيراز وإصفهان إلّا أنّ هؤلاء أحبّ في الوارد والصادر وأعظم اكراما له وشفقة عليه. وفي الثاني من يوم وصولنا إلى هذه المدينة أتى أحد هؤلاء

رقصة الدراويش إلى الآن

الفتيان إلى الشيخ شهاب الدين الحمويّ وتكلّم معه باللّسان التركيّ، ولم أكن يومئذ أفهمه «19» ، وكان عليه أثواب خلقة وعلى رأسه قلنسوة لبد، فقال لي الشيخ: أتعلم ما يقول هذا الرجل؟ لا أعلم ما قال، فقال لي أنّه يدعوك إلى ضيافته أنت واصحابك فعجبت منه وقلت له نعم، فلمّا انصرف، قلت للشيخ: هذا رجل ضعيف ولا قدرة له على تضييفنا ولا نريد أن نكلّفه، فضحك الشيخ، وقال لي: هذا أحد شيوخ الفتيان الأخيّة، وهو من الخرّازين، وفيه كرم نفس وأصحابه نحو مائتين من أهل الصناعات قد قدّموه على أنفسهم وبنوا زاوية للضيافة وما يجتمع لهم بالنّهار أنفقوه بالليل. فلمّا صلّيت المغرب عاد إلينا ذلك الرجل وذهبنا معه إلى زاويته فوجدنا زاوية حسنة مفروشة بالبسط الروميّة الحسان، وبها الكثير من ثريّات الزجاج العراقي. وفي المجلس خمسة من البياسيس والبيسوس شبه المنارة من النحاس له أرجل ثلاث وعلى رأسه شبه جلّاس من النحاس وفي وسطه أنبوب للفتيلة، ويملأ من الشّحم المذاب، وإلى جانبه آنية نحاس ملأى بالشحم وفيها مقراض لإصلاح الفتيل، وأحدهم موكّل بها، ويسمّى عندهم الجراجي «20» . وقد اصطفّ في المجلس جماعة من الشبّان ولباسهم الأقبية «21» ، وفي أرجلهم الأخفاف، وكل واحد منهم متحزّم، على وسطه سكّين في طول ذراعين، وعلى رؤسهم قلانس «22» بيض من الصوف، بأعلى كلّ قلنسوة قطعة موصولة بها في طول ذراع وعرض أصبعين، فإذا استقرّ بهم المجلس نزع كلّ واحد منهم قلنسوة ووضعها بين يديه، وتبقى على رأسه

ذكر سلطان أنطاليا

قلنسوة أخرى من الزّردخانيّ «23» ، وسواه حسنة المنظر، وفي وسط مجلسهم شبه مرتبة موضوعة للواردين. ولمّا استقرّ بنا المجلس عندهم أتو بالطعام الكثير والفاكهة والحلواء ثم أخذوا في الغناء والرقص، فراقنا حالهم وطال عجبنا من سماحهم وكرم أنفسهم وانصرفنا عنهم آخر الليل وتركناهم بزاويتهم. ذكر سلطان أنطاليا وسلطانها خضر بك بن يوسف بك «24» ، وجدناه عند وصولنا إليها عليلا، فدخلنا عليه بداره وهو في فراش المرض فكلّمنا بألطف كلام وأحسنه وودّعناه وبعث إلينا بإحسان، وسافرنا إلى بلدة بردور «25» وضبط اسمها بضم الباء الموحدة واسكان الراء وضم الدال المهمل وواو وراء، وهي بلدة صغيرة كثيرة البساتين والأنهار، ولها قلعة في رأس جبل شاهق نزلنا بدار خطيبها واجتمعت الأخيّة، وأرادوا نزولنا عندهم، فأبى عليهم الخطيب فصنعوا لنا ضيافة في بستان لأحدهم وذهبوا بنا إليها فكان من العجائب إظهارهم السرور بنا والاستبشار والفرح. وهم لا يعرفون لساننا ونحن لا نعرف لسانهم ولا ترجمان فيما بيننا، وأقمنا عندهم يوما وانصرفنا.

ذكر سلطان أكريدور

ثم سافرنا من هذه البلدة إلى بلدة سبرتا «26» وضبط اسمها بفتح السين المهمل والباء الموحدة واسكان الراء وفتح التاء المعلوّة وألف، وهي بلدة حسنة العمارة والأسواق كثيرة البساتين والأنهار، لها قلعة في جبل شامخ وصلناها بالعشيّ، ونزلنا عند قاضيها، وسافرنا منها إلى مدينة أكريدور «27» ، وضبط اسمها بفتح الهمزة وسكون الكاف وكسر الراء وياء مدّ ودال مهمل مضموم وواو مدّ وراء، مدينة عظيمة كثيرة العمارة، حسنة الأسواق ذات أنهار وأشجار وبساتين ولها بحيرة عذبة الماء يسافر المركب فيها يومين إلى أقشهر وبقشهر وغيرهما من البلاد والقرى «28» ونزلنا منها بمدرسة تقابل الجامع الأعظم بها المدرس العالم الحاجّ المجاور الفاضل مصلح الدين، قرأ بالدّيار المصرّيّة والشام وسكن العراق مدّة وهو فصيح اللسان، حسن البيان، أطروفة من طرف الزمان، أكرمنا غاية الاكرام، وقام بحقّنا أحسن قيام. ذكر سلطان أكريدور وسلطانها أبو إسحاق بك بن الدّنداربك «29» ، من كبار سلاطين تلك البلاد سكن ديار مصر أيّام أبيه، وحج، وله سير حسنة، ومن عادته أنه يأتي كل يوم إلى صلاة العصر بالمسجد الجامع فإذا قضيت صلاة العصر استند إلى جدار القبلة وقعد القرّاء بين يديه على مصطبة خشب عالية فقرأوا سورة الفتح والملك وعمّ، بأصوات حسان فعّالة في النفوس تخشع لها القلوب وتقشعرّ الجلود وتدمع العيون، ثم ينصرف إلى داره، وأظلّنا عنده شهر رمضان «30» فكان يقعد في كلّ ليلة منه على فراش لاصق بالأرض من غير سرير، ويستند

ذكر سلطان قل حصار.

إلى مخدّة كبيرة، ويجلس الفقيه مصلح الدين إلى جانبه، وأجلس إلى جانب الفقيه، ويلينا أرباب دولته وأمراء حضرته ثم يؤتي بالطعام، فيكون أوّل ما يفطر عليه ثريد في صحفة صغيرة، عليه العدس مسقى بالسمن والسكّر، ويقدّمون الثريد تبرّكا، ويقولون: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم فضّله على سائر الطعام فنحن نبدأ لتفضيل النبيّ له، ثم يؤتى بسائر الأطعمة، وهكذا فعلهم في جميع ليالي رمضان. وتوفّى في بعض تلك الأيام ولد السلطان فلم «31» يزيدوا على بكاء الرحمة كما يفعله أهل مصر والشام خلافا لما قدّمناه من فعل أهل اللّور حين مات ولد سلطانهم، فلمّا دفن أقام السلطان والطلبة ثلاثة أيّام يخرجون إلى قبره بعد صلاة الصبح، وفي ثاني يوم من دفنه خرجت مع الناس فرءاني السلطان ماشيا على رجليّ فبعث لي بفرس واعتذر فلمّا وصلت المدرسة بعثت الفرس فردّه وقال إنّما أعطيته عطيّة لا عاريّة وبعث إليّ بكسوة ودراهم، فانصرفنا إلى مدينة قل حصار «32» ، وضبط اسمها بضمّ القاف واسكان اللام ثم حاء مهمل مكسور وصاد مهمل وآخره راء، مدينة صغيرة بها المياه من كل جانب قد نبتت فيها القصب فلا طريق لها إلّا طريق كالجسر مهيأ ما بين القصب والمياه لا يسع إلّا فارسا واحدا، والمدينة على تلّ في وسط المياه منيعة لا يقدر عليها ونزلنا بزاوية أحد الفتيان الأخيّة بها. ذكر سلطان قل حصار. وسلطانها محمّد جلبي، وجلبي بجيم معقود ولام مفتوحين وباء موحدة وياء، وتفسيره بلسان الروم سيّدي «33» ، وهو أخو السلطان أبي إسحاق ملك أكريدور، ولمّا وصلنا لمدينته كان غائبا عنها فأقمنا بها أيّاما ثم قدم فأكرمنا وأركبنا وزوّدنا وانصرفنا على طريق قرا أغاج «34» ، وقرا بفتح القاف تفسيره أسود، وأغاج بفتح الهمزة والغين المعجم وآخره جيم تفسيره الخشب، وهي صحراء خضرة يسكنها التركمان، وبعث معنا السلطان فرسانا يبلّغوننا إلى مدينة لاذق، بسبب أن هذه الصحراء يقطع الطريق فيها طائفة يقال لهم

الجرميان «35» يذكر انهم من ذرّية يزيد بن معاوية ولهم مدينة يقال لها كوتاهية فعصمنا الله منهم. ووصلنا إلى مدينة لاذق، وهي بكسر الذال المعجم وبعده قاف، وتسمّى أيضا ذون غزله «36» ، وتفسيره بلد الخنازير، وهي من أبدع المدن وأضخمها، وفيها سبعة من المساجد لإقامة الجمعة ولها البساتين الرائقة، والأنهار المطرّدة، والعيون المنبعة، وأسواقها حسان، وتصنع بها ثياب قطن معلمة بالذهب لا مثل لها، تطول أعمارها لصحّة قطنها وقوّة غزلها، وهذه الثياب معروفة بالنسبة إليها، وأكثر الصنّاع بها نساء الروم، وبها من الروم كثير تحت الذمّة، وعليهم وظائف للسلطان من الجزية وسواها. وعلامة الروم بها القلانس الطوال، منها الحمر والبيض ونساء الروم لهنّ عمائم كبار، وأهل هذه المدينة لا يغيّرون المنكر بل كذلك أهل الاقليم كلّه، وهم يشترون الجواري الروميّات الحسان ويتركونهنّ للفساد، وكلّ واحدة عليها وظيف لمالكها تؤدّيه له، وسمعت هنالك أنّ الجواري يدخلن الحمّام مع الرجال، فمن أراد الفساد فعل ذلك بالحمّام من غير منكر عليه، وذكر لي انّ القاضي بها له جوار على هذه الصورة! وعند دخولنا لهذه المدينة مررنا بسوق لها فنزل إلينا رجال من حوانيتهم واخذوا بأعنّة خيلنا، ونازعهم في ذلك رجال آخرون، وطال بينهم النزاع حتّى سلّ بعضهم السكاكين، ونحن لا نعلم ما يقولون، فخفنا منهم وظنّنا أنّهم الجرميان الذين يقطعون الطرق، وان تلك مدينتهم، وحسبنا أنّهم يريدون نهبنا، ثم بعث الله لنا رجلا حاجّا يعرف اللسان العربيّ فسألته عن مرادهم منّا، فقال: إنهم من الفتيان وان الذين سبقوا الينا أوّلا هم أصحاب

ذكر سلطان لاذق

الفتى أخي سنان والآخرون أصحاب الفتى أخي طومان «37» ، وكل طائفة ترغب أن يكون نزولكم عندهم، فعجبنا من كرم نفوسهم، ثم وقع بينهم الصلح على المقارعة، فمن كانت قرعته نزلنا عنده أوّلا، فوقعت قرعة أخي سنان، وبلغه ذلك، فأتى إلينا في جماعة من أصحابه فسلّموا علينا ونزلنا بزاوية له وأتى بانواع الطعام ثم ذهب بنا إلى الحمّام، ودخل معنا وتولّى خدمتي بنفسه، وتولّى أصحابه خدمة أصحابي يخدم الثلاثة والأربعة الواحد منهم، ثم خرجنا من الحمّام فاتوا بطعام عظيم وحلواء وفاكهة كثيرة. وبعد الفراغ من الاكل قرأ القراء آيات من الكتاب العزيز، ثم اخذوا في السماع والرقص واعلموا السلطان بخبرنا، فلمّا كان من الغد بعث في طلبنا بالعشيّ، فتوجهنا إليه وإلى ولده كما نذكره، ثم عدنا إلى الزاوية فألفينا الأخى طومان وأصحابه في انتظارنا فذهبوا بنا إلى زاويتهم، ففعلوا في الطعام والحمّام مثل أصحابهم وزادوا عليهم أن صبّوا علينا ماء الورد صبّا بعد خروجنا من الحمّام ثم مضوا بنا إلى الزاوية ففعلوا أيضا من الاحتفال في الأطعمة والحلواء والفاكهة وقراءة القرآن بعد الفراغ من الأكل ثم السماع والرقص كمثل ما فعله أصحابهم أو احسن وأقمنا عندهم بالزاوية أيّاما. ذكر سلطان لاذق وهو سلطان يننج بك «38» واسمه بياء آخر الحروف مفتوحة ثم نونين اولاهما مفتوحة والثانية مسكنة وجيم، وهو من كبار سلاطين بلاد الروم ولمّا نزلنا بزاوية أخي سنان كما قدّمناه، بعث الينا الواعظ المذكّر العالم علاء الدين القسطمونيّ، واستصحب معه خيلا بعددنا، وذلك في شهر رمضان فتوجّهنا إليه وسلّمنا عليه. ومن عادة ملوك هذه البلاد التواضع للواردين ولين الكلام وقلّة العطاء فصلّينا معه المغرب وحضر طعامه فأفطرنا عنده، وانصرفنا وبعث الينا بدراهم ثم بعث عنّا ولده مراد بك وكان ساكنا في بستان خارج المدينة، وذلك في ابّان الفاكهة وبعث أيضا خيلا على عددنا كما فعله أبوه فأتينا بستانه وأقمنا عنده تلك الليلة وكان له فقيه يترجم بيننا وبينه، ثم انصرفنا غدوة.

وأظلّنا عيد الفطر بهذه البلدة «39» فخرجنا إلى المصلّى وخرج السلطان في عساكره والفتيان الأخية، كلهم بالأسلحة، ولأهل كل صناعة الأعلام والبوقات والطبول والأنفار، وبعضهم يفاخر بعضا ويباهيه في حسن الهيأة، وكمال الشّكّة، ويخرج أهل كل صناعة معهم البقر والغنم وأحمال الخبز، فيذبحون البهائم بالمقابر ويتصدّقون بها وبالخبز، ويكون خروجهم أوّلا إلى المقابر، ومنها إلى المصلّى ولمّا صلّينا صلاة العيد دخلنا مع السلطان إلى منزله وحضر الطعام فجعل للفقهاء والمشايخ والفتيان سماط على حدة وجعل للفقراء والمساكين سماط على حدة، ولا يردّ عن بابه في ذلك اليوم فقير ولا غني، وأقمنا بهذه البلدة مدّة بسبب مخاوف الطريق، ثم تهيّأت رفقة فسافرنا معهم يوما وبعض ليلة، ووصلنا إلى حصن طواس «40» ، واسمه بفتح الطاء وتخفيف الواو وآخره سين مهمل، وهو حصن كبير، ويذكر أنّ صهيبا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه من أهل هذا الحصن «41» ، وكان مبيتنا بخارجه، ووصلنا بالغد إلى بابه فسألنا أهله من أعلى السور عن مقدمنا، فأخبرناهم، وحينئذ خرج أمير الحصن إلياس بك «42» في عسكره ليختبر نواحي الحصن والطريق خوفا من إغارة السرّاق على الماشية، فلمّا طافوا بجهاته خرجت مواشيهم، وهكذا فعلهم أبدا. ونزلنا من هذا الحصن بربضه في زاوية رجل فقير، وبعث الينا أمير الحصن بضيافة وزاد، وسافرنا منه إلى مغلة «43» ، وضبط اسمها بضم الميم واسكان الغين المعجم وفتح اللام، ونزلنا بزاوية أحد المشايخ بها، وكان من الكرماء الفضلاء يكثّر الدخول علينا بزاويته ولا يدخل إلّا بطعام أو فاكهة أو حلواء، ولقينا بهذه البلدة ابراهيم بك ولد سلطان مدينة ميلاس وسنذكره، فأكرمنا وكسانا ثم سافرنا إلى مدينة ميلاس «44» وضبط اسمها بكسر الميم وياء

ذكر سلطان ميلاس.

مدّ وآخره سين مهمل، وهي من أحسن بلاد الروم وأضخمها، كثيرة الفواكه والبساتين والمياه، نزلنا منها بزاوية أحد الفتيان الأخيّة ففعل أضعاف ما فعله من قبله من الكرامة والضيافة ودخول الحمّام وغير ذلك من حميد الأفعال، وجميل الأعمال. ولقينا بمدينة ميلاس رجلا صالحا معمّرا يسمّى بابا الششتريّ «45» ذكروا أنّ عمره يزيد على مائة وخمسين سنة وله قوّة وحركة وعقله ثابت وذهنه جيّد دعى لنا وحصلت لنا بركته. ذكر سلطان ميلاس. وهو السلطان المكرّم شجاع الدين أرخان بك بن المنتشا «46» ، وضبط اسمه بضمّ الهمزة واسكان الراء وخاء معجم وآخره نون، وهو من خيار الملوك حسن الصورة والسيرة جلساؤه الفقهاء، وهم معظّمون لديه، وببابه منهم جماعة، منهم الفقيه الخوارزميّ عارف بالفنون فاضل، وكان السلطان في أيام لقائي له واجدا عليه بسبب رحلته إلى مدينة أيا سلوق ووصوله إلى سلطانها وقبول ما أعطاه، فسأل منّي هذا الفقيه: أن أتكلّم عند الملك في شأنه بما يذهب ما في خاطره فأثنيت عليه عند السلطان وذكرت ما علمته من علمه وفضله، ولم أزل به حتى ذهب ما كان يجده عليه، وأحسن إلينا هذا السلطان وأركبنا وزوّدنا. وسكناه في مدينة برجين وهي، قريبة من ميلاس بينهما ميلان «47» ، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة واسكان الراء وجيم وياء مدّ وآخره نون، وهي جديدة على تلّ هنالك، بها العمارات الحسنة والمساجد، وكان قد بنى بها مسجدا جامعا لم يتمّ بناؤه «48» بعد، وبهذه البلدة لقيناه، ونزلنا منها بزاوية الفتى أخي عليّ، ثم انصرفنا بعد ما أحسن إلينا كما

قدّمناه إلى مدينة قونية «49» وضبط اسمها بضم القاف وواو مدّ ونون مسكن وياء آخر الحروف، مدينة عظيمة حسنة العمارة كثيرة المياه والأنهار والبساتين والفواكه، وبها المشمش المسمّى بقمر الدين وقد تقدّم ذكره ويحمل منه أيضا إلى ديار مصر والشام، وشوارعها متّسعة جدّا، وأسواقها بديعة الترتيب وأهل كل صناعة على حدة، ويقال: إن هذه المدينة من بناء الاسكندر، وهي من بلاد السلطان بدر الدين بن قرمان، وسنذكره، وقد تغلّب عليها صاحب العراق في بعض الأوقات لقربها من بلاده التي بهذا الإقليم، نزلنا منها بزاوية قاضيها، ويعرف بابن قلم شاه «50» ، وهو من الفتيان وزاويته من أعظم الزاويا، وله طائفة كبيرة من التلاميذ، ولهم في الفتوّة سند يتّصل إلى أمير المومنين عليّ بن أبي طالب «51» عليه السلام ولباسها عندهم السّراويل «52» كما تلبس الصوفيّة الخرقة. وكان صنيع هذا القاضي في إكرامنا وضيافتنا أعظم من صنيع من قبله وأجمل، وبعث ولده عوضا منه لدخول الحمّام معنا، وبهذه المدينة تربة الشيخ الإمام الصالح القطب جلال الدين المعروف بمولانا «53» ، وكان كبير القدر، وبأرض الروم طائفة ينتمون اليه ويعرفون

لقطات من مدينة قونية حيث ضريح منولانا جلال الدّين الرومي

حكاية [الشيخ الشاعر]

باسمه فيقال لهم الجلاليّة، كما تعرف الأحمديّة «54» بالعراق، والحيدريّة «55» بخراسان، وعلى تربته زاوية عظيمة فيها الطعام للوارد والصادر «56» . حكاية [الشيخ الشاعر] يذكر أنّه كان في ابتداء امره فقيها مدرّسا يجتمع اليه الطلبة بمدرسته بقونية فدخل يوما إلى المدرسة رجل يبيع الحلواء وعلى رأسه طبق منها، وهي مقطوعة قطعا، يبيع القطعة منها بفلس، فلمّا أتى مجلس التدريس، قال له الشيخ: هات طبقك! فأخذ الحلوانيّ قطعة منه وأعطاها للشيخ فأخذها الشيخ بيده وأكلها، فخرج الحلوانيّ ولم يطعم أحدا سوى الشيخ فخرج الشيخ في اتباعه، وترك التدريس «57» ، فأبطأ على الطلبة، وطال انتظارهم ايّاه فخرجوا في طلبه، فلم يعرفوا له مستقرّا. ثمّ إنّه عاد إليهم بعد أعوام وتولّه وصار لا ينطق الّا بالشعر الفارسيّ المنغلق الذي لا يفهم، فكان الطلبة يتبعونه ويكتبون ما يصدر عنه من ذلك الشعر، وألّفوا منه كتابا سمّوه المثنوي «58» ، وأهل تلك البلاد يعظّمون ذلك الكتاب ويعتبرون كلامه، ويعلّمونه ويقرءونه بزواياهم في ليالي الجمعات، وفي هذه المدينة أيضا قبر الفقيه أحمد الذي يذكر أنّه كان معلّم جلال الدين المذكور. ثمّ سافرنا إلى مدينة اللّارندة «59» وهي بفتح الراء التي بعد الألف واللام واسكان النون وفتح الدال المهمل، مدينة حسنة كثيرة المياه والبساتين.

ذكر سلطان اللارندة.

ذكر سلطان اللّارندة. وسلطانها الملك بدر الدين بن قرمان «60» ، بفتح القاف والراء، وكانت قبله لشقيقه موسى فنزل عنها للملك الناصر وعوّضه عنها بعوض وبعث إليها أميرا وعسكرا «61» ثم تغلّب عليها السلطان بدر الدين وبنى بها دار مملكته واستقام أمره بها. ولقيت هذا السلطان خارج المدينة وهو عائد من تصيّده فنزلت له عن دابّتي فنزل هو عن دابّته وسلّمت عليه وأقبل عليّ، ومن عادة ملوك هذه البلاد أنه إذا نزل لهم الوارد عن دابته نزلوا له وأعجبهم فعله، وزادوا في إكرامه، وإن سلّم عليهم راكبا ساءهم ذلك ولم يرضهم ويكون سببا لحرمان الوارد! وقد جرى لي ذلك مع بعضهم، وسأذكره، ولمّا سلّمت عليه وركب سألني عن حالي وعن مقدمي ودخلت معه المدينة، فأمر بإنزالي أحسن نزل، وكان يبعث الطعام الكثير والفاكهة والحلواء في طيافير الفضّة، والشمع، وكسا، وأركب وأحسن، ولم يطل مقامنا عنده. وانصرفنا إلى مدينة أقصرا «62» ، وضبطها بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الصاد المهمل والراء، وهي من أحسن بلاد الروم وأتقنها، تحفّ بها العيون الجارية والبساتين من كل ناحية، ويشقّ المدينة ثلاثة أنهار ويجري الماء بدورها، وفيها الأشجار ود والي العنب، وداخلها بساتين كثيرة، وتصنع بها البسط المنسوبة إليها من صوف الغنم لا مثل لها في بلد من البلاد «63» ومنها تحمل إلى الشام ومصر والعراق والهند والصين وبلاد الأتراك.

وهذه المدينة في طاعة ملك العراق، ونزلنا منها بزاوية الشريف حسين النائب بها عن الأمير أرتنا، وأرتنا هو النائب عن ملك العراق فيما تغلّب عليه من بلاد الروم، وهذا الشريف من الفتيان وله طائفة كثيرة وأكرمنا اكراما متناهيا وفعل أفعال من تقدّمه. ثم رحلنا إلى مدينة نكدة «64» ، وضبط اسمها بفتح النون واسكان الكاف ودال مهمل مفتوح، وهي من بلاد ملك العراق، مدينة كبيرة كثيرة العمارة قد تخرّب بعضها ويشقّها النهر المعروف بالنّهر الاسود، وهو من كبار الأنهار عليه ثلاث قناطير، إحداها بداخل المدينة وثنتان بخارجها، وعليه النواعير بالداخل والخارج منها تسقي البساتين. والفواكه بها كثيرة، ونزلنا منها بزاوية الفتى أخي جاروق، وهو الأمير بها فأكرمنا على عادة الفتيان، وأقمنا بها ثلاثا. وسرنا منها بعد ذلك إلى مدينة قيسارية «65» وهي من بلاد صاحب العراق وهي إحدى المدن العظام بهذا الإقليم، بها عسكر أهل العراق، وإحدى خواتين الأمير علاء الدين أرتنا المذكور وهي من أكرم الخواتين وأفضلهنّ، ولها نسبة من ملك العراق وتدعى أغا «66» ، بفتح الهمزة والغين المعجم، ومعنى أغا الكبير، وكلّ من بينه وبين السلطان نسبة يدعى بذلك، واسمها طغى خاتون، ودخلنا اليها فقامت لنا وأحسنت السلام والكلام، وأمرت بإحضار الطعام، فأكلنا ولمّا انصرفنا بعثت لنا بفرس مسرّج ملجم وخلعة ودراهم مع أحد غلمانها واعتذرت. ونزلنا من هذه المدينة بزاوية الفتى الأخي أمير عليّ، وهو أمير كبير من كبار الأخيّة بهذه البلاد، وله طائفة تتبعه من وجوه المدينة وكبرائها «67» وزاويته من أحسن الزوايا فرشا وقناديل وطعاما كثيرا وإتقانا، والكبراء من أصحابه وغيرهم يجتمعون كل ليلة عنده ويفعلون في كرامة الوارد أضعاف ما يفعله سواهم.

مدينة القيسارية

ومن عوائد هذه البلاد أنّه ما كان منها ليس به سلطان فالأخي هو الحاكم به «68» ، وهو يركب الوارد ويكسوه ويحسن إليه على قدره، وترتيبه في أمره ونهيه وركوبه ترتيب الملوك. ثمّ سافرنا إلى مدينة سيواس «69» ، وضبط بكسر السين المهمل وياء مدّ وآخره سين مهمل، وهي من بلاد ملك العراق، وأعظم ماله بهذا الإقليم من البلاد، وبها منزل أمرائه وعمّاله، مدينة حسنة العمارة واسعة الشوارع، أسواقها غاصّة بالناس وبها دار مثل المدرسة تسمّى دار السيادة «70» لا ينزلها الّا الشرفاء، ونقيبهم ساكن بها وتجرى لهم فيها مدّة مقامهم الفرش والطعام والشمع وغيره فيزوّدون إذا انصرفوا. ولمّا قدمنا إلى هذه المدينة خرج إلى لقائنا أصحاب الفتى أخي احمد بجقجي، وجق بالتّركية السكّين، وهذا منسوب إليه، والجيمان منه معقودان بينهما قاف، وباؤه مكسورة. وكانوا جماعة منهم الركبان والمشاة، ثم لقينا بعدهم أصحاب الفتى أخي جلبى، وهو من كبار الأخية، وطبقته أعلى من طبقة أخي بجقجي، فطلبوا أن ننزل عندهم فلم يمكن لي ذلك لسبق الأولين، ودخلنا المدينة معهم جميعا وهم يتفاخرون والذين سبقوا إلينا قد فرحوا أشدّ الفرح بنزولنا عندهم، ثم كان من صنيعهم في الطعام والحمّام والمبيت مثل صنيع من تقدّم وأقمنا عندهم ثلاثة في أحسن ضيافة ثم أتانا القاضي وجماعة من الطلبة ومعهم خيل الأمير علاء الدين أرتنا نائب ملك العراق ببلاد الروم فركبنا إليه واستقبلنا الأمير إلى دهليز داره فسلّم علينا ورحبّ، وكان فصيح اللسان بالعربية، وسألني عن العراقين وإصبهان وشيراز وكرمان «71» وعن السلطان أتابك وبلاد الشام ومصر وسلاطين التركمان، وكان مراده أن أشكر الكريم منهم وأذمّ البخيل فلم أفعل ذلك،! بل شكرت الجميع فسرّ بذلك منّي، وشكرني عليه ثم

مدينة سيواس

أحضر الطعام فأكلنا وقال: تكونون في ضيافتي، فقال له الفتى أخي جلبى، إنّهم لم ينزلوا بعد بزاويتي، فليكونوا عندي وضيافتك تصلهم، فقال: افعل، فانتقلنا إلى زاويته وأقمنا بها ستّا في ضيافته وفي ضيافة الأمير، ثم بعث الامير بفرس وكسوة ودراهم، وكتب لنوّابه بالبلاد أن يضيفونا ويكرّمونا ويزوّدونا. وسافرنا إلى مدينة أماصبية، «72» وضبط اسمها بفتح الهمزة والميم والف وصاد مهمل مكسور وياء آخر الحروف مفتوحة، مدينة كبيرة حسنة ذات أنهار وبساتين وأشجار وفواكه كثيرة وعلى أنهارها النواعير تسقى جنّاتها ودورها، وهي فسيحة الشوارع والأسواق، وملكها لصاحب العراق، وبقرب منها بلدة سونسى «73» ، وضبط اسمها بضم السين المهمل وواو مدّ ونون مضموم وسين مهمل مفتوح، وهي لصاحب العراق أيضا، وبها سكنى أولاد وليّ الله تعالى أبي العبّاس أحمد الرفاعي، منهم الشيخ عزّ الدين، وهو الآن شيخ الرواق، وصاحب سجّادة الرفاعي، واخوته الشيخ عليّ والشيخ ابراهيم والشيخ يحيى أولاد الشيخ أحمد كوجك، ومعناه الصغير، ابن تاج الدين الرفاعي «74» ونزلنا بزاويتهم، ورأينا لهم الفضل على من سواهم. ثم سافرنا إلى مدينة كمش «75» وضبط اسمها بضم الكاف وكسر الميم وشين معجم، وهي من بلاد ملك العراق مدينة كبيرة عامرة يأتيها التجار من العراق والشام، وبها معادن الفضّة، وعلى مسيرة يومين منها جبال شامخة «76» وعرة لم أصل إليها، ونزلنا منها بزاوية الأخي مجد الدين، وأقمنا بها ثلاثا في ضيافته، وفعل أفعال من قبله، وجاء إلينا نائب الامير أرتنا وبعث بضيافة وزاد.

الجسر والقلعة- مدينة أماصية

وانصرفنا عن تلك البلاد فوصلنا إلى أرزنجان «77» ، وضبط اسمها بفتح الهمزة واسكان الراء وفتح الزاي وسكون النون وجيم وألف ونون، وهي من بلاد صاحب العراق مدينة كبيرة عامرة وأكثر سكّانها الأرمن «78» والمسلمون يتكلّمون بها بالتركية، ولها أسواق حسنة الترتيب ويصنع بها ثياب حسان تنسب إليها، وفيها معادن النحاس ويصنعون منه الأواني والبياسيس التي ذكرناها، وهي شبه المنار عندنا، ونزلنا منها بزاوية الفتى أخي نظام الدين، وهي من أحسن الزوايا وهو ايضا من خيار الفتيان وكبارهم أضافنا أحسن ضيافة. وانصرفنا إلى مدينة أرز الروم «79» ، وهي من بلاد ملك العراق كبيرة الساحة خرب أكثرها بسبب فتنة وقعت بين طائفتين من التركمان بها، ويشقّها ثلاثة أنهار، وفي أكثر دورها بساتين فيها الأشجار والدّوالي، ونزلنا منها بزاوية الفتى أخى طومان وهو كبير السّن يقال: إنه أناف على مائة وثلاثين سنة، ورأيته يتصرّف على قدميه متوكئا على عصا، ثابت الذهن مواظبا للصلاة في أوقاتها. لم ينكر من نفسه شيئا، إلا أنّه لا يستطيع الصوم، خدمنا بنفسه في الطعام، وخدمنا أولاده في الحمّام، وأردنا الانصراف عنه ثاني يوم نزولنا فشقّ عليه ذلك وأبى منه، وقال: إن فعلتم نقصتم حرمتي، وانّما اقلّ الضيافة ثلاث، فأقمنا لديه ثلاثة. ثم انصرفنا إلى مدينة برگي «80» وضبط اسمها بباء موحدة مكسورة وكاف معقود مكسور بينهما راء مسكن، ووصلنا إليها بعد العصر فلقينا رجلا من أهلها فسألناه عن زاوية الأخي بها، فقال أنا أدلكم عليها فاتّبعناه فذهب بنا إلى منزل نفسه في بستان له، فأنزلنا

ذكر سلطان برگي

بأعلى سطح بيته والأشجار مظلّلة له وذلك أوان الحرّ الشديد، وأتى الينا بأنواع الفاكهة، واحسن في ضيافته وعلّف دوابنا، وبتنا عنده تلك الليلة، وكنّا قد تعرّفنا أن بهذه المدينة مدرّسا فاضلا يسمّى بمحي الدين، فأتى بنا ذلك الرجل الذي بتنا عنده وكان من الطلبة إلى المدرسة، وإذا بالمدرّس قد أقبل راكبا على بغلة فارهة، ومماليكه وخدّامه عن جانبيه، والطلبة بين يديه وعليه ثياب مفرّجة حسان مطرّزة بالذهب فسلّمنا عليه فرحّب بنا وأحسن السلام والكلام وأمسك بيدي وأجلسني إلى جانبه، ثم جاء القاضي عزّ الدين فرشتى، ومعنى فرشتى الملك، لقّب بذلك لدينه وعفافه وفضله، فقعد عن يمين المدرّس وأخذ في تدريس العلوم الأصليّة والفرعيّة ثم لمّا فرغ من ذلك أتى دويرة بالمدرسة فأمر بفرشها وأنزلني فيها وبعث ضيافة حافلة ثم وجّه عني بعد المغرب فمضيت إليه فوجدته في مجلس ببستان له وهنالك صهريج ماء ينحدر اليه الماء من خصّة رخام أبيض يدور بها القاشانيّ، وبين يديه جملة من الطلبة، ومماليكه وخدّامه وقوف عن جانبيه وهو قاعد على مرتبة عليها أنطاع منقوشة حسنة فخلته لمّا شاهدته ملكا من الملوك، فقام إليّ واستقبلني وأخذ بيدي واجلسني إلى جانبه على مرتبته وأتي بالطعام فاكلنا وانصرفنا إلى المدرسة. وذكر لي بعض الطلبة أنّ جميع من حضر تلك الليلة من الطلبة عند المدرّس، فعادتهم الحضور لطعامه كلّ ليلة، وكتب هذا المدرّس إلى السلطان بخبرنا وأثنى في كتابه، والسلطان في جبل هنالك يصيّف فيه لاجل شدّة الحرّ وذلك الجبل بارد وعادته أن يصيّف فيه «81» . ذكر سلطان برگي وهو السلطان محمّد بن ايدين «82» ، من خيار السلاطين، وكرمائهم وفضلائهم ولمّا بعث إليه المدرّس يعلّمه بخبري وجّه نائبه إليّ لآتيه، فأشار عليّ المدرّس أن أقيم حتّى يبعث عنّي ثانية، وكان المدرّس إذ ذاك قد خرجت برجله قرحة لا يستطيع الركوب بسببها وانقطع عن المدرسة، ثمّ إن السلطان بعث في طلبي ثانية فشقّ ذلك على المدرّس، فقال: أنا لا أستطيع الركوب ومن غرضي التوجّه معك لأقرر لدى السلطان ما يجب لك، ثم إنّه تحامل ولفّ على رجله خرقا وركب ولم يضع رجله في الركاب، وركبت أنا وأصحابي وصعدنا إلى الجبل في طريق قد نحتت وسوّيت فوصلنا إلى موضع السلطان عند الزوال، فنزلنا على نهر ماء تحت ظلال شجر الجوز، وصادفنا السلطان في قلق وشغل بال بسبب فرار ابنه الأصغر

المكيفات أيام زمان!

سليمان «83» عنه إلى صهره السلطان أرخان بك، فلمّا بلغه خبر وصولنا بعث إلينا ولديه خضربك وعمربك، «84» فسلّما على الفقيه، وأمرهما بالسلام عليّ ففعلا ذلك وسألاني عن حالي ومقدمي، وانصرفا وبعث إليّ ببيت يسمّى عندهم الخرقة «85» وهو عصيّ من الخشب تجمع شبه القبّة، وتجعل عليها اللبود ويفتح أعلاه لدخول الضوء والريح مثل البادهنج، ويسد متى أحتيج إلى سدّه، وأتوا بالفرش ففرشوه، وقعد الفقيه وقعدت معه وأصحابه وأصحابي خارج البيت تحت ظلال شجر الجوز، وذلك الموضع شديد البرد، ومات لي تلك الليلة فرس من شدّة البرد! ولمّا كان من الغد ركب المدرّس إلى السلطان وتكلّم في شأني بما اقتضته فضائله، ثم عاد إليّ وأعلمني بذلك، وبعد ساعة وجه السلطان في طلبنا معا فجئنا إلى منزله ووجدناه قائما فسلّمنا عليه، وقعد الفقيه عن يمينه وأنا ممّا يلي الفقيه فسألني عن حالي ومقدمي وسألني عن الحجاز ومصر والشام واليمن والعراقين وبلاد الأعاجم، ثم حضر الطعام فأكلنا وانصرفنا وبعث الأرز والدقيق والسمن في كروش الأغنام، وكذلك فعل الترك، وأقمنا على تلك الحال أيّاما يبعث عنّا في كلّ يوم فنحضر طعامه، وأتى يوما إلينا بعد الظهر وقعد الفقيه في صدر المجلس وأنا عن يساره وقعد السلطان عن يمين الفقيه وذلك لعزّة الفقهاء عند الترك، وطلب منّي أن أكتب له أحاديث من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «86» فكتبتها له وعرضها الفقيه عليه في تلك الساعة، فأمره أن يكتب له شرحها باللّسان التركيّ، ثم قام فخرج ورأى الخدّام يطبخون لنا الطعام تحت ظلال الجوز بغير أبزار ولا خضر، فأمر بعقاب صاحب خزانته وبعث بالإبزار والسمن. وطالت إقامتنا بذلك الجبل فأدركني الملل، وأردت الانصراف وكان الفقيه أيضا قد ملّ من المقام هنالك فبعث إلى السلطان يخبره أني أريد السفر، فلمّا كان من الغد، بعث السلطان نائبه فتكلم مع المدرّس بالتركيّة، ولم أكن إذ ذاك أفهمها، فأجابه عن كلامه

حكاية [الطبيب اليهودي]

وانصرف فقال لي المدرّس: أتدري ماذا قال؟ قلت: لا أعرف ما قال، قال: إن السلطان بعث إليّ ليسئلني: ماذا يعطيك؟ فقلت له؟ عنده الذهب والفضّة والخيل والعبيد فليعطيه ما أحبّ من ذلك، فذهب إلى السلطان ثم عاد إلينا فقال: إن السلطان يأمر أن تقيما هنا اليوم وتنزلا معه غدا إلى داره بالمدينة. فلمّا كان من الغد بعث فرسا جيّدا من مراكبه، ونزل ونحن معه إلى المدينة فخرج الناس لاستقباله، وفيهم القاضي المذكور آنفا وسواه ودخل السلطان ونحن معه فلمّا نزل بباب داره ذهب مع المدرّس إلى ناحية المدرسة، فدعا بنا وأمرنا بالدخول معه إلى داره فلمّا وصلنا إلى دهليز الدّار وجدنا من خدّامه نحو عشرين، صورهم فائقة الحسن، وعليهم ثياب الحرير، وشعورهم مفروقة مرسلة، وألوانهم ساطعة البياض مشربة بحمرة، فقلت للفقيه: ما هذه الصور الحسان؟ فقال: هؤلاء فتيان روميون، وصعدنا مع السلطان درجا كثيرة إلى أن انتهينا إلى مجلس حسن في وسطه صهريج ماء وعلى كلّ ركن من أركانه صورة سبع من نحاس يمجّ الماء من فيه، وتدور بهذا المجلس مصاطب متّصلة مفروشة، وفوق إحداها مرتبة السلطان، فلمّا انتهينا اليها نحّى السلطان مرتبته بيده، وقعد معنا على الأنطاع وقعد الفقيه عن يمينه، والقاضي ممّا يلي الفقيه وأنا ممّا يلي القاضي، وقعد القرّاء أسفل المصطبة والقرّاء لا يفارقونه حيث كان من مجالسه ثم جاءوا بصحاف من الذهب والفضّة مملوّة بالجلّاب المحلول، قد عصر فيه ماء الليمون وجعل فيه كعكات صغار مقسومة، وفيها ملاعق ذهب وفضّة، وجاءوا معها بصحاف فيها مثل ذلك، وفيها ملاعق خشب فمن تورّع استعمل صحاف الصينيّ وملاعق الخشب، وتكلّمت بشكر السلطان، وأثنيت على الفقيه وبالغت في ذلك فاعجب ذلك السلطان وسرّه. حكاية [الطبيب اليهودي] وفي أثناء قعودنا مع السلطان أتى شيخ على رأسه عمامة لها ذؤابة فسلّم عليه، وقام له القاضي والفقيه وقعد أمام السلطان فوق المصطبة والقراء أسفل منه فقلت للفقيه: من هذا الشيخ؟ فضحك وسكت، ثم أعدت السؤال، فقال لي: هذا يهوديّ طبيب، وكلّنا محتاج اليه!

حكاية أخرى [الحجر النازل من السماء]

فلأجل هذا فعلنا ما رأيت من القيام له، فأخذني ما حدث وقدم من الامتعاض «87» ، فقلت لليهوديّ: يا ملعون بن ملعون، كيف تجلس فوق قرّاء القرآن وانت يهوديّ؟ وشتمته، ورفعت صوتي فعجب السلطان، وسأل عن معنى كلامي فاخبره الفقيه به، وغضب اليهوديّ فخرج عن المجلس في أسوأ حال، ولمّا انصرفنا قال لي الفقيه: أحسنت بارك الله فيك إن أحدا سواك لا يتجاسر عن مخاطبته بذلك ولقد عرّفته بنفسه! حكاية أخرى [الحجر النازل من السماء] وسألني السلطان في هذا المجلس، فقال لي: هل رأيت قطّ حجرا نزل من السماء؟ فقلت: ما رأيت ذلك ولا سمعت به. فقال لي: إنه قد نزل بخارج بلدنا هذا حجر من السماء، ثم دعا رجالا وأمرهم أن يأتوا بالحجر فاتوا بحجر أسود أصمّ شديد الصّلابة له بريق، قدّرت أنّ زنته تبلغ قنطارا وأمر السلطان باحضار القطّاعين فحضر أربعة منهم، فأمرهم أن يضربوه فضربوا عليه ضربة رجل واحد أربع مرّات بمطارق الحديد فلم يؤثّروا فيه شيئا، فعجبت من أمره وأمر بردّه إلى حيث كان. وفي ثالث يوم من دخولنا إلى المدينة مع السلطان صنع صنيعا عظيما ودعا الفقهاء والمشايخ واعيان العسكر ووجوه أهل المدينة فطعموا وقرأ القرّاء القرآن، بالأصوات الحسان، وعدنا إلى منزلنا بالمدرسة وكان يوجّه الطعام والفاكهة، والحلواء والشّمع في كلّ ليلة، ثم بعث إليّ مائة مثقال ذهبا والف درهم وكسوة كاملة وفرسا ومملوكا روميا يسمّى ميخائيل، وبعث لكلّ من أصحابي كسوة ودراهم، كلّ هذا بمشاركة المدرّس محيي الدّين جزاه الله تعالى خيرا، وودّعنا وانصرفنا وكانت مدّة مقامنا عنده بالجبل والمدينة أربعة عشر يوما.

ثم قصدنا مدينة تيرة «88» وهي من بلاد هذا السلطان، وضبط اسمها بكسر التاء المعلوّة وياء مدّ وراء، مدينة حسنة ذات أنهار وبساتين وفواكه، ونزلنا منها بزاوية الفتى أخي محمّد، وهو من كبار الصالحين صائم الدهر، وله أصحاب على طريقته فأضافنا ودعا لنا، وسرنا إلى مدينة أيا سلوق «89» ، وضبط اسمها بفتح الهمزة والياء آخر الحروف وسين مهمل مضموم ولام مضموم وآخره قاف، مدينة كبيرة قديمة معظّمة عند الروم وفيها كنيسة كبيرة مبنيّة بالحجارة الضخمة، ويكون طول الحجر منها عشر أذرع فما دونها منحوتة أبدع نحت والمسجد الجامع بهذه المدينة من أبدع مساجد الدنيا لا نظير له في الحسن، وكان كنيسة للروم ومعظّمة عندهم يقصدونها من البلاد، فلمّا فتحت هذه المدينة جعلها المسلمون مسجدا جامعا «90» ، وحيطانه من الرخام الملوّن وفرشه الرخام الابيض وهو مسقّف بالرصاص وفيه إحدى عشرة قبّة منوّعة، وفي وسط كل قبّة صهريج ماء، والنهر يشقّه «91» ، وعن جانبي النهر الأشجار المختلفة الأجناس ودوالي العنب ومعرّشات الياسمين، وله خمسة عشر بابا، وأمير هذه المدينة خضر بك بن السلطان محمد بن ايدين، وقد كنت رايته عند أبيه ببركي، ثم لقيته بهذه المدينة خارجها فسلّمت عليه وأنا راكب، فكره ذلك منّي، وكان سبب حرماني لديه، فإنّ عادتهم إذا نزل لهم الوارد نزلوا له وأعجبهم ذلك، ولم يبعث إليّ ثوبا واحدا من الحرير المذهّب يسمّونه النّخ «92» ، بفتح النون وخاء معجم، واشتريت بهذه المدينة جارية روميّة بكرا بأربعين دينارا ذهبا. ثم «93» سرنا إلى مدينة يزمير «94» ، وضبط اسمها بياء آخر الحروف مفتوحة وزاي مسكّن وميم مكسورة وياء مدّ وراء، مدينة كبيرة على ساحل البحر معظمها خراب، ولها قلعة

جامع أياسلوق

متّصلة بأعلاها نزلنا منها بزاوية الشيخ يعقوب، وهو من الاحمديّة صالح فاضل، ولقينا بخارجها الشيخ عزّ الدين بن أحمد الرفاعيّ ومعه: زاده الأخلاطيّ، من كبار المشايخ، ومعه مائة فقير من المولّهين، وقد ضرب لهم الأمير الأخبية وصنع لهم الشيخ يعقوب ضيافة وحضرتها، واجتمعت بهم، وأمير هذه المدينة عمر بك بن السلطان محمّد بن آيدين المذكور آنفا، وسكناه بقلعتها، وكان حين قدومنا عند أبيه، ثم قدم بعد خمس من نزولنا بها فكان من مكارمه أن أتى إليّ بالزاوية فسلّم عليّ واعتذر، وبعث ضيافة عظيمة وأعطاني بعد ذلك مملوكا روميّا خماسيّا اسمه نقوله، وثوبين من الكمخا «95» وهي ثياب حرير تصنع ببغداد وتبريز وبنيسابور وبالصين وذكر لي الفقيه الذي يؤمّ به أنّ الامير لم يبق له مملوك سوى ذلك المملوك الذي أعطاني بسبب كرمه رحمه الله، وأعطى أيضا للشيخ عزّ الدين ثلاثة أفراس مجهّزة وآنية فضّة كبيرة تسمّى عندهم المشربة مملوّة دراهم، وثيابا من الملفّ والمرعزّ والقدسيّ «96» ، والكمخا وجواري وغلمانا. وكان هذا الأمير كريما صالحا كثير الجهاد «97» ، وله أجفان غزويّة يضرب بها على نواحي القسطنطينية العظمى فيسبي ويغنم ويفني ذلك كرما وجودا، ثمّ يعود إلى الجهاد إلى أن اشتدّت على الروم وطأته فرفعوا أمرهم إلى البابه، فأمر نصارى جنوه وافرانسه بغزوه فغزوه وجهّز جيشا من رومه وطرقوا مدينته ليلا في عدد كثير من الأجفان وملكوا المرسى والمدينة، ونزل إليهم الأمير عمر من القلعة فقاتلهم، فاستشهد هو وجماعة من ناسه «98» ، واستقرّ النّصاري بالبلد ولم يقدروا على القلعة لمنعتها.

مدينة يزمير

ذكر سلطان مغنيسية

ثم سافرنا من هذه المدينة إلى مدينة مغنيسيّة «99» وضبط اسمها بميم مفتوحة وغين معجمة مسكنة ونون مكسورة وياء مدّ وسين مهملة مكسورة وياء آخر الحروف مشدّده، نزلنا بها عشيّ يوم عرفة «100» بزاوية رجل من الفتيان وهي مدينة كبيرة حسنة في سفح جبل وبسيطها كثير الأنهار والعيون والبساتين والفواكه. ذكر سلطان مغنيسيّة وسلطانها يسمى صاروخان «101» ، ولمّا وصلنا إلى هذه البلدة وجدناه بتربة ولده، وكان قد توفّى منذ أشهر فكان هو وأم الولد ليلة العيد «102» وصبيحتها بتربته، والولد قد صبّر وجعل في تابوت خشب مغشى بالحديد المقزدر وعلّق في قبّة لا سقف لها «103» لأن تذهب رائحته، وحينئذ تسقّف القبّة ويجعل تابوته ظاهرا على وجه الارض، وتجعل ثيابه عليه، وهكذا رأيت غيره أيضا من الملوك فعل. وسلّمنا عليه بذلك الموضع وصلّينا معه صلاة العيد، وعدنا إلى الزاوية فأخذ الغلام الذي كان لي أفراسنا وتوجّه مع غلام لبعض الأصحاب برسم سقيها، فأبطأ، ثم لمّا كان العشيّ لم يظهر لهما أثر، وكان بهذه المدينة الفقيه المدرّس الفاضل مصلح الدين، فركب معي إلى السلطان وأعلمناه بذلك فبعث في طلبهما فلم يوجدا واشتغل الناس في عيدهم وقصدا مدينة للكفار على ساحل البحر تسمّى فوجة «104» على مسيرة يوم من مغنيسيّة، وهؤلاء الكفار في بلد حصين، وهم يبعثون هديّة في كلّ سنة إلى سلطان مغنيسيّة فيقنع منهم بها لحصانة بلدهم، فلمّا كان بعد الظهر أتى بهما بعض الأتراك وبالأفراس وذكروا أنّهما اجتازا بهم عشيّة النهار، فانكروا أمرهما واشتدّوا عليهما حتى أقرّا بما عزما عليه من الفرار!

مدينة برصى

ذكر سلطان برغمة

ثمّ سافرنا من مغنيسيّة وبتنا ليلة عند قوم من التركمان قد نزلوا في مرعى لهم ولم نجد عندهم ما نعلف دوابّنا تلك الليلة، وبات أصحابنا يحترسون مداولة بينهم خوف السرقة، فأتت نوبة الفقيه عفيف الدين التّوزري فسمعته يقرأ سورة البقرة «105» ، فقلت له: إذا أردت النوم فأعلمني لأنظر من يحترس ثم نمت فما أيقظني الّا الصباح، وقد ذهب السرّاق بفرس لي كان يركبه عفيف الدين بسرجه ولجامه وكان من جياد الخيل اشتريته بأيا سلوق. ثم رحلنا من الغد فوصلنا إلى مدينة برغمة «106» ، وضبط اسمها بباء موحدة مفتوحة وراء مسكنة وغين معجمة مفتوحة وميم مفتوحة، مدينة خربة لها قلعة عظيمة منيعة بأعلى جبل، ويقال: إن أفلاطون الحكيم من أهل هذه المدينة وداره تشتهر باسمه إلى الآن «107» ، ونزلنا منها بزاوية فقير من الأحمديّة، ثمّ جاء أحد كبراء المدينة فنقلنا إلى داره وأكرمنا إكراما كثيرا. ذكر سلطان برغمة وسلطانها يسمّى يخشي خان «108» ، بكسر الشين، وخان عندهم هم السلطان، ويخشي بياء آخر الحروف وخاء معجم وشين معجم مكسور، ومعناه: جيّد، صادفناه في مصيف له فأعلم بقدومنا فبعث بضيافة وثوب قدسيّ، ثم اكترينا من يدلّنا على الطريق وسرنا في جبال شامخة وعرة إلى أن وصلنا إلى مدينة بلي كسري «109» ، وضبط اسمها بباء موحدة مفتوحة ولام مكسور وياء مدّ وكاف مفتوح وسين مهمل مسكن وراء مكسور وياء، مدينة حسنة كثيرة العمارة مليحة الأسواق، ولا جامع لها يجمّع فيه، وأرادوا بناء جامع خارجها متّصل بها فبنوا حيطانه ولم يجعلوا له سقفا وصاروا يصلّون به ويجمّعون تحت ظلال الأشجار ونزلنا من هذه المدينة بزاوية الفتى أخي سنان وهو من أفاضلهم وأتى إلينا قاضيها وخطيبها الفقيه موسى.

ذكر سلطان بلي كسري

ذكر سلطان بلي كسري ويسمى دمور خان «110» ، ولا خير فيه، وأبوه هو الذي بنى هذه المدينة وكثرت عمارتها بمن لا خير في مدّة ابنه هذا، والنّاس على دين الملك، ورأيته، وبعث إليّ ثوب حرير، واشتريت بهذه المدينة جارية رومية تسمّى مرغليطة. ثم سرنا إلى مدينة برصى «111» ، وضبط اسمها بضم الباء الموحدة واسكان الراء وفتح الصاد المهمل، مدينة كبيرة عظيمة حسنة الأسواق فسيحة الشوارع تحفّها البساتين من جميع جهاتها والعيون الجارية، وبخارجها نهر ماء شديد «112» الحرارة يصبّ في بركة عظيمة، وقد بنى عليها بيتان: أحدهما للرجال والآخر للنساء، والمرضى يستشفون بهذه الحمّة ويأتون اليها من أقاصي البلاد. وهنالك زاوية للواردين ينزلون بها ويطعمون مدّة مقامهم وهي ثلاثة أيام، عمّر هذه الزاوية أحد ملوك التركمان، ونزلنا في هذه المدينة بزاوية الفتى أخي شمس الدين «113» من كبار الفتيان، ووافقنا عنده يوم عاشوراء «114» فصنع طعاما كثيرا ودعا وجوه العسكر وأهل المدينة ليلا وأفطروا عنده، وقرأ القرّاء بالأصوات الحسنة، وحضر الفقيه الواعظ مجد الدين القونويّ. ووعظ وذكّر وأحسن، ثم أخذوا في السماع والرقص وكانت ليلة عظيمة الشأن، وهذا الواعظ من الصالحين يصوم الدهر ولا يفطر إلّا في كلّ ثلاثة أيّام ولا يأكل إلا من كدّ يمينه ويقال: إنّه لم يأكل طعام احد قطّ ولا منزل له ولا متاع إلا ما يستتر به ولا ينام إلا في المقبرة، ويعظ في المجالس ويذكّر، فيتوب على يديه في كلّ مجلس الجماعة من الناس، وطلبته بعد هذه الليلة فلم أجده، وأتيت الجبّانة فلم أجده، ويقال: إنّه ياتيها بعد هجوع الناس.

حكاية [الفقير الصياح]

حكاية [الفقير الصيّاح] لمّا حضرنا ليلة عاشوراء بزاوية شمس الدين وعظ بها مجد الدين من آخر الليل فصاح أحد الفقراء صيحة غشى عليه منها، فصبّوا عليه ماء الورد فلم يفق، فأعادوا عليه ذلك فلم يفق واختلف الناس فيه، فمن قائل: إنّه ميّت، ومن قائل: إنّه مغشي عليه، وأتم الواعظ كلامه وقرأ القراء وصلّينا الصبح وطلعت الشمس، فأختبروا حال الرجل فوجدوه فارق الدنيا، رحمه الله، فاشتغلوا بغسله وتكفينه، وكنت فيمن حضر الصلاة عليه ودفنه. وكان هذا الفقير يسمى الصيّاح وذكروا إنه كان يتعبّد بغار هنالك في جبل فمتى علم أن الواعظ مجد الدين يعظ قصده وحضر وعظه، ولم يأكل طعام أحد فإذا وعظ مجد الدين يصيح ويغشى عليه، ثم يفيق فيتوضأ ويصلّي ركعتين، ثم إذا سمع الواعظ صاح، يفعل ذلك مرارا في الليلة ويسمّى الصيّاح لأجل ذلك وكان أعذر اليد والرجل، لا قدرة له على الخدمة، وكانت له والدة تقوته من غزلها فلمّا توفيّت اقتات بنبات الأرض. ولقيت بهذه المدينة الشيخ الصالح عبد الله المصريّ السايح وهو من الصالحين، جال الأرض إلّا أنّه لم يدخل الصين ولا جزيرة سرنديب ولا المغرب ولا الأندلس ولا بلاد السودان، وقد زدّت عليه بدخول هذه الأقاليم! ذكر سلطان برصى [الملك الثاني في الامبراطورية العثمانية] وسلطانها اختيار الدين أرخان بك، وأرخان بضمّ الهمزة وخاء معجم، ابن السلطان عثمان جوق، وجوق بجيم معقود مضموم وآخره قاف، وتفسيره بالتركية الصغير «115» ، وهذا السلطان، أكبر ملوك التركمان، وأكثرهم مالا وبلادا وعسكرا، له من الحصون ما يقارب مائة حصن، وهو في أكثر أوقاته لا يزال يطوف عليها ويقيم بكلّ حصن منها أيّاما لإصلاح شؤونه وتفقّد حاله، ويقال: إنه لم يقم قطّ شهرا كاملا ببلد، ويقاتل الكفار ويحاصرهم، ووالده

هو الذي استفتح مدينة برصى من أيدي الروم وقبره بمسجدها، وكان مسجدها كنيسة للنصارى «116» . ويذكر (116) أنه حاصر مدينة يزنيك نحو عشرين سنة ومات قبل فتحها فحاصرها ولده، هذا الذي ذكرناه ثنتى عشر سنة وافتتحها «117» ، وبها كان لقاءى له «118» وبعث إليّ بدراهم كثيرة. ثم سافرنا إلى مدينة يزنيك، وضبط اسمها بفتح الياء آخر الحروف واسكان الزاي وكسر النون وياء مدّ وكاف، وبتنا قبل الوصول إليها ليلة بقرية تدعى كرله «119» بزاوية فتى من الأخية، ثم سرنا من هذه القرية يوما كاملا في أنهار ماء على جوانبها أشجار الرمّان الحلو والحامض، ثم وصلنا إلى بحيرة ماء تنبت القصب على ثمانية أميال من يزنيك لا يستطاع دخولها الا على طريق واحد مثل الجسر لا يسلك عليها إلا فارس واحد «120» ، وبذلك امتنعت هذه المدينة. والبحيرة محيطة بها من جميع الجهات وهي خاوية على عروشها لا يسكن بها الا أناس قليلون من خدّام السلطان «121» ، وبها زوجته بيلون خاتون «122» ، وهي الحاكمة عليهم،

يزنيك- الجامع الأخضر والباب البيزنطي

امرأة صالحة فاضلة، وعلى المدينة أسوار أربعة بين كل سوريين خندق فيه الماء «123» ، ويدخل إليها على جسور خشب متى أرادوا رفعها رفعوها، وبداخل المدينة البساتين والدور والأرض والمزارع، فلكل إنسان داره ومزرعته وبستانه مجموعة، وشرابها من أبار بها قريبة، وبها من جميع أصناف الفواكه والجوز، والقسطل عندهم كثير جدّا رخيص الثمن، ويسمّون القسطل قسطنة بالنون، والجوز القوز بالقاف، وبها العنب العذاري «124» لم أر مثله في سواها متناهي الحلاوة عظيم الجرم صافي اللون رقيق القشر، للحبّة منه نواة واحدة، أنزلنا بهذه المدينة الفقيه الامام الحاجّ المجاور علاء الدين السلطانيوكي، وهو من الفضلاء الكرماء، ما جئت قطّ إلى زيارته الّا أحضر الطعام وصورته حسنة وسيرته أحسن وتوجه معي إلى الخاتون المذكورة فأكرمت وافاضت واحسنت. وبعد قدومنا بأيام وصل إلى هذه المدينة السلطان أرخان بك الذي ذكرناه، وأقمت بهذه المدينة نحو أربعين يوما بسبب مرض فرس لي، فلما طال عليّ المكث تركته وانصرفت، ومعي ثلاثة من أصحابي وجارية وغلمان، وليس معنا من يحسن اللسان التركي ويترجم عنّا، وكان لنا ترجمان فارقنا بهذه المدينة. ثم خرجنا منها فبتنا بقرية يقال لها: مكجا «125» ، بفتح الميم والكاف والجيم، بتنا عند فقيه بها أكرمنا وأضافنا، وسافرنا من عنده وتقدّمتنا امرأة من الترك على فرس ومعها خديم لها، وهي قاصدة مدينة ينجا «126» ، ونحن في اتباع أثرها، فوصلت إلى واد كبير يقال له سقريّ، كأنّه نسب إلى سقر أعاذنا الله منها «127» ، فذهبت تجوز الوادي، فلما توسطته كادت الدابة تغرق بها و؟ رمتها عن ظهرها، وأراد الخديم الذي كان معها استخلاصها فذهب الوادي بهما معا، وكان في عدوة الوادي قوم رموا بأنفسهم في أثرهما سباحة فاخرجوا المرأة وبها من الحياة رمق، ووجدوا الرجل قد قضى نحبه، رحمه الله. وأخبرنا أولئك الناس أن المعدّية اسفل من ذلك الموضع فتوجهنا إليها وهي أربع خشبات مربوطة بالحبال، يجعلون عليها سروج الدواب والمتاع ويجذبها الرجال من العدوة

الأخرى، ويركب عليها الناس، وتجاز الدواب سباحة وكذلك فعلنا ووصلنا تلك الليلة إلى كاوية «128» واسمها على مثال فاعلة، من الكيّ، نزلنا منها بزاوية أحد الأخية فكلّمناه بالعربية فلم يفهم عنّا، وكلّمنا بالتركيّة فلم نفهم عنه! فقال: اطلبوا الفقيه فإنّه يعرف العربية فأتى الفقيه فكلّمنا بالفارسيّة وكلّمناه بالعربية، فلم يفهمها منّا فقال للفتى: إيشان عربيّ كهنا ميقوان ومن عربيّ نوميد انم، وإيشان، معناه: هؤلاء، وكهنا: قديم، وميقوان: يقولون، ومن أنا، ونو: جديد. وميدا نم: نعرف وانّما أراد الفقيه بهذا الكلام ستر نفسه عن الفضيحة حين ظنّوا أنّه يعرف اللسان العربيّ وهو لا يعرفه فقال لهم: هؤلاء يتكلّمون بالكلام العربيّ القديم وأنا لا أعرف الّا العربيّ الجديد! فظنّ الفتى أن الأمر على ما قاله الفقيه، ونفعنا ذلك عنده، وبالغ في إكرامنا وقال: هؤلاء تجب كرامتهم لأنهم يتكلمون باللسان العربي القديم! وهو لسان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولم نفهم كلام الفقيه إذا ذاك لاكني حفظت لفظه، فلما تعلمت اللسان الفارسي فهمت مراده، وبتنا تلك الليلة بالزاوية، وبعث معنا دليلا إلى ينجا، وضبط اسمها بفتح الياء آخر الحروف وكسر النون وجيم، بلدة كبيرة حسنة بحثنا بها عن زاوية الأخي فوجدنا أحد الفقراء المولّهين، فقلت له: هذه زاوية الأخي؟ فقال لي: نعم فسررت عند ذلك اذ وجدت من يفهم اللسان العربي، فلما اختبرته أبرز الغيب انّه لا يعرف من اللسان العربي الا كلمة نعم خاصّة! وانزلنا بالزاوية وجاء إلينا أحد الطلبة بطعام ولم يكن الأخي حاضرا، وحصل الأنس بهذا الطالب، ولم يكن يعرف اللسان العربي لاكنه تفضّل وتكلّم مع نائب البلدة، فأعطاني فارسا من أصحابه وتوجه معنا إلى كينوك «129» ، وضبط اسمها بفتح الكاف وسكون الياء وضم النون، وهي بلدة صغيرة يسكنها كفار الرّوم تحت ذمّة المسلمين، وليس بها غير بيت واحد من المسلمين وهم الحكّام عليهم، وهي من بلاد السلطان أرخان بك، فنزلنا بدار عجوز كافرة وذلك إبّان الثلج والشتاء، فأحسنّا إليها وبتنا عندها تلك الليلة. وهذه البلدة لا شجر بها ولا دوالي العنب، ولا يزرع بها الّا الزعفران، وأتتنا هذه العجوز بزعفران كثير وظنّت أننا تجار نشتريه منها! ولما كان الصباح ركبنا وأتانا الفارس الذي بعثه الفتى معنا من كاوية فبعث معنا فارسا غيره ليوصلنا إلى مدينة مطرني، وقد وقع في تلك الليلة ثلج كثير عفّى الطرق، فتقدّمنا ذلك الفارس فاتّبعنا أثره إلى أن وصلنا في نصف النهار إلى قرية للتركمان، فاتوا بطعام فأكلنا منه وكلّمهم ذلك الفارس، فركب معنا أحدهم وسلك بنا أو عارا وجبالا ومجرى ماء تكرّر لنا جوازه أزيد من ثلاثين مرّة، فلمّا خلصنا

من ذلك، قال لنا ذلك الفارس: أعطوني شيئا من الدراهم، فقلنا له: إذا وصلنا إلى المدينة نعطيك ونرضيك، فلم يرض ذلك منّا أو لم يفهم عنّا، فأخذ قوسا لبعض أصحابي ومضى غير بعيد، ثم رجع فردّ إلينا القوس، فأعطيته شيئا من الدراهم فأخذها وهرب عنّا وتركنا لا نعرف أين نقصد، ولا طريق يظهر لنا، فكنّا نتلمّح أثر الطريق تحت الثلج، ونسلكه إلى أن بلغنا عند غروب الشمس إلى جبل يظهر الطريق به لكثرة الحجارة، فخفت الهلاك على نفسي ومن معي، وتوقعت نزول الثلج ليلا، ولا عمارة هنالك، فإن نزلنا عن الدوابّ هلكنا وإن سرينا ليلتنا لا نعرف أين نتوجّه! وكان لي فرس من الجياد فعلمت على الخلاص، وقلت في نفسي: إذا سلمت لعلّي أحتال في سلامة أصحابي، فكان كذلك واستودعتهم الله تعالى وسرت. وأهل تلك البلاد يبنون على القبور بيوتا من الخشب يظنّ رائيها أنها عمارة فيجدها قبورا، فظهر لي منها كثير فلما كان بعد العشاء وصلت إلى بيوت، فقلت: اللهمّ اجعلها عامرة، فوجدتها عامرة، ووفّقني الله تعالى إلى باب دار فرأيت عليه شيخا فكلّمته بالعربي فكلّمني بالتركي وأشار إليّ بالدخول فاخبرته بشأن أصحابي، فلم يفهم عنّي، وكان من لطف الله أن تلك الدار زاوية للفقراء والواقف بالباب شيخها فلمّا سمع الفقراء الذين بداخل الزاوية كلامي مع الشيخ، خرج بعضهم، وكانت بيني وبينه معرفة، فسلّم عليّ، وأخبرته خبر أصحابي وأشرت إليه بأن يمضي مع الفقراء لاستخلاص الأصحاب، ففعلوا ذلك وتوجّهوا معي إلى أصحابي وجئنا جميعا إلى الزاوية، وحمدنا الله تعالى على السلامة! وكانت ليلة جمعة، فاجتمع أهل القرية وقطعوا ليلتهم بذكر الله تعالى، وأتى كلّ منهم بما تيسّر له من الطعام وارتفعت المشقّة، ورحلنا عند الصباح فوصلنا إلى مدينة مطرني «130» عند صلاة الجمعة، وضبط اسمها بضم الميم والطاء المهملة واسكان الراء وكسر النون وياء مدّ، فنزلنا بزاوية أحد الفتيان الأخية، وبها جماعة من المسافرين ولم نجد مربطا للدواب فصلينا الجمعة ونحن في قلق لكثرة الثلج والبرد وعدم المربط، فلقينا أحد الحجّاج من أهلها فسلّم علينا، وكان يعرف اللسان العربي، فسررت برؤيته وطلبت منه أن يدلّنا على مربط للدواب بالكراء، فقال: امّا ربطها في منزل فلا يتأتّي لأن أبواب دور هذه البلدة صغار لا تدخل عليها الدّواب، ولا كني أدلكم على سقيفة بالسوق يربط فيها المسافرون دوابّهم، والذين يأتون لحضور السوق، فدلّنا عليها وربطنا بها دوابنا، ونزل أحد الاصحاب بحانوت خال ازاءها ليحرس الدواب.

وكان من غريب ما اتّفق لنا أنّي بعثت أحد الخدّام ليشتري التّبن للدواب، وبعثت أحدهم يشتري السمن، فأتى أحدهما بالتبن، وأتى الآخر دون شيء وهو يضحك، فسألناه عن سبب ضحكه فقال إنّا وقفنا على دكّان بالسوق، فطلبنا منه السمن فأشار الينا بالوقوف، وكلّم ولدا له فدفعنا له الدراهم فأبطأ ساعة وأتى بالتبن فأخذناه منه وقلنا له: إنّا نريد السمن، فقال: هذا السمن، وأبرز الغيب أنهم يقولون للتبن سمن بلسان الترك! وأما السمن فيسمّى عندهم روغان!! «131» . ولمّا اجتمعنا بهذا الحاجّ الذي يعرف اللسان العربي رغبنا منه أن يسافر معنا إلى قصطمونية، وبينها وبين هذه البلدة مسيرة عشر، وكسوته ثوبا مصريا من ثيابي وأعطيته نفقة تركها لعياله، وعيّنت له دابّة لركوبه ووعدته الخير وسافر معنا فظهر لنا من حاله أنّه صاحب مال كثير وله ديون على الناس غير أنّه ساقط الهمّة خسيس الطبع سيء الأفعال! وكنا نعطيه الدراهم لنفقتنا فيأخذ ما يفضل من الخبز ويشتري به الأبزار والخضر والملح ويمسك ثمن ذلك لنفسه! وذكر لي أنه كان يسرق من دراهم النفقة دون ذلك، وكنا نحتمله لما كنا نكابده من عدم المعرفة بلسان الترك، وانتهت حاله إلى أن فضحناه، وكنا نقول له في آخر النهار: يا حاجّ كم سرقت اليوم من النفقة؟ فيقول: كذا! فنضحك منه ونرضى بذلك!! ومن أفعاله الخسيسة أنه مات لنا فرس في بعض المنازل فتولى سلخ جلده بيده وباعه، ومنها أنّا نزلنا ليلة عند أخت له في بعض القرى فجاءت بطعام وفاكهة من الإجّاص والتفّاح والمشمش والخوخ كلّها ميبّسة وتجعل في الماء حتى ترطب فتوكل ويشرب ماؤها، فأردنا أن نحسن إليها، فعلم بذلك فقال: لا تعطوها شيئا وأعطوا ذلك لي، فأعطيناه ارضاء له، وأعطيناها إحسانا في خفية بحيث لم يعلم بذلك! ثم وصلنا إلى مدينة بولي «132» وضبط اسمها بباء موحدة مضمومة وكسر اللام، ولما انتهينا إلى قريب منها وجدنا واديا يظهر في رأى العين صغيرا فلما دخله بعض أصحابنا وجدوه شديد الجرية والانزعاج فجازوه جميعا، وبقيت جارية صغيرة خافوا من تجويزها، وكان فرسي خيرا من أفراسهم فأردفتها، وأخذت في جواز الوادي فلمّا توسطته وقع بي الفرس ووقعت الجارية فأخرجها أصحابي وبها رمق، وخلّصت أنا.

ذكر سلطانها

ودخلنا المدينة فقصدنا زاوية أحد الفتيان الأخية، ومن عوائدهم أنه لا تزال النار موقودة في زواياهم أيام الشتاء أبدا يجعلون في كل ركن من أركان الزاوية موقدا للنار ويصنعون لها منافس يصعد منها الدخان ولا يؤذي الزاوية، ويسمونها البخاريّ واحدها بخيريّ. قال ابن جزي: وقد احسن صفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحليّ «133» في قوله في التورية، وتذكّرته بذكر البخيريّ: إنّ البخيريّ مذّ فارقتموه غدا ... يحثي الرّماد على كانونه التّرب لو شئتم انّه يمسي أبا لهب ... جاءت بغالكم حمّالة الحطب «134» رجع. قال: فلمّا دخلنا الزاوية وجدنا النار موقدة فنزعت ثيابي ولبست ثيابا سواها واصطليت بالنار، وأتى الأخي بالطعام والفاكهة وأكثر من ذلك، فلله درّهم من طائفة ما أكرم نفوسهم وأشدّ إئثارهم، وأعظم شفقتهم على الغريب، وألطفهم بالوارد، وأحبّهم فيه وأجملهم احتفالا بأمره! فليس قدوم الانسان الغريب عليهم الّا كقدومه على أحبّ أهله إليه! وبتنا تلك الليلة بحال رضيّة، ثم رحلنا بالغداة فوصلنا إلى مدينة كردي بولي «135» ، وضبط اسمها بكاف معقودة وفتح الراء والدال المهمل وسكون الياء وباء موحدة مضمومة وواو مدّ ولام مكسورة وياء، وهي مدينة كبيرة في بسيط من الأرض حسنة متّسعة الشوارع والأسواق من أشدّ البلاد بردا، وهي محلّات مفترقة. كل محلة تسكنها طائفة لا يخالطهم غيرهم. ذكر سلطانها وهو السّلطان شاه بك «136» من متوسطي سلاطين هذه البلاد، حسن الصورة والسيرة جميل الخلق، قليل العطاء، صلّينا بهذه المدينة صلاة الجمعة، ونزلنا بزاوية منها،

ولقيت بها الخطيب الفقيه شمس الدين الدمشقي الحنبلي، وهو مستوطنها منذ سنين، وله بها أولاد، وهو فقيه هذا السلطان وخطيبه ومسموع الكلام عنده، ودخل علينا هذا الفقيه بالزاوية فأعلمنا أن السلطان قد جاء لزيارتنا فشكرته على فعله، واستقبلت السلطان فسلّمت عليه، وجلس فسألني عن حالي، وعن مقدمي وعمّن لقيته من السلاطين، فأخبرته بذلك كلّه، وأقام ساعة ثمّ انصرف، وبعث بدابّة مسرجة وكسوة. وانصرفنا إلى مدينة برلو، «137» وضبط اسمها بضمّ الباء الموحدة واسكان الراء وضم اللام، وهي مدينة صغيرة على تلّ تحتها خندق ولها قلعة بأعلى شاهق نزلنا منها بمدرسة فيها حسنة، وكان الحاج الذي سافر معنا يعرف مدرّسها وطلبتها ويحضر معهم الدرس، وهو، على علّاته، من الطلبة حنفيّ المذهب، ودعانا أمير هذه البلدة وهو عليّ بك بن السلطان المكرّم سليمان پادشاه ملك قصطمونية، وسنذكره، فصعدنا إليه إلى القلعة فسلّمنا عليه فرحّب بنا، وأكرمنا، وسألني عن أسفاري وحالي فأجبته عن ذلك، وأجلسني إلى جانبه، وحضر قاضيه وكاتبه الحاجب علاء الدين محمد، وهو من كبار الكتّاب وحضر الطعام فأكلنا، ثم قرأ القراء بأصوات مبكية وألحان عجيبة وانصرفنا. وسافرنا بالغد إلى مدينة قصطمونية «138» ، وضبط اسمها بقاف مفتوح وصاد مهمل مسكن وطاء مهمل مفتوح وميم مضمومة وواو ونون مكسورة وياء آخر الحروف، وهي من أعظم المدن وأحسنها كثيرة الخيرات رخيصة الأسعار نزلنا منها بزاوية شيخ يعرف بالأطرش لثقل سمعه، ورأيت منه عجبا، وهو أن أحد الطلبة كان يكتب له في الهواء وتارة في الأرض بأصبعه «139» ، فيفهم عنه، ويجيبه، ويحكي له بذلك الحكايات فيفهمها وأقمنا بهذه المدينة نحو أربعين يوما فكنّا نشتري طابق اللحم الغنميّ السمين بدرهمين ونشتري خبزا بدرهمين فيكفينا ليومنا ونحن عشرة، ونشتري حلواء العسل بدرهمين فتكفينا أجمعين ونشتري جوزا بدرهم وقسطلا بمثله، فنأكل منها أجمعون ويفضل باقيها ونشتري حمل الحطب بدرهم واحد، وذلك أوان البرد الشديد، ولم أر في البلاد مدينة أرخص أسعارا منها.

ذكر سلطان قصطمونية

ولقيت بها الشيخ الامام العالم المفتي المدرس تاج الدين السلطانيوكي من كبار العلماء، قرأ بالعراقين وتبريز واستوطنها مدّة وقرأ بدمشق وجاور بالحرمين قديما. ولقيت بها العالم المدرس صدر الدين سليمان الفنيكي، من أهل فنيكة «140» من بلاد الروم، وأضافني بمدرسته التي بسوق الخيل «141» ولقيت بها الشيخ المعمّر الصالح دادا أمير علي دخلت عليه بزاويته بمقربة من سوق الخيل فوجدته ملقى على ظهره فأجلسه بعض خدامه ورفع بعضهم حاجبيه عن عينيه ففتحهما، وكلمني بالعربي الفصيح، وقال قدمت خير مقدم وسألته عن عمره فقال: كنت من أصحاب الخليفة المستنصر بالله وتوفّى وأنا ابن ثلاثين سنة وعمري الآن مائة وثلاث وستّون سنة «142» ، فطلبت منه الدعاء لي وانصرفت. ذكر سلطان قصطمونية وهو السلطان المكرم سليمان پادشاه، واسمه بباء معقودة والف ودال مسكن، وهو كبير السن ينيف على سبعين سنة، حسن الوجه طويل اللّمة «143» صاحب وقار وهيبة، يجالسه الفقهاء والصلحاء دخلت عليه بمجلسه فأجلسني إلى جانبه وسألني عن حالي ومقدمي وعن الحرمين الشريفين ومصر والشام، فأجبته وأمر بإنزالي على قرب منه، وأعطاني ذلك اليوم فرسا عتيقا قرطاسيّ اللون وكسوة وعيّن لي نفقة وعلفا وأمر لي بعد ذلك بقمح وشعير نفّد لي في قرية من قرى المدينة على مسيرة نصف يوم منها، فلم أجد من يشتريه لرخص الأسعار فاعطيته للحاج الذي كان في صحبتنا.

ومن عادة هذا السلطان أن يجلس كلّ يوم بمجلسه بعد صلاة العصر ويوتى بالطعام فتفتح الأبواب ولا يمنع أحد من حضريّ أو بدويّ، أو غريب أو مسافر من الأكل، ويجلس في أول النهار جلوسا خاصّا، ويأتي ابنه فيقبّل يديه، وينصرف إلى مجلس له، ويأتي أرباب الدولة فيأكلون عنده وينصرفون. ومن عادته في يوم الجمعة أن يركب إلى المسجد، وهو بعيد عن داره، والمسجد المذكور هو ثلاث طبقات من الخشب، فيصلّي السلطان وأرباب دولته والقاضي والفقهاء ووجوه الأجناد في الطبقة السفلى، ويصلي أفندي «144» ، وهو أخو السلطان، وأصحابه وخدّامه وبعض أهل المدينة في الطبقة الوسطى، ويصلي ابن السلطان وليّ عهده وهو أصغر أولاده، ويسمى الجواد «145» ، وأصحابه ومماليكه وخدامه وسائر الناس في الطبقة العليا، ويجتمع القراء فيقعدون حلقة أمام المحراب، يقعد معهم الخطيب والقاضي ويكون السلطان بازاء المحراب ويقرءون سورة الكهف «146» بأصوات حسان ويكرّرون الآيات بترتيب عجيب، فإذا فرغوا من قراءتها صعد الخطيب المنبر فخطب ثم صلّى، فإذا فرغوا من الصلاة تنفّلوا وقرأ القارئ بين يدي السلطان عشرا وانصرف السلطان ومن معه، ثم يقرأ القارئ بين يدي أخي السلطان، فإذا أتمّ قراءته انصرف هو ومن معه، ثم يقرأ القارئ بين يدي ابن السلطان، فإذا فرغ من قراءته قام المعرّف، وهو المذكّر «147» فيمدح السلطان بشعر تركيّ ويمدح ابنه ويدعو لهما وينصرف، ويأتي ابن الملك إلى دار أبيه بعد أن يقبل يد عمّه في طريقه، وعمّه واقف في انتظاره ثم يدخلان إلى السلطان فيتقدم أخوه ويقبّل يده ويجلس بين يديه، ثم يأتي ابنه فيقبّل يده وينصرف إلى مجلسه فيقعد به مع ناسه، فإذا حانت صلاة العصر صلوها جميعا وقبل أخو السلطان يده وانصرف عنه فلا يعود اليه إلّا في الجمعة الأخرى وامّا الولد فإنّه يأتي كلّ يوم غدوة كما ذكرناه. ثو سافرنا من هذه المدينة ونزلنا في زاوية عظيمة بإحدى القرى من أحسن زاوية

رأيتها في تلك البلاد، بناها أمير كبير تاب إلى الله تعالى يسمّى فخر الدين «148» وجعل النظر فيها لولده والإشراف لمن أقام بالزاوية من الفقراء، وفوائد القرية وقف عليها، وبنى بازاء الزاوية حمّاما للسبيل يدخله الوارد والصادر من غير شئ يلزمه وبنى سوقا بالقرية ووقفه على المسجد الجامع وعيّن من أوقاف هذه الزاوية لكلّ فقير يرد من الحرمين الشريفين أو من الشام ومصر والعراقين وخراسان وسواها كسوة كاملة ومائة درهم يوم قدومه وثلاثماية درهم يوم سفره والنفقة أيّام مقامه، وهي الخبز واللحم والأرز المطبوخ بالسمن والحلواء، ولكل فقير من بلاد الروم عشرة دراهم وضيافة ثلاثة أيّام. ثم انصرفنا وبتنا ليلة بزاوية في جبل شامخ لا عمارة فيه عمّرها بعض الفتيان الأخيّة، ويعرف بنظام الدين من أهل قصطمونية ووقف عليها قرية ينفق خراجها على الوارد والصادر بهذه الزاوية. وسافرنا من هذه الزاوية إلى مدينة صنوب «149» ، وضبط اسمها بفتح الصاد وضمّ النون وآخره باء، وهي مدينة حافلة جمعت بين التحصين والتحسين، يحيط بها البحر من جميع جهاتها إلا واحدة وهي جهة الشرق، ولها هنالك باب واحد لا يدخل إليها أحد إلا بإذن أميرها إبراهيم بك «150» ابن السلطان سليمان پادشاه الذي ذكرناه. ولما أستوذن لنا عليه دخلنا البلد ونزلنا بزاوية عزّ الدين أخي جلبي، وهي خارج باب البحر، ومن هنالك يصعد إلى جبل داخل في البحر، كمينا سبتة «151» ، فيه البساتين والمزارع والمياه وأكثر فواكهه التين والعنب وهو جبل مانع لا يستطاع الصعود إليه، وفيه إحدى عشرة قرية يسكنها كفار الروم تحت ذمّة المسلمين وبأعلاه رابطة تنسب للخضر وإلياس عليهما

السلام لا تخلو عن متعبد وعندها عين ماء، والدعاء فيها مستجاب وبسفح هذا الجبل قبر الوليّ الصالح الصحابي بلال الحبشي «152» ، وعليه زاوية فيها الطعام للوارد والصادر. والمسجد الجامع بمدينة صنوب من أحسن المساجد وفي وسطه بركة ماء عليها قبّة تقلّها أربع أرجل ومع كل رجل ساريتان من الرخام وفوقها مجلس يصعد له على درج خشب وذاك من عمارة السلطان بروانه ابن السلطان علاء الدين الروميّ، وكان يصلي الجمعة بأعلى تلك القبة وملك بعد ابنه غازي جلبي، فلما مات تغلب عليها السلطان سليمان المذكور «153» ، وكان غازي جلبي المذكور شجاعا مقدما، ووهبه الله خاصيّة في الصبر تحت الماء وفي قوّة السباحة «154» ، وكان يسافر في الأجفان الحربيّة لحرب الروم، فإذا كانت الملاقاة واشتغل الناس بالقتال غاص تحت الماء وبيده آلة حديد يخرق بها أجفان العدو فلا يشعرون بما حلّ بهم حتى يدهمهم الغرق، وطرقت مرسى بلده مرّة أجفان للعدو فخرقها وأسر من كان فيها! «155» وكانت فيه كفاية لا كفاء لها إلّا أنهم يذكرون انّه كان يكثر أكل الحشيش، وبسببه مات فإنه خرج يوما للتصيد وكان مولعا به فاتبع غرالة ودخلت له بين أشجار وزاد في ركض فرسه فعارضته شجرة فضربت رأسه فشدّخته فمات، وتغلب السلطان سليمان على البلد

وجعل به ابنه ابراهيم، ويقال: إنّه ايضا يأكل ما كان يأكله صاحبه، على أن أهل بلاد الروم كلها لا ينكرون أكلها، ولقد مررت يوما على باب الجامع بصنوب، وبخارجه دكاكين يقعد الناس عليها، فرأيت نفرا من كبار الأجناد وبين ايديهم خديم لهم بيده شكّارة مملوّة بشيء يشبه الحنّاء وأحدهم ياخذ منها بملعقة ويأكل وأنا أنظر إليه ولا علم لي بما في الشكّارة فسألت من كان معي فأخبرني أنه الحشيش «156» ! وأضافنا بهذه المدينة قاضيها ونائب الأمير بها ومعلّمه ويعرف بابن عبد الرزّاق. لما دخلنا هذه المدينة رءانا أهلها ونحن نصلي مسبلي أيدينا، وهم حنفيّة لا يعرفون مذهب مالك، ولا كيفية صلاته، والمختار من مذهبه هو إسبال اليدين، وكان بعضهم يرى الروافض بالحجاز والعراق يصلّون مسبلي أيديهم، فاتّهمونا بمذهبهم وسألونا عن ذلك فأخبرناهم انّنا على مذهب مالك فلم يقنعوا بذلك منّا واستقرّت التّهمة في نفوسهم حتى بعث إلينا نائب السلطان بأرنب وأوصى بعض خدامه أن يلازمنا حتى يرى ما نفعله به فذبحناه وأكلناه، وانصرف الخديم اليه وأعلمه بذلك فحينئذ زالت عنّا التهمة، وبعثوا لنا بالضيافة، والروافض لا يأكلون الأرنب! وبعد أربعة أيام من وصولنا إلى صنوب، توفيت أمّ الأمير إبراهيم بها فخرجت في جنازتها، وخرج ابنها على قدميه كاشفا شعره، وكذلك الأمراء والمماليك وثيابهم مقلوبة، وامّا القاضي والخطيب والفقهاء فإنهم قلبوا ثيابهم ولم يكشفوا، بل جعلوا عليها مناديل من الصوف الأسود عوضا عن العمائم، وأقاموا يطعمون الطعام أربعين يوما، وهي مدة العزاء عندهم.

الفصل الثامن القفجق بلاد السلطان محمد أوزبك خان

الفصل الثامن القفجق بلاد السلطان محمد أوزبك خان من صنوب عبر البحر الأسود إلى الكرش حيث يوجد الجنويون من القرم إلى محلة السلطان أوزبك على متن العربات مع السلطان محمد أوزبك أحد الملوك السبعة لعالم ابن بطوطة خصوصية الأميرة طيطغلي! أرض الشمال وبلاد الظلمة مراسيم الأوزبك في العيد من مدينة الحاج ترخان إلى القسطنطينية صحبة الأميرة وصف القسطنطينية العودة إلى حضرة السلطان عبر اتل (فولكا) في مناخ قارس

خريطة جنوبي روسيا

وكانت اقامتنا بهذه المدينة نحو أربعين يوما ننتظر تيسير السّفر في البحر إلى مدينة القرم «1» ، فاكترينا مركبا للروم وأقمنا أحد عشر يوما ننتظر مساعدة الريح، ثم ركبنا البحر، فلما توسطناه بعد ثلاث، هال علينا واشتدّ بنا الأمر، ورأينا الهلاك عيّانا وكنت بالطّارمة ومعي رجل من أهل المغرب يسمّى أبا بكر، فأمرته أن يصعد إلى أعلى المركب لينظر كيف البحر، ففعل ذلك، وأتاني بالطّارمة، فقال لي: أستودعكم الله! ودهمنا من الهول ما لم يعهد مثله، ثم تغيرت الريح وردّتنا إلى مقربة من مدينة صنوب التي خرجنا منها، وأراد بعض التجار النزول إلى مرساها فمنعت صاحب المركب من إنزاله. ثم استقامت الريح وسافرنا فلمّا توسطنا البحر هال علينا وجرى لنا مثل المرّة الأولى، ثم ساعدت الريح ورأينا جبال البرّ وقصدنا مرسى يسمّى الكرش «2» ، فأردنا دخوله، فأشار الينا أناس كانوا بالجبل: أن لا تدخلوا، فخفنا على أنفسنا وظنّنا أن هنالك أجفانا للعدوّ، فرجعنا مع البرّ فلما قاربناه، قلت لصاحب المركب: أريد أن أنزل هاهنا، فأنزلني بالساحل، ورأيت كنيسة «3» فقصدتها فوجدت بها راهبا ورأيت في أحد حيطان الكنيسة صورة رجل عربيّ عليه عمامة متقلّد سيفا وبيده رمح وبين يديه سراج يقد: فقلت للراهب ما هذه الصورة؟ فقال: هذه صورة النبيّ على «4» فعجبت من قوله، وبتنا تلك الليلة بالكنيسة وطبخنا دجاجا فلم نستطع أكلها إذ كانت ممّا استصحبناه في المركب، ورائحة البحر قد غلبت على كل ما كان فيه، وهذا الموضع الذي نزلنا به هو من الصحراء المعروفة بدشت قفجق، «5»

حكاية [أصوات النواقيس]

والدّشت، بالشين المعجم والتاء المثناة، بلسان الترك هو الصحراء وهذه الصحراء خضرة نضرة لا شجر بها ولا جبل ولا ثنيّة ولا حطب، وإنّما يوقدون الأرواث ويسمّونها التّزك، بالزاي المفتوح، فترى كبراءهم يلقطونها ويجعلونها في أطراف ثيابهم، ولا يسافر في هذه الصحراء إلّا في العجل، وهي مسيرة ستة أشهر، ثلاثة في بلاد السلطان محمد أوزبك، وثلاثة في بلاد غيره. ولمّا كان الغد من يوم وصولنا إلى هذه المرسى توجه بعض التجار من أصحابنا إلى من بهذه الصحراء من الطائفة المعروفة بقفجق، وهم على دين النصرانيّة «6» ، فاكترى منهم عجلة يجرّها الفرس، فركبناها ووصلنا إلى مدينة الكفا، واسمها بكاف وفاء مفتوحتين، وهي مدينة عظيمة مستطيلة على ضفّة البحر يسكنها النصارى، واكثرهم الجنويّون «7» ، ولهم أمير يعرف بالدّمدير، ونزلنا منها بمسجد المسلمين. حكاية [أصوات النواقيس] ولمّا نزلنا بهذا المسجد أقمنا به ساعة ثم سمعنا أصوات النواقيس من كل ناحية، ولم أكن سمعتها قط «8» ، فهالني ذلك وأمرت أصحابي أن يصعدوا الصومعة ويقرءوا القرآن ويذكروا الله ويؤذّنوا، ففعلوا ذلك فإذا برجل قد دخل علينا وعليه الدرع والسلاح فسلّم علينا واستفهمناه عن شأنه، فأخبرنا أنه قاضي المسلمين هنالك، وقال: لما سمعت القراءة والآذان خفت عليكم فجئت كما ترون، ثم انصرف عنّا، وما رأينا إلّا خيرا، ولما كان من الغد جاء إلينا الأخي وصنع طعاما فأكلنا عنده وطفنا بالمدينة فرأيناها حسنة الأسواق، وكلّهم كفار، ونزلنا إلى مرساها فرأينا مرسى عجيبا به نحو مائتي مركب ما بين حربيّ وسفريّ صغير وكبير،

وهو من مراسي الدنيا الشهيرة، ثم اكترينا عجلة وسافرنا إلى مدينة القرم «9» ، وهي بكسر القاف وفتح الراء، مدينة كبيرة حسنة من بلاد السلطان المعظّم محمد أوزبك خان وعليها أمير من قبله اسمه تلكتمور «10» ، وضبط اسمه بتاء مثناة مضمومة ولام مضموم وكاف مسكن وتاء كالأولي مضمومة وميم مضمومة وواو وراء وكان أحد خدّام هذا الأمير قد صحبنا في طريقنا فعرّفه بقدومنا، فبعث إليّ مع إمامه سعد الدين بفرس، ونزلنا بزاوية شيخها زاده الخراساني، فأكرمنا هذا الشيخ ورحّب بنا وأحسن الينا وهو معظم عندهم، ورأيت الناس يأتون للسلام عليه من قاض وخطيب وفقيه وسواهم. وأخبرني هذا الشيخ زاده أنّ بخارج هذه المدينة راهبا من النصارى في دير يتعبد به ويكثر الصوم، وانّه انتهى إلى أن يواصل أربعين يوما ثم يفطر على حبّة فول، وانّه يكاشف بالأمور، ورغب منّي أن أصحبه في التوجه إليه فأبيت ثمّ ندمت بعد ذلك على أن لم أكن رأيته وعرفت حقيقة أمره. ولقيت بهذه المدينة قاضيها الاعظم شمس الدين السايليّ قاضي الحنفية، ولقيت بها قاضي الشافعية وهو يسمى بخضر والفقيه المدرس علاء الدين الأصيّ، وخطيب الشافعية أبا بكر، وهو الذي يخطب بالمسجد الجامع الذي عمّره الملك الناصر «11» رحمه الله بهذه المدينة، والشيخ الحكيم الصالح مظفّر الدين، وكان من الروم فأسلم وحسن إسلامه والشيخ الصالح العابد مظهر الدين وهو من الفقهاء المعظّمين. وكان الأمير تلكتمور مريضا فدخلنا عليه فأكرمنا وأحسن إلينا، وكان على وشك

ذكر العجلات التي يسافر عليها بهذه البلاد.

التوجه إلى مدينة السّرا حضرة السلطان محمد أوزبك فعملت على السير في صحبته واشتريت العجلات برسم ذلك. ذكر العجلات التي يسافر عليها بهذه البلاد. وهم يسمون العجلة عربة، بعين مهملة وراء وباء موحدة مفتوحات، وهي عجلات تكون للواحدة منهنّ أربع بكرات «12» كبار، ومنها ما يجرّه فرسان ومنها ما يجرّه أكثر من ذلك، وتجرّها أيضا البقر والجمال على حال العربة في ثقلها أو خفّتها، والذي يخدم العربة يركب أحد الأفراس التي تجرّها ويكون عليه سرج، وفي يده سوط يحرّكها للمشي، وعود كبير يصوّبها به إذا عاجت عن القصد، ويجعل على العربة شبه قبّة من قضبان خشب مربوط بعضها إلى بعض بسيور جلد رقيق وهي خفيفة الحمل وتكسى باللّبد أو بالملفّ، ويكون فيها طيقان مشبكة، ويرى الذي بداخلها الناس ولا يرونه، ويتقلّب فيها كما يحبّ وينام، ويأكل ويقرأ ويكتب وهو في حال سيره والتي تحمل الأثقال والأزواد وخزائن الأطعمة من هذه العربات يكون عليها شبه البيت كما ذكرنا، وعليه قفل. وجهّزت لمّا أردت السفر عربة لركوبي مغشاة باللّبد، ومعي بها جارية لي وعربة صغيرة لرفيقي عفيف الدين التوزريّ، وعجلة كبيرة لسائر الأصحاب يجرّها ثلاثة من الجمال يركب أحدها خادم العربة، وسرنا في صحبة الأمير تلكتمور وأخيه عيسى وولديه قطلودمور وصاروبك، وسافر أيضا معه في هذه الوجهة أمامه سعد الدّين والخطيب أبو بكر والقاضي شمس الدين والفقيه شرف الدين موسى والمعرّف علاء الدين، وخطّة هذا المعرف أن يكون بين يدي الأمير في مجلسه، فإذا أتى القاضي يقف له هذا المعرّف ويقول بصوت عال: بسم الله، سيدنا ومولانا قاضي القضاة والحكّام، مبيّن الفتاوي والأحكام، بسم الله، وإذا أتى فقيه معظّم أو رجل مشار إليه قال: بسم الله، سيدنا فلان الدين، بسم الله فيتهيأ من كان حاضرا لدخول الداخل، ويقوم إليه ويفسح له في المجلس. وعادة الأتراك أن يسيروا في هذه الصحراء سيرا كسير الحجّاج في درب الحجاز، يرحلون بعد صلاة الصبح وينزلون ضحى، ويرحلون بعد الظهر وينزلون عشيا، وإذا نزلوا حلّوا الخيل والإبل والبقر عن العربات وسرّحوها للرعي ليلا ونهارا ولا يعلف أحد دابّة لا السلطان ولا غيره.

العجلات التي يسافر عليها بهذه البلاد الرسم عن أبير كرومبي مجلة ناسيونال جيوگرافيك دجنبر 1991

وخاصيّة هذه الصحراء أن نباتها يقوم مقام الشعير للدوابّ، وليست لغيرها من البلاد هذه الخاصية، ولذلك كثرت الدّواب بها، ودوابّهم لا رعاة لها ولا حرّاس، وذلك لشدّة أحكامهم في السرقة، وحكمهم فيها أنّه من وجد عنده فرس مسروق كلّف أن يردّه إلى صاحبه ويعطيه معه تسعة مثله، فإن لم يقدر على ذلك أخذ أولاده في ذلك، فإن لم يكن له أولاد، دبح كما تذبح الشاة «13» ! وهؤلاء الأتراك لا يأكلون الخبز ولا الطّعام الغليظ، وانّما يصنعون طعاما من شيء عندهم شبه أنلي يسمونه الدّوقي «14» ، بدال مهمل مضموم وواو وقاف مكسور معقود، يجعلون على النار الماء فإذا غلى صبّوا عليه شيئا من هذا الدّوقي، وإن كان عندهم لحم قطعوه قطعا صغارا وطبخوه معه، ثم يجعل لكلّ رجل نصيبه في صفحة ويصبّون عليه اللّبن الرائب وشربون عليه لبن الخيل، وهم يسمّونه القمزّ «15» ، بكسر القاف والميم والزاي المشدّد، وهم أهل قوّة وشدة وحسن مزاج. ويستعملون في بعض الأوقات طعاما يسمونه البورخاني، وهو عجين يقطعونه قطيعات صغارا ويثقبون أوساطها ويجعلونها في قدر، فإذا طبخت صبّوا عليها اللّبن الرائب وشربوها، ولهم نبيد يصنعونه من حبّ الدّوقي الذي تقدم ذكره، وهم يرون أكل الحلواء عيبا! ولقد حضرت يوما عند السلطان أوزبك في رمضان فأحضرت لحوم الخيل وهي أكثر ما يأكلون من اللّحم ولحوم الأغنام والرشتا، وهو شبه الإطرية يطبخ ويشرب باللبن، وأتيته تلك الليلة بطبق حلواء صنعها بعض أصحابي فقدّمتها بين يديه فجعل إصبعه عليها وجعله على فيه، ولم يزد على ذلك. وأخبرني الأمير تلكتمور أنّ أحد الكبار من مماليك هذا السلطان، وله من أولاده وأولاد أولاده نحو أربعين ولدا، قال له السلطان يوما: كل الحلواء واعتقكم جميعا فأبى! وقال: لو قتلتني ما أكلتها!!

ولما خرجنا من مدينة القرم نزلنا بزاوية الأمير تلكتمور في موضع يعرف بسججان، فبعث إليّ أن أحضر عنده فركبت إليه، وكان لي فرس معدّ لركوبي يقوده خديم العربة فإذا أردت ركوبه ركبته، وأتيت الزاوية فوجدت الأمير قد صنع بها طعاما كثيرا فيه الخبز ثم أتوا بماء أبيض في صحاف صغار، فشرب القوم منه، وكان الشيخ مظفر الدين يلي الأمير في مجلسه، وأنا إليه فقلت له: ما هذا؟ فقال هذا ماء الدّهن، فلم أفهم ما قال، فذقته فوجدت له حموضة فتركته، فلما خرجت سألت عنه فقالوا: هو نبيذ يصنعونه من حبّ الدوقي، وهم حنفيّة المذهب والنبيذ عندهم حلال، ويسمّون هذا النبيذ المصنوع من الدّواقي: البوزة، «16» بضم الباء الموحدة وواو مدّ وزاي مفتوح، وإنّما قال لي الشيخ مظفر الدين: ماء الدّخن «17» ولسانه فيه اللكنة الأعجمية فظننت إنّه يقول ماء الدّهن. وبعد مسيرة ثمانية عشر منزلا من مدينة القرم وصلنا إلى ماء كثير نخوضه يوما «18» كاملا، وإذا كثر خوض الدواب والعربات في هذا الماء اشتدّ وحله، وزاد صعوبة فذهب الأمير إلى راحلتي وقدّمني أمامه مع بعض خدّامه، وكتب لي كتابا إلى أمير أزاق «19» يعلمه أنّي أريد القدوم على الملك، ويحضّه على إكرامي، وسرنا حتى انتهينا إلى ماء آخر نخوضه نصف يوم، سرنا بعده ثلاثا ووصلنا إلى مدينة أزاق، وضبط اسمها بفتح الهمزة والزاي وآخره قاف، وهي على ساحل البحر حسنة العمارة، يقصدها الجنويّون وغيرهم بالتّجارات. وبها من الفتيان أخي بجقجي، وهو من العظماء يطعم الوارد والصادر. ولما وصل كتاب الأمير تلكتمور إلى أمير أزاق، وهو محمد خوارجه الخوارزمي «20»

خرج إلى استقبالي ومعه القاضي والطلبة وأخرج الطعام فلما سلّمنا عليه نزلنا بموضع أكلنا فيه، ووصلنا إلى المدينة ونزلنا بخارجها بمقربة من رابطة هنالك تنسب للخضر وإلياس عليهما السلام، وخرج شيخ من أهل أزاق يسمى برجب النّهر ملكي، نسبة إلى قرية بالعراق «21» ، فأضافنا بزاوية له ضيافة حسنة، وبعد يومين من قدومنا قدم الأمير تلكتمور وخرج الأمير محمد للقائه ومعه القاضي والطلبة، وأعدّوا له الضيافات، وضربوا ثلاث قباب متّصلا بعضها ببعض إحداها من الحرير الملوّن عجيبة، والثنتان من الكتّان، وأداروا عليها سرّاجة، وهي المسمّى عندنا أفراج «22» ، وخارجها الدّهليز، وهو على هيئة البرج عندنا. ولمّا نزل الأمير بسطت بين يديه شقا الحرير يمشي عليها، فكان من مكارمه وفضله أن قدّمني أمامه ليرى ذلك الأمير منزلتي عنده ثم وصلنا إلى الخباء الأولى وهي المعدّة لجلوسه، وفي صدرها كرسي من الخشب لجلوسه كبير مرصّع وعليه مرتبة حسنة فقدّمني الأمير أمامه، وقدم الشّيخ مظفّر الدين، وصعد هو فجلس فيما بيننا ونحن جميعا على المرتبة، وجلس قاضيه وخطيبه وقاضي هذه المدينة وطلبتها عن يسار الكرسي على فرش فاخرة، ووقف ولدا الأمير تلكتمور وأخوه والأمير محمد وأولاده في الخدمة، ثم أتوا بالأطعمة من لحوم الخيل وسواها وأتوا بألبان الخيل، ثم بالبوزة، وبعد الفراغ من الطعام قرأ القرّاء بالأصوات الحسان، ثم نصب منبر وصعده الواعظ، وجلس القرّاء بين يديه وخطب خطبة بليغة ودعا للسلطان وللأمير وللحاضرين، ويقول ذلك بالعربيّ ثم يفسّره لهم بالتركيّ، وفي أثناء ذلك يكرّر القراء آيات من القرآن بترجيع عجيب، ثم أخذوا في الغناء يغنّون بالعربيّ،

ويسمّونه القوال «23» ، ثم بالفارسيّ والتركي ويسمونه الملمّع «24» ، ثم أتو بطعام آخر، ولم يزالوا على ذلك إلى العشيّ، وكلما أردت الخروج منعني الأمير، ثم جاءوا بكسوة للأمير وكسى لولديه وأخيه وللشيخ مظفر الدّين ولي، وأتوا بعشرة أفراس للأمير ولأخيه ولولديه بستة أفراس ولكل كبير من أصحابه بفرس ولي بفرس، والخيل بهذه البلاد كثير جدا، وثمنها نزر قيمة الجيّد منها خمسون درهما أو ستّون من دراهمهم، وذلك صرف دينار من دنانيرنا أو نحوه، وهذه الخيل هي التي تعرف بمصر بالأكاديش «25» ، ومنها معاشهم وهي ببلادهم كالغنم ببلادنا بل أكثر فيكون للتّركي منهم آلاف منها. ومن عادة الترك المستوطنين تلك البلاد، أصحاب الخيل، انّهم يضعون في العربات التي تركب فيها نساؤهم قطعة لبد في طول الشبر مربوطة إلى عود رقيق في طول الذراع في ركن العربة ويجعل لكلّ ألف فرس قطعة، ورأيت منهم من يكون له عشرة قطع، ومن له دون ذلك، تحمل هذه الخيل إلى بلاد الهند فيكون في الرفقة منها ستّة آلاف وما فوقها ومادونها، لكل تاجر المائة والمائتان فما دون ذلك وما فوقه، ويستأجر التّاجر لكل خمسين منها راعيا يقوم عليها ويرعاها كالغنم، ويسمّى عندهم القشيّ «26» ، ويركب أحدها وبيده عصى طويلة فيها حبل، فإذا أراد أن يقبض على فرس منها حاذاه بالفرس الذي هو راكبه ورمى الحبل في عنقه وجذبه فيركبه ويترك الآخر للرعي، وإذا وصلوا بها إلى أرض السند أطعموها العلف لأن نبات أرض السند لا يقوم مقام الشّعير ويموت لهم منها الكثير ويسرق، ويغرمون عليها بأرض السند سبعة دنانير فضّة على الفرس بموضع يقال له ششنقار «27» ، ويغرمون عليها بملتان قاعدة بلاد السند، وكانوا فيما تقدّم يغرمون ربع ما يجلبونه، فرفع ملك الهند إلى السلطان محمد ذلك، وأمر أن يؤخذ من تجار المسلمين الزّكاة، ومن تجار الكفار العشر،

ومع ذلك يبقى للتجار فيها فضل كبير لأنهم يبيعون الرخيص منها ببلاد الهند بمائة دينار دراهم، وصرفها من الذهب المغربي خمسة وعشرون دينارا، وربّما باعوها بضعف ذلك وضعفيه. والجياد منها تساوي خمسمائة دينار، وأكثر من ذلك، وأهل الهند لا يبتاعونها للجري والسّبق لأنهم يلبسون في الحرب الدروع ويدرّعون الخيل، وإنّما يبتغون قوة الخيل واتّساع خطاها، والخيل التي يبتغونها للسبق تجلب إليهم من اليمن وعمان وفارس، ويباع الفرس منها بألف دينار إلى أربعة آلاف. ولما سافر الأمير تلكتمور عن هذه المدينة أقمت بعده ثلاثة أيّام حتى جهّز لي الأمير محمد خواجه آلات سفري وسافرت إلى مدينة الماجر، وهي بفتح الميم والف وجيم مفتوح معقود وراء، مدينة كبيرة من أحسن مدن التّرك على نهر كبير، وبها البساتين والفواكه الكثيرة «28» ، ونزلنا منها بزاوية الشيخ الصالح العابد المعمّر محمد البطائحي من بطائح العراق، وكان خليفة الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه، وفي زاويته نحو سبعين من فقراء العرب والفرس والترك والروم، منهم المتزوج والعزب وعيشهم من الفتوح، ولأهل تلك البلاد اعتقاد حسن في الفقراء، وفي كلّ ليلة ياتون إلى الزاوية بالخيل والبقر والغنم، ويأتي السلطان والخواتين لزيارة الشيخ والتّبرّك به، ويجزلون الإحسان ويعطون العطاء الكثير وخصوصا النساء فإنهم يكثرن الصدقة ويتحرّين أفعال الخير. وصلّينا بمدينة الماجر صلاة الجمعة فلما قضيت الصلاة صعد الواعظ عزّ الدين المنبر، وهو من فقهاء بخاري وفضلائها وله جماعة من الطلبة، والقرّاء يقرءون بين يديه، ووعظ وذكّر وأمير المدينة حاضر وكبراؤها فقام الشيخ محمد البطائحيّ فقال: إن الفقيه الواعظ يريد السفر، ونريد له زوّادة، ثم خلع فرجيّة مرعز كانت عليه، وقال: هذه منّي إليه فكان الحاضرون بين من خلع ثوبه ومن أعطى فرسا ومن أعطى دراهم، واجتمع له كثير من ذلك كله. ورأيت بقيساريّة هذه المدينة يهوديا سلّم عليّ وكلّمني بالعربي، فسألته عن بلاده فذكر أنّه من بلاد الأندلس وأنّه قدم منها في البرّ، ولم يسلك بحرا، وأتى على طريق القسطنطينية

العظمى وبلاد الروس وبلاد الجركس «29» ، وذكر أن عهده بالأندلس منذ أربعة اشهر، وأخبرني التجار المسافرون الذين لهم المعرفة بذلك بصحّة مقالة. ورأيت بهذه البلاد عجبا من تعظيم النساء عندهم وهنّ أعلى شأنا من الرجال، فأما نساء الأمراء فكانت أوّل رؤيتي لهنّ عند خروجي من القرم رؤية الخاتون زوجة الأمير سلطيه في عربة لها، وكلّها مجلّلة بالملف الأزرق الطيب، وطيقان البيت مفتوحة وأبوابه، وبين يديها أربع جوار فاتنات الحسن، بديعات اللّباس وخلفها جملة من العربات فيها جوار يتبعنها، ولمّا قربت من منزل الأمير نزلت عن العربة إلى الارض ونزل معها نحو ثلاثين من الجواري يرفعن أذيالها، ولأثوابها عرى تأخذ كل جارية بعروة ويرفعن الأذيال عن الأرض من كلّ جانب، ومشت كذلك متبخترة فلمّا وصلت إلى الأمير قام إليها وسلّم عليها وأجلسها إلى جانبه، ودار بها جواريها، وجاءوا بروايا القمزّ فصبّت منه في قدح وجلست على ركبتيها قدّام الأمير وناولته القدح، فشرب ثمّ سقت أخاه، وسقاها الأمير، وحضر الطعام فأكلت معه وأعطاها كسوة وانصرفت، وعلى هذا الترتيب نساء الأمراء، وسنذكر نساء الملك فيما بعد. وأمّا نساء الباعة والسوقة فرأيتهنّ، وإحداهنّ تكون في العربة والخيل تجرّهن، وبين يديها الثلاث والأربع من الجواري يرفعن أذيالها وعلى رأسها البغطاق «30» ، وهو أقروف «31» ، مرصّع بالجوهر، وفي أعلاه ريش الطواويس، وتكون طيقان البيت مفتحة، وهي بادية الوجه لأنّ نساء الأتراك لا يحتجبن، وتأتي إحداهن على هذا الترتيب ومعها عبيدها بالغنم واللبن فتبيعه من النّاس بالسلع العطريّة، وربّما كان مع المرأة منهن زوجها فيظنّه من يراه بعض خدّامها، ولا يكون عليه من الثياب الا فروة من جلد الغنم وفي رأسه قلنسوة تناسب ذلك يسمونها الكلا.

صورة من بلاد الجركس عن تأليف محمد خير حغندوقة

وتجهّزنا «32» من مدينة الماجر نقصد معسكر السلطان وكان على أربعة أيام من الماجر بموضع يقال له بش دغ «33» ، ومعنى بش عندهم خمسة وهو بكسر الباء، وشين معجم، ومعنى دغ الجبل، وهو بفتح الدال المهمل وغين معجم، وبهذه الجبال الخمسة عين ماء حارّ «34» يغتسل منها الاتراك ويزعمون أنّه من اغتسل منها لم تصبه عاهة مرض! وارتحلنا إلى موضع المحلّة فوصلناه أوّل يوم من رمضان فوجدنا المحلة قد رحلت، فعدنا إلى الموضع الذي رحلنا منه لأن المحلة تنزل بالقرب منه، فضربت بيتي على تل هنالك وركّزت العلم أمام البيت وجعلت الخيل والعربات وراء ذلك، وأقبلت المحلّة وهم يسمونها الأردو. وبضمّ الهمزة «35» ، فرأينا مدينة عظيمة تسير بأهلها فيها المساجد والأسواق ودخان المطبخ صاعد في الهواء، وهم يطبخون في حال رحيلهم، والعربات تجرّها الخيل بهم فإذا بلغوا المنزل نزّلوا البيوت عن العربات وجعلوها على الأرض وهي خفيفة المحمل، وكذلك يصنعون بالمساجد والحوانيت، واجتاز بنا خواتين السلطان، كلّ واحدة بناسها على حدة، ولمّا اجتازت الرابعة منهن وهي بنت الأمير عيسى بك، وسنذكرها، رأت البيت بأعلى التل والعلم أمامه، وهو علامة الوارد، فبعثت الفتيان والجواري فسلّموا عليّ وبلّغوا سلامها إليّ وهي واقفة تنتظرهم فبعثت اليها هديّة مع بعض أصحابي ومع معرّف الأمير تلكتمور فقبلتها تبركّا، وأمرت أن أنزل في جوارها وانصرفت وأقبل السلطان فنزل في محلّته على حدة.

ذكر السلطان المعظم محمد أوزبك خان.

ذكر السلطان المعظّم محمد أوزبك خان «36» . واسمه محمد أوزبك بضم الهمزة وواو وزاي مسكن وباء موحدة مفتوحة، ومعنى خان عندهم السلطان، وهذا السلطان عظيم المملكة، شديد القوّة، كبير الشأن رفيع المكان، قاهر لأعداء الله أهل قسطنطينية العظمى، مجتهد في جهادهم وبلاده متّسعة، ومدنه عظيمة، منها الكفا والقرم والماجر وأزاق وسرداق «37» وخوارزم، وحضرته السرّا. وهو «38» أحد الملوك السبعة الذين هم كبراء ملوك الدنيا وعظماؤها، وهم مولانا أمير المومنين ظلّ الله في أرضه إمام الطائفة المنصورة الذين لا يزالون ظاهرين على الحقّ إلى قيام الساعة أيّد الله أمره، وأعزّ نصره «39» ، وسلطان مصر والشام، وسلطان العراقين، والسلطان أوزبك هذا، وسلطان بلاد تركستان وما وراء النهر وسلطان الهند، وسلطان الصين «40» . ويكون هذا السلطان، إذا سافر في محلة على حدة معه مماليكه وأرباب دولته، وتكون كلّ خاتون من خواتينه على حدة في محلتها، فإذا أراد أن يكون عند واحدة منهن بعث إليها يعلمها بذلك فتتهيأ له، وله في قعوده وسفره وأموره ترتيب عجيب بديع.

ومن عادته أن يجلس يوم الجمعة بعد الصلاة في قبة تسمى قبة الذهب: مزينة بديعة وهي من قضبان خشب مكسوة بصفائح الذّهب، وفي وسطها سرير من خشب مكسوّ بصفائح الفضّة المذهّبة، وقوائمه فضّة خالصة ورؤوسها مرصّعة بالجواهر، ويقعد السلطان على السرير وعلى يمينه الخاتون طيطغلي، وتليها الخاتون كبك وعلى يساره الخاتون بيلون، وتليها الخاتون أردجي، ويقف أسفل السرير عن اليمين ولد السلطان تين بك وعن الشمال ولده الثاني: جان بك، وتجلس بين يديه ابنته إيت كجكج، وإذا أتت إحداهن قام لها السلطان وأخذ بيدها حتى تصعد على السرير، وأمّا طيطغلي وهي الملكة وأحظاهنّ عنده فإنه يستقبلها إلى باب القبّة فيسلّم عليها، ويأخذ بيدها فإذا صعدت على السّرير وجلست، حينئذ يجلس السلطان، وهذا كلّه على أعين الناس دون احتجاب! ويأتي بعد ذلك كبار الأمراء، فتنصب لهم كراسيّهم عن اليمين والشمال، وكل إنسان منهم إذا أتى مجلس السلطان يأتي معه غلام بكرسيه، ويقف بين يدي السلطان أبناء الملوك من بني عمّه وإخوته وأقاربه ويقف في مقابلتهم عند باب القبّة أولاد الأمراء الكبار، ويقف خلفهم وجوه العساكر عن يمين وشمال، ثم يدخل النّاس للسلام، الأمثل فالأمثل: ثلاثة ثلاثة، فيسلمون وينصرفون فيجلسون على بعد، فإذا كان بعد صلاة العصر انصرفت الملكة من الخواتين، ثم ينصرفون فيجلسون على بعد، فإذا كان بعد صلاة العصر انصرفت الملكة من الخواتين، ثم ينصرف سائرهن فيتبعنها إلى محلّتها، فإذا دخلت إليها انصرفت كلّ واحدة إلى محلتها راكبة عربتها، ومع كل واحدة نحو خمسين جارية، راكبات على الخيل! وأمام العربة نحو عشرين من قواعد النساء راكبات على الخيل فيما بين الفتيان والعربة وخلف الجميع نحو مائة مملوك من الصبيان، وأمام الفتيان نحو مائة من المماليك الكبار ركبانا، ومثلهم مشاة بأيديهم القضبان والسيوف مشدودة على أوساطهم وهم بين الفرسان والفتيان، وهكذا ترتيب كلّ خاتون منهن في انصرافها ومجيئها. وكان نزولي من المحلة في جوار ولد السلطان جان بك الذي يقع ذكره فيما بعد، وفي الغد من يوم وصولي دخلت إلى السلطان بعد صلاة العصر، وقد جمع المشايخ والقضاة والفقهاء والشرفاء والفقراء، وقد صنع طعاما كثيرا وأفطرنا بمحضره، وتكلّم السيد الشريف نقيب الشرفاء ابن عبد الحميد والقاضي حمزة في شأني بالخير، وأشاروا على السلطان بإكرامي. وهؤلاء الأتراك لا يعرفون إنزال الوارد ولا إجراء النفقة وانّما يبعثون له الغنم والخيل للذّبح وروايا القمزّ، وتلك كرامتهم، وبعد هذا بأيام صلّيت صلاة العصر مع السلطان، فلما أردت الانصراف أمرني بالقعود، وجاءوا بالطّعام من المشروبات كما يصنع من الدّوقي ثم

ذكر الخواتين وتربيتهن

باللّحوم المسلوقة من الغنمي والخيلي، وفي تلك الليلة أتيت السلطان بطبق حلواء فجعل اصبعه عليه وجعله على فيه ولم يزد على ذلك! ذكر الخواتين وتربيتهن وكلّ خاتون منهن تركب في عربة وللبيت الذي تكون فيه قبّة من الفضّة المموّهة بالذهب أو من الخشب المرصّع، وتكون الخيل التي تجرّ عربتها مجلّلة بأثواب الحرير المذهّب، وخديم العربة الذي يركب أحد الخيل فتى يدعى القشي «41» ، والخاتون قاعدة في عربتها وعن يمينها امرأة من القواعد تسمى أولو خاتون «42» ، بضم الهمزة واللام، ومعنى ذلك الوزيرة، وعن شمالها امرأة من القواعد ايضا تسمى كجك خاتون، بضم الكاف والجيم، ومعنى ذلك الحاجبة، وبين يديها ستّ من الجواري الصغار يقال لهن: البنات، فائقات الجمال، متناهيات الكمال، ومن ورائها ثنتان مثلهنّ، تستند إليهنّ، وعلى رأس الخاتون البغطاق، وهو مثل التاج الصغير مكلل بالجواهر وبأعلاه ريش الطواويس وعليها ثياب حرير مرصّعة بالجوهر شبه المنوت «43» التي يلبسها الروم، وعلى رأس الوزيرة والحاجبة مقنعة حرير، مزركشة الحواشي بالذّهب والجوهر، وعلى رأس كلّ واحدة من البنات الكلا وهو شبه الأقروف، وفي أعلاه دائرة ذهب مرصّعة بالجوهر وريش الطواويس من فوقها وعلى كلّ واحدة ثوب حرير مذهب يسمى النّخّ، ويكون بين يدي الخاتون عشرة أو خمسة عشر من الفتيان الرّوميين والهنديّين، وقد لبسوا ثياب الحرير المذهب المرصعة بالجواهر، وبيد كلّ واحد منهم عمود ذهب أو فضّة أو يكون من عود ملبس بهما وخلف عربة الخاتون نحو مائة عربة في كل عربة الثلاث والأربع من الجواري الكبار والصغار، ثيابهن الحرير وعلى رؤوسهن الكلا، وخلف هذه العربات نحو ثلاثمائة عربة تجرها الجمال والبقر تحمل خزائن الخاتون وأموالها وثيابها وأثاثها وطعامها ومع كلّ عربة غلام موكّل بها متزوج بجارية من الجواري التي ذكرنا، فإن العادة عندهم أنّه لا يدخل بين الجواري من الغلمان الّا من كان له بينهن زوجة! وكل خاتون فهي على هذا الترتيب ولنذكرهن على الانفراد.

ذكر الخاتون الكبرى

ذكر الخاتون الكبرى والخاتون الكبرى: هي الملكة أم ولدي السلطان جان بك وتين بك وسنذكرهما، وليست أم ابنته ايت كججك، وامها كانت الملكة قبل هذه واسم هذه الخاتون طيطغلي «44» بفتح الطاء المهملة الأولى واسكان الياء آخر الحروف وضم الطاء الثانية واسكان الغين المعجمة وكسر الام وياء مدّ، وهي أحظى نساء هذا السلطان عنده، وعندها يبيت أكثر لياليه ويعظمها الناس بسبب تعظيمه لها، وإلا فهي أبخل الخواتين! وحدّثني من اعتمده من العارفين بأخبار هذه الملكة أنّ السلطان يحبّها للخاصيّة التي فيها، وهي أنّه يجدها كلّ ليلة كأنّها بكر (45) !! وذكر لي غيره أنها من سلالة المرأة التي يذكر أن الملك زال عن سليمان عليه السلام بسببها، ولما عاد إليه ملكه أمر أن توضع بصحراء قفجق «45» ، وأن رحم هذه الخاتون شبه الحلقة خلقة، وكذلك كلّ من هو من نسل المرأة المذكورة، ولم أر بصحراء قفجق ولا غيرها من أخبر أنّه رأى امرأة على هذه الصورة ولا سمع بها الّا هذه الخاتون! اللهمّ الّا أنّ بعض أهل الصين أخبرني أنّ بالصين صنفا من نسائها على هذه الصورة ولم يقع بيدي ذلك ولا عرفت له حقيقة!!. وفي غد اجتماعي بالسلطان دخلت إلى هذه الخاتون وهي قاعدة فيما بين عشر من النساء القواعد كأنّهنّ خديمات لها وبين يديها نحو خمسين جارية صغارا يسمون البنات، وبين أيديهن طيافير الذهب والفضّة مملوّة بحبّ الملوك وهنّ ينقينه، وبين يدي الخاتون صينيّة ذهب مملوة منه وهي تنقّيه، فسلّمنا عليها وكان في جملة أصحابي قارئ يقرأ القرآن على طريقة المصريّين بطريقة حسنة وصوت طيّب، فقرأ ثم أمرت أن يوتى بالقمز فأوتي به في أقداح خشب لطاف خفاف، فأخذت القدح بيدها وناولتني إيّاه وتلك نهاية الكرامة عندهم، ولم

مشهد للخواتين

ذكر الخاتون الثانية التي تلي الملكة

أكن شربت القمزّ قبلها، ولا كن لم يمكنني إلّا قبوله! وذقته ولا خير فيه، ودفعته لأحد أصحابي، وسألتني عن كثير من حال سفرنا، فأجبناها، ثم انصرفنا عنها، وكان ابتداؤنا بها لأجل عظمتها عند الملك! ذكر الخاتون الثانية التي تلي الملكة واسمها كبك خاتون، بفتح الكاف الأولى وفتح الباء الموحدة، ومعناه بالتركية النّخالة، وهي بنت الأمير نغطى، واسمه بنون وغين معجمة وطاء مهملة مفتوحات وياء مسكنة، وأبوها حيّ مبتلى بعلة النّقرس، وقد رأيته، وفي غد دخولنا على الملكة دخلنا على هذه الخاتون فوجدناها على مرتبة تقرأ في المصحف الكريم وبين يديها نحو عشر من النساء القواعد ونحو عشرين من البنات يطرّزن ثيابا فسلّمنا عليها وأحسنت في السلام والكلام، وقرأ قارئنا فاستحسنته، وأمرت بالقمز فأحضر وناولتني القدح بيدها كمثل ما فعلته الملكة وانصرفنا عنها. ذكر الخاتون الثالثة واسمها بيلون بباء موحدة وياء آخر الحروف كلاهما مفتوح ولام مضموم وواو ومدّ ونون، وهي بنت ملك القسطنطينية العظمى السلطان تكفور «46» ودخلنا على هذه الخاتون وهي قاعدة على سرير مرصّع وقوائمه فضّة وبين يديها نحو مائة جارية: روميّات وتركيّات ونوبيّات، منهن قائمات وقاعدات، والفتيان على رأسها، والحجّاب بين يديها من رجال الروم، فسألت عن حالنا ومقدمنا وبعد أوطاننا، وبكت ومسحت وجهها بمنديل كان بين يديها رقّة

ذكر الخاتون الرابعة

منها وشفقة، وأمرت بالطعام فأحضر وأكلنا بين يديها وهي تنظر إلينا ولمّا أردنا الانصراف، قالت: لا تنقطعوا عنّا وتردّدوا إلينا وطالعونا بحوائجكم: وأظهرت مكارم الاخلاق وبعثت في أثرنا بطعام وخبز كثير وسمن وغنم ودراهم وكسوة جيّدة وثلاثة من جياد الخيل وعشرة من سائرها، ومع هذه الخاتون كان سفري إلى القسطنطينية العظمى كما نذكره بعد. ذكر الخاتون الرابعة واسمها أردجا بضمّ الهمزة واسكان الراء وضم الدال المهمل وجيم والف، وأرد بلسانهم المحلّة، وسمّيت بذلك لولادتها في المحلّة، وهي بنت الأمير الكبير عيسى بك أمير الألوس «47» بضمّ الهمزة واللام، ومعناه أمير الأمراء، وأدركته حيّا وهو متزوج ببنت السلطان ايت كججك، وهذه الخاتون من أفضل الخواتين وألطفهنّ شمائل وأشفقهنّ، وهي التي بعثت إليّ لمّا رأت بيتي على التل عند جواز المحلة كما قدّمناه، دخلنا عليها فرأينا من حسن خلقها وكرم نفسها ما لا مزيد عليه، أمرت بالطعام فأكلنا بين يديها، ودعت بالقمز فشرب أصحابنا، وسألت عن حالنا، فأجبناها، ودخلنا أيضا إلى أختها زوجة الأمير علي بن أرزق. ذكر بنت السّلطان المعظّم أوزبك واسمها إيت كججك، وايت بكسر الهمزة وياء مدّ وتاء مثناة وكججك بضم الكاف وضم الجيمين، ومعنى اسمها الكلب الصغير، فإنّ إيت هو الكلب، وكججك هو الصغير «48» وقد قدّمنا أنّ الترك يسمون بالفأل، كما تفعل العرب، وتوجهنا إلى هذه الخاتون بنت الملك وهي في محلة منفردة على نحو ستّة أميال من محلة والدها فأمرت بإحضار الفقهاء والقضاة والسيد الشريف ابن عبد الحميد وجماعة الطلبة والمشائح والفقراء، وحضر زوجها الأمير عيسى الذي بنته زوجة السلطان، فقعد معها على فراش واحد وهو معتلّ بالنّقرس فلا يستطيع التصرّف على قدميه ولا ركوب الفرس وانّما يركب العربة، وإذا أراد الدخول على السلطان أنزله خدّامه وأدخلوه إلى المجلس محمولا، وعلى هذه الصورة رأيت أيضا الأمير نغطي، وهو أبو الخاتون الثانية، وهذه العلّة فاشية في هؤلاء الأتراك، ورأينا من هذه الخاتون

ذكر ولدي السلطان

بنت السلطان من المكارم وحسن الأخلاق ما لم نره من سواها وأجزلت الاحسان وافضلت جزاها الله خيرا. ذكر ولديّ السلطان وهما شقيقان، وأمهما جميعا طيطغلي التي قدّمنا ذكرها والأكبر منهما اسمه تين بك «49» ، بتاء معلوّة وياء مدّ ونون مفتوحة، بك معناه الأمير، وتين معناه الجسد، فكأن اسمه أمير الجسد، واسم أخيه جان بك بفتح الجيم وكسر النون، ومعنى جان: «50» الروح فكأنّه يسمّى أمير الروح، ولكل واحد منها محلة على حدة، وكان تين بك من أجمل خلق الله صورة وعهد له أبوه بالملك، وكانت له الحظوة والتشريف عنده، ولم يرد الله ذلك، فإنه لمّا مات أبوه ولّي يسيرا، ثم قتل لأمور قبيحة جرت له، وولى أخوه جان بك وهو خير منه وأفضل. وكان السيّد الشريف ابن عبد الحميد هو الذي تولّى تربية جان بك، وأشار عليّ هو والقاضي حمزة والإمام بدر الدين القومي والإمام المقرئ حسام الدين البخاريّ وسواهم حين قدومي أن يكون نزولي بمحلة جان بك المذكور لفضله ففعلت ذلك. ذكر سفري إلى مدينة بلغار وكنت سمعت بمدينة بلغار «51» فأردت التوجه إليها لأرى ما ذكر عنها من انتهاء قصر الليل بها، وقصر النهار في عكس ذلك الفصل، وكان بينها وبين محلّة السلطان مسيرة

ذكر أرض الظلمة

عشر، فطلبت منه من يوصلني إليها فبعث معي من أوصلني إليها وردّني إليه ووصلتها في رمضان فلمّا صلينا المغرب أفطرنا وأذّن العشاء في أثناء إفطارنا فصلّينا وصلينا التراويح والشفع والوتر وطلع الفجر إثر ذلك، وكذلك يقصر النهار بها في فصل قصره أيضا وأقمت بها ثلاثا. ذكر أرض الظلمة وكنت أردت الدخول إلى أرض الظلمة والدخول اليها من بلغار، وبينهما مسيرة أربعين يوما «52» ، ثم أضربت عن ذلك لعظم المؤنة فيه وقلة الجدوى، والسفر إليها لا يكون إلّا في عجلات صغار، تجرّها كلاب كبار، فإن تلك المفازة فيها الجليد فلا يثبت قدم الآدميّ ولا حافر الدابّة فيها، والكلاب لها الأظفار فتثبت أقدامها في الجليد، ولا يدخلها إلّا الأقوياء من التجار الذين يكون لأحدهم مائة عجلة أو نحوها موقرة بطعامه وشرابه وحطبه «53» فإنّها لا شجر فيها ولا حجر ولا مدر. والدليل بتلك الأرض هو الكلب «54» الذي قد سار فيها مرارا كثيرة، وتنتهي قيمته إلى ألف دينار ونحوها، وتربط العربة إلى عنقه ويقرن معه ثلاثة من الكلاب ويكون هو المقدّم وتتبعه سائر الكلاب بالعربات، فإذا وقف وقفت وهذا الكلب لا يضربه صاحبه ولا ينهره، وإذا حضر الطعام أطعم الكلاب أوّلا قبل بني آدم والّا غضب الكلب وفرّ وترك صاحبه للتلف! فإذا كملت للمسافرين بهذه الفلاة أربعون مرحلة نزلوا عند الظّلمة وترك كلّ واحد منهم ما جاء به من المتاع هنالك، وعادوا إلى منزلهم المعتاد فإذا كان من الغد عادوا لتفقّد متاعهم فيجدون بإزائه من السمّور والسّنجاب والقاقم، فإن أرضى صاحب المتاع ما وجده إزاء متاعه أخذوه وإن لم يرضه تركه فيزيدونه، وربّما رفعوا متاعهم أعني أهل الظلمة، وتركوا متاع التجار، وهكذا بيعهم وشراؤهم ولا يعلم الذين يتوجهون إلى هنالك من يبايعهم ويشاريهم أمن الجنّ أم من الإنس ولا يرون أحدا!

ذكر تربيتهم في العيد

والقاقم «55» : هو أحسن أنواع الفراء وتساوي الفروة منه ببلاد الهند ألف دينار وصرفها من ذهبنا مائتان وخمسون، وهي شديدة البياض من جلد حيوان صغير في طول الشبر وذنبه طويل يتركونه في الفروة على حاله، والسمّور دون ذلك تساوي الفروة منه أربعمائة دينار فما دونها. وخاصيّة هذه الجلود أنّه لا يدخلها القمل، وأمراء الصين وكبارها يجعلون منه الجلد الواحد متّصلا بفرواتهم عند العنق، وكذلك تجار فارس والعراقين. وعدت من مدينة بلغار مع الأمير الذي بعثه السلطان في صحبتي فوجدت محلّة السلطان على الموضع ببش دغ وذلك في الثامن والعشرين من رمضان وحضرت معه صلاة العيد وصادف يوم العيد يوم الجمعة «56» . ذكر تربيتهم في العيد ولمّا كان صباح يوم العيد ركب السلطان في عساكره العظيمة، وركبت كلّ خاتون عربتها ومعها عساكرها وركبت بنت السلطان والتاج على رأسها إذ هي الملكة على الحقيقة ورثت الملك من أمّها «57» ، وركب أولاد السلطان كلّ واحد في عسكره. وكان قد قدم لحضور العيد قاضي القضاة شهاب الدين السايليّ، ومعه جماعة من الفقهاء والمشايخ، فركبوا وركب القاضي حمزة والامام بدر الدين القوامي والشريف ابن عبد الحميد، وكان ركوب هؤلاء الفقهاء مع تين بك ولي عهد السلطان ومعهم الأطبال والأعلام، فصلّى بهم القاضي شهاب الدين وخطب أحسن خطبة، وركب السلطان وانتهى إلى برج خشب يسمّى عندهم الكشك «58» ، فجلس فيه ومعه خواتينه، ونصب برج ثان دونه فجلس فيه وليّ عهده وابنته صاحبة التاج ونصب برجان دونهما عن يمينه وشماله فيهما أبناء السلطان

وأقاربه ونصبت الكراسي للأمراء وأبناء الملوك، وتسمّى الصّندليات «59» عن يمين البرج وشماله، فجلس كل واحد على كرسيّه. ثمّ نصبت طبلات للرمي لكل أمير طومان 6» طبلة مختصّة به، وأمير طومان عندهم هو الذي يركب له عشرة آلاف، فكان الحاضرون من أمراء طومان سبعة عشر يقودون مائة وسبعين ألفا، وعسكره أكثر من ذلك، ونصب لكل أمير شبه منبر فقعد عليه وأصحابه يلعبون بين يديه فكانوا على ذلك ساعة. ثمّ أتي بالخلع فخلعت على كل أمير خلعة وعندما يلبسها يأتي إلى أسفل برج السلطان، فيخدم، وخدمته أن يمسّ الأرض بركبته اليمنى ويمدّ رجله عليها والأخرى قائمة. ثم يؤتي بفرس مسرج ملجم فيرفع حافره ويقبّل فيه الأمير ويقوده بنفسه إلى كرسيه، وهنالك يركبه ويقف مع عسكره ويفعل هذا الفعل كلّ أمير منهم، ثم ينزل السلطان عن البرج ويركب الفرس وعن يمينه ابنه وليّ العهد، وتليه بنته الملكة إيت كججك، وعن يساره ابنه الثاني، وبين يديه الخواتين الأربع في عربات مكسوّة بأثواب الحرير المذهّب، والخيل التي تجرّها مجلّلة بالحرير المذهّب، وينزل جميع الأمراء الكبار والصغار وابناء الملوك والوزراء والحجّاب وأرباب الدولة فيمشون بين يدي السلطان على أقدامهم إلى أن يصل إلى الوطاق «61» ، والوطاق بكسر الواو وهو أفراج، وقد نصبت هنالك باركة «62» عظيمة، والباركة عندهم بيت كبير له أربعة أعمدة من الخشب مكسوّة بصفائح الفضة المموّهة بالذهب، وفي أعلى كلّ عمود جامور من الفضّة المذهّبة له بريق وشعاع وتظهر هذه الباركة على بعد كأنّها تنيّة، ويوضع عن يمينها ويسارها سقائف من القطن والكتّان، ويفرش ذلك كلّه بفرش الحرير، وينصب في وسط الباركة السرير الأعظم، وهم يسمونه التّخت «63» ، وهو من خشب مرصّع وأعواده مكسوّة بصفائح مذهّبة، وقوائمه من الفضة الخالصة المموّهة، وفوقه فرش عظيم. وفي وسط هذا السرير الأعظم مرتبة يجلس بها السلطان والخاتون الكبرى وعن يمينه مرتبة جلست بها بنته ايت كججك ومعها الخاتون أردجا، وعن يساره مرتبة جلست بها

الخاتون بيلون، ومعها الخاتون كبك، ونصب عن يمين السرير كرسي قعد عليه تين بك ولد السلطان، ونصب عن شماله كرسي قعد عليه جان بك ولده الثاني، ونصبت كراسي عن اليمين والشمال جلس فوقها أبناء الملوك والأمراء الكبار، ثم الأمراء الصغار مثل أمراء هزارة «64» ، وهم الذين يقودون ألفا. ثم أتي بالطعام على موائد الذهب والفضّة وكلّ مائدة يحملها أربعة رجال وأكثر من ذلك، وطعامهم لحوم الخيل والغنم مسلوقة، وتوضع بين يدي كلّ أمير مائدة وياتي الباورجي «65» ، وهو مقطّع اللحم وعليه ثياب حرير وقد ربط عليها فوطة حرير وفي حزامه جملة سكاكين في أغمادها، ويكون لكلّ أمير باورجي، فإذا قدّمت المائدة قعد بين يدي أميره، ويؤتى بصحفة صغيرة من الذهب أو الفضّة فيها ملح محلول بالماء فيقطع الباروجي اللّحم قطعا صغارا. ولهم في ذلك صنعة في قطع اللحم مختلطا بالعظم فإنهم لا يأكلون منه إلّا ما اختلط بالعظم. ثم يؤتي بأواني الذهب والفضّة للشرب، وأكثر شربهم نبيذ العسل وهم حنفيّة المذهب يحلّلون النبيذ، فإذا أراد السلطان أن يشرب أخذت بنته القدح بيدها، وخدمت برجلها، ثم ناولته القدح فشرب ثم تأخذ قدحا آخر فتناوله للخاتون الكبرى، فتشرب منه ثم تناول لسائر الخواتين على ترتيبهنّ، ثم يأخذ وليّ العهد القدح ويخدم ويناوله أباه فيشرب ثم يناول الخواتين ثم أخته ويخدم لجميعهن، ثم يقوم الولد الثاني فيأخذ القدح ويسقي أخاه له ثم يقوم الأمراء الكبار فيسقي كلّ واحد منهم وليّ العهد، ويخدم له ثم يقوم أبناء الملوك فيسقي كلّ واحد منهم هذا الابن الثاني ويخدم له، ثم يقوم الأمراء الصغار فيسقون أبناء الملوك. ويغنّون أثناء ذلك بالملالية «66» وكانت قد نصبت قبّة كبيرة أيضا إزاء المسجد للقاضي والخطيب والشريف وسائر الفقهاء والمشايخ، وأنا معهم فأوتينا بموائد الذهب والفضة، يحمل كلّ واحدة أربعة من كبار الأتراك، ولا يتصرف في ذلك اليوم بين يدي السلطان إلّا الكبار فيأمرهم برفع ما أراد من الموائد إلى من أراد فكان من الفقهاء من أكل، ومنهم من تورّع من الأكل في الموائد الفضّة والذّهب. ورأيت مدّ البصر عن اليمين والشمال

من العربات عليها روايا القمزّ فأمر السلطان بتفريقها على الناس، فأتوا إلىّ بعربة منها فأعطيتها لجيراني من الأتراك، ثم أتينا المسجد ننتظر صلاة الجمعة فأبطأ السلطان، فمن قائل إنّه لا يأتي لأن السّكر قد غلب عليه، ومن قائل إنّه لا يترك الجمعة، فلمّا كان بعد تمكّن الوقت أتى وهو يتمايل! فسلم على السيد الشريف وتبسّم له وكان يخاطبه بآطا، وهو الأب بلسان التّركية، ثم صلّينا الجمعة وانصرف الناس إلى منازلهم وانصرف السلطان إلى الباركة، فبقي على حاله إلى صلاة العصر ثم انصرف الناس أجمعون وبقي مع الملك تلك الليلة خواتينه وبنته. ثم كان رحيلنا مع السلطان والمحلّة لمّا انقضى العيد فوصلنا إلى مدينة الحاجّ ترخان «67» ، ومعنى ترخان عندهم: الموضع المحرّر من المغارم، وهو بفتح التاء المثناة وسكون الراء وفتح الخاء المعجم وآخره نون، والمنسوب اليه هذه المدينة هو حاجّ من الصالحين، تركي نزل بموضعها وحرّر له السلطان ذلك الموضع فصار قرية، ثم عظمت وتمدّنت، وهي من أحسن المدن عظيمة الأسواق مبنيّة على نهر إتل «68» ، وهو من أنهار الدنيا الكبار، وهنالك يقيم السلطان حتّى يشتدّ البرد ويجمد هذا النهر، وتجمد المياه المتّصلة به، ثم يأمر أهل تلك البلاد فيأتون بآلاف من أحمال التبن فيجعلونها على الجليد المنعقد فوق النهر، والتبن هنالك لا تأكله الدواب، لأنّه يضرّها، وكذلك ببلاد الهند، وانّما أكلها الحشيش الأخضر لخصب البلاد، ويسافرون بالعربات فوق هذا النهر، والمياه المتصلة به ثلاث مراحل، وربّما جازت القوافل فوقه مع آخر فصل الشتاء فيغرقون ويهلكون. ولمّا وصلنا مدينة الحاجّ ترخان رغبت الخاتون بيلون ابنة ملك الروم من السلطان أن ياذن لها في زيارة أبيها لتضع حملها عنده وتعود إليه، فأذن لها ورغبت منه أن يأذن لي في التوجّه صحبتها لمشاهدة القسطنطينية العظمى، فمنعني خوفا عليّ فلاطفته وقلت له: إنّما أدخلها في حرمتك وجوارك فلا أخاف من أحد! فأذن لي وودّعناه ووصلني بألف وخمسمائة دينار وخلعة وأفراس كثيرة وأعطتني كلّ خاتون منهنّ سبائك الفضة، وهم يسمّونها الصّوم،

من وسائل النقل في الصحراء

ذكر سفري إلى القسطنطينية

بفتح الصاد المهمل، واحدتها صومة «69» ، وأعطت بنته أكثر منهنّ وكستي وأركبتني، واجتمع لي من الخيل والثياب وفروات السنجاب والسّمور جملة. ذكر سفري إلى القسطنطينية وسافرنا في العاشر من شوّال «70» في صحبة الخاتون بيلون وتحت حرمتها، ورحل السلطان في تشييعها مرحلة ورجع هو والملكة ووليّ عهده، وسافر سائر الخواتين في صحبتها مرحلة ثانية، ثم رجعن، وسافر صحبتها الأمير بيدرة في خمسة آلاف من عسكره «71» . وكان عسكر الخاتون نحو خمسمائة فارس منهم خدّمها من المماليك والروم نحو مائتين والباقون من التّرك، وكان معها من الجواري نحو مائتين أكثرهنّ روميات، وكان لها من العربات نحو أربعمائة عربة ونحو ألفي فرس لجرّها وللركوب، ونحو ثلاثمائة من البقر ومائتين من الجمال لجرّها، وكان معها من الفتيان الروميين عشرة، ومن الهنديّين مثلهم، وقائدهم الأكبر يسمّى بسنبل الهندي، وقائد الروميين يسمى بميخائيل، ويقول له الأتراك لؤلؤ، وهو من الشجعان الكبار وتركت أكثر جواريها وأثقالها بمحلة السلطان إذ كانت قد توجّهت برسم الزيارة ووضع الحمل. وتوجهنا إلى مدينة أكك «72» ، وهي بضم الهمزة وفتح الكاف الأولى، مدينة متوسطة حسنة العمارة كثيرة الخيرات شديدة البرد وبينها وبين السّرا حضرة السلطان مسيرة عشر،

منظر يقرب لموكب الأميرة التركية وهي في طريقها إلى القسطنطينية

وعلى مسيرة يوم من هذه المدينة جبال الرّوس وهم نصارى شقر الشعور زرق العيون قباح الصور، أهل غدر، وعندهم معادن الفضّة «73» ، ومن بلادهم يوتي بالصّوم، وهي سبائك الفضّة التي بها يباع ويشترى في هذه البلاد ووزن الصّومة منها خمس أواقي. ثم وصلنا بعد عشر من هذه المدينة إلى مدينة سرداق «74» وضبط اسمها بضم السين المهمل وسكون الراء وفتح الدال المهمل وآخره قاف، وهي من مدن دشت قفجق على ساحل البحر، ومرساها من أعظم المراسي وأحسنها، وبخارجها البساتين والمياه وينزلها الترك وطائفة من الروم تحت ذمّتهم، وهم أهل الصنائع، وأكثر بيوتها خشب، وكانت هذه المدينة كبيرة فخرب معظمها بسبب فتنة وقعت بين الروم والترك، وكانت الغلبة للرّوم فانتصر للترك أصحابهم وقتلوا الروم شرّ قتله ونفوا أكثرهم وبقي بعضهم تحت الذمّة إلى الآن. وكانت «75» الضيافة تحمل إلى الخاتون في كلّ منزل من تلك البلاد من الخيل والغنم والبقر والدّوقي والقمزّ وألبان البقر والغنم، والسّفر في هذه البلاد مضحى ومعشى، وكل أمير بتلك البلاد يصحب الخاتون بعساكره إلى آخر حدّ بلاده تعظيما لها، لا خوفا عليها، لأن تلك البلاد آمنة. ثم وصلنا إلى البلدة المعروفة باسم بابا سلطوق «76» ، وبابا عندهم بمعناها عند البربر سواء «77» ، إلّا أنّهم يفخّمون الباء وسلطوق بفتح السين المهمل واسكان اللام وضمّ الطاء

المهمل وآخره قاف، ويذكرون أن سلطوق هذا كان مكاشفا لاكن يذكر عنه أشياء ينكرها الشرع، وهذه البلدة آخر بلاد الأتراك، وبينها وبين أوّل عمالة الرّوم ثمانية عشر يوما في بريّة غير معمورة، منها ثمانية أيّام لا ماء بها، يتزوّد لها الماء، ويحمل في الرّوايا والقرب على العربات، وكان دخولنا اليها في أيام البرد، فلم نحتج إلى كثير من الماء «78» ، والأتراك يرفعون الألبان في القرب ويخلطونها بالدّوقي المطبوخ، ويشربونها فلا يعطشون. وأخذنا من هذه البلدة في الاستعداد للبريّة، واحتجت إلى زيادة أفراس فأتيت الخاتون فأعلمتها بذلك، وكنت أسلّم عليها صباحا ومساء ومتى أتتها ضيافة تبعث إليّ بالفرسين والثلاثة وبالغنم، فكنت أترك الخيل لا أذبحها وكان من معي من الغلمان والخدّام يأكلون من أصحابنا الأتراك فاجتمع لي نحو خمسين فرسا، وأمرت لي الخاتون بخمسة عشر فرسا وأمرت وكيلها ساروجة الرومي «79» أن يختارها سمانا من خيل المطبخ، وقالت: لا تخف فإن احتجت إلى غيرها زدناك!! ودخلنا البرية في منتصف ذي القعدة «80» ، فكان سيرنا من يوم فارقنا السلطان إلى أول البرية تسعة عشر يوما، وإقامتنا خمسة، ورحلنا من هذه البريّة ثمانية عشر يوما مضحى ومعشى، وما رأينا إلّا خيرا، والحمد لله. ثم وصلنا بعد ذلك إلى حصن مهتولي «81» ، وهو أول عمالة الروم، وضبط اسمه بفتح

الميم وسكون الهاء وضم التاء المعلوّة وواو مدّ ولام مكسور وياء، وكانت الروم قد سمعت بقدوم هذه الخاتون على بلادها فوصلها إلى هذا الحصن كفالي نقوله «82» الرومي في عسكر عظيم وضيافة عظيمة وجاءت الخواتين والدايات من دار أبيها ملك القسطنطينية. وبين مهتولي والقسطنطينية مسيرة اثنين وعشرين يوما إلى الخليج وستة منه إلى القسطنطينية، ولا يسافر من هذا الحصن إلا بالخيل والبغال، وتترك العربات به لأجل الوعر والجبال، وجاء كفالي المذكور ببغال كثيرة وبعثت إليّ الخاتون بستة منها وأوصت أمير ذلك الحصن بمن تركته من أصحابي وغلماني مع العربات والأثقال، فأمر لهم بدار، ورجع الأمير بيدرة بعساكره، ولم يسافر مع الخاتون إلا ناسها، وتركت مسجدها بهذا الحصن وارتفع حكم الآذان!! وكان يؤتى إليها بالخمور في الضيافة فتشربها وبالخنازير، وأخبرني بعض خواصّها أنها أكلتها ولم يبق معها من يصلّي الا بعض الأتراك كان يصلي معنا، وتغيّرت البواطن لدخولنا في بلاد الكفر، ولاكن الخاتون أوصت الأمير كفالي بإكرامي، ولقد ضرب مرة بعض مماليكه لما ضحك من صلاتنا! ثم وصلنا حصن مسلمة بن عبد الملك «83» وهو بفسح جبل على نهر زخّار يقال له أصطفيلي، ولم يبق من هذا الحصن إلّا آثاره، وبخارجه قرية كبيرة، ثم سرنا يومين ووصلنا إلى الخليج «84» وعلى ساحلة قرية كبيرة فوجدنا فيه المدّ، فأقمنا حتى كان الجزر وخضناه، وعرضه نحو ميلين ومشينا أربعة أميال في رمال ووصلنا الخليج الثاني فخضناه وعرضه نحو ثلاثة أميال، ثم مشينا نحو ميلين في حجارة ورمل ووصلنا الخليج الثالث، وقد ابتدأ المدّ فتعبنا فيه وعرضه ميل واحد، فعرض الخليج كله مائيّة ويابسة اثنا عشر ميلا، وتصير ماء كلها في أيام المطر فلا تخاض إلّا في القوارب.

وعلى ساحل هذا الخليج الثالث مدينة الفنيكة «85» واسمها بفاء مفتوحة ونون وياء مدّ وكاف مفتوح، وهي صغيرة لاكنّها حسنة مانعة، وكنائسها وديارها حسان، والأنهار تخرقها والبساتين تحفّها، ويدّخر بها العنب والاجّاص والتفاح والسفرجل من السنة إلى الأخرى، وأقمنا بهذه المدينة ثلاثا والخاتون في قصر لأبيها هنالك، ثمّ قدم أخوها شقيقها واسمه كفالي قراس «86» في خمسة آلاف فارس شاكّين في السلاح، ولما أرادوا لقاء الخاتون ركب أخوها المذكور فرسا أشهب ولبس ثيابا بيضا، وجعل على رأسه مظلا مكلّلا بالجواهر، وجعل عن يمينه خمسة من أبناء الملوك، وعن يساره مثلهم لابسين البياض أيضا، وعليهم مظلّات مزركشة بالذهب وجعل بين يديه مائة من المشّائين، ومائة فارس قد أسبغوا الدروع على أنفسهم وخيلهم، وكلّ واحد منهم يقود فرسا مسرجا مدرعا عليه شكّة فارس من البيضة المجوهرة والدرع والتركش والقوس والسيف وبيده رمح في طرف رأسه راية واكثر تلك الرماح مكسوّة بصفائح الذهب والفضة، وتلك الخيل المقودة هي مراكب ابن السلطان، وقسّم فرسانه على أفواج، كلّ فوج فارس، ولهم أمير قد قدّم أمامه عشرة من الفرسان شاكّين في السلاح، وكل واحد منهم يقود فرسا وخلفه عشرة من العلامات ملوّنة بأيدي عشرة من الفرسان، وعشرة أطبال يتقلدها عشرة من الفرسان ومعهم ستة يضربون الأبواق والأنفار والصّرنايات وهي الغيطات. وركبت «87» الخاتون في مماليكها وجواريها وفتيانها وخدامها وهم نحو خمسمائة عليهم ثياب الحرير المزركشة بالذهب المرصّعة وعلى الخاتون حلّة يقال لها النّخ، ويقال لها أيضا النسيج، مرصّعة بالجوهر وعلى رأسها تاج مرصع، وفرسها مجلّل بجل حرير، مزركش بالذهب، وفي يديه ورجليه خلاخل الذّهب، وفي عنقه قلائد مرصّعة وعظم السرج مسكوّ ذهبا مكلّل جوهرا. وكان التقاؤهما في بسيط من الأرض على نحو ميل من البلد، وترجل لها أخوها لأنه أصغر سنّا منها وقبّل ركابها، وقبّلت رأسه، وترجل الأمراء وأولاد الملوك وقبّلوا جميعا ركابها، وانصرفت مع أخيها.

وفي غد ذلك اليوم وصلنا إلى مدينة كبيرة على ساحل البحر لا أثبت الآن اسمها «88» ذات أنهار وأشجار، نزلنا بخارجها، ووصل أخو الخاتون وليّ العهد في ترتيب عظيم وعسكر ضخم من عشرة آلاف مدرع، وعلى رأسه تاج وعن يمينه نحو عشرين من أبناء الملوك، وعن يساره مثلهم وقد رتّب فرسانه على ترتيب أخيه سواء إلّا أنّ الحفل أعظم والجمع أكثر، وتلاقت معه أخته في مثل زيّها الأول وترجّلا جميعا وأوتي بخباء حرير فدخلا فيه، فلا أعلم كيفية سلامهما! ونزلنا على عشرة أميال من القسطنطينية. فلما كان بالغد خرج أهلها من رجال ونساء وصبيان ركبانا ومشاة في أحسن زيّ وأجمل لباس وضربت عند الصبح الأطبال والأبواق والأنفار، وركبت العساكر، وخرج السلطان وزوجته أمّ هذه الخاتون وأرباب الدولة والخوّاص وعلى رأس الملك رواق يحمله جملة من الفرسان ورجال بأيديهم عصّي طوال في أعلى كل عصي شبه كرة من جلد يرفعون بها الرّواق، وفي وسط الرواق مثل القبّة يرفعها الفرسان بالعصيّ. ولما أقبل السلطان اختلطت العساكر وكثر العجاج، ولم أقدر على الدخول فيما بينهم، فلزمت أثقال الخاتون وأصحابها خوفا على نفسي، وذكر لي أنّها لمّا قربت من أبويها ترجلت وقبلت الأرض بين أيديهما ثم قبلت حافري فرسيهما! وفعل كبار أصحابها مثل فعلها في ذلك. وكان دخولنا «89» عند الزوال أو بعده إلى القسطنطينية العظمى، وقد ضربوا نواقيسهم حتى ارتجّت الآفاق لاختلاط أصواتها، ولما وصلنا الباب الأول من أبواب قصر الملك وجدنا به نحو مائة رجل معهم قائد لهم فوق دكّانة، وسمعتهم يقولون: سراكنو!

ذكر سلطان القسطنطينية

سراكنو «90» ومعناه: المسلمون، ومنعونا من الدخول، فقال لهم أصحاب الخاتون إنهم من جهتنا، فقالوا: لا يدخلون إلا بالإذن! فأقمنا بالباب وذهب بعض أصحاب الخاتون فبعث من أعلمها بذلك، وهي بين يدي والدها، فذكرت له شأننا، فأمر بدخولنا وعيّن لنا دارا بمقربة من دار الخاتون، وكتب لنا امرا بأن لا نعترض حيث نذهب من المدينة، ونودي بذلك في الأسواق وأقمنا بالدار ثلاثا تبعث إلينا الضيافة من الدقيق والخبز والغنم والدجاج والسّمن والفاكهة والحوت والدراهم والفرش وفي اليوم الرابع دخلنا على السلطان. ذكر سلطان القسطنطينية واسمه تكفور «91» بفتح التاء المثناة وسكون الكاف وضم الفاء وواو وراء، ابن السلطان جرجيس وأبوه السلطان جرجيس بقيد الحياة لكنّه تزهّد وترهّب وانقطع للعبادة في الكنائس وترك الملك لولده، وسنذكره. وفي اليوم الرابع من وصولنا إلى القسطنطينية بعثت إليّ الخاتون الفتى سنبل الهندي فأخذ بيدي وأدخلني إلى القصر «92» فجزنا أربعة أبواب في كل باب سقائف، بها رجال وأسلحتهم وقائدهم على دكانة مفروشة، فلما وصلنا إلى الباب الخامس تركني الفتى سنبل، ودخل، ثم أتى ومعه أربعة من الفتيان الروميين ففتّشوني لئلّا يكون معي سكّين! وقال لي القائد: تلك عادة لهم لا بدّ من تفتيش كل من يدخل على الملك من خاصّ أو عامّ غريب أو بلديّ وكذلك الفعل بأرض الهند.

ثم لما فتّشوني قام الموكّل بالباب فأخد بيدي وفتح الباب وأحاط بي أربعة من الرجال: أمسك اثنان بكمّي واثنان من ورائي فدخلوا بي إلى مشور كبير حيطانه بالفسيفساء قد نقش فيها صوّر المخلوقات من الحيوانات والجماد، وفي وسطه ساقية ماء ومن جهتها الأشجار والناس واقفون يمينا ويسارا، سكوتا لا يتكلم أحد منهم، وفي وسط المشور ثلاثة رجال وقوف أسلمني أولئك الأربعة إليهم فأمسكوا بثيابي كما فعل الآخرون وأشار اليهم رجل فتقدّموا بى وكان أحدهم يهوديّا، فقال لي بالعربي: لا تخف فهكذا عادتهم أن يفعلوا بالوارد، وأنا التّرجمان، وأصلي من بلاد الشام فسألته: كيف أسلّم؟ فقال: قل السلام عليكم. ثم وصلت إلى قبّة عظيمة والسلطان على سريره وزوجته أمّ هذه الخاتون «93» بين يديه، وأسفل السرير الخاتون وإخوتها وعن يمينه ستّة رجال، وعن يساره أربعة وعلى رأسه أربعة، وكلّهم بالسلاح، فأشار إليّ قبل السلام والوصول إليه بالجلوس هنيهة ليسكن روعي! ففعلت ذلك، ثم وصلت إليه فسلّمت عليه وأشار إليّ أن أجلس فلم أفعل! وسألني عن بيت المقدس وعن الصخرة المقدّسة وعن القمامة «94» وعن مهد عيسى، وعن بيت لحم وعن مدينة الخليل عليه السلام ثم عن دمشق ومصر والعراق وبلاد الروم، فأجبته عن ذلك كلّه، واليهوديّ يترجم بيني وبينه، فأعجبه كلامي، وقال لأولاده: أكرموا هذا الرجل وامّنوه، ثمّ خلع عليّ خلعة، وأمر لي بفرس مسرج ملجم ومظلّة من التي يجعلها الملك فوق رأسه، وهي علامة الأمان، وطلبت منه أن يعيّن من يركب معي بالمدينة في كلّ يوم حتى أشاهد عجائبها وغرائبها وأذكرها في بلادي، فعيّن لي ذلك. ومن العوائد عندهم أن الذي يلبس خلعة الملك ويركب فرسه يطاف به في أسواق المدينة بالأبواق والإنفار والأطبال ليراه الناس، وأكثر ما يفعل ذلك بالأتراك الذين يأتون من بلاد السلطان أوزبك لئلا يؤذون فطافوا بي في الأسواق.

ذكر المدينة [القسطنطينية]

ذكر المدينة [القسطنطينية] وهي متناهية في الكبر منقسمة بقسمين بينهما نهر عظيم فيه المدّ والجزر على شكل وادي سلا من بلاد المغرب، وكانت عليه فيما تقدم قنطرة مبنيّة، فخربت، وهو الآن يعبر في القوارب، واسم هذا النهر أبسمي «95» بفتح الهمزة واسكان الباء الموحدة وضمّ السين المهمل وكسر الميم وياء مدّ، وأحد القسمين من المدينة يسمى إصطنبول «96» بفتح الهمزة واسكان الصاد وفتح الطاء المهملتين وسكون النون وضمّ الباء الموحدة وواو مدّ ولام، وهو بالعدوة الشرقيّة من النّهر، وفيه سكنى السّلطان وأرباب دولته، وسائر الناس وأسواقه وشوارعه مفروشة بالصفاح، متّسعة، وأهل كلّ صناعة على حدة لا يشاركهم سواهم، وعلى كلّ سوق أبواب تسدّ عليه بالليل، وأكثر الصنّاع والباعة بها النساء. والمدينة في سفح جبل داخل في البحر نحو تسعة أميال وعرضه مثل ذلك أو أكثر وفي أعلاه قلعة صغيرة وقصر السلطان، والسور يحيط بهذا الجبل، وهو مانع لا سبيل لأحد إليه من جهة البحر وفيه نحو ثلاث عشرة قرية عامرة، والكنيسة العظمى هي في وسط هذا القسم من المدينة وأمّا القسم الثاني منها فيسمى الغلطة «97» ، بغين معجمة ولام وطاء مهمل مفتوحات، وهو بالعدوة الغربيّة من النهر، شبيه برباط الفتح في قربه من النهر، وهذا القسم خاصّ بنصارى الافرنج يسكنونه، وهم أصناف فمنهم الجنويّون، والبنادقة وأهل رومة، وأهل افرانسه، وحكمهم إلى ملك القسطنطينية يقدّم عليهم منهم من يرتضونه، ويسمّونه القمص «98» ، وعليهم وظيفة في كلّ عام لملك القسطنطينية، وربّما استعصوا عليه فيحاربهم حتى يصلح بينهم البابة، وجميعهم أهل تجارة، ومرساهم من أعظم المراسي، رأيت به نحو مائة

اسطانبول عن المكتبة الوطنية بباريز رقم 67959

الكنيسة العظمى

ذكر الكنيسة العظمى.

جفن من القراقر وسواها من الكبار، وامّا الصغار فلا تحصى كثرة، وأسواق هذا القسم حسنة الّا أنّ الأقذار غالبة عليها ويشقّها نهر صغير قذر نجس وكنائسهم قذرة لا خير فيها! ذكر الكنيسة العظمى. وانما نذكر خارجها، وامّا داخلها فلم أشاهده «99» ، وهي تسمى عندهم أياصوفيا بفتح الهمزة والياء آخر الحروف والف وصاد مضموم وواو ومدّ وفاء مكسورة وياء كالأولى والف، ويذكر أنها من بناء آصف بن برخياء، وهو ابن خالة سليمان «100» عليه السلام، وهي من أعظم كنائس الروم وعليها سور يطيف بها، فكأنّها مدينة، وأبوابها ثلاثة عشر بابا، ولها حرم ميل عليه باب كبير ولا يمنع أحد من دخوله، وقد دخلته مع والد الملك الذي يقع ذكره، وهو شبه مشور مسطّح بالرخام، وتشقّه ساقية تخرج من الكنيسة لها حائطان مرتفعان نحو ذراع، مصنوعان بالرّخام المجزّع المنقوش بأحسن صنعة، والأشجار منتظمة عن جهتي الساقية. ومن باب الكنيسة إلى باب هذا المشور معرّش من الخشب مرتفع، عليه دوالي العنب وفي أسفله الياسمين والرّياحين، وخارج باب هذه المشور قبّة خشب كبيرة فيها طبلات خشب يجلس عليها خدّام ذلك الباب، وعن يمين القبّة مصاطب وحوانيت أكثرها من الخشب يجلس بها قضاتهم وكتّاب دواوينهم «101» ، وفي وسط تلك الحوانيت قبّة خشب يصعد إليها على درج خشب، وفيها كرسي كبير مطبق بالملفّ يجلس فوقه قاضيهم، وسنذكره، وعن يسار القبة التي على باب هذا المشور سوق العطّارين.

ذكر المانستارات بقسطنطينية

والساقية التي ذكرناها تنقسم قسمين: أحدهما يمرّ بسوق العطارين، والآخر يمر بالسوق حيث القضاة والكتّاب، وعلى باب الكنيسة سقائف يجلس بها خدامها، الذين يقمّون طرقها، ويوقدون سرجها، ويغلقون أبوابها، ولا يدعون أحدا يدخلها حتى يسجد للصليب الأعظم عندهم الذي يزعمون أنه بقية من الخشبة التي صلّب عليها شبيه عيسى عليه السلام وهو على باب الكنيسة مجعول في جعبة ذهب طولها نحو عشرة أذرع وقد عرّضوا عليها جعبة ذهب مثلها حتى صارت صليبا. وهذا الباب مصفّح بصفائح الفضة والذهب وحلقتاه من الذهب الخالص، وذكر لي أن عدد من بهذه الكنيسة من الرهبان والقسيسين ينتهي إلى آلاف «102» ، وأنّ بعضهم من ذريّة الحواريّين، وأن بداخلها كنيسة مختصّة بالنساء فيها من الابكار المنقطعات للعبادة أزيد من ألف، وأما القواعد من النساء فاكثر من ذلك كلّه. ومن عادة الملك وأرباب دولته وسائر الناس أن يأتوا كلّ يوم صباحا إلى زيارة هذه الكنيسة، وياتي إليها البابة مرة في السنة، وإذا كان على مسيرة أربعة أميال «103» من البلد يخرج الملك إلى لقائه ويترجل له وعند دخوله المدينة يمشي بين يديه على قدميه ويأتيه صباحا ومساء للسلام عليه طول مقامه بالقسطنطينية حتى ينصرف. ذكر المانستارات بقسطنطينية والمانستار «104» على مثل لفظ المارستان إلا أن نونه متقدّمة وراءه متأخرة، وهو عندهم شبه الزاوية عند المسلمين، وهذه المانستارات بها كثيرة، فمنها مانستار عمّره الملك جرجيس والد ملك القسطنطينية، وسنذكره، وهو بخارج إصطنبول مقابل الغلطة، ومنها مانستاران خارج الكنيسة العظمى عن يمين الداخل إليها، وهما في داخل بستان يشقهما نهر ماء وأحدهما للرجال والآخر للنساء وفي كلّ واحد منهما كنيسة ويدور بهما البيوت

للمتعبدين والمتعبدات، وقد حبس على كل واحد منهما أحباس لكسوة المتعبدين ونفقتهم، بناهما أحد الملوك. ومنها مانستاران عن يسار الداخل إلى الكنيسة العظمى على مثل هاذين الآخرين «105» ، ويطيف بهما بيوت وأحدهما يسكنه العميان، والثاني يسكنه الشيوخ الذين لا يستطيعون الخدمة ممّن بلغ الستين «106» أو نحوها، ولكل واحد منهم كسوته ونفقته من أوقاف معيّنة لذلك. وفي داخل كل ما نستار منها دويرة لتعبّد الملك الذي بناه، وأكثر هؤلاء الملوك إذا بلغ الستين أو السبعين بنى مانستار ولبس المسوح، وهي ثياب الشّعر وقلّد ولده الملك واشتغل بالعبادة حتّى يموت. وهم يختفلون في بناء هذه المانستارات ويعملونها بالرخام والفسيفساء وهي كثيرة بهذه المدينة. ودخلت مع الرومي الذي عيّنه الملك للركوب معي إلى ما نستار يشقّه نهر وفيه كنيسة فيها نحو خمسماية بكر، عليهن المسموح، ورءوسهنّ محلوقة فيها قلانيس اللّبد، ولهنّ جمال فائق وعليهن أثر العبادة! وقد قعد صبيّ على منبر يقرأ لهن الإنجيل بصوت لم أسمع قط أحسن منه، وحوله ثمانية من الصبيان على منابر ومعهم قسّيسهم، فلما قرأ هذا الصبيّ قرأ صبيّ آخر. وقال لي الرّومي: إن هؤلاء البنات من بنات الملوك ووهبن أنفسهنّ لخدمة هذه الكنيسة، وكذلك الصبيان القرّاء، ولهم كنيسة أخرى خارج تلك الكنيسة. ودخلت معه أيضا إلى كنيسة في بستان فوجدنا بها نحو خمسمائة بكر أو أزيد، وصبيّ يقرأ لهنّ على منبر، وجماعة صبيان معه على منابر مثل الأوّلين، فقال لي الرومي: هؤلاء بنات الوزراء والأمراء يتعبدن بهذه الكنيسة. ودخلت معه إلى كنائس فيها أبكار من وجوه أهل البلد، وإلى كنائس فيها العجائز والقواعد من النساء وإلى كنائس فيها الرهبان يكون في الكنيسة منها مائة رجل وأكثر وأقلّ.

ذكر الملك المترهب جرجيس

وأكثر أهل هذه المدينة رهبان ومتعبدون وقسّيسون وكنائسها لا تحصى كثرة وأهل المدينة من جنديّ وغيره صغير وكبير يجعلون على رؤوسهم المظلّات الكبار شتاء وصيفا والنساء لهنّ عمائم كبار. ذكر الملك المترهّب جرجيس وهذا الملك ولّى الملك لابنه وانقطع للعبادة، وبنى مانستارا كما ذكرناه خارج المدينة على ساحلها، وكنت يوما مع الرومي المعيّن للركوب معي فإذا بهذا الملك ماشيا على قدميه وعليه المسوح وعلى رأسه قلنسوة لبد وله لحية بيضاء طويلة ووجه حسن عليه أثر العبادة وخلفه وامامه جماعة من الرهبان، وبيده عكاز، وفي عنقه سبحة فلما رءاه الرومي نزل، وقال لي: انزل! فهذا والد الملك، «107» فلمّا سلّم عليه الرومي سأله عنّي، ثم وقف وبعث عنّي فجئت إليه فأخذ بيدي، وقال لذلك الرومي، وكان يعرف اللسان العربي: قل لهذا السراكنو «108» ، يعني المسلم، أنا أصافح اليد التي دخلت بيت المقدّس والرّجل التي مشت داخل الصخرة والكنيسة العظمى التي تسمّى قمامة وبيت لحم، وجعل يده على قدمي ومسح بها وجهه فعجبت من اعتقادهم فيمن دخل تلك المواضع من غير ملّتهم! ثم أخذ بيدي ومشيت معه فسألني عن بيت المقدس ومن فيه من النصارى، وأطال السؤال، ودخلت معه إلى حرم الكنيسة الذي وصفناه آنفا ولمّا قارب الباب الأعظم خرجت جماعة من القسيسين والرهبان للسلام عليه، وهو من كبارهم في الرهبانيّة، ولما رءاهم أرسل يدي، فقلت له: أريد الدخول معك إلى الكنيسة، فقال للترجمان: قل له لابد لداخلها من السجود للصّليب الأعظم فإنّ هذا ممّا سنّته الأوائل ولا يمكن خلافه! فتركته ودخل وحده ولم أره بعدها. ذكر قاضي القسطنطينية. ولمّا فارقت الملك المترهب المذكور دخلت سوق الكتّاب فرءاني القاضي فبعث إليّ أحد

ذكر الانصراف عن القسطنطينية

أعوانه، فسأل الرومي الذي معي، فقال له: إنه من طلبة المسلمين، فلما عاد إليه وأخبره بذلك، بعث إليّ أحد أصحابه، وهم يسمون القاضي النّجشي كفالي، فقال لي: النّجشي كفالي «109» يدعوك فصعدت إليه إلى القبة التي تقدم ذكرها فرأيت شيخا حسن الوجه واللمّة، عليه لباس الرهبان وهو الملفّ الاسود، وبين يديه نحو عشرة من الكتّاب يكتبون فقام إليّ وقام أصحابه وقال: أنت ضيف الملك، ويجب علينا إكرامك وسألني عن بيت المقدس والشام ومصر وأطال الكلام، وكثر عليه الازدحام، وقال لي: لابدّ لك أن تاتي إلى داري فأضيفك، فانصرفت عنه ولم ألقه بعد. ذكر الانصراف عن القسطنطينية ولمّا ظهر لمن كان في صحبة الخاتون من الأتراك أنها على دين أبيها وراغبة في المقام معه طلبوا منها الإذن في العودة إلى بلادهم، فأذنت لهم وأعطتهم عطاء جزيلا وبعثت معهم من يوصلهم إلى بلادهم أميرا يسمى ساروجه الصغير في خمسمائة فارس، وبعثت عنّي فأعطتني ثلاثماية دينار من ذهبهم، وهم يسمونه البربرة «110» ، وليس بالطيب، وألفي درهم بندقيّة، وشقّة ملفّ من عمل البنات، وهو أجود أنواعه، وعشرة أثواب من حرير وكتّان وصوف وفرسين، وذلك من عطاء أبيها وأوصت بي ساروجة وودّعتها وانصرفت، وكانت مدّة مقامي عندهم شهرا وستّة أيّام. وسافرنا «111» صحبة ساروجة فكان يكرمني حتى وصلنا إلى آخر بلادهم حيث تركنا أصحابنا وعرباتنا فركبنا العربات ودخلنا البريّة ووصل ساروجة معنا إلى مدينة باب سلطوق وأقام بها ثلاثا في الضيافة وانصرف إلى بلاده وذلك في اشتداد البرد، وكنت ألبس ثلاث فروات وسراويل أحدهما مبطّن، وفي رجلي خفّ من صوف وفوقه خفّ مبطن بثوب كتّان

وفوقه خفّ من البرغالي «112» ، وهو جلد الفرس مبطن بجلد ذيب، وكنت أتوضأ بالماء الحارّ بمقربة من النار فما تقطر من الماء قطرة إلّا جمدت لحينها! وإذا غسلت وجهي يصل الماء إلى لحيتي فيجمد، فأحرّكها فيسقط منها شبه الثلج، والماء الذي ينزل من الأنف يجمد على الشارب، وكنت لا أستطيع الركوب لكثرة ما عليّ من الثياب حتى يركبني أصحابي! ثم «113» وصلت إلى مدينة الحاجّ ترخان حيث فارقنا السلطان أوزبك فوجدناه قد رحل واستقرّ بحضرة ملكه، فسافرنا على نها إتل وما يليه من المياه ثلاثا وهي جامدة، وكنّا إذا احتجنا الماء قطعنا قطعا من الجليد وجعلنا في القدر حتى يصير ماء فنشرب منه ونطبخ به!! ووصلنا إلى مدينة السّرا، وضبط اسمها بسين مهمل وراء مفتوحين وألف وتعرف بسرا بركة «114» ، وهي حضرة السلطان أوزبك، ودخلنا على السّلطان فسألنا عن كيفيّة سفرنا وعن ملك الروم، ومدينته فأعلمناه، وأمر بإجراء النفقة علينا وأنزلنا. ومدينة السّرا من أحسن المدن متناهية الكبر في بسيط من الأرض تغصّ بأهلها كثرة، حسنة الأسواق، متّسعة الشوارع، وركبنا يوما مع بعض كبرائها وغرضنا التطوّف عليها ومعرفة مقدارها، وكان منزلنا في طرف منها فركبنا منه غدوة فما وصلنا لآخرها إلّا بعد الزوال فصلّينا الظهر، وأكلنا طعاما فما وصلنا إلى المنزل إلا عند المغرب، ومشينا يوما عرضها ذاهبين وراجعين في نصف يوم، وذلك في عمارة متّصلة الدور لا خراب فيها ولا بساتين وفيها ثلاثة عشر مسجدا لإقامة الجمعة: أحدها للشافعية، وأمّا المساجد سوى ذلك فكثير جدا وفيها طوائف من الناس منهم المغل، وهم أهل البلاد، والسلاطين، وبعضهم مسلمون، ومنهم الآص «115» وهم مسلمون، ومنهم القفجق، والجركس والرّوس، والروم، وهم

ذكر كرامة له

نصارى، وكلّ طائفة تسكن محلّة على حدة، فيها أسواقها والتجار والغرباء من أهل العراقين ومصر والشام وغيرها ساكنون بمحلّة عليها سور احتياطا على أموال التجار، وقصر السلطان بها يسمّى ألطون طاش، وألطون بفتح الهمزة وسكون اللام وضم الطاء المهمل، وواو مدّ ونون، ومعناه الذّهب، وطاش بفتح الطاء المهمل وشين معجم، ومعناه رأس «116» . وقاضي هذه الحضرة بدر الدين الأعرج من خيار القضاة وبها من مدرّسي الشافعيّة الفقيه الإمام الفاضل صدر الدين سليمان اللكزي «117» أحد الفضلاء، وبها من المالكيّة شمس الدين المصريّ، وهو ممّن يطعن في ديانته، وبها زاوية الصالح الحاجّ نظام الدين أضافنا بها وأكرمنا، وبها زاوية الفقيه الإمام العالم نعمان الدّين الخوارزمي، رأيته بها وهو من فضلاء المشايخ، حسن الأخلاق كريم النفس شديد التواضع شديد السّطوة على أهل الدنيا، ياتي إليه السلطان أوزبك زائرا في كلّ جمعة، فلا يستقبله ولا يقوم إليه ويقعد السلطان بين يديه ويكلّمه ألطف كلام، ويتواضع له، والشيخ بضدّ ذلك! وفعله مع الفقراء والمساكين والواردين خلاف فعله مع السلطان فإنه يتواضع لهم ويكلمهم بألطف كلام ويكرمهم وأكرمني جزاه الله خيرا وبعث إليّ بغلام تركيّ وشاهدت له بركة. ذكر كرامة له كنت أردت السفر من السّرا إلى خوارزم، فنهاني عن ذلك، وقال لي، اقم أيّاما، وحينئذ تسافر، فنازعتني النفس، ووجدت رفقة كبيرة آخذة في السفر، فيهم تجار أعرفهم، فاتّفقت معهم على السفر في صحبتهم، وذكرت له ذلك، فقال لي: لابدّ لك من الإقامة، فعزمت على السفر، فأبق لي غلام أقمت بسببه، وهاذه من الكرامات الظاهرة، ولمّا كان بعد ثلاث وجد بعض أصحابي ذلك الغلام الآبق بمدينة الحاجّ ترخان فجاء به إليّ فحينئذ سافرت إلى خوارزم، وبينها وبين حضرة السرا صحراء مسيرة أربعين يوما لا تسافر فيها الخيل لقلّة الكلأ وإنّما تجرّ العربات بها الجمال.

المجلد الثالث

[المجلد الثالث] الفصل التاسع آسيا الوسطى الاتجاه إلى خوارزم عبر سراجوق أولية التتر وتخريباتهم أخبار علاء الدّين طرمشرين سلطان تركستان وما وراء النهر مدينة سمرقند ... بين مسجد بلخ وجامع رباط الفتح! مدينة هرات وسلطانها والحديث عن السنة والشيعة من الجام إلى بسطام وداع خراسان إلى بلاد الهند.

فسرنا من السّرا عشرة أيام، فوصلنا إلى مدينة سراجوق، وجوق بضم الجيم المعقود وواو وقاف، ومعنى جوق صغير، فكأنهم قالوا: سرا الصغيرة، وهي على شاطىء نهر كبير زخّار يقال له ألوصو بضم الهمزة واللام وواو ومد وضم الصاد المهمل وواو، ومعناه الماء الكبير «1» وعليه جسر من قوارب كجسر بغداد، وإلى هذه المدينة انتهى سفرنا بالخيل التي تجر العربات وبعناها بها بحساب أربعة دنانير دراهم للفرس وأقل من ذلك لأجل ضعفها ورخصها بهذه المدينة واكترينا الجمال لجر العربات. وبهذه المدينة زاوية لرجل صالح معمّر من الترك، يقال له أطا بفتح الهمزة والطاء المهمل، ومعناها الوالد، أضافنا بها ودعالنا، وأضافنا أيضا قاضيها ولا أعرف اسمه، ثم سرنا منها ثلاثين يوما سيرا جادّا لا ننزل إلا ساعتين إحداهما عند الضحى والأخرى عند المغرب، وتكون الإقامة قدر ما يطبخون الدّوقي ويشربونه، وهو يطبخ من غلية واحدة ويكون معهم الخليع «2» من اللحم، يجعلونه عليه ويصبون عليه اللّبن، وكل إنسان إنما ينام أو يأكل في عربته حال السير. وكان لي في عربتي ثلاث من الجواري، ومن عادة المسافرين في هذه البريّة الإسراع لقلّة أعشابها، والجمال التي تقطعها يهلك معظمها وما يبقى منها لا ينتفع به إلا في سنة أخرى بعد أن يسمن والماء في هذه البرية في مناهل معلومة بعد اليومين والثلاثة، وهو ماء المطر والحسيان.

ثم لما سلكنا هذه البرية وقطعناها، كما ذكرناها، وصلنا إلى خوارزم «3» ، وهي أكبر مدن الأتراك وأعظمها وأجملها وأضخمها لها الأسواق المليحة، والشوارع الفسيحة، والعمارة الكثيرة، والمحاسن الأثيرة، وهي ترتج بسكانها لكثرتهم، وتموج بهم موج البحر، ولقد ركبت بها يوما ودخلت السوق فلمّا توسطته، وبلغت منتهى الزحام في موضع يقال له الشّور «4» ، بفتح الشين المعجم واسكان الواو، لم أستطع أن أجوز ذلك الموضع لكثرة الازدحام، وأردت الرجوع فما أمكنني لكثرة الناس، فبقيت متحيّرا وبعد جهد شديد رجعت. وذكر لي بعض الناس أن تلك السوق يخفّ زحامها يوم الجمعة لأنهم يسدّون سوق القيسارية وغيرها من الأسواق، فركبت يوم الجمعة وتوجهت إلى المسجد الجامع والمدرسة، وهذه المدينة تحت إمرة السلطان أوزبك، وله فيه أمير كبير يسمى قطلودمور «5» ، وهو الذي عمّر هذه المدرسة وما معها من المواضع المضافة، وأما المسجد فعمرته زوجته الخاتون الصالحة ترابك «6» . بضم التاء المعلوة وفتح الراء وألف وبك بفتح الموحدة والكاف. وبخوارزم مارستان له طبيب شامي يعرف بالصهيوني نسبة إلى صهيون من بلاد

الشام، ولم أر في بلاد الدنيا أحسن أخلاقا من أهل خوارزم، ولا أكرم نفوسا ولا أحبّ في الغرباء «7» . ولهم عادة جميلة لم أرها لغيرها، وهي أن المؤذنين بالمساجد يطوف كلّ واحد منهم على دور جيران مسجده معلما لهم بحضور الصلاة «8» ، فمن لم يحضر الصلاة مع الإمام ضربه الامام بمحضر الجماعة، وفي كل مسجد درّة معلقة برسم ذلك، ويغرم خمسة دنانير تنفق في مصالح المسجد، أو تطعم للفقراء والمساكين، ويذكرون أن هذه العادة عندهم مستمرة على قديم الزمان. وبخارج خوارزم نهر جيحون أحد الأنهار الأربعة التي من الجنة «9» ، وهو يجمد في أوان البرد كما يجمد نهر إتل: ويسلك الناس عليه، وتبقى مدة جموده خمسة أشهر «10» . وربما سلكوا عليه عند أخذه في الذوبان فهلكوا! ويسافر فيه في أيام الصيف بالمراكب إلى ترمذ ويجلبون منها القمح والشعير، وهي مسيرة عشر للمنحدر. وبخارج خوارزم زاوية مبنية على تربة الشيخ نجم الدين الكبرا، وكان من كبار الصالحين «11» ، وفيها الطعام للوارد والصادر، وشيخها المدرس سيف الدين ابن عصبة من

كبار أهل خوارزم، وبها أيضا زاوية شيخها الصالح المجاور جلال الدين السمرقندي من كبار الصالحين أضافنا بها، وبخارجها قبر الإمام العلامة أبي القاسم محمود بن عمر الزّمخشري «12» وعليه قبّة، وزمخشر: قرية على مسافة أربعة أميال من خوارزم، ولما أتيت هذه المدينة نزلت بخارجها وتوجّه بعض أصحابي إلى القاضي الصدر أبي حفص عمر البكري «13» ، فبعث إلي نائبه نور الاسلام فسلّم علي، ثم عاد إليه ثم أتى القاضي في جماعة من أصحابه فسلّم عليّ، وهو فتى حدث السن، كبير الفعال وله نائبان أحدهما نور الإسلام المذكور والآخر نور الدين الكرماني من كبار الفقهاء، وهو الشديد في أحكامه، القوي في ذات الله تعالى. ولما حصل الاجتماع بالقاضي، قال لي: إن هذه المدينة كثيرة الزحام ودخولكم نهارا لا يتأتى، وسيأتي إليكم نور الإسلام لتدخلوا معه من آخر الليل ففعلنا ذلك ونزلنا بمدرسة جديدة ليس بها أحد، ولما كان بعد صلاة الصبح أتى إلينا القاضي المذكور، ومعه من كبار المدينة جماعة منهم مولانا همام الدين ومولانا زين الدين المقدسي، ومولانا رضي الدين يحيى، ومولانا فضل الله الرّضوي، ومولانا جلال الدين العمادي، ومولانا شمس الدين السّنجري إمام أميرها، وهم أهل مكارم وفضائل، والغالب على مذهبهم الاعتزال «14» لاكنهم لا يظهرونه لأن السلطان أوزبك وأميره على هذه المدينة قطلودمور من أهل السنة. وكنت أيام إقامتي بها أصلّي الجمعة مع القاضي أبي حفص عمر المذكور بمسجده، فإذا فرغت الصلاة ذهبت معه إلى داره وهي قريبة من المسجد فأدخل معه إلى مجلسه وهو من أبدع المجالس فيه الفرش الحافلة وحيطانه مكسوة بالملفّ وفيه طيقان كثيرة، وفي كل طاق منها أواني الفضة المموّهة بالذهب والأواني العراقية، وكذلك عادة أهل تلك البلاد أن يصنعوا في بيوتهم، ثم يأتي بالطعام الكثير، وهو من أهل الرفاهية والمال الكثير والرّباع وهو سلف الأمير قطلودمور متزوج بأخت امرأته واسمها جيجا أغا، وبهذه المدينة جماعة من الوعاظ والمذكّرين أكبرهم مولانا زين الدين المقدسي والخطيب مولانا حسام الدين المشّاطي الخطيب المصقع أحد الخطباء الأربعة الذين لم أسمع في الدنيا أحسن منهم.

وأمير خوارزم هو الأمير الكبير قطلودمور، وقطلو بضم القاف وسكون الطاء المهمل وضم اللام، ودمور بضم الدال المهمل والميم وواو مد وراء، ومعنى اسمه الحديد المبارك، لأن قطلو هو المبارك ودمور هو الحديد، وهذا الأمير ابن خالة السلطان المعظم محمد أوزبك، وأكبر أمرائه وهو واليه على خراسان، وولده هارون بك متزوج بابنة السلطان المذكور التي أمها الملكة طيطغلي المتقدم ذكرها، وامرأته الخاتون ترابك صاحبة المكارم الشهيرة. ولما أتاني القاضي مسلّما عليّ كما ذكرته، قال لي: إن الأمير قد علم بقدومك وبه بقية مرض يمنعه من الإتيان إليك، فركبت مع القاضي إلى زيارته وأتينا داره فدخلنا مشورا صغيرا فيه قبة خشب مزخرفة قد كسيت حيطانها بالملفّ الملوّن، وسقفها بالحرير المذهب والأمير على فرش له من الحرير وقد غطّى رجليه لما بهما من النقرس، وهي علة فاشية في الترك، فسلمت عليه وأجلسني إلى جانبه، وقعد القاضي والفقهاء وسألني عن سلطانه الملك محمد أوزبك وعن الخاتون بيلون وعن أبيها، وعن مدينة القسطنطينية فأعلمته بذلك كلّه ثم أوتي بالموايد فيها الطعام من الدجاج المشوية والكراكي وأفراخ الحمام وخبز معجون بالسّمن يسمونه الكليجا «15» والكعك والحلوى، ثم أوتي بموائد أخرى فيها الفواكه من الرمان المحبب، في أوان الذهب والفضة، ومعه ملاعق الذهب، وبعضه في أواني الزجاج العراقي، ومعه ملاعق الخشب، ومن العنب والبطيخ العجيب. ومن عوائد هذا الأمير أن يأتي القاضي في كلّ يوم إلى مشوره فيجلس بمجلس معدّ له ومعه الفقهاء وكتابه ويجلس في مقابلته أحد الأمراء الكبراء ومعه ثمانية من كبراء أمراء الترك وشيوخهم يسمّون الأرغجية «16» ويتحاكم الناس إليهم، فما كان من القضايا الشرعية حكم فيها القاضي، وما كان من سواها حكم فيها أولئك الأمراء، وأحكامهم مضبوطة عادلة لأنهم لا يتّهمون بميل ولا يقبلون رشوة. ولما عدنا إلى المدرسة بعد الجلوس مع الأمير بعث إلينا الأرز والدقيق والغنم والسمن والأبزار وأحمال الحطب. وتلك البلاد كلّها لا يعرف بها الفحم وكذلك الهند وخراسان وبلاد العجم.

حكاية ومكرمة لهذا القاضي والأمير.

