ذيل الصواعق لمحو الأباطيل والمخارق

التويجري، حمود بن عبد الله

تقديم لصاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تقديم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد الخلائق أجمعين وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد فقد قرأ عليَّ فضيلة الشيخ/ حمود بن عبد الله التويجري مؤلفه القيم (ذيل الصواعق لمحو الأباطيل والمخارق) فألفيته كتاباً جيداً في معناه أجاد فيه وأفاد، وبيَّن غلطات الأستاذ محمد محمود الصواف في كتابه (المسلمون وعلم الفلك) بما لا مزيد عليه، بارك الله فيه وفي علومه. فإن الأستاذ الصواف ذكر في كتابه (المسلمون وعلم الفلك) أشياء لم يدل عليها دليل لا من كتاب ولا من سنة ولا إجماع ولا عقل سليم ولا يكاد يصدق بها من له أدنى مسكة من عقل فضلا عمن لديه أدنى علم بنصوص الكتاب والسنة {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}. مثل قول الصواف عن أبي جعفر الطوسي: "وهل تعلم أن من علماء الهيئة المسلمين الذين رصدوا وألفوا وسهروا الليالي الطوال في مناجاة النجوم ورصد حركاتها وسكناتها الشيخ/ أبو جعفر نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي الفيلسوف ... " إلى أن قال: "ولو أردنا أن نزيد لأتينا بالشيء الكثير من فعل سلفنا الصالح". وحالة الطوسي معلومة عند أهل العلم قال عنه ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان) في صفحة (267) المجلد الثاني: " لما انتهت النوبة إلى نصير الشرك والكفر والإلحاد وزير الملاحدة النصير الطوسي وزير هولاكو شفى نفسه من أتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأهل دينه، فعرضهم على السيف حتى شفى إخوانه من الملاحدة، واشتفى هو فقتل الخليفة والقضاء الفقهاء والمحدثين، واستبقى

الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين والسحرة، ونقل أوقاف المدارس والمساجد والربط إليهم، وجعلهم خاصته وأولياءه، ونصر في كتبه قدم العالم وبطلان المعاد، وإنكار صفات الرب جل جلاله من علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، وليس فوق العرش إله يعبد البتة، واتخذ الملاحدة مدارس، ورام جعل إشارات إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن فلم يقدر على ذلك، فقال هي قرآن الخواص، وذلك قرآن العوام، ورام تغيير الصلاة وجعلها صلاتين، فلم يتم له الأمر". وتعلم السحر آخر الأمر، فكان ساحراً يعبد الأصنام، قال ابن القيم في الكتاب المذكور نقلا عن مصارعة المصارعة للطوسي: "وأنه تعالى لم يخلق السموات والأرض في ستة أيام، وأنه لا يعلم شيئا، وأنه لا يفعل شيئا بقدرته واختياره، ولا يبعث من في القبور .... " إلى أن قال: "وبالجملة فكان هذا الملحد هو وأتباعه من الملحدين الكافرين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر" انتهى. فلا ينبغي حينئذ تعداده من المسلمين ولا من سلفنا الصالح. ومثل قول الأستاذ الصواف: "إن الشمس تفقد أربعة ملايين طن من وزنها في الثانية الواحدة من احتراقها ولم تزل تجدد وزنها وحجمها". فمن وزنها بذلك؟. ومن عرف مقدار ما تحرقه من ملايين الأطنان؟ .. ومن قدر هذا الزمان الذي تحرق فيه هذا العدد الهائل؟ .. ومن ذلك نقله عن جيمس أوثر أن العالم بدأ يوم 26 أكتوبر سنة 4004 قبل الميلاد، ولم يرده، بل نقله مقرا له ومرتضيا، فما الذي أدراه عن ذلك الشهر وعن ذلك اليوم وأنه هو اليوم السادس والعشرون من أكتوبر بحيث لم يتقدم يوما ولم يتأخر يوما؟ لا يعلم متى كان ذلك إلا الله. وقال أيضاً: "جاء في أحد الكتب الهندية المقدسة أن عمر العالم هو 1.972.949.056 ألف وتسعمائة واثنان وسبعون مليون وتسعمائة وتسع وأربعون ألفا وست وخمسون سنة".

وقال أيضاً: " إن الجهود التي يبذلها الفلكيون في العصر الحديث يمكن أن تعتبر أصح تقدير لعمر الكرة الأرضية فقد دلت آخر التقديرات القائمة أن عمر الكرة الأرضية حوالي خمسة آلاف وأربعمائة مليون سنة 5.400.000.000" وهذا تناقض كما ترى فلا يعلم متى كان ذلك غير من خلق هذا الكون وأوجده. ونعوذ بالله أن نقول بقدم العالم كما يقوله بعض الفلاسفة .. وقال أيضاً: " إن بعض العلماء أظهر أنه تمكن من احتساب النقص في سرعة دوران الأرض فوجد أن هذا النقص يبلغ حوالي ثانية واحدة كل مائة وعشرين ألف سنة " ثم قال الأستاذ الصواف: "وعليه فبعد 432 مليون سنة ينقص دوران الأرض بمقدار ساعة وعندئذ يصبح مجموع ساعات الليل والنهار 25 ساعة". فتصور هذا وأمثاله كاف في رده. وقال أيضاً في عمر الشمس: " إنه خمسة آلاف مليون سنة، وأن نجوما سوف لا يصل نورها إلى كرتنا الأرضية في أقل من ألف وخمسمائة مليون سنة ضوئية" قال: "مع العلم بأن الضوء يسير في الثانية الواحدة ثلاثمائة ألف كيلو متر. وأن هذا الكون يتضمن خمسمائة مليون مليون من المجرات كما يقدر علماء الفلك، وفي كل مجرة مائة ألف مليون نجم". إلى غير ذلك من الأشياء الكثيرة في كتابه، فلعل فضيلته يراجع كتابه ويصلح ما فيه من خطأ على ضوء الكتاب والسنة وما يؤيده العقل الصحيح، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في ضده، والله يوفق الجميع لما فيه صلاح ديننا ودنيانا، وأن يسلك بنا صراطه المستقيم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.،،، الرئيس العام لإشراف الديني بالمسجد الحرام عبد الله بن محمد بن حميد 3/ 11/ 1389 هـ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه. ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، وحجة على المعاندين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد، فقد اطلعت على رسالة لمحمد محمود الصواف سماها (المسلمون وعلم الفلك) قد جمع فيها ما نشره في جريدة الدعوة من التعقيب على الشيخ عبد العزيز بن باز فيما يتعلق بجريان الشمس وسكون الأرض، وزاد على ذلك شيئًا كثيرًا من تخرصات أهل الهيئة الجديدة، وتخرصات أتباعهم في الأرض والشمس والقمر والكواكب، وهذه الرسالة مطبوعة في لبنان في جمادى الأولى سنة 1387 هـ. وقد كنت كتبت ردا على ما نشره في جريدة الدعوة وسميته (الصواعق الشديدة على أتباع الهيئة الجديدة) وهو في الحقيقة رد على ما نشره في جريدة الدعوة وعلى رسالته المطبوعة معا، لأن ما في الرسالة المطبوعة هو نص ما نشره في الجريدة سوى ما زاده فيها من التخرصات وتحريف بعض الآيات وتأويلها على غير المراد منها. وقد رأيت أن اتبع الرد بملحق في رد ما زاده في الرسالة المطبوعة من

التخرصات والتوهمات، وتحريف الكلم عن مواضعه، وأسأل الله المعونة والتوفيق لما يجب ويرضى، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسا علينا فنضل. {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}

الرد على عنوان رسالة الصواف

فصل قال الصواف: (المسلمون وعلم الفلك). والجواب أن يقال إن هذا العنوان خطأ ظاهر لأن غالب ما في الرسالة من الكلام في الأرض والسموات والشمس والقمر والكواكب ليس من أقوال المسلمين وعلومهم، وإنما هو من تخرصات أهل الهيئة الجديدة وتوهماتهم. وأهل الهيئة الجديدة ليسوا من المسلمين، وإنما هم من فلاسفة الإفرنج، وهم كوبرنيك البولوني وأتباعه في القرن العاشر والقرن الحادي عشر من الهجرة، وهرشل الإنجليزي وأتباعه في القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر من الهجرة. وغالب ما نقله الصواف عن الألوسي، فهو مما نقله الألوسي عن أهل الهيئة الجديدة كما صرح بذلك في مواضع كثيرة من كتابه الذي سماه (ما دل عليه أهل الهيئة الجديدة وتخرصات أتباعهم فنسبة ذلك إلى المسلمين فرية عليهم، وتسمية الرسالة بهذا العنوان لا تطابق المسمى، وإنما المطابق له أن يقال (الإفرنج والتخرص في علم الفلك)، وسأنبِّه على ما يشهد لهذه المطابقة من تقوُّل الصواف إن شاء الله تعالى. والذي حمل الصواف على نسبة ما في رسالته من تخرصات أهل الهيئة الجديدة وتوهماتهم إلى المسلمين هو اعتقاده في أهل الهيئة الجديدة أنهم مسلمون، قد عرف أكثرهم بالتقوى والصلاح كما صرح بذلك في صفحة 44، وقال في صفحة 51 وصفحة 69 إنهم سلفه الصالح، وقال في صفحة 67 وصفحة 117 إنهم علماؤه الأعلام. وقد ذكرت في الصواعق الشديدة أنه لا يخلو في زعمه هذا

زعمه إن رسالته من العلم وافتراؤه على علماء المسلمين إنهم كانوا يشجعون علم الفلك وبناء المراصد والرد عليه

من أحد أمرين: إما إرادة التمويه والتلبيس على الجهلة الأغبياء بما لا حقيقة له في نفس الأمر، وأما شدة الغباوة فيه حيث نبا فهمه عما صرح به الألوسي في صفحة 23 و33 و34 و46 و59 و95 من كون أهل الهيئة الجديدة من الإفرنج. فصل قال الصواف في مقدمة رسالته في صفحة 11 ما نصه: "وحرصا مني على نشر العلم وبيان فضل علماء المسلمين الذين كان لهم الفضل الأكبر في تشجيع علم الفلك وبناء المراصد في مختلف البلدان رأيت أن أطبع هذا الرد في كتيب؛ ليطلع شبابنا على مفاخر أجدادهم وسبقهم للعالم في مختلف الميادين العلمية". والجواب عن هذا من وجوه: أحدها أن يقال: ليس ما نشره الصواف في رسالته بعلم، وإنما هي تخرصات وظنون كاذبة أوحاها الشيطان إلى أوليائه من فلاسفة اليونان وأتباعهم من فلاسفة الإفرنج المتأخرين، فاغتر بها أتباعهم ومقلدوهم من جهلة المسلمين، وظنوها علما صحيحا، وهي في الحقيقة جهل صرف لا يروج إلا على جاهل لا يميز بين العلم والجهل. الوجه الثاني: أن علماء المسلمين منزهون عن تشجيع علم الفلك وبناء المراصد كما سيأتي بيان ذلك في الفصل الذي بعد هذا الفصل، وما زعمه الصواف ههنا فهو من الافتراء على علماء المسلمين. الوجه الثالث: أن الذي نشره الصواف في رسالته كله من تخرصات

فيثاغورس اليوناني وأتباعه من فلاسفة الإفرنج المتأخرين، ومنهم كوبرنيك البولوني، وتيخوبراهي الدانماركي، وكبلر وغاليليه، ونيوتن الإنجليزي، وهرشل الإنجليزي، وداروين الإنجليزي. وهؤلاء كلهم من أعداء المسلمين، وليسوا من المسلمين فضلا عن أن يكونوا من أجداد المسلمين، كما توهمه الصواف، ومن زعم أن هؤلاء الفلاسفة من أجداد المسلمين فهو من أكذب الكاذبين. الوجه الرابع: أن المفاخر كل المفاخر للذين حملوا علم الكتاب والسنة ونشروه في هذه الأمة وهم الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان، وأئمة العلم والهدى من بعدهم، فأما تخرصات أعداء الله وظنونهم الكاذبة فليست بمفاخر كما قد توهمه الصواف، وإنما هي معائب وجهالات وضلالات تزري بمن تعلق بها غاية الأزراء، وقد قال الله تعالى {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وأول هذه الآية الكريمة مطابق لأهل التخرصات والظنون الكاذبة، وآخرها مطابق لأهل العلم الحقيقي الذي هو علم كتاب والسنة. الوجه الخامس: أن بناء المراصد من أفعال المنجمين من اليونان والصائبين، ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من المنحرفين عن الدين من هذه الأمة، وما كان هكذا فليس فيه فضل البتة، وليس هو من المفاخر كما قد توهمه الصواف، وإنما هو من المثالب والمعائب واتباع غير سبيل المؤمنين وقد قال الله تعالى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. وروى الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من تشبه بقوم فهو منهم» صححه ابن حبان، وقال

افتراؤه على العلماء الإعلام والخلفاء العظام والرد عليه

شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية: إسناده جيد، وقال الحافظ العراقي: إسناده صحيح، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: إسناده حسن، وقد احتج الإمام أحمد بهذا الحديث، وهذا يقتضي صحته عنده. قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ". انتهى. فصل وذكر الصواف في صفحة: "12 أن ما جمعه في رسالته فهو مما تركه العلماء الأعلام والخلفاء العظام". والجواب أن يقال: ليس هذا بصحيح، فإن الخلفاء العظام على الحقيقة هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، ولم يؤثر عن أحد منهم أنه تكلم في علم الفلك بشيء فضلا عن القول بسكون الشمس ودوران الأرض عليها، وكذلك ما ذكره الصواف من الهذيان الكثير في الأرض والشمس والقمر والكواكب فإن هذا مما ينزه عنه أحاد العقلاء فضلا عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. وهؤلاء الخلفاء الأربعة هم القدوة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وصححه أيضا ابن حبان والحاكم والذهبي.

كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية في المأمون وما أدخله على هذه الأمة من العلوم الفلسفية، وكلام حسن للذهبى والمقريزي في ذلك أيضا

ولا عبرة بمن حاد عن منهاج هؤلاء الخلفاء الراشدين من الملوك كالمأمون، فإنه قد اعتنى بتعريب كتب الأوائل وعمل الأرصاد، ففتح بذلك على الأمة باب شر عريض. وقد ذكر السفاريني في كتابه (لوائح الأنوار البهية) عن الصلاح الصفدي أنه قال: "حدثني من أثق به أن شيخ الإسلام ابن تيمية روَّح الله روحه كان يقول: ما أظن أن الله يغفل عن المأمون ولا بد أن يقابله على ما اعتمده مع هذه الأمة من إدخال العلوم الفلسفية بين أهلها". وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في (تذكرة الحفاظ) في ترجمة شجاع بن الوليد بن قيس: "لما قتل الأمين، واستخلف المأمون على رأس المائتين نجم التشيع، وأبدى صفحته، وبزغ فجر الكلام، وعربت كتب الأوائل ومنطق اليونان، وعمل رصد الكواكب، ونشأ للناس علم جديد مُرْدٍ مهلك، لا يلائم علم النبوة، ولا يوافق توحيد المؤمنين، قد كانت الأمة منه في عافية. إلى أن قال: "إن من البلاء أن تعرف ما كنت تنكر، وتنكر ما كنت تعرف، وتقدم عقول الفلاسفة، ويعزل منقول اتباع الرسل ويماري في القرآن ويتبرم بالسنن والآثار وتقع في الحيرة. فالفرار قبل حلول الدمار وإياك ومضلات الأهواء ومحارات العقول، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم" انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وقال المقريزي في كتاب الخطط: "وقد كان المأمون لما شغف بالعلوم القديمة بعث إلى بلاد الروم من عَرَّبَ له كتب الفلاسفة، وأتاه بها في أعوام بضع عشرة ومائتين من الهجرة، فانتشرت مذاهب الفلاسفة في الناس، واشتهرت كتبهم بعامة الأمصار، وأقبلت المعتزلة والقرامطة والجهمية وغيرهم عليها،

وأكثروا من النظر فيها والتصفح لها، فانجرَّ على الإسلام وأهله من علوم الفلاسفة مالا يوصف من البلاء والمحنة في الدين، وعظم بالفلاسفة ضلال أهل البدع، وزادتهم كفرا إلى كفرهم". انتهى. وقد سار على منهاج المأمون في عمل الأرصاد كثير من الملوك المنحرفين مثل الحاكم العبيدي، وبعض بني بويه والسلاجقة، وهولاكو وتيمورلنك وأولغ بك. فهؤلاء خلفاء الصواف الذين تركوا له ولأشباهه من علم الفلك وعمل الأرصاد ما تركوا، ومع ما كانوا عليه من الاعتناء بالأرصاد وعلم الفلك فقد كانوا على مذهب أهل الهيئة القديمة في القول بسكون الأرض وجريان الشمس، ولم يذكر عن أحد منهم أنه قال بتعدد الشموس والأقمار، ولا بغير ذلك مما يهذو به أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم في أبعاد الكواكب ومقاديرها، وغير ذلك مما أودعه الصواف في رسالته، وزعم أنه مما تركه الخلفاء العظام، وهو بذلك قد افترى عليهم ونسب إليهم ما لم يؤثر عنهم، وإنما هو مأثور عن أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم. وأما زعمه أن ما جمعه في رسالته فهو مما تركه العلماء الأعلام. فجوابه: أن يقال إن أعلم هذه الأمة على الإطلاق علماء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ولم يتكلم أحد منهم في علم الفلك بشيء فضلا عن القول بحركة الأرض وثبات الشمس، والرجم بالغيب عن أبعاد الكواكب ومقادير أجرامها وغير ذلك مما أودعه الصواف في رسالته. ثم التابعون وتابعوهم بإحسان وأئمة العلم والهدى من بعدهم، ولاسيما الأئمة الأربعة وأقرانهم من أكابر العلماء، فهؤلاء هم العلماء الأعلام على الحقيقة، ولم

زعمه ثبات الشمس وحركة الأرض والرد عليه

يقل أحد منهم بحركة الأرض وثبات الشمس، ولم يرجموا بالغيب عن أبعاد الكواكب ومقادير أجرامها، وغير ذلك مما أودعه الصواف في رسالته ونسبه إلى العلماء الأعلام، وهو بذلك قد افترى عليهم، ونسب إليهم ما لم يؤثر عن أحد منهم، وإنما هو مأثور عن أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم، فهم في الحقيقة خلفاء الصواف الذين زعم أنهم عظام، وعلماؤه الذين زعم أنهم العلماء الأعلام. فصل وفي صفحة 12 حرف الصواف هذه الآية {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا} فقال ولا تجعل في صدورنا غلا للذين آمنوا. فصل وفي صفحة 21 وما بعدها ساق رده على الشيخ ابن باز، وقرر فيه القول بثبات الشمس وحركة الأرض وسبحها في الفلك، وجعل ذلك من علوم المسلمين في الفلك. وهذا خطأ كبير فإن هذا القول الباطل من أقوال أهل الهيئة الجديدة وهم من فلاسفة الإفرنج المتأخرين، والمسلمون بريئون من هذا القول المخالف للكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وقد استوفيت الرد عليه في الصواعق الشديدة فليراجع هناك. فصل وفي صفحة 28 سمى الأرض الكوكب الأرضي، وهذا من أقوال أهل الهيئة الجديدة وليس من أقوال المسلمين، وقد تعقبت ذلك في الصواعق الشديدة فليراجع هناك.

الرد على من صغر الأرض وحقرها

فصل وفي صفحة 28 أيضا نقل الصواف عن الملحد الجهمي جميل صدقي الزهاوي أنه قال: وما الأرض بين الكائنات التي ترى بعينيك إلا ذرة صغرت حجما ونحو ذلك قول الصواف في صفحة 83 أن الأرض ما هي إلا فقاعة في محيط، وقوله أيضا في صفحة 109: "ولعل أدق وصف للأرض بالنسبة للكون هو أنها هباءة دقيقة لا ترى إلا بالمجهر في هذا الفضاء الفلكي الواسع بالنسبة إلى الأجرام السماوية المتناثرة في أنحاء الكون". والجواب عن هذا من وجوه أحدها أن يقال: ما يدري جميلا الزهاوي أن الأرض كالذرة بين الكائنات التي يراها الإنسان بعينيه {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى}، وما يُدري الصواف أن الأرض ما هي إلا فقاعة في محيط وأنها هباءة دقيقة لا ترى إلا بالمجهر في هذا الفضاء الفلكي الواسع، هل وجد ذلك في كتاب الله تعالى أو فيما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو أنزل عليه الوحي بذلك، وإذا كان كل هذا معدوما، فلا شك أنه وصاحبه قد قفوا ما ليس لهما به علم، وليس لهما مستند فيما زعماه سوى التخرص واتباع الكذب. وقد قال الله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} وقال تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} وقال تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى}.

الوجه الثاني: أن الله تعالى عظَّم شأن الأرض في كتابه، ونوه بذكرها أكثر مما عظم من شأن الشمس والقمر والكواكب، وقرن خلقها مع خلق السموات في عدة آيات من القران، وأخبر أنه خلقها وما فيها في أربعة أيام وأنه خلق السموات وما فيهن في يومين وذلك يدل على عظم الأرض. وقد قال الله تعالى {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} الآية. وقال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} الآية. وقال تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} الآية. إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة على عظم الأرض وسعتها. وقد جاء في تعظيم خلق الأرض أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. منها ما رواه الإمام أحمد والشيخان والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات على أصبع، والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع، والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلائق على أصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية.

ومنها ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر يهودي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس، قال: كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله السماء على ذه، وأشار بالسبابة، والأرض على ذه، والماء على ذه، والجبال على ذه، وسائر الخلق على ذه، كل ذلك يشير بأصابعه، فأنزل الله عز وجل {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} قال الترمذي: "هذا حديث غريب صحيح". ومنها ما رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قال موسى عليه السلام يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به، قال: قل يا موسى لا إله إلا الله، قال كل عبادك يقولون هذا، قال يا موسى لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة - مالت بهن لا إله إلا الله» قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه. ومنها ما رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد والطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إن نبي الله نوحًا صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة، قال لابنه: إني قاص عليك الوصية آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين، آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة - رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة، قصمتهن لا إله إلا الله ...» وذكر تمام الحديث. ومنها ما رواه ابن مردويه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة

ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة». والأحاديث الدالة على عظم الأرض كثيرة جدا وفيما ذكرته ههنا كفاية إن شاء الله تعالى. وفيما ذكرته من الآيات والأحاديث أوضح دليل على عظم الأرض، وفيها أبلغ رد على من صغَّر الأرض وحقرها، وزعم أنها كالذرة أو كالفقاعة في المحيط أو كالهباءة التي لا ترى إلا بالمجهر بالنسبة إلى أجرام الكواكب، وقد قال الله تعالى {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}. الوجه الثالث: أن الله تعالى قال {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} وقال تعالى {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} قال البغوي وغيره في قوله تعالى {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ}: أي تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض كما قال تعالى {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ}. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال (يكوَّر الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث ريحا دبورا فيضرمها نارا) رواه ابن أبي حاتم بإسناد ضعيف. وكذا ذكر البغوي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن كثير وكذا قال عامر الشعبي. قلت ويشهد لهذا الأثر ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد الله الداناج قال حدثني أبو سلمة عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الشمس والقمر مكوران يوم القيامة» ورواه البزار من حديث عبد الله الداناج قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن زمن خالد بن عبد الله القسري، في هذا المسجد مسجد الكوفة، وجاء الحسن فجلس إليه فحدث، قال: حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله

عليه وسلم - قال: «إن الشمس والقمر ثوران في النار عقيران يوم القيامة» فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال أحدثك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقول: وما ذنبهما؟ إسناده صحيح على شرط مسلم. وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «الشمس والقمر ثوران عقيران في النار» قال الهيثمي فيه ضعفاء قد وثقوا. قلت وما تقدم عن أبي هريرة رضي الله عنه يشهد له ويقويه وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} وجهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه وتكور فيه الشمس والقمر، ثم يوقد فيكون هو جهنم. وروى الإمام أحمد وابن جرير والحاكم عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «البحر هو جهنم» قال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي في تلخيصه. وفيما ذكرنا دليل على عظم الأرض لأن الشمس والقمر والنجوم تنتثر يوم القيامة في البحر فيسعها كلها. ولو كانت الأرض كالذرة أو كالفقاعة في المحيط أو كالهباءة التي لا ترى إلا بالمجهر بالنسبة إلى أجرام الكواكب لما وسعت الأرض كوكبا واحدا ولا بعض كوكب، وهذا ظاهر البطلان لمخالفته لما دلت عليه الآيات والأحاديث التي ذكرنا والله أعلم. الوجه الرابع: أن يقال إن جميلا الزهاوي كان جهميا كذابا أفاكا كما يعلم ذلك من كتابه الذي سماه الفجر الصادق، وهو في الحقيقة الفجر الكاذب والظلمة الحالكة، وقد رد عليه الشيخ العلامة سليمان بن سحمان رحمه الله

تعالى شافيا كافيا في كتابه الذي سماه (الضياء الشارق. في رد شبهات الماذق المارق) ورد أيضا في آخره على من قرظ كتاب جميل بقصيدة أجاد فيها وأفاد وأولها: كتاب حوى إفكا وزورا ومنكرا ... وكفرا وتعطيلا لرب الخلائق فعطل أوصاف الكمال لربنا ... وعن كونه من فوق سبع الطرائق وأنكر معراج الرسول حقيقة ... بذات رسول الله سحقا لمارق وأنكر رؤيا المؤمنين لربهم ... فتبًا له تبا وسحقا لماذق وسمى كتاب الله والسنن التي ... أتت عن رسول الله أزكى الخلائق ظواهر لا تبدي يقينا لأنها ... على زعمه ظنية في الحقائق فلا يستفيد المؤمنون بها الهدى ... ولكن بمعقولات أهل الشقاشق فإن خالفت معقول من أسسوا لهم ... قواعد كفر شامخات الشواهق فحق على كل امرئ بل وواجب ... تؤول عن مدلولها بالمخارق وتصرف للمرجوح عن حكم راجح ... لأجل مقالات الغواة الموارق وإلا فبالتفويض حتما لديهم ... إذا لم تؤول في خلاف الحقائق وتفويضهم أبطالها عن حقائق ... تدل عليها بالمعاني الشقائق

زعمه أن أدلة الكتاب والسنة ظواهر ظنية وليست قطعية الدلالة والرد عليه

إلى أن قال: وقدم حكم العقل حتما بزعمه ... على النقل فيما قد رأى كل مارق فتبًا لمن يبدي ثناء ومدحه ... لتأليفه أو ما قد حوى من شقاشق فما كان فجرا صادقا في ظهوره ... ولكنه فجران يبدو لرامق ووالله ما أبدى صوابا ولم يكن ... على المنهج الأسنى وليس برائق وليس يروق الكفر إلا لزائغ ... عن الحق أو مستغرق بالعوائق وجوَّز أن يدعى سوى الله بالرجا ... وبالخوف والتعظيم فعل المشاقق وأن يستغيث المشركون بغيره ... وأن يلجؤوا في كل خطب مضايق فتبا لعباد القبور الذين هم ... حماة ذوي الأهواء من كل مارق فقد نبذوا الوحيين خلف ظهورهم ... وقد حكَّموا القانون بين الخلائق ومع ما ذكرنا عن جميل الزهاوي من الأقوال الوخيمة والعقائد الباطلة الذميمة، فقد اعتمد الصواف على تخرصه وظنه الكاذب في تصغير الأرض وتحقيرها، وقرر ذلك في ثلاثة مواضع من رسالته. وهذا يدل على أنه كان مقبول القول عنده. وكفى بالرجل جهلا أن يعتمد على تخرص جميل الزهاوي وأشباهه من أهل الأهواء والبدع. وما ذكره الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى عن جميل الزهاوي أنه سمى أدلة الكتاب والسنة ظواهر ظنية، وأنه يجب تأويلها أو تفويضها فقد قال الصواف مثله في صفحة 22 و23 من رسالته حيث زعم أن النصوص الدالة على جريان الشمس ظنية وليست قطعية الدلالة، قال والتوقف فيها أو تفويض الأمر فيها إلى الله أسلم وأحكم، ثم قال وفي التأويل مندوحة في الأمور غير القطعية خاصة في مثل هذه الأمور. قلت: وهذه جرأة عظيمة على الله وعلى كتابه وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد رددت على هذا القول الباطل في الصواعق الشديدة فليراجع هناك.

وقول جميل الزهاوي في تصغير الأرض وتحقيرها، وفي تسمية الأدلة من الكتاب والسنة ظواهر ظنية، وأنها تؤول أو تفوض - قد ذكره في كتابه الفجر الكاذب، وهذا نص كلامه. قال: "وأما ما تمسكت به الوهابية من النقول التي تثبت الإشارة إليه تعالى فهي ظواهر ظنية لا تعارض اليقينيات فتؤول إما إجمالا ويفوض تفصيلها إلى الله كما عليه أكثر السلف. وإما تفصيلا كما هو رأي الأكثرين. فما ورد من الإشارة إليه في السماء محمول على أنه تعالى خالق السماء وأن السماء مظهر قدرته لما اشتملت عليه من العوالم العظيمة التي لم تكن أرضنا الحقيرة إلا ذرة بالنسبة إليها. وكذلك العروج إليه تعالى هو بمعنى العروج إلى موضع يتقرب إليه بالطاعة فيه. إلى غير ذلك من التأويلات) انتهى كلامه. وقد رد عليه الشيخ العلامة سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى فأجاد وأفاد. وقول جميل في تصغير الأرض وتحقيرها هو مما أخذه عن فلاسفة الإفرنج المتأخرين. وأما تسميته لأدلة الكتاب والسنة ظواهر ظنية وأنها تؤول أو تفوض فهو مما أخذه عن أهل الكلام الباطل الذي ذمه السلف وحذروا منه ومن أهله. قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى. والرازي يطعن في دلالة الأدلة اللفظية على اليقين وفي إفادة الأخبار العلم وهذان مقدمتان الزندقة والتوقف في دلالتها شك يقتضي كفر المتوقف وقد قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فنفى الله الإيمان عمن لم يحكم الرسول وعمن وجد في نفسه حرجا من حكمه. وتأويلها بما يخالف ظاهرها وما دلت عليه تكذيب لها فهو من تحريف الكلم عن مواضعه من جنس تأويل القرامطة الباطنية الذي اتفق

سلف الأمة وأئمتها على ذمه وصاحوا بأهله من أقطار الأرض ورموا في آثارهم بالشهب. وقد صنف الإمام أحمد كتاباً في الرد على هؤلاء وسماه الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله انتهى. وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في (إغاثة اللهفان) ومن حيله ومكائده الكلام الباطل والآراء المتهافتة والخيالات المتناقضة التي هي زبالة الأذهان ونحاتة الأفكار والزبد الذي يقذف به القلوب المظلمة المتحيرة التي تعدل الحق بالباطل والخطأ بالصواب. قد تقاذفت بها أمواج الشبهات. ورانت عليها غيوم الخيالات. فمركبها القيل والقال. والشك والتشكيك وكثرة الجدال ليس لها حاصل من اليقين يعول عليه. ولا معتقد مطابق للحق يرجع إليه. يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. فقد اتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجورا. وقالوا من عند أنفسهم فقالوا منكرا من القول وزورا. فهم في شكهم يعمهون. وفي حيرتهم يترددون. نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. واتبعوا ما تلته الشياطين على ألسنة أسلافهم من أهل الضلال فهم إليه يحاكمون. وبه يخاصمون. فارقوا الدليل. واتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل. ثم قال رحمه الله تعالى ومن كيده بهم وتحيله على إخراجهم من العلم والدين. أن ألقى على ألسنتهم أن كلام الله ورسوله ظواهر لفظية لا تفيد اليقين. وأوحى إليهم أن القواطع العقلية والبراهين اليقينية في المناهج الفلسفية والطرق الكلامية فحال بينهم وبين اقتباس الهدى واليقين من مشكاة القرآن. وأحالهم على منطق يونان. وعلى ما عندهم من الدعاوي الكاذبة العرية عن البرهان وقال لهم تلك علوم قديمة صقلتها العقول والأذهان. ومرت عليها القرون

والأزمان. فانظر كيف تلطف بكيده ومكره حتى أخرجهم من الإيمان كإخراج الشعرة من العجين انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وإذا علم هذا فليعلم أيضاً أن الصواف قد سلك مسلك جميل الزهاوي وقلده فيما زعمه من تصغير الأرض وتحقيرها وتسمية الأدلة من الكتاب والسنة ظواهر ظنية وأنها تؤول أو تفوض. وجميل الزهاوي قد سار خلف فلاسفة الإفرنج المتأخرين وخلف أهل الأهواء والبدع المضلين. فهو عيال على هؤلاء وأولئك كما أن الصواف عيال عليه وعليهم {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} وقد قال الله تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلًا} قال البغوي في قوله {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} أي إلى كتاب الله وإلى رسوله ما دام حيا وبعد وفاته إلى سنته. والرد إلى الكتاب والسنة واجب إن وجد فيهما فان لم يوجد فسبيله الاجتهاد. وقال ابن كثير في قوله تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} قال مجاهد وغير واحد من السلف أي إلى كتاب الله وسنة رسوله. قلت قد رواه ابن جرير في تفسيره عن مجاهد وميمون بن مهران وقتادة والسدي. قال ابن كثير وهذا أمر من الله عز وجل بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ}. فما حكم به الكتاب والسنة وشهدا له بالصحة فهو الحق. وماذا بعد الحق إلا الضلال. ولهذا قال تعالى {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ

وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر انتهى. قلت ومن أعرض عن أدلة الكتاب والسنة على جريان الشمس وسبحها في الفلك ودؤبها في الجريان وزعم أنها ظنية وليست قطعية الدلالة وأنه ينبغي التوقف فيها أو تفويضها وإن في تأويلها عن ظاهرها مندوحة فلا شك أنه لم يرد الأمر المتنازع فيه إلى الله والرسول وإنما رده إلى فلاسفة الإفرنج المتأخرين وأتباعهم من المتخرصين المتبعين للظنون الكاذبة. من كان كذلك فهو ممن يشك في إيمانه بالله واليوم الآخر. وأيضاً فقد قال الله تعالى {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. قال قتادة في قوله تعالى {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} قال صدقا فيما قال وعدلا فيما حكم. وقال ابن كثير يقول صدقا في الأخبار وعدلا في الطلب فكل ما أخبر به فحق لا مرية فيه ولا شك وكل ما أمر به فهو العدل الذي لا عدل سواه وكل ما نهى عنه فباطل فإنه لا ينهى إلا عن مفسدة. وقوله {لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} أي ليس أحد يعقب حكمه تعالى لا في الدنيا ولا في الآخرة انتهى. ومن أعرض عن أدلة الكتاب والسنة وتمسك بما سواهما من أقوال الناس وآرائهم فقد ابتغى حكما غير الله ورسوله ولم يؤمن بأن كلمة الله تعالى قد

تمت صدقا وعدلا. ومن هذا الباب الإعراض عما أخبر الله به من جريان الشمس وسبحها في الفلك ودؤبها في الجريان وأنه يأتي بها من المشرق. وما أخبر به من طلوعها ودلوكها وغروبها. وما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جريانها وطلوعها وزوالها وغروبها وغير ذلك مما جاء في الأحاديث الصحيحة. والعدول عن ذلك إلى ما تخرصه فلاسفة الإفرنج من ثبات الشمس وما تخيله الصواف بعقله من كونها تدور على نفسها كما تدور المروحة السقفية الكهربائية على محورها. فهذا التخرص والتخيل ناشئ عن ابتغاء حكم غير الله تعالى وعن عدم الإيمان بأن كلمة الله قد تمت صدقا وعدلا. ولو كان يرى وجوب التحاكم إلى الله تعالى ويؤمن بأن كلمة الله تعالى قد تمت صدقا وعدلا لما زعم أن أقل ما يقال في النصوص الدالة على جريان الشمس وسبحها في الفلك أنها ظنية وليست قطعية الدلالة وأن التوقف فيها أو تفويض الأمر فيها أسلم وأحكم وأن في تأوليها عن ظاهرها مندوحة. وما علم المسكين ما يلزم على هذا القول الباطل من تكذيب الله تعالى وتكذيب كتابه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. وقد جاء في صحيح البخاري عن علي رضي الله عنه أنه قال (حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله) والذي يعرفه المسلمون من زمني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى زماننا هذا عن الأرض والشمس والقمر هو ما أخبر الله به في كتابه وما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جريان الشمس والقمر وسبحها في الفلك ودؤوبهما في الجريان وما أخبر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأجمع عليه المسلمون من استقرار الأرض وإرسائها بالجبال وجعلها أوتادا لها. فمن حدث الناس بهذا فقد حدثهم بما يعرفونه من أدلة الكتاب

احتجاج الصواف بما هو حجة عليه

والسنة والإجماع. ومن حدثهم بخلاف ذلك وقال في نصوص الكتاب والسنة أنها ظنية وليست قطعية الدلالة وأن التوقف فيها أو تفويض الأمر فيها أسلم وأحكم وأن في تأويلها عن ظاهرها مندوحة فقد حدث الناس بما لا يعرفونه وأغراهم على تكذيب الله تعالى وتكذيب كتابه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. فصل وقال الصواف في صفحة 28 ما نصه: ما رأي فضيلة الأخ في بلاد (فنلندا) مثلا والشمس لا تغيب عنها لمدة ستة أشهر ويمضي عليها نصف سنة وهي طالعة مشرقة ثم تغيب وتبقى غائبة لمدة ستة أشهر أخرى ويمضي العام على هذه البلاد وأمثالها بيوم وليلة. ويومها نصف عام وليلتها النصف الثاني. والجواب أن يقال هذا من أوضح الأدلة على جريان الشمس وسيرها في البروج والمنازل. فإذا كانت في المنازل الشامية طلعت على ما تحت القطب الشمالي وغابت عما تحت القطب الجنوبي ولا تزال كذلك ما دامت في المنازل الشامية. فإذا رجعت إلى المنازل اليمانية غابت عما تحت القطب الشمالي وطلعت على ما تحت القطب الجنوبي ولا تزال كذلك ما دامت في المنازل اليمانية. ولو كانت الشمس ثابتة لا تفارق موضعها كما زعمه الصواف وأشباهه من المقلدين لأهل الهيئة الجديدة لما كانت تدور على البروج والمنازل وتطلع على ما تحت القطب الشمالي في الصيف وعلى ما تحت القطب الجنوبي في الشتاء وتكون بينهما إذا كانت في خط الاستواء. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} قال بحسبان ومنازل رواه الحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي في تلخيصه. وقد توهم الصواف أن له حجة فيما ذكره ههنا وإنما هو حجة عليه كما لا

زعمه أن الآيات من القرآن توجه الأفكار والأنظار إلى الفلك الأعظم والرد عليه

يخفى على من له أدنى علم ومعرفة. فصل وفي صفحة 30 زعم الصواف أن الآيات من كتاب الله تعالى توجه الأفكار والأنظار إلى الفلك الأعظم الذي خلقه الله وأمرنا بالتفكر فيه. والجواب عن هذا من وجوه أحدها أن يقال: إن الله تعالى لم يأمر عباده بالتفكر في الفلك وأن يوجهوا الأفكار والأنظار إليه وإنما أمرهم بالنظر والتفكر في خلق السموات والأرض وما فيهما من الآيات الدالة على عظمته وكمال قدرته وأنه الإله الواحد الأحد الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده دون من سواه قال الله تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} وقال تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وقال تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} وقال تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا

أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَاكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}. قال ابن كثير رحمه الله تعالى في الكلام على الآيات من سورة آل عمران ومعنى الآية أن الله تعالى يقول {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي هذه في ارتفاعها واتساعها وهذه في انخفاضها وكثافتها واتضاعها وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيارات وثوابت وبحار وجبال وقفار وأشجار ونبات وزروع وثمار وحيوان ومعادن ومنافع مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص {وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَار} أي تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر فتارة يطول هذا ويقصر هذا ثم يعتدلان ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرا ويقصر الذي كان طويلا وكل ذلك تقدير العزيز العليم. ولهذا قال تعالى {لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} أي العقول التامة الزكية التي تدرك الأشياء بحقائقها على جلياتها وليسوا كالصم والبكم الذين لا يعقلون. الذين قال الله فيهم {وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ثم وصف تعالى أولي الألباب فقال {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} أي لا يقطعون ذكره في جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم وألسنتهم {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي يفهمون ما فيهما من الحِكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته وحكمته واختياره ورحمته انتهى.

الوجه الثاني أن الله تبارك وتعالى ذكر الفلك في موضعين من القرآن لا غير. فقال تعالى في سورة الأنبياء {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وقال تعالى في سورة يس {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} فذكر تبارك وتعالى من آياته الليل وسلخ النهار منه وجريان الشمس لمستقرها وتقدير القمر منازل وكلها من الآيات الدالة على عظمته وكمال قدرته. ولم يأمر تبارك وتعالى بالتفكر في الفلك لا في هذه الآيات ولا في غيرها من القرآن. فمن زعم أن الله تعالى أمر عباده بالتفكر في الفلك فقد افترى على الله الكذب. وكذلك من زعم أن الآيات من كتاب الله توجه الأفكار والأنظار إلى الفلك الأعظم فقد كذب على الله وعلى كتابه. الوجه الثالث أن مراد الصواف بالأمر بالتفكر في الفلك وتوجيه الأفكار والأنظار إليه هو ما صرح به في صفحة 25 من أن المراد به التحقيق العلمي والوصول إلى الأسرار الكامنة وراء هذه المخلوقات الكونية الهائلة. وما صرح به أيضا فيما نشره في جريدة الدعوة من أن المراد به النظر للبحث والعلم والتحقيق. يعني البحث عن الأجرام العلوية وعن مقادير أحجامها ووزنها وأبعادها ووصول نور كل منها إلى الأرض وما بينها من التفاوت في الحجم والوزن والبعد وعما فيها من جبال وبحار وسكان وغير ذلك مما توهمه أهل المراصد من فلاسفة الإفرنج وحشاه الصواف في رسالته, وزعم أن ذلك من العلم والتحقيق في علم الفلك وأن الله تعالى أمر عباده بالتفكر فيه وأن الآيات

تعظيمه لعلم الفلك والرد عليه

من كتاب الله تعالى توجه الأفكار والأنظار إليه. وهذا من الكذب على الله وعلى كتابه كما تقدم تقريره وقد قال الله تعالى {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى}. فصل وقال في صفحة 30: إن علم الفلك كان من أول العلوم التي لفتت أنظار العلماء المسلمين وجلبت اهتمامهم وعنايتهم بها. والجواب عن هذا من وجوه أحدها أن يقال لم يكن علم الفلك من أول العلوم التي لفتت أنظار علماء المسلمين وجلبت اهتمامهم وعنايتهم كما زعمه الصواف. بل ولم يكن من آخرها. وإنما العلوم التي لفتت أنظار علماء المسلمين وجلبت اهتمامهم وعنايتهم هي العلوم الشرعية التي قد اشتمل عليها الكتاب والسنة. وأعظمها وأهمها علم التوحيد فهو الذي كان المسلمون يهتمون به ويعتنون بتعلمه وتعليمه قبل العلوم كلها. وقد مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول البعثة عشر سنين يدعو إلى التوحيد ويعتني بتعليمه وتبليغه. ثم بعد ذلك كان يعلم أمته أنواع العلوم الشرعية شيئا فشيئا حتى أكمل الله له الدين. وبلغ البلاغ المبين. وترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. قال أبو ذر - رضي الله عنه -: لقد تركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما (رواه الإمام أحمد والطبراني وابن حبان في صحيحه. قال الهيثمي: ورجال الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقري وهو ثقة). وروى الطبراني أيضا عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - نحوه. قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح.

أحاديث في ذم الكلام في النجوم والخوف على هذه الأمة من التصديق بها

ومع شدة حرصه - صلى الله عليه وسلم - على تعليم أمته كل شيء فلم يُذكر عنه أنه كان يعلمهم البروج الإثني عشر ومنازل الشمس والقمر ودرجات الفلك وعرض البلدان وطولها والسمت والنظير وفصول السنة وأوقات الكسوف والخسوف وغير ذلك مما يعتني به الفلكيون فضلا عما يهذو به فلاسفة الإفرنج ومقلدوهم من ضعفاء البصيرة من المسلمين فيما يتعلق بالأرض والشمس والقمر والنجوم. بل قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه ذم الكلام في النجوم. فروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة بأسانيد صحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد». قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: فقد صرح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن علم النجوم من السحر وقال تعالى {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}. وروى رزين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من اقتبس بابًا من علم النجوم لغير ما ذكر الله فقد اقتبس شعبة من السحر». قوله لغير ما ذكر الله أي من الاهتداء بها في ظلمات البر والبحر كما قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} الآية وقال تعالى {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}. ومن الاهتداء بها الاستدلال بها على جهة القبلة وعلى الجهات التي يقصدها المسافرون في البر والبحر. فأما التخرص في معرفة مواردها ومقادير أجرامها وأبعادها وغير ذلك من الدعاوي الطويلة العريضة التي قد شغف بالخوض فيها أهل الهيئة الجديدة

ومقلدوهم من العصريين فذلك داخل في قوله - صلى الله عليه وسلم - «من اقتبس علما من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر» بلا ريب والله أعلم. وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن النظر في النجوم وعن مجالسة من ينظر فيها وأنه خاف على أمته من التصديق بها وأمرهم بالإمساك إذا ذكرت. فروى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «نهى عن النظر في النجوم». وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند عن علي رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجالسوا أصحاب النجوم» قال الهيثمي فيه هارون بن مسلم صاحب الحناء لينه أبو حاتم ووثقه الحاكم وبقية رجاله ثقات. وروى أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة فالتفت إليها فقال: «إن الله قد طهر هذه القرية من الشرك إن لم تضلهم النجوم» قال الهيثمي فيه قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري وضعفه الناس وبقية رجاله ثقات. قلت وقد ذكر الذهبي في الميزان عن ابن عدي أنه قال في قيس بن الربيع عامة رواياته مستقيمة والقول ما قال شعبة وأنه لا بأس به وقال عفان كان ثقة. قلت وعلى هذا فحديثه حسن. وقد أورده الهيثمي أيضا في آخر كتاب المناقب من مجمع الزائد فقال. وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد برأ الله هذه الجزيرة من الشرك ما لم تضلهم النجوم» رواه البزار وأبو يعلى بنحوه والطبراني في الأوسط ورجال أبي يعلى ثقات.

وروى أبو يعلى وابن عدي والخطيب في كتاب النجوم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أخاف على أمتي من بعدي خصلتين تكذيبًا بالقدر وتصديقًا بالنجوم». قال المناوي في شرح الجامع الصغير وهو حسن لغيره. وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها النجوم وتكذيب بالقدر وحيف السلطان» قال الهيثمي فيه ليث بن أبي سليم وهو لين وبقية رجاله وثقوا. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «ثلاث أخاف على أمتي الاستسقاء بالأنواء وحيف السلطان وتكذيب القدر وتصديق بالنجوم». وروى عبد بن حميد عن رجاء بن حيوة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «أخاف على أمتي ثلاثا حيف الأئمة وإيمانًا بالنجوم وتكذيبًا بالقدر». وروى الطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا». قال الهيثمي فيه مسهر بن عبد الملك وثَّقه ابن حبان وغيره وفيه خلاف وبقية رجاله رجال الصحيح. وروى الطبراني أيضاً عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. قال الهيثمي وفيه يزيد بن ربيعة وهو ضعيف.

قلت قد ذكر الذهبي في الميزان عن ابن عدي أنه قال أرجو أنه لا بأس به. وروى حميد بن زنجويه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ثم انتهوا، وتعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا». وروى حميد بن زنجويه أيضا عن نعيم بن أبي هند قال: قال عمر رضي الله عنه «تعلموا من النجوم ما تهتدون به في بركم وبحركم ثم أمسكوا، وتعلموا من النسب ما تصلون به أرحامكم، وتعلمون ما يحل لكم من النساء ويحرم عليكم ثم انتهوا». وروى حميد بن زنجويه أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال «رب ناظر في النجوم ومتعلم حروف أبي جاد ليس له عند الله خلاق». وهذه الأحاديث يشد بعضها بعضا وفيها دليل على أن علم النجوم علم محظور وشعبة من شعب السحر ما عدا الاهتداء بها في ظلمات البر والبحر. ويستفاد منها أيضا أنه لا يجوز التصديق بما يزعمه المنجمون وأهل الهيئة الجديدة من علم النجوم لأن مزاعمهم فيها مبنية على الرجم بالغيب ولا يجوز التصديق بذلك. الوجه الثاني: أن يقال لو كان علم الفلك من أول العلوم التي لفتت أنظار علماء المسلمين وجلبت اهتمامهم وعنايتهم لما كان الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان وأئمة العلم والهدى من بعدهم يهملونه. ولكنه علم لا يخلو في الغالب من تعاطي علم الغيب وما كان كذلك فهو علم مُرْدٍ مهلك، وما سلم منه من تعاطي علم الغيب فهو علم كثير العناء قليل الجدوى.