وأما الصين فيوقدون فيها حجارة تشتعل فيها النار كما تشتعل في الفحم «17» ثم إذا صارت رمادا عجنوه بالماء وجففوه للشمس وطبخوا بها ثانية كذلك حتّى يتلاشى. حكاية ومكرمة لهذا القاضي والأمير. صلّيت في بعض أيام الجمع على عادتي بمسجد القاضي أبي حفص، فقال لي: إن الأمير أمر لك بخمسمائة درهم وأمر أن يصنع لك دعوة ينفق فيها خمسمائة درهم أخرى يحضرها المشايخ والفقهاء والوجوه، فلما أمر بذلك قلت له: أيها الأمير تصنع دعوة يأكل من حضرها لقمة أو لقمتين، لو جعلت له جميع المال كان أحسن له للنفع، فقال: أفعل ذلك، وقد أمر لك بالالف كاملة!! ثم بعثها الامير صحبة إمامه شمس الدين السنجري في خريطة يحملها غلامه، وصرفها من الذهب المغربي ثلاثماية دينار «18» . وكنت قد اشتريت ذلك اليوم فرسا أدهم اللون بخمسة وثلاثين دينارا دراهم وركبته في ذهابي إلى المسجد فما أعطيت ثمنه إلا من تلك الالف! وتكاثرت عندي الخيل بعد ذلك حتى انتهت إلى عدد لا أذكره خفية مكذّب يكذّب به! ولم تزل حالي في الزيادة حتى دخلت أرض الهند، وكانت عندي خيل كثيرة لا كنّي كنت أفضل هذا الفرس وأوثره وأربطه أمام الخيل، وبقي عندي إلى انقضاء ثلاث سنين، ولما هلك تغيرت حالي وبعثت إلي الخاتون جيجا أغا امرأة القاضي مائة دينار دراهم وصنعت لي أختها ترابك زوجة الأمير دعوة جمعت لها الفقهاء ووجوه المدينة بزاويتها التي بنتها وفيها الطعام للوارد والصادر وبعثت إلي بفروة سمّور وفرس جيد، وهي من أفضل النساء وأصلحهن وأكرمهن جزاها الله خيرا. حكاية [الخاتون المتقشفة] ولما انفصلت من الدعوة التي صنعت لي هذه الخاتون وخرجت عن الزاوية تعرضت لي بالباب امرأة عليها ثياب دنسة وعلى رأسها مقنعة ومعها نسوة لا أذكر عددهن فسلّمت عليّ

ذكر بطيخ خوارزم

فرددت عليها السلام، ولم أقف معها ولا التفت إليها، فلما خرجت أدركني بعض الناس، وقال لي: إن المرأة التي سلمت عليك هي الخاتون، فخجلت عند ذلك وأردت الرجوع إليها فوجدتها قد انصرفت فأبلغت إليها السلام مع بعض خدّامها واعتذرت عما كان منّى لعدم معرفتي لها! ذكر بطيخ خوارزم وبطيخ خوارزم لا نظير له في بلاد الدنيا شرقا ولا غربا إلا ما كان من بطيخ بخاري، يليه بطيخ إصفهان، وقشره أخضر، وباطنه أحمر، وهو صادق الحلاوة، وفيه صلابة. ومن العجائب أنّه يقدّد وييبس في الشمس ويجعل في القواصر كما يصنع عندنا بالشّريحة والتّين المالقي «19» ، ويحمل من خوارزم إلى أقصى بلاد الهند والصين، وليس في جميع الفواكه اليابسة أطيب منه! وكنت أيام إقامتي بدهلي من الهند متى قدم المسافرون بعثت من يشتري لي منهم قديد البطيخ، وكان ملك الهند إذا أوتي إليه بشيء منه بعث إليّ به لما يعلم من محبّتي فيه، ومن عادته أنه يطرف الغرباء بفواكه بلادهم ويتفقدهم بذلك. حكاية [التاجر الكريم] كان قد صحبني من مدينة السّرا إلى خوارزم شريف من أهل كربلاء يسمى علي بن منصور، وكان من التجار فكنت أكلّفه أن يشتري لي الثياب وسواها، فكان يشتري لي الثوب بعشرة دنانير ويقول اشتريته بثمانية، ويحاسبني بالثمانية ويدفع الدينارين من ماله وأنا لا علم لي بفعله إلى أن تعرفت ذلك على ألسنة الناس، وكان مع ذلك قد أسلفني دنانير فلمّا وصل إليّ إحسان أمير خوارزم رددت إليه ما أسلفنيه، وأردت أن أحسن بعده إليه مكافأة لأفعاله الحسنة، فأبى ذلك وحلف أن لا يفعل، وأردت أن أحسن إلى فتى كان له اسمه كافور فحلف أن لا أفعل، وكان أكرم من لقيته من العراقيين. وعزم على السفر معي إلى بلاد الهند ثم إن جماعة من أهل بلده وصلوا إلى خوارزم برسم السفر إلى الصين فأخذ في السفر معهم، فقلت له في ذلك، فقال: هؤلاء أهل بلدي

يعودون إلى أهلي وأقاربي ويذكرون أنّي سافرت إلى أرض الهند برسم الكدية فيكون سبّة، وعلي لا أفعل ذلك. وسافر معهم إلى الصين فبلغني بعد وأنا بأرض الهند، أنه لما بلغ إلى مدينة المالق «20» وهي آخر البلاد التي من عمالة ما وراء النهر، وأول بلاد الصين، أقام بها وبعث فتى له بما كان عنده من المتاع فأبطأ الفتى عليه وفي أثناء ذلك وصل من بلده بعض التجار ونزل معه في فندق واحد فطلب منه الشريف أن يسلفه شيئا بخلال ما يصل فتاه، فلم يفعل، ثم أكّد قبح ما صنع في عدم التوسعة على الشريف بأن أراد الزيادة عليه في المسكن الذي كان له بالفندق، فبلغ ذلك الشريف فاغتم منه ودخل إلى بيته فذبح نفسه «21» فأدرك وبه رمق، واتهموا غلاما كان له بقتله، فقال لهم: لا تظلموه فإني أنا فعلت ذلك بنفسي ومات من يومه غفر الله له! وكان قد حكى لي عن نفسه أنه أخذ مرة من بعض تجار دمشق ستة آلاف درهم قراضا فلقيه ذلك التاجر بمدينة حماة من أرض الشام فطلبه بالمال، وكان قد باع ما اشترى به من المتاع بالدّين فاستحيى من صاحب المال، ودخل إلى بيته وربط عمامته بسقف البيت وأراد أن يخنق نفسه، وكان في أجله تأخير فتذكّر صاحبا له من الصيارفة فقصده وذكر له القضية فسلفه مالا دفعه للتاجر. ولما أردت السفر من خوارزم اكتريت جمالا واشتريت محارة «22» وكان عديلي بها عفيف الدّين التوزري، وركب الخدّام بعض الخيل، وجلّلنا باقيها لأجل البرد ودخلنا البرية التي بين خوارزم وبخاري، وهي مسيرة ثمانية عشر يوما في رمال لا عمارة بها إلا بلدة واحدة، فودعت الأمير قطلودمور وخلع عليّ خلعة، وخلع علي القاضي أخرى وخرج مع الفقهاء لوداعي، وسرنا أربعة أيام، ووصلنا إلى مدينة ألكات «23» وليس بهذه الطريق عمارة

سواها، وضبط اسمها بفتح الهمزة وسكون اللام وآخره وتاء مثناه، وهي صغيرة حسنة نزلنا خارجا على بركة ماء قد جمدت من البرد فكان الصبيان يلعبون فوقها ويزلقون عليها. وسمع بقدومي قاضي ألكات، ويسمى صدر الشريعة وكنت قد لقيته بدار قاضي خوارزم فجاء إلي مسلّما مع الطلبة، وشيخ المدينة الصالح العابد محمود الخيوقي «24» ، ثم عرض عليّ القاضي الوصول إلى أمير تلك المدينة، فقال له الشيخ محمود: القادم ينبغي له أن يزار «25» . وان كانت لنا همة نذهب إلى أمير المدينة وناتي به ففعلوا ذلك، وأتى الأمير بعد ساعة في أصحابه وخدامه فسلّمنا عليه، وكان غرضنا تعجيل السفر، فطلب منا الإقامة، وصنع دعوة جمع لها الفقهاء ووجوه العساكر وسواهم ووقف الشعراء يمدحونه، وأعطاني كسوة وفرسا جيدا، وسرنا على الطريق المعروفة بسيبايه «26» وفي تلك الصحراء مسيرة ست دون ماء. ووصلنا بعد ذلك إلى بلدة وبكنة «27» ، وضبط اسمها بفتح الواو واسكان الباء الموحدة وكاف ونون، وهي على مسيرة يوم واحد من بخارى بلدة حسنة ذات أنهار وبساتين وهم يدّخرون العنب من سنة إلى سنة، وعندهم فاكهة يسمونها العلوّ «28» بالعين المهملة وتشديد اللام، فييبّسونه ويجلبه الناس إلى الهند والصين، ويجعل عليه الماء ويشرب ماؤه، وهو أيام

كونه أخضر حلو فإذا يبس صار فيه يسير حموضة ولحميته كثيرة ولم أر مثله بالأندلس ولا بالمغرب ولا بالشام. ثم سرنا في بساتين متصلة وأنهار وأشجار وعمارة يوما كاملا، ووصلنا إلى مدينة بخارى «29» التي ينسب إليها أمام المحدثين أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري «30» ، وهذه المدينة كانت قاعدة ما وراء نهر جيحون «31» من البلاد، وخرّبها اللعين تنكيز التتري «32» جدّ ملوك العراق، فمساجدها الآن ومدارسها وأسواقها خربة إلا القليل، وأهلها أذلّاء، وشهادتهم لا تقبل بخوارزم وغيرها لاشتهارهم بالتعصّب ودعوى الباطل وانكار الحق، وليس بها اليوم من الناس من يعلم شيئا من العلم ولا من له عناية به!!

ذكر أولية التتر وتخريبهم بخارى وسواها.

ذكر أولية التّتر وتخريبهم بخارى وسواها. كان تنكيز خان «33» حدّاد بأرض الخطا «34» ، وكان له كرم نفس وقوة وبسطة في الجسم، وكان يجمع الناس ويطعمهم، ثم صارت له جماعة فقدموه على أنفسهم، وغلب على بلده وقوي واشتدت شوكته واستفحل أمره فغلب على ملك الخطا، ثم على ملك الصين، وعظمت جيوشه وتغلب على بلاد الختن وكاشخر والمالق. وكان «35» جلال الدين سنجر بن خوارزم شاه ملك خوارزم وخراسان وما وراء النهر «36» له قوة عظيمة وشوكة، فهابه تنكيز وأحجم عنه ولم يتعرض له فاتّفق أن بعث تنكيز تجارا بأمتعة الصين والخطا من الثياب الحريرية وسواها إلى بلدة أطرار «37» ، بضم الهمزة، وهي

آخر عمالة جلال الدين، فبعث إليه عامله عليها معلما بذلك واستأذنه ما يفعل في أمرهم فكتب إليه يأمره أن يأخذ أموالهم ويمثل بهم، ويقطع أعضاءهم ويردّهم إلى بلادهم لما أراد الله تعالى من شقاء أهل بلاد المشرق ومحنتهم رأيا فائلا وتدبيرا سيئا مشئوما، فلما فعل ذلك تجهز تنكيز بنفسه في عساكر لا تحصى كثرة برسم غزو بلاد الإسلام، فلما سمع عامل أطرار بحركته بعث الجواسيس ليأتوه بخبره فذكر أن أحدهم دخل محلّة بعض أمراء تنكيز في صورة سائل فلم يجد من يطعمه، ونزل إلى جانب رجل منهم فلم ير عنده زادا، ولا أطعمه شيئا، فلما أمسى أخرج مصرانا يابسة عنده، فبلّها بالماء، وفصد فرسه وملاها بدمه وعقدها وشواها بالنار، فكانت طعامه! فعاد إلى أطرار فأخبر عاملها بأمرهم وأعلمه أن لا طاقة لأحد بقتالهم فاستمد ملكه جلال الدين فأمدّه بستين ألفا زيادة على من كان عنده من العساكر، فلما وقع القتال هزمهم تنكيز ودخل مدينة أطرار بالسيف وقتل الرجال وسبى الذراري. وأتى جلال الدين بنفسه لمحاربته فكانت بينهم وقائع لا يعلم في الإسلام مثلها «38» ، وآل الأمر إلى أن تملك تنكيز ما وراء النهر وخرّب بخارى وسمرقند وترمذ. وعبر النهر، وهو نهر جيحون، إلى مدينة بلخ فتملكها ثم إلى الباميان فتملّكها وأوغل في بلاد خراسان وعراق العجم «39» ، فثار عليه المسلمون في بلخ، وفيما وراء النهر، فكرّ عليهم ودخل بلخ بالسيف وتركها خاوية على عروشها «40» ، ثم فعل مثل ذلك في ترمذ فخربت، ولم تعمر بعد، ولكنها بنيت مدينة على ميلين منها هي التي تسمى اليوم ترمذ، وقتل أهل الباميان وهدمها باسرها إلا صومعة جامعها، وعفا عن أهل بخارى وسمرقند ثم عاد بعد ذلك إلى العراق «41» وانتهى

أمر التتر حتى دخلوا حضرة الإسلام ودار الخلافة بغداد بالسيف وذبحوا الخليفة المستعصم بالله العباسي رحمه الله! قال ابن جزي: أخبرنا شيخنا قاضي القضاة أبو البركات ابن الحاج «42» أعزه الله قال سمعت الخطيب أبا عبد الله بن رشيد يقول: لقيت بمكة نور الدين بن الزجاج من علماء العراق ومعه ابن أخ له فتفاوضنا الحديث، فقال لي: هلك في فتنة التتر بالعراق أربعة وعشرون ألف رجل من أهل العلم، ولم يبق منهم غيري وغير ذلك، وأشار إلى ابن أخيه! رجع، قال ونزلنا من بخارى بربضها المعروف بفتح أباد «43» ، حيث قبر الشيخ العالم العابد الزاهد سيف الدين الباخرزي «44» ، وكان من كبراء الأولياء وهذه الزاوية المنسوبة لهذا الشيخ حيث نزلنا عضيمة لها أوقاف ضخمة يطعم منها الوارد والصادر، وشيخها من ذريته وهو الحاج السيّاح يحيى الباخرزي وأضافني هذا الشيخ بداره، وجمع وجوه أهل المدينة وقرأ القراء بالأصوات الحسان، ووعظ الواعظ، وغنّوا بالتركي والفارسي على طريقة حسنة، ومرت لنا هنالك ليلة بديعة من أعجب الليالي ولقيت بها الفقيه العالم الفاضل صدر الشريعة وكان قد قدم من هران وهو من الصلحاء الفضلاء «45» ، وزرت ببخارى قبر الامام العالم أبى

عبد الله البخاري مصنف الجامع الصحيح شيخ المسلمين رضي الله عنه مكتوب: هذا قبر محمد بن اسماعيل البخاري وقد صنّف من الكتب كذا وكذا «46» وكذلك على قبور علماء بخاري أسماؤهم وأسماء تصانيفهم وكنت قيّدت من ذلك كثيرا وضاع مني في جملة ما ضاع لي لما سلبني كفّار الهند في البحر!! ثم سافرنا من بخاري قاصدين معسكر السلطان الصالح المعظم علاء الدين طرمشيرين، وسنذكره، فمررنا على نخشب «47» البلدة التي ينسب إليها الشيخ أبو تراب النخشبي «48» ، وهي صغيرة تحفّ بها البساتين والمياه، ونزلنا بخارجها بدار لأميرها، وكان عندي جارية قد قاربت الولادة، وكنت أردت حملها إلى سمرقند لتلد بها فاتفق أنها كانت في المحمل فوضع المحمل على الجمل، وسافر أصحابنا من الليل وهي معهم، والزاد وغيره من أسبابي، وأقمت أنا حتى ارتحل نهارا مع بعض من معي، فسلكوا طريقا وسلكت طريقا سواها فوصلنا عشية النهار إلى محلة السلطان المذكور وقد جعنا ونزلنا على بعد من السوق واشترى بعض أصحابنا ما سدّ جوعتنا وأعارنا بعض التجار خباء بتنا به تلك الليلة. ومضى أصحابنا من الغد في البحث عن الجمال وباقي الأصحاب فوجدوهم عشيا وجاءوا بهم وكان السلطان غائبا عن المحلة في الصيد فاجتمعت بنائبه الأمير تقبغا، فأنزلني بقرب مسجده وأعطاني خرقة وهي شبه الخباء، وقد ذكرنا صفتها في ما تقدم، فجعلت

ذكر سلطان ما وراء النهر

الجارية في تلك الخرقة فولدت تلك الليلة مولودا وأخبروني أنه ولد ذكر ولم يكن كذلك، فلما كان بعد العقيقة أخبرني بعض الأصحاب أن المولود بنت، فاستحضرت الجواري، فسألتهن، فأخبرنني بذلك، وكانت هذه البنت مولودة في طالع سعد، فرأيت كل ما يسرني ويرضيني منذ ولدت وتوفيت بعد وصولي إلى الهند بشهرين، وسيذكر ذلك، واجتمعت بهذه المحلة بالشيخ الفقيه العابد مولانا حسام الدين الياغي بالياء آخر الحروف والغين المعجمة ومعناه بالتركية الثائر وهو من أهل أطرار، وبالشيخ حسن صهر السلطان. ذكر سلطان ما وراء النهر وهو السلطان المعظم علاء الدين طرمشيرين «49» ، وضبط اسمه بفتح الطاء المهمل وسكون الراء وفتح الميم وكسر الشين المعجم وياء مد وراء مكسور وياء مد ثانية ونون، وهو عظيم المقدار كثير الجيوش والعساكر ضخم المملكة شديد القوة، عادل الحكم، وبلاده متوسطة بين أربعة من ملوك الدنيا الكبار، وهم ملك الصين، وملك الهند، وملك العراق، والملك أوزبك، وكلهم يهادونه ويعظمونه ويكرمونه، وولي الملك بعد أخيه الجكاطي «50» ، وضبط اسمه بفتح الجيم المعقودة والكاف والطاء المهمل وسكون الياء، وكان الجكاطي هذا كافرا، وولي بعد أخيه الأكبر كبك «51» وكان كبك هذا كافرا أيضا لكنه كان عادل الحكم منصفا للمظلومين يكرم المسلمين ويعظمهم. حكاية [الملك كبك والواعظ] يذكر أن هذا الملك كبك تكلم يوما مع الفقيه الواعظ المذكّر بدر الدين الميداني، فقال له: أنت تقول إن الله ذكر كلّ شيء في كتابه العزيز؟ قال: نعم، فقال: أين اسمي فيه؟ فقال:

حكاية [عن عدل كبك]

هو في قوله تعالي: في أي صورة ما شاء ركّبك «52» ! فأعجبه ذلك! وقال: يخشي، ومعناه بالتركية: جيد فأكرمه إكراما كثيرا وزاد في تعظيم المسلمين!! حكاية [عن عدل كبك] ومن أحكام كبك ما ذكر أن امرأة شكت له أحد الأمراء، وذكرت أنها فقيرة ذات أولاد، وكان لها لبن تقوتهم بثمنه فاغتصبه ذلك الأمير وشربه، فقال لها: أنا أوسّطه! فإن خرج اللّبن من جوفه مضى لسبيله وإلا وسّطتك بعده! فقالت المرأة قد حلّلته ولا أطلبه بشيء! فأمر به فوسّط فخرج اللبن من بطنه! ولنعد لذكر السلطان طرمشيرين، ولما أقمت بالمحلة، وهم يسمونها الأردو، أياما ذهبت يوما لصلاة الصبح بالمسجد على عادتي، فلما صليت ذكر لي بعض الناس أن السلطان بالمسجد، فلما قام عن مصلاه تقدمت للسلام عليه، وقام الشيخ حسن والفقيه حسام الدين الياغي وأعلماه بحالي وقدومي منذ أيام فقال لي بالتركية: خش ميسن يخشي ميسن: قطلو إيوسن، ومعنى خش ميسن في عافية أنت، ومعنى يخشي ميسن: جيّد أنت. ومعنى قطلو إيوسن: مبارك قدومك! وكان عليه في ذلك الحين قبا قدسي أخضر وعلى رأسه شاشية مثله، ثم انصرف إلى مجلسه راجلا والناس يتعرّضون له للشكايات فيقف لكل مشتك منهم صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى. ثم بعث عني فوصلت إليه وهو في خرقة، والناس خارجها ميمنة وميسرة، والأمراء منهم على الكراسي وأصحابهم وقوف على رؤوسهم وبين أيديهم، وسائر الجند قد جلسوا صفوفا وأمام كل واحد منهم سلاحه، وهم أهل النوبة، يقعدون هنالك إلى العصر، وياتي آخرون فيقعدون إلى آخر الليل، وقد صنعت هنالك سقائف من ثياب القطن يكونون بها. ولما دخلت إلى الملك بداخل الخرقة وجدته جالسا على كرسي شبه المنبر مكسو بالحرير المزركش بالذهب وداخل الخرقة ملبّس بثياب الحرير المذهب، والتاج المرصع بالجوهر واليواقيت معلّق فوق رأس السلطان، بينه وبين رأسه قدر ذراع «53» ، والأمراء الكبار على الكراسي عن يمينه ويساره، وأولاد الكلوك بأيديهم المذابّ بين يديه، وعند باب الخرقة النائب

حكاية [فضائل السلطان طرمشيرين]

والوزير والحاجب، وصاحب العلامة «54» وهم يسمونه آل طمغى، وآل بفتح الهمزة: معناه الأحمر، وطمغى بفتح الطاء المهمل وسكون الميم والغين المعجم المفتوح، ومعناه العلامة. وقام إليّ أربعتهم حين دخولي، ودخلوا معي فسلمت عليه وسألني، وصاحب- يترجم بيني وبينه، وعن مكة والمدينة والقدس شرفها الله وعن مدينة الخليل عليه السلام وعن دمشق ومصر والملك الناصر عن العراقين وملكهما وبلاد الاعاجم، ثم أذّن المؤذن بالظهر فانصرفنا وكنا نحضر معه الصلوات، وذلك أيام البرد الشديد المهلك، فكان لا يترك صلاة الصبح والعشاء في الجماعة ويقعد للذكر بالتركية بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، وياتي إليه كلّ من في المسجد فيصافحه ويشد بيده على يده، وكذلك يفعلون في صلاة العصر، وكان إذا أوتي بهدية من زبيب أو تمر، والتمر عزيز عندهم وهم يتبرّكون به، يعطي منها بيده لكلّ من في المسجد. حكاية [فضائل السلطان طرمشيرين] ومن فضائل هذا الملك أنه حضرت صلاة العصر يوما ولم يحضر السلطان فجاء أحد فتيانه بسجادة ووضعها قبالة المحراب حيث جرت عادته أن يصلي، وقال للإمام حسام الدين الياغي: إن مولانا يريد أن تنتظره بالصلاة قليلا ريثما يتوضأ فقام الامام المذكور، وقال: نماز، ومعناه الصلاة، برأي خذا أو برأي طرمشيرين؟ أي الصّلاة لله أو لطرمشيرين؟ ثم أمر المؤذن بإقامة الصلاة وجاء السلطان وقد صلّي منها ركعتان، فصلى الركعتين الآخرتين حيث انتهى به القيام، وذلك في الموضع الذي تكون به أنعلة الناس عند باب المسجد، وقضى ما فاته وقام إلى الإمام ليصافحه وهو يضحك وجلس قبالة المحراب والشيخ الإمام إلى جانبه وأنا إلى جانب الإمام فقال لي: إذا مشيت إلى بلادك فحدّث أنّ فقيرا من فقراء الأعاجم يفعل هكذا مع سلطان الترك!! وكان هذا الشيخ يعظ الناس في كلّ جمعة ويأمر السلطان بالمعروف وينهاه عن المنكر وعن الظلم ويغلّظ عليه القول والسلطان ينصت لكلامه ويبكي، وكان لا يقبل من عطاء السّلطان شيئا ولم يأكل قط من طعامه ولا لبس من ثيابه.

وكان هذا الشيخ من عباد الله الصالحين وكنت كثيرا ما أرى عليه قباء قطن مبطنا بالقطن، محشوا به وقد بلى وتمزّق، وعلى رأسه قلنسوّة لبد يساوي مثلها قيراطا «55» ولا عمامة عليه، فقلت له في بعض الأيام: يا سيدي ما هذا القباء الذي أنت لابسه إنه ليس يجيد، فقال لي: يا ولدي ليس هذا القباء لي وانما لابنتي فرغبت منه أن يأخذ بعض ثيابي فقال: عاهدت الله منذ خمسين سنة، أن لا أقبل من أحد شيئا ولو كنت اقبل من أحد لقبلت منك! ولما عزمت على السّفر بعد مقامي عند هذا السلطان أربعة وخمسين يوما أعطاني السلطان سبعمائة دينار دراهم وفروة سمّور تساوي مائة دينار طلبتها منه لأجل البرد ولما ذكرتها له، أخذ أكمامي وجعل يقبّلها بيده تواضعا منه وفضلا وحسن خلق، وأعطاني فرسين وجملين، ولما أردت وداعه أدركته في أثناء طريقه إلى متصيّده، وكان اليوم شديد البرد جدّا، فو الله ما قدرت على أن أنطق بكلمة لشدة البرد! ففهم ذلك، وضحك وأعطاني يده وانصرفت. وبعد سنتين من وصولي إلى أرض الهند بلغنا الخبر بأن الملأ من قومه وأمرائه اجتمعوا بأقصى بلاده المجاورة للصين، وهناك عساكره وبايعوا ابن عمّ له اسمه بوزن أغلي «56» وكلّ من كان من أبناء الملوك فهم يسمّونه أغلي «57» ، بضم الهمزة وسكون الغين المعجمة وكسر اللام، وبوزن بضم الباء الموحدة وضم الزاي، وكان مسلما إلا أنه فاسد الدّين سيء السيرة، وسبب بيعتهم له وخلعهم لطرمشيرين، أن طرمشيرين خالف أحكام جدهم تنكيز اللعين الذي خرب بلاد الإسلام، وقد تقدّم ذكره، وكان تنكيز ألّف كتابا في أحكامه

يسمى اليساق «58» ، بفتح الياء آخر الحروف والسين المهمل وآخره قاف، وعندهم أنّه من خالف أحكام هذا الكتاب فخلعه واجب، ومن جملة أحكامه أنهم يجتمعون يوما في السنة يسمونه الطّوّي «59» ومعناه يوم الضيافة، ويأتي أولاد تنكيز والأمراء من أطراف البلاد ويحضر الخواتين وكبار الأجناد، وإن كان سلطانهم قد غير شيئا من تلك الأحكام، يقوم إليه كبراؤهم فيقولون له: غيّرت كذا وغيرت كذا وفعلت كذا وقد وجب خلعك، ويأخذون بيده ويقيمونه عن سرير الملك ويقعدون غيره من أبناء تنكيز، وان كان أحد الأمراء الكبار أذنب ذنبا في بلاده حكموا عليه بما يستحقه!! وكان السلطان طرمشيرين قد أبطل حكم هذا اليوم ومحا رسمه فأنكروه عليه أشد الانكار، وأنكروا عليه أيضا كونه أقام أربع سنين فيما يلي خراسان من بلاده، ولم يصل إلى الجهة التي توالي الصين، والعادة أنّ الملك يقصد تلك الجهة في كلّ سنة فيختبر أحوالها وحال الجند بها لأن أصل ملكهم منها، ودار الملك هي مدينة المالق «60» ، فلما بايعوا بوزن أتى في عسكر عظيم وخاف طرمشيرين على نفسه من أمرائه ولم يأمنهم فركب في خمسة عشر فارسا يريد بلاد غزنة، وهي من عمالته، وواليها كبير أمرائه وصاحب سرّه برنطيه، وهذا الأمير محبّ في الاسلام والمسلمين قد عمر في عمالته نحو أربعين زاوية فيها الطعام للوارد والصادر وتحت يده العساكر العظيمة ولم أر قط فيمن رأيته من الآدميّين بجميع بلاد الدنيا أعظم خلقة منه! فلما عبر نهر جيحون، وقصد طريق بلخ رآه بعض الأتراك من أصحاب ينقي

ابن أخيه كبك «61» ، وكان السلطان طرمشيرين المذكور قتل أخاه كبك المذكور وبقى ابنه ينقي ببلخ فلما أعلمه التركي بخبره، قال: ما فرّ إلا لأمر حدث عليه، فركب في أصحابه وقبض عليه وسجنه، ووصل بوزن إلى سمرقند وبخارى فبايعه الناس وجاءه ينقي بطرمشيرين، فيذكر أنه لما وصل إلى نسف بخارج سمرقند قتل هنالك ودفن بها «62» ، وخدم تربته الشيخ شمس الدين كردن بريدا، وقيل: إنه لم يقتل كما سندكره، وكردن بكاف معقودة وراء مسكن ودال مهمل مفتوح ونون، معناه المقطوع، ويسمى بذلك لضربة كانت في عنقه، وقد رأيته بأرض الهند ويقع ذكره فيما بعد. ولما ملك بوزن هرب ابن السلطان طرمشيرين وهو بشاي أغل واخته وزوجها فيروز إلى ملك الهند فعظّمهم وأنزلهم منزلة علية بسبب ما كان بينه وبين طرمشيرين من الود والمكاتبة والمهاداة، وكان يخاطبه بالأخ، ثم بعد ذلك أتى رجل من أرض السند وادّعى أنه هو طرمشيرين واختلف الناس فيه، فسمع بذلك عماد الملك سرتيز غلام ملك الهند، ووالي بلاد السند، ويسمّى ملك عرض، وهو الذي تعرض بين يديه عساكر الهند وإليه أمرها، ومقرّه بملتان قاعدة السند، فبعث إليه بعض الأتراك العارفين به، فعادوا إليه وأخبروه أنه هو طرمشيرين حقا، فأمر له بالسّراجة، وهي أفراج، فضرب خارج المدينة ورتّب له ما يرتب لمثله وخرج لاستقباله، وترجّل له وسلّم عليه وأتى في خدمته إلى السّراجة، فدخلها راكبا كعادة الملوك ولم يشك أحد أنّه هو وبعث إلى ملك الهند بخبره فبعث إليه الأمراء يستقبلونه بالضيافات، وكان في خدمة ملك الهند حكيم ممن خدم طرمشيرين فيما تقدم، وهو كبير الحكماء بالهند، فقال للملك: أنا أتوجه إليه وأعرف حقيقة أمره، فإني كنت عالجت له دمّلا تحت ركبته وبقى أثره، وبه أعرفه فأتى إليه ذلك الحكيم واستقبله مع الأمراء ودخل عليه ولازمه لسابقته وأخذ يغمز رجليه وكشف عن الأثر فشتمه، وقال له: تريد أن تنظر إلى الدّمل الذي عالجته، ها هو ذا، وأراه أثره فتحقق أنه هو، وعاد إلى ملك الهند فأعلمه بذلك. ثم إن الوزير خواجه جهان أحمد بن إياس، وكبير الأمراء قطلوخان «63» معلم

رجع الحديث إلى بوزن

السلطان أيام صغره دخلا على ملك الهند، وقالا له: يا خوند عالم، هذا السلطان طرمشيرين قد وصل وصح أنه هو، وهاهنا من قومه نحو أربعين ألفا «64» وولده وصهره أرأيت إن اجتمعوا عليه ما يكون من العمل؟! فوقع هذا الكلام بموقع منه عظيم، وأمر أن يوتي بطرمشيرين معجّلا، فلما دخل عليه أمر بالخدمة كسائر الواردين ولم يعظم، وقال له السلطان: يا ماذر كاني، وهي شتمة قبيحة، كيف تكذب وتقول إنك طرمشيرين وطرمشيرين قد قتل، وهذا خادم تربته عندنا، والله لولا المعرة لقتلتك! ولكن أعطوه خمسة آلاف دينار وأذهبوا به إلى دار بشاي أغل واخته ولدي طرمشيرين، وقولوا لهم إن هذا الكاذب يزعم أنه والدكم فدخل عليهم فعرفوه وبات عندهم، والحرّاس يحرسونه، وأخرج بالغد وخافوا أن يهلكوا بسببه فأنكروه ونفي عن بلاد الهند والسند، فسلك طريق كيج ومكران، وأهل البلاد يكرمونه ويضيفونه ويهادونه، ووصل إلى شيراز فأكرمه سلطانها أبو إسحاق وأجرى له كفايته. ولما دخلت عند وصولي من الهند إلى مدينة شيراز ذكر لي أنه باق بها وأردت لقاءه ولم أفعل لأنه كان في دار لا يدخل إليه أحد إلا بإذن من السلطان أبي إسحاق فخفت ممّا يتوقّع بسبب ذلك ثم ندمت على عدم لقائه!! رجع الحديث إلى بوزن وذلك أنه لما ملك ضيّق على المسلمين وظلم الرعية وأباح للنّصارى واليهود عمارة كنائسهم، فضجّ المسلمون من ذلك وتربصوا به الدوائر واتصل خبره بخليل بن السلطان اليسور المهزوم على خراسان «65» فقصد ملك هراة وهو السلطان حسين بن السلطان غياث

الدين الغوري «66» فأعلمه بما كان في نفسه وسأل منه الإعانة بالعساكر والمال على أن يشاطره ملكه إذا استقام له، فبعث معه الملك حسين عسكرا عظيما، وبين هراة والتّرمذ تسعة أيام فلما سمع أمراء الإسلام بقدوم خليل تلقّوه بالسمع والطاعة والرغبة في جهاد العدو. وكان «67» أول قادم عليه علاء الملك خذاوند زاده صاحب ترمذ «68» ، وهو أمير كبير شريف حسينى النسب، فأتاه في أربعة آلاف من المسلمين، فسرّ به وولّاه وزارته وفوّض إليه أمره وكان من الأبطال وجاء الأمراء من كل ناحية واجتمعوا على خليل والتقى مع بوزون، فمالت العساكر إلى خليل واسلموا بوزون وأتوا به أسيرا فقتله خنقا بأوتار القسّي، وتلك عادة لهم أنهم لا يقتلون من كان من أبناء الملك إلا خنقا! واستقام الملك لخليل. وعرض عساكره بسمرقند فكانوا ثمانين ألفا عليهم وعلى خيلهم الدروع «69» ، فصرف العسكر الذي جاء به من هراة، وقصد بلاد المالق، فقدم التتر على أنفسهم واحدا منهم، ولقوه على مسيرة ثلاث من المالق بمقربة من أطراز «70» وحمى القتال وصبر الفريقان فحمل الأمير خذاوند زاده وزيره في عشرين ألفا من المسلمين حملة لم يثبت لها التّتر، فانهزموا واشتدّ فيهم القتل، وأقام خليل بالمالق ثلاثا وخرج إلى استيصال من بقى من التتر، فأذعنوا له بالطاعة وجاز إلى تخوم الخطا والصين، وفتح مدينة قراقرم ومدينة بش بالغ «71» ، وبعث إليه سلطان الخطا بالعساكر، ثم وقع بينهما الصلح وعظم أمر خليل وهابته الملوك وأظهر العدل ورتب العساكر بالمالق وترك بها وزيره خذاوند زاده، وانصرف إلى سمرقند وبخاري.

ثم إن الترك أرادوا الفتنة وسعوا إلى خليل بوزيره المذكور وزعموا أنه يريد الثورة، ويقول: إنه أحق بالملك لقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم وكرمه وشجاعته! فبعث واليا إلى المالق عوضا عنه وأمره أن يقدم عليه في نفر يسير من أصحابه، فلما قدم عليه قتله عند وصوله من غير تتبث، فكان ذلك سبب خراب ملكه! وكان خليل لما عظم أمره بغى على صاحب هراة الذي أورثه الملك وجهّزه بالعساكر والمال فكتب إليه أن يخطب في بلاده باسمه، ويضرب الدنانير والدراهم على سكته فغاظ ذلك الملك حسينا وأنف منه، وأجابه بأقبح جواب فتجهز خليل لقتاله فلم توافقه عساكر الإسلام، ورأوه باغيا عليه وبلغ خبره إلى الملك حسين فجهز العساكر مع ابن عمه ملك ورنا والتقى الجمعان، فانهزم خليل وأوتي به إلى الملك حسين أسيرا فمنّ عليه بالبقاء وجعله في دار، وأعطاه جارية وأجرى عليه النفقة، وعلى هذه الحال تركته عنده في أواخر سنة سبع وأربعين عند خروجي من الهند «72» . ولنعد إلى ما كنا بسبيله: ولما ودّعت السلطان طرمشيرين سافرت إلى مدينة سمرقند «73» ، وهي من أكبر المدن وأحسنها وأتمها جمالا. مبنية على شاطئ واد يعرف بوادي القصّارين عليه النواعير تسقي البساتين، وعنده يجتمع أهل البلد بعد صلاة العصر للنزهة والتفرج، ولهم عليه مساطب ومجالس يقعدون عليها ودكاكين تباع بها الفاكهة وسائر المأكولات. وكانت على شاطئه قصور عظيمة وعمارة تنبيء عن علوّ همم أهلها، فدثر أكثر ذلك، وكذلك المدينة خرب كثير منها ولا سور لها ولا أبواب عليها، وفي داخلها البساتين.

وأهل سمرقند لهم مكارم أخلاق ومحبة في الغريب وهم خير من أهل بخارى، وبخارج سمرقند قبر قثم ابن العباس «74» بن عبد المطلب رضي الله عن العباس وعن ابنه وهو المستشهد حين فتحها، ويخرج أهل سمرقند كلّ ليلة اثنين وجمعة إلى زيارته، والتتر يأتون لزيارته، وينذرون له النذور العظيمة ويأتون إليه بالبقر والغنم والدراهم والدنانير فيصرّف ذلك في النفقة على الوارد والصادر ولخدام الزاوية والقبر المبارك وعليه قبة قائمة على أربع أرجل، ومع كلّ رجل ساريتان من الرخام منها الخضر والسّود والبيض والحمر، وحيطان القبة بالرخام المجزّع المنقوش بالذهب، وسقفها مصنوع بالرصاص، وعلى القبة خشب الآبنوس المرصع مكسو الأركان بالفضة وفوقه ثلاثة من قناديل الفضة، وفرش القبة بالصوف والقطن «75» وخارجها نهر كبير يشقّ الزّاوية التي هنالك وعلى حافّتيه الأشجار ودوالي العنب والياسمين، وبالزاوية مساكن يسكنها الوارد والصادر، ولم يغيّر التتر أيام كفرهم شيئا من حال هذا الموضع المبارك بل كانوا يتبرّكون به لما يرون له من الآيات، وكان الناظر «76» في كل حال هذا الضريح المبارك وما يليه. حين نزولنا به، الأمير غياث الدّين محمد بن عبد القادر بن عبد العزيز بن يوسف بن الخليفة المستنصر بالله العباسي، وقدّمه لذلك السلطان طرمشيرين لما قدم عليه من العراق وهو الآن عند ملك الهند، وسيأتي ذكره. ولقيت بسمرقند قاضيها المسمى عندهم صدر الجهان «77» ، وهو من الفضلاء ذوي المكارم، وسافر إلى بلاد الهند بعد سفري إليها فأدركته منيته بمدنية ملتان قاعدة بلاد السند

حكاية [ملك الهند]

حكاية [ملك الهند] لما مات هذا القاضي بملتان كتب صاحب الخبر «78» بأمره إلى السلطان ملك الهند، وأنه قدم برسم بابه فأخترم دون ذلك، فلمّا بلغ الخبر إلى الملك أمر أن يبعث إلى أولاده عدد من آلاف الدنانير، لا أذكره الآن، وأمر أن يعطي لأصحابه ما كان يعطي لهم لو وصلوا معه وهو بقيد الحياة. ولملك الهند في كل بلد من بلاده صاحب الخبر يكتب له بكل ما يجري في ذلك البلد من الأمور وبمن يرد عليه من الواردين، وإذا أتى الوارد كتبوا من أي البلاد ورد، وكتبوا اسمه ونعته وثيابه وأصحابه وخيله وخدامه وهيئته من الجلوس والماكل وجميع شؤونه وتصرفاته، وما يظهر منه من فضيلة أو ضدها فلا يصل الوارد إلى الملك إلا وهو عارف بجميع حاله فتكون كرامته على مقدار ما يستحقه! وسافرنا من سمرقند فاجتزنا ببلدة نسف «79» ، وإليها ينسب أبو حفص عمر النسفي «80» مؤلف كتاب المنظومة في المسائل الخلافية بين الفقهاء الأربعة «81» رضي الله عنهم. ثم وصلنا إلى مدينة ترمذ «82» التي ينسب إليها الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي «83» ، مؤلف الجامع الكبير في السنن، وهي مدينة كبيرة حسنة العمارة والأسواق

تخرقها الأنهار، وبها البساتين الكثيرة والعنب، والسفرجل بها كثير متناهي الطيب، واللحوم بها كثيرة، وكذلك الألبان، وأهلها يغسلون رؤوسهم في الحمام باللّبن عوضا من الطّفل «84» ويكون عند كل صاحب الحمام أوعية كبار مملوءة لبنا، فإذا دخل الرجل الحمام أخذ منها في إناء صغير فغسل رأسه وهو يرطب الشعر ويصلقه! وأهل الهند يجعلون في رؤوسهم زيت السّمسم، ويسمونه السيراج ويغسلون الشعر بعده بالطفل فينعم الجسم ويصقل الشعر ويطيله وبذلك طالت لحي أهل الهند ومن سكن معهم! وكانت مدينة التّرمذ القديمة مبنية على شاطىء جيحون فلما خربها تنكيز بنيت هذه الحديثة على ميلين من النهر، وكان نزولنا بها بزاوية الشيخ الصالح عزيزان، من كبار المشايخ وكرمائهم، كثير المال والرباع والبساتين ينفق على الوارد والصادر من ماله. واجتمعت قبل وصولي إلى هذه المدينة بصاحبها علاء الملك خذاوند زاده، وكتب لي إليها بالضيافة، فكانت تحمل إلينا أيام مقامنا بها في كلّ يوم، ولقيت أيضا قاضيها قوام الدين وهو متوجه لرؤية السلطان طرمشيرين وطالب للاذن له في السفر إلى بلاد الهند، وسيأتي ذكر لقائي له بعد ذلك ولأخويه ضياء الدين وبرهان الدين بملتان، وسفرنا جميعا إلى الهند، وذكر أخويه الآخرين عماد الدين وسيف الدين، ولقاءي لهما بحضرة ملك الهند، وذكر ولديه وقدومهما على ملك الهند بعد قتل أبيهما وتزويجهما ببنتي الوزير خواجه جهان وما جرى في ذلك كله إن شاء الله تعالى! ثم أجزنا نهر جيحون إلى بلاد خراسان، وسرنا بعد انصرافنا من ترمذ وإجازة الوادي يوما ونصف يوم في صحراء ورمال لا عمارة بها إلى مدينة بلخ «85» ، وهي خاوية على

حكاية [أميرة تبني مسجدا]

عروشها غير عامرة، ومن رآها ظنها عامرة لإتقان بنائها وكانت ضخمة فسيحة، ومساجدها ومدارسها باقية الرسوم حتى الآن ونقوش مبانيها مدخلة بأصبغة اللّازورد، والناس ينسبون اللّازورد إلى خراسان، وانما يجلب من جبال بدخشان التي ينسب إليها الياقوت البدخشى، والعامة يقولون: البلخش «86» ، وسياتي ذكرها إن شاء الله تعالى، وخرب هذه المدينة تنكيز اللّعين وهدم من مسجدها نحو الثّلث بسبب كنز ذكر له أنه تحت سارية من سواريه، وهو من أحسن مساجد الدنيا وأفسحها، ومسجد رباط الفتح بالمغرب «87» يشبهه في عظم سواريه، ومسجد بلخ أجمل منه في سوي «88» ذلك. حكاية [أميرة تبني مسجدا] ذكر لي بعض أهل التاريخ أن مسجد بلخ بنته امرأة كان زوجها أميرا بلخ لبني العباس يسمّى داود بن علي «89» ، فاتفق أن الخليفة غضب مرة على أهل بلخ لحادث أحدثوه فبعث إليهم من يغرمهم مغرما فادحا، فلما بلغ إلى بلخ أتى نساؤها وصبيانها إلى تلك المرأة

التي بنت المسجد، وهي زوج أميرهم، وشكوا حالهم وما لحقهم من هذا المغرم، فبعثت إلى الأمير الذي قدم برسم تغريمهم بثوب لها مرصع بالجواهر قيمته أكثر مما أمر بتغريمه، فقالت له: اذهب بهذا الثوب إلى الخليفة، فقد أعطيته صدقة عن أهل بلخ لضعف حالهم. فذهب به إلى الخليفة وألقى الثوب بين يديه وقصّ عليه القصة فخجل الخليفة وقال: أتكون المرأة أكرم منا؟ وأمره برفع المغرم عن أهل بلخ، وبالعودة إليها ليردّ للمرأة ثوبها، واسقط عن أهل بلخ خراج سنة! فعاد الأمير إلى بلخ وأتى منزل المرأة وقص عليها مقالة الخليفة ورد عليها الثوب، فقالت له: أوقع بصر الخليفة على هذا الثوب؟ قال: نعم، قالت: لا ألبس ثوبا وقع عليه بصر غير ذي محرم مني!! وأمرت ببيعه، فبني منه المسجد والزاوية ورباط في مقابلته مبنيّ بالكذّان، وهو عامر حتى الآن، وفضل من الثوب مقدار ثلثه فذكر أنها أمرت بدفنه تحت بعض سواري المسجد ليكون هنالك متيسّرا إن احتيج إليه خرّج، فأخبر تنكيز بهذه الحكاية فأمر بهدم سواري المسجد فهدم منها نحو الثلث ولم يجد شيئا فترك الباقي على حاله، وبخارج بلخ قبر يذكر أنه قبر عكّاشة بن محصن الأسدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما الذي يدخل الجنة بلا حساب «90» ، وعليه زاوية معظمة بها كان نزولنا، وبخارجها بركة ماء عجيبة عليها شجرة جوز عظيمة ينزل الواردون في الصيف تحت ظلالها. وشيخ هذه الزاوية يعرف بالحاجّ خرد، وهو الصغير، من الفضلاء، وركب معنا وأرانا مزارات هذه المدينة منها قبر حزقيل «91» النبي عليه السلام وعليه قبة حسنة، وزرنا بها أيضا قبورا كثيرة من قبور الصالحين لا أذكرها الآن، ووقفنا على دار ابراهيم بن أدهم «92» رضي الله عنه، وهي دار ضخمة مبنية بالصّخر الأبيض الذي يشبه الكذّان، وكان زرع الزاوية مختزنا بها وقد سدّت عليه، فلم ندخلها وهي بمقربة من المسجد الجامع.

ثم سافرنا من مدينة بلخ فسرنا في جبال قوه استان «93» سبعة أيام وهي قرى كثيرة عامرة، بها المياه الجارية والأشجار المورقة، وأكثرها شجر التين، وبها زوايا كثيرة فيها الصالحون المنقطعون إلى الله تعالى، وبعد ذلك كان وصولنا إلى مدينة هرات وهي أكبر المدن العامرة بخراسان. ومدن خراسان العظيمة أربع ثنتان عامرتان وهما: هرات ونيسابور «94» وثنتان خربتان: وهما بلخ ومرو «95» ، ومدينة هرات كبيرة عظيمة كثيرة العمارة ولأهلها صلاح وعفاف وديانة، وهم على مذهب الامام أبي حنيفة رضي الله عنه، وبلدهم طاهر من الفساد.

ذكر سلطان هرات

ذكر سلطان هرات وهو السلطان المعظم حسين بن السلطان غياث الدين الغوري «96» صاحب الشجاعة المأثورة والتأييد والسعادة، ظهر له من إنجاد الله تعالى وتأييده في موطنين اثنين ما يقضي منه العجب: احدهما عند ملاقاة جيشه للسلطان خليل الذي بغى عليه وكان منتهى امره حصوله أسيرا في يديه. والموطن الثاني عند ملاقاته بنفسه لمسعود سلطان الرافضة وكان منتهى أمره تبديده وفراره وذهاب ملكه وولى السلطان حسين الملك بعد أخيه المعروف بالحافظ وولى أخوه بعد أبيه غياث الدين «97» . حكاية الرافضة كان بخراسان رجلان: أحدهما يسمى بمسعود والآخر يسمى بمحمد وكان لهما خمسة من الأصحاب، وهم من الفتّاك ويعرفون بالعراق بالشطّار ويعرفون بخرسان بسرابدالان «98» ويعرفون بالمغرب بالصّقورة، فاتفق سبعتهم على الفساد وقطع الطرق وسلب

الأموال وشاع خبرهم وسكنوا جبلا منيعا بمقربة من مدينة بيهق وتسمى أيضا مدينة سبزار «99» ، وكانوا يكمنون بالنهار ويخرجون بالليل والعشى، فيضربون على القرى ويقطعون الطرق ويأخذون الأموال، وانثال عليهم أشباههم من أهل الشر والفساد فكثر عددهم واشتدّت شوكتهم وهابهم الناس وضربوا على مدينة بيهق فملكوها، ثم ملكوا سواها من المدن واكتسبوا الأموال وجنّدوا الجنود، وركبوا الخيل وتسمى مسعود بالسلطان وصار العبيد يفرّون عن مواليهم إليه، فكلّ عبد فرّ منهم يعطيه الفرس والمال، وان ظهرت له شجاعة أمره على جماعة، فعظم جيشه واستفحل أمره وتمذهب جميعهم بمذهب الرفض وطمحوا إلى استيصال أهل السنة بخراسان وأن يجعلوها كلمة واحدة رافضيّة. وكان «100» بمشهد طوس شيخ من الرافضة يسمى بحسن «101» ، وهو عندهم من الصلحاء فوافقهم على ذلك وسمّوه بالخليفة، وأمرهم بالعدل فأظهروه حتى كانت الدراهم والدّنانير تسقط في معسكرهم فلا يلتقطها أحد حتى يأتي ربّها فيأخذها! وغلبوا على نيسابور. وبعث إليهم السلطان طغتيمور بالعساكر فهزموها ثم بعث إليهم نائبه أرغون شاه «102» فهزموه وأسروه ومنّوا عليه، ثم غزاهم طغيتمور بنفسه في خمسين ألفا من التتر

فهزموه وملكوا البلاد وتغلّبوا على سرخس والزاوه وطوس، وهي من أعظم بلاد خراسان وجعلوا خليفتهم بمشهد علي بن موسى الرّضى «103» ، وتغلبوا على مدينة الجام، ونزلوا بخارجها وهم قاصدون مدينة هرات، وبينها وبينهم مسيرة ستّ. فلما بلغ ذلك الملك حسينا جمع الأمراء والعساكر وأهل المدينة واستشارهم: هل يقيمون حتّى يأتي القوم أو يمضون إليهم فيناجزونهم، فوقع إجماعهم على الخروج اليهم وهم قبيلة واحدة يسمون الغورية، ويقال: إنهم منسوبون إلى غور الشام، وأن أصلهم منه «104» ، فتجهزوا أجمعون واجتمعوا من أطراف البلاد وهم ساكنون بالقرى وبصحراء مرغيس «105» ، وهي مسيرة أربع لا يزال عشبها أخضر ترعى منه ماشيتهم وخيلهم، وأكثر شجرها الفستق ومنها يحمل إلى أرض العراق، وعضدهم أهل مدينة سمنان «106» ، ونفروا جميعا إلى الرافضة وهم مائة وعشرون ألفا ما بين رجّالة وفرسان، ويقودهم الملك حسين، واجتمعت الرافضة في مائة وخمسين ألفا من الفرسان، وكانت الملاقاة بصحراء بوشنج «107» ، وصبر

حكاية [منكر بدار الملك]

الفريقان معا ثم كانت الدائرة على الرافضة، وفر سلطانهم مسعود، وثبت خليفتهم حسن في عشرين ألفا حتى قتل وقتل أكثرهم وأسر منهم نحو أربعة آلاف «108» . وذكر لي بعض من حضر هذه الوقيعة أن ابتداء القتال كان في وقت الضّحى وكانت الهزيمة عند الزوال، ونزل الملك حسين بعد الظهر فصلى. وأتي بالطعام، فكان هو وكبراء أصحابه يأكلون وسائرهم يضربون أعناق الأسرى، وعاد إلى حضرته بعد هذا الفتح العظيم، وقد نصّر الله السنّة على يديه وأطفأ نار الفتنة. وكانت هذه الوقيعة بعد خروجي من الهند عام ثمانية وأربعين «109» . ونشأ بهرات رجل من الزهاد الصلحاء الفضلاء، واسمه نظام الدين مولانا «110» وكان أهل هرات يحبونه ويرجعون إلى قوله وكان يعظهم ويذكّرهم وتوافقوا معه على تغيير المنكر وتعاقد معهم على ذلك خطيب المدينة المعروف بملك ورنا، وهو ابن عم الملك حسين ومتزوج بزوجة والده، وهو من أحسن الناس صورة وسيرة، والملك يخافه على نفسه وسنذكر خبره وكانوا متى علموا بمنكر ولو كان عند الملك غيّروه. حكاية [منكر بدار الملك] ذكر لي أنهم تعرّفوا يوما أن بدار الملك حسين منكرا فاجتمعوا لتغييره وتحصّن منهم بداخل داره، فاجتمعوا على الباب في ستة آلاف رجل فخاف منهم، فاستحضر الفقيه وكبار البلد وكان قد شرب الخمر فأقاموا عليه الحدّ بداخل قصره وانصرفوا عنه!

حكاية هي سبب قتل الفقيه نظام الدين المذكور

حكاية هي سبب قتل الفقيه نظام الدين المذكور كانت الأتراك المجاورون لمدينة هرات الساكنون بالصحراء وملكهم طغيتمور، الذي مر ذكره، وهم نحو خمسين ألفا يخافهم الملك حسين ويهدي لهم الهدايا في كلّ سنة ويداريهم وذلك قبل هزيمته للرّافضة، وأما بعد هزيمته للرافضة فتغلب عليهم، ومن عادة هؤلاء الأتراك التردّد إلى مدينة هرات، وربما شربوا بها الخمر وأتاهم بعضهم وهو سكران فكان نظام الدّين يحد من وجد منهم سكرانا. وهؤلاء الأتراك أهل نجدة وبأس ولا يزالون يضربون على بلاد الهند فيسبون ويقتلون، وربما سبوا بعض المسلمات اللاتي يكنّ بأرض الهند ما بين الكفار، فإذا خرجوا بهنّ إلى خراسان يطلق نظام الدين المسلمات من أيدي التّرك، وعلامة النسوة المسلمات بأرض الهند ترك ثقب الأذن! والكافرات أذانهن مثقوبات، فاتفق مرة أن أميرا من أمراء الترك يسمّى تمور الطي سبى امرءة وكلف بها كلفا شديدا فذكرت أنها مسلمة، فانتزعها الفقيه من يده، فبلغ ذلك من التركي مبلغا عظيما وركب في آلاف من أصحابه وأغار على خيل هرات وهي في مراعاها بصحراء مرغيس واحتملوها فلم يتركوا لأهل هرات ما يركبون ولا يحلبون، وصعدوا بها إلى جبل هنالك، فبعث إليهم رسولا يطلب منهم ردّ ما أخذوه من الماشية والخيل ويذكّرهم العهد الذي بينهم، فأجابوا بأنهم لا يردّون ذلك حتى يمكّنوا من الفقيه نظام الدين، فقال السلطان: لا سبيل إلى هذا!! وكان الشيخ أبو أحمد الجشتي حفيد الشيخ مودود الجشتي «111» ، له بخراسان شأن عظيم وقوله معتبر لديهم، فركب في جماعة خيل من أصحابه ومماليكه، فقال: أنا أحمل الفقيه نظام الدين معي إلى الترك ليرضوا بذلك، ثم أردّه، فكأنّ الناس مالوا إلى قوله، ورأى الفقيه نظام الدين اتّفاقهم على ذلك فركب مع الشيخ أبي أحمد ووصل إلى الترك فقام إليه الأمير تمور الطي، وقال له: أنت أخذت امرأتي منّي، وضربه بدبوسه فكسر دماغه فخرّ ميّتا! فسقط في أيدي الشيخ أبي أحمد وانصرف من هنالك إلى بلده وردّ الترك ما كانوا أخذوه من الخيل والماشية!!

وبعد مدة قدم ذلك التركي الذي قتل الفقيه على مدينة هرات فلقيه جماعة من أصحاب الفقيه فتقدموا إليه كأنّهم مسلمون عليه وتحت ثيابهم السيوف فقتلوه وفرّ أصحابه!! ولما كان بعد هذا بعث الملك حسين ابن عمه ملك ورنا الذي كان رفيق الفقيه نظام الدين في تغيير المنكر رسولا إلى ملك سجستان «112» فلما حصل بها بعث إليه أن يقيم هنالك ولا يعود إليه فقصد بلاد الهند ولقيته وأنا خارج منها بمدينة سيوستان من السند «113» . وهو أحد الفضلاء وفي طبعه حبّ الرياسة والصيد والبزاة والخيل والمماليك والأصحاب واللباس الملوكي الفاخر، ومن كان على هذا الترتيب فإنه لا يصلح حاله بأرض الهند، فكان من أمره أن ملك الهند ولّاه بلدا صغيرا وقتله به بعض أهل هرات المقيمين بالهند! بسبب جارية، وقيل إن ملك الهند دس عليه من قتله بسعي الملك حسين في ذلك ولأجله خدم الملك حسين ملك الهند وأعطاه مدينة بكّار «114» من بلاد السند ومجباها خمسون ألفا من دنانير الذهب في كل سنة. ولنعد إلى ما كنا بسبيله فنقول: سافرنا من هرات إلى مدينة الجام «115» ، وهي متوسطة حسنة، ذات بساتين وأشجار وعيون كثيرة وأنهار، وأكثر شجرها التوت، والحرير بها كثير، وهي تنسب إلى الولي العابد الزاهد شهاب الدين أحمد الجام «116» ، وسنذكر حكايته، وحفيده الشيخ أحمد المعروف بزاده الذي قتله ملك الهند، والمدينة الآن لأولاده، وهي محرّرة من قبل السلطان، ولهم بها نعمة وثروة.

حكاية الشيخ شهاب الدين الذي تنسب إليه مدينة الجام

وذكر لي من أثق به أنّ السلطان أبا سعيد ملك العراق قدم خراسان مرة ونزل على هذه المدينة وبها زاوية الشيخ، فأضافه ضيافة عظيمة وأعطى لكل خباء بمحلته رأس غنم، ولكل أربعة رجال رأس غنم، ولكل دابة بالمحلة من فرس وبغل وحمار علف ليلة فلم يبق في المحلة حيوان إلا وصلته ضيافة. حكاية الشيخ شهاب الدين الذي تنسب إليه مدينة الجام يذكر أنه كان صاحب راحة مكثرا من الشّرب، وكان له من الندماء نحو ستين وكانت لهم عادة أن يجتمعوا يوما في منزل كل واحد منهم فتدور النّوبة على أحدهم بعد شهرين، وبقوا على ذلك مدة، ثم إنّ النوبة وصلت يوما إلى الشيخ شهاب الدين فعقد التوبة ليلة النوبة، وعزم على إصلاح حاله مع ربّه، وقال في نفسه: إن قلت لأصحابي إني قد تبت قبل اجتماعهم عندي ظنوا ذلك عجزا عن مؤنتهم، فأحضر ما كان يحضر مثله قبل من مأكول ومشروب، وجعل الخمر في الزقاق، وحضر أصحابه فلما أرادوا الشرب فتحوا زقّا فذاقه أحدهم فوجده حلوا، ثم فتحوا ثانيا فوجدوه كذلك، ثم ثالثا فوجدوه كذلك، فكلّموا الشيخ في ذلك فخرج لهم عن حقيقة أمره، وصدقهم سنّ بكره «117» ، وعرفهم بتوبته، وقال لهم: والله ما هذا إلا الشّراب الذي كنتم تشربونه في ما تقدم! وتابوا جميعا إلى الله تعالى، وبنوا تلك الزاوية وانقطعوا بها لعبادة الله تعالى، وظهر لهذا الشيخ كثير من الكرامات والمكاشفات. ثم سافرنا من الجام إلى مدينة طوس «118» وهي من أكبر بلاد خراسان وأعظمها، بلد الإمام الشهير أبي حامد الغزالي «119» رضي الله عنه، وبها قبره، ورحلنا منها إلى مدينة مشهد الرضا «120» وهو علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي

زين العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «121» رضي الله عنهم، وهي أيضا مدينة كبيرة ضخمة كثيرة الفواكه والمياه والأرحاء الطاحنة، وكان بها الطاهر محمد شاه والطاهر عندهم بمعنى النقيب عند أهل مصر والشام والعراق، وأهل الهند والسند وتركستان يقولون: السيد الأجل «122» . وكان أيضا بهذا المشهد القاضي الشريف جلال الدين لقيته بأرض الهند والشريف عليّ، وولداه أمير هندو ودولة شاه «123» وصحبوني من التّرمذ إلى بلاد الهند وكانوا من الفضلاء. والمشهد المكرم عليه قبّة عظيمة في داخل زاوية وتجاورها مدرسة ومسجد، وجميعها مليح البناء مصنوع الحيطان بالقاشاني، وعلى القبر دكانة خشب ملبّسة بصفائح الفضة، وعليه قناديل فضة معلقة، وعتبة باب القبة فضة وعلى بابها ستر حرير مذهب، وهي مبسوطة بأنواع البسط وإزاء هذا القبر قبر هارون الرشيد أمير المؤمنين «124» رضي الله عنه وعليه دكانة يضعون عليها الشمعدانات، التي يعرفها أهل المغرب بالحسك، والمنائر، وإذا دخل الرافضي للزيارة ضرب قبر الرشيد برجله وسلّم على الرضا!! ثم سافرنا رى مدينة سرخس «125» وإليها ينسب الشيخ الصالح لقمان السرخسي «126» رضي الله عنه.

ثم سافرنا منها إلى مدينة زاوة «127» ، وهي مدينة الشيخ الصالح قطب الدين حيدر «128» ، وإليه تنتسب طائفة الحيدرية من الفقراء، وهم الذين يجعلون حلق الحديد في أيديهم وأعناقهم وآذانهم ويجعلونها أيضا في ذكورهم حتى لا يتأتى لهم النكاح!! ثم رحلنا منها فوصلنا إلى مدينة نيسابور «129» ، وهي إحدى المدن الأربع التي هي قواعد خراسان ويقال لها دمشق الصغيرة لكثرة فواكهها وبساتينها ومياهها وحسنها وتخترقها أربعة من الأنهار، وأسواقها حسنة متّسعة ومسجدها بديع وهو في وسط السوق ويليه أربع من المدارس يجري بها الماء الغزير، وفيها من الطلبة خلق كثير يقرءون القرآن والفقه وهي من حسان مدارس تلك البلاد. ومدارس خراسان والعراقين ودمشق وبغداد ومصر، وإن بلغت الغاية من الإتقان والحسن فكلها تقصر عن المدرسة التي عمّرها مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله المجاهد في سبيل الله عالم الملوك وواسطة عقد الخلفاء العادلين أبو عنان وصل الله سعده ونصر

كرامة له

جنده وهي التي عند القصبة من حضرة فاس حرسها الله تعالى فإنها لا نظير لها سعة وارتفاعا، ونقش الجص بها لا قدرة لأهل المشرق عليه «130» ويصنع بنيسابور ثياب «131» الحرير من النخ والكمخاء وغيرها، وتحمل منها إلى الهند، وفي هذه المدينة زاوية الشيخ الإمام العالم القطب العابد قطب الدين النيسابوري أحد الوعاظ العلماء الصالحين، نزلت عنده فأحسن القرى وأكرم، ورأيت له البراهين والكرامات العجيبة. كرامة له كنت قد اشتريت بنيسابور غلاما تركيّا فرآه معي، فقال لي: هذا الغلام لا يصلح لك فبعه، فقلت له: نعم، وبعث الغلام في غد ذلك اليوم، واشتراه بعض التجار، ووادعت الشيخ وانصرفت، فلما حللت بمدينة بسطام كتب إلي بعض أصحابي من نيسابور وذكر أنّ الغلام المذكور قتل بعض أولاد الأتراك وقتل به! وهذه كرامة واضحة لهذا الشيخ رضي الله عنه «132» . وسافرت من نيسابور إلى مدينة بسطام «133» التي ينسب إليها الشيخ العارف أبو

يزيد البسطامي 13» الشهير رضي الله عنه، وبهذه المدينة قبره ومعه في قبة واحدة أحد أولاد جعفر الصادق «135» رضي الله عنه، وببسطام أيضا قبر الشيخ الصالح الولي أبي الحسن الخرقاني. وكان «136» نزولي من هذه المدينة بزاوية الشيخ أبي زيد البسطامي، رضي الله عنه ثم سافرت من هذه المدينة على طريق هند خير «137» إلى قندوس «138» وبغلان «139» ، وهي

قرى فيها مشايخ وصالحون، وبها البساتين والأنهار فنزلنا بقندوس على نهر ماء به زاوية لأحد شيوخ الفقراء من أهل مصر، يسمّى بشير سيّاه ومعنى ذلك الأسد الأسود، وأضافنا بها والي تلك الأرض، وهو من أهل الموصل، وسكناه ببستان عظيم هنالك، وأقمنا بخارج هذه القرية نحو أربعين يوما لرعي الجمال والخيل، وبها مراعي طيبة وأعشاب كثيرة، والأمن بها شامل بسبب شدة أحكام الامير بزنطيه «140» ، وقد قدمنا أن أحكام الترك في من سرق فرسا أن يعطي معه تسعة مثله، فإن لم يجد ذلك أخذ فيها أولاده، فإن لم يكن له أولاده ذبح ذبح الشاة! والناس يتركون دوابّهم مهملة دون راع بعد أن يسم كلّ واحد دوابه في أفخاذها، وكذلك فعلنا في هذه البلاد! واتفق أن تفقدنا خيلنا بعد عشر من نزولنا بها، ففقدنا منها ثلاثة أفراس، ولما كان بعض نصف شهر جاءنا التتر بها إلى منزلنا، خوفا على أنفسهم من الأحكام. وكنا نربط في كل ليلة إزاء أخبيتنا فرسين لما عسى أن يقع بالليل، ففقدنا الفرسين ذات ليلة، وسافرنا من هنالك، وبعد اثنتين وعشرين ليلة جاءوا بهما إلينا في أثناء طريقنا. وكان أيضا من أسباب إقامتنا خوف الثلج، فإن بأثناء الطريق جبلا يقال له هندوكوش «141» ومعناه قاتل الهنود، لأنّ العبيد والجواري الذين يوتي بهم من بلاد الهند يموت هنالك الكثير منهم لشدّة البرد وكثرة الثلج، وهو مسيرة يوم كامل، وأقمنا حتى تمكّن دخول الحرّ «142» ، وقطعنا ذلك الجبل من آخر الليل وسلكنا به جميع نهارنا إلى الغروب، وكنا نضع اللبود بين أيدي الجمال وتطأ عليها لئلا تغرق في الثلج! ثم سافرنا إلى موضع يعرف بأندر «143» ، وكانت هنالك فيما تقدم مدينة عفى رسمها،

ونزلنا عنده وأكرمنا، وكان متى غسلنا أيدينا من الطعام يشرب الماء الذي غسلناها به لحسن اعتقاده وفضله، وسافر معنا إلى أن صعدنا جبل هندوكوش المذكور ووجدنا بهذا الجبل عين ماء حارة فغسلنا منها وجوهنا فتقشرت وتألّمنا لذلك! ثم نزلنا بموضع يعرف ببنج هير «144» ، ومعنى بنج خمسة، وهير الجبل، فمعناه خمسة جبال، وكانت هنالك مدينة حسنة كثيرة العمارة على نهر عظيم أزرق كأنه بحر ينزل من جبال بدخشان، وبهذه الجبال يوجد الياقوت الذي يعرفه الناس بالبلخش، وخرب هذه البلاد تنكيز ملك التتر فلم تعمر بعد، وبهذه المدينة مزار الشيخ سعيد المكي وهو معظّم عندهم. ووصلنا إلى جبل بشاي «145» ، وضبطه بفتح الباء المعقودة والشين المعجم وألف وباء ساكنة، وبه زاوية الشيخ الصالح أطا أولياء، وأطا بفتح الهمزة معناه بالتركية الاب، وأولياء باللسان العربي، فمعناه أبو الأولياء، ويسمّى أيضا سيصد صاله. وسيصد بسين مهمل مكسورة وياء مد وصاد مهمل مفتوح ودال مهمل ومعناه بالفارسية ثلاثمائة، وصاله بفتح الصاد المهمل واللام معناه عام، وهم يذكرون أن عمره ثلاثمائة وخمسون عاما ولهم فيه اعتقاد حسن وياتون لزيارته من البلاد والقرى ويقصده السلاطين والخواتين، وأكرمنا وأضافنا، ونزلنا على نهر عند زاويته، ودخلنا إليه فسلّمت عليه وعانقني وجسمه رطب لم أر ألين منه، ويظنّ رائيه أن عمره خمسون سنة، وذكر لي أنه في كلّ مايه سنة ينبت له الشعر والأسنان، وأنه رأى أبارهم الذي قبره بملتان من السند وسألته عن رواية حديث، فأخبرني بحكايات وشككت في حاله والله أعلم بصدقه. ثم سافرنا إلى برون «146» ، وضبطها بفتح الباء المعقودة وسكون الراء وفتح الواو وآخرها نون، وفيها لقيت الأمير برنطيه، وضبط اسمه بضم الباء وضم الراء وسكون النون

وفتح الطاء المهمل وياء آخر الحروف مسكّن وهاء، وأحسن إليّ وأكرمني. وكتب إلى نوابه بمدينة غزنة في إكرامي، وقد تقدم ذكره وذكر ما أعطي من البسطة في الجسم، وكان عنده جماعة من المشايخ والفقراء أهل الزوايا. ثم سافرنا إلى قرية الجرخ، وضبط اسمها بفتح الجيم المعقود وإسكان الراء وخاء معجم، وهي كبيرة لها بساتين كثيرة، وفواكهها طيبة «147» قدمناها في أيام الصيف ووجدنا بها جماعة من الفقراء والطلبة، وصلّينا بها الجمعة وأضافنا أميرها محمد الجرخي، ولقيته بعد ذلك بالهند ثم سافرنا إلى مدينة غزنة «148» ، وهي بلد السلطان المجاهد محمود بن سبكتكين الشهير الاسم، وكان من كبار السلاطين يلقب يمين الدولة، وكان كثير الغزو إلى بلاد الهند وفتح بها المدائن والحصون، وقبره بهذه المدينة، عليه زاوية، وقد خرب معظم هذه البلدة ولم يبق منها إلا يسير، وكانت كبيرة وهي شديدة البرد، والساكنون بها يخرجون عنها أيام البرد إلى مدينة القندهار «149» . وهي كبيرة مخصبة ولم أدخلها وبينهما مسيرة ثلاث.

ونزلنا بخارج غزنة في قرية هنالك على نهر ماء تحت قلعتها وأكرمنا أميرها مرذك أغا «150» ، ومرذك بفتح الميم وسكون الراء وفتح الذال المعجم ومعناه الصغير، وأغا بفتح الهمزة والغين المعجم ومعناه الكبير الأصل، ثم سافرنا «151» إلى كابل وكانت فيما سلف مدينة عظيمة «152» ، وبها الآن قرية يسكنها طائفة من الأعاجم يقال لهم الأفغان، ولهم جبال وشعاب، وشوكة قوية، وأكثرهم قطّاع الطريق، وجبلهم الكبير يسمى كوه سليمان «153» ، ويذكر أن نبي الله سليمان عليه السلام صعد ذلك الجبل، فنظر إلى أرض الهند وهي مظلمة فرجع ولم يدخلها فسمي الجبل به، وفيه يسكن ملك الأفغان. وبكابل زاوية الشيخ إسماعيل الأفغاني «154» تلميذ الشيخ عبّاس من كبار الأولياء، ومنها رحلنا إلى كرماش «155» ، وهي حصين بين جبلين تقطع به الأفغان، وكنا حين جوازنا عليه، نقاتلهم وهم بسفح الجبل ونرميهم بالنّشاب فيفرون، وكانت رفقتنا مخفّة، ومعهم نحو أربعة آلاف فرس، وكانت لي جمال انقطعت عن القافلة لأجلها، ومعي جماعة بعضهم من الأفغان، وطرحنا بعض الزاد، وتركنا أحمال الجمال التي أعيت بالطريق، وعادت إليها خيلنا بالغد فاحتملتها.

ووصلنا إلى القافلة بعد العشاء الآخرة فبتنا بمنزل ششنغار «156» ، وهي آخر العمارة مما يلي بلاد الترك. ومن هنالك دخلنا البرية الكبرى وهي مسيرة خمس عشرة «157» ، لا تدخل إلّا في فصل واحد وهو بعد نزول المطر بأرض السند والهند وذلك في أوائل شهر يوليه، وتهب في هذه البرية ريح السموم القاتلة التي تعفّن الجسوم حتى أن الرجل إذا مات تفسخ أعضاؤه، وقد ذكرنا أن هذه الريح تهبّ أيضا في البرية بين هرمز وشيراز. «158» وكانت تقدمت أمامنا رفقة كبيرة فيها خذاوند زاده قاضي التّرمذ فمات لهم جمال وخيل كثيرة، ووصلت رفقتنا سالمة بحمد الله تعالى إلى بنج آب «159» ، وهو ماء السند، وبنج بفتح الباء الموحدة وسكون النون والجيم ومعناه الماء، فمعنى ذلك الأودية الخمسة، وهي تصبّ في النهر الأعظم وتسقي تلك النواحي وسنذكرها إن شاء الله تعالى. وكان وصولنا لهذا النهر سلخ ذي الحجة، واستهل علينا تلك الليلة هلال المحرم من عام أربعة وثلاثين وسبعمائة، «160» ومن هنالك كتب المخبرون بخبرنا إلى أرض الهند وعرّفوا ملكها بكيفية أحوالنا. وهاهنا ينتهي بنا الكلام في هذا السفر والحمد لله رب العالمين.

الفصل العاشر الطريق إلى دهلي

الفصل العاشر الطريق إلى دهلي الوصول إلى بنج آب من بنج آب إلى سيوستان مدينة سيوستان من سيوستان إلى ملتان من ملتان إلى أبوهر الزراعة في الهند من أبوهر إلى أجودهن من أجودهن إلى دهلي

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه [مقدمة] قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن ابراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة رحمه الله «1» : ولما كان بتاريخ الغرّة من شهر الله المحرم مفتتح عام أربعة وثلاثين وسبعمائة وصلنا إلى وادي السند المعروف ببنج آب «2» ، ومعنى ذلك: المياه الخمسة، وهذا الوادي من أعظم أودية الدنيا وهو يفيض في أوان الحرّ فيزرع أهل تلك البلاد على فيضه كما يفعل أهل الديار المصرية في فيض النيل، وهذا الوادي هو أول عمالة السلطان المعظّم محمد شاه ملك الهند والسند، ولما وصلنا إلى هذا النهر جاء إلينا أصحاب الأخبار الموكّلون بذلك وكتبوا بخبرنا إلى قطب الملك أمير مدينة ملتان وكان أمير أمراء السند على هذا العهد مملوك السلطان يسمى سرتيز، وهو عرض المماليك، وبين يديه تعرض عساكر السلطان، ومعنى اسمه: الحادّ الرأس، لأن سر بفتح السين المهملة وسكون الراء وهو الرأس، وتيز بتاء معلوة وياء مدّ وزاي معناه: الحادّ، وكان في حين قدومنا بمدينة سيوستان من السند، وبينها وبين ملتان مسيرة

ذكر البريد

عشرة أيام، وبين بلاد السند وحضرة السلطان مدينة دهلي مسيرة خمسين يوما، وإذا كتب المخبرون إلى السلطان من بلاد السند يصل الكتاب إليه في خمسة أيام بسبب البريد ذكر البريد والبريد ببلاد الهند صنفان: فأما بريد الخيل فيسمون الولاق «3» بضم الواو وآخره قاف، وهو خيل تكون للسلطان في كل مسافة أربعة أميال، وأما بريد الرجّالة فيكون في مسافة الميل الواحد منه ثلاث رتب، ويسمونها الدّاوة «4» بالدال المهمل والواو، والدّاوة هي ثلث ميل، والميل عندهم يسمى الكروه «5» بضم الكاف والراء، وترتيب ذلك أن يكون في كلّ ثلث ميل قرية معمورة، ويكون بخارجها ثلاث قباب، يقعد فيها الرجال مستعدّين للحركة قد شدّوا أوساطهم، وعند كلّ واحد منهم مقرعة مقدار ذراعين بأعلاها جلاجل نحاس، فإذا خرج البريد من المدينة أخذ الكتاب بأعلى يده، والمقرعة ذات الجلاجل باليد الأخرى، وخرج يشتد بمنتهى جهده فإذا سمع الرجال الذين بالقباب صوت الجلاجل تأهبوا له، فإذا وصلهم أخذ أحدهم الكتاب من يده ومر بأقصى جهده وهو يحرك المقرعة حتى يصل إلى الدّاوة الأخرى ولا يزالون كذلك حتى يصل الكتاب إلى حيث يراد منه. وهذا البريد أسرع من بريد الخيل، وربما حملوا على هذا البريد الفواكه المستطرفة بالهند، من فواكه خراسان، يجعلونها في الأطباق ويشتدون بها حتى تصل إلى السلطان، وكذلك يحملون أيضا الكبار من ذوي الجنايات، يجعلون الرجل منهم على سرير ويرفعونه فوق رؤوسهم ويسيرون به شدا، وكذلك يحملون الماء لشرب السلطان إذا كان بدولة أباد، يحملونه من نهر الكنك الذي تحجّ الهنود إليه. وهو على مسيرة أربعين يوما منها، وإذا كتب المخبرون إلى السلطان بخبر من يصل إلى بلاده، استوعبوا الكتاب وأمعنوا في ذلك وعرّفوه أنه ورد رجل صورته كذا، ولباسه كذا، وكتبوا عدد أصحابه وغلمانه وخدامه ودوابه وترتيب حاله في حركته وسكونه، وجميع تصرفاته لا يغادرون من ذلك كلّه شيئا، فإذا وصل الوارد إلى مدينة ملتان وهي قاعدة بلاد

ذكر الكركدن

السند أقام بها حتى ينفذ أمر السلطان بقدومه، وما يجرى له من الضيافة وإنما يكرم الإنسان على قدر ما يظهر من أفعاله وتصرفاته وهمته إذ لا يعرف هنالك، ما حسبه ولا آباؤه. ومن عادة ملك الهند السلطان أبي المجاهد محمد شاه إكرام الغرباء ومحبتهم وتخصيصهم بالولايات والمراتب الرفيعة، ومعظم خواصه وحجابه ووزرائه وقضاته وأصهاره غرباء، ونفّذ أمره بأن يسمى الغرباء في بلاده بالأعزّة «6» ، فصار لهم ذلك اسما علما، ولا بدّ لكّل قادم على هذا الملك من هدية يهديها إليه، ويقدمها وسيلة بين يديه، فيكافيه السلطان عليها بأضعاف مضاعفة، وسيمرّ من ذكر هدايا الغرباء إليه كثير. ولما تعوّد الناس ذلك منه صار التجار الذين ببلاد السند والهند يعطون لكل قادم على السلطان الآلاف من الدنانير دينا، ويجهّزونه بما يريد أن يهديه إليه أو يتصرف فيه لنفسه من الدوابّ للركوب والجمال والأمتعة ويخدمونه بأموالهم وأنفسهم، ويقفون بين يديه كالحشم، فإذا وصل السلطان أعطاه العطاء الجزيل فقضى ديونهم، ووفاهم حقوقهم، فنفقت تجارتهم، وكثرت أرباحهم، وصار لهم ذلك عادة مستمرة. ولما وصلت إلى بلاد السند سلكت ذلك المنهج واشتريت من التجار الخيل والجمال والمماليك وغير ذلك، ولقد اشتريت من تاجر عراقي من أهل تكريت يعرف بمحمد الدوري بمدينة غزنة نحو ثلاثين فرسا وجملا عليه حمل من النّشاب فإنه مما يهدى إلى السلطان، وذهب التاجر المذكور إلى خراسان، ثم عاد إلى الهند، وهنالك تقاضى مني ماله واستفاد بسببي فائدة عظيمة وعاد من كبار التجار، ولقيته بمدينة حلب بعد سنين كثيرة وقد سلبني الكفار مما كان بيدي فلم ألق منه خيرا. ذكر الكركدّن ولما أجزنا نهر السند المعروف ببنج آب دخلنا غيضة قصب لسلوك الطريق، لأنه في وسطها، فخرج علينا الكركدن، وصورته أنه حيوان أسود اللون، عظيم الجرم رأسه كبير،

متفاوت الضخامة، ولذلك يضرب به المثل فيقال: الكركدن، رأس بلا بدن، وهو دون الفيل، ورأسه أكبر من رأس الفيل بأضعاف، وله قرن واحد، بين عينيه، طوله نحو ثلاثة أذرع، وعرضه نحو شبر، ولما خرج علينا عارضه بعض الفرسان في طريقه، فضرب الفرس الذي كان تحته بقرنه فأنفذ فخذه وصرعه، وعاد إلى الغيضة، فلم نقدر عليه! وقد رأيت الكركدن مرة ثانية في هذه الطريق بعد صلاة العصر وهو يرعى نبات الأرض، فلما قصدناه هرب منا، ورأيته مرة أخرى ونحن مع ملك الهند، دخلنا غيضة قصب، وركب السلطان على الفيل وركبنا معه الفيلة، ودخلت الرّجالة والفرسان فأثاروه وقتلوه واستاقوا رأسه إلى المحلة. وسرنا من نهر السّند يومين، ووصلنا إلى مدينة جناني «7» ، وضبط اسمها بفتح الجيم والنون الأولى وكسر الثانية، مدينة كبيرة حسنة على ساحل نهر السند لها أسواق مليحة، وسكانها طائفة يقال لهم: السّامرة «8» ، استوطنوها قديما واستقر بها أسلافهم، حين فتحها على أيام الحجاج بن يوسف حسبما أثبت المؤرخون في فتح السند، وأخبرني الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد العابد ركن الدين بن الشيخ الفقيه الصالح شمس الدين بن الشيخ الإمام العابد الزاهد بهاء الدّين زكرياء «9» القرشي، وهو أحد الثلاثة الذين أخبرني الشيخ الولي الصالح برهان الدين الأعرج بمدينة الإسكندرية أني سألقاهم في رحلتي فلقيتهم، والحمد لله أن جدّه الأعلى كان يسمى بمحمد بن قاسم القرشي «10» ، وشهد فتح السند في العسكر الذي بعثه لذلك الحجاج بن يوسف أيام إمارته على العراق وأقام بها وتكاثرت ذرّيته.

وهؤلاء الطائفة المعروفون بالسامرة لا يأكلون مع أحد ولا ينظر إليهم أحد حين يأكلون ولا يصاهرون أحدا من غيرهم ولا يصاهر إليهم أحد وكان لهم في هذا العهد أمير يسمى ونار بضم الواو وفتح النون، وسنذكر خبره. ثم سافرنا من مدينة جناني إلى أن وصلنا إلى مدينة سيوستان «11» ، وضبط اسمها بكسر السين الأول المهمل وياء مد وواو مفتوح وسين مكسور وتاء معلوة وآخره نون، وهي مدينة كبيرة وخارجها صحراء ورمال، ولا شجر بها إلا شجر أم غيلان، ولا يزرع على نهرها شيء ما عدا البطيخ، وطعامهم الذرة والجلبّان، ويسمونه المشنك «12» ، بميم وشين معجم مضمومين ونون مسكن، ومنه يصنعون الخبز، وهي كثيرة السمك والألبان الجاموسية، وأهلها يأكلون السّقنقور وهي دوبيّة شبيهة بأم جبين التي يسميها المغاربة حنيشة الجنّة إلا أنها لا ذنب لها، ورأيتهم يحفرون الرمل ويستخرجونها منه، ويشقون بطنها ويرمون بما فيه، ويحشونه بالكركم، وهم يسمونه زردشوبة «13» ، ومعناه العود الأصفر، وهو عندهم، عوض الزعفران، ولما رأيت تلك الدّويبة، وهم يأكلونها، استقذرتها فلم آكلها! ودخلنا هذه المدينة في احتدام القيظ، وحرّها شديد «14» ، فكان أصحابي يقعدون عريانين، يجعل أحدهم فوطة على وسطه، وفوطة على كتفيه مبلولة بالماء فما يمضي اليسير من الزمان حتى تيبس تلك الفوطة فيبلها مرة أخرى، وهكذا أبدا. ولقيت بهذه المدينة خطيبها المعروف بالشيباني وأراني كتاب أمير المؤمنين الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لجدّه الأعلى بخطابة هذه المدينة، وهم يتوارثونها من ذلك العهد إلى الآن ونص الكتاب: هذا ما أمر به عبد الله أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز لفلان

* حكاية [الجلود المصلوبة] :

وتاريخه سنة تسع وتسعين «15» ، وعليه مكتوب بخط أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز: الحمد لله وحده «16» ، على ما أخبرني الخطيب المذكور. ولقيت بها أيضا الشيخ المعمّر محمد البغدادي، وهو بالزاوية التي على قبر الشيخ الصالح عثمان المرندي وذكر أن عمره يزيد على مائة وأربعين سنة، وأنه حضر لقتل المستعصم بالله آخر خلفاء بني العباس رضي الله عنهم لما قتله الكافر هلاون بن تنكيز التّتري، وهذا الشيخ على كبر سنه قوي الجثّة يتصرف على قدميه. * حكاية [الجلود المصلوبة] : كان يسكن بهذه المدينة الأمير ونار السامري الذي تقدم والأمير قيصر الرّومي، وهما في خدمة السلطان ومعهما نحو ألف وثمانمائة فارس، وكان يسكن بها كافر من الهنود اسمه رتن، بفتح الراء وبفتح التاء المعلوة والنون، وهومن الحذّاق بالحساب والكتابة، فوفد على ملك الهند مع بعض الأمراء فاستحسنه السلطان وسماه عظيم السند، وولاه بتلك البلاد وأقطعه سيوستان وأعمالها، وأعطاه المراتب، وهي الأطبال والعلامات كما يعطي كبار الأمراء. فلما وصل إلى تلك البلاد عظم على ونار وقيصر وغيرهما تقديم الكافر عليهم فأجمعوا على قتله. فلما كان بعد أيام من قدومه أشاروا عليه بالخروج إلى أحواز المدينة ليتطلّع على أمورها فخرج معهم، فلما جنّ الليل أقاموا ضجة بالمحلة «17» وزعموا أن السبع ضرب عليها، وقصدوا مضرب الكافر، فقتلوه وعادوا إلى المدينة، فأخذوا ما كان بها من مال

ذكر السفر في نهر السند وترتيب ذلك

السلطان وذلك اثنا عشر لكا، واللّك: مائة ألف دينار، وصرف اللّك عشرة آلاف دينار من ذهب الهند، وصرف الدينار الهندي ديناران ونصف دينار من ذهب المغرب «18» ، وقدّموا على أنفسهم ونار المذكور، وسموه ملك فيروز، وقسم الأموال على العسكر، ثم خاف على نفسه لبعده عن قبيلته، وقدم الباقون من العسكر على أنفسهم قيصر الرومي. واتصل خبرهم بعماد الملك سرتيز مملوك السلطان، وهو يومئذ أمير أمراء السند، وسكناه بملتان، فجمع العساكر وتجهز في البر وفي نهر السند، وبين ملتان وسيوستان عشرة أيام، وخرج إليه قيصر فوقع اللقاء، وانهزم قيصر، ومن معه أشنع هزيمة وتحصنوا بالمدينة، فحصرهم ونصب المجانيق عليهم واشتد الحصار، فطلبوا الأمان بعد أربعين يوما من نزوله عليهم، فأعطاهم الأمان، فلما نزلوا إليه غدرهم وأخذ أموالهم وأمر بقتلهم، فكان كل يوم يضرب أعناق بعضهم، ويوسّط بعضهم، ويسلخ آخرين منهم، ويملأ جلودهم تبنا ويعلقها على السور فكان معظمه عليه تلك الجلود مصلوبة ترعب من ينظر إليها، وجمع رؤوسهم في وسط المدينة فكانت مثل التل هنالك! ونزلت بتلك المدينة إثر هذه الوقيعة بمدرسة فيها كبيرة، وكنت أنام على سطحها فإذا استيقظت من الليل أرى تلك الجلود المصلوبة فتشمئز النفس منها، ولم تطب نفسي بالسكنى بالمدرسة، فانتقلت عنها، وكان الفقيه الفاضل العادل علاء الملك الخراساني المعروف بفصيح الدين قاضي هراة في متقدم التاريخ، قد وفد على ملك الهند فولاه مدينة لاهري وأعمالها من بلاد السند، وحضر هذه الحركة مع عماد الملك سرتيز بمن معه من العساكر فعزمت على السفر معه إلى المدينة لاهري وكان له خمسة عشر مركبا قدم بها في نهر السند تحمل أثقاله فسافرت معه. ذكر السفر في نهر السند وترتيب ذلك وكان للفقيه علاء الملك في جملة مراكبه مركب يعرف بالأهورة، بفتح الهمزة والهاء وسكون الواو وفتح الراء، وهي نوع من الطريدة عندنا، إلا أنها أوسع منها وأقصر «19» ،

وعلى نصفها معرّش من خشب يصعد له على درج، وفوقه مجلس مهيأ لجلوس الأمير ويجلس أصحابه بين يديه ويقف المماليك يمنة ويسرة والرجال يقذّفون وهم نحو أربعين، ويكون من هذه الأهورة أربعة من المراكب عن يمينها ويسارها اثنان منها فيها مراتب الأمير، وهي العلامات والطبول والأبواق والأنفار والصّرنايات، وهي الغيطات، والآخران فيهما أهل الطرب، فتضرب الطبول والأبواق نوبة، ويغني المغنون نوبة، ولا يزالون كذلك من أول النهار إلى وقت الغداء. فإذا كان وقت الغداء انضمّت المراكب واتصل بعضها ببعض ووضعت بينهما الإصقالات «20» وأتى أهل الطرب إلى أهورة الأمير فيغنون إلى أن يفرغ من أكله، ثم ياكلون، وإذا انقضى الأكل عادوا إلى مركبهم، وشرعوا أيضا في المسير على ترتيبهم إلى الليل، فإذا كان الليل ضربت المحلة على شاطىء النهر ونزل الأمير إلى مضاربه، ومدّ السّماط وحضر الطعام معظم العسكر، فإذا صلوا العشاء الأخيرة سمر السمّار بالليل نوبا، فإذا أتم أهل النوبة من نوبتهم نادى مناد منهم بصوت عال: يا خوند ملك، قد مضى من الليل كذا من الساعات، ثم يسمر أهل النوبة الأخرى فإذا أتموه نادى مناديهم أيضا معلما بما مرّ من الساعات، فإذا كان الصبح ضربت الأبواق والطبول وصليت صلاة الصبح وأتي بالطعام، فإذا فرغ الأكل أخذوا في المسير، فإن أراد الأمير ركوب النهر ركب على ما ذكرناه من الترتيب، وإن أراد المسير في البرّ ضربت الأطبال والأبواق وتقدم حجابه ثم تلاهم المشّاؤون بين يديه، ويكون بين أيدي الحجاب ستة من الفرسان عند ثلاثة منهم أطبال قد تقلدوها وعند ثلاثة صرّنايات فإذا أقبلوا على قرية أو ما هو من الأرض مرتفع ضربوا تلك الأطبال والصّرنايات، ثم تضرب أطبال العسكر وأبواقه، ويكون عن يمين الحجّاب ويسارهم المغنون ويغنون نوبا، فإذا كان وقت الغداء نزلوا. وسافرت مع علاء الملك خمسة أيام، ووصلنا إلى موضع ولايته وهو مدينة لاهري،

ذكر غريبة رأيتها بخارج هذه المدينة.

وضبط اسمها بفتح الهاء وكسر الراء، مدينة حسنة على ساحل البحر الكبير «21» ، وبها يصب نهر السند في البحر فيلتقي بها بحران، ولها مرسى عظيم يأتي إليه أهل اليمن وأهل فارس وغيرهم، وبذلك عظمت جباياتها، وكثرت أموالها. أخبرني الأمير علاء الملك المذكور أن مجبا هذه المدينة ستون لكا في السنة، وقد ذكرنا مقدار اللّك، وللأمير من ذلك نم ده يك، ومعناه نصف العشر، وعلى ذلك يعطي السلطان البلاد لعمّاله يأخذون منها لأنفسهم نصف العشر. ذكر غريبة رأيتها بخارج هذه المدينة. وركبت يوما مع علاء الملك فانتهينا إلى بسيط من الأرض على مسافة سبعة أميال منها يعرف بتارنا، فرأيت هنالك ما لا يحصره العدّ من الحجارة مثل صور الآدميين والبهائم «22» ، وقد تغير كثير منها ودثرت أشكاله فيبقى منه صورة رأس أو رجل أو سواهما، ومن الحجارة أيضا صور الحبوب من البر والحمّص والفول والعدس، وهنالك آثار سور وجدران دور، ثم رأينا رسم دار فيها بيت من حجارة منحوتة وفي وسطه دكانة حجارة منحوتة كأنها حجر واحد، عليها صورة أدمي إلا أن رأسه طويل، وفمه في جانب من وجهه، ويداه خلف ظهره كالمكتوف. وهنالك مياه شديدة النتن، وكتابة على بعض الجدران بالهندي، وأخبرني علاء الملك أن أهل التاريخ يزعمون أن هذا الموضع كانت فيه مدينة عظيمة، أكثر أهلها الفساد فمسخوا حجارة! وأن ملكهم هو الذي على الدكانة في الدار التي ذكرناها وهي إلى الآن تسمى دار الملك وأن الكتابة التي في بعض الحيطان هنالك بالهندي هي تاريخ هلاك أهل تلك المدينة وكان ذلك منذ ألف سنة أو نحوها.

مكرمة لهذا الملك

وأقمت بهذه المدينة مع علاء الملك خمسة أيام ثم أحسن في الزاد وانصرفت عنه إلى مدينة بكار «23» ، بفتح الباء الموحدة، وهي مدينة حسنة يشقها خليج من نهر السند، وفي وسط ذلك الخليج زاوية حسنة فيها الطعام للوارد والصادر عمّرها كشلوخان أيام ولايته على بلاد السند، وسيقع ذكره. ولقيت بهذه المدينة الفقيه الإمام صدر الدين الحنفي، ولقيت بها قاضيها المسمى بأبي حنيفة، ولقيت بها الشيخ العابد الزاهد شمس الدين محمد الشيرازي وهو من المعمّرين: ذكر لي أن سنه يزيد على مائة وعشرين عاما. ثم سافرت من مدينة بكار فوصلت إلى مدينة أوجه «24» ، وضبط اسمها بضم الهمزة وفتح الجيم، وهي مدينة كبيرة على نهر السند، لها أسواق حسنة وعمارة جيدة، وكان الأمير بها إذ ذاك الملك الفاضل الشريف جلال الدين الكيجي أحد الشجعان الكرماء، وبهذه المدينة توفي بعد سقطة سقطها عن فرسه. مكرمة لهذا الملك ونشأت بيني وبين هذا الملك الشريف جلال الدين مودة، وتأكدت بيننا الصحبة والمحبة، واجتمعنا بحضرة دهلي، فلما سافر السلطان إلى دولة أباد، كما سنذكره، وأمرني بالإقامة بالحضرة، قال لي جلال الدين، إنك تحتاج إلى نفقة كبيرة، والسلطان تطول غيبته فخذ قريتي واستغلها حتى أعود، ففعلت ذلك واستغللت منها نحو خمسة آلاف دينار جزاه الله أحسن جزائه. ولقيت بمدينة أوجه الشيخ العابد الزاهد الشريف قطب الدين حيدر العلوي «25» ، وألبسني الخرقة، وهو من كبار الصالحين ولم يزل الثوب الذي ألبسنيه معي إلى أن سلبني كفار الهنود في البحر «26» .

ذكر أمير ملتان وترتيب حاله

ثم سافرت من مدينة أوجة إلى مدينة ملتان «27» ، وضبط اسمها بضم الميم وتاء معلوة، وهي قاعدة بلاد لسند ومسكن أمير أمرائه، وفي الطريق إليها على مسافة عشرة أميال منها الوادي المعروف بخسروآباد، وهو من الأودية الكبار لا يجاز إلا في المركب «28» ، وبه يبحث عن أمتعة المجتازين أشد البحث، وتفتش رحالهم، وكانت عادتهم في حين وصولنا إليها أن يأخذوا الرّبع من كل ما يجلبه التجار ويأخذوا على كل فرس سبعة دنانير مغرما، ثم بعد وصولنا للهند بسنتين رفع السلطان تلك المغارم «29» ، وأمر أن لا يوخذ من الناس إلا الزكاة والعشر لما بايع للخليفة أبي العباس العباسي. ولما أخذنا في إجازة هذا الوادي وفتشت الرحال عظم عليّ تفتيش رحلي لأنه لم يكن فيه طائل، وكان يظهر في أعين الناس كبيرا فكنت أكره أن يطّلع عليه، ومن لطف الله تعالى أن وصل أحد كبار الأجناد من جهة قطب الملك صاحب ملتان، فأمر أن لا يعرض لي ببحث ولا تفتيش فكان كذلك، فحمدت الله على ما هيأه لي من لطائفه. وبتنا تلك الليلة على شاطىء الوادي، وقدم علينا في صبيحتها ملك البريد واسمه دهقان وهو سمرقندي الأصل، وهو الذي يكتب للسلطان بأخبار تلك المدينة وعمالتها وما يحدث بها ومن يصل إليها، فتعرفت به، ودخلت في صحبته إلى أمير ملتان. ذكر أمير ملتان وترتيب حاله وأمير ملتان هو قطب الملك من كبار الأمراء وفضلائهم، ولما دخلت عليه قام إليّ وصافحني وأجلسني إلى جانبه، وأهديت له مملوكا وفرسا وشيئا من الزّبيب واللوز وهو من أعظم ما يهدى إليهم لأنه ليس ببلادهم، وإنما يجلب من خراسان.

ذكر من اجتمعت به في هذه المدينة من الغرباء الوافدين على حضرة ملك الهند.

وكان جلوس هذا الأمير على دكانة كبيرة، عليها البسط وعلى مقربة منه القاضي، ويسمى سالار، والخطيب ولا أذكر اسمه، وعن يمينه ويساره أمراء الأجناد وأهل السلاح وقوف على رأسه والعساكر تعرض بين يديه. وهنالك قسيّ كثيرة، فإذا أتى من يريد أن يثبت في العسكر راميا أعطى قوسا من تلك القسي ينزع فيها، وهي متفاوتة في الشدة فعلى قدر نزعه يكون مرتّبه، ومن أراد أن يثبّت فارسا فهنالك طبلة منصوبة فيجري فرسه ويرميها برمحه، وهنالك أيضا خاتم معلّق من حائط صغير فيجري فرسه حتى يحاذيه، فإن رفعه برمحه فهو الجيّد عندهم، ومن أراد أن يثبّت راميا فارسا فهنالك كرة موضوعة في الأرض فيجري فرسه ويرميها، وعلى قدر ما يظهر من الإنسان في ذلك من الإصابة يكون مرتّبه. ولما دخلنا على هذا الأمير وسلّمنا عليه كما ذكرناه أمر بإنزالنا في دار خارج المدينة هي لأصحاب الشيخ العابد ركن الدين الذي تقدم ذكره، وعادتهم أن لا يضيفوا أحدا حتى يأتي أمر السلطان بتضييفه. ذكر من اجتمعت به في هذه المدينة من الغرباء الوافدين على حضرة ملك الهند. فمنهم خذاوند زاده قوام الدين قاضي ترمذ، قدم بأهله وولده، ثم ورد عليه بها إخوته عماد الدين وضياء الدين وبرهان الدين، ومنهم مبارك شاه أحد كبار سمرقند، ومنهم أرن بغا أحد كبار بخارى، ومنهم ملك زاده ابن أخت خذاوند زاده، ومنهم بدر الدين الفصّال، وكل واحد من هؤلاء معه أصحابه وخدّامه واتباعه. ولما مضى من وصولنا إلى ملتان شهران وصل أحد حجّاب السلطان وهو شمس الدين البوشنجي والملك محمد الهروي الكتوال «30» ، بعثهما السلطان لاستقبال خذاوند زاده وقدم معهم ثلاثة من الفتيان بعثتهم المخدومة جهان، وهي أم السلطان، لاستقبال زوجة خذاوند زاده المذكور وأتوا بالخلع لهما ولأولادهما ولتجهيز من قدم من الوفود، وأتوا جميعا إليّ وسألوني: لماذا قدمت؟ فأخبرتهم أني قدمت للإقامة في خدمة خوند عالم وهو السلطان وبهذا يدعى في بلاده.

وكان أمر أن لا يترك أحد ممن يأتي من خراسان يدخل بلاد الهند إلا إن كان برسم الإقامة، فلما أعلمتهم أني قدمت للإقامة استدعوا القاضي والعدول وكتبوا عقدا عليّ وعلى من أراد الإقامة من أصحابي وأبى بعضهم من ذلك. وتجهّزنا للسفر إلى الحضرة، وبين ملتان وبينها مسيرة أربعين يوما في عمارة متصلة وأخرج الحاجب وصاحبه الذي بعث معه ما يحتاج إليه في ضيافة قوام الدين واستصحبوا من ملتان نحو عشرين طبّاخا وكان الحاجب يتقدم ليلا إلى كل منزل، فيجهّز الطعام وسواه فما يصل خذاوند زاده حتى يكون الطّعام متيسّرا، وينزل كل واحد ممن ذكرناهم من الوفود على حدة بمضاربه وأصحابه، وربّما حضروا الطعام الذي يصنع لخذاوند زاده، ولم أحضره أنا إلا مرة واحدة. وترتيب ذلك الطعام أنهم يجعلون الخبز، وخبزهم الرّقاق، وهو شبه الجراديق، ويقطعون اللّحم المشوي قطعا كبارا بحيث تكون الشاة أربع قطع أو ستّا، ويجعلون أمام كل رجل قطعة ويجعلون أقراصا مصنوعة بالسّمن تشبه الخبز المشرّك «31» ببلادنا، ويجعلون في وسطها الحلواء الصّابونية «32» ، ويغطون كل قرص منها برغيف حلواء يسمونه الخشتي ومعناه الأجري، مصنوع من الدقيق والسكر والسمن، ثم يجعلون اللحم المطبوخ بالسمن والبصل والزنجبيل الأخضر في صحاف صينية، ثم يجعلون شيئا يسمونه سموسك «33» ، وهو لحم مهروس مطبوخ باللوز والجوز والفستق والبصل والأبازير، موضوع في جوف رقاقة مقلوّة بالسمن، يضعون أمام كل إنسان خمس قطع من ذلك أو أربعا، ثم يجعلون الأرز المطبوخ بالسمن وعليه الدجاج، ثم يجعلون لقيمات القاضي ويسمونها الهاشمي ثم يجعلون القاهرية. ويقف الحاجب على السّماط قبل الأكل ويخدم إلى الجهة التي فيها السلطان، ويخدم جميع من حضر لخدمته، والخدمة عندهم حطّ الرأس نحو الركوع، فإذا فعلوا ذلك جلسوا

ذكر أشجار بلاد الهند وفواكهها.

للأكل، ويوتى بأقداح الذهب والفضة والزجاج مملوءة بماء النبات، وهو الجلّاب محلولا في الماء، ويسمون ذلك الشّربة، ويشربونه قبل الطعام، ثم يقول الحاجب بسم الله فعند ذلك يشرعون في الأكل فإذا أكلوا أتوا بأكواز الفقّاع «34» ، فإذا شربوه أتوا بالتّنبول والفوفل، وقد تقدم ذكرهما، فإذا أخذوا التنبول والفوفل قال الحاجب: بسم الله فيقومون ويخدمون مثل خدمتهم أولا وينصرفون. وسافرنا من مدينة ملتان، وهم يجرون هذا الترتيب على حسب ما سطّرناه إلى أن وصلنا إلى بلاد الهند، وكان أول بلد دخلناه مدينة أبوهر «35» ، بفتح الهاء، وهي أول تلك البلاد الهندية، صغيرة حسنة كثيرة العمارة، ذات أنهار وأشجار. وليس هنالك من أشجار بلادنا شيء ما عدا النّبق (36) ، لكنه عندهم عظيم الجرم، وتكون الحبة منه بمقدار حبة العفص، شديد الحلاوة، ولهم أشجار كثيرة ليس يوجد منها شيء ببلادنا ولا بسواها! ذكر أشجار بلاد الهند وفواكهها. فمنها العنبة «36» ، بفتح العين وسكون النون وفتح الباء الموحدة، وهي شجرة تشبه أشجار النارنج إلا أنها أعظم أجراما وأكثر أوراقا وظلها أكثر الظلال غير أنه ثقيل، فمن نام تحته وعك، وثمرها على قدر الإجاص الكبير، فإذا كان أخضر قبل تمام نضجه أخذوا ما سقط منه وجعلوا عليه الملح وصيّروه كما يصيّر اللّيم «37» والليمون ببلادنا، وكذلك يصيّرون

أيضا الزنجبيل الأخضر، وعناقيد الفلفل ويأكلون ذلك مع الطعام يأخذون بإثر كل لقمة يسيرا من هذه المملوحات، فإذا نضجت العنبة في أوان الخريف، إصفرّت حباتها فأكلوها كالتفاح، فبعضهم يقطعها بالسكّين، وبعضهم يمصها مصّا، وهي حلوة يمازج حلاوتها يسير حموضة، ولها نواة كبيرة يزرعونها فتنبت منها الأشجار كما تزرع نوى النارنج وغيرها. ومنها الشّكي والبركي «38» ، بفتح الشين المعجم وكسر الكاف، وفتح الباء الموحدة وكسر الكاف أيضا، وهي أشجار عادية أوراقها كأوراق الجوز، وثمرها يخرج من أصل الشجرة فما اتصل منه بالأرض فهو البركي وحلاوته أشد ومطعمه أطيب، وما كان فوق ذلك فهو الشكّي، وثمره يشبه القرع الكبار، وجلوده تشبه جلود البقر، فإذا اصفرّ في أوان الخريف، قطعوه وشقّوه فيكون في داخل كلّ حبّة المائة والمائتان فما بين ذلك من حبات تشبه الخيار، بين كل حبة وحبة صفاق أصفر اللون، ولكل حبة نواة تشبه الفول الكبير، وإذا شويت تلك النواة أو طبخت يكون طعمها كطعم الفول، إذ ليس يوجد هنالك، ويدخرون هذه النّوى في التراب الأحمر فتبقى إلى سنة أخرى، وهذا الشّكي والبركي هو خير فاكهة ببلاد الهند. ومنها التّندو، بفتح التاء المثناة وسكون النون وضم الدال، وهو ثمر شجر الآبنوس، وحباته في قدر حبات المشمش ولونها، شديد الحلاوة. ومنها الجمون «39» ، بضم الجيم المعقودة، وأشجاره عادية، ويشبه ثمره الزيتون وهو أسود اللّون ونواه واحدة كالزيتون. ومنها النارنج الحلو، وهو عندهم كثير، وأما النّارنج الحامض فعزيز الوجود، ومنه صنف ثالث يكون بين الحلو والحامض وثمره على قدر اللّيم وهو طيب جدا وكنت يعجبني أكله!. ومنها المهوا «40» ، بفتح الميم والواو، وأشجاره عادية وأوراقه كأوراق الجوز إلا أن فيها حمرة وصفرة، وثمره مثل الإجاص الصغير، شديد الحلاوة، وفي أعلى كل حبة منه حبة صغيرة بمقدار حبة العنب مجوفة وطعمها كطعم العنب، إلا أن الإكثار من أكلها يحدث في الرأس صداعا.

ذكر الحبوب التي يزرعها أهل الهند ويقتاتون بها

ومن العجب أن هذه الحبوب إذا يبست في الشمس كان مطعمها كمطعم التين، وكنت آكلها عوضا من التين إذ لا يوجد ببلاد الهند، وهم يسمون هذه الحبة الأنكور، بفتح الهمزة وسكون النون وضم الكاف المعقودة والواو والراء، وتفسيره بلسانهم: العنب. والعنب بأرض الهند عزيز جدا ولا يكون بها إلا في مواضع بحضرة دهلي وببلاد. «41» ويثمر مرتين في السنة، ونوى هذا الثمر يصنعون منه الزيت ويستصبحون به. ومن فواكههم فاكهة يسمونها كسيرا «42» ، بفتح الكاف وكسر السين المهمل وياء مدّ وراء، يحفرون عليها الأرض وهي شديدة الحلاوة تشبه القسطل. وببلاد الهند من فواكه بلادنا الرّمان، ويثمر مرتين في السنة ورأيته ببلاد جزائر ذيبة المهل لا ينقطع له ثمر، وهم يسمونه أنار، بفتح الهمزة والنون، وأظن هو الأصل في تسمية الجلّنار فإن جل بالفارسية الزهر، وأنار: الرمان. ذكر الحبوب التي يزرعها أهل الهند ويقتاتون بها وأهل الهند يزدرعون مرتين في السنة، فإذا نزل المطر عندهم في أوان القيظ زرعوا الزرع الخريفي وحصدوه بعد ستين يوما من زراعته، ومن هذه الحبوب الخريفية عندهم الكذرو «43» ، بضم الكاف وسكون الذال المعجم وضم الراء وبعدها واو، وهو نوع من الدّخن، وهذا الكذرو هو أكثر الحبوب عندهم. ومنها القال، بالقاف، وهو شبه أنلي. ومنها الشاماخ، بالشين والخاء المعجمين، وهو أصغر حبّا من القال، وربما نبت هذا الشاماخ من غير زراعة، وهو طعام الصالحين وأهل الورع والفقراء والمساكين، يخرجون

لجمع ما نبت منه من غير زراعة، فيمسك أحدهم قفة كبيرة بيساره وتكون بيمناه مقرعة يضرب بها الزرع فيسقط في القفة، فيجمعون منه ما يقتاتون به جميع السنة. وحب هذا الشاماخ صغير جدا، وإذا جمع جعل في الشمس ثم يدق في مهاريس الخشب فيطير قشره، ويبقى لبّه أبيض ويصنعون منه عصيدة يطبخونها بحليب الجواميس، وهي أطيب من خبزه، وكنت آكلها كثيرا ببلاد الهند وتعجبني. ومنها الماش «44» وهو نوع من الجلبان. ومنها المنج «45» ، بميم مضموم ونون وجيم، وهو نوع من الماش إلا أن حبوبه مستطيلة، ولونه صافي الخضرة، ويطبخون المنج مع الأرز ويأكلونه بالسمن، ويسمونه كشري بالكاف والشين المعجم والراء «46» ، وعليه يفطرون في كل يوم وهو عندهم كالحريرة ببلاد المغرب «47» ، ومنها اللوبيا «48» وهي نوع من الفول. ومنها الموت «49» ، بضم الميم وهو مثل الكذرو المذكور إلا أن حبوبه أصفر وهو من علف الدوابّ عندهم، وتسمن الدواب بأكله. والشعير عندهم لا قوة له، وإنما علف الدواب من هذا الموت أو الحمص يجرشونه ويبلّونه بالماء ويطعمونه الدواب، ويطعمونها عوضا من القصيل أوراق الماش بعد أن تسقى الدابة السمن عشرة أيام في كل ليلة ثلاثة أرطال أو أربعة ولا تركب في تلك الأيام، وبعد ذلك يطعمونها أوراق الماش كما ذكرنا شهرا أو نحوه.

ذكر غزوة لنا بهذا الطريق وهي أول غزوة شهدتها ببلاد الهند

وهذا الحبوب التي ذكرناها هي الخريفية، وإذا حصدوها بعد ستين يوما من زراعتها ازدرعوا الحبوب الربيعية وهي القمح والشعير والحمص والعدس وتكون زراعتها في الأرض التي كانت الحبوب الخريفية مزدرعة فيها وبلادهم كريمة، طيبة التربة. وأما الأرز فإنهم يزدرعونه ثلاث مرات في السنة، وهو من أكثر الحبوب عندهم، ويزدرعون السمسم، وقصب السكر مع الحبوب الخريفية التي تقدم ذكرها. ولنعد إلى ما كنا بسبيله فأقول سافرنا من مدينة أبوهر في صحراء مسيرة يوم في أطرافها جبال منيعة يسكنها كفار الهنود وربما قطعوا الطريق، وأهل بلاد الهند أكثرهم كفار، فمنهم رعية تحت ذمة المسلمين يسكنون القرى ويكون عليهم حاكم من المسلمين يقدمه العامل أو الخديم «50» الذي تكون القرية في إقطاعه. ومنهم عصاة محاربون يمتنعون بالجبال ويقطعون الطريق. ذكر غزوة لنا بهذا الطريق وهي أول غزوة شهدتها ببلاد الهند ولما أردنا السفر من مدينة أبوهر خرج الناس منها أول النهار وأقمت بها إلى نصف النهار في لمّة من أصحابي، ثم خرجنا ونحن اثنان وعشرون فارسا منهم عرب ومنهم أعاجم، فخرج علينا في تلك الصحراء ثمانون رجلا من الكفار وفارسان، وكان أصحابي ذوي نجدة وغناء، فقاتلناهم أشد القتال، فقتلنا أحد الفارسين منهم وغنمنا فرسه، وقتلنا من رجالهم نحو اثنى عشر رجلا، وأصابتني نشّابة، وأصابت فرسي نشابة ثانية، ومنّ الله بالسلامة منها، لأن نشّابهم لا قوة لها، وجرح لأحد أصحابنا فرس عوّضناه له بفرس الكافر وذبحنا فرسه المجروح، فأكله الترك من أصحابنا، وأوصلنا تلك الرءوس إلى حصن أبي بكهر «51» فعلّقناها على سوره ووصلنا في نصف الليل إلى حصن أبي بكهر المذكور وضبط اسمه بفتح الباء الموحدة وسكون الكاف وفتح الهاء وآخره راء.

وسافرنا منه فوصلنا بعد يومين إلى مدينة أجودهن «52» ، وضبط اسمها بفتح الهمزة وضم الجيم وفتح الدال المهمل والهاء وآخره نون، مدينة صغيرة هي للشيخ الصالح فريد الدين البذاوني «53» الذي أخبرني الشيخ الصالح الولي برهان الدين الأعرج بالاسكندرية أني سألقاه، فلقيته والحمد لله، وهو شيخ ملك الهند وأنعم عليه بهذه المدينة. وهذا الشيخ مبتلى بالوسواس، والعياذ بالله، فلا يصافح أحدا ولا يدنو منه، وإذا ألصق ثوبه بثوب أحد غسل ثوبه! دخلت زاويته ولقيته وأبلغته سلام الشيخ برهان الدين فعجب، وقال: أنا دون ذلك، ولقيت ولديه الفاضلين معز الدين «54» وهو أكبرهما، ولما مات أبوه تولى الشياخة بعده. وعلم الدين «55» ، وزرت قبر جده القطب الصالح فريد الدين البذاوني منسوبا إلى مدينة بذاون بلد السّنبل «56» ، وهي بفتح الباء الموحدة والذال المعجم وضم الواو وآخرها نون، ولما أردت الانصراف عن هذه المدينة قال لي علم الدين، لا بدّ لك من رؤية والدي، فرأيته، وهو في أعلى سطح له، وعليه ثياب بيض وعمامة لها ذوابة، وهي مائلة إلى جانب ودعا لي وبعث إليّ بسكر ونبات.

ذكر أهل الهند الذين يحرقون أنفسهم بالنار

ذكر أهل الهند الذين يحرقون أنفسهم بالنار ولما انصرفت عن هذا الشيخ رأيت الناس يهرعون من عسكرنا ومعهم بعض أصحابنا، فسألتهم: ما الخبر؟ فأخبروا أن كافرا من الهنود مات وأججت النار لحرقه، وامرأته تحرق نفسها معه، ولما احترقا جاء أصحابي وأخبروا أنها عانقت الميت حتى احترقت معه، وبعد ذلك كنت في تلك البلاد أرى المرأة من كفار الهنود متزينة راكبة والناس يتبعونها من مسلم وكافر، والأطبال والأبواق بين يديها ومعها البراهمة وهم كبراء الهنود، وإذا كان ذلك ببلاد السلطان استأذنوا السلطان في إحراقها فيأذن لهم فيحرقونها «57» . ثم اتفق بعد مدة أني كنت بمدينة أكثر سكانها الكفار تعرف بأمجرى «58» ، وأميرها مسلم من سامرة السّند، وعلى مقربة منها الكفار العصاة، فقطعوا الطريق يوما وخرج الأمير المسلم لقتالهم وخرجت معه رعيته من المسلمين والكفار، ووقع بينهم قتال شديد مات فيه من رعية الكفار سبعة نفر، وكان لثلاثة منهم ثلاث زوجات فاتفقن على إحراق أنفسهن، وإحراق المرأة بعد زوجها عندهم أمر مندوب إليه، غير واجب، لكن من أحرقت نفسها بعد زوجها أحرز أهل بيتها شرفا بذلك ونسبوا إلى الوفاء، ومن لم تحرق نفسها لبست خشن الثياب، وأقامت عند أهلها بائسة ممتهنة لعدم وفائها، ولكنها لا تكره على إحراق نفسها، ولما تعاهدت النسوة الثلاث اللاتي ذكرناهن على إحراق أنفسهن أقمن قبل ذلك ثلاثة أيام في غناء وطرب وأكل وشرب كأنهن يودعن الدنيا، ويأتي إليهن النساء من كل جهة، وفي صبيحة اليوم الرابع أتيت كل واحدة منهن بفرس، فركبته وهي متزينة متعطرة وفي يمناها جوزة نارجيل تلعب بها، وفي يسراها مرآة تنظر فيها وجهها، والبراهمة يحفون بها وأقاربها معها وبين يديها الأطبال والأبواق والأنفار، وكل إنسان من الكفار يقول لها: أبلغي السلام إلى أبي أو أخي أو أمي أو صاحبي! وهي تقول: نعم، وتضحك إليهم، وركبت مع أصحابي لأرى كيفية صنعهن في الاحتراق، فسرنا معهن نحو ثلاثة أميال وانتهينا إلى موضع مظلم كثير المياه والأشجار متكاثف الظلال، وبين أشجاره أربع قباب في كل قبة صنم من الحجارة، وبين القباب صهريج ماء قد تكاثفت عليه الظلال وتزاحمت الأشجار، فلا تتخلّلها الشمس فكأن ذلك الموضع بقعة من بقع جهنم، أعاذنا الله منها، ولما وصلنا إلى تلك القباب، نزلن إلى

الصهريج وانغمسن فيه وجرّدن ما عليهن من ثياب وحليّ فتصدقن به وأتيت كل واحدة منهنّ بثوب قطن خشن غير مخيط فربطت بعضه على وسطها وبعضه على رأسها وكتفيها والنيران قد أضرمت على قرب من ذلك الصهريج في موضع منخفض وصبّ عليها روغن كنجت «59» وهو زيت الجلجلان، فزاد في اشتعالها وهناك نحو خمسة عشر رجلا بأيديهم حزم من الحطب الرقيق ومعهم نحو عشرة بأيديهم خشب كبار، وأهل الأطبال والأبواق وقوف ينتظرون مجىء المرأة، وقد حجبت النار بملحفة يمسكها الرجال بأيديهم لئلّا يدهشها النظر إليها، فرأيت إحداهن لما وصلت إلى تلك الملحفة نزعتها من أيدي الرجال بعنف، وقالت لهم «60» : مارا مى ترسانى أز أطش من مى دانم أو آطش آست رها كني مارا، وهي تضحك، ومعنى هذا الكلام: أبالنّار تخوفونني؟ أنا أعلم أنها نار محرقة! ثم جمعت يديها على رأسها خدمة للنار ورمت بنفسها فيها، وعند ذلك ضربت الأطبال والأنفار والأبواق ورمى الرجال ما بأيديهم من الحطب عليها، وجعل الآخرون تلك الخشب من فوقها لئلّا تتحرك، وارتفعت الأصوات وكثر الضجيج، ولما رأيت ذلك كدت أسقط عن فرسي لولا أصحابي تداركوني بالماء، فغسلوا وجهي وانصرفت! وكذلك يفعل أهل الهند أيضا في الغرق يغرق كثير منهم أنفسهم في نهر الكنك «61» وهو الذي إليه يحجون، وفيه يرمى برماد هؤلاء المحرقين، وهم يقولون إنه من الجنة، وإذا أتى أحدهم ليغرق نفسه، يقول لمن حضره: لا تظنوا أني أغرق نفسي لأجل شيء من أمور الدنيا أو لقلة مال، إنما قصدي التقرب إلى كساي «62» ، وكساي بضم الكاف والسين المهمل، اسم الله عز وجل، بلسانهم، ثم يغرق نفسه، فإذا مات أخرجوه وأحرقوه ورموا برماده في البحر المذكور. ولنعد إلى كلامنا الأول فنقول: سافرنا من مدينة أجودهّن، فوصلنا بعد مسيرة أربعة أيام منها إلى مدينة سرستي «63» . وضبط اسمها بسينين مفتوحين بينهما راء ساكنة ثم تاء

مثناة مكسورة وياء، مدينة كبيرة كثيرة الأرز، وأرزها طيب ومنها يحمل إلى حضرة دهلي ولها مجبى كثير جدا، أخبرني الحاجب شمس الدين البوشنجي بمقداره وأنسيته. ثم سافرنا منها إلى مدينة حانسي «64» ، وضبط اسمها بفتح الحاء المهمل وألف ونون ساكن وسين مهمل مكسورة وياء، وهي من أحسن المدن وأتقنها وأكثرها عمارة، ولها سور عظيم ذكروا أن بانيه رجل من كبار سلاطين الكفار يسمى توره، بضم التاء المعلوة وفتح الراء وله عندهم حكايات وأخبار، ومن هذه المدينة هو «65» كمال الدين صدر الجهان، قاضي قضاة الهند، وأخوه قطلوخان معلم السلطان وأخواهما نظام الدين وشمس الدين الذي انقطع إلى الله وجاور بمكة حتى مات. ثم سافرنا من حانسي فوصلنا بعد يومين إلى مسعود أباد «66» ، وهي على عشرة أميال من حضرة دهلي، وأقمنا بها ثلاثة أيام، وحانسى ومسعود أباد، هما للملك المعظم هوشنج، بضم الهاء وفتح الشين المعجم وسكون النون وبعدها جيم، ابن الملك كمال كرك بكافين معقودين أولاهما مضمومة، ومعناها الذّيب، وسيأتي ذكره. وكان سلطان الهند الذي قصدنا حضرته غائبا عنها بناحية مدينة قنوج «67» ، وبينها وبين حضرة دهلي عشرة أيام، وكانت بالحضرة والدته وتدعى المخدومة جهان، وجهان اسم الدنيا، وكان بها أيضا وزيره خواجه جهان المسمى بأحمد بن إياس، الرومي الأصل «68» فبعث الوزير إلينا أصحابه ليتلقونا، وعيّن للقاء كل واحد منا من كان من صنفه، فكان من الذين عيّنهم للقاءي الشيخ البسطامي والشريف المازندراني، وهو حاجب الغرباء، والفقيه علاء الدين الملتاني المعروف بقنّره، بضم القاف وفتح النون وتشديدها، وكتب إلى السلطان بخبرنا وبعث الكتاب مع الدّاوة وهي بريد الرجّالة، حسبما ذكرناه، فوصل إلى السلطان، وأتاه الجواب في تلك الأيام الثلاثة التي أقمناها بمسعود أباد.

ذكر وصفها

وبعد تلك الأيام خرج إلى لقائنا القضاة والفقهاء والمشايخ وبعض الأمراء، وهم يسمون الأمراء ملوكا، فحيث يقول أهل ديار مصر وغيرها الأمير يقولون هم الملك، وخرج إلى لقائنا الشيخ ظهير الدين الزنجاني وهو كبير المنزلة عند السلطان. ثم رحلنا من مسعود أباد فنزلنا بمقربة من قرية تسمى بّالم «69» ، بفتح الباء المعقودة وفتح اللام، وهي للسيد الشريف ناصر الدين مطهّر الأوهري «70» أحد ندماء السلطان وممن له عنده الحظوة التامة. وفي غد ذلك اليوم وصلنا إلى حضرة دهلي قاعدة بلاد الهند وضبط اسمها بكسر الدال المهمل وسكون الهاء وكسر اللام، وهي المدينة العظيمة الشأن، الضخمة، الجامعة بين الحسن والحصانة وعليها السور الذي لا يعلم له في بلاد الدينا نظير وهي أعظم مدن الهند بل مدن الإسلام كلها بالمشرق. ذكر وصفها ومدينة دهلي كبيرة الساحة، كثيرة العمارة وهي الآن أربع مدن متجاورات متصلات. إحداها: المسماة بهذا الاسم دهلي وهي القديمة، من بناء الكفار، وكان افتتاحها سنة أربع وثمانين وخمسمائة «71» . والثانية: تسمى سيري، بكسر السين المهمل والراء وبينهما ياء مد، وتسمى أيضا دار الخلافة «72» ، وهي التي أعطاها السلطان لغياث الدين حفيد الخليفة المستنصر العباسي لما قدم عليه، وبها كان سكنى السلطان علاء الدين وابنه قطب الدين، وسنذكرهما.

ذكر سور دهلي وأبوابها.

والثالثة: تسمى تغلق أباد «73» باسم بانيها السلطان تغلق والد سلطان الهند الذي قدمنا عليه، وكان سبب بنائه لها أنه وقف يوما بين يدي السلطان قطب الدين فقال له: يا خوند عالم، كان ينبغي أن تبني هنا مدينة، فقال له السلطان متهكما: إذا كنت سلطانا فابنها، فكان من قدر الله أن كان سلطانا فبناها وسماها باسمه! والرابعة: تسمى جهان پناه «74» وهي مختصة بسكنى السلطان محمد شاه، ملك الهند الآن الذي قدمنا عليه، وهو الذي بناها وكان أراد أن يضم هذه المدن الأربع تحت سور واحد فبنى منه بعضا وترك بناء باقيه لعظم ما يلزم في بنائه. ذكر سور دهلي وأبوابها. والسور المحيط بمدينة دهلي لا يوجد له نظير، عرض حائطه إحدى عشرة ذراعا، وفيه بيوت يسكنها السمّار وحفّاظ الأبواب، وفيها مخازن للطعام ويسمونها الأنبارات «75» ومخازن للعدد ومخازن للمجانيق، والرّعادات «76» ، ويبقى الزرع بها مدة طائلة، لا يتغير ولا تطرقه آفة. ولقد شاهدت الأرزّ يخرج من بعض تلك المخازن ولونه قد اسودّ، ولكن طعمه طيب، ورأيت أيضا الكذرو يخرج منها، وكل ذلك من اختزان السلطان بلبن منذ تسعين سنة، ويمشي في داخل السور الفرسان والرجال من أول المدينة إلى آخرها وفيه طيقان مفتحة إلى جهة المدينة يدخل منها الضوء، وأسفل هذا لسور مبني بالحجارة وأعلاه بالآجر وابراجه كثيرة متقاربة. ولهذه المدينة ثمانية وعشرون بابا، وهم يسمون الباب دروازة، فمنها دروازة

ذكر جامع دهلى

بذاون «77» وهي الكبرى، ودروازة المندوي «78» ، وبها رحبة الزرع، ودروازة جل «79» ، بضم الجيم، وهي موضع البساتين ودروازة شاه، اسم رجل، ودروازة بالم «80» ، اسم قرية قد ذكرناها، ودروازة نجيب اسم رجل، ودروازة كمال كذلك، ودروازة غزنة «81» نسبة إلى مدينة غزنة التي في طرف خراسان، وبخارجها مصلّى العيد وبعض المقابر، ودروازة البجالصة «82» ، بفتح الباء والجيم والصاد المهمل. وبخارج هذه الدروازة مقابر دهلي، وهي مقبرة حسنة يبنون بها القباب، ولا بد عند كل قبر من محراب وإن كان لا قبة له، ويزرعون بها الأشجار المزهرة مثل قل شنبه وريبول «83» . والنّسرين وسواها، والازاهير هنالك لا تنقطع في فصل من الفصول. ذكر جامع دهلى وجامع دهلى كبير الساحة «84» حيطانة وسقفه وفرشه كلّ ذلك من الحجارة البيض المنحوتة أبدع نحت، ملصقة بالرصاص أتقن إلصاق، ولا خشبة به أصلا، وفيه ثلاث عشرة قبة من حجارة، ومنبره أيضا من الحجر، وله أربعة من الصحون، وفي وسط الجامع العمود الهائل «85» الذي لا يدرى من أي المعادن هو.

ذكر لي بعض حكمائهم أنه يسمى هفت جوش «86» ، بفتح الهاء وسكون الفاء وتاء معلوة وجيم مضموم وآخره شين معجم، ومعنى ذلك، سبعة معادن، وأنه مؤلّف منها، وقد جلى من هذا العمود مقدار السبّابة ولذلك المجلوّ منه بريق عظيم، ولا يؤثر فيه الحديد، وطوله ثلاثون ذراعا، وأدرنا به عمامة فكان الذي أحاط بدائرته منها ثماني أذرع. وعند الباب الشرقي من أبواب المسجد صنمان كبيران جدا من النحاس مطروحان بالأرض، قد ألصقا بالحجارة ويطأ عليهما كلّ داخل إلى المسجد أو خارج منه «87» . وكان موضع هذا المسجد بذخانة، وهو بيت الأصنام «88» ، فلما افتتحت جعل مسجدا. وفي الصحن الشمالي من المسجد الصومعة التي لا نظير لها في بلاد الإسلام، وهي مبنية بالحجارة الحمر خلافا لحجارة سائر المسجد فإنها بيض، وحجارة الصومعة منقوشة، وهي سامية الارتفاع، وفحلها من الرخام الأبيض الناصع وتفافيحها من الذهب الخالص، وسعة ممرّها بحيث تصعد فيه الفيلة «89» . حدثني من اثق به أنه رأى الفيل حين بنيت يصعد بالحجارة إلى أعلاها، وهي من بناء السلطان معز الدين بن ناصر الدين ابن السلطان غياث الدين بلبن «90» .

ذكر الحوضين العظيمين بخارجها

وأراد السلطان أن يبني بالصحن الغربي صومعة أعظم منها فبنى مقدار الثلث منها واخترم دون تمامها «91» وأراد السلطان محمد اتمامها ثم ترك ذلك تشاؤما. وهذه الصومعة من عجائب الدنيا في ضخامتها وسعة ممرها بحيث تصعده ثلاثة من الفيلة متقارنة، وهذا الثلث المبني منها مساو لارتفاع جميع الصومعة التي ذكرنا أنها بالصحن الشمالي. وصعدتّها مرة فرأيت معظم دور المدينة، وعاينت الأسوار على ارتفاعها وسموّها منحطة، وظهر لي الناس في أسفلها كأنهم الصبيان الصغار، ويظهر لنا ظرها من أسفلها أن ارتفاعها ليس بذلك لعظم جرمها وسعتها! وكان السلطان قطب الدين أراد أن يبني أيضا مسجدا جامعا بسيري المسماة دار الخلافة، فلم يتم منه غير الحائط القبلي والمحراب، وبناؤه بالحجارة البيض والسود والحمر والخضر، ولو كمل لم يكن له مثل في البلاد، وأراد السلطان محمد إتمامه وبعث عرفاء البناء ليقدروا النفقة فيه فزعموا أنه ينفق في اتمامه خمسة وثلاثون لكا، فترك ذلك استكثارا له، وأخبرني بعض خواصه أنه لم يتركه استكثارا لكنه تشاءم به لما كان السلطان قطب الدين قد قتل قبل تمامه. ذكر الحوضين العظيمين بخارجها وبخارج دهلي الحوض العظيم المنسوب إلى السلطان شمس الدين للمش «92» ومنه يشرب أهل المدينة، وهو بالقرب من مصلاها، وماؤه يجتمع من ماء المطر، وطوله نحو ميلين وعرضه على النصف من طوله، والجهة الغربية منه من ناحية المصلى مبنية بالحجارة مصنوعة أمثال الدكاكين بعضها أعلى من بعض وتحت كل دكان درج ينزل عليها إلى الماء وبجانب كل دكان قبة حجارة فيها مجالس للمتنزهين والمتفرجين، وفي وسط الحوض قبة عظيمة من الحجارة المنقوشة مجعولة طبقتين، فإذا كثر الماء في الحوض لم يكن سبيل إليها إلا في القوارب، فإذا قل الماء دخل إليها الناس وداخلها مسجد، وفي أكثر الأوقات يقيم

ذكر بعض مزاراتها

بها الفقراء المنقطعون إلى الله المتوكلون عليه، وإذا جف الماء في جوانب هذا الحوض زرع فيها قصب السكر والخيار والقتاء والبطيخ الأخضر «93» والأصفر وهو شديد الحلاوة صغير الجرم. وفيما بين دهلي ودار الخلافة حوض الخاصّ «94» ، وهو أكبر من حوض السلطان شمس الدين وعلى جوانبه نحو أربعين قبة ويسكن حوله أهل الطرب. وموضعهم يسمى طرب آباد، ولهم سوق «هناك من أعظم الأسواق ومسجد» جامع ومساجد سواه كثيرة. وأخبرت أن النساء المغنيات الساكنات هناك يصلين التراويح في شهر رمضان بتلك المساجد مجتمعات ويؤم بهن الأئمة، وعددهن كثير، وكذلك الرجال المغنّون، ولقد شاهدت الرجال أهل الطرب في عرس الأمير سيف الدين غدا ابن مهنّى لكل واحد منهم مصلّى تحت ركبته فإذا سمع الآذان قام فتوضأ وصلّى. ذكر بعض مزاراتها فمنها قبر الشيخ الصالح قطب الدين بختيار الكعكي «95» ، وهو ظاهر البركة كثير التعظيم، وسبب تسمية هذا الشيخ بالكعكي أنه كان إذا أتاه الذين عليهم الدّيون شاكين من الفقر أو القلة أو الذين لهم البنات ولا يجدون ما يجهزونهن به إلى أزواجهن يعطى من أتاه منهم كعكة من الذهب أو من الفضة، حتى عرف من أجل ذلك بالكعكي، رحمه الله، ومنها قبر الفقيه الفاضل نور الدين الكرلاني، بضم الكاف وسكون الراء، والنون، ومنها قبر الفقيه علاء الدين الكرماني «96» نسبة إلى كرمان، وهو ظاهر البركة ساطع النور ومكانه يظهر قبلة المصلّي، وبذلك الموضع قبور رجال صالحين كثير، نفع الله تعالى بهم.

ذكر بعض علمائها وصلحائها

ذكر بعض علمائها وصلحائها فمنهم الشيخ الصالح العالم محمود الكبّا «97» ، بالباء الموحدة، وهو من كبار الصالحين، والناس يزعمون أنه ينفق من الكون لأنه لا مال له ظاهرا، وهو يطعم الوارد والصادر ويعطي الذهب والدراهم والأثواب، وظهرت له كرامات كثيرة واشتهر بها، رأيته مرات كثيرة وحصلت لي بركته، ومنهم الشيخ الصالح العالم علاء الدين النّيلي «98» ، كأنه منسوب إلى نيل مصر، والله أعلم، كان من أصحاب الشيخ العالم الصالح نظام الدين البذاوني، وهو يعظ الناس في يوم كل جمعة فيتوب كثير منهم بين يديه، ويحلقون رؤسهم ويتواجدون ويغشى على بعضهم. حكاية [قتيل خوف العذاب] شاهدته في بعض لأيام وهو يعظ، فقرأ القارئ بين يديه: «يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهّل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد «99» » ثم كررها الفقيه علاء الدين فصاح أحد الفقراء من ناحية المسجد صيحة عظيمة، فأعاد الشيخ الآية فصاح الفقير ثانية ووقع ميّتا! وكنت فيمن صلّى عليه وحضر جنازته. ومنهم الشيخ الصالح العالم صدر الدين الكهراني «100» ، بضم الكاف وسكون الهاء وراء ونون، وكان يصوم الدّهر ويقوم الليل وتجرد عن الدنيا جميعا ونبذها، ولباسه عباءة، ويزوره السلطان وأهل الدولة، وربما احتجب عنهم فرغب السلطان منه أن يقطعه قرى يطعم منها الفقراء والواردين، فأبى ذلك، وزاره يوما وأتى إليه بعشرة آلاف دينار فلم يقبلها، وذكروا أنه لا يفطر إلا بعد ثلاث، وأنه قيل له في ذلك، فقال: لا أفطر حتى اضطرّ فتحلّ لي الميتة.

كرامة له

ومنهم الإمام الصالح العالم العابد الورع الخاشع فريد دهره ووحيد عصره، كمال الدين عبد الله الغاري، بالغين المعجم والراء، نسبة إلى غار كان يسكنه خارج دهلي بمقربة من زاوية الشيخ نظام الدين البذاوني، زرته بهذا الغار ثلاث مرات «101» . كرامة له كان لي غلام فأبق مني، وألفيته بيد رجل من الترك، فذهبت إلى انتزاعه من يده فقال لي الشيخ: إن هذا الغلام لا يصلح لك فلا تأخذه، وكان التركي راغبا في المصالحة فصالحته بمائة دينار أخذتها منه وتركته له، فلما كان بعد ستة أشهر قتل سيده وأتي به السلطان، فأمر بتسليمه لأولاد سيده، فقتلوه. ولما شاهدت لهذا الشيخ هذه الكرامة، انقطعت إليه ولازمته، وتركت الدنيا ووهبت جميع ما كان عندي للفقراء والمساكين وأقمت عنده «102» مدة فكنت أراه يواصل عشرة أيام وعشرين يوما، ويقوم أكثر الليل حتى بعث عني السلطان ونشبت في الدنيا ثانية، والله تعالى يختم بالخير، وسأذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى وبكيفية رجوعي إلى الدنيا (101) .

الفصل الحادي عشر فتح دهلي ومن تداولها من الملوك

الفصل الحادي عشر فتح دهلي ومن تداولها من الملوك وصف مدينة دهلي أولياء وصلحاء دهلي السلطان شمس الدين للمش (iletmish) وأبناؤه السلطانة رضية بنت شمس الدّين ... السلطان غياث الدين بلبن وحفيده السلطان خسرو خان ناصر الدّين السلطان غياث الدّين تغلق.

ذكر فتح دهلي ومن تداولها من الملوك:

ذكر فتح دهلي ومن تداولها من الملوك: حدثني الفقيه الإمام العلامة قاضي القضاة بالهند والسند كمال الدين محمد بن البرهان الغزنوي «1» ، الملقّب بصدر الجهان، أن مدينة دهلي افتتحت من أيدي الكفار في سنة أربع وثمانين وخمسمائة «2» ، وقد قرأت أنا ذلك مكتوبا على محراب الجامع الأعظم بها، وأخبرني أيضا أنها افتتحت على يد الأمير قطب الدين أيبك «3» ، واسمه بفتح الهمزة وسكون الياء، آخر الحروف، وفتح الباء الموحدة، وكان يلقب سپاه سالار، ومعناه مقدّم الجيوش، وهو أحد مماليك السلطان المعظم شهاب الدين محمد بن سام الغوري، ملك غزنة وخراسان «4» المتغلب على ملك ابراهيم «5» بن السلطان الغازي محمود بن سبكتيكين الذي ابتدأ فتح الهند. وكان السلطان شهاب الدين المذكور بعث الأمير قطب الدين بعسكر عظيم ففتح الله عليه مدينة لاهور «6» وسكنها وعظم شأنه، وسعي به إلى السلطان وألقى إليه جلساؤه أنه

ذكر السلطان شمس الدين للمش

يريد الانفراد بملك الهند، وأنه قد عصى وخالف، وبلغ هذا الخبر إلى قطب الدين فبادر بنفسه وقدم على غزنة ليلا ودخل على السلطان ولا علم عند الذين وشوا به إليه فلما كان بالغد قعد السلطان على سريره، واقعد أيبك تحت السرير بحيث لا يظهر، وجاء النّدماء والخواص الذين سعوا به فلما استقرّ بهم الجلوس، وسألهم السلطان عن شأن أيبك، فذكروا له: أنه عصى وخالف وقالوا: قد صحّ عندنا أنه ادّعى الملك لنفسه، فضرب السلطان سريره برجله وصفق بيديه، وقال: يا أيبك! قال: لبّيك، وخرج عليهم وسقط في أيديهم، وفزعوا إلى تقبيل الأرض، فقال لهم السلطان: قد غفرت لكم هذه الزّلّة وإياكم والعودة إلى الكلام في أيبك «7» ، وأمره أن يعود إلى بلاد الهند فعاد إليها وفتح مدينة دهلي وسواها، واستقرّ بها الإسلام إلى هذا العهد وأقام قطب الدين بها إلى أن توفّى. ذكر السلطان شمس الدين للمش «8» وضبط اسمه بفتح اللام الأولى وسكون الثانية وكسر الميم وشين معجم، وهو أول من ولي الملك بمدينة دهلي مستقلا به، وكان قبل تملّكه مملوكا للأمير قطب الدين أيبك وصاحب عسكره ونائبا عنه فلما مات قطب الدين أيبك استبد بالملك، وأخذ الناس بالبيعة فأتاه الفقهاء يقدمهم قاضي القضاة إذ ذاك وجيه الدين الكاساني، فدخلوا عليه وقعدوا بين يديه، وقعد القاضي إلى جانبه على العادة وفهم السلطان عنهم ما أرادوا أن يكلّموه به فرفع طرف البساط الذي هو قاعد عليه وأخرج لهم عقدا يتضمن عتقه، فقرأه القاضي والفقهاء وبايعوه جميعا واستقل بالملك، وكانت مدّته عشرين «9» سنة، وكان عادلا صالحا فاضلا. ومن مآثره أنه اشتد في رد المظالم وإنصاف المظلومين وأمر أن يلبس كلّ مظلوم ثوبا مصبوغا، وأهل الهند جميعا يلبسون البياض، فكان متى قعد للناس أو ركب فرأى أحدا عليه ثوب مصبوغ نظر في قضيته وإنصافه ممن ظلمه، ثم إنه أعيا في ذلك، فقال: إنّ بعض الناس تجري عليهم المظالم باللّيل وأريد تعجيل إنصافهم، فجعل على باب قصره أسدين

ذكر السلطان ركن الدين بن السلطان شمس الدين.

مصورين من الرخام موضوعين على برجين هنالك، وفي أعناقهما سلسلتان من الحديد فيهما جرس كبير، فكان المظلوم يأتي ليلا فيحرّك الجرس فيسمعه السلطان وينظر في أمره للحين وينصفه «10» ! ولما توفي السلطان شمس الدين خلّف من الأولاد الذّكور ثلاثة وهم: ركن الدين الوالي بعده، ومعزّ الدين، وناصر الدين وبنتا تسمى رضية هي شقيقة معز الدين منهم فتولى بعده ركن الدين كما ذكرناه «11» . ذكر السلطان ركن الدين بن السلطان شمس الدين. ولما بويع ركن الدين بعد موت أبيه افتتح أمره بالتعدّي على أخيه معزّ الدين فقتله «12» وكانت رضية شقيقته، فأنكرت ذلك عليه فأراد قتلها فلما كان في بعض أيام الجمع، فخرج ركن الدين إلى الصلاة «13» ، فصعدت رضية على سطح القصر القديم المجاور للجامع الأعظم، وهو يسمى دولة خانة ولبست عليها ثياب المظلومين، وتعرضت للناس وكلّمتهم من أعلى السطح وقالت لهم: إن أخي قتل أخاه، وهو يريد قتلي معه، وذكرتهم أيام أبيها وفعله الخير وإحسانه إليهم، فثاروا عند ذلك إلى السلطان ركن الدين وهو في المسجد، فقبضوا عليه وأتوا به إليها، فقالت لهم: القاتل يقتل، فقتلوه قصاصا بأخيه وكان أخوهما ناصر الدين صغيرا فاتّفق الناس على تولية رضية. ذكر السلطانة رضية ولما قتل ركن الدّين اجتمعت العساكر على تولية أخته رضية فولّوها الملك واستقلت فيه أربع سنين، وكانت تركب بالقوس والترگش والقربان «14» كما يركب الرجال ولا تستر وجهها،

ذكر السلطان ناصر الدين بن السلطان شمس الدين.

ثم إنها اتّهمت بعبد لها من الحبشة «15» ، فاتفق الناس على خلعها وتزويجها، فخلعت وزوجت من بعض أقاربها وولى الملك أخوها ناصر الدين «16» . ذكر السلطان ناصر الدين بن السلطان شمس الدّين. ولما خلعت رضية ولّي ناصر الدين أخوها الأصغر، واستقلّ بالملك مدة، ثم إن رضية وزوجها خالفا عليه «17» ، وركبا في مماليكهما ومن تبعهما من أهل الفساد وتهيأ لقتاله، وخرج ناصر الدين ومعه مملوكه النائب عنه غياث الدين بلبن متولّى الملك بعده فوقع اللقاء وانهزم عسكر رضية وفرت بنفسها فأدركها الجوع وأجهدها الإعياء، فقصدت حرّاثا رأته يحرث الأرض، فطلبت منه ما تأكله فأعطاها كسرة خبز فأكلتها وغلب عليها النوم، وكانت في زي الرّجال، فلما نامت نظر إليها الحراث وهي نائمة فرأى تحت ثيابها قباء مرصّعا، فعلم أنها امرأة فقتلها، وسلبها وطرد فرسها ودفنها في فدّانه، وأخذ بعض ثيابها فذهب إلى السوق يبيعها، فأنكر أهل السوق شأنه وأتوا به الشّحنة «18» ، وهو الحاكم، فضربه، فأقرّ بقتلها، ودلّهم على مدفنها فاستخرجوها وغسلوها وكفّنوها، ودفنت هنالك، وبنيّ عليها قبّة، وقبرها الآن يزار ويتبرك به وهو على شاطئ النهر الكبير المعروف بنهر الجون «19» على مسافة فرسخ واحد من المدينة. واستقل ناصر الدّين بالملك بعدها واستقام له الأمر عشرين سنة وكان ملكا صالحا،

ذكر السلطان غياث الدين بلبن

ينسخ نسخا من الكتاب العزيز، ويبيعها فيقتات بثمنها «20» ! وقد وقفني القاضي كمال الدين على مصحف بخطه متقن محكم الكتابة، ثم إن نائبه غياث الدين بلبن قتله وملك بعده «21» ، ولبلبن هذا خبر ظريف نذكره. ذكر السلطان غياث الدين بلبن وضبط اسمه بباءين موحدتين بينهما لام والجميع مفتوحات وآخره نون، ولما قتل بلبن مولاه السلطان ناصر الدين استقل بالملك بعده عشرين سنة، وقد كان قبلها نائبا له عشرين سنة أخرى، وكان من خيار السلاطين عادلا حليما2» فاضلا ومن مكارمه أنه بنى دارا وسمّاها دار الآمن. فمن دخلها من أهل الديون قضي دينه، ومن دخلها خائفا أمن ومن دخلها وقد قتل أحدا أرضى عنه أولياء المقتول، ومن دخلها من ذوي الجنايات أرضى أيضا من يطلبه، وبتلك الدار دفن لما مات وقد زرت قبره «23» . حكايته الغريبة: يذكر أن أحد الفقراء ببخارى رأى بها بلبن هذا وكان قصيرا حقيرا ذميما، فقال له: يا تركك! وهي لفظة تعرب عن الاحتقار، فقال له لبّيك يا خوند! فأعجبه كلامه، فقال له: أشتر لي من هذا الرّمان، وأشار إلى رمان يباع بالسوق، فقال له: نعم، وأخرج فليسات لم يكن عنده سواها، واشترى له من ذلك الرمان، فلما أخذها الفقير، قال له: وهبناك ملك الهند، فقبّل بلبن يد نفسه وقال: قبلت ورضيت! واستقرّ ذلك في ضميره. واتّفق أن بعث السلطان شمس الدين للمش تاجرا يشتري له المماليك بسمرقند

وبخارى وترمذ، فاشترى مائة مملوك كان من جملتهم بلبن، فلما دخل بالمماليك على السلطان أعجبه جميعهم إلا بلبن لما ذكرناه من ذمامته، فقال: لا أقبل هذا، فقال له بلبن: يا خوند عالم، لمن اشتريت هؤلاء المماليك؟ فضحك منه، وقال: اشتريتهم لنفسي، فقال له: اشترني أنا لله عز وجل! فقال: نعم وقبله وجعله في جملة المماليك فاحتقر شأنه وجعل في السقّائين، وكان أهل المعرفة بعلم النجوم يقولون للسلطان شمس الدين: إن أحد مماليكك يأخذ الملك من يد ابنك، ويستولي عليه. ولا يزالون يلقون له ذلك، وهو لا يلتفت إلى أقوالهم لصلاحه وعدله إلى أن ذكروا ذلك للخاتون الكبرى أمّ أولاده، فذكرت له ذلك، وأثّر في نفسه، وبعث عن المنجّمين، فقال: أتعرفون المملوك الذي يأخذ ملك ابني إذا رأيتموه؟ فقالوا له نعم، عندنا علامة نعرفه بها، فأمر السلطان بعرض مماليكه وجلس لذلك، فعرضوا بين يديه طبقة طبقة والمنجّمون ينظرون إليهم، ويقولون: لم نره بعد، وحان وقت الزوال فقال السقّاءون بعضهم لبعض: إنا قد جعنا فلنجمع شيئا من الدراهم ونبعث أحدنا إلى السوق ليشتري لنا ما نأكله، فجمعوا الدراهم وبعثوا بها بلبن إذ لم يكن فيهم أحقر منه، فلم يجد بالسوق ما أرادوه، فتوجه إلى سوق أخرى وأبطأ، وجاءت نوبة السقّائين في العرض، وهو لم يأت بعد، فأخذوا زقّه وماعونه وجعلوهما على كاهل صبيّ وعرضوه على أنه بلبن، فلما نودي باسمه جاز الصبي بين أيديهم، وانقضى العرض ولم ير المنجمون الصّورة التي طلبوبها، وجاء بلبن بعد تمام العرض لما أراد الله من إنفاذ قضائه «24» ، ثم إنه ظهرت نجابته فجعل أمين السقائين ثم صار من جملة الأجناد ثم من الأمراء. ثم تزوج السلطان ناصر الدين بنته قبل أن يلي الملك، فلما ولي الملك جعله نائبا عنه مدة عشرين سنة ثم قتله بلبن واستولى على ملكه عشرين سنة أخرى كما تقدم ذكر ذلك! وكان للسلطان بلبن ولدان: أحدهما الخان الشهيد ولي عهده، وكان واليا لأبيه ببلاد السند ساكنا بمدينة ملتان وقتل في حرب له مع التتر «25» وترك ولدين كى قباد، وكى خسرو «26» ، وولد السلطان بلبن الثاني يسمى ناصر الدين وكان واليا لأبيه ببلاد اللكنوتي «27»

ذكر السلطان معز الدين بن ناصر الدين بن السلطان غياث الدين بلبن:

وبنجالة، فلما استشهد الخان الشهيد جعل السلطان بلبن العهد إلى ولده كي خسرو وعدل به عن ابن نفسه ناصر الدين، وكان لناصر الدين أيضا ولد ساكن بحضرة دهلي مع جده غياث الدين يسمّى معز الدين وهو الذي تولّى الملك بعد جده في خبر عجيب نذكره، وأبوه إذ ذاك حيّ كما ذكرناه. ذكر السلطان معز الدين بن ناصر الدين بن السلطان غياث الدين بلبن: ولما توفي السلطان غياث الدين ليلا، وابنه ناصر الدين غائب ببلاد اللكنوتي، وجعل العهد لابن ابنه الشهيد كي خسرو حسبما قصصناه كان ملك الأمراء نائب السلطان غياث الدين «28» عدوّا لكي خسرو فأدار عليه حيلة تمت له، وهي أنه كتب بيعة دلّس فيها على خطوط الأمراء الكبار بأنهم بايعوا معز الدين حفيد السلطان بلبن ودخل على كي خسرو كالمتنصّح له فقال له: إن الأمراء قد بايعوا ابن عمك وأخاف عليك منهم فقال له: كي خسرو: فما الحيلة؟ قال أنج بنفسك هاربا إلى بلاد السند، فقال: وكيف الخروج والأبواب مسدودة؟ فقال له: إن المفاتيح بيدي وأنا أفتح لك، فشكره على ذلك وقبّل يده، فقال له: اركب الآن، فركب في خاصته ومماليكه وفتح له الباب وأخرجه، وسدّ في أثره، واستأذن «29» على معز الدين فبايعه، فقال: كيف لي بذلك وولاية العهد لابن عمّي؟ فأعلمه بما أدار عليه من الحيلة وبإخراجه فشكره على ذلك، ومضى به إلى دار الملك وبعث عن الأمراء والخواص فبايعوه ليلا، فلما أصبح بايعه سائر الناس، واستقام له الملك. وكان أبوه حيا ببلاد بنجالة واللّكنوتي، فاتصل به الخبر، فقال: أنا وارث الملك، وكيف يلي ابني الملك ويستقلّ به وأنا بقيد الحياة؟ فتجهز في جيوشه قاصدا حضرة دهلي وتجهز ولده في جيوشه أيضا قاصدا لمدافعته عنها فتوافيا معا بمدينة كرا «30» ، وهي على ساحل نهر الكنك الذي تحج الهنود إليه، فنزل ناصر الدين على شاطئه مما يلي كرا ونزل ولده السلطان معزّ الدين مما يلي الجهة الأخرى والنّهر بينهما وعزما على القتال، ثم إن الله تعالى أراد حقن دماء المسلمين فالقى في قلب ناصر الدين الرحمة لابنه، وقال: إذا ملك ولدي فذلك شرف لي وأنا أحقّ أن أرغب في ذلك، وألقى في قلب السلطان معز الدين الضّراعة لأبيه

ذكر السلطان جلال الدين

فركب كل واحد منهما في مركب منفردا عن جيوشه والتقيا في وسط النهر فقبّل السّلطان رجل أبيه، واعتذر له فقال له أبوه: قد وهبتك ملكي ووليتك، وبايعه وأراد الرجوع لبلاده، فقال له ابنه: لا بدّ لك من الوصول إلى بلادي فمضى معه إلى دهلي «31» ، ودخل القصر وأقعده أبوه على سرير الملك، ووقف بين يديه وسمّي ذلك اللّقاء الذي كان بينهما بالنّهر لقاء السعدين، لما كان فيه من حقن الدماء وتواهب الملك والتجافي عن المنازعة، وأكثرت الشعراء في ذلك، وعاد ناصر الدين إلى بلاده. فمات بها بعد سنين وترك بها ذرية منهم غياث الدين بها دور «32» الذي أسره السلطان تغلق، وأطلقه ابنه محمد بعد وفاته، واستقام الملك لمعز الدين أربعة أعوام بعد ذلك كانت كالأعياد «33» . رأيت بعض من أدركها يصف خيراتها ورخص أسعارها وجود معز الدين وكرمه، وهو الذي بنى الصّومعة بالصحن الشمالي من جامع دهلي، ولا نظير لها في البلاد. وحكى لي بعض أهل الهند أن معز الدين كان يكثر النكاح والشرب فاعترته علّة أعجز الأطباء دواؤها ويبس أحد شقّيه، فقام عليه نائبه جلال الدين فيروز شاه الخلجي «34» ، بفتح الخاء المعجم واللام والجيم. ذكر السلطان جلال الدين ولما اعترى السلطان معز الدين ما ذكرناه من يبس أحد شقّيه، خالف عليه نائبه جلال الدين ما ذكرناه من يبس أحد شيّه خالف عليه نائبه جلال الدين وخرج إلى ظاهر المدينة فوقف على تلّ هنالك بجانب قبّة تعرف بقبة الجيشاني، فبعث معز الدين الأمراء لقتاله، فكان كل من يبعثه منهم يبايع جلال الدين، ويدخل في جملته، ثم دخل المدينة وحصره في القصر ثلاثة أيام. وحدّثني من شاهد ذلك أن السلطان معز الدين أصابه الجوع في تلك الأيام، فلم يجد ما يأكله، فبعث إليه أحد الشرفاء من جيرانه ما أقام أوده، ودخل عليه قصر فقتل، وولى بعده

جلال الدين وكان حليما فاضلا، وحلمه أدّاه إلى القتل، كما سنذكره، واستقام له الملك سنين «35» ، وبني القصر المعروف باسمه «36» ، وهو الّذي أعطاه السلطان محمد لصهره الأمير غدا بن مهنّى لما زوّجه بأخته، وسيذكر ذلك، فكان للسلطان جلال الدين ولد اسمه ركن الدين، وابن أخ اسمه علاء الدين زوّجه بابنته، وولّاه مدينة كرا ومانكبور ونواحيها «37» ، وهي من أخصب بلاد الهند، كثيرة القمح والأرز والسكّر، وتصنع بها الثياب الرفيعة، ومنها تجلب إلى دهلي وبينهما مسيرة ثمانية عشر يوما. وكانت زوجة علاء الدين تؤذيه فلا يزال يشكوها إلى عمه السلطان جلال الدين حتى وقعت الوحشة بينهما بسببها، وكان علاء الدين شهما شجاعا مظفرا منصورا، وحبّ الملك ثابت في نفسه إلّا أنّه لم يكن له مال إلّا ما يستفيده بسيفه من غنائم الكفّار، فاتفق أنّه ذهب مرّة إلى الغزو ببلاد الدّويقير «38» ، وتسمى بلاد الكتكة أيضا، وسنذكرها، وهي كرسيّ بلاد المالوة والمرهتة «39» ، وكان سلطانها أكبر سلاطين الكفار فعثرت بعلاء الدين في تلك الغزوة دابّة له عند حجر، فسمع له طنينا، فأمر بالحفر هنالك فوجد تحته كنزا عظيما «40» ،

ذكر السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي.

ففرّقه في أصحابه ووصل إلى الدّويقير فأذعن له سلطانها بالطاعة ومكّنه من المدينة من غير حرب، وأهدى له هدايا عظيمة فرجع إلى مدينة كرا، ولم يبعث إلى عمّه شيئا من الغنائم فأغرى النّاس عمّه به، فبعث عنه فامتنع من الوصول اليه، فقال السلطان جلال الدين: أنا أذهب إليه واتي به فإنه محلّ ولدي، فتجهّز في عساكره وطوى المراحل حتى حلّ بساحل مدينة كرا حيث نزل السلطان معز الدين لما خرج إلى لقاء أبيه ناصر الدين، وركب النهر برسم الوصول إلى ابن أخيه وركب ابن أخيه أيضا في مركب ثان عازما على الفتك به وقال لأصحابه: إذا أنا عانقته فاقتلوه، فلما التقيا وسط النهر عانقه ابن أخيه، وقتله أصحابه كما وعدهم واحتوى على ملكه وعساكره «41» . ذكر السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي. ولما قتل عمّه استقلّ بالملك وفرّ إليه أكثر عساكر عمه وعاد بعضهم إلى دهلي واجتمعوا على ركن الدين «42» وخرج إلى دفاعه فهربوا جميعا إلى السلطان علاء الدين وفرّ ركن الدين إلى السند ودخل علاء الدين دار الملك واستقام له الأمر عشرين سنة، وكان من خيار السلاطين، وأهل الهند يثنون عليه كثيرا، وكان يتفقّد أمور الرعيّة بنفسه ويسئل عن أسعارهم، ويحضر المحتسب «43» ، وهم يسمونه الرئيس في كلّ يوم برسم ذلك، ويذكر أنه سأله يوما عن سبب غلاء اللّحم، فأخبره أن ذلك لكثرة المغرم على البقر في الرّتب، فأمر برفع ذلك وأمر باحضار التّجار وأعطاهم الأموال، وقال لهم: اشتروا بها البقر والغنم وبيعوها ويرتفع ثمنها لبيت المال، ويكون لكم أجرة على بيعها، ففعلوا ذلك، وفعل مثل هذا في الأثواب التي يوتي بها من دولة أباد. وكان إذا غلا ثمن الزّرع فتح المخازن وباع الزّرع حتّى يرخص السعر، ويذكر أنّ السعر ارتفع ذات مرة فأمر ببيع الزرع بثمن عيّنه فامتنع الناس من بيعه بذلك الثمن فأمر أن

لا يبيع أحد زرعا غير زرع المخزن، وباع للناس ستّة أشهر فخاف المحتكرون فساد زرعهم بالسوس فرغبوا أن يؤذن لهم في البيع فأذن لهم على أن باعوه بأقلّ من القيمة الأولى التي امتنعوا من بيعه «44» بها. وكان لا يركب لجمعة ولا عيد ولا سواهما، وسبب ذلك أنه كان له ابن أخ يسمّى سليمان شاه «45» ، وكان يحبّه ويعظّمه، فركب يوما إلى الصيد وهو معه وأضمر في نفسه أن يفعل به ما فعل هو بعمّه جلال الدين من الفتك، فلما نزل للغداء رماه بنشّابة فصرعه وغطّاه بعض عبيده بترس وأتى ابن أخيه ليجهز عليه فقال له العبيد: إنه قد مات فصدّقهم، وركب فدخل القصر على الحرم، وأفاق السلطان علاء الدين من غشيته وركب واجتمعت العساكر عليه، وفرّ ابن أخيه فأدرك وأوتي به إليه فقتله، وكان بعد ذلك لا يركب. وكان له من الأولاد خضر خان، وشادي خان، وأبو بكر خان، ومبارك خان، وهو قطب الدين الذي ولى الملك وشهاب الدين، وكان قطب الدين مهتضما عنده، ناقص الحظّ، قليل الحظوة. وأعطى جميع إخوته المراتب وهي الأعلام والأطبال، ولم يعطه شيئا وقال له يوما: لا بدّ أن أعطيك مثل ما أعطيت إخوتك، فقال له: الله هو الذي يعطيني! فهال أباه هذا الكلام، وفزع منه. ثم إنّ السلطان أصابه المرض الذي مات منه، وكانت زوجته أم ولده خضر خان، وتسمى ماه حق، والماه القمر بلسانهم «46» ، لها أخ يسمى سنجر، فعاهدت أخاها على تمليك ولدها خضر خان «47» ، وعلم بذلك ملك نائب أكبر أمراء السلطان وكان

ذكر ابنه السلطان شهاب الدين

يسمّى الألفي «48» ، لأن السلطان اشتراه بألف تنكة، وهي ألفان وخمسمائة من دنانير المغرب «49» ، فوشى إلى السلطان بما اتّفقوا عليه، فقال لخواصّه: إذا دخل عليّ سنجر فإنّي معطيه ثوبا، فإذا لبسه فأمسكوا بأكمامه واضربوا به الأرض وأذبحوه، فلما دخل عليه فعلوا ذلك وقتلوه! وكان خضر خان غائبا بموضع يقال له سندبت «50» على مسيرة يوم من دهلي، توجّه لزيارة شهداء مدفونين به لنذر كان عليه أن يمشي تلك المسافة راجلا ويدعو لوالده بالراحة، فلما بلغه أنّ أباه قتل خاله حزن عليه حزنا شديدا ومزّق جيبه، وتلك عادة لأهل الهند يفعلونها إذا مات لهم من يعزّ عليهم، فبلغ والده ما فعله، فكره ذلك فلما دخل عليه عنّفه ولامه، وأمر به فقيّدت يداه ورجلاه وسلّمه لملك نايب المذكور، وأمره أن يذهب به إلى حصن كاليور «51» ، وضبطه بفتح الكاف المعقودة وكسر اللام وضم الياء آخر الحروف وآخر راء، ويقال له أيضا كيالير بزيادة ياء ثانية، وهو حصن منقطع بين كفّار الهنود منيع على مسيرة عشر من دهلى، وقد سكنته أنا مدّة فلما أوصله إلى هذا الحصن سلّمه للكتوال وهو أمير الحصن، وللمفردين «52» وهم الزّماميّون «53» وقال لهم: لا تقولوا: هذا ابن السلطان فتكرموه، إنّما هو أعدى عدوّ له فاحفظوه كما يحفظ العدوّ! ثمّ إنّ المرض اشتدّ بالسلطان، فقال لملك نايب ابعث من ياتي بابني خضر خان لأولّيه العهد، فقال له: نعم وماطله بذلك، فمتى سأله عنه، قال هو ذا يصل إلى أن توفى السلطان، رحمه الله. ذكر ابنه السلطان شهاب الدين ولما توفي السلطان علاء الدين أقعد ملك نايب ابنه الأصغر شهاب الدين على سرير

ذكر السلطان قطب الدين ابن السلطان علاء الدين

«54» الملك، وبايعه الناس وتغلب ملك نايب عليه، وسمل أعين أبي بكر خان وشادي خان، وبعث بهما إلى كاليور، وأمر بسمل عيني أخيهما خضر خان المسجون هنالك، وسجنوا وسجن قطب الدين لاكنّه لم يسمل عينيه، وكان للسلطان علاء الدين مملوكان من خواصّه، يسمّى أحدهما ببشير، والآخر بمبشّر، فبعثت عنهما الخاتون الكبرى زوجة علاء الدين، وهي بنت السلطان معز الدين «55» فذكرتهما بنعمة مولاهما وقالت: إنّ هذا الفتى نايب ملك قد فعل في أولادي ما تعلمانه، وإنه يريد أن يقتل قطب الدين، فقالا لها: سترين ما نفعل، وكانت عادتهما أنّ يبيتا عند نايب ملك، ويدخلا عليه بالسلاح، فدخلا عليه تلك الليلة، وهو في بيت من الخشب مكسوّ بالملف يسمونه الخرمقة «56» ينام فيه أيام المطر فوق سطح القصر، فاتّفق أنه أخذ السيف من يد أحدهما فقلّبه وردّه إليه فضربه به المملوك، وثنّى عليه صاحبه واحتزّا رأسه وأتيا به إلى محبس قطب الدين فرمياه بين يديه وأخرجاه فدخل على أخيه شهاب الدين وأقام بين يديه أياما كأنّه نايب له ثم عزم على خلعه فخلعه «57» . ذكر السلطان قطب الدين ابن السلطان علاء الدين وخلع قطب الدين أخاه شهاب الدين وقطع إصبعه وبعث به إلى كاليور فحبس مع إخوته، واستقام الملك لقطب الدين، ثمّ إنّه بعد ذلك خرج من حضرة دهلي إلى دولة أباد، وهي على مسيرة أربعين يوما منها والطريق بينهما تكنفه الأشجار من الصفصاف وسواه فكأنّ الماشي به في بستان، وفي كلّ ميل منه ثلاث داوات، وهي البريد، وقد ذكرنا ترتيبه، وفي كلّ داوة جميع ما يحتاج المسافر إليه فكأنّه يمشي في سوق مسيرة الأربعين يوما، وكذلك يتّصل الطريق إلى بلاد التّلنك «58» والمعبر «59» مسيرة ستّة أشهر، وفي كل منزلة قصر

للسلطان وزاوية للوارد والصادر. فلا يفتقر الفقير إلى حمل زاد في ذلك الطريق! ولما خرج السلطان قطب الدين في هذه الحركة «60» اتّفق بعض الأمراء على الخلاف عليه وتولية ولد أخيه خضر خان المسجون «61» ، وسنّه نحو عشرة أعوام، وكان مع السلطان، فبلغ السلطان ذلك، فأخذ ابن أخيه المذكور، وأمسك برجليه، وضرب برأسه إلى الحجارة حتّى نثر دماغه، وبعث أحد الأمراء ويسمى ملك شاه إلى كاليور حيث أبو هذا الولد وأعمامه وأمره بقتلهم جميعا! فحدّثني القاضي زين الدين مبارك قاضي هذا الحصن، قال: قدم علينا ملك شاه ضحوة يوم وكنت عند خضر خان بمحبسه، فلما سمع بقدومه خاف وتغيّر لونه، ودخل عليه الأمير فقال له: فيما جئت؟ قال: في حاجة خوند عالم، فقال له: نفسي سالمة؟ فقال: نعم، وخرج عنه واستحضر الكتوال، وهو صاحب الحصن والمفردين وهم الزماميّون، وكانوا ثلاثمائة رجل وبعث عنّي وعن العدول واستظهر بأمر السلطان فقرأوه وأتوا إلى شهاب الدّين المخلوع فضربوا عنقه وهو متثبّت غير جزع، ثم ضربوا عنق أبي بكر خان وشادي خان، ولما أتوا ليضربوا عنق خضر خان فزع وذهل، وكانت أمّه معه فسدّوا الباب دونها وقتلوه، وسحبوهم جميعا في حفرة دون تكفين ولا غسل، وأخرجوا بعد سنين فدفنوا بمقابر آبائهم، وعاشت أمّ خضر خان مدّة ورأيتها بمكة سنة ثمان وعشرين. وحصن كاليور «62» هذا في رأس شاهق كأنّه منحوت من الصخر لا يحاذيه جبل، وبداخله جباب الماء ونحو عشرين بئرا، عليها الأسوار مضافة إلى الحصن، منصوبا عليها المجانيق والرّعادات، ويصعد إلى الحصن في طريق متّسعة يصعدها الفيل والفرس، وعند باب الحصن صورة فيل منحوت من الحجر، وعليه صورة فيّال، وإذا رءاه الإنسان على البعد لم يشكّ أنّه فيل حقيقة، وأسفل الحصن مدينة حسنة مبنية كلّها بالحجارة البيض المنحوتة مساجدها ودورها، ولا خشب فيها ما عدا الأبواب، وكذلك دار الملك بها، والقباب والمجالس

ذكر السلطان خسرو خان ناصر الدين

وأكثر سوقتها كفّار، وفيها ستّماية فارس من جيش السلطان لا يزالون في جهاد لأنّها بين الكفّار. ولما قتل قطب الدين اخوته واستقل بالملك فلم يبق من ينازعه ولا من يخالف عليه، بعث الله تعالى عليه خاصّته الحظيّ لديه أكبر أمرائه وأعظمهم منزلة عنده ناصر الدين خسرو خان ففتك به وقتله واستقلّ بملكه الّا أنّ مدّته لم تطل في الملك فبعث الله عليه أيضا من قتله بعد خلعه وهو السلطان تغلق، حسبما يشرح ذلك كلّه مستوفى إن شاء الله تعالى إثر هذا ونسطره. ذكر السلطان خسرو خان ناصر الدين وكان خسرو خان من أكبر أمراء قطب الدين «63» ، وهو شجاع حسن الصورة وكان فتح بلاد جند يري «64» وبلاد المعبر، وهي من أخصب بلاد الهند، وبينهما وبين دهلي مسيرة ستّة أشهر، وكان قطب الدين يحبّه حبّا شديدا ويؤثره، فجّر ذلك حتفه على يديه، وكان لقطب الدين معلّم يسمى قاضي خان صدر الجهان «65» ، وهو أكبر أمرائه، وكليت دار وهو صاحب مفاتيح القصر، وعادته أن يبيت كلّ ليلة على باب السلطان ومعه أهل النوبة وهم ألف رجل يبيتون مناوبة بين أربع ليال ويكونون صفّين فيما بين أبواب القصر وسلاح كل واحد منهم بين يديه فلا يدخل أحد إلّا فيما بين سماطيهم، وإذا تمّ الليل أتى أهل نوبة النهار. ولأهل النّوبة امراء وكتّاب يتطوّفون عليهم ويكتبون من غاب منهم أو حضر، وكان معلم السلطان قاضي خان يكره أفعال خسرو خان ويسؤه ما يراه من إيثاره لكفّار الهنود وميله إليهم. وأصله منهم، ولا يزال يلقي ذلك إلى السلطان فلا يسمع منه، ويقول له: دعه وما يريد، لما أراد الله من قتله على يديه، فلما كان في بعض الأيام قال خسرو خان للسلطان: إنّ جماعة من الهنود يريدون أن يسلموا، ومن عادتهم بتلك البلاد أنّ الهندي إذا أراد الإسلام

أدخل إلى السلطان فيكسوه كسوة حسنة ويعطيه قلادة وأساور من ذهب على قدره، فقال له السلطان: ائتني بهم! فقال: إنهم يستحيون أن يدخلوا إليك نهارا لأجل أقربائهم وأهل ملّتهم، فقال له: ائتني بهم ليلا! فجمع خسرو خان جماعة من شجعان الهنود وكبرائهم فيهم أخوه خان خانان «66» ، وذلك أوان الحرّ، والسلطان ينام فوق سطح القصر، ولا يكون عنده في ذلك الوقت إلّا بعض الفتيان، فلما دخلوا الأبواب الأربعة، وهم شاكّون في السلاح، ووصلوا إلى الباب الخامس وعليه قاضي خان، أنكر شأنهم وأحسّ بالشر فمنعهم من الدخول، وقال: لا بدّ أن أسمع من خوند عالم بنفسي الإذن في دخولهم، وحينئذ يدخلون، فلما منعهم من الدخول هجموا عليه فقتلوه، وعلت الضجّة بالباب فقال السلطان: ما هذا؟ فقال خسرو خان: هم الهنود الذين أتوا ليسلموا، فمنعهم قاضي خان من الدخول، وزاد الضّجيج فخاف السلطان، وقام يريد الدّخول إلى القصر وكان بابه مسدودا والفتيان عنده، فقرع الباب واحتضنه خسرو خان من خلفه، وكان السلطان أقوى منه فصرعه، ودخل الهنود، فقال لهم خسرو خان: هوذا فوقي فاقتلوه! فقتلوه وقطعوا رأسه ورموا به من سطح القصر إلى صحنه «67» . وبعث خسرو خان من حينه عن الأمراء والملوك، وهم لا يعلمون بما اتّفق، فكلّما دخلت طائفة وجدوه على سرير الملك، فبايعوه، ولما أصبح أعلن بأمره وكتب المراسم وهي الأوامر إلى جميع البلاد، وبعث لكلّ أمير خلعة فطاعوا له جميعا واذعنوا إلا تغلق شاه والد السلطان محمد شاه، وكان اذ ذاك أميرا بدبّال بور «68» من بلاد السند، فلما وصلته خلعة خسرو خان طرحها بالأرض وجلس فوقها وبعث إليه أخاه خان خانان فهزمه، ثم آل أمره إلى أن قتله كما سنشرحه في أخبار تغلق. ولما ملك خسرو خان آثر الهنود «69» وأظهر أمورا منكرة منها النهى عن ذبح البقر

ذكر السلطان غياث الدين تغلق شاه

على قاعدة كفّار الهنود فإنهم لا يجيزون ذبحها، وجزاء من ذبحها عندهم أن يخاط في جلدها ويحرق! وهم يعظمون البقر ويشربون أبوالها للبركة والاستشفاء إذا مرضوا، ويلطخون بيوتهم وحيطانهم بأرواثها، وكان ذلك ممّا بغّض خسرو خان إلى المسلمين وأمالهم عنه إلى تغلق، فلم تطل مدة ولايته، ولا امتدّت ايام ملكه، كما سنذكره. ذكر السلطان غياث الدين تغلق شاه وضبط اسمه بضم التاء المعلوة وسكون الغين المعجم وضم اللام وآخره قاف، حدّثني الشيخ الامام الصالح العالم العامل العابد ركن الدين ابن الشيخ الصالح شمس الدين أبي عبد الله بن الولي الإمام العالم العابد بهاء الدين زكرياء القرشي الملتاني، بزاويته منها، أنّ السلطان تغلق كان من الأتراك المعروفين بالقرونة «70» ، بفتح القاف والراء وسكون الواو وفتح النون، وهم قاطنون بالجبال التي بين بلاد السند والترك، وكان ضعيف الحال، فقدم بلاد السند في خدمة بعض التّجار. وكان كلوانيا له، والكلواني، بضم الكاف المعقودة هو راعي الخيل، وذلك على أيام السلطان علاء الدين، وأمير السند إذ ذاك أخوه أولو خان «71» ، بضم الهمزة واللام، فخدمه تغلق وتعلّق بجانبه فرتّبه في البيادة «72» ، بكسر الباء الموحدة وفتح الياء آخر الحروف، وهم الرّجالة، ثم ظهرت نجابته فأثبت في الفرسان، ثم كان من الامراء الصّغار وجعله أولو خان أمير خيله، ثم كان بعد من الأمراء الكبار وسمّى بالملك الغازي. ورأيت مكتوبا على مقصورة الجامع بملتان، وهو الذي أمر بعملها: إنّي قاتلت التتر تسعا وعشرين مرة فهزمتهم فحينئذ سمّيت بالملك الغازي «73» . ولما ولى قطب الدين ولّاه مدينة دبال بور وعمالتها، وهي بكسر الدال المهمل وفتح الباء الموحدة، وجعل ولده الذي هو الآن سلطان الهند أمير خيله، وكان يسمى جونة، بفتح الجيم

والنون، ولما ملك تسمّى بمحمد شاه، ثم لمّا قتل قطب الدين وولى خسرو خان أبقاه على امارة الخيل، فلما أراد تغلق الخلاف كان له ثلاثمائة من أصحابه الذين يعتمد عليهم في القتال، وكتب إلى كشلو خان «74» ، وهو يومئذ بملتان وبينها وبين دبال بور ثلاثة أيام يطلب منه القيام بنصرته ويذكّره نعمة قطب الدين ويحرّضه على طلب ثاره. وكان ولد كشلو خان بدهلي فكتب إلى تغلق أنّه لو كان ولدي عندي لأعنتك على ما تريد، فكتب تغلق إلى ولده محمد شاه يعلمه بما عزم عليه، ويأمره أن يفرّ إليه، ويستصحب معه ولد كشلو خان، فأراد ولده الحيلة على خسرو خان وتمّت له كما أراد، فقال له: إنّ الخيل قد سمنت وتبدّنت وهي تحتاج اليراق «75» ، وهو التّضمير، فإذن له في تضميرها، فكان يركب كلّ يوم في أصحابه فيسير بها الساعة والساعتين والثلاث، واستمر إلى أربع ساعات إلى أن غاب يوما إلى وقت الزوال، وذلك وقت طعامهم فأمر السلطان بالركوب في طلبه، فلم يوجد له خبر ولحق بأبيه واستصحب معه ولد كشلو خان، وحينئذ أظهر تغلق الخلاف وجمع العساكر وخرج معه كشلو خان في أصحابه وبعث السلطان أخاه خان خانان لقتالهما فهزماه شرّ هزيمة، وفرّ عسكره إليهما ورجع خان خانان إلى أخيه وقتل أصحابه، وأخذت خزاينه وأمواله. وقصد تغلق حضرة دهلي وخرج إليه خسرو خان في عساكره ونزل بخارج دهلي بموضع يعرف بآصياأباد «76» ومعنى ذلك رحى الرّيح، وأمر بالخزائن ففتحت وأعطى الأموال بالبدر، لا بوزن ولا عدد، ووقع اللقاء بينه وبين تغلق وقاتلت الهنود أشدّ قتال، وانهزمت عساكر تغلق ونهبت محلّته وانفرد في أصحابه الأقدمين الثلاثمائة فقال لهم: إلى أين الفرار؟ حيثما أدركنا قتلنا، واشتغلت عساكر خسرو خان بالنّهب وتفرّقوا عنه، ولم يبق معه إلا قليل فقصد تغلق وأصحابه موقفه، والسلطان هنالك يعرف بالشّطر الذي يرفع فوق رأسه وهو الذي يسمى بديار مصر القبّة والطّير، ويرفع بها في الأعياد، وأما بالهند والصين

ذكر ما رامه ولده من القيام عليه فلم يتم له ذلك.

فلا يفارق السلطان في سفر ولا حضر فلما قصده تغلق وأصحابه حمى القتال بينهم وبين الهنود وانهزم أصحاب السلطان ولم يبق معه أحد وهرب فنزل عن فرسه ورمى بثيابه وسلاحه وبقى في قميص واحد وأرسل شعره بين كتفيه كما يفعل فقراء الهند، ودخل بستانا هنالك واجتمع الناس على تغلق وقصد المدينة فأتاه الكتوال بالمفاتيح ودخل القصر ونزل بناحية منه، وقال لكشلو خان: أنت تكون السلطان، فقال كشلو خان: بل أنت تكون السلطان وتنازعا فقال له كشلو خان: فإن أبيت أن تكون سلطانا فيتولى ولدك، فكره هذا وقبل حينئذ وقعد على سرير الملك وبايعه الخاص والعام، ولما كان بعد ثلاث اشتدّ الجوع بخسرو خان وهو مختف بالبستان فخرج وطاف به فوجد القيّم فسأله طعاما فلم يكن عنده فأعطاه خاتمه وقال: اذهب فارهنه في طعام. فلما ذهب بالخاتم إلى السوق أنكر الناس أمره ورفعوه إلى الشّحنة، وهو الحاكم، فأدخله على السلطان تغلق فأعلمه بمن دفع إليه الخاتم، فبعث ولده محمدا ليأتي به، فقبض عليه وأتاه به راكبا على تتو، بتائين مثناتين أولاهما مفتوحة والثانية مضمومة وهو البرذون، فلما مثل بين يديه، قال له: إني جائع فائتني بالطعام، فأمر له بالشربة ثم بالطعام ثم بالفقّاع ثم بالتّنبول، فلما أكل قام قائما وقال: ياتغلق إفعل معي فعل الملوك ولا تفضحني! فقال له: لك ذلك وأمر به فضربت رقبته، وذلك في الموضع الذي قتل هو به قطب الذين، ورمى برأسه وجسده من أعلى السطح كما فعل هو برأس قطب الدين، وبعد ذلك أمر بغسله وتكفينه ودفن في مقبرته واستقام الملك لتغلق أربعة أعوام وكان عادلا فاضلا. ذكر ما رامه ولده من القيام عليه فلم يتمّ له ذلك. ولما استقرّ تغلق بدار الملك بعث ولده محمدا ليفتح بلاد التّلنگ «77» ، وضبطها بكسر التاء المعلوة واللام وسكون النون وكاف معقود، وهي على مسيرة ثلاثة أشهر من مدينة دهلي، وبعث معه عسكرا عظيما فيه كبار الأمراء مثل الملك تمور، بفتح التاء المعلوة وضم الميم، وآخره راء، ومثل الملك تكين بكسر التاء المعلوة والكاف وآخره نون، ومثل ملك كافور المهر دار بضم الميم ومثل ملك «78» بيرم، بالباء الموحدة مفتوحة، والياء آخر الحروف، والراء مفتوحة، وسواهم، فلما بلغ إلى أرض التّلنك أراد المخالفة، وكان له نديم من الفقهاء الشعراء يعرف بعبيد فأمره أن يلقى إلى الناس أنّ السلطان تغلق توفى، وظنّه أنّ الناس يبايعونه مسرعين

ذكر مسير تغلق إلى بلاد اللكنوتي وما اتصل بذلك إلى وفاته.

إذا سمعوا ذلك، فلما ألقى ذلك إلى الناس أنكره الأمراء، وضرب كلّ واحد منهم طبله وخالف، فلم يبق معه من أحد، وأرادوا قتله فمنهم منه ملك تمور، وقام دونه ففرّ إلى أبيه في عشرة من الفرسان سمّاهم ياران موافق، معناه الأصحاب الموافقون فأعطاه أبوه الأموال والعساكر وأمره بالعود إلى التلنگ «79» فعاد إليها، وعلم أبوه بما كان أراد، فقتل الفقيه عبيدا، وأمر بملك كافور المهردار فضرب له عمود في الأرض محدود الطرف وركّز في عنقه حتى خرج من جنبه طرفه ورأسه إلى أسفل وترك على تلك الحال وفرّ من بقى من الأمراء إلى السلطان شمس الدين ابن السلطان ناصر الدين بن السلطان غياث الدين بلبن واستقرّوا عنده. ذكر مسير تغلق إلى بلاد اللكنوتي وما اتّصل بذلك إلى وفاته. وأقام الأمراء الهاربون عند السلطان شمس الدين «80» ، ثم إن شمس الدين توفي وعهد لولده شهاب الدين فجلس مجلس أبيه، ثم غلب عليه أخوه الأصغر غياث الدين بهادور بوره، ومعناه بالهندية: الأسود، واستولى على الملك وقتل أخاه قطلوخان وساير إخوته وفرّ شهاب الدّين وناصر الدين منهم إلى تغلق فتجهز معهما بنفسه لقتال أخيهما وخلّف ولده محمدا نائبا عنه في ملكه وجدّ السير إلى بلاد اللكنوتي، فتغلب عليها وأسر سلطانها غياث الدين بهادور، وقدم به أسيرا إلى حضرته. وكان «81» بمدينة دهلي الولي نظام الدّين البذاوني «82» ولا يزال محمد شاه ابن السلطان يتردّد إليه ويعظم خدّامه، ويسأله الدعاء، وكان يأخذ الشيخ حال تغلب عليه، فقال

ابن السلطان لخدامه: إذا كان الشيخ في حاله الذي تغلب عليه فأعلموني بذلك، فلما أخذته الحال أعلموه فدخل عليه، فلما رآه الشيخ قال: وهبنا لك الملك. ثم توفّى الشيخ في أيام غيبة السلطان، فحمل ابنه محمد نعشه على كاهله فبلغ ذلك أباه فانكره وتوعده، وكان قد رابته منه أمور ونقم عليه استكثاره من شراء المماليك واجزاله العطايا واستجلابه قلوب الناس فزاد حنقه عليه وبلغه أنّ المنجّمين زعموا أنّه لا يدخل مدينة دهلي بعد سفره ذلك، فتوعدهم «83» ! ولما عاد من سفره وقرب من الحضرة أمر ولده أن يبني له قصرا وهم يسمونه الكشك بضم الكاف وشين معجم مسكن، على واد هنالك يسمى أفغان بور «84» ، فبناه في ثلاثة أيام وجعل أكثر بنائه بالخشب مرتفعا على الأرض قائما على سواري خشب وأحكمه بهندسة تولّى النظر فيها الملك زاده المعروف بعد ذلك بخواجة جهان، واسمه أحمد بن إياس كبير وزراء السلطان محمد «85» ، وكان إذ ذاك شحنة العمارة، وكانت الحكمة التي اخترعوها فيه أنّه متى وطئت الفيلة جهة منه وقع ذلك القصر وسقط. ونزل السلطان بالقصر وأطعم الناس وتفرقوا واستأذنه ولده في أن يعرض الفيلة بين يديه وهي مزيّنة فأذن له. وحدّثني الشيخ ركن الدين أنّه كان يومئذ مع السلطان ومعهما ولد السلطان المؤثر لديه محمود فجاء محمد ابن السلطان، فقال للشيخ: ياخوند! هذا وقت العصر، انزل فصلّ! قال لي الشيخ: فنزلت وأتى بالأفيال من جهة واحدة حسبما دبّروه، فلما وطئتها سقط الكشك على السلطان وولده محمود قال الشيخ فسمعت الضّجة فعدت ولم اصلّ فوجدت الكشك قد سقط، فأمر ابنه أن يوتي بالفؤس والمساحي للحفر عنه، وأشار بالإبطاء، فلم يؤت بهما إلّا وقد غربت الشمس فحفروا، ووجدوا السلطان قد حنا ظهره على ولده ليقيه الموت! فزعم بعضهم أنّه أخرج ميّتا وزعم بعضهم أنّه أخرج حيّا، فأجهز عليه، وحمل ليلا إلى مقبرته التي بناها بخارج البلدة المسمّاة باسمه تغلق أباد فدفن بها.

وقد «86» ذكرنا السبب في بنائه لهذه المدينة وبها كانت خزائن تغلق وقصوره، وبها القصر الأعظم الذي جعل قراميده مذهّبة، فإذا طلعت الشمس كان لها نور عظيم وبصيص يمنع البصر من إدامة النظر اليها، واختزن بها الأموال الكثيرة. ويذكر أنّه بنى صهريجا وأفرغ فيه الذهب إفراغا فكان قطعة واحدة فصرف جميع ذلك ولده محمد شاه لما ولى، وبسبب ما ذكرناه من هندسة الوزير خواجة جهان في بناء الكشك الذي سقط على تغلق كانت حظوته عند ولده محمد شاه وايثاره لديه فلم يكن أحد يدانيه في المنزلة لديه ولا يبلغ مرتبته عنده من الوزراء ولا غيرهم....

الفصل الثاني عشر السلطان محمد ابن تغلق

الفصل الثاني عشر السلطان محمد ابن تغلق مشور السلطان وعاداته كرم السلطان وجوده قدوم ابن الخليفة على السلطان وأخباره ابن بطوطة يترك ولده أحمد عند الأمير غياث الدين ابن الخليفة العباسي فماذا عن مصير الولد؟ تزويج أخت السلطان وبنتي وزيره تواضع السلطان وفتكه في ذات الوقت! قتل القائمين على السلطان قيام عين الملك على السلطان قيام الأفغان على السلطان

ذكر وصفه

.. ذكر السلطان أبي المجاهد محمد شاه بن السلطان غياث الدين تغلق شاه ملك الهند والسند الذي قدمنا عليه ولما مات السلطان تغلق استولى ابنه محمد على الملك من غير منازع له ولا مخالف عليه، وقد قدمنا أنه كان اسمه جونة، فلما ملك تسمى بمحمد، واكتنى بأبي المجاهد «1» ، وكل ما ذكرت من شأن سلاطين الهند فهو مما أخبرت به وتلقيته أو معظمه من الشيخ كمال الدين بن البرهان الغزنوي قاضي القضاة (2) وأما أخبار هذا الملك فمعظمها مما شاهدته أيام كوني ببلاده. ذكر وصفه وهذا الملك أحبّ الناس في إسداء العطايا وإراقة الدماء، فلا يخلو بابه عن فقير يغنى أو حي يقتل! وقد شهرت في الناس حكاياته في الكرم والشجاعة، وحكاياته في الفتك والبطش بذوي الجنايات، وهو أشد الناس مع ذلك تواضعا وأكثرهم إظهارا للعدل والحق، وشعائر الدين عنده محفوظة، وله اشتداد «في أمر الصلاة والعقوبة على تركها، وهو من الملوك الذين اطّردت سعادتهم وخرق المعتاد يمن نقيبتهم، ولكن الأغلب عليه الكرم، وسنذكر من أخباره فيه عجائب لم يسمع بمثلها عمّن تقدمه، وأنا أشهد بالله وملائكته ورسله أن جميع ما أنقله عنه من الكرم الخارق للعادة حقّ يقين وكفى بالله شهيدا. وأعلم أن بعض مآثره من ذلك لا يسع في عقل كثير من الناس ويعدّونه من قبيل المستحيل عادة ولاكّن شيئا عاينته وعرفته صحته وأخذت بحظ وافر منه لا يسعني الا قول الحق فيه، وأكثر ذلك ثابت بالتواتر «2» في بلاد المشرق.

ذكر أبوابه ومشوره وترتيب ذلك:

ذكر أبوابه ومشوره وترتيب ذلك: ودار السلطان بدهلي تسمى دار سرا، بفتح السين المهمل والراء، ولها أبواب كثيرة «3» ، فأما الباب الأول فعليه جملة من الرجال موكلون به ويقعد به أهل الأنفار والأبواق والصّرنايات، فإذا جاء أمير كبير ضربوها ويقولون في ضربهم: جاء فلان! جاء فلان! وكذلك أيضا في البابين: الثاني والثالث، وبخارج الباب الأول دكاكين يقعد عليها الجلادون وهم الذين يقتلون الناس، فإن العادة عندهم أنه متى أمر السلطان بقتل أحد قتل على باب المشور، ويبقى هنالك ثلاثا، وبين البابين الأول والثاني دهليز كبير فيه دكاكين مبنية من جهتيه يقعد عليها أهل النوبة من حفاظ الأبواب. وأما الباب الثاني فيقعد عليه البوابون الموكلون به، وبينه وبين الباب الثالث دكانة كبيرة يقعد عليها نقيب النقباء «4» ، وبين يديه عمود ذهب يمسكه بيده على رأسه كلاه من الذهب مجوهرة في أعلاها ريش الطواويس «5» والنقباء بين يديه، وعلى راس كل واحد منهم شاشية مذهبة، وفي وسطه منطقة وبيده سوط نصابه من ذهب أو فضة، ويفضي هذا الباب الثاني إلى مشور كبير متسع يقعد به الناس. وأما الباب الثالث فعليه دكاكين يقعد فيها كتاب الباب، ومن عوائدهم أن لا يدخل على هذا الباب أحد إلا من عينه السلطان لذلك، ويعين لكل إنسان عددا من أصحابه وناسه يدخلون معه، وكل من ياتي إلى هذا الباب يكتب الكتاب أن فلانا جاء في الساعة الأولى أو الثانية أو ما بعدهما من الساعات إلى آخر النهار، ويطالع السلطان بذلك بعد العشاء الآخرة ويكتبون أيضا بكل ما يحدث بالباب من الأمور، وقد عين من أبناء الملوك «6» من يوصل كل ما يكتبونه إلى السلطان.

ذكر ترتيب جلوسه للناس:

ومن عوائدهم أيضا أنه من غاب عن دار السلطان «7» ثلاثة أيام فصاعدا لعذر أو لغير عذر فلا يدخل هذا الباب بعدها إلا بإذن من السلطان، فإن كان له عذر من مرض أو غيره قدّم بين يديه هدية مما يناسبه إهداؤها إلى السلطان، وكذلك أيضا القادمون من الأسفار، فالفقيه يهدي المصحف والكتاب وشبهه. والفقير يهدى المصلّى والسبحة والمسواك ونحوها، والأمراء ومن أشبههم يهدون الخيل والجمال والسلاح، وهذا الباب الثالث يفضي إلى المشور الهايل الفسيح الساحة المسمى هزار أسطون بفتح الهاء والزاي وألف وراء، ومعنى ذلك ألف سارية، وهي سواري من خشب مدهونة عليها سقف خشب منقوشة أبدع نقش يجلس الناس تحتها، وبهذا المشور بجلس السلطان الجلوس العام. ذكر ترتيب جلوسه للناس: وأكثر جلوسه بعد العصر وربما جلس أول النهار، وجلوسه على مصطبة مفروشة بالبياض، فوقها مرتبة، ويجعل خلف ظهره مخدة كبيرة، وعن يمينه متكأ وعن يساره مثل ذلك، وقعوده كجلوس الإنسان للتشهد في الصلاة، وهو جلوس أهل الهند كلهم، فإذا جلس وقف أمامه الوزير، ووقف الكتاب خلف الوزير وخلفهم الحجاب، وكبير الحجاب هو فيروز ملك ابن عم السلطان ونائبه «8» ، وهو أدنى الحجاب من السلطان، ثم يتلوه خاص حاجب، ثم يتلوه نائب خاص حاجب، ووكيل الدار ونايبه، وشرف الحجاب، وسيد الحجاب، وجماعة تحت أيديهم، ثم يتلو الحجاب النقباء وهم نحو مائة. وعند جلوس السلطان ينادي الحجاب والنقباء بأعلى أصواتهم: بسم الله، ثم يقف على رأس السلطان الملك الكبير قبوله «9» وبيه المذبّة يشرد بها الذباب، ويقف مائة من السّلحدارية «10» عن يمين السلطان، ومثلهم عن يساره بأيديهم الدرق والسيوف والقسّى، ويقف في الميمنة والميسرة بطول المشور قاضي القضاة، ويليه خطيب الخطباء، ثم سائر القضاة، ثم كبار الفقهاء، ثم كبار الشرفاء، ثم المشايخ «11» ، ثم إخوة السلطان وأصهاره، ثم الأمراء الكبار، ثم كبار الأعزة، وهم الغرباء ثم القواد. ثم يوتى بستين فرسا مسرجة ملجمة بجهازات سلطانية، فمنها ما هو بشعار الخلافة، وهي التي لجمها ودوايرها من الحرير الأسود المذهب، ومنها ما يكون ذلك من

ذكر دخول الغرباء وأصحاب الهدايا إليه:

الحرير الأبيض المذهب، ولا يركب بذلك غير السلطان، فيوقف النصف من هذه الخيل عن اليمين والنصف عن الشمال، بحيث يراها السلطان ثم يوتى بخمسين فيلا مزينة بثياب الحرير والذهب مكسوة أنيابها بالحديد إعدادا لقتل أهل الجرائم، وعلى عنق كل فيل فيّاله وبيده شبه الطبرزين من الحديد، يؤدبه به ويقوّمه لما يراد منه «12» . على ظهر كل فيل شبه الصندوق العظيم يسع عشرين من المقاتلة وأكثر من ذلك ودونه، على حسب ضخامة الفيل وعظم جرمه، ويكون في أركان ذلك الصندوق أربعة أعلام مركوزة، وتلك الفيلة معلّمة أن تخدم السلطان وتحط رؤسها فإذا خدمت، قال الحجاب: بسم الله، بأصوات عالية، ويوقف أيضا نصفها عن اليمين ونصفها عن الشمال خلف الرجال الواقفين وكلّ من يأتي الناس المعيّنين للوقوف في الميمنة والميسرة يخدم عند موقف الحجّاب، ويقول الحجاب، بسم الله، ويكون ارتفاع أصواتهم بقدر ارتفاع صيت الذي يخدم فإذا خدم انصرف إلى موقفه من الميمنة أو الميسرة لا يتعداه أبدا. ومن كان من كفار الهنود يخدم، ويقول له الحجاب والنقباء: هداك الله، ويقف عبيد السلطان من وراء الناس كلهم بأيديهم الترسة والسيوف فلا يمكن أحدا الدخول بينهم إلا بين يدي الحجاب القائمين بين يدي السلطان. ذكر دخول الغرباء وأصحاب الهدايا إليه: وإن كان بالباب أحد ممن قدم على السلطان بهدية دخل الحجاب إلى السلطان على ترتيبهم يقدمهم أمير حاجب ونائبه خلفه، ثم خاص حاجب ونائبه خلفه، ثم وكيل الدار ونائبه خلفه، ثم سيد الحجاب وشرف الحجاب، ويخدمون في ثلاثة مواضع، ويعلمون السلطان بمن في الباب، فإذا أمرهم أن ياتوا به جعلوا الهدية التي ساقها بأيدي الرجال يقومون بها أمام الناس بحيث يراها السلطان ويستدعي صاحبها فيخدم قبل الوصول إلى السلطان ثلاث مرات، ثم يخدم عند موقف الحجاب، فإن كان رجلا كبيرا وقف في صف أمير حاجب، وإلا وقف خلفه، ويخاطبه السلطان بنفسه ألطف خطاب، ويرحب به، وإن كان ممن يستحق التعظيم فإنه يصافحه أو يعانقه، ويطلب بعض هديته، فتحضر بين يديه فإن كانت من السلاح أو الثياب قلّبها بيده، وأظهر استحسانها جبرا لخاطر مهديها وإيناسا له ورفقا به وخلع عليه وأمر له بمال لغسل رأسه «13» على عادتهم في ذلك بمقدار ما يستحقه المهدي.

ذكر دخول هدايا عماله إليه:

ذكر دخول هدايا عمّاله إليه: وإذا أتى العمال «14» بالهدايا والأموال المجتمعة من مجابي البلاد صنعوا الأواني من الذهب والفضة مثل الطسوت والأباريق وسواها وصنعوا من الذهب والفضة قطعا شبه الآجر يسمونها الخشت، بكسر الخاء المعجبة وسكون الشين المعجم وتاء معلوة، ويقف الفراشون وهم عبيد السلطان صفا والهدية بأيديهم، كل واحد منهم ممسك قطعة ثم يقدم الفيلة إن كان في الهدية شيء منها ثم الخيل المسرجة الملجمة ثم البغال ثم الجمال عليها الأموال. ولقد رأيت الوزير خواجة جهان قدم هديته ذات يوم حين قدم السلطان من دولة آباد ولقيه بها في ظاهر مدينة بيّانة «15» ، فأدخلت الهدية إليه على هذه الترتيب، ورأيت في جملتها صينية مملوة بأحجار الياقوت وصينية مملوة بأحجار الزمرد وصينية مملوة باللؤلؤ الفاخر، وكان حاجي كاون «16» ابن عم السلطان أبي سعيد ملك العراق حاضرا عنده حين ذلك فأعطاه حظا منها، وسيذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى. ذكر خروجه للعيدين وما يتصل بذلك: وإذا كانت ليلة العيد بعث السلطان إلى الملوك والخواص وأرباب الدولة والأعزّة والكتاب والحجّاب والنقباء والقواد والعبيد وأهل الأخبار الخلع التي تعمهم جميعا. فإذا كانت صبيحة العيد زينت الفيلة كلها بالحرير والذهب والجواهر، ويكون منها ستة عشر فيلا لا يركبها أحد إنما هي مختصّة بركوب السلطان ويرفع عليها ستة عشر شطرا من الحرير مرصعة بالجوهر، قائمة كل شطر منها ذهب خالص، وعلى كلّ فيل مرتبة حرير مرصعة بالجواهر، ويركب السلطان فيلا منها، وترفع أمامه الغاشية، وهي ستارة سرجه «17» ، وتكون مرصعة بأنفس الجواهر ويمشي بين يديه عبيده ومماليكه وكل واحد منهم تكون على رأسه شاشية ذهب وعلى وسطه منطقة ذهب، وبعضهم يرصعها بالجوهر ويمشي بين يديه

أيضا النقباء، وهم نحو ثلاثمائة، وعلى رأس كل واحد منهم أقروف «18» ذهب، وعلى وسطه منطقة ذهب، وفي يده مقرعة نصابها ذهب. ويركب قاضي القضاة صدر الجهان كمال الدين الغزنوي، وقاضي القضاة صدر الجهان ناصر الدين الخوارزمي «19» ، وسائر القضاة وكبار الأعزة من الخراسانيين والعراقيين والشاميين والمصريين والمغاربة «20» ، كل واحد منهم على فيل، وجميع الغرباء عندهم يسمون الخراسانيين، ويركب المؤذنون أيضا على الفيلة وهم يكبرون، ويخرج السلطان من باب القصر على هذا الترتيب، والعساكر تنتظره، كل أمير بفوجه على حدة، معه طبوله وأعلامه فيقدم السلطان وأمامه من ذكرناه من المشاة، وأمامهم القضاة والمؤذنون يذكرون الله تعالى، وخلف السلطان مراتبه «21» ، وهي الأعلام والطبول والأبواق والأنفار والصّرنايات، وخلفهم جميع أهل دخلته، ثم يتلوهم أخو السلطان مبارك خان «22» بمراتبه وعساكره، ثم يليه ابن أخ السلطان بهرام خان «23» بمراتبه وعساكره، ثم يليه ابن عمه ملك فيروز بمراتبه وعساكره، ثم يليه الوزير بمراتبه وعساكره، ثم يليه الملك مجير بن ذي الرجا «24» بمراتبه وعساكره ثم يليه الملك الكبير قبولة بمراتبه وعساكره. وهذا الملك كبير القدر عنده، عظيم الجاه، كثير المال، اخبرني صاحب ديوانه، ثقة الملك علاء الدين على المصري المعروف بابن الشّرابشي أن نفقته ونفقة عبيده ومرتباتهم ستة وثلاثون لكا في السنة «25» .

ذكر جلوسه يوم العيد وذكر المبخرة العظمى والسرير الأعظم

ثم يليه الملك نكبيه «26» بمراتبه وعساكره، ثم يليه الملك بغرة بمراتبه وعساكره ثم يليه الملك مخلص بمراتبه وعساكره «27» ، ثم يليه الملك قطب الملك بمراتبه وعساكره، وهؤلاء هم الأمراء الكبار الذين لا يفارقون السلطان وهم الذين يركبون معه يوم العيد بالمراتب، ويركب غيرهم من الأمراء دون مراتب. وجميع من يركب في ذلك اليوم يكون مدرّعا هو وفرسه، وأكثرهم مماليك السلطان فإذا وصل السلطان إلى باب المصلى وقف على بابه وأمر بدخول القضاة وكبار الأمراء وكبار الأعزة، ثم نزل السلطان، ويصلي الإمام ويخطب فإن كان عيد الأضحى أتى السلطان بجمل فنحره برمح يسمونه النّيزة، بكسر النون وفتح الزاي، بعد أن يجعل على ثيابه فوطة حرير توقيا من الدم ثم يركب الفيل يعود إلى قصره. ذكر جلوسه يوم العيد وذكر المبخرة العظمى والسرير الأعظم ويفرش القصر يوم العيد ويزين بأبدع الزينة وتضرب الباركة «28» على المشور كله، وهي خيمة عظيمة تقوم على أعمدة ضخام كثيرة وتحفها القباب من كل ناحية، ويصنع شبه أشجار من حرير ملون فيها شبه الأزهار، ويجعل منها ثلاثة صفوف بالمشور، ويجعل بين كل شجرتين كرسي ذهب عليه مرتبة مغطاة وينصب السرير الأعظم في صدر المشور، وهو من الذهب الخالص كله، مرصع القوائم بالجواهر، وطوله ثلاثة وعشرون شبرا وعرضه نحو النصف من ذلك، وهو منفصل وتجمع قطعه فتتصل، وكل قطعة منه يحملها جملة رجال لثقل الذهب وتجعل فوقه المرتبة ويرفع الشطر المرصع بالجواهر على رأس السلطان. وعند ما يصعد على السرير ينادي الحجاب والنقباء بأصوات عالية: بسم الله، ثم يتقدم الناس للسلام، فأولهم القضاة والخطباء والعلماء والمشايخ وإخوة السلطان وأقاربه وأصهاره، ثم الأعزة، ثم الوزير ثم أمراء العساكر، ثم شيوخ المماليك، ثم كبار الأجناد، يسلم واحد إثر واحد من غير تزاحم ولا تدافع. ومن عوائدهم في يوم العيد أن كل من بيده قرية منعم بها عليه يأتي بدنانير ذهب مصرورة في خرقة مكتوبا عليها اسمه فيلقيها في طست ذهب هنالك، فيجتمع منها مال عظيم يعطيه السلطان لمن شاء! فإذا فرغ الناس من السلام وضع لهم الطعام على حسب مراتبهم.

وينصب في ذلك اليوم المبخرة العظمى وهي شبه برج من خالص الذهب منفصلة، فإذا أرادوا اتصالها وصلوها، وتحمل القطعة الواحدة منها جملة من الرجال، وفي داخلها ثلاثة بيوت يدخل فيها المبخرون يوقدون العود القمارى، «29» والقاقلى «30» ، والعنبر الأشهب والجاوي «31» ، حتى يعم دخانها المشور كله!! ويكون بأيدي الفتيان براميل الذهب والفضة مملوة بماء الورد وماء الزهر يصبونه على الناس صبا، وهذا السرير وهذه المبخرة لا يخرجان إلا في العيدين خاصة، ويجلس السلطان في بقية أيام العيد على سرير ذهب دون ذلك وتنصب باركة بعيدة «32» ، لها ثلاثة أبواب يجلس السلطان في داخلها ويقف على الباب الأول منها عماد الملك سرتيز «33» ، وعلى الباب الثاني الملك نكبية وعلى الباب الثالث يوسف بغرة ويقف عن اليمين أمراء المماليك السّلحدارية، وعن اليسار كذلك، ويقف الناس على مراتبهم وشحنة الباركة ملك طغي بيده عصا ذهب وبيد نائبه عصا فضة يرتبان الناس ويسويان الصفوف، ويقف الوزير والكتاب خلفه ويقف الحجاب والنقباء، ثم يأتي أهل الطرب فأولهم بنات ملوك الكفار من الهنود المسبيات في تلك السنة فيغنين ويرقصن ويهبهن السلطان للأمراء والأعزة! ثم يأتي بعدهن سائر بنات الكفار فيغنين و 161159 161 ويهبهن لإخوانه وأقاربه وأصهاره وأبناء الملوك! ويكون جلوس السلطان لذلك بعد العصر، ثم يجلس في اليوم الذي بعده بعد العصر أيضا على ذلك الترتيب، ويوتي بالمغنيات فيغنين ويرقصن ويهبهن الأمراء المماليك! وفي اليوم الثالث يزوج أقاربه وينعم عليهم، وفي اليوم الرابع يعتق العبيد، وفي اليوم الخامس يعتق الجواري وفي اليوم السادس يزوج العبيد بالجواري، وفي اليوم السابع يعطي الصدقات ويكثر منها.

ذكر ترتيبه إذا قدم من سفره

ذكر ترتيبه إذا قدم من سفره وإذا قدم السلطان من أسفاره زينت الفيلة ورفعت على ستة عشر فيلا منها ستة عشر شطرا، منها مزركش، ومنها مرصع، وحملت أمامه الغاشية وهي الستارة المرصعة بالجوهر النفيس، وتصنع قباب من الخشب مقسومة على طبقات، وتكسى بثياب الحرير، ويكون في كل طبقة الجواري المغنيات عليهن أجمل لباس وأحسن حلية، ومنهن رواقص ويجعل في وسط كل قبة حوض كبير مصنوع من الجلود مملو بماء الجلّاب محلولا بالماء يشرب منه جميع الناس من وارد وصادر وبلدي أو غريب، وكل من يشرب منه يعطي التنبول والفوفل. ويكون ما بين القباب مفروشا بثياب الحرير يطأ عليها مركب السلطان وتزين حيطان الشارع الذي يمر به من باب المدينة إلى باب القصر بثياب الحرير، ويمشي أمامه المشاة من عبيده وهم آلاف، وتكون الأفواج والعساكر خلفه. ورأيت في بعض قدماته على الحضرة وقد نصبت ثلاث أو أربع من الرعادات الصغار على الفيلة ترمي بالدنانير والدراهم على الناس فيلتقطونها من حين دخوله إلى المدينة حتى وصل إلى قصره «34» . ذكر ترتيب الطعام الخاص والطعام بدار السلطان على صنفين: طعام الخاص وطعام العام، فأما الخاص فهو طعام السلطان الذي يأكل منه، وعادته أن يأكل في مجلسه مع الحاضرين، ويحضر لذلك الأمراء الخواص وأمير حاجب ابن عم السلطان، وعماد الملك سرتيز وأمير مجلس، ومن شاء السلطان تشريفه أو تكريمه من الأعزة أو كبار الأمراء دعاه، فأكل معهم، وربما أراد أيضا تشريف أحد من الحاضرين فأخذ إحدى الصحاف بيده وجعل عليها خبزة ويعطيه إياها، فيأخذها المعطى ويجعلها على كفه اليسرى، ويخدم بيده اليمنى إلى الأرض، وربما بعث من ذلك الطعام إلى من هو غائب عن المجلس فيخدم كما يصنع الحاضر ويأكله مع من حضره. وقد حضرت مرات لهذا الطعام الخاص فرأيت جملة الذين يحضرون له نحو عشرين رجلا.

ذكر ترتيب الطعام العام

ذكر ترتيب الطعام العام وأما الطعام العام فيوتى به من المطبخ وأمامه النقباء يصيحون: بسم الله، ونقيب النقباء أمامهم بيده عمود ذهب، ونائبه معه بيده عمود فضة، فإذا دخلوا من الباب الرابع وسمع من بالمشور أصواتهم قاموا قياما أجمعين ولا يبقى أحد قاعدا إلا السلطان وحده، فإذا وضع الطعام بالأرض اصطف النقباء صفا ووقف أميرهم أمامهم وتكلم بكلام يمدح فيه السلطان ويثني عليه، ثم يخدم النقباء لخدمته، ويخدم جميع من بالمشور من كبير وصغير. وعادتهم أنه من سمع كلام نقيب النقباء حين ذلك وقف إن كان ماشيا ولزم موقفه إن كان واقفا ولا يتحرك أحد ولا يتزحزح عن مقامه حتى يفرغ ذلك الكلام، ثم يتكلم أيضا نائبه كلاما نحو ذلك ويخدم ويخدم النقباء وجميع الناس مرة ثانية، وحينئذ يجلسون ويكتب كتّاب الباب معرّفين بحضور الطعام، وإن كان السلطان قد علم بحضوره ويعطى المكتوب لصبي من أبناء الملوك موكل بذلك، فيأتي به إلى السلطان، فإذا قرأه عين من شاء من كبار الأمراء لترتيب الناس وإطعامهم. وطعامهم الرقاق والشواء والأقراص ذات الجوانب المملوّة بالحلواء، والأرز، والدجاج والسموسك «35» . وقد ذكرنا ذلك وفسرنا ترتيبه. وعادتهم أن يكون في صدر سماط الطعام القضاة والخطباء والفقهاء والشرفاء والمشايخ، ثم أقارب السلطان ثم الأمراء الكبار ثم سائر الناس، ولا يقعد أحد إلا في موضع معين له فلا يكون بينهم تزاحم البتة. فإذا جلسوا أتى الشّربداريّة، وهم السقاة بأيديهم أواني الذهب والفضة والنحاس والزجاج مملوة بالنبات المحلول بالماء فيشربون ذلك قبل الطعام، فإذا شربوا، قال الحجاب: بسم الله، ثم يشرعون في الأكل ويجعل أمام كل إنسان من جميع ما يحتوي عليه السماط يأكل منه وحده، ولا يأكل أحد مع أحد في صحفة واحدة، فإذا فرغوا من الأكل أتوا بالفقاع «36» في أكواز القصدير فإذا أخذوه قال الحجاب: بسم الله، ثم يوتى بأطباق التنبول والفوفل فيعطي كل إنسان غرفة من الفوفل المهشوم وخمس عشرة ورقة من التنبول مجموعة مربوطة بخيط حرير أحمر، فإذا أخذ الناس التنبول قال الحجاب: بسم الله، فيقومون جميعا ويخدم الأمير المعين للإطعام،

ذكر بعض أخباره في الجود والكرم

ويخدمون لخدمته، ثم ينصرفون، وطعامهم مرتان في اليوم إحداهما قبل الظهر والأخرى بعد العصر. ذكر بعض أخباره في الجود والكرم وإنما أذكر منها ما حضرته وشاهدته وعاينته، ويعلم الله تعالى صدق ما أقول، وكفى به شهيدا مع أن الذي أحكيه مستفيض متواتر، والبلاد التي تقرب من أرض الهند كاليمن وخراسان وفارس مملوة بأخباره يعلمونها حقيقة ولا سيما جوده على الغرباء فإنه يفضلهم على أهل الهند، ويؤثرهم ويجزل لهم الإحسان ويسبغ عليهم الإنعام ويوليهم الخطط الرفيعة ويوليهم المواهب العظيمة، ومن إحسانه إليهم أن سماهم الأعزة ومنع من أن يدعون الغرباء وقال: إن الإنسان إذا دعى غريبا انكسر خاطره وتغير حاله وسأذكر بعضا مما يحصى «37» من عطاياه الجزيلة ومواهبه إن شاء الله تعالى. ذكر عطائه لشهاب الدين الكازروني التاجر وحكايته كان شهاب الدين هذا صديقا لملك التجار الكازروني الملقب ببرويز، وكان السلطان قد اقطع ملك التجار مدينة كنباية، ووعده أن يوليه الوزارة فبعث إلى صديقه شهاب الدين ليقدم عليه، فأتاه، وأعدّ هدية للسلطان وهي سراجة من الملفّ المقطوع المزين بورقة الذهب، وصيوان مما يناسبها، وخباء وتابع، وخبا «38» راحة، كل ذلك من الملف المزين وبغال كثيرة، فلما قدم شهاب الدين بهذه الهدية على صاحبه ملك التجار وجده آخذا في القدوم على الحضرة بما اجتمع عنده من مجابي بلاده وبهدية للسلطان. وعلم الوزير خواجة جهان بما وعده به السلطان من ولاية الوزارة فغار من ذلك، وقلق بسببه، وكانت بلاد كنباية والجزرات قبل تلك المدة في ولاية الوزير، ولأهلها تعلق بجانبه وانقطاع إليه، وتخدّم له، وأكثرهم كفار وبعضهم عصاة يمتنعون بالجبال، فدس الوزير إليهم أن يضربوا على ملك التجار إذا خرج إلى الحضرة، فلما خرج بالخزائن والأموال ومعه شهاب الدين بهديته نزلوا يوما عند الضحى على عادتهم، وتفرقت العساكر، ونام أكثرهم فضرب عليهم الكفار في جمع عظيم، فقلتوا ملك التجار وسلبوا الأموال والخزائن وهدية

شهاب الدين ونجا هو بنفسه، وكتب المخبرون إلى السلطان بذلك فأمر أن يعطي شهاب الدين من مجبي بلاد نهروالة «39» ثلاثين ألف دينار ويعود إلى بلاده، فعرض عليه ذلك، فأبى من قبوله، وقال: ما قصدي إلا رؤية السلطان وتقبيل الأرض بين يديه، فكتبوا إلى السلطان بذلك، فأعجبه قوله وأمر بوصوله إلى الحضرة مكرما. وصادف يوم دخوله على السلطان يوم دخولنا نحن عليه، فخلع علينا جميعا وأمر بإنزالنا وأعطى شهاب الدين عطاء جزيلا، فلما كان بعد ذلك أمر بستة آلاف تنكه كما سنذكره، وسأل في ذلك اليوم عن شهاب الدين: أين هو؟ فقال له بهاء الدين بن الفلكي: ياخوند عالم نميدانم معناه. ما ندري، ثم قال له: شنيدم، زحمت داره معناه سمعت أن به مرضا، فقال له السلطان بروهمين زمان، در خزانة يك لك تنكه، زريكري وبيش أوببري تادل أو خش شود، معناه: إمش الساعة إلى الخزانة وخذ منها مائة ألف تنكه من الذهب واحملها إليه حتى يبقى خاطره طيبا، ففعل ذلك، فأعطاه إياها، وأمر السلطان أن يشترى بها ما أحب من السلع الهندية ولا يشتري أحد من الناس شيئا حتى يتجهز هو، وأمر له بثلاثة مراكب مجهزة من آلاتها، ومن مرتّب البحرية وزادهم ليسافر فيها، فسافر ونزل بجزيرة هرمز وبنى بها دارا عظيمة، رايتها بعد ذلك. ورأيت أيضا شهاب الدين وقد فنى جميع ما كان عنده وهو بشيراز يستجدي سلطانها أبا اسحاق وهكذا مال هذه البلاد الهندية! قلما يخرج أحد به منها إلا النادر، وإذا خرج به ووصل إلى غيرها من البلاد بعث الله عليه آفة تفني ما بيده كمثل ما اتفق لشهاب الدين هذا فإنه أخذ له في الفتنة التي كانت بين ملك هرمز وابني أخيه جميع ما عنده وخرج سليبا من ماله!!

ذكر عطائه لشيخ الشيوخ ركن الدين

ذكر عطائه لشيخ الشيوخ ركن الدين وكان السلطان قد بعث هدية إلى الخليفة بديار مصر أبي العباس، وطلب له أن يبعث له أمر التقدمة على بلاد الهند والسند اعتقادا منه في الخلافة «40» فبعث إليه الخليفة أبو العباس ما طلبه مع شيخ الشيوخ بديار مصر ركن الدين، فلما قدم عليه بالغ إكرامه وأعطاه عطاء جزلا، وكان يقوم له متى دخل عليه ويعظمه، ثم صرفه وأعطاه أموالا طائلة. وفي جملة ما أعطاه جملة من صفائح الخيل ومساميرها، كل ذلك من الذهب الخاص، وقال له: إذا نزلت من البحر فأنعل أفراسك بها، فتوجه إلى كنباية ليركب البحر منها إلى بلاد اليمن فوقعت قضية خروج القاضي جلال الدين وأخذه مال ابن الكولمي فأخذ أيضا ما كان لشيخ الشيوخ، وفر بنفسه مع ابن الكولميّ إلى السلطان، فلما رءاه السلطان قال له مما زحا: آمدي كزر بري بادكري صنم خري زرنبري وسرنهي: معناه جئت لتحمل الذهب تاكله مع الصور الحسان، فلا تحمل ذهبا، ورأسك تخليه هاهنا، قال له ذلك على معنى الانبساط، ثم قال له: اجمع خاطرك فيها أنا سائر إلى المخالفين، وأعطيك أضعاف ما أخذوه لك. وبلغني بعد انفصالي عن بلاد الهند أنه وفّى له بما وعده وأخلف له جميع ما ضاع منه وأنه وصل بذلك إلى ديار مصر. ذكر عطائه للواعظ الترمذي ناصر الدين وكان هذا الفقيه الواعظ قدم على السلطان وأقام تحت إحسانه مدة عام ثم أحب الرجوع إلى وطنه فأذن له في ذلك، ولم يكن سمع كلامه ووعظه، فلما خرج السلطان يقصد بلاد المعبر «41» أحب سماعه قبل انصرافه فأمر أن يهيّأ له منبر من الصندل الأبيض

ذكر عطائه لعبد العزيز الأردويلي.

المقاصريّ «42» وجعلت مساميره وصفائحه من الذهب وألصق بأعلاه حجر ياقوت عظيم، وخلع على ناصر الدين خلعة عباسية سوداء «43» مذهبة مرصعة بالجوهر وعمامة مثلها ونصب له المنبر بداخل السراجة وهي أفراج، وقعد السلطان على سريره والخواص عن يمينه ويساره وأخذ القضاة والفقهاء والأمراء مجالسهم، فخطب خطبة بليغة ووعظ وذكّر، ولم يكن فيما فعله طائل! لاكن سعادته ساعدته! فلما نزل عن المنبر قام السلطان إليه وعانقه وأركبه على فيل وأمر جميع من حضر أن يمشوا بين يديه، وكنت في جملتهم، إلى سراجة ضربت له مقابلة سراجة السلطان، جميعها من الحرير الملون وصيوانها من الحرير، وخباؤها أيضا كذلك فجلس وجلسنا معه «44» . وكان بجانب من السراجة أواني الذهب التي أعطاه السلطان إياها، وذلك تنّور كبير بحيث يسع في جوفه الرجل القاعد، وقدران اثنان وصحاف لا أذكر عددها، وجملة أكواز وركوة وتميسندة، ومائدة لها أربعة أرجل، ومحمل للكتب، كل ذلك من ذهب خالص، ورفع عماد الدين السّمنانّي «45» وتدين من أوتاد السراجة أحدهما نحاس والآخر مقصدر يوهم بذلك أنهما من ذهب وفضة، ولم يكونا إلا كما ذكرنا! وقد كان أعطاه حين قدومه مائة ألف دينار دراهم ومئين من العبيد سرّح بعضهم وحمل بعضهم. ذكر عطائه لعبد العزيز الأردويلي. وكان عبد العزيز هذا فقيها محدّثا قرأ بدمشق على تقي الدين بن تيمية وبرهان الدين بن البركح وجمال الدين المزي، وشمس الدين الذهبي «46» وغيرهم، ثم قدم على السلطان فأحسن إليه وأكرمه. واتفق يوما أنه سرد عليه أحاديث في فضل العباس وابنه رضى الله عنهما، وشيئا من مآثر الخلفاء أولادهما، فأعجب ذلك السلطان لحبه في بني العباس وقبل قدمي الفقيه

ذكر عطائه لشمس الدين الأندكاني

وأمر أن يوتي بصينية ذهب فيها ألفا تنكه فصبها عليه بيده، وقال: هي لك مع الصينية، وقد ذكرنا هذه الحكاية فيما تقدم. ذكر عطائه لشمس الدين الأندكانيّ وكان الفقيه شمس الدين الأندكانيّ حكيما شاعرا مطبوعا فمدح السلطان بقصيدة باللسان الفارسي وكان عدد أبياتها سبعة وعشرين بيتا فأعطاه لكل بيت منها ألف دينار دراهم وهذا أعظم مما يحكى عن المتقدمين الدين كانوا يعطون على بيت شعر ألف درهم وهو عشر عطاء السلطان! ذكر عطائه لعضد الدين الشّونكاري وكان عضد الدين فقيها إماما فاضلا كبير القدر عظيم الصيت شهير الذكر ببلاده، فبلغت السلطان أخباره وسمع بمآثره فبعث إليه إلى بلده شونكارة «47» عشرة آلاف دينار دراهم، ولم يره قط ولا وفد عليه. ذكر عطائه للقاضي مجد الدين ولما بلغه أيضا خبر القاضي العالم الصالح ذي الكرامة الشهيرة مجد الدين قاضي شيراز الذي سطرنا أخباره في السفر الأول «48» ، وسيمر بعض خبره بعد هذا أيضا بعث إليه إلى مدينة شيراز صحبة الشيخ زاده الدمشقي عشرة آلاف دينار دراهم. ذكر عطائه لبرهان الدين الصاغرجي وكان برهان الدين أحد الوعاظ الأئمة، كثير الإيثار باذلا لما يملكه حتى إنه كثيرا ما ياخذ الديون ويؤثر على الناس، فبلغ خبره إلى السلطان فبعث إليه أربعين ألف دينار، وطلب منه أن يصل إلى حضرته فقبل الدنانير وقضى دينه، وتوجه إلى بلاد الخطا وأبى أن يصل

ذكر عطائه لحاجي كاون وحكايته

إليه وقال: لا أمضي إلى سلطان يقف العلماء بين يديه «49» ذكر عطائه لحاجي كاون وحكايته وكان حاجي كاون ابن عم السلطان أبي سعيد ملك العراق وكان أخوه موسى ملكا ببعض بلاد العراق «50» ، فوفد حاجي كاون على السلطان فأكرم مثواه وأعطاه العطاء الجزل، ورأيته يوما وقد أتى الوزير خواجه جهان بهديته وكان منها ثلاث صينيات إحداها مملوة يواقيت، والأخرى مملوة زمردا والأخرى مملوة جوهرا، وكان حاجي كاون حاضرا فأعطاه من ذلك حظا جزيلا ثم إنه أعطاه أيضا مالا عريضا، ومضى يريد العراق فوجد أخاه قد توفى. وولى مكانه سليمان «51» خان، فطلب إرث أخيه وادّعى الملك وبايعته العساكر وقصد بلاد فارس ونزل بمدينة شونكارة التي بها الإمام عضد الدين الذي تقدم ذكره آنفا، فلما نزل بخارجها تأخر شيوخها عن الخروج إليه ساعة ثم خرجوا، فقال لهم: ما منعكم عن تعجيل الخروج إلى مبايعتنا، فاعتذروا له، فلم يقبل منهم، وقال لأهل سلاحه: قلج تخار معناه جردوا السيوف، فجردوها وضربوا أعناقهم، وكانوا جماعة كبيرة، فسمع من يجاور هذه المدينة من الأمراء بما فعله، فغضبوا لذلك وكتبوا إلى شمس الدين السّمناني «52» ، وهو من الأمراء الفقهاء الكبار فأعلموه بما جرى على أهل شونكارة، وطلبوا منه الإعانة على قتاله فتجرد في عساكره واجتمع أهل البلاد طالبين بثأر من قتله حاجي كاون من المشايخ، وضربوا على عسكره ليلا فهزموه وكان هو بقصر المدينة «53» ، فأحاطوا به فاختفى في بيت الطهارة فعثروا عليه وقطعوا رأسه وبعثوا به إلى سليمان خان وفرقوا أعضاءه على البلاد تشفيا منه!

ذكر قدوم ابن الخليفة عليه وأخباره

ذكر قدوم ابن الخليفة عليه وأخباره وكان الأمير غياث الدين محمد بن عبد القاهر بن يوسف بن عبد العزيز بن الخليفة المستنصر بالله العباسي البغدادي «54» قد وفد على السلطان علاء الدين طرمشيرين ملك ما وراء النهر فأكرمه، وأعطاه الزاوية التي على قبر قثم بن العباس رضي الله عنهما «55» واستوطن بها أعواما، ثم لما سمع بمحبة السلطان في بني العباس وقيامه بدعوتهم أحب القدوم عليه، وبعث له برسولين، أحدهما صاحبه القديم محمد بن أبي الشّرفي الحرباوي، والثاني محمد الهمداني الصوفي فقدما على السلطان، وكان ناصر الدين الترمذي، الذي تقدم ذكره، قد لقى غياث الدين ببغداد وشهد لديه البغداديون بصحة نسبه، فشهد هو عند السلطان بذلك فلما وصل رسولاه إلى السلطان أعطاهما خمسة آلاف دينار وبعث معهما ثلاثين ألف دينار إلى غياث الدين ليتزورد بها إليه وكتب له كتابا بخط يده يعظمه فيه ويسأل منه القدوم عليه. فلما وصله الكتاب رحل إليه، فلما وصل إلى بلاد السند، وكتب المخبرون بقدومه بعث السلطان من يستقبله على العادة، ثم وصل إلى سرستي بعث أيضا لاستقباله صدر الجهان قاضي القضاة كمال الدين الغزنوي وجماعة من الفقهاء ثم بعث الأمراء لاستقباله فلما نزل بمسعود آباد خارج الحضرة خرج السلطان بنفسه لاستقباله فلما التقيا ترجّل غياث الدين فترجل له السلطان وخدم، فخدم له السلطان، وكان قد استصحب هدية في جملتها ثياب، فأخذ السلطان آحد الأثواب وجعله على كتفه، وخدم كما يفعل الناس معه. ثم قدمت الخيل، فأخذ السلطان أحدها بيده وقدمه له، وحلف أن يركب وامسك بركابه حتى ركب ثم ركب السلطان وسايره والشطر يظلهما معا. وأخذ التنبول بيده وأعطاه إياه، وهذا أعظم ما أكرمه به، فإنه لا يفعله مع واحد، وقال له: لولا أني بايعت الخليفة أبا العباس (55) لبايعتك! فقال له غياث الدين وأنا أيضا على تلك البيعة، وقال له غياث الدين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما: من أحيي أرضا مواتا فهي له، وأنت احييتنا، فجاوبه السلطان بألطف جواب وأبره.

حكاية من تعظيمه إياه

ولما وصلا إلى السراجة المعدة لنزول السلطان أنزله فيها، وضرب للسلطان غيرها، وباتا تلك الليلة بخارج الحضرة، فلما كان بالغد دخلا إلى دار الملك وأنزله بالمدينة المعروفة بسيري، وبدار الخلافة أيضا في القصر الذي بناه علاء الدين الخلجي وابنه قطب الدين، وأمر السلطان جميع الأمراء أن يمضوا معه إليه وأعد له فيه جميع ما يحتاج إليه من أواني الذهب والفضة حتى كان من جملتها مغتسل يغتسل فيه من ذهب، وبعث له أربعمائة ألف دينار غسل الرأس على العادة، وبعث له جملة من الفتيان والخدم والجواري، وعين له عن نفقته في كل يوم ثلاثمائة دينار، وبعث له زيادة إليها عددا من الموائد بالطعام الخاص، وأعطاه جميع مدينة سيري إقطاعا وجميع ما احتوت عليه من الدور وما يتصل بها من بساتين المخزن وأرضه وأعطاه مائة قرية وأعطاه حكم البلاد الشرقية المضافة لدهلى وأعطاه ثلاثين بغلة بالسروج المذهبة ويكون علفها من المخزن، وأمره أن لا ينزل عن دابته إذا أتى دار السلطان إلا في موضع خاص لا يدخله أحد راكبا سوى السلطان وأمر الناس جميعا من كبير وصغير أن يخدموا له كما يخدمون للسلطان! وإذا دخل على السلطان ينزل له عن سريره، وإن كان على الكرسي قام قائما وخدم كل واحد منهما لصاحبه، ويجلس مع السلطان على بساط واحد، وإذا قام قام السلطان لقيامه وخدم كل واحد منهما، وإذا انصرف إلى خارج المجلس جعل له بساط يقعد عليه ما شاء، ثم ينصرف، يفعل هذا مرتين في اليوم. حكاية من تعظيمه إياه وفي أثناء مقامه بدهلى قدم الوزير من بلاد بنجالة فأمر السلطان كبار الأمراء أن يخرجوا إلى استقباله ثم خرج بنفسه إلى استقباله وعظمه تعظيما كثيرا وصنعت القباب بالمدينة كما تصنع للسلطان إذا قدم وخرج ابن الخليفة للقائه أيضا والفقهاء والقضاة والأعيان، فلما عاد السلطان لقصره قال للوزير: امض إلى دار المخدوم زاده، وبذلك يدعوه، ومعنى ذلك ابن المخدوم، فسار الوزير إليه، وأهدى له ألفي تنكة من الذهب وأثوابا كثيرة وحضر الأمير قبولة وغيره من كبار الأمراء وحضرت أنا لذلك. حكاية نحوها [عن لطف السلطان وكرمه] وفد على السلطان ملك غزنة المسمّى ببهرام «56» وكان بينه وبين ابن الخليفة عداوة

حكايات من بخل ابن الخليفة

قديمة فأمر السلطان بإنزاله ببعض دور مدينة سيري التي لابن الخليفة، وأمر أن تبنى له بها دار، فبلغ ذلك ابن الخليفة فغضب منه ومضى إلى دار السلطان فجلس على البساط الذي عادته الجلوس عليه، وبعث عن الوزير فقال له: سلم على خوند عالم، وقل له إن جميع ما أعطانيه هو بمنزلي لم أتصرف في شيء منه بل زاد عندي ونما وأنا أقيم معكم، وقام وانصرف! فسأل الوزير بعض أصحابه عن سبب هذا، فاعلمه أن سببه أمر السلطان ببناء الدار لملك غزنة في مدينة سيري، فدخل الوزير على السلطان فأعلمه بذلك فركب من حينه في عشرة من ناسه وأتى منزل ابن الخليفة فاستأذن عليه ونزل عن فرسه خارج القصر حيث ينزل الناس فتلقاه واعتذر له، فقبل عذره. وقال له السلطان: والله ما أعلم أنك راض عني حتى تضع قدمك على عنقي! فقال له: هذا ما لا أفعله ولو قتلت، فقال له السلطان وحق رأسي لا بد لك من ذلك! ثم وضع رأسه في الأرض وأخذ الملك الكبير قبولة رجل ابن الخليفة بيده فوضعها على عنق السلطان ثم قام وقال: الآن علمت أنك راض عني وطاب قلبي! وهذه حكاية غريبة لم يسمع بمثلها عن ملك، ولقد حضرته يوم عيد وقد جاءه الملك الكبير بثلاث خلع من عند السلطان مفرّجة، قد جعل مكان عقد الحرير التي تغلق بها حبات جوهر في قدر البندق الكبير، وأقام الملك الكبير ببابه حتى نزل من قصره، فكساه إياها والذي أعطاه هو مالا يحصره العد ولا يحيط به الحد، وابن الخليفة مع ذلك كلّه أبخل خلق الله تعالى! وله في البخل أخبار عجيبة يعجب منها سامعها وكأنه كان من البخل بمنزلة السلطان من الكرم ولنذكر بعض أخباره في ذلك. حكايات من بخل ابن الخليفة وكانت بيني وبينه مودة، وكنت كثير التردد إلى منزله، وعنده تركت ولدا لي سميته أحمد لما سافرت، ولا أدري ما فعل الله به «57» ، فقلت له يوما: لم تأكل وحدك ولا تجمع أصحابك على الطعام؟ فقال لي: لا أستطيع أن أنظر إليهم على كثرتهم وهم ياكلون طعامي! فكان يأكل وحده ويعطي صاحبه محمد بن أبي الشرفي من الطعام لمن أحب ويتصرف في باقيه!!

حكاية [عن شحه]

وكنت أتردد إليه فأرى دهليز قصره الذي يسكن به مظلما لا سراج به. ورأيته مرارا يجمع الاعواد الصغار من الحطب بداخل بستانه، وقد ملأ منها مخازن، فكلمته في ذلك، فقال لي: يحتاج إليها. وكان يخدم أصحابه ومماليكه وفتيانه في خدمة البستان وبنائه ويقول: لا أرضى أن ياكلوا طعامي وهم لا يخدمون. وكان عليّ مرة دين، فطلبت به فقال لي في بعض الأيام: والله قد هممت أن أؤدى عنك دينك فلم تسمح نفسي بذلك ولا ساعدتني عليه!! حكاية [عن شحه] حدّثني مرة قال: خرجت من بغداد وأنا رابع أربعة: أحدهم محمد بن أبي الشرفي صاحبه، ونحن على أقدامنا ولا زاد عندنا، فنزلنا على عين ماء ببعض القرى فوجد أحدنا في العين درهما، فقلنا: وما نصنع بدرهم؟ فاتفقنا على أن نشتري به خبزا فبعثنا أحدنا لشرائه، فأبى الخباز بتلك القرية أن يبيع الخبز وحده وإنما يبيع خبزا بقيراط وتبنا بقيراط، فاشترى منه الخبز والتبن فطرحنا التّبن إذ لا دابة لنا تأكله، وقسمنا الخبز لقمة لقمة! وقد انتهى حالي اليوم إلى ما تراه، فقلت له: ينبغي أن تحمد الله على ما أولاك وتؤثر على الفقراء والمساكين وتتصدق، فقال: لا أستطيع ذلك! ولم أره قط يجود بشيء ولا يفعل معروفا، ونعوذ بالله من الشح! حكاية كنت يوما ببغداد بعد عودتي من بلاد الهند وأنا قاعد على باب المدرسة المستنصرية التي بناها جده أمير المؤمنين المستنصر «58» ، رضي الله عنه، فرأيت شابا. ضعيف الحال يشتد خلف رجل خارج عن المدرسة، فقال لي بعض الطلبة: هذا الشاب الذي تراه هو ابن الأمير محمد حفيد الخليفة المستنصر الذي ببلاد الهند، فدعوته، فقلت له، إني قدمت من بلاد الهند وأني أعرفك بخبر أبيك!! فقال: قد جاءني خبره في هذه الأيام، ومضى يشتد خلف الرجل، فسألت عن الرجل فقيل لي: هو الناظر في الحبس، وهذا الشاب هو إمام ببعض المساجد، وله على ذلك أجرة درهم واحد في اليوم، وهو يطلب أجرته من الرجل، فطال عجبي منه، والله لو بعث إليه جوهرة من الجواهر التي في الخلع الواصلة إليه من السلطان لأغناه بها، ونعوذ بالله من مثل هذه الحال.

ذكر ما أعطاه السلطان للأمير سيف الدين غدا بن هبة الله بن مهنى أمير عرب الشام.

ذكر ما أعطاه السلطان للأمير سيف الدين غدا بن هبة الله بن مهنّى أمير عرب الشام. ولما قدم هذا الأمير «59» على السلطان أكرم مثواه وأنزله بقصر السلطان جلال الدين داخل مدينة دهلى، ويعرف بكشك لعل، ومعناه القصر الأحمر، وهو قصر عظيم فيه مشور كبير جدا ودهليز هائل، على بابه قبة «60» تشرف على هذا المشور، وعلى المشور الثاني الذي يدخل منه إلى القصر، وكان السلطان جلال الدين يقعد بها وتلعب الكرة بين يديه في هذا المشور، وقد دخلت هذا القصر عند نزوله به فرأيته مملوا أثاثا وفرشا وبسطا وغيرها، وذلك كله متمزق، لا منتفع فيه، فإن عادتهم بالهند أن يتركوا قصر السلطان إذا مات بجميع ما فيه لا يعرضون له ويبنى المتولي بعده قصرا لنفسه، ولما دخلته طفت به وصعدت إلى أعلاه، فكانت لي فيه عبرة نشأت عنها عبرة وكان معي الفقيه الطيب الأديب جمال الدين المغربي الغرناطي الأصل البجائي المولد، مستوطن بلاد الهند قدمها مع أبيه، وله بها أولاد، فانشدني عند ما عايناه، سلاطينهم سل الطّين عنهم ... فالرؤوس العظام صارت عظاما! «61» وبهذا القصر كانت وليمة عرسه كما نذكره، وكان السلطان شديد المحبة في العرب مؤثرا لهم معترفا بفضائلهم فلما وصله الأمير أجزل له العطاء وأحسن إليه إحسانا عظيما، وأعطاه مرة، وقد قدمت عليه، هدية أعظم ملك البايزيدي «62» من بلاد مانكبور أحد عشر فرسا من عتاق الخيل وأعطاه مرة أخرى عشرة من الخيل مسرجة بالسروج المذهبة عليها اللجم المذهّبة ثم زوجه بعد ذلك بأخته فيروز خوندة. ذكر تزوج الأمير سيف الدين بأخت السلطان ولما أمر السلطان بتزويج أخته للأمير غدا عيّن للقيام بشأن الوليمة ونفقاتها الملك فتح

الله المعروف بشونويس، بشين معجم مفتوح وواوين أولهما مسكن والآخر مسكور بينهما نون وآخره سين مهمل، وعيّنني لملازمة الأمير غذا والكون معه في تلك الأيام، فأتى الملك فتح الله بالصّيوانات فظلل بها المشورين بالقصر الأحمر المذكور، وضرب في كل واحد منهما قبة ضخمة جدا وفرش ذلك بالفرش الحسان، وأتى شمس الدين التبريزي أمير المطربين ومعه الرجال المغنون والنساء المغنيات والرواقص وكلهن مماليك السلطان، وأحضر الطباخين والخبازين والشوائين والحلوانّيين والشّربدارية والتنبول داران، وذبحت الأنعام والطيور، وأقاموا يطعمون الناس خمسة عشر يوما ويحضر الأمراء الكبار والأعزة ليلا ونهارا. فلما كان قبل ليلة الزفاف بليلتين جاء الخواتين من دار السلطان ليلا إلى هذا القصر فزينه وفرّشنه بأحسن الفرش واستحضرن الأمير سيف الدين وكان عربيا غريبا لا قرابة له فحففن به، وأجلسنه على مرتبة معينة له، وكان السلطان قد أمر أن تكون ربيبته أم أخيه مبارك خان مقام أم الأمير غدا، وأن تكون امرأة أخرى من الخواتين مقام أخته وأخرى مقام عمته وأخرى مقام خالته حتى يكون كأنه بين أهله «63» !! ولما أجلسنه على المرتبة جعلن له الحناء في يديه ورجليه «64» ، وقام باقيهن على رأسه يغنّين ويرقصن، وانصرفن إلى قصر الزفاف وأقام هو مع خواص أصحابه، وعين السلطان جماعة من الأمراء يكونون من جهته وجماعة يكونون من جهة الزوجة، وعادتهم أن تقف الجماعة التي من جهة الزوجة على باب الموضع الذي تكون به جلوتها على زوجها، وياتي الزوج بجماعته فلا يدخلون إلا إن غلبوا أصحاب الزوجة أو يعطونهم الآلاف من الدنانير إن لم يقدروا عليهم!! ولما كان بعد المغرب أتي إليه بخلعة حرير زرقاء مزركشة مرصعة قد غلبت الجواهر عليها فلا يظهر لونها مما عليها من الجوهر، وبشاشية مثل ذلك، ولم أر قط مثل ذلك، ولم

أر قط خلعة أجمل من هذه الخلعة، وقد رأيت ما خلعه السلطان على سائر أصهاره مثل ابن ملك الملوك عماد الدين السّمناني، وابن ملك العلماء وابن شيخ الإسلام وابن صدر جهان البخاري، فلم يكن فيها مثل هذه. ثم ركب الأمير سيف الدين في أصحابه وعبيده، وفي يد كلّ واحد منهم عصى قد أعدها، وصنعوا شبه إكليل من الياسمين والنّسرين وريبول «65» ، وله رفرف «66» يغطي وجه المتكلل به وصدره، وأتوا به الأمير ليجعله على رأسه، فأبى من ذلك، وكان من عرب البادية، لا عهد له بأمور الملك والحضر! فحاولته وحلفت عليه حتى جعله على رأسه وأتى باب الصّرف ويسمونه باب الحرم «67» ، وعليه جماعة الزوجة فحمل عليهم بأصحابه حملة عربية وصرعوا كل من عارضهم فغلبوا عليهم، ولم يكن لجماعة الزوجة من ثبات! وبلغ ذلك السلطان فأعجبه فعله، ودخل إلى المشور وقد جعلت العروس فوق منبر عال مزين بالديباج مرصع بالجوهر والمشور ملآن بالنساء والمطربات قد أحضرن أنواع الآلات المطربة وكلهنّ وقوف على قدم إجلالا له وتعظيما، فدخل بفرسه حتى قرب من المنبر فنزل وخدم عند أول درجة منه، وقامت العروس قائمة حتى صعد فأعطته التنبول بيدها فأخذه وجلس تحت الدرجة التي وقفت بها، ونثرت دنانير الذهب على رؤوس الحاضرين من أصحابه، ولقطتها النساء والمغنيات يغنين حينئذ، والأطبال والأبواق والأنفار تضرب خارج الباب. ثم قام الأمير وأخذ بيد زوجته ونزل وهي تتبعه، فركب فرسه يطأ به الفرش والبسط، ونثرت «68» الدنانير عليه وعلى أصحابه، وجعلت العروس في محفة وحملها العبيد على أعناقهم إلى قصره، والخواتين بين يديها راكبات وغيرهن من النساء ماشيات، وإذا مرّوا بدار أمير أو كبير خرج إليهم ونثر عليهم الدنانير والدراهم على قدر همته حتى أوصلوها إلى قصرها.

ذكر سجن الأمير غدا

ولما كان بالغد بعثت العروس إلى جميع أصحاب زوجها الثياب والدنانير والدراهم، وأعطى السلطان لكل واحد منهم فرسا مسرجا ملجما وبدرة دراهم من ألف دينار إلى مائتي دينار، وأعطى الملك فتح الله للخواتين ثياب الحرير المنوعة والبدر، وكذلك لأهل الطرب، وعادتهم ببلاد الهند أن لا يعطي أحد شيئا لأهل الطرب، إنما يعطيهم صاحب العرس، وأطعم الناس جميعا ذلك اليوم، وانقضى العرس، وأمر السلطان أن يعطي الأمير غذا بلاد المالوة والجزرات وكنباية ونهروالة «69» ، وجعل فتح الله المذكور نائبا عنه عليها، وعظّمه تعظيما شديدا، وكان عربيا جافيا، فلم يقدّر ذلك وغلب عليه جفاء البادية فأداه ذلك إلى النكبة بعد عشرين ليلة من زفافه!! ذكر سجن الأمير غدا ولما كان بعد عشرين يوما من زفافه اتفق أنه وصل إلى دار السلطان فأراد الدخول فمنعه أمير البرد داريّه «70» ، وهم الخواص من البوابين، فلم يسمع منه وأراد التقحّم فامسك البواب بدبّوقته، وهي الضّفيرة، ورده، فضربه الأمير بعصى كانت هنالك حتى أدماه! وكان هذا المضروب من كبار الأمراء يعرف أبوه بقاضي غزنة، وهو من ذرية السلطان محمود بن سبكتكين، والسلطان يخاطبه بالأب ويخاطب ابنه هذا بالأخ، فدخل على السلطان والدم على ثيابه، فأخبره بما صنع الأمير غذا ففكر السلطان هنيهة، ثم قال له: القاضي يفصل بينكما، وتلك جريمة لا يغفرها السلطان لأحد من ناسه، ولا بد من الموت عليها، وإنما احتملته لغربته!! وكان القاضي كمال الدين بالمشور، فأمر السلطان الملك تترأن «71» يقف معهما عند القاضي، وكان تتر حاجّا مجاورا يحسن العربية، فحضر معهما، وقال للأمير: أنت ضربته أو قل لا! قصد أن يعلّمه الحجّة، وكان سيف الدين جاهلا مغترا، فقال: نعم أنا ضربته، وأتى والد المضروب فرام الإصلاح بينهما، فلم يقبل سيف الدين، فأمر القاضي

ذكر تزويج السلطان بنتي وزيره لابني خذاوند زاده، قوام الدين الذي قدم معنا عليه.

بسجنه تلك الليلة، فو الله ما بعثت له زوجته فراشا ينام عليه، ولا سألت عنه خوفا من السلطان، وخاف أصحابه فودعوا أموالهم! وأردت زيارته بالسجن، فلقيني بعض الأمراء وفهم عني أني أريد زيارته، فقال لي: أو نسيت؟ وذكرني بقضية اتفقت لي في زيارة الشيخ شهاب الدين ابن شيخ الجام، وكيف أراد السلطان قتلي على ذلك حسبما يقع ذكره «72» فرجعت ولم أزوره! وتخلص الأمير غذا عند الظهر من سجنه، فأظهر السلطان إهماله، وأضرب عما كان أمر له بولايته وأراد نفيه! وكان للسلطان صهر يسمى بمغيث ابن ملك الملوك (72) ، وكانت أخت السلطان تشكوه لأخيها إلى أن ماتت، فذكر جواريها أنها ماتت بسبب قهره لها، وكان في نسبه مغمز، فكتب السلطان بخطه: يجلى اللقيط، يعنيه، ثم كتب: ويجلى موش خوار، معناه: آكل الفئران! يعني بذلك الأمير غذا، لأن عرب البادية يأكلون اليربوع وهو شبه الفأر «73» ! وأمر بإخراجهما، فجاءه النقباء ليخرجوه، فأراد دخول داره ووداع أهله، فترادف النقباء في طلبه، فخرج باكيا! وتوجهت حين ذلك إلى دار السلطان فبتّ بها فسألني عن مبيتي بعض الأمراء، فقلت له جئت لأتكلم في الأمير سيف الدين حتى يرد ولا ينفي، فقال: لا يكون ذلك، فقلت له: والله لأبيتنّ بدار السلطان ولو بلغ مبيتي مائة ليلة حتى يردّ، فبلغ ذلك السلطان فأمر برده وأمره أن يكون في خدمة الأمير ملك قبولة اللّاهوريّ، فأقام أربعة أعوام في خدمته يركب لركوبه ويسافر لسفره حتى تأدّب وتهذب! ثم أعاده السلطان إلى ما كان عليه أولا وأقطعه البلاد وقدمه على العساكر ورفع قدره. ذكر تزويج السلطان بنتي وزيره لابني خذاوند زاده، قوام الدين الذي قدم معنا عليه. ولما قدم خذاوند زاده أعطاه السلطان عطاءا جزلا وأحسن إليه إحسانا عظيما وبالغ في إكرامه «74» ثم زوج ولديه من بنتي الوزير خواجة جهان، وكان الوزير اذ ذاك غائبا فأتى

حكاية في تواضع السلطان وإنصافه

السلطان إلى داره ليلا وحضر عقد النكاح كأنه نائب عن الوزير، ووقف حتى قرأ قاضي القضاة الصداق، والقضاة والأمراء والمشايخ قعود، وأخذ السلطان بيده الأثواب والبدر فجعلها بين يدي القاضي وولدى خذاوند زاده، وقام الأمراء وأبوه أن يجعل السلطان ذلك بين أيديهم بنفسه فأمرهم بالجلوس وأمر بعض كبار الأمراء أن يقوم مقامه وانصرف حكاية في تواضع السلطان وإنصافه ادعى عليه رجل من كبار الهنود أنه قتل أخاه من غير موجب ودعاه إلى القاضي فسلّم وخدم، وكان قد أمر القاضي قبل ذلك أنه إذا جاءه إلى مجلسه فلا يقوم ولا يتحرك، فصعد إلى المجلس ووقف بين يدي القاضي فحكم عليه أن يرضى خصمه عن دم أخيه فأرضاه. حكاية مثلها وادعى على السلطان مرة رجل من المسلمين أنّ له قبله حقا ماليا فتخاصما في ذلك عند القاضي، فتوجه الحكم على السلطان بإعطاء المال فأعطاه. حكاية مثلها وادعى عليه صبي من أبناء الملوك أنه قد ضربه من غير موجب ورفعه إلى القاضي فتوجه الحكم عليه بأن يرضيه بالمال إن قبل ذلك وإلا أمكنه من القصاص، فشاهدته يومئذ وقد عاد لمجلسه واستحضر الصبي وأعطاه عصا، وقال له، وحقّ رأسي لتضربنني كما ضربتك! فأخذ الصبي العصا وضربه بها إحدى وعشرين ضربة حتى رأيت الكلا قد طارت عن رأسه!! ذكر اشتداده في إقامة الصلاة وكان السلطان شديدا في إقامة الصلوات آمرا بملازمتها في الجماعات يعاقب على تركها أشد العقاب، ولقد قتل في يوم واحد تسعة نفر على تركها كان أحدهم مغنيا. وكان يبعث الرجال الموكلين بذلك إلى الأسواق فمن وجد بها عند إقامة الصلاة عوقب، حتى انتهى إلى عقاب الستائريين «75» الذين يمسكون دواب الخدام على باب المشور، إذا ضيعوا

ذكر اشتداده في إقامة أحكام الشرع

الصلاة، وأمر أن يطلب الناس بعلم فرائض الوضوء والصلاة وشروط الإسلام، فكانوا يسألون عن ذلك، فمن لم يحسنه عوقب، وصار الناس يتدارسون ذلك بالمشور والأسواق ويكتبونه! ذكر اشتداده في إقامة أحكام الشرع وكان شديدا في إقامة الشرع، ومما فعل في ذلك أن أمر أخاه مبارك خان «76» أن يكون قعوده بالمشور مع قاضي القضاة كمال الدين في قبة مرتفعة هنالك مفروشة بالبسط وللقاضي بها مرتبة تحف بها المخاد كمرتبة السلطان ويقعد أخو السلطان عن يمينه فمن كان عليه حق من كبار الأمراء وامتنع من أدائه لصاحبه يحضره رجال أخي السلطان عند القاضي لينصف منه. ذكر رفعه للمغارم والمظالم وقعوده لإنصاف المظلومين ولما كان في سنة إحدى وأربعين «77» أمر السلطان برفع المكوس عن بلاده وأن لا يؤخذ من الناس إلا الزكاة والعشر خاصة وصار يجلس بنفسه للنظر في المظالم في كل يوم اثنين وخميس برحبة أمام المشور «78» . ولا يقف بين يديه في ذلك اليوم إلا أمير حاجب «79» وخاص حاجب «80» وسيد الحجاب وشرف الحجاب «81» لا غير، ولا يمنع أحد ممن أراد الشكوى من الوقوف بين يديه. وعين أربعة من كبار الأمراء يجلسون في الأبواب الأربعة من المشور لأخذ القصص من المشتكين، والرابع منهم هو ابن عمه ملك فيروز، فإن أخذ صاحب الباب الأول الرفع من

ذكر إطعامه في الغلاء

الشاكي فحسن، وإلا أخذه الثاني أو الثالث أو الرابع، وإن لم ياخذوه منه مضى به إلى صدر الجهان قاضي المماليك «82» ، فإن أخذه منه وإلا شكا إلى السلطان، فإن صح عنده أنه مضى به إلى أحد منهم فلم ياخذه منه أدبه، وكلما يجتمع من القصص في سائر الأيام يطالع به السلطان بعد العشاء الآخرة. ذكر إطعامه في الغلاء ولما استولى القحط على بلاد الهند والسّند «83» واشتد الغلاء حتى بلغ من القمح إلى ستة دنانير «84» ، أمر السلطان أن يعطي لجميع أهل دهلى نفقة ستة أشهر من المخزن بحساب رطل ونصف من أرطال المغرب «85» لكل إنسان في اليوم صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا وخرج الفقهاء والقضاء يكتبون الأزمّة بأهل الحارات، ويحضرون الناس ويعطى لكل واحد عولة ستة أشهر يقتات بها. ذكر فتكات هذا السلطان وما نقم من أفعاله وكان على ما قدمنا من تواضعه وإنصافه ورفقه بالمساكين وكرمه الخارق للعادة كثير التجاسر على إراقة الدماء لا يخلو بابه عن مقتول إلا في النادر، وكنت كثيرا ما أرى الناس يقتلون على بابه ويطرحون هنالك، ولقد جئت يوما فنفر بي الفرس، ونظرت إلى قطعة بيضاء في الأرض فقلت ما هذه؟ فقال بعض أصحابي: هي صدر رجل قطع ثلاث قطع! وكان يعاقب على الصغيرة والكبيرة ولا يحترم أحدا من أهل العلم والصلاح والشرف، وفي كل يوم يرد على المشور من المسلسلين والمغلولين والمقيدين مئون، فمن كان للقتل أو للعذاب عذب أو للضرب ضرب، وعادته أن يؤتى كلّ يوم بجميع من في سجنه من الناس إلى المشور ما عدا يوم الجمعة فإنهم لا يخرجون فيه وهو يوم راحتهم يتنظفون فيه ويستريحون أعاذنا الله من البلاء.

ذكر قتله لأخيه

ذكر قتله لأخيه وكان له أخ اسمه مسعود خان وأمه بنت السلطان علاء الدين، وكان من أجمل صورة رأيتها في الدنيا، فاتّهمه بالقيام عليه «86» ، وسأله عن ذلك فأقر خوفا من العذاب فإنه من أنكر ما يدعيه عليه السلطان من مثل ذلك يعذب! فيرى الناس أن القتل أهون عليهم من العذاب فأمر به فضربت عنقه، في وسط السوق وبقى مطروحا هنالك ثلاثة أيام على عادتهم، وكانت أم هذا المقتول قد رجمت في ذلك الموضع قبل ذلك بسنتين لاعترافها بالزّنا فرجمها القاضي كمال الدين. ذكر قتله لثلاثماية وخمسين رجلا في ساعة واحدة! وكان مرة عيّن حصّة من العسكر تتوجه مع الملك يوسف بغرة «87» إلى قتال الكفار ببعض الجبال المتصلة بحوز دهلى فخرج يوسف وخرج معه معظم العسكر وتخلف قوم منهم، فكتب يوسف إلى السلطان يعلمه بذلك، فأمر أن يطاف بالمدينة ويقبض على من وجد من أولئك المتخلفين ففعل ذلك وقبض على ثلاثماية وخمسين منهم فأمر بقتلهم أجمعين فقتلوا! ذكر تعذيبه للشيخ شهاب الدين وقتله وكان الشيخ شهاب الدين ابن شيخ الجام الخراساني الذي تنسب مدينة الجام بخراسان إلى جده حسبما قصصنا ذلك، من كبار المشايخ الصلحاء الفضلاء «88» ، وكان يواصل أربعة عشر يوما، وكان السلطانان قطب الدين وتغلق يعظمانه ويزورانه ويتبركان به، فلما ولى السلطان محمد أراد أن يخدم الشيخ في بعض خدمته، فإن عادته أن يخدم الفقهاء والصلحاء محتجا أن الصدر الأول، رضي الله عنهم، لم يكونوا يستعملون إلا أهل العلم والصلاح، فامتنع الشيخ شهاب الدين من الخدمة، وشافهه السلطان بذلك في مجلسه العامّ

فأظهر الإباءة والامتناع! «89» فغضب السلطان من ذلك، وأمر الشيخ الفقيه المعظم ضياء الدين السمناني أن ينتف لحيته! فأبى ضياء الدين من ذلك، وقال: لا أفعل هذا، فأمر السلطان بنتف لحية كل واحد منهما! فنتفت! ونفي ضياء الدين إلى بلاد التّلنك، ثم ولاه بعد مدة قضاء ورنكل «90» فمات بها. ونفى شهاب الدين إلى دولة آباد، فأقام بها سبعة أعوام ثم بعث عنه فأكرمه وعظّمه وجعله على ديوان المستخرج «91» ، وهو ديوان بقايا العمّال يستخرجها منهم بالضرب والتنكيل، ثم زاد في تعظيمه وأمر الأمراء أن يأتوا للسلام عليه ويمتثلوا أقواله، ولم يكن أحد في دار السلطان فوقه، ولما انتقل السلطان إلى السكنى على نهر الكنك، وبنى هنالك القصر المعروف بسرك دوار، معناه شبيه الجنة «92» ، وأمر الناس بالبناء هنالك، طلب منه الشيخ شهاب الدين أن يأذن له في الإقامة بالحضرة، فأذن له إلى أرض موات مسافة ستة أميال من دهلى فحفر بها كهفا كبيرا صنع في جوفه البيوت والمخازن والفرن والحمّام وجلب الماء من نهرجون، وعمر تلك الأرض وجمع مالا كثيرا من مستغلها لأنها كانت السنون قاحطة، وأقام هنالك عامين ونصف عام مدة مغيب السلطان. وكان عبيده يخدمون تلك الأرض نهارا ويدخلون الغار ليلا ويسدّونه على أنفسهم وأنعامهم خوف سرّاق الكفار لأنهم في جبل منيع هنالك، ولما عاد السلطان إلى حضرته استقبله الشيخ ولقيه على سبعة أميال منها فعظّمه السلطان وعانقه عند لقائه، وعاد إلى غاره، ثم بعث عنه بعد أيام فامتنع من إتيانه، فبعث إليه مخلص الملك النّذرباري «93» ، وكان من كبراء الملوك فتلطف له في القول وحذره بطش السلطان فقال له: لا أخدم ظالما أبدا! فعاد مخلص الملك إلى السلطان فأخبره بذلك فأمر أن ياتي به، فأتى به فقال له: أنت القائل: إني ظالم؟ فقال: نعم أنت ظالم، ومن ظلمك كذا وكذا، وعدّد أمورا، منها تخريبه لمدينة

ذكر قتله للفقيه المدرس عفيف الدين الكاساني وفقيهين معه

دهلى وإخراجه أهلها، فأخذ السلطان سيفه ودفعه لصدر الجهان، وقال: يثبت هذا أني ظالم واقطع عنقي بهذا السيف! فقال له شهاب الدين: ومن يريد أن يشهد بذلك فيقتل، ولكن أنت تعرف ظلم نفسك! وأمر بتسليمه للملك نكبية راس الدويداريّة، فقيّده بأربعة قيود وغلّ يديه وأقام كذلك أربعة عشر يوما مواصلا لا ياكل ولا يشرب! وفي كل يوم منها يؤتى به إلى المشور ويجمع الفقهاء والمشايخ، ويقولون له ارجع عن قولك، فيقول: لا أرجع عنه وأريد أن أكون في زمرة الشهداء! فلما كان اليوم الرابع عشر بعث إليه السلطان بطعام مع مخلص الملك، فأبى أن يأكل، وقال: قد رفع رزقي من الأرض! ارجع بطعامك إليه! فلما أخبر بذلك السلطان أمر عند ذلك أن يطعم الشيخ خمسة إستار «94» من العذرة! وهي رطلان ونصف من أرطال المغرب، فأخذ ذلك الموكلون بمثل هذه الأمور، وهم طائفة من كفار الهنود، فمدّوه على ظهره وفتحوا فمه بالكلبتين وحلّوا العذرة بالماء، وسقوه ذلك، وفي اليوم بعده أتي به إلى دار القاضي صدر الجهان وجمع الفقهاء والمشايخ ووجوه الأعزة فوعظوه وطلبوا منه أن يرجع عن قوله فأبى ذلك فضربت عنقه، رحمه الله تعالى ذكر قتله للفقيه المدرس عفيف الدين الكاساني «95» وفقيهين معه وكان السّلطان في سنين القحط قد أمر بحفر آبار خارج دار الملك، وأن يزرع هنالك «96» زرع وأعطى الناس البذر وما يلزم على الزراعة من النفقة وكلفهم زرع ذلك للمخرن، فبلغ ذلك الفقيه عفيف الدين، فقال: هذا الزرع لا يحصل المراد منه! فوشى به إلى السلطان فسجنه وقال: له لأي شيء تدخل نفسك في أمور الملك؟ ثم إنه سرّحه بعد مدة فذهب إلى داره. ولقيه في طريقه إليها صاحبان له من الفقهاء، فقالا له: الحمد لله على خلاصك، فقال الفقيه: الحمد لله الذي نجّانا من القوم الظالمين «97» ، وتفرقوا فلم يصلوا إلى دورهم حتى بلغ ذلك السلطان، فأمر بهم فأحضر ثلاثتهم بين يديه، فقال: اذهبوا بهذا، يعني عفيف

ذكر قتله أيضا للفقيهين من أهل السند كانا في خدمته

الدين، فاضربوا عنقه حمائل، وهو أن يقطع الرأس مع الذراع وبعض الصدر، واضربوا أعناق الآخرين، فقالا له: أما هو فيستحق العقاب بقوله، وأما نحن فبأي جريمة تقتلنا؟ فقال لهما: إنكما سمعتما كلامه فلم تنكراه فكأنكما وافقتما عليه! فقتلوا جميعا رحمهم الله تعالى!. ذكر قتله أيضا للفقيهين من أهل السند كانا في خدمته وأمر السلطان هذين الفقيهين السنديّين أن يمضيا مع أمير عيّنه إلى بعض البلاد وقال لهما انّما سلّمت احوال البلاد والرعيّة لكما ويكون هذا الأمير معكما يتصرّف بما تأمرانه به فقالا له: إنّما نكون كالشاهدين عليه ونبين له وجه الحقّ ليتبعه، فقال لهما: إنّما قصدكما أن تاكلا أموالي وتضيّعاها وتنسبا ذلك إلى هذا التركيّ الذي لا معرفة له، فقالا له، حاشا لله ياخوند عالم! ما قصدنا هذا، فقال لهما: لم تقصدا غير هذا! اذهبوا بهما إلى الشيخ زاده النّهاونديّ، وهو الموكّل بالعذاب، فذهب بهما إليه فقال لهما: السلطان يريد قتلكما، فأقرّا بما قوّلكما ايّاه ولا تعذّبا انفسكما! فقالا: والله ما قصدنا الّا ما ذكرنا، فقال لزبانيّته: ذوّقوهما بعض شيء، يعني من العذاب، فبطحا على أقفائهما وجعل على صدر كلّ واحد منهما صفيحة حديد محماة، ثمّ قلعت بعد هنيهة، فذهبت بلحم صدورهما، ثمّ أخذ البول والرماد فجعل على تلك الجراحات، فأقرّا على أنفسهما انّهما لم يقصدا الّا ما قاله السلطان وانّهما مجرمان مستحقّان للقتل! فلا حقّ لهما ولا دعوى في دمائهما دنيا ولا أخرى، وكتبا خطّهما بذلك واعترفا به عند القاضي! فسجّل على العقد وكتب فيه أن اعترافهما كان عن غير اكراه ولا إجبار، ولو قالا: أكرهنا لعذّبا أشدّ العذاب! ورأيا أن تعجيل ضرب العنق خير لهما من الموت بالعذاب الأليم فقتلا رحمهما الله تعالى! ذكر قتله للشيخ هود وكان الشيخ زاده المسمى بهود حفيد الشيخ الصالح الوليّ ركن الدين بن بهاء الدين بن أبي زكرياء الملتاني للبنت «98» ، وجدّه الشيخ ركن الدين معظم عند السلطان، وكذلك أخوه عماد الدين الذي كان شبيها بالسلطان، وقتل يوم وقيعة كشلوخان وسنذكره «99» ، ولما قتل عماد الدين أعطى السلطان لأخيه ركن الدين مائة قرية ليأكل منها ويطعم الصادر

والوارد بزاويته، فتوفى الشيخ ركن الدين وأوصى بمكانه من الزاوية لحفيده الشيخ هود، ونازعه في ذلك ابن أخي الشيخ ركن الدين، وقال: أنا أحق بميراث عمي، فقدما على السلطان وهو بدولة آباد، وبينها وبين ملتان ثمانون يوما فأعطى السلطان المشيخة لهود حسبما أوصى له الشيخ، وكان كهلا وكان ابن أخي الشيخ فتى، وأكرمه السلطان وأمر بتضييفه في كل منزل يحله وأن يخرج إلى لقائه أهل كل بلد يمر به إلى ملتان وتصنع له فيه دعوة. فلما وصل الأمر للحضرة خرج الفقهاء والقضاة والمشايخ والأعيان للقائه، وكنت فيمن خرج إليه، فلقيناه وهو راكب في دولة يحملها الرجال وخيله مجنوبة، فسلمنا عليه وأنكرت أنا ما كان من فعله في ركوبه الدولة، وقلت: إنما كان ينبغي له أن يركب الفرس ويساير من خرج للقائه من القضاة والمشايخ، فبلغه كلامي، فركب الفرس واعتذر بأن فعله أولا كان بسبب ألم منعه عن ركوب الفرس، ودخل الحضرة وصنعت له بها دعوة أنفق فيها من مال السلطان عدد كثير وحضر القضاة والمشايخ والفقهاء والأعزة ومدّ السماط وأتوا بالطعام على العادة. ثم أعطيت الدراهم لكل من حضر على قدر استحقاقه فأعطى قاضي القضاة خمسمائة دينار، وأعطيت أنا مائتين وخمسين دينارا، وهذه عادة لهم في الدعوة لسلطانية ثم انصرف الشيخ هود إلى بلده ومعه الشيخ نور الدين الشيرازي بعثه السلطان ليجلسه على سجادة جده بزاويته، ويصنع له الدعوة من مال السلطان هنالك، واستقر بزاويته وأقام بها أعواما ثم إن عماد الملك أمير بلاد السند كتب إلى السلطان يذكر أن الشيخ وقرابته يشتغلون بجمع الأموال وإنفاقها في الشهوات ولا يطعمون أحدا بالزاوية، فنفذ الأمر بمطالبتهم بالأموال، فطلبهم عماد الملك بها، وسجن بعضهم وضرب بعضا وصار يأخذ منهم كل يوم عشرين ألف دينار مدة أيام حتى استخلص ما كان عندهم ووجد لهم كثير من الأموال والذخائر من جملتها نعلان مرصعان بالجوهر والياقوت بيعا بسبعة الاف دينار قيل: إنهما كانا لبنت الشيخ هود، وقيل لسرّيّة له، فلما اشتدت الحال على الشيخ هرب يريد بلاد الأتراك، فقبض عليه، وكتب عماد الملك بذلك إلى السلطان فأمره أن يبعثه مبعث الذي قبض عليه كلاهما في حكم الثقاف، فلما وصلا إليه سرح الذي قبض عليه، وقال الشيخ هود: أين أردت أن تفر؟ فاعتذر بعذر، فقال له السلطان إنما أردت أن تذهب إلى الاتراك فتقول: أنا ابن الشيخ بهاء الدين زكرياء. وقد فعل السلطان معي كذا وتأتي لقتالنا، اضربوا عنقه، فضربت عنقه رحمه الله تعالى!

ذكر سجنه لابن تاج العارفين وقتله لأولاده

ذكر سجنه لابن تاج العارفين وقتله لأولاده وكان الشيخ الصالح شمس الدين ابن تاج العارفين ساكنا بمدينة كول «100» منقطعا للعبادة، كبير القدر، ودخل السلطان إلى مدينة كول، فبعث عنه فلم يأته، فذهب السلطان إليه، ثم لما قارب منزله انصرف، ولم يره. واتفق بعد ذلك أن أميرا من الأمراء خالف على السلطان ببعض الجهات وبايعه الناس فنقل للسلطان أنه وقع ذكر هذا الأمير بمجلس الشيخ شمس الدين فأثنى عليه وقال: إنه يصلح للملك، فبعث السلطان بعض الأمراء إلي الشيخ فقيّده وقيد أولاده وقيد قاضي كول ومحتسبها «101» لأنه ذكر انّهما كانا حاضرين للمجلس الذي وقع فيه ثناء الشيخ على الأمير المخالف، وأمر بهم فسجنوا جميعا بعد أن سمل عيني القاضي وعيني المحتسب! ومات الشيخ بالسجن! وكان القاضي والمحتسب يخرجان مع بعض السجانين، فيسألان الناس، ثم يردان إلى السجن، وكان قد بلغ السلطان أن أولاد الشيخ كانوا يخالطون كفار الهنود وعصاتهم ويصحبونهم، فلما مات أبوهم أخرجهم من السجن، وقال لهم: لا تعود إلى ما كنتم تفعلون! فقالوا له: وما فعلنا؟ فاغتاظ من ذلك، وأمر بقتلهم جميعا! فقتلوا ثم استحضر القاضي المذكور، فقال: أخبرني بمن كان يرى رأى هؤلاء الذين قتلوا ويفعل مثل أفعالهم! فأملى أسماء رجال كثيرين من كبار البلد، فلما عرض ما أملاه على السلطان، قال: هذا يحب أن يخرّب البلد! اضربوا عنقه! فضربت عنقه، رحمه الله تعالى «102» . ذكر قتله للشيخ الحيدري وكان الشيخ علي الحيدري ساكنا بمدينة كنباية من ساحل الهند، وهو عظيم القدر شهير الذكر، بعيد الصيت، ينذر له التجار بالبحر النذور الكثيرة، وإذا قدموا بدءوا بالسلام عليه، وكان يكاشف بأحوالهم، وربما نذر أحدهم النذر وندم عليه، فإذا أتى الشيخ للسلام عليه أعلمه بما نذر له وأمر بالوفاء به، واتفق له ذلك مرات واشتهر به.

ذكر قتله لطوغان وأخيه

فلما خالف القاضي جلال الأفغاني وقبيلته بتلك الجهات «103» بلغ السلطان أن الشيخ الحيدري دعا للقاضي جلال وأعطاه شاشيته من رأسه «104» وذكر أيضا أنه بايعه، فلما خرج السلطان إليهم بنفسه وانهزم القاضي جلال خلّف السلطان شرف الملك أمير بخت أحد الوافدين معنا عليه، بكنباية، وأمره بالبحث عن أهل الخلاف، وجعل معه فقهاء يحكم بقولهم، فأحضر الشيخ علي الحيدري بين يديه وثبت أنه أعطى للقائم شاشيته، ودعا له فحكموا بقتله، فلما ضربه السياف لم يفعل شيئا وعجب الناس لذلك، وظنوا أنه يعفى عنه بسبب ذلك فأمر سيافا آخر بضرب عنقه فضربها، رحمه الله تعالى! ذكر قتله لطوغان وأخيه وكان طوغان الفرغاني وأخوه من كبار أهل مدينة فرغانة «105» فوفدا على السلطان فأحسن إليهما وأعطاهما عطاءا جزيلا، وأقاما عنده مدة، فلما طال مقامهما أراد الرجوع إلى بلادهما وحاولا الفرار، فوشى بهما أحد أصحابهما إلى السلطان فأمر بتوسيطهما فوسّطا! وأعطى للذي وشى بهما جميع مالهما، وكذلك عادتهم بتلك البلاد إذا وشى أحد بأحد وثبت ما وشى به فقتل أعطى ماله ذكر قلته لابن ملك التجار وكان ابن التجار شابا صغيرا لانبات بعارضيه، فلما وقع خلاف عين الملك وقيامه وقتاله للسلطان، كما سنذكره «106» ، غلب على ابن ملك التجار هذا، فكان في جملته مقهورا فلما هزم عين الملك وقبض عليه وعلى أصحابه كان من جملتهم ابن ملك التجار وصهره ابن قطب الملك فأمر بهما فعلّقا من أيديهما في خشب، وأمر أبناء الملوك فرموهما بالنّشاب حتى ماتا! ولما ماتا قال الحاجب خواجة أمير علي التّبريزيّ لقاضي القضاة كمال الدين: ذلك الشابّ لم يجب عليه القتل، فبلغ ذلك السلطان، فقال: هلا قلت هذا قبل موته؟ وأمر به فضرب مائتي مقرعة أو نحوها! وسجن وأعطى جميع ماله لأمير السيافين، فرأيته في ثاني ذلك اليوم قد لبس ثيابه وجعل قلنسوته على رأسه وركب فرسه فظننت أنه هو! وأقام بالسجن شهورا ثم سرحه ورده إلى ما كان عليه ثم غضب عليه ثانية ونفاه إلى خراسان فاستقر بهراة، وكتب إليه يستعطفه فوقّع له على ظهر كتابه: أكرباز امدي باز (آى) : معناه إن كنت تبت فارجع، فرجع إليه.

ذكر ضربه لخطيب الخطباء حتى مات

ذكر ضربه لخطيب الخطباء حتى مات وكان قد ولّي خطيب الخطباء بدهلى النظر في خزانة الجواهر في السفر فاتفق أن جاء سراق الكفار ليلا فضربوا على تلك الخزانة وذهبوا بشيء منها فأمر بضرب الخطيب حتى مات رحمه الله تعالى!. ذكر تخريبه لدهلى ونفي أهلها وقتل الأعمى والمقعد ومن أعظم ما كان ينقم على السلطان إجلاؤه لأهل دهلى «107» عنها، وسبب ذلك أنهم كانوا يكتبون بطائق فيها شتمه وسبّه ويختمون عليها ويكتبون عليه: وحق رأس خوند عالم ما يقرأها غيره! ويرمونها بالمشور ليلا فإذا فضها وجد فيها شتمه وسبه، فعزم على تخريب دهلى، واشترى من أهلها جميعا دورهم ومنازلهم ودفع لهم ثمنها، وأمرهم بالانتقال عنها إلى دولة آباد، فأبوا ذلك فنادى مناديه أن لا يبقى بها أحد بعد ثلاث، فانتقل معظمهم واختفى بعضهم في الدور، فأمر بالبحث عمن بقي بها فوجد عبيده بأزقتها رجلين أحدهما مقعد والآخر أعمى، فأتى بهما، فأمر بالمقعد فرمى به في المنجنيق، وأمر أن يجر الأعمى من دهلي إلى دولة آباد مسيرة أربعين يوما، فتمزق في الطريق ووصل منه رجله! ولما فعل ذلك خرج أهلها جميعا وتركوا أثقالهم وأمتعتهم وبقيت المدينة خاوية على عروشها «108» ، فحدثني من أثق به، قال: صعد السلطان ليلة إلى سطح قصره فنظر إلى دهلي، وليس بها نار ولا دخان ولا سراج، فقال: الآن طاب قلبي، وتهدّن خاطري! ثم كتب إلى أهل البلاد أن ينتقلوا إلى دهلي ليعمروها فخربت بلادهم ولم تعمر دهلي لاتساعها وضخامتها، وهي من أعظم مدن الدنيا وكذلك وجدناها لما دخلنا إليها خالية ليس بها إلّا قليل عمارة. وقد ذكرنا كثيرا من مآثر هذا السلطان، ومما نقم عليه أيضا فلنذكر جملا من الوقائع والحوادث الكائنة في أيامه.

الفصل الثالث عشر تاريخ مملكة محمد ابن تغلق

الفصل الثالث عشر تاريخ مملكة محمد ابن تغلق

تاريخ مملكة محمد ابن تغلق استضافة السلطان محمد شاه ووالدته لابن بطوطة وفاة بنت ابن بطوطة احسان السلطان في غيابه لابن بطوطة عطاءات السلطان لابن بطوطة خروج السلطان إلى الصيد وهدايا ابن بطوطة له خروج السلطان وأمره لابن بطوطة بالبقاء في دهلي خروج ابن بطوطة إلى هزار وأمروها رجوع السلطان وإرسال ابن بطوطة للصين.

ذكر ما افتتح به أمره أول ولايته من منه على بهادور بوره

ذكر ما افتتح به أمره أوّل ولايته من منّه على بهادور بوره ولمّا ولي السّلطان الملك بعد أبيه وبايعه الناس أحضر السلطان غياث الدين بهادور بوره «1» الذي كان أسره السلطان تغلق، فمنّ عليه وفكّ قيوده وأجزل له العطاء من الأموال والخيل والفيلة وصرفه إلى مملكته «2» ، وبعث معه ابن أخيه بهرام «3» خان، وعاهده على أن تكون تلك المملكة مشاطرة بينهما، وتكتب أسماؤهما معا في السكّة، ويخطب لهما، وعلى أن يصرف غياث الدّين ابنه محمّدا المعروف ببرباط يكون رهينة عند السلطان «4» فانصرف غياث الدين إلى مملكته والتزم ما شرط عليه الّا أنّه لم يبعث ابنه وادّعى انّه امتنع وأساء الأدب في كلامه فبعث السلطان العساكر إلى ابن أخيه ابراهيم خان، وأميرهم دلجي التتريّ «5» ، فقاتلوا غياث الدين فقتلوه وسلخوا جلده وحشى بالتبن وطيف به على البلاد. ذكر ثورة ابن عمّته وما اتّصل بذلك وكان للسلطان تغلق ابن اخت يسمّى بهاء الدين كشت اسب، بضمّ الكاف وسكون الشين المعجم وتاء معلوّة واسب بالسين المهمل والباء الموحدة مسكّنين، فجعله أميرا ببعض النواحي «6» ، فلمّا مات خاله امتنع من بيعة ابنه وكان شجاعا بطلا فبعث السلطان إليه العساكر فيهم الأمراء الكبار مثل الملك مجير والوزير خواجة جهان «7» أمير على الجميع، فالتقى الفرسان واشتدّ القتال، وصبر كلا العسكرين، ثمّ كانت الكرّة لعسكر السلطان، ففرّ

بهاء الدين إلى ملك من ملوك الكفار يعرف بالراي «8» كنبيلة، والراي عندهم كمثل ما هو بلسان الروم: عبارة عن السلطان، وكنبيلة اسم الاقليم الذي هو به، بفتح الكاف وسكون النون وكسر الباء الموحدة وياء ولام مفتوح «9» . وهذا الراي له بلاد في جبال منيعة، وهو من أكابر سلاطين الكفار، فلمّا هرب إليه بهاء الدين اتّبعه عساكر السلطان وحصروا تلك البلاد، واشتدّ الأمر على الكافر، ونفد ما عنده من الزرع، وخاف أن يوخذ باليد، فقال لبهاء الدين: إن الحال قد بلغت لما تراه وأنا عازم على هلاك نفسي وعيالي ومن تبعني، فاذهب أنت إلى السلطان فلان، لسلطان من الكفار سمّاه له، فأقم عنده فإنّه سيمنعك وبعث معه من أوصله إليه. وأمر راي كنبيلة بنار عظيمة فأججت «10» وأحرق فيها أمتعته وقال لنسائه وبناته: إنّي أريد قتل نفسي، فمن أرادت موافقتي فلتفعل، فكانت المرأة منهنّ تغتسل وتدّهن بالصندل المقاصريّ «11» وتقبّل الأرض بين يديه وترمي بنفسها في النار حتّى هلكن جميعا، وفعل مثل ذلك نساء امرائه ووزرائه وأرباب دولته، ومن أراد من سائر النساء، ثمّ اغتسل الرآى وادّهن بالصندل ولبس السلاح ما عدا الدرع، وفعل كفعله من أراد الموت معه من ناسه، وخرجوا إلى عسكر السلطان فقاتلوا حتّى قتلوا جميعا، ودخلت المدينة فأسر أهلها وأسر من أولاد رآى كنبيلة أحد عشر ولدا، فأتي بهم السلطان فاسلموا جميعا وجعلهم السلطان أمراء وعظّمهم لأصالتهم ولفعل أبيهم، فرأيت عنده منهم نصرا وبختيار والمهردار «12» ، وهو صاحب الخاتم الذي يختم به على الماء الذي يشرب السلطان منه، وكنيته أبو مسلم، وكانت بيني وبينه صحبة ومودّة. ولمّا قتل رآى كنبيلة توجّهت عساكر السلطان إلى بلد الكافر الذي لجأ اليه بهاء الدين وأحاطوا به «13» ، فقال ذلك السلطان: أنا لا أقدر على أن أفعل ما فعله راى كنبيلة فقبض

ذكر ثورة كشلوخان وقتله

على بهاء الدّين وأسلمه إلى عسكر السلطان، فقيّدوه وغلّوه وأتوا به اليه، فلمّا أتي به إليه أمر بادخاله إلى قرابته من النساء فشتمنه وبصقن في وجهه، وأمر بسلخه وهو بقيد الحياة، فسلخ وطبخ لحمه مع الأرز، وبعث لأولاده وأهله وجعل باقيه في صحفة وطرح للفيلة لتأكله، فأبت أكله! وأمر بجلده فحشى بالتبن وقرن بجلد بهادور بوره «14» وطيف بهما على البلاد. فلمّا وصلا إلى بلاد السّند وأمير أمرائها يومئذ كشلو خان «15» صاحب السلطان تغلق ومعينه على أخذ الملك، وكان السلطان يعظّمه ويخاطبه بالعمّ ويخرج لاستقباله إذا وفد من بلاده أمر كشلوخان بدفن الجلدين، فبلغ ذلك السلطان فشقّ عليه فعله واراد الفتك به. ذكر ثورة كشلوخان وقتله ولمّا اتّصل بالسلطان ما كان من فعله في دفن الجلدين بعث عنه وعلم كشلوخان أنّه يريد عقابه فامتنع وخالف وأعطى الأموال وجمع العساكر وبعث إلى الترك والأفغان وأهل خراسان، فأتاه منهم العدد الجمّ حتّى كافأ عسكره عسكر السلطان أو أربى عليه كثرة وخرج السلطان بنفسه لقتاله، فكان اللقاء على مسيرة يومين من ملتان بصحراء أبو هر «16» ، وأخذ السلطان بالحزم عند لقائه فجعل تحت الشطر عوضا منه الشيخ عماد الدين شقيق الشيخ ركن الدين الملتانيّ «17» ، وهو حدّثني هذا وكان شبيها به، فلمّا حمى القتال انفرد السلطان في أربعة آلاف من عسكره، وقصد عسكر كشلوخان قصد الشطر معتقدين أن السلطان تحته فقتلوا عماد الدين، وشاع في العسكر أنّ السلطان قتل فاشتغلت عساكر كشلوخان بالنهب وتفرّقوا عنه ولم يبق معه إلّا القليل، فقصده السلطان بمن معه فقتله وجزّ راسه، وعلم بذلك جيشه ففرّوا، ودخل السلطان مدينة ملتان وقبض على قاضيها كريم الدين وأمر بسلخه فسلخ، وأمر برأس كشلوخان فعلّق على بابه، وقد رأيته معلّقا لمّا وصلت إلى ملتان، وأعطى السلطان للشيخ ركن الدين أخى عماد الدين ولابنه وصدر الدين مائه قرية إنعاما عليهم ليأكلوا منها ويطعموا بزاويتهم المنسوبة لجدّهم بهاء الدين زكرياء «18» وأمر

ذكر الوقيعة بجبل قراجيل على جيش السلطان

السلطان وزيره خواجة جهان أن يذهب إلى مدينة كمال بور «19» وهي مدينة كبيرة على ساحل البحر، وكان أهلها قد خالفوا فأخبرني بعض الفقهاء انّه حضر دخول الوزير إيّاها قال: وأحضر بين يديه القاضي بها والخطيب فأمر بسلخ جلودهما، فقالا له: اقتلنا بغير ذلك، فقال لهما: بما استوجبتما القتل؟ فقالا: بمخالفتنا أمر السلطان، فقال لهما: فكيف أخالف أنا أمره وقد أمرني أن اقتلكما بهذه القتلة، وقال للمتولّين لسلخهما: احفروا لهما حفرا تحت وجوههما يتنفّسان فيها فانّهم اذا سلخوا، والعياذ بالله، يطرحون على وجوههم، ولمّا فعل ذلك تمهّدت بلاد السند وعاد السلطان إلى حضرته. ذكر الوقيعة بجبل قراجيل «20» على جيش السلطان وأول اسمه قاف وجيم معقودة، وجبل قراجيل هذا جبل كبير يتّصل مسيرة ثلاثة أشهر، وبينه وبين دهلي مسيرة عشر، وسلطانه من أكبر سلاطين الكفار، وكان السلطان بعث ملك نكبية «21» رأس الدويداريّة إلى حرب هذا الجبل، ومعه مائة الف فارس، ورجّاله سواهم كثيرا فملك مدينة جدية «22» ، وضبطها بكسر الجيم وسكون الدال المهمل وفتح الياء آخر الحروف، وهي أسفل الجبل، وملك ما يليها وسبى وخرّب وأحرق وفرّ الكفار إلى أعلى الجبل وتركوا بلادهم واموالهم وخزائن ملكهم. وللجبل طريق واحد، وعن أسفل منه واد وفوقه الجبل فلا يجوز فيه الّا فارس منفرد خلفه آخر، فصعدت عساكر المسلمين على ذلك الطريق وتملّكوا مدينة ورنكل 2» التي بأعلى الجبل، وضبطها بفتح الواو والراء وسكون النون وفتح الكاف، واحتووا على ما فيها وكتبوا إلى السلطان بالفتح فبعث اليهم قاضيا وخطيبا، وأمرهم بالإقامة. فلمّا كان وقت نزول المطر غلب المرض على العسكر وضعفوا وماتت الخيل وانحلّت القسّي، فكتب الأمراء إلى السلطان واستأذنوه في الخروج عن الجبل والنزول إلى أسفله بخلال ما ينصرم فصل نزول المطر فيعودون فأذن لهم في ذلك، فأخذ الأمير نكبية الأموال

ذكر ثورة الشريف جلال الدين ببلاد المعبر وما اتصل بذلك من قتل ابن اخت الوزير

التي استولى عليها من الخزائن والمعادن وفرّقها على الناس ليرفعوها ويوصّلوها إلى أسفل الجبل، فعندما علم الكفار بخروجهم قعدوا لهم بتلك المهاوي وأخذوا عليهم المضيق وصاروا يقطعون الأشجار العاديّة قطعا ويطرحونها من أعلى الجبل فلا تمرّ بأحد الّا اهلكته فهلك الكثير من الناس وأسر الباقون منهم وأخذ الكفار الأموال والأمتعة والخيل والسلاح، ولم يفلت من العسكر الّا ثلاثة من الأمراء: كبيرهم نكبية، وبدر الدين الملك دولة شاه، وثالث لهما لا اذكره، وهذه الوقيعة أثّرت في جيش الهند أثرا كبيرا وأضعفته ضعفا بيّنا، وصالح السلطان بعدها أهل الجبل على مال يؤدونه إليه لأن لهم البلاد أسفل الجبل ولا قدرة لهم على عمارتها إلّا باذنه. ذكر ثورة الشريف جلال الدين ببلاد المعبر وما اتّصل بذلك من قتل ابن اخت الوزير وكان السلطان قد امّر على بلاد المعبر، وبينها وبين دهلي مسيرة ستّة أشهر، الشريف جلال الدين أحسن شاه «24» ، فخالف وادّعى الملك لنفسه، وقتل نوّاب السلطان وعمّاله وضرب الدنانير والدراهم باسمه، وكان يكتب في إحدى صفحتي الدينار: (سلالة طه ويس أبو الفقراء والمساكين، جلال الدنيا والدين) وفي الصفحة الأخرى الواثق (بتأييد الرحمن أحسن شاه السلطان) . وخرج السلطان لمّا سمع بثورته يريد قتاله، فنزل بموضع يقال له كشك زر «25» ، معناه قصر الذهب، وأقام به ثمانية أيّام لقضاء حوائج الناس، وفي تلك الأيّام أتي بابن اخت الوزير خواجة جهان وأربعة من الأمراء أو ثلاثة وهم مقيّدون مغلولون وكان السلطان قد بعث وزيره المذكور في مقدّمته فوصل إلى مدينة ظهار «26» ، وهي على مسيرة أربع وعشرين

ذكر ثورة هلاجون

من دهلي، وأقام بها أيّاما، وكان ابن اخته شجاعا بطلا فاتّفق مع الأمراء الذين أتي بهم على قتل خاله والهروب بما عنده من الخزائن والأموال إلى الشريف القائم ببلاد المعبر، وعزموا على الفتك بالوزير عند خروجه إلى صلاة الجمعة فوشى بهم أحد من ادخلوه في أمرهم إلى الوزير، وكان يسمّى الملك نصرة الحاجب وأخبر الوزير أن آية ما يرومونه لبسهم الدروع تحت ثيابهم، فبعث الوزير عنهم فوجدهم كذلك فبعث بهم إلى السلطان. وكنت بين يدي السلطان حين وصولهم «27» فرأيت أحدهم وكان طوالا ألحى، وهو يرعد ويتلو سورة يس «28» ، فأمر بهم فطرحوا للفيلة المعلّمة لقتل الناس، وأمر بابن اخت الوزير فردّ إلى خاله ليقتله، وسنذكر ذلك. وتلك الفيلة التي تقتل الناس تكسى أنيابها حدائد مسنونة شبه سكك الحرث، لها أطراف كالسّكاكين، ويركب الفيّال على الفيل، فإذا رمى بالرجل بين يديه لفّ عليه خرطومه ورمى به إلى الهواء، ثمّ يتلقّفه بنابيه ويطرحه بعد ذلك بين يديه، ويجعل يده على صدره ويفعل به ما يأمره الفيّال على حسب ما أمره السلطان، فإن أمره بتقطيعه قطّعه الفيل قطعا بتلك الحدائد وان امره بتركه تركه مطروحا فسلخ، وكذلك فعل بهؤلاء! وخرجت من دار السلطان بعد المغرب فرأيت الكلاب تأكل لحومهم وقد ملئت جلودهم بالتبن، والعياذ بالله، ولمّا تجهّز السلطان لهذه الحركة أمرني بالإقامة بالحضرة، كما سنذكره ومضى في سفره إلى أن بلغ دولة آباد فثار الأمير هلاجون ببلاده «29» ... ذلك وكان الوزير خواجة جهان قد بقى أيضا بالحضرة لحشد الحشود وجمع العساكر. ذكر ثورة هلاجون ولمّا بلغ السلطان إلى دولة آباد وبعد عن بلاده ثار الأمير هلاجون بمدينة لّاهور وادّعى الملك وساعده الأمير قلجند «30» على ذلك وصيّره وزيرا له، واتّصل ذلك بالوزير خواجة جهان

ذكر وقوع الوباء في عسكر السلطان

وهو بدهلي، فحشد الناس وجمع العساكر وجمع الخراسانيّين وكلّ من كان مقيما من الخدّام بدهلي أخذ أصحابه وأخذ في الجملة أصحابي لأنّي كنت بها مقيما، وأعانه السلطان بأميرين كبيرين أحدهما قيران ملك صفّدار، ومعناه مرتّب العساكر، والثاني الملك تمور الشّربدار، وهو الساقي، وخرج هلاجون بعساكر فكان اللقاء على ضفّة أحد الأودية الكبار (30) ، فانهزم هلاجون، وهرب وغرق كثير من عسكره في النهر، ودخل الوزير المدينة فسلخ بعض أهلها وقتل آخرين بغير ذلك من أنواع القتل، وكان الذي تولّى قتلهم محمّد بن النّجيب نائب الوزير، وهو المعروف بأجدر ملك، ويسمّى أيضا صكّ السلطان، والصك عندهم الكلب وكان ظالما قاسي القلب ويسمّيه السلطان أسد الأسواق، وكان ربّما عضّ أرباب الجنايات بأسنانه شرها وعدوانا، وبعث الوزير من نساء المخالفين نحو ثلاثماية إلى حصن كاليور «31» فسجنّ به ورأيت بعضهن هنالك، وكان أحد الفقهاء له فيهنّ زوجة فكان يدخل اليها حتّى ولدت منه في السجن! ذكر وقوع الوباء في عسكر السلطان ولمّا وصل السلطان إلى بلاد التّلنك وهو قاصد إلى قتال الشريف ببلاد المعبر نزل مدينة بدركوت، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة وسكون الدال وفتح الراء وضمّ الكاف وواو وتاء معلوّة، وهي قاعدة بلاد التّلنك، وضبطها بكسر التاء المعلوّة واللام وسكون النون وكاف معقودة، وبينها وبين بلاد المعبر مسيرة ثلاثة أشهر، ووقع الوباء «32» اذ ذاك في عسكره فهلك معظمهم ومات العبيد، والمماليك وكبار الأمراء مثل ملك دولة شاه الذي كان السلطان يخاطبه بالعمّ ومثل أمير عبد الله الهرويّ، وقد تقدّمت حكايته في السفر الأول «33» ، وهو الذي أمره السلطان أن يرفع من الخزانة ما استطاع من المال فربط ثلاث عشرة خريطة باعضاده ورفعها، ولمّا رأى السلطان ما حلّ بالعسكر عاد إلى دولة آباد وخالفت البلاد وانتقضت الأطراف، وكاد الملك يخرج عن يده لولا ما سبق به القدر من استحكام سعادته. ذكر الإرجاف بموته وفرار الملك هوشنج ولمّا عاد السلطان إلى دولة آباد مرض في طريقه فأرجف الناس بموته وشاع ذلك

ذكر ما هم به الشريف إبراهيم من الثورة ومآل حاله.

فنشأت عنه فتن عريضة، وكان الملك هوشنج ابن الملك كمال الدين كرك «34» بدولة آباد، وكان بينه وبين السلطان عهد أن لا يبايع غيره أبدا لا في حياته ولا بعد موته، فلمّا أرجف بموت السلطان هرب إلى سلطان كافر يسمّى بربرة يسكن بجبال مانعة بين دولة آباد وكوكن تانه «35» ، فعلم السلطان بفراره وخاف وقوع الفتنة فجدّ السير إلى دولة آباد واقتفى أثر هوشنج وحصره بالخيل، وراسل الكافر أنّ يسلّمه إليه فأبى، وقال: لا أسلّم دخيلى ولو آل بي الأمر لما آل برآي كنبيلة «36» . وخاف هوشنج على نفسه فراسل السلطان وعاهده على أن يرحل السلطان إلى دولة آباد، ويبقى هنالك قطلو خان معلّم السلطان ليستوثق منه هو شنج وينزل إليه على الأمان، فرحل السلطان ونزل هوشنج إلى قطلو خان وعاهده أن لا يقتله السلطان ولا يحطّ منزلته، وخرج بماله وعياله وأصحابه وقدم على السلطان فسرّ بقدومه وأرضاه وخلع عليه. وكان قطلوخان صاحب عهد يستنيم الناس إليه ويعوّلون في الوفاء عليه، ومنزلته عند السلطان عليّة، وتعظيمه له شديد، ومتى دخل عليه قام له إجلالا فكان بسبب ذلك لا يدخل عليه حتّى يكون هو الذي يدعوه لئلا يتعبه بالقيام له وهو محب في الصّدقات كثير الإيثار مولع بالإحسان للفقراء والمساكين. ذكر ما همّ به الشريف إبراهيم من الثورة ومآل حاله. وكان الشريف إبراهيم المعروف بالخريطة دار، هو صاحب الكاغد والأقلام بدار السلطان واليا على بلاد حانسي وسرستي لمّا تحرّك السلطان إلى بلاد المعبر «37» ، وأبوه هو القائم ببلاد المعبر الشريف أحسن شاه، فلمّا أرجف بموت السلطان طمع ابراهيم في السلطنة وكان شجاعا كريما حسن الصورة، وكنت متزوّجا باخته حورنسب، وكانت صالحة تتهجّد بالليل ولها أوراد من ذكر الله عزّ وجلّ، وولدت منّي بنتا، ولا أدري ما فعل الله فيهما، وكانت تقرأ لا كنها لا تكتب، فلمّا همّ ابراهيم بالثورة اجتاز به أمير من امراء السند

ذكر خلاف نائب السلطان ببلاد التلنك

معه الأموال يحملها إلى دهلي، فقال له ابراهيم: إن الطريق مخوف، وفيه القطع، فأقم عندي حتّى يصلح الطريق وأوصلك إلى المأمن، وكان قصده أن يتحقّق موت السلطان فيستولي على تلك الأموال، فلمّا تحقّق حياته سرّح ذلك الأمير، وكان يسمّى ضياء الملك بن شمس الملك. ولمّا وصل السلطان إلى الحضرة بعد غيبته سنتين ونصفا وصل الشريف ابراهيم إليه فوشى به بعض غلمانه وأعلم السلطان بما كان همّ به، فأراد السلطان أن يعجل بقتله، ثمّ تانّى لمحبّته فيه، فاتّفق أن أتى يوما إلى السلطان بغزال مذبوح فنظر إلى ذبحته فقال ليس بجيد الذكاة، أطرحوه فرآه إبراهيم فقال: إن ذكاته جيّدة وأنا أكله، فأخبر السلطان بقوله، فأنكر ذلك وجعله ذريعة إلى أخذه فأمر به فقيّد وغلّل ثمّ قرّره على ما رمى به من أنّه أراد أخذ الاموال التي مرّ بها ضياء الملك. وعلم إبراهيم أنّه إنّما يريد قتله بسبب أبيه، وأنّه لا تنفعه معذرة، وخاف أن يعذّب فرأى الموت خيرا له، فأقرّ بذلك فأمر به فوسّط، وترك هنالك، وعادتهم أنه متى قتل السلطان أحدا أقام مطروحا بموضع قتله ثلاثا فإذا كان بعد الثلاث أخذه طائفة من الكفّار موكّلون بذلك فحملوه إلى خندق خارج المدينة يطرحونه به، وهم يسكنون حول الخندق لئلا ياتي أهل المقتول فيرفعونه، وربّما أعطى بعضهم لهؤلاء الكفار مالا فتجافوا له عن قتيله حتّى يدفنه، وكذلك فعل بالشريف ابراهيم، رحمه الله تعالى. ذكر خلاف نائب السلطان ببلاد التّلنك ولمّا عاد السلطان من التّلنگ وشاع خبر موته، وكان ترك تاج الملك نصرة خان «38» نائبا عنه ببلاد التّلنك، وهو من قدماء خواصّه بلغه ذلك فعمل عزاء السلطان ودعا لنفسه وبايعه الناس بحضرة بدركوت، فبلغ خبره إلى السلطان فبعث معلّمه قطلوخان في عساكر عظيمة فحصره بعد قتال شديد هلك فيه أمم من الناس واشتدّ الحصار على أهل بدركوت وهي منيعة، وأخذ قطلوخان في نقبها فخرج إليه نصرة خان على الأمان في نفسه فأمّنه وبعث به إلى السلطان وامّن أهل المدينة والعسكر.

ذكر انتقال السلطان لنهر الكنك وقيام عين الملك

ذكر انتقال السلطان لنهر الكنك وقيام عين الملك ولمّا استولى القحط «39» على البلاد انتقل السلطان بعساكره إلى نهر الكنك الذي تحجّ اليه الهنود، على مسيرة عشر من دهلي، وأمر الناس بالبناء، وكانوا قبل ذلك صنعوا خياما من حشيش الارض، فكانت النار كثيرا ما تقع فيها وتؤذي الناس حتّى كانوا يصنعون كهوفا تحت الارض فإذا وقعت النار رموا أمتعتهم بها وسدّوا عليها بالتراب. ووصلت أنا في تلك الأيّام لمحلّة السلطان وكانت البلاد التي بغربيّ النهر، حيث السلطان، شديدة القحط والبلاد التي بشرقيّة خصبة، وأميرها عين الملك بن ماهر «40» ومنها مدينة عوض «41» ومدينة ظفر آباد «42» ومدينة اللّكنو «43» وغيرها، وكان الأمير عين الملك يحضر كلّ يوم خمسين ألف منّ، منها قمح وأرز وحمّص لعلف الدوابّ فأمر السلطان أن تحمل الفيلة ومعظم الخيل والبغال إلى الجهة الشرقيّة المخصبة لترعى هنالك، وأوصى عين الملك بحفظها. وكان لعين الملك أربعة إخوة وهم شهر الله ونصر الله وفضل الله ولا أذكر اسم الآخر، فاتفقوا مع أخيهم عين الملك على أنّ يأخذوا فيلة السلطان ودوابّه ويبايعوا عين الملك، ويقوموا على السلطان وهرب إليهم عين الملك باللّيل وكاد الأمر يتمّ لهم «44» . ومن عادة ملك الهند انّه يجعل مع كلّ أمير كبير أو صغير مملوكا له يكون عينا عليه ويعرّفه بجميع حاله، ويجعل أيضا جواري في الدّوريكنّ عيونا على أمرائه، ونسوة يسميهنّ الكنّاسات يدخلى الدّور بدون استئذان ويخبرهنّ الجواري بما عندهنّ فيخبر الكنّاسات بذلك لملك المخبرين، فيخبر بذلك السلطان! ويذكرون أنّ بعض الامراء كان في فراشه مع زوجته

فأراد مماسّتها فحلّفته برأس السلطان أن لا يفعل، فلم يسمع منها فبعث عنه السلطان صباحا وأخبره بذلك وكان سبب هلاكه. وكان للسلطان مملوك يعرف بابن ملك شاه هو عين على عين الملك المذكور فأخبر السلطان بفراره وجوازه النهر فسقط في يده وظنّ أنّها القاضية عليه لأن الخيل والفيلة والزرع كلّ ذلك عند عين الملك وعساكر السلطان مفترقة، فأراد أن يقصد حضرته ويجمع العساكر، وحينئذ يأتي لقتاله، وشاور أرباب الدولة في ذلك وكان امراء خراسان والغرباء أشدّ الناس خوفا من هذا القائم لأنّه هندي، وأهل الهند مبغضون في الغرباء لاظهار السلطان لهم فكرهوا ما ظهر له، وقالوا: ياخوند عالم! إن فعلت ذلك بلغه الخبر، فاشتدّ أمره ورتّب العساكر، وانثال عليه طلاب الشّر ودعاة الفتن والأولى معالجته قبل استحكام قوّته. وكان أوّل من تكلّم بهذا ناصر الدين مطهّر الأوهريّ ووافقه جميعهم فعمل السلطان بإشارتهم وكتب تلك الليلة إلى من قرب منه من الأمراء والعساكر فأتوا من حينهم وأدار في ذلك حيلة حسنة، فكان إذا قدم على محلّته مثلا مائة فارس بعث الآلاف من عنده للقائهم ليلا، ودخلوا معهم إلى المحلّة كأن جميعهم مدد له. وتحرّك السلطان مع ساحل النهر ليجعل مدينة قنّوج «45» وراء ظهره، ويتحصّن بها لمنعتها وحصانتها وبينها وبين الموضع الذي كان به ثلاثة أيّام فرحل أوّل مرحلة وقد عبّأ جيشه للحرب وجعلهم صفّا واحدا عند نزولهم كلّ واحد منهم بين يديه سلاحه وفرسه إلى جانبه، ومعه خباء صغير يأكل به ويتوضّأ ويعود إلى مجلسه، والمحلّة الكبرى على بعد منهم ولم يدخل السلطان في تلك الأيّام الثلاثة خباء، ولا استظلّ بظلّ. وكنت في يوم منها بخبائي فصاح بي فتى من فتياني اسمه سنبل واستعجلني وكان معي الجواري، فخرجت إليه، فقال: إن السلطان امر الساعة أن يقتل كلّ من معه امرأته أو جاريته، فشفع عنده الامراء، فأمر أن لا تبقى الساعة بالمحلّة امرأة وان يحملن إلى حصن هنالك على ثلاثة أميال يقال له كنبيل «46» ، فلم تبق امرأة بالمحلّة ولا مع السلطان. وبتنا تلك الليلة على تعبئة فلمّا كان في اليوم الثاني رتّب السلطان عسكره أفواجا وجعل مع كلّ فوج الفيلة المدرّعة، عليها الأبراج فوقها المقاتلة وتدرّع العسكر وتهيّئوا للحرب،

وباتوا تلك الليلة على أهبة ولمّا كان اليوم الثالث بلغ الخبر بأن عين الملك الثائر أجاز النهر فخاف السلطان من ذلك وتوقّع انّه لم يفعله الّا بعد مراسلة الامراء الباقين مع السلطان، فأمر في الحين بقسم الخيل العتاق على خواصّه وبعث لي حظّا منها، وكان لي صاحب يسمّى أمير أميران الكرمانيّ من الشجعان، فأعطيته فرسا منها أشهب اللون فلمّا حرّكه جمح به، فلم يستطع إمساكه ورماه عن ظهره فمات رحمه الله تعالى. وجدّ السلطان ذلك اليوم في مسيره، فوصل بعد العصر إلى مدينة قنّوج وكان يخاف أن يسبقه القائم اليها وبات ليلته تلك يرتّب الناس بنفسه ووقف علينا ونحن في المقدمة مع ابن عمّه ملك فيروز ومعنا الامير غدا ابن مهنّى «47» والسيّد ناصر الدين مطهّر وامراء خراسان، فأضافنا إلى خواصّه وقال: أنتم أعزّة عليّ ما ينبغي أن تفارقوني، وكان في عاقبة ذلك الخير فإن القائم ضرب في آخر الليل على المقدمة، وفيها الوزير خواجة فقامت ضجّة في الناس كبيرة فحينئذ أمر السلطان أن لا يبرح أحد عن مكانه ولا يقاتل الناس الّا بالسيوف فاستلّ العسكر سيوفهم ونهضوا إلى اصحابهم وحمى القتال، وأمر السلطان أن يكون شعار جيشه دهلي وغزنة، فإذا لقى أحدهم فارسا قال له: دهلي، فإن أجابه بغزنة علم أنّه من أصحابه والّا قاتله. وكان القائم إنّما قصد أن يضرب على موضع السلطان فاخطأ به الدليل فقصد موضع الوزير فضرب عنق الدّليل. وكان في عسكر الوزير الأعاجم والترك والخراسانيّون، وهم أعداء الهنود فصدقوا القتال وكان جيش القائم نحو الخمسين الفا فانهزموا عند طلوع الفجر وكان الملك إبراهيم المعروف بالبنجيّ، بفتح الباء الموحدة وسكون النون وجيم، التتريّ قد اقطعه السلطان بلاد سنديلة وهي قرية من بلاد عين الملك فاتّفق معه على الخلاف وجعله نائبه وكان داود بن قطب الملك وابن ملك التجار على فيلة السلطان وخيله فوافقاه أيضا وجعل داود حاجبه. وكان داود هذا لمّا ضربوا على محلّة الوزير يجهر بسبّ السلطان ويشتمه أقبح شتم، والسلطان يسمع ذلك ويعرف كلامه، فلمّا وقعت الهزيمة قال عين الملك لنائبه ابراهيم التتريّ: ماذا ترى يا ملك ابراهيم؟ قد فرّ اكثر العسكر وذو النجدة منهم، فهل لك أن ننجو بأنفسنا؟ فقال إبراهيم لأصحابه بلسانهم، إذا أراد عين الملك ان يفرّ فانّي سأقبض على دبّوقته، فإذا فعلت ذلك فاضربوا انتم فرسه ليسقط إلى الأرض فنقبض عليه وناتي به السلطان ليكون ذلك كفارة لذنبي في الخلاف معه وسببا لخلاصي، فلمّا أراد عين الملك الفرار قال له ابراهيم: إلى أين يا سلطان علاء الدين؟ وكان يسمّى بذلك، وامسك بدبّوقته وضرب

اصحابه فرسه فسقط إلى الأرض ورمى إبراهيم بنفسه عليه فقبضه وجاء أصحاب الوزير ليأخذوه فمنعهم وقال: لا أتركه حتّى أوصله للوزير أو أموت دون ذلك، فتركوه فأوصله إلى الوزير. وكنت أنظر عند الصبح إلى الفيلة والأعلام يؤتى بها إلى السلطان ثمّ جاءني بعض العراقيّين فقال: قد قبض على عين الملك، وأوتي به الوزير، فلم أصدقه فلم يمرّ الّا يسير وجاءني الملك تمور الشربدار فأخذ بيدي وقال: أبشر فقد قبض على عين الملك وهو عند الوزير فتحرّك السلطان عند ذلك ونحن معه إلى محلّة عين الملك على نهر الكنك فنهبت العساكر ما فيها، واقتحم كثير من عسكر عين الملك النهر فغرقوا، وأخذ داود بن قطب الملك وابن ملك التجار وخلق كثير معهم، ونهبت الأموال والخيل والأمتعة. ونزل السلطان على المجاز وجاء الوزير بعين الملك، وقد أركب على ثور وهو عريان «48» مستور العورة بخرقة مربوطة بحبل وباقيه في عنقه، فوقف على باب السراجة، ودخل الوزير إلى السلطان فأعطاه الشّربة عناية به، وجاء ابناء الملوك إلى عين الملك فجعلوا يسبّونه ويبصقون في وجهه ويصفعون أصحابه، وبعث إليه السلطان الملك الكبير فقال له: ما هذا الذي فعلت؟ فلم يجد جوابا، فأمر به السلطان أن يكسى ثوبا من ثياب الزّمّالة! وقيّد بأربعة كبول، وغلّت يداه إلى عنقه وسلّم للوزير ليحفظه، وجاز إخوته النهر هاربين ووصلوا مدينة عوض، فأخذوا أهلهم وأولادهم وما قدروا عليه من المال وقالوا لزوجة أخيهم عين الملك: اخلصي بنفسك وبنيك معنا! فقالت: أفلا أكون كنساء الكفّار اللّائي يحرقن أنفسهنّ مع أزواجهنّ؟ فأنا أيضا أموت لموت زوجي وأعيش لعيشه! فتركوها. وبلغ ذلك السلطان فكان سبب خيرها وأدركته لها رقّة، وأدرك الفتى سهيل نصر الله من أولئك الاخوة فقتله، وأتى السلطان برأسه وأتى بام عين الملك واخته وامرأته فسلّمن إلى الوزير وجعلن في خباء بقرب خباء عين الملك، فكان يدخل إليهنّ ويجلس معهنّ ويعود إلى محبسه! ولمّا كان بعد العصر من يوم الهزيمة أمر السلطان بسراح لفيف الناس الذين مع عين الملك من الزّمالة والسوقة والعبيد ومن لا يعبأ به، وأتي بملك ابراهيم البنجيّ الذي ذكرناه فقال ملك العسكر الملك نوا: ياخوندا عالم اقتل هذا، فانّه من المخالفين، فقال الوزير إنّه قد فدا نفسه بالقائم فعفى عنه السلطان وسرّحه إلى بلاده.

ذكر عودة السلطان لحضرته ومخالفة علي شاه كر.

ولمّا كان بعد المغرب جلس السلطان ببرج الخشب وأتى باثنين وستّين رجلا من كبار أصحاب القائم وأتى بالفيلة فطرحوا بين ايديها فجعلت تقطعهم بالحدائد الموضوعة على أنيابها وترمى ببعضهم إلى الهواء وتتلقفه، والأبواق والأنفار والطبول تضرب عند ذلك، وعين الملك واقف يعاين مقتلهم ويطرح منهم عليه، ثمّ أعيد إلى محبسه وأقام السلطان على جواز النهر أياما لكثرة الناس وقلّة القوارب، وأجاز امتعته وخزائنه على الفيلة، وفرّق الفيلة على خواصه ليجيزوا أمتعتهم وبعث إليّ بفيل منها أجزت عليه رحلي. وقصد السلطان ونحن معه، إلى مدينة بهرايج «49» ، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة وهاء مسكّن وراء والف وياء آخر الحروف مكسورة وجيم، وهي مدينة حسنة في عدوة نهر السّرو، وهو واد كبير شديد الانحدار وأجازه السلطان برسم زيارة قبر الشيخ الصالح البطل سالار عود «50» الذي فتح أكثر تلك البلاد، وله أخبار عجيبة وغزوات شهيرة وتكاثر الناس للجواز وتزاحموا حتّى غرق مركب كبير كان فيه نحو ثلاثماية نفس لم ينج منهم الّا عربيّ من أصحاب الامير عذا، وكنّا ركبنا نحن في مركب صغير فسلّمنا لله تعالى. وكان العربي الذي سلم من الغرق يسمّى بسالم، وذلك اتّفاق عجيب، وكان أراد أن يصعد معنا في مركبنا فوجدنا قد ركبنا النهر، فركب في المركب الذي غرق فلمّا خرج ظنّ الناس أنّه كان معنا فقامت ضجّة في أصحابنا وفي سائر الناس وتوهّموا أنّا غرقنا، ثمّ لمّا رأونا بعد استبشروا بسلامتنا. وزرنا قبر الصالح المذكور وهو في قبّة لم نجد سبيلا إلى دخولها لكثرة الزحام وفي تلك الوجهة دخلنا غيضة قصب فخرج علينا منها الكركدّن، فقتل، وأتى الناس برأسه، وهو دون الفيل، ورأسه أكبر من رأس الفيل بأضعاف وقد ذكرناه. ذكر عودة السلطان لحضرته ومخالفة عليّ شاه كر. ولما ظفر السلطان بعين الملك كما ذكرنا عاد إلى حضرته بعد مغيب عامين

ذكر فرار أمير بخت وأخذه

ونصف «51» ، وعفى عن عين الملك وعفى أيضا عن نصرة خان القائم ببلاد التّلنك وجعلهما معا على عمل واحد، وهو النظر على بساتين السلطان وكساهما وأركبهما، وعيّن لهما نفقة من الدقيق واللحم في كلّ يوم! وبلغ الخبر بعد ذلك أن أحد أصحاب قطلوخان وهو عليّ شاه كر «52» ، ومعنى كر الأطرش خالف على السلطان وكان شجاعا حسن الصورة والسيرة فغلب على بدركوت وجعلها مدينة ملكه وخرجت العساكر إليه وأمر السلطان معلّمه أن يخرج إلى قتاله فخرج في عساكر عظيمة وحصره ببدركوت ونقبت أبراجها واشتدّت به الحال فطلب الأمان فأمّنه قطلوخان، وبعث به إلى السلطان مقيّدا فعفا عنه ونفاه إلى مدينة غزنة من طرف خرسان، فأقام بها مدّة ثمّ اشتاق إلى وطنه فأراد العودة اليه لما قضاه الله من حينه، فقبض عليه ببلاد السند وأوتى به السلطان، فقال له: إنّما جئت لتثير الفساد ثانية وأمر به فضربت عنقه. ذكر فرار أمير بخت وأخذه وكان السلطان قد وجد على أمير بخت «53» الملقّب بشرف الملك أحد الذين وفدوا معنا على السلطان فحطّ مرتّبه من أربعين ألفا إلى ألف واحد، وبعثه في خدمة الوزير إلى دهلي، واتّفق أن مات أمير عبد الله الهرويّ في الوباء بالتّلنك، وكان ماله عند أصحابه بدهلي، فاتّفقوا مع أمير بخت على الهروب فلمّا خرج الوزير من دهلي إلى لقاء السلطان هربوا مع أمير بخت وأصحابه ووصلوا إلى أرض السّند في سبعة أيّام، وهي مسيرة أربعين يوما. وكانت معهم الخيل مجنوبة وعزموا على أن يقطعوا نهر السند عوما، ويركب أمير بخت وولده ومن لا يحسن العوم في معدّية قصب يصنعونها، وكانوا قد اعدّوا حبالا من الحرير برسم ذلك فلمّا وصلوا إلى النهر خافوا من عبوره بالعوم فبعثوا رجلين منهم إلى جلال الدّين صاحب مدينة أوجة «54» ، فقالا له: إنّ هاهنا تجارا أرادوا أن يعبروا النهر، وقد

ذكر خلاف شاه أفغان بأرض السند

بعثوا اليك بهذا السرج لتبيح لهم الجواز فأنكر الأمير أن يعطى التجار مثل ذلك السرج وأمر بالقبض على الرجلين، ففرّ أحدهما ولحق بشرف الملك واصحابه وهم نيام لما لحقهم من الإعياء ومواصلة السهر، فاخبرهم الخبر فركبوا مذعورين وفرّوا. وأمر جلال الدّين بضرب الرجل الذي قبض عليه، فاعترف بقضيّة شرف الملك، فأمر جلال الدين نائبه فركب في العسكر وقصدوا نحوهم فوجدوهم قد ركبوا فاقتفوا أثرهم فأدركوهم فرموا العسكر بالنّشاب، ورمى طاهر بن شرف الملك نائب الأمير جلال الدين بسهم فأثبته في ذراعه وغلب عليهم فأتى بهم إلى جلال الدين فقيّدهم وغلّ أيديهم وكتب إلى الوزير في شأنهم فأمره الوزير أن يبعثهم إلى الحضرة فبعثهم إليها، وسجنوا بها فمات طاهر في السجن، وامر السلطان أن يضرب شرف الملك مائة مقرعة في كلّ يوم فبقى على ذلك مدّة، ثمّ عفا عنه وبعثه مع الأمير نظام الدين أمير نجلة إلى بلاد جنديري «55» ، فانتهت حاله إلى أن كان يركب البقر، ولم يكن له فرس يركبه! وأقام على ذلك مدّة، ثمّ وفد ذلك الأمير على السلطان وهو معه فجعله السلطان شاشنكير وهو الذي يقطّع اللحم بين يدي السلطان ويمشي مع الطعام، ثمّ إنّه بعد ذلك نوّه به ورفع مقداره وانتهت حاله إلى أن مرض فزاره السلطان وأمر بوزنه بالذهب واعطاه ذلك، وقد قدّمنا هذه الحكاية في السفر الأوّل «56» ، وبعد ذلك زوّجه بأخته وأعطاه بلاد جنديرى التي كان يركب بها البقر في خدمة الأمير نظام الدّين، فسبحان مقلّب القلوب ومحيّل الأحوال. ذكر خلاف شاه أفغان «57» بأرض السند وكان شاه أفغان خالف على السلطان بأرض ملتان من بلاد السند وقتل الأمير بها، وكان يسمّى به زاد، وادّعى السلطنة لنفسه وتجهّز السلطان لقتاله فعلم انّه لا يقاومه فهرب ولحق بقومه الأفغان، وهم ساكنون بجبال منيعة لا يقدر عليها، فاغتاظ السلطان ممّا فعله وكتب إلى عمّاله أن يقبضوا على من وجدوه من الأفغان ببلاده فكان ذلك سببا لخلاف القاضي جلال.

ذكر خلاف القاضي جلال

ذكر خلاف القاضي جلال وكان القاضي جلال وجماعة من الأفغانيّين قاطنين بمقربة من مدينة كنباية ومدينة بلوذرة «58» ، فلمّا كتب السلطان إلى عمّاله بالقبض على الأفغانيّين كتب إلى ملك مقبل «59» نائب الوزير ببلاد الجزرات، ونهروالة «60» أن يحتال في القبض على القاضي جلال ومن معه، وكانت بلاد بلوذرة إقطاعا لملك الحكماء، وكان ملك الحكماء متزوّجا بربيبة السلطان زوجة أبيه تغلق، ولها بنت من تغلق هي التي تزوّجها الأمير غدا، وملك الحكماء اذ ذاك في صحبة مقبل، لان بلاده تحت نظرة فلمّا وصلوا إلى بلاد الجزرات أمر مقبل ملك الحكماء أن ياتي بالقاضي جلال وأصحابه، فلمّا وصل ملك الحكماء إلى بلاده حذّرهم في خفيّة لأنّهم كانوا من أهل بلاده، وقال: إنّ مقبلا طلبكم ليقبض عليكم، فلا تدخلوا عليه إلّا بالسلاح فركبوا في نحو ثلاثماية مدرّع وأتوه، وقالوا: لا ندخل الّا جملة فظهر له انّه لا يمكن القبض عليهم، وهم مجتمعون وخاف منهم فأمرهم بالرجوع وأظهر تأمينهم فخالفوا عليه، ودخلوا مدينة كنباية ونهبوا خزانة السلطان بها وأموال الناس ونهبوا مال ابن الكولمي التاجر وهو الذي عمّر المدرسة الحسنة باسكندريّة، وسنذكره إثر هذا. وجاء ملك مقبل لقتالهم فهزموه هزيمة شنيعة، وجاء الملك عزيز الخمّار «61» والملك جهان بنبل؟ لقتالهم في سبعة آلاف من الفرسان فهزموهم أيضا «62» وتسامع بهم أهل

ذكر خلاف ابن الملك مل.

الفساد والجرائم فانثالوا عليهم، وادّعى القاضي جلال السلطنة، وبايعه اصحابه وبعث السلطان اليه العساكر فهزمها وكان بدولة آباد جماعة من الأفغان فخالفوا ايضا. ذكر خلاف ابن الملك ملّ. وكان ابن الملك ملّ ساكنا بدولة آباد في جماعة من الأفغان فكتب السلطان إلى نائبه بها وهو نظام الدين «63» أخو معلّمه قطلوخان أن يقبض عليهم، وبعث اليه باحمال كثيرة من القيود والسلاسل، وبعث بخلع الشتاء. وعادة ملك الهند أن يبعث لكلّ أمير على مدينة، ولوجوه عسكره خلعتين في السّنة: خلعة الشتاء وخلعة الصيف، وإذا جاءت الخلع يخرج الأمير والعسكر للقائها فإذا وصلوا إلى الآتي بها نزلوا عن دوابّهم وأخذ كلّ واحد خلعته وحملها على كتفه وخدم لجهة السلطان، وكتب السلطان لنظام الدين: إذا خرج الأفغان ونزلوا عن دوابهم لأخذ الخلع فاقبض عليهم عند ذلك. وأتى أحد الفرسان الذين اوصلوا الخلع إلى الافغان فأخبرهم بما يراد بهم فكان نظام الدين ممّن احتال فانعكست عليه فركب وركب الأفغان معه حتّى اذا لقوا الخلع، ونزل نظام الدين عن فرسه حملوا عليه وعلى أصحابه فقبضوا عليه وقتلوا كثيرا من أصحابه ودخلوا المدينة فأخذو الخزائن وقدّموا على أنفسهم ناصر الدين «64» بن ملك ملّ وانثال عليهم المفسدون فقويت شوكتهم. ذكر خروج السلطان بنفسه إلى كنباية ولمّا بلغ السلطان ما فعله الأفغان بكنباية ودولة آباد خرج بنفسه «65» وعزم على أن يبدأ بكنباية ثمّ يعود إلى دولة آباد، وبعث أعظم ملك البايزيديّ صهره في أربعة آلاف مقدّمة فاستقبلته عساكر القاضي جلال فهزموه وحصروه ببلوذرة وقاتلوه بها، وكان في

عسكر القاضي جلال شيخ يسمّى جلّول «66» ، وهو أحد الشجعان فلا يزال يفتك في العساكر ويقتل ويطلب المبارزة فلا يتجاسر أحد على مبارزته، واتّفق يوما أنّه دفع فرسه فكبا به في حفرة فسقط عنه وقتل ووجدوا عليه درعين فبعثوا برأسه إلى السلطان وصلبوا جسده بسور بلوذرة وبعثوا يديه ورجليه إلى البلاد. ثمّ وصل السلطان بعساكره فلم يكن للقاضي جلال من ثبات ففرّ في أصحابه وتركوا أموالهم وأولادهم فنهب ذلك كلّه، ودخلت المدينة «67» واقام بها السلطان أيّاما ثمّ رحل عنها وترك بها صهره شرف الملك امير بخت الذي قدّمنا ذكره وقضيّة فراره، وأخذه بالسند وسجنه وما جرى عليه من الذلّ، ثمّ من العزّ، وأمر بالبحث عمّن كان في طاعة جلال الدين، وترك معه الفقهاء ليحكم باقوالهم فأدّى ذلك إلى قتل الشيخ عليّ الحيدريّ «68» حسبما قدّمناه. ولمّا هرب القاضي جلال لحق بناصر الدّين بن ملك ملّ بدولة آباد ودخل في جملته «69» فأتى السلطان بنفسه إليهم واجتمعوا في نحو أربعين الفا من الأفغان والترك والهنود والعبيد وتحالفوا على أن لا يفرّوا وأن يقاتلوا السلطان، وأتى السلطان لقتالهم، ولم يرفع الشطر الذي هو علامة عليه، فلمّا استحرّ القتال رفع الشطر فلمّا عاينوه دهشوا وانهزموا أقبح هزيمة ولجأ ابن ملك ملّ والقاضي جلال في نحو أربعمائة من خواصهما إلى قلعة الدّويقير، وسنذكرها «70» ، وهي من أمنع قلعة في الدنيا، واستقرّ السلطان بمدينة دولة آباد، والدّويقير هي قلعتها، وبعث لهم أن ينزلوا على حكمه فأبوا أن ينزلوا إلّا على الأمان فأبى السلطان أن يؤمنهم وبعث لهم الأطعمة تهاونا بهم وأقام هنالك، وعلى ذلك آخر عهدي بهم «71» .

ذكر قتال مقبل وابن الكولمي

ذكر قتال مقبل وابن الكولمي وكان ذلك قبل خروج القاضي جلال وخلافه، وكان تاج الدين بن الكولميّ «72» من كبار التجار فوفد على السلطان من أرض التّرك بهدايا جليلة منها المماليك والجمال والمتاع والسلاح والثياب، فأعجب السلطان فعله وأعطاه اثنى عشر لكّا، ويذكر أنّه لم تكن قيمة هديّته الّا لكّا واحدا، وولّاه مدينة كنباية، وكانت لنظر الملك مقبل نائب الوزير، فوصل إليها وبعث المراكب إلى بلاد المليبار وجزيرة سيلان وغيرها، وجاءته التحف والهدايا في المراكب وضخمت حاله، ولما عزم على أن يبعث أموال تلك الجهات إلى الحضرة بعث الملك مقبل إلى ابن الكولميّ أن يبعث ما عنده من الهدايا والأموال مع هدايا تلك الجهات على العادة، فامتنع ابن الكولمي من ذلك، وقال: أنا أحملها بنفسي أو أبعثها مع خدّامي ولا حكم لنائب الوزير عليّ ولا للوزير، واغترّ بما أولاه السلطان من الكرامة والعطيّة فكتب مقبل إلى الوزير بذلك فوقّع له الوزير على ظهر كتابه: إن كنت عاجزا عن بلادنا فاتركها وارجع الينا، فلمّا بلغه الجواب تجهّز في عسكره ومماليكه والتقيا بظاهر كنباية فانهزم ابن الكولميّ، وقتل جماعة من الفريقين واستخفى ابن الكولميّ في دار الناخوذة إلياس أحد كبراء التجار. ودخل مقبل المدينة فضرب رقاب أمراء عسكر ابن الكولميّ وبعث له الأمان على أن ياخذ ماله المختصّ به ويترك مال السلطان وهديّته ومجبي البلد، وبعث مقبل بذلك كلّه مع خدّامه إلى السلطان وكتب شاكيا من ابن الكولميّ، وكتب ابن الكولميّ شاكيا منه، فبعث السلطان ملك الحكماء ليتنصّف بينهما، وبإثر ذلك كان خروج القاضي جلال الدين فنهب مال ابن الكولميّ، وفرّ ابن الكولميّ في بعض مماليكه ولحق بالسلطان. ذكر الغلاء الواقع بأرض الهند وفي مدّة مغيب السلطان عن حضرته إذ خرج بقصد بلاد المعبر، وقع الغلاء واشتدّ الأمر «73» وانتهى المنّ إلى ستّين درهما، ثمّ زاد على ذلك، وضاقت الأحوال وعظم الخطب ولقد خرجت مرّة إلى لقاء الوزير فرأيت ثلاث نسوة يقطعن قطعا من جلد فرس مات منذ أشهر ويأكلنه وكانت الجلود تطبخ وتباع في الأسواق، وكان الناس إذا ذبحت البقر أخذوا دماءها فأكلوها!

ذكر وصولنا إلى دار السلطان عند قدومنا وهو غائب

وحدّثني بعض طلبة خراسان انّهم دخلوا بلدة تسمّى أكروهة «74» بين حانسي وسرستي فوجدوها خالية فقصدوا بعض المنازل ليبيتوا به فوجدوا في بعض بيوته رجلا قد أضرم نارا وبيده رجل آدميّ وهو يشويها في النار ويأكل منها والعياذ بالله! ولمّا اشتدّت الحال أمر السلطان أن يعطى لجميع أهل دهلي نفقة ستّة أشهر فكانت القضاة والكتاب والأمراء يطوفون بالأزقّة والحارات، ويكتبون الناس ويعطون لكلّ أحد نفقة ستّة أشهر بحساب رطل ونصف من أرطال المغرب في اليوم لكلّ واحد، وكنت في تلك المدّة أطعم الناس من الطعام الذي أصنعه بمقبرة السلطان قطب الدين «75» ، حسبما يذكر، فكان الناس ينتعشون بذلك، والله تعالى ينفع بالقصد فيه. واذ قد ذكرنا من أخبار السلطان وما كان في أيّامه من الحوادث ما فيه الكفاية فلنعد إلى ما يخصّنا من ذلك ونذكر كيفيّة وصولنا أوّلا إلى حضرته «76» وتنقّل الحال إلى خروجنا عن الخدمة، ثمّ خروجنا عن السلطان في الرسالة إلى الصين وعودنا منها إلى بلادنا ان شاء الله تعالى. ذكر وصولنا إلى دار السلطان عند قدومنا وهو غائب ولمّا دخلنا حضرة دهلي قصدنا باب السلطان ودخلنا الباب الأوّل ثمّ الثاني ثمّ الثالث ووجدنا عليه النقباء وقد تقدّم ذكرهم فلمّا وصلنا إليهم تقدّم بنا نقيبهم إلى مشور عظيم متّسع فوجدنا به الوزير خواجة جهان ينتظرنا، فتقدّم ضياء الدين خذاوند زاده، ثمّ تلاه أخوه قوام الدين ثمّ أخوهما عماد الدين «77» ثمّ تلوتهم ثمّ تلاني أخوهم برهان الدين، ثمّ

ذكر وصولنا لدار أم السلطان وذكر فضائلها

الأمير مبارك السمرقنديّ، ثمّ أرن بغا التركيّ «78» ثمّ ملك زادة، ابن اخت خذاوند زادة «79» ، ثمّ بدر الدين الفصّال. ولمّا دخلنا من الباب الثالث ظهر لنا المشور الكبير المسمّى هزار أسطون ومعنى ذلك ألف سارية «80» ، وبه يجلس السلطان الجلوس العامّ، فخدم الوزير عند ذلك حتّى قرب رأسه من الأرض وخدمنا نحن بالركوع، وأوصلنا أصابعنا إلى الأرض وخدمتنا لناحية سرير السلطان، وخدم جميع من معنا، فلمّا فرغنا من الخدمة صاح النقباء باصوات عالية: بسم الله، وخرجنا. ذكر وصولنا لدار أمّ السلطان وذكر فضائلها وامّ السلطان تدعى المخدومة جهان، وهي من أفضل النساء، كثيرة الصدقات عمّرت زوايا كثيرة، وجعلت فيها الطّعام للوارد والصادر وهي مكفوفة البصر، وسبب ذلك انّه لمّا ملك ابنها جاء اليها جميع الخواتين وبنات الملوك والأمراء في أحسن زيّ وهي على سرير الذهب المرصّع بالجوهر فخدمن بين يديها جميعا، فذهب بصرها للحين، وعولجت بأنواع العلاج فلم ينفع. وولدها أشدّ الناس برورا بها، ومن بروره أنّها سافرت معه مرّة، فقدم السلطان قبلها بمدّة فلمّا قدمت خرج لاستقبالها وترجّل عن فرسه وقبّل رجلها وهي في المحفّة بمرأى من الناس أجمعين. ولنعد لما قصدناه فنقول: ولمّا انصرفنا عن دار السلطان خرج الوزير ونحن معه إلى باب الصّرف وهم يسمّونه باب الحرم، وهنالك سكنى المخدومة جهان، فلمّا وصلنا بابها نزلنا عن الدوّاب وكلّ واحد منّا قد أتى بهديّة على قدر حاله، ودخل معنا قاضي قضاة المماليك كمال الدّين بن البرهان، فخدم الوزير والقاضي عند بابها، وخدمنا كخدمتهم، وكتب كاتب بابها هدايانا، ثمّ خرج من الفتيان جماعة وتقدّم كبارهم إلى الوزير فكلّموه سرّا ثم

ذكر الضيافة

عادوا إلى القصر ثمّ رجعوا إلى الوزير ثمّ عادوا إلى القصر ونحن وقوف ثمّ أمرنا بالجلوس في سقيف هنالك، ثمّ أتوا بالطعام واتو بقلال من الذهب يسمّونها السّين، بضمّ السين والياء آخر الحروف، وهي مثل القدور، ولها مرافع من الذهب تجلس عليها، يسمّونها السّبك، بضمّ السين وبضم الباء الموحدة، وأتوا بأقداح وطسوت وأباريق كلّها ذهب، وجعلوا الطعام سماطين، وعلى كلّ سماط صفّان، ويكون في رأس الصفّ كبير القوم الواردين. ولمّا تقدّمنا للطعام خدم الحجّاب والنقباء، وخدمنا لخدمتهم، ثمّ أتوا بالشربة فشربنا، وقال الحجّاب: بسم الله، ثمّ أكلنا واتوا بالفقّاع ثمّ بالتنبول، ثمّ قال الحجّاب: بسم الله، فخدمنا جميعا، ثمّ دعينا إلى موضع هنالك فخلع علينا خلع الحرير المذهّبة، ثمّ أتوا بنا إلى باب القصر فخدمنا عنده، وقال الحجّاب: بسم الله، ووقف الوزير ووقفنا معه، ثمّ أخرج من داخل القصر تخت ثياب غير مخيطة من حرير وكتّان وقطن، فأعطى كلّ واحد منّا نصيبه منها، ثمّ أتوا بطيفور ذهب فيه الفاكهة اليابسة، وبطيفور مثله فيه الجلّاب وطيفور ثالث فيه التنبول. ومن عادتهم انّ الذي يخرج له ذلك يأخذ الطيفور بيده ويجعله على كاهله ثمّ يخدم بيده الأخرى إلى الأرض، فأخذ الوزير الطيفور بيده قصد أن يعلمني كيف أفعل إيناسا منه وتواضعا ومبرّة، جزاه الله خيرا، ففعلت كفعله، ثمّ انصرفنا إلى الدار المعدّة لنزولنا بمدينة دهلي، وبمقربة من دروازة بالم منها «81» ، وبعثت لنا الضيافة. ذكر الضيافة ولمّا وصلت إلى الدار التي أعدّت لنزولي وجدت فيها ما يحتلج إليه من فرش وبسط وحصر واوان وسرير الرّقاد، وأسرّتهم بالهند خفيفة الحمل، يحمل السرير منها الرجل الواحد، ولا بدّ لكلّ احد أن يستصحب السرير في السفر يحمله غلامه على رأسه وهو أربع قوائم مخروطة، يعرض عليها أربعة أعواد، وتنسج عليها ضفائر من الحرير أو القطن، فإذا نام الانسان عليه لم يحتج إلى ما يرطّبه به لأنّه يعطي الرطوبة من ذاته. وجاءوا مع السرير بمضرّبتين ومخدّتين ولحاف، كلّ ذلك من الحرير وعادتهم أن يجعلوا للمضرّبات واللّحوف وجوها تغشيها من كتّان أو قطن بيضا، فمتى توسّخت غسلوا الوجوه المذكورة وبقى ما في داخلها مصونا.

ذكر وفاة بنتي وما فعلوا في ذلك.

وأتوا تلك الليلة برجلين أحدهما الطاحوني وسمونه الخرّاص والآخر الجزّار ويسمّونه القصّاب، فقالوا لنا: خذوا من هذا كذا وكذا من الدقيق، ومن هذا كذا وكذا من اللحم، لأوزان لا أذكرها الآن. وعادتهم أن يكون اللحم الذي يعطون بقدر وزن الدقيق، وهذا الذي ذكرناه ضيافة أمّ السلطان، وبعد ذلك وصلتنا ضيافة السلطان، وسنذكرها، ولمّا كان من غد ذلك اليوم ركبنا إلى دار السلطان وسلّمنا على الوزير فأعطاني بدرتين: كلّ بدرة من ألف دينار دراهم، وقال لي هذه سرششتي «82» ومعناه لغسل رأسك وأعطاني خلعة من المرعزّ، وكتب جميع أصحابي وخدّامي وغلماني فجعلوا أربعة أصناف، فالصنف الأول منها أعطى كلّ واحد منهم مائتي دينار، والصنف الثاني أعطى كلّ واحد منهم مائة وخمسين دينارا، والصنف الثالث اعطى كلّ واحد مائة دينار، والصنف الرابع اعطى كلّ واحد خمسة وسبعين دينارا، وكانوا نحو أربعين، وكان جملة ما أعطوه اربعة آلاف دينار ونيفا. وبعد ذلك عيّنت ضيافة السلطان، وهي ألف رطل هنديّة من الدقيق، ثلثها من الميرا، وهو الدّرمك، وثلثاها من الخشكار وهو المدهون، وألف رطل من اللحم، ومن السكّر والسمن والسليف «83» والفوفل أرطال كثيرة لا أذكر عددها، والألف من ورق التنبول، والرطل الهنديّ عشرون رطلا من أرطال المغرب، وخمسة وعشرون من أرطال مصر، وكانت ضيافة خذا وندزادة أربعة آلاف رطل من الدقيق ومثلها من اللحم مع ما يناسبها مما ذكرناه. ذكر وفاة بنتي وما فعلوا في ذلك. ولمّا كان بعد شهر ونصف من مقدمنا توفّيت بنت لي سنّها دون السنة «84» ، فاتّصل خبر وفاتها بالوزير فأمر أن تدفن في زاوية بناها خارج دروازة بالم بقرب مقبرة هنالك لشيخنا ابراهيم القونويّ، فدفنّاها بها، وكتب بخبرها إلى السلطان فأتاه الجواب في عشّى اليوم الثاني، وكان بين متصيّد السلطان وبين الحضرة مسيرة عشرة ايّام. وعادتهم أن يخرجوا إلى قبر الميت صبيحة الثالث من دفنه ويفرشون جوانب القبر بالبسط وثياب الحرير ويجعلون على القبر الأزاهير، وهي لا تنقطع هنالك في فصل من

الفصول كالياسمين وقل شبه «85» ، وهي زهر أصفر، وريبول وهو ابيض، والنسرين وهو على صنفين أبيض واصفر، ويجعلون أغصان النارنج والليمون بثمارها، وان لم يكن فيها ثمار علّقوا منها حبّات بالخيوط، ويصبّون على القبر الفواكه اليابسة، وجوز النارجيل، ويجتمع الناس ويؤتى بالمصاحف فيقرءون القرآن فإذا ختموه أتوا بماء الجلّاب فسقوه الناس، ثمّ يصبّ عليهم ماء الورد صبّا ويعطون التنبول وينصرفون. ولمّا كان صبيحة الثالث من دفن البنت خرجت عند الصبح على العادة وأعددت ما تيسّر من ذلك كلّه، فوجدت الوزير قد أمر بترتيب ذلك، وأمر بسراجة فضربت على القبر، وجاء الحاجب شمس الدين الفوشنجيّ الذي تلقّانا بالسند، والقاضي نظام الدين الكرواني، وجملة من كبار اهل المدينة ولم آت إلّا والقوم المذكورون قد اخذوا مجالسهم والحاجب بين أيديهم وهم يقرءون القرآن، فقعدت مع أصحابي بمقربة من القبر فلمّا فرغوا من القراءة، قرأ القراء بأصوات حسان ثمّ قام القاضي فقرأ رثاء في البنت المتوفّاة وثناء على السلطان، وعند ذكر اسمه قام الناس جميعا قياما فخدموا ثمّ جلسوا ودعا القاضي دعاء حسنا. ثمّ اخذ الحاجب واصحابه براميل ماء الورد فصبّوه على الناس ثمّ داروا عليهم بأقداح شربة النّبات ثمّ فرقوا عليهم التنبول، ثمّ أتي بإحدى عشرة خلعة لي ولأصحابي، ثمّ ركب الحاجب وركبنا معه إلى دار السلطان فخدمنا للسّرير على العادة وانصرفت إلى منزلي، فما وصلت الّا وقد جاء الطعام من دار المخدومة جهان ما ملأ الدار ودور أصحابي وأكلوا جميعا وأكل المساكين وفضلت الأقراص والحلواء والنبات فأقامت بقاياها إيّاما، وكان فعل ذلك كلّه بامر السلطان. وبعد ايّام جاء الفتيان من دار المخدومة جهان بالدولة «86» وهي المحفّة التي يحمل فيها النساء ويركبها الرجال أيضا وهي شبه السرير سطحها من ضفائر الحرير أو القطن وعليها عود شبه الذي على البوجات عندنا معوّج من القصب الهندي المغلوق، ويحملها ثمانية رجال في نوبتين: يستريح أربعة ويحمل أربعة، وهذه الدّول بالهند كالحمير بديار مصر، عليها يتصرّف أكثر الناس، فمن كان له عبيد حملوه ومن لم يكن له عبيد اكترى رجالا يحملونه، وبالبلد منهم جماعة يسيرة يقفون في الأسواق، وعند باب السلطان وعند ابواب الناس للكراء وتكون دول النساء مغشاة بغشاء حرير، وكذلك كانت هذه الدولة التي اتى الفتيان بها من دار امّ السلطان فحملوا فيها جاريتي التي هي امّ البنت المتوفّاة، وبعثت أنا معها عن هديّة جارية تركيّة، فأقامت الجارية امّ البنت عندهم ليلة وجاءت في اليوم الثاني وقد

ذكر إحسان السلطان والوزير إلى في ايام غيبة السلطان عن الحضرة

اعطوها الف دينار دراهم وأساور ذهب مرصّعة وتهليلا «87» من الذهب مرصّعا أيضا وقميص كتّان مزركشا بالذهب وخلعة حرير مذهّبة وتختا بأثواب، ولمّا جاءت بذلك كلّه أعطيته لأصحابي، وللتجار الذين لهم عليّ الدّين محافظة على نفسي وصونا لعرضي لأنّ المخبرين يكتبون إلى السلطان بجميع أحوالي. ذكر إحسان السلطان والوزير إلىّ في ايّام غيبة السلطان عن الحضرة وفي أثناء مقامي أمر السلطان أن يعيّن لي من القرى ما يكون فائدة خمسة آلاف دينار في السنة، فعيّنها لي الوزير وأهل الديوان وخرجت إليها فمنها قرية تسمّى بدلي، بفتح الباء الموحدة وفتح الدال المهملة وكسر اللام، وقرية تسمّى بسهي، بفتح الباء الموحدة والسين المهمل وكسر الهاء، ونصف قرية تسمّى بلرة «88» ، بفتح الباء الموحدة واللام والراء، وهذه القرى على مسافة ستّة عشر كروها وهو الميل بصدي، يعرف بصدي هندبت، والصّدي عندهم مجموع مائة قرية، وأحواز المدينة مقسومة أصداء، كلّ صدي له جوطري «89» وهو شيخ من كفار تلك البلاد، ومتصرف، وهو الذي يضمّ مجابيها. وكان قد وصل في ذلك الوقت سبى من الكفار فبعث الوزير اليّ عشر جوار منه فأعطيت للذي جاء بهنّ واحدة منهنّ، فما رضي بذلك! وأخذ أصحابي ثلاثا صغارا منهن، وباقيهنّ لا أعرف ما اتّفق لهنّ، والسبى هنالك رخيص الثمن لانّهن قذرات لا يعرفن مصالح الحضر والمعلّمات رخيصات الأثمان، فلا يفتقر أحد إلى شراء السبى. والكفار ببلاد الهند في برّ متّصل وبلاد متّصلة مع المسلمين، والمسلمون غالبون عليهم، وانّما يمتنع الكفار بالجبال والأوعار، ولهم غيضات من القصب، وقصبهم غير مجوف، ويعظم، والتفّ بعضه على بعضه على بعض ولا تؤثر فيه النّار، وله قوّة عظيمة فيسكنون تلك الغياض، وهي لهم مثل السور وبداخلها تكون مواشيهم وزروعهم، ولهم فيها المياه مما يجتمع من ماء المطر فلا يقدر عليهم إلّا بالعساكر القوية من الرجال الذين يدخلون تلك الغياض ويقطعون تلك القصب بالات معدّة لذلك.

ذكر العيد الذي شهدته أيام غيبة السلطان

ذكر العيد الذي شهدته أيام غيبة السلطان وأظلّ عيد الفطر «90» والسلطان لم يعد بعد إلى الحضرة فلمّا كان يوم العيد ركب الخطيب على الفيل وقد مهّد له على ظهره شبه السرير وركزت أربعة أعلام في أركانه الأربعة ولبس الخطيب ثياب السّواد وركب المؤذنون على الفيلة يكبّرون أمامه وركب فقهاء المدينة وقضاتها وكلّ واحد منهم يستصحب صدقة يتصدّق بها حين الخروج إلى المصلّى، ونصب على المصلّى صيوان قطن وفرش ببسط، واجتمع الناس ذاكرين لله، تعالى، ثمّ صلّى بهم الخطيب وخطب وانصرف الناس إلى منازلهم وانصرفنا إلى دار السلطان، وجعل الطعام، فحضره الملوك والأمراء والأعزّة وهم الغرباء وأكلوا وانصرفوا. ذكر قدوم السلطان ولقائنا له ولما كان في رابع شوّال نزل السلطان «91» بقصر يسمّى تلبت «92» ، بكسر التاء المعلوّة الأولى وسكون اللام وفتح الباء الموحدة ثمّ تاء كالأولى، وهي على مسافة سبعة أميال من الحضرة، فأمرنا الوزير بالخروج إليه فخرجنا، ومع كلّ إنسان هديّة من الخيل والجمال والفواكه الخراسانيّة والسيوف المصريّة والمماليك، والغنم المجلوبة من بلاد الأتراك، فوصلنا إلى باب القصر وقد اجتمع جميع القادمين فكانوا يدخلون إلى السلطان على قدر مراتبهم ويخلع عليهم ثياب الكتّان المزركشة بالذهب. ولمّا وصلت النوبة إليّ دخلت فوجدت السلطان قاعدا على كرسيّ فظننته أحد الحجّاب حتّى رأيت معه ملك النّدماء ناصر الدين الكافيّ الهرويّ، وكنت عرفته ايّام غيبة السلطان، فخدم الحاجب فخدمت، واستقبلني أمير حاجب وهو ابن عمّ السلطان المسمّى بفيروز، وخدمت ثانية لخدمته، ثمّ قال لي ملك النّدماء: بسم الله، مولانا بدر الدين، وكانوا يدعونني بأرض الهند بدر الدين وكلّ من كان من أهل الطلب إنّما يقال له مولانا، فقربت من السلطان حتّى أخذ بيدي وصافحني وامسك يدي وجعل يخاطبني بأحسن خطاب، ويقول لي باللسان

الفارسيّ: حلّت البركة، قدومك مبارك أجمع خاطرك، أعمل معك من المراحم وأعطيك من الإنعام ما يسمع به أهل بلادك فياتون إليك. ثم سألني عن بلادي فقلت له: بلاد المغرب، فقال لي: بلاد عبد المؤمن «93» ؟ فقلت له: نعم. وكان كلّما قال لي كلاما جيّدا قبّلت يده حتّى قبّلتها سبع مرّات، وخلع عليّ وانصرفت. واجتمع الواردون فمدّ لهم سماط ووقف على رؤوسهم قاضي القضاة صدر الجهان ناصر الدين الخوارزميّ، وكان من كبار الفقهاء، وقاضي قضاة المماليك صدر الجهان كمال الدين الغزنويّ، وعماد الملك عرض المماليك، والملك جلال الدين الكيجيّ «94» ، وجماعة من الحجّاب والأمراء، وحضر لذلك خذاوند زادة غياث الدين ابن عمّ خذاوندزادة قوام الدين قاضي التّرمذ الذي قدم معنا، وكان السلطان يعظّمه ويخاطبه بالأخ وتردّد إليه مرارا من بلاده. والواردون الذين خلع عليهم في ذلك هم خذا وندزادة قوام الدين وإخوته ضياء الدّين، وعماد الدين، وبرهان الدين وابن اخته أمير بخت ابن السيّد تاج الدين، وكان جدّه وجيه الدين وزير خرسان، وكان خاله علاء الدين أمير الهند ووزيرا أيضا، والأمير هبة الله بن الفلكيّ التبريزيّ، وكان ابوه نائب الوزير بالعراق، وهو الذي بنى المدرسة الفلكيّة بتبريز «95» ، وملك كراي من أولاد بهرام جور «96» صاحب كسرى، وهو من أهل جبل بذخشان «97» الذي منه يجلب الياقوت البلخش واللازورد، والأمير مبارك شاه السّمرقندي وأرون بغا البخاريّ وملك زادة الترمذيّ وشهاب الدين الكازروني «98» التاجر الذي قدم من تبريز بالهديّة إلى السلطان فسلب في طريقه.

ذكر دخول السلطان إلى حضرته وما أمر لنا به من المراكب

ذكر دخول السلطان إلى حضرته وما أمر لنا به من المراكب وفي الغد من يوم خروجنا إلى السلطان أعطى كلّ واحد منّا فرسا من مراكب السلطان عليه سرج ولجام محلّيان، وركب السلطان لدخول حضرته وركبنا في مقدّمته مع صدر الجهان وزيّنت الفيلة أمام السلطان وجعلت عليها الأعلام ورفعت عليها ستّة عشر شطرا، منها مزركشة ومنها مرصّعة ورفع فوق رأس السلطان شطر منها وحملت أمامه الغاشية، وهي ستارة مرصّعة، وجعل على بعض الفيلة رعّادات صغار، فلمّا وصل السلطان إلى قرب المدينة رمى في تلك الرّعادات بالدّنانير والدراهم مختلطة، والمشاة بين يدي السلطان وسواهم ممّن حضر يلتقطون ذلك، ولم يزالوا ينثرونها إلى أن وصلوا إلى القصر «99» وكان بين يديه آلاف من المشاة على الأقدام وصنعت قباب الخشب المكسوّة بثياب الحرير وفيها المغنّيات حسبما ذكرنا ذلك. ذكر دخولنا إليه وما أنعم به من الإحسان والولاية ولمّا كان يوم الجمعة ثاني يوم دخول السلطان أتينا باب المشور فجلسنا في سقائف الباب الثالث، ولم يكن الإذن حصل لنا بالدخول وخرج الحاجب شمس الدين الفوشنجيّ فأمر الكتّاب أن يكتبوا اسماءنا وأذن لهم في دخولنا ودخول بعض أصحابنا وعيّن للدخول معي ثمانية، فدخلنا ودخلوا معنا ثمّ جاءوا بالبدر والقبّان، وهو الميزان، وقعد قاضي القضاة والكتّاب ودعوا من بالباب من الأعزّة، وهم الغرباء، فعيّنوا لكلّ إنسان نصيبه من تلك البدر فحصل لي منها خمسة آلاف دينار، وكان مبلغ المال مائة ألف دينار تصدّقت به امّ السلطان لمّا قدم ابنها، وانصرفنا ذلك اليوم. وكان السلطان بعد ذلك يستدعينا للطّعام بين يديه ويسأل عن أحوالنا ويخاطبنا بأجمل كلام، ولقد قال لنا في بعض الأيام: انتم شرّفتمونا بقدومكم فما نقدر على مكافأتكم، فالكبير منكم مقام والدي والكهل مقام أخي والصغير مقام ولدي، وما في ملكي أعظم من مدينتي هذه أعطيكم إيّاها! فشكرناه، ودعونا له، ثمّ بعد ذلك أمر لنا بالمرتّبات فعيّن لي اثنى عشر ألف دينار في السنة وزادني قريتين على الثلاث التي أمر لي بها قبل، إحداهما قرية جوزة والثانية قرية ملك بور. وفي بعض الأيّام بعث لنا خذاوندزاده غياث الدين وقطب الملك صاحب السند فقالا لنا: إن خوند عالم يقول لكم: من كان منكم يصلح للوزارة أو الكتابة أو الامارة أو القضاء

أو التدريس أو المشيخة أعطيته ذلك! فسكت الجميع لأنّهم كانوا يريدون تحصيل الأموال والانصراف إلى بلادهم! وتكلّم أمير بخت ابن السيّد تاج الدين الذي تقدّم ذكره، فقال: أمّا الوزارة فميراثي، وأمّا الكتابة فشغلي، وغير ذلك لا أعرفه، وتكلّم هبة الله ابن الفلكيّ فقال مثل ذلك، وقال لي خذاوندزادة بالعربيّ: ما تقول أنت يا سيّدي؟ وأهل تلك البلاد لا يدعون العربيّ الّا بالتّسويد، وبذلك يخاطبه السلطان تعظيما للعرب، فقلت له: أمّا الوزارة والكتابة فليست شغلي، وأمّا القضاء والمشيخة فشغلي وشغل آبائي، وامّا الامارة فتعلمون أن الأعاجم ما أسلمت إلّا بأسياف العرب! فلما بلغ ذلك إلى السلطان أعجبه كلامي. وكان السلطان بهزار أسطون يأكل الطعام فبعث عنّا فأكلنا بين يديه وهو يأكل، ثم انصرفنا إلى خارج هزار اسطون وقعد أصحابي، وانصرفت بسبب دمّل كان يمنعني الجلوس فاستدعانا السلطان ثانية فحضر أصحابي واعتذروا عنّي، وجئت بعد صلاة العصر فصلّيت بالمشور المغرب والعشاء الآخرة. ثمّ خرج الحاجب فاستدعانا فدخل خذاوند زادة ضياء الدين، وهو أكبر الإخوة المذكورين فجعله السلطان أمير داد «100» ، وهو من الأمراء الكبار فجلس بمجلس القاضي، فمن كان له حق على أمير أو كبير أحضره بين يديه، وجعل مرتّبه على هذه الخطّة خمسين ألف دينار في السنة، عيّن له مجاشر «101» فائدها ذلك المقدار، فأمر له بخمسين ألفا عن يد، وخلع عليه خلعة حرير مزركشة تسمّى صورة الشير، ومعناه صورة السبع لأنّه يكون في صدرها وظهرها صورة سبع، وقد خيط في باطن الخلعة بطاقة بمقدار مازركش فيها من الذّهب، وأمر له بفرس من الجنس الأوّل، والخيل عندهم أربعة اجناس، وسروجهم كسروج أهل مصر، ويكسون أعظمها بالفضّة المذهّبة. ثمّ دخل أمير بخت فأمره أن يجلس مع الوزير في مسنده، ويقف على محاسبات الدّواوين، وعيّن له مرتّبا أربعين الف دينار في السنة، أعطى مجاشر فائدها بمقدار ذلك، وأعطى أربعين ألفا عن يد، وأعطى فرسا مجهّزا، وخلع عليه كخلعة الذي قبله، ولقّب شرف الملك. ثمّ دخل هبة الله ابن الفلكي فجعله رسول دار «102» ، ومعناه حاجب الأرسال وعيّن له مرتبا أربعة وعشرين الف دينار في السنة، أعطي مجاشر يكون فائدها بمقدار ذلك، وأعطى

اربعة وعشرين الفا عن يد، وأعطى فرسا مجهّزا، وخلعة، وجعل لقبه بهاء الملك، ثمّ دخلت فوجدت السلطان على سطح القصر مستندا إلى السرير والوزير خواجة جهان بين يديه والملك الكبير قبولة واقف بين يديه فلمّا سلّمت عليه، قال لي الملك الكبير: اخدم، فقد جعلك خوند عالم قاضي دار الملك: دهلي، وجعل مرتّبك اثنى عشر الف دينار في السنة، وعيّن لك مجاشر بمقدارها وامر لك باثنى عشر الفا نقدا تاخذها من الخزانة غدا إن شاء الله واعطاك فرسا بسرجه ولجامه، وأمر لك بخلعة محاريبيّ وهي التي يكون في صدرها وظهرها شكل محراب، فخدمت وأخذ بيدي فتقدّم بي إلى السلطان فقال لي السلطان لا تحسب قضاء دهلي من أصغر الأشغال، وهو اكبر الأشغال عندنا، وكنت أفهم قوله ولا أحسن الجواب عنه وكان السلطان يفهم العربي ولا يحسن الجواب عنه، فقلت له: يا مولانا على مذهب مالك وهؤلاء حنفيّة، وأنا لا أعرف اللّسان، فقال لي: قد عيّنت بهاء الدين الملتانيّ وكمال الدين البجنوريّ ينوبان عنك ويشاورانك وتكون أنت تسجّل على العقود، وأنت عندنا بمقام الولد، فقلت له: بل عبدكم وخديمكم، فقال لي باللسان العربيّ: بل أنت سيّدنا ومخدومنا، تواضعا منه وفضلا وإيناسا، ثمّ قال لشرف الملك أمير بخت، وإن كان الذي رتّبت له لا يكفيه لانّه كثير الانفاق فأنا أعطيه زاوية إن قدر على اقامة حال الفقراء وقال: قل له هذا بالعربيّ، وكان يظنّ أنّه يحسن العربيّ، ولم يكن كذلك، وفهم السلطان ذلك، فقال له بروويكجا بخصبي وآن حكايه بر او بگوي وتفهيم كني تا فردا إن شاء الله بيش من بيايي جواب أو بگوي «103» ، معناه امشوا الليلة فارقدوا في موضع واحد، وفهّمه هذه الحكاية فإذا كان بالغد إن شاء الله تجيء اليّ وتعلّمني بكلامه. فانصرفنا وذلك في ثلث الليل، وقد ضربت النوبة، والعادة عندهم إذا ضربت لا يخرج أحد فانتظرنا الوزير حتّى خرج وخرجنا معه، ووجدنا أبواب دهلي مسدودة فبتنا عند السيّد أبى الحسن العبّادي العراقي بزقاق يعرف سرابور خان، وكان هذا الشيخ يتّجر بمال السلطان ويشتري له الأسلحة والأمتعة بالعراق وخراسان. ولمّا كان بالغد بعث عنّا فقبضنا الأموال والخيل والخلع وأخذ كلّ واحد منّا البدرة بالمال فجعلها على كاهله، ودخلنا كذلك على السّلطان فخدمنا، وأتينا بالأفراس فقبّلنا حوافرها بعد أن جعلت عليها الخرق، وقدناها بأنفسنا إلى باب دار السلطان فركبناها، وذلك كلّه عادة عندهم ثمّ انصرفنا وأمر السلطان لأصحابي بألفي دينار وعشر خلع ولم يعط

ذكر عطاء ثان أمر لي به وتوقفه مدة

لأصحاب أحد سواي شيئا، وكان أصحابي لهم رواء ومنظر فأعجبوا السلطان وخدموا بين يديه وشكرهم. ذكر عطاء ثان أمر لي به وتوقّفه مدّة وكنت يوما بالمشور بعد أيّام من توليتي القضاء والاحسان اليّ وأنا قاعد تحت شجرة هنالك، وإلى جانبي مولانا ناصر الدين الترمذيّ «104» العالم الواعظ فأتى بعض الحجّاب فدعا مولانا ناصر الدين فدخل إلى السلطان فخلع عليه وأعطاه مصحفا مكلّلا بالجوهر. ثم أتاني بعض الحجّاب فقال: أعطني شيئا وآخذ خطّ خرد باثنى عشر الفا أمر لك بها خوند عالم، فلم أصدقه وظننته يريد الحيلة عليّ، وهو مجدّ في كلامه، فقال بعض الأصحاب أنا أعطيه، فأعطاه دينارين أو ثلاثة وجاء بخطّ خرد، ومعناه الخط الأصغر مكتوبا بتعريف الحاجب، ومعناه: أمر خوند عالم أن يعطى من الخزانة الموفورة كذا لفلان بتبليغ فلان أي بتعريفه، ويكتب المبلّغ اسمه ثمّ يكتب على تلك البراءة ثلاثة من الأمراء وهم الخان الأعظم قطلوخان معلّم السلطان، والخريطة دار، وهو صاحب خريطة الكاغد والاقلام، والأمير نكبية الدّوادار صاحب الدّواة، فإذا كتب كلّ واحد منهم خطّه يذهب بالبراءة إلى ديوان الوزارة فينسخها كتّاب الديوان عندهم ثمّ تثبت في ديوان الأشراف، ثمّ تثبت في ديوان النظر ثمّ تكتب البروانة، وهي الحكم من الوزير للخازن بالعطاء، ثمّ يثبتها الخازن في ديوانه، ويكتب تلخيصا في كلّ يوم بمبلغ ما أمر به السلطان ذلك اليوم من المال ويعرضه عليه، فمن أراد التعجيل بعطائه أمر بتعجيله ومن أراد التوقيف وقّف له، ولاكن لا بدّ من عطاء ذلك، ولو طالت المدّة فقد توقّفت هذه الاثنا عشر ألفا ستّة أشهر، ثمّ أخذتها مع غيرها حسبما يأتي. وعادتهم إذا أمر السلطان باحسان لحد يحطّ منه العشر، فمن أمر له مثلا بمائة ألف أعطى تسعين ألفا أو بعشرة آلاف أعطى تسعة آلاف! ذكر طلب الغرماء مالهم قبلي ومدحي للسلطان وأمره بخلاص ديني وتوقّف ذلك مدّة. وكنت حسبما ذكرته، قد استدنت من التّجار مالا انفقته في طريقي وما صنعت به الهدية للسلطان، وما انفقته في إقامتي فلمّا أرادوا السفر إلى بلادهم ألحّوا عليّ في طلب ديونهم فمدحت السلطان بقصيدة طويلة أولها:

إليك أمير المؤمنين المبجّلا ... أتينا نجدّ السير نحوك في الفلا فجئت محلا من علائك زائرا ... ومغناك كهف للزيارة أهّلا فلو انّ فوق الشّمس للمجد رتبة ... لكنت لأعلاها إماما مؤهّلا فانت الإمام الماجد الا وحد الذي ... سجاياه حتما أن يقول ويفعلا! ولي حاجة من فيض جودك أرتجي ... قضاها، وقصدي عند مجدك سهّلا أأذكرها أم قد كفاني حياؤكم ... فانّ حياكم ذكره كان أجملا! فعجّل لمن وافى محلّك زائرا ... قضا دينه، إنّ الغريم تعجّلا!! فقدّمتها بين يديه، وهو قاعد على كرسيّ، فجعلها على ركبته، وأمسك طرفها بيده وطرفها الثاني بيدي وكنت إذا أكملت بيتا منها أقول لقاضي القضاة كمال الدين الغزنويّ: بيّن معناه لخوند عالم! فيبيّنه ويعجب السلطان، وهم يحبّون الشعر العربيّ، فلمّا بلغت إلى قولي: فعجّل لمن وافى، البيت قال: مرحمة، ومعناه ترحّمت عليك، فأخذ الحجّاب حينئذ بيدي ليذهبوا بي إلى موقفهم، وأخدم على العادة، فقال السلطان: اتركوه حتّى يكملها، فاكملتها وخدمت وهنّأني الناس بذلك واقمت مدّة وكتبت رفعا، وهم يسمونه عرض داشت، فدفعته إلى قطب الملك صاحب السّند، فدفعه للسلطان، فقال له: امض إلى خواجة جهان، فقل له يعطي دينه، فمضى إليه وأعلمه، فقال: نعم، وأبطأ ذلك أيّاما، وأمره السلطان في خلالها بالسفر إلى دولة آباد، وفي أثناء ذلك خرج السلطان إلى الصيد وسافر الوزير فلم آخذ شيئا منها الّا بعد مدة، والسبب الذي توقّف به عطاؤها أذكره مستوفى وهو انّه لمّا عزم الذين كان لهم عليّ الدين على السفر، قلت لهم: إذا أنا أتيت دار السلطان فدرهوني على العادة في تلك البلاد، لعلمي أن السلطان متى يعلم بذلك خلّصهم، وعادتهم أنّه متى كان لأحد دين على رجل من ذوي العناية وأعوزه خلاصه وقف له بباب دار السلطان، فإذا أراد الدّخول قال له: دروهي السلطان «105» ، وحقّ رأس السلطان، ما تدخل حتّى تخلّصني، فلا يمكنه أن يبرح من مكانه حتّى يخلّصه أو يرغب إليه في تأخيره! فاتّفق يوما أن خرج السلطان إلى زيارة قبر أبيه ونزل بقصر هنالك، فقلت لهم: هذا وقتكم، فلمّا اردت الدخول وقفوا لي بباب القصر، فقالوا لي: دروهي السلطان، ما تدخل حتّى تخلّصنا! وكتب كتّاب الباب بذلك إلى السلطان فخرج حاجب قصّة، شمس الدين وكان من كبار الفقهاء فسألهم: لأي شيء درهتموه؟ فقالوا: لنا عليه الدين، فرجع إلى السلطان فأعلمه بذلك، فقال له: اسألهم كم مبلغ الدين؟ فسألهم، فقالوا له خمسة وخمسون ألف

ذكر خروج السلطان إلى الصيد وخروجي معه وما صنعت في ذلك

دينار، فعاد إليه فأعلمه فامره أن يعود إليهم، ويقول لهم: إن خوند عالم يقول لكم: المال عندي وأنا أنصفكم منه فلا تطلبوه به! وأمر عماد الدين السمنانيّ وخذاوند زادة غياث الدين أن يقعدوا بهزار أسطون، ويأتي أهل الدّين بعقودهم وينظروا إليها ويتحقّقوها، ففعلا ذلك، وأتى الغرماء بعقودهم، فدخلا إلى السلطان وأعلماه بثبوت العقود فضحك، وقال ممازحا: أنا أعلم أنّه قاض جهّز شغله فيها! ثم أمر خذاوند زادة أن يعطيني ذلك من الخزانة فطمع في الرشوة على ذلك وامتنع أن يكتب خطّ خرد، فبعثت إليه مائتي تنكة، فردّها ولم يأخذها، وقال لي عنه بعض خدّامه: إنه طلب خمسمائة تنكة فامتنعت من ذلك، وأعلمت عميد الملك بن عماد الدين السمنانيّ بذلك، فأعلم به أباه وعلمه الوزير وكانت بينه وبين خذاوند زادة عداوة، فأعلم السلطان بذلك وذكر له كثيرا من أفعال خذاوند زادة فغيّر خاطر السلطان عليه، فأمر بحبسه في المدينة وقال: لأي شيء أعطاه فلان ما أعطاه، ووقّفوا ذلك حتّى يعلم هل يعطي خذاوند زادة شيئا اذا منعته أو يمنعه إذا أعطيته؟! فبهذا السبب توقّف عطاء ديني. ذكر خروج السلطان إلى الصيد وخروجي معه وما صنعت في ذلك ولمّا خرج السلطان إلى الصيد خرجت معه من غير تربّص وكنت قد أعددت ما يحتاج إليه وعملت ترتيب أهل الهند فاشتريت سراجة وهي أفراج، وضربها هنالك مباح ولا بدّ منها لكبار الناس وتمتاز سراجة السلطان بكونها حمراء وسواها بيضا، منقوشة بالأزرق، واشتريت الصيوان، وهو الذي يظلّل به داخل السراجة، ويرفع على عمودين كبيرين ويحمل ذلك الرجال على أعناقهم، ويقال لهم: الكيوانيّة. والعادة هنالك أن يكتري المسافر الكيوانيّة، وقد ذكرناهم، ويكتري من يسوق له العشب لعلف الدوابّ لأنّهم لا يطعمونها التّبن، ويكتري الكهارين «106» وهم الذين يحملون أواني المطبخ، ويكتري من يحمله في الدولة، وقد ذكرناها، ويحملها فارغة، ويكتري الفرّاشين وهم الذين يضربون السراجة ويفرشونها ويرفعون الأحمال على الجمال، ويكتري الدّوادويّة وهم الذين يمشون بين يديه ويحملون المشاعل بالليل فاكتريت أنا جميع من احتجت له منهم، واظهرت القوّة والهمّة! وخرجت يوم خروج السلطان، وغيري أقام بعده اليومين والثلاثة. فلمّا كان بعد العصر من يوم خروجه ركب الفيل، وقصده أن يتطلّع على أحوال الناس

ويعرف من تسارع إلى الخروج ومن أبطأ! وجلس خارج السراجة على كرسيّ فجئت وسلّمت ووقفت في موقفي بالميمنة، فبعث إليّ الملك الكبير قبولة سرجامدار10» وهو الذي يشرّد الذباب عنه، فأمرني بالجلوس عناية بي ولم يجلس في ذلك اليوم سواي ثمّ أتي بالفيل وألصق به سلّم، فركب ورفع الشطر فوق رأسه، وركب معه الخواصّ وجال ساعة ثمّ عاد إلى السّراجة. وعادته إذا ركب أن يركب الأمراء أفواجا، كلّ أمير بفوجه وعلاماته وطبوله وأنفاره وصرّنا ياته، ويسمّون ذلك المراتب، ولا يركب أمام السلطان إلّا الحجّاب وأهل الطرب والطبّالة الذين يتقلّدون الأطبال الصغار والذين يضربون الصّرنايات، ويكون عن يمين السلطان نحو خمسة عشر رجلا، وعن يساره مثل ذلك، منهم قضاة القضاة والوزير وبعض الأمراء الكبار وبعض الأعزّة، وكنت أنا من أهل ميمنته، ويكون بين يديه المشّاؤون والأدلّاء، ويكون خلفه علاماته وهي من الحرير المذهّب، والأطبال على الجمال، وخلف ذلك مماليكه وأهل دخلته، وخلفهم الأمراء وجميع الناس، ولا يعلم أحد أين يكون النزول، فإذا مرّ السلطان بمكان يعجبه النزول به أمر بالنزول، ولا تضرب سراجة أحد حتّى تضرب سراجته، ثمّ ياتي الموكّلون بالنزول فينزّلون كلّ أحد في منزله! وفي خلال ذلك ينزل السلطان على نهر أو بين أشجار، وتقدّم بين يديه لحوم الأغنام والدجاج المسمّنة والكراكيّ وغيرها من أنواع الصيد، ويحضر أبناء الملوك، وفي يد كلّ واحد منهم سفّود، ويوقدون النار ويشتوون ذلك، ويوتي بسراجة صغيرة فتضرب للسلطان ويجلس من معه من الخواصّ خارجها، ويؤتى بالطعام ويستدعى من شاء فيأكل معه. وكان في بعض تلك الأيّام، وهو بداخل السراجة، يسأل عمّن بخارجها، فقال له السيّد ناصر الدين مطهّر الأوهرّي، أحد ندمائه: ثمّ فلان المغربي، وهو متغيّر! فقال: لماذا؟ فقال: بسبب الدّين الذي عليه وغرماؤه يحلّون في الطلب، وكان خوند عالم قد أمر الوزير باعطائه فسافر قبل ذلك، فإن أمر مولانا أن يصبّر أهل الدّين حتّى يقدم الوزير أوامر بإنصافهم؟ وحضر لهذا الملك دولة شاه، وكان السلطان يخاطبه بالعمّ، فقال: ياخوند عالم! كلّ يوم هو يكلّمني بالعربية ولا أدري ما يقول. يا سيدي ناصر الدين: ماذا؟ وقصد أن يكرّر ذلك الكلام، فقال: يتكلّم لأجل الدّين الذي عليه، فقال السلطان: إذا دخلنا دار الملك فامض أنت يا أومار، ومعناه: يا عمّ إلى الخزانة فأعطه ذلك المال، وكان خذاوند زادة حاضرا فقال: ياخوند عالم، إنه كثير الإنفاق وقد رأيته ببلادنا عند السلطان طرمشيرين.

ذكر الجمل الذي أهديته للسلطان

وبعد هذا الكلام استحضرني السلطان للطعام ولا علم عندي بما جرى، فلمّا خرجت قال لي السيّد ناصر الدين: اشكر للملك دولة شاه، وقال لي الملك دولة شاه: أشكر لخذاوند زادة! وفي بعض تلك الأيّام، ونحن مع السلطان في الصيد ركب في المحلّة وكان طريقه على منزلي وأنا معه في الميمنة وأصحابي في الساقة، وكان لي خباء عند السرّاجة فوقف أصحابي عندها وسلّموا على السلطان، فبعث عماد الملك وملك دولة شاه ليسألا: لمن تلك الأخبية والسراجة؟ فقيل لهما: لفلان، فأخبراه بذلك، فتبسّم، فلما كان الغد نفذ الأمر أنّ أعود أنا وناصر الدين مطهّر الأوهري «108» وابن قاضي مصر وملك صبيح إلى البلد فخلع علينا وعدنا إلى الحضرة. ذكر الجمل الذي أهديته للسلطان وكان السلطان في تلك الأيّام سألني عن الملك الناصر، هل يركب الجمل فقلت له: نعم يركب المهاري في أيّام الحجّ، فيسير إلى مكة من مصر في عشرة أيّام، ولكن تلك الجمال ليست كجمال هذه البلاد، وأخبرته أن عندي جملا منها فلمّا عدت إلى الحضرة بعثت عن بعض عرب مصر، فصوّر لي صورة الكور الذي تركب المهاري به، من القير، وأريتها بعض النجّارين، فعمل الكور واتقنه وكسوته بالملفّ، وصنعت له ركبا وجعلت على الجمل عباة حسنة وجعلت له خطام حرير. وكان عندي رجل من أهل اليمن يحسن عمل الحلواء فصنع منها ما يشبه التمر وغيره، وبعثت الجمل والحلواء إلى السلطان وأمرت الذي حملها أن يدفعها على يد ملك دولة شاه، وبعثت له بفرس وجملين، فلمّا وصله ذلك دخل على السلطان، وقال: ياخوند عالم، رأيت العجب قال: وما ذلك؟ قال: فلان بعث جملا عليه سرج! فقال: ائتوا به! فأدخل الجمل داخل السراجة، وأعجب به السلطان، وقال لراجلي: اركبه، فركبه ومشّاه بين يديه، وأمر له بمائتي دينار دراهم وخلعة، وعاد الرجل إليّ فأعلمني فسرّني ذلك، وأهديت له جملين بعد عودته إلى الحضرة.

ذكر الجملين الذين أهديتهما إليه والحلواء، وأمره بخلاص ديني وما تعلق بذلك.

ذكر الجملين الّذين أهديتهما إليه والحلواء، وأمره بخلاص ديني وما تعلّق بذلك. ولمّا عاد إليّ راجلي الذي بعثته بالجمل فأخبرني بما كان من شأنه صنعت كورين اثنين وجعلت مقدم كلّ واحد ومؤخّره مكسوا بصفائح الفضّة المذهّبة وكسوتهما بالملفّ، وصنعت رسنا مصفّحا بصفائح الفضّة، وجعلت لهما جلّين من زرد خانة مبطّنين بالكمخا، وجعلت للجملين الخلاخيل من الفضّة، وصنع 5 ت أحد عشر طيفورا وملأتها بالحلواء، وغطيت كلّ طيفور بمنديل حرير، فلمّا قدم السلطان من الصيد وقعد ثاني يوم قدومه بموضع جلوسه العامّ، غدوت عليه بالجمال فأمر بها فحرّكت بين يديه وهرولت، فطار خلخال أحدها فقال لبهاء الدين بن الفلكيّ: بّايل ورداري، معنى ذلك ارفع الخلخال، فرفعه، ثمّ نظر إلى الطيافير، فقال: جدّاري دران طبقها حلوا است، معنى ذلك: ما معك في تلك الأطباق؟ حلواء هي؟ فقلت له: نعم فقال للفقيه ناصر الدين الترمذيّ الواعظ: ما أكلت قط ولا رأيت مثل الحلواء التي بعثها إلينا ونحن بالمعسكر. ثمّ أمر بتلك الطّيافير أن ترفع لموضع جلوسه الخاصّ، فرفعت وقام إلى مجلسه واستدعاني، وأمر بالطّعام، فأكلت، ثمّ سألني عن نوع من الحلواء الذي بعثت له قبل، فقلت له يا خوند عالم، تلك الحلواء أنواعها كثيرة ولا أدري عن أيّ نوع تسألون منها؟ فقال: ائتو بتلك الأطباق، وهم يسمّون الطيفور طبقا، فأتوا بها وقدّموها بين يديه وكشفوا عنها فقال عن هذا سألتك، وأخذ الصحن الذي هي فيه فقلت له: هذه يقال لها: المقرضة «109» ، ثمّ اخذ نوعا آخر فقال: وما اسم هذه فقلت له: هي لقيمات القاضي، وكان بين يديه تاجر من شيوخ بغداد يعرف بالسّامريّ، وينتسب إلى آل العبّاس رضي الله تعالى عنه، وهو كثير المال ويقول له السلطان: والدي، فحسدني وأراد أن يخجلني، فقال: ليست هذه لقيمات القاضي بل هي هذه، وأخذ قطعة من التي تسمّى جلد الفرس «110» ، وكان بازائه ملك الندماء ناصر الدين الكافيّ الهرويّ، وكان كثيرا ما يمازح هذا الشيخ بين يدى السلطان، فقال له: يا خواجة أنت تكذب، والقاضي يقول الحقّ فقال له السلطان: وكيف ذلك؟ فقال: ياخوند عالم! هو القاضي وهي لقيماته فانّه أتى بها، فضحك السلطان، وقال: صدقت!