تعريفه لعلم الفلك والرد عليه

الوجه الثالث: أن علم الفلك نوعان أحدهما معرفة البروج الإثني عشر ودرجات الفلك ومنازل الشمس والقمر، وعرض البلدان وطولها، ومعرفة السمت والنظير، وفصول السنة وما تقطعه الشمس في اليوم والليلة من درجات الفلك، وما يقطعه القمر منها، ومعرفة السنة الشمسية والسنة القمرية وما بينهما من التفاوت، ومعرفة أوقات الكسوف والخسوف. وهذا النوع هو الذي كان يشتغل به علماء الفلك قبل ظهور أهل الهيئة الجديدة، وهو علم كثير العناء قليل الجدوى يصد المشتغل به عما هو أهم منه من العلوم الدينية، ولم يكن الصحابة ولا التابعون وتابعوهم بإحسان وأئمة العلم والهدى من بعدهم يتعلمون من هذا النوع إلا ما تدعو الحاجة إليه لمعرفة القبلة، والاهتداء في ظلمات البر والبحر، وأما ما سوى ذلك من علم الفلك فلم يكونوا يشتغلون به فضلا عن الاهتمام والعناية به. وعلى هذا فقول الصواف أن علم الفلك كان من أول العلوم التي لفتت أنظار علماء المسلمين وجلبت اهتمامهم وعنايتهم قول لا أساس له من الصحة. النوع الثاني: تخرص أهل الهيئة الجديدة في الأرض والأجرام العلوية وما تحويه، وهذا النوع مبني على تعاطي علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وتعاطي علم المغيبات حرام شديد التحريم فضلا عن أن يكون من أول العلوم التي لفتت أنظار علماء المسلمين وجلبت اهتمامهم وعنايتهم كما زعمه الصواف، ومدار رسالة الصواف على هذا العلم المحرم كما لا يخفى على من نوَّر الله قلبه بنور العلم والإيمان. فصل قال الصواف في صفحة 30 (علم الفلك) ثم عرفه بأنه علم يبحث عن الأجرام السماوية وما تحويه وما تنتظمه من نجوم وكواكب وما يحدث في الكون من رياح وبرق ورعد.

تعريف التنجيم

قلت وهذا التعريف يشمل شيئين: أحدهما: التخرص عن الأجرام السماوية وما تحويه وهذا هو الذي عليه أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج. والثاني دعوى معرفة ما يحدث في الكون من رياح وبرق ورعد وغير ذلك مما يكون من الحوادث في المستقبل، وهذا هو الذي كان عليه المنجمون في قديم الدهر وحديثه، وكلا الأمرين من تعاطي علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، ومن القسم الثاني ما ذكره محمد فريد وجدي في كتابه (دائرة المعارف) حيث قال: كان لعلم الفلك في القرون الوسطى بأوروبا شأن كبير، ولكن في أخذ الطوالع ومعرفة طبائع الأوقات من نحوس وسعود. قلت: وهذا وما ذكره الصواف في آخر كلامه الذي تقدم ذكره آنفا هو التنجيم المحرم بالإجماع. قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "التنجيم هو الاستدلال بالأحوال الفلكية وحركات النجوم على الحوادث". وقال الخطابي رحمه الله تعالى: "علم النجوم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان، كإخبارهم بأوقات هبوب الريح ومجيء المطر وظهور الحر والبرد وتغير الأسعار، وما كان في معانيها من الأمور التي يزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في مجاريها، وباجتماعها واقترانها، ويدعون لها تأثيرًا في السفليات، وأنها تتصرف على أحكامها، وتجري على قضايا موجباتها، وهذا منهم تحكم على الغيب وتعاط لعلم استأثر الله سبحانه به، لا يعلم الغيب أحد سواه". قلت: "ومن هذا الباب ما يذاع في كثير من الإذاعات من الأخبار عما سيكون في المستقبل من الغيوم والأمطار والرياح أو عدم ذلك، ويسمون

كذب المنجمين

هذه الأخبار النشرات الجوية، وهي من تعاطي علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} وقال تعالى {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} الآية. وروى الإمام أحمد والبخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. وكثيراً ما يتفق المنجمون على حدوث أمر في المستقبل، فيفضحهم الله تعالى ويبطل قولهم، ويجعل الأمر بعكس ما زعموه ليعلم الجاهلون بحالهم أنهم كذبة متخرصون {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}. وقد ذكر المؤرخون من ذلك أخبارًا كثيرة منها ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة عن العماد الكاتب أنه قال: "أجمع المنجمون على خراب العالم في شعبان، لأن الكواكب الستة تجتمع فيه في الميزان فيكون طوفان الريح في سائر البلدان" وذكر أن ناسا من الجهلة تأهبوا لذلك بحفر مغارات في الجبال ومدخلات وأسراب في الأرض خوفا من ذلك، قال: "فلما كانت تلك الليلة التي أشاروا إليها وأجمعوا عليها لم ير ليلة مثلها في سكونها وركودها وهدوئها، وقد ذكر ذلك غير واحد من الناس في سائر أقطار الأرض، وقد نظم الشعراء في تكذيب المنجمين في هذه الواقعة وغيرها أشعارًا كثيرة حسنة منها: مَزِّق التقويمَ والزيـ ... ــجَ فقد بان الخطَا إنما التقويم والزيـ ... ـج هباء وهوا

قلت للسبعة إبرا ... م ومنع وعطا ومتى ينزلن في الميز ... ان يستولي الهوا ويثور الرمل حتى ... يمتلي منه الصفا ويعمُّ الأرض رجـ ... ـف وخراب وبِلى ويصير القاع كالسـ ... ـقف وكالطود العرا وحكمتم فأبى الحـ ... ـكم إلا من يشا ما أتى الشرع ولا ... جاءت بهذا الأنبيا فبقيتم ضحكة ... يضحك منها العلما حسبكم خزيا وعا ... رًا ما يقول الشعرا ما أطمعكم في الـ ... ـحكم إلا الأمرا فعلى اصطر لاب بطـ ... ـليموس والزيج العفا وعليه الخزي ما ... جادت على الأرض السما وقد ذكر السيوطي هذا الخبر في تاريخه فقال: "وفي سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة اجتمعت الكواكب الستة في الميزان، فحكم المنجمون بخراب العالم في جميع البلاد بطوفان الريح، فشرع الناس في حفر مغارات في التخوم، وتوثيقها وسد منافذها عن الريح، ونقلوا إليها الماء والزاد، وانتقلوا إليها وانتظروا الليلة التي وعدوا فيها بريح كريح عاد، وهي الليلة التاسعة من جمادى الآخرة، فلم يأت فيها شيء ولا هب فيها نسيم بحيث أوقدت الشموع فلم تتحرك فيها ريح تطفيها، وعملت الشعراء في ذلك، فمما قيل فيه قول أبي الغنائم محمد بن المعلم: قل لأبي الفضل قولَ معترفٍ ... مضى جمادى وجاءنا رجبُ وما جرت زعزعًا كما زعموا ... ولا بدا كوكبٌ له ذنبُ وما ذكره السيوطي في تعيين الشهر الذي اتفق المنجمون على هبوب

الريح العاتية فيه أنه جمادى الآخرة، يخالف ما ذكره ابن كثير عن العماد الكاتب أن ذلك في شعبان، ولعل الصواب ما ذكره السيوطي، ويشهد لذلك قول أبي الغنائم، والله أعلم. وقد ذكر هذا الخبر العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة، وذكر معه تسعة أخبار مما اتفق المنجمون على وقوعه، ففضحهم الله تعالى، وأبطل قولهم، وجعل الأمر بعكس ما زعموه. وذكر أبياتًا حسانًا لأبي تمام وغيره من الشعراء في تكذيب المنجمين والرد عليهم، فمن أراد الوقوف على ذلك فليراجعه في مفتاح دار السعادة. وقد حدثني بعض قضاة المدينة النبوية أن المنجمين في الهند في زماننا أجمعوا على أنه في يوم كذا من شهر كذا في سنة كذا - يكون في المدينة ريح عاصف، وظلمة وصواعق شديدة، ومطر عظيم وبرد كثير، فصدقهم الجهال فيما زعموه من هذا الباطل وارتقبوا وقوع ذلك، فلما جاء اليوم الذي وعدوا به كان الأمر فيه بعكس ما زعمه أعداء الله تعالى، فكانت الريح ساكنة لا تحرك شيئا وكان الجو صافيا جدا ولم يكن في ذلك اليوم غيم ولا شيء مما زعموا وقوعه. قلت ولما كان في يوم الأربعاء الموافق لليوم الرابع من شهر ذي القعدة سنة 1388 هـ أصاب مكة وجدة وما بينهما، وما بين مكة وجبل كرا - مطر عظيم وسيول جارفة، وقد ارتفع السيل في الحرم ارتفاعًا كثيرًا، وبلغ في باب الكعبة نحو ذراعين، وحمل سيارات كثيرة في شارع الأبطح، وصدم بعضها ببعض، ودخل بيوتًا ودكاكين كثيرة في مكة وجدة، وأفسد أموالا كثيرة. وقد أذاع المنجمون في بعض بلاد الكفر أنه سيصيب مكة في يوم الأربعاء من الأسبوع الثاني وهو الموافق لليوم الحادي عشر من الشهر

والسنة المذكورين آنفا مطر عظيم وسيل جارف يشبه ما أصابها في رابع الشهر. وأذاع المنجمون في بعض بلاد الإفرنج أنه سيكون في بلاد الحجاز مطر عظيم يستمر أربعا وعشرين ساعة، وقد صدقهم الجهال في الزعم الكاذب وارتقبوا ما وعدوهم به من الطوفان، وزادهم فتنة وتصديقا بأقوال المنجمين أن الغيوم لم تزل متراكمة فوق مكة في تلك الأيام ولكن بدون مطر. ولما كان في اليوم الثامن من ذي القعدة، وهو يوم الأحد أغلق الجهال بعض أبواب المسعى التي من جهة المشرق، ووضعوا عليها من جهة المسعى خشبًا غلاظًا لتمنعها أن تنفتح إذا جاءها السيل الذي وعد به المنجمون. ولما كان في اليوم العاشر وهو يوم الثلاثاء أغلقوا جميع أبواب المسعى وردموها بالخشب، سوى مصراع واحد من جهة الصفا تركوه للناس يدخلون منه ويخرجون، وقد كنت أرى صنيعهم في الأبواب وأتعجب منه، ولا أدري ما مرادهم من ذلك؛ لأني لم أسمع بأكاذيب المنجمين عليهم، ولما كان بعد صلاة المغرب من ليلة الأربعاء جلست مع بعض العلماء في الحرم، فذكرت له ما رأيت من صنيعهم في أبواب المسعى، فأخبرني بما زعمه المنجمون من وقوع السيل العظيم المماثل لما وقع منذ أسبوع، فقلت كذب المنجمون وسيظهر كذبهم ويفتضحون إن شاء الله تعالى، وإني لأرجو أن تكون السماء في الغد صحوا ليس فيها قزعة، وبينما نحن جلوس إذ وقع علينا مطر خفيف، فانفض الجهال، وتسابقوا إلى الأبواب يخرجون من الحرم فعجبنا من صنيعهم ومن تلاعب الشيطان بهم، وقد نمنا تلك الليلة والغيوم متراكمة. ولما خرجت لصلاة الصبح من يوم الأربعاء الذي وعد المنجمون بوقوع الطوفان فيه إذا السماء صحو ليس فيها قزعة، وقد أقمت بعد ذلك عدة أيام في مكة شرفها الله تعالى، والسماء لا تزال في تلك الأيام صحوا ليس فيها قزعة. فالحمد لله على إبطال قول المنجمين وإظهار كذبهم لعباده. ولقد

كلام حسن لقتادة في النجوم

أحسن الشاعر حيث يقول: دع المنجم يكبو في ضلالته ... إن ادعى علم ما يجري به الفلكُ تفرد الله بالعلم القديم فلا ال ... إنسان يشركه فيه ولا المَلَكُ ومن أكاذيب المنجمين زعمهم أن لكل واحد من أهل الأرض نجمًا في السماء، وقد روى أبو نعيم في الحلية عن محمد بن كعب القرظي أنه قال كذبوا والله ما لأحد من أهل الأرض في السماء نجم ولكنهم يتبعون الكهنة ويتخذون النجوم علة ثم قرأ {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}. وقال البخاري في صحيحه: "قال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يُهتدى بها، فمن تأول بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به". قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عنه، وزاد في آخره: "وإن ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة، من أعرس بنجم كذا كان كذا، ومن سافر بنجم كذا كان كذا، ولعمري ما من النجوم نجم إلا ويولد به الطويل والقصير والأحمر والأبيض والحسن والدميم، وما علم هذه النجوم وهذه الدابة وهذا الطائر بشيء من هذا الغيب" انتهى. ورواه ابن أبي حاتم بنحوه وزاد في آخره: "وقضى الله أنه لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون". ورواه الخطيب في كتاب النجوم عن قتادة، ولفظه: "قال إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصال جعلها زينة للسماء، وجعلها يُهتدى بها، وجعلها رجومًا للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم به". ثم ذكر بقيته نحو ما في رواية عبد بن حميد وزاد في

الإجماع على تحريم التنجيم

آخره: "ولو أن أحدا علم الغيب لعلمه آدم الذي خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء". وقد أورده الحافظ ابن حجر في تفسيره من رواية ابن أبي حاتم ثم قال: "هو كلام جليل متين صحيح" انتهى. وقال الداودي: "قول قتادة في النجوم حسن إلا قوله: أخطأ وأضاع نصيبه، فإنه قصر في ذلك بل قائل ذلك كافر. وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "صناعة التنجيم والاستدلال بها على الحوادث محرم بإجماع المسلمين، وأخذ الأجرة على ذلك - سحت، ويمنعون من الجلوس في الحوانيت والطرقات، ويمنع الناس أن يكرموهم، والقيام في منعهم عن ذلك من أفضل الجهاد في سبيل الله تعالى" انتهى. هذا ما يتعلق بالمنجمين وعلمهم في الفلك والنجوم. وأما أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم فقد سلكوا في علم الفلك والنجوم مسلكًا آخر، وذلك بما يزعمونه من معرفة مواد الأجرام العلوية، ومقادير أحجامها وأبعادها، وتحديد المدة التي يصل فيها نور كل منها إلى الأرض، وما يزعمونه أيضا من تعدد الشموس والأقمار، وما يزعمونه أيضا من وجود الجبال والوهاد والأودية في الشمس والقمر وسائر السيارات، وأن فيها مخلوقات نحو سكنة الأرض، وأن فيها بحارا وأنهارا، وأنهم قاسوا أكثر من ألف جبل في القمر، فوجدوا أن علو بعضها ينيف على عشرين ألف قدم، وأنهم يعرفون ما يحدث في القمر من البراكين والانفجارات، وكذلك ما يحدث في الشمس من الانفجارات، وما تفقده من وزنها في الثانية الواحدة من ملايين الأطنان بسبب احتراقها، إلى غير ذلك من التخرصات والتحكم على الغيب، والتعاطي لما استأثر الله بعلمه. قال الله تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ

افتتان العصريين بتخرصات الإفرنج وظنونهم الكاذبة

أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الآية. وقال تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}. وهذا الذي ذكرناه عن أهل الهيئة الجديدة من تعاطي علم الغيب إن لم يكن شرا من التنجيم فليس بدونه، ومع هذا فكثير من العصريين قد افتتنوا بما يقوله أهل الهيئة الجديدة من المزاعم الباطلة والتخرصات والظنون الكاذبة، ورأوا أن ذلك من تقدم العلم في اكتشاف الأمور الكونية، وكلما تخرص متخرص من الإفرنج في الأجرام العلوية بشيء، وزعم أنه اكتشفه - تلقوا قوله بالقبول والتسليم، وتمسكوا به أعظم مما يتمسكون بنصوص الكتاب والسنة، واشتد إنكارهم على من رد ذلك من المسلمين، وإذا رأوا ما يخالف أقوال أعداء الله تعالى من أدلة الكتاب والسنة أولوه على ما يوافق أقوالهم كأنهم معصومون من الخطأ والزلل أو كأنهم قد أوحي إليهم بما يزعمونه من تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة. وقد قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} الآيات إلى قوله تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. وقد روى البخاري في التاريخ والطبراني وابن عبد البر وغيرهم، عن عصمة بن قيس صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه «كان يتعوذ في صلاته من فتنة المغرب».

الاستعاذة من فتنة المشرق وفتنة المغرب وتعظيم فتنة المغرب

وذكر ابن عبد البر أيضا عنه أنه كان يتعوذ بالله من فتنة المشرق، فقيل له فكيف فتنة المغرب؟ قال: «تلك أعظم وأعظم». وهذا الأثر له حكم المرفوع لأنه إخبار عن أمر غيبي فلا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف. والواقع يشهد لهذا الأثر بالصحة فإن الفتن أول ما ظهرت في هذه الأمة ظهرت من قبل المشرق، ومن أعظمها شرا فتنة الجهمية والرافضة، وأما في زماننا فظهور الفتن من قبل المغرب أكثر، وذلك بسبب استيلاء بعض الدول الإفرنجية على أكثر الممالك الإسلامية، وبثهم فيها ثقافتهم المشؤومة وتعاليمهم المسمومة، فكان لهذه الثقافة والتعاليم أسوأ الأثر في تلك البلاد بحيث فسدت عقائد الأكثرين منهم، وظهرت فيهم الزندقة والإلحاد والاستهزاء بالعلوم الدينية وأهلها، وتعظيم ما يلقيه أعداء الله إليهم من ظنونهم وتخرصاتهم التي هي من وحي الشيطان وتضليله. ومن تأمل ما دخل على المسلمين من الشر بسبب الفتن المشرقية، وما دخل عليهم من الشر بسبب الفتن المغربية - تبين له أن فتنة المغرب أعظم شرًا من فتنة المشرق، وأشد نكاية في هدم الإسلام وطمس أعلامه وإطفاء نوره، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فإن قيل أن أهل الهيئة الجديدة قد توصلوا إلى معرفة الأجرام السماوية وما تحويه بواسطة أرصادهم ونظاراتهم فيكون ذلك من قبيل المشاهدة، لا من قبيل الظن والتخرض وتعاطي علم الغيب. فالجواب: أن يقال أن أرصاد أعداء الله ونظاراتهم أضعف وأعجز من أن يتوصل بها إلى اكتشاف ما في السماء الدنيا وهي مسيرة خمسمائة سنة فضلا

عن التوصل بها إلى اكتشاف ما يهذون به من المسافات التي تبلغ ملايين الملايين من السنين. وقد ثبت بنصوص القرآن أن الشمس والقمر والكواكب في السماء قال الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح والحسن وقتادة: "البروج هي الكواكب العظام" وقال البغوي: "هي النجوم الكبار" قال: "وسميت بروجًا لظهورها". وقال تعالى {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} وقال تعالى مخبرًا عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} وقال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} وقال تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} وقال تعالى {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. ففي هذه الآيات النص على أن الشمس والقمر في السماء، والنص على أن الله تعالى جعل الكواكب زينة للسماء الدنيا، ورجوما للشياطين. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة» رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة من الصحابة، وهم عبد الله بن عمرو وأبو هريرة والعباس وأبو سعيد رضي الله عنهم، وروي أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفًا، وله حكم الرفع كنظائره. وقد ذكرت هذه الأحاديث في الصواعق الشديدة مع الأدلة على سكون

الأرض وثباتها، فلتراجع هناك. وإذا كان بين السماء والأرض هذا البعد الشاسع، فالتوصل بالأرصاد والنظارات إلى اكتشاف ما في السماء غير ممكن. ولو فرض أن الأرض ليست بكروية، وأن وجهها مستوٍ ليس فيه مرتفع ولا منخفض، فهل يقول عاقل أن أهل الأرصاد في أوروبا يمكنهم أن يكتشفوا ما في الصين بأرصادهم ونظاراتهم، ويروا ما فيه من الجبال والوهاد والبحار والأنهار والأودية والمدن والقرى، ويقيسوا ما فيه من الجبال ويعرفوا قدر ارتفاعها؟ لا أظن أن عاقلا يقول بإمكان ذلك، بل إنه يبعد اكتشافهم لمسافة خمسة أيام في الأرض، فكيف بمسافة خمسمائة سنة في السماء؟ فضلا عما يزعمونه من اكتشاف ما يبعد عنهم بمسافة ملايين الملايين من السنين. وليس العجب من هؤلاء الدجالين الذين يمخرقون على الناس ويوهمونهم بما يشبه أضغاث الأحلام من تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة، وإنما العجب من أناس مسلمين ينتسبون إلى العلم والمعرفة، وهم مع هذا يصدقون أعداء الله في كل ما قالوه في الأرض والسموات والشمس والقمر والنجوم، ولو كان مخالفا لما في القرآن والأحاديث الصحيحة وإجماع المسلمين، ويرون أن ذلك من تقدم العلم في اكتشاف الأمور الكونية. وقد تقدم حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» وفي رواية رزين «من اقتبس بابًا من علم النجوم لغير ما ذكر الله فقد اقتبس شعبة من السحر». وتقدمت أيضا الأحاديث في الخوف على هذه الأمة من التصديق بالنجوم. وفي بعض الروايات «إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها النجوم وتكذيب بالقدر وحيف السلطان».

زعم الصواف أن المنصور هو الخليفة الثاني والرد عليه

وتقدم أيضا ما رواه ابن مسعود وثوبان رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «وإذا ذكر النجوم فأمسكوا» أي عن التصديق بها، كما تفيده الأحاديث المذكورة قبل هذا الحديث والله أعلم. فصل وذكر الصواف في صفحة 31 أبا جعفر المنصور، ثم قال "وهو الخليفة الثاني" والجواب أن يقال هذا الإطلاق خطأ، لأن الخليفة الثاني على الإطلاق إنما هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأما المنصور العباسي فلا يقال فيه أنه الخليفة الثاني على وجه الإطلاق، بل لابد من التقييد بأن يقال ثاني خلفاء بني العباس أي الخليفة الثاني من بني العباس. فصل وفي صفحة 31 أيضا ذكر الصواف عن بعض الفلكيين أن مدار الشمس بيضاوي الشكل - يعني أنه غير مستدير. والجواب أن يقال هذا قول باطل مردود لمخالفته لمدلول الكتاب والسنة والإجماع والمعقول الصحيح، قال الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وقال تعالى {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، والفلك في اللغة هو الشيء المستدير. قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "الأفلاك مستديرة بالكتاب والسنة والإجماع، فإن لفظ الفلك يدل على الاستدارة ومنه قوله تعالى {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} قال ابن عباس رضي الله عنهما في فلكة كفلكة المغزل، ومنه قولهم تفلك ثدي الجارية إذا استدار، وأهل الهيئة والحساب متفقون على ذلك".

افتراؤه على الفلكيين الذين كانوا في زمن الرشيد والمأمون والرد عليه

وقال الشيخ أيضا: " قد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة أن الأفلاك مستديرة". ثم ذكر الأدلة على ذلك، ومنها قوله تعالى {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ثم ذكر كلام ابن عباس رضي الله عنهما الذي تقدم ذكره، قال: "وهذا صريح الاستدارة والدوران، وأصل ذلك أن الفلك في اللغة هو الشيء المستدير، يقال تفلك ثدي الجارية إذا استدار، ويقال لفلكة المغزل المستديرة فلكة لاستدارتها، فقد اتفق أهل التفسير واللغة على أن الفلك هو المستدير. والمعرفة لمعاني كتاب الله إنما تؤخذ من هذين الطريقين: من أهل التفسير الموثوق بهم من السلف، ومن اللغة التي نزل القرآن بها وهي لغة العرب". قال: "والحس مع العقل يدل على ذلك فإنه مع تأمل دوران الكواكب القريبة من القطب في مدار ضيق حول القطب الشمالي، ثم دوران الكواكب المتوسطة في السماء في مدار واسع، وكيف يكون في أول الليل وفي آخره - يعلم ذلك، وكذلك من رأى الشمس وقت طلوعها واستوائها وغروبها في الأوقات الثلاثة على بعد واحد وشكل واحد ممن يكون على ظهر الأرض علم أنها تجري في فلك مستدير" انتهى. وقد جزم الصواف في صفحة 49 أن الأفلاك مستديرة فنقض ما قرره في صفحة 31. فصل وفي صفحة 31 أيضا ذكر الصواف عن الفلكيين من أهل بغداد ممن كان في زمان الرشيد والمأمون أنهم شكوا في ثبات الأرض، بل قال بعضهم بحركتها. والجواب عن هذا من وجهين أحدهما أن ما ذكره في هذا الموضع قد قرر خلافه في صفحة 43، حيث قال: "كان أول من قال بحركة الأرض حول محورها كوبرنيكس في عام 1543"

وقد كفانا الصواف مؤنة الرد عليه حيث رد هو على نفسه. وما ذكره في صفحة 43 قد ذكر مثله محمد فريد وجدي في دائرة المعارف فقال في الكلام على علم الفلك بعد أن ذكر المشتغلين به في زمان بني العباس وما بعده ما نصه: "في كل هذه القرون كان مذهب بطليموس هو المعول عليه، وهو المذهب الذي يعتبر الأرض مركز الكون، فلما نشأ كوبرنيكس البروسي في منتصف القرن السادس عشر - أي الميلادي - أحيا مذاهب فيثاغورس الذي يفرض أن الشمس مركز المجموعة الشمسية، وأن الأرض وبقية السيارات تدور حولها". وذكر محمد فريد أيضا في الكلام على الأرض: "أن فيثاغورس قال بدوران الأرض حول الشمس، فقبل الناس نظريته زمانا طويلا حتى نبغ الفلكي الاسكندر بطليموس الذي كان عائشا قبل الميلاد بنحو قرن ونصف، فقرر أن الأرض وإن كانت كروية إلا أنها ساكنة غير متحركة، وأن الشمس هي التي تدور حولها فراجت نظريته هذه في العقول وبقيت شائعة سائدة حتى ظهر الفلكي البولوني الشهير كوبرنيكس في القرن السادس عشر الميلادي، فقرر رأي فيثاغورس، وأيده بالأدلة الرياضية علماء الهيئة في كل مكان، ولا تزال هي السائدة إلى اليوم "انتهي. قلت: إنما كانت سائدة عند فلاسفة الإفرنج ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من العصريين، فأما عند المتمسكين بالكتاب والسنة فهي باطلة مردودة لمخالفتها للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول الصحيح، وقد ذكرت الأدلة على بطلانها في أول الصواعق الشديدة فلتراجع هناك.

زعمه أن الحاكم العبيدي خليفة فاطمي والرد عليه

الوجه الثاني: لو فرضنا صحة ما زعمه الصواف من وجود من يشك في ثبات الأرض أو يقول بحركتها من الفلكيين الذين كانوا في زمان بني العباس فقولهم مردود عليهم؛ لمخالفته للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على سكون الأرض وثباتها، وقد ذكرتها في أول الصواعق الشديدة فلتراجع هناك. فصل وفي صفحة 32 ذكر الحاكم العبيدي وسماه الخليفة الفاطمي. والجواب: أن يقال ليس الحاكم وأهل بيته بخلفاء ولا فاطميين، وإنما هم ملوك جبابرة فجرة وأدعياء كذبة، وقد أوضح المحققون من العلماء أمرهم وكشفوا أسرارهم وهتكوا أستارهم، وأنا أذكر ههنا طرفا من كلام العلماء فيهم ليعلم من يسميهم خلفاء وينسبهم إلى فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه تائه في بيداء الجهالة والضلالة ومخالف لأهل الأمانة والعدالة، قال الذهبي رحمه الله تعالى: "كان العبيديون على الإسلام شرًا من التتر". قال: "وكانوا أربعة عشر متخلفا لا مستخلفا" انتهى. وقال ابن كثير في البداية والنهاية في أخبار سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة: "وفيها كان موت المهدي صاحب أفريقية، وهو أبو محمد عبيد الله المدعي أنه علوي وتلقب بالمهدي وبنى المهدية ومات بها". قال ابن خلكان: "وقد اختلف في نسب المهدي هذا اختلافا كثيرا جدا، فقال صاحب تاريخ القيروان: هو عبيد الله بن الحسن بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقال غيره هو عبيد الله بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وقيل غير ذلك في نسبه". قال ابن خلكان: "والمحققون ينكرون دعواه في النسب".

قال ابن كثير: "وقد كتب غير واحد من الأئمة منهم الشيخ أبو حامد الاسفراييني والقاضي الباقلاني والقدوري أن هؤلاء أدعياء ليس لهم نسب صحيح فيما يزعمونه، وأن والد عبيد الله المهدي هذا كان يهوديا صباغا بسلمية، وقيل كان اسمه سعد، وإنما لقب بعبيد الله زوج أمه بن الحسين بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن ميمون القداح، وسمي القداح لأنه كحالا يقدح العيون. وكان الذي وطأ له الأمر بتلك البلاد أبو عبد الله الشيعي، ثم استدعاه فلما قدم عليه من بلاد المشرق وقع في يد صاحب سلجماسة فسجنه، فلم يزل الشيعي يحتال له حتى استنقذه من يده وسلم إليه الأمر، ثم ندم الشيعي على تسليمه الأمر وأراد قتله، ففطن عبيد الله لما أراد به فأرسل إلى الشيعي من قتله وقتل أخاه معه، ويقال إن الشيعي لما دخل السجن الذي قد حبس فيه عبيد الله هذا وجد صاحب سلجماسة قد قتله، ووجد في السجن رجلا مجهولا محبوسا، فأخرجه إلى الناس لأنه كان قد أخبر الناس أن المهدي كان محبوسا في سلجماسة، وأنه إنما يقاتل عليه، فقال للناس هذا المهدي، وكان قد أوصاه أن لا يتكلم إلا بما يأمره به وألا قتله فراج أمره، فهذه قصته وهؤلاء سلالته والله أعلم". وقال ابن كثير أيضا في أخبار سنة اثنتين وأربعمائة: "ذكر الطعن من أئمة بغداد وغيرهم من البلاد في نسب الفاطميين وأنهم أدعياء كذبة، وفي ربيع الآخر منها كتب ببغداد محاضر تتضمن الطعن والقدح في نسب الفاطميين وهم ملوك مصر، وليسوا كذلك، وإنما نسبهم إلى عبيد بن سعد الجرمي، وكتب في ذلك جماعة من العلماء والقضاة والأشراف والعدول والصالحين والفقهاء والمحدثين، وشهدوا جميعا أن الحاكم بمصر هو منصور

ابن تزار الملقب بالحاكم - حكم الله عليه بالبوار والخزي والدمار - ابن معد بن إسماعيل ابن عبد الله بن سعيد - لا أسعده الله - فإنه لما صار إلى بلاد المغرب تسمى بعبيد الله وتلقب بالمهدي، وأن من تقدم من سلفه أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي بن أبي طالب ولا يتعلقون بسبب، وأنه منزه عن باطلهم، وأن الذي أدعوه إليه باطل وزور، وأنهم لا يعلمون أحدا من أهل بيوتات علي بن أبي طالب توقف عن إطلاق القول في أنهم خوارج كذبة. وقد كان هذا الإنكار لباطلهم شائعا في الحرمين وفي أول أمرهم بالمغرب منتشرا انتشارا يمنع أن يدلس أمرهم على أحد، أو يذهب وهم إلى تصديقهم فيما ادعوه، وإن هذا الحاكم بمصر هو وسلفه كفار فساق فجار ملحدون زنادقة معطلون، وللإسلام جاحدون، ولمذهب المجوسية والثنوية معتقدون، قد عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وأحلوا الخمر، وسفكوا الدماء، وسبَّوا الأنبياء، ولعنوا السلف، وادعوا الربوبية". وكتب في سنة اثنتين وأربعمائة: "وقد كتب خطة في المحضر خلق كثير، فمن العلويين المرتضى والرضا وابن الأزرق الموسوي وأبو طاهر ابن أبي الطيب ومحمد بن محمد بن عمرو بن أبي يعلى، ومن القضاة أبو محمد ابن الأكفاني وأبو القاسم الجزري وأبو العباس ابن الشبوري، ومن الفقهاء أبو حامد الاسفراييني وأبو محمد ابن الكسفلي وأبو الحسن القدوري وأبو عبد الله الصيمري وأبو عبد الله البيضاوي وأبو علي بن حكمان، ومن الشهود أبو القاسم التنوخي في كثير منهم، وكتب فيه خلق كثير " هذه عبارة أبي الفرج ابن الجوزي. قال ابن كثير: "ومما يدل على أن هؤلاء أدعياء كذبة كما ذكر هؤلاء السادة العلماء والأئمة الفضلاء، وأنهم لا نسب لهم إلى علي بن أبي طالب، ولا إلى فاطمة، كما يزعمون قول ابن عمر للحسين بن علي حين أراد الذهاب إلى العراق وذلك حين كتب عوام أهل الكوفة بالبيعة إليه، فقال له ابن عمر: "لا تذهب إليهم فإني

أخاف عليك أن تقتل، وأن جدك قد خير بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة على الدنيا، وأنت بضعة منه، وإنه والله لا تنالها لا أنت ولا أحد من خلفك ولا من أهل بيتك. فهذا الكلام الحسن الصحيح المتوجه المعقول من هذا الصحابي الجليل يقتضي أنه لا يلي الخلافة أحد من أهل البيت إلا محمد بن عبد الله المهدي الذي يكون في آخر الزمان عند نزول عيسى بن مريم، رغبة بهم عن الدنيا وأن لا يدنسوا بها، ومعلوم أن هؤلاء قد ملكوا ديار مصر مدة طويلة، فدل ذلك دلالة قوية على أنهم ليسوا من أهل البيت كما نص عليه سادة الفقهاء. وقد صنف القاضي الباقلاني كتابا في الرد على هؤلاء وسماه "كشف الأسرار وهتك الأستار" بين فيه فضائحهم وقبائحهم ووضح أمرهم لكل أحد، ووضوح أمرهم ينبيء عن مطاوي أفعالهم وأقوالهم، وقد كان الباقلاني يقول في عبارته عنهم: هم قوم يظهرون الرفض ويبطنون الكفر المحض والله سبحانه أعلم". انتهى ما ذكره ابن كثير رحمه الله تعالى. وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى ما ملخصه: وهؤلاء القوم - يعني العبيديين - يشهد عليهم علماء الأمة وأئمتها وجماهيرها أنهم كانوا منافقين زنادقة يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وكذلك النسب قد علم أن جمهور الأمة تطعن في نسبهم، ويذكرون أنهم من أولاد المجوس أو اليهود وهذا مشهور من شهادة علماء الطوائف من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وأهل الحديث وأهل الكلام وعلماء النسب والعامة وغيرهم، وهذا أمر قد ذكره عامة المصنفين لإخبار الناس وأيامهم حتى بعض من قد يتوقف في أمرهم كابن الأثير الموصلي في تاريخه ونحوه فإنه ذكر ما كتبه علماء المسلمين بخطوطهم من القدح في نسبهم. وأما جمهور المصنفين

من المتقدمين والمتأخرين حتى القاضي ابن خلكان في تاريخه فإنه ذكروا نسبهم، وكذلك ابن الجوزي وأبو شامة وغيرهما من أهل العلم بذلك حتى صنف العلماء في كشف أسرارهم وهتك أستارهم، كما صنف القاضي أبو بكر الباقلاني كتابه المشهور في كشف أسرارهم، وذكر أنهم من ذرية المجوس، وذكر من مذاهبهم ما بين فيه أن مذاهبهم شر من مذاهب اليهود والنصارى، بل ومن مذاهب الغالية الذين يدعون إلهية علي أو نبوته، فهم أكفر من هؤلاء. وكذلك ذكر القاضي أبو يعلى في كتابه المعتمد فصلا طويلا في شرح زندقتهم وكفرهم، وكذلك ذكر أبو حامد الغزالي في كتابه الذي سماه "فضائل المستظهرية وفضائح الباطنية، قال: "ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض". وكذلك القاضي عبد الجبار بن أحمد وأمثاله من المعتزلة المتشيعة الذين لا يفضلون عليًا علي غيره، بل يفسقون من قاتله، ولم يتب من قتاله يجعلون هؤلاء من أكابر المنافقين الزنادقة، فهذه مقالة المعتزلة في حقهم، فكيف تكون مقالة أهل السنة والجماعة، بل والرافضة الأمامية؟ مع أنهم من أجهل الخلق، وأنهم ليس لهم عقل ولا نقل ولا دين صحيح، ولا دنيا منصورة، فهم يعلمون أن مقالة هؤلاء مقالة الزنادقة المنافقين، ويعلمون أن مقالة هؤلاء الباطنية شر من مقالة الغالية الذين يعتقدون إلهية علي رضي الله عنه. وأما القدح في نسبهم فهو مأثور عن جماهير علماء الأمة من علماء الطوائف، وقد تولى الخلافة غيرهم طوائف، وكان في بعضهم من البدعة والظلم ما فيه، فلم يقدح الناس في نسب أحد من أولئك كما قدحوا في نسب هؤلاء. ولا نسبوهم إلى الزندقة والنفاق كما نسبوا هؤلاء. وقد قام من ولد علي طوائف من ولد الحسن وولد الحسين كمحمد بن عبد الله بن حسبن وأخيه إبراهيم بن عبد الله بن حسن وأمثالهما، ولم يطعن أحد لا من أعدائهم ولا من غير أعدائهم لا في نسبهم ولا في إسلامهم. وكذلك الداعي القائم بطبرستان وغيره من العلويين، وكذلك بنو

حمود الذين تغلبوا بالأندلس مدة وأمثال هؤلاء، لم يقدح أحد في نسبهم ولا في أسلامهم، وقد قتل جماع من الطالبيين على الخلافة لاسيما في الدولة العباسية، وحبس طائفة كموسى بن جعفر وغيره، ولم يقدح أعداؤهم في نسبهم ولا دينهم، وسبب ذلك أن الأنساب المشهورة أمرها ظاهر متداول مثل الشمس لا يقدر العدو أن يطفئه. وكذلك إسلام الرجل وصحة إيمانه بالله ورسوله أمر لا يخفى، وصاحب النسب والدين لو أراد عدوه أن يبطل نسبه ودينه وله هذه الشهرة لم يمكنه ذلك، فإن هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، ولا يجوز أن تتفق على ذلك أقوال العلماء. وهؤلاء بنو عبيد القداح ما زالت علماء الأمة المأمونون علما ودينا يقدحون في نسبهم ودينهم، لا يذمونهم بالرفض والتشيع، فإن لهم في هذا شركاء كثيرين، بل يجعلونهم من القرامطة الباطنية الذين منهم الإسماعيلية والنصيرية، ومن جنسهم الخرمية المحمرة وأمثالهم من الكفار والمنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر". إلى أن قال: "بل ما ظهر عنهم من الزندقة والنفاق ومعادة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - دليل على بطلان نسبهم الفاطمي، فإن من يكون من أقارب النبي - صلى الله عليه وسلم - القائمين بالخلافة في أمته لا تكون معاداته لدينه كمعاداة هؤلاء، فلم يعرف في بني هاشم ولا ولد أبي طالب بل ولا بني أمية من كان خليفة وهو معاد لدين الإسلام، فضلا عن أن يكون معاديا له كمعاداة هؤلاء، بل أولاد الملوك الذين لا دين لهم يكون فيهم نوع حمية لدين آبائهم وأسلافهم، فمن كان من ولد سيد ولد آدم الذي بعثه الله بالهدى ودين الحق - كيف يعادي دينه هذه المعاداة؟ ولهذا نجد جميع المأمونين على دين الإسلام باطنا وظاهرا معادين لهؤلاء إلا من هو زنديق عدو الله ورسوله، أو جاهل لا يعرف ما بعث الله به رسوله، وهذا مما يدل على كفرهم وكذبهم في نسبهم ". إلى أن قال: "وقد علم الناس من سيرة الحاكم ما علموا، وما فعله هشتكين الدرزي مولاه بأمره من دعوة الناس إلى عبادته

ومقاتلته أهل مصر على ذلك، ثم ذهابه إلى الشام حتى أضل وادي التيم بن ثعلبة. والزندقة والنفاق فيهم إلى اليوم، وعندهم كتب الحاكم وقد أخذتها منهم وقرأت ما فيها من عبادتهم الحاكم، وإسقاطه عنهم الصلاة والزكاة والصيام والحج وتسمية المسلمين الموجبين لهذه الواجبات المحرمين لما حرم الله ورسوله بالحشوية، إلى أمثال ذلك من أنواع النفاق التي لا تكاد تحصى. وبالجملة فاسم الباطن الذي يدعونه مضمونه الكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر بل هو جامع لكل كفر ". إلى أن قال: "وبنوا أرصادا على الجبال وغير الجبال يرصدون فيها الكواكب يعبدونها ويسبحونها ويستنزلون روحانياتها التي هي شياطين تنزل على المشركين الكفار كشياطين الأصنام، ولأجل ما كانوا عليه من الزندقة والبدعة بقيت البلاد المصرية مدة دولتهم نحو مائتي سنة، قد انطفأ نور الإسلام والإيمان فيها حتى قالت فيها العلماء أنها كانت دار ردة ونفاق كدار مسيلمة الكذاب، والقرامطة الخارجون بأرض العراق الذين كانوا سلفا لهؤلاء القرامطة ذهبوا من العراق إلى المغرب ثم جاءوا من المغرب إلى مصر، فإن كفر هؤلاء وردتهم من أعظم الكفر والردة وهم أعظم كفرا وردة من كفر أتباع مسيلمة الكذاب ونحوه من الكذابين، فإن أولئك لم يقولوا في الإلهية والربوبية والشرائع ما قاله أئمة هؤلاء، ولهذا يميز بين قبورهم وقبور المسلمين كما يميز بين قبور المسلمين والكفار، فإن قبورهم موجهة إلى غير القبلة" انتهى. وقال شيخ الإسلام أيضا في موضع آخر: "ثم الإسماعيلية الذين كانوا ملوك القاهرة، وكانوا يزعمون أنهم خلفاء علويون فاطميون، وهم عند أهل العلم من ذرية عبيد الله القداح. وقال فيهم أبو حامد الغزالي - في كتابه الذي صنفه في الرد عليهم - "ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض".

وقد صنف القاضي وصف مذاهبهم في كتبه، وكذلك غير هؤلاء من علماء المسلمين، وهؤلاء الغالية كفار باتفاق المسلمين" انتهى. وقال شيخ الإسلام أيضا في موضع آخر: "أئمة الباطنية كبني عبيد بن ميمون القداح الذين ادعوا أنهم من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر ولم يكونوا من ولده، بل كان جدهم يهوديا ربيبا لمجوسي، فأظهر التشيع، ولم يكونوا في الحقيقة على دين واحد من الشيعة لا الإمامية ولا الزيدية بل ولا الغالية الذين يعتقدون إلهية علي أو نبوته، بل كانوا شرا من هؤلاء كلهم، ولهذا كثرت تصانيف العلماء المسلمين في كشف أسرارهم وهتك أستارهم وكثر غزو المسلمين لهم، وقصصهم معروفة، وابن سينا وأهل بيته من أتباعهم على عهد حاكمهم المصري، ولهذا دخل ابن سينا في الفلسفة. وهؤلاء يجعلون محمد بن إسماعيل هو الإمام المكتوم، وأنه نسخ شرع محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، ويقولون أنهم آلهة، ولهذا أرسل الحاكم غلامه هشتكين الدرزي إلى وادي تيم الله بن ثعلبة بالشام، فأضل أهل تلك الناحية، وبقاياه فيهم إلى اليوم، يقولون بإلهية الحاكم وقد خرجهم عن دين الإسلام. وقد ادعى الربوبية، وكتب باسم الحاكم الرحمن الرحيم، واستمال كثيرا من الجهال، وبذل لهم المال، ونادوه باسم الإله وصنف له بعض الباطنية كتابا ذكر فيه أن روح آدم انتقل إلى علي ثم إليه. وهؤلاء الباطنية لهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة وكتب مصنفة، وضررهم على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أعظم من ضرر الكفار التتر، وأكفر من المشركين المحاربين من الإفرنج، وغيرهم فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت، وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا رسوله ولا بأمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار، ويتأولون كلام الله ورسوله على أمور يفترونها بدعوى أنها من علم الباطن، وليس لهم

الرد على من زعم أن للأرض فلكا تدور فيه حول الشمس

حد محدود فيما يدعونه من الإلحاد في أسماء الله تعالى وآياته وتحريف كلام الله ورسوله عن مواضعه، ولا يرون الصلوات الخمس ولا صيام شهر رمضان ولا حج البيت الحرام ولا تحريم ما حرم الله ورسوله من الميتة والدم ولحم الخنزير وغير ذلك. وهؤلاء يدعون المستجيب لهم أولا إلى التشيع والتزام ما توجبه الرافضة وتحريم ما يحرمونه، ثم بعد هذا ينقلونه درجة بعد درجة، ينقلونه في الآخر إلى الانسلاخ من الإسلام، وأن المقصود هو معرفة أسرارهم وهو العلم الذي به تكمل النفس كما تقول الفلاسفة الملاحدة، فمن حصل له هذا العلم وصل إلى الغاية، وسقطت عنه العبادات التي تجب على العامة كالصلوات وصيام رمضان وحج البيت وحلت له المحرمات التي لا تحل لغيره" ثم ذكر ما تقدم عن أبي الغزالي أنه قال فيهم: "ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض". انتهى. فصل وذكر الصواف في صفحة 37 عن عبد الرزاق نوفل أنه نقل عن الفلكيين أنهم قالوا بأن الأرض كوكب من الكواكب التي تدور حول الشمس، وتتبعها في سيرها أينما سارت، قال: وهي تدور بنا حول نفسها مرة كل أربع وعشرين ساعة. والجواب أن يقال هذا قول باطل مردود بالأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول الصحيح وقد استوفيت الرد عليه في الصواعق الشديدة فليراجع هناك. فصل وقال في صفحة 38 أن الأرض تدور حول الشمس في فلك يبلغ محيطه

580 مليون ميل، فمعدل سرعتها في هذه الحركة يبلغ 60 ألف ميل في الساعة أو بنحو ألف ميل في الدقيقة، والنظام الشمسي كله بما فيه الأرض ينهب الفضاء نهبا بسرعة لا تقل عن 20 ألف ميل في الساعة أي أكثر من 300 ميل في الدقيقة متجهة نحو برج هركيوليس. والجواب عن هذا من وجوه أحدها: أن يقال أن إثبات مثل هذه الأمور يحتاج إلى نص قاطع من كتاب الله تعالى أو من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقم على شيء تخرصوه دليل البتة لا من المنقول ولا من المعقول الصحيح، وقد انقطع الوحي من السماء بموت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يبق مع المدعين سوى التخرصات والظنون الكاذبة، وقد قال الله تعالى {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} وقال تعالى {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} وقد جمعت هذه الآية الكريمة بين الأمر باتباع ما أنزل الله، والنهي عن اتباع ما سوى ذلك من أقوال المتخرصين. الوجه الثاني: أن يقال ليس للأرض فلك تدور فيه كما زعم ذلك أهل الهذيان والتخرص، وإنما الفلك للشمس والقمر والنجوم والليل والنهار، قال الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وقال تعالى {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ

كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}. قال ابن جرير: "قوله {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يقول: وكل ما ذكرنا من الشمس والقمر والليل والنهار في فلك يجرون، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل". وقال ابن كثير: "قوله تبارك وتعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يعني الليل والنهار والشمس والقمر كلهم يسبحون أي يدورون في فلك السماء. قاله ابن عباس وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة وعطاء الخراساني. وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "والله سبحانه قد أخبر بأن الشمس والقمر والليل والنهار كل ذلك يسبح في الفلك فقال تعالى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}. والفلك هو المستدير كما ذكر ذلك من ذكره من الصحابة والتابعين وغيرهم من علماء المسلمين، والمستدير يظهر شيئا بعد شيء، فيراه القريب منه قبل البعيد عنه". وقال الشيخ أيضا: "لفظ الفلك يدل على الاستدارة وعلى سرعة الحركة كما في دوران فلكة المغزل ودوران الرحى". وقال أيضا: "والسباحة تتضمن الجري بسرعة كما ذكر أهل اللغة". انتهى. وأما الأرض فإنها ساكنة ثابتة لا تتحرك ولا تزول من موضعها فضلا عن أن يكون لها فلك تدور فيه، وقد ذكرت الأدلة على سكونها في الصواعق الشديدة فلتراجع هناك. وأما تحديدهم لمحيط فلك الأرض الذي توهموه بعقولهم الفاسدة بما ينيف على سبعين ألف سنة، وتحديدهم أيضا لمعدل سرعتها في الساعة والدقيقة، وما

زعموه أيضا من النظام الشمسي وسرعة سيره في الساعة والدقيقة واتجاهه نحو هركيولس - فكله هذيان لا يقوله عاقل، ونسبة هذا الهذيان إلى المسلمين فرية بلا مرية. وقد قال الله تعالى {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} وقال تعالى {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} وقال تعالى {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}. وقد ذكرت في الصواعق الشديدة ما ذكره العلماء من الإجماع على أن السموات مستديرة، وما ذكروه أيضا من الإجماع على أن الأرض مثل الكرة، وبيان أنها مثبتة في وسط كرة السماء كالنقطة في الدائرة، وذكرت أيضا النص على أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة، وأن كسف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة، فلو كان للأرض فلك يبلغ محيطه 580 مليون ميل كما زعم ذلك من زعمه من فلاسفة الإفرنج ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من ضعفاء البصيرة من المسلمين لكان مدارها من فوق الكرسي بمسافة بعيدة، وهذا ظاهر البطلان. وأيضا فالسموات السبع الشديدة البناء التي ليس لها فروج وليس فيها فطور قد أحاطت بالأرض من كل جانب، والكرسي من فوق السموات قد أحاط بالجميع فلا طريق للأرض إلى اختراق السموات والكرسي، والصعود إلى ما فوق ذلك حتى يتهيأ لها الدوران في الفلك الذي توهموه بعقولهم الفاسدة. وإنما قال أعداء الله ما قالوه من هذا الهذيان الذي يضحك منه كل عاقل

التحذير من طاعة أعداء الله والإصغاء إلى تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة

لأنهم يرون أن سعة الجو غير متناهية، وإنه ليس فوقنا سموات مبنية شداد كثف كل واحدة منهن خمسمائة سنة، والأرض في وسط السماء الدنيا منهن وكل سماء منهن محيطة بما تحتها وما حوت. وقد وجد أعداء الله لتخرصاتهم وهذيانهم قبولا عند الأغبياء من المسلمين، وهذا أكبر مقاصد أعداء الله فإنهم حريصون على إضلال المسلمين وردهم إلى الكفر كما أخبر الله عنهم بذلك في قوله تعالى {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} وقال تعالى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. وفي هذه الآية الأخيرة الحث على التمسك بالكتاب والسنة، وفي الآيات التي قبلها التحذير من طاعة أعداء الله تعالى والإصغاء إلى تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة التي تصد عن سبيل الله تعالى، وتورد من أصغى إليها موارد العطب، فمن تمسك بالكتاب والسنة حصلت له الهداية في الدنيا والسعادة في الآخرة، ومن أعرض عنهما وتمسك بظنون الناس وتخرصاتهم فقد ضل وشقي في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}. قال ابن عباس رضي الله عنهما: من اقتدى بكتاب الله لا يضل في الدنيا

ولا يشقى في الآخرة. ثم تلا هذه الآية {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} رواه رزين وغيره. وقال الله تعالى {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَامُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}. وإذا علم هذا فلابد للمتكلم فيما يتعلق بالأرض والسموات والشمس والقمر والنجوم من أحد أمرين: إما التمسك بما جاء عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك وما أجمع المسلمون عليه من ذلك، ونبذ التخرصات والظنون الكاذبة وراء الظهر، وأما التمسك بتخرصات أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم ونبذ ما عارض ذلك من أدلة الكتاب والسنة والإجماع وراء الظهر. فليختر المرء ما يناسبه من أحد الأمرين، فأما الجمع بينهما فغير ممكن لأنهما ضدان فلا يجتمعان، وكثير من العصريين المفتونين بتخرصات أهل الهيئة الجديدة وظنونهم الكاذبة يرومون الجمع بين ما أخبر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وبين تخرصات أهل الهيئة الجديدة وظنونهم الكاذبة وذلك بحمل الآيات والأحاديث على غير محاملها لتتفق مع ظنون أهل الهيئة الجديدة وتخرصاتهم فيجمعون

بين قبول الباطل وبين الإلحاد في آيات الله تعالى وتحريف الكلم عن مواضعه. الوجه الثالث: أن الله تعالى نص على جريان الشمس في مواضع من كتابه، ونص أيضا على أنها تسبح في الفلك، ونص أيضا على أنه يأتي بها من المشرق، ونص أيضا على طلوعها وتزاورها ودلوكها وغروبها. وقال تعالى {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} والدأب إدامة السير كما نص على ذلك أئمة اللغة وقرر معناه أهل التفسير، وفي هذه الآيات أوضح دليل على أن الشمس تجري وتدور على الأرض لقيام معايش العباد ومصالحهم. وقد نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جريان الشمس وطلوعها وارتفاعها وزوالها ودنوها من الغروب وغروبها، وأخبر أنها تذهب بعد الغروب حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة، ثم يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، وكل ذلك يدل على دوران الشمس على الأرض على الدوام ورد ما هذى به المتخرصون من كون النظام الشمسي ينهب الفضاء نهبا بسرعة متجها نحو برج هركيوليس. الوجه الرابع: أن كلام الصواف ينقض بعضه بعضا، فقد ذكر في هذا الموضع أن النظام الشمسي ينهب الفضاء نهبا بسرعة متجهة نحو برج هركيوليس، وذكر في صفحة 43 أن الشمس والكواكب السيارة وأقمارها تجري في الفضاء تحو برج النسر بسرعة غير معهودة لنا على الأرض، وقال في صفحة 61 أن الشمس ثابتة ومتحركة في آن واحد ثابتة على محورها، ومتحركة حول هذا المحور، أي دائرة حول نفسها ومثلها مثل المروحة السقفية الكهربائية، وهذا تناقض عجيب، وهكذا الباطل لا تجده إلا مختلفا ينقض

الرد على ما ذكره الصواف من التكهنات عن عمر الأرض

بعضه بعضا كما قال الله تعالى {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}. فصل وقال الصواف في صفحة 38: "أما عمر الأرض فقد بدأ الإنسان تكهناته عنه من آماد بعيدة، ففي القرن السابع عشر، قال أحد المفكرين واسمه جيمس أوثر أن العالم بدأ يوم 26 أكتوبر سنة 4004 قبل الميلاد، وجاء في أحد الكتب الهندية المقدسة أن عمر العالم 1972949059 سنة، وفي العصر الحديث بدأت الجهود التي يبذلها الفلكيون في المراصد تلتقي عند أدق رقم يمكن أن يعتبر أصح تقدير لعمر الكرة الأرضية، فقد دلت آخر التقديرات القائمة على دراسات فلكية وأبحاث علمية في مراصد ليك ومونت ويلسون وبالومار على أن عمر الكرة الأرضية حوالي 5400000000 سنة، ونسبة الخطأ في تقدير هذا الرقم يقرب من 20 %، ويعتمد الفلكيون في عمر الكرة الأرضية على النظرية القائلة بأن شيئا حدث في الفضاء في قديم الزمان جعل المادة تتناثر من مركز مشترك واحد، وقد دلت الدراسة التي استمرت 20 عاما للضوء المنبعث من الكواكب البعيدة على أن هذه الكواكب لا تزال ممعنة في الابتعاد في الفضاء، وأن سرعتها تزداد كلما ازداد ابتعادها، وقد قضى الفلكيون في معرفة ذلك سبعة أعوام بالمراصد المذكورة يراقبون 800 كوكب و26 مجموعة من الكواكب". والجواب عن هذا من جوه أحدها: أن يقال أن التكهن من أمور الجاهلية وليس من علوم المسلمين، ومع هذا فقد أدخله الصواف في علم الفلك الذي نسبه إلى المسلمين، وهذا من أكبر الخطأ وأعظم الفرية، وقد قال الله تعالى {الَّذِينَ

اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} قال أبو قلابة: "هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة". والوجه الثاني: أن التكهن هو التحكم على الغيب والتعاطي لما استأثر الله بعلمه. قال ابن منظور في لسان العرب: "كهن له وتكهن له قضى له بالغيب". وكذا قال صاحب القاموس. قال ابن منظور: "ويقال كهن لهم إذا قال لهم قول الكهنة. ونقل مرتضى الحسيني في تاج العروس عن التوشيح أن الكهانة ادعاء علم الغيب، قال: "ومثله في ضوء النبراس، وأفعال ابن القطاع، والإرشاد. وقال الخطابي: "الكاهن هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن". وقال ابن الأثير: "الكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار". قلت: ويقال أيضا للذي يدعي علم الغيب العراف والحازي. قال الجوهري: "العراف الكاهن". وقال الشيخ أبو محمد المقدسي في المغني: "العراف الذي يحدس ويتخرص". وقال ابن الأثير: "العراف المنجم أو الحازي الذي يدعي علم الغيب وقد استأثر الله به". وقال ابن منظور في لسان العرب: "يقال للحازي عراف" قال: "والعراف الكاهن". وفي الحديث «من أتى عرافا أو كاهنا فقد كفر بما أُنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -» أراد بالعراف المنجم أو الحازي الذي يدعي علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه.