ذكر خروج السلطان وأمره لي بالإقامة بالحضرة

فلمّا فرغنا من الطعام أكل الحلواء، ثمّ شرب الفقّاع بعد ذلك، وأخذنا التنبول وانصرفنا، فلم يكن غير هنيهة وأتانى الخازن، فقال: ابعث أصحابك يقبضون المال فبعثتهم وعدت إلى داري بعد المغرب، فوجدت المال بها وهو ثلاث بدر فيها ستّة آلاف ومائتان وثلاث وثلاثون تنكة، وذلك صرف الخمسة والخمسين الفا التي هي دين عليّ، وصرف الاثنى عشر الفا التي أمر لي بها فيما تقدّم بعد حط العشر على عادتهم، وصرف التّكنة ديناران ونصف دينار من ذهب المغرب. ذكر خروج السلطان وأمره لي بالإقامة بالحضرة وفي تاسع جمادى الأولى خرج السلطان برسم قصد بلاد المعبر «111» ، وقتال القائم بها وكنت قد خلّصت أصحاب الدّين وعزمت على السفر وأعطيت مرتّب تسعة اشهر للكهارين والفرّاشين والكيوانية والدوادويّة، وقد تقدّم ذكرهم، فخرج الأمر بإقامتي في جملة ناس وأخذ الحاجب خطوطنا بذلك لتكون حجّة له، وتلك عادتهم خوفا من أن ينكر المبلّغ، وأمر لي بستّة آلاف دينار دراهم، وأمر لابن قاضي مصر بعشرة آلاف، وكذلك كلّ من أقام من الأعزّة «112» ، وامّا البلديّون فلم يعطوا شيئا وأمرني السلطان أن اتولى النظر في مقبرة السلطان قطب الدّين الذي تقدّم ذكره «113» وكان السلطان يعظّم تربته تعظيما شديدا لانّه كان خديما له، ولقد رأيته إذا أتى قبره يأخذ نعله فيقبّله ويجعله فوق رأسه. وعادتهم أن يجعلوا نعل الميت عند قبره فوق متّكأة، وكان اذا وصل القبر خدم له كما كان يخدم أيّام حياته، وكان يعظّم زوجته ويدعوها بالأخت وجعلها مع حرمه، وزوّجها بعد ذلك لابن قاضي مصر، واعتنى به من أجلها وكان يمضي لزيارتها في كلّ جمعة. ولمّا خرج السلطان بعث عنّا للوداع فقام ابن قاضي مصر فقال: أنا لا أوادع ولا أفارق خوند عالم، فكان له في ذلك الخير فقال له السلطان: امض فتجهّز للسّفر! وقدمت بعده للوداع وكنت احبّ الإقامة ولم تكن عاقبتها محمودة! فقال: مالك من حاجة؟ فاخرجت بطاقة فيها ستّ مسائل، فقال لي: تكلّم بلسانك! فقلت له: إن خوند عالم أمر لي بالقضاء وما قعدت لذلك بعد، وليس مرادي من القضاء الّا حرمته، فأمرني بالقعود للقضاء وقعود النّائبين معي، ثمّ قال لي: إيه، فقلت: وروضة السلطان قطب الدين ماذا أفعل فيها؟ فإني رتّبت فيها أربع مائة وستّين شخصا، ومحصول أوقافها لا يفي بمرتّباتهم وطعامهم؟

ذكر ما فعلته في ترتيب المقبرة

فقال للوزير: بّنجاه هزار، ومعناه خمسون ألفا، ثمّ قال: لا بدّ لك من غلّة بدية، يعني: أعطه مائة ألف منّ من المغلّة، وهي القمح والأرز ينفقها في هذه السنة حتّى تأتي غلّة الروضة، والمنّ عشرون رطلا مغربية، ثمّ قال لي: وماذا أيضا؟ فقلت: إن أصحابي سجنوا بسبب القرى التي أعطيتموني، فإني عوّضتها بغيرها، فطلب أهل الديوان ما وصلني منها أو الاستظهار بأمر خوند عالم أن يرفع عنّي ذلك، فقال: كم وصلك منها؟ فقلت: خمسة آلاف دينار، فقال: هي إنعام عليك، فقلت له: وداري التي أمرتم لي بها مفتقرة إلى البناء، فقال للوزير عمارة كنيد، أي معناه عمّروها، ثمّ قال لي: ديكر نماند، فقلت له «114» : لا، معناه هلّ بقي لك كلام؟ فقال لي: وصيّة دكر هست معناه أوصيّك أن لا تاخذ الدّين لئلّا تطلب فلا تجد من يبلّغ خبرك إليّ، أنفق على قدر ما أعطيتك، قال الله تعالى: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط «115» ، وكلوا واشربوا ولا تسرفوا «116» ، والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما «117» . فأردت أن أقبّل قدمه فمنعني، وأمسك رأسي بيده فقبّلتها وانصرفت. وعدت إلى الحضرة فاشتغلت بعمارة داري وانفقت فيها اربعة آلاف دينار، أعطيت منها من الديوان ستّماية دينار، وزدت عليها الباقي وبنيت بازائها مسجدا، واشتغلت بترتيب مقبرة السلطان قطب الذين وكان السلطان قد أمر أن تبنى عليه قبّة يكون ارتفاعها في الهواء مائة ذراع بزيادة عشرين ذراعا على اتفاع القبّة المبنيّة على قازان ملك العراق «118» ، وأمر أن تشتري ثلاثون قرية تكون وقفا عليها وجعلها بيدي على أن يكون لي العشر من فائدها على العادة. ذكر ما فعلته في ترتيب المقبرة وعادة أهل الهند أن يرتّبوا لأمواتهم ترتيبا كترتيبهم بقيد الحياة، ويوتي بالفيلة والخيل فتربط عند باب التربة وهي مزيّنة، فرتّبت أنا في هذه التربة بحسب ذلك ورتّبت من قرّاء القرآن مائة وخمسين، وهم يسمّونهم الختميّين، ورتّبت من الطلبة ثمانين، ورتّبت الإمام

ذكر عادتهم في اطعام الناس في الولائم.

والمؤذّنين والقرّاء بالأصوات الحسان، والمدّاحين وكتّاب الغيبة والمعرّفين، وجميع هؤلاء يعرفون عندهم بالأرباب ورتّبت صنفا آخر يعرفون بالحاشية وهو الفرّاشون والطبّاخون والدوادويّة والآبداريّة، وهم السقّاءون والشربداريّة الذين يسقون الشّربة، والتنبول داريّة الذين يعطون التنبول والسلحداريّة والنيزداريّة والشطرداريّة والطشت داريّة والحجّاب والنقباء، فكان جميعهم أربعمائة وستّين. وكان السلطان أمر أن يكون الطعام بها، كلّ يوم اثنى عشر منّا من الدقيق، ومثلها من اللحم فرأيت أن ذلك قليل، والزرع الذي أمر به كثيرا، فكنت أنفق كلّ يوم خمسة وثلاثين منّا من الدقيق، ومثلها من اللحم مع ما يتبع ذلك من السكّر والنبات والسّمن والتنبول وكنت أطعم المرتّبين وغيرهم من صادر ووارد، وكان الغلاء «119» شديدا فارتفق الناس بهذا الطعام وشاع خيره. وسافر الملك صبيح إلى السلطان بدولة آباد فسأله عن حال الناس، فقال له: لو كان بدهلي اثنان مثل فلان لما شكا الجهد! فأعجب ذلك السلطان، وبعث اليّ بخلعة من ثيابه، وكنت أصنع في المواسم، وهي العيدان والمولد الكريم «120» ويوم عاشوراء وليلة النصف من شعبان، ويوم وفاة السلطان قطب الدين مائة منّ من الدقيق ومثلها لحما، فيأكل منها الفقراء والمساكين، وأمّا أهل الوظيفة فيجعل امام كلّ انسان مهم ما يخصّه، ولنذكر عادتهم في ذلك. ذكر عادتهم في اطعام الناس في الولائم. وعادتهم ببلاد الهند وببلاد السّرا «121» أنّه إذا فرغ من أكل الطعام في الوليمة جعل أمام كلّ إنسان من الشرفاء والفقهاء والمشايخ والقضاة وعاء شبه المهد له أربع قوائم منسوج سطحه من الخوض وجعل عليه الرقاق ورأس غنم مشويّ وأربعة أقراص معجونة بالسمن مملوّة بالحلواء الصابونية «122» مغطاة بأربع قطع من الحلواء كأنها الآجر، وطبقا صغيرا مصنوعا من الجلد فيه الحلواء والسموسك ويغطّى ذلك الوعاء بثوب قطن جديد، ومن كان

ذكر خروجي إلى هزار أمروها

دون من ذكرناه جعل أمامه نصف رأس غنم ويسمّونه الزلّة «123» ومقدار النصف ممّا ذكرناه، ومن كان دون هؤلاء أيضا جعل أمامه مثل الربع من ذلك، ويرفع رجال كلّ أحد ما جعل أمامه. وأوّل ما رأيتهم يصنعون هذا بمدينة السرا حضرة السلطان أوزبك، فامتنعت أن يرفع رجالي ذلك إذ لم يكن لي به عهد،! وكذلك يبعثون أيضا لدار كبراء الناس من طعام الولائم. ذكر خروجي إلى هزار أمروها وكان الوزير قد اعطاني من الغلة المأمور بها للزاوية عشرة الاف منّ، ونفّذ لي الباقي في هزار «124» أمروها، وكان والي الخراج بها عزيز الخمّار «125» ، وأميرها شمس الدين البذخشانيّ فبعثت رجالي فاخذوا بعض الإحالة، وتشكّوا من تعسّف عزيز الخمّار فخرجت بنفسي لاستخلص ذلك، وبين دهلي وهذه العمالة ثلاثة أيّام، وكان ذلك أوان نزول المطر «126» فخرجت في نحو ثلاثين من أصحابي واستصحبت معي اخوين من المغنّيين المحسنين يغنيان لي في الطريق! فوصلنا الى بلدة بجنور «127» وضبط اسمها بكسر الباء الموحدة وسكون الجيم وفتح النون وآخره راء، فوجدت بها أيضا ثلاثة اخوة من المغنّيين فاستصحبتهم فكانوا يغنّون لي نوبة والآخران نوبة! ثم وصلنا إلى أمروها، وهي بلدة صغيرة حسنة، فخرج عمالها للقائي وجاء قاضيها الشريف أمير عليّ وشيخ زاويتها وأضافاني معا ضيافة حسنة، وكان عزيز الخمّار بموضع يقال له أفغان بّور على نهر السّرو «128» ، وبيننا وبينه النهر، ولا معدية فيه، فأخذنا الاثقال في معدية صنعناها من الخشب والنّبات وجزنا في اليوم الثاني وجاء نجيب أخو عزيز في جماعة من أصحابه وضرب لنا سراجة، ثمّ جاء أخوه إليّ الوالي، وكان معروفا بالظلم، وكانت القرى التي في عمالته ألفا وخمسمائة قرية، ومجباها ستّون لكّا في السنة، له فيها نصف العشر، ومن عجائب النهر الذي نزلنا عليه انّه لا يشرب منه أحد في أيام نزول المطر

ذكر مكرمة لبعض الأصحاب

ولا تسقى منه دابّة، ولقد أقمنا عليه ثلاثا فما غرف منه أحد غرفة ولا كدنا نقرب منه لأنّه ينزل من جبل قراجيل «129» التي بها معادن الذهب، ويمرّ على الخشاش المسمومة فمن شرب منه مات (129) . وهذا الجبل متّصل مسيرة ثلاثة اشهر، وينزل منه إلى بلاد تبّت حيث غزلان المسك، وقد ذكرنا ما اتّفق على جيش المسلمين بهذا الجبل، وبهذا الموضع جاء إليّ جماعة من الفقراء الحيدريّة وعملوا السّماع واوقدوا النيران فدخلوها ولم تضرّهم، وقد ذكرنا ذلك «130» . وكانت قد نشأت بين أمير هذه البلاد شمس الدين البذخشانيّ وبين واليها عزيز الخمّار منازعة وجاء شمس الدين لقتاله، فامتنع منه بداره وبلغت شكاية أحدهما الوزير بدهلي، فبعث إليّ الوزير وإلى الملك شاه أمير المماليك بأمروها، وهم أربعة آلاف مملوك للسلطان، وإلى شهاب الدين الروميّ أن ننظر في قضيّتهما، فمن كان على الباطل بعثناه مثقفا إلى الحضرة، فاجتمعوا جميعا بمنزلي وادّعى عزيز على شمس الدين دعاوي منها أنّ خديما له يعرف بالرّضى الملتانيّ نزل بدار خازن عزيز المذكور، فشرب بها الخمر وسرق خمسة آلاف دينار من المال الذي عند الخازن، فاستفهمت الرّضى عن ذلك، فقال لي: ما شربت الخمر منذ خروجي من ملتان، وذلك ثمانية اعوام، فقلت له: أو شربتها بملتان؟ قال نعم! فأمرت بجلده ثمانين وسجنته بسبب الدعوى للوث ظهر عليه. وانصرفت عن أمروها فكانت غيبتي نحو شهرين، وكنت في كلّ يوم اذبح لأصحابي بقرة وتركت أصحابي ليأتوا بالزرع المنفّذ على عزيز، وحمله عليه، فوزّع على أهل القرى التي لنظره ثلاثين ألف منّ يحملونها على ثلاثة آلاف بقرة، وأهل الهند لا يحملون الّا على البقرة وعليه يرفعون أثقالهم في الأسفار، وركوب الحمير عندهم عيب كبير وحميرهم صغار الأجرام يسمّونها اللاشة «131» ، واذا أرادوا إشهار أحد بعد ضربه أركبوه الحمار! ذكر مكرمة لبعض الأصحاب وكان السيّد ناصر الدين الا وهريّ قد ترك عندي لمّا سافر ألفا وستّين تنكة فتصرّفت فيها، فلمّا عدت إلى دهلي وجدته قد أحال في ذلك المال خذاوند زادة قوام الدين، وكان قدم نائبا عن الوزير، فاستقبحت أن أقول له: تصرّفت في المال، فأعطيته نحو ثلثه، وأقمت بداري أياما.

ذكر خروجي إلى محلة السلطان.

وشاع عني أني مرضت، فأتى ناصر الدين الخوارزميّ صدر الجهان لزيارتي فلمّا رءاني قال: ما أرى بك مرضا، فقلت: إني مريض القلب! فقال لي: عرفني بذلك! فقلت له: ابعث إليّ نائبك شيخ الاسلام اعرّفه به، فبعثه إليّ فاعلمته، فعاد إليه فأعلمه، فبعث إليّ بألف دينار دراهم، وكان له عندي قبل ذلك ألف ثان ثمّ طلب منّي بقيّة المال، فقلت في نفسي: ما يخلّصني منه الّا صدر الجهان المذكور لأنه كثير المال، فبعثت اليه بفرس مسرج قيمة سرجه ألف وستّماية دينار، وبفرس ثان قيمته وقيمة سرجه ثمانمائة دينار وببلغتين قيمتهما ألف ومائتا دينار، وبتركش فضّة وبسيفين غمدهما مغشّيان بالفضّة، وقلت له: انظر قيمة الجميع وابعث إليّ ذلك، فأخذ ذلك وعمل لجميعه قيمة ثلاثة آلاف دينار، فبعث إليّ الفا واقتطع الالفين، فتغيّر خاطري، ومرضت بالحمّى، وقلت في نفسي: إن شكوت به إلى الوزير افتضحت، فأخذت خمسة أفراس وجاريتين ومملوكين، وبعثت الجميع للملك مغيث الدين محمّد بن ملك الملوك عماد الدين السّمنانيّ، وهو فتيّ السنّ، فردّ عليّ ذلك وبعث إليّ مايتي تنكة واعتذر وخلّصت من ذلك المال، فشتّان بين فعل محمّد ومحمّد! ذكر خروجي إلى محلّة السلطان. وكان السلطان لمّا توجّه إلى بلاد المعبر وصل إلى التّلنك ووقع الوباء بعسكره فعاد إلى دولة آباد، ثمّ وصل إلى نهر الكنك فنزل عليه، وأمر الناس بالبناء، وخرجت في تلك الأيّام إلى محلّته واتّفق ما سردناه من مخالفة عين «132» الملك، ولازمت السلطان في تلك الأيّام وأعطاني من عتاق الخيل لمّا قسّمها على خواصّه، وجعلني فيهم وحضرت معه الوقيعة على عين الملك والقبض عليه وجزت معه نهر الكنك ونهر السّرو لزيارة قبر الصالح سالار عود، وقد استوفيت ذلك كلّه، وعدت معه إلى حضرة دهلي لمّا عاد اليها. ذكر ما همّ به السلطان من عقابي وما تداركني من لطف الله تعالى! وكان سبب ذلك أنّي ذهبت يوما لزيارة الشيخ شهاب الدين بن الشيخ الجام بالغار الذي احتفره خارج دهلي «133» . وكان قصدي رؤية ذلك الغار، فلمّا أخذه السلطان سأل أولاده عمّن كان يزوره فذكروا ناسا أنا من جملتهم، فأمر السلطان أربعة من عبيده بملازمتي بالمشور.

ذكر انقباضي عن الخدمة وخروجي عن الدنيا.

وعادته أنّه متى فعل ذلك مع أحد قلّما يتخلّص، فكان أوّل يوم من ملازمتهم لي يوم الجمعة فألهمني الله تعالى إلى تلاوة قوله: حسبنا الله ونعم الوكيل 13» ، فقرأتها ذلك اليوم ثلاثة وثلاثين ألف مرّة، وبتّ بالمشور وواصلت إلى خمسة أيّام، في كلّ يوم منها اختم القرآن وافطر على الماء خاصّة، ثمّ افطرت بعد خمس وواصلت أربعا وتخلّصت بعد قتل الشيخ والحمد لله تعالى! ذكر انقباضي عن الخدمة وخروجي عن الدنيا. ولمّا كان بعد مدّة انقبضت عن الخدمة ولازمت الشيخ الإمام العالم العابد الزاهد الخاشع الورع فريد الدهر ووحيد العصر كمال الدين عبد الله الغاريّ وكان من الأولياء، وله كرامات قد ذكرت منها ما شاهدته عند ذكر اسمه «135» ، وانقطعت إلى خدمة هذا الشيخ ووهبت ما عندي للفقراء والمساكين! وكان الشيخ يواصل عشرة أيّام وربّما واصل عشرين، فكنت أحبّ أن أواصل فكان ينهاني ويأمرني بالرفق على نفسي في العبادة ويقول لي: إنّ المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، (135) وظهر لي من نفسي تكاسل بسبب شيء بقى معي، فخرجت عن جميع ما عندي من قليل وكثير وأعطيت ثياب ظهري لفقير ولبست ثيابه، ولزمت هذا الشيخ خمسة أشهر والسلطان اذ ذاك غائب ببلاد السند. ذكر بعث السلطان عنّي وإبايتي عن الرجوع إلى الخدمة واجتهادي في العبادة. ولمّا بلغ السلطان خبر خروجي عن الدنيا استدعاني، وهو يومئذ بسيوستان «136» ، فدخلت عليه في زيّ الفقراء، فكلّمني أحسن كلام وألطفه، وأراد منّي الرجوع إلى الخدمة فأبيت وطلبت منه الإذن في السفر إلى الحجاز، فأذن لي فيه وانصرفت عنه، ونزلت بزاوية

ذكر ما أمرني به من التوجه إلى الصين في الرسالة

تعرف بالنسبة إلى الملك بشير، وذلك في أواخر جمادى الثانية سنة ثنتين وأربعين «137» ، فاعتكفت بها شهر رجب وعشرا من شعبان، وانتهيت إلى مواصلة خمسة أيّام وافطرت بعدها على قليل أرز دون إدام، وكنت أقرأ القرآن كلّ يوم واتهجّد بما شاء الله، وكنت إذا أكلت الطعام أذاني، فإذا طرحته وجدت الراحة، وأقمت كذلك أربعين يوما ثمّ بعث عنّي ثانية. ذكر ما أمرني به من التوجّه إلى الصين في الرسالة ولمّا كملت لي اربعون يوما بعث إليّ السلطان خيلا مسرجة وجواري وغلمانا وثيابا ونفقة فلبست ثيابه وقصدته، وكانت لي جبّة قطن زرقاء مبطّنة لبستها أيّام اعتكافي فلمّا جرّدتها ولبست ثياب السلطان أنكرت نفسي! وكنت متى نظرت إلى تلك الجبّة أجد نورا في باطني، ولم تزل عندي إلى أن سلبني الكفّار في البحر. ولمّا وصلت إلى السلطان زاد في إكرامي على ما كنت أعهده، وقال لي: إنّما بعثت إليك لتتوجّه عنّي رسولا إلى ملك الصين فإنّي أعلم حبك في الأسفار والجولان، فجهّزني بما احتاج له وعيّن للسفر معي من يذكر بعد «138» .

المجلد الرابع

[المجلد الرابع] الفصل الرابع عشر الجنوب الهندي- جزر مالديف- سيلان- البنغال من دهلي إلى كول وأسر ابن بطوطة بها من كول إلى دولةآباد من دولةأباد إلى بلاد المليبار: بلاد الأبزار! الذهاب إلى مدينة قالقوط محاولة الذّهاب إلى الصين وفشلها ... جزائر ذيبة المهل (المالديف) ابن بطوطة بجزر مالديف ووقوفه بها على النقش التاريخي جزيرة سيلان ... عند ما هاجمه 12 مركبا وسلبوه!

الجنوب الهندي

ذكر سبب بعث الهدية للصين وذكر من بعث معي وذكر الهدية.

ذكر سبب بعث الهدية للصين وذكر من بعث معي وذكر الهدية. وكان ملك الصين قد بعث إلى السلطان مائة مملوك وجارية وخمسمائة ثوب من الكمخا منها مائة من التي تصنع بمدينة الزّيتون، ومائة من التي تصنع بمدينة الخنسا، وخمسة أمنان من المسك، وخمسة أثواب مرصعة بالجوهر، وخمسة من التراكش مزركشة، وخمسة سيوف، وطلب من السلطان أن يأذن له في بناء بيت الأصنام الذي بناحية جبل قراجيل «1» المتقدم ذكره، ويعرف الموضع الذي هو به بسمهل، بفتح السين المهمل وسكون الميم وفتح الهاء، وإليه يحج أهل الصين، وتغلّب عليه جيش الإسلام بالهند فخرّبوه وسلبوه. فلما «2» وصلت هذه الهدية إلى السلطان كتب إليه بأن هذا المطلب لا يجوز في ملّة الإسلام إسعافه، ولا يباح بناء كنيسة بأرض المسلمين إلّا لمن يعطي الجزية، فإن رضيت بإعطائها أبحنا لك بناءه، والسلام على من اتبع الهدى. وكافأه «3» عن هديته بخير منها، وذلك مائة فرس من الجياد مسرجة ملجمة، ومائة مملوك ومائة جارية، من كفار الهند مغنّيات ورواقص، ومائة ثوب بيرميّة، وهي من القطن ولا نظير لها في الحسن، قيمة الثوب منها مائة دينار «4» ، ومائة شقة من ثياب الحرير المعروفة بالجزّ «5» ، بضم الجيم وزاي، وهي التي يكون حرير إحداها مصبوغا بخمسة ألوان وأربعة، ومائة ثوب من الثياب المعروفة بالصّلاحية، ومائة ثوب

احتفال بأمير مغولي في البلاط- تصوير جداري رسم يمثل الاحتفال بأحد السفراء- تصوير جداري بقاعة الأعمدة الأربعين

من الشّيرين باف «6» ، ومائة ثوب من الشان باف «7» ، وخمسمائة ثوب من المرعز، مائة منها سود، ومائة بيض، ومائة حمر، ومائة خضر، ومائة زرق، ومائة شقّة من الكتان الرّومي، ومائة فضلة من الملف، وسرّاجة «8» وستّ من القباب، وأربع حسك من ذهب، وست حسك من فضة منيّلة، وأربعة طسوت من الذّهب ذات أباريق كمثلها، وستة طسوت من الفضة، وعشر خلع من ثياب السلطان مزركشة، وعشر شواش من لباسه، إحداها مرصعة بالجوهر وعشرة تراكش مزركشة، وأحدها مرصّع بالجوهر، وعشرة من السيوف، أحدها مرصع الغمد بالجوهر، ودشت بان «9» وهو قفّاز مرصع بالجوهر، وخمسة عشر من الفتيان. وعيّن السلطان للسّفر معي بهذه الهدية الأمير ظهير الدين الزّنجاني «10» ، وهو من فضلاء أهل العلم، والفتى كافور الشّربدار، وإليه سلمت الهدية، وبعث معنا الأمير محمد الهروي «11» في ألف فارس ليوصلنا إلى الموضع الذي نركب منه البحر، وتوجه صحبتنا أرسال ملك الصين، وهم خمسة عشر رجلا يسمى كبيرهم ترسي وخدامهم نحو مائة رجل وانفصلنا في جمع كبير ومحلة عظيمة، وأمر لنا السلطان بالضيافة مدة سفرنا ببلاده. وكان سفرنا في السابع عشر لشهر صفر سنة ثلاث وأربعين «12» وهو اليوم الذي اختاروه للسفر لأنهم يختارون للسفر من أيام الشهر ثانيه أو سابعه أو الثاني عشر أو السابع عشر أو الثاني والعشرين أو السابع والعشرين! فكان نزولنا في أول مرحلة بمنزل تلبت «13» ، على مسافة فرسخين وثلث من حضرة دهلي، ورحلنا منه إلى منزل أو، ورحلنا منه

إلى منزل هيلو «14» ، ورحلنا منه إلى مدينة بيانة «15» ، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة وفتح الياء آخر الحروف مع تخفيفها وفتح النون، مدينة كبيرة حسنة البناء مليحة الأسواق. ومسجدها الجامع من أبدع المساجد وحيطانه وسقفه حجارة، والأمير بها مظفر ابن الداية، وأمه هي داية السلطان، وكان بها قبله الملك مجير بن أبي الرجاء أحد كبار الملوك، وقد تقدم ذكره «16» ، وهو ينتسب في قريش وفيه تجبّر، وله ظلم كثير قتل من اهل هذه المدينة جملة، ومثّل بكثير منهم، ولقد رأيت من أهلها رجلا حسن الهيئة قاعدا في أسطوان منزله وهو مقطوع اليدين والرجلين. وقدم السلطان مرة على هذه المدينة فتشكى الناس من الملك مجير المذكور فأمر السلطان بالقبض عليه وجعلت في عنقه الجامعة، وكان يقعد بالدّيوان بين يدي الوزير، وأهل البلد يكتبون عليه المظالم، فأمره السلطان بإرضائهم فأرضاهم بالأموال ثم قتله بعد ذلك. ومن كبار أهل هذه المدينة الامام العالم عزّ الدين الزبيري من ذرية الزبير بن العوام رضي الله عنه، أحد كبار الفقهاء الصلحاء، لقيته بكاليور عند الملك عز الدين البنتاني «17» المعروف بأعظم ملك. ثم رحلنا من بيانة فوصلنا إلى مدينة «18» كول، وضبط اسمها بضم الكاف، مدينة حسنة ذات بساتين وأكثر أشجارها العنبا، ونزلنا بخارجها في بسيط أفيح، ولقينا بها الشيخ الصالح العابد شمس الدين المعروف بابن تاج العارفين، وهو مكفوف البصر معمّر، وبعد ذلك سجنه السلطان ومات في سجنه، وقد ذكرنا حديثه «19» .

ذكر غزوة شهدناها بكول

ذكر غزوة شهدناها بكول ولما بلغنا إلى مدينة كول بلغنا أن بعض كفار الهنود حاصروا بلدة الجلالي «20» وأحاطوا بها وهي على مسافة سبعة أميال من كول فقصدناها، والكفار يقاتلون أهلها، وقد أشرفوا على التّلف، ولم يعلم الكفار بنا حتى صدقنا الحملة عليهم، وهم في نحو ألف فارس وثلاثة آلاف راجل، فقتلناهم عن آخرهم واحتوينا على خيلهم وأسلحتهم، واستشهد من أصحابنا ثلاثة وعشرون فارسا وخمسة وخمسون راجلا، واستشهد الفتى كافور الساقي الذي كانت الهدية مسلمة بيده، فكتبنا إلى السلطان بخبره، وأقمنا في انتظار الجواب. وكان الكفار في أثناء ذلك ينزلون من جبل هنالك منيع فيغيرون على نواحي بلدة الجلالي، وكان أصحابنا يركبون كلّ يوم مع أمير تلك الناحية ليعينوه على مدافعتهم. ذكر محنتي بالأسر وخلاصي منه، وخلاصي من شدة بعده، على يد وليّ من أولياء الله تعالى وفي بعض تلك الأيام ركبت في جماعة من أصحابي ودخلنا بستانا نقيل فيه وذلك فصل القيظ، فسمعنا الصياح، فركبنا ولحقنا كفارا أغاروا على قرية من قرى الجلالي، فاتبعناهم فتفرقوا وتفرق أصحابنا في طلبهم، وانفردت في خمسة من أصحابي، فخرج علينا جملة من الفرسان والرجال من غيضة هنالك ففررنا منهم لكثرتهم واتبعني نحو عشرة منهم، ثم انقطعوا عني إلا ثلاثة منهم ولا طريق بين يدي، وتلك الأرض كثيرة الحجارة فنشبت يدا فرسي بين الحجارة، فنزلت عنه واقتلعت يده وعدت إلى ركوبه. والعادة بالهند أن يكون مع الانسان سيفان: أحدهما معلق بالسّرج، ويسمى الرّكابي، والآخر في التركش، فسقط سيفي الركابي من غمده وكانت حليته ذهبا فنزلت فأخذته وتقلدته وركبت وهم في أثري، ثم وصلت إلى خندق عظيم فنزلت ودخلت في جوفه فكان آخر عهدي بهم. ثم خرجت إلى واد في وسط شعراء ملتفة في وسطها طريق فمشيت عليه ولا أعرف منتهاه فبينا أنا في ذلك خرج عليّ نحو أربعين رجلا من الكفار بأيديهم القسّي فأحدقوا بي وخفت أن يرموني رمية رجل واحد إن فررت منهم، وكنت غير متدرع، فألقيت بنفسي إلى الأرض واستأسرت، وهم لا يقتلون من فعل ذلك، فأخذوني وسلبوني جميع ما عليّ، غير جبة وقميص وسروال ودخلوا بي إلى تلك الغابة فانتهوا بي إلى موضع جلوسهم منها على حوض ماء بين تلك الاشجار وأتوني بخبز ماش، وهو الجلبّان، فأكلت منه وشربت من الماء.

وكان معهم مسلمان كلّماني بالفارسية، وسألاني عن شأني، فأخيرتهما ببعضه وكتمتهما أني من جهة السلطان، فقالا لي: لا بد أن يقتلك هؤلاء أو غيرهم، ولكن هذا مقدّمهم وأشارا إلى رجل منهم، فكلّمته بترجمة المسلمين وتلطفت له، فوكل بي ثلاثة منهم: أحدهم شيخ ومعه ابنه، والآخر أسود خبيث، وكلّمني أولئك الثلاثة، ففهمت منهم أنهم أمروا بقتلي، فاحتملوني عشيّ النهار إلى كهف، وسلط الله على الأسود منهم حمّى مرعدة، فوضع رجليه عليّ ونام الشيخ وابنه! فلما أصبح تكلموا فيما بينهم وأشاروا إليّ بالنزول معهم إلى الحوض وفهمت أنهم يريدون قتلي فكلمت الشيخ وتلطفت إليه فرقّ لي، وقطعت كمّي قميصي وأعطيته أياهما لكي لا يأخذه أصحابه فيّ إن فررت. ولما كان عند الظهر سمعنا كلاما عند الحوض فظنوا أنهم أصحابهم، فأشاروا إليّ بالنّزول معهم، فنزلنا ووجدنا قوما آخرين فأشاروا عليهم أن يذهبوا في صحبتهم فأبوا، وجلس ثلاثتهم أمامي وأنا مواجه لهم ووضعوا حبل قنّب كان معهم بالأرض، وأنا أنظر إليهم، وأقول في نفسي: بهذا الحبل يربطونني عند القتل، وأقمت كذلك ساعة ثم جاء ثلاثة من أصحابهم الذين أخذوني فتكلموا معهم، وفهمت أنهم قالوا لهم: لأي شيء ما قتلتموه؟ فأشار الشيخ إلى الأسود كأنّه اعتذر بمرضه! وكان أحد هؤلاء الثلاثة شابا حسن الوجه، فقال لي: أتريد أن أسرحك؟ فقلت: نعم، فقال: اذهب. فأخذت الجبّة التي كانت علي فأعطيته إياها وأعطاني مقيّرة بالية عنده، وأراني الطريق فذهبت وخفت أن يبدو لهم فيدركونني، فدخلت غيضة قصب واختفيت فيها، إلى أن غابت الشمس، ثم خرجت وسلكت الطريق التي أرانيها الشاب، فأفضت بي إلى ماء فشربت منه، وسرت إلى ثلث الليل فوصلت إلى جبل فنمت تحته فلما أصبحت سلكت الطريق فوصلت ضحى إلى جبل من الصخر عال فيه شجر أمّ غيلان والسدر، فكنت أجني النبق فأكله حتى أثّر الشوك في ذراعي أثارا هي باقية به حتى الآن! ثم نزلت من ذلك الجبل إلى أرض مزدرعة قطنا وبها أشجار الخروع، وهنالك باين، والبائن عندهم: بئر متسعة جدا مطوية بالحجارة، لها درج ينزل عليها إلى ورد الماء، وبعضها يكون في وسطه وجوانبه القباب مر، الحجر والسقايف والمجالس، ويتفاخر ملوك البلاد وأمراؤها بعمارتها في الطرقات التي لا ماء بها، وسنذكر بعض ما رأيناه منها فيما بعد «21» ، ولما وصلت إلى البائن شربت منه ووجدت عليه شيئا من عساليج الخردل قد سقطت

لمن غسلها فأكلت منها وادّخرت عليه شيئا من عساليج الخردل قد سقطت لمن غسلها فأكلت منها وادّخرت باقيها، ونمت تحت شجرة خروع. فبينما أنا كذلك إذ ورد البائن نحو أربعين فارسا مدرعين، فدخل بعضهم إلى المزرعة، ثم ذهبوا، وطمس الله أبصارهم دوني، ثم جاء بعدهم نحو خمسين في السّلاح ونزلوا إلى البائن، وأتى أحدهم إلى شجرة إزاء الشجرة التي كنت تحتها، فلم يشعر بي. ودخلت إذ ذاك في مزرعة القطن وأقمت بها بقية نهاري، وأقاموا على البائن يغسلون ثيابهم ويلعبون، فلما كان الليل هدأت أصواتهم، فعلمت أنهم قد مرّوا أو ناموا فخرجت حينئذ واتبعت أثر الخيل، والليل مقمر، وسرت حتى انتهيت إلى باين آخر، عليه قبة فنزلت إليه وشربت من مائه وأكلت من عساليج الخردل التي كانت عندي، ودخلت القبة فوجدتها مملوءة بالعشب مما يجمعه الطير فنمت بها، وكنت أحس حركة حيوان في تلك العشب أظنه حيّة فلا أبالي بها لما بي من الجهد، فلما أصبحت سلكت طريقا واسعة تفضي إلى قرية خربة وسلكت سواها فكانت كمثلها وأقمت كذلك أياما، وفي بعضها وصلت إلى أشجار ملتفة بينها حوض ماء وداخلها شبه بيت وعلى جوانب الحوض نبات الأرض كالنّجيل. وغيره فأردت أن أقعد هنالك حتى يبعث الله من يوصلني إلى العمارة. ثم إني وجدت يسير قوة فنهضت على طريق وجدت بها أثر البقر ووجدت ثورا عليه بردعة ومنجل، فإذا تلك الطريق تفضي إلى قرى الكفار فاتبعت طريقا أخرى فأفضت بي إلى قرية خربة ورأيت بها أسودين عريانين فخفتهما وأقمت تحت أشجار هنالك فلما كان الليل دخلت القرية ووجدت دارا في بيت من بيوتها شبه خابية كبيرة يصنعونها لاختزان الزّرع، وفي أسفلها نقب يسع منه الرجل فدخلتها ووجدت داخلها مفروشا بالتبن وفيه حجر جعلت رأسي عليه ونمت. وكان فوقها طائر يرفرف بجناحيه أكثر الليل، وأظنه كان يخاف فاجتمعنا خائفين وأقمت على تلك الحال سبعة أيام من يوم أسرت، وهو يوم السبت وفي السابع منها وصلت إلى قرية للكفار عامرة، وفيها حوض ماء ومنابت خضر، فسألتهم الطعام، فأبوا أن يعطوني، فوجدت حول بئر بها أوراق فجل، فأكلته، وجئت القرية فوجدت جماعة كفار لهم طليعة، فدعاني طليعتهم فلم أجبه، وقعدت إلى الأرض، فأتى أحدهم بسيف مسلول ورفعه ليضربني به، فلم التفت إليه لعظم ما بي من الجهد، ففتشني فلم يجد عندي شيئا فأخذ القميص الذي كنت أعطيت كمّية للشيخ الموكل بي.

ولما كان في اليوم الثامن اشتدّ بي العطش، وعدمت الماء ووصلت إلى قرية خراب فلم أجد بها حوضا، وعادتهم بتلك القرى أن يصنعوا أحواضا يجتمع بها ماء المطر فيشربون منه جميع السنة، فاتبعت طريقا فأفضت بي الى بئر غير مطوية، عليها حبل مصنوع من نبات الأرض، وليس فيه آنية يستقى بها فربطت خرقة كانت على رأسي في الحبل، وامتصصت ما تعلق بها من الماء، فلم يروني، فربطت خفي واستقيت به، فلم يفروني فاستقيت به ثانيا فانقطع الحبل، ووقع الخف في البئر فربطت الخف الآخر وشربت حتى رويت، ثم قطعته فربطت أعلاه على رجلي بحبل البئر، وبخرق وجدتها هنالك فبينما أنا أربطها وأفكر في حالي إذ لاح لي شخص فنظرت إليه فإذا رجل أسود اللّون بيده إبريق وعكّاز، وعلى كاهله جراب، فقال لي: سلام عليكم فقلت له: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقال لي بالفارسية: جيكس معناه: من أنت؟ فقلت له: أنا تائه! فقال لي: وأنا كذلك، ثم ربط إبريقه بحبل كان معه واستقى ماء فأردت أن أشرب، فقال لي: اصبر! ثم فتح جرابه فأخرج منه غرفة حمّص أسود مقلو مع قليل أرز، فأكلت منه وشربت، وتوضأ وصلّى ركعتين وتوضأت أنا وصليت، وسألني عن اسمي فقلت: محمد، وسألته عن اسمه فقال لي: القلب الفارح فتفاءلت بذلك وسررت به، ثم قال لي: بسم الله! ترافقني؟ فقلت: نعم، فمشيت معه قليلا، ثم وجدت فتورا في أعضاءي، ولم أستطع النهوض، فقعدت، فقال لي: ما شأنك؟ فقلت له: كنت قادرا على المشي قبل أن ألقاك فلما لقيتك عجزت، فقال: سبحان الله اركب عنقي! فقلت له: إنك ضعيف ولا تستطيع ذلك، فقال: يقوّيني الله، لا بد لك من ذلك، فركبت على عنقه، وقال لي: أكثر من قراءة: حسبنا الله ونعم الوكيل، فاكثرت من ذلك. وغلبتني عيني فلم أفق إلا لسقوطي على الأرض فاستيقظت ولم أر للرجل أثرا، وإذا أنا في قرية عامرة فدخلتها فوجدتها لرعية الهنود، وحاكمها من المسلمين، فأعلموه بي فجاء إليّ فقلت له: ما اسم هذه القرية؟ فقال لي: تاج بوره «22» ، وبينها وبين مدينة كول حيث أصحابنا فرسخان، وحملني ذلك الحاكم إلى بيته فأطعمني طعاما سخنا واغتسلت وقال لي: عندي ثوب وعمامة أودعهما عندي رجل عربي مصري من أهل المحلّة التي بكول، فقلت له: هاتهما ألبسهما إلى أن أصل إلى المحلة، فأتى بهما فوجدتهما من ثيابي كنت قد وهبتهما لذلك العربي لما قدمنا كول فطال تعجبي من ذلك!

حكاية هذا الشيخ

وفكرت في الرجل الذي حملني على عنقه، فتذكرت ما أخبرني به ولي الله تعالى أبو عبد الله المرشدي حسبما ذكرناه في السفر الأول «23» ، إذ قال لي: ستدخل أرض الهند وتلقى بها أخي دلشاد، ويخلصك من شدة تقع فيها، وتذكرت قوله لما سألته عن اسمه فقال: القلب الفارح وتفسيره بالفارسية دلشاد، فعلمت أنه هو الذي أخبرني بلقائه وأنه من الأولياء ولم يحصل لي من صحبته إلا المقدار الذي ذكرته. وكتبت تلك الليلة إلى أصحابي بكول معلما لهم بسلامتي فجاءوا إلي بفرس وثياب، واستبشروا بي ووجدت جواب السلطان قد وصلهم، وبعث بفتى يسمى بسنبل الجامدار عوضا من كافور المستشهد، وأمرنا أن نتمادى على سفرنا، ووجدتهم أيضا قد كتبوا للسلطان بما كان من أمري وتشاءموا بهذه السفرة لما جرى فيها عليّ وعلى كافور، وهم يريدون أن يرجعوا، فلما رأيت تأكيد السلطان في السّفر، أكدت عليهم وقوى عزمي، فقالوا ألا ترى ما اتفق في بداية هذه السفرة والسلطان يعذرك، فلنرجع إليه أو نقيم حتى يصل جوابه، فقلت لهم: لا يمكن المقام وحيث ما كنا أدركنا الجواب. فرحلنا عن كول ونزلنا بورج بوره «24» وبه زاوية حسنة فيها شيخ حسن الصورة والسيرة يسمى بمحمد العريان لانه لا يلبس عليه إلا ثوبا من سرته إلى أسفل وباقي جسده مكشوف وهو تلميذ الصّالح الولي محمد العريان القاطن بقرافة مصر، نفع الله به. حكاية هذا الشيخ وكان من أولياء الله تعالى قائما على قدم التجرد يلبس تنّورة، وهو ثوب يستر من سرته إلى أسفل، ويذكر أنه كان إذا صلّى العشاء الآخرة أخرج كل ما بقى بالزاوية من طعام وادام وماء وفرق ذلك على المساكين ورمى بفتيلة السراج، وأصبح على غير معلوم. وكانت عادته أن يطعم أصحابه عند الصباح خبزا وفولا فكان الخبازون والفوّالون يستبقون إلى زاويته فيأخذ منهم مقدار ما يكفي الفقراء، ويقول لمن أخذ منه ذلك: أقعد حتى يأخذ أول ما يفتح به عليه في ذلك اليوم قليلا كثيرا. ومن حكايته أنه لما وصل قازان ملك التتر إلى الشام بعساكره وملك دمشق ما عدا قلعتهما، وخرج الملك الناصر إلى مدافعته ووقع اللقاء على مسيرة يومين من دمشق بموضع

حكاية قاضي القضاة

يقال له: قشحب، والملك الناصر إذ ذاك حديث السن لم يعهد الوقائع، وكان الشيخ العريان في صحبته فنزل، وأخذ قيدا فقيد به فرس الملك الناصر لئيلا يتزحزح عند اللقاء لحداثة سنة، فيكون ذلك سبب هزيمة المسلمين، فثبت الملك الناصر وهزم التتر هزيمة شنعاء قتل منهم فيها كثير وغرق كثير بما أرسل عليهم من المياه، ولم يعد التتر إلى قصد بلاد الاسلام بعدها «25» ، وأخبرني الشيخ محمد العريان المذكور تلميذ هذا الشيخ أنه حضر هذه الوقيعة وهو حديث السن. ورحلنا من برج بوره ونزلنا على الماء المعروف باب سياه «26» ، ثم رحلنا إلى مدينة قنوج «27» ، وضبط اسمها بكسر القاف وفتح النون وواو ساكن وجيم، مدينة كبيرة حسنة العمارة حصينة رخيصة الأسعار كثيرة السكّر، ومنها يحمل إلى دهلي، وعليها سور عظيم، وقد تقدم ذكرها، وكان بها الشيخ معين الدين الباخرزي أضافنا بها، وأميرها فيروز البدخشاني من ذرية بهرام جور «28» صاحب كسرى، ويسكن بها جماعة من الصلحاء الفضلاء المعروفين بمكارم الأخلاق يعرفون بأولاد شرف جهان، وكان جدهم قاضي القضاة بدولة أباد وهو من المحسنين المتصدقين وانتهت الرئاسة ببلاد الهند إليه. حكاية قاضي القضاة يذكر أنه عزل مرة عن القضاء وكان له أعداء فادعى أحدهم عند القاضي الذي ولي بعده، أنّ له عشرة آلاف دينار قبله ولم تكن له بيّنة وكان قصده أن يحلّفه فبعث القاضي عنه، فقال لرسوله: بما ادعى عليّ؟ فقال: بعشرة آلاف دينار، فبعث إلى مجلس القاضي عشرة آلاف، وسلّمت للمدّعي.

وبلغ خبره السلطان علاء الدين وصح عنده بطلان تلك الدعوى، فأعاده إلى القضاء وأعطاه عشرة آلاف. وأقمنا بهذه المدينة ثلاثا، ووصلنا فيها جواب السلطان في شأني بأنه إن لم يظهر لفلان أثر فيتوجّه وجيه الملك قاضي دولة آباد عوضا منه! ثم رحلنا من هذه المدينة فنزلنا بمنزل هنول، ثم بمنزل وزير بور ثم بمنزل البجالصة «29» ثم وصلنا إلى مدينة موري «30» ، وضبط اسمها بفتح ميم وواو وراء وهي صغيرة ولها أسواق حسنة، ولقيت بها الشيخ الصالح المعمر قطب الدين المسمى بحيدر الفرغاني، وكان بحال مرض فدعا لي وزوّدني رغيف شعير، وأخبرني أن عمره ينيف على مائة وخمسين، وذكر لي أصحابه أنه يصوم الدّهر ويواصل كثيرا ويكثر الاعتكاف، وربما أقام في خلوته أربعين يوما يقتات فيها بأربعين تمرة في كلّ يوم واحدة. وقد رأيت بدهلي الشيخ المسمى برجب البرقعي دخل الخلوة بأربعين تمرة فأقام بها أربعين ثم خرج وفضل معه منها ثلاث عشرة تمرة! ثم رحلنا ووصلنا إلى مدينة مره «31» ، وضبط اسمها بفتح الميم وسكون الراء وهاء، وهي مدينة كبيرة أكثر سكانها كفار تحت الذّمة، وهي حصينة وبها القمح الطيب الذي ليس مثله بسواها، ومنها يحمل إلى دهلي، وحبوبه طوال شديدة الصفرة ضخمة، ولم أر قمحا مثله إلا بأرض الصين! وتنسب هذه المدينة إلى المالوة «32» بفتح اللام، وهي قبيلة من قبائل الهنود ضخام الأجسام عظام الخلق حسان الصور، لنسائهم الجمال الفائق، وهن مشهورات بطيب الخلوة ووفور الحظ من اللّذة، وكذلك نساء المرهتة «33» ونساء جزيرة ذيبة المهل «34» !

حكاية الأمير قتم

ثم سافرنا إلى مدينة علابور «35» ، وضبط اسمها بفتح العين ولام والف وباء موحدة مضمومة وواو وراء، مدينة صغيرة أكثر سكانها الكفار تحت الذمة، وعلى مسيرة يوم منها سلطان كافر اسمه قتم بفتح القاف والتاء المعلوة، وهو سلطان جنبيل بفتح الجيم وسكون النون وكسر الباء الموحدة وباء مد ولام، الذي حاصر مدينة كيالير، وقتل بعد ذلك «36» . حكاية الأمير قتم كان هذا السلطان الكافر قد حاصر مدينة رابري «37» ، وهي على نهر الجون، كثيرة القرى والمزارع، وكان أميرها خطّاب الأفغاني، وهو أحد الشجعان، واستعان السلطان الكافر بسلطان كافر مثله يسمى رجو، بفتح الراء وضم الجيم، وبلده يسمى سلطان بور «38» ، وحاصرا مدينة ربري فبعث خطّاب إلى السلطان يطلب منه الإغاثة فأبطأ عليه المدد وهو على مسيرة أربعين من الحضرة، فخاف أن يتغلب الكفار عليه فجمع من قبيلة الأفغان نحو ثلاثمائة، ومثلهم من المماليك ونحو أربع مائة من سائر الناس، وجعلوا العمائم في أعناق خيلهم! وهي عادة أهل الهند إذا أرادوا الموت وباعوا نفوسهم من الله تعالى، وتقدّم خطّاب وقبيلته وأتبعهم سائر الناس، وفتحوا الباب عند الصبح وحملوا على الكفار حملة واحدة وكانوا نحو خمسة عشر ألفا فهزموهم، باذن الله، وقتلوا سلطانيهم قتم ورجو، وبعثوا برأسيهما إلى السلطان ولم ينج من الكفار إلا الشّريد. ذكر أمير علابور واستشهاده وكان أمير علابور بدر الحبشي من عبيد السلطان، وهو من الأبطال الذين تضرب بهم الأمثال، وكان لا يزال يغير على الكفار منفردا بنفسه فيقتل ويسبى حتى شاع خبره واشتهر أمره وهابه الكفار، وكان طويلا ضخما ياكل الشاة عن آخرها في أكلة! وأخبرت أنه كان يشرب نحو رطل ونصف من السمن بعد غذائه على عادة الحبشة

ببلادهم! وكان له ابن يدانيه في الشجاعة، فاتفق أن غار مرة في جماعة من عبيده على قرية للكفار فوقع به الفرس في مطمورة واجتمع عليه أهل القرية فضربه أحدهم بقتّارة، والقتّارة بقاف معقود وتاء معلوة، حديدة شبه سكة للحرث يدخل الرجل يده فيها فتكسو ذراعه ويفضل منها مقدار ذراعين، وضربتها لا تبقي، فقتله بتلك الضربة وقاتل عبيده أشد القتال فتغلبوا على القرية، وقتلوا رجالها وسبوا نساءها وما فيها وأخرجوا الفرس من المطمورة سالما فأتوا به ولده فكان من الاتفاق الغريب أنه ركب الفرس وتوجّه إلى دهلي فخرج عليه الكفار فقاتلهم حتى قتل وعاد الفرس إلى أصحابه فدفعوه إلى أهله فركبه صهر له فقتله الكفار عليه أيضا! ثم سافرنا إلى مدينة كاليور، وضبط اسمها بفتح الكاف المعقود وكسر اللّام وضم الياء آخر الحروف وواو وراء، ويقال فيها أيضا كيالير، وهي مدينة كبيرة لها حصن منيع منقطع في رأس شاهق على بابه صورة فيل، وفيال من الحجارة وقد مر ذكره في اسم السلطان قطب الدين «39» ، وأمير هذه المدينة أحمد بن سيرخان فاضل كان يكرمني أيام إقامتي عنده قبل هذه السفرة. ودخلت عليه يوما وهو يريد توسيط رجل من الكفار فقلت له: بالله لا تفعل ذلك، فاني ما رأيت أحدا قط يقتل بمحضري! فأمر بسجنه وكان ذلك سبب خلاصه. ثم رحلنا من مدينة كاليور إلى مدينة برون «40» ، وضبط اسمها بفتح الباء المعقودة وسكون الراء وفتح الواو وآخره نون، مدينة صغيرة للمسلمين بين بلاد الكفار، أميرها محمد بن بيرم التركي الأصل، والسباع بها كثيرة، وذكر لي بعض أهلها أن السبع كان يدخل إليها ليلا وأبوابها مغلقة فيفترس الناس حتى قتل من أهلها كثيرا وكانوا يعجبون في شأن دخوله. وأخبرني محمد التّوفيري من أهلها، وكان جارا لي بها أنه دخل داره ليلا وافترس صبيا من فوق السرير، وأخبرني غيره أنه كان مع جماعة في دار عرس فخرج أحدهم لحاجة فافترسه فخرج أصحابه في طلبه فوجدوه مطروحا بالسوق وقد شرب دمه ولم يأكل لحمه. وذكروا أنه كذلك فعله بالناس.

ذكر السحرة الجوكية

ومن العجب أن بعض الناس أخبرني أن الذي يفعل ذلك ليس بسبع وإنما هو أدمي من السّحرة المعروفين بالجوكية يتصور في صورة سبع، ولما أخبرت بذلك أنكرته، وأخبرني به جماعة ولنذكر بعضا من أخبار هؤلاء السحرة. ذكر السّحرة الجوكية «41» وهؤلاء الطائفة تظهر منهم عجائب، منها أن أحدهم يقيم الأشهر لا يأكل ولا يشرب، وكثير منهم تحفر لهم حفر تحت الأرض وتبنى عليه، فلا يترك له إلا موضع يدخل منه الهواء، ويقيم بها الشهور، وسمعت أن بعضهم يقيم كذلك سنة! ورأيت بمدينة منجرو رجلا من المسلمين ممن يتعلّم منهم قد رفعت له طبلة وأقام بأعلاها لا يأكل ولا يشرب مدة من خمسة وعشرين يوما وتركته كذلك، فلا أدري كم أقام بعدي. والناس يذكرون أنهم يركّبون حبوبا يأكلون الحبة منها لأيام معلومة أو أشهر فلا يحتاج في تلك المدة إلى طعام ولا شراب ويخبرون بأمور مغيبة والسلطان يعظمهم ويجالسهم، ومنهم من يقتصر في أكله على البقل ومنهم من لا يأكل اللحم وهم الاكثرون، والظاهر من حالهم أنهم عودوا أنفسهم الرياضة ولا حاجة لهم في الدنيا وزينتها، ومنهم من ينظر إلى الإنسان فيقع ميتا من نظرته، وتقول العامة: إنه إذا قتل بالنظر وشق عن صدر الميت وجد دون قلب! ويقولون: أكل قلبه، وأكثر ما يكون هذا في النّساء، والمرأة التي تفعل ذلك تسمى كفتار! حكاية [امرأة كفتار] لما وقعت المجاعة العظمى ببلاد الهند بسبب القحط والسلطان ببلاد التّلنك «42» نفّذ أمره أن يعطى لأهل دهلي ما يقوتهم بحساب رطل ونصف للواحد في اليوم، فجمعهم الوزير، ووزع المساكين منهم على الأمراء والقضاة ليتولّوا إطعامهم فكان عندي منهم

حكاية [سحر الجوكية]

خمسمائة نفس فعمّرت لهم سقائف في دارين وأسكنتهم بها، وكنت أعطيتهم نفقة خمسة أيام في خمسة أيام، فلما كان في بعض الأيام أتوني بمرأة منهم، وقالوا: إنها كفتار وقد أكلت قلب صبيّ كان إلى جانبها، وأتوا بالصبي ميّتا، فأمرتهم أن يذهبوا بها إلى نائب السلطان فأمر باختبارها وذلك بأن ملأوا أربع جرات بالماء وربطوها بيدها ورجليها وطرحوها في نهر الجون فلم تغرق، فعلم أنها كفتار! ولو لم تطف على الماء لم تكن بكفتار، فأمر بإحراقها بالنّار وأتى أهل البلد رجالا ونساء فأخذوا رمادها وزعموا أنه من تبخر به أمن في تلك السنة من سحر كفتار! حكاية [سحر الجوكية] بعث إلي السلطان يوما وأنا عنده بالحضرة فدخلت عليه وهو في خلوة وعنده بعض خواصه ورجلان من هؤلاء الجوكية وهم يلتحفون بالملاحف ويغطّون رؤوسهم لأنهم ينتفونها بالرماد كما ينتف الناس أباطهم. فأمرني بالجلوس فجلست، وقال لهما: إن هذا العزيز من بلاد بعيدة فأرياه ما لم يره! فقالا: نعم، فتربع أحدهما ثم ارتفع عن الأرض حتى صار في الهواء فوقنا متربعا، فعجبت منه، وأدركني الوهم فسقطت إلى الأرض! فأمر السلطان أن أسقي دواء عنده فأفقت وقعدت وهو على حاله متربع، فأخذ صاحبه نعلا من شكارة كانت معه فضرب بها الأرض كالمغتاظ فصعدت إلى أن علت فوق عنق المتربّع وجعلت تضرب في عنقه وهو ينزل قليلا حتى جلس معنا، فقال لي السلطان: إن المتربع هو تلميذ صاحب النّعل، ثم قال: لولا أني أخاف على عقلك لأمرتهم أن ياتوا بأعظم مما رأيت! فانصرفت عنه وأصابني الخفقان ومرضت حتى أمر لي بشربة أذهبن ذلك عني. ولنعد لما كنا بسبيله، فنقول: سافرنا من مدينة برون إلى منزل أمواري، ثم إلى منزل كجرّا «43» وبه حوض عظيم طوله نحو ميل وعليه الكنائس فيها الأصنام، قد مثّل بها المسلمون، وفي وسطه ثلاث قباب من الحجارة الحمر على ثلاث طباق وعلى أركانه الأربعة أربع قباب، ويسكن هنالك جماعة من الجوكية وقد لبّدوا شعورهم وطالت، حتى صارت في طولهم وغلبت عليهم صفرة الألوان من الرياضة، وكثير من المسلمين يتبعونهم ليتعلموا منهم، ويذكرون أن من كانت به عاهة من برص أو جذام يأوي إليهم مدة طويلة فيبرأ بإذن الله تعالى.

وأول ما رأيت هذه الطائفة بمحلة السلطان طرمشيرين ملك تركستان، وكانوا نحو خمسين فحفر لهم غار تحت الأرض، وكانوا مقيمين به لا يخرجون إلا لقضاء حاجة. ولهم شبه القرن يضربونه أول النهار وآخره وبعد العتمة، وشأنهم كله عجب ومنهم الرجل الذي صنع للسلطان غياث الدين الدامغاني سلطان بلاد المعبر حبوبا يأكلها تقوية على الجماع «44» ، وكان من أخلاطها برادة الحديد، فأعجبه فعلها فأكل منها أزيد من مقدار الحاجة فمات، وولي ابن أخيه ناصر الدين فأكرم هذا الجوكي ورفع قدره! ثم سافرنا إلى مدينة جنديري «45» ، وضبط اسمها بفتح الجيم المعقود وسكون النون وكسر الدال المهمل وياء مد وراء مدينة عظيمة لها أسواق حافلة يسكنها أمير أمراء تلك البلاد عز الدين البنتاني، بالباء الموحدة ثم النون ثم التاء المثناة مفتوحات ثم ألف ونون، وهو المدعوا بأعظم ملك. وكان خيّرا فاضلا يجالس أهل العلم، وممن كان يجالسه الفقيه عز الدين الزّبيري والفقيه العالم وجيه الدين البياني، نسبة إلى مدينة بيانة التي تقدم ذكرها «46» والفقيه القاضي المعروف بقاضي خاصّة، وإمامهم شمس الدين، وكان النائب عنه على أمور المخزن يسمى قمر الدين، ونائبه على أمور العسكر سعادة التّلنكي من كبار الشجعان، وبين يديه تعرض العساكر وأعظم ملك لا يظهر إلا في يوم الجمعة أو غيرها نادرا. ثم سرنا من جنديري إلى مدينة ظهار، وضبط اسمها بكسر الظاء المعجم، وهي مدينة المألوة أكبر عمالة تلك البلاد، وزرعها كثير خصوصا القمح، ومن هذه المدينة تحمل أوراق التنبول إلى دهلي وبينهما أربعة وعشرون يوما. وعلى الطريق بينهما أعمدة منقوشة عليها عدد الأميال فيما بين كلّ عمودين فإذا أراد المسافر أن يعلم عدد ما سار في يومه وما بقى له إلى المنزل أو إلى المدينة التي يقصدها قرأ النقش الذي في الأعمدة فعرفه! ومدينة ظهار اقطاع للشيخ ابراهيم الذي من أهل ذيبة المهل.

حكاية [بطيخ الشيخ ابراهيم]

حكاية [بطيخ الشيخ ابراهيم] كان هذا الشيخ إبراهيم قدم على هذه المدينة ونزل بخارجها فأحيى أرضا مواتا هنالك وصار يزدرعها بطيخا فتأتى في الغاية من الحلاوة ليس بتلك الأرض مثلها ويزرع الناس بطيخا فيما يجاوره فلا يكون مثله، وكان يطعم الفقراء والمساكين فلما قصد السلطان إلى بلاد المعبر «47» أهدى اليه هذا الشيخ بطيخا فقبله واستطابه رأقطعه مدينة ظهار، وأمره أن يعمّر زاوية بربوة تشرف عليها فعمرها أحسن عمارة وكان يطعم بها الوارد والصادر، وأقام على ذلك أعواما ثم قدم على السلطان، وحمل إليه ثلاثة عشر لكّا، فقال: هذا فضل مما كنت أطعمه الناس، وبيت المال أحق به، فقبضه منه ولم يعجب السلطان فعله لكونه جمع المال ولم ينفق جميعه في اطعام الطعام! وبهذه المدينة أراد ابن اخت الوزير خواجة جهان «48» أن يفتك بخاله ويستولي على أمواله ويسير إلى القائم ببلاد المعبر فنمى خبره إلى خاله فقبض عليه وعلى جماعة من الأمراء وبعثهم إلى السلطان فقتل الأمراء ورد ابن أخته إليه، فقتله الوزير. حكاية [ابن أخت الوزير وجاريته] ولما رد ابن أخت الوزير إليه أمر به أن يقتل كما قتل أصحابه وكانت له جارية يحبها فاستحضرها وأطعمها التّنبول وأطعمته وعانقها مودعا ثم طرح للفيلة، وسلخ جلده وملى تبنا، فلما كان من الليل خرجت الجارية من الدار فرمت بنفسها في بئر هنالك تقرب من الموضع الذي قتل فيه فوجدت ميتة من الغد فأخرجت ودفن لحمه معها في قبر واحد، وسمى ذلك قبور عاشقان، وتفسير ذلك بلسانهم قبر العاشقين. ثم سافرنا من مدينة ظهار إلى مدينة أجين، وضبط اسمها بضم الهمزة وفتح الجيم وياء نون، مدينة حسنة كثيرة العمارة وكان يسكنها الملك ناصر الدين بن عين الملك من الفضلاء الكرماء العلماء، استشهد بجزيرة سندابور حين افتتاحها، وقد زرت قبره هنالك، وسنذكره «49» ، وبهذه المدينة كان سكنى الفقيه الطبيب جمال الدين المغربي الغرناطي الأصل.

حكاية [فيران تأكل الرجال]

ثم سافرنا من مدينة أجين إلى مدينة دولة أباد «50» وهي المدينة الضخمة العظيمة الشأن الموازية لحضرة دهلي في رفعة قدرها واتساع خطتها، وهي منقسمة ثلاثة أقسام: أحدها دولة أباد وهو مختص بسكنى السلطان وعساكره، والقسم الثاني يسمى الكتكة، «51» ، بفتح الكافين والتاء المعلوة التي بينهما، والقسم الثالث قلعتها التي لا مثل لها ولا نظير في الحصانة، وتسمى الدّويقير، بضم الدال المهمل وفتح الواو وسكون الياء وقاف معقود مكسور وياء مد وراء، وبهذه المدينة سكنى الخان الأعظم قطلوخان «52» معلّم السلطان، وهو أميرها والنائب عن السلطان بها، وببلاد صاغر وبلاد التّلنك وما أضيف إلى ذلك، وعمالتها مسيرة ثلاثة أشهر عامرة كلّها لحكمه ونوابه فيها. وقلعة الدّويقر التي ذكرناها في قطعة حجر في بسيط من الأرض «53» ، قد نحتت وبنى بأعلاها قلعة يصعد إليها بسلّم مصنوع من جلود ويرفع ليلا ويسكن بها المفردون وهم الزمّاميون «54» بأولادهم، وفيها سجن أهل الجرائم العظيمة في جبوب بها وبها فيران ضخام أعظم من القطوط والقطوط تهرب منها ولا تطيق مدافعتها لأنها تغلبها! ولا تصاد إلا بحيل تدار عليها، وقد رأيتها هنالك فعجبت منها. حكاية [فيران تأكل الرجال] أخبرني الملك خطّاب الأفغاني «55» أنّه سجن مرة في جب بهذه القلعة يسمى جب الفيران، قال: فكانت تجتمع عليّ ليلا لتأكلني فأقاتلها، وألقى من ذلك جهدا، ثم إني رأيت في النوم قائلا يقول لي: اقرأ سورة الإخلاص مائة الف مرة، ويفرج الله عنك، قال: فقرأتها فلما أتممتها أخرجت.

ذكر سوق المغنين

وكان سبب خروجي أن الملك ملّ كان مسجونا في جب يجاورني فمرض وأكلت الفيران أصابعه وعينيه فمات فبلغ ذلك السلطان، فقال: أخرجوا خطّابا لئلا يتفق له مثل ذلك، وإلى هذه القلعة لجأ ناصر الدين بن الملك ملّ المذكور والقاضي جلال حين هزمهما السلطان «56» . وأهل بلاد دولة أبادهم قبيل المرهتة الذين خص الله نساءهم بالحسن وخصوصا في الأنوف والحواجب، ولهن من طيب الخلوة والمعرفة بحركات الجماع ما ليس لغيرهن «57» ، وكفار هذه المدينة أصحاب تجارات وأكثر تجاراتهم في الجوهر، وأموالهم طائلة، وهم يسمون الساهة «58» ، واحدهم ساه بإهمال السين وهم مثل الأكارم بديار مصر «59» . وبدولة أباد العنب والرمان ويثمران مرتين في السنة، وهي من أعظم البلاد مجبى وأكبرها خراجا لكثرة عمارتها واتساع عمالتها. وأخبرت أن بعض الهنود التزم مغارمها وعمالتها جميعا، وهي كما ذكرناه، مسيرة ثلاثة أشهر بسبعة عشر كرورا، والكرور مائة لكّ، واللّك مائة ألف دينار ولكنه لم يف بذلك فبقى عليه بقية وأخذ ماله وسلخ جلده. ذكر سوق المغنين وبمدينة دولةأباد سوق للمغنّين والمغنيات تسمى طرب أباد، من أجمل الأسواق وأكبرها، فيه الدكاكين الكثيرة، كلّ دكان له باب يفضي إلى دار صاحبه، وللدار باب سوى ذلك! والحانوت مزين بالفرش، وفي وسطه شكل مهد كبير تجلس فيه المغنية أو ترقد، وهي متزيّنة بأنواع الحلي وجواريها يحركن مهدها. وفي وسط السوق قبّة عظيمة مفروشة مزخرفة يجلس فيها أمير المطربين بعد صلاة العصر من يوم كلّ خمسين، وبين يديه خدامه ومماليكه وتأتي المغنيات طائفة بعد أخرى فيغنين

الطرب والغناء- عن فن التصوير عند العرب- وزارة الاعلام- بغداد 1973

بين يديه ويرقصن إلى وقت المغرب ثم ينصرف وفي تلك السوق المساجد للصلاة، ويصلي الئمة فيها التّراويح في شهر رمضان، وكان بعض سلاطين الكفار بالهند إذا مر بهذه السوق ينزل بقبتها، ويغني المغنيات بين يديه، وقد فعل ذلك بعض سلاطين المسلمين أيضا. ثم سافرنا إلى مدينة نذربار «60» ، وضبط اسمها بنون وبذال معجم مفتوحين وراء مسكن وباء موحدة مفتوحة وألف وراء، مدينة صغيرة يسكنها المرهتة وهم أهل الاتقان في الصنائع والأطباء والمنجمون، وشرفاء المرهتة هم البراهمة وهم الكتريون «61» أيضا، وأكلهم الأرز والخضر ودهن السمسم، ولا يرون بتعذيب الحيوان ولا ذبحه ويغتسلون للأكل كغسل الجنابة، ولا ينكحون في أقاربهم إلا فيمن كان بينهم وبينه سبعة أجداد، ولا يشربون الخمر وهي عندهم أعظم المعايب وكذلك هي ببلاد الهند عند المسلمين، ومن شربها من مسلم جلد ثمانين جلدة، وسجن في مطمورة ثلاثة أشهر لا تفتح عليه إلا حين طعامه، ثم سافرنا من هذه المدينة إلى مدينة صاغر، وضبط اسمها بفتح الصاد المهمل وفتح الغين المعجم وآخره راء، وهي مدينة كبيرة على نهر كبير يسمى أيضا صاغر «62» كإسمها، وعليه النواعير، والبساتين فيها العنبا والموز وقصب السّكّر، وأهل هذه المدينة أهل صلاح ودين وأمانة، وأحوالهم كلها مرضية ولهم بساتين فيها الزوايا للوارد والصادر، وكل من يبني زاوية يحبس البستان عليها ويجعل النظر فيه لأولاده، فإن انقرضوا عاد النظر للقضاة. والعمارة بها كثيرة والناس يقصدونها للتبرك بأهلها ولكونها محررة من المغارم والوظائف. ثم سافرنا من صاغر المذكورة إلى مدينة كنباية «63» ، وضبط اسمها بكسر الكاف وسكون النون وفتح الباء الموحدة وألف وياء آخر الحروف مفتوحة، وهي على خور من البحر وهو شبه الوادي تدخله المراكب، وبه المد والجزر وعاينت المراكب به مرساة في الوحل حين الجزر فإذا كان المد عامت في الماء.

حكاية [الثلاثة المخالفين]

وهذه المدينة من أحسن المدن في إتقان البناء وعمارة المساجد، وسبب ذلك أن اكثر سكانها التّجار الغرباء فهم أبدا يبنون بها الديار الحسنة والمساجد العجيبة ويتنافسون في ذلك، ومن الديار العظيمة بها دار الشريف السامريّ الذي اتفقت لي معه قضية الحلواء وكذّبه ملك النّدماء «64» ، ولم أر قط أضخم من الخشب الذي رأيته بهذه الدار، وبابها كأنه باب مدينة، والى جانبها مسجد عظيم يعرف باسمه ومنها دار ملك التجار الكازروني، وإلى جانبها مسجده، ومنها دار التاجر شمس الدين كلاه دوز ومعناه خياط الشواشي. حكاية [الثلاثة المخالفين] ولما وقع ما قدمناه من مخالفة القاضي جلال الأفغاني أراد شمس الدين المذكور والناخوذة إلياس، وكان من كبار أهل هذه المدينة، وملك الحكماء الذي تقدم ذكره «65» ، على ان يمتنعوا منه بهذه المدينة، وشرعوا في حفر خندق عليها إذ لا سور لها فتغلب عليهم ودخلها واختفى الثلاثة المذكورون في دار واحدة وخافوا أن يتطلع عليهم فاتفقوا على أن يقتلوا أنفسهم، فضرب كل واحد منهم صاحبه بقتّارة، وقد ذكرنا صفتها «66» ، فمات اثنان منهم، ولم يمت ملك الحكماء. وكان من كبار التجار أيضا بها نجم الدين الجيلاني وكان حسن الصورة كثير المال وبنى بها دارا عظيمة ومسجدا ثم بعث السلطان عنه وأمّره عليها وأعطاه المراتب «67» . فكان ذلك سبب تلف نفسه وماله. وكان أمير كنباية حين وصولنا اليها مقبل التلنكي، وهو كبير المنزلة عند السلطان «68» . وكان في صحبته الشيخ زاده الأصبهاني نائبا عنه في جميع أموره، وهذا الشيخ له أموال عظيمة وعنده معرفة بأمور السلطنة، ولا يزال يبعث الأموال إلى بلاده ويتحيل في الفرار، وبلغ خبره إلى السلطان وذكر عنه أنه يروم الهروب فكتب إلى مقبل أن يبعثه على البريد وأحضر بين يدي السلطان ووكّل به، والعادة عنده أنه متى وكّل بأحد فقلّما ينجو! فاتفق هذا الشيخ مع الموكّل به على مال يعطيه إياه وهربا جميعا، وذكر لي أحد الثقات أنه رآه في ركن مسجد بمدينة قلهات «69» ، وأنه وصل بعد ذلك إلى بلاده وحصل على أمواله وأمن مما كان يخافه.

حكاية [الأعورين]

حكاية [الأعورين] واضافنا الملك مقبل يوما بداره فكان من النادر أن جلس قاضي المدينة، وهو أعور العين اليمنى، وفي مقابلته شريف بغدادي شديد الشبه به في صورته وعوره، إلا أنه أعور اليسرى! فجعل الشريف ينظر إلى القاضي ويضحك، فزجره القاضي، فقال له: لا تزجرني فاني أحسن منك، قال: كيف ذلك؟ قال لأنك أعور اليمنى وأنا أعور اليسرى! فضحك الأمير والحاضرون وخجل القاضي ولم يستطع أن يرد عليه، لأن الشرفاء ببلاد الهند معظّمون أشدّ التعظيم. وكان بهذه المدينة من الصالحين الحاج ناصر من أهل ديار بكر وسكناه بقبة من قباب الجامع دخلنا إليه وأكلنا من طعامه، واتّفق له لما دخل القاضي جلال مدينة كنباية حين خلافه أنه أتاه، وذكر للسلطان أنه دعا له، فهرب لئيلا يقتل كما قتل الحيدري «70» . وكان بها أيضا من الصالحين التاجر خواجة إسحاق، وله زاوية يطعم فيها الوارد والصادر، وينفق على الفقراء والمساكين، وماله على هذا ينمّي ويزيد كثرة. وسافرنا من هذه المدينة يعني كنباية إلى بلدة كاوي «71» ، وهي على خور فيه المد والجزر وهي من بلاد الريّ جالنسي الكافر وسنذكره، وسافرنا منها إلى مدينة قندهار «72» وضبط اسمها بفتح القاف وسكون النون وفتح الدال المهمل وهاء والف وراء، وهي مدينة كبيرة للكفار على خور من البحر. ذكر سلطانها (قندهار) وسلطان قندهار كافر اسمه جالنسي «73» بفتح الجيم واللام وسكون النون وكسر السين المهمل، وهو تحت حكم الاسلام ويعطي لملك الهند هدية كلّ عام، ولما وصلنا إلى قندهار خرج إلى استقبالنا وعظّمنا أشد التعظيم وخرج عن قصره فأنزلنا به، وجاء إلينا من

ذكر ركوبنا البحر

عنده من كبار المسلمين، كأولاد خواجة بهرة «74» ، ومنهم الناخودة ابراهيم له ستة من المراكب مختصة له، ومن هذه المدينة ركبنا البحر. ذكر ركوبنا البحر «75» وركبنا في مركب لابراهيم المذكور يسمى الجاكر، بفتح الجيم والكاف المعقودة، وجعلنا فيه من خيل الهدية سبعين فرسا، وجعلنا باقيها مع خيل أصحابنا في مركب لأخي ابراهيم المذكور يسمى منورت، بفتح الميم ونون وواو مد وراء مسكن وتاء معلوة، وأعطانا جالنسي مركبا جعلنا فيه خيل ظهير الدين وسنبل وأصحابهما، وجهز لنا بالماء والزاد والعلف وبعث ولده في مركب يسمى العكيري، بضم العين المهمل وفتح الكاف وسكون الياء وراء، وهو شبه الغراب، الا أنه أوسع منه، وفيه ستون مجذافا ويسقّف حين القتال حتى لا ينال الجذافين شيء من السّهم ولا الحجارة، وكان ركوبي أنا في الجاكر وكان فيه خمسون راميا وخمسون من المقاتلة الحبشة، وهم زعماء هذا البحر، واذا كان بالمركب أحد منهم تحاماه لصوص الهنود وكفارهم. ووصلنا بعد يومين إلى جزيرة بيرم «76» ، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة وسكون الياء وفتح الراء، وهي خالية وبينها وبين البر أربعة أميال فنزلنا بها واستقينا الماء من حوض بها، وسبب خرابها أن المسلمين دخلوها على الكفار فلم تعمر بعد! وكان ملك التجار الذي تقدم ذكره أراد عمارتها وبنى سورها، وجعل بها المجانيق وأسكن بها بعض المسلمين. ثم سافرنا منها ووصلنا في اليوم الثاني إلى مدينة قوقة، وهي بضم القاف الأولى وفتح الثانية، وهي مدينة كبيرة عظيمة الأسواق «77» أرسينا على أربعة أميال منها بسبب

ذكر سلطانها

الجزر، ونزلت في عشاري مع بعض اصحابي حين الجزر لأدخل اليها فوحل العشاري في الطين، وبقى بيننا وبين البلد نحو ميل فكنت لما نزلنا في الوحل أتوكأ على رجلين من أصحابي، وخوّفني الناس من وصول المد قبل وصولي اليها وأنا لا أحسن السباحة، ثم وصلت إليها وطفت باسواقها، ورأيت بها مسجدا ينسب للخضر وإلياس عليهما السلام، صليت به المغرب، ووجدت به جماعة من الفقراء الحيدرية مع شيخ لهم ثم عدت إلى المركب «78» . ذكر سلطانها وسلطانها كافر يسمى دنكول بضم الدال المهمل وسكون النون وضم الكاف وواو ولام، وكان يظهر الطاعة لملك الهند وهو في الحقيقة عاص، ولما أقلعنا عن هذه المدينة وصلنا بعد ثلاثة أيام إلى جزيرة سندابور وضبط اسمها بفتح السين المهمل وسكون النون وفتح الدال المهمل والف وباء موحدة وواو مد وراء، وهي جزيرة في وسطها ست وثلاثون قرية «79» ، ويدور بها خور واذا كان الجزر فماؤها عذب طيب، وإذا كان المد فهو ملح أجاج، وفي وسطها مدينتان إحداهما قديمة من بناء الكفار، والثانية بناها المسلمون عند استفتاحهم لهذه الجزيرة الفتح الأول، وفيها مسجد جامع عظيم يشبه مساجد بغداد عمّره الناخودة حسن والد السلطان جمال الدين محمد الهنوري، وسياتي ذكره وذكر حضوري معه لفتح هذه الجزيرة الفتح الثاني إن شاء الله «80» ، وتجاوزنا هذه الجزيرة لما مررنا بها ورسينا على جزيرة صغيرة قريبة من البر «81» فيها كنيسة وبستان وحوض ماء ووجدنا فيها أحد الجوكية. حكاية هذا الجوكي ولما نزلنا بهذه الجزيرة الصغرى وجدنا بها جوكيا مستندا إلى حائط بدخانة، وهي بيت الاصنام، وهو فيما بين صنمين منها وعليه أثر المجاهدة فكلّمناه فلم يتكلم، ونظرنا: هل معه طعام فلم نر معه طعاما، وفي حين نظرنا صاح صيحة عظيمة فسقطت عند صياحه

نموذج من الفن التصويري عند العرب، تذكرنا بالكثير من المشاهد التي يصفها اين بطوطة في رحلته مشهد المركب من إحدى مقامات الحريري (446- 516- 12221104)

جوزة من جوز النارجيل بين يديه، ودفعها لنا فعجبنا من ذلك ودفعنا له دنانير ودراهم، فلم يقبلها وأتيناه بزاد فردّه. وكانت بين يديه عباءة من صوف الجمال مطروحة فقلّبتها بيدي فدفعها لي، وكانت بيدي سبحة زيلع «82» فقلّبها في يدي فأعطيته إياها، ففركها بيده وشمها وقبّلها، وأشار إلى السماء ثم إلى سمت القبلة، فلم يفهم أصحابي إشارته، وفهمت أنا عنه أنه أشار أنّه مسلم يخفي إسلامه من أهل تلك الجزيرة، ويتعيش من تلك الجوز، ولمّا وادعناه قبلت يده فأنكر أصحابي ذلك ففهم إنكارهم فأخذ يدي وقبّلها وتبسّم وأشار لنا بالانصراف فانصرفنا وكنت آخر أصحابي خروجا، فجذب ثوبي فرددت رأسي إليه، فأعطاني عشرة دنانير، فلما خرجنا عنه قال لي أصحابي: لم جذبك؟ فقلت لهم: أعطاني هذه الدنانير، وأعطيت لظهير الدين ثلاثة منها ولسنبل ثلاثة، وقلت لهما: الرجل مسلم، ألا ترون كيف أشار إلى السماء؟ يشير إلى أنه يعرف الله تعالى، وأشار إلى القبلة يشير إلى معرفة الرسول عليه السلام وأخذه السبحة يصدّق ذلك، فرجعا لما قلت لهما ذلك إليه، فلم يجداه وسافرنا في تلك الساعة. وبالغد وصلنا إلى مدينة هنور «83» ، وضبط اسمها بكسر الهاء وفتح النون وسكون الواو وراء، وهي على خور كبيرة تدخله المراكب الكبار، والمدينة على نصف ميل من البحر وفي أيام البشكال، وهو المطر، يشتد هيجان هذا البحر وطغيانه فيبقى مدّة أربعة أشهر لا يستطيع أحد ركوبه إلا للصيد فيه، وفي يوم وصولنا إليها جاءني أحد الجوكية من الهنود في خلوة وأعطاني ستة دنانير، وقال لي: البرهمي بعثها إليك، يعني الجوكي الذي أعطيته السبحة وأعطاني الدنانير فأخذتها منه وأعطيته دينارا منها فلم يقبله وانصرف، وأخبرت أصحابي بالقضية وقلت لهما: إن شئتما نصيبكما منها، فأبيا، وجعلا يعجبان من شأنه، وقالا لي: إن الدنانير الستة التي أعطيتنا إياها جعلنا معها مثلها وتركناها بين الصنمين حيث وجدناه، فطال عجبي من أمره واحتفظت بتلك الدنانير التي أعطانيها. واهل مدينة هنّور شافعية المذهب، لهم صلاح ودين وجهاد في البحر وقوة، وبذلك عرفوا حتى أذلهم الزمان بعد فتحهم لسندابور، وسنذكر ذلك، ولقيت من المتعبدين بهذه المدينة الشيخ محمد الناقوري أضافني بزاويته. وكان يطبخ الطعام بيده استقذارا للجارية

ذكر سلطان هنور.

والغلام! ولقيت بها الفقيه اسماعيل معلم كتاب الله تعالى وهو ورع حسن الخلق كريم النفس والقاضي بها نور الدين عليّا والخطيب، ولا أذكر اسمه. ونساء هذه المدينة وجميع هذه البلاد الساحلية لا يلبس المخيط، «84» إنما يلبسن ثيابا غير مخيطة تحتزم إحداهن بأحد طرفي الثوب وتجعل باقية على رأسها وصدرها، ولهن جمال وعفاف، وتجعل إحداهن خرص ذهب في أنفها «85» . ومن خصائصهن أنهنّ جميعا يحفظن القرآن العظيم، ورأيت بالمدينة ثلاثة عشر مكتبا لتعليم البنات وثلاثة وعشرين لتعليم الأولاد ولم أر ذلك في سواها. ومعاش أهلها من التجار في البحر ولا زرع لهم، وأهل بلاد المليبار يعطون للسلطان جمال الدين في كلّ عام شيئا معلوما خوفا منه لقوته في البحر، وعسكره نحو ستة آلاف بين فرسان ورجالة. ذكر سلطان هنّور. وهو السلطان جمال الدين محمد بن حسن «86» من خيار السلاطين وكبارهم، وهو تحت حكم سلطان كافر يسمى هريب، سنذكره «87» ، والسلطان جمال الدين مواظب للصلاة في الجماعة، وعادته أن يأتي إلى المسجد قبل الصبح فيتلو في المصحف حتى يطلع الفجر فيصلي أول الوقت ثم يركب إلى خارج المدينة، وياتي عند الضحى فيبدأ بالمسجد فيركع فيه ثم يدخل إلى قصره وهو يصوم الأيام البيض «88» وكان أيام إقامتي عنده يدعوني للافطار

ذكر ترتيب طعامه

معه فاحضر لذلك ويحضر الفقيه علي والفقيه اسماعيل فتوضع أربع كراسي صغار على الأرض فيقعد على أحدها ويقعد كل واحد منا على كرسي. ذكر ترتيب طعامه وترتيبه أن يوتي بمائدة نحاس يسمونها خونجة «89» ويجعل عليها طبق نحاس يسمونه الطّالم، بفتح الطاء المهمل وفتح اللام، وتاتي جارية حسنة ملتحفة بثوب حرير فتقدّم قدور الطعام بين يديه، ومعها مغرفة نحاس كبيرة فتغرف بها من الأرز مغرفة واحدة وتجعلها في الطّالم وتصب فوقها السمن، وتجعل مع ذلك عناقيد الفلفل المملوح والزّنجبيل الأخضر والليمون المملوح والعنبا، فيأكل الانسان لقمة ويتبعها بشيء من تلك الموالح، فإذا تمت الغرفة التي جعلتها في الطالم غرفت غرفة أخرى من الأرز وأفرغت دجاجة مطبوخة في سكرجة فيوكل بها الأرز أيضا فإذا تمت المغرفة الثانية غرفت وأفرغت لونا آخر من الدجاج توكل به، فإذا تمت ألوان الدجاج أتوا بألوان من السّمك فيأكلون بها الأرز أيضا، فإذا فرغت ألوان السمك أتوا بالخضر مطبوخة بالسمن والألبان فيأكلون بها الأرز، فإذا فرغ ذلك كلّه أتوا بالكوشان وهو اللبن الرائب وبه يختمون إطعامهم فإذا وضع علم أنه لم يبق شيء يوكل بعده، ثم يشربون على ذلك الماء السخن لأن الماء البارد يضرّ بهم في فصل نزول المطر. ولقد أقمت عند هذا السلطان في كرة أخرى أحد عشر شهرا لم آكل خبزا، إنما طعامهم الأرز وبقيت أيضا بجزائر المهل وسيلان وبلاد المعبر والمليبار «90» ثلاث سنين لا آكل فيها إلا الأرز حتى كنت لا استسغيه إلا بالماء. ولباس هذا السلطان ملاحف الحرير والكتان الرقاق يشدّ في وسطه فوطة، ويلتحف ملحفتين إحداهما فوق الأخرى ويعقد شعره ويلف عليه عمامة صغيرة، وإذا ركب لبس قباد والتحف بملحفتين فوقه، وتضرب بين يديه طبول وأبواق يحملها الرجال. وكانت إقامتنا عنده في هذه المرة ثلاثة أيام وزوّدنا وسافرنا عنه، وبعد ثلاثة أيام وصلنا إلى بلاد المليبار بضم الميم وفتح اللام وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة

وألف وراء، وهي بلاد الفلفل، وطولها مسيرة شهرين على ساحل البحر من سندابور إلى كولم، والطريق في جميعها بين ظلال الأشجار، وفي كل نصف ميل بيت من الخشب فيه دكاكين يقعد عليها كلّ وارد وصادر، من مسلم أو كافر وعند كل بيت منها بئر يشرب منها، ورجل كافر موكل بها، فمن كان كافرا يسقاه في الأواني ومن كان مسلما يسقاه في يديه ولا يزال يصب له حتى يشير له أو يكف، وعادة الكفار ببلاد المليبار أن لا يدخل المسلم دورهم ولا يطعم في آنيتهم، فإن طعم فيها كسّروها أو أعطوها للمسلمين، وإذا دخل المسلم موضعا منها لا يكون فيه دار للمسلمين، طبخوا له الطعام وصبّوه له على أوراق الموز وصبّوا عليه الإدام، وما فضل عنه يأكله الكلاب والطير. وفي جميع المنازل بهذا الطريق ديار المسلمين ينزل عندهم المسلمون فيبيعون منهم جميع ما يحتاجون إليه، ويطبخون لهم الطعام، ولولاهم لما سافر فيه مسلم، وهذا الطريق الذي ذكرنا أنّه مسيرة شهرين ليس فيه موضع شبر فما فوق دون عمارة، وكلّ إنسان له بستانه على حدة وداره في وسطه وعلى الجميع حائط خشب، والطريق يمر في البساتين فإذا انتهى إلى حائط بستان كان هناك درج خشب يصعد عليها ودرج آخر ينزل عليها ودرج آخر ينزل عليها إلى البستان الآخر، هكذا مسيرة الشهرين! ولا يسافر أحد في تلك البلاد بدابّة ولا تكون الخيل إلا عند السلطان، وأكثر ركوب أهلها في دولة على رقاب العبيد أو المستأجرين، ومن لم يركب في دولة مشى على قدميه كائنا من كان، ومن كان له رحل أو متاع من تجارة وسواها اكترى رجالا يحملونه على ظهورهم فترى هنالك التاجر ومعه المائة فما دونها أو فوقها يحملون أمتعتهم، وبيد كلّ واحد منهم عود غليظ له زجّ حديد، وفي أعلاه مخطاف حديد، فإذا أعيا ولم يجد دكّانة يستريح عليها ركز عوده بالأرض وعلّق حمله منه، فإذا استراح أخذ حمله من غير معين ومضى به. ولم أر طريقا آمن من هذا الطريق، وهم يقتلون السارق على الجوزة الواحدة، فإذا سقط شيء من الثمار لم يلتقطه أحد حتى ياخذه صاحبه! وأخبرت أن بعض الهنود مرّوا على الطريق فالتقط أحدهم جوزة، وبلغ خبره إلى الحاكم فأمر بعود فركز في الأرض وبري طرفه الأعلى وأدخل في لوح خشب حتى برز منه، ومدّ الرجل على اللوح وركز في العود وهو على بطنه حتى خرج من ظهره وترك عبرة للناظرين! ومن هذه العيدان على هذه الصورة بتلك الطرق كثير ليراها الناس فيتعظوا، ولقد كنا نلقى الكفار بالليل في هذه الطريق فإذا رأونا تنحوا عن الطريق حتى نجوز، والمسلمون أعزّ الناس بها غير أنهم كما ذكرناه لا يؤاكلونهم ولا يدخلونهم دورهم.

كيف يحمل الناس على الدّولة

ذكر الفلفل

وفي بلاد المليبار اثنا عشر سلطانا من الكفار «91» ، منهم القوي الذي يبلغ عسكره خمسين ألفا، ومنهم الضعيف الذي عسكره ثلاثة آلاف، ولا فتنة بينهم البتّة، ولا يطمع القوي منهم في انتزاع ما بيد الضعيف، وبين بلاد أحدهم وصاحبه باب خشب منقوش فيه اسم الذي هو مبدأ عمالته، ويسمونه: باب أمان فلان، وإذا فرّ مسلم أو كافر بسبب جناية من بلاد أحدهم ووصل باب أمان الآخر أمن على نفسه، ولم يستطع الذي هرب عنه أخذه وإن كان القوي صاحب العدد والجيوش. وسلاطين تلك البلاد يورثون ابن الأخت ملكهم «92» دون أولادهم، ولم أر من يفعل ذلك إلا مسوّفة أهل اللثام وسنذكرهم فيما بعد «93» ، فإذا أراد السلطان من أهل بلاد المليبار منع الناس من البيع والشراء أمر بعض غلمانه فعلق على الحوانيت بعض أغصان الأشجار بأوراقها فلا يبيع أحد ولا يشتري ما دامت عليها تلك الأغصان. ذكر الفلفل وشجرات الفلفل «94» شبيهة بدوالي العنب، وهم يغرسونها إزاء النارجيل فتصعد فيها كصعود الدوالي إلا أنها ليس لها عسلوح وهو الغزل كما للدوالي، وأوراق شجره تشبه

ذكر سلطانها

آذان الخيل، وبعضها يشبه أوراق العلّيق، ويثمر عناقيد صغارا حبّها كحبّ أبي قنينة «95» إذا كانت خضرا، وإذا كان أوان الخريف قطفوه وفرشوه على الحصر في الشمس، كما يصنع بالعنب عند تزبيبه ولا يزالون يقلّبونه حتى يستحكم يبسه ويسودّ ثم يبيعونه من التجار، والعامة ببلادنا يزعمون أنهم يقلونه بالنار! وبسبب ذلك يحدث فيه التكريش، وليس كذلك، وإنما يحدث ذلك بالشمس، ولقد رأيته بمدينة قالقوط يصبّ للكيل كالذّرة ببلادنا. وأول مدينة دخلناها من بلاد المليبار مدينة أبي سرور «96» ، بفتح السين، وهي صغيرة على خور كبير كثيرة أشجار النّارجيل، وكبير المسلمين بها الشيخ جمعة المعروف بأبي ستة أحد الكرماء، أنفق أمواله على الفقراء والمساكين حتى نفدت. وبعد يومين منها وصلنا إلى مدينة فاكنور «97» ، وضبط اسمها بفتح الفاء والكاف والنون وآخره راء، مدينة كبيرة على خور، بها قصب السكّر الكثير الطيب الذي لا مثل له بتلك البلاد، وبها جماعة من المسلمين يسمّى كبيرهم بحسين السلاط، وبها قاض وخطيب، وعمّر بها حسين المذكور مسجدا لاقامة الجمعة. ذكر سلطانها وسلطان فاكنور كافر اسمه باسدو «98» ، بفتح الباء الموحدة والسين المهمل والدال المهمل وسكون الواو، وله نحو ثلاثين مركبا حربية، قائدها مسلم يسمى لولا، وكان من المفسدين يقطع بالبحر ويسلب التجار، ولما أرسينا على فاكنور بعث سلطانها إلينا ولده فأقام بالمركب كالرهينة، ونزلنا إليه فأضافنا ثلاثا بأحسن ضيافة تعظيما لسلطان الهند وقياما بحقه ورغبة فيما يستفيده في التجارة مع أهل مراكبنا. ومن عادتهم هنالك أن كل مركب يمر ببلد فلا بد من إرسائه بها وإعطائه هدية لصاحب البلد يسمونها حق البندر، ومن لم يفعل ذلك خرجوا في اتباعه بمراكبهم وأدخلوه المرسى قهرا وضاعفوا عليه المغرم، ومنعوه عن السفر ما شاءوا.

ذكر سلطانها

وسافرنا منها فوصلنا بعد ثلاثة أيام إلى مدينة منجرور «99» ، وضبط اسمها بفتح الميم وسكون النون وفتح الجيم وضم الراء، وواو وراء ثانية، مدينة كبيرة على خور يسمى خور الذّنب، بضم الدال المهمل وسكون النون وباء موحدة، وهو أكبر خور (100) ببلاد المليبار وبهذه المدينة ينزل معظم تجار فارس واليمن، والفلفل والزنجبيل بها كثير جدا. ذكر سلطانها وهو من أكبر سلاطين تلك البلاد، واسمه رام دو «101» بفتح الراء والميم والدال المهمل وسكون الواو، وبها نحو اربعة آلاف من المسلمين يسكنون ربضا بناحية المدينة، وبما وقعت الحرب بينهم وبين أهل المدينة فيصلح السلطان بينهم لحاجته إلى التجار، وبها قاض من الفضلاء الكرماء شافعي المذهب يسمى بدر الدين المعبري وهو يقرئ العلم صعد الينا إلى المركب ورغب في النزول إلى بلده، فقلنا حتى يبعث السلطان ولده يقيم بالمركب، فقال: إنما فعل ذلك سلطان فاكنور لانه لا قوة للمسلمين في بلده، وأما نحن فالسلطان يخافنا فأبينا عليه إلا إن بعث السلطان ولده، فبعث ولده كما فعل الآخر، ونزلنا اليهم وأكرمونا إكراما عظيما وأقمنا عندهم ثلاثة أيام. ثم سافرنا إلى مدينة هيلي «102» ، فوصلنا بعد يومين، وضبط اسمها بهاء مكسورة وياء مد ولام مكسورة، وهي كبيرة حسنة العمارة على خور عظيم تدخله المراكب الكبار، وإلى هذه المدينة تنتهي مراكب الصين ولا تدخل الّا مرساها ومرسى كولم، وقالقوط.

ومدينة هيلي معظمة عند المسلمين والكفّار بسبب مسجدها الجامع، فإنه عظيم البركة مشرق النور «103» ، وركاب البحر ينذرون له النذور الكثيرة، وله خزانة مال عظيمة تحت نظر الخطيب حسين، وحسن الوزان كبير المسلمين وبهذا المسجد جماعة من الطلبة يتعلمون العلم ولهم مرتبات من مال المسجد، وله مطبخة يصنع فيها الطعام للوارد والصادر ولإطعام الفقراء من المسلمين بها. ولقيت بهذا المسجد فقيها صالحا من أهل مقدشو «104» يسمى سعيدا، حسن اللقاء والخلق يسرد الصوم، وذكر لي أنه جاور بمكة أربع عشرة سنة ومثلها بالمدينة وأدرك الأمير بمكة أبا نمّى «105» ، والامير بالمدينة منصور بن جمّاز وسافر في بلاد الهند والصين. ثم سافرنا من هلي إلى مدينة جرفتّن «106» ، وضبط اسمها بضم الجيم وسكون الراء وفتح الفاء وفتح التاء المعلوة وتشديدها وآخره نون، وبينها وبين هيلي ثلاثة فراسخ، ولقيت بها فقيها من اهل بغداد كبير القدر يعرف بالصّرصرى «107» نسبة إلى بلدة على مسافة عشرة أميال من بغداد في طريق الكوفة، واسمها كإسم صرصر التي عندنا بالمغرب، وكان له أخ بهذه المدينة كثير المال له أولاد صغار أوصى إليه بهم، وتركته آخذا في حملهم إلى بغداد،

ذكر سلطانها

وعادة اهل الهند كعادة السودان لا يتعرضون لمال الميّت ولو ترك الآلاف، وإنما يبقى ماله بيد كبير المسلمين حتى يأخذه مستحقه شرعا. ذكر سلطانها وهو يسمى بكويل «108» ، بضم الكاف، على لفظ التصغير وهو من أكبر سلاطين المليبار، وله مراكب كثيرة تسافر إلى عمان وفارس واليمن، ومن بلاده ده فتّن وبد فتّن وسنذكرهما. وسرنا من جرفتّن إلى مدينة ده فتّن «109» ، بفتح الدال المهمل وسكون الهاء، وقد ذكرنا ضبط فتّن، وهي مدينة كبيرة على خور كثيرة البساتين، وبها النارجيل والفلفل والفوفل والتنبول، وبها القلقاص «110» الكثير، ويطبخون به اللحم، وأمّا الموز فلم أر في البلاد أكثر منه بها ولا أرخص ثمنا. وفيها البائن «111» الأعظم طوله خمسمائة خطوة وعرضه ثلاثمائة خطوة وهو مطوى بالحجارة الحمر المنحوتة وعلى جوانبه ثمان وعشرون قبة من الحجر، في كل قبة أربع مجالس من الحجر، وكل قبة يصعد إليها على درج حجارة، وفي وسطه قبّة كبيرة من ثلاث طبقات في كلّ طبقة أربع مجالس. وذكر لي أن والد هذا السلطان كويل هو الذي عمر هذا البائن، وبإزائه مسجد جامع للمسلمين وله أدراج ينزل منها اليه فيتوضأ منه الناس ويغتسلون، وحدثني الفقيه حسين أن

ذكر الشجرة العجيبة الشأن التي بإزاء الجامع

الذي عمر المسجد والبائن أيضا هو أحد أجداد كويل وأنه كان مسلما «112» ولإسلامه خبر عجيب، نذكره. ذكر الشجرة العجيبة الشأن التي بإزاء الجامع ورأيت إزاء الجامع شجرة خضراء ناعمة تشبه أوراقها أوراق التين إلا أنها لينة وعليها حائط يطيف بها، وعندها محراب صليت فيه ركعتين، واسم هذه الشجرة عندهم درخت الشهادة، ودرخت بفتح الدال المهمل والراء وسكون الخاء المعجم وتاء معلوة، وأخبرت هنالك أنه إذا كان زمان الخريف من كل سنة تسقط من هذه الشجرة ورقة واحدة بعد أن يستحيل لونها إلى الصفرة، ثم إلى الحمرة ويكون فيها مكتوبا بقلم القدرة (لا إلاه إلا الله محمد رسول الله) ، وأخبرني الفقيه حسين وجماعة من الثقات أنهم عاينوا هذه الورقة، وقرأوا المكتوب الذي فيها، وأخبرني أنه إذا كانت أيام سقوطها قعد تحتها الثقات من المسلمين والكفار، فإذا سقطت أخذ المسلمون نصفها، وجعل نصفها في خزانة السلطان الكافر، وهم يستشفون بها للمرضى. وهذه «113» الشجرة كانت سبب إسلام جد كويل الذي عمّر المسجد والبائن فانه كان يقرأ الخط العربي فلما قرأها، وفهم ما فيها أسلم وحسن إسلامه، وحكايته عندهم متواترة. وحدثني الفقيه حسين أن أحد أولاده كفر بعد أبيه وطغى وأمر باقتلاع الشجرة من أصلها فاقتلعت ولم يترك لها أثر، ثم إنها نبتت بعد ذلك وعادت كأحسن ما كانت عليه وهلك الكافر سريعا. ثم سافرنا إلى مدينة بدفتّن «114» ، وهي مدينة كبيرة على خور كبير وبخارجها مسجد بمقربة من البحر يأوي اليه غرباء المسلمين لانه لا مسلم بهذه المدينة، ومرساها من

حكاية [مسجد بدفتن]

أحسن المراسي وماؤها عذب، والفوفل بها كثير ومنها يحمل للهند والصين وأكثر أهلها براهمة وهم معظمون عند الكفار مبغضون في المسلمين ولذلك ليس بينهم مسلم. حكاية [مسجد بدفتّن] أخبرت أن سبب تركهم هذا المسجد غير مهدوم أن أحد البراهمة خرب سقفه ليصنع منه سقفا لبيته فاشتعلت النار في بيته فاحترق هو وأولاده ومتاعه! فاحترموا هذا المسجد ولم يعرضوا له بسوء بعدها وخدموه وجعلوا بخارجه الماء يشرب منه الصادر والوارد، وجعلوا على بابه شبكة لئلا يدخله الطير. ثم سافرنا من المدينة بدفتّن إلى مدينة فندرينا «115» ، وضبط اسمها بفاء مفتوح ونون ساكن ودال مهمل وراء مفتوحين وياء آخر الحروف، مدينة كبيرة حسنة ذات بساتين وأسواق، وبها للمسلمين ثلاث محلات، في كل محلة مسجد، والجامع بها على الساحل وهو عجيب له مناظر ومجالس على البحر، وقاضيها وخطيبها رجل من أهل عمان وله أخ فاضل، وبهذه البلدة تشتو مراكب الصين ... ثم سافرنا منها إلى مدينة قالقوط «116» ، وضبط اسمها بقافين وكسر اللام وضم

ذكر سلطانها

القاف الثاني وآخره طاء مهمل، وهي إحدى البنادر العظام ببلاد المليبار، يقصدها أهل الصين والجاوة، وسيلان، والمهل، وأهل اليمن وفارس ويجتمع بها تجار الآفاق. ومرساها من أعظم مراسي الدنيا «117» . ذكر سلطانها وسلطانها كافر يعرف بالسّامري «118» شيخ السّن، يحلق لحيته كما يفعل طائفة من الروم، رأيته بها، وسنذكره إن شاء الله، وأمير التجار بها إبراهيم شاه بندر «119» من أهل البحرين فاضل ذو مكارم يجتمع اليه التجار ويأكلون في سماطه، وقاضيها فخر الدين عثمان فاضل كريم، وصاحب الزاوية بها الشيخ شهاب الدين الكازروني، وله تعطى النّذور التي ينذر بها أهل الهند والصين للشيخ أبي إسحاق الكازروني «120» ، نفع الله به، وبهذه المدينة الناخودة مثقال الشهير الاسم صاحب الأموال الطائلة والمراكب الكثيرة لتجارته بالهند والصين واليمن وفارس، ولمّا وصلنا إلى هذه المدينة خرج إلينا إبراهيم شاه بندر، والقاضي والشيخ شهاب الدين وكبار التجار ونائب السلطان الكافر المسمّى بقلاج، بضم القاف وآخره جيم، ومعهم الأطبال والانفار والأبواق والأعلام في مراكبهم، ودخلنا المرسى في بروز عظيم ما رأيت مثله بتلك البلاد، فكانت فرحة تتبعها ترحة، وأقمنا بمرساها وبه يومئذ ثلاثة عشر من مراكب الصين، ونزلنا بالمدينة وجعل كل واحد منا في دار، وأقمنا ننتظر زمان السفر إلى

ذكر مراكب الصين

الصين ثلاثة أشهر ونحن في ضيافة الكافر «121» ، وبحر الصين لا يسافر فيه الا بمراكب الصين ولنذكر تربيبها. ذكر مراكب الصّين ومراكب الصين ثلاثة أصناف: الكبار منها تسمى الجنوك، واحدها جنك «122» ، بجيم معقود مضموم ونون ساكن، والمتوسطة تسمى الزّو «123» ، بفتح الزاي وواو، والصغار يسمّى أحدها الككم، «124» بكافين مفتوحين، ويكون في المركب الكبير منها اثنى عشر قلعا فما دونها إلى ثلاثة، وقلعها من قضبان الخيزران منسوجة كالحصر، لا تحطّ ابدا ويديرونها بحسب دوران الريح، وإذا أرسوا تركوها واقفة في مهب الريح. ويخدم في المركب منها ألف رجل منهم: البحرية ستمائة ومنهم أربعمائة من المقاتلة تكون فيهم الرماة وأصحاب الدّرق والجرخية وهم الذين يرمون بالنفط ويتبع كل مركب كبير منها ثلاثة النصفى والثلثى والربعى، ولا تصنع هذه المراكب الا بمدينة الزّيتون من الصين، أو بصين كلان، وهي صين الصين «125» ، وكيفية إنشائها أنهم يصنعون حائطين من الخشب يصلون ما بينهما بخشب ضخام جدا موصولة بالعرض والطول بمسامير ضخام، طول المسمار منها ثلاث أذرع فإذا التأم الحائطان بهذا الخشب صنعوا على أعلاهما فرش المركب الأسفل ودفعوهما في البحر، واتموا عمله وتبقى تلك الخشب والحائطان موالية للماء، ينزلون إليها فيغتسلون ويقضون حاجتهم. وعلى جوانب تلك الخشب تكون مجاذيفهم وهي كبار كالصواري يجتمع على أحدها العشرة والخمسة عشر رجلا ويجذفون وقوفا على أقدامهم ويجعلون للمراكب أربعة ظهور،

ذكر أخذنا في السفر إلى الصين ومنتهى ذلك.

ويكون فيه البيوت والمصاري «126» والغرف للتجار، والمصرية منها يكون فيها البيوت والسنداس، وعليها المفتاح يسدها صاحبها، ويحمل معه الجواري والنساء، وربّما كان الرجل في مصريته فلا يعرف به غيره ممن يكون بالمركب حتى يتلاقيا إذا وصلا إلى بعض البلاد، والبحرية يسكّنون فيها أولادهم، ويزدرعون الخضر والبقول والزنجبيل في أحواض خشب. ووكيل المركب كأنه أمير كبير، وإذا نزل إلى البر مشت الرماة والحبشة بالحراب والسيوف والأطبال والأبواق والأنفار أمامه، وإذا وصل إلى المنزل الذي يقيم به ركّزوا رماحهم عن جانبي بابه ولا يزالون كذلك مدة إقامته. ومن أهل الصين من تكون له المراكب الكثيرة يبعث بها وكلاءه إلى البلاد، وليس في الدنيا أكثر أموالا من أهل الصين. ذكر أخذنا في السفر إلى الصين ومنتهى ذلك. ولما حان وقت السفر إلى الصين جهّز لنا السلطان السامري جنكا من الجنوك الثلاث عشرة التي بمرسى قالقوط، وكان وكيل الجنك يسمى بسليمان الصفدي الشامي، وبيني وبينه معرفة، فقلت له: أريد مصرية لا يشاركني فيها أحد لأجل الجواري، ومن عادتي أن لا أسافر إلا بهن، فقال لي: إن تجار الصين قد اكثروا المصاري ذاهبين وراجعين، ولصهري مصرية أعطيكها لكنها لا سنداس فيها، وعسى أن تمكن معاوضتها، فأمرت أصحابي فأوسقوا ما عندي من المتاع، وصعد العبيد والجواري إلى الجنك، وذلك في يوم الخميس، وأقمت لأصلي الجمعة وألحق بهم، وصعد الملك سنبل وظهير الدين مع الهدية، ثم إن فتى لي يسمّى بهلال أتاني غدوة الجمعة، فقال: إن المصرية التي أخذنا بالجنك ضيقة لا تصلح، فذكرت ذلك للنّاخودة فقال: ليست في ذلك حيلة، فإن أحببت أن تكون في الككم ففيه المصاري على اختيارك، فقلت: نعم، وأمرت أصحابي فنقلوا الجواري والمتاع إلى الككم واستقروا به قبل صلاة الجمعة. وعادة هذا البحر أن يشتد هيجانه كلّ يوم بعد العصر فلا يستطيع أحد ركوبه، وكانت الجنوك قد سافرت ولم يبق منها إلا الذي فيه الهدية وجنك عزم أصحابه على أن يشتوا بفندرينا، والككم المذكور، فبتنا ليلة السبت على الساحل لا نستطيع الصعود إلى الككم ولا

يستطيع من فيه النزول إلينا، ولم يكن بقي معي إلا بساط أفترشه، وأصبح الجنك والككم يوم السبت على بعد من المرسى، ورمى البحر بالجنك الذي كان أهله يريدون فندرينا فتكسر، ومات بعض أهله وسلم بعضهم. وكانت فيه جارية لبعض التجار عزيزة عليه فرغب في إعطاء عشرة دنانير ذهبا لمن يخرجها وكانت قد التزمت خشبة في مؤخر الجنك فانتدب لذلك بعض البحرية الهرمزيين فأخرجها، وأبى أن يأخذ الدنانير، وقال: إنما فعلت ذلك لله تعالى، ولما كان الليل رمى البحر بالجنك الذي كانت فيه الهدية فمات جميع من فيه! ونظرنا عند الصباح إلى مصارعهم، ورأيت ظهير الدين قد انشق رأسه وتناثر دماغه، والملك سنبل قد ضربه مسمار في أحد صدغيه ونفذ من الآخر، وصلينا عليهما ودفنّاهما!!! ورأيت «127» الكافر سلطان قالقوط، وفي وسطه شقة بيضاء كبيرة قد لفّها من سرّته إلى ركبته، وفي رأسه عمامة صغيرة وهو حافي القدمين، والشطر بيد غلام فوق رأسه، والنار توقد بين يديه في الساحل، وزبانيته يضربون الناس لئلا ينتهبوا ما يرمي البحر. وعادة بلاد المليبار أن كل ما انكسر من مركب يرجع ما يخرج منه للمخزن إلا في هذا البلد خاصة فان ذلك يأخذه أربابه ولذلك عمرت وكثر تردد الناس اليها «128» . ولما رأى أهل الككم ما حدث على الجنك رفعوا قلعهم وذهبوا ومعهم جميع متاعي وغلماني وجواري، وبقيت منفردا على الساحل ليس معي إلا فتى كنت اعتقته، فلما رأى ما حلّ بي ذهب عني! ولم يبق عندي إلا العشرة الدنانير التي أعطانيها الجوكي، والبساط الذي كنت أفترشه، وأخبرني الناس أن ذلك الككم لا بد له أن يدخل مرسى كولم فعزمت على السفر إليها وبينهما مسيرة عشر في البر أو في النهر أيضا لمن أراد ذلك، فسافرت في النهر واكتريت رجلا من المسلمين يحمل لي البساط. وعادتهم اذا سافروا في ذلك النهر أن ينزلوا بالعشى فيبيتوا بالقرى التي على حافتيه، ثم يعودوا إلى المركب بالغدو فكنا نفعل ذلك، ولم يكن بالمركب مسلم الا الذي اكتريته، وكان يشرب الخمر عند الكفار إذا نزلنا ويعربد عليّ فيزيد تغيّر خاطري! ووصلنا

ذكر القرفة والبقم

في اليوم الخامس من سفرنا إلى كنجي كري، وضبط اسمها بكاف مضموم ونون ساكن وجيم وياء مد وكاف مفتوح وراء مكسور وباء، وهي بأعلى جبل هنالك يسكنها اليهود «129» ولهم أمير منهم ويؤدون الجزية لسلطان كولم. ذكر القرفة والبقّم وجميع الأشجار التي على هذا النهر أشجار القرفة «130» والبقّم، وهي حطبهم هنالك، ومنها كنا نقد النار لطبخ طعامنا في ذلك الطريق. وفي اليوم العاشر وصلنا إلى مدينة كولم «131» وضبط اسمها بفتح الكاف واللام وبينهما واو، وهي أحسن بلاد المليبار، وأسواقها حسان، وتجّارها يعرفون بالصّوليين «132» بضم الصاد، ولهم أموال عريضة، يشتري أحدهم المركب بما فيه ويوسقه من داره بالسلع، وبها من التجار المسلمين جماعة، كبيرهم علاء الدين الأوجي من أهل أوه، من بلاد العراق «133» ، وهو رافضي ومعه أصحاب له على مذهبه، وهم يظهرون ذلك، وقاضيها فاضل من أهل قزوين «134» ، وكبير المسلمين بها محمد شاه بندر، وله أخ فاضل كريم اسمه تقي الدين، والمسجد الجامع بها عجيب عمّره التاجر خواجة مهذّب «135» . وهذه المدينة أول ما يوالي الصين من بلاد المليبار، وإليها يسافر أكثرهم والمسلمون بها أعزة محترمون.

ذكر سلطانها

ذكر سلطانها وهو كافر يعرف بالتّيروري «136» ، بكسر التاء المعلوة وياء مد وراء وواو مفتوحين وراء مكسور وياء، وهو يعظّم المسلمين وله أحكام شديدة على السرّاق والدّعار. حكاية [العراقي القتيل] ومما شاهدت بكولم أنّ بعض الرماة العراقيين قتل آخر منهم، وفر إلى دار الآوجي، وكان له مال كثير وأراد المسلمون دفن المقتول فمنعهم نواب السلطان من ذلك، وقالوا: لا يدفن حتى تدفعوا لنا قاتله فيقتل به، وتركوه في تابوته على باب الآوجي حتى انتن وتغيّر فمكنهم الأوجي من القاتل، ورغب منهم أن يعطيهم أمواله ويتركوه حيا فأبوا ذلك وقتلوه وحينئذ دفن المقتول. حكاية [رجل قتل بحبة عنبة] أخبرت أن سلطان كولم ركب يوما إلى خارجها وكان طريقه فيما بين البساتين، ومعه صهره زوج بنته، وهو من أبناء الملوك، فأخذ حبّة واحدة من العنبة سقطت من بعض البساتين وكان السلطان ينظر إليه فأمر به عند ذلك فوسّط وقسم نصفين وصلب نصفه عن يمين الطريق ونصفه الآخر عن يساره وقسمت حبة العنبة نصفين فوضع على كل نصف منه نصف منها وترك هنالك عبرة للناظرين «137» !! حكاية [قتل مغتصب سيفا] ومما اتفق نحو ذلك بقالقوط أن ابن أخي النائب عن سلطانها غصب سيفا لبعض تجار المسلمين فشكا بذلك إلى عمه فوعده بالنظر في أمره، وقعد على باب داره، فإذا بابن أخيه متقلّد ذلك السيف، فدعاه، فقال: هذا سيف المسلم؟ قال: نعم! قال: اشتريته منه؟ قال:: لا؟ فقال لأعوانه: أمسكوه، ثم أمر به فضربت عنقه بذلك السيف!

وأقمت بكولم مدة بزاوية الشيخ فخر الدين ابن الشيخ شهاب الدين الكازروني شيخ زاوية قالقوط، فلم أتعرف للككم خبرا، وفي أثناء مقامي بها دخل إليها أرسال ملك الصين الذين كانوا معنا، وكانوا ركبوا في أحد تلك الجنوك فانكسر أيضا فكساهم تجار الصين وعادوا إلى بلادهم ولقيتهم بها بعد. وارادت أن أعود من كولم إلى السلطان لأعلمه بما اتفق على الهدية «138» ثم خفت أن يتعقب فعلي، ويقول: لم فارقت الهدية؟ فعزمت على العودة إلى السلطان جمال الدين الهنّوري وأقيم عنده حتى أتعرف خبر الككم، فعدت إلى قالقوط ووجدت بها بعض مراكب السلطان، فبعث فيها أميرا من العرب يعرف بالسيد أبي الحسن وهو من البرد دارية «139» ، وهم خواص البوابين، بعثه السلطان بأموال يستجلب بها من قدر عليه من العرب من أرض هرمز والقطيف «140» لمحبته في العرب، فتوجهت إلى هذا الامير ورأيته عازما على أن يشتو بقالقوط، وحينئذ يسافر إلى بلاد العرب فشاورته في العودة إلى السلطان، فلم يوافق على ذلك! فسافرت في البحر من قالقوط، وذلك آخر فصل السفر فيه فكنا نسير نصف النهار الأول ثم نرسوا إلى الغد، ولقّينا في طريقنا أربعة أجفان مخزونة فخفنا منها ثم لم يعرضوا لنا بشرّ! ووصلنا إلى مدينة هنّور «141» فنزلت إلى السلطان وسلمت عليه فأنزلني بدار، ولم يكن لي خديم وطلب مني أن أصلّي معه الصلوات، فكان أكثر جلوسي في مسجده، وكنت أختم القرآن كلّ يوم، ثم كنت أختم مرتين في اليوم، ابتدي القراءة بعد صلاة الصبح فاختم عند الزوال وأجدد الوضوء وأبتدىء القراءة فأختم الختمة الثانية عند الغروب، ولم أزل كذلك مدة ثلاثة أشهر واعتكفت منها أربعين «142» يوما.

ذكر توجهنا إلى الغزو وفتح سندابور

ذكر توجهنا إلى الغزو وفتح سندابور وكان السلطان جمال الدين قد جهز اثنين وخمسين مركبا سفرية برسم غزو سندابور، وكان وقع بين سلطانها وولده خلاف، فكتب ولده إلى السلطان جمال الدين أن يتوجه لفتح سندابور ويسلم الولد المذكور، ويزوجه السلطان أخته «143» ، فلمّا تجهزت المراكب ظهر لي أن أتوجه فيها إلى الجهاد ففتحت المصحف أنظر فيه فكان في أول الصفحة: يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره، فاستبشرت بذلك، وأتى السلطان إلى صلاة العصر، فقلت له: أريد السفر فقال: إذا تكون أميرهم، فأخبرته بما خرج لي في أول المصحف فأعجبه ذلك، وعزم على السفر بنفسه ولم يكن ظهر له ذلك قبل، فركب مركبا منها وأنا معه، وذلك في يوم السبت فوصلنا عشيّ الاثنين إلى سندابور، ودخلنا خورها فوجدنا أهلها مستعدّين للحرب وقد نصبوا المجانيق، فبتنا عليها تلك الليلة. فلما أصبح ضربت الطبول والانفار والأبواق وزحفت المراكب، ورموا عليها بالمجانيق، فلقد رأيت حجرا أصاب بعض الواقفين بمقربة من السلطان، ورمى اهل المراكب أنفسهم في الماء وبأيديهم الترسة والسيوف، ونزل السلطان إلى العكيرى، وهو شبه الشلّير «144» ، ورميت بنفسي في الماء في جملة الناس، وكان عندنا طريدتان مفتوحتي المواخر، فيها الخيل، وهي بحيث يركب الفارس فرسه في جوفها ويتدرّع ويخرج ففعلوا ذلك، وأذن الله في فتحها وأنزل النصر على المسلمين، فدخلنا بالسيف ودخل معظم الكفار في قصر سلطانهم، فرمينا النار فيه فخرجوا وقبضنا عليهم، ثم إن السلطان أمّنهم ورد لهم نساءهم وأولادهم وكانوا نحو عشرة آلاف وأسكنهم بربض المدينة وسكن السلطان القصر وأعطى الديار بمقربة منه لأهل دولته، وأعطاني جارية منهن تسمى لمكي فسميتها مباركة «145» ، وأراد زوجها فداءها فأبيت! وكساني فرجية مصرية وجدت في خزائن الكافر، وأقمت عنده بسندابور من يوم فتحها وهو الثالث عشر لجمادى الأولى إلى منتصف شعبان «146» ، وطلبت منه الإذن في السفر، فأخذ عليّ العهد في العودة إليه!

وسافرت في البحر إلى هنور ثم إلى فاكنور، ثم إلى منجرور ثم إلى هيلي ثم إلى جرفتّن وده فتّن، وبدفتّن وفندرينا وقالقوط، وقد تقدم ذكر جميعها ثم إلى مدينة الشاليات، وهي بالشين المعجم والف ولام وياء آخر الحروف والف وتاء معلوة، مدينة من حسان المدن تصنع بها الثياب المنسوبة لها «147» ، وأقمت بها فطال مقامي فعدت إلى قالقوط، ووصل اليها غلامان كانا لي بالككم فأخبراني أن الجارية التي كانت حاملا وبسببها كان تغيّر خاطري توفيت، وأخذ صاحب الجاوة سائر الجواري واستولت الأيدي على المتاع وتفرّق أصحابي إلى الصين والجاوة وبنجالة، فعدت لما تعرّفت هذا إلى هنّور، ثم إلى سندابور فوصلتها في آخر المحرم وأقمت بها إلى ثاني من شهر ربيع الآخر. وقدم «148» سلطانها الكافر الذي دخلناها عليه برسم أخذها وهرب إليه الكفار كلّهم، وكانت عساكر السلطان متفرقة في قرى فانقطعوا عنا، وحصرنا الكفار وضيّقوا علينا، ولما اشتد الحال خرجت عنها وتركتها محصورة «149» ، وعدت إلى فالقوط. وعزمت على السفر إلى ذيبة المهل وكنت أسمع بأخبارها فبعد عشرة أيام من ركوبنا البحر بقالقوط وصلنا جزائر ذيبة المهل، وذيبة على لفظ مؤنث الذيب «150» ، والمهل بفتح الميم والهاء، وهذه الجزائر إحدى عجائب الدنيا، وهي نحو ألفى جزيرة «151» ويكون منها مائة فما

دونها مجتمعات مستديرة كالحلقة لها مدخل كالباب لا تدخل المراكب إلّا منه، وإذا وصل المركب إلى إحداها فلا بدّ له من دليل من أهلها يسير به إلى سائر الجزائر، وهي من التقارب بحيث تظهر رؤوس النخل التي باحداها عند الخروج من الأخرى، فان أخطأ المركب سمتها لم يمكنه دخولها وحملته الريح إلى المعبر أو سيلان «152» . وهذه الجزائر أهلها كلّهم مسلمون، ذووا ديانة وصلاح، وهي منقسمة إلى اقاليم، على كلّ إقليم وال يسمونه الكردوبي «153» ، ومن أقاليمها إقليم بالبور «154» ، وهو بباءين معقودتين وكسر اللام وآخره راء ومنها كنّلوس «155» بفتح الكاف والنون مع تشديدها وضم اللام وآخره راء، ومنها كنّلوس (155) ، بفتح الكاف والنون مع تشديدها وضم اللام وواو وسين مهمل، ومنها إقليم المهل «156» ، وبه تعرف الجزائر كلّها، وبها يسكن سلاطينها، ومنها إقليم تلاديب «157» ، بفتح التاء المعلوة واللام والف ودال مهملة وياء مد وباء موحدة، ومنها إقليم كرايدو «158» ، بفتح الكاف والراء وسكون الياء المسفولة وضم الدال المهمل وواو، ومنها إقليم التّيم «159» ، بفتح التاء المعلوة وسكون الياء المسفولة، ومنها اقليم تلدمّتي «160» ، بفتح التاء المعلوة الأولى واللام وضم الدال المهمل وفتح الميم وتشديدها وكسر التاء الأخرى وياء

ذكر أشجارها

ومنها إقليم هلدمّتي «161» ، وهو مثل لفظ الذي قبله الا أن الهاء أوله، ومنها إقليم بريدو «162» ، بفتح الباء الموحدة والراء وسكون الياء وضم الدال المهمل وواو، ومنها اقليم كندكل «163» ، بفتح الكافين والدال المهمل وسكون النون، ومنها إقليم ملوك «164» ، بضم الميم، ومنها اقليم السّويد «165» بالسين المهمل وهو أقصاها. وهذه الجزائر كلها لا زرع بها إلا أن في اقليم السّويد منها زرعا يشبه أنلي «166» ويجلب منه إلى المهل، وإنما أكل أهلها سمك يشبه البيرون «167» ، يسمونه قلب الماس، بضم القاف، ولحمه أحمر، ولا زفر له، إنما ريحه كريح لحم الانعام، وإذا اصطادوه قطعوا السمكة منه أربع قطع وطبخوها يسيرا ثم جعلوه في مكاتيل من سعف النخل وعلّقوه للدخان فإذا استحكم يبسه أكلوه «168» ويحمل منها إلى الهند والصين واليمن ويسمونه قلب الماس بضم القاف. ذكر أشجارها ومعظم أشجار هذه الجزائر النّارجيل «169» ، وهو من أقواتهم مع السّمك، وقد تقدم ذكره، وأشجار النارجيل شأنها عجيب وتثمر النخل منها اثنى عشر عذقا في السنة، يخرج في كل شهر عذق، فيكون بعضها صغيرا وبعضها كبيرا وبعضها يابسا وبعضها أخضر، هكذا أبدا ويصنعون منه الحليب والزيت والعسل حسبما ذكرنا في السفر الأول «170» ويصنعون من عسله الحلواء فيأكلونها مع الجوز اليابس منه، وكذلك أكله.

يظهر أن هذا النوع من الأسماك الذي شبهه ابن بطوطة بما يعرف في المغرب بأبيرون (ABRAIROUN) هو الذي يحمل في منطقة الخليج اسم قباب الذي عرف في الانجليزية تحت اسم Yellow fin Tuna عن أسماك الخليج اعداد بوهارون للمعدات البحرية- أبو ظبي/ مع شكرنا للسيد أحمد ثاني الدوسري

ذكر أهل هذه الجزائر، وبعض عوائدهم وذكر مساكنهم

وللسّمك الذي يغتذون به قوة عجيبة في الباءة لا نظير لها، ولأهل هذه الجزائر عجب في ذلك، ولقد كان لي بها أربع نسوة وجوار سواهن فكنت أطوف على جميعهن كلّ يوم، وأبيت عند من تكون ليلتها، وأقمت بها سنة ونصف أخرى على ذلك! «171» . ومن أشجارها الجمّون «172» والأترج والليمون والقلقاص «173» ، وهم يصنعون من أصوله دقيقا يعملون منه شبه الإطرية، ويطبخونها بحليب النارجيل وهي من أطيب الطعام كنت أستحسنها كثيرا وآكلها. ذكر أهل هذه الجزائر، وبعض عوائدهم وذكر مساكنهم وأهل هذه الجزائر أهل صلاح وديانة وإيمان صحيح ونية صادقة، أكلهم حلال ودعاءهم مجاب، وإذا رأى الانسان أحدهم قال له: الله ربي، ومحمد نبيّ وأنا أمي مسكين، وأبدانهم ضعيفة ولا عهد لهم بالقتال والمحاربة وسلاحهم الدعاء، ولقد أمرت مرة بقطع يد سارق بها فغشى على جماعة منهم كانوا بالمجلس، ولا تطرقهم لصوص الهند ولا تذعرهم لانهم جربوا أنّ من أخذ لهم شيئا أصابته مصيبة عاجلة، واذا أتت أجفان العدو إلى ناحيتهم أخذوا من وجدوا، من غيرهم، ولم يعرضوا لأحد منهم بسوء، وإن أخذ أحد الكفار ولو ليمونة عاقبة أمير الكفار وضربه الضرب المبرح خوفا من عاقبة ذلك ولولا هذا لكانوا أهون الناس على قاصدهم بالقتال لضعف بنيتهم. وفي كل جزيرة من جزائرهم المساجد الحسنة وأكثر عمارتهم بالخشب وهم أهل نظافة وتنزه عن الأقذار وأكثرهم يغتسلون مرتين في اليوم تنظفا لشدة الحر بها وكثرة العرق، ويكثرون من الأدهان العطرية كالصندلية ويتلطّخون بالغالية المجلوبة من مقدشو. ومن عادتهم أنهم إذا صلوا الصبح أتت كل امرأة إلى زوجها أو ابنها بالمكحلة وبماء الورد ودهن الغالية «174» فيكحّل عينيه ويدهن بماء الورد ودهن الغالية، فتصقل بشرته وتزيل الشحوب عن وجهه. ولباسهم فوط يشدون الفوطة منها على أوساطهم عوض السراويل، ويجعلون على

ظهرهم ثياب الوليان «175» ، بكسر الواو وسكون اللام وياء آخر الحروف، وهي شبه الأحاريم، وبعضهم يجعل عمامة، وبعضهم منديلا صغيرا عوضا منها، وإذا لقى أحدهم القاضي أو الخطيب وضع ثوبه عن كتفيه وكشف ظهره ومضى معه كذلك حتى يصل إلى منزلة ومن عوائدهم أنه إذا تزوج الرجل منهم ومضى إلى دار زوجته بسطت له ثياب القطن من باب دارها إلى باب البيت، وجعل عليها غرفات من الودع عن يمين طريقه إلى البيت وشماله، وتكون المرأة واقفة عند باب البيت تنتظره فإذا وصل إليها رمت على رجليه «176» ثوبا يأخذه خدامه، وان كانت المرأة هي التي تاتي إلى منزل الرجل بسطت داره وجعل فيها الودع ورمت المرأة عند الوصول اليه الثوب على رجليه، وكذلك عادتهم في السلام على السلطان عندهم، لا بد من ثوب يرمى عند ذلك، وسنذكره. وبنياتهم بالخشب ويجعلون سطوح البيوت مرتفعة عن الأرض توقيا من الرطوبات لأن أرضهم ندية، وكيفية ذلك أن ينحتوا حجارة يكون طول الحجر منها ذراعين أو ثلاثة ويجعلونها صفوفا ويعرضون عليها خشب النارجيل، ثم يضعون الحيطان من الخشب «177» ولهم صناعة عجيبة في ذلك، ويبنون في أسطوان الدار بيتا يسمونه المالم «178» بفتح اللام، يجلس الرجل به مع أصحابه ويكون له بابان أحدهما إلى جهة الاسطوان يدخل منه الناس والآخر إلى جهة الدار يدخل منه صاحبها، ويكون عند هذا البيت خابية مملوءة ماء، ولها مستقى يسمونه الولنج «179» ، بفتح الواو واللام وسكون النون وجيم، هو من قشر جوز النّارجيل وله نصاب طوله ذراعان، وبه يسقون الماء من الآبار لقربها. وجميعهم حفاة الأقدام من رفيع ووضيع، وأزقتهم مكنوسة نقية تظللها الأشجار

فالماشي بها كأنه في بستان، ومع ذلك لا بد لكل داخل إلى الدار أن يغسل رجليه بالماء الذي في الخابية، بالمالم ويمسحها بحصير غليظ من اللّيف «180» يكون هنالك، ثم يدخل بيته، وكذلك يفعل كل داخل إلى المسجد. ومن عوائدهم إذا قدم عليهم مركب أن تخرج إليه الكنادر «181» ، وهي القوارب الصّغار، واحدها كندرة، بضم الكاف والدال، وفيها أهل الجزيرة معهم التنبول، والكرنبة «182» وهي جوز النّارجيل الأخضر فيعطي الإنسان منهم ذلك لمن شاء من اهل المركب ويكون نزيله ويحمل أمتعته إلى داره كأنه بعض أقربائه، ومن أراد التزوج من القادمين عليهم تزوج، فإذا حان سفره طلق المرأة لانهن لا يخرجن عن بلادهن! ومن لم يتزوج فالمرأة التي ينزل بدارها تطبخ له وتخدمه وتزوّده اذا سافر وترضى منه في مقابلته بأيسر شيء من الإحسان. وفائدة المخزن ويسمونه البندر «183» ، أن يشتري من كل سلعة بالمركب حظا بسوم معلوم سواء كانت السلعة تساوي ذلك أو أكثر منه ويسمونه: شرع البندر «184» ، ويكون للبندر بيت في كل جزيرة من الخشب يسمونه البجنصار «185» ، بفتح الباء الموحدة والجيم وسكون النون وفتح الصاد المهمل وآخره راء يجمع به الوالي وهو الكردوري «186» جميع سلعه ويبيع بها ويشتري، وهم يشترون الفخّار إذا جلب اليهم بالدّجاج فتباع عندهم القدر بخمس دجاجات وست. وتحمل المراكب من هذه الجزائر السمك الذي ذكرناه، وجوز النارجيل والفوط والوليان

ذكر نسائها

«187» والعمائم، وهي من القطن ويحملون منها أواني النّحاس فانها عندهم كثيرة «188» ويحملون الودع ويحملون القنبر، بفتح القاف وسكون النون وفتح الباء الموحدة والرّاء، وهو ليف جوز النّارجيل، وهم يدبغونه في حفر على الساحل ثم يضربونه بالمرازب ثم يغزله النساء وتصنع منه الحبال لخياطة المراكب، وتحمل إلى الصين والهند واليمن، وهو خير من القنب وبهذه الحبال تخاط مراكب الهند واليمن، لأن ذلك البحر كثير الحجارة فإن كان المركب مسمّرا بمسامير الحديد صدم الحجارة فانكسر، وإذا كان مخيطا بالحبال أعطى الرطوبة فلم ينكسر. وصرف أهل هذه الجزائر الودع وهو حيوان يلتقطونه في البحر، ويضعونه في حفر هنالك فيذهب لحمه ويبقى عظمه أبيض ويسمون المائة منه: سياه، بسين مهمل وياء آخر الحروف، ويسمّون السبعمائة منه: الفال، بالفاء، ويسمون الاثنى عشر الفا منه: الكتّى، بضم الكاف وتشديد التاء المعلوة، ويسمون المائة الف منه بستوا «189» بضم الباء الموحدة والتاء المعلوة وبينهما سين مهمل، ويباع بها بقيمة أربعة بساتي بدينار من الذهب وربما رخص حتى يباع عشر بساتي منه بدينار ويبيعونه من أهل بنجالة بالأرز، وهو أيضا صرف أهل بلاد بنجالة، ويبيعونه من أهل اليمن فيجعلونه عوض الرمل في مراكبهم، وهذا الودع أيضا هو صرف السودان في بلادهم «190» ، رأيته يباع بمالي وجوجو «191» بحساب الف ومائة وخمسين للدينار الذّهبي. ذكر نسائها ونساؤها لا يغطين رؤوسهن ولا سلطانتهم تغطي رأسها ويمشطن شعورهن ويجمعنها إلى جهة واحدة «192» ، ولا يلبسن أكثرهن إلا فوطة واحدة تسترها من السرة إلى أسفل وسائر أجسادهن مكشوف، وكذلك يمشين في الأسواق وغيرها.

ولقد جهدت لمّا وليت القضاء بها، أن أقطع تلك العادة وآمرهن باللباس، فلم أستطع ذلك فكنت لا تدخل إليّ منهن امرأة في خصومة الا مستترة الجسد، وما عدا ذلك لم تكن لي عليه قدرة، ولباس بعضهن قمص زائدة على الفوطة، وقمصهن قصار الأكمام عراضها، وكان لي جوار كسوتهن لباس أهل دهلي وغطّين رؤوسهن، فعابهن ذلك أكثر مما زانهن إذ لم يتعودنه!! وحليهنّ الأساور تجعل المرأة منها جملة في ذراعيها بحيث تملأ ما بين الكوع والمرفق وهي من الفضة ولا يجعل أساور الذهب إلا نساء السلطان وأقاربه، ولهن الخلاخيل ويسمّونها البايل، بباء موحدة والف وياء آخر الحروف مكسورة وقلائد ذهب يجعلنها على صدورهن ويسمونها البسدرد، بالباء الموحدة وسكون السين المهمل وفتح الدال المهمل والراء. ومن عجيب أفعالهن أنهن يستاجرن أنفسهن للخدمة بالديار على عدد معلوم من خمسة دنانير فما دونها «193» وعلى مستأجرهن نفقتهن، ولا يرين ذلك عيبا، ويفعله أكثر بناتهم فتجد في دار الإنسان الغنيّ منهن العشرة والعشرين، وكل ما تكسره من الأواني يحسب عليها قيمته، وإذا أرادت الخروج من دار إلى دار أعطاها أهل الدار التي تخرج اليها العدد الذي هي مرتهنة فيه فتدفعه لاهل الدار التي خرجت منها ويبقى عليها للآخرين وأكثر شغل هؤلاء المستأجرات غزل القنبر «194» . والتزوج بهذه الجزائر سهل لنزارة الصداق وحسن معاشرة النساء، وأكثر الناس لا يسمي صداقا إنما تقع الشهادة ويعطي صداقا، مثلها، واذا قدمت المراكب تزوج أهلها النساء فإذا أرادوا السفر طلقوهن وذلك نوع من نكاح المتعة «195» ، وهن لا يخرجن عن بلادهن أبدا. ولم أر في الدنيا أحسن معاشرة منهن ولا تكل المرأة عندهم خدمة زوجها إلى سواها بل هي تأتيه بالطعام وترفعه من بين يديه وتغسل يده وتأتيه بالماء للوضوء وتغم رجليه عند النوم، ومن عوائدهن الا تأكل المرأة مع زوجها، ولا يعلم الرجل ما تأكله المرأة، ولقد تزوجت بها نسوة فأكل معي بعضهن بعد محاولة وبعضهن لم تأكل معي ولا استطعت أن أراها تأكل ولا نفعتني حيلة في ذلك!!

ذكر السبب في إسلام أهل هذه الجزائر وذكر العفاريت من الجن التي تضربها في كل شهر.

ذكر السبب في إسلام أهل هذه الجزائر وذكر العفاريت من الجن التي تضربها في كل شهر. حدثني الثقات من أهلها كالفقيه عيسى اليمني، والفقيه المعلم على، والقاضي عبد الله وجماعة سواهم أن هذه الجزائر كانوا كفارا، وكان يظهر لهم في كل شهر عفريت من الجن يأتي من ناحية البحر كأنه مركب مملوء بالقناديل، وكانت عادتهم إذ رأوه أخذوا جارية بكرا فزينوها وأدخلوها إلى بدخانة «196» ، وهي بيت الأصنام، وكان مبنيا على ضفة البحر، وله طاق ينظر إليه منها ويتركونها هنالك ليلة، ثم يأتون عند الصباح فيجدونها مفتضّة ميّتة! ولا يزالون في كل شهر يقترعون بينهم، فمن أصابته القرعة أعطى بنته! ثم إنه قدم عليهم مغربي يسمى بأبي البركات البربري وكان حافظا للقرآن العظيم فنزل بدار عجوز منهم بجزيرة المهل فدخل عليها يوما وقد جمعت أهلها وهن يبكين كأنهن في مأتم، فاستفهمهن عن شأنهن، فلم يفهمن فأتى ترجمان فأخبره أن العجوز كانت القرعة عليها، وليس لها إلا بنت واحدة يقتلها العفريت، فقال لها أبو البركات: أنا أتوجه عوضا من بنتك بالليل، وكان سناطا: لا لحية له، فأحتملوه تلك الليلة وأدخلوه إلى بدخانة وهو متوضئ وأقام يتلو القرآن ثم ظهر له العفريت من الطاق فداوم التلاوة فلمّا كان منه بحيث يسمع القراءة غاص في البحر، وأصبح المغربي وهو يتلو على حاله فجاءت العجوز وأهلها وأهل الجزيرة ليستخرجوا البنت على عادتهم فيحرقوها، فوجدوا المغربي يتلوا فمضوا به إلى ملكهم وكان يسمى شنورازة «197» ، بفتح الشين المعجم وضم النون وواو وراء وألف وزاي وهاء، وأعلموه بخبره، فعجب منه وعرض المغربي عليه الإسلام ورغّبه فيه، فقال له: أقم عندنا إلى الشهر الآخر، فإن فعلت كفعلك ونجوت من العفريت أسلمت! فأقام عندهم وشرح الله صدر الملك للاسلام فأسلم قبل تمام الشهر وأسلم أهله وأولاده وأهل دولته، ثم حمل المغربي لما دخل الشهر إلى بدخانة ولم يات العفريت فجعل يتلو حتى الصبّاح، وجاء السلطان والناس معه فوجدوه على حاله من التلاوة فكسروا الأصنام وهدموا بدخانة وأسلم أهل الجزيرة،

وبعثوا إلى سائر الجزائر فأسلم أهلها وأقام المغربي عندهم معظما وتمذهبوا بمذهبه مذهب الامام مالك رضي الله عنه، وهم إلى هذا العهد يعظمون المغاربة بسببه، وبنى مسجدا هو معروف باسمه وقرأت على مقصورة الجامع منقوشا في الخشب: أسلم السلطان أحمد شنورازة على يد أبي البركات البربري المغربي. وجعل ذلك السلطان ثلث مجابي الجزائر صدقة على أبناء السبيل إذ كان اسلامه بسببهم، فسمى على ذلك حتى الآن «198» ، وبسبب هذا العفريت خرب من هذه الجزائر كثير قبل الإسلام. ولما دخلناها لم يكن لي علم بشأنه، فبينا أنا ليلة في بعض شأني إذ سمعت الناس يجهرون بالتهليل والتكبير ورأيت الأولاد وعلى رؤوسهم المصاحف والنساء في الطسوت، وأواني النحاس فعجبت من فعلهم وقلت: ما شأنكم؟ فقالوا: ألا تنظر إلى البحر؟ فنظرت فإذا مثل المركب الكبير، وكأنه مملوء سرجا ومشاعل فقالوا: ذلك العفريت، وعادته أن يظهر مرة في الشهر فإذا فعلنا ما رأيت انصرف عنا ولم يضرنا!

ضريح أبي البركات البربري في عاصمة مالديف: مالي

ذكر سلطانة هذه الجزائر

ذكر سلطانة هذه الجزائر ومن عجائبها أن سلطانتها امرأة، وهي خديجة «199» بنت السلطان جلال الدين عمر بن السلطان صلاح الدين صالح البنجالي «200» ، وكان الملك لجدّها ثم لأبيها، فلما مات أبوها ولي أخوها شهاب الدين «201» وهو صغير السن فتزوج الوزير عبد الله بن محمد الحضرمي أمّه وغلب عليه، وهو الذي تزوج أيضا هذه السلطانة خديجة بعد وفاة زوجها الوزير جمال الدين، كما سنذكره «202» ، فلما بلغ شهاب الدين مبلغ الرجال أخرج ربيبه الوزير عبد الله ونفاه إلى جزائر السويد، واستقل بالملك واستوزر أحد مواليه ويسمى علي كلكي «203» ثم عزله بعد ثلاثة أعوام ونفاه إلى السّويد «204» ، وكان يذكر عن السلطان شهاب الدين المذكور أنه يختلف إلى حرم أهل دولته وخواصه بالليل! فخلعوه لذلك ونفوه إلى اقليم هلدتني «205» وبعثوا من قتله بها، ولم يكن بقى في بيت الملك إلا أخواته خديجة الكبرى

ذكر أرباب الخطط وسيرهم

ومريم وفاطمة «206» ، فقدموا خديجة سلطانة وكانت متزوجة لخطيبهم جمال الدين «207» ، فصار وزيرا وغالبا على الامر، وقدم ولده محمد «208» للخطابة عوضا منه، ولكن الاوامر إنما تنفذ باسم خديجة، وهم يكتبون الأوامر في سعف النخل بحديدة معوجة شبه السكين ولا يكتبون في الكاغد إلا المصاحف وكتب العلم، ويذكرها الخطيب يوم الجمعة وغيرها فيقول: اللهم انصر أمتك التي اخترتها، على علم، على العالمين وجعلتها رحمة لكافة المسلمين ألا وهي خديجة بنت السلطان جلال الدين ابن السلطان صلاح الدين. ومن عادتهم إذا قدم الغريب عليهم ومضى إلى المشور وهم يسمونه الدار، فلا بدّ له أن يستصحب ثوبين فيخدم لجهة هذه السلطانة ويرمي بأحدهما ثم يخدم لوزيرها وهو زوجها جمال الدين ويرمي بالثاني، وعسكرها نحو ألف إنسان من الغرباء، وبعضهم بلديون وياتون كلّ يوم إلى الدار فيخدمون وينصرفون، ومرتّبهم الأرز يعطاهم من البندر «209» في كل شهر، فإذا تم الشهر أتوا الدار وخدموا، وقالوا للوزير: بلّغ عنا الخدمة، وأعلم بأنا أتينا نطلب مرتّبنا، فيؤمر لهم بها عند ذلك. وياتي أيضا إلى الدار كلّ يوم القاضي وأرباب الخطط وهم الوزراء عندهم فيخدمون، ويبلغ خدمتهم الفتيان وينصرفون. ذكر أرباب الخطط وسيرهم وهم يسمون الوزير الأكبر النائب عن السلطانة كلكي بفتح الكاف الأولى واللام، ويسمون القاضي فنديارقالوا «210» ، وضبط ذلك بفاء مفتوح ونون مسكن ودال مهمل مفتوح وياء آخر الحروف وألف وراء وقاف والف ولام مضموم، وأحكامهم كلها راجعة إلى القاضي، وهو أعظمهم من الناس أجمعين، وأمره ممتثل كأمر السلطان وأشد، ويجلس على بساط في الدار، وله ثلاث جزائر يأخذ مجباها لنفسه عادة قديمة أجراها السلطان أحمد شنورازة، ويسمون الخطيب هنديجري «211» ، وضبط ذلك بفتح الهاء وسكون النون وكسر الدال وياء مد

مجموعة صور من مالديف عندما زرتها 1990

ذكر وصولي إلى هذه الجزائر وتنقل حالي بها.

وجيم مفتوح وراء وياء، ويسمون صاحب الديوان الفاملداري، بفتح الفاء والميم والدال المهمل، ويسمون صاحب الاشغال مافاكلوا، بفتح الميم والكاف وضم اللام، ويسمون الحاكم فتنايك، بكسر الفاء وسكون التاء المعلوة وفتح النون والف وياء آخر الحروف مفتوحة أيضا وكاف ويسمون قائد البحر مانايك «212» ، بفتح الميم والنون والياء، وكل هؤلاء يسمى وزيرا، ولا سجن عندهم بتلك الجزائر، وإنما يحبس أرباب الجرائم في بيوت خشب هي معدة لا متعة التجار، ويجعل أحدهم في خشبة كما يفعل عندنا بأساري الروم «213» . ذكر وصولي إلى هذه الجزائر وتنقّل حالي بها. ولما وصلت إليها نزلت منها بجزيرة كنّلوس «214» ، وهي جزيرة حسنة فيها المساجد الكثيرة، ونزلت بدار رجل من صلحائها، وأضافني بها الفقيه عليّ، وكان فاضلا له أولاد من طلبة العلم، ولقيت بها رجلا اسمه محمد، من أهل ظفار الحموض «215» ، فأضافني، وقال لي: إن دخلت جزيرة المهل أمسكك الوزير بها فإنهم لا قاضي عندهم، وكان غرضي أن أسافر منها إلى المعبر وسرنديب «216» وبنجالة، ثم إلى الصين، وكان قدومي عليها في مركب الناخودة عمر الهنّوري، وهو من الحجاج الفضلاء، ولما وصلنا كنّلوس أقام بها عشرا ثم اكترى كندرة يسافر فيها إلى المهل بهدية للسلطانة وزوجها، فأردت السفر معه، فقال: لا تسعك الكندرة أنت وأصحابك، فإن شئت السفر منفردا عنهم فدونك، فأبيت ذلك! وسافر فلعبت به الريح وعاد إلينا بعد أربعة أيام وقد لقى شدائد! فاعتذر لي وعزم عليّ في السفر معه بأصحابي، فكنّا نرحل غدوة فننزل في وسط النهار لبعض الجزائر، ونرحل فنبيت بأخرى، ووصلنا بعد أربعة أيام إلى إقليم التّيم «217» ، وكان الكردوي يسمى

بها هلالا، فسلم عليّ وأضافني، وجاء إليّ ومعه أربعة رجال، وقد جعل اثنان منهم عودا على أكتافهما وعلقا منه أربع دجاجات «218» ، وجعل الآخران عودا مثله وعلقا منه نحو عشر من جوز النّارجيل، فعجبت من تعظيمهم لهذا الشيء الحقير فأخبرت أنهم صنعوه على جهة الكرامة والاجلال! ورحلنا عنهم فنزلنا في اليوم السادس بجزيرة عثمان، وهو رجل فاضل من خيار النّاس فأكرمنا وأضافنا، وفي اليوم الثامن نزلنا بجزيرة لوزير يقال له التّلمدي، وفي اليوم العاشر وصلنا إلى جزيرة المهل حيث السلطانة وزوجها، وأرسينا بمرساها، وعادتهم أن لا ينزل أحد عن المرسى إلا بإذنهم، فأذنوا لنا في النزول، وأردت التوجه إلى بعض المساجد فمنعني الخدام الذين بالساحل، وقالوا: لا بد من الدخول إلى الوزير، وكنت أوصيت الناخودة أن يقول إذا سئل عني: لا أعرفه، خوفا من إمساكهم إياي. ولم أعلم أن بعض أهل الفضول قد كتب إليهم معرّفا بخبري واني كنت قاضيا بدهلي. فلما وصلنا إلى الدار وهو المشور نزلنا في سقائف على الباب الثالث منه، وجاء القاضي عيسى اليمني فسلّم علي وسلمت على الوزير، وجاء الناخوذة ابراهيم «219» بعشرة أثواب فخدم لجهة السلطانة ورمى بثوب منها، ثم خدم للوزير ورمى بثوب آخر كذلك ورمى بجميعها، وسئل عني فقال: لا أعرفه. ثم أخرجوا إلينا التنبول وماء الورد وذلك هو الكرامة عندهم، وأنزلنا بالدار وبعث إلينا الطعام وهو قصعة كبيرة فيها الأرز وتدور بها صحاف فيها اللحم الخليع والدجاج والسمن والسمك. ولما كان بالغد مضيت مع الناخودة وقاضي عيسى اليمني لزيارة زاوية في طرف الجزيرة عمرها الشيخ الصالح نجيب «220» وعدنا ليلا، وبعث الوزير إليّ صبيحة تلك الليلة كسوة وضيافة فيها الأرز والسمن والخليع، وجوز النارجيل والعسل المصنوع منها وهم يسمونه القرباني، بضم القاف وسكون الراء وفتح الباء الموحدة والف ونون وياء، ومعنى ذلك ماء السكر، وأتو بمائة الف ودعة للنفقة.

ذكر بعض إحسان الوزير إلي

وبعد عشرة أيام قدم مركب من سيلان فيه فقراء من العرب والعجم يعرفونني، فعرّفوا خدّام الوزير بأمري، فزاد اغتباطا بي وبعث عني عند استهلال رمضان، «221» فوجدت الأمراء والوزراء وأحضر الطعام في موائد، يجتمع على المائدة طائفة، فأجلسني الوزير إلى جانبه ومعه القاضي عيسى والوزير الفاملداري والوزير عمر دهرد ومعناه مقدم العسكر «222» ، وطعامهم الأرز والدجاج والسمن والسمك والخليع والموز المطبوخ، ويشربون بعده عسل النّارجيل مخلوطا بالأفاويه، وهو يهضم الطعام. وفي التاسع من رمضان مات صهر الوزير زوج بنته، وكانت قبله عند السلطان شهاب الدين ولم يدخل بها أحد منهما لصغرها، فردّها أبوها لداره، وأعطاني دارها وهي من أجمل الدور، واستأذنته في ضيافة الفقراء القادمين من زيارة القدم «223» ، فأذن لي في ذلك، وبعث إليّ خمسا من الغنم، وهي عزيزة عندهم لأنها مجلوبة من المعبر والمليبار ومقدشو، وبعث الأرز والدجاج والسمن والابازير، فبعثت ذلك كلّه إلى دار الوزير سليمان مانايك «224» ، فطبخ لي بها فأحسن في طبخه وزاد فيه، وبعث الفرش وأواني النحاس، وأفطرنا على العادة بدار السلطانة مع الوزير، واستأذنته في حضور بعض الوزراء بتلك الضيافة، فقال لي: وأنا أحضر أيضا فشكرته وانصرفت إلى داري، فإذا به قد جاء ومعه الوزراء وأرباب الدولة، فجلس في قبة خشب مرتفعة، وكان كل من ياتي من الأمراء والوزراء يسلم على الوزير ويرمي بثوب غير مخيط حتى اجتمع مائة ثوب أو نحوها فأخذها الفقراء. وقدّم الطعام فأكلوا ثم قرأ القراء بالأصوات الحسان ثم أخذوا في السماع والرّقص وأعددت النار فكان الفقراء يدخلونها ويطأونها بالأقدام ومنهم من يأكلها كما تؤكل الحلواء إلى أن خمدت! ذكر بعض إحسان الوزير إلي ولما تمت الليلة انصرف الوزير ومضيت معه فمررنا ببستان للمخزن، فقال لي: هذا البستان لك، وسأعمر لك فيه دارا لسكناك فشكرت فعله، ودعوت له ثم بعث لي من الغد بجارية وقال لي خديمه: يقول لك الوزير إن أعجبتك هي لك وإلّا بعث لك جارية مرهتية،

ذكر تغيره وما أردته من الخروج ومقامي بعد ذلك

وكانت الجواري المرهتيات تعجبني، فقلت له: إنما أريد المرهتية! فبعثها لي وكان اسمها قل استان، ومعناه زهر البستان، وكانت تعرف اللسان الفارسي فأعجبتني، وأهل تلك الجزائر لهم لسان لم أكن أعرفه «225» ، ثم بعث إلي في غد ذلك بجارية معبرية تسمى عنبري «226» . ولمّا كانت الليلة بعدها جاء الوزير إليّ، بعد العشاء الأخيرة، في نفر من أصحابه فدخل الدار ومعه غلامان صغيران، فسلمت عليه، وسألني عن حالي فدعوت له وشكرته، فألقى أحد الغلامين بين يديه لقشة وهي شبه السّبنيّة «227» ، وأخرج منها ثياب حرير وحقّا فيه جوهر وحلي، فأعطاني ذلك وقال لي: لو بعثته لك مع الجارية، لقالت: هو مالي جئت به من دار مولاي والآن هو مالك فأعطه إياها! فدعوت له وشكرته وكان أهلا للشكر رحمه الله. ذكر تغيره وما أردته من الخروج ومقامي بعد ذلك وكان الوزير سليمان مانايك قد بعث إلي أن أتزوج بنته، فبعثت إلى الوزير جمال الدين مستأذنا في ذلك فعاد إلي الرسول وقال: لم يعجبه ذلك، وهو يحب أن يزوجك بنته إذا انقضت عدتها، فأبيت أنا ذلك وخفت من شؤمها لأنه مات تحتها زوجان قبل الدخول! وأصابتني أثناء ذلك حمّى مرضت بها، ولا بد لكل من يدخل تلك الجزيرة أن يحمّ «228» ، فقوى عزمي على الرحلة عنها، فبعث بعض الحلي بالودع، واكتريت مركبا أسافر فيه لبنجالة. فلما ذهبت لوداع الوزير خرج إليّ القاضي، فقال: الوزير يقول لك: إن شئت السّفر فأعطنا ما أعطيناك وسافر! فقلت له: إن بعض الحلي اشتريت به الودع، فشأنكم وإياه، فعاد إلي فقال: يقول إنما أعطيناك الذهب ولم نعطك الودع! فقلت له: أنا أبيعه وأتيكم بالذهب، فبعثت إلى التجار ليشتروه مني فأمرهم الوزير أن لا يفعلوا، وقصده بذلك كله أن لا أسافر عنه!! ثم بعث إلي أحد خواصه، وقال: الوزير يقول لك: أقم عندنا ولك كل ما أحببت، فقلت في نفسي: أنا تحت حكمهم، وإن لم أقم مختارا أقمت مضطرا فالإقامة باختياري أولى!

ذكر العيد الذي شاهدته معهم.

وقالت لرسوله: نعم: أنا أقيم معه فعاد إليه ففرح بذلك واستدعاني، فلما دخلت إليه، قام إليّ وعانقني، وقال: نحن نريد قربك وأنت تريد البعد عنّا! فاعتذرت له، فقبل عذري، وقلت له: إن أردتم مقامي فأنا أشترط عليكم شروطا، فقال: نقبلها فاشترط، فقلت له: أنا لا أستطيع المشي على قدمي، ومن عادتهم أن لا يركب أحد هنالك إلا الوزير، ولقد كنت لما أعطوني الفرس فركبته يتبعني الناس رجالا وصبيانا يعجبون مني حتى شكوت له، فضربت الدّنقرة، وبرّح في الناس أن لا يتبعني أحد، والدّنقرة بضم الدال المهمل وسكون النون وضم القاف وفتح الراء شبه الطست من النحاس، تضرب بحديدة فيسمع لها صوت على البعد، فإذا ضربوها حينئذ يبرّح في الناس بما يراد، فقال لي الوزير: إن أردت أن تركب الدولة وإلا فعندنا حصان ورمكة، فاختر أيهما شئت، فاخترت الرمكة، فأتوني بها في تلك الساعة وأتوني بكسوة فقلت له: وكيف أصنع بالودع الذي اشتريته؟ فقال: ابعث أحد أصحابك ليبيعه لك ببنجالة، فقلت له: على أن تبعث أنت من يعينه على ذلك، فقال: نعم، فبعثت حينئذ رفيقي أبا محمد بن فرحان، وبعثوا معه رجلا يسمى الحاج عليّا، فاتفق أن هال البحر فرموا بكل ما عندهم حتى الزاد والماء والصاري والقريّة «229» ! وأقاموا ست عشرة ليلة لا قلع لهم ولا سكان ولا غيره ثم خرجوا إلى جزيرة سيلان بعد جوع وعطش وشدائد وقدم على صاحبي أبو محمد بعد سنة وقد زار القدم وزارها مرة ثانية معي. ذكر العيد الذي شاهدته معهم. ولما تم شهر رمضان بعث الوزير إلي بكسوة وخرجنا إلى المصلى، وقد زينت الطريق التي يمر الوزير عليها من داره إلى المصلى وفرشت الثياب فيها وجعلت كتاتي الودع يمنة ويسرة، وكل من له على طريقه دار من الامراء والكبار قد غرس عندها النخل الصّغار من النارجيل وأشجار الفوفل والموز، ومدّ من شجرة إلى أخرى شرائط، وعلّق منها الجوز الأخضر، ويقف صاحب الدار عند بابها فإذا مر الوزير رمى على رجليه ثوبا من الحرير أو القطن فيأخذها عبيده مع الودع الذي يجعل على طريقه أيضا، والوزير ماش على قدميه وعليه فرجية مصرية من المرعز، وعمامة كبيرة وهو متقلد فوطة حرير وفوق رأسه أربعة شطور، وفي رجليه النّعل وجميع الناس سواه حفاة والأبواق والأنفار والأطبال بين يديه، والعساكر أمامه وخلفه، وجميعهم يكبّرون حتى أتوا المصلّى فخطب ولده بعد الصلاة ثم أتى بمحفة فركب فيها الوزير وخدم له الأمراء والوزراء ورموا بالثياب على العادة، ولم يكن ركب في المحفة قبل ذلك لان ذلك لا يفعله إلا الملوك.

ذكر تزوجي وولايتي القضاء

ثم رفعه الرجال وركبت فرسي ودخلنا القصر فجلس بموضع مرتفع وعنده الوزراء والأمراء ووقف العبيد بالتّرسة والسيوف والعصى، ثم أتى بالطعام ثمّ الفوفل والتنبول ثم أتى بصفحة صغيرة فيها الصندل المقاصرى «230» ، فإذا أكلت جماعة من الناس تلطّخوا بالصندل. ورأيت على بعض طعامهم يومئذ حوتا من السردين مملوحا غير مطبوخ، أهدي لهم من كولم، وهو ببلاد المليبار كثير، فأخذ الوزير بسردينة وجعل يأكلها، وقال لي: كل منه فإنه ليس ببلادنا! فقلت: كيف أكله وهو غير مطبوخ؟ فقال: إنه مطبوخ، فقلت: أنا أعرف به فإنه ببلادي كثير!! ذكر تزوجي وولايتي القضاء وفي الثاني من شوال «231» اتفقت مع الوزير سليمان مانايك على تزوج بنته، فبعث إلى الوزير جمال الدين أن يكون عقد النكاح بين يديه بالقصر فأجاب إلى ذلك، وأحضر التّنبول على العادة والصندل، وحضر الناس وأبطأ الوزير سليمان، فاستدعي فلم يات، ثم استدعي ثانية فاعتذر بمرض البنت، فقال لي الوزير سرّا: إن بنته امتنعت وهي مالكة أمر نفسها، والناس قد اجتمعوا فهل لك أن تتزوج بربيبة السلطانة زوجة أبيها وهي التي ولده متزوج بنتها؟ فقلت له: نعم، فاستدعى القاضي والشهود ووقعت الشهادة، ودفع الوزير الصداق، ورفعت إليّ بعد أيام، فكانت من خيار النساء، وبلغ حسن معاشرتها أنها كانت إذا تزوجت عليها تطيّبني وتبخر أثوابي وهي ضاحكة لا يظهر عليها تغيّر «232» . ولما تزوجتها أكرهني الوزير على القضاء وسبب ذلك اعتراضي على القاضي لكونه يأخذ العشر من التركات إذا قسمها على أربابها، فقلت له: إنما لك أجرة تتفق بها مع الورثة، ولم يكن يحسن شيئا، فلما ولّيت اجتهدت جهدي في إقامة رسوم الشرع، وليست هنالك خصومات كما هي ببلادنا! فأول ما غيرت من عوائد السوء مكث المطلقات في ديار المطلّقين، وكانت إحداهن لا تزال في دار المطلّق حتى تتزوج غيره، فحسمت علة ذلك، وأوتى إليّ بنحو خمسة وعشرين رجلا ممن فعل ذلك فضربتهم وشهّرتهم بالأسواق وأخرجت النساء عنهن ثم اشتددت في إقامة الصلوات وأمرت الرجال بالمبادرة إلى الأزقة والأسواق إثر

ذكر قدوم الوزير عبد الله بن محمد الحضرمي الذي نفاه السلطان شهاب الدين إلى السويد وما وقع بيني وبينه.

صلاة الجمعة فمن وجدوه لم يصل ضربته وشهّرته، وألزمت الأئمة والمؤذنين أصحاب المرتبات المواظبة على ما هم بسبيله، وكتبت إلى جميع الجزائر بنحو ذلك وجهدت أن أكسو النساء فلم أقدر على ذلك! ذكر قدوم الوزير عبد الله بن محمد الحضرمي الذي نفاه السلطان شهاب الدين إلى السويد وما وقع بيني وبينه. وكنت قد تزوجت ربيبته: بنت زوجته، وأحببتها حبّا شديدا، ولما بعث الوزير عنه وردّه إلى جزيرة المهل، بعثت له التّحف وتلقيته ومضيت معه إلى القصر فسلّم على الوزير، وأنزله في دار جيدة فكنت أزوره بها، واتّفق أن اعتكفت في رمضان فزارني جميع الناس إلا وهو، وزارني جمال الدين فدخل هو معه، بحكم الموافقة، فوقعت بيننا الوحشة فلما خرجت من الاعتكاف شكا إليّ أخوال زوجتي: ربيبته، أولاد الوزير جمال الدين السنجري، فإن أباهم أوصى عليهم الوزير عبد الله وأن مالهم باق بيده وقد خرجوا عن حجره بحكم الشرع وطلبوا إحضاره بمجلس الحكم. وكانت عادتي إذا بعثت عن خصم من الخصوم أبعث له قطعة كاغد مكتوبة أو غير مكتوبة، فعندما يقف عليها يبادر إلى مجلس الحكم الشرعي، وإلّا عاقبته، فبعثت إليه على العادة، فأغضبه ذلك وحقدها لي، وأضمر عداوتي، ووكّل من يتكلّم عنه، وبلغني عنه كلام قبيح! وكانت عادة الناس من صغير وكبير أن يخدموا له كما يخدمون للوزير جمال الدين. وخدمتهم أن يوصلوا السبابة إلى الارض ثم يقبلونها ويضعونها على رؤوسهم، فأمرت المنادي فنادى بدار السلطان على رؤوس الأشهاد أنه من خدم للوزير عبد الله كما يخدم للوزير الكبير لزمه العقاب الشديد، وأخذت عليه أن لا يترك الناس لذلك، فزادت عداوته. وتزوجت أيضا زوجة أخرى بنت وزير معظم عندهم كان جده السلطان داود «233» حفيد السلطان أحمد شنورازة، ثم تزوجت زوجة كانت تحت السلطان شهاب الدين وعمرت ثلاث ديار بالبستان الذي أعطانيه الوزير وكانت الرابعة وهي ربيبة الوزير عبد الله تسكن في دارها. وهي أحبهن إليّ فلما صاهرت من ذكرته هابني الوزير وأهل الجزيرة وتخوفوا مني لأجل ضعفهم وسعوا بيني وبين الوزير بالنمائم وتولّى الوزير عبد الله كبر ذلك حتى تمكنت الوحشة.

ذكر انفصالي عنهم وسبب ذلك.

ذكر انفصالي عنهم وسبب ذلك. واتفق في بعض الأيام أن عبدا من عبيد السلطان جلال الدين شكته زوجته إلى الوزير واعلمته أن عنده سرّية من سراري السلطان يزني بها، فبعت الوزير الشهود ودخلوا دار السّرية فوجدوا الغلام نائما معها في فراش واحد وحبسوهما، فلما أصبحت وعلمت بالخبر توجهت إلى المشور وجلست في موضع جلوسي ولم أتكلم في شيء من أمرها، فخرج إليّ بعض الخواص، فقال، يقول لك الوزير ألك حاجة فقلت: لا! وكان قصده أن أتكلم في شأن السّرّية والغلام إذ كانت عادتي أن لا تقع قضية إلا حكمت فيها، فلما وقع التغير والوحشة قصّرت في ذلك، فانصرفت إلى داري بعد ذلك. وجلست بموضع الأحكام، فإذا ببعض الوزراء، فقال لي: الوزير يقول لك: إنه وقع البارحة كيت وكيت لقضية السّرية والغلام فاحكم فيهما بالشرع، فقلت له: هذه قضية لا ينبغي أن يكون الحكم فيها الا بدار السلطان، فعدت إليها، واجتمع الناس وأحضرت السرية والغلام فأمرت بضربهما للخلوة، وأطلقت سراح المرأة وحبست الغلام وانصرفت إلى داري، فبعث الوزير إليّ جماعة من كبراء ناسه في شأن تسريح الغلام، فقلت لهم: أتشفعون في غلام زنجيّ يهتك حرمة مولاه وأنتم بالأمس خلعتم السلطان شهاب الدين وقتلتموه بسبب دخوله لدار غلام له؟ وأمرت بالغلام عند ذلك فضرب بقضبان الخيزران وهي أشد وقعا من السياط وشهّرته بالجزيرة وفي عنقه حبل. فذهبوا إلى الوزير فأعلموه، فقام وقعد واستشاط غضبا وجمع الوزراء ووجوه العسكر وبعث عني فجئته وكانت عادتي أن أخدم له فلم أخدم. وقلت: سلام عليكم ثم قلت للحاضرين: اشهدوا عليّ أني قد عزلت نفسي عن القضاء لعجزي عنه! فكلمني الوزير فصعدت وجلست بموضع أقابله فيه وجاوبته أغلظ جواب، وأذّن مؤذن المغرب، فدخل إلى داره وهو يقول: ويقولون إنّي سلطان وها أنا ذا طلبته لأغضب عليه فغضب علي! وإنما كان اعتزازي عليهم بسبب سلطان الهند لأنهم تحققوا مكانتي عنده وإن كانوا على بعد منه، فخوفه في قلوبهم متمكّن، فلما دخل إلى داره بعث إليّ القاضي المعزول وكان جرّيء اللسان، فقال لي: إن مولانا يقول لك: كيف هتكت حرمته على رؤوس الأشهاد ولم تخدم له؟ فقلت له: إنما كنت أخدم له حين كان قلبي طيّبا عليه، فلما وقع التغيّر تركت ذلك، وتحية المسلمين إنما هي السلام «234» ، وقد سلّمت! فبعثه إلي ثانية فقال: إنما غرضك السفر عنّا فأعط صدقات النساء وديون الناس وانصرف إذا شئت، فخدمت له على هذا

القول، وذهبت إلى داري فخلّصت ممّا علي من الدّين، وكان قد أعطاني في تلك الايام فرش دار وجهازها من أواني نحاس وسواها وكان يعطيني كلّ ما أطلبه ويحبني ويكرمني، ولكنه غيّر خاطره وخوّف مني! فلما عرف أني قد خلصت الدين وعزمت على السفر ندم على ما قاله وتلكأ في الإذن لي في السفر، فحلفت بالأيمان المغلظة أن لا بدّ من سفري ونقلت ما عندي إلى مسجد على البحر وطلّقت إحدى الزوجات وكانت إحداهن حاملا فجعلت لها أجلا تسعة أشهر إن عدت فيها، وإلا فأمرها بيدها، وحملت معي زوجتي التي كانت امرأة السلطان شهاب الدين لأسلمها لأبيها بجزيرة ملوك «235» ، وزوجتي الأولى التي بنتها أخت السلطانة، وتوافقت مع الوزير عمر دهرد والوزير حسن، قائد البحر على أن أمضي إلى بلاد المعبر، وكان ملكها سلفي «236» ، فاتى منها بالعساكر لترجع الجزائر إلى حكمه وأنوب عنه فيها وجعلت بيني وبينهم علامة رفع أعلام بيض في المراكب، فإذا رأوها ثاروا في البر!! ولم أكن حدثت نفسي بهذا قط حتى وقع ما وقع من التغيّر، وكان الوزير خائفا مني، يقول للناس: لا بدّ لهذا أن يأخذ الوزارة، إما في حياتي أو بعد موتي، ويكثر السؤال عن حالي، ويقول: سمعت أن ملك الهند بعث إليه الأموال ليثور بها عليّ، وكان يخاف من سفري لئلا أتي بالجيوش من بلاد المعبر، فبعث إليّ أن أقيم حتى يجهز لي مركبا فأبيت، وشكت أخت السلطانة إليها بسفر أمها معي، فأرادت منعها فلم تقدر على ذلك! فلما رأت عزمها على السفر قالت لها: إن جميع ما عندك من الحلي هو من مال البندر، فإن كان لك شهود بأن جلال الدين وهبه لك وإلّا فردّيه! وكان حليا له خطر، فردّته إليهم، وأتاني الوزراء والوجوه وأنا بالمسجد وطلبوا مني الرجوع، فقلت لهم: لولا أني حلفت لعدت، فقالوا: تذهب إلى بعض الجزائر ليبرّ قسمك وتعود، فقلت لهم: نعم، إرضاء لهم. فلما كانت اللّيلة التي سافرت فيها أتيت لوداع الوزير فعانقني وبكى حتى قطرت دموعه على قدمي، وبات تلك اللّيلة يحترس الجزيرة بنفسه خوفا أن يثور عليه أصهاري وأصحابي! ثم سافرت ووصلت إلى جزيرة الوزير عليّ، فأصابت زوجتي أوجاع عظيمة وأحبت الرجوع، فطلّقتها وتركتها هنالك، وكتبت للوزير بذلك لانها أمّ زوجة ولده، وطلقت التي كنت ضربت لها الأجل، وبعثت عن جارية كنت أحبها، وسرنا في تلك الجزائر من إقليم إلى إقليم!!

ذكر النساء ذوات الثدي الواحد

ذكر النساء ذوات الثدي الواحد وفي بعض تلك الجزائر رأيت امرأة لها ثدي واحد في صدرها، ولها بنتان: إحداهما كمثلها ذات ثدي واحد والأخرى ذات ثديين إلا أن أحدهما كبير فيه اللبن والآخر صغير لا لبن فيه، فعجبت من شأنهن! ووصلنا إلى جزيرة من تلك الجزائر صغيرة ليس بها إلا دار واحدة فيها رجل جائك له زوجة وأولاد ونخيلات نارجيل، وقارب صغير يصطاد فيه السمك، ويسير به إلى حيث أراد من الجزائر، وفي جزيرته أيضا شجيرات موز. ولم نر فيها من طيور البر غير غرابين خرجا إلينا لما وصلنا الجزيرة وطافا بمركبنا فغبطت- والله- ذلك الرجل ووددت أنّ لو كانت تلك الجزيرة لي فانقطعت فيها إلى أن ياتيني اليقين! ثم وصلت إلى جزيرة ملّوك حيث المركب الذي للناخوذة إبراهيم وهو الذي عزمت على السفر فيه إلى المعبر فجاء اليّ ومعه أصحابه وأضافوني ضيافة حسنة، وكان الوزير قد كتب لي أن أعطى بهذه الجزيرة مائة وعشرين بستورا «237» من الكودة وهي الودع، وعشرين قدحا من الأطوان وهو عسل النارجيل وعددا معلوما من التنبول والفوفل والسمك في كلّ يوم. وأقمت بهذه الجزيرة سبعين يوما وتزوجت بها امرأتين، وهي من أحسن الجزائر، خضرة نضرة، رأيت من عجائبها أن الغصن يقتطع من شجرها ويركز في الأرض أو الحائط فيورق ويصير شجرة، ورأيت الرمان بها لا ينقطع، له ثمر بطول السنة. وخاف أهل هذه الجزيرة من الناخودة إبراهيم أن ينهبهم عند سفره فأرادوا امساك ما في مركبه من السلاح حتى يوم سفره، فوقعت المشاجرة بسبب ذلك وعدنا إلى المهل ولم ندخلها، وكتبت إلى الوزير معلما بذلك، فكتب أن لا سبيل لأخذ السلاح، وعدنا إلى ملوك وسافرنا منها في نصف ربيع الثاني عام خمسة وأربعين «238» وفي شعبان من هذه السنة «239» توفي الوزير جمال الدين رحمه الله، وكانت السلطانة حاملا منه فولدت أثر وفاته، وتزوجها الوزير عبد الله. وسافرنا، ولم يكن معنا رايس عارف، ومسافة ما بين الجزائر والمعبر ثلاثة أيام، فسرنا نحن تسعة أيام وفي التاسع منها خرجنا إلى جزيرة سيلان، ورأينا جبل سرنديب

فيها ذاهبا في السماء، كأنه عمود دخان «240» ، ولما وصلناها قال البحرية: إن هذا المرسى ليس في بلاد السلطان الذي يدخل التّجار إلى بلاده آمنين، إنما هذا مرسى في بلاد السلطان أيري شكروتي، وهو من العتاة المفسدين، وله مراكب تقطع في البحر فخفنا أن ننزل بمرساه، ثم اشتدت الريح فخفنا الغرق، فقلت للناخودة: أنزلني إلى الساحل وأنا آخذ لك الأمان من هذا السلطان! ففعل ذلك وأنزلني بالساحل، فأتانا الكفار، فقالوا: ما أنتم؟ فأخبرتهم أني سلف سلطان المعبر وصاحبه، جئت لزيارته، وان الذي في المركب هدية له فذهبوا إلى سلطانهم فاعلموه بذلك فاستدعاني فذهبت له إلى مدينة بطّالة «241» ، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة والطاء المهمل وتشديدها، وهي حضرته مدينة صغيرة حسنة عليها سور خشب وأبراج خشب وجميع سواحلها مملوءة بأعواد القرفة تاتي بها السيول فتجتمع بالساحل كأنها الرّوابي ويحملها أهل المعبر والمليبار دون ثمن إلا أنهم يهدون للسلطان في مقابلة ذلك الثوب ونحوه «242» ، وبين بلاد المعبر وهذه الجزيرة مسيرة يوم وليلة، وبها أيضا

ذكر سلطان سيلان

من خشب البقّم كثير، ومن العود الهندي المعروف بالكلخي إلا أنه ليس كالقماري والقاقلي «243» وسنذكره. ذكر سلطان سيلان واسمه أيري شكروتي، بفتح الهمزة وسكون الياء وكسر الراء ثم ياء وشين معجم مفتوح فكاف مثله وراء مسكنة وواو مفتوح وتاء معلوة مكسورة وياء، وهو سلطان قوي في البحر، رأيت مرة وأنا بالمعبر مائة مركب من مراكبه بين صغار وكبار، وصلت إلى هنالك، وكانت بالمرسى ثمانية مراكب للسلطان برسم السفر إلى اليمن فأمر السلطان بالاستعداد وحشد الناس لحماية أجفانه، فلما يئسوا من انتهاز الفرصة فيها قالوا: إنما جئنا في حماية مراكب لنا تسير أيضا إلى اليمن! ولما دخلت على هذا السلطان الكافر قام إلي وأجلسني إلى جانبه وكلّمني بأحسن كلام، وقال: ينزل أصحابك على الأمان ويكونون في ضيافتي إلى أن يسافروا، فإن سلطان المعبر بيني وبينه الصحبة، ثم أمر بإنزالي، فأقمت عنده ثلاثة أيام في إكرام عظيم متزيّد في كل يوم، وكان يفهم اللّسان الفارسي، ويعجبه ما أحدثه به عن الملوك والبلاد. ودخلت عليه يوما وعنده جواهر كثيرة أتى بها من مغاص الجوهر الذي ببلاده، وأصحابه يميزون النفيس منها من غيره، فقال لي: هل رأيت مغاص الجوهر في البلاد التي جئت منها؟ فقلت له: نعم، رأيته بجزيرة قيس، وجزيرة كشم التي لابن السّواملي 24» ، فقال: سمعت بها، ثم أخذ حبات منه فقال: أيكون في تلك الجزيرة مثل هذه؟ فقلت له: رأيت ما هو دونها، فأعجبه ذلك! وقال: هي لك، وقال لي: لا تستحي واطلب مني ما شئت، فقلت له: ليس مرادي منذ وصلت هذه الجزيرة إلا زيارة القدم الكريمة: قدم أدم عليه

السلام يسمّونه: بابا، ويسمون حواء ماما «245» ، فقال: هذا هيّن! نبعث معك من يوصلك، فقلت: ذلك أريد، ثم قلت له: وهذا المركب الذي جئت فيه يسافر آمنا إلى المعبر وإذا عدت أنا بعثتني في مراكبك، فقال: نعم. فلما ذكرت ذلك لصاحب المركب قال لي: لا أسافر حتى تعود ولو أقمت سنة بسببك، فأخبرت السلطان بذلك، فقال: يقيم في ضيافتي حتى تعود، فأعطاني دولة يحملها عبيده على أعناقهم، وبعث معي أربعة من الجوكية الذين عادتهم السفر كلّ عام إلى زيارة القدم، وثلاثة من البراهمة، وعشرة من سائر أصحابه وخمسة عشر رجلا يحملون الزاد، وأما الماء فهو بتلك الطريق كثير. ونزلنا ذلك اليوم على واد جزناه في معدية مصنوعة من قصب الخيزران، ثم رحلنا من هنالك إلى منار مندلي، وضبط ذلك بفتح الميم والنون وألف وراء مسكّنة وميم مفتوح ونون مسكن ودال مفتوح ولام مكسور وياء، مدينة حسنة هي آخر عمالة السلطان «246» ، أضافنا أهلها ضيافة حسنة، وضيافتهم عجول الجواميس يصطادونها بغابة هنالك يأتون بها أحياء ويأتون بالارز والسمن والحوت والدجاج واللبن. ولم نر بهذه المدينة مسلما غير رجل خراساني انقطع بسبب مرضه فسافر معنا، ورحلنا إلى بندر سلاوات «247» ، وضبطه بفتح الباء الموحدة وسكون النون وفتح الدال المهمل وسكون الراء وفتح السين المهمل واللام والواو، والف وتاء معلوة، بلدة صغيرة، وسافرنا منها في أوعار كثيرة المياه، وبها الفيلة الكثيرة إلا أنها لا تؤذي الزوار والغرباء وذلك ببركة الشيخ أبي عبد الله بن خفيف، رحمه الله، وهو أول من فتح هذا الطريق إلى زيارة القدم، وكان هؤلاء الكفار يمنعون المسلمين من ذلك ويؤذونهم ولا يؤاكلونهم ولا يبايعونهم، فلما اتفق للشيخ أبي عبد الله ما ذكرناه في السّفر الأول «248» من قتل الفيلة لأصحابه وسلامته من بينهم وحمل الفيل له على ظهره، صار الكفار من ذلك العهد يعظمون المسلمين ويدخلونهم دورهم ويطعمون معهم، ويطمئنون لهم بأهلهم وأولادهم، وهم إلى الآن يعظمون الشيخ المذكور أشدّ تعظيم ويسمونه الشيخ الكبير.

ذكر سلطان [كنكار]

ثم وصلنا بهد ذلك إلى مدينة كنكار «249» ، وضبط اسمها بضم الكاف الأولى وفتح النون والكاف الثانية وآخره راء وهي حضرة السلطان الكبير بتلك البلاد، وبناؤها بين جبلين على خور كبير يسمّى خور الياقوت، لأن الياقوت يوجد به، وبخارج هذه المدينة مسجد الشيخ عثمان الشيرازي المعروف بشاوش «250» بشينين بينهما واو مضموم. وسلطان هذه المدينة وأهلها يزورونه ويعظمونه وهو كان الدليل إلى القدم فلما قطعت يده ورجله صار الأدلاء أولاده وغلمانه، وسبب قطعه أنه ذبح بقرة! وحكم كفار الهنود أنه من ذبح بقرة ذبح كمثلها أو جعل في جلدها وحرق، وكان الشيخ عثمان معظما عندهم فقطعوا يده ورجله وأعطوه مجبى بعض الأسواق. ذكر سلطان [كنكار] وهو يعرف بالكنار «251» بضم الكاف وفتح النون وألف وراء، وعنده الفيل الأبيض، لم أر في الدنيا فيلا أبيض سواه، يركبه في الأعياد ويجعل على جبهته أحجار الياقوت العظيمة، واتفق له أن قام عليه أهل دولته وكحلوا عينيه وولّوا ولده وهو هنالك أعمى. ذكر الياقوت والياقوت العجيب البهرمان «252» انما يكون بهذه البلدة، فمنه ما يخرج من الخور، وهو عزيز عندهم، ومنه ما يحفر عنه. وجزيرة سيلان يوجد الياقوت في جميع مواضعها، وهي متملّكة فيشتري الانسان القطعة منها، ويحفر عن الياقوت فيجد أحجارا بيضاء مشعّبة، وهي التي يتكون الياقوت في أجوافها فيعطيها الحكّاكين فيحكّونها حتى تنفلق عن أحجار

الفيل الأبيض نقلا عن القزويني في كتابه عجائب المخلوقات- الجمعية الملكية الأسيوية-

ذكر القرود

الياقوت، فمنه الأحمر ومنه الأصفر ومنه الأزرق ويسمونه النّيلم «253» ، بفتح النون واللام وسكون الياء آخر الحروف. وعادتهم أن ما بلغ ثمنه من أحجار الياقوت إلى مائة فنم، بفتح الفاء والنون، فهو للسلطان يعطي ثمنه وياخذه وما نقص عن تلك القيمة فهو لأصحابه، وصرف مائة فنم ستة دنانير من الذهب. وجميع النساء بجزيرة سيلان لهن القلائد من الياقوت الملون ويجعلنه في أيديهن وأرجلهن عوضا من الأسورة والخلاخيل «254» ، وجواري السلطان يصنعن منه شبكة يجعلنها على رؤوسهن، ولقد رأيت على جبهة الفيل الأبيض «255» سبعة أحجار منه، كل حجر أعظم من بيضة الدجاجة، ورأيت عند السلطان أيري شكروتي سكرجة على مقدار الكف من الياقوت، فيها دهن العود فجعلت أعجب منها فقال إن عندنا ما هو أضخم من ذلك. ثم سافرنا من كنكار «256» فنزلنا بمغارة تعرف باسم أسطا محمود اللّوري، بضم اللام، وكان من الصالحين، واحتفر تلك المغارة في سفح جبل عند خور صغير هنالك، ثم رحلنا عنها ونزلنا بالخور المعروف بخور بوزنة «257» ، بالباء الموحدة وواو ونون وهاء، وبوزنة: هي القرود. ذكر القرود والقرود بتلك الجبال كثيرة جدّا وهي سود الألوان لها أذناب طوال ولذكورها لحى كما هي للآداميين «258» ، وأخبرني الشيخ عثمان وولده وسواهما أنّ هذه القرود لها مقدم تتبعه

أنواع من القرود

ذكر العلق الطيار

كأنه سلطان يشد على رأسه عصابة من أوراق الأشجار ويتوكأ على عصا ويكون عن يمينه ويساره أربعة من القرود لها عصى بأيديها وأنه إذا جلس القرد المقدم تقف القرود الأربعة على رأسه وتأتي أنثاه وأولاده فتقعد بين يديه كلّ يوم، وتاتي القرود فتقعد على بعد منه ثم يكلمها أحد القرود الأربعة فتنصرف القرود كلها، ثم ياتي كل قرد منها بموزة أو ليمونة أو شبه ذلك فيأكل القرد المقدم وأولاده والقرود الأربعة. وأخبرني بعض الجوكية أنه رأى القرود الأربعة بين يدي مقدمها وهي تضرب بعض القرود بالعصى ثم نتفت وبره بعد ضربه، وذكر لي الثقات أنه إذا ظفر قرد من هذه القرود بصبيّة لا تستطيع الدفاع عن نفسها جامعها! وأخبرني بعض أهل هذه الجزيرة أنه كان بداره قرد منها فدخلت بنت له بعض البيوت فدخل عليها فصاحت به فغلبها، قال: ودخلنا عليها وهو بين رجليها فقتلناه! ثم كان رحيلنا إلى خور الخيزران، ومن هذا الخور أخرج أبو عبد الله بن خفيف الياقوتتين اللّتين أعطاهما لسلطان هذه الجزيرة حسبما ذكرناه في السفر الأول «259» . ثم رحلنا إلى موضع يعرف ببيت العجوز وهو آخر العمارة، ثم رحلنا إلى مغارة بابا طاهر، وكان من الصالحين، ثم رحلنا إلى مغارة السّبيك، بفتح السين المهمل وكسر الباء الموحدة وياء مد وكاف، وكان السّبيك من سلاطين الكفار وانقطع للعبادة هنالك. ذكر العلق الطيار وبهذا الموضع رأينا العلق الطيار ويسمونه الزّولو «260» ، بضم الزاي واللام، ويكون بالأشجار والحشائش التي تقرب من الماء فإذا قرب الإنسان منه وثب عليه، فحيثما وقع من جسده خرج منه الدم الكثير! والناس يستعدّون له الليمون، ويعصرونه عليه فيسقط عنهم ويجردون الموضع الذي يقع عليه بسكين خشب معد لذلك. ويذكر أن بعض الزوار مرّ بذلك الموضع فتعلقت به العلق فاظهر الجلد ولم يعصر

ذكر جبل سرنديب.

عليها الليمون فنزف دمه ومات، وكان اسمه بابا خوزي بالخاء المعجم المضموم والزاي، وهنالك مغارة تنسب اليه. ثم رحلنا إلى السبع مغارات ثم إلى عقبة إسكندر، ثم مغارة الاصفهاني وعين ماء وقلعة غير عامرة، تحتها خور يعرف بغوطة كاه عارفان، وهنالك مغارة النارنج، ومغارة السلطان وعندها دروازة الجبل أي بابه. ذكر جبل سرنديب «261» . وهو من أعلى جبال الدنيا رأيناه من البحر، وبيننا وبينه مسيرة تسع، ولما صعدناه كنا نرى السحاب أسفل منا، قد حال بيننا رؤية أسفله وفيه كثير من الأشجار التي لا يسقط لها ورق، والأزاهير الملونة، والورد الأحمر على قدر الكف، ويزعمون أن في ذلك الورد كتابة يقرأ منها اسم الله تعالى واسم رسوله عليه الصلاة والسلام، وفي الجبل طريقان إلى القدم: احدهما يعرف بطريق بابا والآخر بطريق ماما يعنون آدم وحواء عليهما السلام، فاما طريق ماما فطريق سهل، عليه يرجع الزوار اذا رجعوا ومن مضى عليه فهو عندهم كمن لم يزر وأما طريق بابا فصعب وعر المرتقى. وفي أسفل الجبل، حيث دروازته، مغارة تنسب أيضا لاسكندر وعين ماء. ونحت الأولون في الجبل شبه درج يصعد عليها وغرزوا فيها أوتاد الحديد وعلقوا منها السلاسل ليتمسّك بها من يصعده «262» ، وهي عشر سلاسل: ثنتان في أسفل الجبل حيث الدوروازة، وسبع متوالية بعدها، والعاشرة هي سلسلة الشهادة لان الانسان إذا وصل اليها ونظر إلى أسفل الجبل أدركه الوهم فيتشهد خوف السقوط، ثم إذا جاوزت هذه السلسلة وجدت طريقا مهملا، ومن السلسلة العاشرة إلى مغارة الخضر «263» سبعة أميال، وهي في

« ... ولما صعدناه كنا نرى السحاب أسفل منا قد حال بيننا رؤية أسفله»

ذكر القدم

موضع فسيح، عندها عين ماء تنسب اليه، ملأى بالحوت ولا يصطاده أحد، وبالقرب منها حوضان منحوتان في الحجارة عن جنبتي الطريق، وبمغارة الخضر يترك الزوار ما عندهم ويصعدون منها ميلين إلى أعلى الجبل حيث القدم. ذكر القدم وأثر القدم الكريمة قدم أبينا أدم صلى الله عليه وسلم في صخرة سوداء مرتفعة بموضع فسيح وقد غاصت القدم الكريمة في الصخرة حتى عاد موضعها منخفضا، وطولها أحد عشر شبرا، وأتى إليها أهل الصين قديما فقطعوا من الصخرة موضع الإبهام وما يليه «264» وجعلوه في كنيسة بمدينة الزيتون يقصدونها من أقصى البلاد. وفي الصخرة حيث القدم، تسع حفر منحوتة يجعل الزوار من الكفار فيها الذهب واليواقيت والجواهر، فترى الفقراء إذا وصلوا مغارة الخضر يتسابقون منها لأخذ ما بالحفر! ولم نجد بها إلا يسير حجيرات وذهب أعطيناها الدليل. والعادة أن يقيم الزوار بمغارة الخضر ثلاثة أيام ياتون فيها إلى القدم غدوة وعشيا، وكذلك فعلنا. ولما تمت الايام الثلاثة عدنا على طريق ماما، فنزلنا بمغارة شيم، وهو شيت بن أدم عليهما السلام، ثم إلى خور السمك، ثم إلى قرية كرملة، بضم لكاف وسكون الراء وضم الميم، ثم إلى قرية جبركاوان، بفتح الجيم والباء الموحدة وسكون الراء وفتح الكاف والواو وآخره نون ثم إلى قرية دل دينوه، بدالين مهملين مكسورين بينهما لام مسكن وياء مد ونون مفتوح وواو مفتوح وتاء تأنيث، ثم إلى قرية أت قلنجة «265» ، بهمزة مفتوحة وتاء مثناة مسكنة وقاف ولام مفتوحين ونون مسكن وجيم مفتوح، وهنالك يشتي الشيخ أبو عبد الله بن خفيف.