التحذير من تصديق الكهان وبيان أن ذلك كفر

وقال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية: "العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم كالحازي الذي يدعي علم الغيب أو يدعي الكشف" انتهى. إذا علم هذا فكل من ادعى شيئا من علم الغيب فهو طاغوت كافر ومن صدقه فهو ممن آمن بالطاغوت. وقد أخبر الله تعالى عن الكاهن بأنه أفاك أثيم، وفي هذا أبلغ ذم للكهان وأبلغ تحذير من تصديقهم فيما يدعونه من علم الغيب قال الله تعالى {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} قال قتادة: "هم الكهنة يسترق الجن السمع ثم يلقون إلى أوليائهم من الإنس". وقال ابن كثير على قوله {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}: "أي كذوب في قوله وهو الأفاك أثيم، وهو الفاجر في أفعاله، فهذا هو الذي تنزل عليه الشياطين من الكهان وما جرى مجراهم من الكذبة الفسقة" انتهى. وقد روى البزار عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له» قال المنذري إسناده جيد، وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع وهو ثقة. وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه، قال المنذري وإسناده حسن. وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من اقتبس بابًا من علم النجوم لغير ما ذكر الله فقد اقتبس شعبة من السحر،

المنجم كاهن، والكاهن ساحر، والساحر كافر» وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال «الكاهن ساحر والساحر كافر» ذكره الذهبي في كتاب الكبائر. وروى الطبراني عن ابن الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لن ينال الدرجات العلى من تكهن أو استقسم أو رجع من سفر تطيرًا» قال المنذري والهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما ثقات. قلت: وقد رواه ابن مردويه وأبو نعيم والبغوي بنحوه، ولفظ البغوي «من تكهن أو استقسم أو تطير طيرة ترده عن سفره لم ينظر إلى الدرجات العلى من الجنة يوم القيامة». الوجه الثالث: أن الصواف ذكر أقوال المتكهنين في بدء العالم ومدة عمره وعمر الأرض وأقرها وذلك يدل على رضاه بهذا التكهن وتصديقه به، وتلك مصيبة من أعظم المصائب على هذا المسكين لو كان يعقل. فقد روى الإمام أحمد وأهل السنن والبخاري في التاريخ الكبير عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من أتى كاهنا فصدقه بما يقول أو أتى امرأة حائضا أو أتى امرأة في دبرها فقد برئ مما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -» وفي رواية بعضهم «من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -». قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى في شرح التوحيد: "ظاهر الحديث أنه يكفر متى اعتقد صدقه بأي وجه كان". قال: "وهل الكفر في هذا الموضع كفر دون كفر فلا ينقل عن الملة أو يتوقف فيه فلا يقال: يخرج عن الملة، ولا ما يخرج، وهذا أشهر الروايتين عن أحمد رحمه الله تعالى. وقال القرطبي: "المراد بالمنزل الكتاب والسنة" انتهى.

وروى الإمام أحمد أيضا والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -» قال الحاكم صحيح على شرطهما جميعا ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. وروى البزار عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ليس منها من تطير أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -» قال المنذري إسناده جيد، وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع وهو ثقة. قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى في شرح التوحيد: "كل من تلقى هذه الأمور عمن تعاطاها، فقد برئ منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكونها أما شرك كالطيرة أو كفر كالكهانة والسحر، فمن رضي بذلك وتابع فهو كالفاعل لقبوله الباطل واتباعه" انتهى. وروى البزار أيضا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من أتى كاهنًا فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -» قال المنذري إسناده جيد قوي. وروى البزار أيضا وأبو يعلى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال «من أتى عرافًا أو ساحرًا أو كاهنًا فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -» قال المنذري إسناده جيد. وقال الهيثمي رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا هبيرة بن يريم وهو ثقة، ورواه البزار أيضا والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه قال الهيثمي: ورجال الكبير والبزار

ثقات، وقال المنذري: رواه الطبراني في الكبير ورواته ثقات. وقد رواه أبو نعيم في الحلية من حديث عمرو بن قيس الملائي عن أبي إسحاق - يعني السبيعي - قال حدثنا هبيرة بن يريم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «من أتى كاهنًا أو ساحرًا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -» ثم قال أبو نعيم رواه الثوري عن أبي إسحاق مثله، ورواه علقمة وهمام بن الحارث عن عبد الله موقوفا. قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى في شرح التوحيد: "فيه دليل على كفر الكاهن والساحر لأنهما يدعيان علم الغيب وذلك كفر، والمصدق لهما يعتقد ذلك ويرضى به وذلك كفر أيضا "انتهى. وروى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن أتاه غير مصدق له لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» قال الهيثمي: فيه رشدين بن سعد، وهو ضعيف، وفيه توثيق في أحاديث الرقاق، وبقية رجاله ثقات. قلت: وما تقدم من الأحاديث الصحيحة يشهد له ويقويه. وروى الطبراني أيضا عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من أتى كاهنا فسأله عن شيء حجبت عنه التوبة أربعين ليلة فإن صدقه بما قال كفر» إسناده ضعيف ولكنه يتقوى بما تقدم وما يأتي.

وروى الإمام أحمد ومسلم عن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة». وروى الطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من أتى عرافًا لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» قال الهيثمي: رجاله ثقات. وروى الطبراني أيضا في الأوسط عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «من أتى عرافًا لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» قال الهيثمي: رواه الطبراني عن شيخه مصعب بن إبراهيم بن حمزة الدهري، ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح. وأيضا فإن التصديق بالتكهن من الإيمان بالجبت والطاغوت وقد قال الله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}. قال عمر رضي الله عنه: الجبت السحر والطاغوت الشيطان. وكذا قال الشعبي ومجاهد. وقد تقدم حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا وفيه «والكاهن ساحر» وعن علي رضي الله عنه مثله وتقدم أيضا. وعن الشعبي أيضا: الجبت الكاهن، وقال محمد بن سيرين ومكحول: الجبت الكاهن والطاغوت الساحر. وقال سعيد بن جبير وأبو العالية: الجبت الساحر بلسان الحبشة والطاغوت الكاهن. وقال الجوهري: "الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك". وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «الطواغيت كهان تنزل عليهم الشياطين» رواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن.

ويشهد له قول الله تعالى {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} وقد تقدم قول قتادة أنهم الكهنة. والمقصود ههنا التحذير من تصديق الذين يتكهنون ويدعون علم الغيب، وبيان أن من صدقهم في ذلك فهو ممن آمن بالجبت والطاغوت شاء أم أبى. فليستيقظ الصواف من رقدته ولينتبه من غفلته ولا يكن كحاطب الليل يضع في حطبه الأفاعي القاتلة وهو لا يشعر، بل أن ضرر الأفاعي أوهى مما وضعه الصواف في رسالته من الأقوال الباطلة المتضمنة لمحادة الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، واتباع غير سبيل المؤمنين، لأن ضرر هذه الأقوال الباطلة على الدين وضرر الأفاعي على البدن وشتان ما بين الضررين. الوجه الرابع: أن ما زعمه أعداء الله تعالى من معرفة الشهر الذي بدأ فيه العالم وتعيين اليوم الذي بدأ فيه من ذلك الشهر وتحديد عمر العالم وعمر الأرض - فكله تخرص مردود بقول الله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} وقوله تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الآية. وقوله تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} الآية. وقوله تعالى {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} الآية. وقوله تعالى {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} الآية. وفي الحديث الصحيح أن جبريل قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - «أخبرني عن الساعة، قال: ما المسؤول عنها أعلم بأعلم من السائل» رواه الإمام أحمد ومسلم

وأهل السنن من حديث عمر رضي الله عنه. ورواه الإمام أحمد والشيخان وابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه النسائي من حديث أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما. وإذا كان أشرف الملائكة وأشرف البشر لا يعلمان متى تقوم الساعة، فغيرهما من المخلوقين أولى وأحرى أن لا يعلموا ذلك فضلا عما يزعمه المتخرصون من معرفة الشهر الذي بدأ فيه العالم، وتعيين اليوم الذي بدأ فيه من ذلك الشهر، وتحديد عمر العالم وعمر الأرض. ولقد أحسن الشاعر حيث يقول: الغيب يعلمه المهيمن وحده ... وعن الخلائق أجمعين مغيب وقال آخر: الزجر والطير والكهان كلهم ... مضللون ودون الغيب أقفال الوجه الخامس: أنه لم يجئ في كتاب الله تعالى ولا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن للأرض عمرا معلوما إذا انتهى زالت من مكانها وذهبت بالكلية. بل الذي يدل عليه القرآن العظيم أن الأرض لا تزال باقية إلى الأبد إلا أنها تبدل يوم القيامة. قال الله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} فقد دلت هذه الآيات على أن الأرض لا تزال باقية على الأبد، وأما تبديلها يوم القيامة فقد قال تعالى {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} قال

ابن كثير: "أي وعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض غير الأرض وهي هذه على غير الصفة المألوفة المعروفة". ثم ذكر الأحاديث والآثار الواردة في تبديل الأرض وهي كثيرة، فلتراجع في آخر تفسير سورة إبراهيم. وأما زعم الفلكيين أن عمر الأرض حوالي ألف وأربعمائة مليون سنة، فهو تخرص مردود عليهم. الوجه السادس: أن الصواف سمى رسالته المسلمون وعلم الفلك، وذكر في مقدمتها في صفحة 12 أن ما جمعه فيها هو مما تركه العلماء الأعلام، وقال في صفحة 51 و65 أنهم سلفه الصالح، وقال في صفحة 67 أنهم علماؤه الأعلام، وقد نقل في هذا الموضع الذي نرد عليه عن "جيمس أوثر" وعن الفلكيين أصحاب المراصد في "ليك ومونت ويلسون وبالومار" ونقل أيضا في صفحة 40 عن "لابلاس" وفي صفحة 43 عن "سيمون" وفي صفحة 58 عن الدكتور "توماس جولد" وفي صفحة 60 عن المرصد الأمريكي وعن الدكتور "دونالد مينزل" وفي صفحة 71 عن "اللورد افبري" وفي صفحة 80 عن البريطاني "سبريل هازارد" وزميله " البروفيسور شميدت" وفي صفحة 108 عن "أرثر فندلاي" و"سيمون ينوك" وهؤلاء كلهم من الإفرنج ومع هذا فقد جعل الصواف تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة وتحكمهم على الغيب من علوم المسلمين، بل ظاهر كلامه أنه يرى أنهم من المسلمين، ومن العلماء الأعلام والسلف الصالح، نعوذ بالله من تقليب الأفئدة والأبصار. وأما قوله: وجاء في أحد الكتب الهندية المقدسة الخ. فجوابه: أن يقال إنما تكون الكتب مقدسة إذا كانت منزلة من الله تعالى أو مأثورة عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

فأما ما وضعه أعداء الرسل من عند أنفسهم وما توحيه الشياطين إليهم فهو باطل مردود وليس بمقدس. وكتاب الهند الذي نقل الصواف عنه تحديد عمر العالم هو من هذا الجنس الباطل المردود لما فيه من التحكم على الغيب والتعاطي لما استأثر الله بعلمه. وأما قوله: ويعتمد الفلكيون في عمر الكرة الأرضية على النظرية القائلة بأن شيئا حدث في الفضاء في قديم الزمان جعل المادة تتناثر من مركز مشترك واحد. فجوابه أن يقال هذا من تخرصات أهل الهيئة الجديدة وظنونهم الكاذبة. وقد قال الله تعالى {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} وقال تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ}. وقد ذكرت في الصواعق الشديدة ما ذكره الألوسي عن أهل الهيئة الجديدة في ذلك، وتعقبته بالرد، فليراجع ذلك في المثال الخامس عشر من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة. وأما قوله: وقد دلت الدراسة التي استمرت 20 عاما للضوء المنبعث من الكواكب البعيدة على أن هذه الكواكب لا تزال ممعنة في الابتعاد في الفضاء، وأن سرعتها تزداد كلما ازداد ابتعادها. فجوابه: أن يقال هذا من جنس ما قبله من التخرصات والظنون الكاذبة

وهذا القول الباطل مبني على قولهم أن سعة الجو غير متناهية، وأنه ليس فوقنا سموات مبنية. وقد استوفيت الرد على هذا القول الباطل في الصواعق الشديدة في المثال الثالث من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة فليراجع هناك. ولو كان الأمر على ما زعموه من نفي وجود السموات وأنه ليس فوقنا إلا فضاء لا نهاية له، وأن الكواكب لا تزال ممعنة في الابتعاد فيه، لكان يختفي ضوؤها عن أهل الأرض شيئا فشيئا حتى لا يروا منها شيئا، ويكفي في معرفة بطلان قولهم ما يشاهده الناس من استمرار ضوء كل كوكب على حاله على ممر الأزمان. وأيضا فإن الله تعالى قال {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} وقال تعالى {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} وقال تعالى {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}. وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على أن السموات مستديرة، وقرروا أن كل سماء محيطة بالسماء التي تحتها وما حوت، والكواكب قد جعلت زينة للسماء الدنيا بنص القرآن. فالسموات الشداد التي ليس لها فروج وليس فيها فطور محيطة بالكواكب من كل جانب ولا طريق لها إلى ما زعموه من الابتعاد المتوهم. وأيضا فإن الله تعالى قد جعل السماء سقفا لما تحتها من المخلوقات، وجعل الكواكب زينة لهذا السقف المحفوظ فقال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ

الْكَوَاكِبِ} وقال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} وقال تعالى: {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا} وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} وقال تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} وهذه الزينة لا تزال على حالها ما بقيت الدنيا، فإذا قامت القيامة زالت هذه الزينة عن محلها وانتثرت على الأرض كما أخبر الله تعالى بذلك في قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} وقوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} قال البغوي وغيره في قوله تعالى: {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} أي تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض كما قال تعالى: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ}. وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} وجهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه، وتكور في الشمس والقمر ثم يوقد فيكون هو جهنم). وروى ابن أبي حاتم أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث ريحا دبورا فيضرمها نارا) وكذا ذكر البغوي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال ابن كثير: "وكذا قال عامر الشعبي". وفيما ذكرته ههنا من الآيات وقول حبر الأمة كفاية في رد ما زعمه أعداء الله تعالى من كون الكواكب لا تزال ممعنة في الابتعاد عن الأرض. وأيضا فإن الله تعالى قد جعل الكواكب زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدي بها أهل الأرض في ظلمات البر والبحر. ولو كانت لا تزال ممعنة في الابتعاد عن الأرض كما زعمه أعداء الله تعالى لفاتت هذه المصالح منها،

الرد على من ادعى معرفة تاريخ الأرض ونشأتها وعمرها

وفي بقائها على حالها على مر الأزمان أوضح دليل على بطلان ما توهموه بعقولهم الفاسدة. وأما قوله وقد قضى الفلكيون في معرفة ذلك سبعة أعوام بالمراصد المذكورة يراقبون 800 كوكب و26 مجموعة من الكواكب. فواجبه أن يقال إن الله سبحانه وتعالى قد جعل الكواكب زينة للسماء الدنيا. وما فيها لا يعلم إلا من طريق الوحي، وقد انقطع الوحي من السماء بموت النبي - صلى الله عليه وسلم -. فأما المراصد والنظارات فهي أضعف وأعجز من أن يتوصل بها إلى العلم بما في السماء. وإنما يعتمد أعداء الله تعالى على تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة، وقد قال الله تعالى {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}، وما زعموه من وجود المجموعات من الكواكب فهو باطل. وقد استوفيت الرد عليه في الصواعق الشديدة في المثال الثامن عشر من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة فليراجع هناك. فصل قال الصواف في صفحة 39: (علم طبقات الأرض) ولقد نشأ بسبب هذه التحقيقات على سمي (بعلم طبقات الأرض) وهو علم يختص بدراسة الأرض، ومعرفة تاريخها ونشأتها وعمرها، وكيف تكونت طبقاتها وما طرأ على كل طبقة من تغيير نتيجة لعوامل جيولوجية أو حيوية، وقد تمكن بعض العلماء من معرفة أشياء مهمة عن الأرض ومكوناتها وما تحت قشرتها وهو ما يسمونه بعلم الجيولوجيا، وكل هذه الدراسات تضيف في كل لحظة وحين أدلة مشرقة على عظمة الخالق ووجود الصانع الحكيم العليم القدير.

والجواب أن يقال أما دعوى معرفة تاريخ الأرض ونشأتها وعمرها وكيف تكونت طبقاتها وما طرأ على كل طبقة من تغيير، فذلك من التحكم على الغيب والتعاطي لما استأثر الله بعلمه قال الله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} الآية. وليست هذه الأمور مما يدرك علمه بالعوامل الجيولوجية أو الحيوية، وإنما تعلم من طريق الوحي وقد انقطع الوحي بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}. وأما قوله: وقد تمكن بعض العلماء من معرفة أشياء مهمة عن الأرض ومكوناتها. فجوابه أن يقال ليس للأرض ولا غيرها من المخلوقات خالق ومكون غير الله تعالى. قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}. وإضافة التكوين إلى العناصر هو مذهب الطبيعيين الذين يزعمون أن الإيجاد والتكوين ناشئ عن الطبيعة، وذلك شرك بالله تعالى؛ لأن الله تعالى هو الذي خلق العناصر، وخلق ما تكون منها فلا يضاف التكوين إلى غيره. وأما قوله: "وكل هذه الدراسات تضيف في كل لحظة وحين أدلة مشرقة على عظمة الخالق ووجود الصانع". فجوابه أن يقال أن في القرآن والأحاديث الصحيحة كفاية وغنية في الدلالة على عظمة الخالق ووجود الصانع، ولا يحتاج معهما إلى ما سواهما من أقوال الناس وآرائهم فضلا عن تخرصات أعداء الله وظنونهم الكاذبة وتحكمهم على الغيب.

قال الله تعالى {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقال تعالى {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الآيات إلى قوله {فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ} وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} وقال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقال تعالى: {هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} وقال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} وقال تعالى: {فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} إلى قوله: {فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} والآيات في هذا المعنى كثيرة. وروى الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم في مستدركه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» ورواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة بنحوه قال المنذري: وإسناده حسن. وروى ابن ماجة أيضا عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله

زعمه توصل الفلكيين إلى معرفة نشوء الأرض وخرافات غير ذلك وكذب على الله وعلى كتابه والرد عليه

- صلى الله عليه وسلم -: «وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء» قال أبو الدرداء: صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء. وإذا علم هذا فمن أقبح الجهل أن تجعل التخرصات والظنون الكاذبة من أعداء الله أدلة على عظمة الخالق ووجود الصانع، وأن يقال أنها أدلة مشرقة وهي في الحقيقة بعكس ذلك ظلمات بعضها فوق بعض. فصل وقال الصواف في صفحة 39 و40 و41 ما ملخصه: (خلق الأرض) قال الله سبحانه وتعالى {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} هذه الآية من الآيات المعجزات التي أخبرت بمغيب لا يعلمه إلا الله. وجاء العلم الحديث يشير إلى ما أشارت إليه هذه الآية البليغة. فقد اختلفت الآراء العلمية منذ القديم على كيفية نشوء الأرض حتى توصل العلماء أخيرا بعد البحوث العميقة وبعد الاختراعات العجيبة للمراصد والمجاهر وبعد ستقدم الأرض وسميت بنظرية "لابلاس" هذه النظرية قررت أن الأرض والشمس ومختلف الكواكب والأجرام إنما كانت سديمًا في الفضاء وأن الأرض انفصلت عن هذا السديم. وهذا هو الذي أشار إليه القرآن العظيم في الآية التي صرنا بها هذا الموضوع قبل "لابلاس" وقيل غيره من علماء الدنيا. ويؤيد هذه النظرية كما يقول العلماء أدلة كثيرة منها شدة حرارة باطن الأرض - إلى أن قال وبتقدم العلم أمكن إلى حد ما معرفة العناصر المكونة للشمس بتحليل لطيف

فلكل عنصر عند احتراقه لون خاص به. فوجد أنها تتكون من نفس العناصر التي تتكون منها الأرض. بل اكتشفت عناصر في الشمس قبل اكتشاف وجودها في الأرض. وبذلك قرر العلم اليوم ما قرره القرآن وأشار إليه قبل ألف وأربعمائة عام من أن الأرض والشمس والنجوم أي السماء والأرض وما فيهما أنما كانت سديما انفصل إلى أجزاء {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}. والجواب أن يقال أما ما زعمه من توصل الفلكيين إلى معرفة كيفية نشوء الأرض فهو زعم باطل مردود بقول الله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}. وكيفية خلق الأرض من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله تعالى أو من أطلعه على ذلك من المرسلين. قال الله تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الآية وقال تعالى {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ}. وليس الغيب ما يتوصل إليه بالبحوث والمراصد والمجاهر والأبحاث الجيولوجية والتحاليل الأرضية كما زعمه الصواف. ومن ادعى علم الغيب بهذه الطرق فهو طاغوت، ومن صدقه فهو ممن آمن بالطاغوت شاء أم أبى. وأما نظرية "لابلاس" فليست بصحيحة كما زعمه الصواف وإنما هي ظن وتخرص وقد قال الله تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}. وقد ذكر الله تعالى خلق الأرض في مواضع كثيرة من القرآن وفصل ذلك في سورة حم السجدة فقال تعالى {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ

فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. فلم يذكر تبارك وتعالى أن الأرض كانت سديمًا في أول الأمر ولا أنها انفصلت عن سديم. والسديم هو الضباب الرقيق قاله ابن منظور في لسان العرب وصاحب القاموس وغيرهما من أهل اللغة. وقد روى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن خلق السموات والأرض فقال - صلى الله عليه وسلم - «خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد، ويوم الاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء، وما فيهن من منافع، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، فهذه أربعة {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} قال: وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس، وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة، وأمر إبليس بالسجود له، وأخرجه منها في آخر ساعة». وفي هذا الحديث بيان خلق السماء والأرض وما فيهما، وليس فيه ما يدل عل أن الأرض كانت سديمًا في أول الأمر، ولا أنها انفصلت عن السديم.

وروى ابن جرير أيضا عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه قال: «إن الله بدأ الخلق يوم الأحد فخلق الأرضين في الأحد والاثنين، وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء، وخلق السموات في الخميس والجمعة، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم على عجل، فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة» وهذا الأثر يدل على ما دل عليه الحديث قبله من تقدم خلق الأرض على خلق السموات. وروى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد: «قال خلق الله الأرض قبل السماء، فلما خلقت ثار منها دخان فذلك قوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} فسواهن سبع سموات بعضهن فوق بعض، وسبع أرضين بعضهن فوق بعض». وفي الآيات التي ذكرنا مع حديثي ابن عباس وعبد الله بن سلام رضي الله عنهم دليل على أن الأرض خلقت قبل السماء، وما فيها من الشمس والقمر والنجوم. وقد صرح مجاهد أن الأرض خلقت قبل السماء، وهو إنما تلقي التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما. وفي كل ما ذكرنا رد لما قررته نظرية "لابلاس" من أن الأرض والشمس ومختلف الكواكب والأجرام كانت سديمًا في القضاء وأن الأرض انفصلت عن هذا السديم، وبيان أنها نظرية فاسدة، لا كما يزعم الصواف أنها نظرية صحيحة. وفي ذلك أيضا رد لما ذكره الألوسي في صفحة 94 من كتابه الذي سماه "ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة" عن الفلاسفة المتأخرين أنهم ذهبوا إلى أن العالم كله كان قطعة واحدة فأصابته صدمة، فتفرق إلى ما يرى من الإجرام.

والظاهر أن هذه النظرية هي نظرية "لابلاس" التي ذكرها الصواف وإنما اختلف تعبيرهم عنها، وقد ذكرتها في الصواعق الشديدة في المثال الخامس عشر من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة، وتعقبتها بالرد فليراجع هناك. وأما قوله: وجاء العلم الحديث يشير إلى ما أشارت إليه الآية البليغة. فجوابه أن يقال ليست تخرصات الفلكيين وظنونهم الكاذبة بعلم كما توهمه الصواف وأشباهه من العصريين وإنما هي تحكم على الغيب، وذلك هو الجهل على الحقيقة. وأما زعمه أن الآية من سورة الأنبياء أشارت إلى ما جاء في نظرية "لابلاس". فجوابه أن يقال ليس في الآية الكريمة ما يشير إلى أن الأرض والشمس ومختلف الكواكب والأجرام كانت سديمًا في الفضاء، وأن الأرض انفصلت عن هذا السديم. وإنما الذي في الآية أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقهما الله، وقد اختلف المفسرون في المراد بذلك، قال ابن الجوزي: "وللمفسرين في المراد به ثلاثة أقوال: أحدها أن السموات كانت رتقا لا تمطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت ففتق هذه بالمطر وهذه بالنبات، رواه عبد الله بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما وبه قال عطاء وعكرمة ومجاهد في رواية والضحاك في آخرين. قلت وهذا مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما، رواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا أتاه يسأله عن {السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} قال: اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله

ثم تعال فأخبرني بما قال لك، قال فذهب إلى ابن عباس رضي الله عنهما فسأله فقال ابن عباس رضي الله عنهما: نعم كانت السموات رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، فلما خلق للأرض أهلا فتق هذه بالمطر وفتق هذه بالنبات. فرجع الرجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فأخبره، فقال ابن عمر: الآن قد علمت أن ابن عباس قد أوتي في القرآن علمًا، صدق. هكذا كانت قال ابن عمر رضي الله عنهما: قد كنت أقول ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن علمت أنه قد أوتي في القرآن علما. قال ابن الجوزي: والثاني أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين ففتقهما الله تعالى، رواه العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال الحسن وسعيد بن جبير وقتادة. والثالث: أنه فتق من الأرض ست أرضين فصارت سبعا، ومن السماء ست سموات فصارت سبعا. رواه السدي عن أشياخه وابن أبي نجيح عن مجاهد انتهى. وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} قال إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين، وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء، وذلك حين يقول {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا

رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} يقول: أنبت شجرها {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} يقول: أقواتها لأهلها {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} يقول: قل لمن يسألك هكذا الأمر {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} قال: خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار، وجبال البرد ومالا يعلمه غيره، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب فجعلها زينة وحفظا، تحفظ من الشياطين، فلما فرغ من خلق ما أحب، استوى على العرش، فذلك حين يقول {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ويقول {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} رواه ابن جرير. فهذه أقوال المفسرين في تفسير الآية من سورة الأنبياء، وليس في شيء منها أن الأرض كانت في أول الأمر سديمًا ولا أنها انفصلت عن السديم. وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله ملحد في آيات الله محرف للكلم عن مواضعه" انتهى. وقد اختلف المفسرون في مقدار الستة الأيام التي خلقت فيها السموات والأرض على قولين، قال ابن كثير: والجمهور على أنها كأيامنا هذه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد والضحاك وكعب الأحبار أن كل يوم منها كألف سنة مما تعدون. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، واختار هذا القول الإمام أحمد بن حنبل في كتابه الذي رد فيه على الجهمية وابن جرير وطائفة من المتأخرين، والله أعلم. انتهى.

قلت: ويؤيد القول الأخير ما تقدم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن خلق السموات والأرض .... الحديث. وفيه أن الله تعالى خلق آدم وأسكنه الجنة وأخرجه منها في آخر ساعة من يوم الجمعة الذي هو آخر الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض، فهذا يدل على أن تلك الساعة كانت بقدر سنين كثيرة وأن تلك الأيام ليست كأيامنا هذه والله أعلم. وأما قوله: ويؤيد هذه النظرية أدلة منها شدة حرارة باطن الأرض. فجوابه أن يقال وأي دليل في شدة حرارة باطن الأرض على أنها كانت سديمًا في أول الأمر، أو أنها انفصلت عن السديم. وأما قوله: وبتقدم العلم أمكن إلى حد ما معرفة العناصر المكونة للشمس فوجد أنها تتكون من نفس العناصر التي تتكون منها الأرض. فجوابه أن يقال ليس هذا بعلم وإنما هو تخرص وظن كاذب ومنازعة للرب تبارك وتعالى فيما استأثر به من علم الغيب، وقد تقدم التنبيه على أن هذا هو الجهل على الحقيقة. وأما قوله: العناصر المكونة للشمس. فجوابه أن يقال ليس للشمس ولا غيرها من المخلوقات خالق ومكون غير الله تعالى. قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}. وإضافة التكوين إلى العناصر هو مذهب الطبيعيين الذين يزعمون أن الإيجاد والتكوين ناشيء عن الطبيعة وذلك شرك بالله تعالى لأن الله تعالى هو

الذي خلق العناصر وخلق ما تكون منها فلا يضاف التكوين إلى غيره. وأما قوله فوجد أنها تتكون من نفس العناصر التي تتكون منها الأرض. فجوابه من وجهين أحدهما أن يقال ما زعمه ههنا فهو تخرص وظن كاذب وقد قال الله تعالى {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ومن هو الذي ذهب إلى الشمس، وحلل عناصرها، وقابل بينها وبين عناصر الأرض، حتى عرف مشابهة كل منهما للآخر. وعناصر الشمس من أمور الغيب التي لا تعلم إلا من طريق الوحي، ولم يأت عن الله تعالى ولا عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - بيان عن عناصر الشمس، وقد قال الله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}. ولو كانت عناصر الشمس مثل عناصر الأرض لكانت ترابا وأحجارا وماء مثل الأرض، ولو كانت كذلك لما كانت سراجا وهاجا كما وصفها الله بذلك في كتابه وإنما تكون باردة غير مضيئة. ولو كانت عناصر الأرض مثل عناصر الشمس لاحترق ما على الأرض ولم يمكن أن يعيش عليها شيء من الحيوانات ولا النباتات. الوجه الثاني: أن كلام الصواف ينقض بعضه بعضا فقد زعم ههنا أنه بتقدم العلم أمكن إلى حد ما معرفة عناصر الشمس، فوجد أنها تتكون من نفس العناصر التي تتكون منها الأرض. ثم نقض ذلك في صفحة 58 حيث ذكر عن الفلكيين أن الشمس إنما هي كرة هائلة من الغازات الملتهبة، وكل من هذين القولين باطل وضلال إذ لا مستند لهما سوى التخرصات والظنون الكاذبة.

وأما قوله بل اكتشفت عناصر في الشمس قبل اكتشاف وجودها في الأرض. فجوابه أن يقال دعوى اكتشاف العناصر في الشمس دعوى باطلة لا مستند لها سوى التخرصات والظنون الكاذبة. وقد قال الله تعالى {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وقال تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}. والشمس في السماء بنص القرآن، وبين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة بنص الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمن أين لبني آدم أن يكتشفوا عناصر الشمس من هذا البعد الشاسع. وأما قوله وبذلك قرر العلم اليوم ما قرره القرآن، وأشار إليه قبل ألف وأربعمائة عام من أن الأرض والشمس والنجوم أي السماء والأرض وما فيهما إنما كانت سديمًا انفصل إلى أجزاء {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}. فجوابه أن يقال قد بينت مرارا أن ما سماه الصواف ههنا علما فليس بعلم وإنما هو جهل على الحقيقة. وأما قوله أن الأرض والشمس والنجوم كانت سديمًا انفصل إلى أجزاء. فجوابه أن يقال هذا قول باطل وقد تقدم رده قريبا، وحمل الآية من سورة الأنبياء على هذا القول الباطل من الإلحاد في آيات الله، وتحريف الكلم عن مواضعه. فصل قال الصواف في صفحة 41 - 42: (حركة الأرض والشمس) قال الله تبارك وتعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ

زعمه حركة الأرض والحاده في بعض الآيات والرد عليه

قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}. اعتبر اكتشاف حركة الأرض بدورانها حول نفسها وحول الشمس من أروع ما اكتشفه علم الفلك، وقد سبق القرآن هذا العلم بما يزيد على ألف عام ولم يصل العلم الحديث إلى ما قرره القرآن من حركة الشمس إلا أخيرا، واعتبر العلم اكتشاف هذه الحركة حدثا جديدا في كتاب الدنيا، لقد جمعت الآية الشريفة علما اعتبر اكتشافه في العصر الحديث نصرا للعلم والعلماء. إذ تقول الآية أن المجموعة الشمسية وما حولها تتحرك في الفلك وأن الشمس تجري إلى بعيد فيه وليس إلى قريب إذ لا ينبغي أن تلحق القمر بالنزول إلى فلكه وأنها تجري لمستقرها. والجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أن يقال ليس للأرض حركة كما زعمه الصواف تقليدا لكوبرنيك وهرشل وأتباعهما من فلاسفة الافرنج ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من العصريين. والقول بحركة الأرض مخالف للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وقد ذكرت الأدلة على سكونها مستوفاة في أول الصواعق الشديدة فلتراجع هناك. وكل قول خالف ما جاء عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وما أجمع عليه المسلمون فمضروب به عرض الحائط ومردود على قائله كائنا من كان. الوجه الثاني: أن الله تعالى فرق بين الأرض والشمس فأثبت للشمس الجريان في عدة مواضع من كتابه، وأثبت لها السبح في الفلك، ونص على أنه يأتي بها من المشرق، ونص على طلوعها ودلوكها وغروبها وتزاورها، ونص

على أنها هي والقمر بحسبان وأنه سخرهما لعباده دائبين، والدؤوب إدامة السير كما نص على ذلك أئمة اللغة. وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في إثبات جريان الشمس وسيرها في الفلك أحاديث كثيرة صحيحة ذكرتها في الصواعق الشديدة. وأما الأرض فقد تضافرت الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة على سكونها وثباتها وأجمع المسلمون على ذلك، وأجمع عليه أهل الكتاب أيضا كما حكاه القرطبي عنهم في تفسيره، ودلت على ذلك الأدلة العقلية الصحيحة. فأبى الصواف وأشباهه من اتباع الإفرنج ومقلديهم إلا أن يجمعوا بين ما فرق الله ورسوله بينهما، وأن يخالفوا إجماع المسلمين، وهذا عين المحادة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -. وقد قال الله تعالى {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} وقال تعالى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. الوجه الثالث: أن الآيتين من سورة {يس} ليس فيهما ما يدل على حركة الأرض بوجه من الوجوه، ومن استدل بهما على حركة الأرض فهو مفتر على الله، وقد قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. الوجه الرابع: أن الآيتين حجة على الصواف وأشباهه من أتباع أهل الهيئة الجديدة، فإن فيهما النص على جريان الشمس إلى مستقرها، والنص على أنها تسبح في الفلك، وهذا يرد ما قرره الصواف في صفحة 61 من أن الشمس ثابتة على محورها ومتحركة حول هذا المحور وأنها مثل المروحة السقفية الكهربائية.

وقد جاء بيان جريان الشمس إلى مستقرها في الحديث الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر حين غربت الشمس: «تدري أين تذهب؟» قلت: الله ورسوله أعلم قال: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قول الله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}» متفق عليه واللفظ للبخاري ورواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والترمذي بنحوه، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. قال وفي الباب عن صفوان بن عسال وحذيفة بن أسيد وأنس أبي موسى انتهى. وفي رواية لمسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوما: «أتدرون أين تذهب هذه الشمس» قالوا الله ورسوله أعلم قال: «إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها ارجعي ارتفعي اصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها» فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتدرون متى ذاكم. ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا». وهذا الحديث يوضح المراد من قوله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}. وفيه الرد على تأول الآية على غير تأويلها كالصواف وأشباهه

من المتخرصين القائلين في كتاب الله بغير علم. فإن قيل إن الشمس لا تزال طالعة على الأرض، ولكنها تطلع على جهة منها وتغرب عن الجهة الأخرى، فأين يكون مستقرها الذي إذا انتهت إليه سجدت واستأذنت في الرجوع من المشرق؟ فالجواب أن يقال حسب المسلم أن يؤمن بما جاء في الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويعتقد أنه هو الحق، ولا يتكلف ما لا علم له به من تعيين الموضع الذي تسجد فيه الشمس بل يكل علم ذلك إلى عالم الغيب والشهادة. وقد جاء في الصحيحين ومسند الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} قال «مستقرها تحت العرش». فهذا المستقر الذي أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انتهت إليه الشمس سجدت واستأذنت في الرجوع من المشرق فيؤذن لها، فإذا كان في آخر الزمان سجدت كما كانت تسجد فلم يقبل منها، واستأذنت في الرجوع من المشرق فلم يؤذن لها، يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها. وقد قال ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية في الكلام على حديث أبي ذر رضي الله عنه وما جاء فيه من سجود الشمس ما ملخصه: لا يدل على أنها - أي الشمس - تصعد إلى فوق السموات من جهتنا حتى تسجد تحت العرش بل هي تغرب عن أعيننا وهي مستمرة في فلكها الذي هي فيه فإذا ذهبت فيه حتى تتوسطه وهو وقت نصف الليل فإنها تكون أبعد ما تكون من العرش لأنه مقبب من جهة وجه العالم، وهذا محل سجودها كما يناسبها، كما أنه أقرب ما يكون من العرش وقت الزوال من جهتنا، فإذا كانت في محل

سجودها استأذنت الرب جل جلاله في طلوعها من المشرق فيؤذن لنا فتبدو من جهة المشرق، وهي مع ذلك كارهة لعصاة بني آدم أن تطلع عليهم. فإذا كان الوقت الذي يريد الله طلوعها من جهة مغربها تسجد على عادتها وتستأذن في الطلوع من عادتها فلا يؤذن لها، فجاء أنها تسجد أيضا ثم تستأذن فلا يؤذن لها ثم تسجد فلا يؤذن لها، وتطول تلك الليلة فتقول: يا رب إن الفجر قد اقترب وإن المدى بعيد، فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها، فإذا رآها الناس آمنوا جميعا وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا. وفسروا بذلك قوله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} قيل لوقتها الذي تؤمر فيه أن تطلع من مغربها، وقيل مستقرها موضعها الذي تسجد فيه تحت العرش، وقيل منتهى سيرها وهو آخر الدنيا. قلت: والقول الثاني أظهر ويؤيده ما تقدم من رواية مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أتدرون أين تذهب الشمس» الحديث. قال ابن كثير: "وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} أي ليست مستقرة فعلى هذا تسجد وهي سائرة" انتهى. وقال ابن العربي أنكر قوم سجودها وهو صحيح ممكن. قلت: إنما ينكر ذلك من يرتاب في صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -. فأما من لا يشك في صدقه ويعتقد أنه كما أخبر عنه بقوله {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} فلا ينكر ذلك ولا يرتاب فيه. الوجه الخامس: أن يقال من المزاعم الباطلة والتخرصات والظنون الكاذبة زعم الصواف وسلفه أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم أنهم اكتشفوا حركة

الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس، وهؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. الوجه السادس: أن يقال من قلب الحقائق زعم الصواف أن أهل الهيئة الجديدة من العلماء وأن تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة من العلم، والصحيح المطابق للواقع أن يقال أنهم الجاهلون المحادون لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن تخرصاتهم هي الجهل الكثيف. العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة هم أولو العرفان ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين الرسول وبين رأي فلان ولا يغتر بأباطيل أعداء الله وتخرصاتهم ويرى أنها علوم رائعة إلا من هو ما أجهل الناس. الوجه السابع: من جراءة الصواف على الله تعالى وعلى القول في كتابه بغير علم زعمه أن القرآن قد سبق جهل أهل الهيئة الجديدة إلى القول بحركة الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس، وهذا من الافتراء على الله تعالى، وقد قال الله تعالى {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.

الوجه الثامن: من قرمطة الصواف زعمه أن الآية من سورة {يس} تقول أن المجموعة الشمسية وما حولها تتحرك في الفلك، وأن الشمس تجري إلى بعيد فيه، وليس إلى قريب، إذ لا ينبغي لها أن تلحق القمر بالنزول إلى فلكه. وهذا من الإلحاد في آيات الله وتحريف الكلم عن مواضعه. وأين في الآية من سورة {يس} أو غيرها من آيات القرآن ذكر المجموعة الشمسية وما حولها. وأين في الآية أن الشمس تجري في الفلك إلى بعيد فيه وليس إلى قريب. وأين في الآية أن الشمس لا ينبغي له أن تلحق القمر بالنزول إلى فلكه. وقد تقدم قريبا حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيان المراد من قول الله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} والعمدة عليه لا على ما خالفه. وليس فيه ما يشير إلى أن هناك مجموعة شمسية، ولم يرو ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم بإحسان ولا أئمة العلم والهدى من بعدهم، وإنما قال ذلك أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج معتمدين على أرصادهم وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة، وتلقى ذلك أتباعهم من العصريين بالقبول والتسليم، وقد قال الله تعالى {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}. وأما قوله تعالى {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} فمعناه كما قال مجاهد: "لكل منهما حد لا يعدوه ولا يقصر دونه، إذا جاء سلطان هذا ذهب

الوعيد الشديد على القول في القرآن بالرأي

هذا وإذا ذهب سلطان هذا جاء سلطان هذا". وقال عكرمة: "يعني أن لكل منهما سلطانا فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل". الوجه التاسع: أن القول في القرآن بمجرد الرأي حرام شديد التحريم، وقد ورد الوعيد الشديد على ذلك كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والبغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار» هذا لفظ ابن جرير وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وروى الترمذي أيضا وأبو داود وابن جرير والبغوي عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد خطأ» قال الترمذي هذا حديث غريب. قال: "وهكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم أنهم شددوا في هذا، أن يفسر القرآن بغير علم. وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم أنهم فسروا القرآن فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن أو فسروه بغير علم أو من قبل أنفسهم، وقد روي عنهم ما يدل على ما قلنا أنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم، ثم روى بإسناده عن قتادة أنه قال: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا، وروى أيضا عن مجاهد أنه قال: لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت". انتهى كلام الترمذي. وقال البغوي: "قال شيخنا الإمام قد جاء الوعيد في حق من قال في القرآن برأيه، وذلك فيمن قال من قبل نفسه شيئا من غير علم، وأما التفسير وهو الكلام في أسباب نزول الآية وشأنها وقصتها فلا يجوز إلا بالسماع بعد ثبوته

الرد على من يضيف القول الى القرآن أو إلى بعض الآيات منه

من طريق النقل" انتهى. ولا يخفى على من له أدنى علم وفهم أن ما زعمه الصواف في معنى الآيتين من سورة {يس} لم يكن من طريق النقل الثابت، وإنما هو تخرص وتخبط بمجرد الرأي فهو بذلك متعرض للوعيد الشديد. الوجه العاشر: أن يقال من الخطأ ما يستعمله الصواف وكثير من العصريين من إضافة القول إلى القرآن أو إلى بعض الآيات منه كقول الصواف في صفحة 42 (إذ تقول الآية أن المجموعة الشمسية إلى آخره) وقوله في صفحة 43 (هذا قول القرآن). وهذا الصنيع منه خلاف ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، وكذلك التابعون وتابعوهم بإحسان فإنهم ما كانوا يقولون قال القرآن كذا ويقول القرآن كذا. ولا قالت الآية كذا وتقول الآية كذا، وإنما كانوا يقولون قال الله كذا ويقول الله كذا. فيضيفون القول إلى قائله المتكلم به وهو الله تعالى، والقرآن كلام الله وقوله، وليس الكلام هو المتكلم القائل حتى يضاف القول إليه. ولعل السبب في إضافة كثير من العصريين القول إلى القرآن أو إلى بعض الآيات منه هو ما كان عليه بعضهم من الميل إلى قول الجهمية في القرآن أنه مخلوق، وأن الله تعالى لا يتكلم ولا يقول فهم لذلك يقولون قال القرآن كذا ويقول القرآن كذا وقالت الآية كذا وتقول الآية كذا فرارا من أن يقولوا قال الله ويقول الله، ومن لم يكن منهم على رأي الجهمية فهو مقلد لمن كان على رأي الجهمية في العدول عن إضافة القول إلى قائله، والله أعلم. فصل قال الصواف في صفحة 42 وحركة الأرض وردت في غير هذه الآية

فيقول المولى سبحانه في سورة النمل {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} فضرب الله المثل بحركة الأرض بمرور الجبال وهي أبرز ما عليها، وليس ذلك في يوم القيامة إذ يقول جل شأنه أن في القيامة لن تكون هناك جبال ففي سورة طه {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} وفي سورة الواقعة {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا}. والجواب عن هذا من وجهين أحدهما أن يقال لم يرد في القرآن ما يدل على حركة الأرض بوجه من الوجوه، وما زعمه الصواف وأشباهه في الآية من سورة النمل وغيرها من الآيات أنها تدل على حركة الأرض فكله من الإلحاد في آيات الله وتحريف الكلم عن مواضعه، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَاتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} وفي هذه الآية تهديد شديد ووعيد أكيد لمن ألحد في آيات الله تعالى ووضع كلامه على غير مواضعه. وهلا قرأ الصواف ما قبل الآية وما بعدها حتى يعلم أنه لا متعلق له في الآية الكريمة وإن ما ذكر فيها من مرور الجبال مثل السحاب إنما يكون بعد النفخ في الصور وليس قبله. وهلا قرأ قول الله تعالى {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} وقوله تعالى {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ * يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا * فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} وقوله تعالى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} إلى قوله {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ}. وقوله تعالى {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا * يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَاتُونَ أَفْوَاجًا * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا * وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} ففي هذه الآيات أوضح دليل على أن

الحاده في بعض الآيات والرد عليه

تسيير الجبال ومرورها مثل مر السحاب إنما يكون يوم القيامة. وقد أوضح الله ذلك في آيات كثيرة من القرآن سوى ما ذكرنا ههنا. وقد ذكرتها مستوفاة في الصواعق الشديدة مع الرد على من استدل بالآية من سورة النمل على حركة الأرض وسيرها فلتراجع هناك. الوجه الثاني: أن الله تعالى ذكر في القرآن مرور الجبال وسيرها، ولم يذكر عن الأرض مرورا وسيرا أبدا، ولو كان الأمر على ما زعمه الصواف وأشباهه من أتباع أهل الهيئة الجديدة لنص تبارك وتعالى على سير الأرض ومرورها ولم يخص الجبال بالنص دون الأرض. وقد قال الله تعلى {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقال تعالى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}. وتخصيص الجبال بالمرور يدل على أن ذلك خاص بها دون الأرض. وقد أوضح الله ذلك بقوله {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} وقوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}. فصل قال الصواف في صفحة 42 - 43 ما نصه كما ورد في القرآن أن الله رب المشرق والمغرب، وأنه رب المشرقين والمغربين، وأنه رب المشارق والمغارب. أي أن المشرق والمغرب يختلف يوما عن يوم فهناك أقصى وأقرب مشرقين، وأقصى وأقرب مغربين بينهما مشارق ومغارب، هذا قول القرآن الكريم من ألف وأربعمائة سنة. فما قول العلم؟ كان أول من قال بحركة الأرض حول محورها العالم "كوبرنيكس" في

عام 1543 أي بعد تاريخ القرآن بألف سنة وقرر أن ما يظهر للناس من حركة الشمس والنجوم إنما هو ناتج من دوران الأرض، وقد اتهمه رجال الدين عندئذ بالكفر والمروق عن الدين، وتوالت بعد ذلك أبحاث علماء الفلك حتى وصلوا إلى ما قرره القرآن الكريم، وليس هناك أبلغ ولا أدق مما يقوله حجة علم الفلك العالم "سيمون" من أن أعظم الحقائق التي اكتشفها العقل البشري في كافة العصور هي حقيقة أن الشمس والكواكب السيارة وأقمارها تجري في الفضاء نحو برج النسر بسرعة غير معهودة لنا على الأرض يكفي لتصويرها أننا لو سرنا بسرعة مليون ميل يوميا فلن تصل مجموعتنا الشمسية إلى هذا البرج إلا بعد مليون ونصف المليون سنة من وقتنا الحاضر. أليست هذه إحدى معجزان القرآن العلمية؟ والجواب عن هذا من وجوه أحدها أن يقال أن الظاهر من صنيع الصواف حيث ذكر المشرق والمغرب، والمشرقين والمغربين، والمشارق والمغارب، ثم عقب ذلك برأي "كوبرنيكس وسيمون" أنه يرى أن المشرق والمغرب والمشرقين والمغربين والمشارق والمغارب - للأرض؛ لأنها هي التي تدور على الشمس على حد زعمهم الكاذب وتقريرهم الفاسد الذي ذكره ههنا عن "كوبرنيكس" وهو أن ما يظهر للناس من حركة الشمس والنجوم إنما هو ناتج من دوران الأرض، وهذا من قلب الحقيقة ومن الإلحاد في آيات الله تعالى وتحريف الكلم عن مواضعه. الوجه الثاني: أن يقال ليس في الآيات التي ذكر الله فيها المشرق والمغرب والمشرقين والمغربين والمشارق والمغارب ما يدل على حركة الأرض ودورانها بوجه من الوجوه، وإنما هي حجة على من أنكر جريان الشمس في الفلك وسيرها من المشرق إلى المغرب كل يوم، وسواء من زعم أنها ساكنة لا تتحرك أصلا

ومن زعم أنها ثابتة على محورها ومتحركة حول هذا المحور مثل المروحة السقفية الكهربائية، ومن قال أنها ومجموعتها تجري في الفضاء بسرعة عظيمة نحو برج النسر. ومن قال أنها ونظامها تنهب الفضاء نهبا بسرعة عظيمة متجهة نحو برج هركيوليس، فكل هؤلاء متخرصون وضالون عن الحق، وفي الآيات التي أشرنا إليها أبلغ رد عليهم. وقد قال الله تعالى {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَاتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَاتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} وقال تعالى {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} الآية. ثم قال تعالى {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} فذكر تبارك وتعالى في الآية الأولى أنه يأتي بالشمس من المشرق، وأضاف في الآية الثانية والآية الثالثة المطلع والمغرب إليها فدل على أن المراد بالمشرق والمغرب عند الإطلاق مشرق الشمس ومغربها، وكذلك المراد بالمشرقين والمغربين والمشارق والمغارب، وهذا أمر معلوم بالضرورة عند كل عاقل كما أنه معلوم بالمشاهدة أيضا، وقد قرر ذلك المفسرون وأئمة اللغة. قال ابن كثير في تفسير سورة الرحمن عند قوله تعالى {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}: يعني مشرقي الصيف والشتاء ومغربي الصيف والشتاء. وقال في الآية الأخرى {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ}: وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس. وقال في الآية الأخرى {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا}: وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب. وقال أيضا في تفسير سورة الصافات: وقال تعالى في الآية الأخرى {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} يعني في الشتاء والصيف للشمس والقمر.

وقال ابن منظور في لسان العرب: "وقوله تعالى {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} أحد المغربين أقصى ما تنتهي إليه الشمس في الصيف والآخر أقصى ما تنتهي إليه في الشتاء، وأحد المشرقين أقصى ما تشرق منه الشمس في الصيف وأقصى ما تشرق منه في الشتاء، وبين المغرب الأقصى والمغرب الأدنى مائة وثمانون مغربا، وكذلك بين المشرقين" وفي التهذيب: "للشمس مشرقان ومغربان فأحد مشرقيها أقصى المطالع في الشتاء والآخر أقصى مطالعها في القيظ، وكذلك أحد مغربيها أقصى المغارب في الشتاء وكذلك في الجانب الآخر، وقوله جل ثناؤه {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} جمع لأنه أريد أنها تشرق كل يوم من موضع وتغرب في موضع إلى انتهاء السنة". وفي التهذيب: "أراد مشرق كل يوم ومغربه فهي مائة وثمانون مشرقا ومائة وثمانون مغربا، والغروب غيوب الشمس غربت الشمس تغرب غروبا ومغيربانا غابت في المغرب، وكذلك غرب النجم وغرب" انتهى. الوجه الثالث: أن ما ذكره الصواف عن كوبرنيكس وسيمون ليس بعلم كما زعم ذلك في قوله "فما قول العلم" وإنما هي تخرصات وظنون كاذبة أوحاها الشيطان إليهم وفتنهم بها وفتن بها أتباعهم والمقلدين لهم من الجهلة الأغبياء الذين لا يسمعون ولا يعقلون {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}. وقد قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} الآيات إلى قوله تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} وقال تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى {وَمَا

احتجاجه ببعض أعداء الله والرد عليه

لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} وقال تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ}. الوجه الرابع: أن كلام الصواف ينقض بعضه بعضا فقد ذكر ههنا أن أول من قال بحركة الأرض حول محورها "كوبرنيكس". وذكر في صفحة 31 أن بعض الفلكيين في زمن العباسين قالوا بحركة الأرض، وهذا تناقض. والصحيح ما ذكره ههنا، وهذه الأولية بالنسبة لإحياء مذهب فيثاغورس اليوناني بعد أن كان عاطلا مهجورا من قبل زمان المسيح بنحو مائة وخمسين سنة، وأما على الإطلاق فالأولية لفيثاغورس فهو أول من قال بحركة الأرض ودورانها حول الشمس. ومن تناقض الصواف أيضا أنه ذكر في هذا الموضع أن الشمس والكواكب السيارة وأقمارها تجري في الفضاء نحو برج النسر بسرعة غير معهودة لنا على الأرض. وقال في صفحة 38 أن النظام الشمسي كله ينهب الفضاء نهبا بسرعة متجهة نحو برج هركيوليس، وقال في صفحة 61 أن الشمس ثابتة ومتحركة في آن واحد، ثابتة على محورها ومتحركة حول هذا المحور أي دائرة حول نفسها مثل المروحة السقفية الكهربائية، وهذا تناقض عجيب. وقد تقدم التنبيه عليه، وهذه الأقوال المتناقضة كلها باطلة كما هو موضح فيما تقدم وفيما سيأتي إن شاء الله تعالى. الوجه الخامس: أن ما زعمه الصواف من كون "سيمون" حجة في عام الفلك مردود. وكذلك غير "سيمون" من الفلكيين فليس قول أحد منهم

وتخرصه حجة على غيره. وقد أجمع المسلمون على أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الحجة. قال مجاهد ليس أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه البخاري في جزء رفع اليدين بإسناد صحيح. واختلف العلماء في قول الصحابي إذا لم يظهر له مخالف منهم، والصحيح أنه حجة. واختلف الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى في الاحتجاج بقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، والصحيح أنه ليس بحجة. وأما من سواه من التابعين ومن بعدهم، فلا خلاف أنه لا حجة في قول أحد منهم. وإذا كانت أقوال علماء المسلمين بعد الصحابة ليست بحجة، فأقوال فلاسفة الإفرنج وتخرصاتهم أولى وأحرى أن لا تكون حجة، ولاسيما في الأخبار عن الأمور الغيبية التي لا تعلم إلا طريق الوحي فإن أقوالهم فيها وتخرصاتهم مردودة عليهم بلا توقف. الوجه السادس: أن يقال من قلب الحقائق وصف هوس "سيمون" وهذيانه بأنه من أعظم الحقائق التي اكتشفها العقل البشري في كافة العصور، وكفى بالرجل جهلا وغباوة أن يرى الهوس والهذيان من أعظم الحقائق. الوجه السابع: أن يقال أن العقول البشرية أضعف وأعجز من أن تكتشف ما في السماء الدنيا التي بينها وبين الأرض مسيرة خمسمائة عام، وهي عن اكتشاف ما هو أبعد من ذلك أضعف وأعجز، فضلا عن اكتشاف البرج

الذي زعمه "سيمون" في هوسه وهذيانه وحدد بعده الشاسع تحديد من ذهب إليه وقاسه أو من كان معه نص عن الله تعالى أو عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - يطابق ما قاله. والتحقيق أن ما قاله "سيمون" هو الجهل والهوس والهذيان الذي يشبه هذيان المجانين، ومع هذا فقد صادف هوسه وهذيانه آذانا مصغية إليه وقلوبا فارغة من العلم النافع بل منكوسة ترى الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق، ولم يقف أهلها عند هذا الحد بل جعلوا كتاب الله ملعبة لهم يلحدون فيه ويتأولونه على ما يوافق تخرصات المتخرصين وهذيان المبرسمين، عافانا الله وإخواننا المسلمين مما ابتلاهم به. الوجه الثامن: أن البروج كلها في السماء الدنيا بنص القرآن قال الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} وقال تعالى {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ}. قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح والحسن وقتادة: البروج هي الكواكب العظام، وقال البغوي: هي النجوم الكبار مأخوذ من الظهور يقال تبرجت المرأة أي ظهرت. وقال أيضا: وسميت بروجا لظهورها. وقال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} وقال تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} وقال تعالى {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} ففي هذه الآيات كلها النص على أن الكواكب في السماء، وفي الآية من سورة الصافات وما بعدها النص على أنها في السماء الدنيا.

والنسر من جملة الكواكب الثوابت التي قد جعلت زينة للسماء الدنيا، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة» رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة من الصحابة وهم عبد الله بن عمرو وأبو هريرة والعباس وأبو سعيد رضي الله عنهم، وروي أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا وله حكم الرفع كنظائره. وفي الآيات التي ذكرنا مع هذه الأحاديث أبلغ رد على ما هذى به "سيمون" في بعد النسر. الوجه التاسع: قال بعض السلف أن ارتفاع العرش عن الأرض السابعة خمسون ألف سنة، ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما. ولو كان الأمر في بعد النسر على ما زعمه "سيمون" لكان محله فوق العرش وهذا من أبطل الباطل فإنه ليس فوق العرش شيء سوى الله تعالى. الوجه العاشر: أن الله تعالى قال {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} وقال تعالى {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} وقال تعالى {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}. وقد حكى غير واحد من العلماء الإجماع على أن السموات مستديرة وقرروا أن كل سماء محيطة بالسماء التي تحتها وما حوت، والشمس في السماء بنص القرآن، وسيأتي ما يدل على أنها في السماء الدنيا، وعلى هذا فالسموات الشداد التي ليس لها فروج وليس فيها فطور قد أحاطت بالشمس من كل جانب، فليس لها طريق تنفذ منه وتذهب نحو البرج الذي توهمه "سيمون"

بعقله الفاسد. الوجه الحادي عشر أن الله تعالى قال {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} وقال تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}. وفي هذه الآيات النص على أن الشمس في السماء. وقد روى ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أما السماء الدنيا فإن الله خلقها من دخان، وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وزينها بمصابيح، وجعلها رجوما للشياطين، وحفظا من كل شيطان رجيم». وروى البيهقي في كتاب الأسماء والصفات بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال «خلق الله سبع سموات، وخلق فوق السابعة الماء، وجعل فوق الماء العرش، وجعل في السماء الدنيا الشمس والقمر والنجوم والرجوم». وفي الآيات التي ذكرنا مع هذين الحديثين ومع ما تقدم في الوجه الثامن من النصوص على أن الكواكب في السماء الدنيا أبلغ رد على ما هذى به "سيمون" في بعد النسر عن الشمس. وعلى هذا فنقول على سبيل الفرض والتقدير لو كان النسر ثابتا في موضع من السماء لا يزايله ثم سارت الشمس نحوه لوصلت إليه في يوم واحد أو أقل من ذلك، لأنها تقطع الفلك في يوم وليلة وتقطع من كل موضع منه إلى ما يقابله من الناحية الأخرى في اثنتي عشرة ساعة، والمسافة بين جرمين يضمهما سماء واحد لا تكون أكثر من نصف الفلك والله أعلم.

الوجه الثاني عشر: أن يقال أن القرآن منزه عن تخرصات كوبرنيكس وهوس سيمون وهذيانه، وما زعمه الصواف من كون القرآن الكريم قد قرر ذلك وأنه من معجزات القرآن العلمية فهو كذب على الله وعلى كتابه. وقد قال الله تعالى {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال تعالى {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} قال أبو قلابة: هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة. وأين في القرآن أن للأرض محورا وأنها تدور حوله، وأن ما يظهر للناس من حركة الشمس والنجوم إنما هو ناتج من دوران الأرض؟ وأين في القرآن أن للكواكب السيارة أقمارا، وأن هناك مجموعة شمسية، وأن الشمس والكواكب السيارة وأقمارها تجري في الفضاء نحو برج النسر بسرعة غير معهودة للناس على الأرض يكفي لتصويرها أننا لو سرنا بسرعة مليون ميل يوميا فلن تصل مجموعتنا الشمسية إلى هذا البرج إلا بعد مليون ونصف مليون سنة من وقتنا الحاضر؟ أما يستحي الصواف من إيراد هذا الهذيان الذي يضحك منه الصبيان فضلا عن العقلاء؟ أما يستحي من الجراءة العظيمة على الله وعلى كتابه؟ أما يخاف أن يلحقه الوعيد الشديد الذي توعد الله به المفترين عليه. الوجه الثالث عشر: أن يقال أن تخرصات كوبرنيكس وهوس سيمون ليست من علوم المسلمين، ومع هذا فقد أدخلها الصواف في علم الفلك الذي نسبه إلى المسلمين، وهذا من أكبر الخطأ وأعظم الفرية.

زعمه تعدد الشموس والأقمار والرد عليه

فصل وقد ساق الصواف في صفحة 44 وما بعدها إلى صفحة 54 كلاما للآلوسي، وقد استوفيت الرد عليه في الصواعق الشديدة فليراجع هناك. وقد أدخل الصواف في صفحة 52 جملة ليست منه ولم ينبه على ذلك، وهذا من عدم الأمانة في النقل، وهذه الجملة هي قوله "بل هناك شموس وأقمار لكل كوكب أرضي أو سماوي". والجواب أن يقال هذا قول باطل لا مستند له سوى التخرصات والظنون الكاذبة، وقد استوفيت الرد على ما زعمه من تعدد الشموس والأقمار في الصواعق الشديدة في المثال الحادي عشر من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة فليراجع هناك. وأما قوله لكل كوكب أرضي، فإن كان مراده أن الأرض لها كواكب مثل السماء فهو قول باطل معلوم البطلان بالضرورة عند كل عاقل، وإن كان مراده أن الكواكب صنفان بعضها أرضون وبعضها سموات كما قد قاله بعض أتباع الإفرنج من العصريين فهو أيضا من أبطل الباطل؛ لأن الله تبارك وتعالى قد جعل الكواكب زينة للسماء الدنيا ومصابيح تضيء لأهل الأرض؛ ليهتدوا بها في ظلمات البر والبحر، وجعلها أيضا رجوما للشياطين كما قال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} وقال تعالى {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} وقال تعالى {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} وقال تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} وقال تعالى {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا} وقال

الحاده في بعض الآيات والرد عليه

تعالى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} وقال تعالى {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}. وما كان زينة للسماء ورجوما للشياطين فليس بسموات ولا أرضين فصل وقال الصواف في صفحة 54 ما نصه: (وقوف حركة الأرض) يقول الحق تبارك وتعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَاتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَاتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} الله تبارك وتعالى يذكر الناس بهذه الآية من آيات الكون ويخاطبهم وكأنه يقول لهم: اسمعوا وانظروا وتبصروا فلو أن الكرة الأرضية توقفت عن دورانها وتعطلت حركتها وأصبح نصفها المواجه للشمس نهارا دائما لا يبرح فمن يأتيكم بليل تسكنون وتستريحون من عناء النهار غير الله سبحانه وتعالى الذي يقلب الليل والنهار؟ ولو كان العكس فوقفت حركة الأرض وكانت الشمس إلى الجهة الأخرى التي تقابلنا وكان علينا الليل سرمدا دائما فمن يأتينا بضياء غير الله سبحانه وتعالى؟ والجواب أن يقال ليس للأرض حركة كما زعمه الصواف تقليدا لفلاسفة الإفرنج ومن يوافقهم ويحذو حذوهم من العصريين، وقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على سكونها وثباتها، وأجمع المسلمون على ذلك، وقد ذكرت ذلك مستوفى في أول الصواعق الشديدة فليراجع هناك، ففيه رد لما زعمه الصواف من حركة الأرض. وأما كلامه في معنى الآيتين من سورة القصص فهو من الإلحاد في آيات

الله وتحريف الكلم عن مواضعه. وقد نص الله تبارك وتعالى على جريان الشمس في عدة آيات من القرآن والجريان ضد الثبات والاستقرار، ونص أيضا على أنها تسبح في الفلك، والجريان ضد الثبات والاستقرار، ونص أيضا على أنها تسبح في الفلك، والسبح هو المر السريع نص على ذلك أئمة اللغة، ونص أيضا على أنها هي والقمر بحسبان، ونص أيضا على أنه سخرهما دائبين، والدأب إدامة السير، نص على ذلك غير واحد من أئمة اللغة، وقرر معناه غير واحد من المفسرين، ونص أيضا على أنه يأتي بها من المشرق، ونص أيضا على طلوعها وغروبها ودلوكها أي زوالها، وفي هذه النصوص أوضح دليل على أن الشمس هي التي تجري وتدور على الأرض لقيام معايش العباد ومصالحهم، والنهار هو ضوء الشمس وهو تابع لها يسير بسيرها. وقد نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جريان الشمس وطلوعها وارتفاعها وزوالها ودنوها الغروب وغروبها، وأنها تذهب بعد الغروب حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، ثم يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، وأنه يقال لها في آخر الزمان: ارجعي ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح من مغربها. ونص أيضا على أنها حبست ليوشع بن نون حين حاصر القرية حتى فتحها الله عليه. وفي كل ما ذكرنا أوضح دليل على جريان الشمس ودورانها على الأرض، وفيه أيضا أبلغ رد لما زعمه الصواف في معنى الآيتين من سورة القصص. وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة: "ثم تأمل حال الشمس في طلوعها وغروبها لإقامة دولتي الليل والنهار، ولولا طلوعها لبطل

أمر العالم وكيف كان الناس يسعون في معايشهم ويتصرفون في أمورهم والدنيا مظلمة عليهم، وكيف كانوا يتهنون بالعيش مع فقد النور. ثم تأمل الحكمة في غروبها فإنه لولا غروبها لم يكن للناس هدوء ولا قرار مع فرط الحاجة إلى السبات وجموم الحواس وانبعاث القوى الباطنة وظهور سلطانها في النوم المعين على هضم الطعام وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء، ثم لولا الغروب لكانت الأرض تحمى بدوام شروق الشمس واتصال طلوعها حتى يحترق كل ما عليها من حيوان ونبات، فصارت تطلع وقتا بمنزلة السراج يرفع لأهل البيت ليقضوا حوائجهم ثم تغيب عنهم مثل ذلك ليقروا ويهدؤوا، وصار ضياء النهار مع ظلام الليل وحر هذا مع برد هذا مع تضادهما متعاونين متظاهرين بهما تمام مصالح العالم. وقد أشار تعالى إلى هذا المعنى ونبه عباده عليه بقوله عز وجل {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَاتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَاتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}. وقال ابن القيم أيضا: "ثم تأمل الحكمة في طلوع الشمس على العالم كيف قدره العزيز العليم سبحانه، فإنها لو كانت تطلع في موضع من السماء فتقف فيه ولا تعدوه لما وصل شعاعها إلى كثير من الجهات؛ لأن ظل أحد جوانب كرة الأرض يحجبها عن الجانب الآخر، وكان يكون الليل دائما سرمدا على من لم تطلع عليهم، والنهار سرمدا على من هي طالعة عليهم، فيفسد هؤلاء وهؤلاء، فاقتضت الحكمة الإلهية والعناية الربانية أن قدر طلوعها من أول النهار من المشرق، فتشرق على ما قابلها من الأفق الغربي، ثم لا تزال تدور وتغشى جهة بعد جهة حتى تنتهي إلى المغرب فتشرق على ما استتر عنها في أول النهار، فيختلف

خرافات زعموها في الأرض وكذب على الله والرد على ذلك

عندهم الليل والنهار فتنتظم مصالحهم". انتهى كلامه رحمه الله تعالى وهو معارض لكلام الصواف ومناقض له. فصل وقال الصواف في صفحة 55 ما نصه: وقد ذكر علماء الجيولوجيا والفلك أن الأرض بعد انفصالها عن الشمس كانت تدور حول نفسها بسرعة أكبر مما هي عليه الآن. إذ كانت تتم دورتها حول نفسها مرة كل أربع ساعات. فالليل والنهار كانا في مجموعهما أربع ساعات فقط. وبتوالي النقص في سرعة دورانها حول نفسها زادت المدة التي تتم فيها دورانها هذا. فزادت مدة الليل والنهار إلى خمس ساعات ثم ست حتى وصلت إلى أربع وعشرين ساعة، وهي التي نحن عليها الآن. وقد أظهر بعض العلماء أنه تمكن من احتساب النقص في سرعة دوران الأرض فوجد أن هذا النقص يبلغ حوالي ثانية واحدة كل مائة وعشرين ألف سنة. وعليه فبعد 432 مليون سنة ينقص دوران الأرض مقدار ساعة، وعندئذ يصبح مجموع ساعات الليل والنهار 25 ساعة، وهكذا يتوالى النقص ويطرد طول الليل والنهار، وعلى هذا الأساس يقول العلماء أن الأرض لابد أن تقف يوما والله أعلم بذلك اليوم. وعند وقوفها يصبح الوجه المقابل للشمس نهارا دائما والوجه البعيد عنها ليلا دائما، وهذا ما أشار إليه الرب تبارك وتعالى في كتابه العزيز، وما ذكر الناس به من تعاقب الليل والنهار، وفضل الله على الناس في هذا التعاقب الذي جعل الله الليل فيه سكنا والنهار معاشا، فله الفضل وله الشكر وله الثناء الحسن والحمد لله رب العالمين.

والجواب أن يقال ما ذكره الصواف ههنا عن أهل الجهالة والضلالة من أهل الجيولوجيا والفلك فكلها تخرصات وظنون كاذبة. وقد قال الله تعالى {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}. ولا يعتمد على مثل هذه الأباطيل ويرى أنها حقائق علمية إلا من هو من أجهل خلق الله. ونسبة هذه الجهالات والضلالات إلى المسلمين فرية عليهم وقد قال الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} قال أبو قلابة هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة. فأما ما زعموه من انفصال الأرض عن الشمس فجوابه من وجوه. أحدها أن يقال أن دعوى انفصال الشيء عن الشيء في الأزمان الماضية لا تثبت إلا بدليل قاطع من كتاب الله تعالى أو مما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن ذلك من أمور الغيب التي لا تعلم إلا من طريق الوحي ولا دليل على ما زعموه من انفصال الأرض عن الشمس البتة. وما ليس عليه دليل فهو من الرجم بالغيب، وما كان كذلك فحقه أن يطرح ولا يعول عليه وقد قال الله تعالى {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} وقال تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} وقال تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}. الوجه الثاني: أن يقال لو كان الأمر على ما زعموه من انفصال الأرض عن الشمس لكانت الأرض مثل الشمس في الحرارة والضياء، وكانت تحرق ما يكون على ظهرها ولم يمكن أن يعيش عليها شيء من الحيوانات ولا النباتات. ولما كانت عديمة المماثلة للشمس في الحرارة والضياء دل ذلك على بطلان ما

زعموه من انفصالها عن الشمس. الوجه الثالث: أن يقال ما زعموه من انفصال الأرض عن الشمس فهو زعم باطل وظن كاذب مردود بما أخبر الله به من تقدم خلق الأرض على خلق السموات وما فيهن. قال الله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وقال تعالى {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن خلق السموات والأرض فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب فهذه أربعة {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} لمن سأله. قال وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم، والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس، وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها

في آخر ساعة». وروى ابن جرير أيضا عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه قال «إن الله بدأ الخلق يوم الأحد فخلق الأرضين في الأحد والاثنين، وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء، وخلق السموات في الخميس والجمعة، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم على عجل فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة». وروى ابن جرير أيضا من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} قال إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء، ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين، وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء وذلك حين يقول {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} يقول أنبت شجرها {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} يقول أقواتها لأهلها {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} يقول قل لمن يسألك هذا الأمر {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} وكان ذلك الدخان من تنفس الماء وحين تنفس فجعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} قال خلق في

كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد ومالا يعلمه غيره، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب فجعلها زينة وحفظا تحفظ من الشياطين، فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش فذلك حين يقول {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ويقول {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}. وروى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: خلق الله الأرض قبل السماء، فلما خلقت ثار منها دخان فذلك قوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} فسواهن سبع سموات بعضهن فوق بعض وسبع أرضين بعضهن فوق بعض. وقال البغوي في تفسيره عند قوله تعالى {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} قال قتادة والسدي يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها. وقال مقاتل وأوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي وذلك يوم الخميس والجمعة. انتهى. وفي الآيات التي ذكرنا مع حديث ابن عباس رضي الله عنهما وما ذكر بعده من الآثار عن الصحابة والتابعين دليل على أن الأرض خلقت قبل السماء وما فيها من الشمس والقمر والنجوم. بل في حديث ابن عباس رضي الله عنهما النص على أن الشمس والقمر والنجوم خلقت يوم الجمعة وهو آخر الأيام الستة التي خلق الله فيها الخليقة، وفي هذا أبلغ رد على ما زعمه طواغيت الافرنج من انفصال الأرض عن الشمس لأن المتقدم في الخلق لا يكون منفصلا عما هو مخلوق بعده، ثم ليس في المعقول الصحيح ما يؤيد ما زعموه من انفصال الأرض عن الشمس فليس لهم على ما زعموه من الانفصال دليل البتة لا من المنقول ولا من المعقول.

وأما ما زعموه من سرعة دوران الأرض حول نفسها في أول الأمر وأن مدة الليل والنهار إذ ذاك كانت أربع ساعات فقط،، وبتوالي النقص في سرعة دورانها حول نفسها زادت مدة الليل والنهار إلى خمس ساعات، ثم إلى ست حتى وصلت إلى أربع وعشرين ساعة. فجوابه من وجوه أحدها: أن يقال ما زعموه من دوران الأرض حول نفسها فهو زعم باطل وظن كاذب مردود بالأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين على سكون الأرض وثباتها. وقد ذكرت ذلك مستوفى في أول الصواعق الشديدة فليراجع هناك. الوجه الثاني: أن دعوى قصر مدة الليل والنهار في أول الأمر ثم زيادتها شيئا فشيئا حتى وصلت إلى أربع وعشرين ساعة، لا تثبت إلا بدليل قاطع من كتاب الله تعالى أو مما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأن ذلك من أمور الغيب التي لا تعلم إلا من طريق الوحي، ولا دليل على ما زعموه من قصر مدة الليل والنهار في أول الأمر ثم زيادتها شيئا فشيئا البتة، وما ليس عليه دليل فهو من الرجم بالغيب، وتعاطي علم المغيبات حرام شديد التحريم، ومن ادعى علم الغيب فهو من رؤوس الطواغيت، ومن صدقه فهو ممن آمن بالطاغوت. الوجه الثالث: أن ما توهموه بعقولهم الفاسدة من قصر مدة الليل والنهار في أول الأمر، ثم زيادتها شيئا فشيئا مردود بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته في حجة الوداع «ألا أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض» الحديث رواه الإمام أحمد والشيخان من حديث أبي بكرة رضي الله عنه. ورواه ابن جرير والبزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

ورواه ابن جرير أيضا وابن مردويه والطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. قال الهيثمي ورجال الطبراني ثقات. قال الجوهري: الزمن والزمان اسم لقليل الوقت وكثيره. وكذا قال ابن منظور في لسان العرب وصاحب القاموس. وقال ابن الأثير وابن منظور أيضا الزمان يقع على جميع الدهر وبعضه. وفي هذه الأحاديث دليل على أن الزمان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مثل الزمان يوم خلق الله السموات والأرض، وأن مدة الليل والنهار كانت على هيئتها من أول الدنيا ولم تكن قصيرة في أول الأمر ثم زادت شيئا فشيئا كما زعمه أعداء الله من فلاسفة الإفرنج. الوجه الرابع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة» الحديث رواه أبو داود والنسائي والحاكم بأسانيد صحيحة من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ووافقه المنذري والذهبي على ذلك. وروى الحافظ أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن يوم الجمعة وليلة الجمعة أربع وعشرون ساعة» الحديث. وروى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه قال «إن ربكم تعالى ليس عنده ليل ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه، وأن مقدار يوم من أيامكم عنده ثنتي عشرة ساعة» الحديث. وهذه الأحاديث مطلقة ليس فيها تقييد بالأزمان المتأخرة دون الأزمان المتقدمة، وهذا يدل على أن مدة الليل والنهار كانت أربعا وعشرين ساعة

بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة

من أول الدنيا ولم تكن قصيرة في أول الأمر ثم زادت شيئا فشيئا كما قد زعمه أعداء الله من فلاسفة الإفرنج اعتمادا على ظنونهم الكاذبة وتوهماتهم الخاطئة. وأما قوله وقد أظهر بعض العلماء أنه تمكن من احتساب النقص في سرعة دوران الأرض، فوجد أن هذا النقص يبلغ حوالي ثانية واحدة لكل مائة وعشرين ألف سنة، وعليه فبعد 432 مليون سنة ينقص دوران الأرض بمقدار ساعة وعندئذ يصبح مجموع ساعات الليل والنهار 25 ساعة وهكذا يتوالى النقص ويطرد طول الليل والنهار. فجوابه من وجوه إحداها أن تسميته للطواغيت المتعاطين لعلم الغيب باسم العلماء خطأ كبير وهو من قلب الحقائق؛ لأن المطابق لحال أعداء الله أن يوصفوا بالجهل والتخرص واتباع الظنون الكاذبة لا بالعلم. الوجه الثاني: أن يقال كل ما زعموه ههنا من حساب النقص في سرعة دوران الأرض، وما يبلغ النقص في مائة وعشرين ألف سنة، وما يبلغ بعد 432 مليون سنة، وما يبلغ مجموع ساعات الليل والنهار حينئذ فكله تخرص ورجم بالغيب، وهو مردود على قائليه وعلى من قبل تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة واعتمد عليها. وقد قال الله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} وقال تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ}. الوجه الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «بعثت والساعة كهاتين» رواه الإمام أحمد والشيخان من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال بأصبعيه هكذا بالوسطى والتي تلي الإبهام «بعثت والساعة كهاتين» وفي رواية للبخاري «بعثت أنا والساعة هاتين» ويشير بإصبعيه فيمدها في رواية لأحمد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مثلي ومثل الساعة

كهاتين» وفرق بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام ثم قال: «مثلي ومثل الساعة كمثل فرسي رهان» ثم قال: «مثلي ومثل الساعة كمثل رجل بعثه قومه طليعة فلما خشي أن يسبق ألاح بثوبه أتيتم أتيتم» ثم يقول: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أنا كذلك». وروى الإمام أحمد أيضا والشيخان وأبو داود الطيالسي والترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «بعثت أنا والساعة كهاتين»، زاد مسلم قال شعبة وسمعت قتادة يقول في قصصه كفضل إحداهما على الأخرى فلا أدري أذكره عن أنس أو قاله قتادة، وفي رواية له عن معبد وهو ابن هلال عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «بعثت أنا والساعة كهاتين» قال وضم السبابة والوسطى. وروى البخاري أيضا وابن ماجة واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «بعثت أنا والساعة كهاتين» وجمع بين أصبعيه. وروى الإمام أحمد ومسلم وابن ماجة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش، يقول صبحكم ومساكم، ويقول «بعثت أنا والساعة كهاتين»، ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى. وروى الترمذي عن المستور بن شداد الفهري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «بعثت أنا في نفس الساعة فسبقتها كما سبقت هذه هذه» لإصبعيه السبابة والوسطى.

قال الحافظ ابن حجر قوله في نفس بفتح الفاء وهو كناية عن القرب أي بعثت عند نفسها. انتهى. وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «بعثت أنا والساعة جميعا إن كادت لتسبقني». وروى الإمام أحمد أيضا بإسناد حسن عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشير بإصبعيه ويقول «بعثت أنا والساعة كهذه من هذه». ورواه ابن جرير ولفظه قال كأني أنظر إلى أصبعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشار بالمسبحة والتي تليها وهو يقول «بعثت أنا والساعة كهذه من هذه»، وفي رواية وجمع بين أصبعيه السبابة والوسطى. وفي هذه الأحاديث على اختلاف ألفاظها إشارة إلى قلة المدة التي بين بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين قيام الساعة. قال عياض وغيره: والتفاوت إما في المجاورة، وإما في قدر ما بينهما ويعضده - أي القول الأخير - قوله كفضل إحداهما على الأخرى. وقال: القرطبي في " المفهم " حاصل الحديث تقريب أمر الساعة وسرعة مجيئها. وقال البيضاوي: معناه أن نسبة تقدم البعثة النبوية على قيام الساعة كنسبة فضل إحدى الإصبعين على الأخرى، ورجح الطيبي هذا القول، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في فتح الباري. وقال الحسن البصري: بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة، ذكره ابن كثير في تفسيره وقال: هو كما قال.

وقال ابن كثير أيضا: بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة لأنه خاتم الرسل الذي أكمل الله به الدين وأقام به الحجة على العالمين. وقال البغوي في تفسيره: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة. وذكر الحافظ بن حجر في فتح الباري عن الضحاك أنه قال: أول أشراطها بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم -. وإذا علم قرب زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قيام الساعة، وإنها كادت أن تسبقه علم بطلان ما يهذو به طواغيت الافرنج من أنه بعد 432 مليون سنة ينقص دوران الأرض بمقدار ساعة، ويصبح مجموع ساعات الليل والنهار 25 ساعة، وأنه هكذا يتوالى النقص ويطرد طول الليل والنهار. ولا يخفى أن قولهم هذا يعارض قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بعثت أنا والساعة كهاتين»، وقوله أيضا «مثلي ومثل الساعة كمثل فرسي رهان»، وقوله أيضا «بعثت في نفس الساعة»، وقول أيضا «بعثت أنا والساعة جميعا أن كادت لتسبقني». وإذا تعارض قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقول غيره من الناس فقول الغير مطرح مردود على قائله كائنا من كان. ولو كان الأمر على ما زعمه أعداء الله من طول مدة الليل والنهار بعد 432 مليون سنة لما كانت بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة. وفي الأحاديث التي ذكرنا أبلغ رد على هذا التخرص والظن الكاذب. الوجه الرابع: أن ما زعمه أعداء الله تعالى من زيادة الليل والنهار مقدار ساعة في كل 432 مليون سنة بناء على ما توهموه بعقولهم الفاسدة من نقصان

دوران الأرض، يقتضي أن يكون قد مضى على الأرض ثمانية آلاف وستمائة وأربعون مليون سنة منذ خلقت، أو منذ انفصالها عن الشمس على حد تعبيرهم الخاطئ وظنهم الكاذب، وهذا من الرجم بالغيب. وقد قال الله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} وقال تعالى {وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ} وقال تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}. وقد ذكر ابن قتيبة في كتاب المعارف أن آدم عليه السلام عاش ألف سنة، وكان بينه وبين الطوفان ألفان ومائتان واثنتان وأربعون سنة، وبين الطوفان وبين موت نوح عليه السلام ثلاثمائة وخمسون سنة، وبين نوح وإبراهيم ألف وأربعون سنة، وبين إبراهيم وموسى تسعمائة سنة، وبين موسى وداود خمسمائة سنة، وبين داود وعيسى ألف سنة، وبين عيسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - وعليهم أجمعين ستمائة وعشرون سنة، فكان من عهد آدم إلى محمد سبعة آلاف وثمانمائة واثنتان وخمسون سنة على ما ذكره ابن قتيبة. وقد مضى منذ ولد - صلى الله عليه وسلم - إلى سنتنا هذه وهي سنة 1388 هـ ألف سنة وأربعمائة وإحدى وأربعون سنة، فيكون منذ خلق آدم إلى هذه السنة تسعة آلاف ومائتان وثلاث وتسعون سنة، وهذا يعارض ما تخرص به الفلكيون من طول المدة التي مضت على الأرض منذ خلقت إلى الآن. وما ذكره ابن قتيبة في تحديد المدة التي كانت منذ خلق آدم إلى أن ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مما لا ينبغي الجزم به؛ لأن ذلك لم يثبت عن

المعصوم صلوات الله وسلامه عليه. ومع هذا فهو أقرب إلى الصواب مما تخرصه أعداء الله وتوهموه بعقولهم الفاسدة. وإذا علم هذا فالواجب على المسلمين الإعراض عن أعداء الله تعالى وعن تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة؛ لأن الله تعالى قد حذر منهم وأمر بالإعراض عنهم فقال تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى}. الوجه الخامس: أن ما قرره في هذا الموضع يقتضي أن الدنيا لا تزال باقية على الأبد، وأنه ليس هناك قيامة ولا بعث ولا آخرة، وقد قرر هذا المعنى في صفحة 117 حيث قال عن القرآن أنه كتاب أبدي سرمدي أنزل للخلود والبقاء وليكون دينا أبديا للإنسانية جمعاء. انتهى. والآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة في إثبات القيامة والمعاد أكثر من أن تحصر. وقد قال الله تعالى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} وقال تعالى {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} وقال تعالى {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} وقال تعالى {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} وفي هذه الآيات أبلغ رد على ما ذكرنا من تخرصات أعداء الله وظنونهم الكاذبة. الوجه السادس: أن الصواف قد نقض ما قرره في هذا الموضع بما قرره في

صفحة 104 من أن حركة الأرض حول محورها يبلغ من الانتظام والدقة بحيث لا يلحقه خلل ولا تقديم أو تأخير ثانية واحدة في موعدها ولو بعد قرون، وهكذا الباطل لا تجده إلا مختلفا ينقض بعضه بعضا. وأما قوله وعلى هذا الأساس يقول العلماء أن الأرض لابد أن تقف يوما والله أعلم بذلك اليوم، وعند وقوفها يصبح الوجه المقابل للشمس نهارا دائما والوجه البعيد عنها ليلا دائما، وهذا ما أشار إليه الرب تبارك وتعالى في كتابه العزيز، وما ذكر الناس به من تعاقب الليل والنهار. فجوابه من وجوه: أحدها: أنه لا ينبغي تسمية أعداء الله باسم العلماء لأن هذه التسمية لا تليق بهم ولا تطابق حالهم، وقد تقدم التنبيه على ذلك قريبا. وقد روى ابن أبي الدنيا وأبو يعلى والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا مُدح الفاسق غضب الرب واهتز لذلك العرش». ومن المعلوم أن اسم العالم والعلماء من أعلى صفات المدح والتعظيم، وعلى هذا فلا ينبغي مدح أعداء الله ولا تسميتهم بأسماء المدح والتعظيم؛ لأن ذلك مما يغضب الرب تبارك وتعالى ويهتز له العرش. الوجه الثاني: أن يقال إن الأرض لا تزال واقفة ساكنة منذ أرساها الله بالجبال إلى أن تقوم الساعة فترج رجا كما أخبر الله بذلك في قوله {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} وقال تعالى {يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا} وقال تعالى {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً *

فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} وقال تعالى {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} الآيات. فأما قبل يوم القيامة فهي كما قلنا لا تزال واقفة ثابتة، وقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على وقوفها وثباتها وأجمع المسلمون على ذلك، وأجمع على ذلك أهل الكتاب أيضا، وقامت على ذلك الأدلة العقلية الصحيحة، وقد ذكرت ذلك مستوفى في أول الصواعق الشديدة فليراجع هناك، وما زعمه الخراصون من أن الأرض لابد أن تقف يوما فهو مردود بما ذكرنا من الأدلة على وقوفها منذ أرسيت بالجبال إلى أن تقوم الساعة. الوجه الثالث: قولهم أنه عند وقوفها يصبح الوجه المقابل للشمس نهارا دائما والوجه البعيد عنها ليلا دائما. جوابه أن يقال إنما يكون هذا لو وقفت الشمس عن حركتها وجريانها في الفلك، وهي لا تقف إلى يوم القيامة كما قال الله تعالى {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} قال: أبو الفرج ابن الجوزي في تفسيره أي إلى وقت معلوم وهو فناء الدنيا. وقال: ابن كثير في قوله {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} قال: القرطبي المعنى يجريان إلى يوم القيامة لا يفتران، وقال: ابن كثير أي لا يفتران، ولا يقفان إلى يوم القيامة انتهى. وإذا علم هذا فما تخرصه أعداء الله من وقوف الأرض ودوام النهار

على الوجه البعيد عنها مردود عليهم لأنه من الرجم بالغيب، والأرض لم تزل واقفة ساكنة منذ أرساها الله بالجبال، ولا تزال كذلك إلى يوم القيامة كما تقدم تقريره في الوجه الثاني. الوجه الرابع: أن الله تبارك وتعالى لم يشر قط إلى حركة الأرض ودورانها حول نفسها وعلى الشمس، فضلا عن الإشارة إلى وقوف حركتها في المستقبل ودوام النهار على الوجه المقابل للشمس ودوام الليل على الوجه البعيد عنها. وما زعمه الصواف ههنا فهو كذب على الله وعلى كتابه، وقد قال الله تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا}، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقال تعالى: {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، وقال تعالى {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ}. وقد تقدم حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «من قال في القرآن برأيه، أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار» رواه الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والبغوي، وقال: الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وما ذكر في هذا الحديث والآيات قبله من الوعيد الشديد يمنع من له أدنى مسكه من عقل من الجراءة على القرآن والقول فيه بغير علم، ومن اجترأ على القول في القرآن بغير علم ولم يبال بهذا الوعيد الشديد فذلك لا عقل له، وقد قال الله تعالى {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}.

تخرصات في الشمس والرد عليها

فصل قال: الصواف في صفحة 57 ما نصه (الشمس) تنتقل الآن إلى الآية الكبرى من آيات عظمة الله وقدرته وجلاله وهي الشمس التي جعلها الله آية النهار كما جعل القمر آية الليل وقدره منازل لنعلم عدد السنين والحساب. قال: الله عز وجل {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}. هذه الشمس التي ما زالت أسرارها في الخفاء والتي ما زالت موضع حدس وتخمين، هذا الشمس التي ليست مصدر نورنا ونارنا فقط؛ بل هي محور نظامنا السياري ومصدر حياتنا أيضا. هذه الشمس التي كانت ما يكتشف عنها يزيدها غموضا ولم تزح يد العلم بعد النقاب عن كل ما يجب أن نعلمه عن الواحدة من احتراقها، ولم تزل تجدد وزنها وحجمها، هذه الشمس هي آية من آيات الخالق وإن هي إلا آية صغيرة تزخر السماء بملايين من النجوم أضخم منها حجما وأكبر سرعة وأكثر تألقا، وقد قال علماء الفلك إنما هي كرة هائلة من الغازات الملتهبة، قطرها يزيد عن مليون وثلث مليون كيلوا متر، ومحيطها مثل محيط الأرض 325 مرة، ويبلغ ثقلها 332 ألف ضعف ثقل الأرض، وحرارة سطحها نحو 6000 درجة سنتجراد، وهذا السطح تندلع منه ألسنة اللهب إلى ارتفاع نصف مليون كيلوا متر، وهي تنثر في الفضاء باستمرار طاقة قدرها 167400 حصان من كل متر مربع، ولا يحصل للأرض منها إلا جزء من مليوني جزء، وهي لا تعتبر إلا نجمة، ولكنها ليست في عداد النجوم

الكبرى، وسطحها به عواصف وزوابع كهربائية ومغناطيسية شديدة، والمشكلة التي حيرت العلماء هي أن الشمس كما يؤخذ من علم طبقات الأرض لم تزل تشع نفس المقدار من الحرارة منذ ملايين السنين، فإن كانت الحرارة الناتجة عنها نتيجة احتراقها فكيف لم تفن مادتها على توالي العصور، فلا شك أن طريقة الاحتراق الجارية فيها غير ما نعهد ونألف، وإلا لكفاها ستة آلاف سنة لتحترق وتنفد حرارتها، وقد زعم البعض أن النيازك والشهب التي تسقط على سطحها تعوض الحرارة التي تفقدها بطريق الإشعاع. والجواب أن يقال هذا الكلام يدور على التناقض واتباع الظنون الكاذبة، ومع ذلك فقد أدخله الصواف في علم الفلك الذي نسبه إلى المسلمين، وذلك من أكبر الخطأ وأعظم الفرية على المسلمين. فأما التناقض فالأول منه أنه قرر في أول كلامه أن الشمس هي الآية الكبرى من آيات عظمة الله وقدرته، ثم نقض ذلك بقوله وإن هي إلا آية صغيرة تزخر السماء بملايين من النجوم أضخم منها حجما وأكبر سرعة وأكثر تألقا - أي إضاءة - وبقوله وهي لا تعتبر إلا نجمة ولكنها ليست في عداد النجوم الكبرى، وبما ذكره في صفحة 98 - 99 عن الفلكيين أن الشعرى اليمانية أثقل من الشمس جرما بعشرين مرة، وأن نورها خمسون ضعف نور الشمس، وأن ثلاثا من بنات نعش يفقن الشمس نورا واحدة منهن أربعمائة ضعف، والثانية أربعمائة وثمانين والثالثة ألف ضعف، وأن سهيلا أضوأ من الشمس ألفين وخمسمائة مرة، وأن السماك الرامح حجمه ثمانون ضعف حجم الشمس. والصواب أن الشمس أكبر من سائر النجوم حجما وأشد إضاءة وإنها

من أعظم الآيات السماوية، وليس شيء من النجوم يقاربها في كبر الحجم وشدة الإضاءة. والدليل على ذلك قول الله تعالى مخبرا عن مناظرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}، وفي هذه الآيات دليل على أن الشمس أكبر من الكواكب. وأيضا فقد قال الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} والبروج هي الكواكب العظام قاله مجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح والحسن وقتادة وغيرهم، وقال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}، وقال تعالى {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا}، وقال تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ}. وروى ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أما السماء الدنيا فإن الله خلقها من دخان وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وزينها بمصابيح وجعلها رجوما للشياطين وحفظا من كل شيطان رجيم». وروى البيهقي في كتاب الأسماء والصفات بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال (خلق الله سبع سموات، وخلق فوق السابعة الماء وجعل فوق الماء العرش، وجعل في السماء الدنيا الشمس والقمر والنجوم والرجوم). وإذا علم ما في الآية الأولى من النص على أن الشمس والبروج في السماء وما في الآيات بعدها من النص على أن الكواكب في السماء الدنيا، وما في حديثي

ابن مسعود وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم من النص على أن الشمس والنجوم كلها في السماء الدنيا، فلا ريب أنه ليس شيء من الكواكب يقارب عشر عشر الشمس في كبر الحجم وشدة الضياء، فضلا عن أن تكون الملايين منها أضخم من الشمس حجما وأكثر تألقا - أي أشد إضاءة - ولو كان الأمر على ما يزعمه الصواف وأشباهه من أتباع أهل الهيئة الجديدة لكانت السماء الدنيا مملوءة من الشموس العظام ولكان ضوؤها يطمس ضوء الشمس ونور القمر؛ بل لو كان الأمر على ما زعموه لاحترق ما بين الخافقين ولم يمكن أن يعيش على الأرض شيء من شدة حرارة الشموس المزعومة. ولم يكن عند أهل الأرض ليل أبدا؛ بل يكون النهار دائما سرمدا من كثرة الشموس التي تعد عندهم بالملايين. وفساد قول أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم في تعدد الشموس لا يخفى إلا على من ختم الله على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة، وقد استوفيت الرد عليه في الصواعق الشديدة في المثال الحادي عشر من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة فليراجع هناك. وأيضا فقد قال الله تعالى {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} قال: البغوي في تفسيره {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا} يعني الشمس {وَهَّاجًا} مضيئا منيرا. قال: الزجاج الوهاج الوقاد، وقال: مقاتل جعل فيه نورا وحرارة والوهج يجمع النور والحرارة. وقال: ابن كثير على قوله تعالى {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} يعني الشمس المنيرة على جميع العالم التي يتوهج ضوؤها لأهل الأرض كلهم. انتهى. وقال: الراغب الأصفهاني الوهج حصول الضوء والحر من النار، والوهجان كذلك {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} وتوهج الجوهر تلألأ.