المكان المقصود من سائر الديّانات

وكل هذه القرى والمنازل هي بالجبل وعند أصل الجبل في هذا الطريق درخت روان، ودرخت هي بفتح الدال المهمل والراء وسكون الخاء المعجم وتاء معلوة، وروان بفتح الراء والواو وألف ونون، وهي شجرة عادية لا يسقط لها ورق، ولم أر من رأى ورقها، ويعرفونها أيضا بالماشية «266» لان الناظر اليها من أعلى الجبل يراها بعيدة منه قريبة من أسفل الجبل، والناظر اليها من أسفل الجبل يراها بعكس ذلك! ورأيت هنالك جملة من الجوكيين ملازمين أسفل الجبل ينتظرون سقوط ورقها وهي بحيث لا يمكن التوصل اليها البتّة ولهم أكاذيب في شأنها من جملتها أن من أكل من أوراقها عاد له الشباب إن كان شيخا وذلك باطل! وتحت هذا الجبل الخور العظيم الذي يخرج منه الياقوت، وماؤه في رأى العين شديد الزرقة. ورحلنا من هنالك يومين إلى مدينة دينور، وضبط اسمها بدال مهمل مكسور وياء مد ونون وواو مفتوحين وراء، مدينة عظيمة على البحر يسكنها التجار «267» ، وبها الصنم المعروف بدينور في كنيسة عظيمة فيها نحو الآلف من البراهمة والجوكية ونحو خمسمائة من النساء بنات الهنود، ويغنين كلّ ليلة عند الصنم ويرقصن، والمدينة ومجابيها وقف على الصنم وكل من بالكنيسة، ومن يرد عليها، ياكلون من ذلك، والصنم من ذهب على قدر الأدمي، وفي موضع العينين منه ياقوتتان عظيمتان أخبرت أنهما تضيئان بالليل كالقنديلين. ثم رحلنا إلى مدينة قالي «268» ، بالقاف وكسر اللام، وهي صغيرة على ستة فراسخ من دينور، وبها رجل من المسلمين يعرف بالناخودة ابراهيم أضافنا بموضع، ورحلنا إلى مدينة كلنبو «269» وضبط اسمها بفتح الكاف واللام وسكون النون وضم الباء الموحدة وواو، وهي من أحسن بلاد سرنديب واكبرها، وبها يسكن الوزير حاكم البحر جالستي «270» ومعه نحو خمسمائة من الحبشة.

ثم رحلنا فوصلنا بعد ثلاثة أيام إلى بطالة، وقد تقدم ذكرها، ودخلنا إلى سلطانها الذي تقدم ذكره، ووجدت الناخودة ابراهيم في انتظاري، فسافرنا بقصد بلاد المعبر، وقويت الريح وكاد الماء يدخل في المراكب ولم يكن لنا رايس عارف. ثم وصلنا إلى حجارة كاد المركب ينكسر فيها، ثم دخلنا بحرا قصيرا فتجلّس المركب، ورأينا الموت عيانا، ورمى الناس بما معهم وتوادعوا وقطّعنا صاري المركب فرمينا به وصنع البحرية معدية من الخشب، وكان بيننا وبين البر فرسخان، فأردت أن أنزل في المعدية، وكان لي جاريتان وصاحبان من أصحابي فقالا: أتنزل وتتركنا؟ فآثرتهما على نفسي وقلت: انزلا انتما والجارية التي أحبها، فقالت الجارية: إني أحسن السباحة، فأتعلق بحبل من حبال المعدية وأعوم معهم، فنزل رفيقاي وأحدهما محمد بن فرحان التوزري، والآخر رجل مصري، والجارية معهم والأخرى تسبح، وربط البحرية في المعدية حبالا وسبحوا بها، وجعلت معهم ما عزّ علي من المتاع والجواهر والعنبر، فوصلوا إلى البر سالمين لأن الريح كانت تساعدهم. وأقمت بالمركب ونزل صاحبه إلى البر على الدّفة وشرع البحرية في عمل أربع من المعادي فجاء الليل قبل تمامها ودخل معنا الماء فصعدت إلى المؤخر وأقمت به حتى الصباح، وحينئذ جاء إلينا نفر من الكفار في قارب لهم، ونزلنا معهم إلى ساحل ببلاد المعبر، فأعلمناهم أنّا من أصحاب سلطانهم وهم تحت ذمته، فكتبوا اليه بذلك، وهو على مسيرة يومين في الغزو، وكتبت أنا إليه أعلمه بما اتفق علي، وأدخلنا أولئك الكفار إلى غيضة فأتونا بفاكهة تشبه البطيخ يثمرها شجر المقل «271» ، وفي داخلها شبه قطن فيه عسيلة يستخرجونها ويصنعون منها حلواء يسمونها التّل «272» وهي تشبه السكر وأتوا بسمك طيب. وأقمنا ثلاثة أيام ثم وصل من جهة السلطان أمير يعرف بقمر الدين معه جماعة فرسان ورجال وجاءوا بالدولة وبعشرة أفراس فركبت وركب أصحابي وصاحب المركب وإحدى الجاريتين، وحملت الأخرى في الدولة، ووصلنا إلى حصن هركاتو «273» ، وضبط اسمه بفتح الهاء وسكون الراء وفتح الكاف وألف وتاء معلوة مضمومة وواو.

ذكر سلطان بلاد المعبر

وبتنا به وتركت فيه الجواري وبعض الغلمان والاصحاب ووصلنا في اليوم الثاني إلى محلة السلطان. ذكر سلطان بلاد المعبر وهو غياث الدين الدامغاني، وكان في أول أمره فارسا من فرسان الملك مجير «274» بن أبي الرجا أحد خدام السلطان محمد، ثم خدم الأمير حاجي بن السيد السلطان جلال الدين ثم ولى الملك، وكان يدعى سراج الدين قبله، فلما ولى تسمّى غياث الدين، وكانت بلاد المعبر تحت حكم السلطان محمد ملك دهلي، ثم ثار بها صهري الشريف جلال الدين أحسن شاه «275» ، وملك بها خمسة أعوام، ثم قتل وولّي أحد أمرائه، وهو علاء الدين أديجي «276» بضم الهمزة وفتح الدال المهمل وسكون الياء آخر الحروف وكسر الجيم، فملك سنة ثم خرج إلى غزو الكفار فأخذ لهم أموالا كثيرة وغنائم واسعة وعاد إلى بلاده، وغزاهم في السنة الثانية فهزمهم وقتل منهم مقتلة عظيمة. واتفق يوم قتله لهم أن رفع المغفر عن رأسه ليشرب فأصابه سهم غرب، فمات من حينه فولّوا صهره قطب الدين «277» ثم لم يحمدوا سيرته فقتلوه بعد أربعين يوما وولى بعده السلطان غياث الدين «278» وتزوج بنت السلطان الشريف جلال الدين التي كنت متزوجا أختها بدهلي.

ذكر وصولي إلى السلطان غياث الدين

ذكر وصولي إلى السلطان غياث الدين ولما وصلنا إلى قرب من منزله بعث بعض الحجاب لتلقّينا وكان قاعدا في برج خشب وعادتهم بالهند كلّها أن لا يدخل أحد على السلطان دون خفّ، ولم يكن عندي خف، فأعطاني بعض الكفار خفا، وكان هنالك من المسلمين جماعة فعجبت من كون الكافر كان أتم مروءة منهم! «279» ودخلت على السلطان فأمرني بالجلوس ودعا القاضي الحاج صدر الزمان بهاء الدين، وأنزلني في جواره في ثلاثة من الأخبية، وهم يسمونها الخيام وبعث بالفرش وبطعامهم، وهو الأرز واللحم. وعادتهم هنالك أن يسقوا اللبن الرائب على الطعام كما يفعل ببلادنا، ثم اجتمعت به بعد ذلك، وألقيت له أمر جزائر ذيبة المهل وأن يبعث الجيش اليها فأخذ في ذلك بالعزم وعيّن المراكب لذلك، وعين الهدية لسلطانتها والخلع للوزراء والأمراء والعطايا لهم وفوض إليّ في عقد نكاح مريم «280» أخت السّلطانة وأمر بوسق ثلاثة مراكب بالصدقة لفقراء الجزائر، وقال لي يكون رجوعك بعد خمسة أيام، فقال له قائد البحر خواجة سرلك: لا يمكن السفر إلى الجزائر إلّا بعد ثلاثة أشهر من الآن، فقال لي السلطان: أما إذا كان الأمر هكذا فامض إلى فتّن حتى «281» حتى نقضي هذه الحركة ونعود إلى حضرتنا مترة «282» ومنها تكون الحركة فأقمت معه بخلال ما بعثت عن الجواري والأصحاب.

ذكر ترتيب رحيله وشنيع فعله في قتل النساء والولدان.

ذكر ترتيب رحيله وشنيع فعله في قتل النساء والولدان. وكانت الأرض التي نسلكها غيضة واحدة من الأشجار والقصب بحيث لا يسلكها أحد فأمر السلطان أن يكون مع كل واحد من في الجيش من كبير وصغير قادوم لقطع ذلك، فإذا نزلت المحلة ركب إلى الغابة والناس معه فقطعوا تلك الأشجار من عدوة النهار إلى الزوال، ثم يوتي بالطعام فيأكل جميع الناس طائفة بعد أخرى، ثم يعودون إلى قطع الأشجار إلى العشى وكلّ من وجوده من الكفار في الغيضة أسروه، وصنعوا خشبة محددة الطرفين فجعلوها على كتفيه يحملها ومعه امرأته وأولاده ويوتي بهم إلى المحلة! وعادتهم أن يصنعوا على المحلة سورا من خشب يكون له أربعة أبواب ويسمونه الكتكر، بفتح الكافين وسكون التاء المعلوة وآخره راء، ويصنعون على دار السلطان كتكرا ثانيا ويصنعون خارج الكتكر الأكبر مصاطب ارتفاعها نحو نصف قامة ويوقدون عليها النار باللّيل ويبيت عندها العبيد والمشاؤون، ومع كل واحد منهم حزمة من رقيق القصب، فإذا أتى احد من الكفار ليضربوا على المحلة ليلا أوقد كل واحد منهم الحزمة التي بيده، فعاد اللّيل شبه النهار، لكثرة الضياء وخرجت الفرسان في اتباع الكفار، فإذا كان عند الصباح، قسم الكفار الماسورون بالأمس أربعة أقسام وأوتى إلى كلّ باب من أبواب الكتكر بقسم منهم فركزت الخشب التي كانوا يحملونها بالأمس عنده ثم ركزوا فيها حتى تنفذهم، ثم تذبح نساؤهم ويربطن بشعورهم إلى تلك الخشبات ويذبح الأولاد الصغار في حجورهن ويتركون هنالك وتنزل المحلة ويشتغلون بقطع غيضة أخرى ويصنعون بمن أسروه كذلك! وذلك أمر شنيع ما علمته لأحد من الملوك وبسببه عجل الله حينه! ولقد رأيته يوما والقاضي عن يمينه وأنا عن شماله وهو يأكل معنا وقد أوتي بكافر معه امرأته وولده سنّه سبع فأشار إلى السيافين بيده أن يقطعوا رأسه، ثم قال لهم وزن أو وبّسر أو «283» معناه: وابنه وزوجته فقطعت رقابهم، وصرفت بصري عنهم فلما قمت وجدت رؤوسهم مطروحة بالأرض! وحضرت عنده يوما وقد أتي برجل من الكفار فتكلم بما لم أفهمه فإذا بجماعة من الزبانية قد استلوا سكاكينهم، فبادرت القيام، فقال لي: إلى أين؟ فقلت: أصلي العصر، ففهم عني وضحك، وأمر بقطع يديه ورجليه، فلما عدت وجدته متشطحا في دمائه!

ذكر هزيمته للكفار وهي من أعظم فتوحات الإسلام

ذكر هزيمته للكفار وهي من أعظم فتوحات الإسلام وكان في ما يجاور بلاده سلطان كافر يسمى بلّال ديو «284» ، بفتح الباء الموحدة ولام وألف ولام ثانية ودال مهمل مكسور وياء آخر الحروف مفتوحة وواو مسكن، وهو من كبار سلاطين الكفار يزيد عسكره على مائة ألف، ومعه نحو عشرين الفا من المسلمين أهل الذعارة وذوى الجنايات والعبيد الفارين، فطمع في الاستيلاء على بلاد المعبر، وكان عسكر المسلمين بها ستة آلاف منهم النصف من الجياد والنصف الثاني لا خير فيهم ولا غناء عندهم فلقوه بظاهر مدينة كبّان «285» فهزمهم ورجعوا إلى حضرة مترة، ونزل الكافر على كبّان وهي من أكبر مدنهم وأحصنها وحاصرها عشرة أشهر ولم يبق لهم من الطعام إلا قوت أربعة عشر يوما، بعث لهم الكافر أن يخرجوا على الأمان ويتركوا له البلد، فقالوا له: لا بد من مطالعة سلطاننا بذلك، فوعدهم إلى تمام أربعة عشرة يوما، وكتبوا إلى السلطان غياث الدين بأمرهم فقرأ كتابهم على النّاس يوم الجمعة، فبكوا، وقالوا: نبيع أنفسنا من الله، فإن الكافر إن أخذ تلك المدينة انتقل إلى حصارنا، فالموت تحت السيوف أولى بنا! فتعاهدوا على الموت وخرجوا من الغد ونزعوا العمائم عن رؤوسهم وجعلوها في أعناق الخيل، وهي علامة من يريد الموت، وجعلوا ذوي النجدة والأبطال منهم في المقدمة، وكانوا ثلاثمائة، وجعلوا على الميمنة سيف الدّين بها دور، وكان فقيها ورعا شجاعا، وعلى المسيرة الملك محمد السّلحدا «286» ، وركب السلطان في القلب ومعه ثلاثة آلاف، وجعل الثلاثة الآلاف الباقين ساقة لهم، وعليهم اسد الدين كيخسرو الفارسي، وقصدوا محلّة الكافر عند القائلة، وأهلها على غرة، وخيلهم في المرعى فأغاروا عليها، وظن الكفار أنهم سرّاق فخرجوا اليهم على غير تعبئة وقاتلوهم، فوصل السلطان غياث الدين فانهزم الكفار شرّ هزيمة، وأراد سلطانهم أن يركب وكان ابن ثمانين سنة، فأدركه ناصر الدين بن أخي السلطان الذي ولي الملك بعده، فأراد قتله، ولم يعرفه، فقال له أحد غلمانه: هو السلطان، فأسره وحمله إلى عمه فأكرمه في الظاهر حتى جبى منه الأموال والفيلة والخيل، وكان يعده السراح، فلما استصفى ما عنده ذبحه وسلخه، وملئ جلده بالتبن، فعلّق على سور مترة، ورايته بها معلقا! ولنعد إلى كلامنا فنقول: ورحلت عن المحلة فوصلت الى مدينة فتّن، بفتح الفاء والتاء المثناة المشددة ونون وهي كبيرة حسنة على الساحل، ومرساها عجيب قد صنعت فيه قبّة خشب كبيرة قائمة على الخشب الضخام يصعد اليها على طريق خشب مسقّف، فإذا جاء

العدوّ ضموا إليها الأجفان التي تكون بالمرسى، وصعدها الرجال والرماة فلا يصيب العدوّ فرصة. وبهذه المدينة مسجد حسن مبنى بالحجارة، وبها العنب الكثير والرّمان الطيب، ولقيت بها الشيخ الصالح محمد النيسابوري أحد الفقراء المولّهين الذين يسدلون شعورهم على أكتافهم، ومعه سبع ربّاه يأكل مع الفقراء ويقعد معهم، وكان معه نحو ثلاثين فقيرا، لأحدهم غزالة تكون مع الأسد في موضع واحد فلا يعرض لها! وأقمت بمدينة فتنّ، وكان السلطان غياث الدين قد صنع له أحد الجوكية حبوبا للقوة على الجماع، وذكروا أن من جملة أخلاطها برادة الحديد، فأكل منها فوق الحاجة فمرض ووصل إلى فتّن فخرجت إلى لقائه وأهديت له هدية فلما استقر بها بعث عن قائد البحر خواجة سرور، فقال له: لا تشتغل بسوى المراكب المعيّنة للسفر إلى الجزائر، وأراد أن يعطيني قيمة الهدية، فأبيت، ثم ندمت! لانه مات فلم آخذ شيئا! وأقام بفتن نصف شهر ثم رحل إلى حضرته. وأقمت أنا بعده نصف شهر، ثم رحلت إلى حضرته، وهي مدينة مترة، بضم الميم وسكون التاء المعلوة وفتح الراء، مدينة كبيرة متسعة الشوارع، وأول من اتخذها حضرة صهريّ السلطان الشريف جلال الدين أحسن شاه وجعلها شبيهة بدهلي، وأحسن بناءها، ولما قدمتها وجدت بها وباء يموت منه الناس موتا ذريعا فمن مرض مات من ثاني يوم مرضه، أو ثالثه «287» وإن أبطأ موته فإلى الرابع، فكنت إذا خرجت لا أرى إلا مريضا أو ميتا. واشتريت بها جارية على أنها صحيحة فماتت في يوم آخر، ولقد جاءت إليّ في بعض الأيام امرأة كان زوجها من وزراء السلطان أحسن شاه ومعها ابن لها سنّة ثمانية أعوام نبيل كيّس فطن فشكت ضعف حالها فأعطيتها نفقة، وهما صحيحان سويّان. فلما كان من الغد جاءت تطلب لولدها المذكور كفنا، وإذا به قد توفى من حينه. وكنت أرى بمشور السلطان حين مات، المئين من الخدم اللاتي أوتى بهن لدق الأرز المعمول منه الطعام لغير السلطان وهن مريضات قد طرحن انفسهن في الشمس ولما دخل السلطان مترة وجد أمه وامرأته وولده مرضى فأقام بالمدينة ثلاثة أيام، ثم خرج إلى نهر على فرسخ منها كانت عليه كنيسة للكفار وخرجت إليه في يوم خميس فأمر بإنزالي إلى جانب القاضي فلما ضربت لي الأخبية رأيت الناس يسرعون ويموج بعضهم في بعض، فمن قائل: إن السلطان مات ومن قائل: إن ولده هو الميت، ثم تحققنا ذلك، فكان

ذكر وفاة السلطان وولاية ابن أخيه وانصرافي عنه

الولد هو الميت ولم يكن له سواه فكان موته مما زاد في مرضه وفي الخميس بعده توفيت أم السلطان! ذكر وفاة السلطان وولاية ابن أخيه وانصرافي عنه وفي الخميس الثالث توفيّ السلطان غياث الدين وشعرت بذلك فبادرت الدخول إلى المدينة خوف الفتنة، ولقيت ناصر الدين بن أخيه الوالي بعده خارجا إلى المحلة قد وجّه عنه، إذ ليس للسلطان ولد، فطلبني في الرجوع معه فأبيت، وأثّر ذلك في قلبه وكان ناصر الدين هذا خديما بدهلي قبل أن يملك عمّه فلما ملك عمه هرب في زيّ الفقراء إليه فكان من القدر ملكه بعده. ولما بويع مدحته الشعراء فأجزل لهم العطاء وأول من قام منشدا القاضي صدر الزمان فأعطاه خمسمائة دينار وخلعة. ثم الوزير المسمّى بالقاضي فأعطاه ألفي دينار دراهم، وأعطاني أنا ثلاثمائة دينار وخلعة، وبث الصدقات في الفقراء والمساكين، ولما خطب الخطيب أول خطبة خطبها باسمه نثرت عليه الدنانير والدراهم في أطباق الذهب والفضة، وعمل عزاء السلطان غياث الدين فكانوا يختمون القرآن على قبره كلّ يوم، ثم يقرأ العشّارون «288» ، ثم يوتي بالطعام فيأكل الناس ثم يعطون الدراهم كلّ إنسان على قدره، وأقاموا على ذلك أربعين يوما ثم يفعلون ذلك في مثل يوم وفاته من كل سنة. وأول ما بدأ به السلطان ناصر الدين أن عزل وزير عمه وطلبه بالأموال، وولي الوزارة الملك بدر الدين الذي بعثه عمّه إلي وأنا بفتن ليتلقاني، فتوفى سريعا فولى الوزارة خواجة سرور قائد البحر، وأمر أن يخاطب بخواجة جهان، كما يخاطب الوزير بدهلي، ومن خاطبه بغير ذلك غرم دنانير معلومة. ثم إن السلطان ناصر الدين قتل ابن عمته المتزوّج بنت السلطان غياث الدين وتزوّجها بعده، وبلغه أن الملك مسعودا زاره في محبسه قبل موته فقتله أيضا، وقتل الملك بهادور، وكان من الشجعان الكرماء الفضلاء. وأمر لي بجميع ما كان عيّنه عمه من المراكب برسم الجزائر، ثم أصابتني الحمى القاتلة هنالك، فظننت أنها القاضية، وألهمني الله التمر الهندي، وهو هنالك كثير فأخذت نحو

ذكر سلب الكفار لنا

رطل منه وجعلته في الماء ثم شربته، فأسهلني ثلاثة أيام، وعافاني الله من مرضي، فكرهت تلك المدينة، وطلبت الإذن في السفر، فقال لي السلطان: كيف تسافر ولم يبق لأيام السفر إلى الجزائر غير شهر واحد؟ أقم حتى نعطيك جميع ما أمر لك به خوند عالم، فأبيت، وكتب لي إلى فتّن لأسافر في أيّ مركب أردت، وعدت إلى فتّن فوجدت ثمانية من المراكب تسافر إلى اليمن، فسافرت في إحداها، ولقينا أربعة أجفان فقاتلتنا يسيرا ثم انصرفت، ووصلنا إلى كولم وكان في بقيّة مرض فأقمت بها ثلاثة أشهر «289» ثم ركبت في مركب يقصد السلطان جمال الدين الهنّوري فخرج علينا الكفار بين هنّور وفاكنور. ذكر سلب الكفار لنا ولما وصلنا إلى الجزيرة الصغرى بين هنّور وفاكنور «290» خرج علينا الكفار في اثنى عشر مركبا حربية، وقاتلونا قتالا شديدا، وتغلبوا علينا فأخذوا جميع ما عندي مما كنت أذّخره للشدائد وأخذوا الجواهر واليواقيت التي أعطانيها ملك سيلان، وأخذوا ثيابي والزّوادات التي كانت عندي مما أعطانيه الصالحون والأولياء ولم يتركوا لي ساترا خلا السّراويل! وأخذوا ما كان لجميع الناس! وأنزلونا بالساحل، فرجعت إلى قالقوط فدخلت بعض المساجد، فبعث إلي أحد الفقهاء بثوب وبعث القاضي بعمامة، وبعث بعض التجار بثوب آخر. وتعرفت هنالك بتزوّج الوزير عبد الله بالسلطانة خديجة بعد موت الوزير جمال الدين، وبأن زوجتي التي تركتها حاملا ولدت ولدا ذكرا فخطر لي السفر إلى الجزائر، وتذكرت العداوة التي بيني وبين الوزير عبد الله، ففتحت المصحف فخرج لي: تتنزّل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا (291) ، فاستخرت الله وسافرت، فوصلت بعد عشرة أيام إلى جزائر ذيبة المهل، ونزلت منها بكنّلوس «292» ، فأكرمني واليها عبد العزيز المقدشاوي، وأضافني

رسم للقراصنة بريشة بينيط L.Benett

وجهز لي كندرة، ووصلت بعد ذلك إلى هللي «293» وهي الجزيرة التي تخرج السلطانة وأخواتها اليها برسم التفرّج والسباحة ويسمون ذلك التّبحّر، ويلعبون في المراكب ويبعث لها الوزراء والأمراء بالهدايا والتحف متى كانت بها، ووجدت بها أخت السلطانة وزوجها الخطيب محمد بن الوزير جمال الدين وأمها التي كانت زوجتي فجاء الخطيب إليّ وأتوا بالطعام. ومرّ بعض أهل الجزيرة إلى الوزير عبد الله فأعلموه بقدومي، فسأل عن حالي وعمّن قدم معي، وأخبر أني جئت برسم حمل ولدي، وكانت سنه نحو عامين «294» وأتته أمه تشكو من ذلك، فقال لها: أنا لا أمنعه من حمل ولده، وأذن لي في دخول الجزيرة، وأنزلني بدار تقابل برج قصره ليتطلّع على حالي، وبعث إلي بكسوة كاملة وبالتّنبول وماء الورد على عادتهم، وجئت بثوبي حرير للرمى عند السلام فأخذوهما، ولم يخرج الوزير إليّ ذلك اليوم، وأتي إليّ بولدي فظهر لي أن تعجيل السفر أولى، فطلبت الإذن في ذلك فاستدعاني الوزير ودخلت عليه وأتوني بالثوبين الذين أخذوهما مني فرميتهما عند السلام على العادة، وأجلسني إلى جانبه، وسألني عن حالي، وأكلت معه الطعام وغسلت يدي معه في الطست، وذلك شيء لا يفعله مع أحد، وأتوا بالتنبول، وانصرفت، وبعث إلي بأثواب وبساتي «295» من الودع، وأحسن في افعاله وأجمل. وسافرت فأقمنا على ظهر البحر ثلاثا وأربعين ليلة، ثم وصلنا إلى بلاد بنجالة، وضبطها بفتح الباء الموحدة وسكون النون وجيم معقود وألف ولام مفتوح، وهي بلاد متسعة كثيرة الأرز، ولم أر في الدنيا أرخص أسعارا منها لكنها مظلمة، وأهل خرسان يسمونها دوزخست بور نعمت «296» معناه: جهنم ملأى بالنعم، رأيت الأرز يباع في أسواقها خمسة وعشرين رطلا دهلية بدينار فضي «297» ، والدينار الفضي هو ثمانية دراهم، ودرهمهم كالدرهم النّقرة سواء، والرطل الدّهلي عشرون رطلا مغربية، وسمعتهم يقولون أن ذلك غلاء عندهم.

وحدثني محمد المصمودي المغربي، وكان من الصالحين، وسكن هذا البلد قديما، ومات عندي بدهلي، أنه كانت له زوجة وخادم فكان يشتري قوت ثلاثتهم في السنة بثمانية دراهم، وأنه كان يشتري الأرز في قشره، بحساب ثمانين رطلا دهلية «298» بثمانية دراهم، فإذا دقه خرج منه خمسون رطلا صافية وهي عشرة قناطير، ورأيت البقرة تباع بها للحلب بثلاثة دنانير فضة، وبقرهم الجواميس، ورأيت الدّجاج السمان تباع بحساب ثمان بدرهم واحد، وفراخ الحمام يباع خمسة عشر منها بدرهم، ورأيت الكبش السمين يباع بدرهمين، ورطل السكر بأربعة دراهم، وهو رطل دهلي، ورطل الجلّاب بثمانية دراهم، ورطل السمن بأربعة دراهم، ورطل السيرج بدرهمين، ورأيت ثوب القطن الرقيق الجيّد الذي ذرعه ثلاثون ذراعا يباع بدينارين، ورأيت الجارية المليحة للفراش تباع بدينار من الذهب واحد وهو ديناران ونصف من الذهب المغربي «299» واشتريت بنحو هذه القيمة جارية تسمى عاشورة، وكان لها جمال بارع واشترى بعض أصحابي غلاما صغير السن حسنا اسمه لؤلؤ بدينارين من الذّهب. وأول مدينة دخلناها من بلاد بنجالة مدينة سدكاوان، وضبط اسمها بضم السين وسكون الدال المهملين وفتح الكاف والواو وآخره نون وهي مدينة عظيمة على ساحل البحر الأعظم «300» ، ويجتمع بها نهر الكنك الذي يحج إليه الهنود ونهر الجون «301» ويصبان في البحر، ولهم في النهر مراكب كثيرة يقاتلون بها أهل بلاد اللكنوتي «302» .

البنجال جهنّم ملأى بالنّعم!

ذكر سلطان بنجالة

ذكر سلطان بنجالة وهو السلطان فخر الدين «303» الملقب بفخرة، بالفاء والخاء المعجم والراء، سلطان فاضل محبّ في الغرباء وخصوصا الفقراء والمتصوفة وكانت مملكة هذه البلاد للسلطان ناصر الدين بن السلطان غياث الدين بلبن وهو الذي ولي ولده معزّ الدين الملك بدهلي، فتوجه لقتاله والتقينا بالنّهر، وسمّي لقاؤهما لقاء السّعدين، وقد ذكرنا ذلك «304» وأنه ترك الملك لولده وعاد إلى بنجالة فأقام بها إلى أن توفي. وولى ابنه شمس الدين إلى أن توفى فولى ابنه شهاب الدين، إلى أن غلب عليه أخوه غياث الدين بها دور فاستنصر شهاب الدين بالسلطان غياث الدين تغلق فنصره وأخذ بهادور بور أسيرا، ثم أطلقه ابنه محمد لما ملك على أن يقاسمه ملكه، فنكث عليه فقاتله حتى قتله، وولّى على هذه البلاد صهرا له فقتله العسكر، واستولى على ملكها علي شاه «305» ، وهو إذ ذاك ببلاد اللّكنوتي، فلما رأى فخر الدين أن الملك قد خرج عن أولاد السلطان ناصر الدين وهو مولى لهم، خالف بسدكاوان وبلاد بنجالة واستقل بالملك واشتدت الفتنة بينه علي شاه، فإذا كانت أيام الشتاء والوحل أغار فخر الدين على بلاد اللّكنوتي في البحر لقوته فيه، وإذا عادت الأيام التي لا مطر فيها اغار على شاه على بنجالة في البر لقوّته فيه. حكاية [الفقير شيدا] وانتهى حبّ الفقراء بالسلطان فخر الدين إلى أن جعل أحدهم نائبا عنده في الملك بسدكاوان، وكان يسمى شيدا، بفتح الشين المعجم والدال المهمل بينهما ياء أخر الحروف وخرج إلى قتال عدوّ له فخالف عليه شيدا وأراد الاستبداد بالملك، وقتل ولدا للسلطان فخر الدين لم يكن له ولد غيره «306» ! فعلم بذلك فكّر عائدا إلى حضرته ففر شيدا ومن تبعه إلى

ذكر الشيخ جلال الدين.

مدينة سنركاوان، وهي منيعة «307» ، فبعث السلطان بالعساكر إلى حصاره فخاف أهلها على أنفسهم فقبضوا على شيدا وبعثوه إلى عسكر السلطان، فكتبوا إليه بأمره، فأمرهم أن يبعثوا له رأسه فبعثوه، وقتل بسببه جماعة كبيرة من الفقراء. ولما دخلت سدكاوان، لم أر سلطانها ولا لقيته لأنه مخالف على ملك الهند فخفت عاقبة ذلك، فسافرت من سدكاوان بقصد جبال كامرو، وهي بفتح الكاف والميم وضم الراء، وبينها وبين سدكاوان مسيرة شهر «308» . وهي جبال متسعة متصلة بالصين وتتصل أيضا ببلاد التّبّت «309» حيث غزلان المسك. وأهل هذا الجبل يشبهون الترك، ولهم قوة على الخدمة، والغلام منهم يساوي أضعاف ما يساويه الغلام من غيرهم، وهم مشهورون بمعاناة السّحر، والاشتغال به، وكان قصدي بالمسير إلى هذه الجبال لقاء وليّ من الأولياء بها، وهو الشيخ جلال الدين التّبريزي «310» . ذكر الشيخ جلال الدين. وهذا الشيخ من كبار الأولياء وأفراد الرجال، له الكرامات الشهيرة والمآثر العظيمة، وهو من المعمّرين أخبرني، رحمه الله، أنه أدرك الخليفة المستعصم بالله العباسي ببغداد وكان بها حين قتله «311» ، وأخبرني أصحابه بعد هذه المدة أنه مات ابن مائة وخمسين، وأنه

كرامة له

كان له نحو أربعين سنة يسرد الصوم ولا يفطر، إلا بعد مواصلة عشر، وكانت له بقرة يفطر على حليبها، ويقوم الليل كله وكان نحيف الجسم طوالا خفيف العارضين، وعلى يديه أسلم أهل تلك الجبال ولذلك أقام بينهم. كرامة له أخبرني بعض أصحابه أنه استدعاهم قبل موته بيوم واحد وأوصاهم بتقوى الله وقال لهم: إني أسافر عنكم غدا إن شاء الله وخليفتي عليكم الله الذي لا إله إلا هو، فلما صلّى الظهر من الغد قبضه الله في آخر سجدة منها، ووجدوا في جانب الغار الذي كان يسكنه قبرا محفورا عليه الكفن والحنوط، فغسلوه وكفنوه وصلّوا عليه ودفنوه به رحمه الله. كرامة له أيضا ولما قصدت زيارة هذا الشيخ لقيني أربعة من أصحابه على مسيرة يومين من موضع سكناه، فأخبروني أن الشيخ قال للفقراء الذين معه: قد جاءكم سائح المغرب فاستقبلوه، وأنهم أتوا لذلك بأمر الشيخ ولم يكن عنده علم بشيء من أمري، وإنما كوشف به. وسرت معهم إلى الشيخ فوصلت إلى زاويته خارج الغار ولا عمارة عندها، وأهل تلك البلاد من مسلم وكافر يقصدون زيارته، ويأتون بالهدايا والتّحف فيأكل منها الفقراء والواردون، وأما الشيخ فقد اقتصر على بقرة يفطر على حليبها بعد عشر كما قدمناه، ولمّا دخلت عليه قام إلي وعانقني وسألني عن بلادي وأسفاري، فأخبرته، فقال لي: أنت مسافر العرب! فقال له من حضر من أصحابه: والعجم يا سيدنا! فقال: والعجم، فأكرموه فاحتملوني إلى الزاوية وأضافوني ثلاثة أيام «312» . حكاية عجيبة في ضمنها كرامات له. ولما كان يوم دخولي إلى الشيخ رأيت عليه فرجية مرعز، فأعجبتني وقلت في نفسي: ليت الشيخ أعطانيها، فلما دخلت عليه للوداع، قام إلى جانب الغار وجرّد الفرجية وألبسنيها مع طاقية من رأسه ولبس مرقعة، فأخبرني الفقراء أن الشيخ لم تكن عادته أن يلبس تلك الفرجية وإنما لبسها عند قدومي، وأنه قال لهم: هذه الفرجية يطلبها المغربي، ويأخذها منه سلطان كافر ويعطيها لأخينا برهان الدين الصّاغرجي، وهي له وبرسمه كانت، فلما أخبرني

الفقراء بذلك، قلت لهم: قد حصلت لي بركة الشيخ بأن كساني لباسه وأنا لا أدخل بهذه الفرجية على سلطان كافر ولا مسلم، وانصرفت عن الشيخ. فاتّفق لي بعد مدة طويلة أني دخلت بلاد الصين وانتهيت إلى مدينة الخنسا فافترق مني أصحابي لكثرة الزحام، وكانت الفرجية عليّ فبينا أنا في بعض الطرق إذا بالوزير في موكب عظيم فوقع بصره علي فاستدعاني، وأخذ بيدي، وسألني عن مقدمي ولم يفارقني حتى وصلت إلى دار السلطان معه، فأردت الانفصال، فمنعني وأدخلني على السلطان فسألني عن سلاطين الإسلام فأجبته ونظر إلى الفرجية فاستحسنها، فقال لي الوزير: جرّدها! فلم يمكنني خلاف ذلك، فأخذها وأمر لي بعشر خلع وفرس مجهز ونفقة، وتغيّر خاطري لذلك، ثم تذكرت قول الشيخ: إنه يأخذها سلطان كافر، فطال عجبي من ذلك! ولما كان في السنة الأخرى دخلت دار ملك الصين بخان بالق، فقصدت زاوية الشيخ برهان الدين الصاغرجى فوجدته يقرأ والفرجية عليه بعينها فعجبت من ذلك وقلّبتها بيدي، فقال لي: لم تقلّبها وأنت تعرفها؟ فقلت له: نعم هي التي أخذها لي سلطان الخنسا، فقال لي: هذه الفرجية صنعها أخي جلال الدين برسمي، وكتب إليّ أن الفرجية تصلك على يد فلان، ثم أخرج ليّ الكتاب، فقرأته وعجبت من صدق يقين الشيخ، وأعلمته بأول الحكاية، فقال لي: أخي جلال الدّين أكبر من ذلك كلّه، هو يتصرف في الكون، وقد انتقل إلى رحمة الله، ثم قال لي: بلغني أنه كان يصلي الصبح كلّ يوم بمكة وأنه يحج كلّ عام لانه كان يغيب عن الناس يومي عرفة والعيد فلا يعرف أين ذهب. ولما وادعت الشيخ جلال الدين سافرت إلى مدينة حبنق «313» ، وضبط اسمها بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة وسكون النّون وقاف، وهي أكبر المدن وأحسنها يشقها النّهر الذي ينزل من جبال كامرو، ويسمى النهر الأزرق «314» ويسافر فيه إلى بنجالة وبلاد اللّكنوتي، وعليه النواعير والبساتين والقرى يمنة ويسرة- كما هي على نيل مصر وأهلها كفار تحت الذمة يوخذ منهم نصف ما يزدرعون ووظائف سوى ذلك. وسافرنا في هذا النهر خمسة عشر يوما بين القرى والبساتين فكأنما نمشي في سوق من الأسواق وفيه من المراكب ما لا يحصى كثرة، وفي كلّ مركب منها طبل فإذا التقى

المركبان ضرب كلّ واحد طبله وسلّم بعضهم على بعض، وأمر السلطان فخر الدين المذكور أن لا يوخذ بذلك النهر من الفقراء نول، وأن يعطي الزاد لمن لا زاد له منهم وإذا وصل الفقير إلى مدينة أعطى نصف دينار. وبعد خمسة عشر يوما من سفرنا في النّهر كما ذكرناه وصلنا إلى مدينة سنركاوان «315» ، وسنر بضم السين المهمل والنون وسكون الراء، وهي المدينة التي قبض أهلها على الفقير شيدا عندما لجأ إليها، ولما وصلناها وجدنا بها جنكا يريد السّفر إلى بلاد الجاوة «316» ، وبينهما أربعون ويوما، فركبنا فيه، ووصلنا بعد خمسة عشر يوما إلى بلاد البرهنكار «317» ، الذين أفواههم كأفواه الكلاب، وضبطها بفتح الباء الموحدة والراء والنون والكاف وسكون الهاء، وهذه الطائفة من الهمج لا يرجعون إلى دين الهنود ولا إلى غيره، وسكناهم في بيوت قصب مسقّفة بحشيش الأرض على شاطىء البحر، وعندهم من أشجار الموز والفوفل والتنبول كثير. ورجالهم على مثل صوّرنا الا أن أفواههم كأفواه الكلاب! وأما نساؤهم فلسن كذلك ولهن جمال بارع ورجالهم عرايا لا يستترون إلا أن الواحد منهم يجعل ذكره وأنثييه في جعبة من القصب منقوشة معلقة من بطنه، ويستتر نساؤهم بأوراق الشجر، ومعهم جماعة من المسلمين من أهل بنجالة، والجاوة ساكنون في حارة على حدة، أخبرونا أنهم يتناكحون كالبهائم لا يستترون بذلك، ويكون للرجل منهم ثلاثون امرأة فما دون ذلك أو فوقه «318» ، وأنهم لا يزنون وإذا زنا أحد منهم فحدّ الرجل أن يصلب حتى يموت! أو ياتي صاحبه أو عبده فيصلب عوضا منه ويسرح هو، وحدّ المرأة أن يامر السلطان جميع خدامه فينكحونها واحدا بعد واحد بحضرته، حتى تموت ويرمون بها في البحر! ولأجل ذلك لا يتركون أحدا

ذكر سلطانهم

من أهل المراكب ينزل إليهم إلا إن كان من المقيمين عندهم، وانما يبايعون الناس ويشارونهم على الساحل ويسوقون إليهم الماء على الفيلة لانه بعيد من الساحل ولا يتركونهم لاستقائه خوفا على نسائهم لانّهنّ يطمحن إلى الرجال الحسان! والفيلة كثيرة عندهم، ولا يبيعها أحد غير سلطانهم ثم تشتري منه بالأثواب، ولهم كلام غريب لا يفقهه إلّا من ساكنهم وأكثر التردد اليهم، ولما وصلنا إلى ساحلهم أتو إلينا في قوارب صغار، كل قارب من خشبة واحدة منحوتة، وجاءوا بالموز والتنبول والفوفل والسمك. ذكر سلطانهم وأتى الينا سلطانهم راكبا على فيل عليه شبه بردعة من الجلود، ولباس السلطان ثوب من جلود المعزى، وقد جعل الوبر إلى خارج، وفوق رأسه ثلاث عصائب من الحرير ملونات، وفي يده حربة من القصب ومعه نحو عشرين من أقاربه على الفيلة، فبعثنا إليه هدية من الفلفل والزنجبيل والقرفة والحوت الذي يكون بجزائر ذيبة المهل وأثوابا بنجالية وهم لا يلبسونها، إنما يكسونها الفيلة في أيام عيدهم! ولهذا السلطان على كل مركب ينزل ببلاده جارية ومملوك وثياب لكسوة الفيل وحلي ذهب تجعله زوجته في محزمها وأصابع رجليها، ومن لم يعط هذه الوظيفة صنعوا له سحرا يهيج به البحر فيهلك أو يقارب الهلاك! حكاية [كيف يعاقب الزناة] واتفق في ليلة من ليالي إقامتنا بمرساهم أن غلاما لصاحب المركب ممن تردد إلى هؤلاء الطائفة نزل من المركب ليلا وتواعد مع امرأة أحد كبرائهم إلى موضع شبه الغار على الساحل، وعلم بذلك زوجها فجاء في جمع من أصحابه إلى الغار فوجدهما به، فحملا إلى سلطانهم فأمر بالغلام فقطعت انثياه وصلب! وأمر بالمرأة فجامعها الناس حتى ماتت! ثم جاء السلطان إلى الساحل فاعتذر عما جرى، وقال: إنا لا نجد بدّا من إمضاء أحكامنا، ووهب لصاحب المركب غلاما عوض الغلام المصلوب.

الفصل الخامس عشر آسيا - الجنوب الشرقي - والصين

الفصل الخامس عشر آسيا- الجنوب الشرقي- والصين من بلاد البرهنكار إلى الجاوة في بلاد الصين من الزيتون إلى الخنسا مدينة الخنسا بلاد الخطا ومصرع القان واختيار قراقرم عاصمة العودة على بلاد طوالسي الحديث عن الرّخ حضوره إعراس ولد الملك الظاهر

ثم سافرنا عن هؤلاء، وبعد خمسة وعشرين يوما وصلنا إلى جزيرة الجاوة «1» ، بالجيم، وهي التي ينسب إليها اللّبان الجاوي «2» ، رأيناها على مسيرة نصف يوم وهي خضرة نضرة، وأكثر أشجارها النارجيل «3» والفوفل والقرنفل والعود الهندي «4» والشّكي والبركي «5» والعنبة والجمون «6» والنارنج الحلو، وقصب الكافور، وبيع أهلها وشراءهم بقطع قصدير، وبالذهب الصيني التّبر غير المسبوك، والكثير من أفاويه الطيب التي بها إنما هو ببلاد الكفار منها وأما ببلاد المسلمين فهو أقل من ذلك. ولما وصلنا المرسى خرج إلينا أهلها في مراكب صغار ومعهم جوز النارجيل والموز والعنبة والسمك، وعادتهم أن يهدوا ذلك للتّجار فيكافئهم كلّ إنسان على قدره، وصعد إلينا أيضا نائب صاحب البحر «7» وشاهد من معنا من التّجار وأذن لنا في النزول إلى البرّ فنزلنا إلى البندر، وهي قرية كبيرة على ساحل البحر بها دور يسمّونها السّرحى «8» بفتح السين المهمل وسكون الراء وفتح الحاء المهمل، وبينها وبين البلد أربعة أميال. ثم كتب بهروز نائب صاحب البحر إلى السلطان فعرفه بقدومي، فأمر الأمير دولسة بلقائي والقاضي الشريف أمير سيد الشيرازي وتاج الدين الأصبهاني وسواهم من الفقهاء، فخرجوا لذلك، وجاءوا بفرس من مراكب السلطان وأفراس سواه، فركبت وركب أصحابي ودخلنا إلى حضرة السلطان وهي مدينة سمطرة بضم السين المهمل والميم وسكون الطاء وفتح الراء مدينة حسنة كبيرة عليها سور خشب وأبراج خشب.

ذكر سلطان الجاوة

ذكر سلطان الجاوة وهو السلطان الملك الظاهر «9» ، من فضلاء الملوك وكرمائهم، شافعي المذهب، محبّ في الفقهاء، يحضرون مجلسه للقراءة والمذاكرة، وهو كثير الجهاد والغزو، ومتواضع يأتي إلى صلاة الجمعة ماشيا على قدميه، وأهل بلاده شافعية محبون في الجهاد، يخرجون معه تطوعا، وهم غالبون على من يليهم من الكفار، والكفار يعطونهم الجزية على الصلح. ذكر دخولنا إلى داره وأحسانه إلينا ولما قصدنا إلى دار السلطان وجدنا بالقرب منه رماحا مركوزة عن جانبي الطريق هي علامة على نزول الناس فلا يتجاوزها من كان راكبا، فنزلنا عندها ودخلنا المشور فوجدنا نائب السلطان وهو يسمّى عمدة الملك، فقام الينا وسلّم علينا وسلامهم بالمصافحة، وقعدنا معه، وكتب بطاقة إلى السلطان يعلمه بذلك وختمها ودفعها لبعض الفتيان، فأتاه الجواب على ظهرها، ثم جاء أحد الفتيان ببقشة، والبقشة: بضم الباء الموحدة وسكون القاف وفتح الشين المعجم، هي السّبنية، فأخذها النائب بيده وأخذ بيدي وأدخلني دويرة يسمونها فردخانة على وزن زردخانة «10» ، إلا أن أولها فاء وهي موضع راحته بالنهار، فان العادة أن ياتي نائب السلطان إلى المشور بعد الصبح ولا ينصرف إلا بعد العشاء الآخرة، وكذلك

ذكر انصرافه إلى داره وترتيب السلام عليه

الوزراء والأمراء الكبار وأخرج من البقشة ثلاث فوط إحداها من خالص الحرير والأخرى حرير وقطن والأخرى حرير وكتان، وأخرج ثلاثة أثواب يسمّونها التّحتانيات من جنس الفوط، وأخرج ثلاثة من الثياب مختلفة الاجناس تسمى الوسطانيات، وأخرج ثلاثة أثواب من الآرمك أحدها أبيض، وأخرج ثلاث عمائم فلبست فوطة منها عوض السراويل على عادتهم، وثوبا من كل جنس، وأخذ أصحابي ما بقى منها. ثم جاءوا بالطعام أكثره الأرز، ثم أتو بنوع من الفقاع، ثم أتوا بالتنبول وهو علامة الانصراف، فأخذناه وقمنا، وقام النائب لقيامنا، وخرجنا عن المشور فركبنا وركب النائب معنا وأتوا بنا إلى بستان عليه حائط خشب وفي وسطه دار بناؤها بالخشب، مفروشة بقطائف قطن يسمّونها المخملات، «11» بالميم والخاء المعجم، ومنها مصبوغ وغير مصبوغ، وفي البيت أسرّة من الخيزران، فوقها مضرّبات من الحرير، ولحف خفاف ومخاد يسمونها البوالشت، فجلسنا بالدار ومعنا النائب، ثم جاء الأمير دولسة بجاريتين وخادمين، وقال لي: يقول لك السلطان: هذه على قدرنا لا على قدر السلطان محمد «12» ! ثم خرج النائب وبقى الأمير دولسة عندي وكانت بيني وبينه معرفة لأنه كان ورد رسولا على السلطان بدهلي، فقلت له: متى تكون رؤية السلطان؟ فقال لي: إن العادة عندنا أن لا يسلم القادم على السلطان إلا بعد ثلاث ليذهب عنه تعب السفر، ويثوب اليه ذهنه، فأقمنا ثلاثة أيام يأتي إلينا الطعام ثلاث مرات في اليوم وتأتينا الفواكه والطرف مساء وصباحا، فلما كان اليوم الرابع وهو يوم الجمعة أتاني الأمير دولسة، فقال لي: يكون سلامك على السلطان بمقصورة الجامع بعد الصّلاة فأتيت المسجد، وصليت به الجمعة مع حاجبه قيران، بفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفتح الراء. ثم دخلت إلى السلطان فوجدت القاضي أمير سيّد والطلبة عن يمينه وشماله، فصافحني وسلّمت عليه، وأجلسني عن يساره، وسألني عن السلطان محمد، وعن أسفاري فأجبته، وعاد إلى المذاكرة في الفقه على مذهب الشافعي، ولم يزل كذلك إلى صلاة العصر، فلما صلاها دخل بيتا هنالك فنزع الثياب التي كانت عليه، وهي ثياب الفقهاء وبها يأتي المسجد يوم الجمعة ماشيا ثم لبس ثياب الملك وهي الأقبية من الحرير والقطن. ذكر انصرافه إلى داره وترتيب السلام عليه ولما خرج من المسجد وجد الفيلة والخيل على بابه، والعادة عندهم أنه إذا ركب

ذكر خلاف ابن أخيه وسبب ذلك.

السلطان الفيل ركب من معه الخيل وإذا ركب الفرس ركبوا الفيلة، ويكون أهل العلم عن يمينه، فركب ذلك اليوم على الفيل وركبنا الخيل وسرنا معه إلى المشور، فنزلنا حيث العادة ودخل السلطان راكبا وقد اصطف في المشور الوزراء والأمراء والكتاب وأرباب الدولة ووجوه العسكر صفوفا، فأول الصفوف صف الوزراء والكتاب، ووزراؤه أربعة فسلموا عليه وانصرفوا إلى موضع وقوفهم، ثم صفّ الأمراء فسلموا ومضوا إلى مواقفهم، وكذلك تفعل كل طائفة، ثم صفّ الشرفاء والفقهاء، ثم صفا لندماء والحكماء والشعراء، ثم صف وجوه العسكر ثم صف الفتيان والمماليك، ووقف السلطان على فيله إزاء قبة الجلوس، ورفع فوق رأسه شطر مرصّع، وجعل عن يمينه خمسون فيلا مزينة، وعن شماله مثلها وعن يمينه أيضا مائة فرس وعن شماله مثلها، وهي خيل النوبة، ووقف بين يديه خواص الحجاب، ثم أتى أهل الطرب من الرّجال، فغنّوا بين يديه وأتي بخيل مجلّلة بالحرير لها خلاخيل ذهب وأرسان حرير مزركشة فرقصت الخيل بين يديه! فعجبت من شأنها، وكنت رأيت مثل ذلك عند ملك الهند، ولما كان عند الغروب دخل السلطان إلى داره وانصرف النّاس إلى منازلهم. ذكر خلاف ابن أخيه وسبب ذلك. وكان له ابن أخ متزوج ببنته فولّاه بعض البلاد، وكان الفتى يتعشق بنتا لبعض الأمراء ويريد تزوجها، والعادة هنالك أنه إذا كانت لرجل من الناس: أمير أو سوقى أو سواه، بنت قد بلغت مبلغ النكاح فلا بد أن يستأمر السلطان في شأنها، ويبعث السلطان من النساء من تنظر إليها فان أعجبته صفتها تزوجها وإلا تركها يزوجها أولياؤها ممن يشاءون. والناس هنالك يرغبون في تزوج السلطان بناتهم لما يحوزون به من الجاه والشرف، ولما استامر والد البنت التي تعشقها ابن أخي السلطان بعث السلطان من نظر اليها وتزوّجها واشتد شغف الفتى بها، ولم يجد سبيلا إليها. ثم إن السلطان خرج إلى الغزو وبينه وبين الكفار مسيرة شهر فخالفه ابن أخيه إلى سمطرة ودخلها اذ لم يكن عليها سور حينئذ وادّعى الملك وبايعه بعض الناس وامتنع آخرون، وعلم عمّه بذلك فقفل عائدا إليها فأخذ ابن أخيه ما قدر عليه من الأموال والذخائر وأخذ الجارية التي تعشّقها وقصد بلاد الكفار بمل جاوة، ولهذا بنى عمّه السور على سمطرة، وكانت «13» إقامتي عنده بسمطرة خمسة عشر يوما ثم طلبت منه السفر

ذكر اللبان

إذ كان أوانه «14» ، ولا يتهيّأ السفر إلى الصين في كل وقت، فجهّز لنا جنكا وزوّدنا وأحسن وأجمل جزاءه الله خيرا، وبعث معنا من أصحابه من يأتي لنا بالضيافة إلى الجنك، وسافرنا بطول بلاده إحدى وعشرين ليلة. ثم وصلنا إلى مل جاوة «15» بضم الميم، وهي بلاد الكفار وطولها مسيرة شهرين وبها الأفاويه العطرة، والعود الطيب القاقلي «16» والقماري «17» ، وقاقلة، وقمارة من بعض بلادها، وليس ببلاد السلطان الظاهر بالجاوة إلا اللّبان والكافور وشيء من القرنفل وشيء من العود الهندي وانما معظم ذلك بمل جاوة ولنذكر ما شاهدناه منها ووقفنا على أعيانه وحققناه. ذكر اللّبان وشجرة اللّبان صغيرة تكون بقدر قامة الإنسان إلى ما دون ذلك وأغصانها كأغصان الخرشف وأوراقها صغار رقاق، وربّما سقطت فبقيت الشجرة منها دون ورقة، واللّبان صمغية تكون في أغصانها، وهي في بلاد المسلمين أكثر منها في بلاد الكفار «18» . ذكر الكافور وأما شجر الكافور فهي قصب كقصب بلادنا إلا أن الأنابيب منها أطول وأغلظ، ويكون الكافور في داخل الأنابيب، فإذا كسرت القصبة وجد في داخل الأنبوب مثل شكله من الكافور، والسرّ العجيب فيه أنه لا يتكون في تلك القصب حتى يذبح عند أصولها شيء من الحيوان وإلا لم يتكون شيء منه!! والطيّب المتناهي في البرودة الذي يقتل منه وزن الدرهم بتجميد الروح، وهو المسمى

ذكر العود الهندي

عندهم بالحرداله ... «19» هو الذي يذبح عند قصبه الآدمي، ويقوم مقام الآدمي في ذلك الفيلة الصغار. ذكر العود الهندي وأما العود الهندي فشجره يشبه شجر البلوط إلا أن قشره رقيق وأوراقه كأوراق البلوط سواء، ولا ثمر له وشجرته لا تعظم كلّ العظم وعروقه طويلة ممتدة وفيها الرائحة العطرة، وأما عيدان شجرته وورقها فلا عطرية فيها، وكل ما ببلاد المسلمين من شجره فهو متملّك وأما الذي في بلاد الكفار فأكثره غير متملك، والمتملك منه ما كان بقاقلة وهو أطيب العود، وكذلك القماري هو أطيب أنواع العود ويبيعونه لأهل الجاوة بالأثواب، ومن القماري صنف يطبع عليه كالشمع، وأما العطاس فإنه يقطع العرق منه ويدفن في التراب أشهرا فتبقى فيه قوته وهو من أعجب أنواعه. ذكر القرنفل وأما أشجار القرنفل فهي عادية ضخمة وهي ببلاد الكفار أكثر منها ببلاد الإسلام، وليست بمتملكة لكثرتها! والمجلوب إلى بلادنا منها هو العيدان، والذي يسمّيه أهل بلادنا نوّار القرنفل هو الذي يسقط من زهره، وهو شبيه بزهر النّارنج، وثمر القرنفل هو جوزبوا المعروفة في بلادنا بجوزة الطيب، والزهر المتكون فيها هو البسباسة، رأيت ذلك كله وشاهدته «20» .

ذكر سلطان مل جاوة

ووصلنا إلى مرسى قاقله فوجدنا به جملة من الجنوك معدة للسرقة، ولمن يستعصى عليهم من الجنوك، فإن لهم على كلّ جنك وظيفة، ثم نزلنا من الجنك إلى مدينة قاقلة وهي بقافين أخرهما مضموم ولامها مفتوح، وهي مدينة حسنة عليها سور من حجارة منحوتة، عرضه بحيث تسير فيه ثلاثة من الفيلة! وأول ما رأيت بخارجها الفيلة عليها الأحمال من العود الهندي يوقدونه في بيوتهم، وهو بقيمة الحطب عندنا، أو أرخص ثمنا، هذا اذا ابتاعوا فيما بينهم، وأما للتجار فيبيعون الحمل منه بثوب من ثياب القطن، وهي أغلى عندهم من ثياب الحرير. والفيلة بها كثيرة جدا، عليها يركبون ويحملون، وكلّ إنسان يربط فيلته على بابه وكلّ صاحب حانوت يربط فيله عنده، ويركبه إلى داره وتحمل، وكذلك جميع أهل الصين والخطا على مثل هذا الترتيب «21» . ذكر سلطان مل جاوة وهو كافر رأيته خارج قصره جالسا على قبة ليس بينه وبين الأرض بساط، ومعه أرباب دولته والعساكر يعرضون عليه مشاة، ولا خيل إلا عند السلطان، وانما يركبون الفيلة، وعليها يقاتلون، فعرف شأني، فاستدعاني فجئت وقلت: السلام على من اتبع الهدى، فلم يفقهوا إلا لفظ السلام! فرحّب بي، وأمر أن يفرش لي ثوب أقعد عليه، فقلت للترجمان: كيف أجلس على الثوب والسلطان قاعد على الأرض؟ فقال: هكذا عادته يقعد على الأرض تواضعا، وأنت ضيف، وجئت من سلطان كبير، فيجب إكرامك، فجلست وسألني عن السلطان، فأوجز في سؤاله، وقال لي: تقيم عندنا في الضيافة ثلاثة أيام، وحينئذ يكون انصرافك. ذكرى عجيبة رأيتها بمجلسه ورأيت في مجلس هذا السلطان رجلا بيده سكين شبه سكين المسفّر قد وضعه على رقبة نفسه، فوقع رأسه لحدة السكين وشدّة امساكه بالارض، فعجبت من شأنه، وقال لي السلطان: أيفعل أحد هذا عندكم؟ فقلت له: ما رأيت هذا قط! فضحك، وقال: هؤلاء عبيدنا يقتلون أنفسهم في محبّتنا!! وأمر به فرفع وأحرق، وخرج لإحراقه النواب وأرباب الدولة

عن الفيلة بمرسى قاقلة

والعساكر والرعايا وأجرى الرزق الواسع على أولاده وأهله وإخوانه وعظّموا لأجل فعله! وأخبرني من كان حاضرا في ذلك المجلس أن الكلام الذي تكلم به كان تقريرا لمحبته في السلطان، وأنه يقتل نفسه في حبّه كما قتل أبوه نفسه في حب أبيه، وجدّه نفسه في حب جده! ثم انصرفت عن المجلس وبعث إلي بضيافة ثلاثة أيام. وسافرنا في البحر فوصلنا بعد أربعة وثلاثين يوما إلى البحر الكاهل «22» وهو الراكد، وفيه حمرة زعموا أنها من تربة أرض تجاوره، ولا ريح فيه ولا موج ولا حركة مع اتساعه، ولأجل هذا البحر تتبع كلّ جنك من جنوك الصين ثلاثة مراكب كما ذكرناه، تجذف به فتجرّه، ويكون في الجنك مع ذلك نحو عشرين مجدافا كبارا كالصّواري يجتمع على المجداف منها ثلاثون رجلا أو نحوها، ويقومون قياما صفين كل صفّ يقابل «23» الآخر، وفي المجداف حبلان عظيمان كالطوانيس «24» فتجدف إحدى الطائفتين الحبل ثم تتركه وتجذف الطائفة الأخرى، وهم يغنون عند ذلك بأصواتهم الحسان، وأكثر ما يقولون: لعلى لعلى. وأقمنا على ظهر هذا البحر سبعة وثلاثين يوما، وعجبت البحريّة من التسهيل فيه، فإنهم يقيمون فيه خمسين يوما إلى أربعين وهي أنهى ما يكون من التّيسير عليهم. ثم وصلنا إلى بلاد طوالسي، وهي بفتح الطاء المهمل والواو وكسر السين المهمل، وملكها هو المسمى بطوالسي «25» ، وهي بلاد عريضة، وملكها يضاهي ملك الصين وله

ذكر هذه الملكة

الجنوك الكثيرة يقاتل بها أهل الصين حتى يصالحوه على شيء. وأهل هذه البلاد عبدة أوثان، حسان الصورة، أشبه الناس بالترك في صورهم، والغالب على ألوانهم الحمرة، ولهم شجاعة ونجدة، ونساؤهم يركبن الخيل ويحسّن الرماية ويقاتلن كالرجال سواء، وأرسينا من مراسيهم بمدينة كيلوكري، وضبطها بكاف مفتوح وياء آخر الحروف مسكنة ولام مضموم وكاف مفتوح وراء مكسور، وهي من أحسن مدنهم وأكبرها «26» وكان يسكن بها ابن ملكهم «27» ، فلما أرسينا بالمرسي جاءت عساكرهم ونزل الناخوذة إليهم، ومعه هدية لابن الملك، فسألهم عنه، فأخبروه أن أباه ولّاه بلدا غيره، وولى بنته بتلك المدينة واسمها أردجا «28» بضم الهمزة وسكون الراء وضم الدال المهمل وجيم. ذكر هذه الملكة ولما كان اليوم الثاني من حلولنا بمرسى كيلوكري استدعت هذه الملكة الناخودة صاحب المركب، والكراني «29» وهو الكاتب، والتجار والرؤساء، والتّنديل وهو مقدم الرجال «30» ، وسپاه سالار وهو مقدم الرماة، لضيافة صنعتها لهم على عادتها ورغب الناخودة مني أن أخضر معه، فأبيت لأنهم كفار لا يجوز أكل طعامهم فلما حضروا عندها، قالت لهم: هل يقى أحد منكم لم يحضر؟ فقال لها الناخودة: لم يبق إلا رجل واحد بخشى،

وهو الفقيه بلسانهم «31» ، وبخشى بفتح الباء الموحدة وسكون الخاء وكسر الشين المعجمين، وهو لا ياكل طعامكم، فقالت: ادعوه! فجاء جنادرتها وأصحاب الناخوذة، فقالوا: أجب الملكة! فأتيتها وهي بمجلسها الاعظم وبين يديها نسوة بأيديهن الأزمّة يعرض ذلك عليها، وحولها النساء القواعد وهن وزيراتها وقد جلس تحت السرير على كراسي الصندل وبين يديها الرجال ومجلسها مفرش بالحرير وعليه ستور حرير وخشبه من الصندل، وعليه صفائح الذهب وبالمجلس مساطب خشب منقوش عليها أواني ذهب كثيرة من كبار وصغار كالخوابي والقلال والبواقيل أخبرني الناخوذة أنها مملوؤة بشراب مصنوع من السكر مخلوط بالأفاويه يشربونه بعد الطعام، وأنه عطر الرائحة حلو المطعم يفرج ويطيب النكهة ويهضم ويعين على الباءة. فلما سلمت على الملكة قالت لي بالتركية: حسن مسن يخشي مسنّ معناه: كيف حالك كيف أنّك؟ وأجلستني على قرب منها، وكانت تحسن الكتاب العربي، فقالت لبعض خدامها: دواه وبتك كاتور، معناه: الدواة والكاغد، فأتي بذلك فكتبت: بسم الله الرحيم الرحين، فقالت: ما هذا؟ فقلت لها تنضري نام، وتنضري بفتح التاء المعلوة وسكون النون وفتح الضاد وراء وياء، ونام بنون وألف وميم ومعنى ذلك: اسم الله، فقالت خشن «32» ومعناه جيّد. ثم سألتني من أي البلاد قدمت؟ فقلت لها: من بلاد الهند، فقالت: بلاد الفلفل؟ فقلت: نعم! فسألتني عن تلك البلاد وأخبارها، فأجبتها، فقالت: لا بد أن أغزوها وأخذها لنفسي، فاني يعجبني كثرة مالها وعساكرها! فقلت لها: افعلي! وأمرت لي بأثواب وحمل فيلين من الأرز وبجاموستين وعشر من الضأن وأربعة أرطال جلّاب وأربعة مرطبانات «33» ، وهي أوان ضخمة مملوءة بالزنجبيل والفلفل والليمون والعنبا، كل ذلك مملوح مما يستعد للبحر.

ثم سافرنا عن بلاد طوالسي

وأخبرني الناخودة أن هذه الملكة لها في عسكرها نسوة وخدم وجوار يقاتلن كالرّجال وأنها تخرج في العساكر من رجال ونساء فتغير على عدوها وتشاهد القتال وتبارز الأبطال، وأخبرني أنها وقع بينها وبين بعض أعدائها قتال شديد وقتل كثير من عسكرها وكادوا يهزمون، فدفعت بنفسها وخرقت الجيوش حتى وصلت إلى الملك الذي كانت تقاتله فطعنته طعنة كان فيها حتفه فمات وانهزمت عساكره، وجاءت برأسه على رمح فافتكّه أهله منها بمال كثير، فلما عادت إلى أبيها، ملّكها تلك المدينة التي كانت بيد أخيها. وأخبرني أن أبناء الملوك يخطبونها فتقول: لا أتزوج إلا من يبارزني فيغلبني فيتحامون مبارزتها خوف المعرة إن غلبتهم! ثم سافرنا عن بلاد طوالسي فوصلنا بعد سبعة عشر يوما، والريح مساعدة لنا، ونحن نسير بها أشد السير وأحسنه إلى بلاد الصين، واقليم الصين متّسع كثير الخيرات والفواكه والزرع والذهب والفضة لا يضاهيه في ذلك إقليم من أقاليم الأرض ويخترقه النهر المعروف بآب حياة «34» ، معنى ذلك ماء الحياة، ويسمى أيضا نهر السّبر، كاسم النهر الذي بالهند، ومنبعه من جبال بقرب مدينة خان بالق تسمى كوه بوزنه معناه جبل القرود، ويمرّ في وسط الصين مسيرة ستة أشهر إلى أن ينتهي إلى صين الصين وتكتنفه القرى والمزارع والبساتين والأسواق كنيل مصر إلا أن هذا أكثر عمارة، وعليه النواعير الكثيرة.

ذكر الفخار الصيني

وببلاد الصين السكر الكثير مما يضاهي المصريّ بل يفضله! والأعناب والإجاص وكنت أظن أن الاجاص العثماني الذي بدمشق لا نظير له حتى رأيت الإجاص الذي بالصين، وبها البطيخ العجيب، يشبه بطّيخ خوارزم وأصفهان، وكل ما ببلادنا من الفواكه فإن بها ما هو مثله وأحسن منه، والقمح بها كثير جدا ولم أر قمحا أطيب منه وكذلك العدس والحمص. ذكر الفخار الصيني وأما الفخار الصّيني فلا يصنع منها إلا بمدينة الزيتون «35» وبصين كلان «36» ، وهو من تراب جبال هناك تقد فيه النار كالفحم، وسنذكر ذلك، ويضيفون إليه حجارة عندهم ويوقدون النار عليها ثلاثة أيام، ثم يصبون عليها الماء فيعود الجميع ترابا، ثم يخمرونه فالجيّد منه ما خمّر شهرا كاملا ولا يزاد على ذلك، والدّون ما خمر عشرة أيام وهو هنالك بقيمة الفخار ببلادنا أو أرخص ثمنا، ويحمل الى الهند وسائر الاقاليم حتى يصل إلى بلادنا بالمغرب وهو أبدع أنواع الفخار! ذكر دجاج الصين ودجاج الصين وديوكها ضخمة جدا أضخم من الإوز عندنا «37» وبيض الدجاج عندهم أضخم من بيض الإوز عندنا، وأما الإوز عندهم فلا ضخامة لها، ولقد اشترينا دجاجة فأردنا طبخها فلم يسع لحمها في برمة واحدة فجعلناه في برمتين. ويكون الدّيك بها على قدر النّعامة وربّما انتتف ريشه فيبقى بضعة حمراء، وأول ما رأيت الديك الصيني بمدينة كولم، فظننته نعامة وعجبت منه، فقال لي صاحبه: إن ببلاد الصين ما هو أعظم منه، فلما وصلت إلى الصين رأيت مصداق ما أخبرني به من ذلك.

بمتحف كينشيهوانك تقف على هذه الصور من الفخّار

ذكر بعض من أحوال أهل الصين.

ذكر بعض من أحوال أهل الصين. وأهل الصين كفار يعبدون الاصنام ويحرقون موتاهم كما تفعل الهنود «38» ، وملك الصين تتري من ذرية تنكيزخان «39» ، وفي كلّ مدينة من مدن الصين مدينة للمسلمين ينفردون بسكناهم، ولهم فيها المساجد لإقامة الجمعات وسواها، وهم معظّمون محترمون، وكفار الصين يأكلون لحوم الخنازير والكلاب ويبيعونها في أسواقهم، وهم أهل رفاهية وسعة عيش إلا أنهم لا يحتفلون في مطعم ولا ملبس، وترى التاجر الكبير منهم الذي لا تحصى أمواله كثرة وعليه جبة قطن خشنة. وجميع «40» أهل الصّين إنما يحتفلون في أواني الذهب والفضة، ولكل واحد منهم عكاز يعتمد عليه في المشي، ويقولون: هو الرّجل الثالثة!! والحرير عندهم كثير جدا لان الدود تتعلق بالثمار وتأكل منها فلا تحتاج إلى كثير مؤنة ولذلك كثر وهو لباس الفقراء والمساكين بها، ولولا التّجار لما كانت له قيمة، ويباع الثوب الواحد من القطن عندهم بالاثواب الكثيرة من الحرير. وعادتهم أن يسبك التاجر ما يكون عنده من الذهب والفضة قطعا تكون القطعة منها من قنطار فما فوقه وما دونه، ويجعل ذلك على باب داره، ومن كان له خمس قطع منها جعل في أصبعه خاتما، ومن كانت له عشر جعل خاتمين، ومن كان له خمس عشرة سمّوه: السّتي، بفتح السين المهمل وكسر التاء المعلوة، وهو بمعنى الكارمي بمصر «41» ، ويسمون

جانب من سوقهم في بكين حيث يباع كل شيء ...

ذكر دراهم الكاغد التي بها يبيعون ويشترون

القطعة الواحدة منها بركالة «42» ، بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الكاف واللام. ذكر دراهم الكاغد التي بها يبيعون ويشترون وأهل الصين لا يتبايعون بدينار ولا درهم، وجميع ما يتحصل ببلادهم من ذلك يسبكونه قطعا كما ذكرناه وانما يبيعهم وشراءهم بقطع كاغد، كل قطعة منها قدر الكف مطبوعة بطابع السلطان وتسمى الخمس والعشرون قطعة منها بالشت «43» ، بباء موحدة وألف ولام مكسور وشين معجم مسكن وتاء معلوة، وهو يمعنى الدينار عندنا «44» وإذا تمزقت تلك الكواغد في يد إنسان حملها إلى دار كدار السكّة عندنا فأخذ عوضها جددا ودفع تلك، ولا يعطي على ذلك أجرة ولا سواها «45» ، لأن الذين يتولون عملها لهم الأرزاق الجارية من قبل السلطان، وقد وكل بتلك الدار أمير من كبار الامراء، وإذا مضى الانسان إلى السوق بدرهم فضة أو دينار يريد شراء شيء لم يؤخذ منه ولا يلتفت إليه حتى يصرفه بالبالشت ويشتري به ما أراد. ذكر التراب الذي يوقدونه مكان الفحم وجميع أهل الصين «46» والخطا «47» إنما فحمهم تراب عندهم منعقد كالطّفل عندنا

عملة صينية من القرن الرابع عشر (انظر التعليق رقم 44 من ج 4 ص 260)

نماذج من العملة الصينية على عهد زيارة ابن بطوطة للصين

ذكر ما خصوا به من إحكام الصناعات

ولونه لون الطّفل، تأتي الفيلة بالأحمال منه فيقطعونه قطعا على قدر قطع الفحم عندنا ويشعلون النار فيه فيقد كالفحم وهو أشد حرارة من نار الفحم، وإذا صار رمادا عجنوه بالماء ويبسوه وطبخوا به ثانية، ولا يزالون يفعلون به كذلك إلى أن يتلاشى، ومن هذا التّراب يصنعون أواني الفخار الصيني ويضيفون إليه حجارة سواه كما ذكرناه «48» . ذكر ما خصوا به من إحكام الصناعات وأهل الصين أعظم الأمم إحكاما للصناعات، وأشدهم إتقانا فيها «49» ، وذلك مشهور من حالهم، قد وصفه الناس في تصانيفهم فأطنبوا فيه، وأما التصوير فلا يجاريهم أحد في إحكامه من الروم ولا من سواهم. فان لهم فيه اقتدارا عظيما، ومن عجيب ما شاهدت لهم من ذلك أني ما دخلت قطّ مدينة من مدنهم ثم عدت إليها إلا ورأيت صورتي وصور أصحابي منقوشة في الحيطان والكواغد موضوعة في الأسواق! ولقد دخلت إلى مدينة السلطان فمررت على سوق النّقاشين ووصلت إلى قصر السلطان مع أصحابي، ونحن على زيّ العراقيين فلما عدت من القصر عشيا مررت بالسوق المذكورة فرأيت صورتي وصور أصحابي منقوشة في كاغد قد ألصقوه بالحائط، فجعل كل واحد منا ينظر إلى صورة صاحبه لا تخطىء شيئا من شبهه، وذكر لي أن السلطان أمرهم بذلك وأنهم أتوا إلى القصر ونحن به فجعلوا ينظرون إلينا ويصورون صورنا ونحن لم نشعر بذلك، وتلك عادة لهم في تصوير كل من يمر بهم وتنتهي حالهم في ذلك إلى أن الغريب إذا فعل ما يوجب فراره عنهم بعثوا صورته إلى البلاد وبحث عنه فحيثما وجد شبه تلك الصورة أخذ. قال ابن جزي: هذا مثل ما حكاه أهل التاريخ من قضية ساپور ذي الاكتاف ملك الفرس، حين دخل إلى بلاد الروم متنكّرا، وحضر وليمة صنعها ملكهم وكانت صورته على بعض الأواني فنظر إليها بعض خدّام قيصر فانطبعت على صورة سابور، فقال لملكه: إن

ذكر عادتهم في تقييد ما في المراكب

هذه الصورة تخبرني أن كسرى معنا في هذا المجلس، فكان الأمر على ما قاله، وجرى فيه ما هو مسطور في الكتب «50» . ذكر عادتهم في تقييد ما في المراكب وعادة أهل الصين إذا أراد جنك من جنوكهم السّفر صعد اليه صاحب البحر وكتّابه وكتبوا من يسافر فيه من الرماة والخدام والبحرية، وحينئذ يباح لهم السفر فإذا عاد الجنك إلى الصين صعدوا إليه أيضا وقابلوا ما كتبوه بأشخاص الناس فإن فقدوا أحدا ممن قيدوه طلبوا صاحب الجنك به، فإما أن ياتي ببرهان على موته أو فراره أو غير ذلك مما يحدث عليه، وإلّا أخذ فيه، فإذا فرغوا من ذلك أمروا صاحب المركب أن يملي عليهم تفسيرا بجميع ما فيه من السلع قليلها وكثيرها ثم ينزل من فيه، ويجلس حفّاظ الديوان لمشاهدة ما عندهم، فإن عثروا على سلعة قد كتمت عنهم عاد الجنك بجميع ما فيه مالا للمخزن «51» ، وذلك نوع من الظلم ما رأيته ببلاد من بلاد الكفار ولا المسلمين إلا بالصين اللهم إلا أنه كان بالهند ما يقرب منه، وهو أن من عثر على سلعة له قد غاب على مغرمها أغرم أحد عشر مغرما، ثم رفع السلطان ذلك لما رفع المغارم. ذكر عادتهم في منع التجار عن الفساد. وإذا قدم التاجر المسلم على بلد من بلاد الصين خيّر في النزول عند تاجر من المسلمين المتوطنين معيّن، أو في الفندق، فإن أحب النزول عند التاجر حصر ماله وضمّنه التاجر المستوطن، وأنفق عليه منه بالمعروف، فإذا أراد السفر بحث عن ماله، فان وجد شيء منه قد ضاع أغرمه التاجر المستوطن الذي ضمّنه، وإن أراد النزول بالفندق سلم ماله لصاحب الفندق وضمنه، وهو يشتري له ما أحب ويحاسبه، فإن أراد التّسري اشترى له جارية وأسكنه بدار يكون بابها في الفندق، وانفق عليهما.

ذكر حفظهم للمسافرين في الطرق

والجواري رخيصات الأثمان إلا أن أهل الصين أجمعين يبيعون أولادهم وبناتهم وليس ذلك عيبا عندهم، غير أنهم لا يجبرون على السفر مع مشتريهم ولا يمنعون أيضا منه إن اختاروه، وكذلك إن أراد التزوّج تزوّج، وأما إنفاق ماله في الفساد فشيء لا سبيل له إليه! ويقولون: لا نريد أن يسمع في بلاد المسلمين أنهم يخسرون أموالهم في بلادنا فانّها أرض فساد وحسن فائت!! ذكر حفظهم للمسافرين في الطرق وبلاد الصين آمن البلاد وأحسنها حالا للمسافر، فإن الانسان يسافر منفردا مسيرة تسعة اشهر وتكون معه الأموال الطائلة فلا يخاف عليها، وترتيب ذلك أن لهم في كل منزل ببلادهم فندقا عليه حاكم يسكن به في جماعة من الفرسان والرجال، فإذا كان بعد المغرب أو العشاء الآخرة جاء الحاكم إلى الفندق ومعه كاتبه فكتب أسماء جميع من يبيت به من المسلمين وختم عليها، وأقفل باب الفندق عليهم فإذا كان بعد الصبح، جاء ومعه كاتبه فدعا كل انسان باسمه، وكتب بها تفسيرا، وبعث معهم من يوصّلهم إلى المنزل الثاني له وياتيه ببراءة من حاكمه أن الجميع قد وصلوا إليه، وإن لم يفعل طلبه بهم، وهكذا العمل في كل منزل ببلادهم من صين الصين إلى خان بالق. وفي هذه الفنادق جميع ما يحتاج إليه المسافر من الأزواد وخصوصا الدجاج والإوز، وأما الغنم فهي قليلة عندهم. ولنعد إلى ذكر سفرنا فنقول: لما قطعنا البحر كانت أول مدينة وصلنا اليها مدينة الزّيتون «52» ، وهذه المدينة ليس بها زيتون ولا بجميع بلاد أهل الصين والهند، ولكنه اسم وضع عليها، وهي مدينة عظيمة كبيرة تصنع بها ثياب الكمخا، والأطلس «53» ، وتعرف بالنسبة إليها، وتفضل على الثياب الخنساوية والخنبالقية، ومرساها من أعظم مراسي الدنيا

أو هو أعظمها، رأيت به نحو مائة جنك كبار، وأما الصغار فلا تحصى كثرة، وهو خور كبير من البحر يدخل في البر حتى يختلط بالنّهر الأعظم. وهذه «54» المدينة وجميع بلاد الصين يكون للإنسان بها البستان والأرض، وداره في وسطها كمثل ما هي بلدة سجلماسة ببلادنا «55» ! وبهذا عظمت بلادهم، والمسلمون ساكنون بمدينة على حدة. وفي يوم وصولي إليها رأيت بها الامير الذي توجه إلى الهند رسولا بالهدية، ومضى في صحبتنا وغرق به الجنك، فسلّم علي وعرف صاحب الديوان بي «56» فأنزلني في منزل حسن، وجاء إليّ قاضي المسلمين تاج الدين الأردويلي وهو من الأفاضل الكرماء وشيخ الاسلام كمال الدين عبد الله الأصفهاني، وهو من الصلحاء وجاء إليّ كبار التجار فيهم شرف الدين التبريزي أحد التجار الذين استدنت منهم حين قدومي على الهند وأحسنهم معاملة، حافظ القرآن مكثر للتلاوة. وهؤلاء التّجار لسكناهم في بلاد الكفار إذا قدم عليهم المسلم فرحوا به أشد الفرح، وقالوا: جاء من أرض الإسلام، وله يعطون زكوات أموالهم فيعود غنيا كواحد منهم. وكان بها من المشايخ الفضلاء برهان الدين الكازروني، له زاوية خارج البلد «57» ، وإليه يدفع التجار النذور التي ينذرونها للشيخ أبي إسحاق الكازروني «58» ، ولما عرف صاحب

البيوت محاطة بالحدائق على نحو ما كان بسجلماسة

الديوان أخباري كتب إلي القان، وهو ملكهم الأعظم «59» ، يخبره بقدومي من جهة ملك الهند فطلبت منه أن يبعث معي من يوصلني إلى بلاد الصين وهم يسمونها صين «60» كلان، لأشاهد تلك البلاد، وهي في عمالته بخلال ما يعود جواب القان، فأجاب إلى ذلك، وبعث معي من أصحابه من يوصلني. وركبت في النّهر في مركب يشبه أجفان بلادنا الغزوية إلّا أن الجذّافين يجذفون فيه قياما، ومعهم، في وسط المركب الركاب في المقدم والمؤخر، ويظلّلون على المركب بثياب تصنع من نبات ببلادهم يشبه الكتان، وليس به، وهو أرقّ من القنب. وسافرنا في هذا النهر سبعة وعشرين يوما «61» وفي كل يوم ترسو عند الزوال بقرية نشتري بها ما نحتاج إليه ونصلّي الظهر ثم ننزل بالعشي إلى أخرى وهكذا إلى أن وصلنا إلى مدينة صين كلان بفتح الكاف، وهي مدينة صين الصّين، وبها يصنع الفخار، وبالزيتون أيضا، وهنالك يصب نهر آب حياة في البحر، ويسمونه مجمع البحرين «62» ، وهي من أكبر المدن وأحسنها أسواقا، ومن أعظم أسواقها سوق الفخار، ومنها يحمل إلى سائر بلاد الصين، وإلى الهند واليمن، وفي وسط هذه المدينة كنيسة عظيمة لها تسعة أبواب داخل كل باب أسطوان ومصاطب يقعد عليها الساكنون بها، وبين البابين الثاني والثالث منها موضع فيه بيوت يسكنها العميان وأهل الزّمانات ولكل واحد منهم نفقته وكسوته من أوقاف الكنيسة، وكذلك فيما بين الأبواب كلّها وفي داخلها المارستان للمرضى والمطبخة لطبخ الاغذية وفيها الاطباء والخدام. وذكر لي أن الشيوخ الذين لا قدرة لهم على التكسّب لهم نفقتهم وكسوتهم بهذه الكنيسة، وكذلك الأيتام والأرامل ممن لا حال له، وعمّر هذه الكنيسة بعض ملوكهم وجعل هذه المدينة وما اليها من القرى والبساتين وقفا عليها، وصورة ذلك الملك مصورة بالكنيسة المذكورة، وهم يعبدونها.

كانطون في القرن السابع عشر

حكاية عجيبة

وفي بعض جهات هذه المدينة «63» بلدة المسلمين، لهم بها المسجد الجامع والزاوية والسوق ولهم قاض وشيخ، ولا بد في كل بلد من بلاد الصين من شيخ الإسلام تكون أمور المسلمين كلّها راجعة اليه، وقاض يقضي بينهم. وكان نزولي عند أوحد الدين السنجاري، وهو أحد الفضلاء الأكابر ذوي الاموال الطائلة، وأقمت عنده أربعة عشر يوما، وتحف القاضي وسائر المسلمين تتوالى عليّ، وكلّ يوم يصنعون دعوة جديدة ويأتون اليها بالعشّارين «64» الحسان والمغنين. وليس وراء هذه المدينة مدينة لا للكفار ولا للمسلمين، وبينها وبين سدّ ياجوج وماجوج «65» ستون يوما فيما ذكر لي، يسكنها كفار رحّالة يأكلون بني آدم إذا ظفروا بهم «66» ولذلك لا تسلك بلادهم ولا يسافر إليها. ولم أر بتلك البلاد من رأى السد ولا من رأى من رآه. حكاية عجيبة ولما كنت بصين كلان سمعت أن بها شيخا كبيرا قد أناف على مائتي سنة، وأنه لا يأكل ولا يشرب، ولا يحدث، ولا يباشر النساء مع قوته التامة، وأنه ساكن في غار بخارجها

سور الصين العظيم

يتعبد فيه، فتوجهت إلى الغار، فرأيته على بابه وهو نحيف شديد الحمرة، عليه أثر العبادة ولا لحية له فسلّمت عليه فأمسك بيدي وشمّها، وقال للترجمان: هذا من طرف الدنيا كما نحن من طرفها الآخر!! ثم قال لي: لقد رأيت عجبا، أتذكر يوم قدومك الجزيرة التي فيها الكنيسة والرجل الذي كان جالسا بين الاصنام وأعطاك عشرة دنانير من الذهب؟ فقلت: نعم! فقال: أنا هو! فقبّلت يده، وفكّر ساعة، ثم دخل الغار فلم يخرج إلينا، وكأنه ظهر منه النّدم على ما تكلّم به، فتعجبنا ودخلنا الغار عليه فلم نجده ووجدنا بعض أصحابه ومعه جملة بوالشت من الكاغد «67» ، فقال: هذه ضيافتكم، فانصرفوا. فقلنا له: ننتظر الرجل، فقال: لو أقمتم عشر سنين لم تروه، فإن عادته إذا إطلع أحد على سرّ من أسراره لا يراه بعده، ولا تحسب أنه غاب عنك بل هو حاضر معك، فعجبت من ذلك وانصرفت، فأعلمت القاضي وشيخ الاسلام وأوحد الدين السنجاري بقضيته، فقالوا: كذلك عادته مع من ياتي اليه من الغرباء ولا يعلم أحد من ينتحله من الأديان! والذي ظننتموه أحد أصحابه هو هو. وأخبروني أنه كان غاب عن هذه البلاد نحو خمسين سنة ثم قدم عليها منذ سنة، وكان السلاطين والأمراء والكبراء يأتونه زائرين فيعطيهم التّحف على أقدارهم، ويأتيه الفقراء كلّ يوم فيعطي لكل أحد على قدره، وليس في الغار الذي هو به ما يقع عليه البصر! وأنه يحدث عن السنين الماضية، ويذكر النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: لو كنت معه لنصرته، ويذكر الخليفتين عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب بأحسن الذكر ويثنى عليهما ويلعن يزيد ابن معاوية ويقع في معاوية. وحدثوني «68» عنه بأمور كثيرة، وأخبرني أوحد الدين السنجاري قال: دخلت عليه بالغار فأخذ بيدي فخيل لي أني في قصر عظيم وأنه قاعد فيه على سرير وفوق رأسه تاج وعن جانبيه الوصائف الحسان والفواكه تتساقط في أنهار هنالك وتخيّلت أني أخذت تفاحة لآكلها. فإذا أنا بالغار وبين يديه، وهو يضحك مني وأصابني مرض شديد لازمني شهورا فلم أعد إليه. وأهل تلك البلاد يعتقدون أنه مسلم، ولكن لم يره أحد يصلي، وأما الصيام فهو صائم أبدا، وقال لي القاضي ذكرت له الصلاة في بعض الأيام، فقال لي: أتدري أنت ما أصنع؟ إن صلاتي غير صلاتك! وأخباره كلّها غريبة، وفي اليوم الثاني من لقائه سافرت راجعا إلى مدينة الزيتون، وبعد وصولي إليها بأيام جاء أمر القان بوصولي إلى حضرته على البر

تذكار يخلد وصول البعثة الإسلامية للصّين

حكاية [قوام الدين السبتي]

والكرامة «69» إن شئت في النهر والّا ففي البر فاخترت السفر في النهر فجهزوا لي مركبا حسنا من المراكب المعدة لركوب الأمراء، وبعث الأمير معنا أصحابه ووجه لنا الامير والقاضي والتجار المسلمون أزوادا كثيرة، وسرنا في الضيافة نتغدّى بقرية ونتعشى بأخرى، فوصلنا بعد سفر عشرة أيام الى مدينة قنجنفو «70» ، وضبط اسمها بفتح القاف وسكون النون وفتح الجيم وسكون النون الاخر وضم الفاء وواو. مدينة كبيرة حسنة في بسيط أفيح، والبساتين محدقة بها فكأنها غوطة دمشق، وعند وصولنا خرج إلينا القاضي وشيخ الاسلام والتجار ومعهم الأعلام والطبول والأبواق والأنفار وأهل الطرب وأتونا بالخيل فركبنا ومشوا بين أيدينا، لم يركب معنا غير القاضي والشيخ، وخرج أمير البلد وخدامه، وضيف السلطان عندهم معظم أشد التعظيم، ودخلنا المدينة ولها أربعة أسوار يسكن ما بين السور الاول والثاني عبيد السّلطان من حراس المدينة وسمّارها ويسمون البصوانان «71» بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد المهمل وواو وألف ونون والف ونون، ويسكن ما بين السور الثاني والثالث الجنود المركبون والامير الحاكم على البلد، ويسكن داخل السور الثالث المسلمون، وهنالك نزلنا عند شيخهم ظهير الدين القرلاني، بضم القاف وسكون الراء، ويسكن داخل السور الرابع الصينيون، وهو أعظم المدن الأربعة ومقدار ما بين كلّ باب منها والذي يليه ثلاثة أميال وأربعة ولكل إنسان كما ذكرناه بستانه وداره وأرضه. حكاية [قوام الدّين السبتي] وبينما أنا يوما في دار ظهير الدين القرلاني إذا بمركب قوام الدين السّبتي، فعجبت من اسمه! ودخل إليّ، فلما حصلت المؤانسة بعد السلام سنح لي أني أعرفه، فأطلت النظر

إليه فقال: أراك تنظر إلي نظر من يعرفني، فقلت له: من أيّ البلاد أنت؟ فقال من سبتة! فقلت له: وأنا من طنجة! فجدد السّلام عليّ وبكى حتى بكيت لبكائه!! فقلت له: هل دخلت بلاد الهند؟ فقال لي: نعم دخلت حضرة دهلي، فلما قال لي ذلك تذكّرت له، وقلت: أأنت البشري؟ قال: نعم! وكان وصل إلى دهلي مع خاله أبي القاسم المرسى وهو يومئذ شاب لا نبات بعارضيه، من حداق الطلبة، يحفظ الموطأ «72» وكنت أعلمت سلطان الهند بأمره فأعطاه ثلاث آلاف دينار وطلب منه الإقامة عنده فأبى، وكان قصده بلاد الصين فعظم شأنه بها واكتسب الأموال الطائلة. أخبرني أن له نحو خمسين غلاما، ومثلهم من الجواري وأهدى إلي منهم غلامين وجاريتين وتحفا كثيرة، ولقيت أخاه بعد ذلك ببلاد السودان، «73» فيا بعد ما بينهما! وكانت إقامتي بقنجنفو خمسة عشر يوما، وسافرت منها، وبلاد الصين على ما فيها من الحسن لم تكن تعجبني، بل كان خاطري شديد التغير بسبب غلبة الكفر عليها، فمتى خرجت عن منزلي رأيت المناكير الكثيرة، فأقلقني ذلك حتى كنت ألازم المنزل فلا أخرج إلا لضرورة، وكنت إذا رأيت المسلمين بها فكأنّي لقيت أهلي وأقاربي! ومن تمام فضيلة هذا الفقيه البشري أن سافر معي لما رحلت عن قنجنفو أربعة أيام حتى وصلت إلى مدينة بيوم قطلو «74» ، وهي بباء موحدة مفتوحة وياء آخر الحروف ساكنة وواو مفتوحة وميم وقاف مضموم وطاء مسكنة ولام مضموم وواو، مدينة صغيرة يسكنها الصينيون من جند وسوقة، وليس بها للمسلمين إلا أربعة من الدور، وأهلها من جهة الفقيه المذكور، ونزلنا بدار أحدهم وأقمنا عنده ثلاثة أيام ثم ودعت الفقيه وانصرفت فركبت النّهر على العادة نتغدّى بقرية ونتعشى بأخرى إلى أن وصلنا بعد سبعة عشر يوما منها إلى

مدينة الخنسا «75» ، واسمها على نحو اسم الخنساء الشاعرة، ولا أدري أعربي هو أم وافق العربي؟ وهذه المدينة أكبر مدينة رأيتها على وجه الأرض، طولها مسيرة ثلاثة أيام يرحل المسافر فيها وينزل، وهي على ما ذكرناه من ترتيب عمارة الصين، كلّ أحد له بستانه وداره، وهي منقسمة إلى ستّ مدن سنذكرها، وعند وصولنا إليها خرج إلينا قاضيها أفخر الدين وشيخ الاسلام بها وأولاد عثمان بن عفان المصري، وهم كبراء المسلمين بها «76» ومعهم علم أبيض والاطبال والأنفار والابواق وخرج أميرها في موكبه. ودخلنا المدينة وهي ست مدن على كل مدينة سور، ومحدق بالجميع سور واحد، فأول مدينة منها يسكنها حراس المدينة وأميرهم، حدثني القاضي وسواه أنهم اثنا عشر الفا في زمام العسكرية وبتنا ليلة دخولنا في دار أميرهم. وفي اليوم الثاني دخلنا المدينة الثانية على باب يعرف بباب اليهود «77» ، ويسكن بها اليهود والنصارى والترك عبدة الشمس، وهم كثير وأمير هذه المدينة من أهل الصّين، وبتنا عنده الليلة الثانية.

وفي اليوم الثالث دخلنا المدينة الثالثة، ويسكنها المسلمون، ومدينتهم حسنة وأسواقهم مرتبة كترتيبها في بلاد الإسلام، وبها المساجد والمؤذنون، سمعناهم يؤذنون بالظهر عند دخولنا ونزلنا منها بدار أولاد عثمان بن عفان المصري، وكان أحد التّجار الكبار استحسن هذه المدينة فاستوطنها، وعرفت بالنسبة اليه وأورث عقبه بها الجاه والحرمة، وهم على ما كان عليه أبوهم من الإيثار على الفقراء والإعانة للمحتاجين، ولهم زاوية تعرف بالعثمانية، حسنة العمارة لها أوقاف كثيرة، وبها طائفة من الصوفية، وبنى عثمان المذكور المسجد الجامع بهذه المدينة، ووقف عليه وعلى الزاوية أوقافا عظيمة وعدد المسلمين بهذه المدينة كثير وكانت إقامتنا عندهم خمسة عشر يوما فكنا كل يوم وليلة في دعوة جديدة، ولا يزالون يحتفلون في أطعمتهم ويركبون معنا كلّ يوم للنزهة في أقطار المدينة. وركبوا معي يوما فدخلنا إلى المدينة الرابعة وهي دار الإمارة وبها سكنى الامير الكبير قرطى. ولما «78» دخلنا من بابها ذهب عني أصحابي ولقيني الوزير وذهب بي إلى دار الامير الكبير قرطي فكان من أخذه الفرجية التي أعطانيها ولي الله جلال الدين الشيرازي «79» ما قد ذكرته. وهذه المدينة منفردة لسكنى عبيد السلطان وخدامه وهي أحسن المدن الستّ، ويشقها أنهار ثلاثة: أحدها خليج يخرج من النهر الأعظم وتأتي فيه القوارب الصّغار إلى هذه المدينة بالمرافق من الطعام وأحجار الوقد، وفيه السفن للنّزهة، والمشور في وسط هذه المدينة، وهو كبير جدّا، ودار الإمارة في وسطه وهو يحف بها من جميع الجهات، وفيه سقائف فيها الصناع يصنعون الثياب النفيسة وآلات الحرب. وأخبرني الأمير قرطى أن عددهم الف وستمائة معلّم، كل واحد منهم يتبعه الثلاثة والاربعة من المتعلمين وهم أجمعون عبيد القان، وفي أرجلهم القيود، ومساكنهم خارج القصر، ويباح لهم الخروج إلى أسواق المدينة دون الخروج على بابها، ويعرضون كلّ يوم على الأمير مائة مائة، فان نقص أحدهم طلب به أميره! وعادتهم أنه اذا خدم احدهم عشر سنين فكّ عنه قيده، وكان يخيّر النّظرين إما أن يقيم في الخدمة غير مقيد، وإما أن يسير حيث شاء من بلاد القان ولا يخرج عنها، وإذا بلغ سنّه خمسين عاما أعتق من الأشغال وأنفق عليه، وكذلك ينفق على من بلغ هذه السن أو

ذكر الامير الكبير قرطي

نحوها من سواهم، ومن بلغ ستين سنة عدوّه كالصّبي فلم تجر عليه الاحكام «80» ! والشيوخ بالصين يعظمون تعظيما كثيرا ويسمى أحدهم أطا، ومعناه الوالد. ذكر الامير الكبير قرطي وضبط اسمه بضم القاف وسكون الراء وفتح الطاء المهمل وسكون الياء، وهو أمير أمراء الصين أضافنا بداره وصنع الدعوة ويسمّونها الطّوى «81» ، بضم الطاء المهمل وفتح الواو، وحضرها كبار المدينة وأتى بالطباخين المسلمين فذبحوا وطبخوا الطعام، وكان هذا الامير على عظمته يناولنا الطعام بيده ويقطع اللحم بيده، وأقمنا في ضيافته ثلاثة أيام، وبعث ولده معنا إلى الخليج فركبنا في سفينة تشبه الحرّاقة، وركب ابن الامير في أخرى ومعه اهل الطرب وأهل الموسيقى، وكانوا يغنون بالصّيني وبالعربي وبالفارسي وكان ابن الامير معجبا بالغناء الفارسي فغنوا شعرا منه وأمرهم بتكريره مرارا حتى حفظته من أفواههم (82) وله تلحين عجيب وهو. تا دل بمهرت داده أم در بحر فكر افتاده أم ... جون در نماز ايستاده كويي بمحرابم دري «82» واجتمعت بتلك الخليج من السفن طائفة كبيرة لهم القلاع الملونة ومظلّات الحرير وسفنهم منقوشة أبدع نقش، وجعلوا يتحاملون ويترامون بالنارنج والليمون، وعدنا بالعشى الى دار الامير فبتنا بها وحضر أهل الطرب فغنّوا بأنواع من الغناء العجيب.

لقطات من ضريح سعدي في شيراز عن مجموعة آثار معماري- سازمان جغرافيا نيروهاي مسلح

حكاية المشعوذ

حكاية المشعوذ وفي تلك الليلة حضر أحد المشعوذة، وهو من عبيد القان، فقال له الامير: أرنا من عجائبك! فأخذ كرة خشب لها ثقب، فيها سيور طوال فرمى بها إلى الهواء فارتفعت حتى غابت عن الأبصار، ونحن في وسط المشور أيام الحر الشديد، فلما لم يبق من السير في يده إلا يسير أمر متعلّما له فتعلق به وصعد في الهواء إلى أن غاب عن أبصارنا، فدعاه فلم يجبه ثلاثا فأخذ سكينا بيده كالمعتاظ وتعلق بالسير إلى أن غاب أيضا! ثم رمى بيد الصبي إلى الأرض، ثم رمى برجله ثم بيده الأخرى ثم بجسده ثم برأسه، ثم هبط وهو ينفخ وثيابه ملطخة بالدم، فقبّل الأرض بين يدي الامير، وكلمه بالصيني، وأمر له الامير بشيء، ثم إنه أخذ أعضاء الصبي فألصق بعضها ببعض وركضه برجله فقام سويّا! فعجبت منه، وأصابني خفقان القلب كمثل ما كان أصابني عند ملك الهند حين رأيت مثل ذلك، فسقوني دواء أذهب عني ما وجدت. وكان القاضي أفخر الدين إلى جانبي فقال لي: والله ما كان من صعود ولا نزول ولا قطع عضو، وإنما ذلك شعوذة! وفي غد تلك الليلة دخلنا من باب المدينة الخامسة وهي أكبر المدن يسكنها عامة الناس، وأسواقها حسان وبها الحذّاق بالصنائع وبها تصنع الثياب الخنساوية، ومن عجيب ما يصنعون بها أطباقا يسمونها الدّست «83» ، وهي من القصب وقد ألصقت قطعه أبدع إلصاق ودهنت بصبغ أحمر مشرق، وتكون هذه الأطباق عشرة واحدا في جوف آخر رقّتها تظهر لرائيها كأنها طبق واحد ويصنعون غطاء يغطي جميعها ويصنعون من هذا القصب صحافا، ومن عجائبها أن تقع من العلوّ فلا تنكسر ويجعل فيها الطعام السخن فلا يتغيّر صباغها ولا يحول، وتجلب من هنالك إلى الهند وخراسان وسواها. ولما دخلنا هذه المدينة بتنا ليلة في ضيافة أميرها، وبالغد دخلنا من باب يسمى كشتي بانان إلى المدينة السادسة، ويسكنها البحرية والصيادون والجلافطة والنجارون، ويدعون داد

رسم للسحرة بالصّين عام 1681 عن بيكينگام في المجلد الرابع للترجمة الإنجليزية

كاران والإصباهية وهم الرّماة والپيادة، وهم الرّجّال «84» ، وجميعهم عبيد السلطان، ولا يسكن معهم سواهم، وعددهم كثير. وهذه المدينة على ساحل النّهر الأعظم بتنا بها ليلة في ضيافة أميرها، وجهّز لنا الأمير قرطى مركبا، بما يحتاج اليه من زاد وسواه، وبعث معنا أصحابه برسم التّضييف، وسافرنا من هذه المدينة، وهي آخر أعمال الصين، ودخلنا إلى بلاد الخطا «85» ، بكسر الخاء المعجم وطاء مهمل وهي أحسن بلاد الدنيا عمارة، ولا يكون في جميعها موضع غير معمور فإنه إن بقى موضع غير معمور طلب أهله أو من يواليهم بخراجه، والبساتين والقرى والمزارع منتظمة بجانبي هذا النهر من مدينة الخنسا إلى مدينة خان بالق، وذلك مسيرة أربعة وستين يوما، وليس بها أحد من المسلمين إلا من كان خاطرا غير مقيم، لأنها ليست بدار مقام، وليس بها مدينة مجتمعة «86» ، وإنما هي قرى وبسائط فيها الزرع والفواكه والسكر، ولم أر في الدنيا مثلها غير مسيرة أربعة أيام من الأنبار إلى عانة. وكنا كلّ ليلة ننزل بالقرى لأجل الضيافة حتى وصلنا إلى مدينة خان بالق، وضبط اسمها بخاء معجم والف ونون مسكن وباء معقودة وألف ولام مكسور وقاف، وتسمى أيضا خانقو «87» ، بخاء معجم ونون مكسور وقاف وواو، وهي حضرة القان، والقان هو سلطانهم الأعظم الذي مملكته بلاد الصين والخطا، ولما وصلنا إليها أرسينا على عشرة أميال منها على العادة عندهم، وكتب إلى أمراء البحر

ذكر سلطان الصين والخطا الملقب بالقان.

بخبرنا، فأذنوا لنا في دخول مرساها فدخلناه، ثم نزلنا إلى المدينة، وهي من أعظم مدن الدنيا وليست على ترتيب بلاد الصّين في كون البساتين داخلها، وإنما هي كسائر البلاد والبساتين بخارجها، ومدينة السلطان في وسطها كالقصبة، حسبما نذكره. ونزلت عند الشيخ برهان الدين الصاغرجي، وهو الذي بعث إليه ملك الهند بأربعين ألف دينار واستدعاه، فأخذ الدنانير وقضى بها دينه، وأبى أن يسير إليه «88» ! وقدم على بلاد الصين فقدّمه القان على جميع المسلمين الذين ببلاده وخاطبه بصدر الجهان. ذكر سلطان الصين والخطا الملقب بالقان. والقان عندهم سمة لكل من يلي الملك: ملك الأقطار، كمثل ما يسمى كلّ من ملك بلاد اللّور بآتابك «89» ، واسمه بّاشاي «90» بفتح الباء المعقودة والشين المعجمة وسكون الياء، وليس للكفار على وجه الأرض مملكة أعظم من مملكته. ذكر قصره [القان] وقصره في وسط المدينة المختصة بسكناه، وأكثر عمارته بالخشب المنقوش، وله ترتيب عجيب، وعليه سبعة أبواب فالباب الأول منها يجلس به الكتوال، وهو أمير البوابين وله مصاطب مرتفعة عن يمين الباب ويساره، وفيها المماليك البرددارية، وهم حفاظ باب القصر، وعددهم خمسمائة رجل، وأخبرت أنهم كانوا فيما تقدم الف رجل، والباب الثاني يجلس عليه النّزدارية، بالنون والزاي، وهم أصحاب الرماح وعددهم خمسمائة، والباب الرابع يجلس عليه التّغدارية بالتاء المثناة والغين المعجم، وهم أصحاب السّيوف والترسنة. والباب الخامس فيه ديوان الوزارة، وبه سقائف كثيرة، فالسّقيفة العظمى يقعد بها الوزير على مرتبة هائلة مرتفعة، ويسمون ذلك الموضع المسند، وبين يدي الوزير دواة عظيمة من الذهب، وتقابل هذه السقيفة سقيفة كاتب السر، وعن يمينها سقيفة كتاب الرسائل، وعن يمين الوزير سقيفة كتّاب الأشغال، وتقابل هذه السقائف سقائف أربع إحداها تسمى ديوان الإشراف يقعد بها المشرف، والثانية سقيفة ديوان المستخرج وأميرها من كبار الامراء، والمستخرج هو ما يبقى قبل العمال، وقبل الأمراء من إقطاعاتهم، والثالثة ديوان الغوث، ويجلس فيها أحد الامراء

بنايات صينية

ذكر خروج القان لقتال ابن عمه وقتله

الكبار ومعه الفقهاء والكتاب فمن لحقته مظلمة استغاث بهم، والرابعة: ديوان البريد يجلس فيها أمير الإخباريين، والباب السادس من أبواب القصر يجلس عليه الجندارية وأميرهم الأعظم، والباب السابع يجلس عليه الفتيان، ولهم ثلاث سقائف: إحداها سقيفة الحبشان منهم، والثانية سقيفة الهنود والثالثة سقيفة الصّينيين، ولكل طائفة منهم أمير من الصينيين «91» . ذكر خروج القان لقتال ابن عمه وقتله ولما وصلنا حضرة خان بالق وجدنا القان غائبا عنها إذ ذاك وخرج للقاء ابن عمه فيروز «92» القائم عليه بناحية قراقرم وبش بالغ من بلاد الخطا «93» وبينها وبين الحضرة مسيرة ثلاثة أشهر عامرة. وأخبرني صدر الجهان برهان الدين الصاغرجي أن القان لما جمع الجيوش وحشد الحشود، اجتمع عليه من الفرسان مائة فوج، كل فوج منها عشرة آلاف فارس، وأميرهم يسمى أمير طومان «94» وكان خواصّ السلطان وأهل دخلته خمسين ألفا زائدا إلى ذلك، وكانت الرّجالة خمسمائة الف، ولما خرج خالف عليه أكثر الأمراء واتفقوا على خلعه لأنه كان قد غيّر أحكام اليساق «95» ، وهي الأحكام التي وضعها تنكيز خان جدّهم الذي خرب بلاد الإسلام، فمضوا إلى ابن عمه القائم، وكتبوا إلى القان أن يخلع نفسه وتكون مدينة الخنسا إقطاعا له فأبى ذلك وقاتلهم فانهزم وقتل «96» . وبعد أيام من وصولنا إلى حضرته ورد الخبر بذلك، فزيّنت المدينة وضربت الطبول والابواق والأنفار وأستعمل اللعب والطرب مدة شهر ثم جيىء بالقان المقتول وبنحو مائة من

المقتولين بني عمه وأقاربه وخواصه فحفر للقان ناووس «97» عظيم، وهو بيت تحت الأرض، وفرش بأحسن الفرش، وجعل فيه القان بسلاحه وجعل معه ما كان في داره من أواني الذهب، والفضة وجعل معه أربع من الجواري، وستة من خواص المماليك، ومعهم أواني شراب، وبنى باب البيت وجعل فوقه التّراب حتى صار كالتّل العظيم، ثم جاءوا بأربعة أفراس فأجاروها عند قبره حتى وقفت ونصبوا خشبا على القبر وعلقوها عليه بعد أن دخّلوا في دبر كلّ فرس خشبة حتى خرجت من فمه، وجعل أقارب القان المذكورين في نواويس ومعهم سلاحهم وأواني دورهم وصلّبوا على قبور كبارهم، وكانوا عشرة، ثلاثة من الخيل على كل قبر، وعلى قبور الباقين فرسا «98» فرسا. وكان هذا اليوم يوما مشهودا لم يتخلف عنه أحد من الرّجال ولا النساء المسلمين والكفار، وقد لبسوا أجمعين ثياب العزاء وهي الطيالسة البيض للكفار والثياب البيض للمسلمين، وأقام خواتين القان وخواصه في الأخبية على قبره أربعين يوما، وبعضهم يزيد على ذلك إلى سنة، وصنعت هنالك سوق يباع فيها ما يحتاجون اليه من طعام وسواه. وهذه الأفعال لا أذكر أمة تفعلها سواهم في هذا العصر فأما الكفار من الهنود وأهل الصين فيحرقون موتاهم، وسواهم من الأمم يدفنون الميت ولا يجعلون معه احدا، لكن أخبرني الثقات ببلاد السودان أن الكفار منهم اذا مات ملكهم صنعوا له ناووسا، وأدخلوا معه بعض خواصه وخدامه وثلاثين من أبناء كبارهم وبناتهم بعد أن يكسروا أيديهم وأرجلهم ويجعلون معهم أواني الشراب. وأخبرني بعض كبار مسوّفة ممن يسكن بلاد كوبر مع «99» مع السودان واختصه سلطانهم، انه كان له ولد، فلما مات سلطانهم أرادوا أن يدخلوا ولده مع من أدخلوه من أولادهم قال: فقلت لهم كيف تفعلون ذلك وليس على دينكم ولا من ولدكم وفديته منه بمال عريض! ولما قتل القان كما ذكرناه واستولى ابن عمه فيروز على الملك اختار أن تكون حضرته مدينة قراقرم، وضبطها بفتح القاف الأولى والراء وضم الثانية وضم الراء الثانية،

صورة لطير خيالي يحمل الإنسان!

ذكر رجوعي إلى الصين ثم إلى الهند

لقربها من بلاد بني عمه ملوك تركستان وما وراء النهر، ثم خالفت عليه الامراء ممن لم يحضر لقتل القان وقطعوا الطرق وعظمت الفتن «100» . ذكر رجوعي إلى الصين ثم إلى الهند ولما وقع الخلاف وتسعّرت الفتن أشار عليّ الشيخ برهان الدين وسواه أن أعود إلى الصين قبل تمكن الفتن، ووقفوا معي إلى نائب السلطان فيروز فبعث معي ثلاثة من أصحابه وكتب لي بالضيافة، وسرنا منحدرين في النهر الى الخنسا ثم إلى قنجنفو، ثم إلى الزيتون فلما وصلتها وجدت الجنوك على السفر الى الهند «101» ، وفي جملتها جنك للملك الظاهر صاحب الجاوة، أهله مسلمون وعرفني وكيله، وسرّ بقدومي، وصادفنا الريح الطيّبة عشرة أيام، ولما قاربنا بلاد طوالسى تغيرت الريح، وأظلم الجو وكثر المطر، وأقمنا عشرة أيام لا نرى الشمس، ثم دخلنا بحرا لا نعرفه وخاف أهل الجنك فأرادوا الرجوع إلى الصين فلم يتمكن ذلك وأقمنا اثنين وأربعين يوما لا نعرف في أي البحار نحن! ذكر الرّخ ولما كان في اليوم الثالث والاربعين ظهر لنا بعد طلوع الفجر جبل في البحر بيننا وبينه نحو عشرين ميلا والريح تحملنا الى صوبه، فعجب البحرية، وقالوا: لسنا بقرب من البر، ولا يعهد في البحر جبل، وان اضطرتنا الريح اليه هلكنا، فلجأ الناس الى التضرّع والإخلاص وجدّدوا التوبة، وابتهلنا الى الله بالدعاء وتوسلنا بنبيه صلى الله عليه وسلم، ونذر التجار الصدقات الكثيرة، وكتبتها لهم في زمام بخطي، وسكنت الريح بعض سكون، ثم رأينا ذلك

ذكر أعراس ولد الملك الظاهر

الجبل عند طلوع الشمس قد ارتفع في الهواء وظهر الضوء فيما بينه وبين البحر فعجبنا من ذلك، ورأيت البحرية يبكون، ويودع بعضهم بعضا. فقلت: ما شأنكم؟ فقالوا: إن الذي تخيلناه جبلا هو الرّخ، وان رءآنا أهلكنا، وبيننا إذ ذاك وبينه أقل من عشرة أميال، ثم إن الله تعالى منّ علينا بريح طيبة صرفتنا عن صوبه فلم نره ولا عرفنا حقيقة صورته «102» . وبعد شهرين من ذلك اليوم، وصلنا إلى الجاوة، ونزلنا إلى سمطرة فوجدنا سلطانها الملك الظاهر قد قدم من غزاة له وجاء بسبّي كثير فبعث لي جاريتين وغلامين، وأنزلني على العادة وحضرت إعراس ولده مع بنت أخيه «103» . ذكر أعراس ولد الملك الظاهر وشاهدت يوم الجلوة، فرأيتهم قد نصبوا في وسط المشور منبرا كبيرا وكسوة بثياب الحرير، وجاءت العروس من داخل القصر على قدميها بادية الوجه ومعها نحو أربعين من الخواتين يرفعن أذيالها من نساء السلطان وأمرائه ووزرائه وكلّهن باديات الوجوه ينظر اليهن كلّ من حضر من رفيع أو وضيع. وليست تلك بعادة لهن إلا في الأعراس خاصة. وصعدت العروس المنبر وبين يديها أهل الطرب رجالا ونساء يلعبون ويغنون، ثم جاء الزوج على فيل مزين، على ظهره سرير وفوقه قبة شبيه البوجة «104» ، والتاج على رأس العروس المذكور، عن يمينه ويساره نحو مائة من أبناء الملوك والامراء قد لبسوا البياض وركبوا الخيل المزيّنة، وعلى رؤوسهم الشواشي المرصّعة وهم أتراب العروس ليس فيهم ذو لحية ونثرت الدنانير والدراهم على الناس عند دخوله. وقعد السلطان بمنظرة له يشاهد ذلك ونزل ابنه فقبّل رجله وصعد المنبر إلى العروس فقامت إليه وقبّلت يده «105» ، وجلس إلى جانبها والخواتين يروّحن عليها، وجاءوا بالفوفل

لقطات من جاوة

والتنبول، فأخذه الزّوج بيده وجعل منه في فمها ثم أخذت هي بيدها وجعلت في فمه، ثم أخذ الزوج بفمه ورقة تنبول وجعلها في فمها، وذلك كله على أعين الناس، ثم فعلت هي كفعله، ثم وضع عليها الستر ورفع المنبر وهما فيه إلى داخل القصر وأكل الناس وانصرفوا. ثم لما كان في الغد جمع الناس وجدّد له أبوه ولاية العهد وبايعه الناس وأعطاهم العطاء الجزل من الثياب والذهب.

لقطات من جاوة مع شكرنا لأم سليمان ...

لقطات من سمطرة

رسم لقبرية السلطان الملك محمد الظاهر (؟) وهذا نص ما فيها: «هذا قبر السعيد الشهيد المرحوم السلطان بن السلطان الملك الظاهر شمس الدنيا والدّين محمد بن الملك الصالح، توفي ليلة الأحد ثاني عشر من شهر ذي الحجة سنة السادس والعشرين وسبعمائة من الهجرة النّبوية» وبهذه المناسبة نجدد شكرنا للزميل فان كونينكسفيلد ... عن الأصل من مكتبة (Bijgewerkte) جزء IV ص 230- 307

الفصل السادس عشر العودة إلى المغرب

الفصل السادس عشر العودة إلى المغرب من الجاوة إلى قالقوط العدول عن فكرة الرجوع للهند أخذ الطريق إلى ظفار محرم 748- يناير 1347 من البصرة إلى دمشق من دمشق إلى القاهرة من القاهرة إلى الحجاز لأداء الحجة السادسة من الحجاز إلى مصر فتونس من تازة إلى فاس والمثول بين يدي السلطان أبي عنان ذكر بعض مآثر ومناقب أبي عنان

ذكر سلطانها [ظفار]

وأقمت بهذه الجزيرة (الجاوة) شهرين ثم ركبت في بعض الجنوك وأعطاني السلطان كثيرا من العود والكافور والقرنفل والصّندل، وزوّدني وسافرت عنه، فوصلت بعد أربعين يوما إلى كولم، فنزلت بها في جوار القزويني قاضي المسلمين، وذلك في رمضان، وحضرت بها صلاة العيد «1» في مسجدها الجامع، وعادتهم أن ياتوا المسجد ليلا فلا يزالون يذكرون الله إلى الصبح، ثم يذكرون إلى حين صلاة العيد ثم يصلون ويخطب الخطيب وينصرفون. ثم سافرنا من كولم إلى قالقوط وأقمنا بها أياما وأردت العودة إلى دهلي، ثم خفت من ذلك «2» ، فركبت البحر فوصلت بعد ثمان وعشرين ليلة إلى ظفار، وذلك في محرم سنة ثمان وأربعين «3» ونزلت بدار خطيبها عيسى بن طأطأ. ذكر سلطانها [ظفار] ووجدت سلطانها في هذه الكرة الملك الناصر بن الملك المغيث الذي كان ملكا بها حين وصولي إليها فيما تقدم «4» ونائبه سيف الدين عمر أمير جندر «5» التركي الأصل. وأنزلني هذا السلطان وأكرمني. ثم ركبت البحر فوصلت إلى مسقط، بفتح الميم، وهي بلدة صغيرة بها السمك الكثير المعروف بقلب الماس «6» ثم سافرنا إلى مرسى القريات، وضبطها بضم القاف وفتح الراء

جانب من مدينة مسقط وقلعتها التاريخية

في الطريق إلى مرسى كلباء

على متن المركب إلى هرمز

والياء آخر الحروف والف وتاء مثناة، ثم سافرنا إلى مرسى شبّة، وضبط اسمها بفتح الشين المعجم وفتح الباء الموحدة وتشديدها، ثم إلى مرسى كلبة ولفظها على لفظ مؤنتة الكلب، ثم إلى قلهات، وقد تقدم ذكرها «7» ، وهذه البلاد كلّها من عمالة هرمز «8» ، وهي محسوبة من بلاد عمان، ثم سافرنا إلى هرمز وأقمنا بها ثلاثا وسافرنا في البر إلى كورستان «9» ثم إلى اللّار ثم إلى خنج بال، وقد تقدم ذكر جميعها «10» ، ثم سافرنا إلى كارزي «11» ، وضبط اسمها بفتح الكاف وسكون الراء وكسر الزاي، وأقمنا بها ثلاثا ثم سافرنا إلى جمكان، وضبط اسمها بفتح الجيم والميم والكاف وآخره نون، ثم سافرنا منها إلى ميمن، وضبط اسمها بفتح الميم وبينهما ياء آخر الحروف مسكنة وآخره نون، ثم سافرنا إلى بسّا «12» ، وضبط اسمها بفتح الباء الموحدة والسين المهملة مع تشديدها، ثم إلى مدينة شيراز فوجدنا سلطانها أبا اسحاق على ملكه إلا أنه كان غائبا «13» عنها، ولقيت بها شيخنا الصالح العالم مجد الدين 1» قاضي القضاة وهو قد كف بصره نفعه الله ونفع به.

ثم سافرت إلى ماين «15» ، ثم إلى يزد خاص «16» ، ثم إلى كليل «17» ، ثم كشك زرّ «18» ثم إلى إصبهان «19» ، ثم إلى تستر «20» ، ثم إلى الحويزا «21» ثم إلى البصرة، وقد تقدم ذكر جميعها «22» ، وزرت بالبصرة القبور الكريمة التي بها وهي قبر الزّبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله وحليمة السعدية وأبي بكرة، وأنس بن مالك، والحسن البصري وثابت البناني ومحمد بن سيرين، ومالك بن دينار ومحمد بن واسع وحبيب العجمي وسهل بن عبد الله التستري «23» رضي الله تعالى عنهم أجمعين. ثم سافرنا من البصرة فوصلنا إلى مشهد علي بن أبي طالب «24» رضي الله عنه وزرناه، ثم توجهنا إلى الكوفة فزرنا مسجدها المبارك، ثم إلى الحلة حيث مشهد صاحب الزمان «25» واتفق في بعض تلك الأيام أن وليها بعض الأمراء فمنع أهلها من التوجه على عادتهم إلى مسجد صاحب الزمان وانتظاره هنالك، ومنع عنهم الدابة التي كانوا يأخذونها كل ليلة من الامير، فأصابت ذلك الوالي علة مات منها سريعا فزاد ذلك في فتنة الرافضة وقالوا: إنما أصابه ذلك لأجل منعه الدابة فلم تمنع بعد! ثم سافرت إلى صرصر «26» ، ثم إلى مدينة بغداد، وصلتها في شوال سنة ثمان

بقايا القصر العباسي في بغداد عن الدليل السياحي للعراق مع شكرنا للسفارة العراقية بالرباط

ذكر سلطانها [بغداد]

وأربعين «27» ، ولقيت بها بعض المغاربة فعرّفني بكائنة طريف واستيلاء الروم على الخضراء «28» جبر الله صدع الإسلام في ذلك. ذكر سلطانها [بغداد] كان سلطان بغداد والعراق في عهد دخولي إليها في التاريخ المذكور الشيخ حسن بن عمّة السلطان أبي سعيد رحمه الله «29» ولما مات أبو سعيد استولى على ملكه بالعراق، وتزوج زوجته دلشاد بنت دمشق خواجة بن الأمير الجوبان حسبما كان فعله السلطان أبو سعيد من تزوج زوجة الشيخ حسن، وكان السلطان حسن غائبا عن بغداد في هذه المدة متوجّها لقتال أتابك أفراسياب صاحب بلاد اللور. ثم رحلت من بغداد فوصلت إلى مدينة الأنبار، ثم إلى هيت، ثم إلى الحديثة ثم إلى عانة «30» وهذه البلاد من أحسن البلاد وأخصبها، والطريق فيما بينها كثير العمارة كأن الماشي، في سوق من الأسواق وقد ذكرنا أنّا لم نر ما يشبه البلاد التي على نهر الصين إلا هذه البلاد. ثم «31» وصلت إلى مدينة الرّحبة وهي التي تنسب إلى مالك بن طوق «32» ، ومدينة الرحبة أحسن بلاد العراق وأول بلاد الشام. ثم سافرنا منها إلى السّخنة «33» ، وهي بلدة حسنة أكثر سكانها الكفار من النصارى، وانما سميت السّخنة لحرارة مائها، وفيها بيوت

للرجال وبيوت للنساء يستحمون فيها ويستقون الماء ليلا ويجعلونه في السطوح ليبرد، ثم سافرنا إلى تدمر «34» مدينة نبي الله سليمان عليه السلام التي بنتها له الجن كما قال النّابغة: يبنون تدمر بالصفّاح والعمد «35» . ثم سافرنا منها إلى مدينة دمشق الشام وكانت مدة مغيبي عنها عشرين سنة كاملة، وكنت تركت بها زوجة لي حاملا «36» ، وتعرفت وأنا ببلاد الهند أنها ولدت ولدا ذكرا فبعثت حينئذ إلى جده للّام وكان من أهل مكناسة «37» المغرب أربعين دينار ذهبا هنديا، فحين وصولي إلى دمشق في هذه الكرّة لم يكن لي همّ إلا السؤال عن ولدي، فدخلت المسجد فوقف لي نور الدين السخاوي إمام المالكية وكبيرهم «38» ، فسلمت عليه، فلم يعرفني فعرّفته بنفسي، وسألته عن الولد فقال: مات منذ اثنتي عشرة سنة، وأخبرني أن فقيها من أهل طنجة يسكن بالمدرسة الظاهرية «39» ، فسرت إليه لأسأله عن والدي وأهلي فوجدته شيخا كبيرا فسلمت عليه، وانتسبت له، فأخبرني أن والدي توفي مند خمسة عشرة سنة وأن الوالدة بقيد الحياة. وأقمت بدمشق الشام بقية السنة «40» والغلاء شديد والخبز قد انتهى إلى قيمة سبع أواقي بدرهم نقرة، وأوقيتهم أربع أواقي مغربية، وكان قاضي قضاة المالكية إذا ذاك جمال

حكاية [قتلى الخبز]

الدين المسلاتي «41» وكان من أصحاب الشيخ علاء الدين القونوي، وقدم معه دمشق فعرف بها، ثم ولي القضاء، وقاضي قضاة الشافعية تقي الدين ابن السّبكي وأمير دمشق ملك الأمراء أرغون شاه «42» . حكاية [قتلى الخبز] ومات في تلك الأيام بعض كبراء دمشق وأوصى بمال للمساكين، فكان المتولى لإنفاذ الوصية يشتري الخبز ويفرقه عليهم كلّ يوم بعد العصر، فاجتمعوا في بعض الليالي وتزاحموا واختطفوا الخبز الذي يفرق عليهم ومدّوا أيديهم إلى خبز الخبازين، وبلغ ذلك الامير أرغون شاه فأخرج زبانيّته فكانوا حيث ما لقوا أحدا من المساكين قالوا له: تعال تاخذ الخبز! فاجتمع منهم عدد كثير فحسبهم تلك اللية، وركب من الغد، وأحضرهم تحت القلعة، وأمر بقطع أيديهم وأرجلهم، وكان أكثرهم برّاء من ذلك، وأخرج طائفة الحرافيش «43» عن دمشق فانتقلوا إلى حمص وحماة وحلب، وذكر لي أنه لم يعش بعد ذلك إلا قليلا وقتل. ثم سافرت من دمشق إلى حمص ثم حماة ثم المعرّة ثم سرمين ثم إلى حلب «44» وكان أمير حلب في هذا العهد الحاج رغطى «45» ، بضم الراء وسكون الغين المعجم وفتح الطاء المهمل وياء آخر الحروف مسكنة.

حكاية [الوباء المجتاح]

حكاية [الوباء المجتاح] واتفق في تلك الأيام أن فقيرا يعرف بشيخ المشايخ وهو ساكن في جبل خارج مدينة عينتاب «46» ، والناس يقصدونه وهم يتبركون به وله تلميذ ملازم له، وكان متجردا عزبا لا زوجة له، وقال في بعض كلامه: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصبر عن النساء وأنا أصبر عنهن! فشهد عليه بذلك وثبت عند القاضي ورفع أمره إلى ملك الأمراء، وأوتى به وبتلميذه الموافق له على قوله، فأفتى القضاة الاربعة وهم شهاب الدين المالكي، وناصر الدين العديم الحنفي، وتقي الدين بن الصائغ الشافعي وعز الدين الدمشقي الحنبلي بقتلهما معا، فقتلا! وفي أوائل شهر ربيع الأول عام تسعة وأربعين (47) بلغنا الخبر في حلب أن الوباء وقع بغزة وأنه انتهى عدد الموتى فيها إلى زائد على الآلف في يوم واحد «48» ! فسافرت إلى حمص فوجدت الوباء قد وقع بها، ومات يوم دخولي اليها نحو ثلاثمائة إنسان، ثم سافرت إلى دمشق ووصلتها يوم الخميس، وكان أهلها قد صاموا ثلاثة أيام وخرجوا يوم الجمعة إلى مسجد الأقدام حسبما ذكرناه في السفر الأول «49» فخفف الله الوباء عنهم فانتهى عدد الموتى عندهم إلى ألفين وأربع مائة في اليوم! ثم سافرت إلى عجلون «50» ، ثم إلى بيت المقدس ووجدت الوباء قد ارتفع عنه ولقيت خطيبه عز الدين بن جماعة بن عم عز الدّين قاضي القضاة بمصر «51» وهو من الفضلاء الكرماء ومرتبه على الخطابة ألف درهم في الشهر.

حكاية [نذر الخطيب]

حكاية [نذر الخطيب] وصنع الخطيب عز الدين يوما دعوة ودعاني فيمن دعاه إليها، فسألته عن سببها؟ فأخبرني انه نذر أيام الوباء أنه إن ارتفع ذلك ومرّ عليه يوم لا يصلي فيه على ميّت صنع الدعوة! ثم قال لي: ولما كان بالامس لم أصلّ على ميّت فصنعت الدعوة التي نذرت!! ووجدت من كنت أعهده من جميع الأشياخ بالقدس قد انتقلوا إلى جوار الله تعالى رحمهم الله، فلم يبق منهم إلا القليل مثل المحدث العالم الإمام صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي، ومثل الصالح شرف الدين الخشّي شيخ زاوية المسجد الأقصى. ولقيت الشيخ سليمان الشيرازي فأضافني ولم ألق بالشام ومصر من وصل إلى قدم آدم عليه السلام سواه! ثم سافرت عن القدس، ورافقني الواعظ المحدث شرف الدين سليمان الملياني. وشيخ المغاربة بالقدس «52» الصوفي الفاضل طلحة العبد الوادي فوصلنا إلى مدينة الخليل عليه السلام، وزرناه ومن معه من الانبياء عليهم السلام، ثم سرنا إلى غزّة فوجدنا معظمها خاليا من كثرة من مات بها في الوباء، وأخبرنا قاضيها أن العدول بها كانوا ثمانين فبقى منهم الرّبع وان عدد الموتى بها انتهى إلى الف ومائة في اليوم. ثم سافرنا في البر فوصلت إلى دمياط ولقيت بها قطب الدين النقشواني، وهو صائم الدهر، ورافقني منها إلى فارس كور وسمنّود «53» ، ثم إلى أبي صير «54» بكسر الصاد المهمل وياء مد وراء ونزلنا في زاوية لبعض المصريين بها.

حكاية [الفقير الصائم]

حكاية [الفقير الصائم] وبينما نحن بتلك الزاوية إذ دخل علينا أحد الفقراء فسلّم وعرضنا عليه الطّعام فأبى، وقال: إنما قصدت زيارتكم ولم يزل ليلته تلك ساجدا وراكعا، ثم صلّينا الصبح، واشتغلنا بالذكر، والفقير بركن الزاوية فجاء الشيخ بالطعام ودعاه، فلم يجبه فمضى إليه فوجده ميّتا، فصلينا عليه ودفناه رحمة الله عليه! ثم سافرت إلى المحلة الكبيرة ثم إلى نحرارية ثم إلى أبيار، ثم إلى دمنهور «55» ، ثم إلى الإسكندرية «56» فوجدت الوباء قد خف بها بعد أن بلغ عدد الموتى إلى ألف وثمانين في اليوم، ثم سافرت إلى القاهرة، وبلغني أن عدد الموتى أيام الوباء انتهى فيها إلى أحد وعشرين ألفا في اليوم! ووجدت جميع من كان بها من المشايخ الذين أعرفهم قد ماتوا رحمهم الله تعالى. ذكر سلطانها وكان ملك ديار مصر في هذا العهد الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاون، وبعد ذلك خلع عن الملك وولي أخوه الملك الصّالح «57» . ولما وصلت القاهرة وجدت قاضي القضاة عز الدين بن قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة «58» قد توجه إلى مكة في ركب عظيم يسمونه الرّجبي لسفرهم في شهر رجب ... وأخبرت أن الوباء لم يزل معهم حتى وصلوا عقبة أيلة «59» فارتفع عنهم. ثم سافرت من القاهرة، على بلاد الصعيد، وقد تقدم ذكرها. إلى عيذاب «60» وركبت منها البحر فوصلت إلى جدة «61» ، ثم سافرت منها إلى مكة شرفها الله تعالى وكرمها

فوصلتها في الثاني والعشرين لشعبان سنة تسع وأربعين «62» ونزلت في جوار إمام المالكية الصالح الوليّ الفاضل ابي عبد الله محمد بن عبد الرحمن المدعو بخليل «63» ، فصمت شهر رمضان بمكة وكنت أعتمر كلّ يوم على مذهب الشافعي، ولقيت ممّن أعهده من أشياخها شهاب الدين الحنفي «64» . وشهاب الدين الطبري «65» ، وأبا محمد اليافعي «66» ونجم الدين الأصفوني «67» والحرازي «68» وحججت في تلك السنة. ثم سافرت مع الركب الشامي إلى طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزرت قبره المكرم المطيب زاده الله طيبا وتشريفا في المسجد الكريم طهره الله وزاده تعظيما، وزرت من بالبقيع «69» من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم، ولقيت من الأشياخ أبا محمد ابن فرحون «70» . ثم سافرنا من المدينة إلى العلا وتبوك، ثم إلى بيت المقدس، ثم إلى مدينة الخليل

حجته للمرة السادسة

صلى الله عليه وسلم، ثم إلى غزة «71» ثم إلى منازل الرّمل «72» وقد تقدم ذكر ذلك كلّه، ثم إلى القاهرة. وهنالك تعرفنا أن مولانا أمير المومنين وناصر الدين المتوكّل على رب العالمين أبا عنان أيده الله تعالى قد ضمّ الله به نشر الدولة المرينية «73» وشفى ببركته بعد إشفائها البلاد المغربية، وأفاض الإحسان على الخاص والعام وغمر جميع الناس بسابغ الإنعام فتشوفت النّفوس إلى المثول ببابه وأمّلت لثم ركابه، فعند ذلك قصدت القدوم على حضرته العلية مع ما شاقني من تذكار الأوطان والحنين إلى الأهل والخلان والمحبة في بلادي التي لها الفضل عندي على البلدان. بلاد بها نيطت عليّ تمائمي ... وأول أرض مسّ جلدي ترابها! فركبت البحر في قرقورة لبعض التونسيين صغيرة، وذلك في صفر سنة خمسين «74» ، وسرت حتى نزلت بجربة، وسافر المركب المذكور إلى تونس فاستولى العدوّ عليه «75» . ثم سافرت في مركب صغير إلى قابس فنزلت في ضيافة الأخوين الفاضلين أبي مروان، وأبي العباس ابني مكّي «76» أميري جربة وقابس، وحضرت عندهما مولد رسول الله

شارع في القاهرة بالأمس!

ذكر سلطانها

صلى الله عليه وسلم «77» ، ثم ركب في مركب إلى سفاقس، ثم توجهت في البحر الى بليانة، «78» ومنها سرت في البر مع العرب، فوصلت بعد مشقّات إلى مدينة تونس والعرب محاصرون لها. ذكر سلطانها وكانت تونس في إيالة مولانا أمير المسلمين وناصر الدين، المجاهد في سبيل رب العالمين، علم الأعلام وأوحد الملوك الكرام، أسد الآساد، وجواد الأجواد القانت الأواب، الخاشع العادل أبي الحسن «79» بن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين ناصر دين الاسلام الذي سارت الأمثال بجوده، وشاع في الأقطار أثر كرمه وفضله، ذي المناقب والمفاخر والفضائل والمآثر الملك العادل الفاضل ابي سعيد بن مولانا أمير المسلمين وناصر الدين، المجاهد في سبيل رب العالمين، علم الأعلام وأوحد الملوك الكرام، أسد الآساد، وجواد القانت الأواب، الخاشع العادل أبي الحسن بن مولانا أمير المسلمين المجاهد في سبيل رب العالمين ناصر دين الاسلام الذي سارت الأمثال بجوده، وشاع في الأقطار أثر كرمه وفضله، ذي المناقب والمفاخر والفضائل والمآثر الملك العادل الفاضل أبي سعيد بن مولانا أمير المسلمين وناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين قاهر الكفار ومبيدها ومبدي آثار الجهاد ومعيدها ناصر الايمان الشديد السطوة في ذات الرحمن العابد الزاهد الراكع الساجد الخاشع أبي يوسف بن عبد الحق رضي الله عنهم أجمعين وابقى الملك في عقبهم إلى يوم الدين.

ولما وصلت تونس قصدت الحاج أبا الحسن الناميسى «80» لما بيني وبينه من مواتّ القرابة والبلدية، فأنزلني بداره وتوجه معي إلى المشور فدخلت المشور الكريم وقبّلت يد مولانا أبي الحسن رضي الله عنه، وأمرني بالقعود فقعدت، وسألني عن الحجاز الشريف وسلطان مصر فأجبته وسألني عن ابن تيفراجين «81» فأخبرته بما فعلت المغاربة معه، وإرادتهم قتله بالاسكندرية وما لقى من إذايتهم انتصارا منهم مولانا أبي الحسن رضي الله عنه. وكان في مجلسه من الفقهاء الإمام أبو عبد الله السّطي «82» ، والامام ابو عبد الله محمد ابن الصبّاغ «83» ومن أهل تونس قاضيها أبو علي عمر بن عبد الرفيع «84» وأبو عبد

عملة السلطان أبي الحسن المريني الذي كان يقيم آنذاك في تونس

الله بن هارون «85» ، وانصرفت عن المجلس الكريم، فلما كان بعد العصر استدعاني مولانا أبو الحسن وهو ببرج يشرف على موضع القتال ومعه الشيوخ الجلة أبو عمر عثمان بن عبد الواحد التّنالفتي «86» وأبو حسون زيان بن امديون العلوي «87» ، وأبو زكرياء يحيى بن سليمان العسكري «88» والحاج أبو الحسن الناميسي، فسألني عن ملك الهند؟ فأجبته عما سأل، ولم أزل اتردد إلى مجلسه الكريم أيام إقامتي بتونس وكانت ستة وثلاثين يوما. ولقيت بتونس إذا ذاك الشيخ الامام خاتمة العلماء أبا عبد الله الآبلي «89» وكان في فراش المرض وباحثني عن كثير من أمور رحلتي.

ثم سافرت من تونس في البحر مع القطلانيين فوصلنا إلى جزيرة سردانية «90» من جزائر الروم، ولها مرسى عجيب، عليه خشب كبار دائرة به، وله مدخل كأنه باب لا يفتح إلا بإذن منهم وفيها حصون دخلنا أحدها وبه أسواق كثيرة، ونذرت لله تعالى إن خلّصنا الله منها صوم شهرين متتابعين لأننا تعرفنا أنّ أهلها عازمون على إتباعنا اذا خرجنا عنها ليأسرونا «91» ! ثمّ خرجنا عنها، بعد عشر إلى مدينة تنس «92» ، ثم إلى مازونة «93» ، ثم إلى «94» مستغانم، ثم إلى تلمسان فقصدت العباد «95» وزرت الشيخ أبا مدين رضي الله عنه ونفع «96» به، ثم خرجت عنها على طريق ندرومة «97» ، وسلكت طريق أخندقان «98» وبت بزاوية الشيخ إبراهيم.

صور من مدينة كالياري- سردينية

ثم سافرنا منها فبينما نحن بقرب أزغنغان «99» خرج علينا خمسون راجلا وفارسان، وكان معي الحاج بن قريعات الطنجي وأخوه محمد المستشهد بعد ذلك في البحر «100» ، فعزمنا على قتالهم ورفعنا علما ثمّ سالمونا وسالمناهم، والحمد لله. ووصلت إلى مدينة تازى «101» وبها تعرفت خبر موت والدتي بالوباء رحمها الله تعالى. ثم سافرت عن تازى فوصلت يوم الجمعة في أواخر شهر شعبان المكرم من عام خمسين وسبعمائة إلى حضرة فاس فمثلت بين يدي مولانا الاعظم الامام الاكرم أمير المومنين المتوكل على رب العالمين أبي عنان «102» وصل الله علوّه وكبت عدوه، فأنستني هيبته هيبة سلطان العراق، وحسنه حسن ملك الهند، وحسن اخلاقه حسن خلق ملك اليمن، وشجاعته شجاعة ملك التّرك، وحلمه حلم ملك الروم، وديانته ديانة ملك تركستان، وعلمه علم ملك الجاوة. وكان بين يديه وزيره الفاضل ذو المكارم الشهيرة والمآثر أبو زيان ابن ودرار «103» ، فسألني عن الديار المصرية، إذ كان قد وصل اليها، فأجبته عما سأل، وغمرني من إحسان مولانا أيده الله تعالى ما أعجزني شكره، والله وليّ مكافأته.

أنا الثريا التي تازا بيّ افتخرت ... على البلاد فما مثلى الزمان يرا في عام أربعة تسعون تتبعها ... من بعد ستّ من المئين قد سطرا

اسألوا التّاريخ عن أيامها ... كم عظيم شاد من بنياتها وغدا يرجو رضاها راكعا ... يرتجي الحكمة من أعلامها! من شعر د. التازي في جامعة القرويين بمناسبة عيدها المائة بعد الألف

وألقيت عصى التّسيار ببلاده الشريفة بعد أن تحققت بفضل الإنصاف أنها أحسن البلدان لان الفواكه بها متيسرة والمياه والاقوات غير متعذّرة، وقل إقليم يجمع ذلك كله، ولقد أحسن من قال: الغرب أحسن أرض ... ولي دليل عليه البدر يرقب منه ... والشمس تسعى إليه! ودراهم الغرب صغيرة، وفوائدها كثيرة، وإذا تأملت أسعاره مع أسعار ديار مصر والشام ظهر لك الحقّ في ذلك، ولاح فضل بلاد المغرب، فأقول: إن لحوم الاغنام بديار مصر تباع بحساب ثمان عشرة أوقية بدرهم «104» نقرة، والدرهم النقرة ستة دراهم من دراهم المغرب، وبالمغرب يباع اللّحم إذا غلا سعره ثمان عشرة أوقية بدرهمين، وهما ثلث النقرة، وأما السّمن فلا يوجد بمصر في أكثر الأوقات والذي يستعمله أهل مصر من أنواع الإدام لا يلتفت إليه بالمغرب «105» ، ولأن أكثر ذلك العدس والحمص يطبخونه في قدور راسيات، ويجعلون عليه السّيرج والبسلّا «106» ، وهو صنف من الجلبان يطبخونه ويجعلون عليه الزيت، والقرع يطبخونه ويخلطونه باللبن، والبقلة الحمقاء يطبخونها كذلك، وأعين أغصان اللوز يطبخونها ويجعلون عليها اللّبن، والقلقاس «107» يطبخونه، وهذا كله متيسّر بالمغرب لكن أغنى الله عنه بكثرة اللحم والسمن والزبد والعسل وسوى ذلك، وأما الخضر فهي أقلّ الأشياء ببلاد مصر، وأما الفواكه فأكثرها مجلوبة من الشام، وأما العنب فإذا كان رخيصا بيع عندهم بثلاثة أرطال من أرطالهم بدرهم نقرة، ورطلهم اثنتا عشر أوقية. وأما بلاد الشام فالفواكه بها كثيرة إلا أنها ببلاد المغرب أرخص منها ثمنا فإن العنب يباع بها بحساب رطل من أرطالهم بدرهم نقرة ورطلهم ثلاثة أرطال مغربية، وإذا رخص ثمنه بيع بحساب رطلين بدرهم نقرة، والإجاص يباع بحساب عشر أواقي بدرهم نقرة، وأما الرمان والسفرجل فتباع الحبة منه بثمانية فلوس وهي درهم من دراهم المغرب وأما الخضر فيباع بالدرهم النقرة منها أقل مما يباع في بلادنا بالدرهم الصغير، وأما اللحم فيباع فيها

ذكر بعض فضائل مولانا أيده الله

الرطل منه أرطالهم بدرهمين ونصف درهم نقرة. فإذا تأملت ذلك تبين لك أن بلاد المغرب أرخص البلاد أسعارا وأكثرها خيرات وأعظمها مرافق فوائد. ولقد زاد الله بلاد المغرب شرفا إلى شرفها وفضلا إلى فضلها بإمامة مولانا أمير المومنين «108» الذي مد ظلال الأمن في أقطارها وأطلع شمس العدل في أرجائها وأفاض سحاب الإحسان في باديتها وحاضرتها وطهّرها من المفسدين وأقام بها رسوم الدنيا والدين وأنا أذكر ما عاينته وتحققته من عدله وحلمه وشجاعته واشتغاله بالعلم، وتفقهه وصدقته الجارية ورفع المظالم. ذكر بعض فضائل مولانا أيده الله أما عدله فأشهر من أن يسطر في كتاب، فمن ذلك جلوسه للمشتكين من رعيته وتخصيصه يوم الجمعة للمساكين منهم، وتقسيمه ذلك اليوم بين الرجال والنساء، وتقديمه النساء لضعفهن فتقرأ قصصهنّ بعد صلاة الجمعة إلى العصر ومن وصلت نوبتها نودي باسمها ووقفت بين يديه الكريمتين يكلمها دون واسطة، فإن كانت متظلمة عجل إنصافها أو طالبة إحسان وقع إسعافها، ثم إذا صليت العصر قرئت قصص الرجال وفعل مثل ذلك فيها. ويحضر المجلس الفقهاء والقضاة فيرد اليهم ما تعلق بالاحكام الشرعية، وهذا شيء لم أر في الملوك من يفعله على هذا التّمام ويظهر فيه مثل هذا العدل، فان ملك الهند عيّن بعض أمرائه لأخذ القصص من الناس وتلخيصها ورفعها إليه دون حضور أربابها بين يديه! وأما حلمه فقد شاهدت منه العجائب فإنه أيده الله عفا عن الكثير ممن تعرض لقتال عساكره والمخالفة عليه، وعن أهل الجرائم الكبار التي لا يعفو عن جرائمهم إلا من وثق بربه وعلم علم اليقين معنى قوله تعالى: والعافين عن الناس «109» . قال ابن جزي: من أعجب ما شاهدته من حلم مولانا أيده الله أني منذ قدومي على بابه الكريم في آخر عام ثلاثة وخمسين «110» إلى هذا العهد وهو أوائل عام سبعة وخمسين

«111» ، لم أشاهد أحدا أمر بقتله إلا من قتله الشرع في حدّ من حدود الله تعالى: قصاص أو حرابة، هذا على اتساع المملكة وانفساح البلاد واختلاف الطوائف «112» ، ولم يسمع بمثل ذلك فيما تقدم من الأعصار، ولا فيما تباعد من الأقطار. وأما شجاعته فقد علم ما كان منه في المواطن الكريمة من الثبات والإقدام مثل يوم قتال بني عبد الوادي «103» وغيرهم، لقد سمعت خبر ذلك اليوم ببلاد السودان وذكر ذلك عند سلطانهم، فقال: هكذا وإلا فلا! قال ابن جزي، لم يزل الملوك الأقدمون تتفاخر بقتل الآساد وهزائم الاعادي، ومولانا أيده الله كان قتل الأسد عليه أهون من قتل الشاة على الاسد، فإنه لما خرج الأسد على الجيش بوادي النّجارين من المعمورة «104» حوز سلا وتحامته الأبطال وفرت أمامه الفرسان والرجال برز إليه مولانا أيده الله غير محتفل به ولا متهيّب منه فطعنه بالرمح ما بين عينيه طعنة خرّ بها صريعا لليدين والفم «105» ، وأما هزائم الأعادي فإنما اتفقت للملوك بثبوت جيوشهم وإقدام فرسانهم فيكون حظ الملوك الثبوت والتحريض على القتال، وأما مولانا أيده الله فإنه أقدم على عدوه منفردا بنفسه الكريمة بعد علمه بفرار الناس وتحققه أنه لم يبق معه من يقاتل فعند ذلك وقع الرّعب في قلوب الأعداء وانهزموا أمامه فكان من العجائب فرار الامم أمام واحد! وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء «106» ، والعاقبة للمتقين، وما هو إلا ثمرة ما يمتنّ به، أعلى الله مقامه، من التوكل على الله والتفويض اليه.

وأما اشتغاله بالعلم فها هو أيده الله تعالى يعقد مجالس العلم في كلّ يوم بعد صلاة الصبح، ويحضر لذلك أعلام الفقهاء ونجباء الطلبة بمسجد قصره الكريم، «107» فيقرأ بين يديه تفسير القرآن العظيم وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفروع مذهب مالك رضي الله عنه، وكتب المتصوّفة وفي كل علم منها له القدح المعلى، يجلو مشكلاته بنور فهمه ويلقي نكته الرائقة من حفظه، وهذا شأن الائمة المهتدين والخلفاء الراشدين، ولم أر من ملوك الدنيا من بلغت عنايته بالعلم إلى هذه النهاية، فقد رأيت ملك الهند يتذاكر بين يديه بعد صلاة الصبح في العلوم المعقولات خاصة، ورأيت ملك الجاوة يتذاكر بين يديه بعد صلاة الجمعة في الفروع على مذهب الشافعي خاصة، وكنت أعجب من ملازمة ملك تركستان لصلاتي العشاء الآخرة والصبح في الجماعة، حتّى رأيت ملازمة مولانا- أيده الله- في العلوم كلّها في الجماعة، ولقيام رمضان والله يختص برحمته من يشاء «108» . قال ابن جزي: لو أن عالما ليس له شغل إلا بالعلم ليلا ونهارا لم يكن يصل إلى أدنى مراتب مولانا أيده الله في العلوم مع اشتغاله بأمور الأئمة وتدبيره لسياسة الأقاليم النائية ومباشرته من حال ملكه ما لم يباشره أحد من الملوك ونظره بنفسه في شكايات المظلومين، ومع ذلك كله فلا تقع بمجلسه الكريم مسألة علم في أيّ علم كان، إلا جلا مشكلها، وباحث في دقائقها، واستخرج غوامضها واستدرك على علماء مجلسه ما فاتهم من مغلقاتها، ثم سما- أيده الله- إلى العلم الشريف التصوفي ففهم إشارات القوم وتخلق بأخلاقهم، وظهرت آثار ذلك في تواضعه مع رفعته، وشفقته على رعيته ورفقه في أمره كله، وأعطى للآداب حظا جزيلا من نفسه فاستعمل أبدعها منزعا وأعظمها موقعا، وصارت عنه الرسالة الكريمة والقصيدة اللتان بعثهما إلى الروضة الشريفة المقدسة الطاهرة: روضة سيد المرسلين وشفيع المذنبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبهما بخط يده الذي يخجل الرّوض حسنا، وذلك شيء لم يتعاط أحد من ملوك الزمان إنشاءه ولا رام إدراكه «109» .

ومن تأمل التّوقيعات الصادرة عنه «110» أيده الله تعالى وأحاط علما بمحصولها، لاح له فضل ما وهب الله لمولانا من البلاغة التي فطره عليها، وجمع له بين الطبيعي والمكتسب منها. وأما صدقاته الجارية وما أمر به من عمارة الزوايا بجميع بلاده لإطعام الطعام للوارد والصادر فذلك ما لم يفعله احد من الملوك غير السلطان أتابك أحمد «111» ، وقد زاد عليه مولانا أيده الله بالتصدق على المساكين بالطعام كل يوم والتصدق بالزرع على المتستّرين من أهل البيوت! قال ابن جزي: اخترع مولانا أيده اله في الكرم والصدقات أمورا لم تخطر في الأوهام ولا اهتدت اليها السلاطين، فمنها إجراء الصدقة على المساكين بكل بلد من بلاده على الدّوام، ومنها تعيين الصدقة الوافرة للمسجونين في جميع البلاد أيضا، ومنها كون تلك الصدقات خبزا مخبوزا متيسرا للانتفاع به، ومنها كسوة المساكين والضعفاء والعجائز والمشايخ والملازمين للمساجد بجميع بلاده، ومنها تعيين الضحايا لهؤلاء الأصناف في عيد الأضحى، ومنها التصدق بما يجتمع في مجابي أبواب بلاده يوم سبعة وعشرين من رمضان إكراما لذلك اليوم، وقياما بحقه، ومنها إطعام الناس في جميع البلاد ليلة المولد الكريم 11» واجتماعهم لاقامة رسمه، ومنها إعذار اليتامى من الصبيان وكسوتهم يوم عاشوراء «113» ، ومنها صدقته على الزّمنى والضعفاء بأزواج الحرث «114» : يقيمون بها

أودهم، ومنها صدقته على المساكين بحضرته بالطّنافس الوثيرة والقطائف الجياد يفترشونها عند رقادهم، وتلك مكرمة لا يعلم لها نظير، ومنها بناء المارستانات في كل بلد من بلاده، وتعيين الأوقاف الكثيرة لمؤن المرضى وتعيين الأطباء لمعالجتهم والتصرف في طبّهم «115» ، إلى غير ذلك مما أبدع فيه من أنواع المكارم وضروب المآثر كافى الله أياديه وشكر نعمه. وأما رفعه للمظالم عن الرعية فمنها الرتب التي كانت توخذ بالطرقات، أمر أيده الله بمحو رسمها وكان لها مجبى عظيم فلم يلتفت إليه، وما عند الله خير وأبقى «116» ، وأما كفه أيدي الظلام فأمر مشهور، وقد سمعته أيده الله- يقول لعماله: لا تظلموا الرعية! ويؤكد عليهم في ذلك الوصية. قال ابن جزي: ولو لم يكن من رفق مولانا أيده الله برعيته إلا رفعه التّضييف الذي كانت عمّال الزكاة وولاة البلاد تأخذه من الرّعايا، لكفى ذلك أثرا في العدل ظاهرا، ونورا في الرفق باهرا، فكيف وقد رفع من المظالم وبسط من المرافق ما لا يحيط به الحصر. وقد صدر في أيام تصنيف هذا من أمره الكريم في الرفق بالمسجونين ورفع الوظائف الثّقيلة التي كانت توخذ منهم ما هو اللائق بإحسانهم والمعهود من رأفته، وشمل الأمر بذلك جميع الاقطار، وكذلك صدر من التنكيل بمن ثبت جوره من القضاة والحكام ما فيه زاجر الظّلمة وردع المعتدين! وأما فعله في معاونة أهل الاندلس على الجهاد ومحافظته على إمداد الثغور بالاموال والاقوات والسلاح وفتّه في عضد العدو بإعداد العدد وإظهار القوة فذلك أمر شهير لم يغب علمه عن أهل المغرب والمشرق ولا سبق إليه أحد من الملوك «117» .

قال ابن جزي: حسب المتشوف إلى علم ما عند مولانا أيده الله من سداد النظر للمسلمين ودفاع القوم الكافرين ما فعله في فداء مدينة طرابلس إفريقية فإنها لما استولى العدوّ عليها ومد يد العدوان إليها ورأى أيده الله أن بعث الجيوش إلى نصرتها لا يتأتى لبعد الاقطار كتب إلى خدّامه ببلاد افريقية أن يفدوها بالمال، ففديت بخمسين الف دينار من الذهب العين، فلما بلغه خبر ذلك، قال: الحمد لله الذي استرجعها من أيدي الكفار بهذا النزر اليسير، وأمر للحين ببعث ذلك العدد إلى افريقية، وعادت المدينة إلى الإسلام على يديه «118» ، ولم يخطر في الأوهام أن أحدا تكون عنده خمسة قناطير «119» من الذهب نزرا يسيرا حتى جاء بها مولانا أيده الله مكرمة بعيدة، ومأثرة فائقة قلّ في الملوك أمثالها وعز عليهم مثالها. ومما شاع من أفعال مولانا أيده الله في الجهاد إنشاؤه الأجفان بجميع السواحل «120» واستكثاره من عدد البحر، وهذا في زمان الصلح والمهادنة إعدادا لأيام

القرّة «121» وأخذا بالحزم في قطع أطماع الكفار، واكد ذلك بتوجّهه- أيده الله بنفسه- إلى جبال جاناتة «122» في العام الفارط، ليباشر قطع الخشب للانشاء، ويظهر قدر ما له بذلك من الاعتناء، ويتولّى بذاته أعمال الجهاد مترجّيا ثواب الله تعالى وموقنا بحسن الجزاء. رجع، ومن أعظم حسناته، أيده الله عمارة المسجد الجديد بالمدينة «123» البيضاء دار ملكه العلي، وهو الذي امتاز بالحسن واتقان البناء وإشراق النور وبديع التّرتيب، وعمارة المدرسة الكبرى «124» بالموضع المعروف بالقصر «125» مما يجاور قصبة فاس ولا نظير لها في المعمور اتساعا وحسنا وإبداعا وكثرة ماء وحسن وضع، ولم أر في مدارس الشام ومصر والعراق وخرسان ما يشبهها. وعمارة الزاوية العظمى «126» على غدير الحمّص «127» خارج المدينة البيضاء، فلا

مدرسة أبي عنان

مثل لها أيضا في عجب وضعها وبديع صنعها، وأبدع زاوية رأيتها بالمشرق زاوية سرياقص التي بناها الملك الناصر «128» ، وهذه أبدع منها واشد احكاما وإتقانا والله سبحانه ينفع مولانا أيده الله بمقاصده الشريفة ويكافىء فضائله المنيفة ويديم للاسلام والمسلمين أيامه وينصر ألويته المظفرة وأعلامه «129» . ولنعد إلى ذكر الرحلة فنقول: ولما حصلت لي مشاهدة هذا المقام الكريم وعمّني فضل إحسانه العميم قصدت زيارة قبر الوالدة فوصلت إلى بلدي طنجة وزرتها ... الزاوية العظمى كما تخيّلها سعيد لحميني فكيف تتخيلها أنت من خلال وصف ابن الحاج النميري؟

طنجة العاصمة الدبلوماسية للمغرب بالأمس القريب- رسم المتحف الوطني في قيينا-

الفصل السابع عشر الرحلة إلى الاندلس

الفصل السابع عشر الرحلة إلى الاندلس جبل الفتح في حديث ابن بطوطة اهتمام الدولة بالجبل المعمار في الجبل ... صورة مجسّمة له بالقصر الملكي بفاس حضور الشّعر في الجبل الحديث عن رنده ... ومربلة مالقة- الحمّة غرناطة ومجالسها ... التقاء ابن جزي بابن بطوطة لأول مرة! حديث عن العجم المستوطنين بالمدينة وإهمال لآثار الحمراء!! عودته للمغرب ومقامه بمدينة أصيلا ثم التحاقه بمدينة مراكش مصاحبة ابن بطوطة لركب أبي عنان الذي حمل شلو والده من مراكش لدفنه في شالة الرباط.

وتوجهت إلى مدينة سبتة «1» فأقمت بها أشهرا وأصابني بها المرض ثلاثة أشهر ثم عافاني الله فأردت أن يكون لي حظ من الجهاد والرباط، فركبت البحر من سبتة في شطّي «2» لأهل أصيلا «3» ، فوصلت إلى بلاد الأندلس حرسها الله تعالى، حيث الأجر موفور للساكن والثواب مذخور للمقيم والظاعن، وكان ذلك أثر موت طاغية الرّوم أدفونش «4» وحصاره الجبل عشرة أشهر، وظنه أنه يستولي على ما بقي من بلاد الاندلس للمسلمين فأخذه الله من حيث لم يحتسب ومات بالوباء الذي كان أشد الناس خوفا منه. وأول بلد شاهدته من البلاد الأندلسية جبل الفتح «5» فلقيت به خطيبه الفاضل أبا زكرياء يحيى بن السراج الرّندى «6» وقاضيه عيسى البربري، وعنده نزلت وتطوفت معه على الجبل، فرأيت عجائب ما بنى به مولانا أبو الحسن رضي الله عنه وأعد فيه من العدد وما زاد على ذلك مولانا أيده الله، ووددت أن لو كنت ممّن رابط به إلى نهاية العمر.

جبل طارق ... وكان يحتوي على رحى كانت هناك لطحن الاقوات بالريح ...

قال ابن جزي: جبل الفتح هو معقل الاسلام المعترض شجا في حلوق عبدة الاصنام حسنة مولانا أبي الحسن «7» رضي الله عنه، المنسوبة إليه، وقربته التي قدمها نورا بين يديه، محل عدد الجهاد ومقر أساد الأجناد» ، والثغر الذي افترّ عن نصر الايمان وأذاق أهل الأندلس، بعد مرارة الخوف، حلاوة الأمان ومنه كان مبدأ الفتح الاكبر وبه نزل طارق بن زياد مولى موسى بن نصير «9» عند جوازه، فنسب إليه فيقال له: جبل طارق، وجبل الفتح، لان مبدأه كان منه. وبقايا السور الذي بناه ومن معه باقية إلى الآن تسمى بسور العرب شاهدتها أيام إقامتي به عند حصار الجزيرة «10» أعادها الله، ثم فتحه مولانا أبو الحسن رضوان الله عليه، واسترجعه من أيدي الروم بعد تملكه له عشرين سنة ونيفا، وبعث إلى حصاره ولده الامير الجليل أبا مالك وأيده بالاموال الطائلة والعساكر الجرّارة، وكان فتحه بعد حصار ستة أشهر، وذلك في عام ثلاثة (وثلاثين) وسبعماية «11» .

ولم يكن حينئذ على ما هو الآن عليه فبنى به مولانا أبو الحسن رحمة الله عليه القلهرّة «12» العظمى بأعلى الحصن وكانت قبل ذلك برجا صغيرا تهدم بأحجار المجانيق، فبناها مكانه «13» ، وبنى به دار الصناعة، ولم يكن به دار صنعة، وبنى السور الأعظم المحيط بالتّربة الحمراء الآخذ من دار الصنعة إلى القرمدة ثم جدد مولانا أمير المومنين أبو عنان، أيده الله عهد تحصينه وتحسينه وزاد بناء السور بطرف الفتح، وهو أعظم أسواره غناء وأعمها نفعا وبعث إليه العدد الوافرة والأقوات والمرافق العامة وعامل الله تعالى فيه حسن النية وصدق الاخلاص. ولما كان في الأشهر الأخيرة من عام ستة وخمسين «14» وقع بجبل الفتح ما ظهر فيه أثر يقين مولانا أيده الله وثمرة توكّله في أموره على الله، وبان مصداق ما اطّرد له من السعادة الكافية، وذلك أن عامل الجبل، الخائن الذي ختم له بالشقاء، عيسى بن الحسن بن أبي «15» منديل نزع يده المغلولة على الطاعة، وفارق عصمة الجماعة، وأظهر النفاق وجمح في الغدران والشقاق، وتعاطى ما ليس من رجاله، وعمى عن مبدأ حاله السيئ ومآله، وتوهّم الناس أن ذلك مبدأ فتنة تنفق على إطفائها كرائم الأموال، ويستعد لاتقائها بالفرسان والرجال، فحكمت سعادة مولانا أيده الله ببطلان هذا التوهم، وقضى صدق يقينه بانخراق العادة في هذه الفتنة، فلم تكن إلا أيام يسيرة، وراجع أهل الجبل بصائرهم، وثاروا على الثائر، وخالفوا الشقيّ المخالف، وأقاموا بالواجب من الطاعة، وقبضوا عليه وعلى ولده المساعد له في النفاق، وأتي بهما مصفّدين إلى الحضرة العلية فنفذ فيهما حكم الله في المحاربين وأراح الله من شرّهما. ولما خمدت نار الفتنة أظهر مولانا أيده الله من العناية ببلاد الاندلس ما لم يكن في حساب أهلها وبعث إلى جبل الفتح ولده الاسعد المبارك الأرشد أبا بكر المدعوّ من السمات

السلطانية بالسعيد أسعده الله تعالى، وبعث معه أنجاد الفرسان ووجوه القبائل وكفاة الرجال وأدرّ عليهم الارزاق ووسع لهم الإقطاع، وحرر بلادهم من المغارم، وبذل لهم جزيل الإحسان. وبلغ من اهتمامه بأمور الجبل أن أمر- أيده الله- ببناء شكل يشبه شكل الجبل المذكور فمثّل أشكال أسواره وأبراجه وحصنه وأبوابه ودار صنعته، ومساجده ومخازن عدده وأهرية زرعه، وصورة الجبل وما اتصل به من التربة الحمراء فصنع ذلك بالمشور السعيد فكان شكلا عجيبا أتقنه إتقانا يعرف قدره من شاهد الجبل وشاهد هذا المثال، وما ذلك إلا لتشوقه أيده الله إلى استطلاع أحواله وتهمّمه بتحصينه وإعداده، والله تعالى يجعل نصر الإسلام بالجزيرة الغربية على يديه، ويحقق ما يؤمله في فتح بلاد الكفار وشتّ شمل عبّاد الصليب، وتذكرت حين هذا التقييد قول الأديب البليغ المفلق أبي عبد الله محمد بن غالب الرّصافي البلنسي «16» ، رحمه الله، في وصف هذا الجبل المبارك، من قصيدته الشهيرة في مدح عبد المؤمن بن علي «17» التي أولها لو جئت نار الهدى من جانب الطّور ... قبست ما شئت من علم ومن نور!!

وفيها يقول في وصف الجبل، وهو من البديع الذي لم يسبق اليه، بعد وصفه السّفن وجوازها «18» . حتى رمت جبل الفتحين من جبل «19» ... معظّم القدر في الأجيال مذكور من شامخ الأنف في سحنائه طلس ... له من الغيم جيب غير مزرور تمسي النجوم على إكليل مفرقه ... في الجو حائمة مثل الدنانير!

وربّما مسحته من ذوآئبها ... بكلّ فضل على فوديه مجرور وأدرد من ثناياه بما أخذت ... منه مقاحم أعواد الدّهارير محنّك حلب الأيام أشطرها ... وساقها سوق حادي العير للعير مقيّد الخطو جوّال الخواطر، في ... عجيب أمريه من ماض ومنظور قد واصل الصّمت والإطراق مفتكرا ... بادي السّكينة مغبّر الأسارير «20» كأنّه مكمد مما تعبّده ... خوف الوعيدين من دكّ وتسيير أخلق به! وجبال الارض راجفة ... أن يطمئنّ غدا من كلّ محذور!! ثم استمر في قصيدته على مدح عبد المومن بن علي. قال ابن جزي: ولنعد إلى كلام الشيخ أبي عبد الله، قال: ثم خرجت من جبل الفتح إلى مدينة رندة وهي من أمنع معاقل المسلمين وأجملها وضعا «21» ، وكان قائدها إذا ذاك الشيخ أبو الربيع سليمان ابن داود العسكري «22» ، وقاضيها ابن عمي الفقيه أبو القاسم

محمد ابن يحيى بن بطوطة، ولقيت بها الفقيه القاضي الاديب أبا الحجاج يوسف المنتشاقري «23» ، وأضافني بمنزله، ولقيت بها أيضا خطيبها الصالح الحاج الفاضل أبا إسحاق ابراهيم المعروف بالشندرخ المتوفّى بعد ذلك بمدينة سلا من بلاد المغرب، ولقيت بها جماعة من الصالحين منهم عبد الله الصفار «24» وسواه. وأقمت بها خمسة أيام، ثم سافرت منها إلى مدينة مربلة «25» والطريق بينهما صعب شديد الوعورة، ومربلة بليدة حسنة خصبة، ووجدت بها جماعة من الفرسان متوجهين إلى مالقة، فأردت التوجه في صحبتهم، ثم إن الله تعالى عصمني، بفضله، فتوجهوا قبلي فأسروا في الطريق، كما سنذكره، وخرجت في إثرهم فلما جاوزت حوز مربلة، ودخلت في حوز سهيل «26» مررت بفرس ميت في بعض الخنادق، ثم مررت بقفة حوت مطروحة بالأرض، فرابني ذلك! وكان أمامي برج الناظور، فقلت في نفسي: لو ظهر هاهنا عدوّ لأنذر به صاحب البرج، ثم تقدمت إلى دار هنالك فوجدت عليها «27» فرسا مقتولا، فبينما أنا هنالك سمعت الصياح من خلفي، كنت قد تقدمت أصحابي فعدتّ إليهم فوجدت معهم قائد حصن سهيل، فأعلمني أن أربعة أجفان للعدو ظهرت هنالك ونزل بعض عمارتها إلى البر، ولم يكن الناظور بالبرج، فمر بهم الفرسان الخارجون من مربلة، وكانوا اثنى عشر، فقتل النصارى أحدهم وفر واحد وأسر العشرة، وقتل معهم رجل حوّلت، وهو الذي وجدت قفته مطروحة بالأرض، وأشار عليّ ذلك القائد بالمبيت معه في موضعه ليوصّلني منه إلى مالقة، فبتّ عنده بحصن الرابطة المنسوبة إلى سهيل، والأجفان المذكورة مرساة عليه، وركب معي بالغد فوصلنا إلى مدينة مالقة «28» ، إحدى قواعد الاندلس وبلادها الحسان، جامعة بين مرافق البر والبحر،

كثيرة الخيرات والفواكه، رأيت العنب يباع في أسواقها بحساب ثمانية أرطال بدرهم صغير، ورمّانها المرسى الياقوتي لا نظير له في الدنيا، وأما التين واللّوز فيجلبان منها ومن أحوازها إلى بلاد المشرق والمغرب «29» . قال ابن جزي: وإلى ذلك أشار أبو محمد عبد الوهاب بن علي المالقي في قوله وهو من مليح التّجنيس: مالقة حييت ياتينها ... فالفلك من أجلك ياتينها نها طبيبي عنك في علة ... ما لطبيبي عن حياتي نها؟! وذيّلها قاضي الجماعة أبو عبد الله ابن عبد الملك «30» بقوله في قصد المجانسة وحمص لا تنس لهاتينها ... واذكر مع التّين زياتينها! رجع، وبمالقة يصنع الفخار المذهب العجيب، ويجلب منها، إلى أقاصي البلاد، ومسجدها كبير الساحة، شهير البركة وصحنه لا نظير له في الحسن، فيه أشجار النارنج البعيدة. ولما دخلت مالقة وجدت قاضيها الخطيب الفاضل أبا عبد الله بن خطيبها الفاضل أبي

جعفر بن خطيبها وليّ الله تعالى أبا عبد الله الطنجالي «31» قاعدا بالجامع الأعظم، ومعه الفقهاء ووجوه الناس يجمعون مالا برسم فداء الأساري الذين تقدم ذكرهم، فقلت له: الحمد لله الذي عافاني ولم يجعلني منهم! وأخبرته بما اتفق لي بعدهم، فعجب من ذلك، وبعث إلي بالضيافة رحمه الله وأضافني أيضا خطيبها أبو عبد الله الساحلي المعروف بالمعمّم «32» . ثم سافرت منها إلى مدينة بلش «33» وبينهما أربعة وعشرون ميلا، وهي مدينة حسنة بها مسجد عجيب، وفيها العناب والفواكه والتين كمثل ما بمالقة، ثم سافرنا منها «34» إلى الحمّة وهي بلدة صغيرة لها مسجد بديع الوضع عجيب البناء وبها العين الحارة على ضفة واديها، وبينها وبين البلد ميل أو نحوه، وهنالك بيت لاستحمام الرجال وبيت لاستحمام النساء. ثم سافرت منها إلى مدينة غرناطة قاعدة بلاد الاندلس، وعروس مدنها، وخارجها لا نظير له في بلاد الدنيا، وهو مسيرة أربعين ميلا يخترقه نهر شنيل «35» وسواه من الأنهار الكثيرة والبساتين والجنّات والرياضات والقصور والكروم محدقة بها من كل جهة، ومن عجيب مواضعها عين «36» الدمع وهو جبل فيه الرياضات والبساتين، لا مثل له بسواها.

رجع، ذكر سلطانها

قال ابن جزي: لولا خشيت أن أنسب إلى العصبية لأطلت القول في وصف غرناطة، فقد وجدت مكانه ما اشتهر كاشتهارها لا معنى لإطالة القول فيه! ولله درّ شيخنا أبي بكر محمد ابن أحمد ابن شبرين السّبتي «37» نزيل غرناطة حيث يقول: رعى الله من غرناطة متبوأ ... يسرّ حزينا أو يجير طريدا تبرّم منها صاحبي عند ما رأى ... مسارحها بالثّلج عدن جليدا هي الثّغر صان الله من أهلت به ... وما خير ثغر لا يكون برودا؟ رجع، ذكر سلطانها وكان ملك غرناطة في عهد دخولي اليها السلطان أبو الحجاج يوسف بن السلطان أبي الوليد إسماعيل ابن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر ولم ألقه بسبب مرض كان به «38» ، ويعثت إليّ والدته الحرة الصالحة الفاضلة بدنانير ذهب ارتفقت بها.

لقطات من الحمراء لم تثر انتباهه!

ولقيت بغرناطة جملة من فضلائها: منهم قاضي الجماعة بها الشريف البليغ أبو القاسم محمد بن أحمد بن محمد الحسيني السبتي «39» ، ومنهم فقيهها المدرس الخطيب العالم أبو عبد الله محمد بن ابراهيم البيّاني «40» ، ومنهم عالمها ومقرئها الخطيب أبو سعيد فرج بن قاسم الشهير بابن لب «41» ، ومنهم قاضي الجماعة نادرة العصر وطرفة الدهر أبو البركات محمد بن محمد بن ابراهيم السّلمي «42» البلفيقي، قدم عليها من المرية في تلك

لكي نأخذ فكرة عن صور القوم على ذلك العهد رأينا أن ننقل هنا جانبا من الرسوم المنقوشة في سقف إحدى قباب قصر الحمراء في غرناطة

جنة العريف- عن مجلة ابن بطوطة الإسبانية عدد -G 28006/4 مدريد

الأيام فوقع الاجتماع به في بستان الفقيه أبي القاسم محمد بن الفقيه الكاتب الجليل أبي عبد الله بن عاصم «43» وأقمنا هنالك يومين وليلة «44» . قال ابن جزي: كنت معهم في ذلك البستان وأمتعنا الشيخ أبو عبد الله باخبار رحلته، وقيّدت عنه أسماء الأعلام الذين لقيهم فيها واستفدنا منه الفوائد العجيبة، وكان معنا جملة من وجوه أهل غرناطة منهم الشاعر المجيد الغريب الشأن أبو جعفر أحمد بن رضوان بن عبد العظيم الجذامي «45» وهذا الفتى أمره عجيب، فإنه نشأ بالبادية ولم يطلب العلم ولا مارس الطّلبة، ثم إنه نبغ بالشعر الجيد الذي يندر وقوعه من كبار البلغاء وصدور الطلبة مثل قوله: يا من اختار فؤادي منزلا ... بابه العين التي ترمقه فتح الباب سهادي بعدكم ... فابعثوا طيفكم يغلقه رجع، ولقيت بغرناطة شيخ الشيوخ والمتصوفين بها الفقيه أبا علي عمر بن الشيخ الصالح الولي أبي عبد الله محمد بن المحروق «46» ، وأقمت أياما بزاويته التي بخارج

غرناطة، وأكرمني أشد الإكرام وتوجهت معه إلى زيارة الزاوية الشهيرة البركة المعروفة برابطة العقاب، والعقاب جبل مطل على خارج غرناطة، وبينهما نحو ثمانية أميال وهو مجاور لمدينة ألبيرة «47» الخربة، ولقيت أيضا ابن أخيه الفقيه أبا الحسن علي بن أحمد المحروق «48» بزاويته المنسوبة للّجام، بأعلى ربض نجد «49» من خارج غرناطة المتصل بجبل السّبيكة، وهو شيخ المتسبّبين من الفقراء. وبغرناطة جملة من فقراء العجم «50» استوطنوها لشبهها ببلادهم، منهم الحاج أبو عبد الله السمرقندي، والحاج أحمد التّبريزي، والحاج إبراهيم القونوي، والحاج حسين الخراساني والحاجان عليّ ورشيد الهنديان وسواهم.

حوار الحضارات: بين الأندلس وبلاد فارس ...

ثم رحلت من غرناطة إلى الحمّة، ثم إلى بلّش ثم إلى مالقة، ثم إلى حصن ذكوان وهو حصن حسن كثير المياه والاشجار والفواكه «51» ، ثم سافرت منه إلى رندة ثم إلى قرية بني رياح «52» فأنزلني شيخها أبو الحسن علي بن سليمان الرياحي وهو أحد كرماء الرجال، وفضلاء الأعيان يطعم الصادر والوارد وأضافني ضيافة حسنة. ثم سافرت إلى جبل الفتح وركبت البحر في الجفن الذي جزت فيه أولا وهو لأهل أصيلا فوصلت إلى سبتة وكان قائدها إذا ذاك الشيخ أبو مهدي عيسى بن سليمان بن منصور وقاضيها الفقيه أبو محمد الزجندري «53» . ثم سافرت منها إلى أصيلا وأقمت بها شهورا «54» ، ثم سافرت منها إلى مدينة سلا «55» ، ثم سافرت من سلا فوصلت إلى مدينة مراكش «56» ، وهي من أجمل المدن، فسيحة الأرجاء متسعة الأقطار كثيرة الخيرات، بها المساجد الضّخمة كمسجدها الأعظم المعروف بمسجد الكتبيين «57» وبها الصومعة الهائلة العجيبة، صعدتها وظهر لي جميع البلد منها،

وقد استولى عليه الخراب «58» ، فما شبّهته إلا ببغداد إلا «59» أن أسواق بغداد أحسن، وبمراكش المدرسة العجيبة «60» التي تميّزت بحسن الوضع وإتقان الصنعة وهي من بناء مولانا أمير المسلمين أبي الحسن رضوان الله عليه. قال ابن جزي: في مراكش يقول قاضيها الامام التّاريخي أبو عبد الله محمد ابن عبد الملك الأوسي «61» : لله مراكش الغرّاء من بلد ... وحبّذا أهلها السادات من سكن إن حلّها نازح الأوطان مغترب ... أسلوه بالأنس عن أهل وعن وطن بين الحديث بها أو العيان لها ... ينشا التّحاسد بين العين والأذن!! رجع. ثم سافرت من مراكش صحبة الرّكاب العلي: ركاب مولانا أيده الله فوصلنا إلى مدينة «62» سلا ثم إلى مدينة مكناسة العجيبة الخضرة النضرة ذات البساتين والجنات المحيطة بها بحائر الزيتون من جميع نواحيها ثم وصلنا إلى حضرة فاس حرسها الله تعالى فوادعت بها مولانا أيده الله ...

الكتبية بمراكش

مدرسة السلطان أبي الحسن

باب المريسة المريني بسلا صحن المدرسة البوعنانية بسلا لقطات من مدينة سلا

الفصل الثامن عشر الرحلة إلى بلاد السودان

الفصل الثامن عشر الرحلة إلى بلاد السودان نحو مدينة سجلماسة، وصف المدينة أصحاب التكشيف في مسوّفة وشياطين الصحراء! إلى تغازّى مدينة الملح الوصول إلى ايوالّاتن: أول عمالة السودان الحديث عن مركز المرأة في ايوالّاتن نحو مالّي حضرة بلاد السودان حديثه عن ملك مالي الذي أقام مجلس عزاء للسلطان أبي الحسن ... حديث ابن بطوطة عن وادي النيجر الذي اعتقد أن له صلة بالنّيل! حديثه عن أكلة لحوم البشر!! حديثه عن حج السلطان منسي موسى ... وصول البريد لابن بطوطة بالعودة إلى المغرب. اجتماعه بالسلطان أبي عنان الذي أصدر أمره بانتساخ الرحلة

بلاد السودان

ثم سافرت من مراكش صحبة الرّكاب العليّ: ركاب مولانا أيده الله فوصلنا إلى مدينة سلا، ثم إلى مدينة مكناسة العجيبة الخضرة النّضرة ذات البساتين والجنّات المحيطة بها بحائر الزيتون من جميع نواحيها ثم وصلنا إلى حضرة فاس حرسها الله تعالى، فوادعت بها مولانا أيده الله. وتوجهت برسم السفر إلى بلاد السودان «1» فوصلت إلى مدينة سجلماسة «2» ، وهي من أحسن المدن وبها التّمر الكثير الطيب، وتشبهها مدينة البصرة في كثرة التمر، لكن تمر سجلماسة أطيب، وصنف إيرار «3» منه لا نظير له في البلاد، ونزلت منها عند الفقيه أبي محمد البشري وهو الذي لقيت أخاه بمدينة قنجنفو من بلاد الصين «4» فيا شدّ ما تباعدا! فأكرمني غاية الاكرام واشتريت بها الجمال وعلّفتها أربعة أشهر. ثم سافرت في غرة شهر الله المحرم سنة ثلاث وخمسين «5» في رفقة مقدّمها أبو محمد يندكان المسّوفي رحمه الله، وفيها جماعة من تجار سجلماسة وغيرهم، فوصلنا بعد خمسة وعشرين يوما إلى تغازّى «6» وضبط اسمها بفتح التاء المثناة والغين المعجم وألف وزاي مفتوح أيضا، وهي قرية لا خير فيها، ومن عجائبها أن بناء بيوتها ومسجدها من حجارة الملح! وسقفها من جلود الجمال! ولا شجر بها، إنما هي رمل فيه معدن الملح يحفر عليه في الأرض فيوجد منه ألواح ضخام متراكبة كأنها قد نحتت ووضعت تحت الأرض

سوق قريب من موقع سجلماسة القديمة وادي زيز شمال أطلال سجلماسة عن I.B.INBLACK AFRICA

يحمل الجمل منها لوحين «7» ، ولا يسكنها إلّا عبيد مسّوفة «8» الذين يحفرون على الملح، ويتعيّشون بما يجلب اليهم من تمر درعة «9» وسجلماسة، ومن لحوم الجمال، ومن أنلي «10» المجلوب من بلاد السّودان، ويصل السودان من بلادهم فيحملون منها الملح، ويباع الحمل منه بايوالّاتن «11» بعشرة مثاقيل إلى ثمانية «12» ، وبمدينة مالي بثلاثين مثقالا إلى عشرين وربّما انتهى إلى اربعين مثقالا. وبالملح يتصارف السودان كما يتصارف بالذهب والفضة، يقطعونه قطعا ويتبايعون به. وقرية تغازّى على حقارتها يتعامل فيها بالقناطير المقنطرة من التّبر، وأقمنا بها عشرة أيام في جهد لان ماءها زعاق وهي أكثر المواضع ذبابا، ومنها يرفع الماء لدخول الصحراء التي بعدها «13» وهي مسيرة عشر لا ماء فيها إلّا في النادر، ووجدنا نحن بها ماء كثيرا في غدران أبقاها المطر، ولقد وجدنا في بعض الأيام غديرا بين تلّين من حجارة ماءه عذب فتروّينا منه وغسلنا ثيابنا. والكمأة بتلك الصّحراء كثيرة، ويكثر القمل بها، حتى يجعل الناس في أعناقهم خيوطا فيها الزئبق فيقتلها «14» ! وكنا في تلك الأيام نتقدم أمام القافلة فإذا وجدنا مكانا، يصلح

ذكر التكشيف

للرعي رعينا الدواب به، ولم نزل كذلك حتى ضاع في الصحراء رجل يعرف بابن زيري فلم أتقدم بعد ذلك ولا تأخرت، وكان ابن زيري وقعت بينه وبين ابن خاله، ويعرف بابن عدي، منازعة ومشاتمة فتأخّر عن الرفقة فضلّ، فلما نزل الناس لم يظهر له خبر، فأشرت على ابن خاله بان يكتري من مسّوفة من يقصّ أثره لعله يجده، فأبى. وانتدب في اليوم الثاني رجل من مسوفة دون أجرة لطلبه فوجد أثره وهو يسلك الجادة طورا ويخرج عنها تارة، ولم يقع له على خبر، ولقد لقينا قافلة في طريقنا فأخبرونا أن بعض رجال انقطعوا عنهم فوجدنا أحدهم ميتا تحت شجيرة من أشجار الرّمل، وعليه ثيابه وفي يده سوط، وكان الماء على نحو ميل منه. ثم «15» وصلنا إلى تاسرهلا «16» ، بفتح التاء المثناة والسين المهمل والراء وسكون الهاء، وهي أحساء ماء تنزل القوافل عليها، ويقيمون ثلاثة أيام فيستريحون ويصلحون أسقيتهم ويملؤونها بالماء ويخيطون عليها التلاليس «17» خوف الرّيح، ومن هناك يبعث التّكشيف «18» . ذكر التكشيف والتكشيف: اسم لكل رجل من مسوفة يكتريه أهل القافلة فيتقدم إلى إيوالّاتن بكتب الناس إلى أصحابهم بها ليكتروا لهم الدور ويخرجون للقائهم بالماء مسيرة أربع، ومن لم يكن له صاحب بايوالّاتن كتب إلى من شهر بالفضل من التجار بها فيشاركه في ذلك، وربما هلك التّكشيف في هذه الصحراء، فلا يعلم أهل إيوالّاتن بالقافلة، فيهلك أهلها أو الكثير منهم. وتلك الصحراء كثيرة الشياطين «19» ، فإن كان التكشيف منفردا لعبت به واستهوته حتى يضلّ عن قصده فيهلك إذ لا طريق يظهر بها ولا أثر، إنما هي رمال تنسفها الريح فترى جبالا من الرمل في مكان ثم تراها قد انتقلت إلى سواه، والدليل هنالك من كثر تردّده،

حكاية [ملاعب الحيات]

وكان له قلب ذكي، ورأيت من العجائب أنّ الدليل الذي كان لنا هو أعور العين الواحدة مريض الثانية وهو أعرف النّاس بالطريق «20» ! واكترينا التّكشيف في هذه السفرة بمائة مثقال من الذهب، وهو من مسّوفة، وفي ليلة اليوم السابع رأينا نيران الذين خرجوا للقائنا فاستبشرنا بذلك، وهذه الصحراء منيرة مشرقة ينشرح الصّدر فيها وتطيب النفس، وهي آمنة من السّراق، والبقر الوحشية «21» بها كثير يأتي القطيع منها حتى يقرب من الناس فيصطادونه بالكلاب والنّشاب، لكن لحمها يولّد أكله العطش فيتحاماه كثير من الناس لذلك، ومن العجائب أنّ هذه البقرة إذا قتلت وجد في كروشها الماء «22» ، ولقد رأيت أهل مسوفة يعصرون الكرش منها ويشربون الماء الذي فيه! والحيّات أيضا بهذه الصحراء كثيرة. حكاية [ملاعب الحيّات] وكان في القافلة تاجر تلمساني يعرف بالحاج زيّان، ومن عادته أن يقبض على الحيّات ويعبث بها، وكنت أنهاه عن ذلك فلا ينتهي، فلما كان ذات يوم أدخل يده في جحر ضب ليخرجه، فوجد مكانه حية فأخذها بيده وأراد الركوب فلسعته في سبابته اليمنى وأصابه وجع شديد فكويت يده وزاد ألمه عشيّ النهار فنحر جملا وأدخل يده في كرشه وتركها كذلك ليلة ثم تناثر لحم أصبعه فقطعها من الأصل، وأخبرنا اهل مسوفة أن تلك الحية كانت قد شربت الماء قبل لسعه ولو لم تكن شربت لقتلته «23» ! ولما وصل الينا الذين استقبلونا بالماء شربت خيلنا، ودخلنا صحراء شديدة الحر ليست كالتي عهدنا، وكنا نرحل بعد صلاة العصر ونسري الليل كلّه وننزل عند الصباح،

وتأتي الرجال من مسّوفة وبردامة «24» وغيرها بأحمال الماء للبيع، ثم وصلنا إلى مدينة إيوالّاتن «25» في غرة شهر ربيع الأول بعد سفر شهرين كاملين من سجلماسة، وهي أول عمالة السودان، ونائب السلطان بها فربا حسين، وفربا بفتح الفاء وسكون الراء وفتح الباء الموحدة، ومعناه النائب. ولما «26» وصلناها جعل التجار أمتعتهم في رحبة وتكفل السّودان بحفظها، وتوجهوا إلى الفربا، وهو جالس على بساط في سقيف، وأعوانه بين يديه، بأيديهم الرماح والقسّي وكبراء مسوفة من ورائه، ووقف التجار بين يديه وهو يكلمهم بترجمان على قربهم منه احتقارا لهم «27» فعند ذلك ندمت على قدومي بلادهم لسوء أدبهم واحتقارهم للأبيض! وقصدت دار ابن بدّاء، وهو رجل فاضل من أهل سلا كنت كتبت له أن يكتري لي دارا ففعل ذلك، ثم إن مشرف «28» إيوالّاتن، ويسمى منشاجو، بفتح الميم وسكون النون وفتح الشين المعجم والف وجيم مضموم وواو، استدعى من جاء في القافلة إلى ضيافته، فأبيت من حضور ذلك، فعزم الأصحاب عليّ أشد العزم فتوجهت فيمن توجه ثم أتى بالضيافة، وهي جريش أنلي مخلوطا بيسير عسل ولبن قد وضعوه في نصف قرعة صيّروه شبه الجفنة، فشرب الحاضرون

ذكر مسوفة الساكنين بإيوالاتن.

وانصرفوا، فقلت لهم: ألهذا دعانا الأسود؟ قالوا: نعم! وهو الضيافة الكبيرة عندهم «29» ، فأيقنت حينئذ أن لا خير يرتجى منهم، وأردت أن أسافر مع حجاج أيوالاتن، ثم ظهر لي أن أتوجه لمشاهدة حضرة ملكهم. وكانت إقامتي بايوالّاتن نحو خمسين يوما وأكرمني أهلها وأضافوني، منهم قاضيها محمد بن عبد الله بن ينومر، وأخوه الفقيه المدرس يحيى. وبلدة ايوالّاتن شديدة الحر، وفيها يسير نخيلات يزدرعون في ظلالها البطيخ، وماؤهم من أحساء بها، ولحم الضأن كثير بها، وثياب أهلها حسان مصرية، وأكثر السكان بها من مسّوفة، ولنسائهم الجمال الفائق وهنّ أعظم شأنا من الرجال «30» . ذكر مسّوفة الساكنين بإيوالّاتن. وشأن هؤلاء القوم عجيب، وأمرهم غريب، فأما رجالهم فلا غيرة لديهم ولا ينتسب أحدهم إلى أبيه بل ينتسب لخاله، ولا يرث الرجل إلا ابناء أخته دون بنيه، وذلك شيء ما رأيته في الدنيا إلا عند كفار بلاد المليبار من الهنود، وأما هؤلاء فهم مسلمون محافظون على الصّلوات، وتعلم الفقه وحفظ القرآن، وأما نساؤهم فلا يحتشمن من الرجال ولا يحتجبن مع مواظبتهن على الصلوات، ومن اراد التزوج منهن تزوج لكنهن لا يسافرن مع الزوج، ولو أرادت إحداهن ذلك لمنعها أهلها! والنساء هنالك يكون لهنّ الأصدقاء والأصحاب من الرجال الأجانب وكذلك للرجال صواحب من النساء الأجنبيات ويدخل أحدهم داره فيجد امرأته ومعها صاحبها فلا ينكر ذلك «31» .