وقال: ابن منظور في لسان العرب والوهج والوهج والوهجان والتوهج حرارة الشمس والنار من بعيد، والوهج بالتسكين مصدر وهجت النار تهج وهجا ووهجانا إذا اتقدت. انتهى. وقال الله تعالى مخبرا عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}. قال: البغوي في قوله {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا}، قال: الحسن يعني في السماء الدنيا {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} مصباحا مضيئا. وقال تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا}، قال: أبو الفرج بن الجوزي في تفسيره المراد بالسراج الشمس. قال وقال: الماوردي لما اقترن بضوء الشمس وهج حرها جعلها لأجل الحرارة سراجا ولما عدم ذلك في القمر جعله نورا. وقال: ابن كثير على قوله {وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا} وهي الشمس المنيرة التي هي كالسراج في الوجود كما قال تعالى {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا}. انتهى. وفي التفسير المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله {وَجَعَلَ فِيهَا} في السماء {سِرَاجًا} شمسا مضيئة لبني آدم بالنهار {وَقَمَرًا مُنِيرًا} مضيئا لبني آدم بالليل. انتهى وفي هذه الآية والآيتين قبلها أوضح دليل على أنه ليس في الوجود سوى شمس واحدة جعلها الله سراجا للعالم. وفي هذه الآيات أبلغ رد على ما يهذو به أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم من وجود الملايين من النجوم التي يزعمون أنها أكبر من الشمس حجما وأشد إضاءة. وقد روى الإمام أحمد والترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «لو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا سوراه لطمس ضوؤه ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم».

وهذا الحديث يدل على أن ضوء الكواكب كلها لا يقاوم ضوء الشمس فضلا عن أن يكون فيها ما هو أكبر من الشمس وأعظم منها ضوأ بكثير. وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب». وروى الدارمي في سننه ولفظه «وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب» ورواه أبو نعيم في الحلية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب». وفي هذين الحديثين النص على تفضيل القمر على سائر الكواكب، وفي هذا النص أبلغ رد على ما يهذو به أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم من وجود الملايين من النجوم التي يزعمون أنها أكبر من الشمس حجما وأشد إضاءة. وأما الأدلة على أن الشمس من أعظم الآيات السماوية لا من أصغرها ففي عدة آيات من القرآن منها قول الله تعالى {وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}، وقوله تعالى {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، وقوله تعالى {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} الآية. قال: مجاهد الشمس آية النهار والقمر آية الليل، وقوله تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا

وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}. وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في عدة أحاديث صحيحة أنه قال «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته». وفي الآيات التي ذكرنا مع هذه الأحاديث دليل على أن الشمس والقمر من أعظم الآيات السماوية، ولهذا نص الله عليهما دون سائر الأجرام السماوية، وفيها أيضا الرد على من زعم خلاف ذلك. الثاني من تناقض الصواف أنه ذكر الآية من سورة الرعد وفيها النص على جريان الشمس، ثم عارض الآية بقوله في الشمس؛ بل هي محور نظامنا السياري: يعني أنها المركز الثابت الذي تدور عليه الأفلاك والكواكب ومنها الأرض بزعمه وزعم أسلافه أهل الهيئة الجديدة. ونحو هذا ما ذكره في آخر كلامه عن البعض أن النيازك والشهب التي تسقط على سطح تعوض الحرارة التي تفتقدها بطريق الإشعاع، يعني أن الشمس هي المركز والمستقر الذي يقع عليه ما يسقط من الأجرام العلوية. والحق ما أخبر الله به في كتابه من جريان الشمس وسحبها في الفلك ودؤبها في السير. وقد نص النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا على جريان الشمس واستمرارها في ذلك وقد ذكرت الأحاديث بذلك في أول الصواعق الشديدة فلتراجع هناك. وما كان جاريا وسابحا في الفلك على الدوام فإنه لا يكون محورا ثابتا تدور عليه الأفلاك والكواكب. وكل قول خالف كتاب الله تعالى أو ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فمضروب به عرض الحائط ومردود على قائله.

وأما زعمهم أن النيازك والشهب تسقط على ظهر الشمس، فهو مردود بقول الله تعالى {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ}. والشمس في السماء بنص القرآن قال الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا}، وقال تعالى مخبرا عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}، وما كان في السماء فهو مما أمسكه الله تعالى مع السماء عن الوقوع على الأرض، وهذا يدل على أن الأرض هي المركز للأثقال والمستقر لما ينزل من السماء، ويدل على ذلك أيضا آيات وأحاديث ذكرتها في الصواعق الشديدة في آخر الأدلة من القرآن على ثبات الأرض واستقرارها فلتراجع هناك. وإذا كانت الأرض مركزا للأثقال ومستقرا لما ينزل من السماء، فالنيازك والشهب التي تسقط من السماء إنما تسقط على الأرض لا على الشمس. وقد ذكر فريد وجدي في دائرة المعارف عدة نيازك سقطت على الأرض وصار لها آثار باقية، وذكر الصواف ثلاثة منها في صفحة 82 من رسالته. الثالث: من تناقض الصواف زعمه أن الشمس تفقد أربعة ملايين طن من وزنها في الثانية الواحدة، ثم نقض ذلك بقوله ولم تزل تجدد وزنها وحجمها. وهذا كله تخرص لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح، وقد قال الله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}، وقال تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ}، وقال تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}. الرابع: من تناقض الصواف أنه ذكر في صفحة 41 أنه بتقدم العلم أمكن

إلى حد ما معرفة عناصر الشمس، فوجد أنها تتكون من نفس العناصر التي تتكون منها الأرض، ثم نقض ذلك بما ذكره في هذا الموضع عن الفلكيين أن الشمس إنما هي كرة هائلة من الغازات الملتهبة. وكل من هذين القولين باطل وضلال، ويلزم على القول الأول أن تكون الشمس ترابا وأحجارا وماء مثل الأرض، ولو كانت كذلك لما كانت سراجا وهاجا كما وصفها الله بذلك وإنما تكون باردة مضيئة، وهذا معلوم البطلان بالضرورة، ويلزم على القول الثاني أن تكون الأرض كرة من الغازات الملتهبة، وهذا أيضا معلوم البطلان بالضرورة. وأما ما في كلامه من التخرص واتباع الظن الكاذب فكثير، ومنه قوله في الشمس أنها مصدر نارنا. وهذا خطأ مردود بقوله تعالى {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ}، وقوله تعالى {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَاتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ}. وكما تكون النار من الشجر فكذلك تكون من الشمس بواسطة بعض الزجاج، وتكون أيضا من الكهرباء، ومن الكبريت، ومن الأحجار الصلبة، وغير ذلك مما تتولد منه النار بواسطة الاحتكاك. ومن قال: أن النار مصدرها الشمس وحدها فهو من أجهل الناس. ومن التخرص واتباع الظن الكاذب أيضا قوله في الشمس؛ بل هي محور نظامنا السياري ومصدر حياتنا، وقد تقدم التنبيه على قوله؛ بل هي محور نظامنا السياري قريبا. وأما قوله ومصدر حياتنا.

فجوابه من وجهين: أحدهما: أن يقال أن الحياة مصدرها من الله وحده لا شريك له في ذلك، فهو الذي أوجد الخلق من العدم وهيأ الأسباب لحياتهم في دار الدنيا وفي الدار الآخرة. ومن قال: أن الشمس هي مصدر الحياة فقد جعلها ندا لله تعالى. والقرآن مملوء من تقرير التوحيد والرد على من جعل لله ندا من خلقه. قال الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}، وقال تعالى {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}، وقال تعالى {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، وقال تعالى {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ}، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}، وقال تعالى {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}، وقال تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}، وقال تعالى {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}. والآيات الدالة على تفرد الرب تبارك وتعالى بالخلق والإيجاد كثيرة جدا وفيما ذكرته ههنا كفاية. وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «احتج آدم وموسى فقال موسى يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه» الحديث. وروى الإمام أحمد أيضا والشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الشفاعة قال «فيقول الناس بعضهم لبعض عليكم بآدم، فيأتون آدم، فيقولون يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه» الحديث. وروى الإمام أحمد والشيخان أيضا وأبو داود الطيالسي وأهل السنن إلا النسائي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقه مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد» الحديث. فقد دلت النصوص من القرآن والأحاديث الصحيحة على أن الله تعالى نفخ في آدم من روحه، ودل حديث ابن مسعود رضي الله عنه على أن الله تعالى يرسل إلى بني آدم ملكا ينفخ فيهم الروح وهم في بطون أمهاتهم، وفي هذا أبلغ رد على من قال أن الشمس هي مصدر حياتنا. وقد جعل الله تبارك وتعالى لقيام المعايش في الدنيا أسبابا كثيرة، ومن أعظمها الماء والليل والنهار والشمس والقمر قال الله تعالى {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}، قال: البغوي أي أحيينا بالماء الذي ينزل من السماء كل شيء حي أي من الحيوان، ويدخل فيه النبات والشجر، يعني أنه سبب لحياة كل شيء. انتهى.

وقال تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} الآيات إلى قوله تعالى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}، وقال تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}، والآيات في هذا المعنى كثيرة وفيما ذكرته ههنا كفاية في الرد على من زعم أن الشمس هي مصدر الحياة. الوجه الثاني: أن تعظيم الشمس بغير ما جاء عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - شعبة من المجوسية لأن المجوس كانوا يعظمون النار والنور والشمس والقمر، وقد قال عبيد الله بن الحسين القيرواني جد العبيديين في رسالته إلى سليمان بن الحسن بن سعيد الجنابي القرمطي (ومن وجدت مجوسيا اتفقت معه في الأصل في الدرجة الرابعة من تعظيم النار والنور والشمس والقمر) ذكر ذلك عنهم القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، ونقله عنه شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى في رده على الرافضي. ورسالة عبيد الله إلى القرمطي هي التي تسمي عندهم بالبلاغ الأكبر والناموس الأعظم، أوصاه فيها بدعاء جميع الطوائف إلى مذهبهم الخبيث

وأمره أن يتقرب إلى كل قوم بما هو معظم عندهم، وما تميل أنفسهم إليه من العقائد وغيرها. وإذا أضيف إلى تعظيم الشمس ما زعموه من كونها مصدر الحياة فذلك زيادة شر إلى شر وضم مجوسية إلى مجوسية أخرى، وكما أن تعظيم الشمس من شعب المجوسية فهو أيضا من دين اليونان المتقدمين وغيرهم من الصائبين الذين يعبدون الشمس والقمر والنجوم، ويزعمون أنها تدبر أمر العالم. فينبغي للمسلم أن يبعد غاية البعد عن عقائد المشركين، ولا يتعلق بشيء منها فيكون منهم وهو لا يشعر، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «من تشبه بقوم فهو منهم» رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وصححه ابن حبان، وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى إسناده جيد، وقال الحافظ العراقي إسناده صحيح، وقال ابن حجر العسقلاني إسناده حسن، وقد احتج الإمام أحمد بهذا الحديث وذلك يقتضي صحته عنده. ومن التخرص واتباع الظن الكاذب أيضا زعمه أن الشمس تفقد أربعة ملايين طن من وزنها في الثانية الواحدة من احتراقها: والجواب أن يقال لو كان الأمر على ما زعمه الصواف لكانت الشمس قد ذهبت منذ دهر طويل وقد قال الله تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ}. ومن التخرص واتباع الظن الكاذب أيضا قوله في الشمس ولم تزل تجدد وزنها وحجمها. والجواب أن يقال أن الشمس مخلوقة مسخرة بأمر الله تعالى، وليس لها تصرف في نفسها بزيادة ولا نقص، وكذلك ليس لها تصرف في غيرها من

التحذير من هذيان الإفرنج في الشمس

المخلوقات، ومن زعم أنها تجدد وزنها وحجمها فقد جعل لها تصرفا في نفسها وذلك من الشرك في الربوبية. ومن التخرص واتباع الظن الكاذب أيضا قولهم أن الشمس كرة من الغازات الملتهبة، وما زعموه من تحديد قطرها، وتحديد محيطها وثقلها وحرارة سطحها، وما زعموه من نثرها للطاقات الكثيرة في الفضاء، وأن سطحها به عواصف وزوابع كهربائية ومغناطيسية شديدة، وأنها لم تزل تشع في نفس المقدار من الحرارة منذ ملايين السنين، وأن النيازك والشهب التي تسقط على سطحها تعوض الحرارة التي تفقدها بطريق الإشعاع. فكل هذه تخرصات وظنون كاذبة، وقد قال الله تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ}، وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}، وقال تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}. فصل وقد ذكر الصواف في صفحة 58 - 59 - 60 إعلانات لبعض الإفرنج المعاصرين عن انفجارات حدثت في الشمس في سنة 1956 - 1957 ميلادية، منها ما يعادل القوة الناجمة عن تفجير مليون قنبلة هيدروجينية، وأنه حدث في منطقة أكبر بكثير من مساحة الكرة الأرضية، ومنها ما يعادل انفجار مائة مليون قنبلة هيدروجينية دفعة واحدة.

وهذه كلها تخرصات وهذيانات لا تروج إلى على من لا عقل له، وقد أدخلها الصواف في علم الفلك الذي نسبه إلى المسلمين، وذلك من أكبر الخطأ وأعظم الفرية على المسلمين، وقد قال الله تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}. ومن هذا القبيل ما نشر في جريدة الرياض في عدد1009 في يوم الخميس خامس جمادى الثانية سنة 1388 هجرية تحت هذا العنوان: (انفجار في الشمس يهدد الأرض) وهذا نص المنشور: - داندي - اسكتلندة - 28 أغسطس - 1 ب: سيأتي ذلك اليوم المشرق الذي ستنفجر فيه الشمس، وعندما يقرب ذلك اليوم فإن الطريق الوحيدة لإنقاذ الأرض هي إبعادها بعيدا عن الشمس، هذا هو رأي الفلكي أيان روكسبرغ الذي تكهن بهذا الانفجار أمام المؤسسة البريطانية للتقدم العلمي أمس، ويقول أنه عندما يقترب موعد الانفجار فإنه سيكون يوما عظيما للذين يعشقون أن تلفح الشمس جلودهم بالسمرة، وقبيل الانفجار النائي ستحترق الشمس بسطوع أكثر بعشرة آلاف مرة مما تبدو عليه الآن، وستمدد أربعمائة مرة أكثر من حجمها الحالي، وبعدها ستنفجر ويندفع ثلثها إلى الفضاء وستكون سرعة الاندفاع عشرين ميلا في الثانية أي (72) ألف ميل في الساعة، وسيخر كل شيء في طريقه بما في ذلك هذا الكوكب الذي نحن فيه، ولكن متى ينتظر أن يأتي ذلك اليوم الرهيب، يقول روكسبرغ أنه بعد خمسة ملايين عام.

انتهى ما نشر في الجريدة من التخرص والهذيان الذي يشبه هذيان المجانين، ولا يروج هذا الهذيان إلا على من أضله الله وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة. وقد قال الله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}، وقال تعالى {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ}، وقال تعالى {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير}، وقال تعالى {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} الآية. ومن مفاتيح الغيب التي استأثر الله بعلمها علم ما يكون في المستقبل. فلا يعلم ما يكون في المستقبل إلا الله أو من أظهره الله على ذلك من المرسلين؛ كما قال تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الآية. وروى الإمام أحمد والبخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله؛ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. وروى الإمام أحمد أيضا بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه. وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة مجيء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وسؤاله عن الإيمان والإسلام والإحسان وعن الساعة نحوه أيضا.

وفي المسند من حديث ابن عباس رضي الله عنهما نحو ذلك أيضا. وروى الإمام أحمد والبخاري وأهل السنن إلا النسائي عن خالد بن ذكوان قال: قالت الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها: جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل حين بُنِيَ عليَّ فجلس على فراشي كمجلسك مني فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن مَن قُتل مِن آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن - وفينا نبي يعلم ما في غد - فقال: «دعي هذه وقولي بالذي تقولين» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وزاد ابن ماجة في آخره «ما يعلم ما في غد إلا الله» وإسناده صحيح على شرط مسلم. وروى الإمام أحمد والبخاري أيضا عن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها يا أم المؤمنين هل رأى محمد - صلى الله عليه وسلم - ربه فقالت: لقد وقف شعري مما قلت أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب؟ من حدثك أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه فقد كذب, ثم قرأت {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب, ثم قرأت {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} ومن حدثك أنه كتم فقد كذب, ثم قرأت {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} الآية ولكنه رأى جبريل عليه السلام في صورته مرتين. ورواه مسلم ولفظه مسروق قال كنت متكئا عند عائشة رضي الله عنها فقالت يا أبا عائشة ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية - فذكر الحديث وفيه - قالت ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية والله يقول: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}.

وفي الآيات والأحاديث التي ذكرنا أبلغ رد على من زعم أنه يعلم ما يكون في المستقبل. وإذا كان أشرف المرسلين صلوات الله وسلامه عليه لا يعلم ما يكون في غد فغيره من الناس أولى أن لا يعلموا ذلك. وعلى هذا فمن زعم أنه يعلم ما يكون في المستقبل فهو من رءوس الطواغيت لكونه قد نازع الله فيما استأثر به من علم الغيب ومن نازع الله في خصائصه فهو طاغوت شاء أم أبى. ومن صدقه فيما يقول فهو ممن آمن بالطاغوت شاء أم أبى. ومن زعم أنه يعلم ما يكون بعد ملايين السنين فهو شر ممن زعم أنه يعلم ما يكون في غد القريب. وقد قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وقال تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} أي: يجرون فيه ويسيرون بسرعة. وقال تعالى في أربعة مواضع من القرآن {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} قال البغوي وغيره أي: إلى وقت معلوم وهو فناء الدنيا. فالشمس لا تزال جارية سابحة في فلكها الذي جعلها الله فيه ما دامت الدنيا فإذا كان يوم القيامة أدنيت من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل وزيد في حرها كما جاءت بذلك الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ثم بعد ذلك تكور في النار كما قال تعالى {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (يكور الله

الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث الله ريحًا دبورًا فيضرمها نارًا). وكذا ذكر البغوي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن كثير: وكذا قال عامر الشعبي. قلت ويشهد لهذا الأثر ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الشمس والقمر مكوران يوم القيامة». ورواه البزار بإسناد صحيح على شرط مسلم ولفظه: «إن الشمس والقمر ثوران عقيران يوم القيامة». وروى الحافظ أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} وجهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه وتكور فيه الشمس والقمر ثم يوقد فيكون هو جهنم. فهذه نهاية الشمس يوم القيامة لا ما تخرصه عدو الله «أيان روكسبرغ» من انفجارها وزيادة سطوعها وتمدد حجمها واندفاع بعضها إلى الفضاء وسرعة اندفاع المندفع منها، وأنه سيخر كل شيء في طريق ذلك المندفع منها ومن ذلك الأرض، فهذا كله من زخرف القول الذي أوحاه إليه شيطانه كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ}.

وفي هذه الأكذوبة التي افتراها «أيان روكسبرغ» التصريح بأنه قد تكهن بما زعمه من انفجار الشمس، والكهانة من أمور الجاهلية التي قد أبطلها الإسلام، والكهان هم الذين تنزل عليهم الشيطان كما قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} قال قتادة هم الكهنة، وقال ابن كثير على قوله تعالى {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} أي: كذوب في قوله وهو الأفاك. أثيم: وهو الفاجر في أفعاله فهذا هو الذي تنزل عليه الشياطين من الكهان وما جرى مجراهم من الكذبة الفسقة. انتهى. ومن أعظم المصائب التي أصيب بها كثير من المسلمين تلقيهم لأكاذيب أعداء الله تعالى وتخرصاتهم بالقبول ومقابلتها بالرضا والتسليم، ونشرها في كتبهم وجرائدهم وتمسكهم بها أعظم مما يتمسكون بنصوص الكتاب والسنة وزعمهم أن ذلك من تقدم العلم، وهذا من تلاعب الشيطان بهم فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقد ورد التشديد في إتيان الكهان وتصديقهم وأن ذلك من الإيمان بالجبت والطاغوت، وقد ذكرت ذلك مستوفيًا في أول الكتاب فليراجع. وأما زعمهم أن التكهن بانفجار الشمس من التقدم العلمي فهو من قلب الحقيقة، والصواب المطابق للحقيقة أن ذلك من تقدم الجهل وظهوره كما أخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل» متفق عليه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وأما قوله: "وعندما يقرب ذلك اليوم فإن الطريق الوحيدة لإنقاذ الأرض هي أبعادها بعيدا عن الشمس".

فجوابه أن يقال هذا من أسمج الهذيان والهوس ولا يتفوه بمثل هذا الهذيان عاقل أبدا. ومن هو الذي يقدر على زحزحة الأرض من موضعها سوى الله تعالى، ولو اجتمع الأولون والآخرون من الجن والإنس لما قدروا على زحزحة أكمة من الآكام عن موضعها فضلا عن الجبل العظيم فكيف بالأرض. وقد جاء في عدة أحاديث صحيحة أن الشمس تدنى يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، وفي بعضها التصريح بأنها تدنى من الأرض فتصهر الناس، ويتضررون منها ولا يضر ذلك الأرض شيئا. وكذلك قد جاء في الأحاديث والآثار التي تقدم ذكرها قريبا أن الشمس والقمر يكوَّران يوم القيامة في البحر، وتنتثر الكواكب فيه ولا يؤثر ذلك في الأرض ولا تتزحزح من موضعها فضلا عن أن تخر منه. وأما تسميته الأرض كوكبا فهو خطأ وضلال. وقد استوفيت الرد على هذا القول الباطل في الصواعق الشديدة فليراجع هناك. وأما قوله أن ما هذى به من الانفجار يكون بعد خمسة ملايين عام، فهو مردود بقول الله تعالى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} وقوله تعالى {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} وقوله تعالى {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا}. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عدة أوجه أنه قال «بعثت أنا والساعة كهاتين» وضم السبابة والوسطى. وفي رواية «مثلي ومثل الساعة كمثل فرسي رهان» وفي رواية «بعثت أنا في نَفَس الساعة فسبقتها كما سبقتْ هذه هذه» لإصبعيه السبابة والوسطى.

قال الحافظ ابن حجر قوله في نَفَس بفتح الفاء وهو كناية عن القرب أي بعثت عند نفسها. انتهى. وفي رواية «بعثت أنا والساعة جميعا إن كادت لتسبقني». وفي هذه الأحاديث إشارة إلى قلة المدة التي بين بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبين قيام الساعة، ولهذا قال الحسن البصري: "بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة". ذكره ابن كثير في تفسيره، وقال: هو كما قال. وقال البغوي في تفسيره: "وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة" وكذا قال ابن كثير: "بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة. وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن الضحاك أنه قال أول أشراطها بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم -. وإذا علم قرب زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - من قيام الساعة وأنها كادت أن تسبقه علم بطلان ما هذى به روكسبرغ من الانفجار الذي يكون في الشمس بعد خمسة ملايين عام، ولا يخفى أن قوله هذا يعارض قول النبي - صلى الله عليه وسلم - «بعثت أنا والساعة كهاتين» وقوله أيضا «مثلي ومثل الساعة كمثل فرسي رهان» وقوله أيضا «بعثت في نفَس الساعة» وقوله أيضا «أنا والساعة جميعا إن كادت لتسبقني». وإذا تعارض قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقول غيره من الناس، فقول الغير مطروح مردود على قائله كائنا من كان. وفي الأحاديث التي ذكرنا أبلغ رد على تخرص روكسبرغ وهذيانه لما دلت عليه من قرب قيام الساعة.

الحاده في بعض الآيات والرد عليه

وإذا كان يوم القيامة لم تبق الشمس على حالها في الدنيا بل تكور ويذهب ضوؤها كما دل على ذلك الكتاب والسنة. فصل وقال الصواف في صفحة 60 - 61 - 62 - 63 ما نصه. (سكون الشمس وجريانها) والقول بجريانها وسيرها أو ثبوتها وقرارها قد سبق إليه العلماء الأعلام ممن اشتغل بهذا العلم من المسلمين في القديم والحديث وغيرهم، أما القول بثبوتها وقرارها كما يثبت الجبل في محله والسهل في مكانه فلم يقل به أحد فيما نعلم، والذين قالوا بقرارها قالوا هي ثابتة ومتحركة في آن واحدة، ثابتة على محورها الذي أرساه الله لها، ومتحركة حول هذا المحور أي هي دائرة حول نفسها، ومثلها مثل المروحة السقفية الكهربائية فهي ثابتة في سقفها، وهي متحركة حول نفسها وبحركتها ينطلق الهواء المطلوب، وهؤلاء استدلوا بقوله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} وفسروا المستقر بالمحور، وقد قال بمثل هذا القول رجال من سلف هذه الأمة الخيار، وهم من خير العصور، بل هم من العصر الأول الذي هو خير العصور، فقد ورد عن التابعي المشهور مجاهد رحمه الله أنه قال في تفسير قوله تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}: "إنه كحسبان الرحى" وتبعه على ذلك بعض العلماء، وهذا يوافق قول من قال أنها تجري حول نفسها، وهل يجد القارئ الكريم فرقا بين المثل الذي ضربته وهو المروحة حيث تتحرك وهي ثابتة وبين ما قاله مجاهد ومثله بالرحا، حيث تتحرك كذلك حول نفسها وهي ثابتة بمكانها، وقد ذكر قول مجاهد هذا الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب بدأ الخلق حيث قال: "باب صفة الشمس والقمر، بحسبان: قال مجاهد: كحسبان

الرحا، وقال غيره: بحسبان ومنازل لا يعدوانها، وحسبان جمع حساب مثل شهاب وشهبان، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند هذه الترجمة ما نصه: "قوله قال مجاهد: كحسبان الرحى، وصله الفريابي في تفسيره من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، ومراده أنهما يجريان على حساب الحركة الرحوية الدورية وعلى وضعها. قال وقال غيره حساب ومنازل لا يعدوانا. ووقع في نسخة الصغاني عن ابن عباس. وقد وصله عبد بن حميد من طريق أبي مالك وهو الغفاري مثله. وروى الحربي والطبري عن ابن عباس نحوه بإسناد صحيح وبه جزم الفراء. انتهى. ونقل هذا المعنى عن مجاهد جماعة من المفسرين الكبار الأئمة منهم الإمام أبو جعفر بن جرير والإمام أبو عبد الله القرطبي وغيرهما، كما نقل عن مجاهد رحمه الله وجه آخر يخالف هذا الوجه، وذلك فيما رواه عنه الإمام أبو جعفر ابن جرير في تفسيره حيث قال عند تفسير قوله جل وعلا في سورة الأنعام {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا}: "حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} قال هو مثل قوله {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ومثل قوله {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} " انتهى. وقال ابن حبان في تفسيره البحر المحيط: "قال مجاهد: الحسبان الفلك المستدير شبهه بحسبان الرحى، وهو العود المستدير الذي باستدارته تستدير المطحنة" ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن أبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي وأبي محمد بن حزم وأبي الفرج بن الجوزي أنهم حكوا الإجماع على أن الأفلاك مستديرة، كما ذكرنا ذلك سابقا. والجواب عن هذا من وجوه أحدها أن يقال إن العلماء الأعلام من

الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى زمننا كلهم مجمعون على القول بجريان الشمس في الفلك تصديقا لما أخبر الله به في كتابه، وما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة، ولم يقل أحد منهم بثبات الشمس واستقرارها لا في القديم ولا في الحديث، والعبرة بهم لا بغيرهم. ومن حاد عن منهاج الصحابة والتابعين من الفلكيين وغيرهم، فهو من الجهال لا من العلماء ولا عبرة به. الوجه الثاني أن يقال إن الذين سبقوا إلى القول بثبات الشمس واستقرارها هم فيثاغورس اليوناني وأتباعه في القديم، وكوبرنيك البولوني وهرشل الإنجليزي وأتباعهما من فلاسفة الإفرنج في الحديث، وهؤلاء ليسوا من المسلمين فضلا عن أن يكونوا من العلماء الأعلام. وزَعْمُ الصواف أنهم من المسلمين، ومن العلماء الأعلام لا أساس له من الصحة، وإنما هو تمويه وتلبيس على الجهلة الأغبياء. الوجه الثالث أن الصواف قد جمع في كلامه بين النقيضين فقال في الترجمة ما نصه (سكون الشمس وجريانها) وهذا تناقض لا يصدر من عاقل لأن السكون ينافي الجريان. الوجه الرابع أن كلام الصواف يوهم أن الفلكيين المنتسبين إلى الإسلام في القديم كانوا يقولون بثبات الشمس واستقرارها، وهذا كذب عليهم لأن الفلكيين قبل ظهور أهل الهيئة الجديدة كانوا على القول بثبات الأرض واستقرارها وجريان الشمس وسيرها، وأول من قال بخلاف ذلك هو كوبرنيك البولوني في أثناء القرن العاشر من الهجرة وتبعه على ذلك من كان بعده من فلاسفة الإفرنج، ولما كان في القرن الرابع عشر من الهجرة كثر المقلدون

لأهل الهيئة الجديدة من العصريين المنتسبين إلى العلم، فخالفوا ما جاء في كتاب الله وما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما أجمع عليه المسلمون، ولا عبرة بهؤلاء العصريين المفتونين بآراء الإفرنج وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة، وكما أنه لا يعتد بأقوال أعداء الله في شيء من المسائل العلمية فكذلك لا يعتد بأقوال أتباعهم ومقلديهم بطريق الأولى ولو كانوا من المسلمين. الوجه الخامس ذكر الألوسي في صفحة 29 من كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة) أن أصحاب الزيج الجديد ذهبوا إلى أن الشمس ساكنة لا تتحرك أصلا، وأنها مركز العالم وأن الأرض وكذا سائر السيارات والثوابت تتحرك عليها، وهذا يرد قول الصواف أن القول بثبات الشمس واستقرارها كما يثبت الجبل في محله لم يقل به أحد. الوجه السادس أنه لم يجئ في كتاب الله تعالى ولا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قط أن للشمس محورًا تدور عليه، ومن أثبت أن للشمس أو غيرها من الأجرام العلوية ما لم يخبر الله به ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو متخرص متبع للظن. وقد قال الله تعالى {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}. والعلم ما جاء في كتاب الله تعالى، وما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقال تعالى {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقال تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} وقال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقال تعالى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. الوجه السابع أن القول بثبات الشمس على محورها، ودورانها حول نفسها

وتمثيلها بالمروحة السقفية الكهربائية ينافي ما أخبر الله به من جريانها وسبحها في الفلك ودؤوبها في ذلك، وما أخبر به من طلوعها وغروبها ودلوكها وأنه يأتي بها من المشرق، وما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جريانها وذهابها إلى مستقرها تحت العرش إذا غربت، ورجوعها إلى مطلعها وطلوعها وارتفاعها واستوائها وزوالها ودنوها للغروب وغروبها، وحبسها ليوشع بن نون حين حاصر القرية حتى فتحها الله عليه، وقد ذكرت الآيات والأحاديث الدالة على جريان الشمس في أول الصواعق الشديدة فلتراجع هناك. وقد وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر رضي الله عنه حين غربت الشمس «تدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد، فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}» رواه الشيخان والإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. وفي رواية لمسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوما «أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها ارجعي ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها».

وهذا الحديث الصحيح صريح في بيان المراد من قول الله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} وفيه الرد على من تأول الآية على غير تأويلها. الوجه الثامن قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله، ملحد في آيات الله، محرف للكلم عن مواضعه". انتهى. ومن الافتراء على الله والإلحاد في آياته وتحريف الكلم عن مواضعه تفسير المستقر بالمحور الذي تدور عليه الشمس على حد زعمهم الباطل. ومخالفة ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تفسير قول الله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} الآية. وقد تقدم حديث أبي ذر رضي الله عنه في ذلك وفيه كفاية في الرد على من فسر المستقر بالمحور. الوجه التاسع أن تفسير المستقر بالمحور الذي تدور عليه الشمس وهي ثابتة في موضعها كما تدور المروحة السقفية الكهربائية خطأ مردود من وجهين. أحدهما أن الذي يجري لا يثبت في موضعه بل يفارقه بالانتقال إلى غيره كما قال الله تعالى مخبرا عن سفينة نوح عليه السلام {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} الآيات إلى قوله تعالى {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} الآية ففرق تبارك وتعالى بين جري السفينة في الماء وبين رسوها واستوائها على جبل الجودي. وقال تعالى {وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ * إِنْ يَشَا يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ} ففرق سبحانه وتعالى بين جري السفن في الماء وبين ركودها على ظهر البحر وهو وقوفها وسكونها عليه.

وقال تعالى {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} الآية. والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا. ثانيهما أن الذي يدور على محوره مع ثباته في موضعه لا يوصف بالجريان وإنما يوصف بالدوران فقط. والله تبارك وتعالى قد وصف الشمس بصفات لا تنطبق على ما هو ثابت في موضعه ودائر على محوره فوصفها بالجريان والدؤوب في ذلك والسبح في الفلك والطلوع والغروب والدلوك والتزاور. وأخبر أنه يأتي بها من المشرق. وكذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد وصفها بالجريان والطلوع والارتفاع والاستواء والزوال والدنو من المغرب والغروب والذهاب إلى مستقرها تحت العرش إذا غربت ورجوعها بعد ذلك إلى مطلعها، وأخبر أنها حبست ليوشع بن نون حين حاصر القرية حتى فتحها الله عليه، وهذه الصفات لا تنطبق على ما هو ثابت في موضعه ودائر على محوره كالمروحة السقفية الكهربائية وإنما تنطبق على ما هو سائر على الدوام. وبما ذكرنا يتضح بطلان ما حاوله المقلدون لأهل الهيئة الجديدة من حمل الآية الكريمة على زعمهم الباطل. وههنا أمران ينبغي التنبيه عليهما. أحدهما أن لفظ الدوران لفظ مشترك لأنه يطلق على ما يدور على نفسه وهو ثابت في موضعه كالمراوح الكهربائية. ويطلق على ما يجري ويدور في شيء متسع جدا كالشمس والقمر والنجوم التي تجري في الفلك وتدور على الأرض، فمن جعل جريانها في الفلك ودورانها على الأرض مثل دوران المراوح الكهربائية فقد غلط غلطا فاحشا، ومن فرق بينها وبين ما يدور على نفسه وهو ثابت في موضعه فقد أصاب.

الأمر الثاني أن المواصفات بالجريان أو الدوران على ثلاثة اضرب. الأول ما يوصف بالجريان فقط كالرياح والسفن والخيل والأنهار والعيون وغيرها ممن يجري في جهة أو جهات غير مستديرة. الثاني ما يوصف بالدوران فقط كالمراوح الكهربائية التي تدور وهي ثابتة في مواضعها. الثالث ما يجري في شيء مستدير فهو بهذا يجمع بين الجريان والدوران كالشمس والقمر والنجوم فإنها تجري في الفلك - والفلك مستدير بالإجماع - وتدور على الأرض فمن أجل كونها تجري في الفلك توصف بالجريان كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة من القرآن ومن السنة أيضا في جريان الشمس، ومن أجل كونها تدور على الأرض في فلك مستدير تقطعه في كل يوم وليلة توصف بالدوران كما قال ذلك من قاله من السلف كمجاهد وغيره. ونظير ذلك الطائف بالكعبة فإنه يجمع بين المشي والدوران على الكعبة، وكما لا يقول عاقل إن الطائف بالكعبة إنما يوصف بالدوران على نفسه، فكذلك لا يقول عاقل إن الشمس والقمر والنجوم إنما توصف بالدوران فقط كما تدور المراوح الكهربائية. الوجه العاشر أن الصواف أخطأ خطأ كبيرا على مجاهد وغيره من الرجال الذين أشار إليهم بقوله (وقد قال بمثل هذا القول رجال من سلف هذه الأمة الخيار وهم من خير العصور بل هم من العصر الأول الذي هو خير العصور). وهذا كذب على مجاهد وغيره ممن أشار إليهم في كلامه هذا، فلم يقل أحد

من الصحابة الذين هم خير العصور ولا التابعين ولا تابعيهم بإحسان ولا أئمة العلم والهدى من بعدهم أن الشمس ثابتة، وأنها تدور حول نفسها كما تدور المروحة السقفية الكهربائية، وأن مستقرها هو محورها الذي تدور عليه، ومن زعم أن أحدا منهم قال بهذا القول الباطل فهو مفتر أثيم. وقد قال الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} قال أبو قلابة: هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة. وقد سبق للصواف أن أورد آيات من القرآن وألحد فيها، حيث تأولها على غير تأويلها، وحملها على ما هو مفتون به من آراء الإفرنج وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة، ومن كان جريئا على الإلحاد في آيات الله وتحريف الكلم عن مواضعه فغير مستبعد منه أن يفتري على مجاهد وغيره من السلف الصالح ويقول عليهم ما لم يقولوه ولا يحتمله كلامهم. الوجه الحادي عشر أن مجاهدًا إنما أراد بالحسبان الفلك الذي تجري فيه الشمس والقمر والنجوم ولم يرد به المحور الذي زعمه الصواف تبعا لأئمته أهل الهيئة الجديدة، فروى ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدًا يقول {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} قال النجوم والشمس والقمر فلك كفلكة المغزل، وقال مثل ذلك الحسبان يعني حسبان الرحى وهو سفودها القائم الذي تدور عليه، وكان مجاهد يفسر قوله تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} بهذا. قال مجاهد: "ولا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا تدور الفلكة إلا بالمغزل، ولا يدور الحسبان إلا بالرحى، ولا تدور الرحى إلى بالحسبان". قال: فكذلك النجوم والشمس والقمر هي في فلك لا يَدُمْنَ إلا به، ولا يدوم

إلا بهن، قال فنقر لي بإصبعه، قال: فقال مجاهد: "يدمن كذلك كما نقر" قال: "فالحسبان والفلك يصيران إلى شيء واحد غير أن الحسبان في الرحى والفلك في المغزل". قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى بعد ما ذكر هذا الأثر عن مجاهد: "قوله: لا تدوم إلا به، أي لا تدور إلا به، ومنه الدُّوامة بالضم والتشديد، وهي فلكة يرميها الصبي بخيط، فتدوم على الأرض أي تدور، ومنه تدويم الطير وهو تحليقه ودورانه في طيرانه ليرتفع إلى السماء، وقوله فنقر بإصبعه يعني نقر بها في الأرض، وأدارها ليشبه بذلك دوران الفلك". انتهى. وروى ابن جرير عن مجاهد {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} قال هو مثل قوله {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ومثل قوله {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}. وقال ابن كثير عند قوله تعالى في سورة الأنبياء {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}: أي يدورون، قال ابن عباس رضي الله عنهما يدورون كما يدور المغزل في الفلكة، قال مجاهد فلا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا الفلكة إلا بالمغزل، كذلك النجوم والشمس والقمر لا يدورون إلا به ولا يدور إلا بهن كما قال تعالى {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. وقال ابن كثير أيضا في تفسير سورة يس: "وقوله تبارك وتعالى {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يعني الليل والنهار والشمس والقمر كلهم يسبحون أي يدورن في فلك السماء، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة وعطاء الخراساني، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد من السلف في فلكة كفلكة المغزل، وقال مجاهد: الفلك كحديد الرحى أو كفلكة المغزل لا يدور المغزل إلا بها ولا تدور إلا به". وقال أبو حيان في تفسيره: "قال مجاهد: الحسبان الفلك المستدير شبهه بحسبان

الرحى، وهو العود المستدير الذي باستدارته تستدير المطحنة". انتهى. ومما ذكرنا يعلم أن البخاري قد اختصر قول مجاهد ولم يورده بتمامه. ويعلم أيضا أن مجاهد إنما أراد بالحسبان الفلك الذي تدور فيه النجوم والشمس والقمر، ولم يرد به المحور الذي توهمه الصواف وأئمته من فلاسفة الإفرنج. وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "فأما قوله تعالى {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} وقوله {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} فقد قيل هو من الحساب وقيل بحسبان كحسبان الرحى وهو دوران الفلك فإن هذا مما لا خلاف فيه، بل قد دل الكتاب والسنة وأجمع علماء الأمة على مثل ما عليه أهل المعرفة من أهل الحساب من أن الأفلاك مستديرة لا مسطحة". انتهى. الوجه الثاني عشر أن القمر قرين الشمس في الحسبان كما أنه قرينها في الجريان والسبح في الفلك والدؤوب في السير والبزوغ والأفول. قال الله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} وقال تعالى {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} وقال تعالى في أربعة مواضع من القرآن: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} وقال تعالى في موضعين {وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وقال تعالى {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} وقال تعالى {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}. وإذا كان القمر قرين الشمس في كتاب الله تعالى فإنه يلزم أن يقال فيه

مثل ما قيل في الشمس، فمن قال أن للشمس محورًا تدور عليه وهي ثابتة في مكانها كما تدور المروحة السقفية على محورها، وأن ذلك المحور هو الحسبان الذي ذكره الله في كتابه، فلازم قوله أن يكون للقمر محور يدور عليه، وهو ثابت في مكانه، كما تدور المروحة السقفية على محورها، وهذا ما لا محيد للصواف عنه، وهو من أبطل الباطل كما أن التفريق بين الشمس والقمر فيما جمع الله بينهما فيه من أبطل الباطل أيضا. والتفريق بينهما هو الذي عليه أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج وأتباعهم من العصريين المفتونين بآرائهم وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة. ومثل هؤلاء الذين يفرقون بين ما جمع الله بينه كمثل اليهود يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. الوجه الثالث عشر أن يقال قد تبين لمن له أدنى علم وفهم أن الصواف قد افترى على مجاهد وعلى العلماء الذين زعم أنهم قالوا إن الشمس ثابتة وأنها تدور حول نفسها، كما تدور المروحة السقفية على محورها، وأن مستقرها هو محورها الذي تدور عليه. وحينئذ فقوله (وهل يجد القارئ الكريم فرقا بين المثل الذي ضربته وهو المروحة حيث تتحرك وهي ثابتة، وبين ما قاله مجاهد ومثَّله بالرحا حيث تتحرك كذلك حول نفسها وهي ثابتة بمكانها). جوابه أن يقال الفرق بينهما واضح جلي، أما مجاهد فإنه شبه الفلك الذي تجري فيه الشمس والقمر والنجوم ويدرن فيه على الأرض بفلكة المغزل وحسبان الرحى؛ لأن كلا من الفلك والفلكة والحسبان يدار عليه، فهذا وجه تشبيه مجاهد وغيره من السلف للفلك بفلكة المغزل وحسبان الرحى.

وأما الصواف فإنه زعم أن الحسبان هو المحور الذي تدور عليه الشمس وهي ثابتة في مكانها كما تتحرك المروحة السقفية على محورها، وهذا القول الذي ذهب إليه الصواف لا أصل له من كتاب ولا سنة، ولا قاله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة العلم من بعدهم، وإنما قاله أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من العصريين المفتونين بآرائهم وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة. ومجاهد رحمه الله تعالى أجل قدرا من أن يقول بهذا القول الباطل المخالف لكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -. الوجه الرابع عشر قد تقدم أن مجاهدًا قال في قوله تعالى {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}: للنجوم والشمس والقمر فلك كفلكة المغزل، وقال: مثل ذلك الحسبان يعني حسبان الرحى، وهو سفودها القائم الذي تدور عليه، قال: ولا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا تدور الفلكة إلا بالمغزل ولا يدور الحسبان إلا بالرحى ولا تدور الرحى إلى بالحسبان، قال: فكذلك النجوم والشمس والقمر هي في فلك لا يدمن إلا به ولا يدوم إلا بهن. وإذا كان مجاهد قد جمع بين الشمس والقمر والنجوم في تفسير الفلك والحسبان ولم يفرق بينها، فإنه يلزم على قول الصواف أن يكون مجاهد يرى أن كلاً من الشمس والقمر والنجوم له محور يدور عليه وهو ثابت في مكانه، كما تدور المروحة السقفية الكهربائية على محورها وهي ثابتة في سقفها، وهذا ما لا محيد للصواف عنه، وحينئذ فلا بد للصواف ومن قال بقوله من أحد أمرين: أحدهما أن يلزموا مجاهدا بهذا القول الباطل الذي لم يقل به أحد من المسلمين فضلا عن مجاهد، وإما أن يرجعوا عما افتروه على مجاهد في تخصيص الشمس بالثبات في مكانها دون القمر والنجوم.

الوجه الخامس عشر أن قول مجاهد في الحسبان والسبح في الفلك متفق. وما جاء في بعض الروايات عنه من ذكر الدوران فالمراد به دوران الشمس والقمر والنجوم على الأرض وهي في فلكها الذي تسبح فيه أي تجري فيه بسرعة كما تقدم إيضاح ذلك. وليس هو بدوران فقط كما تدور المراوح الكهربائية. ويدل على ذلك ما رواه ابن جرير عنه أنه قال في قوله تعالى {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} قال: "هو مثل قوله {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} والسبح هو الجري بسرعة". قال الراغب الأصفهاني: "السبح المرُّ السريع في الماء وفي الهواء يقال سبح سبحا وسباحة، واستعير لمر النجوم في الفلك نحو {وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، ولجري الفرس نحو {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} ولسرعة الذهاب في العمل نحو {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} ". وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: "السباحة تتضمن الجري بسرعة كما ذكر ذلك أهل اللغة". انتهى. وإذا علم هذا فكلام مجاهد صريح في كونه يرى أن الشمس والقمر والنجوم سابحة في الفلك أي جارية فيه بسرعة، وإن الفلك لهن مثل الحسبان للرحى والفلكة للمغزل، يعني أنهن يدرن حول الأرض في فلك مستدير، وفي هذا رد على من تقول عليه وزعم أنه يقول إن الشمس ثابتة ودائرة على نفسها مثل المروحة السقفية الكهربائية، وأما زعم الصواف أن قول مجاهد يخالف بعضه بعضا فهو خطأ مردود. الوجه السادس عشر لو فرضنا أن مجاهدا قال إن الشمس ثابتة، وأنها تدور على نفسها مثل المروحة السقفية الكهربائية، فقوله ليس بحجة وإنما الحجة فيما أخبر الله به من جريان الشمس وسبحها في الفلك ودؤوبها في ذلك وطلوعها وغروبها ودلوكها وتزاورها، وأنه يأتي بها من المشرق فهذا يدل

دلالة واضحة على دوران الشمس على الأرض لا على نفسها، وكذلك ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من جريان الشمس وطلوعها وارتفاعها واستوائها وزوالها ودنوها من الغروب وغروبها وذهابها بعد الغروب إلى مستقرها تحت العرش، وأنها حسبت ليوشع بن نون حين حاصر القرية حتى فتحها الله عليه. وما أشرت إليه ههنا من الآيات المحكمات والأحاديث الصحيحة فهو الحجة، وما خالفها فهو باطل مردود على قائله كائنا من كان. وقد ثبت عن مجاهد أنه قال: "ليس أحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ألا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - "رواه البخاري في جزء رفع اليدين بإسناد صحيح. الوجه السابع عشر أن الصواف قد قرر في صفحة 99 وصفحة 100 أن الشمس تسير في كل برج شهرًا، وأنها تقطع البروج كلها مرة في السنة، وهذا يناقض ما قرره ههنا من كون الشمس ثابتة على محورها ومتحركة حول هذا المحور مثل المروحة السقفية الكهربائية، وما قرره ههنا فهو باطل مردود بالأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة وقد تقدم ذكر بعضها والإشارة إلى الباقي في الوجه السابع. وما قرره في 99 - 100 فهو الحق الثابت بالنصوص الكثيرة من الكتاب والسنة. وقد ذكرت الأدلة على ذلك مستوفاة في أول الصواعق الشديدة فلتراجع هناك .. وأما قوله: "وقال ابن حبان في تفسيره البحر المحيط". فجوابه أن يقال إن مصنف البحر المحيط في التفسير هو أبو حيَّان بالياء المثناة التحتية، لا بالباء الموحدة وهو من أعيان المائة الثامنة من الهجرة، وأما ابن حبان بالباء الموحدة فهو صاحب الصحيح المسمى بالأنواع والتقاسيم، وهو من أعيان المائة الرابعة من الهجرة والقول بأن البحر المحيط من تصنيفه وهم وغلط.