اطلال من ايوالّاتن

حكاية [القاضي وصاحبته]

حكاية [القاضي وصاحبته] دخلت يوما على القاضي بإيوالّاتن بعد إذنه في الدخول، فوجدت عنده امرأة صغيرة السن بديعة الحسن، فلما رأيتها ارتبت وأردت الرجوع، فضحكت مني ولم يدركها خجل، وقال لي القاضي: لم ترجع؟ إنها صاحبتي! فعجبت من شأنهما، فإنه من الفقهاء الحجّاج وأخبرت أنه استأذن السلطان في الحج في ذلك العام مع صاحبته، لا أدري أهي هذه أم لا فلم يأذن له!. حكاية نحوها دخلت يوما على أبي محمد يندكان المسّوفي الذي قدمنا في صحبته فوجدته قاعدا على بساط وفي وسط داره سرير مظلّل، عليه امرأة معها رجل قاعد، وهما يتحدثان، فقلت له: ما هذه المرأة؟ فقال: هي زوجتي، فقلت: وما الرجل الذي معها. أإبنها؟ فقال: هو صاحبها! فقلت له: أترضى بهذا وأنت قد سكنت بلادنا وعرفت أمور الشرع؟! فقال لي: مصاحبة النساء للرجال عندنا على خير وحسن طريقة لا تهمة فيها، ولسن كنساء بلادكم!! فعجبت من رعونته وانصرفت عنه، فلم أعد إليه بعدها، واستدعاني مرات فلم أجبه! ولما عزمت على السفر إلى مالي وبينها وبين إيوالّاتن مسيرة أربعة وعشرين يوما للمجدّ اكتريت دليلا من مسّوفة إذ لا حاجة إلى السفر في رفقة لأمن تلك الطريق وخرجت في ثلاثة من أصحابي. وتلك الطريق كثيرة الأشجار، وأشجارها عادية ضخمة تستظل القافلة بظل الشجرة منها «32» . وبعضها لا أغصان لها ولا ورق، ولكن ظلّ جسدها بحيث يستظل به الانسان، وبعض تلك الأشجار قد استأسن داخلها واستنقع فيه ماء المطر فكأنها بئر! ويشرب النّاس من الماء الذي فيها، ويكون في بعضها النحل والعسل فيشتاره النّاس منها، ولقد مررت بشجرة منها فوجدت في داخلها رجلا حائكا قد نصب بها مرمته وهو ينسج فعجبت منه! قال ابن جزي: ببلاد الأندلس شجرتان من شجر القسطل في جوف كلّ واحد منهما حائك ينسج الثياب: إحداهما بسند وادي آش، والأخرى ببشّارة «33» غرناطة.

رجع، وفي أشجار هذه الغابة التي بين إيوالّاتن ومالي ما يشبه ثمرة الإجّاص والتفاح والخوخ والمشمش وليست بها، وفيها أشجار تثمر شبه الفقوص، فإذا طاب انفلق عن شيء شبه الدقيق، فيطبخونه ويأكلونه ويباع بالأسواق، ويستخرجون من هذه الأرض حبات كالفول فيقلونها ويأكلونها، وطعمها كطعم الحمص المقلوّ «34» ، وربما طحنوها وصنعوا منها شبه الاسفنج وقلوه بالغرتي «35» . والغرتي: بفتح الغين المعجم وسكون الراء وكسر التاء المثناة، وهو ثمر كالاجاص شديد الحلاوة مضر بالبيضان إذا أكلوه، ويدق عظمه فيستخرج منه زيت لهم فيه منافع، فمنها أنهم يطبخون به ويسرجون السّرج ويقلون به هذا الاسفنج ويدهنون به ويخلطونه بتراب عندهم ويسطّحون به الدور كما تسطح بالجير، وهو عندهم كثير متيسر، ويحمل من بلد إلى بلد في قرع كبار تسع القرعة منها قدر ما تسعه القلّة ببلادنا. والقرع ببلاد السودان يعظم، ومنه يصنعون الجفان، يقطعون القرعة نصفين فيصنعون منها جفنتين وينقشونها نقشا حسنا، وإذا سافر أحدهم يتبعه عبيده وجواريه، يحملون فرشه وأوانيه التي يأكل ويشرب فيها، وهي من القرع. والمسافر بهذه البلاد لا يحمل زادا ولا إداما ولا دينارا ولا درهما، إنما يحمل قطع الملح وحليّ الزجاج الذي يسمّيه الناس النظم «36» ، وبعض السلع العطرية، وأكثر ما يعجبهم منها القرنفل والمصطكي وتاسرغنت «37» وهو بخورهم، فإذا وصل قرية جاء نساء السودان

بأنلي واللبن والدجاج ودقيق النّبق «38» والأرز والفوني «39» ، وهو كحب الخردل، يصنع منه الكسكسو «40» والعصيدة «41» ، ودقيق اللّوبياء «42» ، فيشتري منهنّ ما أحب من ذلك، إلا أن الأرز يضر أكله بالبيضان، والفوني خير منه. وبعد مسيرة عشرة أيام من إيوالّاتن وصلنا إلى قرية زاغري «43» ، وضبطها بفتح الزاي والغين المعجم وكسر الراء، وهي قرية كبيرة يسكنها تجار السودان ويسمون ونجراتة «44» بفتح الواو وسكون النّون، وفتح الجيم والراء والف وتاء مثنّاة وتاء تانيث، ويسكن معهم جماعة من البيضان يذهبون مذهب الإباضية «45» من الخوارج ويسمون صغنغو بفتح الصاد

المهمل والغين المعجم الاول والنون وضم الغين الثاني وواو، والسنّيون المالكيون من البيض يسمّون عندهم توري «46» بضم التاء المثناة وواو وراء مكسورة، ومن هذه القرية يجلب أنلي إلى إيوالّاتن. ثم سرنا من زاغري فوصلنا إلى النّهر الأعظم، وهو النيل «47» وعليه بلدة كارسخو «48» ، بفتح الكاف وسكون الراء وفتح السين المهمل وضم الخاء المعجم وواو، والنّيل ينحدر منها إلى كابرة «49» ، بفتح الباء الموحدة والراء، ثم إلى زاغة «50» بفتح الزاي والغين المعجم، وللكابرة وزاغة سلطانان يؤديان الطاعة لملك مالي، وأهل زاغة قدماء في الإسلام، لهم ديانة وطلب علم، ثم ينحدر النّيل من زاغة إلى تنبكتو «51» ، ثم إلى كوكو، وسنذكرهما، ثم إلى

بلدة مولي «52» ، بضم الميم وكسر اللام من بلاد اللّيميّين «53» وهي آخر عمالة مالي، ثم إلى يوفي 5» ، واسمها بضم الياء آخر الحروف وواو وفاء مكسورة، وهي من أكبر بلاد السودان، وسلطانها من أعظم سلاطينهم، ولا يدخلها الأبيض من الناس لأنهم يقتلونه قبل الوصول إليها! ثم ينحدر «55» منها إلى بلاد النّوبة. وهم على دين النصرانية، ثم إلى دنقلة «56» ، وهي أكبر بلادهم وضبطها بضم الدال والقاف وسكون النون بينهما وفتح اللام، وسلطانها يدعى بابن كنز الدين، أسلم على أيام الملك الناصر «57» . ثم ينحدر إلى جنادل «58» ، وهي آخر عمالة السودان، وأول عمالة أسوان «59» من صعيد مصر. ورأيت التّمساح بهذا الموضع من النّيل بالقرب من الساحل، كأنه قارب صغير، ولقد نزلت يوما إلى النّيل لقضاء حاجة، فإذا بأحد السودان قد جاء ووقف فيما بيني وبين النهر

من الآثار الهامة في شنقيط

فعجبت من سوء أدبه وقلة حيائه، وذكرت ذلك لبعض الناس فقال: إنما فعل ذلك خوفا عليك من التمساح فحال بينك وبينه! ثم سرنا من كارسخو فوصلنا إلى نهر صنصرة، بفتح الصادين المهملين والراء وسكون النون، وهو على نحو عشرة أميال من مالّي «60» ، وعادتهم أن يمنع الناس من دخولها إلا بالإذن، وكنت كتبت قبل ذلك لجماعة البيضان، وكبيرهم محمد بن الفقيه الجزولي، وشمس الدين بن النّقويش المصري «61» ، ليكتروا لي دارا، فلما وصلت إلى النهر المذكور جزت في المعدية ولم يمنعني أحد، فوصلت إلى مدينة مالّي، حضرة السودان «62» ، فنزلت عند مقربتها، ووصلت إلى محلة البيضان، وقصدت محمد ابن الفقيه فوجدته قد اكترى لي دارا إزاء داره فتوجهت اليها، وجاء صهره الفقيه المقرئ عبد الواحد «63» بشمعة وطعام، ثم جاء ابن الفقيه إليّ من الغد وشمس الدين بن النقويش وعلي الزّودي المراكشي، وهو من الطلبة، ولقيت القاضي بمالي عبد الرحمن، جاءني، وهو من السودان حاج فاضل له مكارم أخلاق، بعث إلي بقرة في ضيافته، ولقيت التّرجمان دوغا، بضم الدال وواو وغين معجم، وهو من أفاضل السودان وكبارهم وبعث إليّ بثور وبعث إليّ الفقيه عبد الواحد غرارتين من الفوني، وقرعة من الغرتي «64» ، وبعث إليّ ابن الفقيه الأرز والفونى، وبعث إليّ شمس الدين بضيافة، وقاموا بحقي أتمّ قيام، شكر الله حسن أفعالهم.

مجرى النيل عند الخوارزمي

ذكر سلطان مالي

وكان ابن الفقيه متزوجا ببنت عمّ السلطان فكانت تتفقدنا بالطّعام وغيره، وأكلنا بعد عشرة أيام من وصولنا عصيدة تصنع من شيء يشبه القلقاس، ويسمى القافي، بقاف والف وفاء، وهي عندهم مفضلة على سائر الطعام «65» ، فأصبحنا جميعا مرضى وكنا ستة فمات أحدنا وذهبت أنا لصلاة الصبح فغشي علي فيها، وطلبت من بعض المصريين دواء مسهلا فأتى بشيء يسمى بيدر، بفتح الباء الموحدة وتسكين الياء آخر الحروف وفتح الدال المهمل وراء، وهو عروق نبات، وخلطه بالأنيسون والسكّر ولتّه بالماء، فشربته وتقيأت ما أكلته مع صفراء كثيرة، وعافاني الله من الهلاك ولكني مرضت شهرين! ذكر سلطان مالّي وهو السلطان منسى سليمان «66» ، ومنسى بفتح الميم وسكون نون وفتح السين المهمل، ومعناه السلطان، وسليمان اسمه، وهو ملك بخيل لا يرجى منه كبير عطاء، واتفق أني أقمت هذه المدة ولم أره، بسبب مرضي ثمّ إنّه صنع طعاما برسم عزاء مولانا أبي الحسن «67» رضي الله عنه، واستدعى الأمراء والفقهاء والقاضي والخطيب، وحضرت معهم فاتوا بالرّبعات، وختم القرآن، ودعوا لمولانا أبي الحسن، رحمه الله، ودعوا لمنسى سليمان، ولما فرغ من ذلك تقدمت فسلمت على منسى سليمان، وأعلمه القاضي والخطيب وابن الفقيه بحالي، فأجابهم بلسانهم، فقالوا لي: يقول لك السلطان: أشكر الله، فقلت: الحمد لله والشكر على كل حال. ذكر ضيافتهم التّافهة وتعظيمهم لها. ولما انصرفت بعث إليّ الضيافة، فوجهت إلى دار القاضي وبعث القاضي بها مع رجاله إلى دار ابن الفقيه، فخرج ابن الفقيه من داره مسرعا حافي القدمين فدخل عليّ وقال: جاءك قماش السلطان وهديته! فقمت وظننت أنها الخلع والاموال، فإذا هي ثلاثة أقراص من الخبز وقطعة لحم بقري مقلو بالغرتي، وقرعة فيها لبن رائب، فعندما رأيتها ضحكت، وطال تعجبي من ضعف عقولهم وتعظيمهم للشيء الحقير.

ذكر كلامي للسلطان بعد ذلك وإحسانه إلي

ذكر كلامي للسلطان بعد ذلك وإحسانه إلي وأقمت بعد بعث هذه الضيافة شهرين لم يصل إليّ فيهما شيء من قبل السلطان، ودخل شهر رمضان «68» ، وكنت خلال ذلك أتردد إلى المشور وأسلم عليه وأقعد مع القاضي والخطيب، فتكلمت مع دوغا الترجمان، فقال: تكلم عنده وأنا أعبّر عنك بما يجب، فجلس في أوائل رمضان، وقمت بين يديه وقلت له: إني سافرت بلاد الدنيا ولقيت ملوكها ولي ببلادك منذ أربعة أشهر ولم تضفني ولا أعطيتني شيئا! فماذا أقول عنك عند السلاطين؟! فقال: إني لم أرك ولا علمت بك، فقام القاضي وابن الفقيه فردّا عليه وقالا: إنه قد سلّم عليك وبعثت إليه الطعام! فأمر لي عند ذلك بدار أنزل بها ونفقة تجرى عليّ، ثم فرق على القاضي والخطيب والفقهاء مالا ليلة سبعة وعشرين من رمضان يسمونه الزكاة «69» ، وأعطاني معهم ثلاثة وثلاثين مثقالا وثلثا وأحسن إليّ عند سفري بمائة مثقال ذهبا. ذكر جلوسه بقبّته وله قبّة مرتفعة، بابها بداخل داره يقعد فيها أكثر الاوقات «70» ، ولها من جهة المشور طيقان ثلاثة من الخشب مغشاة بصفائح الفضة، وتحتها ثلاثة مغشاة بصفائح الذهب، أو هي فضة مذهبة، وعليها ستور ملف، فإذا كان يوم جلوسه بالقبة رفعت الستور، فعلم أنه يجلس، فإذا جلس أخرج من شباك إحدى الطاقات شرّابة حرير قد ربط فيها منديل مصري مرقوم، فإذا رأى الناس المنديل ضربت الأطبال والأبواق، ثم يخرج من باب القصر نحو ثلاثمائة من العبيد في أيدي بعضهم القسّي، وفي أيدي بعضهم الرماح الصغار والدّرق، فيقف أصحاب الرّماح منهم ميمنة وميسرة، ويجلس أصحاب القسّي كذلك، ثم يوتي بفرسين مسرجين ملجمين ومعهما كبشان يذكرون أنهما ينفعان من العين! وعند جلوسه يخرج ثلاثة من عبيده مسرعين فيدعون نائبه قنجا موسى، وتاتي الفرارية «71» ، بفتح الفاء، وهم الامراء وياتي الخطيب والفقهاء فيقعدون أمام السّلحدارية يمنة ويسرة في المشور ويقف دوغا الترجمان على باب المشور وعليه الثياب الفاخرة من

ذكر جلوسه بالمشور

الزردخانة «72» وغيرها، وعلى رأسه عمامة ذات حواشي، لهم في تعميمها صنعة بديعة وهو متقلد سيفا، غمده من الذهب، وفي رجليه الخف والمهاميز، ولا يلبس أحد ذلك اليوم خفّا غيره، ويكون في يده رمحان صغيران: أحدهما من ذهب والآخر من فضة، وأسنتهما من الحديد. ويجلس الأجناد والولاة والفتيان، ومسوّفة وغيرهم خارج المشور في شارع هنالك متسع فيه أشجار، وكلّ فراري بين يديه أصحابه بالرماح والقسي والأطبال والأبواق، وبوقاتهم من أنياب الفيلة وآلات الطرب المنوّعة من القصب والقرع، وتضرب بالسطّاعة، ولها صوت عجيب «73» ، وكل فراري له كنانة قد علقها بين كتفيه، وقوسه بيده وهو راكب فرسا وأصحابه بين مشاة وركبان، ويكون بداخل المشور تحت الطيقان رجل واقف. فمن أراد أن يكلم السلطان كلّم دوغا، ويكلم دوغا لذلك الواقف، ويكلم الواقف السلطان. ذكر جلوسه بالمشور ويجلس أيضا بالمشور، وهنالك مصطبة تحت شجرة لها ثلاث درجات يسمونها البنبي «74» ، بفتح الباء المعقودة الأولى وكسر الثانية وسكون النون بينهما وتفرش بالحرير وتجعل المخادّ عليها، ويرفع الشطر وهو شبه قبّة من الحرير وعليه طائر من ذهب على قدر الباز، ويخرج السلطان من باب في ركن القصر وقوسه بيده وكنانته بين كتفيه، وعلى رأسه شاشية ذهب مشدودة بعصابة ذهب لها أطراف مثل السكاكين رقاق، طولها أزيد من شبر. وأكثر لباسه جبّة حمراء موبرة من الثّياب الرومية «75» التي تسمى المطنفس ويخرج بين يديه المغنون بأيديهم قنابر «76» الذهب والفضة، وخلفه نحو ثلاثمائة من العبيد أصحاب السلاح، ويمشي مشيا رويدا، ويكثر التأني، وربما وقف، فإذا وصل إلى البنبي وقف ينظر في الناس، ثم يصعد برفق كما يصعد الخطيب المنبر، وعند جلوسه تضرب الطبول والأبواق والأنفار ويخرج ثلاثة من العبيد مسرعين فيدعون النائب والفرارية فيدخلون ويجلسون، ويوتي بالفرسين والكبشين معهما ويقف دوغا على الباب وسائر الناس في الشارع تحت الاشجار.

رسم لسلطان مالي- المكتبة الوطنية بباريز رقم 696

ذكر تذلل السودان لملكهم وتتريبهم له وغير ذلك من أحوالهم.

ذكر تذلل السودان لملكهم وتتريبهم له وغير ذلك من أحوالهم. والسودان أعظم الناس تواضعا لملكهم وأشدّهم تذللا، ويحلفون باسمه فيقولون: منسى سليمان كي «77» ، فإذا دعا بأحدهم عند جلوسه بالقبّة التي ذكرناها نزع المدعو ثيابه، ولبس ثيابا خلقة ونزع عمامته وجعل شاشية وسخة ودخل رافعا ثيابه وسراويله إلى نصف ساقه وتقدم بذلّة ومسكنة وضرب الارض بمرفقيه ضربا شديدا ووقف كالراكع يسمع كلامه! وإذا كلّم أحدهم السلطان فردّ عليه جوابه كشف ثيابه عن ظهره ورمى بالتراب على رأسه وظهره كما يفعل المغتسل بالماء، وكنت أعجب منهم كيف لا تعمى أعينهم! وإذا تكلّم السلطان في مجلسه بكلام وضع الحاضرون عمائمهم عن رؤوسهم وأنصتوا للكلام، وربّما قام أحدهم بين يديه فيذكر أفعاله في خدمته، ويقول: فعلت كذا يوم كذا، وقتلت كذا يوم كذا، فيصدّقه من علم ذلك، وتصديقهم أن ينزع أحدهم في وتر قوسه! ثم يرسلها كما يفعل إذا رمى «78» ، فإذا قال له السلطان: صدقت أو شكره، نزع ثيابه وترّب، وذلك عندهم من الأب. قال ابن جزي: وأخبرني صاحب العلامة «79» الفقيه أبو القاسم بن رضوان أعزه الله أنه لما قدم الحاج موسى الونجراتي رسولا عن منسي سليمان «80» إلى مولانا أبي الحسن

ذكر فعله في صلاة العيد وأيامه

رضي الله عنه، كان اذا دخل المجلس الكريم حمل بعض ناسه معه قفة تراب فيترّب مهما قال له مولانا كلاما حسنا كما يفعل ببلاده! ذكر فعله في صلاة العيد وأيامه وحضرت بمالي عيدي الاضحى والفطر «81» ، فخرج الناس إلى المصلّى وهو بمقربة من قصر السلطان، وعليهم الثياب البيض الحسان، وركب السلطان وعلى رأسه الطيلسان، والسودان لا يلبسون الطيلسان «82» إلا في العيد ما عدا القاضي والخطيب والفقهاء فإنهم يلبسونه في سائر الأيام، وكانوا يوم العيد بين يدي السلطان وهم يهللون ويكبرون، وبين يديه العلامات الحمر «83» من الحرير، ونصب عند المصلى خباء فدخل السلطان إليها وأصلح من شأنه ثم خرج إلى المصلى فقضيت الصلاة والخطبة، ثم نزل الخطيب وقعد بين يدي السلطان وتكلّم بكلام كثير، وهنالك رجل بيده رمح يبين للناس بلسانهم كلام الخطيب، وذلك وعظ وتذكير وثناء على السلطان وتحريض على لزوم طاعته وأداء حقه. ويجلس السلطان في أيام العيدين بعد العصر على البنبي وتأتي السّلحدارية بالسلاح العجيب من تراكش الذهب والفضة والسيوف المحلّاة بالذهب وأغمادها منه، ورماح الذهب والفضة ودبابيس البلّور، ويقف على رأسه أربعة من الأمراء يشرّدون الذباب، وفي أيديهم حلية من الفضة تشبه ركاب السرج، ويجلس الفرارية والقاضي والخطيب على العادة، وياتي دوغا الترجمان بنسائه الأربع وجواريه، وهن نحو مائة، عليهن الملابس الحسان وعلى رؤوسهن عصائب الذهب والفضة، فيها تفافيح ذهب وفضة، وينصب لدوغا كرسي يجلس عليه ويضرب الآلة التي هي من قصب وتحتها قريعات «84» ويغنى بشعر يمدح السلطان فيه، ويذكر غزواته وأفعاله، ويغني النساء والجواري معه ويلعبن بالقسي.

قافلة تقترب من تنبكتوI.B.IN BLACK AFRICA تنبكتو المدينة

ذكر الأضحوكة في إنشاد الشعراء للسلطان

ويكون معهن نحو ثلاثين من غلمانه عليهم جباب الملفّ الحمر «85» ، وفي رؤوسهم الشواشي البيض، وكلّ واحد منهم متقلّد طبله، يضربه ثم يأتي أصحابه من الصبيان فيلعبون ويتقلبون في الهواء كما يفعل السّندى، ولهم في ذلك رشاقة وخفة بديعة ويلعبون بالسيوف أجمل لعب، ويلعب دوغا بالسيف لعبا، بديعا وعند ذلك يأمر السلطان له بالاحسان فيوتي بصرّة فيها مائتا مثقال (85) من التّبر ويذكر له ما فيها على رؤوس الناس، وتقوم الفرارية فينزعون في قسيهم شكرا للسلطان، وبالغد يعطي كلّ واحد لدوغا عطاء على قدره، وفي كل يوم جمعة بعد العصر يفعل دوغا مثل هذا الترتيب الذي ذكرناه. ذكر الأضحوكة في إنشاد الشعراء للسلطان وإذا كان يوم العيد وأتم دوغا لعبه جاء الشعراء، ويسمون الجلا، بضم الجيم، واحدهم جالي «86» ، وقد دخل كلّ واحد منهم في جوف صورة مصنوعة من الرّيش تشبّها لشقشاق، وجعل لها رأس من الخشب له منقار أحمر كأنه رأس الشقشاق، ويقفون بين يدي السلطان بتلك الهيأة المضحكة، فينشدون أشعارهم «87» ، وذكر لي أن شعرهم نوع من الوعظ يقولون فيه للسلطان: إن هذا البنبي الذي عليه جلس فوقه من الملوك فلان وكان من حسن أفعاله كذا، وفلان وكان من أفعاله كذا، فافعل أنت من الخير ما يذكر بعدك! ثم يصعد كبير الشعراء على درج البنبي ويضع رأسه في حجر السلطان، ثم يصعد إلى أعلى البنبي فيضع رأسه على كتف السلطان الأيمن ثم على كتفه الأيسر، وهو يتكلم بلسانهم، ثم ينزل، وأخبرت أن هذا الفعل لم يزل قديما عندهم قبل الاسلام فاستمروا عليه!. حكاية [الجرادة المتكلمة] ! وحضرت مجلس السلطان في بعض الأيام، فأتى أحد فقهائهم وكان قدم من بلاد بعيدة وقام بين يدي السلطان وتكلم كلاما كثيرا، فقام القاضي فصدّقه ثم صدقهما السلطان، فوضع كلّ واحد منهما عمامته عن رأسه وترّب بين يديه، وكان إلى جانبي رجل

حكاية [عن عدل السلطان]

من البيضان، فقال لي: أتعرف ما قالوه؟ فقلت: لا أعرف. فقال: إن الفقيه أخبر أن الجراد وقع ببلادهم، فخرج أحد صلحائهم إلى موضع الجراد فهاله أمرها، فقال: هذا جراد كثير، فأجابته جرادة منها، وقالت: إن البلاد التي يكثر فيها الظلم يبعثنا الله لفساد زرعها!! فصدقه القاضي والسلطان، وقال عند ذلك للأمراء: إني برىء من الظلم، ومن ظلم منكم عاقبته، ومن علم بظالم ولم يعلمني به فذنوب ذلك الظالم في عنقه، والله حسيبه وسائله. ولما قال هذا الكلام وضع الفرارية عمائمهم عن رؤوسهم وتبرّءوا من الظلم حكاية [عن عدل السلطان] وحضرت الجمعة يوما فقام أحد التجار من طلبة مسوفة ويسمى بأبي حفص فقال: يا أهل المسجد، أشهدكم أن منسى سليمان في دعوتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم! فلما قال ذلك خرج إليه جماعة رجال من مقصورة السلطان، فقالوا له: من ظلمك؟ من أخذ لك شيئا؟ فقال: منشاجو إيوالّاتن «88» ! يعني مشرفها، أخذ مني ما قيمته ستمائة مثقال، وأراد أن يعطيني في مقابلته مائة مثقال خاصة، فبعث السلطان عنه للحين فحضر بعد أيام وصرفهما للقاضي فثبت للتاجر حقه فأخذه وبعد ذلك عزل المشرف عن عمله. حكاية [زوجة السلطان وبنات عمه] واتّفق في أيام إقامتي بمالي أن السلطان غضب على زوجته الكبرى بنت عمه المدعوة بقاسا، ومعنى قاسا عندهم الملكة، وهي شريكته في الملك على عادة السودان، ويذكر اسمها مع اسمه على المنبر «89» وسجنها عند بعض الفرارية وولى مكانها زوجته الأخرى بنجو، ولم تكن من بنات الملوك، فأكثر الناس الكلام في ذلك وأنكروا فعله، ودخل بنات عمه على بنجو يهنئنها بالمملكة، فجعلن الرّماد على أذرعهن ولم يترّبن رؤوسهن! ثم إن السلطان سرح ثقافها فدخل عليها بنات عمه يهنئنها بالسراح، وترّبن على العادة، فشكت بنجو إلى السلطان بذلك فغضب على بنات عمه فخفن منه واستجرن بالجامع فعفا عنهن واستدعاهن! وعادتهن إذا دخلن على السلطان أن يتجردن عن ثيابهن ويدخلن عرايا ففعلن ذلك! ورضي عنهن، وصرن ياتين باب السلطان غدوا وعشيا مدة سبعة أيام، كذلك يفعل كلّ من عفا عنه السلطان.

وصارت قاسا تركب كلّ يوم في جواريها وعبيدها وعلى رؤوسهم التّراب، وتقف عند المشور متنقبة لا يرى وجهها. وأكثر الامراء الكلام في شأنها فجمعهم السلطان في المشور وقال لهم دوغا على لسانه: إنكم قد اكثرتم الكلام في امر قاسا وإنها أذنبت ذنبا كبيرا ثم أوتى بجارية من جواريها مقيّدة مغلولة، فقيل لها: تكلمي بما عندك فأخبرت أن قاسا بعثتها إلى جاطا ابن عم السلطان الهارب عنه إلى كنبرني «90» ، واستدعته ليخلع السلطان عن ملكه!! وقالت له: أنا وجميع العساكر طوع أمرك، فلما سمع الامراء ذلك قالوا: إن هذا ذنب كبير وهي تستحق القتل عليه، فخافت قاسا من ذلك واستجارت بدار الخطيب، وعادتهم أن يستجيروا هنالك بالمسجد وان لم يتمكن فبدار الخطيب. وكان السودان يكرهون منسى سليمان لبخله وكان قبله منسى مغا، وقبل مغا، منسى موسى «91» ، وكان كريما فاضلا يحب البيضان، ويحسن اليهم وهو الذي أعطى لأبي إسحاق الساحلي في يوم واحد أربعة آلاف مثقال «92» ، وأخبرني بعض الثقات أنه أعطى لمدرك بن فقّوص ثلاثة آلاف مثقال في يوم واحد، وكان جده سارق جاطة «93» أسلم على يدي جد مدرك هذا.

حكاية [الحسنة بعشر أمثالها]

حكاية [الحسنة بعشر أمثالها] وأخبرني الفقيه مدرك هذا أن رجلا من اهل تلمسان يعرف بابن شيخ اللبن كان قد أحسن إلى السلطان منسى موسى في صغره بسبعة مثاقيل وثلث، وهو يومئذ صبي غير معتبر، ثم اتفق أن جاء اليه في خصومة وهو سلطان، فعرفه ودعاه وأدناه منه حتى جلس معه على البنبي ثم قرّره على فعله معه، وقال للأمراء: ما جزاء من فعل فعله من الخير؟ فقالوا له: الحسنة بعشر أمثالها «94» ، فأعطه سبعين مثقالا فأعطاه عند ذلك سبع مائة مثقال وكسوة ومبيدا وخدما وأمره أن لا ينقطع عنه، وأخبرني بهذه الحكاية أيضا ولد ابن شيخ اللّبن المذكور وهو من الطلبة يعلم القرآن بمالي. ذكر ما استحسنته من أفعال السودان وما استقبحته منها. فمن أفعالهم الحسنة قلة الظلم، فهم أبعد الناس عنه وسلطانهم لا يسامح أحدا في شيء منه، ومنها شمول الأمن في بلادهم فلا يخاف المسافر فيها ولا المقيم من سارق ولا غاصب، ومنها عدم تعرضهم لمال من يموت ببلادهم من البيضان ولو كان القناطير المقنطرة، إنما يتركونه بيد ثقة من البيضان حتى يأخذه مستحقه «95» ، ومنها مواظبتهم للصّلوات والتزامهم لها في الجماعات، وضربهم أولادهم عليها، وإذا كان يوم الجمعة ولم يبكّر الإنسان إلى المسجد لم يجد أين يصلي لكثرة الزحام. ومن عادتهم أن يبعث كلّ إنسان غلامه بسجادته فيبسطها له بموضع يستحقه بها حتى يذهب إلى المسجد، وسجادتهم من سعف شجر يشبه النخل ولا ثمر له، ومنها لباسهم الثياب البيض الحسان يوم الجمعة ولو لم يكن لأحدهم إلا قميص خلق غسله ونظفه وشهد به الجمعة، ومنها عنايتهم بحفظ القرآن العظيم وهم يجعلون لأولادهم القيود إذا ظهر في حقهم التقصير في حفظه، فلا تفك عنهم حتى يحفظوه! ولقد دخلت على القاضي يوم العيد وأولاده مقيّدون، فقلت له: ألا تسرحهم؟ فقال: لا أفعل حتى يحفظوا القرآن! ومررت يوما بشاب منهم حسن الصورة عليه ثياب فاخرة وفي رجله قيد ثقيل، فقلت لمن كان معي: ما فعل هذا؟ أقتل؟ ففهم عني الشاب وضحك وقيل لي: إنما قيد حتى يحفظ القرآن! ومن مساوىء أفعالهم كون الخدم والجواري والبنات الصّغار يظهرن للناس عرايا باديات العورات، ولقد كنت أرى في رمضان كثيرا منهن على تلك

ذكر سفري عن مالي

الصورة، فإن عادة الفرارية أن يفطروا بدار السلطان، وياتي كل واحد منهم بطعامه تحمله العشرون فما فوقهنّ من جواريه، وهن عرايا! ومنها دخول النساء على السلطان عرايا غير مستترات، وتعرّي بناته. ولقد رأيت في ليلة سبع وعشرين من رمضان نحو مائة جارية خرجن بالطعام من قصره عرايا، ومعهن بنتان له ناهدان ليس عليهما ستر! ومنها جعلهم التّراب والرماد على رؤوسهم تأدبا، ومنها ما ذكرته من الأضحوكة في إنشاد الشعراء، ومنها أن كثيرا منهم يأكلون الجيف والكلاب والحمير. ذكر سفري عن مالّي وكان دخولي إليها في الرابع عشر لجمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين وخروجي عنها في الثاني والعشرين لمحرم سنة أربع وخمسين «96» ، ورافقني تاجر يعرف بأبي بكر بن يعقوب، وقصدنا طريق ميمة «97» ، وكان لي جمل أركبه لان الخيل غالية الأثمان، يساوي احدها مائة مثقال، فوصلنا إلى خليج كبير يخرج من النّيل لا يجاز إلا في المراكب وذلك الموضع كثير البعوض فلا يمر أحد به إلا باللّيل ووصلنا الخليج ثلث الليل والليل مقمر. ذكر الخيل التي تكون بالنّيل ولما وصلنا الخليج رأيت على ضفته ست عشرة دابّة ضخمة الخلقة، فعجبت منها وظننتها فيلة لكثرتها هنالك، ثم إني رأيتها دخلت في النهر، فقلت لأبي بكر بن يعقوب: ما هذه الدواب؟ فقال: هي خيل البحر، خرجت ترعى في البر وهي أغلظ من الخيل، ولها أعراف وأذناب ورؤوسها كرؤوس الخيل، وأرجلها كأرجل الفيلة. ورأيت هذه الخيل مرة أخرى لما ركبنا النّيل من تنبكتو إلى كوكو، وهي تعوم في الماء وترفع رؤوسها وتنفخ، وخاف منها أهل المركب، فقربوا من البر لئلا تغرقهم، ولهم حيلة في صيدها حسنة، وذلك أن لهم رماحا مثقوبة قد جعل في ثقبها شرائط وثيقة، فيضربون الفرس منها فإن صادفت الضربة رجله أو عنقه أنفذته وجذبوه بالحبل حتى يصل إلى الساحل فيقتلونه ويأكلون لحمه ومن عظامها بالساحل كثير. وكان نزولنا عند هذا الخليج بقرية كبيرة عليها حاكم من السودان حاج فاضل يسمى فربا «98» مغا بفتح الميم والغين المعجم، وهو ممن حج مع السلطان منسى موسى لما حج.

خيل البحر

حكاية [أكلة لحم البشر]

حكاية [أكلة لحم البشر] أخبرني فربا مغا أن منسى موسى لما وصل إلى هذا الخليج، كان معه قاض من البيضان يكنى بأبي العباس، ويعرف بالدّكالي «99» فأحسن إليه بأربعة آلاف مثقال سرقت له من داره فاستحضر السلطان أمير ميمة وتوعّده بالقتل إن لم يحضر من سرقها، وطلب الأمير السارق فلم يجد أحدا، ولا سارق يكون بتلك البلاد، فدخل دار القاضي واشتدّ على خدامه وهدّدهم، فقالت له إحدى جواريه: ما ضاع له شيء! وإنما دفنها بيده في ذلك الموضع! وأشارت له إلى الموضع، فأخرجها الأمير وأتى بها السلطان وعرّفه الخبر فغضب على القاضي ونفاه إلى بلاد الكفار الذين يأكلون بني آدم «100» ، فأقام عندهم أربع سنين، ثم رده إلى بلده، وانما لم يأكله الكفار لبياضه! لأنهم يقولون: إن أكل الأبيض مضر لأنه لم ينضج والأسود هو النضج بزعمهم!! حكاية [أكلة خادمة السلطان] قدمت على السلطان منسى سليمان جماعة من هؤلاء السودان الذين يأكلون بني آدم، معهم أمير لهم، وعادتهم أن يجعلوا في آذانهم أقراطا كبارا وتكون فتحة القرط منها نصف شبر، ويلتحفون في ملاحف الحرير، وفي بلادهم يكون معدن الذهب، فأكرمهم السلطان، وأعطاهم في الضيافة خادما فذبحوها وأكلوها ولطخوا وجوههم وأيديهم بدمها وأتو السلطان شاكرين!! وأخبرت أن عادتهم متى ما وفدوا عليه أن يفعلوا ذلك وذكر لي عنهم أنهم يقولون: إن أطيب ما في لحوم الآدميات الكفّ والثدي!!

حكاية [منامة]

ثم رحلنا من هذه القرية التي عند الخليج فوصلنا إلى بلدة قري منسى «101» ، وقري بقم القاف وكسر الراء ومات لي بها الجمل الذي كنت أركبه، فأخبرني راعيه بذلك فخرجت لأنظر إليه، فوجدت السودان قد أكلوه كعادتهم في أكل الجيف، فبعثت غلامين كنت استأجرتهما على خدمتي ليشتريا لي جملا بزاغري، وهي على مسيرة يومين، وأقام معي بعض أصحاب أبي بكر بن يعقوب وتوجه هو لينتظرنا بميمة فأقمت ستة أيام أضافني فيها بعض الحجاج بهذه البلدة حتى وصل الغلامان بالجمل. حكاية [منامة] وفي أيام إقامتي بهذه البلدة رأيت ليلة، فيما يرى النائم، كأن إنسانا يقول لي: يا محمّد بن بطوطة! لماذا لا تقرأ سورة يس «102» في كل يوم؟ فمن يومئذ ما تركت قراءتها كلّ يوم في سفر ولا حضر. ثم رحلت إلى بلدة ميمة، بكسر الميم الأول وفتح الثاني، فنزلنا على آبار بخارجها، ثم سافرنا منها إلى مدينة تنبكتو «103» ، وضبط اسمها بضم التاء المعلوة وسكون النون وضم البلاد الموحدة وسكون الكاف وضم التاء المعلوه الثانية وواو، وبينها وبين النّيل أربعة أميال، وأكثر سكانها مسّوفة أهل اللثام، وحاكمها يسمى فربا موسى، حضرت عنده يوما وقد قدّم أحد مسّوفة أميرا على جماعة فجعل عليه ثوبا وعمامة وسروالا، كلّها مصبوغة، وأجلسه على درقة ورفعه كبراء قبيلته على رؤوسهم. وبهذه البلدة قبر الشاعر المفلق أبي إسحاق الساحلي الغرناطي المعروف ببلده بالطّويجن، وبها قبر سراج الدين ابن الكويك «104» أحد كبار التجار من أهل الاسكندرية.

حكاية [أمير لا يحب البكاء]

حكاية [أمير لا يحب البكاء] كان السلطان منسى موسى لما حج، نزل بروض لسراج الدين هذا ببركة الحبش «105» ، خارج مصر، وبها ينزل السلطان واحتاج إلى مال فتسلّفه من سراج الدين وتسلّف منه أمراؤه أيضا وبعث معهم سراج الدين وكيله يقتضى المال فأقام بمالي فتوجه سراج الدين بنفسه لاقتضاء ماله، ومعه ابن له فلما وصل تنبكتو أضافه أبو إسحاق الساحلي، فكان من القدر موته تلك الليلة، فتكلم الناس في ذلك، واتّهموا أنه سم، فقال ولده: إني أكلت معه ذلك الطعام بعينه فلو كان فيه سم لقتلنا جميعا لكنه انقضى أجله! ووصل الولد إلى مالّي واقتضى ماله وانصرف إلى ديار مصر. ومن تنبكتو ركبت النيل في مركب صغير منحوت من خشبة واحدة، كنا ننزل كل ليلة بالقرى فنشتري ما نحتاج إليه من الطعام والسمن بالملح وبالعطريات وبحلى الزّجاج، ثم وصلت إلى بلد أنسيت اسمه، له أمير فاضل حاج يسمى فربا سليمان مشهور بالشجاعة والشدة، لا يتعاطى أحد النزع في قوسه، ولم أر في السودان أطول منه ولا أضخم جسما، واحتجت بهذه البلدة إلى شيء من الذّرة فجئت إليه، وذلك يوم مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم «106» ، فسلمت عليه، وسألني عن مقدمي، كان معه فقيه يكتب له فأخذت لوحا كان بين يديه وكتبت فيه: يا فقيه! قل لهذا الأمير: إنّا نحتاج إلى شيء من الذرة «107» للزاد والسلام! وناولت الفقيه اللوح يقرأ ما فيه سرّا ويكلم الأمير في ذلك بلسانه، فقرأه جهرا وفهمه الأمير، فأخذ بيدي وأدخلني إلى مشوره، وبه سلاح كثير من الدرق والقسي والرماح، ووجدت عنده كتاب المدهش لابن الجوزي «108» فجعلت أقرأ فيه، ثم أتى بمشروب لهم يسمى الدّقنو، بفتح الدال المهمل وسكون القاف وضم النون وواو، وهو ماء فيه جريش الذرة

مخطوط بيسير عسل أو لبن «109» ، وهم يشربونه عوض الماء لانهم إن شربوا الماء خالصا أضرّ بهم، وإن لم يجدوا الذّرة خلطوه بالعسل أو اللبن، ثم أتى ببطيخ أخضر فأكلنا منه، ودخل غلام خماسي «110» فدعاه، وقال لي: هذا ضيافتك، واحفظه لئيلّا يفر! فأخذته وأردت الانصراف، فقال: أقم حتى ياتي الطعام، وجاءت إلينا جارية له دمشقية عربية «111» ، فكلمتني بالعربي، فبينما نحن في ذلك سمعنا صراخا بداره، فوجه الجارية لتعرف خبر ذلك فعادت إليه فأعلمته أن بنتا له قد توفيت! فقال: إني لا أحب البكاء! فتعال نمشي إلى البحر! يعني النيل، وله على الساحل ديار، فأتى بالفرس فقال لي: اركب، فقلت: لا أركبه وأنت ماش! فمشينا جميعا، ووصلنا إلى دياره على النّيل وأتي بالطعام فأكلنا ووادعته وانصرفت ولم أر في السودان أكرم منه ولا أفضل، والغلام الذي أعطانيه باق عندي إلى الآن. ثم سرت إلى مدينة كوكو «112» وهي مدينة كبيرة على النيل من أحسن مدن السودان وأكبرها وأخصبها، فيها الأرز الكثير واللبن والدجاج والسمك، وبها الفقّوص العناني الذي لا نظير «113» له، وتعامل أهلها في البيع والشراء بالودع، وكذلك اهل مالّي، وأقمت بها نحو شهر وأضافني بها محمد بن عمر من أهل مكناسة، وكان ظريفا مزّاحا فاضلا وتوفّى بها

الودع يستعمل كعملة وهو من أدوات الزينة وربما صلح كقناع- عن متحف افريقيا الوسطى

بعد خروجي عنها، وأضافني بها الحاج محمد الوجدي التازي وهو ممن دخل اليمن «114» ، والفقيه محمد الفيلالي امام مسجد البيضان. ثم سافرت منها برسم تكدا «115» في البر مع قافلة كبيرة للغدامسيين، دليلهم ومقدمهم الحاج وجّين «116» بضم الواو وتشديد الجيم المعقودة، ومعناه الذئب بلسان السودان، وكان له جمل لركوبي وناقة لحمل الزاد، فلما رحلنا أول مرحلة وقفت الناقة فأخذ الحاج وجين ما كان عليها وقسمه على أصحابه فتوزّعوا حمله، وكان في الرفقة مغربي من أهل تادلة «117» فأبى أن يرفع من ذلك شيئا كما فعل غيره، وعطش غلامي يوما فطلبت منه الماء فلم يسمح به! ثم وصلنا إلى بلاد بردامة «118» وهي قبيلة من البربر، وضبطها بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الدال المهمل والف وميم مفتوح وتاء تأنيث، ولا تسير القوافل إلّا في خفارتهم، والمرأة عندهم في ذلك أعظم شأنا من الرجل، وهم رحّالة لا يقيمون، وبيوتهم غريبة الشكل يقيمون أعوادا من الخشب ويضعون عليها الحصر، وفوق ذلك أعواد مشتبكة، وفوقها الجلود أو ثياب القطن، ونساؤهم أتم النساء جمالا وأبدعهن صوّرا، مع البياض الناصع والسّمن! ولم أر في البلاد من يبلغ مبلغهن في السّمن! وطعامهن حليب البقر وجريش الذرة يشربنه مخلوطا بالماء غير مطبوخ عند المساء والصباح، ومن أراد التزوّج منهن سكن بهن في أقرب البلاد إليهن ولا يتجاوز بهن كوكو ولا إيوالّاتن.

حكاية [جوار معلمات]

وأصابني المرض في هذه البلاد لاشتداد الحر وغلبة الصفراء، واجتهدنا في السير إلى أن وصلنا إلى مدينة تكدّا، وضبطها بفتح التاء المعلوة والكاف المعقودة والدال المهمل مع تشديده، ونزلت بها في جوار شيخ المغاربة سعيد بن علي الجزولي «119» ، وأضافني قاضيها أبو إبراهيم إسحاق الجاناتي، وهو من الأفاضل وأضافني جعفر بن محمد المسّوفي. وديار تكدّا مبنية بالحجارة الحمر، وماؤها يجري على معادن النحاس فيتغيّر لونه وطعمه بذلك «120» ، ولا زرع بها إلا يسير من القمح يأكله التجار والغرباء ويباع بحساب عشرين مدّا من أمدادهم «121» بمثقال ذهب، ومدّهم ثلث المدّ ببلادنا، وتباع الذّرة عندهم بحساب تسعين مدّا بمثقال من ذهب، وهي كثيرة العقارب وعقاربها تقتل من كان صبيا لم يبلغ، وأما الرجال فقلّما تقتلهم، ولقد لدغت يوما، وأنا بها، ولدا للشيخ سعيد ابن علي عند الصبح فمات لحينه، وحضرت جنازته. ولا شغل لأهل تكدّا غير التجارة يسافرون كلّ عام إلى مصر ويجلبون من كلّ ما بها من حسان الثياب وسواها، ولاهلها رفاهية وسعة حال ويتفاخرون بكثرة العبيد والخدم، وكذلك أهل مالي وإيوالّاتن ولا يبيعون المعلمات منهن إلا نادرا وبالثمن الكثير. حكاية [جوار معلّمات] أردت- لما دخلت تكدّا- شراء خادم معلّمة فلم أجدها ثم بعث إليّ القاضي ابو ابراهيم بخادم لبعض أصحابه فاشتريتها بخمسة وعشرين مثقالا ثم إن صاحبها ندم ورغب في الإقالة، فقلت له: إن دللتني على سواها أقلتك، فدلّني على خادم لعليّ أغيول، وهو المغربي التادلي الذي أبى أن يرفع شيئا من أسبابي حين وقعت ناقتي، وأبى أن يسقي غلامي الماء حين عطش! فأشتريتها منه وكانت خيرا من الأولى، وأقلت صاحبي الأول، ثم ندم هذا المغربي على بيع الخادم ورغب في الإقالة وألح في ذلك فأبيت إلا أن أجازيه بسوء فعله! فكاد أن يجن أو يهلك أسفا ثم أقلته بعد!!

ذكر معدن النحاس

ذكر معدن النحاس ومعدن النحاس بخارج تكدا «122» يحفرون عليه في الأرض فإذا سبكوه نحاسا أحمر صنعوا منه قضبانا في طول شبر ونصف، بعضها رقاق وبعضها غلاظ، فتباع الغلاظ منها بحساب أربع مائة قضيب بمثقال ذهب، وتباع الرقاق بحساب ستمائة وسبع مائة بمثقال، وهي صرفهم يشترون برقاقها اللّحم والحطب، ويشترون بغلاظها العبيد والخدم والذرة والسمن والقمح، ويحمل النحاس منها إلى مدينة كوبر «123» من بلاد الكفار وإلى زغاي «124» وإلى بلاد برنو «125» ، وهي على مسيرة أربعين يوما من تكدا وأهلها مسلمون لهم ملك اسمه ادريس «126» لا يظهر للناس ولا يكلّمهم الا من وراء حجاب ومن هذه البلاد يؤتى بالجواري «127» الحسان والفتيان والثياب الجيّدة، ويحمل النّاس أيضا منها إلى جوجوة «128» وبلاد المورتبين «129» وسواها.

ذكر سلطان تكدا

ذكر سلطان تكدّا وفي أيام إقامتي بها توجّه القاضي أبو ابراهيم، والخطيب محمد والمدرس أبو حفص، والشيخ سعيد بن علي إلى سلطان تكدّا، وهو بربري يسمى إزار «130» ، بكسر الهمزة وزاي والف وراء، وكان على مسيرة يوم منها، ووقعت بينه وبين التكركرى «131» ، وهو من سلاطين البربر أيضا، منازعة فذهبوا إلى الاصلاح بينهما فأردت أن القاه، فاكتريت دليلا وتوجهت إليه، وأعلمه المذكورون بقدومي فجاء إليّ راكبا فرسا دون سرج وتلك عادتهم، وقد جعل عوض السرج طنفسة حمراء بديعة وعليه ملحفة وسراويل وعمامة كلّها زرق، ومعه أولاد أخته وهم الذين يرثون ملكه، فقمنا إليه، وصافحناه، وسأل عن حالي ومقدمي فأعلم بذلك، وأنزلني ببيت من بيوت اليناطبين، وهم كالوصفان «132» عندنا، وبعث برأس غنم مشوي في السفود، وقعب من حليب البقر، وكان في جوارنا بيت أمه وأخته فجاءتا إلينا وسلّمتا علينا وكانت أمه تبعث لنا الحليب بعد العتمة وهو وقت حلبهم ويشربونه ذلك الوقت وبالغدو، وأما الطعام فلا يأكلونه ولا يعرفونه، وأقمت عندهم ستّة أيام، وفي كل يوم يبعث بكبشين مشويين عند الصباح والمساء، وأحسن إلي بناقة وعشرين مثاقيل من الذهب وانصرفت عنه وعدت إلى تكدا. ذكر وصول الأمر الكريم إلي ولما عدت إلى تكدا وصل غلام الحاج محمد بن سعيد السّجلماسي بأمر مولانا أمير

المؤمنين وناصر الدين المتوكّل على رب العالمين «133» أمرا لي بالوصول إلى حضرته العلية فقبّلته، وأمتثلته على الفور، واشتريت جملين لركوبي بسبعة وثلاثين مثقالا وثلث، وقصدت السّفر إلى توات «134» ، ورفعت زاد سبعين ليلة إذ لا يوجد الطعام فيما بين تكدا وتوات، إنما يوجد اللحم واللبن والسمن يشتري بالأثواب، وخرجت من تكدّا يوم الخميس الحادي عشر لشعبان سنة أربع وخمسين «135» في رفقة كبيرة فيهم جعفر التواتي، وهو من الفضلاء، ومعنا الفقيه محمد بن عبد الله قاضي تكدّا، وفي الرفقة نحو ستمائة خادم «136» فوصلنا إلى كاهر من بلاد السلطان الكركرى، وهي أرض كثيرة الأعشاب يشتري بها الناس من برابرها الغنم ويقدّدون لحمها ويحمله أهل توات إلى بلادهم. ودخلنا منها إلى برية لا عمارة بها ولا ماء، وهي مسيرة ثلاثة أيام، ثم سرنا بعد ذلك خمسة عشر يوما في بريّة لا عمارة بها إلا أن بها الماء، ووصلنا إلى الموضع «137» الذي يفترق به طريق غات الآخذ إلى ديار مصر، وطريق توات، وهنالك أحساء ماء يجري على الحديد، فإذا غسل به الثوب الأبيض اسودّ لونه! وسرنا من هنالك عشرة أيام ووصلنا إلى بلاد هكّار «138» ، وهم طائفة من البربر ملثمون لا خير عندهم، ولقينا أحد كبرائهم فحبس القافلة حتى غرموا له أثوابا وسواها! وكان وصولنا إلى بلادهم في شهر رمضان، وهم لا يغيرون فيه ولا يعترضون القوافل، واذا وجد سرّاقها المتاع بالطريق في رمضان لم يعرضوا له، وكذلك جميع من بهذه الطريق من البرابر.

دينار مريني من عهد السلطان أبي عنان ولي نعمة ابن بطوطة

وسرنا في بلاد هكّار شهرا، وهي قليلة النبات كثيرة الحجارة، طريقها وعر، ووصلنا يوم عيد الفطر «139» إلى بلاد برابر أهل لثام كهؤلاء فأخبرونا باخبار بلادنا واعلمونا أن اولاد خراج «140» وابن يغمور «141» خالفوا وسكنوا (تسابيت) من توات «142» ، فخاف أهل القافلة من ذلك، ثم وصلنا إلى بودا «143» ، بضم الباء الموحدة، وهي من أكبر قرى توات، وأرضها رمال وسباخ وتمرها كثير ليس بطيب، لكن أهلها يفضلونه على تمر سجلماسة، ولا زرع بها ولا سمن ولا زيت وانما يجلب لها ذلك من بلاد المغرب، واكل أهلها التمر والجراد، وهو كثير عندهم يختزنوه كما يختزن التمر ويقتاتون به ويخرجون إلى صيده قبل طلوع الشمس فانه لا يطير اذا ذاك لأجل البرد! وأقمنا ببودا أياما، ثم سافرنا في قافلة ووصلنا في أواسط ذي القعدة «144» إلى مدينة سجلماسة، وخرجت منها في ثاني ذي الحجة «145» ، وذلك أول البرد الشديد، ونزل بالطريق ثلج كثير. ولقد رأيت الطرق الصّعبة والثلج الكثير ببخاري وسمرقند وخراسان وبلاد الأتراك فلم أر أصعب من طريق أمّ جنيبة! «146» . ووصلنا ليلة عيد الأضحى إلى دار الطمع «147» ، فأقمت هنالك يوم الأضحى، ثم

خرجت فوصلت إلى حضرة فاس حضرة مولانا أمير المومنين أيده الله فقبلت يده الكريمة «148» وتيمّنت بمشاهدة وجهه المبارك وأقمت في كنف إحسانه بعد طول الرحلة، والله تعالى يشكر ما أولانيه من جزيل إحسانه وسابغ امتنانه ويديم أيامه ويمتع المسلمين بطول بقائه. وهاهنا انتهت الرحلة المسماة (تحفة النظار في غرائب الامصار وعجائب الأسفار) وكان الفراغ من تقييدها في ثالث ذي الحجة عام ستة وخمسين وسبع مائة «149» والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. قال ابن جزي: انتهى ما لخّصته من تقييد «150» الشيخ أبي عبد الله محمد ابن بطوطة، اكرمه الله، ولا يخفى على ذي عقل أن هذا الشيخ هو رحّال العصر، ومن قال: رحّال هذه الملة لم يبعد، ولم يجعل بلاد الدّنيا للرحلة واتّخذ حضرة فاس قرارا ومستوطنا بعد طول جولاته، إلا لما تحقق أن مولانا أيده الله أعظم ملوكها شأنا وأعمهم فضائل، وأكثرهم إحسانا وأشدهم بالواردين عليه عناية، وأتمهم بمن ينتمي إلى طلب العلم حماية، فيجب على مثلي أن يحمد الله تعالى لأن وفقه في أول حاله وترحاله لاستئيطان هذه الحضرة التي اختارها هذا الشيخ بعد رحلة خمسة وعشرين عاما، إنها لنعمة لا يقدر قدرها ولا يوفى شكرها، والله تعالى يرزقنا الإعانة على خدمة مولانا أمير المومنين ويبقى علينا ظلّ حرمته ورحمته ويجزيه عنا معشر الغرباء المنقطعين إليه أفضل جزاء المحسنين. اللهمّ- وكما فضلته على الملوك بفضيلتي العلم والدين وخصصته بالحلم والعقل الرصين، فمدّ لملكه أسباب التأييد والتمكين وعرفه عوارف النصر العزيز والفتح المبين واجعل الملك، في عقبه إلى يوم الدين وأره قرّة العين في نفسه وبنيه وملكه ورعيته يا أرحم الراحمين وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا ونبيّنا محمد خاتم النبيين وأمام المرسلين والحمد لله رب العالمين. وكان الفراغ من كتبها في صفر عام سبعة وخمسين وسبع مائة «151» عرف الله من كتبها.

منظر عام لمدينة فاس حيث انتسخت الرحلة

الملاحق

الملاحق شهادة ابن خلدون تعقيب الزياني كلمة (أفراج) المغربية وثيقة تأسيس مسجد مالديف تعليق وكالة المغرب العربي للأبناء أكاديمية السلطان أبي عنان رسالة إلى الروضة الشريفة نص وقفية المدرسة البوعنانية بداخل فاس حول الحديث عن الزاوية المتوكلية خارج فاس تهنئة ملك غرناطة لملك المغرب بتحرير طرابلس معلومات عن الرحلة من خلال المراسلات ...

شهادة ابن خلدون

لقد وعدنا أثناء المقدمة وفي غضون التعاليق بالاتيان ببعض الملاحق التي نراها ضرورية لإيضاح بعض النقط الغامضة في الرحلة أو لتكميل المعلومات الذي كانت في النص موجزة مختصرة ... شهادة ابن خلدون عن حديث ابن خلدون في المقدمة عمّا يقوله الناس حول مرويّات ابن بطوطة وما أجابه به الوزير ابن ودرار، نسوق ما يلي نقلا عن المقدمة: (طبعة لبنان 1956 ص 325- 327) «ولا تنكرنّ ما ليس بمعهود عندك ولا في عصرك شيء من أمثاله، فتضيق حوصلتك عند ملتقط الممكنات، فكثير من الخواص إذا سمعوا أمثال هذه الأخبار عن الدول السالفة بادر بالإنكار وليس ذلك من الصواب، فإنّ أحوال الوجود والعمران متفاوتة، ومن أدرك منها رتبة سفلى أو وسطى فلا يحصر المدارك كلّها فيها، ونحن إذا اعتبرنا ما ينقل لنا عن دولة بني العباس وبني أميّة والعبيديين، وناسبنا الصحيح من ذلك والذي لا شكّ فيه بالذي نشاهده من هذه الدول التي هي أقلّ بالنسبة إليها وجدنا بينها بونا، وهو لما بينها من التفاوت في أصل قوّتها وعمران ممالكها فالآثار كلّها جارية على نسبة الأصل في القوة كما قدّمناه، ولا يسعنا انكار ذلك عنها، إذ كثير من هذه الأحوال في غاية الشهرة والوضوح، بل فيها ما يلحق بالمستفيض والمتواتر، وفيها المعاين والمشاهد من آثار البناء وغيره. فخذ من الأحوال المنقولة مراتب الدول في قوّتها أو ضعفها وضخامتها أو صغرها، واعتبر ذلك بما نقصه عليك من هذه الحكاية المستظرفة، وذلك أنه ورد بالمغرب لعهد السلطان أبي عنان من ملوك بني مرين رجل من مشيخة طنجة يعرف بابن بطوطة كان رحل منذ عشرين سنة قبلها إلى المشرق وتقلب في بلاد العراق واليمن والهند، ودخل مدينة دهلي حاضرة ملك الهند، وهو السلطان محمد شاه، واتّصل بملكها لذلك العهد وهو فيروزجوه «1» ، وكان له منه مكان، واستعمله في خطّة القضاء بمذهب المالكيّة في عمله، ثم انقلب إلى المغرب واتّصل بالسلطان أبي عنان وكان يحدّث عن شأن رحلته وما رأى من العجائب بممالك الأرض، وأكثر ما كان يحدث عن دولة صاحب الهند إذا خرج إلى السفر أحصى أهل مدينته من الرجال والنساء والولدان، وفرض لهم رزق ستّة أشهر تدفع لهم من عطائه، وأنه عند رجوعه من سفره يدخل في يوم مشهود يبرز فيه الناس كافّة إلى صحراء البلد ويطوفون به، وينصب أمامه في ذلك الحفل منجنيقات على الظهر ترمى بها شكائر الدراهم والدنانير على الناس، إلى أنّ يدخل ايوانه، وأمثال هذه

تعقيب الزياني

الحكايات فتناجي الناس بتكذيبه. ولقيت أيامئذ وزير السلطان فارس بن ودرار البعيد الصيت ففاوضته في هذا الشأن وأريته إنكار اخبار ذلك الرجل لما استفاض في الناس من تكذيبه، فقال لي الوزير فارس: اياك أن تستنكر مثل هذا من أحوال الدول بما انك لم تره، فتكون كابن الوزير الناشىء في السجن، وذلك أن وزيرا اعتقله سلطانه ومكث في السجن سنين ربي فيها ابنه في ذلك المحبس، فلما أدرك وعقل سأل عن اللحم الذي كان يتغذّى به، فقال له أبوه هذا لحم الغنم، فقال وما الغنم؟ فيصفها له أبوه بشياتها ونعوتها، فيقول: يا أبت تراها مثل الفار فينكر عليه، ويقول: أين الغنم من الفأر! وكذا في لحم الإبل والبقر إذ لم يعاين في محبسه من الحيوانات إلا الفار فيحسبها كلّها أبناء جنس الفار. ولهذا كثيرا ما يعتري الناس في الاخبار كما يعتريهم الوسواس في الزيادة عن قصد الإغراب كما قدّمناه أول الكتاب، فليرجع الانسان إلى أصوله وليكن مهيمنا على نفسه ومميزا بين طبيعة الممكن والممتنع بصريح عقله ومستقيم فطرته، فما دخل في نطاق الإمكان قبله، وما خرج عنه رفضه، وليس مرادنا الامكان العقليّ المطلق فانّ نطاقه أوسع شيء فلا يفرض حدّا بين الواقعات، وانما مرادنا الامكان بحسب المادّة التي للشيء، فانا اذا نظرنا أصل الشيء وجنسه وصنفه- ومقدار عظمه وقوّته أجرينا الحكم من نسبة ذلك على أحواله، وحكمنا بالامتناع على ما خرج من نطاقه، وقل ربّ زدني علما وأنت أرحم الراحمين والله سبحانه وتعالى أعلم. تعقيب الزياني وعن التحامل على ابن بطوطة من لدن الزياني مما اشرنا إليه في التقديم نورد نص الترجمانة الكبرى مصحوبا بالرد عليه من قبل الكتاني في مخطوطة عن تاريخ القرويين: قال الزياني: إنما رسمت فيها (أي الترجمانة) ما شاهدته في الأقاليم التي بلغتها، وغيره نقلته من رحلة العياشي، ومحاضرة اليوسي، ورحلة البلوي، ورحلة ابن نباتة، ورحلة السرخسي للاندلس والمغرب، ورحلة الكردي، ورحلة البكري، واخبار الهند، والسند والصين من تاريخ الإسلام للذهبي، ومن تواريخ لبعض علماء الهند اجتمعت بهم بالحرم الشريف وبمكة، وكنت أسرد عليهم رحلة ابن بطوطة، فأنكروا كثيرا مما فيها من أخبار ملوكهم، وأما قضاؤه بالهند ومصاهرته لسلطانه، فقد أبطلوه بالكلية، وقالوا: هذا غير ممكن، فبسبب ذلك لم أنقل من خبرها شيئا، ثم بعد ذلك وقفت على ترجمته في الاحاطة، لأبي عبد الله الخطيب، نقلا عن شيخه أبي البركات البلفيقي، أن محمد بن عبد الله اللواتي الطنجي، المعروف بابن بطوطة. حاله كان رجلا له مشاركة في الطب، وارتحل للمشرق وتزيابزي الصوفية، وجال الاقطار، ودخل بلاد العجم، والسند والهند والصين، وعاد لبلده طنجة، وجاز البحر للأندلس،

الكتاني ينتقد الزياني

وبلغ غرناطة، واجتمع بفقهائها في دعوة، وكان يحدثهم عن رحلته في يومه وليلته فاستغربوا أخباره واستبعدوها. وقال البلوي في رحلته، في ترجمة ابن بطوطة، إنه لما عاد من رحلته ومن لقيه بها من الملوك، وأن ملك الهند صاهره وقلده القضاء بمدينته العظمى، وحصل من الأموال عددا كثيرا، زيفوه وكذبوه، ثم عاد لبر العدوة ودخل مدينة فاس أيام السلطان أبي عنان فارس ابن أبي الحسن المريني، ولم يجتمع به، ثم توجه للصحراء ثم للسودان، يحسب أن ملوكه كملوك الهند وأرضه مثلها، فخفق سعيه ووجد الأرض غير الأرض، والناس غير الناس، وبلغ خبره للسلطان أبي عنان، فكتب له واستقدمه، ولما اجتمع به عاتبه على عدم الاجتماع به لما قدم من الأندلس لفاس، وكان أبو عنان فرغ من تشييد المدرسة المتوكلية التي بطالعة فاس، فقال له: يا مولانا السلطان، انما أتيت لفاس بقصدك والمثول بين يديك، ولما دخلت هذه المدرسة التي شيدت، ولم أقف على مثلها فيما شاهدته في المعمور كلّه، قلت والله لا بد لي أن أتمم عملي، وأبر قسمي بالوصول إلى أقاليم السودان حتى أشاهده، وأقسم أن ليس في المعمور كله مثلها، فحقق الله ظني، وأبر يميني، هذا موجب تأخيري عن المثول بين يديك، فأكرمه السلطان أبو عنان، وأجرى عليه الانعام، وأمره أن يؤلف رحلته ويذكر فيها مدرسته التي زعم أنها لا نظير لها في المعمور. انتهى. قال كاتبه عفا الله عنه، وهذا من التغالي في الكذب، ودليل على ما لمزه به فقهاء الأندلس، فان في كل اقليم من أقاليم بلاد العرب، كمصر، والشام، والعراق، التي شاهدناها من المدارس والمساجد، ما هو مثلها وأعلى منها ضخامة وتأنقا وحسنا، وأما بلاد العجم، والترك، فحدث عن البحر ولا حرج، فكل مسجد، وكل مدرسة صغيرة أو كبيرة، فوقها وأعظم منها؟؟؟؟ وأتقن منها، وما وصف به المدرسة العنانية لبانيها، أبي عنان رحمه الله، فانما قصد به مدحه والتخلص منه بتلك الحيلة التي نجح سعيه بسببها، غفر الله لنا وله ولقد أخبرني أحد طلبة السلطان، سيد محمد رحمه الله، أنه كان يسرد عليه رحلة ابن بطوطة، وساق كلام ابن تيمية في الاستواء، والنزول، فنزل من محل جلوسه، وقال: كنزولي هذا، فقال له السلطان سيدي محمد، اطو ذلك الكتاب وبعه في السوق وكل ثمنه لحما، هذا رجل كذاب من اهل التجسيم كمن نقل عنه، فو الله لو حضر بين يدي لاضربن عنقه، فقد تحقق عنه ما وسمه به أهل الأندلس من الكذب، وسيما اذ هو من أهّل البدع. الكتاني ينتقد الزياني عن مخطوطة الخزانة العامة رقم 29 تحت عنوان: «الشعائر الدينية المقامة بالقرويين»

عن كلمة (أفراج) أو أفراق المغربية

وعند الكلام على «المدرسة المتوكلية» التي تعرف بالعنانية ... قال: عبد الحي الكتاني، ولما تم بناؤها دخلها السلطان أبو عنان لينظرها وأعطاه القائم عليها هناك زمام صائرها ... إلى أن قال: ... ذكر مؤرخ المغرب أبو القاسم الزياني في الترجمانة الكبرى نقلا عن رحلة البلوى أن الرحالة ابن بطوطة لما دخل فاسا بعد رحلته الطويلة ولم يجتمع بالسلطان أبي عنان وسافر إلى السودان استقدمه وعاتبه على عدم الاجتماع به، وكان أبو عنان قد فرغ من تشييد المدرسة المتوكلية، فقال: يا مولانا السلطان لما دخلت هذه المدرسة التي شيدت ولم أقف على مثلها فيما شاهدته في المعمور كلّه، قلت: والله لا بد أن أتمم عملي وأبر بقسمي بالوصول إلى أقاليم السودان حتى أشاهده وأقسم أن ليس في المعمور كله مثلها. فحقق الله ظني وأبرّ يميني. فأكرمه السلطان وأمره أن يؤلف رحلته ويذكر فيها مدرسته التي زعم أنه لا نظير لها في المعمور ... أقول (الكتاني) وهذه مبالغة، وعجيب سريان حقد الزياني إلى من كان قبله بدهور وأجيال! والعجب أن القصة التي ذكرت في اعتذار ابن بطوطة لأبي عنان عن موجب عدم لقيّه بعد رجوعه من الأندلس لم أجدها في رحلته المطبوعة إلا أن أهل البحث من الأروباويين اليوم يذكرون أن رحلة ابن بطوطة الأصلية ليست هي المطبوعة في مجلد، وأن المطبوعة إنما هي تلخيص ابن جزي لا الرحلة الأصلية والله أعلم أي ذلك كان، على أني أقول: قد دخلت كثيرا من مدارس الشام ومصر والحجاز والمغرب فلم أر من حيث ضخامة البناء والوسع والشكل أضخم من المدرسة العنانية هذه إلا ما كان من جامع السلطان حسن بمصر وجامع بني أمية بدمشق وبيت المقدس بفلسطين، أما في النهر الجاري وسط المدرسة العنانية والبيوت المحيطة بها من فوق لسكنى طلاب العلم وغير ذلك من النقش والزخرف، فلم أر لها نظيرا مطلقا فيما رأيت بعد التتبع والبحث الذي أتشخصه ... عن كلمة (أفراج) أو أفراق المغربية عن ذكر (أفراج) في عدد من المرات 415 -251،44 III -405 -369،II وحيرة المعلقين حول القصد منها نسوق الملحق التالي عن ابن الحاج النّميري من كتابه فيض العباب. وأفراق السعيد كالبلد الواسع الأقطار، القائم الأسوار. البديع الاختطاط، الشريف الاستنباط، المحكم الارتباط. وهو في وضعه مستدير الساحة، بدري المساحة. قد صنع من شقاق الكتّان الموضونة، وفضلاته الفاضلة المصونة. وضوعفت طاقاته، وحذيت حذو القذّة بالقذّة مسافاته. وأظهر النصّاحون في خياطته النصائح، وظاهر المراوح منهم المغادي والمعادي

المراوح. وأعملوا فيه نبات الوخز غائصة غوص الأذهان، أخذ من الألسنة الفاتقة رتوق البيان. ترسل خيوطها أسرع من البريق وتغادر الأنامل وكأنّها أفراس رهان تبارت في لا سبق، عارفة كالأصولي بالجرح إلا أنها جاهلة بالفرق. ضيّقة العيون كالأتراك، ناحلة الجسوم كالعابدين النسّاك، إلا أنّها تبيّن لها الخيط الأبيض لا تدين بالإمساك. فالتأمت أجزاؤه أحسن الالتئام، والتحمت على وفق الإبداع أجمل الالتحام. وتجانست أنحاؤه وتطابقت، وتناسبت ميامنه ومياسره وتوافقت. وجمع بشرائطه شرائط الكمال، واختار من لونه وهو البياض طراز الجمال. وصنعت له عمد مثقفة كالقداح، موشاة كأثواب الخود الرداح. بأسافلها زجاج حديد كبير الأجرام، تشقّ الأرض شقّ الغرام قلب المستهام. وتقرّ في الترب كأنها جذور النخل الباسقة، وعروق الأزرة السامية السامقة. فتقف تلك العمد متناسقة الصفوف، جائبة لمعنى في غيرها وزهى الملك منها بصحيفة دلّ على شرف ما فيها عنوانها. ذات الاطناب التي تمتد امتداد أشعة الشمس، وتحل أوتادها من الأرض محل النفس من الجسم والسر من النفس. قائمة لفارس كإيوان كسرى، مزدانة بأنواره التي هي أفخر من أنوار البدر وأسرى. ويتصل بها البيت الأعظم الذي كاد يبلغ الفرقدين، وتصير ذات العماد منه إلى ذي العمادين. بديع المحاسن جميل المسافر، بهي المناظر، زكي المخابر. وسيع مقام الاستضراب، ممتد شأو الاستنخاب. وتتّصل به القبّة التي هي ثالثة التعزيز، وسمة شرف التمييز. ذات الحسن الفائق، والجمال الرائق. والشكل البديع، والاستنباط المرضى التأصيل والتفريع. وبغربي هذه المساكن خيمة الشعر التي أعجز وصفها الشعراء، وأنست بألوانها وبدائع صنعتها وشي صنعاء. قريبة التداني، منيفة على أوثق المباني، مستطيلة الشكل كالفجر الأول، مستطيرة الذكر المنزّهة عن التداني، وخلال الأقيال (العياهلة) الذين فازوا من دنياهم بنيل الأماني. وفي أفراق السعيد من الأخبية والبيوت ما يشابه الكواكب في جمالها وازدحامها، ويشابه العقود النفائس في حسنها وانتظامها. كل ذلك مما نشأ في مظاهر الإبداع والإتقان، وصنع في أسعد الأوقات والأزمان. واستفرغ في تنجيده الوسع، ونعم برؤيته البصر وبوصفه السمع. وأمام باب أفراق قبّة الجلوس وهي قبّة ليست بالكبيرة إلّا أنّها في غاية الاحتفال،

مشتملة بالمحاسن أحسن الاشتمال. وفيها مرتبة الملك العزيز التمكين، أحسن من طاقات السوسان والنسرين. وهي مستندة إلى ألواح تتصل بلطائف الصنعة، وتتلاءم أجزاؤها فتصير سورا ظاهر المنعة. وقد أودعها الدّهانون عجائب اشغالهم. وأظهروا بالفعل ما كان بالقوة في خيالهم حتى شمل الاتقان جميع ما تقع عليه الأبصار، وتتشوّف إليه الأفكار، واستوضحت الحكم التي استتبعت بها الأسرار. ويستقدم قبّة الجلوس مجال يقيد الألحاظ، وتقف على ذكر محاسنه الألفاظ. وبه طريق الخليفة إذا خرج من مضاربه إلى حياة الساقة، التي قامت قيام الجبل الرفيع الذروة، والحديقة الملتفّة بأعلى الربوة. مرسلة أطنابها إرسال شآبيب الأمطار، رافعة عمدها الثابت الذي كاد كالحروف. فتنتشر المرواقات على أعطافها، وتتكاشف بمواطن استشرافها. حتى تحيط بالبقعة المتخيّرة لنزول خير الملوك، والمنزّل المطهر الذي يحوز بسلوك الإمام عليه بركة أهل السلوك. سور عظيم يعارض مهاب الرياح، ويسمو سمو الحبا على الراح. ويزاحم الجو بمناكبه، ويكاتب البروق المومضة بكوائبه. وله شرفات من الرقاع الزرق تباهي ألوان السحاب، والعيون المناسبة في حجر الروض أحسن الانتساب. وله بابان أحدهما جوفي وهو المسمى بباب الصرف، وهو مفتوح لبيت علا سمكه علو السماك، وأشرف على المحلّة إشراف البدر المنوّر الأحلاك. وأعرب عن الفخامة الثابتة الدلائل، والجلالة الرفيعة المنازل، والضخامة التي أنافت على الملوك الأوائل. والباب الثاني بقبلية أمام البرج الذي كاد يبلغ عنان السماء، ويزحم النجوم المختومة كؤوسها بمسك الظلماء. وهو مربّع الشكل، محتفل العلو والسفل، دواخل حيطانه أبدع من الروض غب العهاد، وأحسن من تحلّيات الخريدة ولا غرو فهي منوطة بالعماد. فسيح مجال الأطناب، عالي مسادل الجلباب. شديد الأركان، يفوق شامخ البنيان. سام على الهضاب، دافع في صدور السحاب. قابض بأعنّة الرياح الهوج، مشرف كغوارب القلائص العوج. قد لبس أثواب الهيئة وجرّ برودها، وصدع بأنوار العزّ وأبدى صعودها. وزهى بجامور تحسد الثريا اجتماع تفافيحه، ويود الشفق لو كان بعض ذوائبه المرسلة إلا هزّ ريحه. وفي جوفه حائط من الخشب يروق الأبصار بريقه، ويفوق الوشي اليماني تنميقه. حسن المساق، جميع الاستنساق تجتمع أجزاءه بعد الافتراق، وتعود بعد الانخرام للانتظام والاتّساق.

وثيقة تأسيس مسجد مالديف

وفيه جملة أبواب محكمة الصنائع، مفيضة بقداح البدائع، آخذة بأزمّة العيون إلى حسنها الرائع، قائمة على قلب القلوب بجمالها الموفور البضائع. وكلّها موصد مغلق إلا الباب الذي بجهة الشرق فإنه معدّ لدخول الخليفة، ومواطئ أقدامه الشريفة، مخصوص بالولوج إلى المواقف العالية المنيفة، والحواضر التي احتوت على أسرار الحسن اللطيفة. ومن هنالك يشرع إلى باب أفراق الثاني الذي به مساكن الخلافة ومضاربها، ومسارح ربّات خدوره ومساربها. ويوالي باب أفراق الثاني القبّة العظمى التي ظهرت كقوس قزح ألوانها يلحق بالكوكب السيّار. قد أحكمت بدواخله الحرائم البديعة الاختراع، والتوارق العجيبة التي استمتع الحسن بها أعظم الاستمتاع. وبها أيضا مرتبة الملك بيضاء عالية كالصبح، مكتنفة في كل الأوقات بالنصر والفتح. يحلّها البدر فتجلي الأحلاك لكن بانتسامه، ويستقر بأعلاها البحر فيرسل الدرّ لكن من كلامه، وتروي عن سهل لكن من خلائقه وعن كثير لكن من أنعامه، «وتشاهد منه ثالث العمرين لكن عند تنفيذ أحكامه» ونصر الدّين بالماضيين لسانه وحسامه. ويمقربة من قبّة الجلوس بالجهة الشرقية يضرب الجامع الذي امتدت له الأسباب، وسرّ بالدخول في المحراب منه المحراب. وبه استقرار الحزّابين والمؤذنين من مرتبين لقراءة القرآن، وحفظ أوقات الصلوات بالآذان، وإقامة شعائر الإسلام والإيمان. وثيقة تأسيس مسجد مالديف عن حديثه حول الخطوط التي قرآها وهو يزور الجامع الأعظم في مالديف نسوق النص الكامل لهذا النقش كما وقفنا عليه بالعيان. 1) السطر الأول: أمر ببناء هذا المسجد المبارك الجامع لله تعالى السلطان درمس محمد بن عبد الله وأخوه سيري كلؤ؟ رحمة الله عليهم أجمعين وأمر الوزير شنورازاه ببنائه، فبنا وعمّر رحمة الله عليه ووصل في هذا البلد أبو البركات. 2) السطر الثاني: يوسف؟ البربري وأسلم على يديه في شهر ربيع الآخر في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة فقدم وأمر بعمارة هذا المسجد الجامع لله عزّ وجلّ مولانا السلطان

ابن السلطان: شهاب الدين أحمد بن أبي الفتح جلال الدين عمر بن صلاح الدين خلد الله أعماله وأمر الوزير. 3) السطر الثالث: شنورازه؟ الدين علي بن أبي الفرج الصلاحي بعمارته فبنى وعمر وقام فيه بحمد الله وشكر وفرغ من عمارته في شهر ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين؟ وسبعمائة من الهجرة النبوية على صاحبها السلام.

أكاديمية السلطان أبي عنان

أكاديمية السلطان أبي عنان عن المجلس العلمي المشار إليه في 342 IV نذكر ما يلي نقلا عن شرح الموقت الجاديري (ت 839) لبردة البوصيري. وقد تعمدنا ايراد هذا الملحق لأنه يعطي صورة عن الحياة الفكرية بفاس على عهد السلطان أبي عنان، ثم هو يقدم لنا نخبة من العلماء الذين تعددت اختصاصاتهم وتنوعت حقول معارفهم بين فقيه وقاض وأديب وخطيب وموقت ومفتي وفيلسوف ودبلوماسي وسياسي ومهندس ورياضي ومقرئ ومتصوف وموثق ومؤرخ، ومعبّر للرؤيا! علاوة على الرحّالة ابن بطوطة ... إنه مجمع علمي حافل: وهذا الشرح إنما هو مختصر لما ورد في الشرح الحافل لبردة البوصيري الذي ألفه الأمير أبو الوليد إسماعيل ابن الأحمر المتوفى بفاس سنة 807 هـ. قال البوصيري: لعلّ رحمة ربي حين يقسمها ... تأتي على حسب العصيان في القسم لعلّ: كلمة ترج، قال الجوهري: وأصلها عل، واللام في أولها زائدة. قال المرادي: ولعل للترجي في المحبوب والإشفاق في المكروه، ولا يكون إلا في الممكن ولا تكون للتعليل ولا للاستفهام ولا للشك عند البصريين خلافا لمن قال بذلك، وليست مركبة على الأصح، والرحمة: الرقة والتعطف، يقال رحمة ومرحمة، والحين: الوقت، ويقسمها: يهبها. وتأتي: تجيء على حسب على مقدار، والعصيان: ضد الطاعة، والقسم: الحظ والنصيب. معناه: رجا الشيخ رحمه الله من الله تعالى أن تكون رحمته شاملة مستوعبة لجميع المعاصي حين قسمه إياها، وذلك لما جاء في الحديث النبوي: إن الله تعالى يقول:" لو أتاني ابن آدم بقراب ملء الأرض ذنوبا لآتيته بقراب ملء الأرض رحمة. قال شيخنا أبو الوليد: وقد وقع الكلام بين يدي السلطان أمير المؤمنين أبي عنان فارس بن السلطان أبي الحسن بن السلطان أبي سعيد عثمان بن السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني ملك المغرب من مقعد ملكه من المدينة البيضاء من حضرة فاس، بمحضر الفقهاء والعلماء والأساتيذ والقضاة والشرفاء والخطباء وأصحاب العلوم، منهم: 1- الفقيه الإمام المفتي القاضي الخطيب أبو عبد الله محمد بن محمد القرشي التلمساني المقري بمفتح الميم. 2- وشيخنا الإمام الفقيه المدرك المفتي القاضي الخطيب أبو عبد الله محمد بن الفقيه

القاضي الخطيب أحمد بن عبد الملك بن شعيب الفشتالي الصنهاجي الحميري. 3- والفقيه العارف بالفقه أبو عبد الله محمد بن الحسن السدراتي. 4- وشيخنا الفقيه الحاج الخطيب أبو علي عمر بن محمد البطوئي المعروف بابن البحر. 5- والفقيه الإمام المتكلم أبو عبد الله محمد بن أحمد المعافري التلمساني المعروف. 6- وشيخنا الفقيه القاضي الخطيب المفتي أبو العباس أحمد بن محمد بن قاسم الجذامي الفاسي المعروف بالقبّاب. 7- والشريف الفقيه الإمام العالم المتكلم النظار المفتي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي الحسني التلمساني. 8- والفقيه المحدث الحاج الخطيب أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن مرزوق العجيسي. 9- الفقيه الإمام المتكلم النظار القاضي الخطيب أبو عثمان سعيد بن محمد الخزرجي التلمساني المعروف بالعقباني. 10- والفقيه المفتي المدرس العارف بالفقه والفرائض أبو الحسن علي الصرصري الفاسي. 11- والشريف الفقيه القاضي أبو محمد عبد النور بن محمد العمراني الحسني. 12- وصاحبنا الفقيه المفتي أبو إسحاق ابراهيم بن الفقيه المفتي الصالح إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحيم اليزناسني. 13- وشيخنا القاضي الخطيب الكاتب صاحب القلم الأعلى العارف بالفقه والحديث والنحو والأدب أبو القاسم عبد الله بن يوسف بن رضوان الخزرجي المالقي. 14- وشيخنا الفقيه القاضي الخطيب الكاتب أبو القاسم محمد بن يحيى بن محمد الغساني البرجي. 15- وشيخنا الفقيه القاضي المدرس العارف بنوازل الفقيه أبو عبد الله محمد المدعو بأبي خريص بن ياسين الياباني المريني. 16- والفقيه المفتي القائم على حفظ المدونة عبد الرحمن النفزي المعروف بأبي عائشة. 17- وشيخنا الفقيه القاضي الخطيب الحاج الكثير الجولة بالمشرق والمغرب وجميع البلاد محمد بن بطوطة العارف بالتاريخ. 18- والفقيه القاضي العارف بكتاب ابن الحاجب الفرعي المدرس معبّر الرؤيا أبو عبد الله محمد القسمطيني المعرفو بالتمتام. 19- والفقيه المعدل الهندسي الحسابي أبو الحسن علي بن أحمد الصنهاجي الحميري التلمساني المعروف بابن الفحام. 20- وشيخنا الفقيه المدرس المفتي أبو إسحاق إبراهيم بن الفقيه العالم أبي زيد عبد الرحمن بن محمد الحميري التلمساني المعروف بابن الإمام. 21- وأخوه الفقيه المدرس أبو عبد الله محمد.

22- والفقيه الخطيب العارف بكتاب ابن الحاجب الفرعي علي بن منصور بن هدية القرشي التلمساني. 23- وشيخنا الأستاذ النحوي سيبويه زمانه أبو عبد الله بن علي بن حياتي الغافقي الغرناطي. 24- وصاحبنا الفقيه القاضي العارف بالبديع والبيان أبو يحيى محمد بن أبي البركات العياضي السكاك. 25- والأستاذ المقري النحوي محمد المجكسي فارس زمانه. 26- وشيخنا الصوفي الحكيم محمد بن شاطر الجمحي المراكشي. 27- والفقيه الأستاذ العارف بالقراءات والتصوف والنحو محمد بن إبراهيم الموحدي التينملّي المراكشي المعروف بابن الصفار. 28- وشيخنا الفقيه القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الأورّبي الفاسي العارف بالوثائق. 29- والفقيه المدرس مجالس السلطان أحمد بن أبي الفضل ابن الصباغ الخزرجي العارف بالفقه والحديث، الآية في علم التاريخ. قلت: وغير ذلك ممّن تركنا ذكره ويطول به الكتاب في قوله: (لعل رحمة ربي حين يقسمها) البيت. وتردّد بينهم الكلام فيه، فقال مجالس السلطان أبو زيان عريف ابن يحيى العربي السويدي: إذا كانت الرحمة تأتي على حسب العصيان إذا لخسر المحسنون! قال شيخنا: لو كنت حاضرا هناك لقلت مجاوبا له: أما أهل الطاعة ففرارهم عن الذنوب ونبذهم إياها بعراء الترك، وأدبارهم عن المعاصي، وإقبالهم على الطاعة لهو الرحمة الكبرى، والطائع بإحسانه لا يشابه العاصي بإساءته: لشتان ما بين اليزيدين: يزيد بن سليم والأغر بن حاتم «1» .

رسالة إلى الروضة الشريفة

وقد فضّل الله تعالى الصالح على العاصي بقوليه: أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن يجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم، الآية، وقوله: وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء إلى آيات كثيرة في هذا المعنى، لكن لما وقع العصاة في المعصية ولم يجدوا سبيلا لأفعال البر فانكسرت قلوبهم بالوقوع في الحوب، جاءت الأحاديث بما طمعوا به من رحمة الله وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: شفاعتي لأهل الكبائر، وقوله في خبر عن ربنا: أنا عند ظن عبدي فليظنّ بي ما شاء فشاء العصاة لذلك بحروف الرحمة، ولذلك قال الناظم: لعلّ رحمة ربي حين يقسمها ... تأتي على حسب العصيان في القسم ومع ذلك فالرحمة تلحق العاصي بالطائع، وقال بعض المشايخ من الصوفية: إذا بدت عين من عيون الرحمة ألحقت المسيء بالمحسن! وقال تعالى: ورحمتي وسعت كل شيء. رسالة إلى الروضة الشريفة عن الرسالة والقصيدة اللتين بعثهما السلطان أبو عنان إلى سيد المرسلين بخط يده (354 -IV) وحتى نأخذ فكرة عن محتويات مثل هذه الرسائل نأتي هنا- في غياب خطاب أبي عنان- بنموذج مما بعث به ملك غرناطة عن نفح الطيب (ج 5 ص 354 الإحاطة 4، 556) وهو من عمل لسان الدّين ابن الخطيب إثر نظم كما نذكر بأن هذه الرسائل كانت تلقى أمام الضريح قبل خزنها. إذا فاتني ظلّ الحمى ونعيمه ... فحسب فؤادي أن يهبّ نسيمه ويقنعني أنّى به متكنّف ... فزمزمه دمعي، وجسمي حطيمه يعود فؤادي ذكر من سكن الغضا ... فيقعده فوق الغضا ويقيمه ولم أر شيئا كالنّسيم إذا سرى ... شفى سقم القلب المشوق سقيمه نعلّل بالتذكار نفسا مشوقة ... ندير عليها كأسه ونديمه وما شفني بالغور قدّ مرنّح ... ولا شاقني من وحش وجرة ريمه ولا سهرت عيني لبرق ثنيّة ... من الثغر يبدو موهنا فأشيمه براني شوق للنبيّ محمد ... يسوم فؤادي برحه ما يسومه

ألا يا رسول الله ناداك ضارع ... على النأي محفوظ الوداد سليمه مشوق إذا ما الليل مدّ رواقه ... تهمّ به تحت الظّلام همومه إذا ما حديث عنك حاءت به الصّبا ... شجاه من الشّوق الحثيث قديمه أيجهر بالنّجوى وأنت سميعها ... ويشرح ما يخفي وأنت عليمه ونعوزه السقيا، وأنت غياثه ... وتتلفه الشّكوى، وأنت رحيمه بنورك نور الله قد أشرق الهدى ... فأقماره وضّاحة ونجومه لك انهلّ فضل الله بالأرض ساكبا ... فأنواؤه ملتفّة وغيومه ومن فوق أطباق السماء بك اقتدى ... خليل الّذي أوطاكها وكليمه لك الخلق الأرضى الذي جلّ ذكره ... ومجدك في الذكر العظيم عظيمه يجلّ مدى علياك عن مدح مادح ... فموسر درّ القول فيك عديمه ولي يا رسول الله فيك وراثة ... ومجدك لا ينسى الذمام كريمه وعندي إلى أنصار دينك نسبة ... هي الفخر لا يخشى انتقالا مقيمه وكان بودّي أن أزور مبوّأ ... بك افتخرت أطلاله ورسومه وقد يجهد الإنسان طرف اعتزامه ... ويعوزه من بعد ذاك مرومه وعذري في تسويف عزمي ظاهر ... إذا ضاق عذر العزم عمّن يلومه عدتني بأقصى الغرب عن تربك العدا ... جلالقة الثغر الغريب ورومه أجاهد منهم في سبيلك أمة ... هي البحر يعيي أمرها من يرومه فلولا اعتناء منك يا ملجأ الورى ... لريع حماه واستبيح حريمه فلا تقطع الحبل الذي قد وصلته ... فمجدك موفور النوال عميمه وأنت لنا الغيث الذي نستدرّه ... وأنت لنا الظلّ الذي نستديمه ولمّا نأت داري وأعوز مطمعى ... وأقلقني شوق يشبّ جحيمه بعثت بها جهد المقلّ معوّلا ... على مجدك الأعلى الذي جلّ خيمه وكلت بها همي وصدق قريحتي ... فساعدني هاء الرويّ وميمه فلا تنسى يا خير من وطئ الثرى ... فمثلك لا ينسى لديه خدمه عليك صلاة الله ماذّر شارق ... وما راق من وجه الصباح وسمه «إلى رسول الحق إلى كافة الخلق، وغمام الرحمة الصادق البرق، الحائز في ميدان

اصطفاء الرحمن قصب السّبق، خاتم الأنبياء، وإمام ملائكة السماء، ومن وجبت له النبوّة وآدم بين الطين والماء، شفيع أرباب الذنوب، وطيب أدواء القلوب، والوسيلة إلى علّام الغيوب، نبي الهدى الذي طهر قلبه، وغفر ذنبه، وختم به الرسالة ربه، وجرى في النفوس مجرى الأنفاس حبّه، الشفيع المشفع يوم العرض، المحمود في ملإ السماء والأرض، صاحب اللواء المنشور يوم النشور، والمؤتمن على سرّ الكتاب المسطور، ومخرج الناس من الظلمات إلى النور، المؤيد بكفاية الله وعصمته، الموفور حظّه من عنايته ونعمته، الظل الخفاق على أمّته، من لو حازت الشمس بعض كماله ما عدمت إشراقا، أو كان للآباء رحمة قلبه ذابت نفوسهم إشفاقا، فائدة الكون ومعناه، وسر الوجود الذي يبهر الوجود سناه، وصفيّ حضرة القدس الذي لا ينام قلبه إذا نامت عيناه، البشير الذي سبقت له البشرى، ورأى من آيات ربّه الكبرى، ونزل فيه سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى من الأنوار من عنصر نوره مستمدّة، والآثار تخلق وآثاره مستجدّة، من طوي بساط الوحي لفقده، وسدّ باب الرسالة والنبوّة من بعده، وأوتي جوامع الكلم فوقفت البلغاء حسرى دون حدّه، الذي انتقلض في الغرر الكريمة نوره، وأضاءت لميلاده مصانع الشام وقصوره، وطفقت الملائكة تجيئه وفودها ونزوره، وأخبرت الكتب المنزلة على الأنبياء وصفاته، وأخذ عهد الإيمان به على من اتصلت بمبعثه منهم أيام حياته، المفزع الأمنع يوم الفزع الأكبر، والسند المعتمد عليه في أهوال المحشر، ذو المعجزات التي أثبتتها المشاهدة والحس، وأقرّ بها الجنّ والإنس، من جماد يتكلّم، وجذع لفراقه يتألّم، وقمر له ينشقّ، وحجر يشهد أن ما جاء به هو الحق، وشمس بدعائه عن مسيرها تحبس، وماء من بين أصابعه يتبجّس، وغمام باستسقائه يصوب، وطويّ بصق في أجاجها فأصبح ماؤها وهو العذب المشروب، المخصوص بمناقب الكمال وكما المناقب، المسمى بالحاشر العاقب، ذو المجد البعيد المرامي والمراقب، أكرم من رفعت إليه وسيلة المعترف المغترب، ونجحت لديه قربة البعيد المقترب، سيد الرسل محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، الذي فاز بطاعته المحسنون، واستنقذ بشفاعته المذنبون، وسعد باتباعه الذي لا خوف عليهم ولا هم يخزنون صلى الله وسلّم ما لمع برق، وهمع ودق، وطلعت شمس، ونسخ اليوم أمس: «من عتيق شفاعته، وعبد طاعته، المعتصم بسببه، المؤمن بالله ثم به، المستشفي بذكره كلّما تألم، المفتتح بالصلاة عليه كلّما تكلّم، الذي إن ذكر تمثل طلوعه بين أصحابه وآله، وإن هبّ النسيم العاطر وجد فيه طيب خلاله، وإن سمع الأذان تذكر صوت بلاله، وإن ذكر القرآن تردّد جبريل بين معاهده وخلاله، لاثم تربه، ومؤمل قربه، ورهين طاعته وحبّه، المتوسل به إلى رضى الله ربّه، يوسف بن إسماعيل بن نصر: «كتبه إليك يا رسول الله والدمع ماح، وخيل الوجد ذات جماح، عن شوق يزداد كلّما

نقص الصبر، وانكسار لا يتاح له إلّا بدنوّ مزارك الجبر، وكيف لا يعني مشوقك الأمر، وتوطأ على كبده الجمر، وقد مطلت الأيام ابلقدوم على تربك المقدسة اللحد، ووعدت الآمال ودانت بإخلاف الوعد، وانصرفت الرفاق والعين بنور ضريحك ما اكتحلت، والركائب إليك ما رحلت، والعزائم قالت وما فعلت، والنواظر في تلك المشاهد الكريمة لم تسرح، وطيور الآمال عن وكور العجز لم تبرح، فيالها من معاهد فاز من حيّاها، ومشاهد ما أعطر ريّاها، بلاد نيطت بها عليك التمائم «1» ، وأشرقت بنورك منها النجود والتهائم، ونزل في حجراتها عليك الملك، وانجلى بضياء فرقانك فيها الحلك، مدارس الآيات والسور، ومطالع المعجزات السافرة الغرر، حيث قضيت الفروض وحتمت، وافتتحت سورة الرحمن وختمت، ابتدئت الملّة الحنيفيّة وتممت، ونسخت الآيات وأحكمت: «أما والذي بعثك بالحق هاديا، وأطلعك للخلق نورا باديا، لا يطفئ غلّتي إلّا شربك، ولا يسكن لوعتي إلا قربك، فما أسعد من أفاض من حرم الله إلى حرمك، وأصبح بعد أداء ما فرضت عن الله ضيف كرمك، وعفّر الحدّ في معاهدك ومعاهد أسرتك، وتردد ما بين داري بعتتك وههرتك، وإنّي لما عاقتني عن زيارتك العوائق، وإن كان شغلي عنك بك، وعدتني الأعداء فيك عن وصل سبي بسببك، وأصبحت بين بحر تتلاطم أمواجه، وعدوّ تتكاثف أفواجه، ويحجب الشمس عند الظهيرج عجاجه- في طائفة من المؤمنين بك وطنّوا على الصبر نقوسهم، وجعلوا التوكل على الله وعليك لبوسهم، ورفعوا إلى مصارختك رؤوسهم، واستعذبوا في مرضاة الله تعالى ومرضاتك بوسهم، يطيرون من هيعة إلى أخرى، ويلتفتون والمخاوف عن يمنى ويسرى، ويقارعون وهم الفئة القليلة جموعا كجموع قيصر وكسرى، لا يبلغون من عدوّ هو الذرّ عند انتشاره، عشر معشاره، قد باعوا من الله تعالى الحياة الدنيا، لأن تكون كلمة الله تعالى هي العليا، فيا له من سرب مروع، وصريخ إلا منك ممنوع، ودعاء إلى الله وإليك مرفوع، وصبية حمر الحواصل، تخفق فقو أوكارها أجنحة المناصل، والصليب قد تمطّى فمدّ ذراعيه، ورفعت الأطماع بضبعيه، وقد حجبت بالقتام السماء، وتلاطمت أمواج الحديد، والبأس الشديد، فالتقى الماء، ولم يبق إلا الدّماء، وعلى ذلك فما ضعفت البصائر ولا ساءت الظنون، وما وعد به الشهداء تعتقده القلوب حتى تكاد تشاهده العيون، إلى أن نلقاك غدا إن شاء الله تعالى وقد أبلينا العذر، وأرغمنا الكفر، وأعملنا في سبيل الله تعالى وسبيلك البيض والسّمر- استنبت «2» رقعتي هذه لتطير إليك من شوقي بجناح خافق، وتسعد من نيتي التي تصحبها برفيق موافق، فتؤدّي عن عبدك وتبلّغ، وتعفّر الحدّ في تربك وتمرّغ،

وتطيّب بريّا معاهدك الطاهرة وبيوتك، وتقف وقوف الخضوع والخشوع تجاه تابوتك، وتقول بلسان التملّق، عند التشتيت بأسبابك والتعلّق، منكسرة الطرف، حذرا بهرجها من عدم الصرف: يا غياث الأمة، وغمام الرحمة، ارحم غربتي وانقطاعي، وتغمد بطولك قصر باعي، وقوّ على هيبتك خور طباعي، فكم جزت من لج مهول، وحبت من حزون وسهول، وقابلع بالقبول نيابتي، وعجّل بالرضى إجابتي، ومعلوم من كمال تلك الشّيم، وسجاياتيك الديم، أن لا يخيب قصد من حط بفنائها، ولا يظمأ وارد أكبّ على إنائها. «اللهم يا من جعلته أول الأنبياء بالمعنى وآخرهم بالصورة، وأعطيته لواء الحمد يسير آدم فمن دونه تحت ظلاله المنشورة، وملكت أمته ما زوي له من زوايا البسيطة المعمورة، وجعلتني من أمته المجبولة على حبّه المفطورة، وشوّقتني إلى معهاده المبرورة، ومشاهده المزورة، ووكلت لساني بالصلاة عليه، وقلبي بالحنين إليه، ورغبتي بالتماس مالديه، فلا تقطع منه أسبابي، ولا تحرمني من حبّة ثوابي، وتداركني بشفاعته يوم أخذ كتابي. «هذه يا رسول الله وسيلة من بعدت داره، وشطّ مزاره، ولم يجعل بيده اختياره. فإن لم تكن «3» للقبول أهلا فأنت للأغضاء والسماح أهل، وإن كانت ألفاظها وعرة فجنابك للقاصدين سهل، وإن كان الحب يتوارث كما أخبرت، والعروق تدس حسبما إليه أشرت، فلي بانتسابي إلى سعد عميد أنصارك مزية، ووسيلة أثيرة حفية، فإن لم يكن لي عمل ترتضيه فلي نيّة، فلا تنسي ومن بهذه الجزيرة المفتتحة بسيف كلمتك، على أيدي خيار أمتك، فإنّما نحن بها وديعة تحت بعض أقفالك، نعوذ بوجه ربّك من إغفالك، ونستنتشق من ريح عنايتك نفحة، ونرتقب من محيّا قبولك لمحة، ندافع عدوّا طغى وبغى، وبلغ من مضايقتنا ما ابتغى، فمواقف التمحيص قد أعيتض من كتب وورّخ، والبحر قد أصمت من استصرخ، والطاغية في العدوان مستبصر، والعدو ملحق والولي مقصر، ويجاهك ندفع ما لا نطيق، وبعنايتك نعالج سقيم الدين فيفيف، فلا تفردنا ولا تهملنا، وناد ربّك فينا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا (البقرة: 276) ، وطوائف أمتك حيث كانوا عناية منك تكفيهم، وربك يقول لك وقوله الحق وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (الأنفال: 23) والصلاة والسلام عليك يا خير مضن طاف وسعى، وأجاب داعيا إذا دعا، وصلى الله على جميع أحزابك وآلك، صلاة تليق بجلالك، وتحق لكمالك، وعلى ضجيعيك وصديقيك، وحبيبتك ورفيقيك، وخليفتك في أمتك، وفاروقك المستخلف بعده على جلتك، وصهرك ذي النورين المخصوص ببرك ونحلتك، وابن عمك سيفك المسلول على حلتك، بدر سمائك ووالد أهلتك، والسلام الكريم عليك وعليهم كثيرا أثيرا ورحمة الله تعالى وبركاته، وكتب بحضرة جزيرة الأندلس غرناطة، صانها الله تعالى ووقاها، ودفع عنها ببركتك كيد عداها» انتهت الرسالة.

وكتب أيضا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على لسان مخدومه السلطان الغني بالله محمد ابن السلطان أبي الحجاج- رحم الله تعالى الجميع- ما صورته (الإحاطة 4، 536) دعاك بأقصى المغربين غريب ... وأنت، على بعد المزار، قريب مدلّ بأسباب الرجاء وطرفه ... غضيض على حكم الحياء مريب يكلف قرص البدر حمل تحية ... إذا ما هوى والشمس حين تغيب لترجع من تلك المعالم غدوة ... وقد ذاع من ردّ التحية طيب ويستودع الريح الشمال شمائلا ... من الحبّ لم يعلم بهن رقيب ويطيب في جيب الجيوب جوابها ... إذا ما أطلّت والصباح جنيب ويستفهم الكفّ الخضيب ودمعه ... غراما بحنّاء النجيع خضيب ويتبع آثار المطيّ مشيّعا ... وقد زمزم الحادي وحنّ نجيب إذا أثر الأخفاف لاحت محاربا ... يخرّ عليها راكعا وينيب ويلقي ركاب الحجّ وهي قوافل ... طلاح وقد لبّى النداء لبيب فلا قول إلا أنّه وتوجّع ... ولا حول إلا زفرة ونحيب غليل ولكن من قبولك منهل ... عليل ولكن من رضاك طبيب ألا ليت شعري والأمانيّ ضلّة ... وقد تخطىء الآمال ثمّ تصيب أينجد نجد بعد شحط مزاره ... ويكثب بعد البعد منه كثيب وتقضى ديوني بعد ما مطل المدى ... وينفذ بيعي والمبيع معيب وهل أقتضي دهري فيسمح طائعا ... وأدعو بحظي مسمعا فيجيب ويا ليت شعري هل لحومي مورد ... لديك؟ وهل لي في رضاك نصيب؟ ولكنّك المولى الجواد وجاره ... على أيّ حال كان ليس يخيب وكيف يضيق الذّرع يوما بقاصد ... وذاك الجناب المستجار رحيب وما هاجني إلا تألّق بارق ... يلوح بفود الليل منه مشيب ذكرت به ركب الحجاز وجيزة ... أهاب بها نحو الحبيب مهيب فبتّ وجفني من لآليء دمعه ... غنيّ وصبري للشجون سليب ترنحني الذكرى ويهفو بي الجوى ... كما مال غضن في الرياض رطيب وأحضر تعليلا لشوقي بالمنى ... ويطرق وجد غالب فأغيب مرامي، لو أعطي الأمانيّ، زورة ... يبثّ غرام عندها ووجيب فقول حبيب إذ يقول تشوّقا ... عسى وظن يدنو إليّ حبيب

تعجبت من سيفي وقد جاور الغضا ... بقلبي فلم يسبكه منه مذيب وأعجب أن لا يورق الرمح في يدي ... ومن فوقه غيث المشوق سكيب فيا سرح ذاك الحيّ لو أخلف الحيا ... لأغناك من صوب الدموع صبيب ويا هاجر الجوّ الجديب تلبّثا ... فعهدي رطب الجانبين خصيب ويا قادح الزند الشّحاح ترفّقا ... عليك فشوقي الخارجيّ شبيب أيا خاتم الرسل المكين مكانه ... حديث الغريب الدار فيك غريب فؤادي على جمر البعاد مقلّب ... يماح عليه للدموع قليب فو الله ما يزداد إلا تلهّبا ... أأبصرت ماء ثارض عنه لهيب فليلته ليل السّليم ويومها ... إذا شدّ للشوق العصاب عصيب هواي هدى فيك اهتديت بنوره ... ومنتسبي للصحب منك نسيب وحسبي على أني لصحبك منتم ... وللخزرجييّين الكرام نسيب عدت عن مغانيك المشوقة للعدا ... عقارب لا يخفي لهنّ دبيب حراص على إطفاء نور قدحته ... فمستلب من دونه وسليب فكم من شهيد في رضاك مجدّل ... يظلله نسر ويندب ذيب تمرّ الرياح الغفل فوق كلومهم ... فتعبق من أنفاسها وتطيب بنصرك عنك الشغل من غير منّة ... وهل يتساوى مشهد ومغيب فإن صحّ منك الحظّ طاوعت المنى ... ويبعد مرمى السهم وهو مصيب ولولاك لم يعجم من الروم عودها ... فعود الصليب الأعجميّ صليب وقد كانت الأحوال، لولا مراغب ... ضمنت ووعد بالظهور، تريب فما شئت من نصر عزيز وأنعم ... أثاب بهنّ المؤمنين مثيب منابر عزّ أذّن الفتح فوقها ... وأفصح للعضب الطرير خطيب نقود إلى هيجائها كلّ صائل ... كما ريع مكحول اللحاظ ربيب ونجتاب من سرد اليقين مدراعا ... يكفّتها من يجتني ويثيب إذا اضطرب الخطّيّ حول غديرها ... يروقك منها لجّة وقضيب فعذرا وإغضاء ولا تنس صارخا ... بعزّك يرجو أن يجيب مجيب وجاهك بعد الله نرجو، وإنّه ... لحظّ مليء بالوفاء رغيب عليك صلاة الله ما طيّب الفضا ... عليك مطيل بالثناء مطيب وما اهتزّ قدّ للغصون مرنّح ... وما افترّ ثغر للبروق شنيب «إلى حجّة الله تعالى المؤيدة ببراهين أنواره، وفائدة الكون ونكتة أدواره، وصفوة نوع

البشر ومنتهى أطواره، إلى المجتبي وموجود الوجود لم يغن بمطلق الوجود عديمه، المصطفى من ذرية آدم قبل أن يكسو العظام أديمه، المحتوم في القدم، وظلمات العدم، عند صدق القدم، تفضيله وتقديمه، إلى وديعة النور المنتقل في الجباه الكريمة والغرر، ودرة الأنبياء التي لها الفضل على الدّرر، وغمام الرحمة الهامية الدّرر، إلى مختار الله تعالى المخصوص باجتبائه، وحبيبه الذي لم المزية على أحبائه، وذرية أنبياء الله تعالى آبائه، إلى الذي شرح صدره وغسله، ثم بعثه واسطة بينه وبين العباد وأرسله، وأتمّ عليه إنعامه الذي أجزله، وأنزل عليه من الهدى والنور ما أنزله، إلى بشرى المسيح والذبيح، ومن لهم التّجر الربيح، المنصور بالرعب والريح، المخصوص بالنسب الصريح، إلى الذي جعله في المحول غماما، وللأنبياء إماما، وشقّ صدره لتلقّي روح أمره غلاما، وأعلم به في التوراة والإنجيل إعلاما، وعلم المؤمنين صلاة عليه وسلاما، إلى الشفيع الذي لا تردّ في العصاة شفاعته، والوجيه الذي قرنت بطاعة الله تعالى طاعته، والرؤوف الرحيم الذي خلصت إلى الله تعالى في أهل الجرائم ضراعته، صاحب الآيات التي لا يسع ردها، والمعجزات التي أربى على الألف عدها، فمن قمر شقّ، وجذع حن له وحق، وبنان يتفجّر بالماء، فيقوم بريّ الظماء، وطعام يشبع الجمع الكثير يسيره، وغمام يظلّل به مقامه ومسيره، خطيب المقام المحمود إذا كان العرض، وأول من تنشقّ عنه الأرض، ووسيلة الله تعالى التي لولاها ما أقرض القرض، ولا عرف النفل والفرض، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف المحمود الخلال من ذي، الشاهد بصدقه صحف الأنبياء وكتب الأرسال، وآياته التي أثلجت القلوب ببرد اليقين السلسال، صلى الله وسلّم ما ذرّ شارق، وأومض بارق، وفرق بين اليوم الشامس والليل الدامس فارق، صلاة تتأرج على شذا الزّهر، وتتبلّج عن سنا الكواكب الزّهر، وتتردد بين السر والجهر، وتستغرق ساعات اليوم وأيام الشهر، وتدوم بدوام الدهر: «من عبد هداه، ومستقري مواقع نداه، ومزاحم أبناء أنصاره في منتداه، وبعض سهامه المفوقة إلى نحور عداه، مؤمّل العتق من النار بشفاعته، ومحرز طاعة الجبّار بطاعته، الآمن باتصال رعيه من إهمال الله تعالى وإضاعته، متخذ الصلاة عليه وسائل نجاة، وذخائر في الشدائد مرتجاة، متاجر بضائعها غير مزجاة، الذي ملأ بحبّه جوانح صدره، وجعل فكره هالة لبدره، وأوجب حقّه على قدر العبد لا على قدره، محمد بن يوسف بن نصر الأنصاري الخزرجي، نسيب بعد سعد بن عبادة من أصحابه، وبوارق سحابه، وسيوف نصرته، وأقطاب دار هجرته، ظلّله الله تعالى يوم الفزع الأكبر من رضاك عنه بظلال الأمان، كما أنار قلبه من هدايتك بأنوار الهدى والإيمان، وجعله من أهل السياحة في فضاء حبّك والهيمان: «كتبه إليك يا رسول الله- واليراع تقتضي الهيبة صفرة لونه، والمداد يكاد أن يحول سواد جونه، وورقة الكتاب يخفق فؤادها حرصا على حفظ اسمك الكريم وصونه، والدمع

يقطر فتنقط به الحروف وتفصل الأسطر، وتوهّم المثول بمثواك المقدس لا يمر بالخاطر سواه ولا يخطر، عن قلب بالبعد عنك قريح، وجفن بالبكاء جريح، وتأوّه عن تبريح، كلّما هبّ من أرضك نسيم ريح، وانكسار ليس له إلا جبرك، واغتراب لا يؤنس فيه إلا قربك، وإن يقض فقبرك، وكيف لا يسلم في مثلها الأسى، ويوحش الصباح والمسا، ويرجف جبل الصبر بعدما رسا، لولا لعلّ وعسى، فقد سارت الركبان إليك ولم يقض مسير، وحومت الأسراب عليك والجناح كسير، ووعدت الآمال فأخلفت، وحلفت العزائم فلم تف بما حلفت، ولم تحصل النفس من تلك المعاهد ذات الشرف الأثيل، إلّا على التمثيل، ولا من المعالم الملتمسة التنوير، إلّا على التصوير، مهبط وحي الله تعالى ومتنزل أسمائه، ومتردّد ملائكة سمائه، ومدافن أوليائه، وملاحد أصحاب خيرة أنبيائه، رزقني الله تعالى الرضى بقضائه، والصّبر على جاحم البعد ورمضائه- من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى دار ملك الإسلام بالأندلس قاصية سيلك، ومسحبة رجلك يا رسول الله وخيلك، أنأى مطارح دعوتك ومساحب ذيلك، حيث مصافّ الجهاد في سبيل الله وسبيلك قد ظللها القتام، وشهبان الأسنّة أطلعها منه الإعتام، وأسواق بيع النفوس من الله تعالى قد تعدد بها الأيامى والأيتام، حيث الجراح قد تحلت بعسجد نجيعها النحور، والشهداء تحفّ بها الحور، والأمم الغريبة قد قطعها عن المدد البحور، حيث المباسم المفترّة، تجلوها المصارع البرّة، فتحييها بالعراء ثغور الأزاهر، وتندبها صوادح الأدواح برنّات تلك المزاهر، وتحلّي السحاب أشلاءها المعطّلة من ظلّها بالجواهر، وحيث الإسلام من عدوّه المكابد بمنزلة قطرة من عارض غمام، وحصاة من ثبير أو شمام، وقد سدت الطريق، وأسلم الفراق الفريق، وأغصّ الرّيق، ويئس من الساحل الغريق، إلا أن الإسلام بهذه الجهة المتمسكة بحبل الله تعالى وحبلك، المهتدية بأدلّة سبلك، سالم والحمد لله تعالى من الانصداع، محروس فيه وجود الطوائف المضلّة، وإلا ما يخص الكفر من هذه العلّة، والاستظهار على جمع الكثرة من جموعه بجمع القلة. «ولهذه الأيام يا رسول الله أقام الله تعالى أوده برّا بوجهك الوجيه ورعيا، وإنجازا لوعدك وهو الذي لا يحلف وعدا ولا يخيب سعيا، وفتح لنا فتوحا أشعرتنا برضاه عن وطننا الغريب، وبشّرتنا منه تعالى بغفر التقصير ورفع التثريب، ونصرنا وله المنّة على عبدة الصليب، وجعل لألفنا الرّديني ولا منا السّردي حكم التغليب، وإذا كانت الموالي التي طوّقت الأعناق مننها، وقررت العوائد الحسان سيرها وسننها، تبادر إليها نوّابها الصرحاء وخدامها النصحاء بالبشائر، والمسرات التي تشاع في العشائر، وتجلو لديها نتائج أيديها، وغايات مباديها، وتتاحفها وتهاديها، بمجاني جناتها وأزاهر غواديها، وتطرف محاضرها بطرف بواديها، فبابها يا رسول الله أولى بذلك وأحقّ، ولك الحق الحق، والحرّ منّا عبدك المسترق، حسبما سجّله الرق، وفي رضاك من كل من يلتمس رضاه المطمع، ومثواك المجمع، وملوك

الإسلام في الحقيقة عبيد سدّتك المؤملة، وخول مثابتك المحسنة بالحسنات المجملة، وشهب تعشو إلى بدورك المكملة، وبعض سيوفك المقلّدة في سبيل الله تعالى المحملة، وحرسه مهادك، وسلاح جهادك، وبروق عهادك. «وإن مكفول احترامك الذي لا يخفر، وربيّ إنعامك الذي لا يكفر، وملتحف جاهك الذي يمحى ذنبه بشفاعتك إن شاء الله تعالى ويغفر، يطالع روضة الجنّة المفتحة أبوابها بمثواك، ويفاتح صوان القدس الذي أجنّك وحواك، وينثر بضائع الصلاة عليك بين يدي الضريح الذي طواك، ويعرض جنى ما غرست ويذرت، ومصداق ما بشرت به لما بشرت وأنذرت، وما انتهى إليه طلق جهادك، ومبّ عهادك، لتقرّ عين نصحك التي أنام العيون الساهرة هجوعها، وأشبع البطون وروّاها ظمئوها في الله تعالى وجوعها، وإن كانت الأمور بمرأى من عين عنايتك، وغيبها متعرف بين إفصاحك وكنايتك، ومجمله يا رسول الله صلى الله عليك، وبلّغ وسيلتي إليك، وهو أن الله سبحانك لمّا عرف عرفني لطفه الخفي في التمحيص، المقتضي عدم المحيص، ثم في التخصيص، المغني بعيانه عن التنصيص، وفّق ببركاتك السارية رحماتها في القلوب، ووسائل محبتك العائدة بنيل المطلوب، إلى استفادة عظة واعتبار، واغتنام إقبال بعد إدبار، ومزيد استبصار، واستعانة بالله تعالى وانتصار، فسكن هبوب الكفر بعد إعصار، وحلّ مخنّق الإسلام بعد حصار، وجرت على سنن السنّة بحسب الاستطاعة والمنّة السيرة، وجبرت بجاهك القلوب الكسيرة، وسهّلت المآرب العسيرة، ورفع بيد العزة الضّيم، وكشف بنور البصيرة الغيم، وظهر القليل على الكثير، وباء الكفر بخطّة التعثير، واستوى الدين الحنيف على المهاد الوثير، فاهتبلنا يا رسول الله غرة العدوّ وانتهزناها وشمنا صوارم عزة الغدوّ وهززناها، وأزحنا علل الجيوش وجهزّناها. «فكان ممّا ساعد عليه القدر، والخطب المبتدر، والورد الذي حسن بعده الصّدر، أنّنا عاجلنا مدينة برغه «1» ، وقد جرّعت الأختين مالقة ورندة، من مدائن دينك، ومزابن ميادينك، أكواس الفراق، وأذكرت مثل من بالعراق، وسدت طرق التزاور عن الطّاق، وأسألت المسيل بالنجيع المراق، في مراصد المراد والمراق، ومنعت المراسلة مع هدير الحمام، لابل مع طيف المنام عن الإلمام، فيسّر الله تعالى اقتحامها، وألحمت بيض الشفار في زرق الكفار إلحامها، وأزال بشر السيوف من بين تلك الحروف إقحامها، فانطلق المسرى، واستبشرت القواعد الحسرى، وعدمت بطريقها المخيف مصارع الصرعى ومثاقف الأسرى، والحمد لله على فتحه الأسنى ومنحه الأسرى، ولا إله إلا هو منفّل قيصر وكسرى، وفاتح مغلقاتهما المنيعة قسرا؛ واستولى الإسلام منها على قرار جنات، وأم بنات، وقاعدة حصون، وشجرة غصون، طهرت

مساجدها المغتصبة المكرهة، وفجع بحفظها الفيل الأفيل وأبرهة، وانطلقت بذكر الله الألسنة المدرهة، وفاز بسبق ميدانها جيادك الفرهة، هذا وطاغية الروم على توفّر جموعه، وهول مرئيه ومسموعه، قريب جواره، بحيث يتصل خواره، وقد حرك إليها الحنين حواره. «ثمّ نازل المسلمون بعدها شجا الإسلام الذي أعيا النطاسيّ علاجه، وكرك «2» هذا القطر الذي لا تطاول أعلامه ولا تصاول أعلاجه، وركاب الغارات التي تطوى المراحل إلى مكايدة المسلمين طي البرود، وحجر الحيات التي لا تخلع على اختلاف الفصول جلود الزرود، ومنغّص الورود في العذب المورود، ومقضّ المضاجع، وحلم الهاجع، ومجهّر الحطب الفاجىء الفاجع، ومستدرك فاتكة الراجع، قبل هبوب الطائر الساجع، حصن اشر «3» حماه الله تعالى دعاء لا خبرا، كما جعله للمتفكرين في قدرته معتبرا، فأحاطوا به إحاطة القلادة بالجيد، وأذلوا عزته بعزّة ذي العرش المجيد، وحفت به الرايات يسمها وضسمك، ويلوح في صفحاتها اسم الله تعالى واسمك، فلا ترى إلّا نفوسا تتزاحم على مورد الشهادة أسرابها، وليوثا بصدق في الله تعالى ضرابها، وأرسل الله عليها رجزا إسرائيليا من جراد السهام، تشذ آياته عن الأفهام، وسدد إلى الجبل النفوس القابلة للإلهام، من بعد الاستغلاق والاستبهام، وقد عبثت جوارح صخوره في قنائص الهام، وأعيا صعبه على الجيش اللهام، فأخذ مسائغه النقض والنقب، ورغا فوق هله السّقب «4» ، ونصبت المعارج والمراقي، وقرعت المناكب والتراقي، واغتنم الصادقون مع الله تعالى الحظ الباقي، وقال الشهيد السابق: يا فوز استباقي، ودخل البلد فألحم السيف، واستلب البحت والزيف، ثم استخلصت القصبة فعلت أعلامك في أبراجها المشيدة، وظفر ناشد دينك منها بالنشيدة «5» ، وشكر الله تعالى في قصدها مساعي النصائح الرشيدة، وعمل ما يرضيك يا رسول الله في سدّ ثلمها، وصون مستلمها، ومداواة ألمها، حرصا على الاقتداء في مثلها بأعمالك، والاهتداء بمشكاة كمالك، ورتب فها الحماة تشجي العدوّ، وتصل في مرضاة الله تعالى ومرضاتك برواحها الغدوّ. «ثم كان الغزو إلى مدينة إطريرة «6» بنت حاضرة الكفر إشبيلية التي أظلّتها بالجناح السائر، وأنامتها في ضمان الأمان للحسام الباتر، وقد وتر الإسلام من هذه المومسة البائسة

بوتر الواتر، وأحفظ منها بأذى الوقاح المهاتر، لما جرّته على أسراه من عمل الخاتل الخاتر، حسب المنقول لا بل المتواتر، فطوى إليها المسلمون المدى النازح، ولم تشك المطيّ الروازح، وصدق الجدّ جدها المازح، وخفقت فوق أوكارها أجنحة الأعلام، وغشيتها أفواج الملائكة الموسومة وظلال الغمام، وصابت من السهام ودق الرّهام، وكاد يكفي السهام على الأرض ارتجاج أجوائها بكلمة الإسلام، وقد صمّ خاطب عروس الشهادة عن الملام، وسمح بالعزيز المصون مبايع الملك العلّام، وتكلم لسان الحديد الصامت وصمت إلا بذكر الله لسان الكلام، ووفت الأوتار بالأوتار، ووصل بالحطّيّ ذرع الأبيض البتّار، وسلطت النار على أربابها، وأذن الله تعالى في تبار تلك الأمة وتبابها، فنزلوا على حكم السيف آلافا، بعد أن أتلفوا بالسلاح إتلافا، واستوعب المقاتلة كتافا، وقرنوا في الجدل أكتافا أكتافا، وحملت العقائل والخرائد، والولدان والولائد، إركابا من فوق الظهور وإردافا، وأقلت منها أفلاك الحمول بدورا تضيء من ليالي المحاق أسدافا، وامتلأت الأيدي من المواهب والغنائم، بما لا يصوّره حلم النائم، وتركت العوافي تتداعى إلى تلك الولائم، وتفتنّ من مطاعمها في الملائم، وشنّت الغارات على حمص فجللت خارجها مغارا، وكست كبار الروم بها صغارا، وأجحرت أبطالها إجحارا، واستاقت من النّعم ما لا يقبل الحصر استبحارا. «ولم يكن إلا أن عدل القسم، استقل بالقفول العزيز الرسم، ووضح من التوفيق الوسم، فكانت الحركة إلى قاعدة جيّان قيعة الظل الأبرد، ونسيجة المنوال المفرد، وكناس الغيد الخرّد، وكرسي الإمارة، وبحر العمارة، ومهوى هوى الغيث الهتون، وحزب التين والزيتون، حيث خندق الجنّة تدنو لأهل النار مجانيه، وتشرق بشواطئ الأنهار إشراق الأزهار زهر مبانيه، والقلعة التي تختّمت بنان شرفاتها بخواتيم النجوم، وهمت من دون سحابها البيض سحائب الغيث السّجوم والعقيلة التي أبدى الإسلام يوم طلاقها، وهجوم فراقها، سمّة الوجوم لذلك الهجوم، فرمتها البلاد المسلمة بأفلاذ أكبادها الوداعة، وأجابت منادي دعوتك الصادقة الصادعة، وحبتها بالفادحة الفادعة، فغصّت الرّبى والوهاد بالتكبير والتهليل، وتجاوبت الخيل بالصّهيل، وانهالت الجموع المجاهدة في الله تعالى انهيال الكثيب المهيل، وفهمت نفوس العباد المجاهدة في الله تعالى حقّ الجهاد معاني التيسير من ربّها والتسهيل، وسفرت الرايات عن المرأى الجميل، وأربت المحلات المسلمة على التأميل، ولمّا صبحتها النواصي المقبلة الغرر، والأعلام المكتتبة الطّرر، برز حاميتها مصحرين «7» ، وللحوزة المستباحة منتصرين، فكاثرهم من سرعان الأبطال رجل الدّبا «8» ، ونبت الوهاد والرّبى، فأقحموهم من وراء السور، وأسرعت أقلام الرماح في بسط عددهم المكسور، وتركت

صرعاهم ولائم للنسور، ثم اقتحموا ربض المدينة الأعظم فقرعوه، وجدّلوا من دافع عن أسواره وصرعوه، وأكواس الحتوف جرّعوه، ولم يتصل أولى الناس بأخراهم، ويحمد بمخيم النصر العزيز سراهم، حتى خذل «9» الكافر الصبر وأسلم الجلد، ونزل على المسلمين النصر فدخل البلد، وطاح في السيل الجارف الوالد منه والولد، وأتهم المطرف والمتلد، فكان هولا بعد الشناعة، وبعثا كقيام الساعة، أعجل المجانيق عن الركوع والسجود، والسلالم عن مطاولة النجود، والأيدي عن ردم الخنادق والأغوار، والأكبش عن مناطحة الأسوار، والنفوط عن إصعاق الفجار، وعمد الحديد، ومعاول البأس الشديد، عن نقب الأبراج ونقض الأحجار، فهيلت الكثبان، وأبيد الشيب والشبان، وكسرت الصّلبان، وفجع بهدم الكنائس الرهبان، وأهبطت النواقيس من مراقيها العالية وصروحها المتعالية، وخلعت ألسنتها الكاذبة، ونقل ما استطاعته الأيدي المجاذبة، وعجزت عن الأسلاب «10» ذوات الظهور، وجلل الإسلام شعار العزّ والظهور، بما خلت عن مثله سوالف الدهور والأعوام والشهور، وأعرست الشهداء ومن النفوس المبيعة من الله تعالى نحل الصدقات والمهور. ومن بعد ذلك هدم السور، ومحيت عن محيطه المحكم السطور، وكاد يسير ذلك الجبل الذي اقتعدته المدينة ويدك ذلك الطور، ومن بعد ما خرب الوجار، عقرب الأشجار، وعفّر المنار، وسلطت على بنات التراب والماء النار، وارتحل عنها المسلمون وقد عمتها المصائب، وأصمى لبّتها السهم الصائب، وجللتها القشاعم العصائب، فالذئاب في الليل البهيم تعسل، والضباع من الحدّب البعيد تنسل، وقد ضاقت الجدل عن المخانق، وبيع العرض الثمين بالدانق، وسكبت أسورة الأسوار، وسوّيت الهضاب بالأغوار، واكتسحت الأحواز القاصية سرايا الغوار، وحجبت بالدخان مطالع الأنوار، وتخلفت قاعتها عبرة للمعتبرين وعظة للناظرين، وآية للمستبصرين، ونادى لسان الحمية، يا لثارات الإسكندرية، فأسمع آذان المقيمين والمسافرين، وأحقّ الله الحقّ بكلماته وقطع دابر الكافرين. «ثم كان الحركة إلى أختها الكبرى، ولدتها الحزينة عليها العبرى، مدينة أبدة «11» ذات العمران المستبحر، والربض الخرق المصحر، والمباني الشّمّ الأنوف، وعقائل المصانع الجمة الحلي والشنوف، والغاب الأنوف، بلدة التجر، والعسكر المجر، وأفق الضّلال الفاجر الكذب على الله تعالى الكاذب الفجر، فخذل الله تعالى حاميتها التي تعيي الحسبان عدّها، وسجر بحورها التي لا يرام مدّها، وحقّت عليها كلمة الله تعالى التي لا يستاع ردّها، فدخلت لأول وهلة، واستوعب جمّها والمنة لله تعالى في نهلة، ولم يكف السيف من عليهنا ولا مهلة، فلمّا تناولهنا العفا والتخريب، واسباحها الفتح القريب، وأسند عن عواليها حديث النصر الحسن

الغريب، وأقعدت أبراجها من بعد القيام والانتصاب، وأضرعت مسايفها «12» لهول المصاب، انصرف عنها المسلمون بالفتح الذي عظم صيته، والعز الذي سما طرفه واشرأب ليته، والعزم الذي حمد مسراه ومبيته، والحمد لله ناظم الأمر وقد راب شتيته، وجابر الكسر وقد أفات الجبر مفيته. «ثم كان الغزو إلى أم البلاد، ومثوى الطارف والتلاد، قرطبة، وما قرطبة؟ المدينة التي على عمل أهلها في القديم بهذا الإقليم كان العمل، والكرسي الذي بعصاه رعي الهمل، والمصر الذي له في خطة المعمور الناقة والجمل، والأفق الذي هو لشمس الخلافة العبشمية «13» الحمل، فخيم الإسلام بعقوتها «14» المستباحة، وأجاز نهرها المعيي على السّباحة، وعم دوحها الأشب بوارا، وأدار المحلّات بسورها سوارا، وأخذ بمخنّفها حصارا، وأعمل النصر بشجر بصلها «15» اجتناء ما شاء واهتصارا، وجدّل من أبطالها من لم يرض انجحارا، فأعمل إلى المسلمين إصحارا، حتى فرغ بعض جهاتها غلابا جهارا، ورفعت الأعلام إعلاما بعز الإسلام وإظهارا، فلولا استهلاك الغوادي، وأن أتى الوادي، لأفضت إلى فتح الفتوح تلك المبادي، ولقضى تفثه «16» العاكف والبادي، فاقتضى الرأي ولذنب الزمان في اغتصاب الكفر إياها متاب، تعمل ببشراه بفضل الله تعالى أقتاد وأقتاب، ولكل أجل كتاب- أن يراض صعبها حتى يعود ذلولا، وتعفى معاهدها الآهلة فتترك طلولا، فإذا فجع الله تعالى بمارج النار طوائفها المارجة، وأباد بخارجها الطائرة والدارجة، خطب السيف منها أمّ خارجة «17» ، فعند ذلك أطلقنا بها ألسنة النار ومفارق الهضاب بالهشيم قد شابت، والغلات المستغلات قد دعا بها القصل فما ارتابت، وكأن صحيفة نهرها لما أضرمت النار في «18» ظهرها ذابت، وحييته فرّت أمام الحريق فانسابت، وتخلفت لغمائم الدخان عمائم تلويها برءوس الجبال أيدي الرياح، وتنشرها بعد الركود أيدي الاجتياح، وأغريت بأقطارها الشاسعة، وجهاتها الواسعة، جنود الجوع، وتوعدت بالرجوع، فسلب أهلها لتوقع الهجوم

منزور الهجوع، فأعلامها خاشعة خاضعة، وولدانها لثديّ البؤس راضعة، والله سبحانه يوفد بخبر فتحها القريب ركاب البشرى، وينشر رحمته قبلنا نشرا. «ثم تنوّعت يا رسول الله لهذا العهد أحوال العدوّ تنوّعا يوهم إفاقته من الغمرة، وكادت فتنته تؤذن بخمود الجمرة، وتوقّع، وحذر ذلك السمّ الناقع، وخفيف الخرق الذي يحار فيه الراقع، فتعرفنا عوائد الله سبحانه ببركة هدايتك، وموصول عنايتك، فأنزل النصر والسكينة، ومكّن العقائد المكينة، فثابت العزائم وهبّت، واطّردت عوائد الإقدام واستتبت، وما راع العدو إلا خيل الله تعالى تجوس خلاله، وشمس الحق توجب ظلاله، وهداك الذي هديت يدحض ضلاله، ونازلنا حصني قنبيل والحائر «19» ، وهما معقلان متجاوران يتناجى منهما الساكن سرارا، وقد اتخذا بين النجوم قرارا، وفصل بينهما حسام النهر يروق غرارا، والتفّ معصمه في حلّة العصب وقد جعل الجسر سوارا، فخذل الصليب بذلك الثغر من تولّاه، وارتفعت أعلام الإسلام بأعلاه، وتبرجت عروس الفتح المبين بمجلاه، والحمد لله تعالى على ما أولاه. ثم تحركنا على تفئة «20» تعدّي ثغر الموسطة على عدوّه المساور في المضاجع، ومصبحه بالفاجىء الفاجع، فنازلنا حصن روطة الآخذ بالكظم، المعترض بالشّجا اعتراض العظم، وقد شحنه العدو مددا بئيسا، ولم يأل اختياره رأيا ولا تلبيسا، فأعيا داؤه، واستقلت بالمدافعة أعداؤه، ولمّا أتلع إليه جيد المنجنيف، وقد برك عليه بروك الفنيق، وشد عصام العزم الوثيق، لجأ أهله إلى التماس العهود والمواثيق، وقد غصوا بالريق، وكاد يذهب بأبصارهم لمعان البريق، فسكناه من حامية الماهدين بمن يحمي ذماره، ويقرر اعتماره، واستولى أهل الثعور إلى هذا الحد على معاقل كانت مستغلقة ففتحوها، وشرعوا أرشية الرماح إلى قلب قلوبها فمتحوها. «ولم تكد الجيوش المجاهدة تنفض عن الأعراف متراكم الغبار، وترحي عن آباط خيلها شدّ حزم المغار، حتى عاودت النفوس شوقها، واستتبعت ذوقها، وخطبت التي لا فوقها، وذهبت بها الآمال إلى الغاية القاصية، والمدارك المتصاعبة على الأفكار المتعاصية، فقصدنا الجزيرة الخضراء باب هذا الوطن الذي من طرق وادعه، ومطلع الحق الذي صدع الباطل صادعه، وثنية الفتح التي برق منها لامعه، ومشرف الهجوم الذي لم تكن لتعثر على غيره مطامعه، وفرضة المجاز التي لا تنكر، ومجمع البحرين في بعض ما يذكر، حيث يتقارب الشطّان، ويتوازى الخطّان، وكاد أن تلتقي حلقنا البطان، وقد كان الكفر قدّر قدر هذه الفرصة التي

طرق منها حماه، ورماه الفتح الأول بما رماه، وعلم أن لا تتصل أيدي المسلمين بإخوانهم إلّا من تلقائها، وأنّه لا يعدم المكروه مع بقائها، فأجلب عليها برجله وخيله، وسد أفق البحر بأساطيله، ومراكب أباطيله، بقطع ليله، وتداعى المسلمون بالعدوتين إلى استنقاذها من لهواته، أو إمساكها من دون مهواته، فعجز الحول، ووقع بملكه إياها القول، واحتازها قهرا وقد صابرت الضيق ما يناهز ثلاثين شهرا، وأطرق الإسلام بعدها إطراق الواجم، واسودّت الوجوه لخبرها الهاجم، وبكتها حتى دموع الغيث الساجم، وانقطع المدد إلا من رحمة من ينفّس الكروب، ويغري بالإدالة الشروق والغروب. وبما شكنا بشبا الله تعالى نحوها، وأغصصنا بجيوش الماء وجيوش الأرض تكاثر نجم السماء برها وبحرها، ونازلناها نذيقها شديد النزال، ونجحّها بصدق الوعيد في سبيل الاعتزال، رأينا بأوا لا يظاهر إلا بالله تعالي ولا يطال، وممنّعة يتحاماها الأبطال، وجنابا روّضة الغيث الهطال، أما أسواقها فهي التي أخذت النجد والغور، واستعدّت بجدال الجلاد عن البلاد فارتكبت الدّور «21» ، تحوز بحرا من العمارة ثانيا، وتشكّك أن يكون الإنس لها بانيا، وأمّا أبراجها فصفوف وصفوف، تزين صفحات المسايف منها أنوف، وآذان لها من موامغ الصخر شنوف، وأما خندقها فصخر مجلوب، وسور مقلوب، فصدقها المسلمون القتال بحسب محلّها من نفوسهم، واقتران اغتصابها ببوسهم، وأفول شموسهم، فرشقوها من النبال بظلالة تحجب الشمس فلا يشرق سناها، وعرجوا في المراقي البعيدة يفرعون مبناها، ونفوسها أنقابا، وحصونها عقابا، ودخلوا مدينة إلبنة «22» بنتها غلابا، وأحسبوا السيوف استلالا والأيدي اكتسابا «23» ، واستوعب القتل مقاتلتها السابغة الجبن، البالغة المنن، فأخذهم الهول المتفاقم، وجدّلوا كأنّهم الأراقم، لم تفلت منهم عين تطرف، ولا لسان يلبي من يستطيع الخبر أو يستشرف. «ثم سمت الهمم الإيمانية إلى المدينة الكبرى فداروا سوارا على سورها، وتجاسروا على اقتحام أودية الفناء من فوق جسورها، وأدنوا إليها بالضّروب من حيل الحروب، بروجا مشيدة، ومجانيق توثق حبالها منها نشيدة، وخفقت بنصر الله تعالى عذبات الأعلام، وأهدت الملائكة مدد السلام، فخذل الله تعالى كفّارها، وأكهم «24» شفارها، وقلّم بيد قدرته أظفارها، فالتمسوا الأمان للخروج، ونزلوا على مراقي العروج، إلى الأباطح والمروج، من سمائها ذات البروج، فكان بروزهم إلى العراء من الأرض، تذكرة بيون العرض، وقد جلل المقاتلة الصّغار،

وتعلّق بالأمان النساء والصّغار، وبودرت المدينة بالتطهير ونطقت المآذن العالية بالأذان الشهير، والذكر الجهير، وطرحت كفّارها التماثيل عن المسجد الكبير، وأزرى بألسنة النواقيس لسان التهليل والتكبير، وأنزلت عن الصروح أجرامها، يعيى الهندام «25» مرامها، وألفي منبر الإسلام بها مجفوّا فأنست غربته، وأعيد إليه قربه وقربته، وتلا واعظ الجمع المشهود، قول منجز الوعود ومورق العود وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ، وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ، وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ، ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ فكان الدمع يغرق الآماق، والوجد يستأصل الأرماق، وارتفعت الرغبات، وعلت السيئات، وجيء بأسرى المسلمين يرسفون في القيود الثقال، وينسلون من أحداب الاعتقال، ففكت عن سوقهم أساود الحديد، وعن أعناقهم فلكات البأس الشّديد، وظلّلوا بجناح اللطف العريض المديد، وترتبت في المقاعد الحامية، وأزهرت بذكر الله تعالى المآذن السامية، وعادت المدينة لأحسن أحوالها، وسكنت من بعد أهوالها، وعادت الجالية إلى أموالها، ورجع إلى القطر شبابه، وردّ على دار الإسلام بابه، واتصلت بأهل لا إله إلّا الله أسبابه، فهي اليوم في بلاد الإسلام قلاده النحر، وحاضرة البرّ والبحر، أبقى الله تعالى عليها وعلى ما وراءها من بيوت أمتك، ودائع الله في ذمتك، بكلمة دينك الصالحة الباقية؛ وعدنا والصلاة عليك شعار البروز والقفول، وهجّيرا الشروق والأفول، والجهاد يا رسول الله الشأن المعتمد، ما امتدّ بالأجل الأمد، والمستعان الفرد الصمد. «ولهذا العهد يا رسول الله صلى الله عليك، وبلّغ وسيلتي إليك، بلغ من هذا القطر المرتدي بجاهك الذي لا يذل من ادّرعه، ولا يضل من اهتدى بالسبيل الذي شرعه، إلى أن لا طفنضا ملك الروم بأربعة من البلاد كان الكفر قد اغتصبها، ورفع التماثيل بيوت الله تعالى ونصبها، فانجاب عنها بنورك الحلك، ودار بإدالتها إلى دعوتك الفلك، وعاد إلى مكاتبها القرآن الذي نزل به على قلبك الملك، فوجبت مطالعة مقرّك النبويّ بأحوال هذه الأمة المكفولة في حجرك، المفضلة بإدارة تجرك، المهتدية بأنوار فجرك، وهل هو إلا ثمرات سعيك، ونتائج رعيك، وبركة حبّك، ورضاك الكفيل برضي ربّك، وغمام رعدك، وإنجاز وعدك، وشعاع من نور سعدك، وبذر يجنى ريعه من بعدك، ونصر رايتك، وبرهان آيتك، وأثر حمايتك ورعايتك. «واستنبت هذه الرسالة مائحة بحر الندى الممنوح ومفاتحة باب الهدى بفتح الفتوح، وفارعة المظاهر والصروح، وملقية الرحل بمتنزل الملائكة والروح، لتمدّ إلى قبولك يد استمناح، وتطير إليك من الشوق الحثيث بجناح، ثم تقف موقف الانكسار، وإن تجرها آمنا من

الخسار، وتقدم بأنس القربة، وتحجم بوحشة الغربة، وتتأخّر بالهيبة، وتجهش لطول الغيبة، وتقول: ارحم بعد داري، وضعف اقتداري، وانتزاح أوطاني، وخلوّ أعطاني، وقلة زادي، وفراغ مزادي، وتقبّل وسيلة اعترافي، وتغمّد هفوة اقترافي، وعجّل بالرضى انصراف متحملي لانصرافي، فكم جبت من بحر زاخر، وقفر بالركاب ساخر، وحاش لله تعالى أن يخيب قاصدك، أو تتخاني مقاصدك، أو تطردني موائدك، أن تضيقض عني عوائدك، ثم تمدّ مقتضية مزيد رحمتك، مستدعية دعاء من حضر من أمتّك، وأصحبتها يا رسول الله عرضا من النواقيس التي كانت بهذه البلاد المفتتحة تعيق الإقامة والأذان، وتسمع الأسماع الضالة والآذان، ممّا قبل الحركة، وسالم المعركة، ومكّن من نقله الأيدي المشتركة، واستحق بالقدوم عليك والإسلام بين يديك السابقة في الأزل البركة، وما سواها فكانت جبالا عجز عن نقلها الهتدام، فنسخ وجودها الإعدام، وهي يا رسول الله جنى من جنانك، ورطب من أفنانك، وأثر ظهر علينا من مسحة حنانك. «هذه هي الحال والانتحال، والعائق أن تشدّ إليك الرحال، ويعمل الترحال، إلى أن نلقاك في عرصات القيامة شفيعا، ونحلّ بجاهك إن شاء الله تعالى محلّا رفيعا، ونقدم في زمرة الشهداء الدامية كلومهم من أجلك، الناهلة غللهم في سجلك، ونبتهل إلى الله تعالى الذي أطلعك في سماء الهداية سراجا، وأعلى لك في السبع الطباق معراجا، وأم الأنبياء منك بالنبي الخاتم، وقفى على آثار نجومها المشرقة بقمرك العاتم، أن لا يقطع عن هذه الأمة الغريبة أسبابك، ولا يسدّ في وجوهها أبوابك، ويوقفها لاتباع هذاك، ويثبت أقدامها على جهاد عداك، وكيف تعدم ترفيها، أو تخشى بخسا وأنت موفّيها، أو يعذبها الله تعالى وأنت فيها؟ وصلاة الله وسلامه تحط بفنائك رحال طيبها، وتهدر في ناديك شقائق خطيبها، ما أذكر الصباح الطّلق هداك، والغمام السّكب نداك، وما حنّ مشتاق إلى لثم ضريحك، وبليت نسمات الأسحار عمّا استرقت من ريحك، وكتب في كذا» انتهت الرسالة، وفيها ما لا خفاء به من براعة لسان الدين، رحمه الله تعالى وقدّس روحه الطاهرة، آمين. ومن المهم أن نعرف أن رسالة السلطان أبي عنان وقصيدته كذلك تركت صدى كبيرا في المشرق الأمر الذي يفسره أن صاحب كتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون تحدث عن كتاب يحمل اسم الدرة السنية والرسالة النبوية، وقال عنها: أنها رسالة لأبي عنان فارس ملك المغرب ...

وقفية المدرسة البوعنانية بداخل فاس

وقفية المدرسة البوعنانية بداخل فاس وفي حديثه (352 -IV) عن المدرسة الكبرى المعروفة بالمتوكلية ينبغي أن نعرف أن هذه المدرسة تعتبر مؤسسة حضارية فائقة لا بما تضمه من العدد الكثير من الغرف التي تؤوي الطلاب، ولكن بما اشتملت عليه من تجهيزات وبما فاقت به المدارس الأخرى أيضا حيث إنها اشتملت، بالإضافة إلى رواقين متقابلين للدرس، على صومعة تشرف على المدينتين: فاس القديم وفاس الجديد، وعلى قاعة للصلاة ازدانت بمنبر رائع بديع ... كما اشتملت على ساعة مائية كانت حديث الكتاب والشعراء ردحا من الزمان، نصبت قبالة باب المدرسة الرئيسي في شارع الطالعة الكبرى غير بعيدة عن دار الوضوء التي تعدّ بدورها متحفا رائعا لأنها تنسيك وأنت تتجول ببصرك في قبتها أنك في بيوت لم يأذن الله برفعها! وقد روى أنّ السلطان أبا عنان وقد أطلعه المهندس علي المصاريف الباهضة التي انفقها لم يستكثر تلك الأرقام بل مزق الأوراق ورمى بها في الساقية التي تخترق المدرسة متمثلا بالبيت القائل: ليس لما قرّت به العين ثمن ... لا بأس بالغالي إذا قيل حسن!! وهذا هو نص أسماء الأوقاف المرصودة لسير المدرسة منقوشة على رخامة مغروسة في الجدار هناك حتى يقف عليها الناس. بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وسلم أمر بانشاء هذه المدرسة المباركة السنية المسماة بالمتوكلية المؤسسة على تقوا من الله ورضوان المعدة لتدريس العلم واقراء القرآن الممفضة بإقامة فرض الجمعة المخصوصة بالمرافق الشاملة والمحاسن المستبدعة مولانا الخليفة الامام حنسة الأيام وناصر الإسلام، المجاهد في سبيل الله، المضفر بمعونة الله، العالم العامل، الصالح العادل، الفنت الأوّاب، صاحب الحرب والمحراب، أمير المؤمنين، المجاهد في سبيل رب العالمين، المتوكل على الله أبو عنان، فارس ابن مولانا الإمام العادل، الفاضل الكامل، الأروع، الأخشى لله الأخشع، أمبير المسلمين، المجاهد في سبيل رب العالمين، أبي الحسن ابن مولانا الإمام الطاهر، المؤيّد الطاهر وجواد الاجواد، واسد الاساد وأمير المسلمين وناصر الدين والمجاهد في سبيل رب العالمين وأبي سعيد ابن مولانا الإمام العابد والفانت الزاهد والذي اعزّ الإسلام جهاده، المبرور وكرم في سبيل الله اثر اجتهاده المأثور، أمير المسلمين وناصر الدين والمجاهد في سبيل رب العالمين، أبي يوسف بن عبد الحق وصل اله تعالى، لمقامه العلي أسباب التاييد والتمكين، وسناله النصر العزيز والفتح المبين وجعل الخلافة كلمة باقية في عقبة إلى يوم الدين وجزاه عن الإسلام والمسلمين أفضل جزاء المحسنين، فصد ايده الله تعالى ببنائها وجه الله تعالى، في احياء رسوم العلوم وتجديد العناية بالمنقول والمفهوم، ابتغاء حسن الثواب على تجليد أعمال

حول الحديث عن الزاوية المتوكلية خارج المدينة

البر واجراء الصدفات الباقية بفاء الدهر والله تعالى ولي المثوبة ومجزل الاجر حبسى ايده الله على هاذه المدرسة ارفاقا لطلبة العلم، وارفادا واعانة بهم على طلبه واسعادا جميع ما ينقسم من الربع وذلك الحمام المعروف بحمام الشهارة والدويرة المتصلة من حقوقه بأعلى حلق النعام فبلي المدرسة المباركة، والرحا المتصلة بالمدرسة من جهة الشرق والرحا الثانية المعروفة برحا الحطا بين التي بها معدة الماء المجلوب منها الماء إلى المدرسة ودار الوضو بها والفرز الذي بالزنقة الفاصلة بينه وبين المدرسة والروال الاثنان احدهما بالزنقة جنب الفرز وتتصل بدار الوضوء المذكورة واربع وسبعون حانوثا كلها بالقرب من المدرسة بحقوق ذلك كله ومنافعه أجمعها اليصرف فوائده في اصلاح المدرسة ومرتبات، المقرئين والطلبة والقوامين بها تحبيسا تاما ثابت الحكم لا تبديل لرسمه ان شاء الله تعالى وكان ابتداء بنائها في الثامن والعشرين لشهر رمضان المعظم عام واحد وخمسين وسبعمائة والفراغ منه في آخر شعبان المكرم عام ستة وخمسين وسبعمائة وكان بناوها علي يدي الناظر في الحبس بحضرة فاس حرسها الله تعالى أبي الحسين بن أحمد بن الأشقر وفقه الله تعالى والحمد لله كثيرا وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد رسوله الكريم وعلى آله وسلم. حول الحديث عن الزّاوية المتوكلية خارج المدينة حول حديثه عن (الزاوية العظمى) التي بناها خارج فاس (353 -IV -84 ,I) والتي التبست على معظم الناس بالمدرسة العنانية نسوق ما يلي نقلا عن ابن الحاج النّميري والمقري ... وعلى إثر رجوع مولانا أيّده الله من حركته الجميلة الآثار، واستقراره بحضرته العلية التي هي مطلع الأنوار، ومطرح أشعة المجد والفخار، تخلّصت الزاوية العظمى التي أمر أيّده الله ببنائها على غدير (الحمّص) الذي أنسى وادي حمص، وأطلعها بشاطئه مجموع كمال لا يعرف النقص وروضة أذهان فحصت عن المحاسن فلزمت الفحص. وما الذي أقوله في زاوية أعجز وصفها كل بليغ، وأثنته وكأنه بحيات الأقلام جد لديغ. فشغر الشعر به مكبوت، والنثر وإن فاق النثرة به ممقوت. فهي أعجوبة المغرب والمشرق، ومنشأ أحاديث الهشيم والمعرق مصنع طأطأت له المصانع رؤوسها، ومبنى استصغرت به المباني الشامخة نفوسها. قد اختطت في أرض وطئة الأكناف، متخيّرة للمنزل المنيف والروضة الميناف. فتأسّست على أثبت القواعد، وقامت شامخة المراقي والمصاعد. راسخة أقدام حيطانها، ظاهرة بركات استنباطها. منفسحة الساحة، متلقية الواردين براحتي الراحة. مبيضة كأنما أشكالها الصباح الصباح. صحيحة جسوم البناء لكن تسري بها من

روضها المجاور الأرواح. أحسن من الوشي اليماني تنميقا، وأبدع من حلتي الغواني جمعا وتفريقا قد قام بقبليها على العادة جامع للمحاسن جامع. ومسجد يتحيّر فيه راء ويعجّب فيه سامع. قد لبست سقفه من الزخارف حللا. وجرت ذيل الإبداع والإتقان فضلا. وأزرت شمسا بالبدور وأبدت وجوه الابتهاج. وتلقت أعراب البدائع من الزجاج. وتقابلها بالجوف قبة صعدت ف الجو، وتنزّه كمالها عن الليث واللو. وارتفعت ارتفاع النسر الطائر. وجمعت بين الحسن الباطن والحسن الظاهر. وتدور بهذه الزاوية المباركة من جهاتها الأربع براطل بديعة الاختراع. متقابلة الأشكال والأوضاع. قد قامت سواريها كأنها عرائس تجلي. وبأرضها من الصنائع ما هو أبدع من حللهن التي تبلى. وقد امتد من الجامع إلى القبّة صهريج بديع الطول والعرض. يلتفت عن زرق كأنّما عيونه عيون للأرض. ينسخ به الرياح دروعا لكنها فارسية ولربما جاءت بها المياه رافضة القياس كأنّما ظاهرية داودية. وبشاطئي هذا الصهريج أسدان لم يغل التبر، حين نفق منهما الصفر، ولم تبأ الزهر، حين طلع أمامهما الزهر. للماء على أفواههما تحدر، وللحباب أمامهما تحيّر وللحصا خيفة منهما تستر. من كل ثقيل على النفوس خفيف. قد سخر للصالحين وشرف أحسن تشريف. وعظم بمحله إيناس. فكأنما عرينه كناس وفي طي ذلك للتنعّم أنواع وأجناس. وفي كل ركن من أركان هذه الزاوية باب يشرع إلى دار بديعة البناء، متناسبة الأجزاء، مكملة المنافع. منيعة المصاعد والمصاعد والمطالع. إلّا الباب الذي بالجوف الموالي إلى جهة الغرب فإنه يشرع إلى دار وضوء أطردت فيها مياه، وطابت لميازبها أفواه. وخرجت بها خطايا المتوضي مع آخر قطر الماء. فعاد نقيا من الذنوب إلى إخوانه الصلحاء مخلصا لمولانا أمير المؤمنين في الدعاء. شاكرا لتهممه بالفقراء وأبناء السبيل المشتاقين إلى الأوطان والأبناء. والمستضعفين الذي قصدوا جنابه الذي استهميت به سحائب النعماء، واستنسقت غمائم الآلاء. والديار الثلاث المذكورة إحداها معينة لإمام هنالك، والأخرى للمؤذّن الذي يسلك في إقامته شعائر الدين المناهج الواضحة المسالك. والثالثة للناظر في الأوقاف والأحباس، المتصرّف في إعداد الطعام وترتيب الناس.

- ذكر السانية وأوصافها المتباينة:

ويتصل بهذه الزاوية دار معدّة لنزول الواردين. مفتحة أبوابها للوفود القاصدين، وتقابلها دار أخرى معدّة للطبخ، واستمجاد العفار والمرخ. لا تخمد بها نيران القرى. ولا تزال مشبوبة لذوي النوائب والسرى. وللزاوية والدارين المتصلتين بها باب عظيم في جهة الشرق. ناظر إلى الحضرة العلّية التي هي مجمع الخلق. وبمقروبة منه الصومعة التي كادت تزحم الكواكب، وتبلغ السحاب فتدر غيوثها السواكب. وهي من أحسن الصوامع صنائع وأعظمها بأشغال الزليج الملون بدائع. تفوق بمحاسنها الرائقة الرائعة الديباج. وتنسى بتفافيحها المذهبة السراج الوهّاج. أعلى الله كلمة من أعلاه إظهارا للدين. وجعل أيّامه خليفة الأمنة والتهدين. ونفعه بأعماله الصالحة التي شهدت بسلامة القلب وصحة اليقين بمنّه ويمنه. ويتصل بهذه الزاوية المباركة من جهة الغرب واتلجوف روض أريض، لقداح الحسن مفيض. قد رمى كتاب تربه بالأثقال، وضمن منها سطورا بديعة الجمال وشغلت أفكار أرضه بالأصول، وصار من حيطانه في حكم المعقول. حتى أبهج أولي الأحكام، وأبدى المحاسن المشتركة الإلزام. وأخرج الأشجار من زهره في أبدع نصيف. وترك الريح تصلي من نوره في درع حصيف. فالأغصان تميل على جوانبه حبا. والماء يجري إلى ملاقاته صبا، وبنات المزن تصاحب منه أبا. وبغربي الزاوية صهريج عميق. للماء في جنباته لعب وتصفيق. - ذكر السانية وأوصافها المتباينة: وقد قامت بإزائها سانية بديعة الأشكال. لا تشكو في حبّها بتقطّع الأوصال. كريمة كأنما علمها بنوبرمك البذل، فهي تصاحب في قعر بيها جعفرا وتطلع لنا الفضل. بديعة النغمات ولا غزو فيه الميلاء. حنينها أشدّ من حنين مهيار إذا أبدت من روضة ظمياء. حسناء ليس التوقف من مذاهبها، ولا الإمساك من مآربها. بل حبلها بين الرجال على غاربها. فهي تجد وتفور، وتشرب وتدور. منزّهة عن الهنات، معدودة عند الروض في السابحات. إلّا أنها أصابتها العين فهي باكية. ومن حمل المصاحب المفارق شاكية، قد دارت عليها الدوائر. وأدخل أصبعه في عينها الزائر. أستغفر الله بل هي الجارية المبرورة، الضاحكة المسرورة. المنشرحة الصدر. الطالعة في الهالة كالبدر. إذا نادت بمائها فهو المنادى المرفوع. وإذا أتت في أبياتها بوتد فهو المجموع. وتبهج الفقراء بمحاسنها المتوالية، وترسل إليهم ماءها فلا تنكر مجيء السائل إلى

- ذكر الناعورة: وأوصافها المحمودة المأثورة:

الزاوية. معجبة حبائلها ملازمة للشرب. فلو كانت عاقلة لكانت نداما. وكل قواديسها مركب مفيد بالوضع. فلو كانت عاقلة لكانت نداما. وكل قواديسها مركب مفيد بالوضع. فول كان لفظا لكان كلاما. من كل ممنطق يروي عن الحبال، ويجود بذوب الفضّة على السؤال. ويخدم على رأسه إذا جاء زوّار. وهو مع كرمه لا يبالغ في الفخر. ولو شاء لقال: أنا فخّار. وما هي عند السقي إلّا كواكب، قد قرن بالسعادة منها الطالع والغارب. ومنازل أنواؤها متصلة الري، تسر الولي، في الزاوية بالوسمي. إلّا أنا نقوم عندها لله بالحق الأوجب، وكم ندى بمائها الروض فلم يكن المنادى مضافا، بل طاب فإخرج نباتا طيبا كرم أنواعا وأصنافا. وسرى إلى الأشجار فألقته في عيونها، وظهرت ينابيع حكمته من قلوبها على ألسنة غصونها. فدعت إلى الاعتبار، فزينت كمائم قلوبنا بأزهار الأسرار. زاد الله في معاني مولانا السلطان الباهر الأنوار. الذي زيّن بأفعاله الجميلة وجوه الأزمان والأعصار. - ذكر الناعورة: وأوصافها المحمودة المأثورة: ولما رأى مولانا أيّده الله أن هذه السانية قد لا تبالغ في العطية. ولا يسرع بعمل فريضة دورانها الحمارية. وإنه قد يحتاج إلى أكثر من مائها. وأعظم من نائلها وحبائها. أمر رضي الله عنه أن تعمل على نهرها ناعورة توفي بالمقصود ويحسب ماؤها المستوى على وجودها بالجود. فلا يزال الليل والنهار مطردا. مجددا لحكمه الثابت بالقياس الجلي ومؤكدا. فجاءت ناعورة جميلة الآثار. مقبولة العمل وإن صلّت مستندة إلى الجدار. عزيزة عند أهل الشرع. مرجوة في كل أحيانها للنفع إلّا أنها تسرق الماد من حرزة فلا يحكم عليه بالقطع. بديعة روت من أحاديث المحاسن كل مسند، وغنت على جانب المسجد فكان غناؤها على معبد. مرفعة علية، فريضة دولا بها منبرية. مقدمة تحب فضل جسارة، وتقهر سيف النهر بقناة إلى الزاوية خطارة. ولم أر قبل مائها مسلسلا يدخل الجنة على حاله، وبارد المزاج يسرع أتم الإسراع في حركته وانتقاله. جارية بادية الزينة. حكم عليها منجم نهرها بالطينة، فرأى طالعها أسعد طالع. محقّق الدرجة ليس يشان بقاطع.

صابرة لا يضجرها سائل، ولا يروعها ثعبان النهر وهي حامل. لا جرم أن قلبها قد تقوى بشراب العود، وجسمها قد صبح ببركة الركوع، والسجود مشتغلة بالتصريف إلّا أنها لا تعرف اعتلال العين. عاكفة على التأويب والسرى إلّا أنها لا تشكو بالأين. معربة نصبت فعلها وقلبت أكوابها؟ لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. خليلية أعجبها التقطيع، وأظهرت الدائرة التي يخرج منها السريع. شامخة لها الفلك الثابت العمد، يحل الماء منه بالقوس ثم يحل بالزاوية في الأسد. جانية على كل روضة غضّة، محلّية لها من مائها المتلون بأساور من فضة. ماثلة لا تعرف الخوف، ضخمة تدور إلى الشرق وتملأ الجوف. قائمة صرفت وفد النسيم أحسن الصرف. وسجنت الماء لأنه فرّ عند الزحف. إلّا أنها لا تزال تخرجه فيسير بإقبال النور البديع، ويستحلف ربيعه فلا ينكر يوم دولاب استخلاف الربيع. سامية حازت أعظم البهاء. وغدت وعليها تاج كسرى تنادم ابن ماء السماء، وربما نقضت النهر لما حازت فضله الظاهر استعلاء. حسنة السرائر. ماؤها في قلبها خاطر من الخواطر. مهتدية إلى الري اهتداء الطيف، غير مكترثة وقد انتحت أكوابها من نهرها بالسيف. مصلحة إذا أيبس الأصحاب بينهم الثرى. ممتطية من مائها الأفجر فلا غرو إن جرى. وفيه ضمنت للروض نجاز الوعود، وطلع عليها سعد مولانا أيّده الله وهو سعد السعود، فلا غرو أن أرى جريان الماء في العود. ومن العجائب أن دولابها معظم عند بني مرين وهو عند الوادي، مضيق عليه وهو يجود بأعظم من صوب الغوادي. ويسر الجار الجنب لا سيما إذا قرب الصباح ونادي المنادي. وكم أظهر في خدمة الصالحين من فعل الأكياس، إلّا أنه إذا ذكر له رأس الماء أحب دورانا في الرأس. راقية إذا شكا الماء بداء الضرع، وإن ارتفع خشبها الذي أمن من الصدع. سقت بمثل الكافر. هو الأرزة مثل المؤمن، وهي خامة الزرع، فلله درّها حين أتت من المحاسن بفنون. وكشفت عن مجنون؟ لا يتاح به منجى نون. فروت من سيلها عن المنكدر، ودارت على القطب فعرفته معرفة المختبر. ورأت بالزاوية الابدال. وعرفت المقامات والأحوال، فلو نطقت لقالت: ما النية إلّا نيّتي، وأنشدت مخاطبة نواعير المصارة: وما شرب العشاق إلّا بقنتي. ولا أعجب منها حين اتحفت بالسقط، وأبهجت بنقطها ولا بد للدوائر من النقط. فهي الطاهرة القلب، المحبوبة القرب، التي تأدّب الماء مع أكوابها، ما أتى بيوتها إلّا من أبوابها. وقصد بالزاوية الأخيار، وقيل ذا الجدار وذا الجدار.

فصل

أجرى الله الصالحات على يدي من أجراه، وتقبّل أعماله التي قدّمها لأخراه بمنّه ويمنه. فصل ولما تخلصت الزاوية التي هي شمس والزوايا كواكب، وتم ذلك المصنع الذي هو بحر والمصانع أنهار ومذانب. أمر مولانا أيّده الله بكتب ظهير كريم بتعيين مرتبات للقائمين هنالك بالوظائف، وجرايات للمتولين لاشغالها المرضية السالف والخالف، وأن يرتب هنالك جملة من الفقراء الصوفيّة أولي الأسرار القلبية، والأنوار القدسيّة، ليقيموا هنالك لإقامة الذكر، ملعنين مع- شيخهم- بالحمد لله والشكر، عامرين المجالس التي تحف بها ملائكة الرحمن. وتتنزّل عليها الرحمة في كل الأحيان، سالكين مسالك أهل الطريق، دارجين على مقامات أهل التحقيق. مكرمين للضياف، موضحين لهم سبل الائتلاف. جامعين لهم على مركز التقوى، معلقين آمالهم بالأسباب التي لا تزال تقوى. وكذلك تعيّنت الجرايات لجملة من الخدم المتزوجات لأمثالهن عددا من العبيد المجتمعين في قبضة الرقّ السعيد المختارين للتحبيس على ذلك الموضع الذي هو أبدع من القصر المشيد، ليقوموا بتنظيف تلك الديار، وخدمة الزوّار، وعمل الأطعمة العميمة الإيثار. وعيّنت للقبّة السعيدة وسائر البيوت فرش حسنة النعوت، من الطنافس والقطف، والزرابي واللحف. وصدرت بخطي تلك الظهائر الكريمة، والمراسم الشريفة. واستقر الحال على ما ترضاه الإمامة المنيبة والخلافة المنيفة. ونجحت الأمور، وثلجت برؤية الصدور الصدور. وزادت الأنوار، وتوالت الأذكار، ورقت شمائل الأسرار. وهبّت الصبا والشمائل بالاستبشار. فهي زاوية سعيدة السعداء إلّا أنها في الغرب، ورياض ربيع إلّا أنه نابت منها بالقرب. فصل ومن جملة من سكن هذه الزاوية المباركة من الواردين عليها، والصلحاء القاصدين إليها، ولي من الأولياء أقام هنالك نحو نصف عام صامتا لا يتكلّم، صائما الدهر يتحدّث ويتألّم. مقبلا على العبادة، طالبا كيمياء السعادة. لا يلتفت إلى مخلوق، ولا يفتر عن أداء ما لله عليه من حقوق. إلى أن اعتراه مرض برح به، ووصل سبب التألّم بسببه. فعند ذلك تكلّم بما خفّ، ومد للمصافحة الكف. وصرف وجهه إلى رؤية القاصد. وغدا ألمه موصولا، فاحتاج إلى العائد.

رجع الحديث:

وأنا ممن زرته في آخر عام ثمانية وخمسين وسبعمائة، فأسمعني كلامه، وأولاني برّه وإكرامه. فرأيت منه رجلا أطال شأو المجاهدات، وتوغل في ارتياد رياض الرياضات، وجعل لذاته في ترك اللّذات، وصفى باطنه من كدورات الشهوات، حتى لحق بمن هام في وادي الفناء الذي هو وجود، وغاص في بحور المحو الذي هو إثبات مشهود. وتحلّى بفرائد التفريد، وكتب في جرائد التجريد. وأنس باللوائح والطوالع، وانتعش بالبواده واللوامع. وهام بالمحادثات والمكالمات، وكلّف بالمشاهدات والمحاضرات. وتاه في بيداء السحق والمحق. وانتقل إلى بقاع الجمع من حضيض الفرق. وشرب من عين الحياة، واجتلى شموس الحقائق باهرة الآيات. واحتسى كؤوس المحبّة على بساط الوفاء، ووقف لاجتلاء كعبة الأسرار على صفاء الصفاء. نفع الله بمنّ هذه أوصافه، وحيّا الله من اهتزّت لسماعها أعطافه. والله يجبر صدع من ردّ من الباب، إلى ظلمة الحجاب. وحسده الشيطان في الدخول مع الأحباب واستنشاق نواسم الاقتراب. فهو متبع هواه. متردّ في مهواه. قد ردّ من أمره في الحافرة، وآثر الدنيا على الآخرة. ونفسي بهذا أعني، فما أجدرني ببكاء على الذنوب وحزني، وعودي إلى التوبة التي تقرّب إلى الله وتدنّي، وخروجي عن الدنيا التي لا تنفع طالبها ولا تغني. رجع الحديث: وطلبت من هذا الشيخ المبارك أن يعرّفني بشيخه الذي سلك على يديه، واستند في حسن التربية إليه. فأعرض عن الجواب، واشتغل بذكر رب الأرباب. فقنعت منه بالدعاء، وفارقته مفارقة الظمآن للماء. ثم إنه بعد ذلك أبل، وعافاه الله عزه وجلّ، فتشوّف لرؤية مولانا أمير المؤمنين أيّده الله ونصره، وشكر في اعتنائه بالصالحين وردّه وصدره. فأخلى له مجلسه، واستدعاه وأنسه. فلم يزد الشيخ على حمد الله والثناء عليه وانصرف إلى حلّه الذي اشتاق إليه، وعاد إلى انقطاعه وتخلّيه، والاشتغال بتحلّيه العائد بتجلّيه. ولم يزل مولانا أيّده الله معتقدا فيه وفي أمثاله، معتملا في الاهتمام بأهل الله تعالى أعظم اعتماله. فالله يثيبه وينفعه، ويحيطه بالعمر الطويل ويمتعه بمنّه ويمنه. فصل وكان المقدّم شيخ الصوفية بهذه الزاوية المباركة عند خلاصها. ومتولى الإمامة بجامعها الأكرم المناسب لشرف اختصاصها الفقيه الصالح الزاهد أبا عبد الله محمد بن الفقيه الجليل المعظّم الأصيل رئيس المغرب وحسنة عصره المعجب به المغرب أبي محمد عبد

الله بن أبي مدين. فقال الواجب، وسلك في أموره على السنن اللاحب. ولما حصل مفتاح الزاوية بيده، وناسبت أحوالها الحسنة حسن معتقده، واستحق ذلك الطوق جيّد ولايته، وكانت تلك الخطة بداية في تقديمه، ونهاية رعايته، رأى حفظه الله أن يشهر أحوال تلك الزاوية في الآفاق، ويشيع في المعمور عمارتها الجميلة الوفاق. ليقدم عليها الوفود، وتكرم بمعاهدها العهود. وتحطّ بها الرحال، وتستقدم ببركتها الآمال، وتستكفى بحماها الخطوب، وتستجلى بروحها الكروب. وتتيّسر للضعفاء الأقوات، وتصفو من كدرها الأوقات. فاستدعى أهل فاس إلى الحضور بجامع القرويين في يوم أخذت به السعود مأخذها، واسترجعت الأفراح من يد الزمان أخائذها. واسترجعت في ميزان الابتهاج تباشيره، واستوضحت في وجه السرور أساريره. وطاف بكعبة الآمال طواف القدوم، وأبدى من محاسنه ما هو أبدع من الوشي المرقوم. فجاء الناس زرافات وأفذاذا، وأغذوا إلى إجابة داعيهم اغذاذا، ولم تتسلل البشرى عنهم لوذا بل أنفذ لهم حكم السعادة إنفاذا وأسرعوا إلى الجامع الأعظم إسراع الحجج ليلا بين العلمين، وازدحموا بصحنه ازدحام الركائب ليلة النفر بالمأزمين. فما راعهم إلّا بروز الشيخ الصالح الولي أبي يعقوب يوسف عمر الإمام نفع الله به فوقف للدعاء مليا. وأفصح بالثناء على مولانا أيّده الله بديا. ولم ينشب الناس أن أمنوا على دعائه، وأثنوا أعظم من ثنائه، وحمدوا الله ملء أرضه وسمائه. وقد كان شيوخ الزوايا مجتمعين، والفقراء السفّارة للأوامر مستمعين. وبيد قيّم الزاوية مفتاحها الضامن للفتوح، المبشّر بالخير الممنوح الذي فعله حميد، وكل بصر برؤية حديده حديد. فلما طلع حاجب الشمس، وتعرف الأفق بالفصل منها والجنس. خرج خدمة الزاوية مع الفقراء، وأمامهم صدور الشرفاء، وأعلام الفقهاء، وغيرهم من الأعيان الحسباء، ومن انخرط في سلك الدهماء. رافعين أصواتهم بالأذكار والدعاء، مفعمة أنوفهم بالعنبر والورد والكباء. مرسلة عليهم مزن القوارير بغيوث ماء الورد مشوبا بالعبير، مفضوضة لهم نوافح المسك الأذفر. مضمخة ذيول نسيمهم بشذاه الأذكى وعرفه الأعطر. وبرزت لذلك المشهد الكريم ربّات الحجال، والمخدرات المحمية ببيض النصال. وامتأت الطرق بالشبّان والكهول والشيب، داعين السميع المجيب، مظهرين للمحبّة التي استجليت ضرائبها المنزهة عن الضريب كالضريب. مخلصين لمولانا أمير المؤمنين المنصور الذي جاء

بالترغيب والترهيب. ثم خرجوا على باب المحروق فغصّت الأباطح بأصناف الخلائق. وانتشروا بتلك الأرجاء انتشار النواسم في الحدائق، وتجاذبوا أهذاب المسرّات الواضحة الحقائق، والابتهاج الذي أبان لهم أوضح الطرائق، إلى أن أفضوا إلى الزاوية النّيرة الطالعة الأنوار، وقدموا منها على محل الجود والإيثار، والفضائل التي تحلّت بها عواطل الاعصار، واشتهر ذكرها في الأقطار والأمصار. ودخلوا بابها الذي فتح للسعود أبوابا، وحلّوا بجنابها الذي فسح للخيرات جنابا، وعجبوا من صنائعها، وقيّدوا أبصارهم ببدائعها. وأطالوا بها الأذكار، واستنزلوا بأسرار قلوبهم الأنوار. وكان فيمن حضر ذلك الحفل الشيخ الشاعر الشهير أبو إسحاق الحسناوي التونسي، فأنشد قصيدة من نظمه في مدح مولانا الخليفة الإمام، وذكر محاسن تلك الزاوية التي هي بكر الأيام. فأصاخت إليه الأسماع، وكادت تنطق بأمثال مدامحه البقاع. وعلى أثر ذلك وصلت طيافير الطعام الملوكية، عليها المناديل الساطعة البياض، والسباني المرموقة كأنّها أزهار الرياض. من كل موشى الظاهر والباطن، ثقيل إلّا أنه متلقى بالقبول في كل المواطن، مستدير كالشمس لكن حرارتها في أوانه إذا سار لم يبرح عن سمت الرءوس يرصد أهل زمانه، كبير الساحة، تجول فيه الراحة بالراحة. مرتصّة في دواخله صفوف صحافه، لا يتحلّل فرجها الشيطان الذي حكمت التسمية بانصرافه. آت بما تشتهيه الأنفس التي حظيت باستعاده وإسعافه، معروفة حروفه بالإشباع والاتباع، آمنة أحاديثه المسلسلة من الانقطاع. متحرّك خفض على الجوار، فروى لحمه عن البزار. فأكل الناس هنيئا مريا، وأفاضوا في الدعاء الذي أطلع صبح القبول جليا، وانفضوا عن مشهد تهادت البلاد أخباره، واجتلت في صفحات الأيام آثاره. ووقت صفت من الشوائب موارده، واستحكمت بأيدي السعود معاقده. وحين أبدى وجوهه باهرة الجمال، وصدع بأنوار البشرى الطالعة نجومها في سماء الإقبال. واستتبت أمور الزاوية أحسن استتباب، وانسكبت سحائب الجود بذراها أعظم انكساب، واتبعت قلم الحساب بكل عطاء حساب. جزى الله مولانا على ذلكم جزاء من آتبع الحسنة بأختها. وتحلّى من الفضائل بأبدع نعتها، وجلى أحكام الفخار لوقتها، ولازال كماله منزها عن عوج النقائض وأختها.

تهنئة ملك غرناطة لملك المغرب بتحرير طرابلس

ولابن جزيّ في «الزاوية المتوكلية» نقلا عن كتاب أزهار الرياض وله في زاوية أبي عنان ومن ذلك قوله رحمه الله في الزاوية التي أنشأها أبو عنان، وهو مكتوب عليها إلى قرب هذا التاريخ: هذا محلّ الفضل والإيثار ... والرّفق بالسّكان والزّوّار دار على الإحسان شيدت والتّقى ... فجزاؤها الحسنى وعقبى الدّار هي ملجأ للواردين ومورد ... لابن السبيل وكلّ ركب ساري آثار مولانا الخليفة فارس ... أكرم بها في المجد من آثار لا زال منصور اللواء مظفّرا ... ماضي العزائم سامى المقدار بنيت على يد عبدهم وخديم با ... بهم العلّي محمّد بن جدار في عام أربعة وخمسين انقضت ... من بعد سبع مئين في الأعصار تهنئة ملك غرناطة لملك المغرب بتحرير طرابلس وعن تحرير لمدينة طرابلس 350 -IV نجد رسالة هامة إليه في غرض التهنئة من ملك غرناطة وكانت من انشاء ابن الخطيب ننقلها عن كتابه (ريحانة الكتاب) . المقام الذي شفي المجد والكرم بشفائه. وعاد جفن الملة بأنبا عصمته المستقيلة إلى إغفائه، ويلقى السرور ضيف البشارة المختالة من خبر راحته في أجمل الشّارة باحتفائه واعتفائه، وثبت للدين الحنيف ما فرج به من التعريف دليل السعد المنيف، وقد تطرّق القياس الجلى إلى انتقائه، فعاد مورد اليمن إلى صفائه، وتبرّأ الدهر من ذنبه [وعاد إلى وفائه] . مقام محل أخينا الذي أسباب هذه البلاد الغريبة بأسبابه معقودة، وآمال الإسلام بوجوده موجودة، وأبواب المخاوف بتأميل بابه العلى مسدودة [وأيدى من بها من الأمم على مجدها الراعي الذمم مشدودة] فأقطارها بقطر الإعلام بعافيته مجودة، وأكف ناسها على اختلاف أجناسها باشكر ممدوة، أبقاه الله يتلقى زيارة الله بالكنف الرّحب والعقد السّليم، ويعجل بريد الضراعة والاستقالة، مهما أحسّ بتغيير الحالة، طارقا باب السّميع العليم، ونقتني من الأجر الموفور الموفور، والثّواب المذخور، بضائع إنما يخص الله بها [من عباده] خزائن الأوّاه

الحليم، وجعل العصمة مصاحبة لذاته الطّاهرة، [في الأحوال الباطنة والظاهرة] يطالع منها زاد المسافر وتحفة القادم [وزاد المقيم] وشكر ما يصله بعناية تعريفه من سبب الولي الحميم [من الولي الحميم] معظّم قدره الذي تعظيمه مفترض. ومقيم برّه الذي لا يقدم على تتميمه غرض. الذي أقصى مذاهب المساهمة لمجده مهما ألمّ بجوهر مقامه الأبوي عرض، أو شاب مورد صحته مرض، فلان ومنه: وإلى هذا حرس الله ذاتكم الطاهرة من طرق النوائب، وصان مواردكم المؤملة من شبوب الشّوائب، وكنفكم بجناح عصمته في الشّاهد والغائب. فإننا في هذه الأيام، طرق بعض سواحلنا شاني مشنو الخبر، وحثّ جناح الشّراع منه مارج مكروه العين والأثر، جمجم بكلام ملفّق، ونبإ غير محقّق، عللّنا النفوس بتمحيله وتكذيبه، [ولم نعن] بتقرير هدهده فضلا عن تعذيبه، وغمضنا عنده الأجفان، طمعا في أن يكون حلما، وتغافلنا عن استفسار كلا يجر كلما، فلم تقرّ الجوارح على هذه الصّدمة المتعرّفة، ولا سكن اضطراب النفس في مثل هذه الأمور المصرّفة، فزند القلق في مثلها أورى، واضطراب البال بمثالها أحرى، والشفيق كما قيل بسوء الظن مغرى. فعجّلنا إلى جبل الفتح، من يجلب منه نفسا بنفس من بثّ وعيهنا له المراحل تحت الحثّ، فلم يكن يهبّ نسيمه، ويقضي إلى المطلوب سيره وتقسيمه، حتى طلع علينا من كتابكم صبح جلى الظّلمة المعتركة، وعلم عرف النكرة، وحكم حزم الظنون المذهلة المسكرة، عرفتمونا فيه بالألم الذي ألمّ، واتصال العافية التي خصّ صنعها وعم، وشرحتم ما أوجب الألفية التي صدّقت الآمال بتكذيبها، وسهّلت العبارة بحذف وحشيها وغريبها، وقررتم استقرار العافية في مهادها، ورجوع الحال الصحيحة إلى معتادها، واستبشار قبّة الإسلام باستقامة عمادها، وذهاب جياد السّرور في أقطار المعمور إلى غاياتها وآمادها. فقدّمنا أولا شكر الله الذي تعزّى لسان الفرج بتقديمه، ونظرنا إلى وجه الإسلام، وقد عادت نظرة أديمه، وبهرتنا فواضل مقامكم الذي اتّصل فضل حديثه بقديمه. فلقد كان كتاب مقامكم إلينا أمر من توقّع الشفا لديكم، وأنس من عوايد الصّنع الذي ورد عليكم، فنحن نسهب في الثناء ونطيل، ونتحكم على الأيام ونستطيل [ونظرح بظهور الحق ما دلسته الأباطيل [ونهنئكم بمراجعة عقيلة الصحة التي لا ينبو بها من بعد إن شاء الله بيت، ولا يتطرّق إليها [كيت ولا كيت] ولا يعمل بسببها بعلّ ولا ليت، فلتهن راحتكم مجالس العلم وخلوات العمل، لا بل الإسلام بما حمل، فإنما عصمتكم على الدين الحنيف وأهله رواق، وظلّ خفاق، ومكارمكم في أسواقها للدين والدنيا نفاق، فإذا تألّممتم كان بالدين الحنيف وأهله إشفاق، وإذا عوفيتم، كان للأمن اتّساق، وللسّعد إشراق. ثم اتبعتم رحل المرّة بالحقيبة، وجهاد الشيطان الناعق بالتعقيبة [جاريا على فضل من فضل الضريبة ومن النقيبة] فسرّحتم ما عندكم من العزم الذي جعلتم هذه الحركات المباركات مقدّمات قياسه، وأنواعا لأجناسه، وأنكم تباشرون إعداد المنشآت وتستظهرون على قطع مسافة البحر لجيادها الكرام الشّيات، وعملكم على ما فيه رضى الله، قضية لا تحتمل النقيض، وتصريح لا يقبل التعريض. إنما هو

جدّ خلص لله قصده، وعزم أرهف في سبيل الله حدّه، وكريم يقفو ما سنّه أبوه وجدّه، فاستكثروا من الخير الذي أنتم بسبيله، واستعدوا على البحر القاطع بيننا وبينكم بتوفّر عدد أساطيله، فقبل الرّمى تراش السّهام، وقبل اللقاء يكتب الجيش اللهام. وعقل التجربة قد بيّن ما أشكل، وفي معرض الاستعداد قيّدها وتؤكّل، ومن قبلكم تلتمس العوارف، ونقتبس المعارف، ونتوسّد الظّل الوارف، وبنظركم السّديد تحمد الموارد والمصارف [بفضل الله] . ومما أطرف به كتابكم الذي أطعم وسقا، وأورد المسرّات نسقا، وجلا من [الظلم المتظاهر] غسقا، خبر ما آل إليه حال مدينة إطرابلس التي أوقعت بالقلوب وقيعتها الشنيعة، وفرعت بملكه الكفر هضبتها المنيعة، وما ذخر الله فيها لملككم من حسن الصّنيعة، وأنكم لبّيتم على البعد نداءها، وشفيتم داءها، وعاجلتم من يد الكفار فداءها، وذلك عنوان قبول الله على مقامكم وإقباله، ومنفبة حباها الله لجلاله، فمن طمح إلى ما طمحتم إليه نظر لمناله، ومن شراها بالثمن الخطير، والله ما جار على ماله، فياله من فخر جلّ قدره عن الثمن، وذكر تخلل بغداد العراق وصنعا اليمن، وصفقة رابحة إن لم يعقدها مثلكم، وإلّا فمن لمثل ذلك تطمح الهمم، وفي مثله تتنافس الأمم، والله يذخر المال، وعليه تحوم الآمال، لدّة الإسكندرية، وأمّ من أمهات المدن البحرية، أراد الله أن يبقى التوحيد بها بسببكم، وأن يجعلها بالملك الصريح من مكتسبكم، فاهنوا بهذه الصنائع التي يلبسكم الله أطواقها، ويفتح بسعدكم أغلاقها، ما ذلك إلا لنية اطّلع عليها من ضميركم، فسدّد إلى [الغرض الكريم] سهام تدبيركم، وهو سبحانه يزيدكم من مواهبه، ويحملكم من البرّ على أوضح مذاهبه. وأننا لم استجلينا من كتابكم غرّة السعادة المشرقة. وشكرنا منكم موقع الغمامة المغرقة [أمرنا برقد] المنشور، فصدع به في الحفل المشهود [وبلغنا من الإشادة به أقصى الشهود] ورحّبنا بوافده المردود، وأرغمنا أنوف أعداء الله وأعدائنا بلوائه المعقود، حتى يبدو للقريب والبعيد تشيّعنا لمقامكم المحمود، واستظلالنا بظلكم الممدود، ونحن نجمع في مراجعتنا بين الشكر والثناء، ومضاعفة الهنا. ونسل الله تعالى أن يطيل بقاءكم في الملك الوثيق البناء، ويعرفكم من لديه عوارف الاعتناء [وهو سبحانه يديم سعدكم ويحرس مجدكم] والسلام.