كلام لقطب والرد عليه

فصل ونقل الصواف في صفحة 63 عن قطب أنه قال في تفسيره (في ظلال القرآن) عند قوله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} ما نصه: والشمس تدور حول نفسها وكان المظنون أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها، ولكن عرف أخيرا أنها ليست مستقرة في مكانها إنما هي تجري، تجري فعلا في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل بسرعة حسبها الفلكيون بإثني عشر ميلا في الثانية، والله ربها الخبير بها وبجريانها وبمصيرها يقول أنها تجري لمستقر لها، هذا المستقر الذي ستنتهي إليه لا يعلمه إلا هو سبحانه ولا يعلم موعده سواه، وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف حجم أرضنا هذه، وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء لا يسندها شيء ندرك طرفا من صفة القدرة التي تصرف هذا الوجود عن قوة وعن علم". إلى أن قال عند قوله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}: "وحركة هذه الأجرام في الفضاء الهائل أشبه بحركة السفينة في الخضم الفسيح فهي مع ضخامتها لا تزيد على أن تكون نقطا سابحة في ذلك الفضاء المرهوب، وأن الإنسان ليتضاءل ويتضاءل وهو ينظر إلى هذه الملايين التي لا تحصى من النجوم الدوارة والكواكب السيارة متناثرة في ذلك الفضاء سابحة في ذلك الخضم والفضاء من حولها فسيح فسيح وأحجامها الضخمة تائهة في ذلك الفضاء الفسيح". والجواب أن يقال: أما قوله إن الشمس تدور حول نفسها فهو ما قرره الصواف في صفحة 61 وتقدم رده قريبا في الوجه السابع والثامن والتاسع من الفصل الذي قبل هذا الفصل فليراجع.

وأما قوله: وكان المظنون أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها. فجوابه أن يقال: كل أقوال أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم في الشمس وغيرها من الأجرام العلوية مبناها على التخرصات والظنون الكاذبة وقد قال الله تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}. وأما قوله: ولكن عرف أخيرا أنها ليست مستقرة في مكانها إنما هي تجري، تجري فعلا في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل بسرعة حسبها الفلكيون باثني عشر ميلا في الثانية. فجوابه أن يقال: من أين عرف جريان الشمس على الوجه الذي توهمه الفلكيون من فلاسفة الإفرنج بعقولهم الفاسدة، والوحي قد انقطع عن الأرض بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبق إلى وحي الشياطين إلى أوليائهم من فلاسفة الإفرنج وأتباعهم بالأكاذيب والتخرصات والظنون التي لا حاصل لها في نفس الأمر، فهذا الوحي الشيطاني الكاذب هو الذي يعتمد عليه أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم في الأجرام العلوية. والذي قرره قطب ههنا هو ما نقله الصواف في صفحة 38 عن الفلكيين، أنهم قالوا إن النظام الشمسي ينهب الفضاء نهبا بسرعة لا تقل عن 20 ألف ميل في الساعة أي أكثر من 300 ميل في الدقيقة متجهة نحو برج هركيوليس. وذكر الصواف أيضا في صفحة 42 في الكلام على قول الله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} الآية - أن المجموعة الشمسية وما حولها تتحرك في الفلك، وأن الشمس تجري إلى بعيد فيه وليس إلى قريب. وذكر الصواف أيضا في صفحة 43 عن "سيمون" أن الشمس

والكواكب السيارة وأقمارها تجري في الفضاء نحو برج النسر بسرعة غير معهودة لنا على الأرض. وذكر الصواف أيضا في صفحة 103 أن الشمس تجري بسرعة هائلة تبلغ اثني عشر ميلا في ثانية نحو الجانب الخارجي لمجرته، وتقود كل ما يتبع النظام الشمسي. قلت وقد تقدم رد هذه الأباطيل بما أغنى عن إعادته ههنا فليراجع. وأما قوله والله يقول أنها تجري لمستقر لها، هذا المستقر الذي ستنتهي إليه لا يعلمه إلا هو ولا يعلم موعده سواه. فجوابه أن يقال الظاهر أن مراد قطب بهذا المستقر برج هركيوليس الذي توهمه الفلكيون من فلاسفة الإفرنج بعقولهم الفاسدة؛ لأن كلامه من أوله إلى آخره في تقرير قولهم، ويدل على ذلك قوله في الشمس أنها تجري في اتجاه واحد في الفضاء، وهذا خلاف ما أخبر الله به عنها أنها تسبح في الفلك، والفلك مستدير بالإجماع، وفي هذا رد لما زعموه من كونها تجري في اتجاه واحد. وأيضا فقد روى الإمام أحمد والشيخان عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} قال «مستقرها تحت العرش». وروى الإمام أحمد والشيخان أيضا وأبو داود الطيالسي والترمذي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر رضي الله عنه حين غربت الشمس «تدري أين تذهب؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى

تسجد تحت العرش، فتستأذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}» هذا لفظ البخاري. وفي رواية مسلم قال ثم قرأ في قراءة عبد الله (وذلك مستقر لها). وللترمذي نحوه وقال هذا حديث حسن صحيح. وفي رواية لمسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوما «أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي، ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة، ولا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها». وهذا الحديث الصحيح يدل على أن الشمس تنتهي إلى مستقرها تحت العرش كل ليلة فتسجد حينئذ وتستأذن في الطلوع. وفي هذا الحديث رد على قطب وعلى غيره ممن تأول الآية على غير تأويلها الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما قوله وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف حجم أرضنا هذه. فجوابه أن يقال هذا من الرجم بالغيب والقول بغير علم، وقد استوفيت

اغترار الصواف بكلمة للألوسي والرد عليه

الرد عليه في (الصواعق الشديدة) في المثال الخامس من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة، فليراجع هناك. وأما قوله وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء. فجوابه أن يقال قد ذكر الله في كتابه أن الشمس تسبح في الفلك ولم يقل في الفضاء، فيجب إثبات ما أثبته الله ورد ما سوى ذلك من الأقوال التي لا مستند لها سوى التخرصات والظنون الكاذبة. وأما قوله وحركة هذه الأجرام في الفضاء الهائل أشبه بحركة السفينة في الخضم الفسيح إلى آخر كلامه. فجوابه أن يقال قد أخبر الله تعالى أنه جعل الكواكب زينة للسماء الدنيا فقال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} وقال تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} وقال تعالى {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} وقال تعالى {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} وقال تعالى {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} وقال تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} والبروج هي الكواكب العظام قاله مجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح والحسن وقتادة. وفي هذه الآيات رد على قطب وعلى غيره ممن زعم أن الكواكب متناثرة في الفضاء وسابحة فيه. فصل وقال الصواف في صفحة 64 ما نصه قال الألوسي رحمه الله في كتابه (ما دل عليه القرآن) صفحة 118 (والذي

قاله المتأخرون من الفلاسفة أهل الفن الجديد المتشرعين - وانظروا إلى قوله المتشرعين - إن هذا الجرم العظيم - الشمس - مركز للسيارات) إلى آخر ما نقله الصواف من كلام الألوسي في أول صفحة 67. والجواب أن يقال أما كلام الألوسي فقد استوفيت الرد عليه في الصواعق الشديدة فليراجع هناك. وأما قول الصواف: وانظروا إلى قوله المتشرعين. فجوابه من وجوه أحدها أن يقال: وأي فائدة للقراء في النظر في كلمة الألوسي؟ وهل ظننت أيها الصواف أن الألوسي قد أورد نصًا من كتاب الله تعالى، أو مما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يجوز لأحد أن يعارض ذلك أو يعدل عنه؟ وهل ظننت أيها الصواف أيضا أن المتشرعين الذين أشار إليهم الألوسي هم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان حتى تطلب من القراء أن ينظروا في كلمة الألوسي؟ الوجه الثاني أن يقال قد نظرنا في كتاب الألوسي الذي سماه (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة) ونظرنا في قوله المتشرعين فوجدناه قد صرح في عدة مواضع من كتابه المشار إليه بأنهم من فلاسفة الإفرنج وليسوا من المسلمين. فقال في صفحة 23 إن المتأخرين ممن انتظم في سلك الفلاسفة كهرشل الحكيم وأتباعه أصحاب الرصد والزيج الجديد تخيلوا خلاف ما ذهب إليه الأولون في أمر الهيئة، وقالوا بأن الشمس مركز، والأرض وكذا النجوم دائرة حولها. قلت: وهرشل من الإنجليز وقد ولد في سنة 1738 ميلادية، ومات في

سنة 1822 ميلادية، وقوله وقول أتباعه في الشمس أنها مركز وأن الأرض والنجوم دائرة حولها هو الذي ذكره الألوسي في صفحة 118، وقد ذكرهم الألوسي أيضا في صفحة 33 - 46 - 59 - 95 - وأشار إليهم في مواضع كثيرة سوى هذه المواضع. وسمى منهم هرشل في صفحة 23 - 34 - 45 وسمى منهم أيضا في صفحة 33 - 34 أو لبوس وهاردنق وبياظي، وقد ذكر محمد فريد وجدي في دائرة المعارف منهم كوبرنيك البولوني وتيخربراهي الدانماركي وكبلر وغاليليه ونيوتن الإنجليزي وهرشل الإنجليزي ومنهم أيضا داروين الإنجليزي، فهؤلاء الفلاسفة كلهم من الإفرنج وهم أهل الفن الجديد أي أهل الهيئة الجديدة وأقوالهم هي التي أودعها الألوسي في كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة) وعلى هذا فوصف الألوسي لهم بالمتشرعين معناه المنتسبين إلى شريعة الإنجيل. وقد نسخت الشرائع كلها بالشريعة المحمدية فلا يجوز لأحد بعد بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يتمسك بشريعة غير شريعته ولا أن ينتسب إلى غيرها من الشرائع، ومن انتسب إلى غير الشريعة المحمدية فليس بمتشرع وأن قيل فيه ذلك، وعلى هذا فوصف الألوسي لأهل الهيئة الجديدة بأنهم متشرعون لا معنى له ولا حاصل تحته. الوجه الثالث أن الظاهر من كلام الصواف أنه يرى أن الفلاسفة من المسلمين، وهذا غلط، فإنه ليس للإسلام فلاسفة، قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى ليس الفلاسفة من المسلمين، ونقل عن بعض أعيان القضاة في زمانه أنه قيل له ابن سينا من فلاسفة الإسلام، فقال ليس للإسلام فلاسفة، وسيأتي الكلام في الفلاسفة وشدة ضررهم على الإسلام قريبا عند ذكر نصير الشرك الطوسي إن شاء الله تعالى.

خرافات لفلاسفة الإفرنج واندفاع الصواف في تصديقهم والترحم عليهم والرد عليه

فصل وقال الصواف في صفحة 67 ما نصه أكتفي بهذا المقدار من النقل ولا أريد أن أسترسل إلا أني أود أذكر كيف أن العلماء تكلموا في الشمس والقمر، وتكلموا في النجوم الثوابت والسيارات، وقدروا الأبعاد بين الأرض والشمس، وقدروا مقدار ضخامة الشمس عن الأرض، وأن الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة وثمانية وعشرين مرة، وأن الشمس تبعد عن الأرض بأربعة وثلاثين مليون فرسخ فرنس، وقاسوا بعد القمر عنها وبينوا البعد الأبعد والبعد الأقرب. والخلاصة أنهم لم يتركوا بابا إلا طرقوه وسواء كانوا مخطئين في تقديراتهم أم مصيبين فإنهم اجتهدوا في علوم الكون وتكلموا فيها على حسب ما وصل إليه علمهم. كل شيء، حياتهم وأموالهم وجهدهم وعلمهم وجهادهم وسهرهم وعرقهم في سبيل الوصول إلى الحقائق العلمية التي تدعوا إلى الإيمان بالله العظيم الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، والذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن تبارك ربنا وتعالى وله الحمد على ما أنعم وتفضل، ورحم الله علماءنا الأعلام وجزاهم عما قدموا خير ما يجزي عاملا عن عمله. والجواب أن يقال أن الذين تكلموا في الشمس والقمر والنجوم الثوابت والسيارات، وقدروا ضخامة الشمس وبعدها عن الأرض وبعد القمر عنها، هم أهل الهيئة الجديدة وليسوا من علماء المسلمين وإنما هم من فلاسفة الإفرنج كما تقدم إيضاحه في عدة مواضع، ووصفهم بأنهم علماء خلاف الصواب وهو من قلب الحقيقة، والصواب أن يقال أنهم أهل الجهل والتخرص وأتباع الظنون

الكاذبة فهذا هو اللائق بهم والمطابق لحالهم على الحقيقة، وقد استوفيت الرد على ما تكلموا به في الشمس والقمر والنجوم في مواضع كثيرة من الصواعق الشديدة فليراجع هناك. فأما زعمهم أن الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة وثمانية وعشرين ألف مرة. فالرد عليه في المثال الخامس من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة. وأما زعمهم أن الشمس تبعد عن الأرض بأربعة وثلاثين مليون فرسخ فرنسي فالرد عليه في المثال السابع. وأما قياسهم لبعد القمر عن الأرض فالرد عليه في المثال التاسع. وأما تخرصهم في النجوم الثوابت فالرد عليه في المثال الحادي عشر والأمثلة الثلاثة بعده. وأما قوله والخلاصة أنهم لم يتركوا بابا إلا طرقوه. فجوابه أن يقال أن أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم لم يطرقوا الأبواب بالعلم الصحيح المأخوذ من كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة العلم والهدى من بعدهم؛ وإنما طرقوها بالتخرصات والظنون الكاذبة كما لا يخفى على من له أدنى علم وفهم. وقد قال الله تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} وقال تعالى {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى}، وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}، وقال تعالى {وَإِنْ

تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. وأما قوله وسواء كانوا مخطئين في تقديراتهم أم مصيبين فإنهم اجتهدوا في علوم الكون وتكلموا فيها على حسب ما وصل إليه علمهم. فجوابه أن يقال من عجيب أمر الصواف اندفاعه خلف أعداء الله من فلاسفة الافرنج وقبوله لظنونهم وتخرصاتهم سواء كانوا مخطئين في تقديراتهم - أي ظنونهم وتخرصاتهم - أم مصيبين، وهذا من أقبح الجهل والتقليد. نعوذ بالله من عمي البصيرة. وقد قال الله تعالى {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. وأما قوله فإنهم اجتهدوا في علوم الكون وتكلموا فيها على حسب ما وصل إليه علمهم. فجوابه أن يقال: أن اجتهاد أهل الهيئة الجديدة في علوم الكون كله جهل وضلال مثل اجتهاد أسلافهم من النصارى في تقرير دياناتهم، وما يعتقدونه في المسيح وأمه، ومثل اجتهاد أهل البدع في تقرير مذاهبهم الباطلة، وكل من حاد عن الصراط المستقيم فلا عبرة به ولا باجتهاده. وأما قوله وما صنعوا ذلك إلا بوحي من دينهم. فجوابه أن يقال: بل إنما صنعوا ذلك بوحي من شياطينهم الذين أضلوهم وأضلوا على أيديهم وأيدي أتباعهم بشرا كثيرا. وقد قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ

الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ}، وقال تعالى {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}. وأما قوله (وأملا في خدمة هذا الدين الذي وهبوه كل شيء، حياتهم وأموالهم وجهدهم وعملهم وجهادهم وسهرهم وعرقهم في سبيل الوصول إلى الحقائق العلمية التي تدعو إلى الإيمان بالله العظيم). فجوابه أن يقال: أن الصواف قد اغتر بأهل الهيئة الجديدة غاية الاغترار، وأحسن الظن بهم غاية الإحسان حيث زعم أنهم ممن يدين بدين الإسلام كما هو ظاهر كلامه ههنا، وكما صرح بذلك في صفحة 44 حيث قال أنهم مسلمون عرف أكثرهم بالتقوى والصلاح. وهذا خطأ كبير وغلط فاحش، فإن أهل الهيئة الجديدة كلهم من فلاسفة الإفرنج، وقد ذكرت جملة منهم في الفصل الذي قبل هذا الفصل. وطوائف الإفرنج كلهم ينتسبون إلى النصرانية، والنصارى ضالون مضلون كما أخبر الله عنهم بذلك في قوله {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}. وفي فاتحة الكتاب التي قد أمر المسلمون بقراءتها في كل ركعة من صلواتهم {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}. والمغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي والترمذي وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إن المغضوب عليهم اليهود وأن الضالين النصارى» قال الترمذي حسن غريب.

وروى ابن مردويه عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المغضوب عليهم قال «اليهود» قلت الضالين قال «النصارى». وإذا علم هذا فمن أقبح الجهل أن لا يميز الرجل بين المسلمين والنصارى. وأقبح من ذلك أن يجعل بعض النصارى من جملة المسلمين، وأقبح من ذلك أن يزكيهم، ويشهد لهم بالتقوى والصلاح، ولقد أحسن الشاعر حيث يقول: يقضي على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن وأما زعمه أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج لهم أمل في خدمة دين الإسلام فهو زعم كاذب لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل؛ بل إن أعداء الله حريصون كل الحرص على إضلال المسلمين وصدهم عن دينهم كما أخبر الله عنهم بذلك في قوله {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} وقال تعالى {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً}، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}. وأما زعمه أنهم وهبوا الدين كل شئ فهو من نمط ما قبله من التهور في الكلام وعدم التثبت فيه، وكذلك زعمه أنهم بذلوا كل شيء في سبيل الوصول إلى الحقائق العلمية التي تدعو إلى الإيمان بالله العظيم. والجواب أن يقال: أن أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم لم يصلوا في كلامهم في السماء والأرض والشمس والقمر وغيرهما من الأجرام العلوية إلى شيء من

الحقائق العلمية التي تدعو إلى الإيمان بالله العظيم، وإنما وصلوا إلى التخرصات والظنون التي لا تغني من الحق شيئا؛ بل أنها تدعو إلى الضلال والكفر بما أنزل الله على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -. وقد ذكرت في الصواعق الشديدة تسعة عشر مثالا على بطلان ما يهذون به من التخرصات والظنون الكاذبة فلتراجع هناك. وأما قوله: ورحم الله علماءنا الأعلام وجزاهم عما قدموا خير ما يجزي عاملا عن عمله. فجوابه أن يقال: وهل تدري أيها الصواف بالذين تعدهم من علمائك الأعلام وتترحم عليهم وتسأل الله أن يجزيهم خير ما يجزي عاملا عن عمله. إنهم أعداء الله من فلاسفة الإفرنج, وأولهم كبرنيك البولوني ثم أتباعه من الإفرنج. ومن أعيانهم تيخوبراهي الدانماركي وكبلر وغاليليه ونيوتن الإنجليزي وهرشل الإنجليزي وداروين الإنجليزي وأولبوس وهاردنق وبياظي وستروف, فهؤلاء كلهم من الإفرنج وهم أساطين الهيئة الجديدة, وأقوالهم هي التي أودعها الألوسي في كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن مما يعد الهيئة الجديدة). وهي التي يعتمد عليها الصواف في كتابه الذي افترى فيه على المسلمين حيث نسب ما فيه من الجهالات والضلالات إلى علومهم. والمسلمون بريئون من كل ما يخالف كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع المسلمين. فصل وقال الصواف في صفحة 68 ما ملخصه: هل تعلم أيها القارئ الكريم أن العالم المسلم عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري يكاد يكون أول من ألف

تمجيده لنصير الشرك الطوسي والرد عليه

في علم النجوم والأنواء. وله كتاب الأنواء الذي تكلم فيه عن النجوم وكيفية استدلال العرب بها والماهر في هذا العلم من قبائلهم ورجالهم. والجواب أن يقال إن في ذكر الصواف لابن قتيبة في هذا الموضع إيهاما لمن لا علم عندهم بأنه كان يقول بما يقول به أهل الهيئة الجديدة من ثبات الشمس ودوران الأرض حولها وغير ذلك من تخرصاتهم في الشمس والقمر والنجوم. وليس الأمر كذلك فإن ابن قتيبة لم يكن يقول بشيء مما يقول به أهل الهيئة الجديدة وإنما ألف فيما هو معروف عند العرب من منازل الشمس والقمر والاستدلال بها وبغيرها من النجوم على جهة القبلة وغيرها من الجهات التي يقصدها المسافرون في البر والبحر. والاستدلال بالنجوم على جهة القبلة وغيرها من الجهات جائز لقول الله تعالى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} وقوله تعالى {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}. فصل وقال الصواف في صفحة 68, 69 ما ملخصه: وهل تعلم أن من علماء الهيئة المسلمين الذين رصدوا وألفوا وسهروا الليالي الطوال في مناجاة النجوم ورصد حركاتها وسكناتها والناس نيام والعالم في غفوة وغفلة الشيخ أبو جعفر نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي الفيلسوف العالم بالأرصاد والرياضيات والعلوم العقلية, وكان يراقب النجوم والقمر ويرصد حركاتها بمرصد مراغة في مصر وبعد السنين الطوال طلع على الناس بكتبه الفذة في علم الفلك وصح فيها ما أخطأ فيه علماء اليونان وما انحرف فيه بطليموس من أراء لا تنطبق مع العلم الصحيح. ولو أردنا أن نزيد لأتينا بالشيء الكثير الغزير من فعل سلفنا

الصالح رحمهم الله ورضي الله عنهم وأرضاهم وحشرنا وإياهم من المتقين الأبرار. والجواب أن يقال: أما مناجاة النجوم فمعناها المخاطبة لها في السر وذلك شرك كما سيأتي بيانه. قال الجوهري: النجو السر بين اثنين, يقال: نجوته نجوًا إذا ساررته. وكذلك ناجيته وانتجى القوم وتناجوا, أي: تساروا. وقال ابن الأثير وابن منظور في لسان العرب: المناجي المخاطب للإنسان والمحدث له. قال ابن الأثير يقال: ناجاه يناجيه مناجاة فهو مناجٍ والنجي فعيل منه. انتهى. وقد روى مالك في الموطأ عن أبي حازم التمار عن البياض أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال «أن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن». وروى أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه, وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي في تلخيصه. وقال ابن عبد البر: حديثا البياض وأبي سعيد ثابتان صحيحان. وفي المسند من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو ذلك أيضا. وإذا علم هذا فلا يناجي النجوم إلا من يعتقد فيها الإلهية وأنها تدبر أمر العالم وتسمع دعاء من يدعوها ويناجيها. وهذا المعتقد الخبيث موروث عن عباد الشمس والقمر والنجوم من فلاسفة اليونان وأتباعهم من المتقدمين

والمتأخرين. ولهم كتب في مخاطبة الشمس والقمر والنجوم ومناجاتها ودعائها والالتجاء إليها لقضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفان. وقد صنف بعض الأعيان في المائة السادسة من الهجرة كتابا سماه (السر المكتوم في السحر ومخاطبة الشمس والقمر والنجوم). قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: (وهذه ردة صريحة). وقال في موضع آخر: (هذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين وإن كان قد يكون عاد إلى الإسلام). انتهى. وقد أراد الصواف أن يبالغ في الثناء على نصير الشرك الطوسي بما وصفه به من سهر الليالي الطوال في مناجاة النجوم فانعكس الأمر عليه وكان مدحه له ذما من أبلغ الذم حيث حكم عليه بالكفر وألحقه بعباد النجوم من فلاسفة اليونان وأتباعهم وهو لا يشعر. وقد قيل في المثل السائر: (عدو عاقل خير من صديق أحمق). وأما قوله: (ورصد حركاتها وسكناتها). فجوابه أن يقال: إن النجوم ليست جامعة بين الحركة والسكون كما قد توهمه الصواف وإنما هي دائبة في الحركة والجريان إلى يوم القيامة سوى القطبين فإنهما لا يفارقان موضعيهما, ولا يخلو الصواف في قوله هذا من أحد أمرين؛ إما أن يقول إن النجوم قد جمعت بين الحركة والسكون في آن واحد, وإما أن يقول إنها تتحرك في وقت وتسكن في وقت آخر. فإن قال بالأول فقد جمع بين النقيضين ولا يقول بذلك من له أدنى مسكة من عقل. وإن قال بالثاني فقد كابر المحسوس المشاهد من جريان النجوم على الدوام مع مخالفته

للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى مع الكلام على ما نقله الصواف من تفسير طنطاوي جوهري فلتراجع هناك. وأما قوله والعالم في غفوة وغفلة. فهو من تهوره في الكلام وعدم تثبته فيه حيث جعل العالم كله في غفوة وغفلة. وجعل نصير الشرك الطوسي هو المتيقظ المتنبه وحده, لأنه كان يسهر الليالي الطوال في مناجاة النجوم. والأمر في الحقيقة بعكس ما زعمه الصواف؛ فأهل طاعة الله تعالى هم أهل التيقظ والنباهة من كانوا وأين كانوا. وأهل الكفر والشرك وأعوانهم مثل: نصير الشرك الطوسي وأشباهه من الملاحدة المحادين لله ولرسوله هم أهل الغفوة والغفلة عن الله والدار الآخرة. وأما قوله نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي الفيلسوف. فجوابه أن يقال: فهو غير مطابق له وإنما المطابق تلقيبه بنصير الشرك كما يشهد به الواقع مما ذكره المؤرخون في وقعة بغداد المشهورة في سنة ست وخمسين وستمائة. فقد قيل إن القتلى بلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف. وقيل ألفي ألف. وقيل غير ذلك. وهذه الملحمة العظيمة لم يجرِ على أهل الإسلام مثلها لا قبلُ ولا بعدُ. وكان ذلك بإشارة عدوي الإسلام نصير الشرك الطوسي الفيلسوف الملحد الباطني الإسماعيلي وزير هولاكو والوزير ابن العلقمي الرافضي وكيدهما للإسلام وأهله. عاملهما الله بعدله.

وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الكافية الشافية: وكذا أتى الطوسي بالحرب الصريـ ... ـح بصارم منه وسل سنان وأتى إلى الإسلام يهدم أصله ... من أسه وقواعد البنيان عمر المدارس للفلاسفة الأولى ... كفروا بدين الله والقرآن وأتى إلى أوقاف أهل الدين ينـ ... ـقلها إليهم فعل ذي أضغان وأراد تحويل الإشارات التي ... هي لابن سينا موضع الفرقان وأراد تحويل الشريعة بالنوا ... ميس التي كانت لدى اليونان لكنه علم اللعين بأن هـ ... ذا ليس في المقدور والإمكان إلا إذا قتل الخليفة والقضا ... ة وسائر الفقهاء في البلدان فعسى لذاك وساعد المقدور بالـ بالـ ... أمر الذي هو حكمة الرحمن فأشار أن يضع التتار سيوفهم ... في عسكر الإيمان والقرآن لكنهم يبقون أهل صنائع الـ ... دنيا لأجل مصالح الأبدان فغدا على سيف التتار الألف في ... مثل لها مضروبة بوزان وكذا ثمان مئينها في ألفها ... مضروبة بالعد والحسبان حتى بكى الإسلام أعده اليهو ... د وكذا المجوس وعابدو الصلبان فشفى اللعين النفس من حزب الرسو ... ل وعسكر الإيمان والقرآن وقال ابن القيم أيضا: وكذلك الطوسي لما أن غدا ... ذا قدرة لم يخشَ من سلطان قتل الخليفة والقضاة وحاملي الـ ... قرآن والفقهاء في البلدان إذ هم مشبهة مجسمة وما ... دانوا بدين أكابر اليونان

قول بعض العماء أن الفلاسفة ليسوا من المسلمين وأنه ليس للإسلام فلاسفة وذكر حكاية عجيبة في ذلك

وقال أيضا: وكذا نصير الشرك في أتباعه ... أعداء رسل الله والإيمان نصروا الضلالة من سفاهة رأيهم ... وغزوا جيوش الدين والقرآن فجرى على الإسلام منهم محنة ... لم تجر قط بسالف الأزمان فانظروا أيها المسلمون إلى شدة عداوة الفلاسفة والرافضة للإسلام وأهله وخبث طويتهم وكيدهم للمسلمين وطلبهم الغوائل لهم والشرور حتى أوقعوا بهم هذا الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ في الإسلام أشنع ولا أبشع منه. فهذا دليل على أن انتسابهم إلى الإسلام كذب محض ومكر وخديعة ليفعلوا بالإسلام مثل ما فعله بولص بالنصرانية. ولهذا قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى ليس الفلاسفة من المسلمين. ونقل عن بعض أعيان القضاة في زمانه أنه قيل له. ابن سينا من فلاسفة الإسلام فقال ليس للإسلام فلاسفة. قلت وفي هذا حكاية عجيبة ذكرها ياقوت الحموي في كتابه معجم الأدباء في ترجمة أحمد بن الحسين بن مهران المقري أبي بكر النيسابوري قال ياقوت: كان مجاب الدعوة مات في السابع والعشرين من شوال سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وتوفي في ذلك اليوم أبو الحسن العامري صاحب الفلسفة. قال الحاكم فحدثني عمر بن أحمد الزاهد قال سمعت الثقة من أصحابنا يذكر أنه رأى أبا بكر بن الحسين بن مهران في المنام في الليلة التي دفن فيها قال: فقلت أيها الأستاذ ما فعل الله بك فقال: إن الله عز وجل أقام أبا الحسن العامري بحذائي وقال: هذا فداؤك من النار. ثم ذكر الحاكم بإسناد رفعه إلى أبي موسى الأشعري

نموذج من أباطيل الفلاسفة وأقوالهم الخبيثة

رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا كان يوم القيامة أعطى الله كل رجل من هذه الأمة رجلا من الكفار فيقول: هذا فداؤك من النار» وهذا الخبر إذا قرن بالرؤيا صار من براهين الشرع. انتهى. وقد ذكر ابن كثير هذه الحكاية في البداية والنهاية مختصرة. وحديث أبي موسى رضي الله عنه الذي ذكره الحاكم قد رواه الإمام أحمد ومسلم من حديث أبي أسامة عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا كان يوم القيامة دفع إلى كل مؤمن رجل من أهل الملل فيقال له: هذا فداؤك من النار» هذا لفظ أحمد. ولفظ مسلم «إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول: هذا فكاكك من النار» ورواه الإمام أحمد أيضا من طريق أخرى بنحو رواية مسلم. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: الفلاسفة اسم جنس لمن يحب الحكمة ويؤثرها وقد صار هذا الاسم في عرف كثير من الناس مختصا بمن خرج عن ديانات الأنبياء ولم يذهب إلا إلى ما يقتضيه العقل في زعمه. وأخص من ذلك أنه في عرف المتأخرين اسم لأتباع أرسطو وهم المشاؤن خاصة وهم الذين هذب ابن سينا طريقتهم وبسطها وقررها وهي التي يعرفها بل لا يعرف سواها المتأخرون من المتكلمين. انتهى. ومن أقوال الفلاسفة التي ذكرها شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى في مواضع من كتبه: أن النبوة مكتسبة وأنها فيض يفيض على روح النبي إذا استعدت نفسه لذلك فمن راض نفسه حتى استعدت فاض ذلك عليه. والنبي عندهم من جنس غيرهم من الأذكياء الزهاد لكنه قد يكون

أفضل. والملائكة عندهم هي ما يتخيل في نفسه من الخيالات النورانية. وكلام الله هو ما يسمع في نفسه من الأصوات بمنزلة ما يراه النائم في منامه. ويجوزون على الأنبياء الكذب في خطاب الجمهور للمصلحة. والفيلسوف عند بعضهم أعظم من النبي. وعند بعضهم أن الرسالة إنما هي للعامة دون الخاصة. والعبادات كلها عندهم مقصودها تهذيب الأخلاق. والشريعة عندهم سياسة مدنية. إلى غير ذلك من كفريات الفلاسفة وأقوالهم الباطلة. وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الكافية الشافية لكن حقيقة قولهم أن قد أتوا ... بالكذب عند مصالح الإنسان والفيلسوف وذا الرسول لديهم ... متفاوتان وما هما عدلان أما الرسول ففيلسوف عوامهم ... والفيلسوف نبي ذي البرهان والحق عندهم ففيما قاله ... أتباع صاحب منطق اليونان ومضى على هذي المقالة أمة ... خلف ابن سينا فاغتذوا بلبان منهم نصير الكفر في أصحابه ... الناصرين لملة الشيطان فاسأل بهم ذا خبرة تلقاهم ... أعداء كل موحد رباني واسأل بهم ذا خبرة تلقاهم ... أعداء رسل الله والقرآن وقد تعلق بأذيالهم كثير من منافقي هذه الأمة من المتقدمين والمتأخرين إلى زماننا ووردوا مواردهم الخبيثة, فمستقل منها ومستكثر. وكثير منهم أضر على الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين. وقد ذكر شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى في رده على الرافضي مما قيل فيهم.

ما بين الفلاسفة والملاحدة الباطنية من التناسب والتقارب

الدين يشكو بليه ... من فرقة فلسفيه لا يشهدون صلاة ... إلا لأجل التقيه ولا ترى الشرع إلا ... سياسة مدنيه ويؤثرون عليه ... مناهجا فلسفيه قلت وقد ذكر لنا عن بعض أتباعهم في زماننا أنهم لا يصلون إلا للرياضة أو للتقية. وأنهم ينكرون وجود الملائكة وتنزلهم بأمر الله وتدبيرهم للأمور بإذنه. وبعضهم ينكرون كونهم يعقلون وإنما هم عندهم بمنزلة الجمادات والنباتات وينكرون أيضا وجود الجن وصرعهم لبني آدم ويسمون الصرع الأمراض العصبية. إلى غير ذلك مما دخل عليهم من سموم الفلاسفة وجراثيم أمراضهم المهلكة. وليعلم أن بين الفلاسفة والملاحدة الباطنية تناسبا وتقاربا واتفاقا في بعض الأمور. وقد ذكر بعض العلماء عن ابن سينا أنه قال كان أبي وأخي من أهل دعوة الحاكم - يعني العبيدي. وكان نصير الشرك الطوسي وزيرا لأصحاب قلاع الالموت من الإسماعيلية وكانوا ينتسبون إلى نزار بن المستنصر العبيدي. ثم وزر لهولاكو. وقد شرح الإشارات لابن سينا. ذكر ذلك شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى وغيره من أكابر العلماء. وذكر شيخ الإسلام أيضا في رده على الرافضي عن نصير الشرك الطوسي أنه كان ممن يقول أن الله موجب بالذات لا مختار ويقول بقدم العالم. قال وهذا الرجل قد اشتهر عند الخاص والعام أنه كان وزيرا لملاحدة الباطنية

الإسماعيلية بالألموت ثم لما قدم التتر المشركون هولاكو أشار عليه بقتل الخليفة وبقتل أهل العلم والدين واستبقاء أهل الصناعات والتجارات الذين ينفعونه في الدنيا وأنه استولى على الوقف الذي للمسلمين وكان يعطي منه ما شاء الله لعلماء المشركين وشيوخهم من النخشية السحرة وأمثالهم وأنه لما بنى المرصد الذي بمراغة على طريقة الصابئة المشركين كان أخس الناس نصيبا منه من كان إلى أهل الملل أقرب وأوفرهم نصيبا من كان أبعدهم عن الملل مثل الصابئة المشركين ومثل المعطلة وسائر المشركين. ومن المشهور عنه وعن أتباعه الاستهتار بواجبات الإسلام ومحرماته ولا يحافظون على الفرائض كالصلاة ولا ينزعون عن محارم الله من الخمر والفواحش وغير ذلك من المنكرات حتى أنهم في شهر رمضان يذكر عنهم من إضاعة الصلاة وارتكاب الفواحش وفعل ما يعرفه أهل الخبرة بهم. ولم يكن لهم قوة وظهور إلا مع المشركين الذين دينهم شر من دين اليهود والنصارى إلى أن قال: وبالجملة فأمر هذا الطوسي وأتباعه في المسلمين أشهر وأعرف من أن يوصف. انتهى. ومع ما ذكره شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية والعلامة ابن القيم رحمهما الله تعالى عن نصير الشرك الطوسي من الأفعال الشنيعة والأقوال الباطلة الوضيعة فقد خالفهما الصواف وصار معهما في طرفي نقيض حيث بالغ في الثناء على نصير الشرك ووصفه بما لا يستحقه وجعله من سلفه الصالح وفي هذا أوضح دليل على كثافة جهله وعدم تمييزه بين الطيب والخبيث. وقد ذكر الشيخ عبد القاهر بن طاهر البغدادي في كتابه (الفرق بين الفرق) عن عبيد الله بن الحسين القيرواني جد العبيديين أنه قال في رسالته

إلى سليمان بن الحسن بن سعيد الجنابي القرمطي إذا ظفرت بالفلسفي فاحتفظ به فعلى الفلاسفة معولنا وأنا وإياهم مجمعون على رد نواميس الأنبياء وعلى القول بقدم العالم لولا ما يخالفنا فيه بعضهم من أن للعالم مديرا لا نعرفه. وذكر شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى في رده على الرافضي نحو ذلك أيضا نقله عن القاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني. ورسالة عبيد الله إلى القرمطي تسمى عندهم بالبلاغ الأكبر والناموس الأعظم أوصاه فيها بالدعاء إلى مذهبهم الخبيث وأمره بالاحتفاظ بإخوانهم الفلاسفة وهذا مما يدعو كل مسلم إلى زيادة البغض للفلاسفة ومقتهم والبعد عنهم. ولكن الأمر قد انعكس في زماننا فصار الانتساب إلى الفلسفة مألوفا عند كثير من المسلمين بل عند كثير من المنتسبين إلى العلم فإذا بالغوا في مدح العالم والثناء عليه قالوا: (هو فيلسوف). وكذلك الكلام المشتمل على الحكم يسمونه فلسفة ويجعلون الوصف بذلك تعظيما له وثناء عليه. وهو في الحقيقة تهجين له وعيب وذم, لأنه ليس للإسلام فلاسفة وليس الفلاسفة من المسلمين. وأقل ما يقال في ذلك أنه خلاف عرف المسلمين ولغتهم وعدول عن ذلك إلى عرف اليونان ولغتهم وذلك نوع من التشبه بهم. وفي الحديث الصحيح «من تشبه بقوم فهو منهم» رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وصححه ابن حبان وقال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية: إسناده جيد. وقال الحافظ العراقي: إسناده صحيح. وقال ابن حجر العسقلاني: إسناده حسن. وقد احتج به الإمام أحمد رحمه الله تعالى وذلك يقتضي صحته عنده. قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى وهذا الحديث

أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم وأن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}. انتهى. وقد قال الله تعالى {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} وقال تعالى {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} وقال تعالى {فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} وقال تعالى {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} وقال تعالى {وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ}. فسماها الله تعالى حكمة ولم يسمها فلسفة. وكذلك سمى أهلها علماء وأئمة وربانيين وأحبارا ولم يسمهم فلاسفة. قال تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وقال تعالى {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} وقال تعالى {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} وقال تعالى {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}. وفي الصحيحين وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها». فسماها حكمة ولم يسمها فلسفة. وروى أبو نعيم وغيره عن سويد بن الحارث رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثنى على وفد الأزد ووصفهم بأنهم حكماء علماء ولم يقل إنهم فلاسفة. وفي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم

ذكر المعلم الأول والمعلم الثاني من الفلاسفة وما خلفاه لاتباعهم

فمن أخذه أخذ بحظ وافر» رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والبيهقي. وإذا كان العلماء ورثة الأنبياء فالفلاسفة ورثة اليونان وكان معلمهم الأول أرسطو وزيرا للإسكندر بن فليبس المقدوني ملك اليونان وكان هو والملك وأصحابهما مشركين يعبدون الكواكب والأصنام ويعانون السحر. فهذا ميراثهم الذي خلفوه لأتباعهم مع ما تقدم ذكره عنهم قريبا وما لم يذكر فهو أكثر. وأما معلمهم الثاني أبو نصر الفارابي التركي فقد خلف لهم من الميراث أنواع الألحان والمعازف. وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الكافية الشافية: أنى يقاوم ذي العساكر طمطم ... أو تنكلوشا أو أخو اليونان أعني أرسطو عابد الأوثان أو ... ذاك الكفور معلم الألحان ذاك المعلم أولا للحرف والثا ... ني لصوت بئست العلمان هذا أساس الفسق والحرف الذي ... وضعوا أساس الكفر والهذيان إذا عرف هذا فما أسفه رأي من رغب عن الأسماء التي اختارها الله لهذه الأمة واختارها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت هي المعروفة عنده وعند أصحابه والتابعين لهم بإحسان. وعدل إلى أسماء أجنبية عن الإسلام وأهل الإسلام ولغتهم وعرفهم. وقد قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى في رده على زنادقة البحرين لما خاطبوا رشيد رضا باسم الفيلسوف ثم لو سلمنا أن الفيلسوف على عرف الفلاسفة وأتباعهم من أهل الكلام

هو محب الحكمة وأنه يمدح ويثنى به على العالم المصلح المرشد للعباد لم يكن هذا من عرف أهل الإسلام ولا من لغتهم ولا يمدح به أحد من علماء الإسلام, لأنه قد كان من المعلوم أنه لم يكن يسمى به أحد من علماء الصحابة ولا علماء التابعين ولا من بعدهم من الأئمة المهتدين والعلماء المصلحين المرشدين ولا أكابر علماء أهل الحديث المجتهدين بل كان هذا الاسم في عرف أهل الإسلام لا يسمى به إلا من كان من علماء الفلاسفة ومن نحا نحوهم من زنادقة هذه الأمة فكان في الحقيقة إن هذا مما يعاب ويذم به من يسمى بذلك لا مما يمدح ويثنى به عليه. ولو أراد هؤلاء المتنطعون المتعمقون أن ينقلوا هذا عن أحد من أهل العلم أو يذكروه في شيء من دواوين أهل الإسلام لم يجدوا إلى ذلك سبيلا البتة. اللهم إلا ما يذكر عن أشباه هؤلاء الهمج الرعاع أتباع كل ناعق. الذين لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق من الفهم. إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. ومما ذكرنا يعلم أن اسم الفيلسوف ليس بمدح وإنما هو ذم على الحقيقة وإن هذا الاسم هو اللائق بنصير الشرك الطوسي وأشباهه من ورثة اليونان. ولا ينبغي أن يسمي به أحد من علماء المسلمين. وأما قوله وكان يراقب النجوم والقمر ويرصد حركاتها بمرصد مراغة في مصر. فجوابه أن يقال إن نصير الشرك الطوسي إنما بنى المرصد بمدينة مراغة المعروفة بأذربيجان. قال محمد فريد وجدي في دائرة المعارف ولما نبغ نصير الدين الطوسي بنى مرصدا في المراغة بالتركستان أنفق عليه الأموال الطائلة وهذا هو الصحيح لا ما توهمه الصواف.

وأما قوله وبعد السنين الطوال طلع على الناس بكتبه الفذة في علم الفلك. فجوابه أن يقال وهو مع ذلك على مذهب أهل الهيئة القديمة في القول بجريان الشمس وثبات الأرض. فأي فائدة للصواف من الجعجعة بذكره وذكر غيره من الفلكيين الذين هم على خلاف ما يراه هو وأسلافه أهل الهيئة الجديدة من ثبات الشمس ودوران الأرض حولها. وأما قوله ولو أردنا أن نزيد لأتينا بالشيء الكثير الغزير من فعل سلفنا الصالح رحمهم الله ورضي الله عنهم وأرضاهم وحشرنا وإياهم مع المتقين الأبرار. فجوابه أن يقال قد ذكر الصواف في مقدمة رسالته في صفحة 12 أن ما جمعه في رسالته فهو مما تركه العلماء الأعلام والخلفاء العظام. فأما علماؤه الذين أشار إليهم فهم أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج وقد ذكرت قريبا أسماء جملة منهم. وذكرت في أول الكتاب جملة ممن نقل عنهم واعتمد على جهالاتهم وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة وهم جيمس أوثر. ولابلاس. وسيمون. وتوماس جولد. ودونالد مينزل. واللورد افبري. وسبريل هازارد. والبروفيسور شميدت. وأرثر فندلاي. وسيمون نيوك وأصحاب المرصد الأمريكي. والمراصد في ليك. ومونت. ويلسون. وبالومار. فهؤلاء كلهم من الإفرنج وهم علماء الصواف الذين زعم أنهم أعلام. ومن علمائه أيضا وأعلامه الذين اعتمد على تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة جميل صدقي الزهاوي وهو من الجهمية كما تقدم إيضاح ذلك في أول الكتاب. والجهمية كفار كما قد نص على ذلك أئمة السلف. قال شيخ الإسلام أبو

العباس بن تيمية رحمه الله تعالى المشهور من مذهب أحمد وعامة أئمة السنة تكفير الجهمية وهم المعطلة لصفات الرحمن فإن قولهم صريح في مناقضة ما جاءت به الرسل من الكتاب. وحقيقة قولهم جحود الصانع وجحود ما أخبر به عن نفسه على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - بل وجميع الرسل. وقال غير واحد من الأئمة إنهم أكفر من اليهود والنصارى. وبهذا كفروا من يقول إن القرآن مخلوق وأن الله لا يرى في الآخرة وأن الله ليس على العرش وأنه ليس له علم ولا قدرة ولا رحمة ولا غضب ونحو ذلك من صفاته. وقال أيضا نفي الصفات كفر والتكذيب بأن الله لا يرى في الآخرة كفر وكذلك ما كان في معنى ذلك كإنكار تكليم الله لموسى واتخاذ الله إبراهيم خليلا. انتهى. وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الكافية الشافية ولقد تقلد كفرهم خمسون في ... عشر من العلماء في البلدان واللالكائي الإمام حكاه عنـ ... ـهم بل حكاه قبله الطبراني فذكر رحمه الله تعالى أن خمسمائة عالم كفروا الجهمية. وقد ذكر عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة جملة منهم. وكان بعض الأئمة يسميهم الزنادقة. وروي عن عبد الله بن المبارك ويوسف بن أسباط وغيرهما من أهل العلم والحدث أنهم قالوا أصول اثنتين وسبعين فرقة هي أربع: الخوارج والروافض والمرجئة والقدرية. قيل لابن المبارك فالجهمية قال ليست الجهمية من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. وكلام أئمة السلف في ذم الجهمية وتكفيرهم كثير جدا. وعن أحمد رحمه الله تعالى في تكفير من لم يكفر الجهمية روايتان.

وبالتكفير يقول أبو بكر بن عياش وسفيان بن عيينة وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وحكى أبو زرعة وأبو حاتم ذلك عمن أدركاه من العلماء في جميع الأمصار. ومن علماء الصواف وأعلامه أيضا نصير الشرك الطوسي وقد تقدم الكلام فيه قريبا. ومن علمائه وأعلامه أيضا أبو علي ابن الهيثم. وسيأتي الكلام فيه قريبا ومن علمائه وأعلامه أيضا علي بن عبد الرحمن بن يونس المنجم صاحب الزيج الحاكمي وقد ذكر ابن خلكان عنه أنه كان قد أفنى عمره في الرصد والتسيير للمواليد وأنه كان يقف للكواكب. ثم نقل عن الأمير المسبحي قال أخبرني أبو الحسن المنجم الطبراني أنه طلع معه إلى جبل المقطم وقد وقف للزهرة فنزع ثوبه وعمامته ولبس ثوبا نساويا أحمر ومقنعة حمراء تقنع بها وأخرج عودا فضرب به والبخور بين يديه. قلت وهذه الأفعال كلها من أفعال فلاسفة اليونان وأتباعهم من الكفرة الذين يعبدون الكواكب ويتقربون إليها بما يرون أنه يناسبها من اللباس والبخور والضرب بآلات اللهو. ومن علمائه وأعلامه أيضا طنطاوي جوهري وموسى جار الله. وسيأتي ذكر ما نقله عنهما من الهوس والهذيان في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى. وأما خلفاؤه الذين زعم أنهم عظام فهم الملوك المنحرفون ومنهم المأمون والحاكم العبيدي وبعض بني بوبه والسلاجقة وهولاكو وتيمورلنك وحفيده أولغ بيك وأشباههم من الملوك المفتونين بالنجوم وعمل الأرصاد. فهؤلاء مع من ذكرنا من فلاسفة الإفرنج وأتباعهم هم السلف الطالح للصواف الذين يترحم عليهم ويسأل الله أن يرضى عنهم ويرضيهم ويحشره وإياهم مع

تخرصات في القمر والرد عليها

المتقين الأبرار. هذا مبلغ علم الصواف وحاصل عقله. وقد قال الله تعالى {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}. ومن أعظم عمى القلب أن يعتقد الشخص في أعداء الله من الكفرة والفجرة الطالحين أنهم من السلف الصالحين ويترحم عليهم ويسأل الله تعالى أن يرضى عنهم ويرضيهم ويحشره وإياهم مع المتقين الأبرار. نعوذ بالله من عمى البصيرة {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}. اللهم أرنا الحق حق وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل. ولقد أحسن الشاعر حيث يقول يقضى على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن فصل وقال الصواف في صفحة 71 ما نصه يقول علماء الفلك القمر أقرب الأجرام السماوية للأرض وأقل حجما منها. يدور حول الأرض مرة كل شهر. وجاذبية القمر مع جاذبية الشمس هي التي تسبب بقدرة الله المد والجزر في البحر. وقد درس الفلكيون أحوال القمر الجغرافية ووصفوها ورسموا لها الرسومات لتبيين جباله وأوديته. يقول "اللورد افبري" أن سطح القمر صحاري وقفار تتناهض فيها البراكين الخامدة وجباله ضخمة عظيمة يبلغ ارتفاعها 42 ألف قدم بزيادة تقرب من 13 ألف قدم عن أعلى جبل على سطح الأرض. وفوهات البراكين هائلة العظمة يبلغ قطرها 78 ميلا. ويقولون إن جبال القمر أقدم بكثير من سلاسل الجبال الأرضية بملايين السنين.

والجواب أن يقال أما قول الفلكيين أن القمر أقر الأجرام السماوية إلى الأرض فهو تخرص لا دليل عليه من كتاب ولا سنة. وما لم يكن عليه دليل فليس عليه تعويل. وأما قولهم إن القمر أصغر حجما من الأجرام السماوية. فهو أيضا من التخرص واتباع الظن الكاذب. وفي القرآن والسنة ما يدل على أن القمر أكبر حجما من الكواكب. قال الله تعالى مخبرا عن مناظرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}. وفي هذه الآيات دليل على أن القمر أكبر من الكواكب فإن الله تعالى بدأ بذكر الأصغر أولا ثم ثنى بذكر ما هو أكبر منه ثم ذكر ما هو أكبر منهما. ويدل على ذلك أيضا ما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والبيهقي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب». ورواه الدارمي ولفظه «وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم». وروى أبو نعيم في الحلية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه.

وفي تفضيل القمر على سائر الكواكب دليل على أنه أكبر منها حجما وأشد إضاءة. وأيضا فقد قال الله تعالى {وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}. وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله». وفي النص على أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تنويه بعظم شأنهما وأنهما أكبر من سائر الكواكب. وأما قولهم إن جاذبية القمر مع جاذبية الشمس هي التي تسبب المد والجزر في البحر. فجوابه أن يقال أما الشمس فلا تأثير لها في مد البحر وجزره. وأما القمر فقد جعل الله له خاصية في المد والجزر. ولم يقم دليل على أن ذلك بسبب الجاذبية. وللمد والجزر حالتان: حالة يومية وحالة شهرية كما قد شاهدنا ذلك في الخليج العربي. فأما الحالة اليومية فإنه يمد ويجزر في اليوم والليلة مرتين. إذا طلع القمر في آية ساعة من ليل أو نهار إذا الماء قد انتهت زيادته. ثم يأخذ في النقص إلى أن يتوسط القمر في السماء فحينئذ ينتهي النقصان. فإذا زال القمر عن وسط السماء إلى جهة المغرب أخذ الماء في الزيادة إلى أن يصل القمر إلى المغرب فحينئذ تنتهي الزيادة كما كانت عند طلوع القمر, فإذا غرب القمر أخذ الماء في النقصان إلى أن يتوسط القمر فيما بين المشرق والمغرب فحينئذ ينتهي النقصان

ثم يأخذ الماء في الزيادة إلى وقت طلوع القمر فحينئذ تنتهي الزيادة. وهكذا أبدا. وأما الحالة الشهرية فإنه يمد ويجزر في الشهر مرتين. إذا كان في أول يوم من الشهر إذا الماء قد انتهت زيادته ثم يأخذ في النقص إلى اليوم الثامن فحينئذ ينتهي النقصان ثم يأخذ في الزيادة إلى نصف الشهر فإذا انتصف الشهر إذا الزيادة قد انتهت كما كانت في أول يوم من الشهر ثم يأخذ في النقص إلى اليوم الثاني والعشرين من الشهر فحينئذ ينتهي النقصان ثم يأخذ في الزيادة إلى تمام الشهر فحينئذ تنتهي الزيادة. وهكذا أبدا. حكمة بالغة من حكيم عليم. وأما قوله وقد درس الفلكيون أحوال القمر الجغرافية إلى آخره. فجوابه أن يقال كل ما ذكره الفلكيون ههنا عن القمر فهي تخرصات وظنون كاذبة. ومن أين للفلكين أن يصلوا إلى القمر ويدرسوا أحواله الجغرافية وهو في السماء بنص القرآن وبين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام بنص الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فوصول الفلكيين إلى القمر مستحيل وظنونهم وتخرصاتهم عما فيه مردود عليهم. وأما قوله ويقولون إن جبال القمر أقدم بكثير من سلاسل الجبال الأرضية بملايين السنين. فجوابه أن يقال هذا من أبطل الباطل, لأن الله تعالى قد نص على أنه خلق الأرض قبل خلق السماء وما فيها فقال تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وقال تعالى {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا

فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن خلق السموات والأرض فقال - صلى الله عليه وسلم - «خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين وخلق الجبار يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب فهذه أربعة {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} لمن سأله. قال وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة». وفي الآيات التي ذكرنا مع حديث ابن عباس رضي الله عنهما دليل على أن الأرض خلقت قبل السماء وما فيها من الشمس والقمر والنجوم. بل في حديث ابن عباس رضي الله عنهما النص على أن الشمس والقمر والنجوم خلقت يوم الجمعة وهو آخر الأيام الستة التي خلق الله فيها الخليقة. وفي هذا أبلغ رد على ما يهذو به طواغيت الإفرنج من تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة إن في القمر جبالا أقدم من الجبال الأرضية بملايين السنين. وروى ابن جرير أيضا عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه قال: (إن

الله بدأ الخلق يوم الأحد فخلق الأرضين في الأحد والاثنين وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء وخلق السموات في الخميس والجمعة وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فخلق فيها آدم على عجل فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة). وروى ابن جرير أيضا من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن مرة ابن مسعود رضي الله عنه وعن ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ} قال إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء فلما أراد أن يخلق الخلق الحرج من الماء دخانا فارتفع فسما عليه فسماه سماء ثم أيبس الماء فجعله أرضا واحدة ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين في الثلاثاء والأربعاء وذلك حين يقول {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} يقول أنبت شجرها {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} يقول أقواتها لأهلها {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} يقول قل لمن يسألك هكذا الأمر {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} قال خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه غيره ثم زين السماء بالكواكب فجعلها زينة وحفظا تحفظ من الشياطين فلما فرغ من خلق ما أحب استوى على العرش فذلك حين يقول {خَلَقَ

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} ويقول {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}. وروى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال خلق الله الأرض قبل السماء فلما خلقت ثار منها دخان فذلك قوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} فسواهن سبع سموات بعضهن فوق بعض وسبع أرضين بعضهن فوق بعض. وقال البغوي في تفسيره عند قوله تعالى {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا}: قال قتادة: يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها. وقال مقاتل وأوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي وذلك يوم الخميس والجمعة. انتهى. وهذه الآثار تعضد حديث ابن عباس رضي الله عنهما المذكور قبلها وتدل على ما دل عليه من تقدم خلق الأرض وما فيها من الجبال على خلق السماء وما فيها من الشمس والقمر والنجوم. وفي ذلك رد على من زعم أن في القمر جبالا أقدم من جبال الأرض بملايين السنين. فصل وقال الصواف في صفحة 71 ولقد رصد أسلافنا القمر قبل أهل الشرق والغرب. إلى آخر ما نقله من كلام ابن الهيثم في صفحة 73. قلت وقد استوفيت الرد على هذه المواضع في آخر الصواعق الشديدة فليراجع هناك. وقد زعم الصواف في صفحة 73 أن ابن الهيثم عالم مسلم وهذا خطأ ظاهر

فإن ابن الهيثم فيلسوف جاهل بالعلوم الشرعية النافعة التي هي العلم على الحقيقة وأهلها هم العلماء على الحقيقة. وهم الذين عناهم الله تعالى بقوله {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} وقوله تعالى {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} وقوله تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}. والفلاسفة ليسوا من المسلمين فضلا عن أن يكونوا من العلماء. قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: ليس الفلاسفة من المسلمين. ونقل عن بعض أعيان القضاة في زمانه أنه قيل له ابن سينا من فلاسفة الإسلام فقال: ليس للإسلام فلاسفة. وقد كان ابن الهيثم من أصحاب الحاكم العبيدي وقد ولاه الحاكم بعض الدواوين. وقد تقدم كلام العلماء في تكفير العبيديين وأنهم أكفر من المشركين المحاربين من الإفرنج وغيرهم وأعظم كفرا وردة من كفر أتباع مسيلمة الكذاب ونحوه من الكذابين. ومن تولى شيئا من أعمالهم فهو منهم. وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى في جواب له وقد سئل عن المعز بن تميم الذي بنى القاهرة. قال: ومما يبين هذا أن المتفلسفة الذين يعلم خروجهم من دين الإسلام كانوا من أتباع مفسر بن قابل أحد أمرائهم وأبى علي ابن الهيثم اللذين كانا في دولة الحاكم نازلين قريبا من الجامع الأزهر. وابن سينا وأبوه وأخوه كانوا من أتباعهم. انتهى. وفي كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كفاية في رد ما زعمه الصواف من إسلام ابن الهيثم والله أعلم. فصل ونقل الصواف في صفحة 74 عن ابن باديس أنه قال في الشمس أنها هي التي أبصرت القمر.

والجواب أن يقال بل الله وحده لا شريك له هو الذي جعل الضياء في الشمس والنور في القمر قال تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} وقال تعالى مخبرا عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} وقال تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا}. فإن قيل أن نور القمر مستفاد من نور الشمس فما وجه الاعتراض على ابن باديس. فالجواب أن يقال أن إسناد الأبصار إلى الشمس شرك بالله تعالى, لأن الله تعالى هو الذي جعل الضياء في الشمس وجعله يمتد منها إلى القمر وينعكس منه إلى الأرض. فهذا كله خلق الله وفعله. والواجب في مثل هذا أن يسند الفعل إلى الفاعل المختار لا إلى المخلوق المربوب المدبر. ومن أسند شيئا من أفعال الله تعالى إلى غيره فقد أشرك به. فصل وذكر الصواف في صفحة 4 ما نقله الألوسي عن ابن قتيبة في ذكر منازل القمر الثماني والعشرين وعد منها السماك الرامح وليس هو من المنازل وأسقط سعود السعود وهو من المنازل. وهذا غلط أما من الألوسي أو ممن قبله من النساخ ويبعد أن يكون ذلك عن ابن قتيبة. وقد نبهت على هذا الغلط في آخر الصواعق الشديدة.

كذبه على الله وعلى كتابه ورسوله والرد عليه

فصل وقال الصواف في صفحة 78 ما نصه: واتفق علماء الفلك في العصر الحديث بعد الاكتشافات والبحوث العلمية أن جرم القمر - كالأرض - كان منذ أحقاب طويلة وملايين السنين شديد الحمو والحرارة ثم برد فكانت إضاءته في أزمان حموه وزالت لما برد. لنقف خاشعين متذكرين أمام معجزة القرآن العلمية. ذلك الكتاب الذي جعله الله حجة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وبرهانا لدينه على البشر مهما ترقوا في العلم وتقدموا في العرفان. فإن ظلام جرم القمر لم يكن معروفا أيام نزول الآية عند الأمم إلا أفرادا قليلين من علماء الفلك. وأن حمو جرمه أولا وزواله بالبرودة ثانيا ما عرف إلا في هذا العهد أبعد الأمم من العلم. فلم يكن ليعلم هذا ويقوله إلا بوحي من الله الذي خلق الخلائق وهو العليم بها وبحقائقها. والجواب أن يقال أما ما ذكره عن علماء الفلك أن جرم القمر - كالأرض - كان منذ أحقاب طويلة وملايين السنين شديد الحمو والحرارة ثم برد فكانت إضاءته في أزمان حموه وزالت لما برد. فهو تخرص لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح. وقد انقطع الوحي عن الأرض بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبقَ إلا وحي الشياطين إلى أوليائهم بالأكاذيب والظنون التي لا تغني من الحق شيئا. بل تضل من اتبعها عن سبيل الله وتهديه إلى صراط الجحيم.

وهذا الوحي الشيطاني هو الذي يعتمد عليه طواغيت الإفرنج فيما يزعمونه عن الماضي والمستقبل. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم» رواه الإمام أحمد ومسلم في مقدمة صحيحه والبخاري في تاريخه والحاكم في مستدركه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال الحاكم صحيح على شرطهما وأقره الذهبي في تلخيصه. وفي رواية لمسلم «يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم يضلونكم ولا يفتنونكم». وهذا الحديث ينطبق على طواغيت الإفرنج الذين يتخرصون عن الماضي والمستقبل وعن الأرض والشمس والقمر وغيرهما من الأجرام العلوية بما لا علم لهم به ولا مستند لهم فيه سوى ظنونهم الكاذبة. ومن أين لأعداء الله العلم بأنه كان للأرض والقمر منذ خلقا أحقاب طويلة وملايين من السنين وهم لم يشهدوا خلقهما ولم يأتهم بما زعموه من الأحقاب والملايين خبر عن الله تعالى ولا عن رسوله - صلى الله عليه وسلم -. ومن أين لهم العلم بأنهما كانا شديدي الحمو والحرارة ثم بردا بعد ذلك وأن القمر كان يضيء في زمان حموه ثم زالت إضاءته لما برد وهم لم يشهدوا ذلك ولم يأتهم بذلك خبر عن الله تعالى ولا عن رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وقد قال الله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} وقال تعالى {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} وقال تعالى {وَإِنْ تُطِعْ

أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}. وفي هذه الآيات أبلغ تحذير من القول بغير علم واتباع ما لم يكن في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والإصغاء إلى تخرصات المتخرصين. وأما قوله لتقف خاشعين متذكرين أمام معجزة القرآن العلمية. فجوابه من وجهين أحدهما أن يقال لم يأت في كتاب الله تعالى أنه كان للقمر والأرض منذ خلقا أحقاب طويلة وملايين من السنين. ولم يأت في كتاب الله تعالى أن القمر والأرض كانا شديدي الحمو والحرارة ثم بردا بعد ذلك وأن القمر كان يضيء في زمان حموه ثم زالت إضاءته لما برد. كل هذا لم يخبر الله به في كتابه ولا على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -. ومن زعم أن ذلك في كتاب الله وأنه من معجزات القرآن العلمية فقد أعظم الفرية على الله وعلى كتابه. وقد توعد الله المفترين عليه بأعظم الوعيد فقال تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال تعالى {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وقال تعالى {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ

رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} قال أبو قلابة هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة. وقال تعالى {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا. وروى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والبغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار» قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. الوجه الثاني أن الصواف لم يقف خاشعا متذكرا أمام معجزة القرآن العلمية كما زعم ذلك وإنما وقف خاشعا متذكرا أمام هذيان الفلكيين وتخرصاتهم الوهمية وبحوثهم الجهلية عن جرم القمر والأرض. وكلامه الذي ذكرنا في أول الفصل أعظم شاهد عليه بذلك. وأما قوله فإن ظلام جرم القمر لم يكن معروفا أيام نزول الآية عند الأمم إلا أفرادا قليلين من علماء الفلك. وأن حمو جرمه أولا وزواله بالبرودة ثانيا ما عرف إلا في هذا العهد الأخير. فجوابه من وجوه أحدها أن يقال أما السواد الذي في القمر فقد جاء فيه أقوال عن بعض الصحابة والتابعين. قال ابن الجوزي في تفسيره عند قوله تعالى {فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ} فيه قولان أحدهما أن آية الليل القمر ومحوها ما في بعض القمر من الاسوداد. وإلى هذا المعنى ذهب علي وابن عباس رضي الله عنهم في آخرين. والثاني آية الليل محيت بالظلمة التي جعلت ملازمة لليل فنسب المحو إلى الظلمة إذ كانت تمحو الأنوار وتبطلها ذكره ابن الأنباري.

وقال ابن كثير في تفسيره قال ابن جريج عن عبد الله بن كثير في قوله {فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} قال ظلمة الليل وسدف النهار. وقال ابن جريج عن مجاهد الشمس آية النهار والقمر آية الليل {فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ} قال السواد الذي في وجه القمر وكذلك خلقه الله تعالى. قلت هذا الأثر والذي قبله قد رواهما ابن جرير في تفسيره بإسناده عن ابن جريج. وقال ابن جريج قال ابن عباس رضي الله عنهما كان القمر يضيء كما تضيء الشمس والقمر آية الليل والشمس آية النهار {فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ} السواد الذي في القمر. وقد روى أبو جعفر بن جرير من طرق متعددة جيدة أن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين ما هذه اللطخة التي في القمر؟ فقال: ويحك أما تقرأ القرآن {فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ} فهذه محوه. وقال قتادة في قوله {فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ} كنا نحدث أن محو آية الليل سواد القمر الذي فيه {وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} أي: منيرة وخلق الشمس أنوار من القمر وأعظم. قلت قد رواه ابن جرير في تفسيره بإسناده نحوه. وقال ابن أبي نجيح عن ابن عباس رضي الله عنهما {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ} قال ليلا ونهارا كذلك خلقهما الله عز وجل. انتهى. فهذه أقوال المفسرين في تفسير الآية الكريمة. وحسب المسلم أن يقتصر

في تفسير آيات القرآن على ما نقل عن المفسرين من سلف الأمة ولا يتكلف ما لا علم له به. وأما تفسير الآية الكريمة بما تخرصه الفلكيون وتوهموه بعقولهم الفاسدة من حمو جرم القمر أولا وزواله بالبرودة ثانيا فهذا من الافتراء على الله والإلحاد في آياته. وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله ملحد في آيات الله محرف للكلم عن مواضعه. انتهى. ورواية ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما أن القمر كان يضيء كما تضيء الشمس لا يعتمد عليها, لأنها منقطعة. وأيضا فرواية ابن أبي نجيح عنه تعارضها. وقد صرح فيها أن الليل والنهار كذلك خلقهما الله. فهذه الرواية تفيد أن السواد الذي في القمر كان فيه من أصل الخلقة وأن قوله تعالى {فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ} معناه جعل السواد في القمر من أول خلقه. ويدل على ذلك قول مجاهد وكذلك خلقهما الله تعالى. ومجاهد إنما تلقى التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما كما قال محمد بن إسحاق حدثنا أبان بن صالح عن مجاهد قال عرضت المصحف على ابن عباس رضي الله عنهما ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه واسأله عنها. وروى ابن جرير عن ابن أبي مليكة قال رأيت مجاهدا سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن تفسير القرآن ومعه الواحة قال: فيقول له ابن عباس

رضي الله عنهما: اكتب حتى سأله عن التفسير كله. ولهذا كان سفيان الثوري يقول: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. ولو صحت رواية ابن جريج فليس فيها أن جرم القمر كان في أول الأمر شديد الحمو والحرارة ثم برد بعد ذلك وإنما فيها أنه كان يضيء كما تضيء الشمس. والإضاءة لا يلزم منها وجود الحمو والحرارة. وأيضا فالأمور الغيبية إنما تعلم من طريق الوحي ولا وحي على ما زعموه من حمو جرم القمر في أول الأمر البتة. الوجه الثاني: أن يقال لو كان ما ذكره في معنى الآية صحيحا لكان معروفا عند الصحابة والتابعين فإنهم أعلم بعاني القرآن ومعجزاته وما أريد به ممن كان بعدهم ولاسيما علماء الصحابة رضي الله عنهم فإنهم قد امتازوا على غيرهم بالفهم التام والأخذ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن مسعود رضي الله عنه كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن. رواه ابن جرير بإسناد صحيح. وفي الصحيحين عن مسروق قال: قال عبد الله رضي الله عنه والذي لا إله غيره ما من كتاب الله سورة إلا أنا أعلم حيث نزلت وما من آية إلا أنا أعلم فما أنزلت. ورواه ابن جرير ولفظه قال عبد الله والذي لا إله غيره ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت وأين أنزلت. فأما ما توحيه الشياطين من التخرصات والظنون الكاذبة فالصحابة أجل قدرا من أن يتعلقوا بها أو تروج عندهم. وكذلك التابعين وتابعوهم بإحسان

وأئمة العلم والهدى من بعدهم. وإنما تروج عند العصريين المفتونين بخرافات الإفرنج وأكاذيبهم ورجمهم بالغيب. الوجه الثالث: أن يقال من أعظم الإزراء بالصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان وأئمة العلم والهدى من بعدهم أن يقال إنهم جهلوا معنى قوله تعالى {فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ} وأن أهل هذا العهد الأخير من الفلكيين وأتباعهم من العصريين الذين هم أبعد الناس عن معرفة معاني القرآن والعمل به هم الذين عرفوه. وهذا ظن سوء بخيار هذه الأمة لا يصدر من رجل له أدنى مسكة من عقل. وأما قوله والذي تلا هذه الآية وأعلن هذه الحقائق العلمية الخطيرة منذ أربعة عشر قرنا من الزمن إنما هو نبي أمي من أمة أمية كانت في ذلك العهد أبعد الأمم عن العلم. فلم يكن ليعلم هذا ويقوله إلا بوحي من الله الذي خلق الخلائق وهو العليم بها وبحقائقها. فجوابه من وجوه أحدها أن يقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تلا الآية الكريمة - أعني قول الله تعالى {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} الآية - وتلقاها عنه أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين. ولم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه قال: كان للأرض والقمر منذ خلقا أحقاب طويلة وملايين من السنين وإنهما كانا شديدي الحمو والحرارة في أول الأمر ثم بردا بعد ذلك وأن القمر كان يضيء في زمان حموه ثم زالت إضاءته لما برد. ومن زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلن هذه الخرافات الجهلية الحقيرة فقد افترى عليه.

وقد تواتر عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». وفي رواية للبخاري وغيره «من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار». الوجه الثاني: أن ما ذكره ههنا عن الأرض والقمر ليس من الحقائق العلمية الخطيرة في شيء ولا يمت إليها بصلة وإنما هو من الخرافات الجهلية الحقيرة التي أوحتها الشياطين إلى أوليائهم من طواغيت الإفرنج وألقتها طواغيت الإفرنج إلى أتباعهم ومقلديهم من العصريين فتداولوها بينهم حتى وصلت إلى الصواف فنشرها مع ما جمعه من هذيان أهل الهيئة الجديدة وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة عن الأرض والشمس والقمر والنجوم ثم زعم أن ذلك من علوم المسلمين في الفلك وذلك كذب على المسلمين. فقد جمع ههنا بين الكذب على الله وعلى كتابه وعلى رسوله وعلى المسلمين. ثم زعم أن ذلك من الحقائق العلمية الخطيرة. وهذا من قلب الحقائق كما لا يخفى على من نور الله قلبه بنور العلم والإيمان. الوجه الثالث: أن كلام الصواف ينقض بعضه بعضا فقد زعم أن حمو جرم القمر أولا وزواله بالبرودة ثانيا ما عرف إلا في هذا العهد الأخير. ثم زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أعلن هذه الخرافات منذ أربعة عشر قرنا. وهذا تناقض لا يصدر من رجل يعلم ما يقول. الوجه الرابع: أن يقال من أعظم الإزراء بالصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أن يقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلن بينهم شيئا من الحقائق العلمية الخطيرة فلم يعرفوها وعرفها أفراد غيرهم من أعداء الله من الفلكيين وعرفها أيضا أهل هذا العهد الأخير من أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم من العصريين الذين

خرافات وتوهمات مضحكة والرد عليها

هم من أجل الناس وأبعدهم عن العلوم النافعة. والصحابة رضي الله عنهم أجل قدرا من أن يجهلوا شيئا مما يعلنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم من أنواع العلوم. وقد تلقوا القرآن والسنة من النبي - صلى الله عليه وسلم - وبلغوهما عنه. وكانوا أعلم الأمة بكتاب الله تعالى وأقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله. وقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (من كان مستنا فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا خير هذه الأمة أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ونقل دينه فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم فهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا على الهدى المستقيم والله رب الكعبة) رواه أبو نعيم في الحلية. وروى رزين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نحوه. وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم أعمق هذه الأمة علما فمحال أن يعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا من الحقائق العلمية الخطيرة عن الأرض والقمر ولا يعرفها أحد منهم. ومحال أيضا أن يعرف الفلكيون في العهد الأخير وأتباعهم من العصريين من حقائق القرآن العلمية ما يعرفه الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان وأئمة العلم والهدى من بعدهم. فصل وقال الصواف في صفحة 83 ما نصه: (حقائق عجيبة ومذهلة عن الكون) لا تظن أن الخيال هو صاحب هذه الحوادث المثيرة. إن الخيال لا يمكن

أن يصل إلى هذه الحقائق العجيبة المذهلة التي توصل إليها علم الفلك الحديث. إن الخيال مثلا لا يمكن أن يتصور أن مرصد كاليفورنيا التقط أخيرا صورة عمرها ستة آلاف مليون سنة. إن علماء الفلك أعلنوا حديثا أن هذه الصورة العجيبة أرسلت من إحدى النجوم واستمرت رحلتها ستة آلاف مليون سنة لتصل إلى الأرض. وحقائق أخرى غريبة اكتشفها الإنسان تؤكد كلها أن الأرض ما هي إلا فقاعة في محيط. حقائق أقل ما توصف به أنها مذهلة مذهلة. ثم ذكر في آخر صفحة 83 وما بعدها إلى آخر صفحة 87 هذيانَ كثيرا لبعض الفلكيين من الإفرنج. حاصله أن بعضهم قال: إن الشمس ترسل موجات راديو. وأنهم اكتشفوا نجمة جديدة قوية تبعد عن الأرض بمسافة 1500 مليون سنة ضوئية وأنهم في عام واحد اكتشفوا 35 منها أطلقوا عليها اسم أشباه النجوم. وأن الضوء في انتقاله إلينا من أشباه النجوم يستغرق في الرحلة ستة آلاف مليون سنة. ولذلك فالمنظر الذي نراه اليوم لهذه الأجرام السماوية النائية هو المنظر الذي كانت عليه منذ ستة آلاف مليون سنة وفي ذلك الوقت لم تكن الشمس ولا المجموعة الشمسية موجودة بعد. إذ أن عمر الشمس هو خمسة آلاف مليون سنة فقط كما يقولون - إلى أن قال - وقد خرج العلماء بعد هذا بثلاث نظريات علمية مثيرة, أن هذه النظريات. تقول إن الكواكب الأخرى مسكونة وأن سكانها سبقوا أهل الأرض في إطلاق سفن الفضاء وتفجير القنابل الذرية. إن هذه النظرية أشبه بالخيال. الشمس ليست إلا نجمة من النجوم المتوسطة. والمجموعة التي تنتمي إليها الشمس فيها 1.000.000.000.000 أي: مائة ألف مليون نجمة. وبالكون آلاف الملايين من مثل هذه المجموعات. وحول الشمس أسرة من عشرة

كواكب. والأرض كما هو معروف أحد هذه الكواكب. وبين الرقم المجهول الذي ذكرناه للنجوم توجد عشرة آلاف مليون نجمة تؤلف حولها أسرا كأسرة الشمس أي توجد عشرة آلاف مليون نجمة تدور حولها الكواكب والله أعلم. ثم ذكر الصواف أنه نقل هذا الهذيان من جريدة المدينة عدد 648 - 604. والجواب أن يقال ليس فيما ذكره الصواف في هذا الموضع شيء من الحقائق البتة وإنما هي تخرصات وضلالات سخيفة مضحكة تشبه هذيان المجانين. وسيأتي ذكر الأدلة على بطلانها إن شاء الله تعالى. ولا ينشر هذه الجهالات أو يصدق بها من له أدنى مسكة من عقل. وأما قوله لا تظن أن الخيال هو صاحب هذه الحوادث المثيرة. فجوابه أن يقال: ليس ذلك بالظن وإنما هو اليقين الجازم أنها تخرصات وظنون كاذبة وقد قال الله تعالى {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}. وأما قوله أن الخيال لا يمكن أن يصل إلى هذه الحقائق العجيبة المذهلة التي توصل إليها علم الفلك الحديث.

فجوابه أن يقال إن الحقائق العجيبة فيما يتعلق بالمغيبات إنما تؤخذ من نصوص الكتاب والسنة لا من غيرهما. قال الله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} وقال تعالى مخبرا عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. ومن ادعى شيئًا من علم الغيب مما ليس في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو طاغوت ومن صدقه فهو ممن آمن بالطاغوت شاء أم أبى. وليس شيء مما ذكر في هذا الفصل منصوصا عليه في القرآن ولا في الأحاديث الصحيحة حتى يكون من الحقائق العجيبة المذهلة, وإذا لم يكن ذلك في القرآن ولا في الأحاديث الصحيحة فهو من الظن ونسج الخيال ولا بد. وأما قوله أن الخيال مثلا لا يمكن أن يتصور أن مرصد كاليفورنيا التقط أخيرا صورة عمرها ستة آلاف مليون سنة, أن علماء الفلك أعلنوا حديثا أن هذه الصورة العجيبة أرسلت من إحدى النجوم واستمرت رحلتها ستة آلاف مليون سنة لتصل إلى الأرض. فجوابه من وجوه إحداها أن يقال وهل ظننت أيها الصواف أن مرصد كاليفورنيا ينزل عليه الوحي من السماء حتى تزعم أن ما يلتقط فيه فهو من الحقائق العجيبة. إن المراصد كلها أضعف وأعجز من أن يتوصل بها إلى اكتشاف ما في السماء الدنيا وهي مسيرة خمسمائة عام وهي عن اكتشاف ما فوق السماء أضعف وأعجز، فضلا عن التوصل بها إلى اكتشاف ما يهذو به أعداء الله من المسافات

التي تبلغ ملايين من السنين. فهذه الدعوى من أسخف الخيال وأسمج الهذيان. الوجه الثاني: أن ما زعموه من التقاط الصورة التي أرسلت من إحدى النجوم فهي أكذوبة نسجها خيال أهل المرصد وظنونهم الكاذبة, وليست من الحقائق ولا تمت إليها بصلة. الوجه الثالث: أن يقال لو كان ما زعموه من التقاط الصورة حقا لكان تحديدهم لعمرها بستة آلاف مليون سنة من الرجم بالغيب وذلك حرام. فكيف وكلام أعداء الله كله كذب من أوله إلى آخره. الوجه الرابع: أن النجوم كلها في السماء الدنيا بنص القرآن قال الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} وقال تعالى {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ}. قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح والحسن وقتادة البروج: هي الكواكب العظام. وقال البغوي: هي النجوم الكبار مأخوذ من الظهور يقال: تبرجت المرأة أي: ظهرت. وقال أيضا: وسميت بروجا لظهورها. وقال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} وقال تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} وقال تعالى {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. ففي هذه الآيات كلها النص على أن الكواكب في السماء. وفي الآية من

سورة الصافات وما بعدها النص على أنا في السماء الدنيا. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة» رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة من الصحابة وهم عبد الله بن عمرو وأبو هريرة والعباس وأبو سعيد رضي الله عنهم. وروي أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا وله حكم الرفع. وقد ذكرت هذه الأحاديث في أول الصواعق الشديدة مع الأدلة على سكون الأرض فلتراجع هناك. وفي الآيات التي ذكرنا مع هذه الأحاديث أبلغ رد على ما هذى به أهل مرصد كاليفورنيا من التقاط صورة من نجمة تبعد عن الأرض بملايين الملايين من السنين. الوجه الخامس: قال بعض السلف أن ارتفاع العرش عن الأرض السابعة خمسون ألف سنة. ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما. ولو كان الأمر على ما هذى به أهل مرصد كاليفورنيا في بعد النجمة التي زعموا أنهم التقطوا الصورة منها لكان محلها فوق العرش. وهذا من أبطل الباطل, فإنه ليس فوق العرش شيء سوى الله تعالى. وأما قوله وحقائق أخرى غريبة اكتشفها الإنسان تؤكد كلها أن الأرض ما هي إلا فقاعة في محيط. فجوابه أن يقال أما ما زعمه أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم عن الأجرام العلوية فكله هذيان وظنون كاذبة ليست من الحقائق ولا تمت إليها بصلة. وقد نهبت على كثير من مزاعمهم الباطلة في الصواعق الشديدة فلتراجع هناك.

ونهبت أيضا على مواضع منها أثناء هذا الكتاب. وسيأتي التنبيه على مواضع آخر فيما بعد إن شاء الله تعالى. وأما تصغيره وتحقيره للأرض فقد تقدم الكلام عليه في أول الكتاب فليراجع هناك. وأما قوله حقائق أقل ما توصف به أنها مذهلة مذهلة. فجوابه أن يقال ليس فيما تخرصه فلاسفة الإفرنج عن الأجرام العلوية شيء من الحقائق البتة وإنما هي توهمات وخرافات ورجم بالغيب أقل ما توصف به أنها مضحكة مضحكة. وأما قولهم أن الشمس ترسل موجات راديو وأنهم اكتشفوا نجمة جديدة قوية تبعد عن الأرض بمسافة 1500 مليون سنة ضوئية وأنهم في عام واحد اكتشفوا 35 منها أطلقوا عليها اسم أشباه النجوم وأن الضوء في انتقاله إلينا من أشباه النجوم يستغرق في الرحلة ستة آلاف مليون سنة. وأن المنظر الذي نراه اليوم لهذه الأجرام السماوية النائية هو المنظر الذي كانت عليه منذ ستة آلاف مليون سنة. وفي ذاك الوقت لم تكن الشمس ولا المجموعة الشمسية موجودة بعد. فجوابه أن يقال هذا كله تخرص وهذيان لا يصدر ممن له أدنى مسكة عقل. ولا ينشره أو يصدق به له أدنى مسكة من عقل. وتسميتهم لبعض النجوم بأشباه النجوم مخالف لما سماها الله به في كتابه, فإن الله تعالى سماها بروجا ونجوما وكواكب ومصابيح ولم يسم شيئا منها بأشباه النجوم ولم يخبرنا أن في السماء أجراما تشبه النجوم وليست من النجوم فهذه التسمية التي اخترعوها لبعض النجوم مع ما زعموه من بعدها الشاسع جدا

عن الأرض وتحديدهم لمدة انتقال الضوء منها إلى الأرض وزعمهم أنها خلقت قبل الشمس بألف مليون سنة. كل ذلك باطل وضلال وهذيان يشبه هذيان المجانين. وقد قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} إلى قوله {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}. وكل ما في هذا الفصل من أوله إلى آخره بل كل ما نقله الصواف في رسالته من توهمات فلاسفة الإفرنج وتخرصاتهم فهو من زخرف القول الذي أوحته شياطين الجن إلى شياطين الإنس ونشرته شياطين الإنس لأوليائهم وأتباعهم من العصريين فصغت إليه أفئدتهم ورضوه وتمسكوا به أعظم مما يتمسكون بنصوص الكتاب والسنة واشتد إنكارهم على من رد ذلك من المسلمين. وهذا من زيغ القلوب وانتكاسها فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وأما قولهم إن عمر الشمس هو خمسة آلاف مليون سنة. فجوابه أن يقال هذا من الرجم بالغيب والقول بغير علم وذلك من أعظم المحرمات. وقد قال الله تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} وقال تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} وقال تعالى {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ}. فهؤلاء الكذابون المتعاطون لما استأثر الله به من علم الغيب لم يشهدوا

خلق السموات والأرض وما فيهما ولم يأتهم خبر عن الله تعالى ولا عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - بما زعموه من تحديد عمر الشمس وغيرها من الأجرام العلوية. فمن أين لهم العلم بذلك وهو من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله تعالى. وقد قال الله تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}. وقد أخبر الله تعالى في عدة مواضع من كتابه أنه خلق السموات والأرض في سنة أيام. وقال تعالى في سورة حم السجدة {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. فأخبر تبارك وتعالى أنه خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام وخلق السموات وما فيهن في يومين. والشمس والقمر والنجوم من جملة ما خلقه الله في اليومين. قال البغوي في تفسيره عند قوله تعالى {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا}: قال قتادة والسدي: يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها. وقال مقاتل: وأوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي وذلك يوم الخميس والجمعة. انتهى. وقد قال الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} وقال تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ

وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ} وقال تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} وقال تعالى {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا}. وقد تقدم حديث ابن عباس رضي الله عنهما المرفوع وفيه أن الله خلق الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وخلق الشجر والماء يوم الأربعاء وخلق السماء يوم الخميس وخلق النجوم والشمس والقمر والملائكة وآدم يوم الجمعة. رواه ابن جرير. وقد اختلف المفسرون في مقدار الستة الأيام التي خلقت فيها السموات والأرض على قولين. قال ابن كثير والجمهور على أنها كأيامنا هذه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد والضحاك وكعب الأحبار أن كل يوم منها كألف سنة مما تعدون. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم واختار هذا القول الإمام أحمد بن حنبل في كتابه الذي رد فيه على الجهمية وابن جرير وطائفة من المتأخرين. انتهى. وفي الآيات التي ذكرنا مع حديث ابن عباس رضي الله عنهما دليل على أن الشمس والقمر والنجوم خلقت مع السموات. بل في حديث ابن عباس رضي الله عنهما النص على أن الشمس والقمر والنجوم خلقت يوم الجمعة وهو آخر الأيام الستة التي خلق الله فيها الخليقة. وفي هذا أبلغ رد على ما يهذو به طواغيت الإفرنج في بعض النجوم - وهي التي يسمونها أشباه النجوم - أنها خلقت قبل الشمس بألف مليون سنة. وقد تقدم ما ذكره ابن قتيبة في المعارف عن المدة التي كانت منذ خلق

آدم إلى أن ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنها كانت سبعة آلاف وثمانمائة واثنتين وخمسين سنة. وقد مضى منذ ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى سنتنا هذه وهي سنة 1388 هـ ألف وأربعمائة وإحدى وأربعون سنة فيكون منذ خلق آدم إلى هذه السنة تسعة آلاف ومائتان وإحدى وأربعون سنة فيكون منذ خلق آدم إلى هذه السنة تسعة آلاف ومائتان وثلاث وتسعون سنة. وهذا يعارض ما تخرص به طواغيت الإفرنج في عمر الأرض والشمس والنجوم وما يسمونها أشباه النجوم والله أعلم. ولما تكلم بعض الناس في عدة أصحاب الكهف بغير دليل أنكر الله ذلك عليهم وأخبر أن ذلك من الرجم بالغيب. قال ابن كثير في قوله {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} إرشاد إلى أن الأحسن في مثل هذا المقام رد العلم إلى الله تعالى إذ لا احتياج إلى الخوض في مثل ذلك بلا علم لكن إذا اطلعنا على أمر قلنا به وإلا وقفنا. انتهى. ثم قال تعالى {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: أي: إذا سئلت عن لبثهم وليس عندك علم في ذلك وتوقيف من الله تعالى فلا تتقدم فيه بشيء بل قل في مثل هذا {اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} انتهى. وإذا كان هذا في واقعة حدثت في الأرض فكيف بالذين يزعمون أنهم يعلمون ما في السماء وما يبعد عن الأرض بآلاف الملايين من السنين على حد زعمهم الكاذب. وكذلك الذين يزعمون أنهم يعلمون وقت ابتداء خلق الأرض ومدة عمرها وعمر الشمس وغيرها من الأجرام العلوية. فهؤلاء أولى بالإنكار من الذين تكلموا في عدة أصحاب الكهف بلا مستند والله أعلم. وأما قوله: وقد خرج العلماء بعد هذا بثلاث نظريات علمية مثيرة إلى آخر كلامه. فجوابه من وجوه: أحدها: أن يقال إن المغيبات لا تعلم بالنظريات وإنما

تعلم من طريق الوحي لا غير. وكل ما ذكره في هذا الفصل فهو من المغيبات وكلامهم فيها مردود إذ لا وحي على ما زعموه ههنا البتة. الوجه الثاني: أن ما ذكره ههنا عن الفلكيين ليست بنظريات علمية وإنما هي تخرصات وظنون كاذبة لا تخفى إلا على جاهل لا يعرف الحق من الباطل. الوجه الثالث: أن الصواف كرر اسم العلماء في ثلاثة مواضع من هذا الفصل وأراد بهم الفلكيين الذين نقل عنهم من التخرصات والظنون الكاذبة ما نقل وهذا من قلب الحقيقة فإنهم ليسوا بعلماء وإنما هم من أهل الجهل والغباوة على الحقيقة. واسم العلماء عند الإطلاق إنما يراد به علماء الشريعة دون من سواهم قال الله تعالى {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وقال تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} وقال تعالى {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} فالموصوفون في هذه الآيات هم العلماء على الحقيقة. وأما غيرهم فلابد فيهم من التقييد كما يقال علماء اليهود وعلماء النصارى وعلماء الفلك وعلماء النسب وعلماء الطب وعلماء الهندسة ونحو ذلك. الوجه الرابع: أن نظرية الفلكيين في الكواكب وزعمهم أنها مسكونة وأن سكانها سبقوا أهل الأرض في إطلاق سفن الفضاء وتفجير القنابل الذرية ليس بشبه خيال كما زعمه الصواف, وإنما هي خيال صرف ورجم بالغيب. ولم يأت في القرآن ولا في السنة ما يدل على أن الكواكب مسكونة فضلا عما تخرصوه وتوهموه بعقولهم الفاسدة من أن سكانها سبقوا أهل الأرض في إطلاق سفن الفضاء وتفجير القنابل الذرية. وقد قال الله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا

زعمه أن الختم يكون من الشيطان ويكون على الأبصار والرد عليه

لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} وقال تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}. وأما قولهم في الشمس أنها نجمة من النجوم المتوسطة. وأن المجموعة التي تنتمي إليها الشمس فيها مائة ألف مليون نجمة. وأن في الكون آلاف الملايين من مثل هذه المجموعات وأن الأرض أحد الكواكب التي يزعمون أنها أسرة الشمس وأنه يوجد عشرة آلاف مليون نجمة تدور حولها الكواكب. فكلها خيالات سخيفة وظنون كاذبة لا تروج إلا على من هو من أجهل الناس. وقد قال الله تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}. وقد تقدم التنبيه على بطلان ما زعموه من تعدد الشموس في أثناء الكتاب مع الكلام على مزاعم الصواف في الشمس فليراجع هناك. وأما زعمهم في الأرض أنها أحد الكواكب التي تدور حول الشمس فقد استوفيت الرد عليه في الصواعق الشديدة فليراجع هناك. وأما زعمهم أن في الكون عشرة آلاف مليون نجمة تدور حولها الكواكب فقد استوفيت الرد عليه في الصواعق الشديدة في المثال الثامن عشر من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة فليراجع هناك. فصل وفي صفحة 90 ذكر الصواف طغاة مكة من كفار قريش وقال فيهم ما نصه: (الذين أغواهم الشيطان وختم على سمعهم وأبصارهم وقلوبهم).

والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن الختم لا يكون من الشيطان وإنما يكون من الله تعالى كما قال تعالى {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} وقال تعالى {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} والختم هو الطبع. وقال تعالى {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} وقال تعالى {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} وقال تعالى {وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} والآيات في هذا المعنى كثيرة. الوجه الثاني: أن الأبصار لا يختم عليها كما توهمه الصواف وإنما تجعل عليها الغشاوة كما قال الله تعالى {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} وقال تعالى {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}. فخص تبارك وتعالى القلوب والأسماع بالختم وخص الأبصار بجعل الغشاوة عليها. قال ابن جرير وقوله {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} خبر مبتدأ بعد تمام الخبر عما ختم الله عليه من جوارح الكفار الذين مضت قصصهم. وقال البغوي {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} هذا ابتداء كلام. غشاوة أي: غطاء فلا يرون الحق. وقال ابن كثير وأعلم أن الوقف التام على قوله تعالى {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} وقوله {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} جملة تامة فإن الطبع يكون على القلب وعلى السمع. والغشاوة وهي الغطاء تكون على البصر. وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما. ختم الله على قلوبهم

هذيان منقول من تفسير طنطاوي جوهري والرد عليه

وعلى سمعهم والغشاوة على أبصارهم. وروى ابن جرير أيضا عن ابن جريج قال الختم على القلب والسمع. والغشاوة على البصر. قال ابن جرير والغشاوة في كلام العرب العطاء ومنه قول الحارث بن خالد بن العاص. تبعتك إذ عيني عليها غشاوة ... فلما انجلت قطعت نفسي ألومها فصل وقال الصواف في صفحة 93 نقلا عن تفسير طنطاوي جوهري ما ملخصه: إن العجب ليأخذنا كل مأخذ ويدهشنا أن نكون في عالم بديع الإتقان عجيب البنيان - إلى أن قال - كيف تجعل الكواكب التي عدت بمئات الملايين كأنها درر مرصعة في سقفنا - إلى أن قال - ولبديع وحسن الإتقان ومال الوضع تتراءى لنا أنها إنما وضعت لأجلنا وليزين بها سقفنا - إلى أن قال - فالشمس من تلك الشموس تشرف على سياراتها وعلى أراضيها. ثم هي من جهة تجعل زينة في سماء كل شمس وكل أرض وكل سيارة ويكون قدرها في تلك الزينة مختلفا باختلاف الآفاق التي تتراءى لها. وكما أن الكواكب مرصعة في سمائنا, فإن شمسنا مرصعة في ملايين الآفاق المحيطة بالكرات. والجواب أن يقال هذا كله هذيان لا حاصل تحته. وتفسير طنطاوي جوهري مملوء من الهذيان وتخرصات الإفرنج وظنونهم الكاذبة, فلا يغتر به. وما زعمه من تعدد الشموس فقد تقدم رده في أثناء الكتاب مع الكلام على مزاعم الصواف في الشمس فليراجع هناك. وكذلك قد استوفيت الرد

عليه في الصواعق الشديدة في المثال الحادي عشر من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة فليراجع أيضا. وأما قوله ولبديع وحسن الإتقان وجمال الوضع تتراءى لنا أنها وضعت لأجلنا وليزين بها سقفنا. فجوابه أن يقال وما تنكر من ذلك والله تبارك وتعالى يقول {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} ويقول أيضا {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} الآيات إلى قوله {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ويقول أيضا {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ويقول أيضا {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} ويقول أيضا {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} ويقول أيضا {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} ويقول أيضا {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} ويقول أيضا {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا} ويقول أيضا {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} ويقول أيضا {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ}. ففي هذه الآيات النص على أن الله تعالى قد جعل الكواكب زينة للسماء الدنيا التي هي سقف ما تحتها من المخلوقات, وجعلها أيضا للناس ليهتدوا بها

في ظلمات البر والبحر, وفيها أيضا الرد على من تأول في النجوم خلاف ما أخبر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. وقد قال قتادة رحمه الله تعالى خلق الله هذه النجوم لثلاث جعلها زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به. ذكره البخاري في صحيحه تعليقا مجزوما به ووصله عبد بن حميد وابن أبي حاتم وغيرهما. وأما قوله فالشمس من تلك الشموس تشرف على سياراتها وعلى أراضيها ثم هي من جهة تجعل زينة في سماء كل شمس وكل أرض وكل سيارة. فجوابه أن يقال مراده بالشموس الكواكب الثوابت التي زعم أنها عدت بمئات الملايين. وزعم الصواف في صفحة 87 أنه يوجد عشرة آلاف مليون نجمة نؤلف حولها أسرا كأسرة الشمس أي: تدور حولها الكواكب. وإذا كان لكل شمس من هذه الشموس المزعومة سماء وأرضون ونجوم سيارات كما تخيلوه بعقولهم الفاسدة فإن السموات تكون عشرة آلاف مليون سماء وتكون الأرضون كذلك أو أكثر وتكون النجوم السيارات أكثر من ذلك بأضعاف مضاعفة. وهذا هو هذيان المجانين بعينه وهو مردود بنصوص القرآن والسنة وإجماع أهل السنة والحديث على أن السموات سبع فقط وأن الأرضين سبع فقط. أما نصوص القرآن فقول الله تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} وقول تعالى {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ *

ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} وقول تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} وقوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وقوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} وقوله تعالى {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} الآية. وقوله تعالى {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} وقول تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} الآية. وقوله تعالى {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا}. ففي هذه الآيات كلها النص على أن السموات سبع ففيها الرد على من زعم أن السموات أكثر من سبع, وفيها أيضا الرد على أهل الهيئة الجديدة الذين ينكرون وجود السموات ويزعمون أن سعة الجو غير متناهية. وفي الآية من سورة الطلاق دليل على أن الأرضين سبع كالسموات ففيها الرد على من زعم أن الأرضين أكثر من سبع. وأما نصوص السنة على أن السموات سبع وأن الأرضين سبع فكثيرة جدا. وقد ذكرت طرفا منها في الصواعق الشديدة في المثال الثالث من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة فلتراجع هناك ففيها الرد على من زعم أن السموات أكثر من سبع وأن الأراضين أكثر من سبع. وأما الإجماع فقد ذكر الشيخ عبد القاهر بن طاهر البغدادي في آخر

كتابه (الفرق بين الفرق) عن أهل السنة أنهم أجمعوا على أن السموات سبع طباق خلاف قول من زعم من الفلاسفة والمنجمين أنها تسع. وذكر شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله عن أبي بكر الأنباري أنه ذكر إجماع أهل الحديث والسنة على أن الأراضين سبع بعضهن فوق بعض. وفي هذا رد على من زعم أن السموات أكثر من سبع وأن الأراضين أكثر من سبع. وأما قوله وكما أن الكواكب مرصعة في سمائنا, فإن شمسنا مرصعة في ملايين الآفاق المحيطة بالكرات. فجوابه أن يقال لم يأت في القرآن ولا في السنة ما يدل على أن الكواكب مرصعة في السماء كالمسامير في الباب بل فيهما ما يدل على أنها تجري كما تجري الشمس والقمر قال الله تعالى {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وقال تعالى {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}. قال ابن كثير في الكلام على الآية الأولى ينبه تعالى عباده على آياته العظام ومننه الجسام في تسخيره الليل والنهار يتعاقبان والشمس والقمر يدوران والنجوم الثوابت والسيارات في أرجاء السموات نورا وضياء ليهتدى بها في الظلمات وكل منها يسير في فلكه الذي جعله الله تعالى فيه يسير بحركة مقدرة لا يزيد عليها ولا ينقص عنها. والجميع تحت قهره وسلطانه وتسخيره وتقديره وتسهيله. انتهى.

وقال تعالى {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} قال علي رضي الله عنه هي النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. قال ابن كثير وكذا روي عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والسدي وغيرهم أنها النجوم. قال وقال بعض الأئمة: إنما قيل للنجوم الخنس أي في حال طلوعها ثم هي جوارٍ في فلكها وفي حال غيبوبتها يقال لها كنس من قول العرب أوى الظبي إلى كناسه إذا تغيب فيه. وقال ابن منظور في لسان العرب: جرت الشمس وسائر النجوم سارت من المشرق إلى المغرب. قال وقوله تعالى {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} يعني النجوم. وروى ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} قال: النجوم والشمس والقمر. وقال تعالى {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ} الأفول الغيبوبة. وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «إن أهل الجنة ليتراءون في الغرفة كما يتراءون الكوكب الشرقي أو الكوكب الغربي الغارب في الأفق أو الطالع في تفاضل الدرجات» الحديث. وهذا لفظ الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح. وروى الإمام أحمد والترمذي أيضا وابن ماجة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء وأن أبا بكر وعمر منهم وأنعما» قال الترمذي هذا حديث حسن.