المجلد الخامس

[المجلد الخامس] [الفهارس] (1) فهرس الآيات القرآنية ج/ ص/ الآية/ السورة/ رقم الآية 1/41/فقد ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا/ الأحزاب/ 10- 12 1/43/ولو نشاء، لطمسنا على أعينهم/ يس/ 66- 67 1/43/مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان/ الرحمن/ 19- 20 1/43/وعنت الوجوه للحيّ القيوم/ طه/ 111 1/44/إن وليي الله الذي نزل الكتاب/ الأعراف/ 196 1/43/حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم/ غافر/ 1- 3 1/44/فالله خير حفظا وهو أرحم الراحمين/ يوسف/ 64 1/44/فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم/ البقرة/ 137 1/44/والله من ورائهم محيط/ البروج/ 20- 22 1/77/فإذا خفت عليه فألقيه في اليم/ القصص/ 7 1/204/يا زكرياء، إنا نبشرك/ مريم/ 7 3/316/واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى/ البقرة/ 125 3/431/ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك/ الاسراء/ 29 3/431/والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا/ الفرقان/ 27 3/445/حسبنا الله ونعم الوكيل/ ال عمران/ 117 4/339/والعافين عن الناس/ ال عمران/ 134 4/342/والعاقبة للمتقين/ الأعراف/ 128 4/343/والله يختص برحمته من يشاء/ البقرة/ 105

(2) الأحاديث النبوية

(2) الأحاديث النبوية ص/ ج/ الحديث 1/77/في الحديث الصحيح (ص) :" ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل ليلة الإسراء إلى سدرة المنتهى" 78/" النيل والفرات وسيحان وجيحان كل من أنهار الجنة" 1/116/" لما أسرى بي إلى بيت المقدس مرّ بي جبريل على قبر ابراهيم" ... 1/204/" يعبد الله فيه (أي مسجد دمشق) بعد خراب الدنيا أربعين سنة" 1/267/" كلّا، عريش كعريش موسى أو ظلة كظلة موسى" 1/290/" إن أحدا جبل يحبنا ونحبه" 1/314/" إنه (الحجر الأسود) يمين الله في أرضه" 1/337/" أثبت فما عليك إلا نبي وصدّيق وشهيد" 1/357/" عمرة في رمضان تعدل حجة معي" 1/387/" علّموهم الصلاة يعلّموكم الدعاء" 1/387/" الإيمان يماني والحكمة يمانية" 1/387/" زاحموهم في الطواف فإن الرحمة تنصبّ عليهم صبّا" 2/167/" يا معاذ اذا جئت وادي الحصيب فهرول"!! 3/261/" من أحيا أرضا مواتا فهي له"

(3) فهرس الأشعار

(3) فهرس الأشعار أ الجزء/ الصفحة/ الشاعر/ عدد الأبيات/ القافية/ البحر I ،/ 157، 158، 159/محمد بن محمد بن نباتة القرشي الأموي/ 13/الشهباء/ الكامل II / 143/عبد العزيز بن سرايا الحلي (صفي الدين) / 2/مسمط/ الزوراء/ السريع ب I / 24، 25/محمد بن أبي تميم (أبو عبد الله) / 4/انسكبا/ البسيط I / 155/أبو الفتيان بن حيّوس/ 2/حلب/ البسيط I / 153، 154/أبو بكر الصنوبري/ 4/بالطرب/ المتقارب I / 149/الخالدي شاعر سيف الدولة/ 4/الصعب/ الطويل I / 196، 197/علي بن موسى بن سعيد الغرناطي (أبو الحسن) / 5/الغريب/ الكامل I / 160/محمد بن محمد بن نباتة القرشي/ 2/قلبه/ الكامل I / 57، 58/أبو الفتح بن وكيع/ 3/القصب/ البسيط II / 337، 338/عبد العزيز بن سرايا الحلي (صفي الدين) / 2/التّرب/ البسيط VI / 326، 327/مجهول/ 1/ترابها/ الطويل ت II / 16، 17/مجهول/ 2/عبرة/ السريع II / 141/مجهول/ 2/العلّات/ الخفيف د I / 69/ناصر الدين بن ناهض/ 6/بلد/ الرجز VI / 369، 370/محمد بن أحمد بن شبرين السبتي/ 3/طريدا/ الطويل VI / 315/النابغة/ عجز بيت/ العمد/ البسيط

ر I / 99/مجهول/ 1/بحر/ الكامل I / 195، 196/علي بن موسى بن سعيد الغرناطي (أبو الحسن) / 4/مختصر/ البسيط I / 155/أبو الفتح كشاجم/ 2/جارها/ المتقارب I / 119/مجهول/ 3/والحجر/ البسيط I / 192، 193/عرقلة الدمشقي الكلبي/ 3/الحور/ البسيط I / 150، 151/علي بن أبي المنصور (جمال الدين) / 3/الدايرا/ الكامل I / 195/علي بن موسى بن سعيد الغرناطي (أبو الحسن) / 4/مختصر/ البسيط I / 330/الحارث بن مضاض الجرهمي/ 2/سامر/ الطويل I / 154، 155/أبو العلاء المعري/ 3/سعير/ الخفيف I / 68/مجهول/ 2/يتبصر/ الطويل II / 18، 19/مجهول/ 3/الثرا/ السريع II / 102/عبد الوهاب بن علي بن نصر المالكي البغدادي/ 2/مقادير/ البسيط II / 103، 104/علي بن النبيه (أبو الحسن) / 4/هجيرا/ الخفيف VI / 361، 362/محمد بن غالب الرصافي البلنسي/ 10/مذكور/ البسيط VI / 360، 361/محمد بن غالب الرصافي البلنسي/ 1/الطور/ البسيط ل I / 23، 24/علي بن حبيب التنوخي/ 5/والمصلا/ الكامل I / 191، 192/شرف الدين بن محسن/ 3/عذول/ الطويل I / 160، 161/مجهول/ 1/سائله/ الطويل I / 194، 195/عبد الرحيم البيساني/ 4/سلسلا/ الكامل // وقد نسبت لان المنير أيضا/// III / 409، 410/ابن بطوطة/ 7/الفلا/ الطويل م III / 272/جمال الدين المغربي الغرناطي/ 1/عظاما/ الخفيف VI / 289، 290/سعدي شيرازي (بالفارسية) / 1/داديم/ رجز

ن I / 58/مجهول/ 2/يقومونا/ البسيط II / 140، 141/أبو نواس/ 1/نصيبين/ البسيط VI / 366/عبد الوهاب بن علي المالقي (أبو محمد/ 2/ياتينها/ السريع VI / 366، 367/أبو عبد الله بن عبد الملك/ 1/زياتينها/ السريع VI / 375، 376/محمد بن عبد الملك الأوسي (أبو عبد الله) / 3/سكن/ البسيط ص I / 144/مجهول/ 2/إخلاصي/ الكامل I / 143/مجهول/ 2/القاصي/ الطويل ف I / 142، 143/علي بن موسى بن سعيد الغرناطي/ 6/والطرفا/ الطويل II / 102، 103/عبد الوهاب بن علي بن نصر المالكي البغدادي/ 4/المضاعف/ الطويل ق I / 77/مجهول/ 1/مغلق/ الكامل I / 155، 156/علي بن موسى بن سعيد الغرناطي/ 6/سياق/ الخفيف // (أبو الحسن) /// I / 192/عرقلة الدمشقي الكلبي/ 2/جلّق/ الكامل I / 193، 194/سبع بن خلق الأسدي (أبو الوحش) / 7/دهاقها/ الرجز II / 103/عبد الوهاب بن علي بن نصر المالكي/ 2/والضيق/ البسيط // البغدادي (أبو محمد) /// II / 104، 105/امرأة مجهولة/ 4/أحداقها/ الكامل VI / 371، 372/أحمد بن رضوان بن عبد العظيم/ 2/ترمقه/ الرمل الجذامي (أبو جعفر) س I / 153/أبو عبادة البحتري/ 3/بطياس/ الكامل

I / 292/مجهول/ 2/الرّجس/ الطويل I / 25/مجهول/ 2/قابس/ الرجز وI / 190/مجهول/ 3/سواها/ الخفيف ي I / 150/الخالدي شاعر سيف الدّولة/ 5/عاليها/ البسيط I / 221، 222/مجهول من دمشق/ 2/راضية/ الرجز II / 101، 102/حبيب بن أوس (أبو تمام) / 4/باكيها/ البسيط VI / 334/مجهول/ 2/عليه/ المجتث

(4) فهرس الأمثال والتعابير والأقوال

(4) فهرس الأمثال والتعابير والأقوال م/ ص I / 51/سورها حلوى وكلابها غنم! I / 97/ممّن ولى عن غير عهد بالعز! I // من خدم السلطان لا يمكنه الخروج إلا بإذنه II / 72/أين الثريا من الثرى II / 247/كسير وعوير وكلّ غير خير II / 248/كجالب التمر إلى هجر II / 317/الناس على دين ملوكهم II / 415/الكركدن رأس بلا بدن III / 20/القادم يزار III / 77/صدقهم سنّ بكره III / 320/لفعل أبيهم ... III / 346/باتوا على تعبئة III / 400/أمر له بكذا دينار عن يد: فورا وعدّا III / 446/إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى! VI / 91/بحر الصّين لا يسافر فيه إلا بمراكب الصين VI / 146/الصّاري والقرية ... VI / 210/جهنّم ملأى بالنّعم! VI / 362/حلب الأيام أشطرها VI / 340/هكذا وإلا فلا VI / 341/خرّ صريعا لليدين والفم

(5) فهرس الأعلام البشرية

(5) فهرس الأعلام البشرية الأعلام أ إبراهيم المعروف بالبنجي التتري، أمير بالهند III /ص 349 وما بعد، ص 354 إبراهيم القونوي (الحاج) - بالأندلس،VI /ص 373 إبراهيم القونوي صاحب مقبرة بالهند،III /ص 383 إبراهيم صاحب زاوية بين المغرب الأوسط والأقصى،VI /ص 332 إبراهيم (الشيخ) من مدينة المهل (مالديف) له مدينة ظهار بالهند إقطاع له،VI /ص 43 إبراهيم (الناخودة) بمدينة قالي بجزيرة سيلان،VI /ص 185 إبراهيم (الناخودة) بقندهار مدينة بحرية بالهند،III /ص 185 إبراهيم (أبو إسحاق) المعروف بالشندرج،VI /ص 363 إبراهيم الأندلسي (برهان الدّين،I / (ص 107 إبراهيم بك ولد سلطان مدينة ميلاس،II /ص 278 إبراهيم بك حاكم مدينة صنوب،II /ص 349، 351، 353 إبراهيم بن أدهم وليّ من الأولياء في بلخ،I /ص 137، 173، 176، 185، 254 III 62- 63 II إبراهيم الشريف المعروف بالخريطه دار،III /ص 337 إبراهيم (أبو إسحاق) بن حسين بن علي بن عبد الرفيع الربعي،I /ص 22 إبراهيم بن محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم،I /ص 286، 287 إبراهيم بن محمود بن سبكتكين،III /ص 162 إبراهيم بن يحيى (أبو إسحاق،II / (ص 152 إبراهيم الجمحي (رجل صالح،I / (ص 176 إبراهيم خان (صوابه بهرام خان،III / (ص 230- 317

إبراهيم الخليل (عليه السلام،I / (ص 114، 118، 127، 148، 151، 231، 232، 237، 299، 300، 301، 304، 306، 315، 316، 336، 337، II ، ص 94. إبراهيم الخوزي من الأعاجم،I /ص 323 إبراهيم الرفاعي شيخ في سونسى،II /ص 293 إبراهيم المصري (برهان الدين) المقرئ،I /ص 358 إبراهيم شاه ابن الأمير ستيتة،II /ص 124 إبراهيم شاه بندر أمير التجار في قالقوط من أصل بحريني،VI /ص 89، 90 ابن ابراهيم أبو عبد الله الشهير بالمكّي،I /ص 429 الإبراهيمي تنسب له زاوية،I / ... ص 140، 166 الآبلي أبو عبد الله (وليس الأبلي VI / (ص 330، 331 ابن بدّاء،VI /ص 386 ابن برهان الدين المصرّي الأصل،II /ص 183، 184 ابن بطوطة (مؤلف الرحلة) محمد بن عبد الله بن محمد،I /ص 1 اسمه ونسبه دعي في الشرق بشمس الدين. خروجه بشمال افريقيا إلى الاسكندرية 12- 17 سفره بمصر 17- 113 بفلسطين وسوريا 113- 257 بالجزيرة العربية حيث حجّ بيت الله بمكة ثم ذهب إلى مشهد الإمام علي في عراق العرب 257- 430 ذهابه للبصرة ثم فارس ج،II ص 1- 21 سفره بفارس 21- 93 بالكوفة ثم بغداد 93- 128 جولة إلى تبريز وعودة إلى بغداد 128 سفر إلى الموصل وديار بكر 131- 147 عودة إلى بغداد وسفر إلى مكة حيث حج وأقام بمكة طوال ثلاث سنوات 147- 155 ذهابه لليمن 156- 179 سفر. إلى الساحل الشرقي لافريقيا 180- 195 عودة إلى اليمن، ذهاب إلى عمان وسفر حتّى هرمز 196- 230 سفر من هرمز ولار

والبحرين إلخ. حج جديد ثم الذهاب إلى انطاكية حيث أبحر الرحالة إلى آسيا الصغرى 255- 354 ابن بطوطة يبحر إلى جزيرة القرم ويقوم بسفر إلى بلاد القفجق- 412 354 الرحالة يغادر مدينة الحاج ترخان رفقة الأميرة إلى القسطنطينية 412- 444 ابن بطوطة يغادر اسطامبول إلى مدينة السرا ثم يتجه نحو خوارزم 444- 450 ذهاب ابن بطوطة من السرا وسفره في بلاد التتر وما وراء النهر جII ص 1- 58 دخول الرحالة إلى خراسان رحلته إلى تركستان 58- 88 سفر إلى أفغانستان وكابل 88- 93 الوصول إلى السند والسفر إلى دهلي 93- 146 وصف هذه العاصمة، تفصيلات تاريخية، مقام ابن بطوطة في دهلي إلخ 146- 449 تلقيب ابن بطوطة في الهند بمولانا بدر الدّين 392 تعيينه قاضيا 402 مرتّبه الخ شعره في سلطان الهند 409- ابن بطوطة يستعد لمغادرة الهند ليقوم بالسفارة إلى الصين، سبب هذه السفارة ج،VI ص 1 ذهابه من دهلي وسفره إلى كنباية 4- 53 المقام في كنباية والسفر إلى قالقوط، 53- 88- تفصيل عن قالقوط الحديث عن المعوّقات التي حالت دون قصده هذه المرة إلى الصين- ذهابه إلى كولم 89- 98 وصول ابن بطوطة إلى كولم ومقامه بها بعض الوقت متاعبه على ساحل المليبار وغيره إلى أن انتهى إلى جزر مالديف 99- 110 المقام بمالديف 110- 195 تعيين ابن بطوطة قاضيا بمالديف 151 مغادرة هذه الجزر 165 السفر نحو سيلان وبلاد المعبر 165- 206 عودة ابن بطوطة إلى المليبار ثم إلى مالديف ثم إلى بلاد البنغال إلخ 206- 224 السفر إلى جزر وأرخبيل الهند وصول ابن بطوطة إلى الصين 224- 254 السفر والمقام بالصين 254- 304 ذهاب ابن بطوطة من بيكين- اتجاهه نحو الطريق إلى بلاده 304- 332. حج مكة وزيارة المدينة 324 الوصول إلى تونس 327 نزول سردانية 331 الوصول إلى فاس 332. مقامه بفاس وبالمغرب إلى أن رحل إلى الأندلس 332- 353 سفره إلى الأندلس 354- 374 ابن بطوطة يعود إلى المغرب ثم سفره إلى بلاد السودان الغربي 474- 444 ابن بطوطة يتوصل بخطاب من السلطان أبي عنان يأمره بالمقام بفاس وانتهاء الرحلة 448 الخاتمة 449- 451.

ابن تيفراجين،VI /ص 329 ابن جزي/ ناسخ الرحلة،I ص 10 اسمه الكامل 12 إضافاته: 13- 20- 23 25- 31- 32- 33- 57- 68- 69- 142 144- 149- 151- 153- 156- 159 160- 190- 191- 197- 221- 340- 405- 406 II ص 13- 16- 18- 24 49- 101- 141- 143- 337 III ص 26 VI ص 263- 264- 339- 340- 343- 346- 348- 350- 355- 366- 369- 371- 375- 391- 409- خاتمته 449- 451. ابن الجوزي صاحب كتاب المدهش VI /ص 433، 434 ابن حديدة في المغرب الأوسط،I /ص 17 ابن رواحة،I /ص 46، 47 ابن الزهراء،I /ص 217 ابن زيري،VI /ص 379، 380 ابن كنز الدين لعله (كنز الدّولة،VI / (ص 396 ابن ملجم،II /ص 94، 96، 228 ابن منجا،I /ص 230 ابن المنير،I /ص 194، 195 ابن المؤيد،I /ص 180، 182 ابن النعمان،I /ص 65 ابن عبد الحميد،II /ص 386، 396، 398، 403 ابن الشيخ عبد الرحمن الاسفراني،II /ص 76 ابن عبد الرزاق،II /ص 352 ابن عدّي،VI /ص 380 ابن عمر،I /ص 230 ابن العميد،I /ص 63.

ابن قريعات الطنجي (الحاج،VI / (ص 332 ابن قلم شاه،II /ص 281، 282 ابن قفل،I /ص 61 ابن السواملي،VI /ص 168 ابن شيخ اللبن،VI /ص 420، 421 ابن يغمور،VI /ص 446 أبو إسحاق بن محمد شاه ينجوا،II /ص 63، 73، 77، 125 ج،III ص 47، 248، ج،VI ص 311، 312 أبو بكر خطيب الشافعية بجزيرة القرم،II /ص 360، 362 أبو بكر المغربي أبحر مع ابن بطوطة من صنوب إلى القرم،II /ص 354 أبو بكر بن ارغون الدوادار،I /ص 399 أبو بكر بن نقطة،I /ص 58 أبو بكر بن عمر (الشيخ،II / (ص 183 أبو بكر بن يعقوب،VI /ص 425، 429 أبو بكرة،II /ص 14، 312 أبو بكر الصديق (الخليفة،I / (ص 211، 262، 264، 267، 276 289، 327، 337، ج،II ص 228 أبو بكر الشبلي،II /ص 113 أبو بكر الشيرازي المعروف بالصامت،I /ص 357 أبو حنيفة الإمام،II /ص 112 أبو حنيفة القاضي،II /ص 115 أبو حفص تاجر (من مسوّفة،VI / (ص 416 أبو حفص عمر النّسفي مؤلف المنظومة،III /ص 56 (المنظومة من 2669 بيت) أبو حفص (مدرّس تكدّا،VI /ص 442 أبو الحسن حاكم قسطنطينة،I /ص 18 أبو الحسن أمير عربي كان في خدمة سلطان الهند،VI /ص 104 أبو الحسن ابن أبي سعيد، والد السلطان أبي عنان،VI /ص 328- 329، 354، 355، 356، 375، 400، 409

أبو الحسين بن جبير الرحالة الشهير،I /ص،II،190،188،148،146 100، 101. أبو الدرداء،I /ص 225 أبو رهم،III /ص 87 أبو زكرياء بن يعقوب،I /ص 32، أبو زيان بن ودرار،VI /ص 333 أبو الطيب،I /ص 16، 19 أبو لهب،I /ص 333، ص،II ص 338 أبو مالك بن أبي الحسن أمير بني مرين،VI /ص 356 أبو محمد بن أبي بكر بن عيسى،II /ص 201، 202 أبو محمد بن مسلم،II /ص 151 أبو محمد بن نبهان،II /ص 228، 229، 230 أبو محمد بن القابلة،II /ص 151 أبو مروان بن مكي،VI /ص 327 أبو النجاة،I /ص 50 أبو نميّ،I / ... ص 344، 360، 379، ج،II ص،VI 162 ص 82 أبو نواس،II /ص 140، 141 أبو العباس بن البلنسي،II /ص 151 أبو العباس بن سليمان العباسي،I /ص 364، ج،III ص 117، 248 أبو العباس بن تافوت من حجاج أهل طنجة،II /ص 151 أبو العباس بن مكّي،VI /ص 327 أبو العباس بن عبد الظاهر،I /ص 104 أبو العباس بن يعقوب الأصم،II /ص 84 أبو عبد الله بن أبي جعفر بن أبي عبد الله الطنجالي،VI /ص 367 أبو عبد الله بن خفيف (شيراز،II / (ص 49، 79، 80، 82 ج،VI 171، 177، 183. أبو عبد الله الرازي،I /ص 58

أبو عبد الله بن رشيد الخطيب،III /ص 26 أبو عبد الله بن الكماد محدّث،I /ص 20 أبو عبد الله بن عبد الملك القاضي،VI /ص 366، 367 أبو عبد بن عطاء الله فقيه بطنجة،II /ص 151 أبو عبد الله بن هارون (تونس،VI / (ص 330 أبو عبد الله بن ياسين وزير سلطان افريقية،I /ص 32 أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة،I /ص 129، 198 أبو عمر بن أبي الوليد بن الحاج التّجيبي إمام بدمشق،I /ص 211 أبو غرة بن سالم بن مهنّى بن جمّاز بن شيحة الحسيني المدني،I /ص 421، 422، 428، 429، 430 أبو الفتح بن وكيع التّنيسي شاعر مجيد،I /ص 57، 58 أبو الفتيان بن حيوس،I /ص 155 أبو القاسم بن بنون المالكي التونسي فقيه بالمحلة الكبرى،I /ص 56. أبو القاسم بن رضوان صاحب علامة السلطان،VI /ص 409 أبو القاسم بن شعبان دفين قرافة مصر،I /ص 76 أبو سعيد بن أبي يوسف سلطان بني مرين،I /ص 14، 406 ج،II ص 173 أبو سعيد بهادو سلطان العراقين/ انظ بهادور أبو هريرة صاحب رسول الله،I /ص 116 أبو يحيى سلطان افريقية،I /ص 15، 21، 22 أبو يعقوب بن عبد الرزاق أمير بجدة،II /ص 157 أبو يوسف بن عبد الحق (ملك المغرب،I / (ص 14، 406 أبي بن كعب صاحب رسول الله،I /ص 223، 268، 269، 270 الأبياني (أبو العباس) صوفي بمدينة زبيد،II /ص 169 أحمد الجام زاهد شهاب الدّين،III /ص 75 أحمد معلم مولانا جلال الدّين،II /ص 284 أحمد أمير ابن عمّ الملك الناصر (مصر،II / (ص 154 أحمد (أبو العباس) شيخ بظفار (عمان،II / (ص 202 أحمد (شهاب الدين، عرف بابن الشحنة الحجّار،I /ص 248 أحمد (شهاب الدين) اصفهان،II /ص 46 أحمد (شهاب الدين) رجل صالح في قنا صعيد مصر،I /ص 106 أحمد الأندلسي (أبو العباس) رفيقه بجبل ثور،I /ص 341

أحمد بن ابراهيم بن فلّاح بن محمد الإسكندري (شهاب الدين،I / (ص 253 أحمد بن بطوطة ابن للرحالة في الهند،III /ص 267 أحمد بن حكامة من حجاج أهل طنجة،II /ص 151 أحمد بن حنبل الإمام،I /ص 230، ج،II ص 58، 113 أحمد بن الحسن الحرشي (أبو بكر) (محدّث،II / (ص 84 أحمد بن رميثة بن أبي نمى من أشراف مكة،I /ص 344، ج II ص 99، 152 أحمد بن رضوان بن عبد العظيم الجذامي شاعر مجيد،VI /ص 371، 378 أحمد بن محمد بن مرزوق (أبو العباس) مجاور بالمدينة،I /ص 280، 281، 282 أحمد بن موسى له مشهد بشيراز،II /ص 77، 78، 79 أحمد بن صبيح من قواد أمراء مكة،I /ص 381 أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد المقدسي (شهاب الدين،I / (ص 252 أحمد بن العجيل اليمني زاهد باليمن،II /ص 169، 170، 171 أحمد بن علي (شهاب الدين) إمام الحنفية بمكة،I /ص 352، ج،VI ص 325 أحمد بن سيرخان أمير مدينة گاليور (الهند،VI / (ص 33 أحمد أتابك (ملك بلاد اللور،II / (ص 31، 33، 34، 40 ج،VI ص 346 أحمد التبريزي (الحاج) من سكان غرناطة،VI /ص 373 أحمد الجام (شهاب الدين) عابد زاهد،III /ص 75، 76، 77 أحمد الدينوري محدّث،II /ص 48، 50 أحمد الرفاعي الشيخ المعروف بصاحب أبي مدين،I /ص 223، 224، ج،II ص 25، 292، 375 أحمد كوجك حفيد الشيخ الرفاعي،II /ص 4، 293 أحسن شاه جلال الدّين (أمير بالهند،III / (ص 328، 337 ج،VI ص 189 200 اختيار الدين أرخان ابن عثمان جد العثمانيين،II /ص 321، 322، 324، 329 أخي بجقجي من جماعة الأخية الكرماء،II /ص 368 أخي جاروق أمير من الأخية،II /ص 287 أخي جلبي من كبار الأخية،II /ص 290، 291، 292

أخي جلبي عز الدين،II /ص 349 أخي طومان،II /ص 273، 274 أخي طومان،II /ص 294، 295 أخي مجد الدين،II /ص 293 أخي محمد،II /ص 308 أخي محمد بجقجي،II /ص 290 أخي نظام الدين،II /ص 348 أخي نظام الدين،II /ص 294 أخي علي،II /ص 280 أخي فرج الزنجاني،II /ص 48، 49 أخي سنان،II /ص 273، 275 أخي سنان،II /ص 318، 319 إدريس اسم ملك ببلاد برنو،VI /ص 441 آدم،I /ص 130، 232، 336، 398، 416 VI ، ص 181، 321 أدفونس (الفونس الحادي عشر،VI / (ص 354 أدهم هذا والد ابراهيم (الولي المعروف،I / (ص 173، 176 أرتنا أمير تغلب على بلاد التركمان،II /ص 124، 286، 287، 291، 293 أرخان بك بن المنتشا (شجاع الدين) سلطان،II /ص 279، 280 أردجا أميرة بمدينة كيلوكري،VI /ص 249، 250 أردجي من خواتين السلطان أوزبك،II /ص 383، 395 أرن بغا ممّن اجتمع بهم عند ملك الهند،III /ص 121، 375، 394 أرغون الدوادار نائب الملك الناصر،I /ص،VI 399،228،156،86،85 ص 317، أرغون سيف الدّين الكاملي،III /ص 66، ج VI ص 317 إزار اسم سلطان تكدا وهو بربري،VI /ص 442 آزر أبو بني الله ابراهيم،I /ص 237 الأزرقي مؤرخ مكة،I /ص 305، 338 الأطروش شيخ لزاوية بقصطونية،II /ص 341

ألتمش (ALTMICH) انظر شمس الدين للمش إلياس عليه السلام،II /ص 19، 232، 349، 369 VI ، ص 61 إلياس ناخذا أحد كبار التجار،III /ص 371، ج،VI ص 54، 55 إلياس بك أمير الحصن،II /ص 277 أم حبيبة بنت أبي سفيان،I /ص 222 أم الدرداء،I /ص 2252 أم كلثوم (ابنة محمد (ص،I / ((ص 226 أم كلثوم (ابنة علي بن أبي طالب وفاطمة،I / (ص 225، 226 أم مريم عليها السلام،I /ص 226 أم سلمة رضي الله عنها،I /ص 398 أمير أحمد (بن المالك الناصر،II / (ص 249، 250 أمير أميران الكرماني صديق لابن بطوطة،III /ص 347 أمير حاجب الحاجب الملكي،III /ص 288، 289، 392 أمير سيّد الشيرازي (قاضي،VI / (ص 230، 235 أمير هندو ابن الشريف علي،III /ص 78 الأنصاري (أبو أيوب) (صحابي،I / (ص 265، 266، 289 أنس بن مالك،II /ص 14، ج،vI ص 312 أصبغ بن الفرج،I /ص 76 اصف بن برخياء ابن خالة سليمان (ص،II / (ص 433، 434 أفخر الدين قاضي مدينة الزيتون (الصين،VI / (ص 284، 292 أفراسياب بن أحمد أتابك سلطان،II /ص 30، 31، 34، 36، 125 ج،VI ص 314 الأفرم له زاوية بمدينة قوص،I /ص 107 الأفرم أمير حمص،I /ص 170، 171 أفندي أخو السلطان،II /ص 345 الأقصراني (أبو الحسن،II / (ص 232 الأقصري (أبو الحجاج) عابد صالح،I /ص 107، ج،II ص 253 إسحاق (نبي الله،I / (ص 115 إسحاق الجاناتي (أبو إبراهيم) مدينة تكدّا،VI /ص 438، 439، 442

أسد الدين رميثة بن أبي نمى بن أبي سعد بن علي بن قتادة الحسني،I /ص 44، 344، 354، 378، ج،II ص 153، 155 أسد الدين كيخسرو الفارسي،VI /ص 197 أسطا محمود اللوري،VI /ص 175 إسماعيل فقيه في هنور بالهند،VI /ص 66، 68 إسماعيل الأفغاني،III /ص 90 إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام،I /ص 312، 313 إسماعيل بن أحمد بن العجيل اليمني (أبو الوليد،II / (ص 171 إسماعيل بن محمد بن خذاداد (مجد الدين،II / (ص 54، 63، 67، 79، 83، 84، 116، ج،III ص 254، 255، جVI ص 312، إسماعيل بن الناصر (الملك الصالح،I / (ص 368، 369 أسعد بن زرارة رضي الله عنه،I /ص 266 الأشرف أخو الملك الناصر،I /ص 168 أشهب بن عبد العزيز دفين القرافة،I /ص 76 أوحد الدين السّنجاري نزل عنده في صين كالان،VI /ص 274، 276، 277 أولو خان أمير السند،III /ص 202 أويس القرني (صوفي،I / (ص 222، 223 أيت كججك ابنة السلطان،II /ص 383، 389، 395، 396، 397، 405 أيدمور أمير جندار الناصري،II /ص 154 ايري شكروتي سلطان من سيلان،VI /ص 165، 167 وما بعد، ص 174 أيوب بنّى الله،I /ص 232 أيوب الفخار (أبو الصبر) حاج من أهل طنجة،II /ص 151

ب بابا خوزي بجزيرة سيلان،VI /ص 178 بابا طاهر مغارة في سيلان،VI /ص 177 بابا الشّشتري رجل صالح في ميلاس،II /ص 279 باسدو سلطان فاكنور الهند،VI /ص 78، 79 البايزيدي من بلاد مانكبور،III /ص 273، 367 البحتري (أبو عبادة،I / (ص 153 بختيار من حاشية السلطان (الهند،III / (ص 320 بختيار الكعكي (قطب الدين،III / (ص 156 بدر الحبشي أمير علابور،VI /ص 31- 32 بدر الدين الأعرج القاضي،II /ص 448، 449 بدر الدين بن البابه من أمراء مصر،I /ص 86 بدر الدين بن جماعة قاضي مصر،I /ص 88 بدر الدين بن الزهراء من قضاة حلب،I /ص 161 بدر الدين بن قرمان سلطان اللارندة،II /ص 284- 285 بدر الدين الحسيني رجل صالح من مصر،I /ص 92- 93 بدر الدين المعبري قاضي مدينة منجرور،VI /ص 80 بدر الدين الميداني واعظ،III / ... ص 32 بدر الدّين النقّاس من شيوخ اليمن،II /ص 166 بدر الدين العسقلاني،I /ص 161 بدر الدين الفصّال،III /ص 121، 375 بدر الدّين القوامي نزل عنده ابن بطوطة،II /ص 398، 403 بدر الدين السلختي الحوراني قاضي غزة،I /ص 114 بربرة اسم لسلطان بالهند،III /ص 335 البربري (أبو البركات) دفين مالديف،VI /ص 127، 129 برنطية أمير غزنة،III /ص 42، 83، 87- 88

برهان الدين في الصين أخو الأعرج،i /ص 38 برهان الدين الأعرج،I /ص 37، 38، ج،iii ص 102، 135 برهان الدين بن بنت الشاذلي نائب قاضي القضاة،I /ص 91 برهان الدين بن عبد الحق الحنفي (القاضي،I / (ص 90 برهان الدين بن الفركح الشافعي،I /ص 213، ج،iii ص 252 برهان الدين الجعبري خطيب إمام بمدينة الخليل،I /ص 116 برهان الدين خداوند زادة،III /ص 375 وما بعد، ص 394 برهان الدين الكازروني،VI /ص 271 برهان الدين المصري،I /ص 183 برهان الدين الموصلي،II /ص 145- 147 برهان الدين الصاغرجي،III /ص 255. ج،vi ص 220، 221، 296، 299، 304 برهان الدين الصفاقسي،I /ص 92 برهان الدين العجمي،I /ص 357، 358 بروانة بن علاء الدين الرومي سلطان،II /ص 350 برويز الكازروني ملك التجار،III /ص 244، 245 ج،vi ص 54 بك بن الدنداربك (أبو إسحاق) سلطان أكريدور،II /ص 267، 269 بكتمور من أمراء الملك الناصر،I /ص 85، ج،ii ص 249- 250 البكري (أبو عبيد،I / (ص 28 بنجو اسم لإحدى زوجات ملك مالي،VI /ص 417- 419 بغداد خاتون،II /ص 122، 123 بغرة من ملوك الهند،III /ص 231 البسطامي (الشيح،III / (ص 144 البسطامي (أبو يزيد) صاحب زاوية في بسطام،III /ص 82 بشاي أغل ابن السلطان طرمشيرين،III /ص 43- 46 بشتك من أمراء مصر،I /ص 86 بشر الحافي متصوف دفين بغداد،II /ص 113 البشرى (أبو محمد) بسجلماسة وله أخ بالصّين،VI /ص 376- 377 بشير ملك تنسب له زاوية بالهند،III /ص 447

بهاء الدين الحاج صدر الزمان، قاضي بالهند،VI /ص 190، 203 بهاء الدين إسماعيل من أولاد بهاء الدّين الملتاني،II /ص 22 بهاء الدين بن عبد العزيز مدرس بمدينة قوص،I /ص 107 بهاء الدين بن عقيل من فقهاء مصر،I /ص 91 بهاء الدين بن غانم كاتب السر بطرابلس،I /ص 139 بهاء الدين بن الفلكي،III /ص 246- 247، 424 بهاء الدين بن سلامة خطيب بمسجد الرسول،I /ص 276- 277 بهاء الدين الختني أحد رفاق ابن بطوطة،II /ص 28 بهاء الدين الطبري،I /ص 107، 348 بهاء الدين كشت اسب (أمير بالهند،III / (ص 318- 322 بهاء الدين الملتاني نائب ابن بطوطة في القضاء،III /ص 403 بهاء الملك هبة الله،II /ص 72 بهادر عبد الله،I /ص 178 بهادور الحجازي،I /ص 86 بهادور خان (أبو سعيد) سلطان العراقين: العرب والعجم،I /ص 172، 325، 404، 405، 421 II ، 33، 56، 57، 114 وما بعد، 123 125، 131، 138، 153 ج،III ص 75، VI ، ص 314 بهرام ملك غزنة،III /ص 264 وما بعد بهرام جور من أهل جبل بذخشان،III /ص 394. ج،VI ص 26 بهرام خان ابن أخي سلطان الهند (انظر ابراهيم،III / (ص 316، 317، 230 بهروز نائب صاحب البحر،VI /ص 229 به زاد أمير ملتان،III /ص 362 البهلوان محمد الحويح،I /ص،II،404 ص 153 بهلوان محمود نجّار شهم من شيراز،II /ص 66 بهلول الشولي أحد صلحاء شيراز،II /ص 89 بوزن أغلى أمير،III /ص 39، 40، 41 وما بعد، 49. بلال الحبشي مؤذن رسول الله،I /ص 222 ج،II ص 349، 350 بلاد ديو من أحد السلاطين بالهند،VI /ص 195- 196، 198 البياري (أبو الحسن) حاج من أهل طنجة،II /ص 151

بيبرس الأول (الملك الظاهر،I / (ص 121، 138، 162، 177، 218 336 بيبرس الشّشنكير أمير الطعام،II /ص 256 بيبي مريم حاكمة بعمان،II / ... ص 225 بيدرة أمير من أمراء أوزبك خان،II /ص 412، 419 بيلون (الخاتون) بأوزبكستان،II /ص 383، 393 وما بعد، 411 412، 413، 421 وما بعد ج،III ص 10 بيلون خاتون حاكمة مدينة يزنيك،II /ص 323- 324 ت التاج أبو إسحاق من وفد الحاج المصري عام،II/728 ص 152 تاج الدين الأردويلي،VI /ص 270 تاج الدين الأصفهاني،VI /ص 230 تاج الدين بن الكولمي،III /ص 369، 370، 372 تاج الدين بن الكويك،II /ص 149 تاج الدين الرفاعي،I /ص 126، ج،II ص 293 تاج الدين السلطانيوكي من كبار علماء قصطمونية،II /ص 342 تبل بن كبيش بن جمّاز مقيم بمقدشو،II /ص 194 تتر ملك تابع لسلطان الهند،III /ص 281 ترابك (الخاتون) زوج الأمير صاحب خوارزم،II /ص 73 ج،III ص 4، 9، 14، 15 ترسي رئيس السفارة الصينية لدى الهند،VI /ص 4 التكركري من سلاطين البربر،VI /ص 442 تكفور- (اندرونيك،II / (II ص 393، 427 تكين من أمراء جيش ملك الهند،III /ص 208 تلكتمور ملك مدينة القرم عن أوزبك خان،II /ص 359، 360، 362، 366، 369، 370، 374، 381 تمتهن (صوابه تهمتن) بن طوران شاه سلطان هرمز،I /ص 369، ج،II ص 124، 200، 226، 233، 242

تمور من أمر جيش ملك الهند،III /ص 208، 332، 151 تمور الطي من أمراء الترك،III /ص 71، 73 تميم الداري،I /ص 275 تنكيز خان التتري (جنكيز،III / (ص 22- 27، 40، 57، 86 جVI ص 258، 300 تغلق شاه (غياث الدين) ملك الهند،I /ص 424، ج،III ص 201، 202، 208، 209، 210، 213، 214، 215، 318، 322 تقبغا من الأمراء الذين اجتمع بهم،III / ... ص 29، 30 تقزدمور من أمراء مصر،I /ص 86، ج،II ص 152 تقي الدين بمدينة كولم أخ لكبير المسلمين بها،VI /ص 100 تقي الدين الاخنائي قاضي المالكية،I /ص 88 تقي الدين بن تيمية،I /ص 215، 218، ج،III ص 252 تقي الدين بن دقيق العيد،I /ص 90 تقي الدين بن الصائغ الشافعي،VI /ص 319 تقي الدين بن عبد المحسن الواسطي،II /ص 3، 4 تقي الدين بن السّبكي،VI /ص 317 تقي الدين بن السراج له مدرسة بساحل النيل،I /ص 105 تقي الدين المصري،I /ص 353، 354 توره اسم لأحد كبار السلاطين،III /ص 143 التيروري سلطان كولم،VI /ص 100، 101، 102 تين بك ابن السلطان من زوجته طايطغلي،II /ص 383، 389، 397، 398، 403 ث ثابت البناني،VI /ص 312 ج جاطل ابن عمّ سلطان مالي/ ج،VI ص 419 جالنسي ملك قندهار/ ج،VI ص 58 ...

الجالقي اسم لأمير،I /ص 261 جالستي، وزير،VI /ص 185 الجاولي الأمير الذي بنى جامع غزة،I /ص 114 جرجيس بنى الله عليه السلام،II /ص 136 الجكطي ملك ما وراء النهر،III /ص 31 جلوخان بن الجوبان (أمير II / (ص 119، 120 جلول قائد شجاع،III /ص 367 جمال الدين- وزير في مالديف،VI /ص 131، 132، 143، 149، 165 جمال الدين نائب الكرك،I /ص 86 جمال الدين الأسيوطي قاضي بالمدينة المنورة،I /ص 278 جمال الدين بن جملة قاضي القضاة،I /ص 219، 220 جمال الدين بن اللّوكي كبير المحلة،II /ص 10 جمال الدين بن مطهر الحلى فقيه،II /ص 57 جمال الدين بن السديد،I /ص 107 جمال الدين بن شجرة،I /ص 166 جمال الدين الحويزائي،I /ص 92، ج،II ص 93 جمال الدين المطري إمام محدث،I /ص 278، 279 جمال الدين المغربي فقيه،I /ص 293 ج،III ص،VI،272 ص 45، 46 جمال الدين المسلاتي،VI /ص 317 جمال الدين الساوي،I /ص 61- 63، 65 جمال الدين السّنجاري أمام عالم درس بتبريز،II /ص 145 جمال الدين السّنجري وزير،VI /ص 153 جمال الدين الشريشي فاضي نسبة لشريش (الأندلس،I / (ص 141 جمال اللّك من سجستان،II /ص 238، 239 الجمالي من أمراء الناصر ملك مصر،I /ص 45، 86 جمعة المعروف بأبي ستة بالهند،VI /ص 77، 78

جميل وبثينة،I /ص 410 الجنيد (أبو القاسم،II / (ص 49، 113 جعفر بن محمد المسوفي،VI /ص 438 جعفر التواتي،VI /ص 445 جعفر الصادق،III /ص 82 الجستي (أبو أحمد) مفاوض التتر،III /ص 72، 73 جهان،III /ص 364 الجواد عليه السلام،II /ص 108 الجواد بن سلطان قصطمونية،II /ص 345 الجوبان كبير الأمراء،I /ص 172، 254، 400 ج،II ص 33، 117، 118، 119، 120. جوطري شيخ يجمع مجابي البلاد،III /ص 388 جلال الأفغاني القاضي،III /ص 310، 362، وما بعد، 364، 367، 368، 369، ج،VI ص 48، 54 جلال الدين القاضي (الهند،III / (ص 78 جلال الدين الرومي (مولانا،II / (ص 282، 283، 284 جلال الدين سلطان لار،II /ص 241 جلال الدين الأرزنجاني،II /ص 257 جلال الدين بن صلاح الدين صالح،II /ص 92، ج،VI ص 130، 155 جلال الدين بن الفلكي التوريزي،II /ص 72 جلال الدين بن الفقيه،I /ص 420 جلال الدين التبريزي أمير،VI /ص 216، 217، 222، 287 جلال الدين الكيجي،III /ص 115، 116، 359 وما بعد، 393 جلال الدين العمادي،III /ص 7 جلال الدين السمرقندي،III /ص 6 جيجا أغا اسم سيدة يتزوجها أمير،III /ص 8، 14

ح الحاج خرد شيخ زاوية،III /ص 62 الحاج المصري،II /ص 118 الحاج العدولي،I /ص 16 حاجي بن السيد (الأمير،VI / (ص 188، 189 حاجي كاون ابن عم السلطان أبي سعيد،III /ص 227، 256، 258 الحارث بن مضاض الجرهمي،I /ص 330 الحافظ سلطان هرات،III /ص 64 حبيب بن أوس (أبو تمام،II / (ص 101، 102 حبيب النجار،I /ص 162 حبيب العجمي من مشاهد البصرة،II /ص 15، 49، ج،VI ص 312 الحجاج بن يوسف (المعروف،I / (ص 331، 384 ج،III ص 101، 102 الحجازي (أبو العباس،I / (ص 249، 252 حجة الدين القاضي،II /ص 9، 11 الحدربي ملك البجاة (ساحل البحر الأحمر،I / (ص 110، 111 حدق مربية الملك الناصر،II /ص 152 الحرازي ممّن لقيهم في مكة عام،VI/749 ص 325 حزقيل عليه السلام،III /ص 62 حليمة السعدية أم رسول الله،II /ص 14، ج،VI ص 312 حمّالة الحطب،I /ص 133 ج،II ص 338 حمزة (القاضي،II / (ص 386، 398، 403 حمزة بن عبد المطلب،I /ص 123، 290، 378 حفصة بنت عمر،I /ص 272 حسام الدين ابن أخي أمير حصن بغراس،I /ص 163، 164، 165 حسام الدين البخاري،II /ص 398 حسام الدين بن غانم،I /ص 139 حسام الدين محمود،II /ص 22

حسام الدين المشاطي خطيب مدينة خوارزم،I /ص 107 ج،III ص 9 حسام الدين الياغي،III /ص 30، 33، 36، 37، 38 حسن وزير قائد البحر،VI /ص 160 حسن الشيخ صهر السلطان،III /ص 30، 33 حسن الشيخ حسن بطوس،III /ص 66، 68 حسن سلطان العراق،II /ص 33، 99، 123، 124 ج،VI ص 314 حسن الناخوذة والد السلطان جمال الدّين،VI /ص 62 حسن (أمير) بن الجوبان،II /ص 119، 120 حسن (أبو المظفر،II / (ص 193، 194- 195 حسن (أبو علي،I / (ص 125 حسن بن أبي الحسن البصري،II /ص 15، 49 ج،VI ص 312 حسن بن زيد،I /ص 272 حسن بن الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون (الملك الناصر،VI / (ص 324 حسن بن علي بن أبي طالب،I /ص 287، 295 حسن الجراني أوصى له بمال الشريف،I / ... ص 428 حسن خواجة بن الدّمرطاش بن الجوبان،II /ص 124 حسن المغربي خديم نجم الدّين الاصبهاني،I /ص 370، 371، 374 حسن الوزان كبير المسلمين في (هيلي) الهند،VI /ص 81 حسين (فقيه،VI / (ص 85 وما بعد حسين صاحب زاوية بأقصرا،II /ص 286 حسين خطيب مدينة هيلي (الهند،VI / (ص 81 حسين (أمير) بن الجوبان،II /ص 65، 67، 68 حسين بن الأمير غياث الدّين،II /ص 124، ج،III ص 48، 51، 64، 67- 69 الحسين بن أبي بكر بن المبارك الزبيدي (محدث،II / (ص 83 الحسين بن أبي بكر المبارك بن محمد بن يحيى بن علي بن المسلم بن عمران الربيعي البغدادي الزبيدي الحنبلي

(سراج الدين أبو عبد الله،I / (ص 249، 250 حسين بن تاج الدين الأوي (نظام الدين،I / (ص 420 حسين بن محمد بن محمود بن علي (قطب الدين،II / (ص 46، 47، 50 حسين بن علي بن أبي طالب،I /ص 75، 126، 207، 211، 284، 331، ج،II ص 99، 100 حسين الخراساني المقيم في غرناطة،VI /ص 373 حور نسب إحدى زوجات ابن بطوطة،III /ص 337 وما بعد حيار بن مهني بن عيسى،I /ص 409، 410 حيدر قطب الدّين دفين زاوة،III /ص 79، 80، 439 حيدر العلوي (قطب الدين) عابد زاهد،III /ص 116 حيدر الفرغاني،VI /ص 27، 28 خ خالد بن الوليد،I /ص 141، 198، 206، 304 جII ص 23 الخالدي شاعر سيف الدولة،I /ص 149، 150 خان (أبو بكر) ابن السلطان علاء الدين،III /ص 186، 189، 193 خان خانان من شجعان الهنود،III /ص 198، 200، 204 الخان الشهيد ابن السلطان بلبن،III /ص 174 خاص ترك أمير،II /ص 155 خديجة ملكة مالديف،II /ص 92، ج،VI ص 130 خديجة بنت خويلد،I /ص 255، 226، 330، 331 خذاوند زادة صاحب ترمذ،III /ص 48، 49، 50، 57 خذاوند زادة (غياث الدين) ابن عم السابق،III /ص 393، 394، 398، 399، 413 خذاوند زادة (ضياء الدين) في قصر الملك بالهند،III /ص 374، 394، 400، 401 الخرقاني (أبو الحسن) وليّ صالح دفين بسطام،III /ص 82 خطاب الأفغاني أمير مدينة رابري،VI /ص 29، 47، 48 الخطيب نور الدّين في اخميم،I /ص 104

خليل بن كيكلدي العلائي،VI /ص 321 خليل بن اليسور أمير،III /ص 48، 49، 51، 64 الخنساء،VI /ص 284 خصيب (عامل مصر،I / (ص 96، 97، 99، 100 خضر حاج من أهل الهند،II /ص 218، 219، 221 خضر قاضي،II /ص 360 الخضر نبيّ الله عليه السلام،I /ص 195، 234 ج،II ص 19، 61، 232، 349، ج182،181،VI خضربك بن سلطان برگي/ ج،II ص 299، 309 خضربك بن يونس بك سلطان انطالية،II /ص 265 خضر خان من أولاد السلطان علاء الدّين،III /ص 186، 187، 188، 189، 190، 193، 194 خضر العجمي صالح كثير الصوم والطواف،I /ص 357 خواجة إسحاق،VI /ص 57 خواجة بهرة،VI /ص 58 خواجة جهان،I /ص 426 ج،III ص 45، 58 144، 212، 214، 227، 245، 284، 318، 411 خواجة كافي،II /ص 50، 51 خواجة معروف،II /ص 131، 148 خواجة مهذب،VI /ص 100 خواجة سرلك،VI /ص 191 خواجة سرور،VI /ص 200، 204 الخوارزمي فقيه من جلساء سلطان ميلاس،II /ص 279، 280 الخوندة زوجة الملك الناصر وبنت محمد أوزبك خان،I /ص 399، 400 الخولاني (أبو مسلم) دفين داريا،I /ص 226. د دادا أمير علي شيخ معمّر له زاوية،II /ص 343 الداراني (أبو سليمان،I / (ص 226

دانيال وليّ صالح قطب،II /ص 242 دانيال العجمي،I /ص 325 ج،II ص 153 داود سلطان بمالديف،VI /ص 154 داود بن علي،VI /ص 154، داود بن قطب الملك،III /ص 60 داوود سلطان كلوة،II /ص 195 داوود الطائي،II /ص 49، 113 الدكالي (أبو العباس،VI / (ص 427، 428 دلجي التتري،III /ص 317 دلشاد زوجة للسلطان أبي سعيد،II /ص 122، 123 ج،VI ص 314 دلشاد الهندي،I /ص 53 ج،VI ص 21 الدّمرطاش (أمير،I / (ص 172، ج،VI ص 121 دمشق خواجة بنت الأمير الجوبان،II /ص 116، 118، 119 دمورخان سلطان بلي كسري،II /ص 317 دنكول سلطان قوقة،VI /ص 61 دنيا خاتون،II /ص 117، 144 دهقان السمرقندي،III /ص 118 دولة شاه أمير،III /ص 327، 334، 419 دولة شاه بن الشريف علي أمير،III /ص 78 دولسة أمير،VI /ص 230، 233، 234 ذ ذو الكفل (عليه السلام،I / (ص 231 ر رابعة العدوية،I /ص 124 رام دو سلطان منجرور،VI /ص 80، 81

الرازي (أبو عبد الله،I / (ص 58 الربيع بن سليمان المرادي محدّث،II /ص 84 رتن هندي عالم بالحساب عظيم السند،III /ص 105، 106 رجب البرقعي،I /ص 367، 368، 369، 370، ج،VI ص 28 رجب النهرم ملكي،II /ص 369 رجو ملك سلطان بور،VI /ص 29، 30 ركن الدين أخواني أبي اسحاق بن محمد شاه،II /ص 66 ركن الدين بن زكرياء (بلاد السند،I / (ص 38، ج،III ص 102، 120، 201، 213، 302، 303، 306، 324 ركن الدين بن للمش،III /ص 166، 167 ركن الدين بن فيروز شاه الخلجي،III /ص 181، 183 ركن الدين بن القوبع التونسي،I /ص 91 ركن الدين العجمي،I /ص 369، 370 ج،III ص 248، 250 ركن الدين العجمي التوريزي (أمير البصرة،II / (ص 15، 16 رضى الدين يحيى،III /ص 7 الرضى الملتاني،III /ص 440 رضية ابنة شمس الدين للمش،III /ص 166، 167، 168، 169 رغطي،VI /ص 318 رسلان،I /ص 223 رشيد (لباز الأشهب،VI / (ص 373 رشيد الدين الألفي اليمني الحبشي (صاحب مركب،II / (ص 158 روبيل بن يعقوب عليه السلام،I /ص 132 روزجهان القبلي صوابه روبهان البقلي (قطب الدين،II / (ص 83 رويم (أبو محمد) صوفي،II /ص 49 ز زاده هود (الشيخ) حفيد ركن الدّين،III /ص 302، 303، 307

زاده (الشيخ) الدمشقي،III /ص 255 زاده الأخلاطي،II /ص 310 زاده الأصبهاني،VI /ص 55، 65 زاده الحرباوي،II /ص 153 زاده الخراساني (السفير،II / (ص 73 زاده الخراساني شيخ له زاوية،II /ص 359، 360 زاده النّهاوندي،III /ص 301، 302 زبيدة زوج الرشيد،I /ص 326، 397، 408، 411 الزبيدي (أبو علي،II / (ص 169 الزبير بن العوام،I /ص 286، ج،II ص 14، ج،VI ص 312 الزّجندري (أبو محمد،VI / (ص 374 زركوب رجل صالح له مشهد،II /ص 84 زكرياء عليه السلام،I /ص 204 زكرياء بن أحمد بن أبي حفص (أبو يحيى،I / (ص 32، 33 الزواوي (أبو عبد الله،I / (ص 16 الزّواوي المغربي (أبو عبد الله،I / (ص 325 زيّان (الحاج) من تلمسان،VI /ص 383، 384 زيان بن امريون العلوي (أبو حسون،VI / (ص 330 زيد بن أبي نمى،II /ص 162 زيد بن أرقم الأنصاري،II /ص 92 زيد بن ثابت،I /ص 320، ص،II ص 92 الزيلعي (أبو الحسن،II / (ص 171- 173 زينب بنت كمال الدين أحمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي شيخة صالحه،I /ص 253 زين الدين بن الأصيل،II /ص 150 زين الدين بن مخلوف،I /ص 90 زين الدين بن الواعظ،I /ص 48، ص 49 زين الدين الطبري،I /ص 354، 355

زين الدين مبارك،III /ص 193 زين الدين المقدسي،III /ص 7، 9 ط طارق بن زياد،VI /ص 355 طالش بن الجوبان،II /ص 119، 120 طاش خاتون أميرة،II /ص 66، 77، 78، 79 طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي (أبو زرعة،II / (ص 83 طاهر بن شرف الملك،III /ص 360 طرمشيرين (علاء الدين) سلطان ما وراء النهر،III /ص 31، 33 وما بعد، 36، 37 40، 43 وما بعد، 258، 420 ج،VI ص 40 طلحة بن عبيد الله،II /ص 13، 14 ج،VI ص 312 طلحة العبد الوادي،VI /ص 322 طغى ملك يحمل عصى من ذهب،III /ص 235 طغى خاتون،II /ص 118، 288 طغيتمور،II /ص 124 ج،III ص 66، 70 طفيل بن منصور بن جمّاز الحسني،I /ص 284، 285، 286 طفيل بن غانم،II /ص 248 طشط من خيار أمراء مصر،I /ص 85، 86 طوغان اسم أمير،I /ص 45 طوغان الفرغاني أحد ضحايا ملك الهند،III /ص 311 طيطغلي زوجة مفضلة لدى أوزبك خان،II /ص 383، 384، 389 وما بعد، 397 ج،III ص 9 طيلان الأمير الحاجب،I /ص 138، 139، 180، 181

ظ الظاهر (الملك) سلطان الجاوة وسمطرة،VI /ص 230 وما بعد، 237، 238 وما بعد، 240، 304، 306، 307، 308 ظهير الدين الزنجاني،III /ص 145 ج،VI ص 4، 59، 64، 95، 97 ظهير الدين العجمي،i /ص 219 ظهير الدين القرلاني،vi /ص 280، 281، 282 ك الكازروني (أبو إسحاق،II / (ص 64، 88، 89- 92 ج،VI ص 89، 271 كافور المهردار من أمراء الجيش الهندي،III /ص 208، 209 كافور الشربدار من أعضاء البعثة الهندية للصين،VI /ص 4، 7 كبك ملك تركاستان،I /ص 32، 33، 140، ج،III ص 31 كبك (الخاتون،II / (ص 383، 392، وما بعد كبيش بن منصور بن جمّاز،I /ص 285 كراي ملك من أولاد بهرام،III /ص 394 الكركري،VI /ص 445 الكركي،I /ص 45، 46، 47 كريم الدّين القاضي،III /ص 323 كمال الدين الأشموني المصري،I /ص 132 كمال الدين البجنوري نائب ابن بطوطة في القضاء بالهند،III /ص 143 كمال الدين ابن الزملكاني قاضي بحلب،I /ص 57، 157، 158، 159 كمال الدّين المراغي،I /ص 125 كمال الدين صدر الجهان،III /ص 143، 161، 215، 216، 229، 260، 280، 287، 289، 292، 393، 410،

كنار سلطان مدينة كنكار يملك الفيل الأبيض،VI /ص 173 كنبيلة الملك،III /ص 318، 320، 336 كعب الأحبار،I /ص 222 كفالي نقوله قائد من بلاد الروم،II /ص 418، 419 كفالي قراس قائد من بلاد الروم،II /ص 421 كشاجم (أبو الفتح) شاعر،I /ص 155 كشلوخان أمير من بلاد السند،I /ص 424، 425، ج،III ص 115، 203 وما بعد، 321، 322، 325 كويل من أكبر سلاطين المليبار،VI /ص 83 كي خسرو،III /ص 174، 175 كي قباد،III /ص 174 ل اللخمي المالكي (أبو الحسن،I / (ص 23 لقمان السرخسي،III /ص 79 للمش (انظر شمس الدّين للمش) لوط،I /ص 117، 118، 232 لؤلؤ،II /ص 119، 123 لولا قائد للأسطول الحربي لفاكنور،VI /ص 78 م المازندراني،III /ص 144 مالك بن أنس (أبو عبد الله،I / (ص 265، 286، 385 ج،III ص 352، 353 ج،VI ص 129، 282 مالك بن دينار دفين البصرة،II /ص 8، 15 ج،VI ص 312 المامون أمير المؤمنين،II /ص 124، 82، 83 ماه حق اسم لزوجة السلطان،III /ص 187 مبارك من آل بني نمى،I /ص 344، ج،II ص 152، 154، 155 مبارك خان من أبناء علاء الدّين،III /ص 186، 190، 191، 194، 195، 261، 248 وما بعد 432، 434

مبارك خان أخو السلطان محمد شاه،III /ص 230، 274، 287 مبارك زين الدين فاضل من تروجة،I /ص 48 مبارك شاه،III /ص 120، 121، 375، 394 مثقال صاحب سفينة من قالقوط الهند،VI /ص 89، 90 مجد الدين الأقصرائي،I /ص 92 مجد الدين بن حرمي،I /ص 93 مجد الدين النابلسي،I /ص 128 مجد الدين القونوي،II /ص 318، 319، 320، 321 مجيد الدين من كبار فقهاء شيراز،II /ص 88 مجير بن ذي الرجا ملك،III /ص 230، 318 ج،VI ص 5، 6، 188 محب الدين بن روح الدين/ ج II ص 55 محمد صلى الله عليه وسلّم،I /ص 3، 4، 116، 123، 204، 205 255، 257، 258، 260، 262، 263، 266، 267، 274، 288، 290، 297، 327، 333، 336، 337، وما بعد 357، 387 ج،II ص 167 ج،III ص 261 ج،VI ص 277، 245، 416، 451. محمد (أبو دلف،II / (ص 240، 241، 242 محمد (أبو عبد الله) ابن الشيخ أبي بكر،II /ص 202 محمد بن غياث الدّين،III /ص 317 محمد الطنجي،VI /ص 332 محمد خطيب بمدينة تكدّا،VI /ص 442 محمد بخراسان،III /ص 65 محمد (شمس الدين) الحلبي كثير الطواف،I /ص 357 محمد (شمس الدين) الشامي،I /ص 325، 326 محمد أوزبك خان،II /ص 120، 357، 359، 361، 381، 382، 383، 395، 396، 402، 410 III ، ص 4، 8، 10، 436

محمد البطائحي بمدينة الماجر،II /ص 375، 376 محمد بن ابراهيم من قواد الأمير ابن نمى،I /ص 381 محمد بن ابراهيم بن عبد الله بن أبي عمر (شمس الدين،I / (ص 253 محمد بن ابراهيم البيّاني من مدينة بيانة (الأندلس،VI / (ص 370 محمد بن أبي بكر بن علي بن ابراهيم النفزاوي،I /ص 15، 16 محمد نب أبي تميم (أبو عبد الله،I / (ص 24، 25 محمد بن أبي الزهراء بن سالم الهكاري،I /ص 253 محمد بن أبي العباس بن أبي القاسم الجراوي (أبو عبد الله،II / (ص 151 محمد بن أبي عبد الله بن عاصم (أبو القاسم،VI / (ص 371 محمد بن أبي القاسم بن نفيس الحسيني الكربلائي (أبو عبد الله،I / (ص 429، 430 محمد بن أبي سهل،I /ص 119 محمد بن أبي الشرفي الحرباوي،III /ص 259، 267، 268 محمد بن أحمد بن الأقشهري (جلال الدين،I / (ص 325 محمد بن أحمد بن محمد بن حسن (عرف بابن الغماز،I / (ص 21، 22 محمد بن أحمد بن محمد الحسيني السبتي (أبو القاسم،VI / (ص 370 محمد بن أحمد بن عمر بن الحسين بن الخلف القطيعي المؤرخ (أبو الحسن،I / (ص 250 محمد بن أحمد بن شبرين السبتي (أبو بكر،VI / (ص 369 محمد الشافعي (أبو عبد الله) الإمام،I /ص 70، 75، 76، 77، 93، ج،II ص 83، 84 محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري (أبو عبد الله،I / (ص 248، 251 ج،III ص 22 28. محمد بن آيدين/ ج،II ص 298- 304، 305، 307 محمد بن برهان الدين،I /ص 355 محمد بن بيرم،VI /ص 33 محمد بن جابر بن حسّان القيسي الوادي آشى (شمس الدين أبو عبد الله،I / (ص 190- 191

محمد بن جابر الأندلسي المروي (أبو عبد الله) شاعر،II /ص 144- 145 محمد بن الفقيه الجزولي،VI /ص 397، 398، 400، 401، 402 محمد بن جمّاز،II /ص 194 محمد بن جمال الدين،VI /ص 131، 132، 208 محمد بن الحجر من تجار تونس،I /ص 16، 17. محمد بن حسن (جمال الدين،VI / (ص 67، 68، 69، وما بعد، 106، 108 محمد بن الحسن العسكري،II /ص 98، 99 محمد بن الحسين بن عبد الله القرشي الزبيدي (أبو عبد الله،I / (ص 15، 17، 18، 19. محمد بن رافع،I /ص 254 محمد بن رشيد (غياث الدين،II / (ص 116 محمد بن طغريل بن عبد الله بن الغزّال الصّيرفي،I /ص 249 محمد بن مثبت الغرناطي (أبو عبد الله) نزيل القدس،I /ص 125 محمد بن محمد بن إبراهيم السلمي البلفيقي (أبو البركات،I / (ص 20 ج،III ص 26، ج،VI ص 371 محمد بن محمد بن أحمد الهاشمي الكوفي (جلال الدين أبو هاشم،II / (ص 84 محمد بن محمد بن نباته القرشي الأموي الفارقي (شهاب الدين أبو بكر،I / (ص 157، 159، 160 محمد بن محمد بن جزي (انظر ابن جزي،I / (ص 10، 12، 13، 20، 23، 24، 25 31، 32، 33، 57، 68، 69، 142، 144، 149، 151، 153، 156، 159، 160، 190، 191، 197، 221، 340، 405، 406، جII 13، 16، 18، 24، 49، 101، 141، 143، 337، ج،III ص 26، ج،VI ص 263، 264، 339، 340، 343، 346، 348، 350، 355، وما بعد، 366، 369، 371، 375، 391. 409، 449، 451. محمد بن محمد بن فرحون،I /ص 278 محمد بن محمد بن سهل بن مالك الأزدي،I /ص 281- 282

محمد بن محمد الغرناطي،I /ص 279- 280 محمد بن مسعود بن بهروز الطيب المارستاني،II /ص 110 محمد بن النجيب،III /ص 333 محمد بن الصبّاغ (أبو عبد الله،VI / (ص 330 محمد بن عبد الرحمن (أبو عبد الله) الشهير،I /ص 324، 342، 348، 349، 35 بخليل إمام الموسم (من بلاد المغرب،VI / (ص 324، 325 محمد بن عبد الرحمن القزويني،I /ص 210، 211، 213 محمد بن عبد الله،II /ص 48 محمد بن عبد الله،VI /ص 445 محمد بن عبد الله بن محمد (عرف بابن بطوطة257 -113،113 -27،12،8،2،I / ( انظر ابن بطوطة/ 257- 430، ج،II ص 1- 21، 21- 93 93- 128، 128 وما بعد 131- 147، 147- 155، 156- 179، 180- 195، 196- 230، 230- 254، 255، 354- 412 412- 444، 444- 450 ج،III ص 1- 58 58- 88، 93- 146، 146- 449، 392، 402 وما بعد، 409 وما بعد، 449، ج،VI ص 1، 4- 54، 55- 88، 89- 98، 99- 110 110- 165، 151، 165- 206، 224 206، 224- 254، 304، 324، 332،- 353 332، 354- 374، 374- 444، 445- 448، 449- 451. محمد بن عبد الله بن ينومر قاضي إيوالاتن،VI /ص 387، 389 محمد بن عبد الملك الأوسي (أبو عبد الله،VI / (ص 375، 376 محمد بن عبد القادر (غياث الدين) : بن يوسف بن عبد العزيز بن الخليفة المستنصر بالله العباسي (غياث الدّين،I / (ص 365، ج،III ص 54، 146، 258، 263، 264، 263- 266، 267- 270 محمد بن عثمان البغدادي إمام الحنابلة،I /ص 353، 355

محمد بن عطيفة،I /ص 344 محمد بن علي،II /ص 234 محمد بن عماد الدين السمناني (مغيث الدين،III / (ص 443 محمد بن عمر،VI /ص 435، 436 محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (أبو عيسى،III / (ص 56 محمد بن فرحون (أبو عبد الله،I / (ص 277- 278 محمد بن فهد القرشي،I /ص 355 محمد بن قاسم القريشي،III /ص 102 محمد بن سالم العزي (شمس الدين،I / (ص 114، 125 محمد بن سعيد السجلماسي،VI /ص 444 محمد بن سيد الناس (أبو عبد الله،I / (ص 17 محمد بن سيرين دفين البصرة،II /ص 15، ج،VI ص 312 محمد بن شميلة بن أبي نمى،II /ص 194 محمد بن واسع،II /ص 15، ص،VI ص 312 محمد بن يحيى بن بطوطة أبو القاسم،VI /ص 363 محمد بن يوسف بن حيان الغرناطي (أثير الدين أبو حيان،I / (ص 91. محمد البغدادي،III /ص 105 محمد التوفيري،VI /ص 34 محمد الجرخي أمير قرية الجرخ،III /ص 88 محمد جلبي،II /ص 270 محد الحويج،I /ص 404، ج،II ص 148، 152 محمد خدابندة سلطان العراق،I /ص 170، 172، ج،II ص 57، 114، وما بعد، 115، 144. محمد خواجة الخوارمي،II /ص 368، 369، 370، 374 محمد الدوري،III /ص 99 محمد المراكشي ابن الخليفة المرتضى الموحدي،I /ص 110 محمد المصمودي المغربي،VI /ص 210 محمد المهروي،III /ص 85 محمد المولّه وليّ بالهند،I /ص 53

محمد النّاقوري له زاوية في هنور،VI /ص 66 محمد النيسابوري،VI /ص 199 محمد العدني،II /ص 213، 214 محمد العريان وليّ بقرافة مصر،VI /ص 23، 25 محمد العريان تلميذ لسابقه وله زاوية ببرج بورة،VI /ص 23- 25 محمد الفيلالي،VI /ص 436 محمد السلحدار،VI /ص 197 محمد شاه ملك الهند،I /ص 361، ج،II ص 373، ج،III ص 94، 97، 98، 202، 203، 215 وما بعد، 216، 217 وما بعد، 221- 224 225، 226، 227، 228، 232، 232- 236، 236 وما بعد، 238، 239، 239، 242، 243، 290، 316، 373، 374، 449، جVI ص 188، 189، 234، 265، ج.100،VI محمد شاه بندر،VI /ص 100 محمد شاه بن مظفر،II /ص 124 محمد شاه (الطاهر أي النقيب،III / (ص 78 محمد شاه ينجوا،II /ص 51، 65، 79 محمد الشيرازي (شمس الدين،III / (ص 115 محمد الهروي الكتوال (رئيس الشرطة،III / (ص 121، ص،VI ص 4 محمد الهمداني الصوفي،III /ص 259 محمد الوجدى التازي،VI /ص 436 محمود فقيه وحاجب،II /ص 40، 41 محمود بن تغلق شاه،III /ص 213 محمود بن محمد بن عمر الهروي،II /ص 84 محمود بن عمر الزمخشري (أبو القاسم،III / (ص 6 محمود بن سبكتكين،III /ص 88، 280 محمود الخيوقي شيخ المدينة الكات،III /ص 20 محمود الكبّا،III /ص 157

المحسني والي دمياط،I /ص 65 محيي الدين مدرس من بركي،II /ص 296، 297، 298، 307 محيي الدين المصري،I /ص 166 المختار بن أبي عبيد،II /ص 196 المخدومة جهان،III /ص 121، 144، 376 مخلص قاضي إخميم،I /ص 104 مخلص ملك بالهند،III /ص 231 مخلص الملك النذباري،III /ص 296، 298 ج468،VI مدرك بن فقوص،VI /ص 419، 420 مراد بك،II /ص 275، 276 المرتضى عمر أبو حفص الخليفة الموحدي،I /ص 110 مرذك أغا أمير قندهار،III /ص 89 مرزوق دفين نسترو،I /ص 57 المرسي (أبو القاسم،VI / (ص 282 المرسي (أبو العباس،I / (ص 39 المرسي (أبو عبد الله،II / (ص 151 المرشدي (أبو عبد الله،I / (ص 47، 48، 50، 51، 53 ج،VI ص 21، مروان الخليفة،I /ص 271، 272 مريم،I /ص 124، 188، 233، مريم أميرة من مالديف،VI /ص 131 مطهّر بن الصالح شمس الدين محمد الأوهري (ناصر الدين،I / (ص 420، ج،III ص 145، 345، 348، 418، 419، 441 مظفر بن الداية،VI /ص 5 مظفر الدين رومي أسلم وحسن إسلامه،II /ص 360، 367، 370 مظفر شاه بن محمد شاه بن المظفر،II /ص 68، 69، 70 مظهر الدين فقيه،II /ص 360 المكّي بن محمد بن منصور بن علان العرضي (أبو الحسن،II / (ص 83 مل،VI /ص 48

ملك بدر الدين الوزير،VI /ص 204 ملك بيرم،III /ص 208 ملك دينار (غير مالك بن دينار،VI / (ص 204 ملك مسعود،VI /ص 205 ملك نايب الألفي،III /ص 187، 191 الملك الصالح بن الناصر محمد،VI /ص 324 ملك شاه،III /ص 193 ملك ورنا III /ص 51- 69- 70- 73- 74 ممشاد الدينوري محدث،II /ص 49 منصور من آل ابن نمى،II /ص 153 المنصور (الملك،II / (ص 144 المنصور (أبو جعفر،I / (ص 272- 273، 331، 385، ج،II ص 107، منصور بن أبي نمى،II /ص 158، 159 وما بعد منصور بن جمّاز،I /ص 421، ج،VI ص 82 منصور بن لبيدة بن أبي نمى،II /ص 194 منصور بن عمر،I /ص 381 منصور بن شكل من بلاد الشام،I /ص 291 منسى مغا،VI /ص 419 منسى موسى،VI /ص 419 وما بعد، 420، 427 428، 431، 432 منسى سليمان،VI /ص 399 وما بعد، منشاجو مشرف ايولاتن،VI /ص 386، 416 مصر خواجة،II /ص 119 مصلح الدين مدرس في بقشهر،II /ص 267، 268 مصلح الدين فقيه بمغنيسة،II /ص 314 معاذ بن جبل،I /ص 129 ج،II ص 167 معاوية بن أبي سفيان،I /ص 207، 211، 222، 276 ج،VI ص 277. معروف الكرخي،II /ص 49، 107 المعري (أبو العلاء،I / (ص 144، ص 154- 155

معز الدين بن للمش،III /ص 165، 166 معز الدين بن ناصر الدين،III /ص 175- 179، 180. معز الدين بن فريد الدين البذاوني،III /ص 136 معين الدين الباخرزي،VI /ص 25 مغيث ابن ملك الملوك،III /ص 282 المغيث بن الملك الفائز،II /ص 211- 214 ج،VI ص 310 المفسر (أبو عبد الله،I / (ص 16 مقبل (ملك) نائب الوزير بنهرواله،III /ص 363 وما بعد، ص 370، 371 ج،VI ص 55 وما بعد، ص 56، 57. مقبل من أسرة بني نمى،I /ص 285 مقبول التلتكي،I /ص 369 المستنصر بالله،II /ص 343 المستعصم بالله، العباسي،III /ص 26، 105 ج،VI ص 216 مسلم الإمام صاحب الصحيح،I /ص 229 مسلم بن عقيل بن أبي طالب،II /ص 95 مسلمة بن عبد الملك،II /ص 419، 420 مسعود سلطان الشيعة،III /ص 64 وما بعد، 68 مسعود بك أحد الزعماء،II /ص 66 مسعود بن المنتصر (الحاج،I / (ص 16 مسعود بن عطيفة،I /ص 344 مسعود خان،III /ص 292 المهدي بن أبي جعفر المنصور،I /ص 272، 273، 307، 321 المهردار (أبو مسلم،III / (ص 320 مهنّا بن عيسى،I /ص 169، 170، 171 موسى سلطان اللّارندة،II /ص 284 موسى ملك ببعض بلاد العراق،III /ص 256 موسى قاضي بلي كسرى،II /ص 317

موسى بعيذاب،I /ص 110 موسى الكليم،I /ص 132، 195، 227، 232، 267 موسى (شرف الدين،II / (ص 363 موسى بن قرمان،II /ص 152 موسى بن سليمان (شرف الدين،II / (ص 25- 28، 29 موسى الحسيني (مجد الدين،II / (ص 10 موسى الكاظم بن جعفر الصادق،II /ص 108 موسى المزرق،I /ص 381 موسى الونجراتي،VI /ص 409 مير نجلة (نظام الدين) أمير الهند،III /ص 361 ن النابغة،VI /ص 315 الناميسي (أبو الحسن) الحاج،VI /ص 329، 330 ناصر (الحاج) من أهل ديار بكر،VI /ص 57 الناصر بن المغيث بن المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي (الملك،I / (ص 83، 84، 89، 90، 101، 110، 156، 163، 167، 183، 216، 255، 2562 74، 329، 348، 378، 402، ج،II ص 155، 248، 249، 360، ج،III ص 421، VI ، ص 24، 353. ناصر الدين (أمير،VI / (ص 41، 198، 203 وما بعد، ص 205. ناصر الدين أمير،I /ص 363. ج،III ص 165، 167، 168، 169، 170 ناصر الدين الواعظ الترمذي،III /ص 250- 252، 259، 406 ناصر الدين الأسيوطي،II /ص 150 ناصر الدين بن ملّ أمير بالهند،III /ص،VI 369،368،366،365 ص 48

ناصر الدين بن ناهض،I /ص 69 ناصر الدين بن العديم،I /ص 160، 161 ناصر الدين بن عين الملك،VI /ص 45 ناصر الدين خسروخان،III /ص 195، 196- 201، 207- 208 ناصر الدين خسرو شاه،I /ص 424 ناصر الدين الخوارزمي،III /ص 229، 393، 441، وما بعد ناصر الدين الدرقندي،II /ص 56. ناصر الدين الكافي الهروي،III /ص 392، 425 ناصر الدين الفأري،II /ص 179 نجم الدين الأصبهاني،I /ص 370، 372، 373 نجم الدين الأصفوني،I /ص 356، 357، ج،II ص 150 VI ، ص 325 نجم الدين الجيلاني،VI /ص 55 نجم الدين الكبرى،III /ص 6 نجم الدين محمد،I /ص 347، 351، 353، 355 نجم الدين السهرتي،I /ص 93 النجشي كفالي،II /ص 443، 444 نجيب أخو عزيز الخمار (أفغان بور،III / (ص 438 نجيب شيخ صالح بمالديف،VI /ص 138 النّخشبي (أبو تراب،III / (ص 28 نظام الدين- أمير مخالف على عمه،II /ص 234، 236 نظام الدين أخو قاضي القضاة بالهند،III /ص 143، 365 وما بعد، 366 نظام الدين البذاوني،III /ص 158، 160، 211 نظام الدين الكرواني،III /ص 384 نظام الدين مولانا،III /ص 69، 70 وما بعد. نكبية الملك،III /ص 231- 235، 297، 325 وما بعد، 407 نصر أمير بن سلطان الهند،III /ص 320

نصرة خان (تاج الملك،III / (ص 340، 341، 357 نصر الله أخو عين الملك،III /ص 342 وما بعد، 353 النعمان بن المنذر،II /ص 1 نعمان الدين الخوارزمي،II /ص 449، ص 450 نغطى والد الأميرة كبك خاتون،II /ص 392، 393، 396، 397 نفيسة بنت زيد بن علي بن الحسين بن علي،I /ص 75 النهاوندي (أبو العباس،II / (ص 49 نوا ملك العسكر،III /ص 353 نوح عليه السلام،I /ص 416، ج،II ص 95، 139 نور الدين ابن سلطان الهندبلبن،III /ص 174، 175، وما بعد، 179 VI ، ص 213. نور الدين السلطان،I /ص 133، 134، 135، 137، 220، 221. نور الدين بن الزجاج،III /ص 26، 27 نور الدين بن الصايغ (أبو اليسر،I / (ص 213، 214 نور الدين الزيداني،II /ص 92 نور الدين الكرلاني،II /ص 156 نور الدين القاضي،III /ص 150 نور الدين القرماني،III /ص 7 نور الدين السخاوي،I /ص 241، 242، ج،VI ص 316 نور الدين الشيرازي،III /ص 305 ص الصاحب ابن عباد،II /ص 16 ج،III ص 468 صارم الدين بن الشيباني،I /ص 163- 165 صاروبك ابن الأمير تلكتمور،II /ص 362 صاروخان سلطان مغنيسية،II /ص 313، 314 صالح عليه السلام،I /ص 130 صالح البنجالي (صلاح الدين،VI / (ص 130

صالح بن المنصور،II /ص 144، 145 الصاغاني صاحب كتاب المصابيح،II /ص 55، 84 صبيح (ملك،III / (ص 421، 434 صدر الدين بن عماد الدين الملتاني،III /ص 324 صدر الدين الحنفي،III /ص 115 صدر الدين الكهراني،III /ص 159 صدر الدين الغماري مدرسة المالكية بدمشق،I /ص 254 صدر الشريعة من هرات III /ص 28 صدر الشريعة قاضي الكات،III /ص 20 الصرصري فقيه من أصل بغدادي،VI /ص 82، 83 الصنعاني (أبو محمد II / (ص 169، الصنوبري (أبو بكر،I / (ص 153، 154 صفي الدين قاضي تروجة،I /ص 48 صفي الدين الطبري المكي،II /ص 173 صفية بنت عبد المطلب،I /ص 286 صهيب صاحب رسول الله،II /ص 277 صلاح الدين أمير الاسكندرية،I /ص 32 صلاح الدين بن أيوب،I /ص 120، 133، 256 ض ضياء الدين السمناني،III /ص 294، 295 ضياء الملك بن شمس الملك،III /ص 338، 339 ع عائشة ابنة أبي بكر الصّديق،I /ص 201، 202، 264، 289، 334، 383 ج،II ص 15 عائشة ابنة محمد (تعرف بأم محمد،I / (ص 253 عاتكة ابنة الحسين بن علي،II /ص 95، 96 عامر بن ذويب،II /ص 165

عامر الشرق،I /ص 381 العبادي العراقي (أبو الحسن،III / (ص 404، 405 العباس عم رسول الله،I /ص 268، 269، 270، 287، 319، 329، 378 عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن ابراهيم السجزي الهروي الصوفي (سديد الدين أبو الوقت،I / (ص 250 ج،II ص 110 عبد الأول شعيب السّنجري الصوفي (أبو الوقت،II / (ص 110 عبد الجليل المغربي الوقّاف،I /ص 113 عبد الحكم (ابن) دفينا القرافة،I /ص 76 عبد الحميد العجمي،I /ص 379 عبد الحق المصري المالكي (جلال الدين،I / (ص 180، 181، 182 عبد الرحمن القاضي بمالي،VI /ص 398 عبد الرحمن أخو عائشة الصديقية،I /ص 334 عبد الرحمن بن أبي العباس بن خلوف (أبو زيد،II / (ص 151 عبد الرحمن بن محمد (أبو زيد،II / (ص 240 عبد الرحمن بن محمد بن أحمد عبد الرحمن البجدي،I /ص 252 عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داوود بن أحمد بن معاد بن سهل بن الحكم الداودي (أبو الحسن،I / (ص 250، 251 ج،II ص 110، 111 عبد الرحمن بن مصطفى (أبو عبد الرحمن،I / (ص 125، 126 عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن يغمر اسن بن زيان (أبو تاشفين،I / (ص 14 عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب،I /ص 287 عبد الرحمن بن القاسم،I /ص 76 عبد الرحمن الصوفي (أبو زيد،II / (ص 169 عبد الرحمن بن نباتة (أبو يحيى،I / (ص 160 عبد الرحمن القنّاوي،I /ص 106، ج،II ص 253 عبد الرحيم البيساني القاضي الفاضل،I /ص 194، 195 عبد الله فقيه من أهل مكة،II /ص 157 عبد الله قاضي بمالديف،VI /ص 126

عبد الله أمير من خراسان،II /ص 73، 74 ج،III ص 334، 358 عبد الله الأصفهاني (كمال الدين،VI / (ص 207 عبد الله بن ابراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي (كمال الدين،I / (ص 253 عبد الله بن أحمد بن حويّة بن يوسف بن أيمن السرخسي،I /ص 251، ج،II ص 111 عبد الله بن أسعد اليمني الشافعي (عفيف الدين،I / (ص 256 عبد الله بن ذي الجناحين جعفر بن أبي طالب،I /ص 287 عبد الله بن الزبير،I /ص 331، 383، 384، 385 عبد الله بن محمد بن عبد الله (والد أبي النجيب،II / (ص 50 عبد الله بن محمد بن فرحون (أبو محمد،I / (ص 278، ج،VI ص 325 عبد الله بن محمد الحضرمي،VI /ص 130، 131، 152، وما بعد 165، 207 عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي،II /ص 110، 111 عبد الله بن علي الرشاطي (أبو محمد،I / (ص 59 عبد الله بن عمر،I /ص 265، 387 عبد الله بن عمر بن علي بن زيد بن اللتّى الخزاعي البغدادي (أبو المنجّى،I / (ص 250 عبد الله فرحان الإفريقي التوزري (أبو محمد،I / (ص 341- 342، ج،II ص 254 VI ، ص 146- 147، 186 عبد الله التونسي،II /ص 251 عبد الله الحضري (أبو محمد،II / (ص 151 عبد الله الحسيني،I /ص 105، 106 عبد الله الكردي،II /ص 142 عبد الله الكفيف،I /ص 212 عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر إبراهيم الفربري،I /ص 251 عبد الله المطري (عفيف الدين،I / (ص 279. عبد الله المنوفي (بدر الدين،I / (ص 92 عبد الله المصري،II /ص 321

عبد الله الصفار ممن لقيهم في رندة،VI /ص 363 عبد الله الغاري (كمال الدين،III / (ص 159- 160، 161 ج،III ص 445- 445 عبد المحسن الإسكندري،I /ص 179 عبد الملك الزبيدي (أبو هاشم،II / (ص 203 عبد المومن بن خلف الدمياطي،I /ص 59 عبد المؤمن بن علي الخليفة الموحّدي،VI /ص 360، 363 عبد العزيز الأردويلي،II /ص 75، 76 ج،III ص 252، 253، عبد العزيز بن سرايا الحلّي (صفي الدين،II / (ص 143، 338 عبد العزيز المقدشاوي،VI /ص 208 عبد الواحد فقيه مقرئ،VI /ص 397، 398 عبد الواحد المكناسي،I /ص 108 عبد الوهاب من عبّاد تروجة،I /ص 48 عبد الوهاب (أبو محمد،I / (ص 76 عبد الوهاب بن علي (أبو محمد،VI / (ص 336 عبد الوهاب بن علي بن نصر المالكي البغدادي (أبو محمد،II / (ص 102، 103 عبيد أحد ندماء تغلق من الفقهاء الشعراء،III /ص 208، 209 عبيد الله بن عبد الله بن عمر،I /ص 272 عتبة الغلام رضي الله عنه،II /ص 15 العتريس أحد أمراء الملك الناصر،I /ص 140 عثمان بن عبد الواحد التنالفتي (أبو عمر،VI / (ص 330 عثمان بن عفان،I /ص 203، 211، 270، 273، 276، 288، 289، 290، 298، ج،II ص 10، 11، 228 عثمان بن عفان المصري،VI /ص 284، 285، 286 عثمان المرندي،III /ص 105 عثمانن الشيرازي،VI /ص 172، 175 عجلان بن رميثة،I /ص 344، ج،II ص 159، 160

العجمي (أبو بكر،I / (ص 96 عرقلة الدمشقي الكلبي شاعر،I /ص 192- 193 عز الدين قاضي قضاة الحنابلة بمصر،I /ص 89 عز الدين أحد الخطباء من بخارى،II /ص 376 عز الدين خطيب،VI /ص 320، 321 عز الدين أستاذ الدار قماري،I /ص 113 عز الدين بن أحمد الرفاعي،II /ص 292، 310، 311 عز الدين بن الإشمونين،I /ص 56 عز الدين بن بدر الدين بن جماعة،I /ص 88، ج،VI ص 324 عز الدين بن مسلم،I /ص 215، 217 عز الدين البنثاني،VI /ص 6، 41، 42 عز الدين الدمشقي،VI /ص 319 عز الدين الزبيري،VI /ص 6، 42 عز الدين المليحي الشافعي،I /ص 54 عز الدين فرشتى،II /ص 296 عز الدين القلانسي،I /ص 242 243 عز الدين الواسطي،I /ص 358 عز الدين الواسطي،I /ص 277 عزيز هو المعروف بالخمار الوالي،II /ص 7، ج،III ص 364، 436 وما بعد، 438 عزيزان من كبار مشايخ الهند،III /ص 57 عكّاشة بن محصن الأسدي،III /ص 62 علم الدين بن فريد الدين البذاوني،III /ص 136 علم الدين بن سالم،I /ص 114 علي أمير من الأخية،II /ص 288، 289 علي الحاج من أصل هندي يعيش في غرناطة،VI /ص 373 علي والد أمير هندو ودولة شاه،III /ص 78 علي أمير قاضي أمروها،III /ص 437 علي فقيه بمالديف،VI /ص 126، 135

علي (نور الدين) قاضي مدينة هنور،VI /ص 66، 68 علي (نور الدين) شخي من مدينة أسنا،I /ص 108 علي أغيول،VI /ص 440 علي بك،II /ص 340 علي بن أبي بكر بن عبد الله بن روبة القلانسى العطار البغدادي،I /ص 250 علي بن أبي طالب،I /ص 95، 176، 202، 211، 223، 290، 295، 383، 415 وما بعد،II ص 8، 10، 11 وما بعد، 49، 94، 95، 228، 282، 356، ج،VI ص 277 علي بن أبي المنصور (جمال الدين،I / (ص 150، 151 علي بن ادريس المصيري،II /ص 214 علي بن أزرق (أمير،II / (ص 395 علي بن جعفر الرازي،I /ص 115، 116 علي بن حبيب التنوخي،I /ص 23، 24 علي بن حجر الأموي،I /ص 292- 294 علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب،I /ص 201، ج،II ص 25 علي بن داوود بن يوسف بن علي بن رسول (نور الدين،I / (ص 378، ج،II ص 153، 172 وما بعد، ص 200، 212، علي بن محمد (علاء الدين،II / (ص 138 علي بن منصور،III /ص 16- 18، 19 علي بن موسي بن سعيد العنسي العمّاري الغرناطي،I /ص 142- 143، 155- 156، 197 علي بن موسى الرضى رضي الله عنه،I /ص 422، ج،III ص 67، 77 78، علي بن نجم الدين البالسي (علاء الدين،II / (ص 150 علي بن صبيح،I /ص 381 علي بن سهل،II /ص 46، 49 علي بن يوسف،I /ص 381 علي بن يوسف بن محمد بن عبد الله الشافعي (علاء الدين،I / (ص 252 علي التبريزي (خواجه أمير،III / (ص 312، 313

علي الحيدري،III /ص 309 علي الرفاعي،II /ص 293 علي الزاودي،VI /ص 398 علي كلكي،VI /ص 131 علي المصري (علاء الدين،III / (ص 230، 231، علي السخاوي المالكي (بدر الدّين،I / (ص 214 علي شاه بن جلال الدين الكيجي،II /ص 235 علي شاه جيلان،II /ص 72، 130- 131 علي شاه كر،III /ص 357، 358 علي بن أحمد بن المحروق،VI /ص 373 علي بن الأنجري (أبو الحسن،I / (ص 358، 359 علي بن النبيه (أبو الحسن،II / (ص 103، 104 علي بن فرغوس التلمساني (أبو الحسن،I / (ص 361 علي بن سليمان الرياحي (أبو الحسن،VI / (ص 374 عماد الدين الحنفي،I /ص 211، 212 عماد الدين الحوراني،I /ص 215 عماد الدين خذاوند زاده،III /ص 375 وما بعد، ص 394 عماد الدين الكندي،I /ص 33، 46، 49 عماد الدين النابلسي،I /ص 125 عماد الدين القيصراني،I /ص 242 عماد الدين السّمناني،III /ص 252، 276، 413 عماد الدين الشونكاري،II /ص 234 عمّار رضي الله عنه،II /ص 59 عمر بك،II /ص 299، 310، 311، 312 عمر البكري (صدر الدين أبو حفص،III / (ص 6، 8، 12 وما بعد، عمر بن الخطاب،I /ص 211، 262، 264، 267، 270، 276، 289، 290، 337، ج،II ص 228، VI ، ص 277 عمر بن محمد بن المحروق (أبو علي،VI / (ص 372

عمر بن محمد بن عبد الله السهروردي (شهاب الدين أبو حفص،II / (ص 48 عمر بن نجم الدين النابلسي (سراج الدين،II / (ص 150 عمر بن عبد الرفيع (أبو علي،VI / (ص 330 عمر بن عبد العزيز،I /صIII،272،271،210،207،145 ، ص 104 عمر بن علي بن قدّاح الهواري (أبو علي،I / (ص 22 عمر المصري (سراج الدين،I / (ص 56 عمر الهنوري،VI /ص 135، 138 عمرو بن العاص،I /ص 70، 81 عمرو بن عوف،I /ص 265 عميد الملك بن عماد الدين السمناني،III /ص 414 عضد الدين الحسيني،II /ص 78 عضد الدين الشونكاري،III /ص 254، 257 عفيف الدين التوزري،II /ص 315، 362، ج،III ص 19 عفيف الدين الكاساني،III /ص 299، 300 عقيل بن أبي طالب،I /ص 287 عون بن علي بن أبي طالب،I /ص 108 علاء الدين (أمير،III / (ص 181 وما بعد، ص 183، 189، 189، 261، ج،VI ص 27 علاء الدين هذا (معرّف) بمن يدخل على الملك،II /ص 363 علاء الدين أمير ملقب بالأقمر،I /ص 273 علاء الدين أديجي،VI /ص 189 علاء الدين الاصي،II /ص 360 علاء الدين الآوجي،VI /ص 100 علاء الدين بن الأثير،II /ص 9- 10 علاء الدين بن بهاء الدين،I /ص 180 علاء الدين بن روح الدين،II /ص 55 علاء الدين بن صارم الدين بن الشيباني،I /ص 163 علاء الدين بن غانم،I /ص 139، 242

علاء الدين بن هلال،I /ص 329، ج،II ص 149 علاء الدين الرجيحاني،II /ص 257 علاء الدين الرومي،II /ص 257 علاء الدين الكردي،I /ص 156، 157 علاء الدين محمد من كبار الكتاب،II /ص 341 علاء الدين محمد أمير،II /ص 128، 129، 131 علاء الدين الملقاني،III /ص 144 علاء الدين النيلي،III /ص 157، 158 علاء الدين القسطموني،II /ص 275 علاء الدين القونوي،I /ص 214 ج،VI ص 317 علاء الدين السلطانيوكي،II /ص 324 علاء الملك الخراساني،III /ص 108، 109 وما بعد عمر دهرد VI /ص 139 عياض (القاضي) صاحب الشفاء،I /ص 284 عين الملك بن ماهر،III /ص 342، 344، 350- 351 وما بعد ص 354، 357 عيسى (علي الصلاة والسلام،I / (ص 116، 120، 124، 188، 229، 232، 233، ج،II ص 435، 436 عيسى أخو الأمير تلتكمور،II /ص 362 عيسى البداوي،I /ص 166 عيسى البربري،VI /ص 354 عيسى بك،II /ص 381، 395، 396 عيسى بن الحسن بن أبي منديل،VI /ص 357، 358 عيسى بن طأطأ،VI /ص 310 عيسى بن علي،II /ص 201 عيسى بن عمر بن العباس السمرقندي (أبو عمران،II / (ص 111 عيسى بن سليمان بن منصور (أبو مهدي،VI / (ص 374 عيسى اليمني،VI /ص 126، 138، 139 غ غازي جلبي،II /ص 350 غدا بن هبة الله (الأمير،I / (ص 361، 362، ج،III ص 155، 348 الغزالي (أبو حامد،III / (ص 77

الغماري (أبو العباس،I / (ص 360 غياث الدين ملك هرات،II /ص 120، ج،III ص 64. غياث الدين بلبن،I /ص 363، 364، ج،III ص 168، 169، 170، 171، 175 غياث الدين بهادور،III /ص 179، 210، 211، 316، 317، 321، ج،VI ص 213 غياث الدين الدامغاني،VI /ص 41، 188، 189، 190، 192 وما بعد، 195- 198، 202 وما بعد ف فاطمة أخت خديجة سلطانة مالديف،VI /ص 131 فاطمة بنت أسد بن هاشم (أم علي بن أبي طالب،I / (ص 288 فاطمة بنت الحسين بن علي (أم سلامة،I / (ص 19 فاطمة بنت علي بن علي بن أبي البدر،II /ص 110 فارس (أبو عنان) ملك المغرب،I /ص 4، 84، ج،III ص 80، 81 VI ، ص 326، 333، 337، 338، 339، 340- 342 وما بعد، 345- 348، وما بعد 349، 352 وما بعد، 376، 444 الفاسي (أبو العباس) مدرسة المالكية،I /ص 284، 285، 286 الفاسي (أبو عبد الله) من كبار الأولياء،I /ص 36 فتح التكروري،I /ص 61 فتح الدين بن دقيق العيد،I /ص 107 فتح الله الملك،III /ص 273، 279 فتح الموصلي،II /ص 145 فخر الدين أمير كبير،II /ص 347، 348 فخر الدين خطيب قرية تروجة،I /ص 48 فخر الدين سلطان بنجاله،VI /ص 212، 213، 214، 215 فخر الدين بن الريغي،I /ص 34، 35، 36

فخر الدين بن مسكين،I /ص 49، 50 فخر الدين بن شهاب الدين الكازروني،VI /ص 103 فخر الدين النّويري المالكي،I /ص 100 فخر الدين عثمان،VI /ص 89 فخر الدين القبطي،I /ص 87، 88 ج،II ص 152 فخر الدين القبطي،I /ص 218، 219 فربا حسين،VI /ص 385 فربا مغا،VI /ص 426، 427 فربا موسى،VI /ص 430، 431 فربا سليمان،VI /ص 432 وما بعد، 434، 435 فرج بن قاسم (أبو سعيد،VI / (ص 370- 371 فرعون (ذي الأوتاد،I / (ص 67 فريد الدين البذاوني،III /ص 136 فريد الدين البذاوني،I /ص 38، ج،III ص 135، 136 فضالة بن عبيد،I /ص 225 فضل الله أخو ملك الهند،III /ص 342 فضل الله الرضوي،III /ص 7 فضيل رئيس الفقهاء،II /ص 40، 41 فيّاض بن مهنّى بن عيسى،I /ص 229، 303، 304 فيروز ابن عم القان بالصين،VI /ص 299، 303، 304 فيروز أمير التجأ إلى ملك الهند،III /ص 43 فيروز البدخشاني،VI /ص 25، 26 فيروز خوندة،III /ص 273 فيروز ملك،III /ص 221، 230، 289، 348 فيروز شاه (نوروز،II / (ص 120 فيروز شاه (جلال الدين،I / (ص 363 ج،II ص 179، 180 183،

ق قازان طاغية التتر،I /ص 148، ج،II ص 115، 129 144 ج،III ص 432، ج،VI ص 24 القان ملك الصين الأعظم،VI /ص 271، 278، 288، 290، 295، 206 قاضي خان صدر الجهان،III /ص 196، 198 قاضي خاصة،VI /ص 42 قاسم أخوابي غرّة شريف حسيني،I /ص 429 القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي (علم الدين أبو محمد،I / (ص 249 القاسم بن عبد الله بن أبي عبد الله (مجد الدين،I / (ص 252، 253 قاسم بن سنان،I /ص 291- 292 قبولة الملك الكبير،I /ص 365 ج،III ص 222، 230 231، 266، 283، 352، 416 قبولة الهندي،II /ص 163، 164 قتم اسم سلطان كافر،VI /ص 29، 30 قتم بن العباس بن عبد المطلب،III /ص 52، 53، 54، 258 قراسنقور من كبار الأمراء،I /ص 167- 172، ج،II ص 121 القرطبي محدث،I /ص 74- 222 قرطي الأمير الكبير،VI /ص 286، وما بعد، 289، 290، 292 قرطيّة الحاج،I /ص 181، 182 القرمي (القاضي،I / (ص 139 القزويني قاضي المسلمين،VI /ص 100، 309 قطب الدين ملك،VI /ص 189، 190 قطب الدين أيبك،VI /ص 162، 163، 164 قطب الدين النقشواني،VI /ص 322 قطب الدين النيسابوري،III /ص 81، 82 قطب الملك أمير مدينة ملتان،III /ص 94، 118- 120، 231، 398، 411

قطلوخان كبير الأمراء،III /ص 45، 143، 336، وما بعد، 340، 341، 407 ج،VI ص 46- 47 قطلوخان أمير،III /ص 210 قطلودمور ابن الأمير تلكمور،II /ص 362 قطلو دمور أمير 9،8،4،III /وما بعد، 12، 13 قلاج نائب السلطان،VI /ص 90، 102، 103 قلاوون (الملك المنصور،I / (ص 71، 83، 84، 183، 273، 324 قلجند اسم أمير،III /ص 332 قمر الدين أمير،VI /ص 188 قمر الدين نائب على أمور المخزن،VI /ص 42 قنجاموسى،VI /ص 404 القسطلاني،I /ص 110 قوام الدين القاضي،III /ص 58، 91، 120، 121، 122، 204، 375 وما بعد، 394، 441، 442 قوام الدين بن طاؤوس،I /ص 420، 421 قوام الدين بن مكين،I /ص 139 قوام الدين الطمغجي،II /ص 65 قوام الدين الكرماني،I /ص 92 قوام الدين السّبتي،VI /ص 281، 282، 283 قوصون،I /ص 86 قيصر الرومي،III /ص 105، 108 س سابور ذو الأكتاف،VI /ص 263، 264 الساحلي (أبو عبد الله،VI / (ص 368 الساحلي الغرناطي (أبو إسحاق،VI / (ص 419، 431، 432 سارة عليها السلام،I /ص 117 سارق جاطّة،VI /ص 420

ساروجة الرومي،II /ص 417 ساروجة الصغير،II /ص 444، 445 ساطي بك بنت خذابنده،II /ص 119 سالم بن عبد الله الهندي،II /ص 179 سام اسم بطل فارسي جدّ رستم،II /ص 132 السامري اسم تاجر من بغداد،III /ص،VI،425 ص 53، 54 السامري سلطان قالقوط،VI /ص 89، 94 سالار قاضي ملتان،III /ص 119 سالار عود بطل مجاهد،III /ص 355، 356، 444 سبع بن خلق الأسدي (أبو الوحش،I / (ص 193، 194 السبيك اسم لسلطان،VI /ص 177 سراج الدين بن الكويك،VI /ص 431، 432 سرتيز غلام لملك الهند،III /ص 44، 94، 107، 109، 235، 305، 393، 420 السروي (أبو محمد) من القراء المجيدين،I /ص 284 سري السقطي محدّث،II /ص 49- 113 السطّي (أبو عبد الله) من الفقهاء المجالسين لأبي الحسن،VI /ص 330 سكينة ابنة الحسين بن علي رضي الله عنها،I /ص 226 ج،II ص 95، 96 سلطية أمير،II /ص 377 سلمان الفارسي،I /ص 290 سليمان عليه السلام،I /ص 115، 127، 132، 270، ج،II 390، 434 ج،III ص 89، 90 ج،VI ص 315 سليمان پادشاه سلطان قصطمونية،II /ص 343 وما بعد، 350، 351 سليمان بك،II /ص 299 سليمان بن داود العسكري (أبو الربيع،VI / (ص 363 سليمان بن عبد الملك،I /ص 272 سليمان خان،III /ص 256، 258

سليمان اللكزي (صدر الدين،II / (ص 449 سليمان المالكي (صدر الدين،I / (ص 53، 54 سليمان مانايك (الوزير،VI / (ص 140، 143، 149 سليمان الملياني (شرف الدين،VI / (ص 321، 322 سليمان الصفدي الشامي وكيل الأسطول،VI /ص 94 سليمان الفنيكي (صدر الدين،II / (ص 342، 343 سليمان شاه،III /ص 185، 186 سليمان الشيرازي،VI /ص 321 السمرقندي (أبو عبد الله،VI / (ص 373 سنبل فتى الحق بالسفارة الهندية للصّين،VI /ص 22، 59، 64، 95، 97 سنجر أخو زوجة الملك،III /ص 187 سنجر بن خوارزم شاه (جلال الدين،III / (ص 23، 25 سندمور أمير،I /ص 139، 140 سعادة التّلنكي،VI /ص 42 سعادة الجوّاني،I /ص 325 سعد بن أبي وقاص،I /ص 414، ج،II ص 96 سعد بن عبادة،I /ص 225 سعد الدين إمام،II /ص 359، 362 السعدي الشاعر الفارسي المعروف،II /ص 87 السعدي أمير مدينة النّحراوية،I /ص 53 سعيد فقيه مقدشو،VI /ص 82 سعيد البجائي،I /ص 180 سعيد بن علي الجزولي،VI /ص 438، 439، 442 سعيد المراكشي الكفيف،I /ص 282 سعيد المكي،III /ص 86 سعيد الهندي،I /ص 361- 370 سفيان الثوري،I /ص 204 السهروردي (ضياء الدين أبو النجيب،II / (ص 48 سهل بن عبد الله التّستري،II /ص 15، 17، 23 ج 312،VI

سهيل بن رافع بن أبي عمر بن عاند بن ثعلبة بن غنم بن ملك بن النجار،I /ص 266 السوسي (أبو يعقوب،I / (ص 23 سويته أمير ديار بكر،II /ص 33، 124 سلار مملوك للملك الناصر،I /ص 255، 256 سيف الدولة بن حمدان،I /ص 148 سيف الدين الباخرزي،III /ص 27 سيف الدين بن عصبة،III /ص 6 سيف الدين بهادور بطل المعبر،VI /ص 197، 205 سيف الدين تنكيز،I /ص 121، 217، 219 سيف الدين الطّنطاش،I /ص 166 سيف الدين الكاشف،I /ص 368 سيف الدين عطيفة بن أبي نمى بن أبي سعد بن علي بن قتادة الحسني،I /ص 344، 354، 361، 378 ج،II ص 153، 154، 155 سيف الدين عمر أمير جندر،VI /ص 310 سيف الدين غدا بن هبة الله بن عيسى بن مهنّى،I /ص 361، 362، ج،III ص 155، 348 أمير عرب الشام/ 181، 271، 273، 279، 282، 363، سيف الدين يلملك (أمير،I / (ص 50، 51، 52، 374 ج،II ص 150 ش شادي خان ابن السلطان علاء الدّين،III /ص 186، 189، 193 الشاذلي (أبو الحسن) رضي الله عنه،I /ص 39، 40- 44، 105، 109 ج،II ص 253. شامر بن درّاج الخفاجي،II /ص 1 شاه أمير المماليك بأمروها،III /ص 439 وما بعد شاه أفغان،III /ص 362

شاه بك سلطان كردي بولي،II /ص 339 شداد بن عمر،I /ص 381 شرف جهان،VI /ص 26، 27 شرف الدين قاضي البهنسة،I /ص 96 شرف الدين الأذرعي الحوراني،I /ص 254 شرف الدين قاضي المالكية،I /ص 214، 220 شرف الدين بن عنين (أبو المحاسن،I / (ص 191- 192 شرف الدين بن عبد الرحيم الملقب (حاصل ماثم،I / (ص 103 شرف الدين بن العجمي،I /ص 161 شرف الدين التبريزي،VI /ص 270 شرف الدين الخشّي شيخ زاوية المسجد الأقصى،VI /ص 321 شرف الدين الدميري قاضي محلة تتوف،I /ص 56 شرف الدين الدميري (الشافعي،I / (ص 101 شرف الدين الزواوي (المالكي،I / (ص 91، 216 شرف الدين السخاوي،I /ص 54 شرف الملك الخراساني،II /ص 72، 74، 75، ج،III ص 310، 311، 358، 360، 361، 368، 394، 398، 401 شمس الدين والي المنية،I /ص 100 شمس الدين مجاور بمكة،III /ص 143 شمس الدين إمام جنديري،VI /ص 42 شمس الدين الاندكاني،III /ص 253، وما بعد شمس الدين الاصبهاني عالم في المعقولات،I /ص 91 شمس الدين البدخشاني،III /ص 436 وما بعد شمس الدين بن بنت الصاحب تاج الدين بن حناء،I /ص 92 شمس الدين بن بنت التنيسي،I /ص 36 شمس الدين بن تاج العارفين،III /ص 307- 309، ج VI ص 6- 7 شمس الدين بن الرجيحاني،II /ص 257 شمس الدين بن ناصر الدين بن غياث الدين بلبن،III /ص 210، ج،VI ص 213

شمس الدين بن النقويش المصري،VI /ص 397، 398 شمس الدين بن النقيب،I /ص 139 شمس الدين بن عبد الله بن تمّام،I /ص 253 شمس الدين بن عدلان،I /ص 91 شمس الدين بن القفصي،I /ص 214، 215 شمس الدين البوشنجي،III /ص 121، 142، 384، 396 شمس الدين التبريزي،III /ص 274 شمس الدين حاجب قصة،III /ص 421 شمس الدين الحريري،I /ص 88، 89 شمس الدين الدمشقي،II /ص 339 شمس الدين الذهبي،III /ص 252 شمس الدين كردن بريدا،III /ص 43 شمس الدين كلاه دوز،VI /ص 54، 55 شمس الدين للمش (ألتمش: بوستة،I / (ص 363، ج،III ص 154، 164 165، 166، شمس الدين المصري،II /ص 449 شمس الدين الفلوي،I /ص 57 شمس الدين السايلي،II /ص 360، 362، 363 شمس الدين السمناني،II /ص 88، ج،III ص 257 شمس الدين السنجري،III /ص 7، 13 شمس الدين السندي،II /ص 29 شنورازة (رجا،VI / (ص 128، 129، 134 شعيب عليه السلام،I /ص 132 شعيب بن الحسين (أبو مدين،I / (ص 223، 224 ج،VI ص 332 شعيب المغربي،I /ص 326 شهاب الدين أمير بمالديف،VI /ص 130، 131، 157 شهاب الدين الارمنتي،I /ص 165 شهاب الدين بن برهان الدين،I /ص 352، 356

شهاب الدين بن جهبل،I /ص 214 شهاب الدين بن مسكين،I /ص 108 شهاب الدين بن محمد بن محيي الدين الطبري،I /ص 348، 352 ج،VI ص 325 شهاب الدين بن الصبّاغ،I /ص 103 شهاب الدين بن عبد الغفّار،I /ص 107 شهاب الدين بن علاء الدين محمد شاه الخلجي،III /ص 186، 189، 191، 193 شهاب الدين بن شمس بن ناصر الدين،III /ص 210، ج،VI ص 213 شهاب الدين بن شيخ الجام الخراساني،III /ص 293، 294، 298، 444 شهاب الدين الحموي،II /ص 260، 262 شهاب الدين الرومي،III /ص 439 شهاب الدين الزرندي،I /ص 284 شهاب الدين الطبري،I /ص 125 شهاب الدين الكازروني،III /ص 244، 248، 395 شهاب الدين المالكي،VI /ص 319 شهاب الدين النويري،I /ص 352 شهاب الدين قلندر،I /ص 404 شهاب الدين الشرابشي،I /ص 221 شهر الله (أمير،III / (ص 342 الشيباني خطيب مدينة سيوستان،III /ص 104 شيت ولد آدم،VI /ص 182 شيدا أمير،VI /ص 214، 215، 223، 224 الشيرازي (أبو بكر،I / (ص 357 شير سياه شيخ للفقراء،III /ص 83 شيم ولد نوح،VI /ص 182 هـ هابيل،I /ص 231 هاجر،I /ص 313 هارون الرشيد،III /ص 79 هبة الله بن الفلكي التبريزي،III /ص 394، 399، 401، 402 هريب،VI /ص 68

همام الدين من خوارزم،III /ص 7 هود بن عابر عليه السلام،I /ص 205، ج،II ص 203، 204 هوشنج بن كمال الدين كرك،III /ص 143، 144، 335 هلاجون (ثائر بلاهور،III / (ص 332 هلال أمير بمالديف،VI /ص 136 هلال (فتى،VI / (ص 95 هلاون بن تنكيز التتري،III /ص 105 وواثلة بن الأسقع دفين دمشق،I /ص 225 وجّين (الحاج) مقدّم في تكدا،VI /ص 436 وجيه الدين البياني،VI /ص 42. وجيه الدين الكاساني،III /ص 164 وجيه الدين الصنهاجي،I /ص 36 وجيه الملك،VI /ص 27 وحيد الدين عمر،II /ص 48 وزيرة ابنة عمر بن المنجا محدّثه،II /ص 83 الوليد بن عبد الملك بن مروان،I /ص 198، 199، 271، 272، 273 ونار،III /ص 102، 105، 107 وشل حاج،I /ص 362، 363، 364 ي اليافعي (أبو محمد،VI / (ص 325 ياقوت الشيخ دفين الاسكندرية،I /ص 39 يحيى عليه السلام،I /ص 204 يحيي الباخرزي،III /ص 27 يحيى بن محمد (محيي الدين،I / (ص 252

يحيى بن السراج الرّندي (أبو زكرياء،I V / (ص 354 يحيى بن سليمان العسكري (أبو زكرياء،VI / (ص 330 يحيى الخراساني،II /ص 28 يحيى الرفاعي،II /ص 293 يحيى السلاوي،I /ص 180 يخشي خان،II /ص 316 يزيد بن معاوية،II /ص 271، ج،VI ص 277 يندكان المسوفي (أبو محمد،VI / (ص 377، 390 يننج بك،II /ص 275 ينقي (أمير،III / (ص 42، 43 يعقوب شيخ من الأحمدية،II /ص 310 يعقوب (عليه السلام،I / (ص 115، 116 يهودا (عليه السلام،I / (ص 132 يونس (عليه السلام،I / (ص 120 ج،II ص 137 يوسف (عليه السلام،I / (ص 117، 133 يوسف (أبو يعقوب) يقال إنه (ملك المغرب،I / (؟ ص 133، 134، 137 يوسف (أبو يعقوب) من بادية سبتة،I /ص 360، 361 يوسف أتابك،II /ص 34 يوسف بك بن قرمان،II /ص 257، 258 يوسف بن إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر (أبو الحجاج،VI / (ص 370 يوسف بن رسول،I /ص 324 يوسف بن الزكي الكلبي المزي (جمال الدين،I / (ص 236، ج،III ص 252 يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزنّي الكلبي (جمال الدين أبو المحاسن،I / (ص 252 يوسف بن موسى المنتشاقري (أبو الحجاج،VI / (ص 363 يوسف بغرة (ملك،III / (ص 235، 293

(6) فهرس الأعلام الجغرافية

(6) فهرس الأعلام الجغرافية الأماكن أ الأبطح (وادي) / مكة I /ص 262- 332 الأبله/ العراق II /ص 17، 18 أبو صير/ مصر VI /ص 322، 323 أبو قبيس/ مكة I /ص 303، 335، 336، 393 أبو سرور/ الهند VI /ص 77 أبو هر/ الهند III /ص 125، 133، 134، 323 آب حياة/ الصين أبيار/ مصر،I /ص 54، 55، 56. ج323،VI آت قلنجة/ قرية (سيلان،VI / (ص 183 الأجفر/ الجزيرة العربية،I /ص 410 أجودهن/ الهند،III /ص 135، 136، 142 أجياد الأكبر وأجياد الأصغر/ مكة،I /ص 303 أجين/ الهند،VI /ص 45، 46 أحد/ الجزيرة العربية،I /ص 289، 290 الأحقاف/ حضرموت (اليمن،I / (ص 205. ج،II ص 203 إخميم/ مصر،I /ص 103، 104 ج،II ص 253 أخندقان/ بين المغرب الأقصى والأوساط،VI /ص 332 الأخشبان/ جبلان بمكة،I /ص 303 آدفوا/ مصر،I /ص 108، 109، ج II ص 353 أرز الرّوم/ آسيا الصغرى،II /ص 294، 295 أرزنجان/ آسيا الصغرى،II /ص 293، 294 أرمنت/ مصر،I /ص 108 ج،II ص 253

أريحا / (Jericho) فلسطين،I /ص 227 أزاق/ القفجق، بلاد السلطان،II /ص 368 وما بعد، 382 أوزبك خان أزغنغان/ شمال المغرب،VI /ص 332 أطرار أو أترار/ ما وراء النهر،III / (Transoxiane) ص 23- 24- 25 أطراز/ الصين على مسيرة ثلاث،III /ص 49 من المالق أكروهة/ الهند بين حانسي ومرشى،III /ص 372، 373 أكريدور/ آسيا الصغرى،II /ص 266، 267 وما بعد أكك/ القفجق،II /ص 414 ألبيرة/ الأندلس،VI /ص 373 أم جنيبة/ المغرب،VI /ص 448 أم عبيدة/ العراق،I /ص 223. ج،II ص 4 أماصية/ آسيا الصغرى،II /ص 292 أمجري/ الهند،III /ص 137 أمروها/ الهند،III /ص 437 أمواري/ الهند،VI /ص 39 الأنبار/ العراق،VI /ص 295، 314 أندر/ خراسان،III /ص 85 أنطاكية/ سوريا،I /ص 162، 165. ج،II ص 258 أنطالية/ آسيا الصغرى،II /ص 258، 260، 265 اصطنبول (اسطنبول) / القسطنطينية،II /ص 431- 437 اصفهان/ فارس،II /ص 43، 45 وما بعد، ص 50. VI ، ص 312 أصياأباد (آسيا باد) / الهند،III /ص 205 أصيلا/ المغرب،VI /ص 353، 374 أفقانبور/ الهند.6،II /ج،III ص 437 إقلي (إقليبية) / تونس،I /ص 23 الأقصر/ مصر،I /ص 107، 108. ج،III ص 253

أقصرا/ آسيا الصغرى،II /ص 285، 286 أقشهر/ آسيا الصغرى،II /ص 266. الإسكندرية/ مصر 33،32،29،28،27،I /وما بعد، 48، 67- 81. ج،VI ص 323 أسوان/ مصر،I /ص 67. ج،VI ص 396. آسفي/ المغرب،I /ص 372 أسنا/ مصر،I /ص 108. ج253،II أسيوط/ مصر،I /ص 102، 103، 278. ج253،II أشتركان/ فارس،II /ص 42 أشمون الرمان/ مصر،I /ص 66 الأشمونين/ مصر،I /ص 56 ج253،II الأهرام/ مصر،I /ص 80، 81، 82، 83 أوجا/ الهند،I /ص 422، 423. ج،III ص 115، 116، 359. آيا صوفيا/ القسطنطينية،II /ص 433 وما بعد ايا سلوق/ آسيا الصغرى،II /ص 308 إيذج أو مال الأمير/ فارس،ii /ص 29، 30- 41 إيو الاتن/ إفريقيا الغربية،VI /ص 378، 381، 381، 385، 386، 388، 389، 390، 395، 438، 439 ب بئر أريس/ المدينة المنورة،I /ص 289 بئر بضاعة/ المدينة المنورة،I /ص 289 بئر الحجر/ حجر ثمود، الجزيرة العربية260،259،I / بئر رومة/ المدينة،I /ص 290 بئر ملّاحة/ العراق،II /ص 96 بئر علي/ المدينة،I /ص 298 باب إبراهيم/ مكة،I /ص 323 باب أجياد الأكبر/ مكة،I /ص 323

باب أجياد الأصغر/ الإسكندرية،I /ص 28 باب الأزج/ بغداد،II /ص 58 باب البحر/ الإسكندرية،I /ص 28 باب البريد/ دمشق،I /ص 209، ج،II ص 53 باب بني عبد شمس/ مكة،I /ص 322 باب بني شيبة/ مكة،I /ص 300، 321، 322، 344 باب بني مخزوم/ مكة،I /ص 321 باب البصرة/ بغداد،II /ص 107 باب الجابية/ دمشق،I /ص 221، 222، 223 باب جيرون/ دمشق،I /ص 207، 209 باب الحزورة/ مكة،I /ص 323 باب الحضرة/ النّجف (العراق،I / (ص 414، 415 باب حسن/ شيراز (فارس،II / (ص 53 باب الخياطين/ مكة،I /ص 321 باب الدقاقين/ مكة،I /ص 323 باب دسبول (أو دزفول) / فارس24،II / باب الرباط/ مكة،I /ص 322 باب رشيد/ الإسكندرية،I /ص 28 باب الزيادة/ دمشق،I /ص 206 باب المعلّا/ المدينة،I /ص 304، 330، 371، 395 باب المسفل/ المدينة،I /ص 304 باب النبي/ مكة،I /ص 322 باب الندوة/ مكة،I /ص 322 باب النطفانيين/ دمشق،I /ص 210 باب الصغير/ دمشق222،221،I / باب الصفا/ مكة،I /ص 321 باب العباس/ مكة،I /ص 322 باب علي/ مكة،I /ص 323، 328 باب العمرة/ مكة،I /ص 323

باب الفراديس/ دمشق،I /ص 221 باب السدرة أو السدّة/ مكة،I /ص 323 باب السدرة/ الإسكندرية،I /ص 28 باب السّرو/ فارس،II /ص 39 باب الشبيكة/ مكة،I /ص 304 باب اليهود/ مكة،VI /ص 285 بابا سلطوق/ بلاد القفجق (مدينة حدودية،II / (ص 416، 445 بّالبّور/ من أقاليم مالديف VI /ص 111 بالم (قرية) / الهند،III /ص 145، 149 ببا/ مصر،I /ص 96 بجاية/ بلاد المغرب،I /ص 16 البجنصار/ مالديف،VI /ص 120 بجنور/ الهند،III /ص 437 بجيلة/ مكة،I /ص 385، 386 البحرين/ الخليج،I /ص 246 البحيرة/ مصر،I /ص 49 بخارى/ أوزبكستان،I /ص 173، 174، 291 ج،III ص 22 وما بعد. ج،VI ص 448 بدخشان/ خراسان،III /ص 59، 86، 394 بدر/ الجزيرة العربية،I /ص 295، 496، 406 بدركوت/ الهند،III /ص 334، 340، 357 بدلي/ الهند،III /ص 388 بدفتّن/ الهند،VI /ص 87- 88 بذاون: (بلد السنبل) / الهند،III /ص 136 البرابي (جمع بربة) / معابد فراعنة مصر،I /ص 80 برج بورة/ الهند،VI /ص 23 برجين/ آسيا الصغرى،II /ص 280 بردور/ آسيا الصغرى،II /ص 265، 266 بركة الحبش/ إفريقيا الغربية،VI /ص 431

بركة زيزة/ بلاد الشام،I /ص 255 بركة المرجوم/ الجزيرة العربية،I /ص 411 بركة المعظم/ الجزيرة العربية،I /ص 259 بركي/ آسيا الصغرى،II /ص 295- 298 وما بعد 305- 307 البرلس/ مصر،I /ص 50، 58، 59 برلو/ آسيا الصغرى،II /ص 340 وما بعد برنو/ إفريقيا الغربية،VI /ص 441 وما بعد برص/ قرية بالعراق،I /ص 231 برصى/ آسيا الصغرى،II /ص 317، 318، 319- 321- 322 برغمة/ آسيا الصغرى،II /ص 315، 316 برشانة/ الأندلس II /ص 13 البرهنكار/ بلاد الملايو،VI /ص 224، 226، 227، 228 برون/ خراسان87،III / برون/ الصين،VI /ص 33 بريدو/ إقليم بمالديف،VI /ص 122 بطّالة/ سيلان،VI /ص 166، 185 بطن مرّ/ الجزيرة العربية،I /ص 299، 305، 404 بطياس/ سوريا،I /ص 153، 156 بكار/ خراسان،III /ص 74، 115 بلبيس/ مصر،I /ص 111، 157. ج،II ص 254 بلخ/ خراسان،I /ص 174. ج،III ص 25، 58، 63 بلرة/ الهند،III /ص 388 بلغار/ القفجق،II /ص 398، 399، 402 بلش/ الأندلس،I /ص 20. ج،VI ص 368، 373 بلوذرة/ الهند،III /ص 362، 367 بلي كسري/ آسيا الصغرى،II /ص 316، 317 بليانة/ بلاد المغرب الأدنى،VI /ص 327 بنج هير/ خراسان،III /ص 85 بنجالة/ البنغال،VI /ص 210، 212، 213، 214 وما بعد، 322، 323، 324

بندر سلاوات/ سيلان،VI /ص 170، 171 البندقية/ إيطاليا،II /ص 444 البصرة/ العراق،II /ص 8- 1، 9- 10، 11- 12، 13. 13- 15، 16- 17، 134. ج.376،312،VI بصرى/ سوريا،I /ص 254، 255. بعلبك/ لبنان،I /ص 185، 186، 187. بغداد/ العراق،II /ص 100، 101 وما بعد، 105، 107، 108، 111، 114، 123- 125، 128- 128، 131، 132. ج،VI ص 313، 375 بغلان/ خراسان،III /ص 82 بقاع العزيز/ بلاد الشام،I /ص 133 بقشهر/ آسيا الصغرى،II /ص 266 بقيع الغرقد/ المدينة المنورة/ ص،I ص 286. ج121،III بسّا/ فارس،VI /ص 311 بسطام/ فارس،III /ص 82 بسهي/ الهند،III /ص 388 بشّارة/ الأندلس،VI /ص 392 بش بالغ/ الصين،III /ص 50. ج VI.ص 299 بش دغ/ محلة سلطان أوزبك خان،II /ص 379- 402 بهرايج/ الهند،III /ص 355 البهنسة/ مصر،I /ص 96. ج،II ص 254 بودا/ إفريقيا الغربية،VI /ص 447 بولي/ آسيا الصغرى،II /ص 336 وما بعد بونة (عنّابة) / من مدن المغرب الأوسط،I /ص 19 بوش/ مصر،I /ص 95. ج،II ص 254 بوشنج/ خراسان،III /ص 68 بلاد الجريد/ الهند،III /ص 227. ج،VI ص 5، 6، 42 بيت الإهية/ قرية بالشام،I /ص 237 بيت لحم/ فلسطين،I /ص 116، 120 بئر ذات العلم/ الجزيرة العربية،I /ص 295.

بئر الحجر (حجر تمود) / الجزيرة العربية،I /ص 259- 260 بئر الزاهر/ مكة،I /ص 334- 335 بيت المقدس/ فلسطين/ انظر القدس بيروت/ لبنان،I /ص 133 بيهق/ خراسان،III /ص 65 بيوم قطلو/ مدينة صغيرة الصين،VI /ص 283 ت تاج بورة/ الهند،VI /ص 20 تادلى (تادلة) / المغرب الأقصى،VI /ص 436، 440 تارنا/ بلاد السند،III /ص 113، 114 تازة (تازى) / المغرب الأقصى،VI /ص 332. تانة/ الهند177،II / تافيلالت/ المغرب الأقصى،VI /ص 436 تاسرهلا/ إفريقيا الغربية،VI /ص 315 تبريز (اوتوريز) / اذربيجان،I /ص 171. ج،II ص 23- 72، 129 128 وما بعد، 145. تبوك/ الجزيرة العربية،I /ص 257، ج،VI ص 326 تدمر/ دمشق،VI /ص 315 ترمذ/ خوارزم،III /ص 26، 56- 58 تروجة/ مصر،I /ص 48 تكدّا/ إفريقيا الغربية،VI /ص 438، 439، 440، 441، 442. 443، 444 تكريت/ العراق،II /ص 133 تلبت/ الهند،III /ص 391، ج،VI ص 5 تلدمّتي/ من أقاليم مالديف،VI /ص 111، 112 تلمسان/ من بلاد المغرب الأوسط،I /ص 14. ج،VI ص 331، 383 التّلنك/ الهند،III /ص 192، 208، 294 التنانير/ الجزيرة العربية،I /ص 412. تنبكتو/ إفريقيا الغربية 430،426،395،VI /وما بعد

التنعيم/ مكة،I /ص 304، 334، 337، 357، 383 تنس/ من بلاد المغرب الأوسط،VI /ص 331. تنيس (البحيرة) / مصر،I /ص 57 تنيس (البلد) / مصر،I /ص 57 تعز/ اليمن،II /ص 171- 172 وما بعد تغازّى/ إفريقيا الغربية،VI /ص 377، 378 تغلق أباد/ الهند،III /ص 146- 147، 214 تسابيت/ إفريقيا الغربية،VI /ص 446- 447 تستر/ فارس،II /ص 23- 29 توات/ بلاد المغرب،VI /ص 444- 445، 446 تونس/ من بلاد المغرب الأدنى،I /ص 19، 21 ج،VI ص 328، 239، 330، 331. تيرة/ آسيا الصغرى،II /ص 307، 308 تيزين/ قرية من نواحي حلب،I /ص 161، 165 التّيم/ إقليم من مالديف،VI /ص 111 ث الثّبت/ بلاد المسك،III /ص 439، ج،VI ص 216 ثبير (جبل) / الجزيرة العربية،I /ص 257 الثعلبية/ الجزيرة العربية،I /ص 410، 411 ثور/ جبل بمكة،I /ص 338- 340 ج الجام/ خراسان،III /ص 67، 75 جامع الأبنوس/ جدة،II /ص 157 الجامع الأزهر/ مصر،I /ص 92 جامع الزيتونة/ تونس (المغرب الأدنى،I / (ص 22 جامع النيرب/ الشام،I /ص 226- 235، 236 جاناتة/ غرب زمور، اقليم الخميسات (المغرب،VI / (ص 351

جاوة/ اندونيسيا،VI /ص 228، 229، 230، 240، 206 جبر كاوان/ قرية بسيلان،VI /ص 182، 183 الجبل الأحمر/ مكة336،303،I / جبل الخندمة/ مكة،I /ص 303، 336 جبل الرحمة/ بين المدينة ومكة،I /ص 296، 397، 398 جبل الزان/ ببلاد المغرب الأوسط،I /ص 16 جبل طارق/ الأندلس،I /ص 429، ج،VI ص 354، 356، 360، 361 وما بعد، 374 جبل لمعان/ ببلاد الخليج،II /ص 215 جبل الطبول/ بين المدينة ومكة،I /ص 296 جبل الطير/ مكة،I /ص 337 الجبل الأقرع/ بلاد الشام،I /ص 183- 184 الجبل المخروق/ الجزيرة العربية،I /ص 408، 409 الجبل المقطّم/ مصر،I /ص 74 جبل الشيطان/ خارج المدينة،I /ص 289 جبل القليعة/ شيراز،II /ص 53 جبلة/ فارس،I /ص 172، 173، 178، ج،II ص 254، ج،I ص 303، 336 جبلة/ اليمن،II /ص 171. جبل السبيكة/ الأندلس،VI /ص 373 جبل حراء/ الجزيرة العربية I /ص 282- 337 جبل النعمان/ الشام،I /ص 144 الجحفة/ الجزيرة العربية،I /ص 297 جدة/ الجزيرة العربية،I /ص 304 ج،II ص 156- 250 VI ، ص 324. جدية/ الهند،III /ص 325 الجديد/ الجزيرة العربية،II /ص 252 جربة/ بلاد المغرب الأدنى،I /ص 33، ج،VI ص 327

الجرخ/ خراسان،III /ص 88 جرفتّن/ الهند،VI /ص 82، 83 جرون/ فارس،II /ص 230، 231 الجزائر/ المغرب الأوسط،I /ص 16 الجزرات/ الهند،III /ص 245، 279، 363 جزيرة البرزخ/ مصر،I /ص 60 جزيرة التلمدي/ مالديف،VI /ص 137 جزيرة بن عمر/ العراق،II /ص 139 الجزيرة الخضراء/ الأندلس،I /ص 429، ج،VI ص 313، 356 جزيرة عثمان/ مالديف،VI /ص 137 جزيرة علي/ مالديف،VI /ص 162 جزيرة قيس/ فارس،II /ص 237 جزيرة كشم (كش) / فارس،VI /ص 168 جزيرة سقطرة/ اليمن،I /ص 362 جزيرة سواكن/ السودان،II /ص 161- 162 جزيرة الجاوة/ (انظر الجاوة) / جزيرة السويد/ إقليم بمالديف،VI /ص 112- 131 جزيرة هللي/ مالديف،VI /ص 208 جزيرة بيرم/ آسيا الصغرى،VI /ص 60 جزيرة منبسى/ افريقيا الشرقية،II /ص 191 الجلالي/ الهند قرب عليگره،VI /ص 7 جلّق/ دمشق،I /ص 157، 192، 196 الجمرات/ منى،I /ص 400، 401 جمكان/ فارس،II /ص 61، ج،VI ص 311 جنادة/ السودان الشرقي،II /ص 192 جنادل/ شلالات النّيل VI /ص 396 جناني/ الهند،III /ص 101، 102 جنبيل/ الهند،VI /ص 29 جنديري/ الهند،III /ص 196، 361، ج VI ص 41، 42 جنوة/ ايطاليا،II /ص 312 الجنيب (الخبيب) / مصر،II /ص 253

جهان بناه/ الهند،III /ص 147 جوجو (كوكو) / إفريقيا الغربية،VI /ص 122، 395، 426، 435، 438 جوجوة/ إفريقيا الغربية،VI /ص 442 الجودي/ العراق،II /ص 139 جوزة/ قرية بالهند،III /ص 398 جزائر السويد/ إقلسم بمالديف،VI /ص 112 جوشن/ جبل بحلب،I /ص 156 جيرون/ دمشق،I /ص 194، 207، 209 الجيشاني/ قبة بالهند،III /ص 180 ح الحاج ترخان/ القفجق بلاد أوزبك خان،II /ص 410، 411، 446، 450 الحاجر/ الجزيرة العربية،I /ص 408 حانسي/ الهند،III /ص 143 حبنق/ البنغال،VI /ص 222 الحجر الأسود/ مكة،I /ص 313، 336 حجر (اليمامة) / الجزيرة العربية،II /ص 248 الحجون/ مكة،I /ص 330، 332، 384 الحدباء/ الموصل/ العراق،II /ص 135، 143 حدّة/ الجزيرة،II /ص 156 الحديثة/ العراق،VI /ص 314 حربة/ قرية بالعراق،II /ص 132 حرجاء/ ربض ظفار،II /ص 196 الحطيم/ مكة،I /ص 301، 316 حلب (الشهباء) / سوريا،I /ص 146، 148، 149، 151، 152، 153، 156، 157، 161، 291، ج II ص 143، 144 ج VI ص 318، 319. الحلة/ العراق،II /ص 97، 99، 143، ج،VI ص 313

حلي/ مدينة اليمن،II /ص 163 وما بعد، ص،VI،144 ص 318 الحمة/ الأندلس،VI /ص 368، 373 حمص/ سوريا،I /ص 140، 141، ج VI ص 318، 320. حمص/ الأندلس (انظر تحرير حمص،VI / (ص 367 حمص/ المغرب (فاس VI / (ص 367 حميثرا/ مصر،I /ص 40، 109، ج،II ص 253 الحصحاص/ مكة،I /ص 332 حصن أبو بكهر/ الهند،III /ص 135 حصن الأكراد/ سوريا،I /ص 140 حصن ذكوان/ الأندلس،VI /ص 373- 374 حصن العزاب/ المدينة المنورة،I /ص 289، 290. حصن طواس/ آسيا الصغرى،II /ص 277- 278 حصن كرماش/ أفغانستان،III /ص 90 حصن المرقب/ الشام،I /ص 183 حصن مصياف/ الشام،I /ص 166 حصن مهتولي/ آسيا الصغرى،II /ص 418 حصن المينقة/ الشام،I /ص 166 حصن العليقة/ الشام،I /ص 166 حصن فيد/ الجزيرة العربية،I /ص 409- 410 حصن القدموس/ الشام،I /ص 166 حصن القصير/ الشام،I /ص 165 حصن الشغر بكاس/ الشام،I /ص 165 حصن هركاتو/ الهند،VI /ص 188 حصن الكرك/ الأردن،I /ص 255 حصن الغراب/ الشام،I /ص 255 حصن بغراس/ الشام،I /ص 163- 165 حضرموت/ اليمن،II /ص 196

حوران/ الشام I /ص 166 الحويزاء/ فارس،I /ص 92 ج،II ص 93 ج312،VI خ خان بالق (بكين) / الصين،VI /ص 221، 224، 262، 268، 269، 294، 295، 297، 299 الخانقاه البيبرسية/ الشام،I /ص 256 الخانقاه الخاتونية/ الشام،I /ص 212 الختن/ الصين،III /ص 23 الخروبة (انظر منازل الرمل) / مصر،I /ص 111، 112 الخطا/ الصين،III /ص 22، 23، 50، 255 ج،VI ص 244، 261، 294، 295 الخليل/ فلسطين،I /ص 114، 115، 117، 118، 119، II ، ص 254، ج،VI ص 322، 326 خليص/ الجزيرة العربية،I /ص 297، 298، 406 الخنساء/ الصين،VI /ص 1، 220، 269، 284، 285، 287، 288، 290، 292، 293، 294، 300، 304. الخضراء (دار معاوية) / دمشق،I /ص 207 خوارزم/ آسيا،III /ص 3، 7، 8، 9، 15، 16 خوربوزنة/ سيلان،VI /ص 175 خور الخيزران/ سيلان،II /ص 81 ج،VI ص 177 خور الدنب/ الهند VI /ص 79 خور فكان/ عمان (تابعة اليوم للشارقة،II / (ص 229 الخورنق/ العراق،II /ص 1 د الدار (مقر الحكومة) / مالديف،VI /ص 132 دار العجلة/ مكة،I /ص 326

دار الشّرابي/ مكة،I /ص 326 دارا/ الشام،II /ص 142 دار الطمع/ بين أزرو وصفرو (المغرب،VI / (ص 448 دار سرا/ الهند،III /ص 217 داريّا/ سوريا،I /ص 226 دبال بور/ السند،III /ص 200، 202 درعة/ بلاد المغرب،VI /ص 378 دروازة البجالصة/ دهلي،III /ص 149 دروازة بالم/ دهلي،III /ص 149، 379، 383 دروازة بذاون/ دهلي،III /ص 149 دروازة جل/ دهلي،III /ص 149 دروازة كمال/ دهلي،III /ص 149 دروازة غزنة/ دهلي،III /ص 149 دكالة/ بلاد المغرب،VI /ص 427 دل دينوه/ سيلان،VI /ص 183 دمنهور/ مصر،I /ص 49، ج VI ص 323 دمشق/ الشام،I /ص 187، 190، 197، 210، 212، 214، 218، 221، 222، 229، 230، 233، 237، 237، 238، 248، 254 ج VI ج 315 316، 317، 318، 320. دمياط/ مصر،I /ص 59، 65. ج،VI ص 322 دنقلة/ بلاد السودان افريقيا الشرقية،VI /ص 396 دشت الروم/ فارس،II /ص 52، ده فتّن/ الهند،VI /ص 84، 85، 87 دهلي/ الهند،I /ص 292، 364، 367، 425 ج،II ص 6، 135، ج،III ص 146، 148، 149 150، 154، 155، 156، 157، 161، 216، 372، ج،VI ص 310.

دولة أباد (بلاد الدّويقير) / الهند I /ص 425، 427، ج،III ص 182، 191، 369، ج،VI ص 46، 47، 48، 49، 50، 51. دولة خانج (قصر) / الهند،III /ص 166 دلاص/ مصر،I /ص 95، 96 ديار بكر/ تركيا،I /ص 131، ج VI ص 57 دير الطين/ مصر،I /ص 94، 95 دير الفاروص باللّاذقية/ الشام،I /ص 183 دينور/ الهند،VI /ص 184، 185 ذ ذات حج/ الجزيرة العربية،I /ص 257 ذي الحليفة/ الجزيرة العربية،I /ص 294 ذيبة المهل/ مالديف،I /ص 92، 207، 209، ج،VI ص 29، 110، 111، 112، 113، 114، 120، 121 122، 123، 124. 126- 130، 131، 132، 133، 162، 164، 207- 227 ر رأس أبي محمد/ جنوب الجزيرة،II /ص 257 رأس دوائر/ جنوب الجزيرة،II /ص 160، 251 رابري/ الهند VI /ص 29، 30 رابطة العقاب/ الأندلس VI /ص 372، 373 رامز/ فارس،II /ص 22 رباط ربيع/ مكة،I /ص 359، 360 رباط كلالة/ مكة،I /ص 361 رباط الفتح/ المغرب الأقصى،II /ص 432 ج،III ص 59. رباط السدرة/ مكة،I /ص 322، 358 رباط الشرابي/ مكة،I /ص 344

رباط الموفّق/ مكة،I /ص 325 الربوة المباركة/ مكة،I /ص 233 الرملة/ فلسطين،I /ص 128، ج،II ص 254 رندة/ الأندلس،VI /ص 363، 374 الرصافة/ العراق،II /ص 111، 112 الرّصص/ سوريا،I /ص 4، 292 الرّوحاء/ بين المدينة ومكة،I /ص 295 الروضة/ مصر،I /ص 68، 70 ز زاغة/ إفريقيا الغربية،VI /ص 395 زاغري (حيث الونجراتة) / إفريقيا الغربية،VI /ص 394 وما بعد، 429 زاوية الدينوري/ فارس،II /ص 30 الزاوة/ خراسان،III /ص 67، 79 زاوية اللّجام/ الأندلس،VI /ص 373 زاوية العثمانية/ الصين،VI /ص 286 الزاوية العظمى/ فاس (المغرب،I / (صVI،II،84 الزبداني/ الشام،I /ص 186 زبيد (وادي الحصيب) / اليمن،II /ص 166، 171، 204 زبيد/ بلاد المغرب الأدنى،I /ص 15 زرعة/ الشام،I /ص 254 زرود/ الجزيرة العربية،I /ص 410، ج،II ص 148 زكي/ عمان،II /ص 229 زمالة/ الجزيرة،I /ص 412 زمخشر/ خوارزم،III /ص 6 زمزم/ مكة،I /ص 300، 318، 319 زغاي/ إفريقيا الغربية،VI /ص 441 الزوراء/ بغداد،I /ص 193، ج،II ص 143 الزيتون/ الصين،I /ص 28، ج،VI ص 1، 92، 182، 256، ج،VI ص 269، 270، 272، 278، 304

الزيدين/ (مدينة) فارس،II /ص 92 زيلع/ إفريقيا الشرقية،II /ص 180 ط الطائف/ الجزيرة العربية،I /ص 305، 331، 359 طبرية/ فلسطين،I /ص 132، 133 طرابلس/ بلاد المغرب الأدنى،I /ص 25، 26، 27 ج،VI ص 350، 351 طربلس/ الشام،I /ص 137، 139، 140، 178، ج،II 254 طرب آباد/ الهند،III /ص 155، ج،VI ص 50، 51 الطرفاوي (منهل للماء) / العراق،II /ص 93 طريف/ الأندلس،VI /ص 313 طريق بابا/ سيلان،VI /ص 180 طريق ماما/ سيلان،VI /ص 180، 182 طنجة/ بلاد المغرب الأقصى،I /ص 12، 358، 359، ج،II ص 150، ج،VI ص 353 طوالسي/ المحيط الهادي،VI /ص 248، 249 وما بعد، ص 304 II ، ص 448. طوس/ خراسان،III /ص 67، 77 طيبي/ عمان تابعة اليوم للفجيرة،II /ص 226، 227 ظ الظاهرية/ دمشق،I /ص 218، ج،VI ص 316 ظفار/ اليمن،I /ص 205، ج،II ص 196، 199، 201، 204، 206 وما بعد، ص 211، 214، ج،VI ص 135، 310، ج،III ص 342

ظفر أباد/ الهند،III /ص 342 ظفار/ الهند،III /ص 329، ج،VI ص 42 ك كابرة/ إفريقيا الغربية،VI /ص 395 كابل/ أفغانستان،III /ص 89، 90 الكات/ خوارزم،III /ص 20 الكتكة/ عاصمة المالوة والمرهتة،III /ص 82 كارزي/ عمان،VI /ص 311 كارسخو/ إفريقيا،VI /ص 395، 396 كازرون/ فارس،II /ص 89 گاليور/ الهند،III /ص 188، 194، 195، 333، جVI ص 6، 32، 33 كامرو (جبال) / الهند،VI /ص 215، 216، 222 كاشخر/ الصين،III /ص 23 كاهر/ إفريقيا الغربية،VI /ص 445 كاوي/ الهند،VI /ص 57، 58 كاوية/ آسيا الصغرى،II /ص 326 وما بعد كبّان/ الهند،VI /ص 196. كجرا/ الهند،VI /ص 39، 40 كرا/ الهند،III /ص 177، 181 كرايدو/ من أقاليم مالديف،VI /ص 111 كربلاء/ العراق،II /ص 99- 100 الكرخ/ بغداد،II /ص 104 كردي بولي/ آسيا الصغرى،II /ص 338، 339 الكرك/ الشام (الأردن،I / (ص 183، 255، 256، 278 كرك نوح/ الشام،I /ص 133 كرلة (قرية) / آسيا الصغرى،II /ص 322 كرملة (قرية) / سيلان،VI /ص 182

الكرش/ بلاد القفجق كريوا الرخ/ فارس،II /ص 42 الكلاسة/ الشام،I /ص 211 كلبا/ عمان (تابعة اليوم للشارقة،II / (ص 229، ج،VI ص 311 كلنبو / (colombo) سيلان،VI /ص 185 كلوا/ إفريقيا الشرقية،II /ص 192، 193، 194 وما بعد كليل/ فارس،II /ص 50، ج،VI ص 312 كمال بور/ الهند،III /ص 324، 325 كمش/ العراق،II /ص 293 كنباية / (cambaie) الهند،I /ص 364، 367، ج،II ص 177، III ، ص 244- 279 كنبرني/ إفريقيا الغربية،VI /ص 419 كنبيل/ الهند،III /ص 346 كنبيلة/ الهند،III /ص 318، 319 كنجي كري/ الهند،VI /ص 99 كندكل/ مالديف،VI /ص 112 كنكار/ سيلان،VI /ص 172، 173 كنلوس/ من أقاليم مالديف،VI /ص 111، 135، 208 الكعبة/ مكة،I /ص 300، 305، 307- 312 الكفا/ القفجق بلاد السلطان أوزبك خان،II /ص 357، 358، 382 الكسوة (قرية) / الشام،I /ص 254 كسير وعوير/ البحرين،II /ص 246- 247 الكشك/ (برج) آسيا الصغرى،II /ص 403، ج،III ص 212 كشك زر/ على مقربة من أصبهان،VI /ص 312 كشك زر/ الهند،III /ص 329 كشك لعل/ في دلهي،III /ص 271، 272 كوبر/ إفريقيا الغربية،VI /ص 303، 441 كوتاهية/ آسيا الصغرى،II /ص 271 كوراستان/ فارس II /ص 239- 240، ج،VI ص 311 كوكن تانة/ الهند،III /ص 335 كول/ الهند،III /ص 307، ج،VI ص 6، 7

كولم/ الهند،I /ص 28. ج،II ص 177، ج VI ص 99، 100، 309 وما بعد الكوفة/ العراق،I /ص 409، 411، 413، ج،II ص 93- 96، 134، 148، ج،VI ص 312 كوه بوزنة/ الصين،VI /ص 254 كوه سليمان/ أفغانستان،III /ص 89 كيج/ في الطريق إلى شيراز،III /ص 47 كيلوكري/ من مدن طواليسي،VI /ص 249 كينوك/ آسيا الصغرى،II /ص 328 ل لاذق/ آسيا الصغرى،II /ص 271، 272، 275، 277 اللاذقية/ سوريا،I /ص 129، 178، 179، 183، ج،II ص 254 لار (مدينة) / فارس،II /ص 240، 241 اللار (بلاد) / فارس،II /ص 62، 241 ج،VI ص 311 اللارندة/ آسيا الصغرى،II /ص 284، 285 لاهري/ السند (كراتشي،III / (ص 112، 113، 114 لاهور/ السند باكستان،III /ص 162، 332 لبنان/ الشام185،184،I / اللّجون/ الشام،I /ص 255 اللّكنو/ الهند،III /ص 342 اللّكنوتي (بلاد) / العاصمة القديمة للبنغال،III /ص 174، 210، ج،VI ص 212 اللور (أرض) / فارس،II /ص 21، 31، 174، 228، 269، VI ، 296، 314 لورة/ العراق،I /ص 413 م الماجر/ بلاد القفجق،II /ص 375 وما بعد، ص 382

ماجول/ فارس،II /ص 22 ماردين/ الشام،II /ص 142، 143، 144 مازونة/ من بلاد المغرب الأوسط،VI /ص 331 مال الأمير/ انظر إيذج المالق/ أول بلاد الصين،III /ص 17، 18، 23، 41، 49 مالقة/ الأندلس،VI /ص 365، 366، 367، 373 المالوة/ الهند،III /ص 182، 279، ج،VI ص 28، 29 مالّي/ إفريقيا الغربية،VI /ص 378، 387، 390، 391، 395، 397 وما بعد، 398، 399، وما بعد، 400، 403 وما بعد 409- 413، 414 وما بعد، 418، 419، 420، 421 وما بعد، 432، 435، 439 مانكبور/ الهند،III /ص 181، 273 ما وراء النهر،III /La Transoxance /ص 31 مايين/ فارس،II /ص 523، ج،VI ص 312 مترة/ مدينة في اندونيسيا،VI /ص 192، 196، 200، 201، 202 متيجة/ من بلاد المغرب الأوسط،I /ص 16 المحالب/ محلة بتعز (اليمن،II / (ص 172 المحلة الكبيرة/ مصر،I /ص 56- 66، ج،VI ص 323 محلة منوف/ مصر،I /ص 56 محلة هذيل/ البصرة،II /ص 9 محلة بني حرام/ البصرة،II /ص 10 محلة العجم/ البصرة،II /ص 10 المحصّب/ مكة،I /ص 332 المحول/ على مقربة من بغداد،II /ص 104 مدرسة الكتبيين/ تونس،I /ص 20 مدرسة الضياف/ النجف الأشرف (العراق،I / (ص 418 المدرسة السيفية/ مصر،I /ص 106 المدرسة النجمية/ دمشق،I /ص 221

المدرسة النظامية/ بغداد،II /ص 108 المدرسة الفلكية/ تبريز (مراغة،III / (ص 394 المدرسة الشرابسية/ دمشق،I /ص 187 المدرسة النورية/ دمشق،I /ص 221 المدرسة الصمصامية/ دمشق،I /ص 215، 220، 221 المدينة المنوّرة/ الجزيرة العربية،I /ص 261، 263، 265، 274، 275، 276، 278، 280، 285، 286، 290، 407 ج،VI ص 325 مراغة/ على مقربة من تبريز،I /ص 171 مربلة/ الأندلس،VI /ص 363، 364 مرسى الأبواب/ اليمن،II /ص 166 مرسى الإسكندرية/ الإسكندرية،I /ص 28 مرسى الحادث/ اليمن،II /ص 166 مرسى الزيتون/ الصين،I /ص 28، ج VI ص 269 مرسى كولم/ الهند،I /ص 28 انظر مادة كولم مرسى قالقوط/ الهند،I /ص 28، ج،VI ص 89 مرسى سرداق/ آسيا الصغرى،I /ص 28، ج،II ص 414، 415 مره/ الهند،VI /ص 28 المرهتة (بلاد) / الهند،III /ص 182، ج،VI ص 29، 48، 49، 51 مرو/ خراسان،III /ص 63 المروة/ مكة،I /ص 274، 300، 327 وما بعد ألمرية/ الأندلس،VI /ص 371 مزة كلب (قرية) / الشام،I /ص 236 المزدلفة/ مكة،I /ص 304، 396، 397، 400 مطرني/ آسيا الصغرى،II /ص 332 وما بعد، 334 المطيلب/ (انظر منازل الرمل،I / (ص 111 مكة/ الجزيرة العربية،315،313،312،307،305،303،299،I / 316، 317، 318، 319، 320، 321، 327، 329، 3 30، 331، 332، 335، 335، 343، 344، 344، 347، 348، 352، 352، 356، 356، 374، 374، 376، 376، 379، 380، 380، 382، 382، 387، 388، 388، 393، 393، 395، 395، 401، 401، 404، ج،II ص 153 وما بعد، ص 248 VI ، ص 324 وما بعد

مكجا (قرية) / آسيا الصغرى،II /ص 395 مكران/ بلاد فارس،II /ص 124 مكناس/ من بلاد المغرب الأقصى،I /ص 282، ج VI ص 316، 376 مل جاوة/ (سمطرة) وانظر جاوة VI /ص 239، 240 وما بعد، ص 245 ملتان/ عاصمة السند،I /ص 424، ج،II ص 373، ج،III ص 54، 117، 118 وما بعد، 128، 121، 122 الملتزم/ مكة،I /ص 300، 308، 380 فلسطين/ الشرق الأدنى عاصمتها القدس،I /ص 57 ملك بور (قرية) / الهند،III /ص 398 ملوك/ جزيرة بمالديف،VI /ص 112، 159، 163 مليانة/ من بلاد المغرب الأوسط،I /ص 15 المليبار/ الهند،VI /ص 71، 72، 74، 75، 76، 77، 99، 252، 257، 270، 388 منى/ حيث رمي الجمرات،I /ص 337- 396- 397- 400 منار/ الإسكندرية،I /ص 29 منار مندلي/ سيلان،VI /ص 170 منازل الرمل: السوادة الواردة المطيلب العريش الخروبة/ مصر،I /ص 111، ج،VI ص 326 منبسى/ افريقيا الشرقية/ انظر جزيرة منبسى منجرور/ الهند،II /ص 177، ج،VI ص 35- 79- 80 منلوي (مدينة) / مصر،I /ص 100، 101، ج،II ص 253 المنصورية/ مصر،I /ص 142 منفلوط/ مصر،I /ص 101، 102، ج،II ص 253 منوف/ مصر،I /ص 81 منية ابن خصيب/ مصر،I /ص 96، ج254،253،II منية ابن مرشد/ مصر،I /ص 47 منية القائد/ مصر،I /ص 95، ج،II ص 254 المنيحة (قرية) / دمشق،I /ص 225

المنية/ مصر،I /ص 65 مصر/ شرق افريقيا عاصمتها،I /ص 68، 74، 229، ج،II ص 254، القاهرة،VI /ص 334، 335 مصيرة/ بلاد عمان،II /ص 219، 220 معان/ آخر بلاد الشام،I /ص 257 المعبر/ الهند III /ص 192، 250، 328، ج،VI ص 187، 188 وما بعد، ص 190، 202، 203 وما بعد المعرة/ الشام،I /ص 144، 145، ج،VI ص 318 المعلّى/ مكة،I /ص 384 المعشوق/ العراق،II /ص 132 مغارة الأصفهاني/ سيلان،VI /ص 178 مغارة شيم/ سيلان،VI /ص 182 مغارة الخضر/ سيلان،VI /ص 182 المغارات السبع،VI //ص 178 مغارة الجوع/ بلاد الشام،I /ص 232 مغارة الدم/ بلاد الشام،I /ص 231 مغارة النارنج/ سيلان،VI /ص 179 المغرب/ بلاد المغرب الأقصى،VI /ص 326. 327، 333، 334 وما بعد 337، 374، 375، 376 مغلة/ آسيا الصغرى،II /ص 278 مغنيسية/ آسيا الصغرى،II /ص 312، 313، 314 مفرور (مورد ماء) / إفريقيا الشرقية،II /ص 252 مقام إبراهيم/ مكة،I /ص 315، 316، 320، 374، 380، 392 مقبرة الإسكندرية/ الإسكندرية،I /ص 30 مقدشو/ إفريقيا الشرقية،II /ص 180، 181 وما بعد، 183، وما بعد، 191، ج،VI ص 116 المستنصرية/ بغداد،II /ص 108، 109، 343، ج،III ص 269

مستغانم/ من بلاد المغرب الأوسط،VI /ص 331 مسجد الأنبياء/ بلاد الشام،I /ص 132 مسجد الأقدام/ الشام،I /ص 226، 227، 229، ج،VI ص 320 مسجد جامع الخليفة/ بغداد،II /ص 109، 110 مسجد الخيف/ المدينة المنورة،I /ص 400 مسجد جامع الرصافة/ بغداد،II /ص 111 مسجد جامع السلطان/ بغداد،II /ص 111 مسجد الكتبيين/ مراكش،VI /ص 374 مسجد عمرو بن العاص/ مصر،I /ص 70 مسراتة/ من بلاد المغرب الأدنى،I /ص 26 مسلاتة/ من بلاد المغرب الأدنى،I /ص 26 مسعود أباد/ الهند،III /ص 143، 145، 260 المسعى/ مكة،I /ص 321، 381، 383 مسقط/ بلاد عمان VI /ص 310، 311 المشقوق/ الجزيرة العربية،I /ص 412 مشهد الرضى/ خراسان،III /ص 77، 78، 79 مشهد علي بن أبي طالب/ النجف (العراق) / ج،I ص 414، 415، 417، 419 وما بعد، VI ، ص 312 المشيرب/ العراق- البصرة،II /ص 8 المهدية/ من بلاد المغرب الأدنى،I /ص 15 المورتبين (بلاد) / إفريقيا الغربية،VI /ص 442 موري (مدينة) / الهند،VI /ص 27 مولي (بلدة) من بلاد اليمن/ إفريقيا الغربية،VI /ص 395 الموصل/ العراق،II /ص 134، 137- 139، 143 موغ استان/ فارس،II /ص 230 المويلحة (قرية) / العراق،II /ص 139 الملّاحين (قرية) / العراق،II /ص 146 ميلاس/ آسيا الصغرى II /ص 278، 279، 280 ميمة/ إفريقيا الغربية،VI /ص 425، 427، 430

ميمن/ فارس،II /ص 61، ج،VI ص 311 ن نابلس/ فلسطين،I /ص 128، 129 نبلان/ فارس،II /ص 43 نجد/ الأندلس،VI /ص 373 نجد/ الجزيرة العربية،I /ص 407، 408 النجف/ العراق،I /ص 414 النحرارية (مدينة) / مصر،I /ص 53، 54، ج،VI ص 323 نخشب/ في بخارى،III /ص 28 ندرومة/ المغرب الأوسط،VI /ص 332 نذربار/ شمال بومباي،VI /ص 55 وما بعدها نزوا/ بلاد عمان،II /ص 227، 228 نكدة (مدينة) / العراق،II /ص 286. 287 نصيبين/ الشام،II /ص 140. 141 النقرة/ منهل ماء بأرض نجد،I /ص 408 نسترو/ مصر،I /ص 57، 58 نسف/ فارس،III /ص 43، 56 نهر ابسمي/ اصطانبول،II /ص 431 نهر آب سياه/ الهند،VI /ص 25 نهر إتل / (volga) القفجق (أوزبك خان،I / (ص 79، ج،II ص 411، 446، ج،III ص 5، النهر الأزرق/ فارس،II /ص 24 النهر الأزرق/ الهند،VI /ص 222، 223 النهر الأسود/ آسيا الصغرى،III /ص 287 نهر اصطفيلي/ آسيا الصغرى،II /ص 419 نهر بلخشان/ فارس،II /ص 24، ج،III ص 86 نهر بنج آب/ السند،I /ص 79، 422، ج،III ص 91، 92، 93 نهر الجون/ الهند،I /ص 79، ج،III ص 169، 296،

نهر جيحان أو جيحون / (SUXO) آسيا،I /ص 78، 79، ج،III ص 5، 22، 58 نهر دجلة/ العراق،I /ص 79، ج،II ص 16، 101 نهر دجيل/ العراق،II /ص 132 نهر ركن آباد/ فارس،II /ص 53، 87 نهر الكنك/ الهند،I /ص 79، ج III ص 141، 142، 295، 320، 341، 444، ج،VI ص 212، نهر النّيل (اليمم) / إفريقيا الغربية،I /ص،VI،77 ص 395 وما بعد نهر النيل/ مصر،I /ص 77، 78، 79، 80، 96، 111 نهر صاغر/ الهند،VI /ص 52 نهر صنصرة/ إفريقيا الغربية،VI /ص 397 نهر العاصي/ الشام،I /ص 142، 162 نهر الفرات/ العراق،I /ص 78، 79، 148، 413، 414، II ، ص 2، 16، 96. نهر قويق/ حلب (الشام،I / (ص 154 نهر سارو (النهر الأصفر) / الصين،I /ص 79، ج،VI ص 254، 255، 272 نهر السّرو (السرور) / الهند،II /ص 6، ج،III ص 355، 437، 438 وما بعد، ص 444، ج،VI ص 254، ج،I ص 78، 79 نهر شنيل/ الأندلس،VI /ص 368 نهر والة/ الهند،III /ص 246، 279، 363 نينوى/ العراق،II /ص 137، 138 نيسابور/ فارس،III /ص 63، 66، 80، 81 ص الصالحية/ مصر،I /ص 111، 161- 230- 231 صحراء قاع البزواء/ الجزيرة العربية،I /ص 296- 297 صحراء قفجق/ بلاد السلطان أوزبك خان،I /ص 367، ج،II ص 356 وما بعد صاغر/ الهند،VI /ص 52 صحار/ بلاد عمان،II /ص 229

صحراء مرغيس (بدغيس) / خراسان،III /ص 67- 68- 72 صحراء بوشنج،III //ص 68 صرماء (قرية) / فارس،II /ص 51 صرصر/ بظاهر بغداد،VI /ص 82- 83، 313 صرصر/ المغرب،VI /ص 83 الصنمين/ قرية بالشام،I /ص 254 صنعاء/ اليمن،III /ص 166، 167، 176، 177 صنوب/ آسيا الصغرى غرب طرابيزون،II /ص 348، 352 وما بعد، 354، 355 صعداء/ اليمن،II /ص 166 الصعيد/ مصر،I /ص 94، 107، 109، 111 II ، ص 253، ج،VI ص 324 الصفا/ مكة،I /ص 274، 300، 327 وما بعد 330 صفاقس/ من بلاد المغرب الأدنى،I /ص 23، 24، 25، 26 ج VI ص 327 صفين/ الجزيرة العربية،I /ص 223 صهيون/ الشام،I /ص 166 الصوان/ عقبة بين الشام والجزيرة،I /ص 257 صور/ عمان،II /ص 220، 221، 225 صور/ لبنان،I /ص 130، 131 صيدا/ لبنان،I /ص 131، 132 الصين/ آسيا الشرقية،VI /ص 254، 255، 256، 257، 258، 259، 260، 261، 262- 263، 264، 265، 266، 267، 268 وما بعد، 296، 299، 300 303، 304 صين كلان/ الصين،VI /ص 92، 255، 256، 268، 271، 272، 273، 274، 275، 278 ع عانة/ العراق،VI /ص 295، 314 العبّاد/ من بلاد المغرب الأوسط،VI /ص 332

عبادان/ فارس،II /ص 18، 19، 21 عجلون/ الأردن،I /ص 129، ج،VI ص 320 العجم (محلة) / بالبصرة (العراق،II / (ص 10 عدن/ اليمن،I /ص 363، ج،II ص 177، 178، 196 عدينة/ اليمن،II /ص 172 العذار/ العراق،II /ص 2 عرفة/ مكة،I /ص 224، 243، 244، 304، 331، 395، 396، 397، 398، 401 العريش/ (أنظر منازل الرمل،I / (ص 111 العطواني/ جنوب مصر،I /ص 109، ج،II ص 253 عكة/ فلسطين،I /ص 129 العلمان/ منطقة مكة،I /ص 397، 398 عمان (بضم العين) / الجنوب الشرقي من الجزيرة،II /ص 196، 214، 227، 228، 229 العمق/ سوريا،I /ص 165 عمود السواري/ مصر،I /ص 30 العقاب/ الأندلس،VI /ص 372، 373 عقبة اسكندر/ سيلان،VI /ص 178- 180 عقبة الشيطان/ الجزيرة،I /ص 412 عقبة أيلة/ أول الشام،I /ص 256، ج،VI ص 324 العقر/ العراق،II /ص 133. عسفان/ الجزيرة العربية،I /ص 298، 406 عسقلان/ فلسطين،I /ص 126، 127 العسيلة/ أرض نجد،I /ص 407 عوض (محلة) / الهند،III /ص 342 العلا/ الجزيرة العربية على مقربة من المدينة،I /ص 258- 260، 261 ج326،VI علابور/ الهند،VI /ص 29 العلايا/ آسيا الصغرى،II /ص 255، 257، 258 عيذاب/ مصر،I /ص 109، 110، ج،II ص 160، 251، 252، ص،VI ص 324

عين البقر/ على مقربة من عكا فلسطين،I /ص 130 عين الدمع/ الأندلس،VI /ص 369 عين الرصد/ العراق (قرب الموصل،II / (ص 139 عين الزرقاء/ المدينة المنورة،I /ص 265 عينتاب/ آسيا الصغرى،VI /ص 319 غ غات/ إفريقيا الغربية،VI /ص 445 غدامس/ إفريقيا الغربية،VI /ص 436 غدير الحمص/ وادي الجواهر فاس،VI /ص 352 الغربية/ مصر،I /ص 53، 54 غرناطة/ الأندلس،VI /ص 368، 369، 370، 371، 372، 373 غزة/ فلسطين،I /ص 113، 114، ج،II ص 254، VI ، ص 320، 322، 326 غزنة/ أفغانستان،III /ص 88، 89، 149 الغلطة/ اصطنبول،II /ص 432، 437 غسانة/ قرية باليمن،II /ص 171 غور الشام/ الشام،I /ص 117، 118، 129 الغوطة/ دمشق،I /ص 189، ج،VI ص 279 غوطة كاه عارفان/ سيلان،VI /ص 179 ف فارس كور/ مصر،I /ص 65، ج،VI ص 322 فاكنور/ الهند،II /ص 177، ج،VI ص 78، 79 فاس/ عاصمة المغرب الأقصى،II /ص 138، 139، 369، 382، ج،VI ص 332، 352، 376، 448، 449 فتح أباد/ الهند،III /ص 27 فتّن/ الهند،VI /ص 191، 198، 199 فرانسا (إفرانسة) / (أروبا،II / (ص 312

فرغانة/ بلاد القفجق،III /ص 311 فندراينة/ الهند،II /ص 177، ج،VI ص 88، 96 الفنيكة/ آسيا الصغرى،II /ص 420، 421 الفسطاط/ مصر،I /ص 74، 81، 94، 99، 229 فوّا/ مصر،I /ص 50 فوجة/ آسيا الصغرى،II /ص 314 فيروزان/ فارس،II /ص 42 ق قابس/ المغرب الأدنى،I /ص 25، ج،VI ص 327 قادسية/ العراق،I /ص 413، 414 القارورة/ مورد ماء (الجزيرة العربية،I / (ص 408 قالقوط/ الهند،II /ص 177، 196، ج VI ص 77، 88، 89، 257، 310 قالي/ سيلان،VI /ص 185 قاقلة/ أندونيسيا،VI /ص 240، 242، 243، 244 قاسيون/ الشام،I /ص 230، 233، 250 القاهرة/ مصر،I /ص 67، 68، 70- 74 وما بعد، 77- 80 وما بعد، 83 وما بعد، 85 وما بعد، 94، 111، 126، 229، ج،II ص 254، ج،VI ص 323، 324، 326 قائم الواثق أو (القائم) / العراق،II /ص 2 قباء/ مدينة الرسول،I /ص 288 قبة حجر الزيت/ مدينة الرسول،I /ص 289 قبة زين العابدين/ مدينة الرسول،I /ص 201 قبة النسر/ مدينة الرسول،I /ص 200 قبة عائشة/ مدينة الرسول،I /ص 201 قبة الشراب/ مكة المكرمة،I /ص 319، 320 قبة اليهودية/ مكة المكرمة،I /ص 320

قبور عاشقان/ الهند،VI /ص 45 القحمة/ اليمن،II /ص 166 القدس/ عاصمة فلسطين،I /ص 120، 121، 122، 123، 124، 125، 126، 127، 274، ج،II ص 186، 187، 441 442، 254، ج،VI ص 320، 321، 326 قرا أغاج/ آسيا الصغرى،II /ص 270 قراباغ/ فارس،I /ص 170، 171، ج،II ص 59 قراجيل/ جبال الهيملايا،II /ص 6، ج،III ص 325 وما بعد، ص 174، 175. القرافة/ مصر،I /ص 74- 77 قراقرم/ عاصمة المغول الأولى، الصين،III /ص 50، ج،VI ص 229، 303 القرم/ بلاد القفجق أوزبك خان،I /ص 367، ج،II ص 354، 359، 360، 382 قري منسى/ إفريقيا الغربية،VI /ص 429، 430 القريّات/ من بلاد عمان،II /ص 229، ج،VI ص 311 قطيا/ (منزل على الحدود) (المصرية،I / (ص 112، 113 القطيف/ بالجزيرة العربية،II /ص 247 قل حصار/ آسيا الصغرى،II /ص 269، 270 قلعة مالك بن طوق/ بين الشام والعراق،I /ص 148، ج،VI ص 315 قلهات/ عمان،II /ص 225، 226، 236، ج،VI ص 56، 311 القلهرّة/ جبل طارق،VI /ص 356 قمارة/ آسيا،VI /ص 240، 242 قنا/ مصر،I /ص 106، ج،II ص 253 قنجنفو/ الصين،VI /ص 279 وما بعد، ص 304، 377 قندهار/ الهند،VI /ص 58 القندهار/ أفغانستان،III /ص 89 قندوس/ خراسان،III /ص 82 قنّسرين/ سوريا،I /ص 161، 162

قنوج/ الهند،III /ص 144، 345، 347، ج،VI ص 25 وما بعد قصر برصيص/ مصر،I /ص 26 قصر الزعافية/ المغرب الأدنى،I /ص 27 القصر الكبير/ المغرب الأقصى،II /ص 151 قصر المجاز/ المغرب الأقصى،II /ص 151 قصطمونية/ آسيا الصغرى،II /ص 341 وما بعد، 347، 343 قصور سرت/ المغرب الأدنى،I /ص 26 القصير/ الشام،I /ص 129 القصير/ من عمالة قوص (مصر،II / (ص 251 قسطنطينة/ المغرب الأوسط،I /ص 18 القسطنطينية العظمى/ آسيا الصغرى،II /ص 425، 427 وما بعد، 431- 433 وما بعد، 437- 440، 441- 443، وما بعد، ج،VI ص 263، قشحب/ سوريا،VI /ص 24- 25 قونية/ آسيا الصغرى،II /ص 281 قوص/ مصر،I /ص 106، 107، 111، ج،II ص 251، 253 قوقة/ الهند،VI /ص 60 قوه استان/ خراسان،III /ص 63 القيّارة/ العراق،II /ص 133 قيسارية/ الشام- آسيا الصغرى،I /ص،II،151 ص 136، 287 س سامرا/ العراق،II /ص 132 ساوة/ فارس،I /ص 62 سبتة/ المغرب الأقصى،VI /ص 353، 374 سبرتا/ آسيا الصغرى،II /ص 266 سججان/ آسيا،II /ص 366 سجلماسة/ المغرب الأقصى،VI /ص 269، 376، 377، 378، 385، 447

السّحنة/ بلدة (العراق،VI / (ص 315 سدكاوان/ البنغال،VI /ص 212- 215 سد ياجوج وماجوج/ الصين،VI /ص 274 سدّ كاوان/ البنغال،VI /ص 215- 223، 224 السّرا/ عاصمة سلطان القفجق،II /ص 446، 447، 448، 449، 450، /أوزبك خان سابع ملوك،III /ص 435 وما بعد / دنيا ابن بطوطة ... / سرابورخان/ زقاق في دهلي،III /ص 404 سراجوق/ على نهر الأورال،III /ص 1 السرجة/ الجزيرة العربية،II /ص 165، 166 السرحى/ اسم قرية بجاوة،VI /ص 229 سرخس/ فارس،III /ص 67، 79 سردانية/ ايطاليا،VI /ص 331، سرداق/ أوزبك خان/ ج،I ص 28 ج،II سرك دوار/ قصر على نهر الكنك (الهند،III / (ص 295 سرمين/ سوريا،I /ص 145، 146، ج،VI ص 318 سرنديب/ سيلان،II /ص 79، 80، ج VI ص 165، 179 وما بعد سرستي/ الهند،III /ص 142، 259 سرياقص/ مصر،I /ص 84، 92، ج،VI ص 353 السلطانية/ ميدنة بفارس،I /ص 171 سمرقند/ خوارزم،III /ص 51- 65 ج،VI ص 448 سمطرة/ انظر جاوة،VI /ص 230، 238، 239، 306 سمنان/ خراسان،III /ص 68 سمنّود/ مصر،I /ص 66، ج،VI ص 322

سمهل/ بناحية الهيمالايا،VI /ص 1، 2 سميرة/ أرض بنجد،I /ص 408 سنجار/ العراق،II /ص 141، 142، سندابور/ الهند،II /ص 177، 254، ج،VI ص 45. 61- 62، 106- 108، 109، 110 سندبت/ الهند،III /ص 187، 188 سنديلة/ الهند،III /ص 349 سفالة/ إفريقيا الشرقية،II /ص 192، 193 سهيل/ الأندلس،VI /ص 364، 365 السوادة/ أنظر منازل الرمل،I /ص 111 السودان (بلاد) / إفريقيا الغربية،VI /ص 376 وما بعد سونسى/ فارس،II /ص 292 سوسة/ المغرب الأدنى،I /ص 23 السويد/ إقليم بمالديف،VI /ص 112، 131 سويس/ مصر،I /ص 277 سلا/ المغرب الأقصى،II /ص 16، 431، ج،VI ص 341، 363، 374، 376 سيباية/ فارس،III /ص 21 سيراف/ فارس،II /ص 244 سيري/ دلهي،III /ص 146، 143، 261 سيس/ سوريا،I /ص 163 سيواس/ آسيا الصغرى،II /ص 289- 292 سيوستان/ السند،III /ص 74، 94، 103، ما بعد،- 112 109، 447 سيلان،VI //ص 165، 167، 170 وما بعد، 173، 175، وما بعد، 178، 179، 181، 183 وما بعد، 185

ش الشاليات/ الهند،II /ص 177، ج109،VI الشام/ سوريا336،VI / الشام/ هذا على مقربة من تبريز،II /ص 129 شبا/ عمان،II /ص 229، ج،VI ص 311 الشّبيكة/ آبار على مقربة من مكة،I /ص 334 الشرف الأعلى/ دمشق،I /ص 212 شطا/ مزارة خارج دمياط،I /ص 65 شعب علي/ بالبقاع المقدسة،I /ص 295 ششنقار/ أفغانستان،II /ص 373، ج،III ص 90، 91 شيراز/ فارس،II /ص 52- 63 وما بعد، 73- 77،- 88 77، ج،VI ص 311 هـ هدية/ منهل ماء،I /ص 261 هجر (الحسا) / الجزيرة العربية،II /ص 247، 248 هرات/ افغانستان،I /ص 422، ج،III ص 63 وما بعد، 64- 69 هرمز/ فارس،II /ص 247، 248 هزار أسطون/ مشور بالهند،III /ص 220، 357، 399 هلافيحان/ الهند،II /ص 38، 39 هلدتني أو هلدمتّى/ مالديف،VI /ص 112، 131 همدان/ فارس،I /ص 171

هنج بال أو خنج بال/ فارس،II /ص 62، 240، 241، ج،VI ص 311 هندخير/ خراسان،III /ص 82 هندوكوش/ خراسان،III /ص 84، 85 هنور/ الهند،VI /ص 65، 66، 67، 71، 105، 106 هنول/ الهند،VI /ص 27 الهضيب/ مورد ماء قرب البصرة،II /ص 7 هو/ صعيد مصر،I /ص 105، ج،II ص 253 هيت/ العراق،VI /ص 314 الهيثمين/ مورد للماء العراق،I /ص 412 هيلو/ الهند،VI /ص 5 هيلي/ الهند،VI /ص 81، 82 ووادي الأبطح/ مكة (انظر الأبطح،I / (ص 262، 332 الوادي الأخيضر/ صحراء تبوك،I /ص 259 وادي الأراك/ في حريم مكة،I /ص 399 وادي آش/ الأندلس،VI /ص 392 وادي أفغان بور/ الهند،III /ص 212 وادي بلدح/ الجزيرة العربية،I /ص 257 وادي جهنم/ الجزيرة العربية،I /ص 123، 124 وادي الحصيب/ أنظر زبيد،II /ص 123، 124 وادي خسرو آباد/ السند،III /ص 117

وادي" ذو طوى"/ مكة،I /ص 332 وادي رابغ/ مكة،I /ص 297 وادي الكراع/ العراق،II /ص 8 وادي كرّة/ جنوب الأندلس،I /ص 429 وادي الكروش/ على مقربة من حصن فيد،I /ص 409 وادي محسّر/ منطقة يسرع الحاج فيها،I /ص 396، 400 وادي المنصورة/ الأندلس،II /ص 13 وادي النجارين/ المغرب الأقصى،VI /ص 341 وادي نخلة/ منطقة الحج،I /ص 305، 342، ج،II ص 155 وادي النمل/ فلسطين،I /ص 127 وادي الصفراء/ في الطريق من المدينة إلى مكة،I /ص 413 وادي العذيب/ العراق،I /ص 413 وادي العروس/ على مقربة من المدينة المنورة،I /ص 407 وادي العطاس/ منطقة الحج،I /ص 261 وادي العقيق/ منطقة الحج،I /ص 294 وادي القصارين/ سمرقند،III /ص 52 وادي السباع/ قرب البصرة،II /ص 10، 14 وادي سلا أو وادي الرمان/ المغرب الأقصى،II /ص 431 وادي السمك/ منطقة الحج،I /ص 406

وادي سقري/ آسيا الصغرى،II /ص 325 واقصة/ العراق،I /ص 412، 413 واسط/ العراق،I /ص 2، 3، 3، 4، 7، 223، ج،II ص 2، وبكنة/ خوارزم،III /ص 21 الورّادة/ (انظر منازل الرمل) مصر،I /ص 111 ورنكل/ الهند،III /ص 295، 326 وزيربور/ الهند،VI /ص 27 ي الياميان/ خراسان،III /ص 25 يزد/ فارس،II /ص 68 يزد خاص/ فارس،II /ص 51، 52، ج،VI ص 312 يزمير / (smyrne) آسيا الصغرى،II /ص 309، 310، 312 يزنيك/ آسيا الصغرى،II /ص 322، 325 اليمامة/ (أنظر الحجر) الجزيرة العربية،III /ص 248 ينجا (بلدة) / آسيا الصغرى،II /ص 328 يوفي/ إفريقيا الشرقية والغربية،II /! ص 193، ج،VI ص 395، 396

(7) فهرس القبائل والسلالات والأجناس والدول والهيئات والفرق

(7) فهرس القبائل والسلالات والأجناس والدول والهيئات والفرق أ الإباضية،II /ص 227، 228 ج،VI ص 395 الآبدارية السقاءون،III /ص 433 الأتراك (الترك،I / (ص 28، 110، 111، 130، 138، 146، 163، 164، 411، II ، ص 52، 64، 66، 286، 294، 301، 302، 314، 315، 318، 321، 325، 330، 331، 356، 363، 365، 371، 372، 375 377، 379، 380 وما بعد، 396، 397، 407، 409، 410، 413، 415، 416، 417، 419، 430، 444، ج،III ص 22، 26، 37، 42، 44، 50، 71، 72، 73، 82، 83، 90، 135، 201، 306، 322، 349، 368، 369، 391، ج،VI ص 216، 249، 251، 285، 310، 448 الأحمدية نسبة إلى أحمد الرفاعي،II /ص 5، 282، 316 الأخبار (أهل،III / (ص 228 الأخية (الفتيان،II / (ص 260، 262، 263، 270، 273، 274، 275، 276، 277، 278، 280، 281، 326، 328، 333، الأرمن،I /ص 163، 164، ج،II ص 294 الأزد بن الغوث (قبيلة،II / (ص 228 الأكارم،VI /ص 49 الأكراد،II /ص 22، 23، 97، 141 الإمامية،II /ص 57، 58، 97، 100 أمية (بنو،I / (ص 244، 248 الأص،II /ص 448

الأصباهيّة الرّماة،VI /ص 297 الأعاجم (العجم،I / (ص،II،420،404،350،325،323،171،71،68،8 ص،III،300،238،232،88،64،43،40،27،21،10 ص 35، 37، 89، 134، 349، 399 ج،VI ص 139 الأعراب،II /ص 237، 238 الأعزة (الغرباء،III / (ص 98، 222، 229، 233، 239، 243، 274، 298، 344 327 الأفغان،III /ص 89، 322، 362، 364، 365، 366، 368 ج،VI ص 30 الأقباط (القبط،I / (ص 87، 219 أسد (بنو،II / (ص 4 الإسماعيلية،I /ص 166، 167، 171، 172 الأشراف (الشرفاء أو السادة،I / (ص 18، 16، 284، 285، 295، 344، 345، 384 II ، ص 194، 386، ج،III ص 180، 222، ج،VI ص 57 ب الباميان،III /ص 26 البجاة،I /ص 110، 111 ج،II ص 161، 162، 251، 252، البحرية،III /ص 247، ج،VI ص 165، 187، 248، 264، 293 305، 306 البراهمة شرفاء المرهتة،III /ص 137، 139 ج،VI ص 51، 87، 170 البربر- المغرب،II /ص 416، ج،VI ص 442 البربرة طائفة من السودان،II /ص 180، 183 بردامة قبيلة من البربر،VI /ص 385، 437 البرد داريّة،III /ص 280، ج،VI ص 104، 297 البرهنكار،VI /ص 224، 227 البريد (أصحاب،III / (ص 96 البزّازون،I /ص 208، 329 البنادقة،II /ص 432

البصونان حراس المدينة،VI /ص 280 بهاء الدين بن زكرياء الملتاني (أولاد الشيخ،II / (ص 23 بهرام جور (ذرية،VI / (ص 26 البيادة،III /ص 202 البيضان،VI /ص 394، 397، 428، 429 ت التاريخ (أهل،III / (ص 114 التتر (انظر فهرس المعلومات،I / (ص 148، 422، ج،II ص 56، 57، 115، 119، 144، III ، ص 49، 84، 86، 105، 173، 202، 350 ج،VI ص 23، 25، 258، التجار،III /ص 18، 244 التركمان،I /ص 84، 161، 165، ج،II ص 124، 237، 255، 257، 260، 270، 290، 291، 318، 321، 394 التكشيف (أهل،VI / (ص 381، 382 التنبول دارية (المكلّفون بالتّنبول،III / (ص 433 توري أهل السنّة من البيض،VI /ص 395 ث ثمود أصحاب،I /ص 259، 260 الثغذارية أصحاب السيوف،VI /ص 297 ج الجامعين (أهل،II / (ص 97 الجركس،II /ص 377، 448 الجرميان طائفة من ذرية يزيد،II /ص 271، 273 الجلّادون،III /ص 218 الجلالية: منسوبون لجلال الدّين الرومي،II /ص 282 الجن،I /ص 115، ج،vI ص 315 الجنادرة الشّرطة،II /ص 64، 127، 154، 174، 175 الجندارية الدّرك،VI /ص 299

الجنويون،II /ص 255، 312، 357، 368، 432 جهينة (عرب،II / (ص 162، 252 الجوكية،VI /ص 34، 35، 38، 40، 62، 63، 64، 169، 176، 183 الجوهريون،I /ص 208 ح الحبشة الحبشان،VI /ص 59، 185- 299 الحجّاب،I /ص 415، ج،III ص 224، 225، 242، 289 حرام (بنو،II / (ص 10، 163 الحرافيش،I /ص 86، ج،VI ص 318 خطّاب (قبيلة،VI / (ص 30 الحمدانيون،I /ص 147، 152 حمير،II /ص 201 الحنابلة (الحنبلية،I / (ص 89، 90، 161، 203، 212، 215، 217، 221، 352، VI ، ص 319 الحنفية،I /ص 88، 99، 160، 203، 211، 214، 220، 352، ج،II ص 256، 360، ج،III ص 63، ج،VI ص 319 حنيفة (بنو،II / (ص 248 الحواريون،II /ص 436 الحيدرية،II /ص 6، 7، 282 ج،III ص،VI 439،80،79 ص 61 حيون (بنو،I / (ص 349 خ الخاصّكية (الأمراء،II / (ص 119 خراج (أولاد،VI / (ص 446 الخراسانيون،I /ص 404 ج،III ص 299، 322، 349 الخزرج (قبيلة،I / (ص 225 الخطط (أرباب،VI / (ص 133 خفاجة (عرب،II / (ص 941، 95 خواجة بهرة (أولاد،VI / (ص 58

الخوارج،II /ص 226، 256 ج،VI ص 395 د دغيم،I /ص 109، ج،II ص 253 الدوادوية،III /ص 416، 427، 433 الدويدارية،III /ص 297، 325 ديار بكر (أهل،VI / (ص 57 ر الرافضة (أرفاض، الروافض،I / (ص 130، 145، 146، 411، ج،II ص 2، 13، 57، 61، 96، 116، 180، 247، 256، 353 ج،III ص 64، 66، 68، 69، 70 ج،VI ص 100، 313 رخيك (أولاد،II / (ص 100 رسول (بنو،I / (ص 324 الرهبان،II /ص 436، 440، 442 الروم،I /ص 45، 92، 121، 125، 138، 183، 198، 199، 203، 271، 417، 418 ج،II ص 4، 52، 124، 232، 255 وما بعد 259، 260، 263، 270، 271، 272، 275، 278، 282، 286، 291 294، 303، 308، 311، 312، 317، 322، 329، 342، 349، 350 351، 354، 360، 375، 377، 388، 394، 413، 415، 416، 417 418، 427، 429، 432، 434، 439، 440، 441، 448، ج،VI ص 89، 134، 262، 263، 313، 331، 354. الروس،II /ص 414، 448 رياح (بنو،VI / (ص 374 ز الزجاجيون،I /ص 208 الزنوج،II /ص 191، 192، 193، ج،VI ص 157، 378- 394 407، 409، 421، 423، 424، الزقاقيون،III /ص 188، 193 الزّيالعة،I /ص 204، 350

الزّيدية، I /ص 291، 389، ج، II ص 169، 170 ط الطباخين، II /ص 26 الطبلخانة، I /ص 139، 420 ج، II ص 188 الطرب (أهل، II / (ص 116، ج، III ص 235، 274، 279 الطلبة، I /ص 415 ج، II ص 184، 186 ج، III ص 269 الطشت دارية، III /ص 433 الطواشية، I /ص 415 ك كاهل (أولاد، II / (ص 161، 162، 252 الكتبيّين، I /ص 208، ج، VI ص 375 الكتريون، VI /ص 51 كلب بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة (قبيلة، I / (ص 236 كنانة (بنو، I / (ص 332، ج، II ص 163 الكفار، III /ص 98، 182 ج، VI ص 10، 16، 17، 29، 31، 51، 72، 350، 441 كفار الهنود، II /ص 2، 7، ج، III ص 224 الكهارين، III /ص 415، 427 الكوبك أولاد، I /ص 46 الكوفة (أهل، I / (ص 413 الكيوانية، III /ص 415، 427 ل لوط (قوم، I / (ص 118 اللّيميون، II /ص 192، 193 ج، VI ص 395 م ماء السماء (بنو، II / (ص 1

المالكية، I /ص 53، 88، 90، 91، 107، 161، 203، 211، 214، 218، 220، 241 254، 278، 284، 342، 393، ج، VI ص 316، 317، 319، 324، 342، 395، المالوة، III /ص 482 المبتدعة، II /ص 256 المتصوفة (الصوفية، I / (ص 37، 212، 214، 239، 367، 369، 415، ج، II ص 282، ج، VI ص 213، 342 المجاورون، I /ص 206، 280، 284 المجوس، I /ص 414 المخبرون، III /ص 94، 246، 259، ج، VI ص 298 المخزن (أصحاب، VI / (ص 97، 120، 141 مخزوم (بنو، I / (ص 321 المرهتة المرهتيات، III /ص 182، ج، VI ص 48- 142 ملوك المغرب، I /ص 133 الملوك السبعة، II /ص 382 المماليك، III /ص 334، 393 المصامدة، I /ص 23، 26 المصريون، I /ص 350 ج، II ص 149، 391 ج، III ص 229، VI ، ص 329، 438 المغل أصحاب البلاد، II /ص 448 المغنيون، VI /ص 50 المفردون الزمّاميون، III /ص 188، 193 ج، VI ص 47 مقبل (أبناء، I / (ص 285 المسلمون، I /ص 45، 164، 178، 179، 183، 205، ج، II ص 259، 425، 441، ج، VI ص 2، 33، 151، 285، 286، 441، مسوفة، قبيلة، VI /ص 76، 303، 378، 380، 381 وما بعد، ص 385، 387، 388، 389، 390، 391، 404، 430، 431 المشاة، III /ص 230

المشعوذة، VI /ص 290، 291 المشور (أصحاب، II / (ص 212، 434، ج، III ص، VI، 233، 220، 218 ص 155، 201، 232، 287، 403 مهنّى بن عيسى (بنو، I / (ص 361، 409- 410 الموحدون، I /ص 17 المؤذنون، III /ص 229 ن النجار (بنو، I / (ص 265 النجارين، II /ص 66 النزدارية، VI /ص 297 نمى (بنو، I / (ص 360، 378، 379، ج، II ص 99، 153، 155، 159، 194 ج، VI ص 86 النصارى، I /ص 45، 120، 124، 127، 185، 229، 261، ج، II ص 255، 257، 259، 311، 312، 314، 322، 359، 414، 432، 448 III ، ص 47، ج، VI ص 285، 315 النّصيرية، I /ص 176، 177، 179 النّقباء، I /ص 415 ج، III ص 129، 218، 219، 239، 241 النواتية، II /ص 17 النّوبة (أهل) أو أصحاب، II /ص 394 ج، III ص 34، 196، 197، 218 النيزداريّة، III /ص 433 م الصحابة، I /ص 145، 146، ج، II ص 13 صنهاجة (قبيلة، II / (ص 201 صغنغو، VI /ص 394، 395 الصفّارون، I /ص 206 الصقورة، III /ص 65 الصوليون، VI /ص 99، 100

الصين (أهل، I / (ص 28، 80، 238 ج، III ص 2، 50، ج، VI ص، 2، 244، 248، 280، 289، 299، 305 ع عاد، II /ص 203 ج، III ص 127 العباسيون، I /ص 98، 207، 363، 365، ج، II ص 112، 172 III ، ص 253 عبد القيس، II /ص 248 عبد شمس (بنو، I / (ص 322 عبد الوادي (بنو، VI / (ص 340 العبيد، II /ص 234، 278، 368 ج، VI ص 73 العبيديون، I /ص 126 العجارمة، I /ص 112، 350، 403، 429، ج، II ص 3، العراقيون، III /ص 17، 75، 229، 351 ج، VI ص 262، العرب، I /ص، II 170، 169، 113، 112، 111، 109، 68، 26، 18، 8 ص 21، 375، ج، III ص 234، 271، 273، 279، 399 ج VI ، ص 139، 289، 326 عرنة بطن، I /ص 397، 398 العطّارون، I /ص 329 عمر بن عوف (بنو، I / (ص 265 العشارون، VI /ص 204 الغدامسيين، VI /ص 436 غرة (بنو، I / (ص 421، 422، 423 الغورية، III /ص 67 ف فايز (أولاد، II / (ص 100 الفتيان، II /ص 287، 288، 289، 290، 295، 303، 318، 323، 326، 337، 338، 308، 312، 317، 318، 322، 323 الفداوية، I /ص 167، 171، 172

الفرارية، VI /ص 404، 407، 411، 415، 417، 423 الفراشون، II /ص 26، ج، III ص 227، 415، 416، 427 الفرنج، I /ص 61، 131 فرنسا (نصارى، II / (ص 312، 432 الفرس (فارس، الفارسيون، الفارسية، I / (ص 293، 404، 413، 417، ج، II ص 68، 87، 114 116، 132، 244، 266، 283، 375، ج، III ص 112، 130، VI ، ص 80، 83، 263، 289 فضيل (بنو، I / (ص 101 القدرية، II /ص 256 ق القرامطة، I /ص 313 القرندرية (القلندرية، I / (ص 61 القرونة: أتراك الجبال، III /ص 201 قريش، I /ص 317، 336، 385، ج، II ص 100 القطلانيين، VI /ص 331 القصّارين، III /ص 52 قفجق، II /ص 356، 357، 448 القسيسون، II /ص 436، 440، 442 س سالم (بنو، I / (ص 114 السامرة، III /ص 101، 102، 137 الساهة: التجار بالهند، VI /ص 49 السبيل (أبناء، II / (ص 14 سرابدالان، III /ص 65 السلحدارية، III /ص 222، 235، 433 ج، VI ص 403، 411 السنة (أهل، I / (ص 424، ج، II ص 12، 61، 256، ج، VI ص 395، السّند (أمراء، III / (ص 107، 109

السند (أهل، III / (ص 44، 300 سفاف (عرب بنو، II / (ص 244 السقاءون، I /ص 258، 281 ج، II ص 26 ج، III ص 174 السقّاطون، I /ص 206 السودان (أهل، VI / (ص 83، 378، 388، 393، 395، 398، 407، 419، 421، 426، 428، 429، 433، 435 السيافين، III /ص 313 ش الشاميون، I /ص 350، ج، III ص 229 الشافعية، I /ص 49، 88، 90، 91، 392، ج، II ص 68، 157، 180 191، 193، 243، 360، ج، VI ص 66، 80، 230، 238، 325، 317، 319، 343، الشاوشيّة، II /ص 174 الشّربدارية، III /ص 241، 274، 433 شرف جهان (أولاد، VI / (ص 26 الشطّار، III /ص 65 الشطر دارية، III /ص 65 الشّول- الأعاجم، II /ص 88، 89 شيبة (بنو، I / (ص 300، 309، 310، 321، 322، 324، 402 الشيعة، II /ص، II، 428، 415، 411، 141، 146، 145، 130 ص100، VI، 69، 64، III، 353، 247، 57، 43 هـ هذيل، II /ص 9 هزارة (أمراء، II / (ص 407 هگار قبيلة، VI /ص 445 وما بعد، 446، وما بعد. الهند، الهنود (أهل، I / (ص 79، 142، 207، 218، 246، 292، 363، 368، 374، 414، 428، III ، ص 44، 96، 114، 116، 130، 133، 141، 188، 192 199، 200، 205، 349، 368، ج، VI ص 28، 74، 206، 212، 299، 388.

والورّاقون، I /ص 208 ونجراته قبيلة، VI /ص 394 ي يران موافق (المرافقون، III / (ص 209 اليمنيون، II /ص 194، ج III ص 112، ج، VI ص 80، 83 اليناطبين الوصفان، VI /ص 443 اليهود، I /ص 227، 229، 320، ج، II ص 116، 259، 305، 376، 428، 430، ج، III ص 47، ج، VI ص 99، 285 اليونانية، II /ص 255

(8) فهرس الأدوات والآلات والوسائل بما فيها المراكب ...

(8) فهرس الأدوات والآلات والوسائل بما فيها المراكب ... أ الإبريق، I /ص 73 الأجفان: المراكب، VI /ص 271، 351، 365 أطواق الحديد، II /ص 6 آلات قطع القصب، III /ص 390 آلة الحديد، II /ص 351 الأنابيب ج أنبوب، I /ص 202، 208 ج، II ص 106، 263 الأنفار، II /ص 78، 98، 125، 126، 127، 128، 188، 276، 430 آنية الوضوء، I /ص 54، 335 إصقالات، III /ص 110 الأعمدة، I /ص 208، 209 ج، II ص 406، ج، III ص 240 أعمدة الحديد، I /ص 271 الأفران، I /ص 345 الأقلام، I /ص 208 الأسطوانات 126، I /ص 204، 321 الأهورة، نوع من المراكب، III / ... ص 109 الأواني الخشبية، I /ص 186، 187 آواني الزجاج، I /ص 208 آواني الزجاج العراقي، III /ص 11 آواني منزلية نحاسية، VI /ص 120

ب البادهنج: مكيّف للهواء، II /ص 300 البرمة: القدر، VI /ص 257 بطة، II /ص 159 بقشة، السّبنية، VI /ص 232 بساط، II /ص 164 البواقيل، VI /ص 251 البوقات، I /ص 380، 381 ج، II ص 78، 98، 127، 188، 276، 430 بيدر دواء، VI /ص 399 البيسوس (الفانوس، II / (ص 263 ت التلّيس، II /ص 35، 123 ج الجاكر: اسم مركب، VI /ص 59 الجلبة، II /ص 158 جراب، I /ص 109 جرة، I /ص 51 جلّاس: غطاء مثقب من النحاس، II /ص 263 الجلّ غطاء الحيوان، III /ص 423 جنك: اسم يطلق في الصين على المراكب، VI /ص 91، 264، 265، 269، 309 جعبة، II /ص 436 جفن، III /ص 433 ح حبال، I /ص 273 ج، II ص 207 ج، VI ص 12 الحراقة: جمع حراقات: مركب بحري، II /ص 116 الحزام، I /ص 187

الحصير، I /ص 51 الحسكة: جمع- سك، الشمعدان، III /ص 79 خ خباء، III /ص 30 الخرقة: خيمة صغيرة، II /ص 299، 300 خطاطيف حديد تعلق فيها القناديل، I /ص 375 الخوابي، VI /ص 251 خونجة: مائدة من نحاس، والكلمة من أصل فارسي، Khwancheh ومنها أتت كلمة الخوان المستعملة اليوم بمعنى قائمة الطعام، VI /ص 69 د الدّبادب، I /ص 381 درة: السوط يضرب به، III /ص 5 الدرفش: الأشفا، وهو المخرز، I /ص 95 الدروازة: الباب، II /ص 24 الدلو، II /ص 60 الدّنقرة، VI /ص 145 الدف، II /ص 5 الدست ج دسوت، I /ص 405 الدواة، VI /ص 252 دولة: هي المحفة والكلمة من أصل هندي، DOLI /III ص 386 ج، VI ص 73- 146 ر الرحل، I /ص 109 الركوة، II /ص 216 الرعّادات (مجانيق صغيرة، III / (ص 148- 238

ز الزاملة: صنف من لوازم السلطان،II /ص 128 الزق،III /ص 77 الزو: صنف من المراكب المتوسطة،VI /ص 91 ط طاحونة،I /ص 240 الطالم: طبق نحاس،VI /ص 69 الطبل،I /ص 380، 388، ج،II ص 5، 78، 98، 125، 126، 128، 188، 198، 212، 403، 404، 430 الطريدة: نوع من المراكب،III /ص 109 طيافير ذهب وفضة وشمع،II /ص 391- 285 ك الكاغد،I /ص 208، ج،VI ص 252 الكت سرير الملك،II /ص 75 الككم: نوع من الزوارق بالصين،VI /ص 91 وما بعد ص 95، 103 الكلبتان،III /ص 298 الكنادر: القوارب الصغار،VI /ص 119، 135 ل اللّجام،I /ص 293 م الماعون: اسم جامع لمنافع البيت كالقدر والفأس،III /ص 173 المحارة،I /ص،II،404 ص 148 المحمل: الهودج،II /ص 148 المحفات: جمع محفة،III /:ص 286 المخلاة،II /ص 245

المداد،I /ص 208 المذبة،III /ص 222 المراكب،I /ص 363 ج،III ص 247 المراكب الكبار،III /ص 355، ج،VI ص 65، 81 مراكب صغيرة،II /ص 18، 214 ج،III ص 355، ج،VI ص 229، 327 مراكب الصين،VI /ص 81، 88، 90، 91 المراكب العظيمة،II /ص 177، ج،VI ص 281 مراكب السلطان،II /ص 126، ج،VI ص 104، 230 مراكب السلطان إيري شكروتي،VI /ص 165، 167 المراوح،II /ص 54 مركب حربي،VI /ص 78، 206 مركب الروم،II /ص 354 مركب الناخودة إبراهيم،VI /ص 163 مركب السلطان،III /ص 237 مطارق الحديد،II /ص 306 مظلة،II /ص 430 ملاعق الخشب،I /ص 187، ج،III ص 11 منجل،VI /ص 16 منورت: اسم لمركب هندي،VI /ص 59 المصابيح،I /ص 388، 393 مصطبة،I /ص 319 مصطبة خشب،II /ص 267 مصطبة مربعة،I /ص 416 المعدّية: وسيلة نقل مائية،II /ص 326 ج،VI ص 397 معلقة،I /ص 187 المقبض،II /ص 12 المقراض،II /ص 245 مقرعة،II /ص 139 مسامير فضة،I /ص 264 المشاعل،I /ص 55، 388، 393، 406 ج،II ص 43، 128

المشربة: آنية فضة،II /ص 311 المورة: متكأة،II /ص 75 الميزان،II /ص 75 الميل،I /ص 94 ن النطع،I /ص 51 النقارة: وهي طبلة صغيرة،III /ص 141 النواعير،I /ص 141، 142، 143، ج،II ص 292 ج،III ص 52 النواقيس،II /ص 358، 425 ص الصاري عمود السفينة،VI /ص 146 الصحاف،I /ص 187 صحاف صيني،II /ص 304 الصّرنايات،II /ص 188، 212، 249، 276 صنبوق (سنبوق) : هو القارب الصغير،II /ص 17، 181 الصندليات: كراسي الأمراء وأبناء الملوك،II /ص 404 الصفائح،I /ص 287 صفائح الذهب،I /ص 416 صينية،II /ص 76 صينية ذهب،II /ص 76 الصيوان: الذي يظلل به داخل السراجة،III /ص 415 ع عجلة تجرها الكلاب،II /ص 399 عجلة يجرها فرس،II /ص 357 العديلة،II /ص 159 العربات،II /ص 405، 413، 416 العكاز،II /ص 216

العكيري: مركب يشبه الغراب،VI /،ص 59- 107 العشاري: مركب صغير بالمجاذيف،II /ص 251 ج،VI ص 274 غ غرارة: وعاء من الخيش يوضع فيه القمح ونحوه،VI /ص 398 ف الفرقعة،I /ص 376 الفوانيس،I /ص 55 الفؤوس،I /ص 39، ج،II ص 71، ج،III ص 213 ق قارب صغير للصيد،VI /ص 163 القدح،I /ص 51 قدح خشب،II /ص 392 القدور النحاسية،I /ص 405 القرقورة: سفينة،II /ص 254 القريّة: عويد خل في الصاري،VI /ص 146 القلال،VI /ص 251 القمقم،II /ص 184 القنديل،I /ص 375 القضبان،I /ص 202، ج،II ص 361، 383 قفة،I /ص 345 قفل،II /ص 118 قشور بيض النعام،II /ص 160 القوارب الصغيرة،VI /ص 226، 287، 396 القوصرة: وعاء من قصب،II /ص 9 س السبحة،II /ص 235 السّبك،III /ص 378

السّبنية (انظر البقشة واللقشة،VI / (ص 232 سبع من نحاس يمج الماء من فيه،II /ص 303 السجادة،II /ص 39 سجادة الصلاة،I /ص 73 السراج،II /ص 161 سكرجة: إناء صغير،VI /ص 69 السلاسل،I /ص 131، 183 ج،II ص 98، 118 سلورة،II /ص 110 سفن لها قلاع ملونة ومظلات حرير،VI /ص 290 سفن النزهة،VI /ص 287 السفن الصغار،I /ص 131 سفينة تشبه الحراقة،VI /ص 289 سفينة نوح،II /ص 95، 139 السّكان مقدم السفينة،VI /ص 146 سوط،II /ص 361 السّين: اسم نوع من القلال،III /ص 377 ش الشبّارة،II /ص 110 الشلّير مركب،VI /ص 107 الشمعة،I /ص 55 الشمعدانات،III /ص 79 شطي: مركب صغير،VI /ص 353 هـ الهودج،I /ص 382 والولنج: قصعة من قشر جوز النارجيل،VI /ص 118

(9) فهرس الأسلحة

(9) فهرس الأسلحة أ الأجفان الحربية،II /ص 350 ب البيضة،II /ص 421 ت تراكش الذهب،VI /ص 411 تراكش الفضة،VI /ص 411 التركش: نوع من السيوف،II /ص 421 ج،III ص 167 ج،VI ص 9 الترس،III /ص 186 الترسة،III /ص 224 ج،VI ص 107، 149، 297 ح الحراب،I /ص 380، ج،VI ص 93 حربة من القصب،VI /ص 227 خ الخنجر،I /ص 354 د دبابيس البلور،VI /ص 411 الدروع،II /ص 33، 358، 374، 421 ج،III ص 49، 320، 330، 367 دروع الخيل،II /ص 374 الدروق،II /ص 174، ج،III ص 92، 222 ج،VI ص 403، 433

ر الركابي: نوع من السيوف،VI /ص 9 الرماح،I /ص 206، ج،II ص 161، 221، 223، 356 ج،III ص 119 VI ، ص 93، 231، 253، 297، 385، 404، 405، 410، 433 رماح مثقوبة قد جعلت في ثقبها شرائط وثيقة،VI /ص 426 رماح مكسوة بصفائح الذهب والفضة،II /ص 422 رماح من الذهب،VI /ص 411 رماح من الفضة،VI /ص 411 الرماح الصغار،VI /ص 403 الرّعادات نوع من المنجنيق،III /ص 148، 238، 395 ط الطبرزين،III /ص 223 م المجانيق ج المنجنيق،I /ص 83، ج،III ص 148، 194، 315 ج،VI ص 60 107، 356 مركب حربي،II /ص 358 ن النّشاب،II /ص 154 ج،III ص 99، 134، 312، 360 ج،VI ص 383 النّيزة: القصد إلى رمح يسمى النيزة،III /ص 232 ع العصي،VI /ص 149 ق القتّارة،VI /ص 31

القرية عود يدخل في الصاري،VI /ص 146 القسي: جمع قوس،II /ص 65، 174، 330، 421 ج،III ص 119، 167، 222، 326، ج،VI ص 10، 385، 403، 405، 406، 412، 433 س السكاكين،II /ص 272، 407 ج،III ص 330، ج،VI ص 291 سكاكين رقاق طولها أزيد من شبر،VI /ص 406 سكاكين مسمومة،I /ص 167 سكين في طول ذراعين،II /ص 264 السهام،III /ص 360، ج،VI ص 189 السيوف،I /ص 5، 178، 379 ج،II ص 98، 161، 174، 356، 421، III ، ص 25، 73، 182، 190، 222، 224، 257، 348 ج،VI ص 1، 17، 93، 102، 103، 107، 108، 149، 197، 297، 404، 412 السيوف المحلاة بالذهب وكذا أغمادها من الذهب،VI /ص 411 السيوف المصرية،III /ص 391

(10) فهرس الأمراض

(10) فهرس الأمراض أ الأدر (الفتق،II / (ص 199 الإسهال،II /ص 148 ب البرص،VI /ص 40 ج الجذام،VI /ص 40 ح الحمى،I /ص 17، 19، 241 ج،II ص 28، ج،III ص 443، VI ، ص 143 حمّى مرعدة،VI /ص 11 خ خفقان القلب،VI /ص 292 د داء الفيل: انتفاخ القدمين،II /ص 199 الدّمل،III /ص 45 ط الطاعون: الطاعون الأسود بدمشق والقاهرة وغزة،I /ص 227، 228، 229 ج،VI ص 320 وما بعد، م مرض القلب،III /ص 442

ن النقرس،II /ص 392 ع العاهات،I /ص 351 ووجع شديد،VI /ص 384 الوسواس،I /ص 355

(11) فهرس الأنهار والأودية والبحيرات

(11) فهرس الأنهار والأودية والبحيرات أ أنهار أماصية،II /ص 292 ب أنهار بخارى (مدينة بخارى،I / (ص 173 أنهار بعلبك،I /ص 185 ت أنهار ترمذ،III /ص 56 ج أنهار الجام (مدينة الجام،III / (ص 75 أنهار جبلة (مدينة جبلة،I / (ص 173 ح أنهار حمص،I /ص 141 أنهار حصن الاكراد،I /ص 140 ط أنهار طرابلس،I /ص 137 ن أنهار نابلس،I /ص 128 أنهار نيسابور،III /ص 80 ص أنهار صهيون،I /ص 166

م أنهار مدينة فنيكة،II /ص 420 ق أنهار قونية،II /ص 281 س أنهار سبرتا،II /ص 266 ش أنهار شيراز،II /ص 52 وأنهار وبنكة،III /ص 21

نهر

نهر أ نهر آب حياة (معناه نهر ماء الحياة،VI / (ص 254، 272 نهر أبسمي،II /ص 431 نهر أتل،I /ص 79، ج،II ص 411، 446 ج،III ص 5 النهر الأزرق،II /ص 24، ج،VI ص 222 نهر اصطفيلي،II /ص 419 النهر الأسود،II /ص 287 نهر ألوصو،III /ص 1 ب نهر بلخشان،II /ص 24 ت نهر توره،I /ص 234 ج نهر الجون بالهند،I /ص 79، ج،III ص 169، 296، ج،VI ص 29 212، نهر جيحان،I /ص 78 نهر جيحون،I /ص 79، ج،III ص 5، 22، 25، 42، 58 ح نهر حماة،I /ص 142 خ نهر (خور) الخيزران،II /ص 81

د نهر دجلة،I /ص 79، ج،II ص 16، 132، 133، 135 نهر دجيل،II /ص 132 ر نهر ركن آباد،II /ص 53، 87 ك النهر الكبير،II /ص 87 ن النيل: ويسمى أيضا النهر المعظم أو الأعظم أو العظيم،I /ص 54، 58، 59، 60، 65، 66، 68، 69، 70، 77، 78، 79، 80، 87، 95، 96، 100، 101، 102، 105، 108، 109، 111، 244 253، ج،III ص 91، 93، 198، ج،VI ص 222، 255، 269، 294، 395، 396، 425، 426، 430. ص نهر صاغر،VI /ص 52 نهر صنصرة،VI /ص 397 نهر الصين،VI /ص 315 ع نهر العاصي،I /ص 141، 142، 143، 144، 152، 162 نهر عجلون،I /ص 129 النهر العظيم الأزرق،III /ص 86 ف نهر الفرات،I /ص 78، ج،II ص 16، 97، 99

بحيرات

س نهر السّرو،I /ص 78، ج،II ص 16، 97، 99 نهر السرور،II /ص 6 نهر السند: يسمى أيضا بنج آب،I /ص 79، 422 ج،III ص 93، 100، 101، 107، 108 112، 115، 359 نهر سيحان،I /ص 78، 79 نهر سيحون،I /ص 79 ش نهر شنّيل،VI /ص 368 هـ نهر الهند: ويسمى كنك،I /ص 79 ج،III ص 96، 141، 177، 295، 341، 343 344، 351، ج،VI ص 212 غدير الحمّص (وادي الجواهر،VI / (ص (352) بحيرات أ بحيرة أكريدور: ماؤها عذب، يسافر المركب فيها لمدة يومين،II:ص 266 ب بحيرة تنّيس،I /ص 57 ل بحيرة لوط،I /ص 118 ن بحيرة نسترو،I /ص 57

الأودية

الأودية أ الوادي الأخيضر،I /ص 259 وادي الأراك،I /ص 399 وادي أفغان بور،III /ص 212 وادي آش،VI /ص 392 ب وادي بلدح،I /ص 257 ج وادي جهنم،I /ص 124، 259 ح وادي الحصيب خ وادي خسرو آباد،III /ص 117 ظ وادي الظّهران،I /ص 299 ك وادي الكراع،II /ص 7، 8 وادي كرّة، جنوب الأندلس،I /ص 428 وادي الكروش،I /ص 409 م وادي محسّر،I /ص 396، 400

وادي المنصورة،II /ص 13 ن وادي نخلة،I /ص 305، 342، ج،II ص 155 وادي النمل،I /ص 127 ص وادي الصفراء،I /ص 295 ع وادي العروس،I /ص 407 الوادي العطّاس،I /ص 261 وادي العقيق،I /ص 294 ق وادي القصارين،III /ص 52 س وادي السباع،II /ص 10، 14 وادي سلا،II /ص 16، 431 وادي السمك،I /ص 406 وادي سقري،II /ص 325

(12) فهرس الجواهر والحلي

(12) فهرس الجواهر والحلي أ أحجار الزمرد،III /ص 227 أحجار كريمة بجزيرة سيلان،VI /ص 173، وما بعد. أحجار الياقوت،I /ص 367، ج،II ص 81، 82 ج،III ص 227، 251، ج،VI ص 173 أحجار الياقوت الأحمر،VI /ص 174 أحجار الياقوت الأصفر،VI /ص 174 أقراط الأذن،VI /ص 428 أساور الذراع ما بين الكوع والمرفق،VI /ص 123 أساور ذهب،III /ص 387، ج،VI ص 123 الأسورة،VI /ص 174 ب البايل: نوع من الخلاخيل التي توضع في أقدام النساء بجزر المالديف:/ ج،VI ص 124 البسدرد: قلائد ذهب تجعلها النساء على صدورهن بالمالديف،VI /:ص 124 ت التاج،VI /ص 308 تاج مرصع،II /ص 423 تاج مرصع بالجوهر والياقوت،III /ص 35 تاج صغير مكلل بالجواهر وبأعلاه ريش،II /ص 388 التهليل: من ذهب مرصع،III /ص 387 الجوهر،II /ص 81، 129، 244، 246 ج،III ص 228، 229، 251، 256، 266، 275، 276، 277، 306، 313 ج،VI ص 1، 3، 49، 143، 168، 187، 206

ح الحلل والحلي،I /ص 70 حلي الزجاج،VI /ص 394، 432 خ خلاخيل الذهب،II /ص 423 ج،VI ص 237 خلاخيل فضة،III /ص 423 الخواتم،I /ص 289 ج،II ص 157، ج،III ص 207 د دائرة ذهب مرصعة بالجوهر وريش الطواريس،II /ص 388 ز الزمرّد،III /ص 256 ل اللازورد،III /ص 394 اللؤلؤ الفاخر،III /ص 227 م المرمر،II /ص 53، 87، 130 ن النيلم: أحجار الياقوت الأزرق،VI /ص 174 ف الفتخة: الخاتم،II /ص 157 الفضة المموهة بالذهب،II /ص 387

ق قلائد الحرير،I /ص 382 قلائد مرصعة،II /ص 423 قلائد من الياقوت الملون، توضع في الأرجل،VI /ص 174 قلائد من الياقوت الملون، توضع في الأيدي،VI /ص 174 قلادة وأساور من ذهب،III /ص 197 قيراط،III /ص 38، 269 س سبحة جوهر،II /ص 235 سبعة أحجار من الياقوت أكبر من حجم بيضة الدجاج، توضع على جبهة الفيل،VI /ص 174 ش شبكة من الياقوت توضع على رؤوس النساء،VI /ص 174 ي الياقوت،I /ص 99، ج،III ص 256، 306 ج،VI ص 172، 173، 175، 184، 206 الياقوت البدخشي وأيضا الياقوت البلخش،III /ص 59، 394 الياقوت العجيب البهرمان،VI /ص 173

(13) فهرس الحيوانات

(13) فهرس الحيوانات أ الإبل،I /ص 110 الأرنب،II /ص 352 الأكاديش: مفردها إكديش،II /ص 372 أكباش،II /ص 178، ج،vi ص 211، 404، 407 أم جبين: يسميها المغاربة حنّيشة الجنة،III /ص 103 الأسد،VI /ص 199 أسد السمك،VI /ص 217 الإوز،vi /ص 257، 268 ب البازي،VI /ص 406 البرذون،VI /ص 207 البعوض،VI /ص 425 البغال،II /ص 418، ج،iii ص 76، 227، 262، 342، 442 البقر،II /ص 83، 233، 276، 361، 375، 413، 415، ج،iii ص 53، 184، 200، 361، 372، 440، 441 ج،VI ص 16، 172، 211، 217، 218، 437 البقر الوحشي،VI /ص 383 بطة،II /ص 159 بهيمة،II /ص 6، 276 البيرون (أبيرون) التن،VI / (ص 112 ت تازّرت نوع من السّمك،II /ص 217، 218 التمساح: التمساح في بلاد النيجر،VI /ص 396، 397

ث الثور،III /ص 351، ج،VI ص 398 ج الجراد،VI /ص 415، 447 الجمال،I /ص 69، 85، 109، 111، 242، 258، 359، 382، 405، 410، ج،II ص 1، 188، 168، 180، 196، 253، 361، 451 III ، ص 1، 2، 19، 29، 39، 83، 85، 90، 98، 99، 220، 227، 370، 391، 416، 417، 422، 423، ج،VI ص 377، 424، 429، 430، 436، الجواميس،I /ص 60، 258، 366 ج،vi ص 170، 211، 252 ح الحمار الأنسي،II /ص 229 حمار وحش،I /ص 185، ج،ii ص 162 الحمام،I /ص 142، 178، 179، 311، 338 ج،iii ص 10، الحمير،I /ص 215، 220، 343، ج،ii ص 115، ج،iii ص 76، 441، ج،VI ص 424 حمير ديار مصر،III /ص 386 حصان،VI /ص 146 الحوت،I /ص 109، ج،ii ص 426 ج،vi ص 170، 181 227 الحوت البوري،I /ص 57، 60 الحيّات،II /ص 5، ج،vi ص 15، 383 خ الخنازير،VI /ص 258 الخيل،I /ص 362، ج،ii ص 69، 76، 242، 275، 302، 371 315، 374، 375، 386، 394، 415، 418، 422، 451 ج،III ص 1، 13،

68، 73، 83، 95، 99، 220، 223، 227، 249، 260، 273، 316، 326، 344، 347، 351، 359، 391، 405، 432، 448 ج،VI ص 7، 5، 30، 59، 73، 197، 235، 237، 245، 249، 280، 308، 384، 424، 425، خيل البحر،VI /ص 425، 426 خيل النوبة،VI /ص 237 خيل العرب،I /ص 410 د الدجاج،II /ص 356، 426 ج،iii ص 241 ج،vi ص 120، 136، 138، 140، 170، 211، 256، 268، 394، 435 دجاج الصين،VI /ص 257 دود القز،VI /ص 258 الديك،VI /ص 256 الديك الصيني،VI /ص 257 الذئب،VI /ص 436 الذباب،I /ص 365، ج،ii ص 196 ج،iii ص 416، ج،vi ص 411 ر الرخ: طائر خرافي،VI /ص 305 وما بعد ز الزلو: العلق الطيار،VI /ص 178 ط الطواويس،III /ص 218 الطير البحري،I /ص 57 الطيور،I /ص 312 ج،ii ص 82، 220، ج،vi ص 16 ك الكلاب،II /ص 59، 82، 396، 400 ج،III ص 231، 333، VI ، ص 258 224، 383، 424

كلاب كبار،II /ص 399 كلب البحر،II /ص 214 الكراكي،III /ص 10 الكركدن،III /ص 100، 356 اللّاشة: حمير صغار الأجرام،III /ص 441 اللّخم: نوع من السمك،II /ص 214 م المعزى،II /ص 162 المهاري: صنف من الجمال،I /ص 110، ج،III ص 421 المواشي،I /ص 177 ن الناقة،I /ص 288، ج،VI ص 436 النحل،VI /ص 391 النعام،II /ص 162، 252، ج،VI ص 257 النسر،I /ص 200 ص الصدف،II /ص 245 الصّهب: جمال،II /ص 161 ض الضأن،VI /ص 252 ضبّ،VI /ص 384 الضباع،I /ص 109

ع العنكبوت،I /ص 338 العقارب،VI /ص 439 غ الغربان،I /ص 343 الغزلان،II /ص 161، 162، 252، 351 ج،III ص 339، ج VI ص 199، غزلان المسك،III /ص 439، ج،VI ص 216 الغنم،I /ص 151، 298، 408، 411، ج،II ص 178، 197، 233، 276، 301، 366، 372، 375، 379، 386، 394، 415، 417 ج،III ص 12، 53، 75، 184، ج،VI ص 140، 468، 445 الغنم المجلوبة من بلاد الأتراك،III /ص 391 الغيلم: السلحفاة،II /ص 245 ف فراخ الحمام،VI /ص 211 الفرس،I /ص 293، 365، ج،II ص 4، 98، 119، 198، 213، 269، 288، 292، 300، 311، 315، 325، 331، 335، 359، 361 364، 366، 371، 373، 376، 396، 405، 412، 417، 421، 445 ج،III ص 1، 4، 13، 21، 39، 66، 76، 83، 90، 141، 194، 222، 277، 313، 361، 367، 395، 401، 402، 422، 442، ج،VI ص 2، 31، 32، 59، 188، 221، 230، 236، 404، 407، 435، 442. فرس أدهم اللون،III /ص 13، 39 فرس أشهب،II /ص 421، ج،III ص 347 فرس النهر،VI /ص 425، 426 فرس عتيق قرطاسي اللون،II /ص 344 الفئران،VI /ص 47 الفيل الأبيض،VI /ص 173- 174

الفيلة،I /ص 366، ج،II ص 80 ج،III ص 100، 152، 194، 213، 212، 223، 228، 237، 238، 316، 321، 330، 342، 344، 351، 355، 356، 395، 416، 417، 432، ج،VI ص 171، 174، 225، 226، 227، 235، 236، 244، 245، 252، 261، 307، 405، 425، ق القاقم: حيوان صغير في طول الشبر،II /،ص 401، 402 القرود،VI /ص 175 قلب الماس: سمك يشبه الليرون،VI /ص 311 القمل،II /ص 402 س السباع،I /ص 14، ج،II ص 2 ج،VI ص 33، 34 السردين،II /ص 197، ج،VI ص 149 السلحفاة،II /ص 245 السمك،II /ص 5، 17، 21، ج،I ص 160، 177، 191، 203، 217، 218، 220، 225، 231، ج،III ص 103 ج،VI ص 112، 120، 138، 139، 163، 164، 188، 226، 229، 435 سمك البوري،II /ص 161 السمور،II /ص 402، 412 السنجاب،II /ص 401، 412 السقنقور،III /ص 103 السوس: حشرات تصيب المحصولات،III /ص 185 ش الشاة،II /ص 364، ج،VI ص 31 الشقاشق: نوع من الطيور،II /ص 217، ج،VI ص 413 شير ماهي: أسد السمك،II /ص 217، 218

هـ الهر: القط،VI /ص 47 ي اليربوع،III /ص 282

(14) فهرس العطور والبخور

(14) فهرس العطور والبخور أ الأزاهير الملونة والورد الأحمر على قدر الكف،VI /ص 179 الأشجار المزهرة،III /ص 149 ب اللبان بمدينة جاوة وسومطرة،VI /ص 240 ت تاسرغنت: نوع من العطور ببلاد السودان،VI /ص 394 ج الجاوي،III /ص 234، ج،VI ص 228 جوزة الطيب (المعروفة بالعطّارين،VI / (ص 143 ح حصا لبان،II /ص 214 ر ريبول: زهر أبيض، والريبول شجر مزهر،III /ص 150، 383 الرياحين،I /ص 188، 246، ج،II ص 244، 434 ز زرد شوبة: العود الأصفر وهو الكركم ويستعمل في بعض البلدان عوض الزعفران III /ص 103 ط الطيب،I /ص 263، 346، 347، 417، ج،II ص 140 ك الكافور،VI /ص 229، 240، 241، 309 155

الكلخي: عود هندي يحمل اسم الكلخي وهو ليس كالقماري أو القاقلي،VI /ص 167، 228، 240، 242، 244 الكندر،II /ص 214 ل اللبان الجاوي،VI /ص 228 اللّبان عمان اليمن،II /ص 214 م ماء الزهر،III /ص 130، 235 ماء الورد،I /ص 247، 417 ج،II ص 140، 274، 320، ج،III ص 235، 384، 385، ج،VI ص 116، 138، 209 ماء الورد الدمشقي،II /ص 184 المصطكى،VI /ص 394 المسك،I /ص 263، 417، ج،III ص 439 ج،VI ص 1، 216 (من بلاد التبّت) ن النسرين،I /ص 246، ج،III ص 150، 276 النسرين الأبيض،III /ص 383 النسرين الأصفر،III /ص 383 النوار،I /ص 246 ص الصندل: دهن عطري،VI /ص 116 ع العنبر،VI /ص 187 العنبر الأشهب،III /ص 234 العود القاقلي،III /ص 234 ج،VI ص 167، 240 العود القماري،III /ص 234، ج،VI ص 167، 240، 242

غ الغالية: تجلب من مقدشو،VI /ص 116 ق القرنفل،VI /ص 228، 240، 243، 309، 394 قل شبه: زهر أصفر،III /ص 383 قل شنبه: شجر مزهر،III /ص 150 والورد،I /ص 246 ي الياسمين،I /ص 246، ج،II ص 130، 309، 334، ج،III ص 53، 276، 383،

(15) فهرس الطعام والشراب

(15) فهرس الطعام والشراب أ الإجاص،II /ص 336، 421 ج،III ص 126 ج،VI ص 255، 336، 392 الإدام،II /ص 185، 256، ج،VI ص 23، 72، 335، 393 أرز دون إدام،III /ص 447 الأرز المطبوخ بالسمن والحلوى،II /ص 348 الأرز المطبوخ بالسمن وعليه الدجاج،III /ص 124 الأرز المفلفل المطبوخ بالسمن،II /ص 185 الأرز المفلفل في السمن والدجاج المقلي،II /ص 26، 82 الأرز مع السمن والمنج،III /ص 131 الأرز على لحوم مشوية على ورق الشجر،II /ص 225 الإطرية،II /ص 306 الأطواق عسل يصنع من ماء نخل الجوز،II /:ص 209، ج،VI ص 163، 164 ألبان جاموسية،I /ص 60 ألبان الخيل،II /ص 370 أنار: فاكهة الرمان ببلاد المالديف،III /:ص 129، 130 أعين أغصان اللوز،VI /ص 335 الأسفنج،VI /ص 392 ب البطيخ،I /ص 128، 305 ج،II ص 45، 47 ج،III ص 11، 15، 103، 155، ج،VI ص 43، 187، 255، 387، البطيخ الأخضر (الدلاح بالمغرب،III / (ص 155، ج،VI ص 434 البطيخ الأصفر،III /ص 155 بطيخ أصفهان،III /ص 15 ج،VI ص 255 بطيخ بخاري،III /ص 15 بطيخ خوارزم،III /ص 15، ج،VI ص 255

البطيخ العجيب،II /ص 45، ج،VI ص 255 البلوط،II /ص 32، ج،VI ص 242 البورخاني: طعام عند الأتراك والمغول،II /:ص 365 البوزة: نوع من النبيذ،II /:ص 367، 370 ت التل: القصد إلى نوع من الحلوى،VI /ص 188 التمر،I /ص 37، 110، 328، 351، 358، 413، 415، ج،II ص 3، 5، 9، 10، 17، 207، 217، 226، 231، 248، ج،III ص 36، 422، ج،VI ص 376. التمر البرني،II /ص 252 تمر درعة،VI /ص 378 التمر الصيحاني،II /ص 252 تمر سجلماسة،VI /ص 378، 447 التنبول،I /ص 247، 248، 366، ج،II ص 184، 204، 206، 226 III ، ص 124، 207، 237، 242، 260، 277، 378، 379، 382، 385، 426، ج،VI ص 7، 45، 119، 138، 149، 150، 164، 209، 224، 226، 233، 308. التفاح،I /ص 173، 174، 304، 359، ج،II ص 349، ج،III ص 63، 129، ج،VI ص 366، 368. التين المالقي،III /ص 15 ث الثريد: وهو ثريد عليه العدس ومسقي بالسمن والسكر،II /:ص 268 الثمر الهندي،VI /ص 205 ج الجبنة،I /ص 183، ج،II ص 52. الجراديق: خبز رقيق،III /ص 123 جريش أنلى مخلوط بيسير عسل ولبن،VI /ص 386 الجلاب: مشروبات،II /ص 304، ج،III ص 379

الجلجلان انظر السّمسم،III /ص 140 جلد الفرس،I /ص 186 ج،III ص 425 الجمون: فاكهة تشبه الزيتون، لكنها حلوة،II /ص 191، ج،III ص 128، ج،VI ص 144، 229 الجوز،II /ص 52، 61، 207، 208، 209، 211، 299، 300، 301، 325، 342، ج،III ص 62، ج،VI ص 64، 74. الجوز اليابس،VI /ص 113 ح حب الملوك،I /ص 186 الحريرة،III /ص 131 حليب البقر،VI /ص 437، 443 الحليب،II /ص 209، 210، 211، ج،VI ص 113 الحلوى،I /ص 391، ج،II ص 23، 26، 32، 129، 168، 210، 264 274، 283، 307، 365، 366، ج،III ص 11، 241، 422، 423 426، 435، ج،VI ص 113. حلوى الخروب،I /ص 128 حلوى الملبّن،I /ص 186 الحلوى الصابونية،III /ص 123، 435 حلوى العسل،II /ص 342 حمص أسود مقلي مع قليل آرز،VI /ص 19 الحمص المقلي،VI /ص 392 خ الخبز،I /ص 183، 151، 413، 415، ج،II ص 17، 23، 26، 32، 26، 32، 45، 129، 218، 253، 256، 276، 335، 342، 348، 364 366، 394، 426، ج،III ص 123، 268، 269، ج،VI ص 24، 70، 317، 318، 346، 401. خبز الأرز،II /ص 5. خبر الجلبان: أو المشنك،III /ص 103 خبز دقيق البلوط،II /ص 32. خبز الشعير،I /ص 135

الخروب،I /ص 128 الخليع من اللحم،III /ص 2، ج،VI ص 138، 139 الخمط،I /ص 359 الخضر مطبوخة بالسمن والألبان،VI /ص 70 الخشتى: رغيف حلوى يحمل هذا الاسم،III /ص 123 الخشكار،III /ص 382 الخوخ،I /ص 304، 359، ج،II ص 336، ج،VI ص 392 الخيار،III /ص 127، 155 د الدبس،I /ص 186 دجاجة مطبوخة،III /ص 10، ج،VI ص 69. الذخن،III /ص 130 الدرمك،III /ص 382 الدّقنو: مشروبات عبارة عن جريش الذرة،VI /ص 434 دقيق النبق،VI /ص 394 دهن السمسم،III /ص،VI،160 ص 51. الدوقي: طعام وأيضا شراب يطبخ،II /ص 364، ج،III ص 2. الذرة المطبوخة مع عسل التمر،II /ص 219 ر رأس غنم مشوي،III /ص 435، ج،VI ص 443 رب العنب مخلوط بالدقيق والسمن (حلواء،II / (ص 23. الرطب،I /ص 304 الرمان: يسميه الهنود أنار،I /:ص 134، ج،II ص 246، 323، ج،III ص 129، 131، 171، ج،VI ص 164، 169، 336، 366. الرغيف،II /ص 240، ج،VI ص 27. الرقاق،III /ص 123 الرّشتا: شبه الاطرية، يطبخ ويشرب باللبن،II /ص 366.

ز زيت السّمسم،III /ص51،VI،140 الزبد،VI /ص 335 الزبيب،I /ص 132، 385، ج،III ص 36، 119 الزلة: نصف رأس غنم مطبوخ،III /ص 435 الزنجبيل،II /ص 185، ج،III ص 126 ج،VI ص 69، 80، 93، 227، 253. الزيتون،I /ص 128، 145، 177، 178، 183، ج،VI ص 1، 269، 272، 376. ك كبش مشوي،VI /ص 443. الكرنبة: هي جوز النارجيل الأخضر،VI /،ص 119. الكليجا: خبز معجون بالسمن، شكله دائري،III /ص 10، 11. الكعك،II /ص 218، 304، ج،III ص 11. الكسكس،VI /ص 394. كسيرا: فاكهة بالهند،III /ص 129. كشري،III /ص 131. الكوشان: الادام،II /ص 82، 185 الكوشان: ويعني أيضا اللبن المريب،VI /ص 70. ل اللبن/ ج،I ص 140، 151، 186، 408، 411، ج،II ص 5، 17، 45، 214، 252، 379، 416، ج،III ص 2، 32، 56، ج،VI ص 170، 335، 434، 435، 444. لبن الإبل/ ج،II ص 252 اللبن المريّب/ ج،II ص 185، 365، ج،VI ص 191، 401. لحم بقري مقلي بالغرتي/ ج،VI ص 401 اللحم المطبوخ بالسمن والبصل والزنجبيل الأخضر/ ج،III ص 123 اللحم المسلوق من الغنمي/ ج،II ص 386، 407، اللحم المشوي/ ج،III ص 123.

اللحم المهروس المطبوخ باللوز والجوز والفستق،III /ص 123. لقيمات القاضي،III /ص 425 اللوز،I /ص 186، 385، ج،II ص 45، 260، ج،III ص 119، ج،VI ص 335، 366. الليمون،I /ص 246، ج،II ص 38، 185، 191، ج،III ص 126، 383 ج،VI ص 114، 114، 176، 185، 253. الليمون المملوح،VI /ص 69. الليمون المصيّر،II /ص 185. م الماء،I /ص 84، 132، 208، 210، 222، 233، 234، 235، 236، 257، 258، 259، 260، 273، 281، 289، 295، 315، 319، 341، 342، 360، 366، 405، 407، 409، 412، 414، ج،II ص 17، 18، 93، 121، 141، 156، 160، 161، 176، 177، 192، 197، 206، 208، 209، 211، 214، 222، 224، 231، 240، 245، 245، 246، 252، 253، 260، 269، 270، 323، 336، 350، 351، 365، 416، 420، 428، 446، ج،III ص 3، 12، 21، 104، 194، 242، 268، ج،VI ص 10، 17، 23، 59، 60، 62، 70، 92، 107 118، 170، 171، 180، 187، 205، 225، 256، 261، 315، 352، 379، 381، 383، 385، 387، 391، 408، 426، 434، 437، 438، 440، 445، ماء الجلاب،III /ص 237، 384 ماء الذخن،II /ص 367 ماء الدهن،II /ص 367 ماء زمزم،I /ص 300، 301 ماء الليمون،II /ص 304. ماء النبات: هو الجلاب في الماء، وهو نوع من الشربة،III /ص 124، الماء الساخن: مشروبات،VI /ص 70. ماش: خبز الجلبان،VI /ص 10 الملبّن: حلواء،I /ص 186. المقرصة: نوع من الحلوى،III /ص 425،

المشمش اللوزي،I /ص 281. مشمش قمر الدين (انظر قمر الدين،II / (ص 281. المشنك: الخبز المصنوع من الذرة والجلبان،III /ص 103. المهوا: شجر يشبه تمره الإجاص الصغير، لكنه شديد الحلاوة:/ ج،III ص 128 الموز،I /:ص 60، ج،II ص 82، 167، 191، 204، ج،VI ص 52، 72، 147، 163، 176، 224، 226، 229، الموز المطبوخ،VI /ص 139. الموز- قبل نضجه- مطبوخ في اللبن الحليب،II /ص 185. ن النارجيل: جوز الهند،II /ص 204، 205، 206، 211، ج،III ص 383، ج،VI 63، 76، 77، 113، 114، 120، 136، 139، 147، 163، 228، 229. النارنج،II /ص 38، ج،III ص 125، 126، 383، ج،VI ص 290، 397. النارنج الحامض،III /ص 128. النارنج الحلو،III /ص 128، ج،VI ص 229، 243. النبق،III /ص 128. النبيذ،II /ص 365، 408 النورة،I /ص 366 النيدا: شبه العسل يستخرج من القمح،I /ص 102 ع العدس مسقي بالسمن والسكر،II /ص 268. عظم الجرم،II /ص 44. العلو (الآلو) : فاكهة،III /ص 21 العنب،I /ص 152، 186، 304، 359، ج،vI ص 45، 130، 204 205، 210، 309، 329، 349، 421، 434، ج،III ص 11، 21، 53، 128، 129، ج،VI ص 49، 76، 199، 229، 255، 335، 336، 366، 368. العنب مخلوط بالدقيق،II /ص 23. العنب العذاري: يوجد بيزنيك،II /،ص 324، 325.

العنب: تشبه التفاح، لكن لها نواة،II /ص 185، ج،VI ص 52، 69، 253 عصيدة القافي؟ وهو شبه القلقاس،III /ص 131. عساليج الخردل،VI /ص 14، 15. العسل،I /ص 385، ج،II ص 209، 210، 211، 408، جVI ص 113، 335، 391، 434. عسل التمر،II /ص 9. عسل النارجيل: وهو عسل مخلوط بالأفاوية:/ ج،VI ص 139، غ الغرتي: تمر كالإجاص، شديد الحلاوة،VI /.ص 392، 393 ف الفرسك: فاكهة خوخ،I / ... ص 359. الفلفل المملوح،VI /ص 69 الفلفل المصيّر المخلل والمملوح،II /ص 185. الفقاع،III /ص 124، 207، 242، 378، 426، ج،VI ص 233 الفقوص،VI /ص 392، 435. الفسق،I /ص 145، 186، ج،III ص 68. الفواكه الخراسانية،III /ص 391. الفواكه اليابسة،III /ص 379، 383. الفوفل،I /ص 366، ج،II ص 184، 205، ج،III ص 124، 237، 242، 382، ج،VI ص 87، 147، 164، 224، 226، 228، 308. ق القاهرية،III /ص 124 قديد البطيخ،III /ص 16 القرباني: ماء السكر (حلواء،VI / (ص 139. القرع باللبن،VI /ص 335. القلقاص وتكتب أيضا القلقاس،VI /ص 114، 335. قمر الدين (المشمش،II / (ص 44، 259، 260- 281

القمز: شراب،II /ص 392 القسطل،II /ص 324، 342، ج،III ص 129. القوز: الجوز،II /ص 324. س السمن،I /ص 328، 358، 408، 411، ج،II ص 23، 89، 129، 159، 162، 180، 197، 301، 334، 394، 426 ج،III ص 12، 123، 124، 131 132، 382، 433، 435، ج،VI ص 31، 69 138، 139، 170، 334، 335، 432، 441، 444، 447. السموسك،III /ص 435. السفرجل،II /ص 45، 421، ج،III ص 56، ج،VI ص 336. السويق،I /ص 297. السيراج زيت السّمسم،I /ص،III،335 ص 57 السيلان: نوع من العسل، بالذات فهو عسل التمر:/ ج،II ص 9، 10، 219. ش الشربة،II /ص 207، 352، 378، 385. الشريحة،II /ص 45. الشكى والبركى: أشجار عادية أوراقها كأوراق الجوز، ثمرها حلو وطيب، ينبت بالهند،III /ص 126، 127. هـ الهاشمي: نوع من الحلوى،III /ص 124. الهريسة المصنوعة من اللحم والقمح والسمن،II /ص 89.

(16) فهرس العادات

(16) فهرس العادات أ أبناء الملوك لا يقتلون الإخنقا،III /ص 49 اتخاذ المرأة صاحبا لها ومعرفة زوجها ذلك وسماحه به،VI /ص 390. إحاطة البلد بسور،I /ص 60. الاحتفال بختم القرآن،I /ص 391، 392 الاحتفال بنصف شعبان،I /ص 388. الاحتفال بعيد الأضحى،VI /ص 346 ص 409 وما بعد الاحتفال بعيد الفطر،I /ص 22، 23 ج409،VI الاحتفال بعيد المولد في المغرب،VI /ص 347. الاحتفال بالسابع والعشرين من رمضان،I /ص 391، 392. الاحتفال بشفاء الملك،I /ص 70. الاحتفال بهلال رجب،I /ص 380. الاحتفال بهلال رمضان،I /ص 55، 56، 388، 389. أخذ الضرائب،III /ص 117. الإذن بالسفر،I /ص 60. إرغام سارق الحصان على إعادته مع تسعة أحصنة،II /ص 364. اطلاع السلطان على هوية الوافدين قبل عبورهم الحدود،III /ص 55، 97. إطعام الناس أربعين يوما حدادا على الميت،II /ص 354. أكل الجيف،III /ص 372 أكل الحلواء عيب،II /ص 365 إمساك الأذن احتراما،II /ص 62 الانتساب إلى الخال،VI /ص 388 إضراب الجند لأخذ رواتبهم،II /ص 203 الإعدام خنقا،I /ص 182 إعذار اليتامى والضعفاء،VI /ص 347 أعراس سومطرة وعاداتها،VI / ... ص 307 إعطاء الواشي أموال الذي وشى به إذا ثبتت التهمة،III /ص 311.

الأغنياء يجهزون الفرق العسكرية،I /ص 46 الاستجارة بالمسجد أو بدار الخطيب في مالي،VI /ص 418 استعمال الأرواث للوقود،II /ص 356 أهل أبيار يحتفلون يوم ارتقاب هلال رمضان،I /ص 54. أهل الهند يزرعون مرتين في السنة،III /ص 129. أوقاف الأواني المكسّرة،I /ص 238 أوقاف الزوايا،I /ص 239 أوقاف لأبناء السبيل،I /ص 237، 238 أوقاف الكنائس،VI /ص 273 أوقاف لفكاك الأسرى،I /ص 237. أوقاف لفعل الخير،I /ص 238 أوقاف لقراءة القرآن،I /ص 243 أوقاف المدارس،I /ص 415، ج،II ص 3، 32، III ، ص 99. أوقاف المساجد،III /ص 61، ج،VI ص 352 أوقاف على تجهيز البنات إلى أزواجهن،I /ص 237 أوقاف على تعديل الطرق ورصفها،I /ص 238 أوقاف على العاجزين عن الحج،I /ص 237 أوقاف وصدقات للفقراء،I /ص 103 ب باب الأمان لتعيين الحدود بين بلد وبلد،VI /ص 75 براءة مرور: جواز سفر،I /ص 112 بقاء المرأة المطلقة في دار مطلقها حتى زواجها من غيره،VI /ص 151 ت التتريب: رمي التراب على الرأس والظهر إذا أجاب السلطان،VI /ص 408، 409 التحية بإلقاء ثوبين (أمام السلطان،VI / (ص 132. ترك ثقب الأذن،III /ص 71. تلوين الصابون بالأحمر والأصفر،I /ص 145، 146 تمزيق الثياب حزنا على الميت،III /ص 188 التصافح بالمسجد إثر صلاة الصبح والعصر،II /ص 199

تصبير الميت: تحنيطه،II /ص 313 تضمين الضرائب،II /ص 65 تعداد نزلاء الفندق في الصين مساء وإقفال الأبواب عليهم،VI /ص 260 التعذيب بعصر الرجلين،I /ص 361 تعذيب المخالفين بمختلف أنواع التعذيب،III / ... ص 292. التعرّي (عدم لبس الثياب) جزئيا،VI /ص 123 التعرّي (عدم لبس الثياب) كليا،VI /ص 418 تعزية الملك ومجالس العزاء،II /ص 35، وما بعد تعيين بعثة سنوية للحج (ركب الحاج،I / (ص 93، 94. تعيين الأطباء لعلاج المرضى،VI /ص 347، 348 تقطيع أوصال المحكوم عليه بالقتل وصلبه،I /ص 46. التشهير بالجاني بالطواف به على حمار،III /ص 441 تواضع السلاطين وجلوسهم مع الفقراء والأكل معهم،II /ص 194 توريث الحكم لابن الاخت،VI / ... ص 76 توزيع نفقة ستة أشهر على أهل دهلي عند سفر السلطان،III /ص 290. ج جلوس الملك للنظر في المظالم،I /ص 89. جلوس فقيه تونس بعد صلاة كل يوم جمعة للإفتاء،I /ص 22 ح حرق الميت وامرأته في الهند،III /ص 137، 138- 140 حمامات مقسومة: قسم للنساء وقسم للرجال،VI /ص 368. خ خروج أهل دمشق بعد صلاة العصر في يوم عرفة،I /ص 243، 244 د دار الأمن في الهند يدخلها كل من يخاف من أمر فيؤمن،III /ص 170

ذ ذابح البقر في الهند يخاط في جلدها ويحرق،III /ص 200 ر رجم الزانية في الهند،III /ص 292 ز زراعة الأرز ثلاث مرات في السنة بالهند،III /ص 133 زيارة القبور يوم الجمعة،II /ص 113 ط طبخ لحم المحكوم عليه بالإعدام مع الأرز وإرساله إلى أهله،III /:ص 321 طريقة دفن القان،VI /ص 300، 301 طريقة للصلاة على الميت،I /ص 245 طلب الجوار من الأمراء أو ذوي الشأن للحماية،I /ص 169 طلب المرأة حماية السلطان لممارسة الفساد،II /! ص 230 ل لا يفطر أحد في دمشق وحده، بل مع مدعوين في بيته،I /ص 240 ليلة المحيا: أي ليلة السابع والعشرين من رجب،I /ص 417 م ما يفعله أهل الصين في تقييد ما في المراكب،VI /ص 264 ما يفعله أهل الهند في عيد الفطر،III /ص 390 ما يفعله محبوا سلطان مل جاوة،VI /ص 246 ما يفعله الناس عند رؤية أم السلطان المخدومة جهان،III /ص 377 ما يفعله أبو عنان المريني في عيد الأضحى،VI /ص 346 ما يفعله السلطان أبو عنان المريني في السابع والعشرين من رمضان،VI /:ص 347. مجاورة مكة،III /ص 143 المحافظة على أموال الغريب المتوفّي،I /ص 428، 429 ج 421،VI

منع أهل الصين التجار الوافدين من الفساد،VI /ص 265 معاقبة المتخلف عن الصلاة،III /ص 5 مس الأرض بالسبابة ورفعها إلى الرأس احتراما،II /ص 173 مساعدة الفقراء على الوصول إلى الحج،I /ص 84. المشي أمام الجنازة،I /ص 244 المشي دون نعال حفاة الأقدام،II /ص 287 ن النزول للسلطان يزيد في اعتباره،II /ص 285 ص صلب الميت،III /ص 118 ض ضرب النخل بالسيوف في تبوك،I /ص 158. ع عادة جلوس الملوك لسماع الشكاوي،VI /ص 337 عادة عقد مجالس العلم من لدن الملوك،VI /ص 342 عادة كسوة الصبيان يوم عاشوراء تسلية لهم لينسوا المأساة عدم استتار الناس في الحمامات العامة،I /ص 100. عدم الخروج من المدينة إلا بإذن الوالي،I /ص 112، 113. عدم الخروج من المملكة إلا بإذن السلطان،I /ص 427 عدم منع الفقير من الدخول إلى معاصر السكر،I /ص 101 عطايا الملوك والأمراء واجبة للحفاظ على ذكرهم،VI /ص 402 على الطريق أعمدة تشير إلى عدد الأميال فيما بين كل عمودين،VI /ص 42 عيد يوم المحمل وهو يوم دوران الجمل،I /ص 93 غ غارة العرب في الطريق على المسافرين،II /ص 238 غناء وطرب في الجنازة،II /ص 43

غسل الرأس باللبن،III /ص 56، 57 ف في ترتيب أهل الهند لمقابرهم،III /ص 432 في عادات أهل جزائر ذيبة المهل (مالديف،VI / (ص 114 في عادات أهل مسوفة الاجتماعية،III /ص 387 في عادات أهل الصين احراق موتاهم،VI /ص 257 فيما يصنعه أهل الهند عند قبور موتاهم،III /ص 428 فيما يفعله أهل السودان خلال عيدي الأضحى والفطر،VI /ص 409، 410. فيما يفعله أهل الهند في إطعام الناس عند الولائم،III /ص 435 ق القتل بإدخال أداة في البطن تخرج من الظهر،VI /ص 74. القتل بقطع المرء نصفين،III /! ص 32، 33 القتل بواسطة الفيلة،III /ص 330 القتل حمائل (قطع الرأس مع الذراع وبعض الصدر،III / (ص 300 القتل خنقا،III /ص 49 قتل النفس في سبيل إظهار محبة الملك،VI /! ص 246 القتل على ترك الصلاة،III /ص 286، 287 قلب الثياب حدادا على الميت،II /ص 36، 354 قوام صلاة الجمعة في جدة أربعون رجلا من أهل البلد،II /ص 258 القرة،gerra /VI ص 351 س سلخ جلد المحكوم عليه بالإعدام وحشو الجلد بالتبن والطواف به في البلاد أو صلبه على الأسوار،III /ص 108، 317. سلخ جلد المحكوم عليه بالإعدام وهو حي،III /.. ص 321 سمل العينين،I /ص 98، ج،III ص 308 السفر في اليوم الثاني أو السابع أو الثاني عشر أو السابع عشر أو الثاني والعشرين أو السابع والعشرين،VI /ص 4 السفر قوافل أو مع الأمير،I /ص 404 السقي على الجمال،I /ص 69

ووصل (لا) بالكلام (تأكل لا، تمشي لا، تفعل كذا لا،II / (ص 226 وضع الأمير يده على أموال الميت،I /ص 17 وضع مملوك عينا على كل أمير، وجوار في الدور، على الأميرات،III /ص 343 ي يوم الركبة: أي يوم ارتقاب هلال رمضان،I /ص 55 يوم الحمل، وهو يوم دوران الحمل،I /ص 93

(17) فهرس الكتب الوارد ذكرها في المتن

(17) فهرس الكتب الوارد ذكرها في المتن ب البحر المحيط لابن تيمية (في التفسير وهو نحو أربعين مجلدا،I / (ص 216 ت التبصرة تاليف اللخمي المالكي (هو كتاب في الفقه،I / (ص 23 ج الجامع الكبير في السنن للإمام الترمذي،III /ص 56 الجامع الصحيح للبخاري،I /ص 88، 248، ج،III ص 28 ح حزب البحر، ورد، دعاء للإمام الشاذلي،I /ص 40. م المثنوي لجلال الدّين الرومي (مولانا،II / (ص 283، 284 المدهش لابن الجوزي،VI /ص 433 المنظومة في المسائل الخلافية بين الفقهاء الأربعة في 2669 بيت لمؤلفه أبي حفص عمر النسفي (مخطوط بمصر،III / (ص 56 المصابيح وشوارق الأنوار، وهو للصاغاني،II /ص 55، 84 مصحف كريم بخط زيد بن ثابت رضي الله عنه، وهو منتسخ سنة 18 من وفاة الرسول محمد (ص،I / (ص 320 مصحف كريم مكلل بالجواهر،III /ص 406 مصحف بخط ناصر الدّين،III /ص 169- 170 المصحف الكريم الذي وجهه الخليفة عثمان إلى الشام،I /ص 202، 203 المفهم في شرح مسلم، للقرطبي،I /ص 222 المسالك لأبي عبيد البكري،I /ص 28 مسند الإمام أبي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي،II /ص 83 مسند أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام الدّارمي،II /ص 110

المسفر للقلوب لمؤلفه علي بن جعفر الرازي،I /ص 115 مشارق الأنوار للصاغاني انظر المصابيح،II / ... ص 55، 84 الموطأ، وهو في الحديث، ألفه الإمام مالك،VI /ص 282 ص صحيح مسلم،I /ص 229 ش " الشفا" للقاضي عياض،I /ص 284 ي " اليساق" دستور ألفه الملك جنكيز خان،III /ص 40.

(18) فهرس اللباس

(18) فهرس اللباس أ إحرام بعلبكي: لباس إحرام بعلبكي،I /ص 18، 186 أقبية الحرير والقطن،VI /ص 235. أقروف: نوع من الطاقيات شكلها مخروط،II /ص 319، 388 أقمصة،II /ص 7. ب البجاد (سجاد،I / (ص 281. البرود،I /ص 300. البغطاق: أقروف مرصع بالجواهر،II /ص 379، 388. البسط الحسان،I /ص 417. البسط الرومية،II /ص 263. بيرمي: ثياب قطنية،VI /ص 2. ت التحتانيات: ثياب تباشر الجسد،VI /ص 232. التنورة،VI /ص 23. ث ثوب الإحرام،I /ص 294. ثوب بيرمي من القطن،VI /ص 2. ثوب سواد،I /ص 376. ثوب شعر،II /ص 33. ثياب أبيار،I /ص 54. ثياب أرزنجان،II /ص 294 ثياب الأطلس،VI /ص 269. الثياب البيض الحسان،VI /ص 410، 422، 445.

الثياب البيض للمسلمين،VI /ص 302. ثياب الحرير،I /ص 70، 366، 204، ج،II ص،III،422،317،174،71 ص 35، 223، 237، 238، ج،VI ص 35، 69، 143 223، 307. ثياب الحرير المذهب المرصعة بالجواهر،II /ص 388. ثياب حرير مرصعة بالجوهر،II /ص 388. الثياب الخام،I /ص 408. الثياب الخنبالقية،VI /ص 269 الثياب الخنساوية،VI /ص 269، 292 الثياب الدبيزية،I /ص 163. الثياب الرفيعة،III /ص 181. ثياب الكتان المزركشة،III /ص 391 ثياب الكمخا،VI /ص 269 ثياب اللاذقية: نسبة إلى مدينة لاذق،II /ص 271. ثياب ماردين،II /ص 143. الثياب المجسدة،VI /ص 442. ثياب مدينة الشاليات،VI /ص 109 ثياب مطرزة بالذهب،II /ص 296 ثياب من الأرمك،VI /ص 232 ثياب من المرعز،II /ص 311 ثياب من الملف،II /ص 311 ثياب من القدسي،II /ص 186- 187، 311، 316 ثياب مصرية،ii /ص 187، 334 ثياب مفرجة حسان مطرزة بالذهب،II /ص 296. ثياب مقدشو،II /ص 181 ثياب الصوف،I /ص 97، ج،II ص 145 ثياب العزاء،VI /ص 302 ثياب غير مخيطة،VI /ص 67. الثياب الفاخرة،II /ص 129، 130. ثياب قطن،I /ص 146، ج،III ص 34، ج،VI ص 117، 437 ثياب السلطان،VI /ص 3

ثياب السواد،II /ص 116 ثياب الوليان،VI /ص 116 ج جياب الملف الحمر،VI /ص 412 جبة،I /ص 351 جبة بيضاء تسمى هزرميخي،II /ص 47. جبة بيضاء قصيرة من ثياب القطن،I /ص 350، 351. جبة صوف،I /ص 51 جبة صوف خضراء بالية،II /ص 241. ثياب قطن خشنة،VI /ص 258 ثياب قطن زرقاء مبطنة،III /ص 448. الجز: نوع من ثياب الحرير المصبوغة،VI /ص 2، 3. الجل: ما تلبسه الدابة لتصان به،III /ص 423 جلود المعزى،VI /ص 226 الجوارب،I /ص 281 خ الخرقة،II /ص 282 خرقة التصوف،I /ص 126 الخلع،I /ص 365 خلع سود،I /ص 364 خلعة من الحرير الأزرق مزركشة بالذهب،I /ص 362. خف مبطن بثوب كتان،II /ص 445 خف من البرغالي (البلغاري،II / (ص 445. خف من صوف،II /ص 445 الخفاف،II /ص 54، ج،VI ص 190، 404

د الدبيزية: ثياب من أرمينية،I /ص 163، درّاعة من المقطع المصري معلمة،II /ص 186 ر رفرف: الحجاب الشفاف الذي يسدل على وجه العروس،III /ص 276. ز الزرد خانة: نوع من الثياب،VI /ص 404 ط طاقيات،II /ص 48، ج،VI ص 219 الطيالسة البيض: ثياب عزاء،VI /ص 302. الطيلسان،VI /ص 410 طيلسان أسود،I /ص 376 ك الكتان الرومي،VI /ص 3 الكلا: شاشية،II /ص 56. الكمخا: ثياب حرير،II /ص 311. الكفن،I /ص 222، ج،II ص 311 كساء الحرير،I /ص 382 كسوة كاملة،II /ص 348 كسوة سوداء،I /ص 141 كسوة سوداء حالكة من الحرير مبطنة بالكتان،I /:ص 402 كسوات،I /ص 85، 159، ج،II ص 117، 121، 292. ل لباس الفتوة: لباسهم الأقبية وفي أرجلهم الأخفاف، وكل واحد منهم متحزم على وسطه سكين، وعلى رؤوسهم قلانس،II /ص 264

اللبد: لباس للمستضعفين،II /ص 37 لقشة: السبنية، قطعة من النسيج تصان فيها الثياب،VI /:ص 142. م المرعز: نوع من الثوب،VI /ص 3. مرقّعة،II /ص 88. المطنفس: جبة حمراء من الثياب الرومية/ ج،VI ص 406. ملاحف حرير،VI /ص 70. ملاحف كتان رقيق،VI /ص 70. الملاحف الصفر،II /ص 161 مناديل حرير،II /ص 130 المنوت: نوع من الثياب الفخمة،II /ص 388. مقيرة (منيرة،VI / (ص 12 مقنعة حرير مزركشة الحواشي بالذهب،II /ص 388. المسوح،II /ص 438 ميئزر أسود،II /ص 36 ن النّخ: ثوب حرير مذهب،II /ص 309 النعال،I /ص 283، ج،II ص 2، 41، 187، 216، 224، جIII ص 428، ج،VI ص 39. نعل مرصع بالجوهر والياقوت،III /ص 306 ص الصّلاحية: صنف من الأثواب،VI /ص 3. صورة الشير: معناه صورة السبع،III /ص 400. ع عباءة صوف،I /ص 92 عباءة صوف الجمال،VI /ص 63. العمائم،I /ص 19، 33، 182، 217، 354، 376 ج،II ص 154، 201

305، 356، 440، ج،III ص 19، 38، 251، ج،VI ص 21، 30، 116، 197، 207، 233، ج،VI ص 407، 408، 414، 415، 431، 443. عمائم كبار،II /ص 188، 272، ج،VI ص 148. عمائم صغرى،VI /ص 71، 97 عمائم قطن،VI /ص 120 عمامة ذات حواشي،VI /ص 404 عمامة لها ذؤابة،II /ص 305 عمامة مصرية معلمة،II /ص 186 عمامة صوف سوداء،I /ص 92، ج،II ص 241. عمامة سوداء،I /ص 376 عصائب،I /ص 110، ج،II ص 161. عصائب حرير ملونة،VI /ص 226، 227 ف فرجيات،VI /ص 219، 220، 221، 278 فرجية مرعز،II /ص 376 فرجية من القدسي مبطنة،II /ص 186. فرجية مصرية من المرعز،VI /ص 187. فروة من جلد الغنم،II /ص 379. فرو القاقم: أحسن أنواع الفراء،II /ص 401، 402. فروة سمور،III /ص 14. فرو السنجاب: وهو فرو لا يدخله القمل،II /ص 402 فوطة: يشدها سكان الهند في أوساطهم،II /ص 199. فوطة حرير،II /ص 187، 188. فوطة خز،II /ص 186. ق قباء: جمعها أقبية،II /ص 235. قباء قدسي أخضر،III /ص 34.

قباء قطن مبطن بالقطن،III /ص 38. قباء من الحرير الملون،II /ص 187. قلانس بيض من الصوف،II /ص 264. القلانس الطوال،II /ص 272. قلنسوة،II /ص 262، 379، ج،III ص 313. قلنسوة لبد،II /ص 164، 215 ج،III ص 38. قلنسوة من الزردخاني،II /ص 264. قميص كتان مزركش بالذهب،III /ص 387 قفاز مرصع بالجوهر،VI /ص 3. القفطان،I /ص 351 س السّبنية منديل يحفظ فيه الثياب،VI /ص 142 السراويل،II /ص 186، 199، 282، 445، ج،VI ص 431، 443 ش الشان باف: نوع من الثياب،VI /ص 3. شاشيات،II /ص 56، ج،III ص 34، ج،VI ص 407. شاشة حرير،I /ص 217. شاشة مذهبة،III /ص 218، 229 ج،VI ص 406 الشواشي المرصعة،VI /ص 308. هـ الهزرميخي: جبة بيضاء،II /ص 47. والوسطانيات لباس بين التحتاني والفوقاني،VI /ص 232.

(19) فهرس المعلومات

(19) فهرس المعلومات أ أبواب المسجد الحرام،I /ص 321، وما بعد. أثر قدم آدم عليه السلام،VI /ص 169، 181. الاجازات الدراسية: سماع ابن بطوطة،I /ص 248. أحجار على صور الآدميين والطيور،III /ص 113. إحرام الكعبة،I /ص 395 وما بعد. إحراق النساء في الهند والصّين،III /ص،VI،137 ص 257 الأحمدية: الطائقة الأحمدية أو الرفاعية بالعراق،II /ص 5، 282، 310. إحياء ليلة عاشوراء،II /ص 319. الأخشبان: جبل أبي قبيس وجبل أبي قعيقعان،I /ص 335. أربعمائة عربة للخاتون،II /ص 413. أرض الظلمة،II /ص 399. آكلو لحم البشر،VI /ص 428. الإمام المنتظر: القصد إلى صاحب الزمان،II /ص 97، 98 امرأة ذات ثدي واحد بمالديف،VI /ص 162. إنشاد الشعراء عند سلطان مالي في يوم العيد،VI /ص 413. أصحاب المكاشفات،I /ص 35، 36، 52. افراج: مجموعة من الخيام،II / ... ص 369، 405 ج،III ص 44، 251، 415 استخارة،I /ص 15 استظهار النساء للقرآن في هنور،VI /ص 65- 66 الأسعار،II /ص 9، 342. أشجار بلاد الهند وفواكهها،III /ص 125 وما بعد. ب البجاة (معلومات،I / (ص 110. البخاري: منافس يصعد منها دخان المواقد،II /ص 337، 338. بربى مدينة أخميم،I /ص 103. بعض المشاهد التي بخارج مكة،I /ص 332، وما بعد. بقية من صليب المسيح في أيا صوفيا،II /ص 435.

ت التتر (معلومات،I / (ص 122، 148 ج،II ص 56، 57، 115، 119، ج،III ص 84، 86، 105، 202، 350، ج،VI ص 258. تخريب دهلي،III /ص 314. ج جامع بني أمية (معلومات،I / (ص 197، وما بعد. الجب الذي ألقي فيه يوسف قرب طبرية،I /ص 132، 133. الجبال التي وضع عليها ابراهيم الخليل الطير،I /ص 337. الجبال المطيفة بمكة،I /ص 365، وما بعد. جبال الملح (معلومات،II / (ص 231. جبل القرود (معلومات،VI / (ص 255. جزيرة سواكن (معلومات،II / (ص 161 وما بعد. الجنائز والماتم،III /ص 383 وما بعد، ج،VI ص 300، 302، 303 الجواسيس،I /ص 112. الجوكية: سحرة يلتحفون بالملاحف،VI /ص 40، ح الحج على الدرب الشامي،I /ص 106. الحجر الأسود،I /ص 313 وما بعد. حجر نزل من السماء،II /ص 306 الحجر والمطاف،I /ص 317، وما بعد الحرافيش: طائفة كبيرة، أهل صلابة وجاه،I / ... ص 86. حيوان الكركدن (معلومات،III / (ص 100، وما بعد. خ خوارزم (معلومات،III / (ص 3. خوارق للطائفة الرفاعية،II / ... ص 5، 6.

د دار ابراهيم بن أدهم: قرب بلخ،III /ص 62، 63. دار أفلاطون: في برغمة،II /ص 315. دجاج الصين،VI / ... ص 256. ر ربوة جبل قاسيون،I /ص 233 ركب الحاج (معلومات،I / (ص 254. ركب الحاج التونسي،I /ص 23. ركب الحاج المغربي،I /ص 13. ركب الحاج العراقي،I /ص 404. رقصة الدراويش،II /ص 261، 262. ز زبيد (نساء،II / (ص 166. ط طريقة دفن القان،VI /ص 300 وما بعد. الطريقة الرفاعية،I /ص 126. القلندرية: يحلقون لحاهم وحواجبهم،I /:ص 404. ظ ظفار: معلومات عن شبه المغاربة بالمنطقة،II /ص 196. ك كتاب بخط عثمان في سيوستان،III /ص 104. كرامات،I /ص 102، 280، 281، 343، 360، 371، ج،II ص 169، 170، 243، ج،III ص 156، 157، ج،VI ص 275 الكنيسة العظمى (معلومات،II / (ص 433.

ل اللاعبون بالنار،II /ص 5. لبس المظلوم ثوبا ذا لون معين ليعرف،III /ص 165. الذي جلب الماء إلى مكة هو الجوبان،II /ص 121. م مبرك ناقة النبي في بصرى،I /ص 288. مبرك ناقة النبي في قباء،I /ص 288. مبرك ناقة صالح قرب تبوك،I /ص 260. المجاورة والمجاورون في المسجد الشريف،I /ص 280، وما بعد. مجلس السلطان محمد شاه،III /ص 217. مجلس السلطان سليمان پادشاه،II /ص 344 وما بعد محراب الصحابة أول محراب وضع،I /ص 203. المدينة المنورة وحديث عن تاريخها،I /ص 263. مكة وحديث عن تاريخها،I /ص 303 الملك المترهب جرجيس،II /ص 441. منبر جامع منفلوط،I /ص 101، 102. مصحف بخط زيد بن ثابت في الكعبة،I /ص 320. مصحف عثمان في مسجد البصرة،II /ص 10، مصحف عثمان في المسجد الأموي،I /ص 202، 203. مصحف علي بن أبي طالب بمصر،I /ص 95. المقام الكريم،I /ص 315 مقدشو (معلومات،II / (ص 180 المسجد الأقصى وقبة الصخرة،I /ص 121، 122 المسجد الحرام (معلومات،I / (ص 305، وما بعد. مسجد حلب (معلومات،I / (ص 152. مسجد دهلي (معلومات،III / (ص 150. مسجد الرسول (ص) والزيادات عليه،I /ص 267، مسجد مدينة الخليل،I /ص 114 وما بعد مشهد رأس الحسين في دمشق،I /ص 307.

مشهد الرضا،III /ص 77. مشهد يونس بالموصل الموصل العراق،II /ص 136- 137 موضع إنشاء سفينة نوح،II /ص 95. موضع موقف النبي حين انشق له القمر،I /:ص 336. الميزاب (معلومات،II / (ص 169- 170. ص صرف النقود،I /ص 403، 426. صنع مشروب فاكهة العلوّ،III /ص 21. صنوب (معلومات،II / (ص 348. الصفا والمروة (معلومات،I / (ص 327 وما بعد. صور يبدأون الوضوء من الرجلين،I /ص 130. صومعة النواقيس،II /ص 358. ع العباسيون،I /ص 98، 207، 363، 365، ج،II ص 172، ج.253،III العربات،II /ص 361، 362. عرس أخت السلطان،III /ص 274. عمرة رجب،I /ص 382. عند الغلاء أكل الناس جلود الخيل،III /ص 372، 373. عسقلان: رأس الحسين بن علي،I /ص 126 غ غرامة مالية،II /ص 373. الغلاء الواقع بأرض الهند،III /ص 372 الغيطات: نوع من المزامير،II /ص 126، 422. ج،III ص 110. ف الفتوة: تنظيم ديني واجتماعي (الأخية،II / (ص 260 وما بعد. الفخار الصيني،VI /ص 256.

ق القاهرة (معلومات،I / (ص 67. قبة الصخرة المثمنة الشكل،I /ص 122. قبر بن ملجم غربي مقبرة الكوفة،II /ص 96. قبر أبي عبيدة بن الجراح،I /ص 129. قبر بلال مؤذن الرسول (ص) بدمشق،I /ص 222. قبر خالد بن الوليد خارج حمص،I /ص 141. قبر الزمخشري في خوارزم،III /ص 6. قبر معاوية بن أبي سفيان في دمشق،I /ص 222. قبر صالح عليه السلام في عكة،I /ص 130. قبر فاطمة بنت الحسين بن علي،I /ص 118، 119. قبر قازان ملك العراق،II /ص 129. قبر يونس في الطريق إلى القدس،I /ص 120. القرم (معلومات،II / (ص 359. القرندرية: طائفة يحلق أتباعها لحاهم،I /ص 61. قطعة من قصعة الرسول والميل الذي كان يكحل به والدّرفش الذي كان يخصف به نعله بدير الطين بمصر،I /ص 94، 95 قلعة الحدباء (معلومات،II / (ص 135. قصطمونية (معلومات،II / (ص 341. القسطنطينية (معلومات،II / (ص 445 وما بعد. قونية (معلومات،II / (ص 281. س السحر (معلومات،II / (ص 5، ج،VI ص 37 وما بعد. 290، 291. سد ياجوج وماجوج بالصين،VI /؟ ص 274. السرا،II /ص 446 وما بعد. سلطان اكريدور (تاريخ،II / (ص 267. سلطان انطالية (تاريخ،II / (ص 265. سلطان بركي (تاريخ،II / (ص 298. سلطان برصي (تاريخ،II / (ص 321

سلطان برغمة (تاريخ،II / (ص 316. سلطان بلى كسرى (تاريخ،II / (ص 317. سلطان بغداد (تاريخ،VI / (ص 314 سلطان جزيرة سواكن (تاريخ،II / (ص 162. سلطان كردي بولي (تاريخ،II / (ص 339. سلطان لاذق (تاريخ،II / (ص 275. سلطان اللارندة (تاريخ،II / (ص 284. سلطان ماردين (تاريخ،II / (ص 144. سلطان المغرب (تاريخ،VI / (ص 337. سلطان مغنيسية،II /ص 313. سلطان ميلاس (تاريخ،II / (ص 279. سلطان الصين والخطا الملقب بالقان،VI /ص 296. سلطان العراقين العرب والعجم،II /ص 114. السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي،III /ص 183 وما بعد. سلطان قل حصار (تاريخ،II / (ص 270. سلطان قصطمونية (تاريخ،II / (ص 343. سلطان القسطنطينية (تاريخ،II / (ص 427. سلطان هرات (تاريخ،III / (ص 64. سمرقند خوارزم،III /ص 51، 52. سعر الجارية الرومية البكر أربعون دينارا،II /ص 309 سفر السلطان محمد أوزبك (تقاليد،II / (ص 381. ش شجرة درخت،VI /ص 85. ص 183. الشكال: مطر يهطل إبان القيظ،II /ص 6. شعائر الحج الوقوف بعرفات،I /ص 395. وما بعد. شيراز (معلومات،II / (ص 52. ووصف نساء هنور،VI /ص 65- 66

(20) فهرس الأسواق

(20) فهرس الأسواق الأسواق أ أسواق أرزنجان،II /ص 294 أسواق اكريدور،II /ص 266. أسواق أماصية،II /ص 292. أسواق أنطالية،II /ص 259. أسواق اسنا،I /ص 108. أسواق أسيوط،I /ص 103. أسواق آوجه،III /ص 115 ب أسواق بخارى،III /ص 22. أسواق بغداد،I /ص 98، ج،II ص 108. أسواق بيانة،VI /ص 5. أسواق بيروت،I /ص 133. ت أسواق ترمذ،III /ص 56. أسواق تكريت،II /ص 133. أسواق تيزين،I /ص 161. ج الأسواق الجامعة،II /ص 23. أسواق جرون،II /ص 230. أسواق جناني،III /ص 101. أسواق جنديري،VI /ص 41.

ح أسواق مدينة الحاج ترخان،II /ص 411. أسواق حلب،I /ص 151 أسواق الحلّة،I /ص 151 أسواق حمص،I /ص 140. خ أسواق خوارزم،III /ص 3. د أسواق دمشق،I /ص 134، 136 ط أسواق طرابلس،I /ص 138. ل أسواق لاذق،II /ص 271. م أسواق مالقة،VI /ص 366. أسواق المنصورية،I /ص 142. أسواق مشهد علي،I /ص 414. أسواق موري،VI /ص 27 أسواق الموصل،II /ص 135. ن أسواق نزوا،II /ص 227 أسواق نيسابور،III /ص 80.

ع أسواق عجلون،I /ص 129. ف أسواق فندرينا،VI /ص 88. ق أسواق قلهات،II /ص 225. أسواق قنا،I /ص 106. أسواق قوص،I /ص 106 أسواق قوقة،VI /ص 60. س أسواق سبرتا،II /ص 266. أسواق السرا،II /ص 447. أسواق سردانية،VI /ص 331. أسواق سيواس،II /ص 289. ش أسواق شيراز،II /ص 52، 85.

السوق

السوق أ السوق الأعظم،II /ص 97. ب سوق باب البريد،II /ص 53. سوق البزّازين،I /ص 208، 329. سوق البقالين،I /ص 414. سوق بين الصفا والمروة،I /ص 373. ث سوق الثلاثاء،II /ص 108. ج سوق الجوهريين،I /ص 99، ج،II ص 129. خ سوق الخبازين،I /ص 414. سوق الخياطين،I /ص 414. سوق الخيل،II /ص 343. ر سوق ربض الصالحية،I /ص 230. ز سوق زيلع،II /ص 180. ط سوق الطباخين،I /ص 414. سوق طرب آباد،VI /ص 50

ك سوق كبار الشهود،I /ص 208 سوق الكتاب،II /ص 443. سوق الكتبيين،I /ص 208. سوق المغنّيين،VI /ص 50. سوق المسك،II /ص 130. سوق مسيرة الأربعين يوما،III /ص 192. سوق النقاشين،VI /ص 262. ص سوق صناع الزجاج،I /ص 208. ع سوق العطارين،I /ص 329، 414. ج،II ص 435. سوق العنبر،II /ص 130. ف سوق الفاكهة،I /ص 414. ج،II ص 53. سوق الفخار،VI /ص 272. ق سوق قازان،II /ص 129. سوق القيسارية،I /ص 414. س سوق سماط الصفارين،I /ص 206. سوق السقاطين،I /ص 206. سوق الشماعين،I /ص 209 سوق الوراقين،I /ص 208.

(21) فهرس الحصون

(21) فهرس الحصون أ حصن أبي بكر،III /ص 135. حصن الأكراد،I /ص 140. ب حصن بغراس،I /ص 163. ف حصن الفتح،VI /ص 359. ذ حصن ذكوان،VI /ص 373. ر حصن رابطة سهيل،VI /ص 365. ط حصن طواس،II /ص 277. ك حصن كاليور،III /ص 188، 194، 333. حصن الكرك،I /ص 183، 255. حصن كرماش،III /ص 90. حصن كنبيل،III /ص 346. حصن الكهف،I /ص 166.

م حصن المرقب،I /ص 183. حصن مصياف،I /ص 166. حصن المعشوق،I /ص 132. حصن مسلمة بن عبد الملك،II /ص 419. حصن مهتولي،II /ص 418. حصن المينقة،I /ص 166. ع حصن العلّيق،I /ص 166. غ حصن الغراب،I /ص 255، 289. ف حصن فيد،I /ص 409 ق حصن القدموس،I /ص 166 حصن القصير،I /ص 165. س حصن سهيل،VI /ص 365. ش حصن الشّغربكاس،I /ص 165. هـ حصن هركاتو،VI /ص 188.

الحصون

الحصون ج حصون جزيرة سردانية،III /ص 331. الحصون التي فتحها السلطان محمد سبكتكين،III /ص 88. حصون الفداوية،I /ص 172. حصون سلطان برصى،II /ص 322.

(22) فهرس الزوايا والرباطات

(22) فهرس الزوايا والرباطات خ خان الحديد،II /ص 133 الخانقاه البيبرسية،I /ص 256 الخانقاه الخاتونية،I /ص 212 خانقاه صلاح الدين بن أيوب،I /ص 256 خانقاه سعيد السعداء،I /ص 256. خانقاه الشميعانية،I /ص 210 ر رابطة الخضر وإلياس،II /ص 19، 349 رابطة العقاب بالأندلس،VI /ص 372 رباط بلخ،III /ص 61 رباط تاج الدين بن حناء،I /ص 94، 95. رباط ربيع،I /ص 360 رباط الرواق: رباط فيه آلاف من الفقراء،II /ص 4 رباط كلالة،I /ص 361 رباط مالك بن دينار (البصرة،II / (ص 8 رباط محمد شاه ينجو في يزد خاص،II /:ص 51 رباط الموفق،I /ص 325 رباط الفتح،II /ص 432، ج،III ص 59 رباط فيه بيوت كثيرة ومقاصير،II / ... ص 137 رباط عبادان،II /ص 18 ز زاوية ابراهيم (الشيخ،VI / (ص 332 زاوية ابراهيم بن أدهم،I /ص 176 زاوية الابراهيمي،I /ص 140

زاوية ابن قلم شاه،II /ص 281 زاوية أبي إسحاق (الشيخ،II / (ص 89 زاوية أبي حنيفة (الإمام،II / (ص 112 زاوية أبي محمد بن أبي بكر بن عيسى،II /ص 201، 202 زاوية أبي صير،VI /ص 322 زاوية أبي العباس بن عبد الظاهر،I /ص 104 زاوية أحد الفتيان الأخية،II /ص 270، 278، 326، 333، 337 زاوية أحمد الرفاعي،I /ص 224 زاوية الأخي،II /ص 295، 328 زاوية الأخي مجد الدين،II /ص 293 زاوية أطا أولياء أبو الأولياء،III /:ص 86 زاوية أطا رجل صالح معمر،III /ص 2 زاوية الأطروش (الشيخ،II / (ص 341 زاوية أمروها،III /ص 437 زاوية الأفرم،I /ص 107 زاوية الأقصر،I /ص 107 زاوية الأقصري (أبو الحجاج،I / (ص 107 زاوية إسماعيل الأفغاني،III /ص 90 زاوية أسنا،I /ص 108 زاوية باسم الدينوري،II /ص 30 زاوية برج بوره،VI /ص 23 زاوية برهان الدين إبراهيم الأندلسي،I /ص 107 زاوية برهان الدين الكازروني،VI /ص 271 زاوية برهان الدين الصاغرجي،VI /ص 221 زاوية بكرك نوح،I /ص 133 زاوية الحبشي،II /ص 349، 350 زاوية البسطامي (أبو يزيد،III / (ص 82 زاوية بشير سياه: أحد شيوخ الفقراء،III /ص 83 زاوية تلكتمور (الأمير،II / (ص 366 زاوية أبي عبيدة الجراح،I /ص 129 زاوية جلال الدين الرومي،II /ص 282

زاوية جلال الدين السمرقندي،III /ص 6 زاوية جمال الدين الساوي،I /ص 61 زاوية حبيب النجار (الزاوية التي على قبره،I /: (ص 162 زاوية حسين النائب (الشريف،II / (ص 286 زاوية خالد بن الوليد (الزاوية التي على قبره،I /: (ص 141 زاوية خواجة،II /ص 50 زاوية خواجة إسحاق،VI /ص 57 زاوية خواجة الكوفي،II /ص 50 زاوية الدينوري،II /ص 30 زاوية رجب النهر ملكي (الشيخ،II / (ص 369 زاوية ركن الدين بن بهاء الدين،III /ص 303 زاوية الروضة المقدسة بكربلاء،II /ص 69 زاوية زادة الخراساني (الشيخ،II / (ص 359 زاوية كشلوخان،III /ص 115 زاوية اللاذقية،I /ص 180 زاوية محمد (أبو دلف،II / (ص 240 زاوية محمد البطائحي،II /ص 375 زاوية محمد المهروي،III /ص 85 زاوية محمد الناقوري،VI /ص 66 زاوية مرزوق (الشيخ،I / (ص 57 زاوية المرشدي (أبو عبد الله،I / (ص 47 زاوية المصريين (زاوية لبعض المصريين،VI / (ص 322 زاوية المسجد الأقصى،VI /ص 321 زاوية الجب،I /ص 133 زاوية نجم الدين الكبرى،III /ص 6 زاوية نجيب،VI /ص 138 زاوية نظام الدين،II /ص 449 زاوية نظام الدين البذاوني،III /ص 160 زاوية نعمان الدين الخوارزمي،II /ص 449 زاوية صرماء،II /ص 51 زاوية صهيون: بخارج مدينة صهيون،I /ص 166

زاوية عثمان المرندي،III /ص 105 زاوية العثمانية،VI /ص 286 زاوية عز الدين أخي جلبي،II /ص 349 زاوية عزيزان،III /ص 57 الزاوية العظمى التي على غدير الحمّص بفاس،VI /ص 352 زاوية عظيمة،II /ص 347 زاوية عكاشة بن محصن الأسدي،III /ص 62 زاوية علي بن أحمد (أبو الحسن،V / (ص 373 زاوية علي بن سهل: تنسب له،II /ص 46 زاوية عمر (أبو علي،VI / (ص 372 زاوية عمر بن محمد بن المحروق،VI /ص 372 زاوية الفتى أخي جاروق،II /ص 287 زاوية الفتى أخي جلبي،II /ص 291 زاوية الفتى أخي طومان،II /ص 295 زاوية الفتى أخي محمد،II /ص 308 زاوية الفتى أخي علي،II /ص 280 زاوية الفتى الأخي علي (الأمير،II / (ص 288 زاوية الفتى أخي سنان،II /ص 273، 317 زاوية الفتى أخي شمس الدين،II /ص 318 زاوية فخر الدين (الشيخ،II / (ص 347 زاوية فخر الدين بن شهاب الدين الكازروني،VI /:ص 103 زاوية للفقراء،II /ص 332 زاوية فقير من الأحمدية،II /ص 315، 316 زاوية قازان،II /ص 129 زاوية قالقوط،VI /ص 103 زاوية قتم بن العباس،III /ص 258 زاوية النيسابوري (قطب الدين،III / (ص 81 زاوية قوص،I /ص 108 زاوية سرياقص: بناها الملك الناصر،I /ص 84 زاوية السعدي (الشيخ) شيراز،II /ص 87 زاوية سيف الدين الباخرزي (الشيخ،III / (ص 27

زاوية شمس الدين،II /ص 319 زاوية شهاب الدين بن الصبّاغ،I /ص 103 زاوية شهاب الدين بن عبد الغفار،I /ص 106، 107 زاوية شير سياه،III /ص 83 زاوية للواردين،II /ص 318 زاوية يعقوب (الشيخ،II / (ص 310 زوايا مصر،I /ص 71

(23) فهرس القصور

(23) فهرس القصور أ القصر الأحمر،III /ص 273 ب قصر برصيص،I /ص 391 ت قصر تلبت،III /ص 391 د قصر دارسرا،III /ص 217 قصر دولة خانة القصر القديم،III /ص 166 ز قصر الزعافية،I /ص 27 ط قصر الطون طاش: بمدينة السرا،II /:ص 448 ك قصر كبير،I /ص 413، ج،II ص 107 قصر الكشك: قصر سلطاني،III /ص 212، 213 م قصر الملك،II /ص 425

س قصر سرگ دوار: معناه شبيه الجنة،III /ص 295 قصر سلطان مالي،VI /ص 409 قصر سلطان الصين،VI /ص 297 قصر قندهار،VI /ص 58 غ قصور غرناطة،VI /ص 368 س قصور سرت،I /ص 26

(24) فهرس القلاع

(24) فهرس القلاع أ قلعة بردور،II /ص 265 قلعة برلو،II /ص 327 ت قلعة تكريت،II /ص 133 ح قلعة الحدباء،II /ص 135 قلعة حلب،I /ص 170، ج،II ص 144 قلعة حصن الكرك،I /ص 183 د قلعة دارا،II /ص 142، 143 قلعة دمشق،VI /ص 24 قلعة الدويقير،III /ص 369، ج،VI ص 47 ر قلعة رأس جبل شاهق،ii /ص 265 قلعة رحبة مالك بن طوق،I /ص 248 م قلعة ماردين،II /ص 143 ص قلعة صهيون،I /ص 166

ع قلعة عجلون المسماة بالقلعة الخطيرة،I /ص 129 القلعة العظيمة التي في برغمة،II /ص 315 قلعة العلايا،II /ص 257 غ قلعة غزنة،III /ص 89 قلعة غير عامرة،VI /ص 179 س قلعة سبرتا،II /ص 266 ش قلعة الشهباء بحلب،I /ص 147، 148، ج،II ص 143 ي قلعة يزمير،II /ص 310

(25) فهرس الأديرة والكنائس والمارستانات

(25) فهرس الأديرة والكنائس والمارستانات أ بدخانة (بيت الأصنام،VI / (ص 126 البرابي: جمع بربى مقبرة ومعبد فرعوني،I /ص 80 أديرة ف دير الفاروص،I /ص 182 ك كنائس مدينة فنيكة،VI /ص 420 كنائس الرهبان،II /ص 440 كنائس العجائز والقواعد من النساء،II /ص 440 كنائس أ كنيسة أيا صوفيا،II /ص 433 كنيسة أيا سلوق،II /ص 308 ب كنيسة بأرض المسلمين،VI /ص 2 كنيسة بطن وادي جهنم،I /ص 124 كنيسة بيت إلاهية،I /ص 237 ر كنيسة الروم،II /ص 308، 434

ز كنيسة الزيتون (مدينة الزيتون،VI / (ص 182 ك كنيسة الكفار،VI /ص 202 م كنيسة مختصة بالنساء،II /ص 436 ص كنيسة صين كلان،VI /ص 272 ع الكنيسة العظمى،II /ص 442 كنيسة عظيمة لها تسعة أبواب،VI /ص 272 كنيسة عظيمة فيها نحو الألف من البراهمة،VI /ص 184 ف كنيسة في بستان،II /ص 440 كنيسة في جزيرة صغيرة سندابور،VI /:ص 62 ق كنيسة القدس،I /ص 124 كنيسة قرب الكرش،II /ص 355 الكنيسة العظمى (قمامة،II / (ص 442 المنانستارات ج مانستار جرجيس،II / (MONASTERE) ص 437

مانستار (دير) خارج الكنيسة العظمى،II /ص 437 ر مانستار الرجال،II /ص 437 ن مانستار النساء،II /ص 437 ع مانستاران عن يسار الداخل إلى الكنيسة العظمى،II /:ص 438 ي مانستاران يشقهما نهر،II /ص 439

(26) فهرس المدارس

(26) فهرس المدارس المدارس أ مدارس انطالية،II /ص 259 مدارس اسنا،I /ص 108 ب مدارس بخارى،III /ص 22 مدارس بلخ،III /ص 59 مدارس بغداد،II /ص 105، ج،III ص 80 ح مدارس حلب،I /ص 152 خ مدارس خراسان،III /ص 80، ج،VI ص 352 د مدارس دمشق،III /ص 80 مدارس مصر،I /ص 70، ج،III ص 80، ج،VI ص 352 ن مدارس نيسابور،III /ص 80 ع مدارس العراق،VI /ص 352

مدرسة

مدارس العراقين،III /ص 80 ق مدارس قوص،I /ص 106 ش مدارس الشام،VI /ص 352 مدرسة أ مدرسة ابن منجا،I /ص 230 مدرسة أبي عمر: بالصالحية،I /ص 230 مدرسة أمراء بني حمدان،I /ص 152 ت مدرسة تقي الدين ابن السراج،I /ص 105 ح مدرسة ابن الكولمي (اسكندرية،III / (ص 364 خ مدرسة الخطيب بأخميم،I /ص 104 د مدرسة دار السيادة،II /ص 289 ظ المدرسة الظاهرية،I /ص 218

ك المدرسة الكبرى البوعنانية (فاس،VI / (ص 352 مدرسة الكتبيين،I /ص 20 مدرسة كريوا الرخ،II /ص 42 م مدرسة المالكية،I /ص 107 مدرسة المجدية،II /ص 54 مدرسة المظفرية،I /ص 350، 355، 356، 359، ج،II ص 150 مدرسة المستنصرية،II /ص 108، 269 مدرسة تستر،II /ص 25 ن مدرسة النجمية،I /ص 221 مدرسة النجف،I /ص 415 مدرسة النظامية،II /ص 108 مدرسة النورية،I /ص 221 ص مدرسة الصمصامية،I /ص 220 ض مدرسة الضّياف،i /ص 418 ع مدرسة العادلية،I /ص 218، 219 مدرسة أبي الحسن بمراكش،VI /ص 375

المدرسة الفلكية تبريز،III /ص 394 مدرسة كربلاء،II /ص 99 مدرسة في سوق الخيل بقصطمونية،II /ص 342، 343 مدرسة في شيراز،II /ص 79 مدرسة في هلافيجان،II /ص 39 مدرسة في واسط،II /ص 3 س مدرسة السلاطين،II /ص 41 مدرسة السلطان نور الدين،I /ص 220 مدرسة السلطان يوسف بن رسول،II /ص 342 المدرسة السيفية بأقنا،I /ص 106 ش مدرسة الشافعية،I /ص 209 مدرسة الشّرابشيّة،I /ص 187، 221 مدرسة شمس الدين السمناني،II /ص 88

(27) فهرس المشاهد والمزارات والمقابر

(27) فهرس المشاهد والمزارات والمقابر أ بئر أريس،I /ص 289 بيت سيّدنا نوح في الكوفة،II /ص 95 بيت فاطمة بنت الرسول (ص،i / (ص 289 ت تربة زين العابدين على بن الحسين،II /ص 25 تربة لوط،I /ص 117، 118 تربة عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب،I /ص 287 تربة سيدنا يونس،I /ص 120 د دار ابراهيم بن ادهم: ببلخ،III /ص 62 دار أبي بكر،I /ص 265 دار حفصة،I /ص 272 دار مروان،I /ص 272 دار عبد الله بن عمر،I /ص 265 دار علي بن أبي طالب: في الكوفة،II /ص 95 دار عمر بن الخطاب،I /ص 265 دار عمر بن عبد العزيز،I /ص 210 دور لأبي بكر وعمر وفاطمة وعائشة،I /ص 289 ر الروضة المقدسة: حيث قبر النبي وصاحبيه،I /ص 262 م متعبد ابراهيم بن أدهم،I /ص 185

متعبد ادريس في الكوفة،II /ص 95 محراب ادريس في الكوفة،II /ص 95 محراب علي بن أبي طالب: في الكوفة،II /ص 94 مدفن الملوك،II /ص 38 مزار تربة السيدة نفيسة،I /ص 75 مزار الحجون قرب مكة،I /ص 332 مزار الحسين،I /ص 75 مزارات حول مكة،I /ص 332 وما بعد، ص 335 وما بعد مزار الخضر وإلياس،II /ص 232 مزار الإمام محمد بن إدريس الشافعي،I /ص 76 مزار قبة حجر الزيوت،I /ص 289 مزارات قرافة مصر،I /ص 74 مزار الشيخ سعيد المكي،III /ص 86 مزار شطا،I /ص 65 مصلى ابراهيم الخليل (في الكوفة،II / (ص 94 مصلى الخضر (في جبل قاسيون،I / (ص 234 مصعد عيسى بالقدس الشريف،I /ص 124 مقام المنية،I /ص 65 مقبرة الاسكندرية،I /ص 30 مقبرة دمشق،I /ص 221 مقبرة دمياط،I /ص 63 مقبرة مدينة مالّي،VI /ص 397 المقبرة العتيقة،I /ص 233 مقبرة السلطان قطب الدين،III /ص 428، 431 مشهد الإمام ابن خفيف،II /ص 78، 79 مشهد أحد،I /ص 290 مشهد أحمد بن موسى أخي الرضا،II /ص 77 مشهد أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب،I /ص 225 مشهد بقيع الغرقد،I /ص 286 مشهد جرجيس،II /ص 136

مشهد الحسين،I /ص 211، ج،II ص 12، 99 مشهد الحسين بن علي في عسقلان،I /ص 126 مشهد الخليل عليه السلام،I /ص 148 مشهد رأس الحسين (في دمشق بالجامع،I / (ص 207 مشهد الرضى (علي بن موسى الرضى،III / (ص 77 مشهد روزبهان البقلي (القطب،II / (ص 83 مشهد الزبير بن العوام،II /ص 14، ج،VI ص 312 مشهد زركوب (الشيخ،II / (ص 84 مشهد طلحة بن عبيد الله (في البصرة،II / (ص 13، ج،VI ص 312 مشهد بركة المرجوم،I /ص 411 مشهد مغارة الدم: القصد إلى دم هابيل،I /ص 231 المشهد المقدس (حيث رأس الحسين بن علي،I /ص 75، 126 مشهد صاحب الزمان (المهدي المنتظر،II / (ص 97، 98، 132، ج،VI ص 312 مشهد عثمان،I /ص 211 مشهد علي،II /ص 125، 211، ج،VI ص 312 مشهد عمر،I /ص 211 مشهد الغار الذي ولد فيه ابراهيم الخليل،I /:ص 231 مشهد قباء،I /ص 288 مشهد قبة الوحي،I /ص 326 موضع إنشاء سفينة نوح،II /ص 95 موضع عريش الرسول (ص) ببدر،I /ص 296 ق قبر ابراهيم عليه السلام وزوجته،I /ص 115، 116، 117، 231 قبر إبراهيم بن أدهم،I /ص 173، 176 قبر إبراهيم بن محمد رسول الله (ص،I / (ص 286 قبر الشقيّ ابن ملجم،II /ص 96 قبر ابن العميد: قاضي،I /ص 64 قبر إبني عبد الحكم،I /ص 76 قبر أبي بكرة،II /ص 14، ج،VI ص 312

قبر أبي بن كعب،I /ص 323 قبر أبي جعفر المنصور الخليفة،I /ص 331 قبر أبي حنيفة: قرب الرصافة،II /ص 112 قبر أبي الحسن الشادلي،I /ص 40 قبر أبي الدرداء،I /ص 225 قبر أبي رهم،III /ص 87 قبر أبي لهب وزوجته حمالة الحطب،I /ص 333 قبر أبي عبيدة بن الجراح،I /ص 129 قبر أبي القاسم بن شعبان،I /ص 76 قبر الفقيه أحمد معلم جلال الدّين،II /ص 284 قبر أحمد بن حنبل (أبو عبد الله،II / (ص 113 قبر أحمد الرفاعي (أبو العباس،II / (ص 4، ج،VI ص 4 قبر آدم،I /ص 336، 416 قبر أم بن بطوطة (طنجة،VI / (ص 353 قبر أم حبيبة بنت أبي سفيان (أم المؤمنين،I / (ص 222 قبر أم الدرداء،I /ص 225 قبر أم الزبير بن العوام: قرب المدينة،I /ص 286 قبر السيدة أم كلثوم،I /ص 226 قبر أم مريم،I /ص 226 قبر الأمين،II /ص 199 قبر أنس بن مالك،II /ص 14، ج،VI ص 312 قبر أصبغ بن الفرج (القرافة،I / (ص 76 قبر الأقصري (أبو الحجاج،I / (ص 107 قبر إسحاق عليه السلام وزوجته،I /ص 115، 116، 117 قبر إسماعيل في مكة،I /ص 312 قبر أشهب بن عبد العزيز،I /ص 76 قبر أويس القرنيّ،I /ص 222 قبر البخاري (الإمام أبو عبد الله،III / (ص 28 قبر بختيار الكعكي،III /ص 156 قبر بلال الحبشي،I /ص 222، ج،II ص 350 قبر البسطامي (أبو يزيد،III / (ص 82

قبر بشر الحافي،II /ص 113 قبر ثابت البناني،VI /ص 113 قبر الجواد عليه السلام،II /ص 108 قبر حبيب النجار،I /ص 162 قبر حبيب العجمي،II /ص 15، ج،VI ص 312 قبر حزقيل عليه السلام،III /ص 62 قبر حليمة السعدية أم الرسول (ص،II / (ص 14، ج،VI ص 312 قبر حمزة عم الرسول (ص،I / (ص 290 قبر الحسن والعباس عليهما السلام،I /ص 287 قبر الحسن بن أبي الحسن البصري،II /ص 15 قبر الحسن بن علي بن أبي طالب قرب المدينة،I /:ص 287 قبر الحسن البصري،VI /ص 312 قبر خالد بن الوليد،I /ص 141 قبر خديجة أم المؤمنين،I /ص 330 قبر الخرّقاني (أبي الحسن،III / (ص 82 قبر الخولاني (أبو مسلم،I / (ص 226 قبر الداراني (أبو سليمان،I / (ص 226 قبر دانيال (ولي صالح،I / (ص 242 قبر داوود الطائي،II /ص 113 قبر ذي الكفل،I /ص 231 قبر رابعة البدوية،I /ص 124 قبر الراضي،II /ص 112 قبر الراشد،II /ص 112 قبر رسلان: عرف بالباز الأشهب،I /ص 223 قبر الرسول محمد (ص،I / (ص 39، ج،VI ص 325 قبر روبيل عليه السلام،I /ص 132 قبر الزبير بن العوام،VI /ص 312 قبر زكرياء،I /ص 204 قبر زيد بن أرقم الأنصاري،II /ص 92 قبر زيد بن ثابت الأنصاري،II /ص 92 قبر الطايع الخليفة،II /ص 112

قبر الظاهر الخليفة،II /ص 112 قبر الظاهر (الملك) المدرسة الظاهرية،I /ص 218 قبر الكازروني (أبو إسحاق،II / (ص 88 قبر كعب الأحبار،I /ص 222 قبر اللخمي المالكي (أبو الحسن،I / (ص 23 قبر مالك بن أنس،I /ص 286 قبر مالك بن دينار البصرة،II /ص 15، ج،VI ص 312 قبر المتقي الخليفة،II /ص 112 قبر المتوكل الخليفة،II /ص 112 قبر محمد بن ادريس الشافعي (أبو عبد الله،I /: (ص 76 قبر محمد بن سيرين،II /ص 15 ج،VI ص 312 قبر محمد بن واسع،II /ص 15 ج،VI ص 312 قبر محمود بن عمر الزمخشري (أبو القاسم،III /: (ص 6 قبر محمود بن سبكتكين (السلطان،III / (ص 88 قبر المختار بن أبي عبيد،II /ص 96 قبر مرزوق،I /ص 56 قبر مريم عليها السلام،I /ص 124 قبر المطيع،II /ص 112 قبر المكتفي،II /ص 112 قبر المنتصر،II /ص 112 قبر معاذ بن جبل،I /ص 129 قبر معاوية،I /ص 222 قبر المعتز،II /ص 112 قبر المعتمد،II /ص 112 قبر المعتصم،II /ص 112 قبر المعتضد،II /ص 112 قبر معروف الكرخي،II /ص 107 قبر المقتدر،II /ص 112 قبر المسترشد،II /ص 112 قبر المستظهر،II /ص 112 قبر المستكفي الخليفة،II /ص 112

قبر المستنجد،II /ص 112 قبر المستنصر،II /ص 112 قبر المستضيء،II /ص 112 قبر المستعصم،II /ص 112 قبر المستعين،II /ص 112 قبر مسلم بن عقيل بن أبي طالب،II /ص 95 قبر المهتدي،II /ص 112 قبر المهدي،II /ص 111 قبر موسى عليه السلام،I /ص 227 قبر موسى الكاظم بن جعفر الصادق،II /ص 108 قبر الناصر،II /ص 112 قبر ناصر الدين بن عين الملك،VI /ص 45 قبر نوح،I /ص 416 قبر نور الدين الكرلاني،III /ص 156 قبر صالح،I /ص 130 قبر بنت عبد المطلب،I /ص 286 قبر عاتكة بنت الحسين،II /ص 96 قبر العاشقين،VI /ص 45 قبر العباس بن عبد المطلب،I /ص 227 قبر عبد الرحمن بن القاسم،I /ص 76 قبر عبد الرحيم القناوي (الشريف،I / (ص 106 قبر عبد الله بن ذي الجناحين،I /ص 227 قبر عبد الوهاب (أبو محمد،I / (ص 76 قبر عتبة الغلام،II /ص 15 قبر عثمان بن عفان (أبو عمر،I / (ص 288 قبر عثمان المرندي،III /ص 105 قبر عز الدين القلانسي،I /ص 243 قبر عكّاشة بن محسن الأسدي،III /ص 62 قبر علاء الدين الكرماني،III /ص 156 قبر علي بن أبي طالب،I /ص 415، 416، 417

قبر علي بن موسى الرضى،I /ص 442 قبر عمر بن عبد العزيز،I /ص 145 قبر عقيل بن أبي طالب،I /ص 287 قبر عون (من أولاد علي بن أبي طالب،II / (ص 108 قبر عيسى،I /ص 124 قبر عيسى البدوي،I /ص 166 قبر الغزالي (الإمام أبو حامد،III / (ص 77 قبر فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب،I /:ص 288 قبر فاطمة بنت الحسين عليهما السلام،I /ص 118، 119 قبر فاطمة بنت محمد رسول الله (ص،I / (ص 265 قبر فريد الدين البذاوني (القطب،III / (ص 136 قبر فضالة بن عبيد،I /ص 225 قبر القادر الخليفة،II /ص 112 قبر قازان (ملك العراق،II / (ص 129 قبر القاهر الخليفة،II /ص 112 قبر القائم الخليفة،II /ص 112 قبر قتم بن العباس بن عبد المطلب،III /ص 52 قبر الساحلي الغرناطي المعروف بالطويجن،VI /ص 431 قبر سارة،I /ص 117 قبر سالار عود،III /ص 355، 356، 444 قبر سراج الدين بن الكويك،VI /ص 431 قبر سري السّقطي،II /ص 113 قبر سكينة بنت الحسين بن علي،I /ص 226، ج،II ص 96 قبر سليمان عليه السلام،I /ص 132 قبر سعد بن عبادة،I /ص 235 قبر السعدي شاعر شيراز،II /ص 87 قبر سهل بن حنظلية،I /ص 225 قبر سهل بن عبد الله التسترى،II /ص 15، ج،VI ص 312 قبر سيف الدين الباخرزي (الشيخ،III / (ص 27 قبر الشاذلي (أبو الحسن،I / (ص 109، ج،II ص 253 قبر الشّبلي (أبو بكر،II / (ص 113

قبر شعيب عليه السلام وبثينة زوجة موسى،I /ص 132 قبر هاجر،I /ص 313 قبر الهادي الخليفة،II /ص 111 قبر هارون الرشيد،III /ص 79 قبر هود،I /ص 205 ج،II ص 203، 204 قبر واثلة بن الأسقع،I /ص 225 قبر الواثق الخليفة،II /ص 112 قبر يعقوب عليه السلام وزوجته،I /ص 115، 116، 117 قبر يهودا،I /ص 132 قبر يوسف،I /ص 117 قبر يوسف (أبو يعقوب،I / (ص 133 قبور أمهات المؤمنين،I /ص 287 قبور الخلفاء ببغداد،II /ص 111 قبور الخلفاء العباسيين،II /ص 111 قبور رجال صالحين،III /ص 157 قبور المهاجرين،I /ص 332 قبور الصالحين والعلماء،II /ص 113 قبور السلاطين،II /ص 41 قدم آدم عليه الصلاة والسلام (سيلان،VI / (ص 181

(28) فهرس المساجد والجوامع

(28) فهرس المساجد والجوامع جامع أ جامع الأبنوس،II /ص 157 الجامع الأبيض،I /ص 128 الجامع الأزهر،I /ص 93 ب جامع بني أمية،I /ص 197، 244، 248 جامع بيروت،I /ص 133 ج الجامع الجديد،II /ص 136 ح جامع حلى،II /ص 163 جامع حمص،I /ص 141 خ جامع الخليفة،II /ص 109 د جامع دهلي،III /ص 150، 179 ر جامع الرصافة،II /ص 111

جوامع

ز جامع الزيتونة،I /ص 22 م جامع مالقة،VI /ص 367 الجامع المظفري،I /ص 250 جامع المكرم،I /ص 243 جامع ملتان،III /ص 202 جامع المنصور (الخليفة،II / (ص 107 ن جامع النيرب،I /ص 226 ص جامع صنعاء،II /ص 177 ف جامع فندرينا،VI /ص 88 ق جامع قاسيون،I /ص 233 س جامع السلطان،II /ص 111 جوامع أ جوامع أسنا،I /ص 108

مساجد

ع جوامع عظمى متفرقة،I /ص 22، ج،II ص 54، 266، ج،III ص 166 مساجد ب مساجد برجين،II /ص 280 مساجد بغداد،II /ص 105 ت مساجد تكريت،II /ص 133 مساجد تيزين،I /ص 161 ج مساجد جامعة متفرقة،I /ص 236، 237، 245، ج،II ص 26، 51، 58، 83، 130، 135، 141، 259، 260، 267، 280، 308، 347، 360 ج III ، ص 153، 155، ج،VI ص 273، 286 مساجد جبل الفتح،VI /ص 359 مساجد جزائر ديبة المهل (جزر المالديف،VI / (ص 115 مساجد جزيرة كنلوس،VI /ص 135 ل مساجد لاذق،II /ص 271 ع مساجد عائشة أم المؤمنين (تنسب إليها،I / (ص 334 مساجد عظمى،II /ص 13، 201، 53، 140 ق مساجد قوص،I /ص 106

مسجد

س مساجد السّرا الثلاثة عشر،II /ص 448 مسجد أ مسجد أبي القاضي أبو حفص،III /ص 13 مسجد أم كلثوم ابنة علي،I /ص 226 مسجد الأنبياء،I /ص 132 مسجد الأقدام،I /ص 226، 229، ج،VI ص 320 المسجد الأقصى،I /ص 122 مسجد اشتركان،II /ص 42 مسجد أيا سلوق،II /ص 308 مسجد بايعت الجن فيه رسول الله (ص،I / (ص 331 ب مسجد (على الشاطئ) البحر،VI /ص 159 مسجد بدخشان،III /ص 59 مسجد أبي البركات البربري المغربي،VI /ص 15 مسجد بلخ،III /ص 59 مسجد بلخ (وهو مسجد جامع،III / (ص 63 مسجد بلّش،VI /ص 368 مسجد بصرى،I /ص 255 مسجد بيانة (مسجد جامع بمدينة بيانة،VI / (ص 5 مسجد بيت إلاهية،I /ص 237 مسجد بيت المقدس،I /ص 120 مسجد البيضان،VI /ص 436 ت مسجد تغازّى،VI /ص 377

ج المسجد الجامع بحلب،I /ص 152 مسجد جامع حسن،I /ص 114 مسجد جامع ربض الصالحية،I /ص 230 المسجد الجامع بنابلس،I /ص 128 المسجد الجامع بسرمين،I /ص 146 مسجد الأمير الجاولي،I /ص 114 المسجد الجديد بالمدينة البيضاء فاس،VI /ص 352 مسجد جزيرة بن عمر،II /ص 139 مسجد جزيرة البرزخ،I /ص 60 ح المسجد الحرام،I /ص 305 وما بعد ص 388، 389 مسجد الحمّة (مدينة الحمّة،VI / (ص 368 مسجد الحسين في عسقلان،I /ص 126 خ مسجد خالد بن الوليد،I /ص 141 مسجد الخليل،I /ص 114 مسجد الخضر وإلياس،VI /ص 61 مسجد الخيف،I /ص 400 د مسجد دمشق،I /ص،I ص 204 هناك أيضا الحديث عن جامع دمشق: ج،I ص 197، ج،II ص 204 ذ مسجد ذي الحليفة،I /ص 294

ر مسجد رأس الحسين،I /ص 126 مسجد رباط الفتح بالمغرب،II /ص 59 مسجد الرسول (ص،I / (ص 263 وما بعد، 276، 280، ج،II ص 121، VI ، ص 325 ك مسجد كان كنيسة،II /ص 322 مسجد الكتبيين،VI /ص 374 المسجد الكريم بالمدينة،I /ص 37 مسجد كولم (وهو مسجد جامع،VI / (ص 309 مسجد الكوفة،VI /ص 319 ل مسجد اللّاذقية،I /ص 180 م مسجد مالقة،VI /ص 367 مسجد مبرك ناقة النبي صلى الله عليه وسلم،I /ص 296 مسجد المدينة البيضاء (فاس الجديد،VI / (ص 352 مسجد المزة،I /ص 236 مسجد منفلوط،I /ص 102 مسجد مغارة الجوع،I /ص 232 مسجد مغارة الدم،I /ص 232 المسجد المقدس،I /ص 121 مسجد المسلمين،II /ص 357 مسجد مشهد علي بن أبي طالب،I /ص 202 مسجد الموصل،II /ص 135

ن مسجد نبلان،II /ص 43 مسجد نزوا،II /ص 226 مسجد نيسابور،III /ص 80 ص مسجد صنوب (وهو مسجد جامع،II / (ص 350 ع المسجد العتيق،II /ص 53، 139 مسجد عثمان الشيرازي،VI /ص 172 مسجد عكة،I /ص 130 مسجد علاء الدين ابن البهاء،I /ص 180 مسجد علي في الحلة،II /ص 97، 98 مسجد علي في أحد،I /ص 290، 383 مسجد علي بن أبي طالب،II /ص 8، 10 مسجد علي شاه المعروف بالوزير علي،II /ص 130 مسجد عمر،I /ص 126 مسجد عمر بن عبد العزيز،I /ص 207 مسجد عمرو بن العاص،I /ص 70 مسجد عيذاب،I /ص 110 ف مسجد الفتح،I /ص 290 مسجد فتّن،VI /ص 199 ق مسجد قباء،I /ص 288 مسجد القسطلاني،I /ص 110

س مسجد سلمان الفارسي،I /ص 290 مسجد سندابور (وهو مسجد جامع عظيم،VI / (ص 62 مسجد السامري (الشريف السامري،VI / (ص 53، 54 ش مسجد شيراز،II /ص 53 هـ مسجد هيلي (وهو مسجد جامع بمدينة هيلي،VI /: (ص 81 ي مسجد يزد خاص،II /ص 51 مسجد اليقين،I /ص 118 مسجد يونس،I /ص 120

(29) فهرس منشآت متنوعة

(29) فهرس منشآت متنوعة أ أبراج بدركوت،III /ص 357 أبراج الحمام (الزاجل،II / (ص 43 أبراج الخشب،III /ص 354، ج،VI ص 166، 230 أبراج متعددة،I /ص 131، 148، 183، ج،II ص 133، 135، 369، 403، 404، 405، ج،III ص 165، 347. أبواب دمشق،I /ص 221 أبواب دهلي،III /ص 404 أبواب المسجد المقدس،I /ص 121 أبواب قبة الصخرة،I /ص 122 الأنبارات: مخازن الطعام،III /ص 148 الأفران،I /ص 345 الأهرام،I /ص 80، 81، 82 الإيوان: بناء عظيم، حاول سلطان شيراز تشييده،II /ص 71 ب باب ابراهيم،I /ص 300 الباب الأخضر،I /ص 28 باب الأزج،II /ص 58 الباب الأعظم،II /ص 442 باب البحر،I /ص 28 باب البريد،I /ص 245 باب بني مخزوم،I /ص 321 باب بني شيبة،II /ص 149 باب البصرة،II /ص 107 باب بغداد،II /ص 129 باب التربة،III /ص 432

باب الجابية،I /ص 223 باب جامع مدينة صنوب،II /ص 351 باب جيرون،I /ص 207 باب الحرم،III /ص 377 باب حصن الغراب،I /ص 255 باب حسن،II /ص 53 باب رشيد،I /ص 28 باب زاوية الفقراء،II /ص 332 باب الزيادة،I /ص 206 باب الكعبة،I /ص 308 باب كشتى وانان،VI /ص 293 باب المدينة،I /ص 45 الباب الذي كان يخرج منه معاوية،I /ص 211 باب المعلى،I /ص 304 باب مسجد مشهد علي،I /ص 202 باب المسفل،I /ص 304 باب النطفانيين،I /ص 210 باب الصرف،III /ص 377 باب الفراديس،I /ص 233 باب قبة الشراب،I /ص 319 باب قلعة حلب،I /ص 170 باب السدرة،I /ص 28 باب السرو،II /ص 39 باب السلام،I /ص 37، 273 باب الشبيكة،I /ص 304 الباب الشرقي من دمشق،I /ص 229 باب اليهود،VI /ص 285 بابا مدينة صور،I /ص 131 البخيري موقد لتدفئة البيت،II /ص 337 البرابي،I /ص 80 برج بوره،VI /ص 23

برج عسفان،I /ص 299 البندر: المرسى،VI /ص 79 البندر: بيت المال أو الديوانة،VI /ص 120، 133، 161 البياسيس: جمع بيسوس، وهو شبه منارة،II /ص 263، 264، 294 بيوت للوضوء،I /ص 203، 234، 273، ج،II ص 109، 137 ج جباب للماء منقورة في الحجر الصلد،II /ص 156 جسر من القوارب يربط بعضها ببعض،III /ص 1 جسر عظيم بالحلة،II /ص 97 جسرا بغداد،II /ص 105 جسور خشب،II /ص 321 جسور متعددة،II /ص 139، 269، 323 ح حمام للسبيل،II /ص 347 حمامات انطالية،II /ص 259 حمامات بغداد،II /ص 105، 106 حمامات طرابلس (الشام،I / (ص 139 حمامات متعددة،I /ص 236، ج،II ص 39، 273، 282، 290، 295، III ، ص 56، 295 حمامات المنصورية،I /ص 142 حمامات الموصل،II /ص 135 حمامات عامة،I /ص 100 الحمامات العجيبة،I /ص 132 خ الخان: فندق،I /ص 112 خان الحديد ذو الأبراج،II /ص 133 الخانقاه: جمعها خوانق، المدارس والزوايا،I /ص 71، 125، 415

الخرمقة: بيت من الخشب مكسو بالملف،III /:ص 190 الخرقة: قبة صغيرة سهلة التركيب،II /ص 299 خصة رخام مثمنة مرتفعة على سارية رخام،II /ص 136 الخشبة: بيت يستعمل كمخزن وكسجن،VI /:ص 134 د دار الطلبة للضيافة،II /ص 184 دار السكة،VI /ص 260 دار السيادة: مدرسة لا ينزلها إلا الشرفاء،II /ص 289 دار الوضوء،I /ص 273، ج،II ص 303 دكانة: بناء كالمصطبة يجلس عليه،II /:ص 174 دهاليز،II /ص 291، 303 ديار ثمود،I /ص 260 دينور: اسم صنم في كنيسة بمدينة دينور،VI /:ص 184 ر الرباط مدينة بلخ،III /ص 61 ز الزاوية دمياط،I /ص 61 ط الطارمة غرفة خاصة في المركب،II /ص 354 ك الكتكر: سور من خشب يحيط بمحلة السلطان،VI /ص 194 الكشك (KIOSQUE) :برج خشب،II /:ص 403 م مارستان مدينة حلب،I /ص 152

مارستان يوسف (أبي يعقوب،I / (ص 136، 137 مارستانات بناها أبو عنان،VI /ص 347 مارستانات متعددة،I /:ص 230، ج،II ص 107، 136، 140 ج،VI ص 273 المالم: بيت في أسطوان الدار،VI /ص 118 المخزن: بيت مال الدولة أو الحكومة،III /ص 185، 290 مرسى الأبواب،II /ص 266 مرسى الاسكندرية،I /ص 28 مرسى ايرى شكروتي،VI /ص 165 مرسى بدفتن،III /ص 87 مرسى الحادث،II /ص 166 مرسى حاسك،II /ص 214، 215 مرسى رأس دواير،II /ص 251 مرسى الزيتون (الصين،I / (ص 28 ج،VI ص 269 مرسى الكرش،II /ص 355 مرسى كلبه أو (كلباء،VI / (ص 311 مرسى كولم،I /ص 28، ج،VI ص 81، 98 مرسى كيلوكرى،VI /ص 250 مرسى صور،II /ص 220 المرسى العجيب الذي في جزيره سردانية،VI /ص 331 مرسى عدن،II /ص 177 مرسى قاليقوط،I /ص 28، ج،VI ص 81، 89، 94 مرسى القريّات،VI /ص 311 مرسى سوداق،I /ص 28 مرسى شبّه،VI /ص 311 مرسى الهند والسند،II /ص 231 مرسى هيلي،VI /ص 81 مطاهر للوضوء،I /ص 234، ج،II ص 137 منار الاسكندرية،I /ص 30 منار مندلي،VI /ص 170

منارة بيضاء (دمشق،I / (ص 229 منارات،I /ص 413، 231، 294 منشآت السلطان أبي عنان المريني،VI /ص 352 مصانع،I /ص 397، 408، 411 مصانع الماء،I /ص 412، 413 مصانع قديمة،II /ص 156 معاصر السكر،I /ص 101 المشور الكبير المسمى هزار أسطون،III /ص 375 مشور عظيم متسع،III /ص 374 ميناء عكة،I /:ص 131 ن النواعير،II /ص 287 النوبة: الدّور،III /ص 76 ص صهاريج الماء،I /ص 397، ج،II ص 297، 303، 309 ج،III ص 139 صهاريج متعددة،I /ص 204، 210، 408، ج،II ص 140، 177، 231 الصهاريج الضخام،I /ص 258 ع عمود السواري، الاسكندرية،I /ص 30 ف فردخانة دويرة للراحة بالنهار،VI /ص 232 فنادق الموصل،II /ص 135

ق القصبة،VI /ص 296 قيسارية الموصل،II /ص 136 س ساقية للسبيل وحانوت يشتري منه المسافر ما يحتاجه،I /:ص 112 السراجة: أفراج تضرب خارج المدينة،II /ص 369 السّنداس المرحاض،VI /ص 93 سقايات،II /ص 137 سقاية ماء،I /ص 236 سقيفة يربط فيها المسافرون دوابهم،II /:ص 333 سور العرب بجبل طارق،VI /ص 355 ش الشطر: شبه قبة من الحرير،III /ص 205 الشلّير (مركب،VI / (ص 107

(30) فهرس المواد

(30) فهرس المواد أ الأبراز،II /ص 335، ج،III ص 12، ج،VI ص 140، 301 الآجر،II /ص 94 الأرمك: الكتان،VI /ص 232 الاكسير،LElixir /I ص 136 الأصبغة،I /ص 122، 199 ب برادة الحديد،VI /ص 41 البيض،II /ص 209 بيض النعام،II /ص 160 ت التبر،II /ص 193، ج،VI ص 378، 412 التبر غير المسبوك،VI /ص 229 التبن،II /ص 35، 334، 411، ج،III ص 327، ج،VI ص 47 جلود البقر،III /ص 127 جلود الجمال،II /ص 215، ج،VI ص 377 جلود الجواميس،I /ص 258 جلد فرس،III /ص 372، 425 الجص،II /ص 106 ح الحجارة البيض المنحوتة،III /ص 150، 194 الحجارة الحمر،III /ص 151، ج،VI ص 40. الحجارة المنقوشة،III /ص 154

الحجارة السود،I /ص 280 الحجر،I /ص 119، 268، 270، 271، 336، 340، 342، 356، 368، 387، ج،II ص 222، 245، 308، 330، 420، ج،III ص 12، 4 ج،VI ص 5، 16، 32، 47، 107، 118، 244 256. الحجر الأسود،I /ص 281، 300، 307، 308، 313، 375، 376، 377 الحجر الكريم،I /ص 300، 301 حجر الملح،VI /ص 377 الحجر المنحوت،I /ص 263 الحجر الصلد المنحوت،I /ص 81، 118 الحديد،I /ص 41، 46، 46، 86، 123، 131، 133، 202، 234، 271 II ، ص 6، 85، 97، 135، 207، 245، ج،III ص 79، 165، 223، ج،VI ص 123، 180، 404، 445، الحديد المقزدر،II /ص 311 الحردالة: مادة قاتلة،VI /ص 241 الحرير،I /ص 391، 416 ج،II ص 45، 86، 100، 137، 199، 406، 445، ج،III ص 10، 11، 75، 228، 232، 251، 266، 279، 359، 378، 379، 380، 386، 400، 421، ج،VI ص 2، 69، 70، 143، 148، 209، 226، 232، 235، 244، 251، 258، 2 59، 290، 403، 406، 410، 428. الحرير الأبيض المذهب،III /ص 223 الحرير الأحمر،III /ص 242 الحرير الأسود المذهب،III /ص 223 الحرير المذهب،II /ص 387، ج،III ص 417، 423 الحرير المزركش بالذهب،II /ص 423، ج،III ص 34 الحرير الملون،I /ص 417، ج،II ص 369، ج،III ص 232، 251 الحطب،II /ص 5، 6، 7، 96، 342، ج،III ص 12، 141، ج،VI ص 244، 441 الحناء،II /ص 352 الحنوط: حنوط الميت،VI /ص 218 الحصباء الحمراء،II /ص 10

خ الخل،I /ص 83، 183 الخشب،I /ص 123، 187، 268، 365، 416، ج،II ص 12، 86 97، 108، 191، 192، 193، 257، 270، 299، 304، 311، 350، 435، ج،III ص 10، 11، 79، 141، 150، 195، 212، 220، 237، 312، ج،VI ص 71، 73، 74، 75، 92، 93، 96، 115، 117، 118، 134، 166، 186، 193، 194، 198، 199، 230، 233 251، 292، 331، 351، 432، 437 الخشب المرصع،II /ص 87، 406 الخشب المنقوش،VI /ص 297، 301، 403، 413 خشب الساج،I /ص 310 الخشت،III /ص 226 د الداراني: نوع من الملح،II /ص 231 الدقيق،I /ص 413، ج،II ص 159، 301، 426، ج،III ص 12، 123، 357، 381، 382، 433 دقيق اللوبياء،VI /ص 394 الديباج،III /ص 277 الدّبس،II /ص 193 ذ الذهب،I /ص 49، 50، 51، 83، 112، 115، 122، 136، 137، 199، 201، 247، 271، 283، 293، 312، ج،II ص 39، 65، 74، 76، 100، 195، 302، 304، 309، 393، 407، 408، 409، 421، 436، III ، ص 11، 156، 157، 219، 226، 228، 259، 298، 301، 309، 316، 350، 351، 370، 378، 382، 402، 403، 404، 406، 411، 429، 438، 441، 444. ذهب خالص،II /ص 436، ج،III ص 151، 228، 233، 249، 252 الذهب المرصع بالجوهر،III /ص 376 الذهب المغربي،II /ص 374، ج،III ص 13، 107 ج،VI ص 212

الذهب الصيني،VI /ص 229 ذهب الهند،III /ص 106 ر الرخام،I /ص 115، 119، 126، 201، 208، 234، 236، 271، جII 46، 105، 350، 434، 439، ج،III ص 53، 151، 165 الرخام الأبيض،I /ص 312، 313 الرخام الأخضر،I /ص 312، 313 الرخام البديع المجزّع المحكم الإلصاق،I /ص 317 الرخام البديع النحت،I /ص 263 الرخام المجزع،I /ص 310 الرخام المجزع المنظم المعجز الصنعة،I /ص 317 الرخام المجزع المنقوش،II /ص 434 الرخام المجزع المنقوش بالذهب،III /ص 53 الرخام الملون،I /ص 200، ج،II ص 309 الرخام الملون المنظم،I /ص 237 الرخام الناصع،I /ص 202 الرصاص،I /ص 201، 271، 318، ج،II ص 309، ج150،III الرمل،II /ص 164، 245، 246، 420، ج،VI ص 447 ريش الطواويس،III /ص 218 ز الزئبق،VI /ص 379 الزجاج،I /ص 199، 390، ج،III ص 264 الزليج،I /ص 415، ج،II ص 225 الزيت،I /ص 289، 385، 403، ج،II ص 208، 211، ج،III ص 129، ج،VI ص 113، 335، 447 زيت الاستصباح،I /ص 72 زيت الجلجلان (السمسم) (السيرج،III / (ص 140 زيلع: تصنع فيها أنواع من السّبح،III /ص 57، ج،VI ص 63.

ط الطّفل،III /ص 56، 57 ك الكاغد،I /ص 208 الكبر،I /ص 183 الكتان،II /ص 199، 369، 406، 445 ج،III ص 379، 380 ج VI ، ص 70، 232 الكتان الرفيع،I /ص 382 الكتان الرومي،VI /ص 3 الكدّان،III /ص 62 الكشك: نوع من بيوت الخشب،II /ص 403 ل اللازورد: مواد صبغية،III /ص 59 اللحم،I /ص 305، 328، 305، 346، 415، ج،II ص 23، 26، 32، 82، 89، 129، 348، 365، ج،III ص 56، 357، 361، 381، 382، 433، ج،VI ص 36، 191، 334، 335، 336، 441، 444 لحم الأنعام،VI /ص 112 لحم البقر الوحشي،VI /ص 383 لحم خيل البحر،VI /ص 426 لحم الظأن،VI /ص 387 اللحم الغنمي السمين،II /ص 342 لحوم الأغنام والدجاج المسمنة والكراكي،III /ص 418 لحوم الجمال،VI /ص 378 لحوم الغنم،II /ص 252 ليف النارجيل: تصنع منه الحبال،II /ص 207

م المخللات،II /ص 185 المداد،I /ص 208 المرمر،I /ص 53 المرعز: نوع من الصوف،II /ص 143 الملح،I /ص 2 ج،II ص 164، 335 ج،III ص،VI،126 ص 377، 378، 394، 432. الملح الدارني: من صخره تصنع أواني للزينة وكذا المنارات التي توضع عليها السرج،II /ص 231 الملف: الجوخ،III /ص 10 المصطكى: سلعة عطرية،VI /ص 394 المقاصري: نوع من خشب الصندل الأبيض،III /:ص 250، 319 ج،VI ص 149 الموالح،II /ص 185 ن النبات: نوع من الأحجار تحت سطح الماء،II /ص 163 النحاس،I /ص 136، 137، 202، 208، 405، ج،II ص 294، ج III ، ص 242، 252، ج،VI ص 69، 120، 130، 140، 159، 438، 440، 442 النحاس الأحمر،VI /ص 441 النّخ: الحرير المذهب،II /ص 309 ص الصابون،I /ص 72 الصابون الآجري،I /ص 145 الصابون المطيب،I /ص 145 الصخر الأبيض،III /ص 62 الصخر المنحوت،I /ص 114 الصلصال،II /ص 105، 106، 134 الصندل،III /ص 250 الصندل الأبيض،III /ص 250

الصمغ: دهن عطري،II /ص 214 الصّفر: القصد إلى صفائح الصغر،I /ص 287 صومة: سبيكة فضة،II /،ص 412، 414 الصوف،II /ص 445، ج،III ص 53. ع العاج،I /ص 152، ج،II ص 195 العطريات،VI /ص 432 عظام السمك،II /ص 215 عظم الغيلم،II /ص 245 العنبر،VI /ص 187 العود،I /ص 171 ف الفحم،III /ص 12، ج،VI ص 261 الفحم الحجري،III /ص 12، ج،VI ص 256 الفخار،VI /ص 256 الفخار الصيني،VI /ص 256 الفضة،I /ص 309، 403، 416، 417، 419، 425، 428، ج،II ص 39، 71، 91، 99، 100، 108، 285، 293، 302، 304، 311، 407، 408، 409، 412، 436، ج،III ص 11، 56، 79، 156، 219، 226، 235، 241، 252، ج،VI ص 3، 204، 254، 258، 259، 260، 301، 378، 403، 404، 406، 411. الفضة الخالصة المموهة،II /ص 406 الفضة المذهبة،II /ص 383، ج،III ص 401، 423 ج،VI ص 403 الفضة المموهة بالذهب،III /ص 8 الفسيفساء،I /ص 199، ج،II ص 428، 439 ق القار: المراد هو النفط (الزفت،II / (ص 105 القاشاني: شبه الزليج،II /ص 130، 225 القنبر: ليف جوز النارجيل،VI /ص 121

القصدير،III /ص 242، ج،VI ص 229 س الساج،I /ص 271 الساج المذهب،I /ص 271 السكر،I /ث 72، 101، 247، 297، 405 ج،III ص 123، 181، 382، 433، ج،VI ص 25، 188، 295 السم،I /ص 172 سعف النخل،VI /ص 112 ش الشحم المذاب: يستعمل في الإضاءة،II /ص 263 الشمع،I /ص 55، 56، 176، 291، 375، 383، 389، 391، 392، 393، 402، ج،II ص 45، 67، 71، 85، 285، 290، 307. السيرج: زيت السمسم،III /ص 57 هـ هفت جوش،III /ص 150

(31) فهرس النباتات

(31) فهرس النباتات أ الأبنوس،I /ص 152، 153، ج،III ص 53، 128 أبو قنينة،VI /ص 77 الأترج: شجر ثمره كالليمون، ذهبّي اللون،I /،ص 246، ج،II ص 38، 191، 246 ج،VI ص 114 الأتل،I /ص 275 الأراك: شجر،I /ص 346 الأرز،II /ص 129، 185، 197، 301 ج،III ص 12، 131، 142، 148، 181، 241، 321، 429 ج،VI ص 51، 69، 70، 122، 133، 138، 139، 140، 170، 201، 210، 211، 226، 233 252، 394، 398، 435. أم غيلان: شجر،II /ص 223، ج،III ص 103، ج،VI ص 13 أنلى: اسم برزع، وهي أيضا نوع من الدخن أو الذرة البيضاء، كان يصنع منها الخبز،III /ص 130، ج،VI ص 112، 378، 395. الأنيسون،VI /ص 399 الآس،I /ص 178. الأشجار المورقة،I /ص 166 أشجار قرنية ببلاد السودان،VI /ص 391 أشجار وفواكه الهند،III /ص 125، 130 ب البر،III /ص 113 البصل،III /ص 123 البقل،VI /ص 36، 93 البقلة الحمقاء،VI /ص 335 البقم: شجر،VI /ص 99، 166 البسلّا: صنف من الجلبان،VI /ص 335

بيدر: عروق نبات تخلط بالأنيسون والسكر وتلثّ بالماء، وهي تصلح للتقيأ،VI /:ص 399 ت التندو: ثمر شجر الأبنوس، حباته قدر حبات المشمش وبلونها، وهو شديد الحلاوة127،III: ج الجلبان،III /ص 103، 131، ج،VI ص 335 الجلنار،III /ص 130 ح الحامض،II /ص 323 حب أبي قنينة،VI /ص 77 الحبوب،I /ص 328، 346، 358، ج،II ص 22 حبوب البر،III /ص 113 حبوب الجرجور: نوع من الذرة الكبيرة،II /ص 162 الحمص،III /ص 113، 132، ج،VI ص 255، 335 الحشائش المسمومة،II /ص 6 حشيش الأرض،II /ص 257، 351، 352، 411، ج،III ص 341 الحناء،II /ص 352، ج،III ص 275 خ الخردل،VI /ص 394 الخرشف،VI /ص 240 الخروع: شجر،VI /ص 13، 14 الخضر،VI /ص 335 الخيزران،VI /ص 157، 170، 177، 233 د درخت الشهادة: شجرة،VI /ص 85، 87 الدوقين: نوع من الدخن أو الذرة البيضاء عند الأتراك،II /:ص،III،415،386،367،365،364 ص 2 الديس: أعشاب مائية تصلح للسقف وأيضا تصنع منها الحصر:/ ج،II ص 193

ذ الذرة،II /ص 197، 201، 219، ج،III ص 103، ج،VI ص 77، 433، 434، 441 ز الزرع،I /ص 110، ج،II ص 18، 161، 176، 177، 191، ج،III ص 131، ج،VI ص 295 الزعفران،II /ص 329، ج،III ص 103 ط الطحلب،II /ص 134 الطرفاء،I /ص 275 ك الكذرو: حبوب خريفية، وهي بالهند،III /ص 130 الكركم،III /ص 103 الكلأ،II /ص 451 الكمأة،VI /ص 379 الكندر: نوع من الشجر يعطي الصمغ،II /ص 214 ل اللبان: شجر يعطي صمغ اللبان،II /ص 214، ج،VI ص 240 اللوبيا،III /ص 131 الليم،III /ص 126 م الماش: نوع من الجلبان،III /ص 131 المنج: نوع من الماش حبوبه مستطيلة،III /ص 131 المقل: شجر،I /ص 299، ج،VI ص 187

المهوا: شجر بالهند،III /ص 128، 129 الموت: حبوب خريفية أصغر من الكذرو،VI /ص 131. ن النجيل: نبات،VI /ص 15 النخيل،I /ص 57، 120، 158، 260، 267، 275، 288، 295، 298 299، 359، 414، ج،II ص 9، 17، 62، 96، 97، 99، 164، 168، 206، 207، 229، 246، 247، 248، ج،VI ص 111، 112، 132، 147، 387، 422 النوار،I /ص 246 ص الصعتر،II /ص 164 الصفصاف،III /ص 191 ع العدس،III /ص 113، 132، ج،VI ص 255، 335 العلس،II /ص 197 العلّيق،II /ص 205 العفص،III /ص 125 ف الفجل،VI /ص 17 الفلفل،II /ص 205، ج،III ص 126، ج،VI ص 71، 76، 77، 80، 227، 252، 253، فول،II /ص 360، ج،III ص 113، 127، 131، 241، 392 الفوني: كحب الخردل يصنع منه الكسكسو،VI /:ص 394، 398 ق القال: يشبه أنلى/ ج،III ص 130 القافي: شبه القلقاص/ ج،VI ص 399

القثاء،III /ص 155 القرع،VI /ص 335 القرفة،VI /ص 99، 166، 227 القطن،II /ص 75، 198، 199، 246، 406، ج،III ص 53، 379، 380، 386، 435، ج،VI ص 13، 14، 148، 232، 233 235، 244، 259. القلقاص،VI /ص 84 القمح،II /ص 89، ج،III ص 5، 132، 181، 290، 429، ج VI ، ص 28، 42، 255، 438، 441، القنب،VI /ص 12 القصب،II /ص 160، 205، 269، 270، 323، ج،III ص 101 356، 359، 390، ج،VI ص 13، 192، 193، 227، 229، 241، 292، 293، 405، 411. القصب غير المجوف،III /ص 389 قصب السكر،III /ص 133، 155، ج،VI ص 52، 78 القصب الهندي المغلوق،III /ص 386 القصيل،III /ص 132 القسطل،VI /ص 391 س السدر،VI /ص 13 السّلت،II /ص 197 السّمسم: الجلجلان،III /ص 133 ش الشاماخ: حبوب بالهند،III /ص 130، 131 الشجرة العجيبة الشأن،VI /ص 85 الشعير،I /ص 135، ج،II ص 142، 164، 364، 373، ج،III ص 5، 132

(32) فهرس النقود

(32) فهرس النقود أ بالشت: عملة صينية، وتعني الدينار، وهناك بوالشت من الكاغد،VI /:ص 260، 276 البربرة: هي دينار من ذهب عند سكان القسطنطينية،II /:ص 444 بركالة: تعني القطعة من الذهب والفضة،VI /ص 259 البغلية: نقود أرمينية،I /ص 163 بستو: القصد إلى مائة ألف ودعة،VI /ص 122، 163، 210 تنگة،III /ص 246، 247، 264، 413، 426، 441، 443. تنگة من ذهب،I /ص 293. د دراهم من كاغد،VI /ص 259 الدراهم المظفرية: دراهم فضية،I /ص 324، 350، 355، 356، 359. دراهم فضة،I /ص 163 الدرهم،I /ص 53، 65، 159، 211، 242، 258، 352، 362، 403، 425، 428، ج،II ص 3، 8، 10، 34، 35، 50، 65، 86، 87، 88، 142، 144، 145، 197، 269، 282، 292، 307، 311، 322، 330، 335، 348، 371، 372، 376، 394، 426، ج،III ص 1 12، 14، 39، 51، 53، 66، 157، 173، 238، 252، 253، 254، 268، 270، 278، 279، 305، 328، 372، 381، 386، 422، 427 ج،VI ص 63، 203، 204، 210، 259، 260، 308، 320، 334، 393 درهم بندقية،II / (venise) ص 444 درهم ثلث النقرة،II /ص 9، 50 درهم المغرب،VI /ص 334 درهم نقرة،I /ص 361، 403، ج،II ص 159، ج،VI ص 317، 334، 336 الدرهم الصغير،VI /ص 336، 366.

الدينار،I /ص 197، 201، 259، 293، 360، 425، 426، 428، ج،II ص 42، 65، 73، 76، 88، 91، 178، 179، 309، 372، 373، 400، 401، 412 ج،III ص 1، 5، 13، 14، 16، 39، 46، 51، 53، 66، 98، 116، 117، 159، 160، 187، 238، 246، 252، 253، 254، 259، 262، 275، 278، 279، 290، 290، 305 306، 328، 381، 382، 386، 396، 400، 401، 402، 405، 406 413، 414، 422، 426، 427، 430، 431، 440، 443، ج،VI ص 63، 64، 65، 96، 98، 124، 174، 204، 223، 259، 296، 308، 350، 370، 393. دينار ذهب،II /ص 74، 234، ج،VI ص 122، 275 دينار ذهبي هندي،VI /ص 316 دينار فضة: يساوي ثمانية دراهم في الهند،II /ص 373، ج،VI ص 210 الدينار الهندي،III /ص 106 ك الكتّى: مقدارها اثنا عشرة ألف ودعة،VI /ص 122، 147 كرور: يساوي مائة لك،VI /.ص 49. الكودة: الدرع،VI /ص 163 ل اللك: يساوي مائة ألف دينار،III /ص 112، 370، 438، ج،VI ص 44، 49. ن النّقرة: فلوس فضية صغيرة،II /ص 9، 50، ج،VI ص 334، وما بعد. نقود من النحاس،VI /ص 197 نقود من القصدير،VI /ص 229 نقود ورقية،VI /ص 259 ف الفال: السبعمائة من الودع،VI /ص 121

فلس،I /ص 346، ج،II ص 283، ج،VI ص 121 فليسات،III /ص 171 فنم: نقد بجزيرة سيلان،VI /ص 174 س سياه: يستعمل للدلالة على مائة ودع،VI /ص 121 والودع: عملة سائدة،VI / ... ص 117، 121، 122، 144، 146، 147، 148، 435

(33) فهرس المصطلحات الحضارية

(33) فهرس المصطلحات الحضارية أ الآبدارية: السقاءون،III /ص 433 أتابك: سمة لكل من يلي ملك بلاد اللوز،II /:ص 30، 31، 228، ج،VI ص 288 الأخي: رجل يقدمه أهل صناعة عليهم،II /ص 260 الأردو: المحلة، والمحلة المعسكر،II /ص 380 الأرغجية: كبرآء أمراء الترك وشيوخهم،III /ص 11 أرسال: المبعوثين،VI /ص 4 أطا: معناها الوالد أتا ترك،III /ص 2، ج،VI ص 288 ألقشي: راعي الأكاديش،II /ص 373 إمام الموسم: تقليد خاص بموسم الحج، حيث يتم اختيار إمام للموسم، يكون مرجعا لكل القضايا وقد كان في أيام ابن بطوطة الشيخ خليل الافريقي،I /ص 324، 347، 348، 349. أمراء الأجناد،II /ص 188 الأمناء: نقباء،I /ص 26 أمير الأخباريين،VI /ص 298 أمير جندر،II /ص 127، 174، ج،II ص 198، 212 أمير الحاج: القصد إلى أمير ركب الحاج،I /.ص 254. الأصباهية: هم الرماة في بلاد الصين،VI /ص 297 الأعزة: الغرباء،III /ص 98 أغا: الكبير، وهو لقب أميري،II /ص 288 أفراج: مجموعة من الخيام،II /:ص،III،369 ص 44- 415 أقروف،II /ص 379- 388 أولو خاتون: الوزيرة،II /ص 387 ب البابا،II /ص،III،405،369 ص 44- 251- 415 البادهنج: المبرد، المكيّف،II /ص 300 باشاي: تعني القان، امبراطور الصين،VI /:ص 296، وما بعد، 300، 301

الباورجي: مقطع اللحم في البلاط،II /ص 407 البائن: الحوض،VI /ص 13 بخشي: القاضي،VI /ص 250 البرد درايّة: هم خواص البوابين،VI /،ص 104، 297 البشكال: القصد إلى الشكال،II /،ص 6، ج.65،VI البروانة: الحكم من الوزير للخازن بالعطاء،III /ص 407 بريد: أربعة فراسخ،I /ص 296 البزّازون: بائعو الثياب،I /ص 329 بك: أمير،II /ص 258، 397 البنبى: نوع من كراسي العرش عند الزنوج،VI /:ص 405، 406، 411، 413، 414. البصوان: حراس المدينة وسمارها،VI /ص 280 البقشة: أو السبنية، وهي قطعة من النسيج،VI /ص 232 البوالشت: الإشارة إلى نوع من المخاد،VI /ص 233 البيادة: الرجالة،III /ص 202 البيضة: شبه الخوذة،II /ص 421 ت التّتجر: خروج السلطانة للتفرج والسياحة،VI /ص 208 التخت: السرير الأعظم، وهو من خشب،II /ص 406 الترفيق: في العرف الصوفي أن يجلس المريد مستندا إلى بعض سواري المسجد واضعا رأسه على ركبتيه،I /:ص 37 التّزك: الأرواث تستعمل للوقود،II /ص 356 التكشيف: الدليل،le guide /VI ص 382 التنبول داران حاملو التنبول،III /ص 274 التنبول داريّة: الذين يعطون التنبول،III /ص 433 التنديل: مقدم الرّجال (الراجلين،VI / (ص 250 التغدارية: أصحاب السيوف والترسنة،VI /ص 297 التوسيط: قطع الإنسان شطرين،III /ص 32 ج الجامعة: الغل يجمع اليدين إلى العنق،VI /ص 6

الجامور: مايعلو المئذنة من زينة،II /ص 13- 406 الجراجي: جند يرمي بالنفط أثناء الحرب،VI /ص 92 الجرخية: الموكّل بالبيسوس: الفانوس،II /ص 263، 264 الجكطي: لقب يطلقه بن بطوطة على جغتاي،III /ص 31. الجنادرة: الشرط، أي الشرطة،II /ص 174 الجنداريّة: حرس السلطان،VI /ص 299 ح حاجب القصة،I /ص 258 الحكيم الطيب،III /ص 44 الحوص،VI /ص 379 خ الخاتون: الأميرة،II /ص 77- 393 خان: السلطان،II /ص 316 الخان الأعظم: معلّم السلطان،III /ص 407 خاص حاجب: وظيفة الحجابة بالهند،III /ص 221، 225، 289 الختميون: قراء القرآن الكريم،III /ص 432 خديم السماط،II /ص 26 الخرازون: جمع خراز وهو الإسكافي،II /:ص 380 الخرقة: الخيمة،III /ص 34- 35 خريطة: وعاء من جلد أو نحوه،II /ص 34 الخريطة دار: صاحب الكاغد والأقلام،III /:ص 407 خط خرد: إذن الصرف،III /ص 406 الخور: الخليج،II /ص 81. خوند عالم: السلطان،III /ص 428، 430 د الدّاوة: هي ثلث ميل،III /،ص 95، 96، 144، 145، 191 الدبوقة: الضّفيرة،III /ص 280

الدّراعة،II /ص 186 دلشاد: كلمة فارسية، وتعني القلب الفارح،VI /ص 21 الداوادار: صاحب الدواة،III /ص 407 الدوادية،III /:ص 427، 433 الديوان: الخدام الحاملون للمشاعل الإدارة المسؤولة عن التجار الأجانب،VI /ص 270 الدّولة (المحفة،VI / (ص 73 ديوان الإشراف،VI /ص 298 ديوان المستخرج،VI /ص 298 ديوان الغوث،VI /ص 298 ر الراي: لقب الملك في الهند وبلاد الروم،III /ص 318، ج،VI ص 58 الرّبان،II /ص 163 ربض: ما حول المدينة،III /ص 27 الرجبي: موكب الحج في رجب،VI /ص 324 الرطل الهندي: عشرون رطلا من أرطال المغرب،III /ص 382 الرفرف: ستار شفاف تجعله العروس على وجهها الروايا: جمع راوية،I /ص 258 الزبانية: حرّاس السلطان،III /ص 301 الزّلّة: الطعام الخفيف يحمله المرء معه،III /ص 435 الزمالة: سائقوا الدواب،II /ص 115 الزماميون: الحراس المقيدة أسماؤم،VI /ص 47 ط الطبلخانة: الموسيقى،I /ص 139، 420، ج،II ص 188 الطشت دارية: حاملة الطسوت،III /ص 433 الطواشية: الخصيان،I /ص 415 الطوى: يوم خاص عند التتر يسمونه يوم الضيافة،III:ص 40 الطّوى: الدعوة إلى الطعام،VI /ص 289 طومان: أمير يركب له عشرة آلاف عسكري،II /:ص،VI،404 ص 300

ظ الظاهر: لقب سلاطين جاوة وسومطرة،VI /ص 230 ك كاتب الغيبة: الذي يحصى الغائبين،I /ص 205 كاتب السر،I /ص 139، 242 كتب الأزمّة: أحصى الناس،III /ص 290 الكتوال: القصد إلى أمير البوابين،VI /ص 297 كجك خاتون: الحاجبة،II /ص 387 الكراني: كاتب المركب،II /ص 198 الكردوبى: العمال على النواحي،VI /:ص 111، 120، 136 الكروة: الميل،III /ص 95 كلكي: اسم يطلق على الوزير الأكبر،VI /ص 133 الكلواني: راعي الخيل،III /ص 201، 202 كليت دار: صاحب مفاتيح القصر،III /ص 196 الكنّاسات: نسوة يدخلن الدور بلا استئذان ويخبرهن الجواري بما عندهم ويوصلن الخبر إلى السلطان،III /ص 343 كفتار: ساحرة،VI /ص 36 كساي: اسم الله عز وجل،III /ص 142 الكهّارون: الذين يحملون أواني المطبخ،III /ص 427 الكيوانية: رجال يحملون الصيوان،III /ص 427 الگيرة (القرة،VI / (ص 351 م مانايك: تعني قائد البحر،VI /ص 134 مافاكلوا: تعني صاحب الأشغال،VI /ص 134 المحتسب: من يتولى منصب الحسبة،III /،ص 184 المحلة: الحي،II /ص 107 المحلة: العسكر،II /ص 70 المخدومة: الأميرة،III /ص 386 المد: مكيال، وهو ملء كفي الإنسان المعتدل،VI /:ص 438

المرواري: كلمة فارسية تعني نوعا من الموزج،II /ص 226 المكوس: الضرائب التي تؤخذ من التجار،III /ص 288 الملمّع: غناء بالفارسي،II /ص 371 المن: خمسة وعشرون رطلا مصرية،II /ص 74، وعشرون رطلا مغربية ج430،III منسى: تعني السلطان في بلاد السودان،VI /ص 399 المعرّف الذي يقدم الناس بين يدي الملك في مجلسه فيهنئ الحضور لدخوله ... / ج،II ص 363 المعيد: مساعد يعيد ما يقوله المدرس،II /ص 109 المقدم،VI /ص 377 المشرف،VI /ص 386 المشور،II /ص 174، 188، 189، 212، 428، 434، ج،10،III 11، 217، 218، 219، 220، 233، 234، 271، 277، 288، 281، 291، 297، 314، 374، 375، 396، 400، 406، 445، ج،VI ص 132، 137، 155، 201، 231، 232، 233، 287، 291، 307 360، 402، 403، 404، 405، 418، 433. ن الناخودة: ربّان السفن أو وكيله،VI /ص 58 الناظر لقب إداري،III /ص 54 نائب خاص حاجب،III /ص 221 البنجشي كفالي: اسم القاضي بالقسطنطينية:/ ج،II ص 443 نقيب المتعمّمين،I /ص 55 النّول: أجرة الركوب في مركب،II /ص 255 ج،VI ص 223 النيزداريّة: هو أصحاب الرماح في الصين،III /ص 433، ج،VI ص 297 ص صاحب العلامة،III /ص 35 صاحب الأقلام والكاغد،III /ص 337 صاحب السجادة،II /ص 292- 293 صدر الجهان: لقب تشريفي لقاضي سمرقند،III /:ص 54، 55، 56 الصفارون: صناع الصفر،I /ص 206 صفدار: مرتّب العساكر،III /ص 332

ع عادية: نسبة إلى عاد، بمعنى ضخمة أو قديمة،III /ص 127 العدل: الحمل يكون على أحد جنبي البعير،I /:ص 109 العطارون: بائعو العطور والأفاوية،I /ص 329 عمالة: اقليم له شبه استقلال عن العمالات الأخرى،II /ص 196 العشّارين: الذين يتلون القرآن يتوزعونه على عشرة اقساط يكون عددهم هم ستة،VI /.ص 204، 274 غ الغاشي: ستارة السرج، المرصّعة بالجواهر،III /ص 228 غسل الرأس: الإكرامية الأولى من الملك،III /ص 226- 381 ف الفاملداري: تعني صاحب الديوان،VI /ص 134، 139 فتنايك: تعني الحاكم في جزر المالديف،VI /،ص 134 فربا: لقب نائب الملك ببلاد السودان،VI /ص 385 فرسخ: مقياس قديم يقدر بثلاثة أميال،I /ص 145 فرشتى: الملك بفتح الميم واللّام،II /ص 296 فنديار قالوا: اسم يطلق على القاضي،vI /ص 133، 134 الفقير: يراد به العابد المنصرف عن الدنيا،II /:ص 30 القان: السلطان الأعظم في الصين،VI /ص 288 ق قاضي دار الملك: قاضي القصور الملكية،III /ص 402 قاضي القضاة: وظيفة،I /:ص 88 قاسا الملكة عند السودان،VI /ص 417، 419 القرة،La guerre /VI ص 351 القرية عود يدخل في الصاري،VI /ص 146 القصّاب،III /:ص 380 القسيس،Pre tre /II ص 439، 440، 442 القول: غناء بالعربي،II /ص 371

س سباه سالار: مقدم الرماة،VI /ص 250 الستائريون: الذين يمسكون دواب الخدّام،III /ص 287 السّتي: الذي يملك خمس عشرة قطعة،VI /ص 259 السراجة: أفراگ،III /ص 44 السراكنو: المسلم،II /ص 441 سرجا مدار: الذي يشرد الذباب عن السلطان،III /:ص 416 سرششتي: معناها «غسل الرأس،III / «ص 381 السطّاعة،VI /ص 405 السلحدارية: فئة من الجند والحرس السلطاني:/ ج،III ص 222، 433، ج،VI ص 404، 44 السّمّار: حراس الليل،III /ص 148 السماط: ما يمد ليوضع عليه الطعام،II /ص 5 السقيفة العظمى للوزير الأول،VI /ص 297، 298 سقيفة كاتب السر،vi /ص 298 سقيفة كتاب الرسائل،VI /ص 298 سيد الحجاب،III /ص 221، 289 ش الشاوشية: فرقة من الجنادرة، أي الشرط،II /ص 174 الشّحنة: الحاكم،III /ص 129- 235 الشّربدارية: وهم الذين يسقون الشراب،III /ص 274، 433 الشّرط: نظام الشرطة،II /،ص 261 شرف الحجاب: القصد إلى مقام علي،III /ص 221، 225 الشطر دارية: الذين يرفعون الشطر (المظل،III / (ص 205، 433 الشكارة: ظرف من جلد يحمل على الكتف،I /ص 209 الشّقاق: القطع من الزرابي تبسط لمرور الرؤساء،II /:ص 369 شيخ الخدام: هو كبير الأحابيش،I /،ص 278 الشيخ: السلطان الملك،II /ص 183 هـ الهميان: كيس تحفظ فيه النقود ويربط على بطن أوساق أو ذراع،I /:ص 283

هند يجري: تعني الخطيب أو ماله صفة الوزير،VI /ص 283 والوالي ج ولاة،VI /ص 120 وكيل الدار،III /ص 221 ي اليراق: تضمير الخيول ونحوها،III /ص 204 اليرليغ: (البرليغ) المرسوم الملكي،I /ص 421، ج،II ص 34.

المراجع والمصادر بالعربية

المراجع والمصادر بالعربية - الأبي: إكمال إكمال المعلم لفوائد كتاب مسلم أطروحة عبد الرحمن عون 1982 كلية الشريعة تونس - أحمد بن أحمد أقيت عرف بابا التنبكتي: نيل الابتهاج بتطريز الديباج المطبعة الجديدة بفاس 1317- 1900 - أحمد وصفي زكريا: عشائر الشام معرض الكتاب بالقاهرة- 1995 - أحمد أبو سعد: أدب الرحلات بيروت- دجنبر 1961 - ابن الأحمر: روضة النّسرين- المطبعة الملكية- الرباط 1411- 1991 - أخريف محمد: مفهوم بعض الأسماء والعبارات عند ابن بطوطة ملتقى طنجة حول ابن بطوطة- أكتوبر 1993 - الإدريسي (الشريف) : نزهة المشتاق في اختراق الآفاق مطبوعات المعهد الشرقي ناپولي إيطاليا 1982- 1984 - أدوارد براون: تاريخ الأدب في إيران تعريب د. إبراهيم الشواربي- مصر سنة 1954 - الأكوع محمد بن علي الحوالي: بغية المستفيد في تاريخ مدينة زبيد تحقيق عبد الله الحبشي: مركز الدراسات والبحوث اليمني صنعاء 1979. - الأنصاري الأحسائي تحفة المستفيد بتاريخ الاحساء في القديم والجديد- الرياض 1960 - الأصفهاني: حلية الأولياء- القاهرة 1936 - ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء دار الثقافة بيروت، لبنان طبعة رابعة 1408- 1987 - إقبال عباس آشتياني: تاريخ إيران بعد الإسلام ترجمة: محمد علاء الدين المنصور- دار الثقافة والنشر والتوزيع 1989 - آل ملّا عبد الرحمن: تاريخ هجر طبع الاحساء 1411- 1991 - د. الأوسي حكمة علي- يحيى بن الحكم الغزال مجلة المجمع العلمي العراقي- 1971 - ابن اياس: بدائع الزهور في وقائع الدهور تحقيق محمد مصطفى- الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة- 1982 - بدر الدين: العلاقات بين العرب والصين طبعة أولى- 1950 القاهرة

- بدر الدين حي الصيني: العلاقات بين العرب والصين مكتبة النهضة المصرية- القاهرة 1995 - ف. ف. بارثولد: تركستان- ترجمة صلاح الدين عثمان هاشم- الكويت 1401- 1981 - البكري: المسالك والممالك جزء منها باسم: المغرب في ذكر إفريقية والمغرب 1857 تحقيق د. غنيم، الكويت - البكري: معجم ما استعجم نشره1876 Wistenfel Gottinger - ابن بطوطة (الرحلة) تقديم وتحقيق كرم البستاني- دار صادر دار بيروت 1379- 1960 + (الرحلة) دار الكتاب اللبناني، بيروت، سلسلة كتاب التحرير، دائرة معارف الشعب، 1966 - ابن بطوطة (الرحلة) تحقيق محمد العريان بيروت طبعة ثانية 1992 + (الرحلة) : طبع مولاي أحمد بن السيد عبد الكريم القادري 17/6/1906 - ابن بطوطة (الرحلة) الطبعة الثانية بمطبعة التقدم بالقاهرة 1904. - البستاني: ابن بطوطة، دائرة المعارفة الإسلامية، طبع تهران - البستاني: الروائع- بيروت، 1950 - البستاني: ابن بطوطة: دائرة المعارف الإسلامية، طبع تهران - البستاني: تحفة النظار ... الطبعة الرابعة في 1950، منشورات الآداب الشرقية، بيروت - بن بوشتة المهدي: رحلات ابن بطوطة- الرباط 1969 وزارة الشبيبة والرياضة+ السلسلة التاريخية للأطفال 1969 - البيطار محمد بهجت: حياة شيخ الإسلام ابن تيمية منشورات المكتبة الإسلامية للطباعة والنشر 1961 - البيلوني: مختصر رحلة ابن بطوطة- مخطوط - تاج الدين- القاضي حسن: تاريخ إسلام ذيبا مهل (مالديف) الذيل: للقاضي محمد محب الدين والقاضي ابراهيم سراج الدين تحقيق: هيكوايتش ياجيما طوكيو 1982 - د. التازي عبد الهادي: الموحدون وجبل طارق من خلال مخطوط قديم مجلة آفاق- لسان اتحاد كتاب المغرب العربي، يناير، مارس 1963 - د. التازي: جامع القرويين- المسجد والجامعة بمدينة فاس دار الكتاب اللبناني 1972- طبعة بيروت - د. التازي: بلاد الشام في الوثائق الدبلوماسية المغربية- أعمال المؤتمر الدولي لتاريخ بلاد الشام 1974 الجامعة الأردنية- عمان - د. التازي: مع ابن بطوطة من البحر الأسود إلى نهر جيحون

مجلة المناهل المغربية- صفر 1395 مارس 1975 - د. التازي: أمير مغربي في طرابلس أو ليبيا من خلال رحلة الوزير الإسحاقي 1976 نشر المعهد الجامعي للبحث العلمي. - د. التازي: تاريخ دخول الإسلام للفيليبّين. محاضرة ألقاها في مانيلا يوم الأربعاء 11 يونيه 1980 - د. التازي: دفاعا عن الوحدة الترابية للمملكة المغربية. رمضان 1400 يونيه 1980 نشر المعهد الجامعي للبحث العلمي - د. التازي: المنشات الصحية بالمغرب- مجلة مجمع اللغة العربية بعمان دجنبر 1981 - د. التازي: الصلات التاريخية بين المغرب وعمان مسقط عشت 1981 - د. التازي: مكانة القدس لدى المغاربة بحث قدّم للندوة العلمية الأولى للآثار الفلسطينية- جامعة حلب 1401- 1981 - د. التازي: ايران بين الأمس واليوم مع ابن بطوطة 1404- 1984 - د. التازي: رواق المغاربة في الأزهر- دعوة الحق يونيه 1983 - د. التازي: التاريخ الديلوماسي للمغرب فضالة 1986 المحمدية - د. التازي: في العلاقات المغربية الصينية، هل كانت زيارة ابن بطوطة لبيكين ردا على زيارة وانغ دايون لطنجة؟ جريدة العلم 7 غشت 1988. - د. التازي: لماذا عيد المولد في المغرب الإسلامي دعوة الحق دجنبر 1989- وقد ترجم إلى اللغة البوسنوية. - د. التازي: أقدم نقش عربي في مالديف يتحدث عن المغرب مجلة البحث العلمي- العدد 40 1990- 1991 مجمع القاهرة الدورة 57 فبراير 1991 - د. التازي: مع ابن بطوطة في بلاد الهند والسند- دعوة الحق عدد 287 2 فبراير 1992 وعدد 293 أكتوبر 1992. - د. التازي: رحلة مغربي إلى حضرموت. حديث الخميس 12 نونبر 1993 في جلسة أكاديمية المملكة المغربية ونشر البحث بمجلة المورد- البغدادية عدد I مجلة 21 1993 - د. التازي: المسجد في المأثور الإسلامي، ضمن كتاب مسجد الحسن الثاني رقم الإيداع القانوني 1993/655 - د. التازي: المغرب في الدراسات الاستشراقية ابن بطوطة نموذجا- نشر ضمن ندوة الأكاديمية، مراكش 1993 وكالة أنباء المغرب العربي مجلة الأكاديمية. - د. التازي: الحضور العربي في جزيرة سردينية بحث قدم لمجمع اللغة العربية، القاهرة مجلة المجمع 74 مايو 1994. - د. التازي: منطقة الخليج بين ماركو بولو وابن بطوطة بحث قدم للندوة الدولية دبي، الإمارات العربية المتحدة 1996.

- د. التازي: الأعلام الجغرافية في رحلة ابن بطوطة بحث قدم لمجمع مارس اللغة العربية بالقاهرة 1996. - التجيبي: مستفاد الرحلة والاغتراب تحقيق. عبد الحفيظ منصور- الدار العربية للكتاب، ليبيا - تونس 1995- 1975. - الترمذي (الإمام) مختصر الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية تحقيق الألباني- المكتبة الإسلامية- عمان 1405. - التمجروتي: النفحة المسكية في السفارة التركية.- نشر دوكاستري 1929. - التنوجي أبو علي المحسن نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة، تحقيق: عبود الشالجي 1391- 1971 - التنسي: تاريخ بني زيان تحقيق د. بوعياد 1985 - ابن جبير: رحلة بن جبير- مكتبة الهلال بيروت- لبنان 1981 - ابن حجر: الدرر الكامنة في أعيان المائدة الثامنة تحقيق محمد سيد جاد الحق طبعة ثانية 1385- 1966 طبع دار الكتب الحديثة، القاهرة. - الحكيم محمد تقي: الزواج المؤقت ودوره في حل مشكلات الجنس دار الأندلس، بيروت 1963 - د. حلمي كمال الدين: السلاحقة في التاريخ والحضارة، الكويت 1345- 1975 - حمزة علي لقمان: تاريخ الجزر اليمنية مطبعة الجميل- بيروت 1972 - الحموي ياقوت: المشترك وضعا والمفترق صقعا 1846 - الحموي ياقوت: معجم البلدان تحقيق فريد عبد العزيز الحندي دار الكتب العلمية- بيروت 1410- 1990 - الحميري: الروض المعطار في خبر الأقطار، حققه د. احسان عباس مكتبة لبنان 1984. - حسن عبد الوهاب، آثار الوجه البحري، آثار فوّا مجلة المجمع العلمي المصري- المجلد 38 1956- 1957. - د. حسن عبد السميع محسن: ابن بطوطة الرحالة 1965 القاهرة - د. حسن علي إبراهيم: البلهارسيا بمصر، مجمع اللغة العربية بالقاهرة 1991 - الحيحي: محمد العبدري: الرحلة المغربية 6688 تحقيق د. محمد الفاسي. نشر جامعة محمد الخامس- الرباط 1968 - د. الحياري مصطفى: الإمارة الطائية في ديار الشام 1977 وزارة الثقافة، الأردن 1977- عمان - الخزرجي: العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية. تحقيق: محمد بن علي الأكوع الحوالي. طبعة ثانية مركز الدراسات والبحوث اليمني. صنعاء

- ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة. تحقيق عبد الله عنان، مكتبة الخانجي طبعة أولى 1975- القاهرة. - ابن الخطيب: ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب تحقيق محمد عبد الله عنان مكتبة الخانجي القاهرة- 1980 - خالد محمد غرب: فوة: مدينة المساجد- دار الكتب 1989. - ابن خلدون: المقدمة طبعة دار الكتاب اللبناني- بيروت 1956. - ابن خلدون: كتاب العبر- طبعة دار الكتاب اللبناني 1985 - ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان تحقيق د. احسان عباس 1968. - خليفة عباس العبيد: الزبير باشا- مركز الدراسات السودانية- القاهرة 1995 - فاطمة خليل: الرحلة في الأدب المغربي، رسالة جامعية 1994- 1995 - خليل الله خليلي: ابن بطوطة في أفغانستان مطبعة الجامعة، بغداد 1971 تقديم عبد الهادي التازي - الدكتور خصباك شاكر: ابن بطوطة ورحلته مطبعة الآداب النجف الأشرف 1971. - الخوجة محمد الحبيب- الحياة الثقافية بإفريقيا صدر الدولة الحفصية مجلة الكلية الزيتونية- العدد 4 1977- 1976 - الدكالي ابن علي الإتحاف الوجيز- منشورات الخزانة الصبيحية (سلا) 1406 - دوزي: المعجم المفصل بأسماء الملابس عند العرب ترجمة د. أكرم فاضل- وزارة الإعلام بغداد- 1971 - ابن الدّيبع: قرّة العيون بأخبار اليمن الميمون- تحقيق محمد الأكوع مطبعة السعادة 1977 - راجي عنايت: مغامرات ابن بطوطة المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1988 - رضوان ليولين روى (جامعة بيكين) ، العلاقات الصّينية المغربية في العصور القديمة، كلمة ألقاها في 8 يونيه 1988 في ندوة العلاقات المغربية الصينية والتطلعات لمستقبلها وقد انعقت في بيكين - ابن رشد: الفتاوي تحقيق الدكتور المختار بن الطاهر التليلي دار الغرب الإسلامي- بيروت 1407- 1987- الزركلي- الأعلام ... - الزركشي: تاريخ الدولتين: الموحدية والحفصية تحقيق محمد ماضور المكتبة العتيقة- تونس طبعة ثانية 1966 - الزاوي الطاهر: معجم البلدان الليبية مكتبة النور طرابلس- ليبيا 1388- 1968 - الزياني أمل ابراهيم- البحرين بيروت 1973

- زيادة نقولا: الجغرافيا والرحلات عند العرب، دار الكتاب اللبناني- بيروت، تموز 1962 - الزياني أبو القاسم: الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا- تحقيق عبد الكريم الفيلالي 1967 وزارة الأنباء- لجنة إحياء التراث القومي. - ابن زيدان: عبد الرحمن: اتحاف اعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس طبعة ثانية تقديم عبد الهادي التازي مطبعة إيديال، البيضاء 1991 - طوتركش عبيد: الصراع حول هرمز منشورات اتحاد كتاب وأدباء الإمارات 1940. - الكتاني: سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس طبعة حجرية 1316 هـ- - كراتشكوفسكي: تاريخ الأدب الجغرافي العربي طبعة ثانية مصححة ومنقحة- دار الغرب الإسلامي 1987. - ابن الكازروني: ظهير الدين مختصر التاريخ تحقيق. د. مصطفى جواد- فهرست: سالم الآلوسي بغداد 1970 - گنون: عبد الله: مشاهير المغرب سلسلة رقم 25 معهد مولاي الحسن تطوان (بدون تاريخ) - حول رؤية ابن بطوطة لابن تيمية، مجلة المجمع العلمي العربي، ج 40 يناير 1995 - ماجين بونغ: ترجمة رحلة ابن بطوطة إلى الصينية عام 1984 - مؤنس. د. حسين ابن بطوطة ورحلاته، دار المعارف- مصر 1980. - ابن المجاور: تاريخ المستنصر صفة بلاد اليمن- تصحيح: أوسكار لوفكرين طبعة ثانية 1407- 1986 منشورات المدينة. - محمد محفوظ: تراجم المؤلفين التونسيين- دار الغرب الإسلامي- بيروت 1984 - محمد مصطفى زيادة: رحلة بن جبير ورحلة بن بطوطة، المعهد الخليفي للأبحاث تطوان 1939 - محمد العابد الفاسي، الخزانة العلمية بالمغرب- مطبعة الرسالة 1960- الرباط - محمد بن عثمان المكناسي: الإكسير في فكاك الأسير تحقيق محمد الفاسي- نشر المعهد الجامعي للبحث العلمي- الرباط 1965 - محمد سعيد المسلم: هذه بلادنا- كتاب القطيف الرياض طبعة أولى 14010- 1989 - محسن حسين عبد السميع: دراسات في الإسلام، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية 1965 - ابن مرزوق: المسند الصحيح الحسن تحقيق د. مارية خيسوس بيفيرا الجزائر 1981 - المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب، نشرة: محمد الفاسي مطبعة الثقافة- سلا المغرب 1357- 1938. - مطلوب أحمد- الملامح الاقتصادية في رحلة ابن بطوطة- المجمع العلمي العراقي 1994. - المطوي العروسي: السلطنة الحفصية- دار الغرب الإسلامي- بيروت 1406- 1986.

- المنوني محمد- ركب الحاج المغربي، معهد مولاي الحسن- تطوان طبعة المخزن 1953. - المنوني: نظم الدولة المرينية- مجلة البحث العلمي 1964 - المعبري: أحمد عز الدين المليباري تحفة المجاهدين في أحوال البرتغاليين،" تحقيق: محمد سعيد الطريحي، دائرة المعارف الهندية- مؤسسة الوفاء، بيروت 1985. - المقرّي: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب تحقيق د. احسان عباس، بيروت، دار صادر 1968. - المقري: أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض صندوق احياء التراث الإسلامي المشترك بين م. م ودولة الإمارات ع. م 1398- 1978 - المقريزي تقي الدين كتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار تحقيق د. أيمن فؤاد سيد، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي- لندن 1416- 1995 والمقريزي: الذّهب المسبوك، تحقيق جمال الدين الشيال- القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1955. - ميكيل أندري، العرب الإسلام وأوروبا مركز الحريري الثقافي- بيروت 1993. - النّميري ابن الحاج: فيض العباب ... تحقيق د. محمد بن شقرون، دار الغرب الإسلامي 1990. - الناصري، الاستقصاء، طبعة دار الكتاب- البيضاء 1956. - النّعيمي. د. سليم، ألفاظ من رحلة ابن بطوطة مجلة المجمع العراقي العلمي 1974- بغداد. - النعيمي الدمشقي- الدارس في تاريخ المدارس تحقيق: الأمير جعفر الحسني- دمشق 1370- 1951 - د. عبد الله يوسف الغنيم- جزيرة العرب من كتاب الممالك والمسالك 1399- 1977- الكويت. - ابن عبد المالك الأوسي المراكشي، الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة. تحقيق: د. محمد بن شريفة مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية 1984. - د. عبد المنعم الماجد: نظم دولة سلاطين المماليك ورسومهم في مصر مكتبة أنجلو المصرية 1967. - عبد العزيز سالم: تاريخ الإسكندرية وحضارتها دار المعارف 1969. - العبادي أحمد المختار، النّزعات الاقتصادية لابن الخطيب- مجلة كلية الآداب- الإسكندرية 1958. - العباس بن إبراهيم: الإعلام بمن حلّ في مراكش واغمات من الأعلام 1976 المطبعة الملكية. - د. عادل خلف: الملاحظات اللغوية لإبن بطوطة 1994- مكتبة الآداب، القاهرة 1415- 1994. معجم الفاظ ابن بطوطة غير العربية، القاهرة 994 - ابن العديم: تاريخ حلب، تحقيق سامي الدهان- دمشق 1984.

- عبد الفتاح: سعيد عاشور: الحركة الصليبية طبعة خامسة 1993 مكتبة الانجلو المصرية. - د. العريني د. السيد الباز، المغول دار النهضة العربية- بيروت 1986. - علوي خسرو- سفرنامة 444- 1052- ترجمة يحيى الخشاب، أبريل 1946 - عمر رضا كحالة: معجم قبائل العرب، المطبعة الهاشمية دمشق 1368- 1949 - عمر رضا كحالة: اعلام النساء 1402- 1982 - عمارة نجم الدين: تاريخ اليمن تحقيق محمد الأكوع الحوالي، طبعة ثالثة 1399- 1979 - عمارة نجم الدين: المفيد في أخبار صنعاد وزبيد. تحقيق: محمد الأكوع ... - العمري: التعريف بالمصطلح الشريف. تحقيق: د. سمير الدّروبي، منشورات جامعة مؤته الأردن 1413- 1992. - العمري: مسالك الأبصار في ممالك الأنصار، اصدار فؤاد سزكين معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية جامعة فرانكفورت ألمانية 1408- 1988. - عبد الله عنان: ابن بطوطة أعظم الرحل في العصور الوسطى 1981- مجلة العربي، الكويت - د. عصام محمد شبارو: تاريخ بيروت منذ أقدم العصور حتى القرن العشرين، دار مصباح الفكر 1987. - العصامي المالكي: سمط النجوم العوالي: المطبعة السلفية- القاهرة 1980. - ابن عساكر: فضايل دمشق: مطبوعات المجمع العربي بدمشق مطبعة الشرفي 1383- 1963. - وزارة المعارف العمومية:" مهذب رحلة ابن بطوطة المسماة تحفة النظار" العوامري أحمد بك ومحمد أحمد جاد المولى بك المطبعة الأميرية- القاهرة 1993. - الغرناطي أبو حامد الغرناطي تحفة الألباب. - ابن غازي: الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون. مطبوعات القصر الملكي 1384- 1964 - الغساني عبد القادر بن سالم بن أحمد: ظفار أرض اللبان- سلطنة عمان المطابع العالمية. - غيّر مو غوسطافينوغيانت: الرحالة الكدود (ابن بطوطة) دار النشر المغربية- تطوان 1950. - الغيلاني ابراهيم بن أحمد: ناحية من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية. تحقيق: محب الدين الخطيب طبعة ثانية 1399. - ابن فرحون، الديباج المذهب، المطبعة الحجرية لفاس 1316 هـ. - الفردوسي أبو القاسم، الشهنامة (بالفارسية) وترجمها الفتح البنداري وراجعها: د. عبد الوهاب عزام أعيد طبعها بالأوفست في طهران 1970. - فازليف: العرب والروم. ترجمة: د. محمد عبد الهادي شعيرة- دار الفكر العربي 1934.

- الفهري ابن رشيد الفهري." ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة. تحقيق محمد الحبيب بن الخوجة، الدار التونسية للنشر 1982. حرف القاف - القرطبي: المفهم في شرح صحيح مسلم (الحديث) - القلقشندي: صبح الأعشى، دار الكتب المصرية، القاهرة 1914- 1919 - القزويني: عجائب المخلوقات، تحقيق فاروق سعد بيروت 1973. - القطيبي: عبد الله الخريطة السياسة للعالم الإسلامي من خلال رحلة بن بطوطة بحث لنيل الإجازة 1992- 1993- كلية الحقوق المغرب. حرف السّين: - سكريج (الشيخ) رياض البهجة في أخبار طنجة، مخطوط الخزانة الصبحية- سلا - سالم بن حمود بن شامس: العنوان عن تاريخ عمان - السالمي نور الدين، تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان 1394- 1974 - السامراني، خليل ابراهيم السامراني، رحلة بن بطوطة 1993. - السامرائي خليل، الألفاظ الدخيلة في رحلة ابن بطوطة مجلة البحث العلمي 1976- الرباط - سعيد الديوه جي: جوامع الموصل في مختلف العصور، مطبعة شفيق 1382- 1963. - سوفاجي جان: أخبار الصين والهند جمعت سنة 237 باريز 1948. حرف الشين: - ابن شداد: الأعلاق الخطيرة- تحقيق: سامي الدهان، دمشق 1962. - د. الشرقاوي محمود: رحلة بن بطوطة من طنجة إلى الصين والأندلس وإفريقيا، مكتبة أنجلو المصرية 1968. - أبو شامة: عيون الروضتين في أخبار الدولتين تحقيق: أحمد البيسومي، منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1991 - د. شبلي رؤوف: الإسلام في أرخيل الملايو ومنهج الدعوة إليه الطبعة الأولى 1395 1975 - شهاب: حسن صالح: المراكب العربية نشر مؤسسة الكويت للتقدم العلمي 1987. - شهاب: حسن صالح عدن فرضة اليمن. مركز الدراسات والبحوث اليمني، صنعاء 1410 1990 حرف الهاء: - د. هارون دين ووان حسن: الدعوة الإسلامية في ماليزيا، 1985. - الهمداني رشيد الدّين فضل الله: جامع التواريخ نقله إلى العربية جماعة من الأساتذة، 1960. - الهروي: الإشارات إلى معرفة الزيارات تحقيق: جانيت سورديل- طومين، نشر المعهد الفرنسي بدمشق 1953.

المجلات والجرائد

المجلات والجرائد - مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية- سلسلة الندوات 1413- 1993 - مجلة أكاديمية المملكة المغربية- العدد 11 سنة 1994 - الأنباء 17- 18- 1991- 18 أبريل 1993 - جريدة الرائد الهندية نونبر دجنبر 1976 - مجلة آفاق لسان اتحاد كتاب المغرب العربي يناير- مارس 1963 - الأهرام: 30 أبريل 1993 حرف الباء - مجلة البحث العلمي 1964 - مجلة البحث العلمي: يناير 1977- محرم 1397 - مجلة المعهد الجامعي للبحث العلمي رمضان 1400- 1980 - مجلة البحث العلمي- نوبر العدد 33 1982 - المعهد الجامعي للبحث العلمي 32/1983 - مجلة البحث العلمي: العدد 36/1406- 1986 - مجلة الدراسات الإسلامية: يناير 1989 - مجلة الدراسات التاريخية كانون الأول 1991 سوريا - دعوة الحق- العدد 223، شوال 1402 يونيه 1982 - دعوة الحق: يونيه 1983 - دعوة الحق: أبريل 1984 - دعوة الحق: عدد 287- 2 يبراير 1992 - مجلة دعوة الحق: العدد 293 أكتوبر 1992 - دعوة الحق- مارس 1994 حرف الكاف - مجلة الكلية الزيتونية- العدد 4 1976- 1977 - مجلة كلية الآداب، جامعة الاسكندرية، مجلد 12، 1958 - مجلة كلية دار العلوم (القاهرة) العدد 144 دجنبر 1954 - مجلة كلية الآداب العلوم الإنسانية شوال 1411 أبريل 1991

حرف الميم - مجلة مجمع دمشق، يونيه 1965 ربيع الأول 1385 - مجلة المجمع العلمي المصري، المجلد 38- 1957 - مجلة مجمع اللغة العربية- القاهرة- مايه 1989 - مجلة مجمع اللغة العربية، الجزء 74 ذو الحجة 1414- مايه 1994 - مجلة مجمع اللغة العربية بعمان- دجنبر 1981 - مجلة المجمع العراقي، المجلد 13 سنة 1385 1966 - مجلة المجمع العراقي، المجلد 13 سنة 1971 - مجلة المجمع العراقي، المجلد 13 سنة 1974 - مجلة المجمع العراقي، المجلد 13 سنة والمجلد 24 سنة 1974 - مجلة المجمع العراقي، المجلد 13 سنة 1975 - مجلة المجمع العلمي العربي، المجلد الأربعون ج I يناير 1985 شعبان 1384 - مجلة المقتطف المصرية، المجلد 48 يناير 1916 - مجلة المجال الإمريكية في العدد 255 يونيه 1992 - المناهل المغربية- صفر 1395- مارس 1975 - مجلة المصور: مارس 1984 - مجلة صحيفة المعهد المصري- مدريد 1988 - المورد البغدادية المجلد 18 عدد 4 سنة 1989- المجلد 21 عدد 1 1413- 1993- 1994 - مجلة الموسم العدد 16 سنة 1993 العدد 369 - الميثاق الوطني 8 أبريل 1993 - النضال الديمقراطي 8 أبريل 1993 - جريدة الميثاق (طنجة) فاتح محر 1404 حرف الضاد - مجلة (ضفاف) المغربية ماي 1993 حرف العين - مجلة (العربي) الكويت عدد 270 ماي 1981 وعدد 320 يونيه 1985 - جريدة العلم المغربية 18/10/1974 - جريدة العلم المغربية 8 نونبر 1988 - جريدة العلم المغربية 7 غشت 1988 - جريدة العلم المغربية 30 أبريل 1989

- جريدة العلم المغربية 8 أبريل 1993 - جريدة العلم المغربية 26 شتنبر 1995 حرف الفاء - مجلة الفيصل السعودية أكتوبر 1992 حرف الشين - جريدة الشرق الأوسط عدد 8- 9 11 شتنبر - جريدة الشرق الأوسط عدد 29 غشت 1988- أكتوبر 1988 - جريدة الشرق الأوسط عدد 10 أبريل 1993 حرف الهاء - مجلة الهيئة الإسلامية- الجزء 12 المجلد 1 القاهرة جمادى،I أكتوبر 1929 حرف الواو - وكالة أنباء المغرب العربي 14 مارس 1993- 7 أبريل 1993

فهرس المخطوطات

فهرس المخطوطات 1) - مخطوطات بالخزانة العامة بالرباط - المخطوطة رقم 247/ق - المخطوطة رقم 248/ق - المخطوطة رقم 2541/د - المخطوطة رقم 2399/ك للشيخ عبد الحي الكتاني - المخطوطة رقم 3630/ك 2) - مخطوطات 1 الخزانة الملكية (الخزانة الحسنية) - مخطوط مولاي العباس رقم 3030 - المخطوط رقم 8488 بخط ابن جزى - المخطوط رقم 151 - المخطوط رقم 3631 - المخطوط رقم 356 3) - مخطوطة منتقى البيلوني دار الكتب المصرية بتاريخ 8 ربيع الأول 1091 - مخطوطة منتقى البيلوني كتبت بتاريخ 17 شعبان 1210 برسم الشيخ الفيومي - مخطوطة من منتقى البيلوني منتسخة يوم 15 شوال 1272 - مخطوطة من منتقى البيلوني بالقاتيكان رقم 1601 ب - كتبت أوائل رجل 1181 4) - المخطوطات الباريزية- رقم: 1290 908 - رقم: 2287 909 - رقم: 2290 908- رقم: 2288 911 - رقم: 2291 907- رقم: 2289 910 5) مخطوطة الروض الباسم في حوادث العمر والتراجم تأليف عبد الباسط خليل الحنفي المالقي القاهري (920- 1514) 6) مخطوطة خزانة جامع القرويين رقم 561

7) مخطوطة خزانة المسجد الأعظم لمدينة وازان رقم 31 8) مخطوطة الأكاديمية العلمية بلشبونة A 1254 عرضت هناك في أوائل مايه 1995 9) مخطوطة (سالة) لسان الدين ابن الخطيب لصديقه شمس الدين بن بطوطة قاضي تامسنا (نسخة خاصة) 10) مخطوطة الحبيب اللمسي: تونس 11) مخطوطة الكتاني عن تاريخ القرويين بفاس رقم 2929 12) مخطوطة دار الكتب التونسية رقم 5048 13) مخطوطة حول الملاجئ الخيرية الإسلامية في الدولة الموحدية والمرينية للشيخ عبد الحي الكتاني 14) مخطوطة كايانكوس من الأكاديمية الملكية للتاريخ بمدريد وعمل تاريخ 8 صفر سنة 1139 15) مخطوطة ابن بطوطة التي حبّسها السلطان مولاي عبد الله بن إسماعيل على جامع سيدي أبي العباس بمراكش، وهي بخزانة كلية ابن يوسف رقم 412. 16) منتخب الرحلة (المؤلف مجهول) رقم 22741 وقع الفراغ منه في 4 ذو القعدة: 1102 طبعت بمصر عام 1278 1861 17) كتاب:" الإشراف على بعض من حل بفاس من الأشراف" للطالب بن الحاج 18) مختصر رحلة ابن بطوطة للبيلوني 19) مخطوطة البلوي (تاج المفرق) الخزانة رقم 5264 ورقم 12307

عبد الهادي التازي

عبد الهادي التازي - ولد بمدينة فاس 7 شوال 1339- 15 يونيه 1921 - أسهم منذ صغره في الحركة الوطنية فتعرض للنفي والاعتقال - تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بفاس، ونال شهادة العالمية من جامعة فاس القرويين بدرجة متفوق جدا (1366- 1947) وعين أستاذا بها ابتداء من 1/5/1948 - بروقي معهد الدراسات العليا المغربية (1953) - انتقل من فاس للرباط بعد استرجاع الاستقلال للإشراف على القسم الثقافي بوزارة التربية الوطنية (أكتوبر 1957) - طمح إلى الانتساب لجامعة محمد الخامس (العصرية) فنال بها دبلوم الدراسات العليا بميزة حسن جدا (28 أبريل 1963) . - شهادة في الانجليزية من معهد اللغات بغداد (1966) أحرز على دكتوراه الدولة في الآداب من جامعة الاسكندرية بمرتبة الشرف الأولى سنة 1971. - نشر منذ صباه (رمضان 1354 دجنبر 1935) عدة مقالات وترجم عن الفرنسية والانجليزية عددا من الدّراسات والمقالات ... (تفوق 900) - ألف عشرات من الكتب كانت بدايتها تفسير سورة النور (1365- 1946) ، ومنها تحقيق تاريخ ابن صاحب الصلاة (تاريخ الموحدين) ... ثلاث طبعات، ومنها تاريخ جامع القرويين في ثلاث مجلدات، وكان أوسعها (التاريخ الدبلوماسي للمغرب) في اثني عشر مجلدا سوى الملاحق التي تقع في ثلاث مجلدات وقد اقتبست الموسوعة الإسلامية (ليدن) من المصادر الثلاثة ... مارس الأستاذية والمحاضرة في طائفة من المعاهد والمدارس العليا والكليات بمختلف الجهات داخل المغرب وخارجه عن تاريخ العلاقات الدولية وغير ذلك من الموضوعات ذات الصلة بالحضارة والتاريخ ... - عيّن مديرا للمعهد الجامعي للبحث العلمي عام 1974. - عيّن سفيرا للملكة المغربية 13/5/1963 لدى الجمهورية العراقية، ثم لدى ليبيا (4 يونيه 1967) ثم لدى بغداد مرة ثانية (20 شتنبر 1968) حيث كان يقوم أيضا بمهمات ديبلوماسية في إمارات الخليج في أوائل السبعينات ثم عين سفيرا لدى الجمهورية الإيرانية الإسلامية (28 أبريل 1979) ، ثم عين مكلفا بهمة بالديوان الملكي ...

- شارك في عشرات المؤتمرات واللقاءات الدّولية (ثقافية واجتماعية وسياسية) : منها مؤتمرات للقمة ... - الرئيس المؤسس لنادي الدبلوماسيين المغاربة 1990. - رئيس المؤتمر السادس للأمم المتحدة لتنميط الأسماء الجغرافية (نيويورك) ابتداء من 1992. - عضو المجمع العلمي العراقي منذ (1966) ومجمع اللغة العربية بالقاهرة (1976) والمعهد الثقافي العربي الأرجنتيني (1978) ومؤسسة آل البيت ومجمع اللغة العربية (الأردن) مارس 1980 وعضو اللجنة التأسيسية لأكاديمية المملكة المغربية ثم عضو بالأكاديمية (أبريل 1980) ، عضو بمجمع اللغة العربية بدمشق 1986، عضو مؤسسة الثرات الإسلامي (لندن 1991) عضو بالمجمع العلمي المصريّ 1996. - عضو في عدد آخر من الجمعيات والمؤسسات والمنتديات الإقليمية والدولية. - وسام العرش (المغرب 1963) - الحمالة الكبرى للاستقلال (ليبيا 1968) وسام الرافدين (العراق 1972) قلادة الكفاءة الفكرية من الدرجة الممتازة (المغرب 1976) - الميدالية الذهبية للأكاديمية (1982) .

مكتب مطبوعة للمؤلف

مكتب مطبوعة للمؤلف 1) تفسير سورة النور (1365- 1946) مطبعة فضالة- المحمدية 1405- 1984 2) آداب لامية العرب، المطبعة الوطنية- الرباط 1953. 3) أحد عشر قرنا في جامعة القرويين (بالعربية والفرنسية والانجليزية) مطبعة فضالة- 1960 4) أعراس فاس، مطبعة فضالة- المحمدية 1961. 5) تحقيق (تاريخ المن بالامامة لابن صاحب الصلاة) طبعات، بيروت 1964، بغداد 1979، بيروت 1989. 6) جولة في تاريخ المغرب الدبلوماسي، مطبعة فضالة- المحمدية 1967. 7) تاريخ العلاقات المغربية الإمريكية (بالانجليزية) مطبعة فضالة- المحمدية 1967. 8) لو أبصرت ثلاثة أيام، (ترجمة عن الانجليزية) للكاتبة الإمريكية گيلير هيلين 1970- 1990 الرياض. 9) جامع القرويين المسجد الجامعة بمدينة فاس (ثلاث مجلدات) بيروت 1972. 10) ليبيا من خلال رحلة الوزير الإسحاقي، مطبعة فضالة- المحمدية 1976. 11) قصر البديع بمراكش من عجائب الدنيا ... مطبعة فضالة- المحمدية 1976. 12) في ظلال العقيدة، دار الثقافة الدار البيضاء 1397- 1977. 13) صقلية في مذكرات السفير ابن عثمان، مطبعة فضالة- المحمدية 1977. 14) التعليم في الدول العربية (مطبعة اليونسكو) في ثلاث لغات 1977. 15) رسائل مخزنية (القسم الأول) مطبعة أگدال- الرباط 1979 16) العلاقات المغربية الإيرانية. مطبعة أگدال- الرباط 1979 17) القنص بالصقر بين المشرق والمغرب، المطبعة العصرية- الرباط 1980 18) الحماية الفرنسية، بدءها- نهايتها، مطبعة دار الرشاد الحديثة، البيضاء 1980. 19) أوقاف المغاربة في القدس، مطبعة فضالة- المحمدية 1981. 20) تحقيق (النصوص الظاهرة في إجلاء اليهود الفاجرة) لابن أبي الرجال، نشر جامعة صنعاء 1980 21) دفاعا عن الوحدة الترابية، مطبعة أگدال- الرباط 1982. 22) الرموز السرية في المراسلات المغربية، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط 1983. 23) تحقيق (الفريد في تقييد الشريد) لأبي القاسم الفجيجي، مطبعة النجاح. البيضاء 1983. 24) إيران بين الأمس واليوم، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء 1984. 25) الموجز في تاريخ العلاقات الدولية للمملكة المغربية (بالعربية والفرنسية والانجليزية) مطبعة المعارف الرباط 1405- 1985

26) المغراوي وفكره التربوي، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض 1986. 27) التاريخ الدبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى اليوم، في أثني عشر مجلدا سوى الملاحق (ثلاث مجلدات) مطبعة فضالة. المحمدية 1406- 1886. 28) التاريخ الدبلوماسي للمغرب بالأشرطة المرسومة بالاشتراك مع ثلة من الأساتذة. رقم الإيداع القانوني 90- 635. 29) المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، نشر1992 -1413 GNUTFITS TREBE HCIRDEIRF 53170 NNOB 30) تحقيق المنزع اللطيف في مفاخر المولى إسماعيل ابن الشريف، لابن زيدان، مطبعة إيديال 1993. 31) تحقيق رحلة ابن بطوطة نشر أكاديمية المملكة المغربية مطبعة المعارف الجديدة الرباط (1417- 1997) الجاهز للطبع: الوسيط في تاريخ العلاقات الدولية للمملكة المغربية معرّباتي عن الفرنسية والانجليزية..

§1/1