تخرصات في بعد النجوم والقمر وكذب على الله والرد على ذلك

وفيما ذكرته من الآيات والأحاديث دليل على أن النجوم تجري وتسبح في الفلك كما تجري الشمس فيه والقمر. وفيها الرد على من زعم أنها مرصعة في السماء. وأما قوله: فإن شمسنا مرصعة في ملايين الآفاق المحيطة بالكرات. فجوابه من وجهين: أحدهما: أن يقال أن الشمس تجري وتسبح في الفلك وتدور على الأرض كما دلت على ذلك الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة وقد ذكرتها في أول الصواعق الشديدة فلتراجع هناك. وما كان جاريا على الدوام فليس مرصعا في شيء من الآفاق فضلا عما هذى به طنطاوي جوهري من كونها مرصعة في مئات الملايين من السموات. الوجه الثاني: أن مراده بملايين الآفاق المحيطة بالكرات أن كل كوكب من الكواكب التي تعد عنده بمئات الملايين له سماء تخصه. وأن كل أرض من الأراضين التي تعد عنده بمئات الملايين لها سماء تخصها. وأن كل سيارة من السيارات التي تعد عنده بمئات الملايين لها سماء تخصها. وقد صرح بذلك في قوله ثم هي من جهة تجعل زينة في سماء كل شمس وكل أرض وكل سيارة. وقد تقدم رد هذا الهذيان قريبا فليراجع. فصل وقال الصواف في صفحة 97 - 98 ما نصه: البروج التي في قوله تعالى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} هي النجوم العظام في هذا الفلك العظيم منها ما نراه بأعيننا المجردة. ومنها ما لم يصل نوره إلينا حتى الآن. لذا فهي لا ترى حتى بالمكبرات والمراصد الكبيرة الحساسة.

وقول علماء الفلك أن من النجوم نجوما سوف لا يصل نورها إلى كرتنا الأرضية في أقل من ألف وخمسمائة مليون سنة ضوئية. مع العلم بأن الضوء يسير في الثانية الواحدة ثلاثمائة ألف كيلو متر. ويصل في سيره إلى القمر في قدر ثانية وثلث الثانية. ولو جرى حول الكرة الأرضية لدار حولها في الثانية الواحدة ثماني مرات. ولو أطلق مدفع فإن قنبلة تجري وتسير نحو سنة ونصف السنة حتى تقطع المسافة التي يقطعها الضوء في ثانية واحدة. فما أبعد الكواكب عنا. وما أعظم خالق هذه الكواكب ومسيرها ومدبرها ومضيئها الجليل القدير على كل شيء. وقد قلنا إن الله تباركت أسماؤه أقسم بهذه الكواكب لما فيها من عجيب الصنعة وباهر الحكمة. وهو عز وجل يحثنا على البحث عن هذه الكواكب وما فيها من عوالم لنستل بذلك على عظيم قدرته وجليل حكمته وبالغ عظمته. وصدق الله العظيم إذ يقول {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} ولله العظمة والجلال إذ ينبه إلى عظمة الكون ليهيج الناس ويشوقهم ويدعوهم إلى الاطلاع على تلك العوالم الجبارة في الحياة وهي فوقهم في السماء التي يشاهدونها ويرون النجوم فيها مبعثرة هنا وهناك ولا نرى من نورها إلا واحدا من آلاف الملايين من حقائق أنوارها وأقدارها, وأكبرها ترى صغيرة دقيقة الجرم وهي قد تفوق أرضنا سعة وحجما. والجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أن يقال من أين للصواف العلم بأن في السماء نجوما لم يصل نورها إلى أهل الأرض حتى الآن {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى}. والله تبارك وتعالى لم يخبرنا في كتابه ولا على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن في

السماء نجوما لم يصل نورها إلى أهل الأرض حتى الآن. وقد انقطع الوحي بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يبق للصواف وأشباهه وسلفهم من فلاسفة الإفرنج مستند سوى وحي الشياطين إليهم بالتخرصات والظنون الكاذبة. فهذا الوحي الشيطاني هو عمدتهم فيما يزعمونه عن المغيبات والأجرام العلوية. الوجه الثاني: أن الكواكب كلها في السماء الدنيا بنص القرآن قال الله تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} وقال تعالى {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا} وقال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} وقال تعالى {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} وقال تعالى {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ}. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة» رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة من الصحابة وهم: عبد الله بن عمرو وأبو هريرة والعباس وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم. وروي أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا وله حكم الرفع، وقد ذكرت هذه الأحاديث في الصواعق الشديدة مع الأدلة على ثبات الأرض فلتراجع هناك. وإذا كانت الكواكب زينة للسماء الدنيا فبعدها عن الأرض لا يزيد على خمسمائة سنة. فما زعموه من البعد المفرط في بعض الكواكب مردود بالآيات التي ذكرنا. الوجه الثالث: أن يقال لو كان ما زعمه الفلكيون صحيحا لكان يتجدد في كل زمان نجوم لم يكن أهل الأرض يعرفونها من قبل. ولو وقع ذلك

لذكره الناس فيما يذكرونه من الحوادث وتناقلوه قرنا بعد قرن ولكن لا وجود لذلك أبدا. والنجوم لم تزل ولا تزال على الحال التي خلقها الله عليها. فما كان منها يرى بالعين المجردة أو بالمكبرات من أول الأمر فهو لا يزال على حاله. وما كان ضعيف الضوء لا يرى بالعين المجردة ولا بالمكبرات فهو لا يزال على حاله. الوجه الرابع: أن الفلكيين زعموا أن النور يصل إلى القمر في ثانية وثلث ثم زعموا في النجوم ما زعموه من الأبعاد المتفاوتة وأن منها ما لا يصل النور منه في أقل من ألف وخمسمائة مليون سنة. وهذا تفريق بين ما جمع الله بينه فإن القمر في السماء بنص القرآن. والكواكب قد جعلت زينة للسماء الدنيا بنص القرآن. فما وصل من القمر ثانية وثلث وصل من الكواكب في مثل ذلك. ومن فرق بين ما جمع الله بينه فقوله مردود عليه. وأما قوله فما أبعد الكواكب عنا. فجوابه أن يقال أن بعدها لا يزيد على خمسمائة سنة, لأن الله تعالى قد جعلها زينة للسماء الدنيا كما قد نص على ذلك في عدة آيات من القرآن. وبين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة كما هو ثابت بالنصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. فمن زعم أن من الكواكب ما يبعد عن الأرض أكثر من خمسمائة سنة فقوله مردود بنصوص الكتاب والسنة. وأما ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم في بعد بعضها عن الأرض بآلاف الملايين من السنين فهو تخرص وهذيان لا حقيقة له. وأما زعمه أن الله تعالى حث على البحث عن الكواكب وما فيها من العوالم.

فهو من الكذب على الله تعالى. وقد قال الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال تعالى {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. وليس في القرآن ما يدل على أن في الكواكب عوالم فضلا عن أن يكون فيه الحث على البحث عنها وعما فيها. والبحث إنما يكون عن الأشياء الخفية. والله تبارك وتعالى لم يأمر الناس بالبحث عن الأشياء الخفية والرجم عنها بالغيب. وإنما أمرهم بالنظر والتفكر فيما يشاهدونه من آياته الظاهرة التي يراها كل بصير ويعرفها كل عاقل فقال تعالى {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}. قال البغوي: أي: قل للمشركين الذين يسألونك الآيات انظروا ماذا في السموات والأرض من الآيات والدلائل والعبر ففي السموات الشمس والقمر والنجوم وغيرها, وفي الأرض الجبال والبحار والأنهار والأشجار وغيرها. انتهى. ونظير هذه الآية قوله تعالى {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} الآية. وقوله تعالى {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} وقوله تعالى {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ}. قال القرطبي وهم يعني الكفار {عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} بين أن المشركين غفلوا عن النظر في السموات وآياتها من ليلها ونهارها وشمسها وقمرها وأفلاكها ورياحها وسحابها وما فيها من قدرة الله تعالى إذ لو نظروا واعتبروا لعلموا

أن لها صانعا قادرا واحدا فيستحيل أن يكون له شريك. انتهى. وقال تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. والآيات في الحث على التفكر والاعتبار بالآيات الكونية كثيرة جدا, وليس في شيء منها ما يدل على البحث عن المغيبات كما توهمه الصواف. بل ذلك مما نهى الله عنه في قوله {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}. وأما كلام الصواف على الآية من سورة الواقعة فهو من تحريف الكلم عن مواضعه. والله تبارك وتعالى إنما أقسم بمواقع النجوم لينبه عباده على عظمة القرآن لا ليهيجهم ويشوقهم ويدعوهم إلى الاطلاع على العوالم الجبارة كما زعمه الصواف. ومن أين لبني آدم الوصول إلى السماء والاطلاع على ما فيها لو كان الصواف يعقل. وأما زعمه أن بعض النجوم قد تفوق الأرض سعة وحجما فهو قول لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح وإنما هو من التخرص واتباع الظن. وقد تقدم التنبيه على بطلانه في أول الكتاب عند كلام الزهاوي في تصغير الأرض وتحقيرها فليراجع هناك. فصل وقال الصواف في صفحة 98 - 99 ما نصه:

هذيان أيضا في بعض الكواكب والرد عليه

يقول علماء الفلك أن الشعرى اليمانية أثقل من الشمس جرما بعشرين مرة ونورها خمسون ضعف نور الشمس. وهي أبعد منها مليون ضعف بعدها عنا. وأن الشعرى اليمانية تجري بسرعة ألف ميل في الدقيقة. لذا خصها الله عز وجل في كتابه العزيز إذ قال {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} وهناك الشعرى الشامية لها خصائص ومميزات أخرى. والشعرى اليمانية هذه التي نراها قبل اليمن وهي في النظر بقدر الجوزة أو البيضة وهي أسطع من خمسين شمسا إلا واحد من ألفي مليون منه. وثلاث من بنات نعش يفقن الشمس نورا. واحدة منهن أربعمائة ضعف. والثانية أربعمائة وثمانين. والثالثة ألف ضعف. وسهيل أضوأ من الشمس ألفين وخمسمائة مرة. والسماك الرامح حجمه ثمانون ضعف حجم الشمس ولا يصل إلينا ضوؤه إلا في مائتي سنة. هذه كلها تقديرات علماء الفلك والله أعلم بصحتها. ولكنها تدل بوضوح على عظمة الخالق جل وعلا وكمال قدرته وفائق صنعته. والجواب أن يقال ما ذكره الصواف ههنا عن الفلكيين فكله هوس وهذيان لا يصدر من عاقل, وهو مما يضحك منه السفهاء فضلا عن العقلاء. ولا يروج إلا على من أضله الله وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة. فأما زعمهم أن الشعرى اليمانية أثقل من الشمس جرما بعشرين مرة. فجوابه أن يقال لو اجتمع الأولون والآخرون من الإنس والجن لما قدروا على وزن جبل من الجبال. وهم عن الارتقاء إلى السماء ووزن ما فيها من الشمس والنجوم أعجز وأعجز. ولم يأت عن الله تعالى ولا عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - نص بقدر وزن الشمس

والنجوم. وما ليس عليه دليل فليس عليه تعويل. ومن زعم معرفة وزنها وما بين بعضها والبعض الآخر من التفاوت في الثقل فليس له مستند سوى التخرص والرجيم بالغيب. وقد قال الله تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} وقال تعالى {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}. وأما زعمهم أن الشعرى اليمانية أبعد من الشمس مليون ضعف بعدها عنا فجوابه أن يقال قد زعم أهل الهيئة الجديدة أن الشمس تبعد عن الأرض أربعة وثلاثين ألف ألف فرسخ وخمسمائة ألف فرسخ. ذكره الألوسي عنهم في صفحة 34 من كتابه الذي سماه (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة) وهذه المسافة تطابق اثني عشر ألف سنة أو قريبا من ذلك. فعلى هذا يكون بعد الشعرى عن الأرض اثني عشر ألف مليون سنة على حد زعمهم. وهذا من أقبح الهوس والهذيان. وهو مردود بنصوص القرآن على أن الكواكب قد جعلت زينة للسماء الدنيا. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة» وعلى هذا فالمسافة بين الأرض وبين الشعرى خمسمائة سنة فقط. وعلى قول الفلكيين تكون الشعرى فوق العرش وهذا من أبطل الباطل فإنه ليس فوق العرش شيء سوى الله تبارك وتعالى. وأما زعمهم أن الشعرى اليمانية تجري بسرعة ألف ميل في الدقيقة. فجوابه أن يقال: إن الشعرى اليمانية كسائر النجوم الثوابت فكلها في

فلك واحد تجري فيه على نسق مضبوط لا يتقدم شيء منها على غيره ولا يتأخر عنه كما هو معلوم بالمشاهدة. وأما قوله لذا خصها الله عز وجل في كتابه العزيز إذ قال {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى}. فجوابه أن يقال إنما خصها الله بالذكر دون غيرها من النجوم, لأن طائفة من العرب كانوا يعبدونها فأخبر الله تعالى أنها مخلوقة مربوبة. والعبادة لا تصلح لشيء من المخلوقات وإنما هي من خصائص الرب جل جلاله. ونظير هذه الآية قوله تعالى {وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}. فأما زعم الصواف أن الله تعالى خص الشعرى بالذكر من أجل ما زعمه الفلكيون من سرعة جريانها, فذلك من الإلحاد في آيات الله وتحريف الكلم عن مواضعه. وأما قوله وهناك الشعرى الشامية لها خصائص ومميزات أخرى. فجوابه أن يقال: إن الشعرى الشامية كغيرها من النجوم التي قد جعلها الله زينة للسماء الدنيا. وما كان في السماء فالقدرة البشرية عاجزة عن الوصول إليه والعلم بخصائصه ومميزاته. ولم يخبر الله تعالى في كتابه ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن الشعرى الشامية لها خصائص ومميزات. فمن زعم أن لها خصائص ومميزات سوى ما يشاهده الناس من ضعف ضوئها عن ضوء الشعرى اليمانية فقوله مردود عليه إذ لا مستند له سوى التخرص والرجم بالغيب. وأما زعمهم أن الشعرى اليمانية نورها خمسون ضعف نور الشمس وأنها أسطع من خمسين شمسا كشمسنا. وأن ثلاثا من بنات نعش يفقن الشمس

نورا. واحدة منهن أربعمائة ضعف. والثانية أربعمائة وثمانين. والثالثة ألف ضعف. وأن سهيلا أضوأ من الشمس ألفين وخمسمائة مرة. فجوابه أن يقال: إن الشمس في السماء بنص القرآن, والنجوم قد جعلت زينة للسماء الدنيا بنص القرآن. فلو كان الأمر في هذه النجوم على ما زعمه الفلكيون لما كان عند أهل الأرض ليل أبدا, ولطمس ضوء هذه النجوم ضوء الشمس ونور القمر. بل لو كان الأمر على ما زعموه فيها لاحترق ما بين الخافقين ولم يمكن أن يعيش على الأرض شيء من شدة حرارة الشموس المزعومة. وقد استوفيت الرد على ما زعموه من تعدد الشموس في الصواعق الشديدة في المثال الحادي عشر من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة فليراجع هناك. وذكرت طرفا من ذلك في أثناء هذا الكتاب مع الكلام على مزاعم الصواف في الشمس فليراجع أيضا. وأما زعمهم أن السماك الرامح حجمه ثمانون ضعف حجم الشمس. فجوابه أن يقال هذا تخرص وهذيان مردود بنص القرآن. قال الله تعالى مخبرا عن مناظرة إبراهيم عليه السلام لقومه {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}. وفي هذه الآيات دليل على أن الشمس أكبر من الكواكب.

وأيضا فإن السماك الرامح من جملة المصابيح التي قد جعلها الله زينة للسماء الدنيا. قال الله تعالى {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا} وقال تعالى {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} وقال تعالى {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} والشمس في السماء بنص القرآن قال الله تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} وقال تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} قال الحسن في قوله {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} الآية. قال يعني في السماء الدنيا. ذكره البغوي في تفسيره. وروى ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أما السماء الدنيا فإن الله خلقها من دخان وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا وزينها بمصابيح وجعلها رجوما للشياطين وحفظا من كل شيطان رجيم». وروى البيهقي في كتاب الأسماء والصفات بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال «خلق الله سبع سموات وخلق فوق السابعة الماء وجعل فوق الماء العرش وجعل في السماء الدنيا الشمس والقمر والنجوم والرجوم». وإذا كان كل من الشمس والنجوم في السماء الدنيا فلا شك أن حجم الشمس يزيد على حجم السماك الرامح وغيره من النجوم الكبار عدة آلاف. وكيف يظن أن السماك الرامح يزيد حجمه على حجم الشمس ثمانين ضعفا مع أنه لا يزيد في رأي العين على حجم التمرة. والشمس ترى في الأفق

عند طلوعها وعند غروبها بقدر ذراعين طولا في ذراعين عرضا. فمن قال أن حجمها دون حجم السماك الرامح أو غيره من النجوم فقوله باطل مردود بما ذكرنا من الآيات والأحاديث والله أعلم. وتمام الرد على هذا الزعم الكاذب قد تقدم مبسوطا مع الكلام على مزاعم الصواف في الشمس فليراجع هناك. وأما زعمهم أن الشعرى اليمانية لا يصل إلينا نورها إلا في ستة عشر سنة. وأنه لا يصل إلينا من نورها إلا واحد من ألفي مليون منه. وأن السماك الرامح لا يصل إلينا ضوؤه إلا في مائتي سنة. فجوابه أن يقال قد ذكر محمد رشيد رضا في صفحة 637 من الجزء السابع من تفسيره أنه قد وجد بالرصدان السماك الرامح يصل النور منه إلينا في نحو خمسين سنة. وهذا ما ذكره الصواف ههنا كله هذيان لا مستند له سوى التخرص والرجم بالغيب. وقد قال الله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} إلى قوله {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}. والشعرى اليمانية والسماك الرامح وغيرهما من الكواكب النيرة يرى نورها من حين تبدو من الأفق إذا لم يكن هناك حائل يمنع من رؤيتها. وكلها من زينة السماء الدنيا كما نص الله على ذلك في كتابه العزيز. فالتفريق بين أبعادها ووصول نورها إلى الأرض تفريق بين أشياء متماثلة وذلك باطل مردود

وفيما ذكره الصواف عن الفلكيين أنهم قالوا أن السماك الرامح لا يصل ضوؤه إلينا إلا في مائتي سنة مع ما ذكره محمد رشيد عنهم أنهم قالوا إن السماك الرامح يصل النور منه إلينا في نحو خمسين سنة وما بين هذين القولين من التفاوت العظيم في بعد نجم واحد أوضح دليل على تناقض الفلكيين وكذبهم في جميع مزاعمهم عن أبعاد النجوم ومقادير أحجامها وأضوائها وثقلها وأنهم أنا يعتمدون في ذلك على مجرد التخرصات والظنون الكاذبة. وأما قوله هذه كلها تقديرات علماء الفلك والله أعلم بصحتها ولكنها تدل بوضوح على عظمة الخالق جل وعلا وكمال قدرته وفائق صنعته. فالجواب عنه من وجوه: أحدها: أن يقال أن ما في السماء فهو من أمور الغيب التي لا تُعلم إلا من طريق الوحي ولا سبيل إلا علمها بالتقديرات التي هي التخرص واتباع الظن. ولا وهي على شيء مما زعمه الفلكيون في تقديراتهم عن النجوم البتة؛ وقد قال الله تعالى {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وقال تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} وقال تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}. الوجه الثاني: أن تقديرات الفلكيين عن النجوم مخالفة لنصوص القرآن كما تقدم إيضاحه. وما خالف النصوص فهو باطل مردود على قائله كائنا من كان. الوجه الثالث: أن يقال إن الله تبارك وتعالى أعظم وأجل من أن يستدل على عظمته وكمال قدرته وفائق صنعته بتخرصات الفلكيين وظنونهم الكاذبة, وإنما يستدل على ذلك بما أخبر الله به في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فذلك

كلام فى البروج والرد عليه

هو العلم الصحيح النافع والشفاء كل الشفاء لمن آمن به واتبعه؛ قال الله تعالى {وَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقال تعالى {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} وقال تعالى {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} إلى قوله {فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آَيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ} والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا. ومن لم يكتف بما أخبر الله به في كتابه وما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عظمة ربه وكمال قدرته, فلا كفاه الله ما أهمه. ومن اعتمد على تخرصات الفلكيين وظنونهم الكاذبة واستدل على عظمة الخالق وكمال قدرته وفائق صنعته, فهو من أجهل الناس بالله تعالى وأبعده عن معرفة ما يجب له من الإجلال والتعظيم. فصل وذكر الصواف في صفحة 99 أن البروج تطلق على بروج السماء الاثنى عشر. قال وهي منازل الكواكب والشمس والقمر يسير القمر في كل برج منها يومين وثلث يوم. وتسير الشمس في كل برج منها شهرا - إلى أن قال في صفحة 100: فتكون السنة الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم وهي مدة دخول الشمس إلى النقطة التي فارقتها من تلك البروج, والشمس كما قلنا تقطع هذه البروج كلها مرة في السنة؛ كل برج في شهر. وبها تتم دورة الفلك. ويقطعها القمر في ثمانية وعشرين يوما وكسور.

هذيان والحاد في القرآن لموسى جار الله والرد عليه

والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن يقال إن المنازل ليست منازل لجميع الكواكب كما يوهمه كلام الصواف, وإنما هي منازل للسيارات منها فقط. وأما الثوابت فليست لها منازل. وكان ينبغي للصواف أن يقيد الكواكب بالسيارات ليزول الإيهام. الوجه الثاني: أن ما قرره الصواف ههنا من كون الشمس تسير في كل برج شهرا وأنها تقطع البروج كلها مرة في السنة يناقض ما قرره في صفحة 61 من كون الشمس ثابتة على محورها ومتحركة حول هذا المحور, أي: هي دائرة حول نفسها ومثلها مثل المروحة السقفية الكهربائية؛ فهي ثابتة في سقفها وهي متحركة حول نفسها. وما قرره الصواف ههنا من كون الشمس تسير في كل برج شهرا وتقطع البروج كلها مرة في السنة هو الحق الثابت بالأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة, وقد ذكرتها مستوفاة في أول الصواعق الشديدة فلتراجع هناك. وما قرره ههنا فهو من الأدلة الحسية على جريان الشمس ودورانها على الأرض, وقد أوضحت ذلك في الصواعق الشديدة في آخر الأدلة على جريان الشمس فليراجع هناك. وأما قرره في صفحة 61 فهو باطل مردود من وجوه كثيرة, وقد تقدم ذكرها عند تشبيه الصواف للشمس بالمروحة السقفية الكهربائية فلتراجع هناك. فصل ونقل الصواف في صفحة 101 عن موسى جار الله أنه قال في كتابه (ترتيب

السور الكريمة): فإن كان البروج في قول الله {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} هي بروج الهيئة القديمة كما اتفقت عليه التفاسير, فإن تلك الشمس الظاهرة وهو المدار السنوي للأرض في الواقع؛ واقع في هذه البروج. والأرض في مدارها السنوي تقطع كل هذه البروج. هذا وجه وجيه, لنا أن نقتنع به في بيان نزول سور البروج بعد سورة الشمس, وقد جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا, زهقت الهيئة القديمة وجاء النظام الحق نظام السموات التي رفعها الله بغير عمد ترونها, وهذه السموات لها منظومات, منها منظومة شمسنا هذه بسياراتها التسع. وشمسنا هذه ليست من كبار الشموس ومنظومتنا هذه ليست من كبار المنظومات, وكل منظومة من هذه المنظومات يسميها القرآن برجًا. والسماء التي تحوي كل هذه المنظومات يسميها القرآن الكريم السماء ذات البروج. بها أقسم الله في كتابه الكريم في سورة البروج. وهذه السماء ذات البروج التي تحوي كل هذه المنظومات يسميها القرآن الكريم السماء ذات البروج. بها أقسم الله في كتابه الكريم في سورة البروج. وهذه السماء ذات البروج التي تحوي كل هذه المنظومات يحدث خلال منظوماتها كل يوم. شأن الله، انشقاقات. وبتلك الانشقاقات يحدث في المجرة وخارجها سموات. وللإشارة وللإرشاد وإلى مثل هذه الحوادث الهائلة العظيمة وضعت سورة البروج بعد سورة الانشقاق. والجواب عن هذا الهذيان والقرمطة من وجوه: أحدها: أن يقال إن الأرض ثابتة ومرساة بالجبال كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع. وما كان ثابتا فليس له مدار يدور عليه. وما زعمه موسى جار الله تقليدا لأهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج وأتباعهم من العصريين من أن للأرض مدارا سنويا, فهو قول باطل مردود بالأدلة التي أشرت إليها, وقد ذكرتها مستوفاة في أول الصواعق الشديدة,

فلتراجع هناك. الوجه الثاني: أن البروج في السماء كما هو منصوص عليه في مواضع من القرآن؛ قال الله تعالى {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ} وقال تعالى {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} وقال تعالى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ}. وإذا كانت البروج في السماء, فمن أبطل الباطل أن يقال إن للأرض مدارا واقعا في تلك البروج, وأن الأرض تقطعها كلها في السنة. الوجه الثالث: أنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام» رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة من الصحابة, وهم: عبد الله بن عمرو وأبو هريرة والعباس وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم. وروي أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفا وله حكم المرفوع. وإذا كان بين السماء والأرض هذا البعد الشاسع, فلا يقول إن للأرض مدارا في بروج السماء, وأنها تقطعها كلها في السنة إلا من هو من أجهل الناس وأقلهم عقلا. الوجه الرابع: أن المفسرين اختلفوا في تفسير البروج التي ذكرها الله تعالى في قوله: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} وقوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} فقال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح والحسن وقتادة: هي الكواكب العظام. قال البغوي: مأخوذ من الظهور؛ يقال تبرجت المرأة, أي: ظهرت. وقال أيضا: سميت بروجا لظهورها. انتهى.

وقيل: هي قصور في السماء للحرس, يروى هذا عن علي وابن عباس رضي الله عنهم ومحمد بن كعب وإبراهيم النخعي وسليمان بن مهران الأعمش. قال ابن كثير: والقول الأول أظهر اللهم ألا تكون الكواكب العظام هي قصور للحرس, فيجتمع القولان. انتهى. وقيل: هي البروج الاثنا عشر التي هو منازل الشمس والقمر والكواكب السيارة, وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا. وهذا القول الأخير هو الذي زعم موسى جار الله أن التفاسير اتفقت عليه. وذلك وهم منه وغلط. الوجه الخامس: أن أهل الهيئة القديمة لم ينفردوا بإثبات البروج الاثني عشر التي تنزلها الشمس والقمر والكواكب السيارة حتى يقال: إنها بروج الهيئة القديمة. بل إثبات هذه البروج الاثني عشر والمنازل الثمانية والعشرين للشمس والقمر والكواكب السيارة, هو المعروف عند علماء المسلمين سوى بعض العصريين المفتونين بتقليد أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج. وهؤلاء لا عبرة بهم كما لا عبرة بسلفهم من فلاسفة الإفرنج. الوجه السادس: أن يقال ليس للسموات نظام ولا منظومات وليس فيها شموس متعددة كما زعمه أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم من العصريين اعتمادا منهم على التخرصات والظنون الكاذبة. وإنما فيها شمس واحدة وقمر واحد وما سوى ذلك فهي نجوم قد جعلها الله تعالى زينة للسماء الدنيا ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها. قال الله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} وقال تعالى {وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا} وقال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا} وقال تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا

لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} الآية وقال تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}. فما ذكره الله في هذه الآيات هو الحق الذي لا ريب فيه, وأما ما زعمه أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم من وجود النظام والمنظومات والشموس المتعددة, فهو هذيان وباطل مردود. وأما قوله: وقد جاء الحق وزهق الباطل وجاء النظام الحق إلى آخره. فجوابه أن يقال: هذا من قلب الحقيقة؛ فإن ما ذكره ههنا باطل وضلال وليس من الحق في شيء كما تقدم إيضاح ذلك في الأوجه الستة. وليس ما ذكره ههنا من نظام السموات, وإنما هو في الحقيقة نظام أهل الهيئة الجديدة الذي تلقوه من تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة. وأما قوله: وشمسنا هذه ليست من كبار الشموس. فجوابه أن يقال: تخرص لا أساس له من الصحة, وليس في الوجود سوى شمس واحدة, كما قد دل على ذلك الكتاب والسنة مع المشاهدة. وقد استوفيت الرد على ما زعموه من تعدد الشموس في الصواعق الشديدة في المثال الحادي عشر من الأمثلة على بطلان الهيئة الجديدة, فليراجع هناك. وأما زعمهم أن في النجوم ما هو أكبر من الشمس, فقد تقدم رده في أثناء هذا الكتاب مع الكلام على مزاعم الصواف في الشمس, فليراجع هناك. وأما قوله: وكل منظومة من هذه المنظومات يسميها القرآن برجًا. فجوابه أن يقال: هذا من القول في القرآن بغير علم. وليس في القرآن

ما يدل على أن في السماء منظومات, فضلا عن أن يكون فيه تسمية تلك المنظومات المتوهمة بروجًا. وقد روى الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والبغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار» هذا لفظ ابن جرير, وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين, فهو مفترٍ على الله, ملحدٌ في آيات الله, محرفٌ للكلم عن مواضعه. انتهى. وقد تقدم كلام المفسرين في البروج التي ذكرها الله في القرآن قريبا. وأما قوله: وهذه السماء ذات البروج يحدث خلال منظوماتها كل يوم انشقاقات, وبتلك الانشقاقات يحدث في المجرة وخارجها سموات. فجوابه أن يقال: هذا كله هوس وهذيان يشبه هذيان المجانين؛ ولو كان يحدث في المجرة وخارجها كل يوم سموات لكانت السموات لا تحصى من كثرتها ولكن هذا من أبطل الباطل؛ فإن السموات سبع بالنص والإجماع. والسماء إنما تنشق يوم القيامة لا في الدنيا كما قال الله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} وقال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} الآيات وقال تعالى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} الآيات وقال تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا}

هذيان في المجرات والرد عليه

وقال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} أي: انشقت {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} وقال تعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا} وقال تعالى: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ * وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} قوله: فجرت, أي: شقت. فهذا الانشقاق إنما يكون يوم القيامة. ومن زعم أن السماء تشقق في الدنيا فقد كذب. وأما قوله: وللإشارة وللإرشاد وإلى مثل هذه الحوادث الهائلة العظيمة وضعت سورة البروج بعد سورة الانشقاق. فجوابه أن يقال: هذا من القرمطة والإلحاد في القرآن, وليس في القرآن ما يشير إلى الانشقاقات التي زعم أنها تحدث كل يوم ولا إلى حدوث السموات التي توهمها أعداء الله بعقولهم الفاسدة. فصل وقال الصواف في صفحة 103 ما نصه: يتضمن هذا الكون خمسمائة مليون من المجرات كما يقدر علماء الفلك. وفي كل مجرة مائة ألف مليون نجم. وأن أقرب مجرة إلى الأرض تلك التي نشاهد جزءا منها كخط أبيض في الليل تمتد مساحتها مائة ألف عام بالنسبة إلى عام الضوء, ونحن سكان الأرض نبتعد عن هذه المجرة مقدار ثلاثين ألف عام من الضوء, ثم أن هذه لمجرة كبيرة تتضمن سبع عشرة

مجرة وتمتد أبعاد هذه المجموعة في مساحة مليوني عام من الضوء, ثم أن هناك حركة أخرى غير هذه الدورات, وهي أن الكون كله يتوسع ويتضخم مثل الكرة في الجوانب الأربعة. والشمس تجري بسرعة هائلة تبلغ اثني عشر ميلا في ثانية نحو الجانب الخارجي لمجرته وتقود كل ما يتبع النظام الشمسي وكذلك النجوم كلها تتوجه إلى أي جانب بسرعة متزايدة مع متابعة دورانها, فمنها ما يبلغ سيره ثمانية أميال في كل ثانية, وما يبلغ سيره ثلاثة وثلاثين ميلا في ثانية وأربعة وثمانين ميلا في ثانية. وهكذا نجد النجوم كلها متجهة نحو الأمام. والجواب أن يقال: كل ما ذكره في هذا الفصل فهو تخرص وهذيان, لا مستند له سوى وحي الشياطين بعضهم إلى بعض, ولا يعتمد عليه أو يُصغي إليه إلا مَنْ هو جاهل مغرور. فأما زعمه أن هذا الكون يتضمن خمسمائة مليون مليون من المجرات, وأن كل مجرة فيها مائة ألف مليون نجم. فجوابه أن يقال: مثل هذا لا يعلم إلا من طريق الوحي ولا وحي على ذلك البتة, وحينئذ فليس مع من يدعي إحصاء المجرات والنجوم سوى اتباع الظن الكاذب. وقد قال الله تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} وقال تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}. وليس في السماء سوى مجرة واحدة, كما هو معلوم بالمشاهدة, ومن زعم وجود غيرها فعليه الدليل من الكتاب أو السنة, ولن يجد إلى ذلك سبيلا.

وأما زعمه أن المجرة تمتد مساحتها مائة ألف عام بالنسبة إلى عام الضوء. فجوابه أن يقال: هذا من جنس ما قبله من التخرص واتباع الظن الكاذب. وأما زعمه أن المجرة تبعد عن سكان الأرض مقدار ثلاثين ألف عام من الضوء. فجوابه أن يقال: هذا من أبطل الباطل؛ لأن المجرة على هذا التقدير تكون فوق العرش وليس فوق العرش شيء سوى الله تبارك وتعالى. وقد علم بالمشاهدة أن المجرة تسير سير الكواكب الثوابت لا تتقدم على شيء منها ولا تتأخر عنه. والنجوم قد جعلت زينة للسماء الدنيا بنص القرآن وبين السماء الدنيا وبين الأرض خمسمائة سنة بنص الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وعلى هذا فليس بين المجرة وبين سكان الأرض سوى خمسمائة سنة. ويشهد لهذا ما رواه الطبراني من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هرقل كتب إلى معاوية رضي الله عنه, وقال إن كان بقي فيهم شيء من النبوة فسيخبرني عما أسألهم عنه, قال: فكتب إليه يسأله عن المجرة وعن القوس وعن بقعة لم تصبها الشمس إلا ساعة واحدة, قال: فلما أتى معاوية الكتاب والرسول قال: إن هذا لشيء ما كنت آبه له أن أسأل عنه إلى يومي هذا. من لهذا, قيل: ابن عباس, فطوى معاوية كتاب هرقل فبعث به إلى ابن عباس رضي الله عنهما, فكتب إليه (إن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق والمجرة باب السماء الذي تنشق منه وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من النهار فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل) قال ابن كثير: إسناده صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.

قلت: وقد رواه سعيد بن منصور في سننه والبخاري في (الأدب المفرد) مختصرا وإسناده صحيح على شرط الشيخين, ولفظ البخاري عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما (القوس أمان لأهل الأرض من الغرق والمجرة باب السماء الذي تنشق منه) ورواه البخاري أيضا من حديث يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أبواب السماء وأما قوس قزح فأمان من الغرق بعد قوم نوح) في إسناده علي بن زيد, وهو حسن الحديث وفيه كلام, وبقية رجاله ثقات. وروى البخاري أيضا في (الأدب المفرد) وابن أبي حاتم أن ابن الكواء سأل عليا رضي الله عنه عن المجرة فقال: (هي شرج السماء ومنها فتحت السماء بماء منهمر). وأما زعمه أن هذه المجرة جزء لمجرة كبيرة تتضمن سبع عشرة مجرة وتمتد أبعاد هذه المجموعة في مساحة مليوني عام من الضوء. فجوابه أن يقال: هذا من جنس ما قبله من التخرص واتباع الظن الكاذب. وليس يرى في السماء سوى مجرة واحدة, وما لم يشاهد بالأبصار, فهو من المغيبات التي لا تعلم إلا من طريق الوحي ولا وحي على شيء مما زعموه البتة, وقد قال الله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}. ومن ادعى علم المغيبات, فهو طاغوت ومن صدقه فهو ممن آمن بالطاغوت, وأما زعمه أن الكون يتوسع ويتضخم فجوابه أن يقال: هذا أيضا من التخرص واتباع الظن الكاذب. وأما زعمه أن الشمس تجري بسرعة هائلة نحو الجانب الخارجي ... إلى قوله: وهكذا نجد النجوم كلها متجهة نحو الأمام.

زعمه حركة الأرض ودورانها والرد عليه

فجوابه أن يقال: هذا أيضا من التخرص واتباع الظن الكاذب, وقد ذكر نحو هذا الهذيان في صفحة 38 حيث قال: والنظام الشمسي كله بما فيه الأرض ينهب الفضاء نهبا بسرعة لا تقل عن 20 ألف ميل في الساعة متجهة نحو برج هركيوليس, وقال أيضا في صفحة 38: وقد دلت الدراسة التي استمرت 20 عاما للضوء المنبعث من الكواكب البعيدة عن أن هذه الكواكب لا تزال ممعنة في الابتعاد في الفضاء, وأن سرعتها تزداد كلما زاد ابتعادها ... إلى آخر كلامه. وقال أيضا في صفحة 43: وليس هناك أبلغ ولا أدق مما يقوله حجة علم الفلك العالم (سيمون) من أعظم الحقائق التي اكتشفها العقل البشري في كافة العصور هي حقيقة أن الشمس والكواكب السيارة وأقمارها تجري في الفضاء نحو برج النسر بسرعة غير معهودة لنا على الأرض ... إلى آخر كلامه, وقد تقدم الكلام على هذه المواضع مستوفى في أول الكتاب, فليراجع؛ ففيه الرد لما زعمه الصواف ههنا. فصل وذكر الصواف في صفحة 104 أن حركة الأرض حول الشمس منظمة تماما؛ قال: وكذلك دوران الأرض حول محورها يبلغ من الانتظام والدقة بحيث لا يلحقه خلل ولا تقديم أو تأخير ثانية واحدة في موعدها ولو بعد قرون. والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن يقال: ليس للأرض حركة حول الشمس ولا دوران حول محورها كما زعمه الصواف تقليدا لفلاسفة الإفرنج وأتباعهم من العصريين. وإنما هي ساكنة ومرساة بالجبال كما دلت على ذلك

تسمية القمر كوكبا والرد عليه

الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة وأجمع عليه المسلمون وأهل الكتاب, وقد ذكرت ذلك مستوفى في أول الصواعق الشديدة, فليراجع هناك؛ ففيه أبلغ رد لما زعمه الصواف ههنا. الوجه الثاني: أن ما قرره ههنا يناقض ما قرره في صفحة 55 من أن الأرض بعد انفصالها عن الشمس كانت تدور حول نفسها بسرعة أكبر مما هي عليه الآن إذ كانت تتم دورنها حول نفسها مرة كل أربع ساعات وأن الليل والنهار كانا أربع ساعات فقط. وبتوالي النقص في سرعة دورانها حول نفسها زادت المدة التي تتم فيها دورانها, فزادت مدة الليل والنهار إلى خمس ساعات ثم إلى ست حتى وصلت إلى أربع وعشرين ساعة, وأن النقص في سرعة دوران الأرض يبلغ حوالي ثانية واحدة كل مائة وعشرين ألف سنة, وأنه بعد 432 مليون سنة يصبح مجموع ساعات الليل والنهار 25 ساعة, قال: وهكذا يتوالى النقص ويطرد طول الليل والنهار, وإذ علم أن كلام الصواف ينقض بعضه بعضا فليعلم أن الأرض ساكنة ثابتة كما تقدم إيضاحه, وأن الجريان والدوران حول الأرض إنما هو للشمس والقمر والكواكب, وأن جريانها ودورانها حول الأرض يبلغ من الانتظام والدقة بحيث لا يلحقه خلل إلى يوم القيامة {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}. فصل وقال الصواف في صفحة 104 أما كوكب الأرض الذي نسميه بالقمر فدورانه معلوم مقرر. والجواب عن هذا من وجوه أحدها: أن يقال: ليس القمر بكوكب كما سماه بذلك أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم من العصريين, وإنما هو قمر كما سماه

الله بذلك في عدة مواضع من كتابه, وسماه بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كثير من الأحاديث الصحيحة. ولم يجيء في كتاب الله ولا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسمية القمر كوكبا, فمن سماه بذلك فقد خالف الكتاب والسنة, وكل قول خالف الكتاب أو السنة فهو مردود على قائله. الوجه الثاني: أن الله تعالى غاير بين القمر وبين الكواكب في مواضع من كتابه كقوله تعالى: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} وقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ} الآية وقوله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} وقوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} الآية. وقوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ} الآية. وعلى هذا فمن جمع بين القمر والكواكب وقال: إنه كوكب من جنسها, فقد جمع بين ما فرق الله بينه وخالف نصوص القرآن. الوجه الثالث: أن الأرض ليس لها كواكب, وإنما الكواكب في السماء وكذلك الشمس والقمر قال الله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}

وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} وقال تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام قال لقومه: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}. ومن زعم أن القمر كوكب للأرض فقوله مردود لمخالفته لنصوص القرآن. الوجه الرابع: أن القمر قرين الشمس في كتاب الله تعالى, فهو قرينها في الحسبان والجريان والسبح في الفلك والدؤوب في السر والبزوغ والأقوال قال الله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} وقال تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} وقال تعالى في أربعة مواضع من القرآن: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} وقال تعالى في موضعين من كتابه: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} وقال تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}. وإذا كان القمر قرين الشمس في كتاب الله تعالى فإنه يلزم أن يقال في الشمس مثل ما قيل في القمر, فمن قال إن دوران القمر حول الأرض معلوم مقرر لزمه أن يقول مثل ذلك في الشمس, وأن لم يفعل فقد فرق بين متماثلين وآمن ببعض الكتاب ورد بعضه, فليختر الصواف وأشباهه من العصريين أي الخطتين شاؤوا, فلا محيد لهم عن إحداهما.

تخرص في المجرات والرد عليه.

فصل وذكر الصواف في صفحة 104 أن خبران الفلك يقدرون أن نظام مجرة بأسره ذلك الذي يحتوي على ملايين من النجوم يدخل في نظام مجرة أخرى خلال الدورات الفضائية ويخرج منه دون أن ينشأ هناك صدام أو خلل في نظم الدورات. والجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أن يقال ليس في السماء سوى مجرة واحدة كما هو معلوم بالمشاهدة, ومن زعم وجود غيرها فليس له مستند سوى التخرص واتباع الظن الكاذب, وقد قال الله تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}. الوجه الثاني: أن المجرة في السماء, وكذلك الكواكب كلها في السماء الدنيا, فلو كان للمجرة أو لشيء من النجوم نظام يدور عليه لكانت توابعها تخترق السماء في حال دورانها عليها, وهذا لا يقوله عاقل. الوجه الثالث: أن عدة النجوم لا يعلمها إلا الله تعالى, ومن زعم أنه يعلم عدتها فقد كذب, والذين زعموا أن نظام مجرة بأسره يحتوي على ملايين الملايين من النجوم ليس لهم مستند سوى التخرص والرجم بالغيب. فصل وقال الصواف في صفحة 107 وصفحة 108 (اتساع الكون) قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} وقال عز وجل: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} يقول الله سبحانه عن السموات إنها سبع وزيادة عليها يوجد العرش الذي

وصفه بأنه عظيم, ويصف جل شأنه هذه السموات أنها طباق؛ ففي سورة الملك {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا} وأن هذه السموات تتسع. هذه الآية جمعت علما لم يمكن معرفته إلا في الأعوام القليلة الماضية. وما زال العلماء في دراسة متواصلة فيه رغم أن القرآن قد أوضحه منذ عشرات المئات من السنين. أن التقدم الذي أحرزه العلم الفزيقي, وظهور الكشوف العلمية الحديثة في الفلك قد مكنت العلماء من فهم هذه السموات السبع والأراضي السبع. فقد أثبت العلم بأن الشمس والقمر والنجوم والمذنبات والنيازك والشهب والسدم, إنما هي سموات فوق سموات تتألف منها عوالم الكون. يقول العالم الفلكي (أرثر فندلاي) في كتابه (على حافة العلم الأثيري) إن العلم أثبت أن السموات السبع هي أفضية منسابة يتبعثر خلالها ويرتد ضوء الشموس السبع الأثيرية التي تحيط بالشمس الفزيقية من كل جانب, وأكد أن الأراضي السبع هي كرات أثيرية تحيط بالكرة الأرضية وتتخللها. والجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أن ما زعمه من اتساع الكون وأن السموات تتسع فهو قول لا دليل عليه من كتاب ولا سنة, وإنما يعتمد أهله على التخرصات والظنون الكاذبة وقد قال الله تعالى {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}. الوجه الثاني: أن الآية من سورة الذاريات ليس فيها دليل على ما زعمه من كون السموات تتسع إلى الآن, وإنما دلت على أن الله تعالى حين خلق السموات جعلها واسعة.

قال ابن كثير على قوله تعالى: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}: أي: قد وسعنا أرجاءها ورفعناها بغير عمد حتى استقلت كما هي. وقال ابن جرير يقول لذو سعة بخلقها وخلق ما شئنا أن نخلقه وقدرة عليه ومنه قوله: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} يراد به القوي. ثم روى عن ابن زيد أنه قال في قوله: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} قال: أوسعها جل جلاله. وذكر البغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}: لقادرون. وعنه أيضا: لموسعون الرزق على خلقنا. وقيل: ذوو سعة. وقال الضحاك: أغنياء. دليله قوله عز وجل: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} وقال الحسن: لمطيقون. وقال القرطبي قال ابن عباس رضي الله عنهما: لقادرون, وقيل: وإنا لذو سعة بخلقها وخلق غيرها لا يضيع علينا شيء نريده, وقيل: وإنا لموسعون الرزق على خلقنا. عن ابن عباس. الحسن: وإنا لمطيقون. وعنه أيضا: وإنا لموسعون الرزق بالمطر. وقال الضحاك: أغنيناهم. دليله {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ}. وقال القتبي: ذو سعة على خلقنا. والمعنى متقارب. وقيل جعلنا بينها وبين الأرض سعة. الجوهري: وأوسع الرجل, أي: صار ذا سعة وغنى, ومنه قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أي: أغنياء قادرون, فشمل جميع الأقوال. انتهى كلام القرطبي. وقال أبو حيان في تفسيره عند قوله تعالى: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}: أي: بناءها؛ فالجملة حالية أي: بنيناها موسعوها كقوله جاء زيد وأنه لمسرع أي: مسرعا, فهي بحيث أن الأرض وما يحيط بها من الماء والهواء كالنقطة وسط الدائرة, وقال ابن زيد قريبا من هذا, وهو أن الوسع راجع إلى السماء, وقيل لموسعون قوة

وقدرة أي: لقادرون من الوسع وهو الطاقة. وقال الحسن: أوسع الرزق بالمطر والماء. انتهى. فهذه أقوال السلف في تفسير الآية وهم أعلم بكتاب الله من جهلة العصريين الذين يتأولون القرآن على غير تأويله ويحملونه على ما يوافق آراء الإفرنج وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة. الوجه الثالث: أن الله تعالى أخبر في عدة آيات من القرآن أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وفيها أوضح دليل على أن الله تعالى أتم خلق السموات وفرغ منهن في تلك الأيام الستة, وفي ذلك رد على من زعم أن السموات لا تزال تتسع. وبزيد ذلك إيضاحا قول الله تعالى في سورة حم السجدة {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ}. قال الإمام أبو جعفر ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسيره: يقول تعالى ذكره ففرغ من خلقهن سبع سموات في يومين وذلك يوم الخميس ويوم الجمعة. ثم روى بإسناده عن السدي قال استوى إلى الماء وهي دخان من تنفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة, وإنما سمي يوم الجمعة؛ لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض. قال ابن جرير وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ثم ذكر في ذلك آثارا كثيرة فمن أراد الوقوف عليها, فليراجعها في تفسيره. وقال البغوي في قوله تعالى {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} أي: أتمهن, وفرغ من خلقهن.

وقال القرطبي في تفسيره. قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} أي: أكملهن وفرغ منهن. وقيل أحكمهن. قلت: ولا منافاة بين القولين؛ فإنه تعالى أحكمهن وفرغ منهن. ومن زعم أن السموات لا تزال تتسع, فقد زعم أن خلق السموات لم يكمل إلى الآن وذلك تكذيب لما أخبر الله به في هذه الآية الكريمة وفي غيرها من الآيات التي أشرت إليها آنفا. الوجه الرابع: أنه قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من عدة أوجه أنه قال: «بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة» وزاد في بعض الروايات «ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة» وقد ذكرت هذه الأحاديث في أول الصواعق الشديدة مع الأدلة على ثبات الأرض, فلتراجع هناك. وتحديد المسافة التي بين السماء والأرض, ومن كل سماء إلى سماء بخمسمائة وتحديد كثف كل سماء بمثل ذلك أيضا يدل على أن السموات لا تزال على ما كانت عليه منذ خلقها الله تعالى إلى أن تقوم الساعة, وأن ما بين كل سماء إلى سماء وما بين السماء والأرض لا يزال على ما كان عليه منذ خلقه الله إلى أن تقوم الساعة, ولو كانت السموات تتسع كما زعمه فلاسفة الإفرنج وأتباعهم من العصريين لكانت المسافة التي بين السماء والأرض ومن كل سماء إلى سماء تتغير على ممر الأزمان وكان كثف كل سماء يزيد إلى يوم القيامة. وهذا ظاهر على ممر الأزمان لمعارضته لمدلول الأحاديث التي ذكرنا والله أعلم. الوجه الخامس: أن القول في القرآن بمجرد الرأي حرام شديد التحريم. وقد ورد الوعيد الشديد على ذلك, كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد

والترمذي وابن جرير والبغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار» هذا لفظ ابن جرير وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وإذا كان هذا الوعيد الشديد لمن قال في القرآن برأيه فكيف بمن قال فيه بآراء فلاسفة الإفرنج وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة, كما فعله الصواف في هذا الموضع وفي عدة مواضع من رسالته. الوجه السادس: أن القرآن منزه عما حمله الصواف عليه من تخرصات الإفرنج وظنوهم الكاذبة, وما قدر الله حق قدره من جعل كلام الله ملعبة له يتأوله على غير تأويله ويحمله على تخرصات أعداء الله وظنونهم الكاذبة. الوجه السابع: أن يقال من أعظم الإزراء بالسلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة العلم والهدى من بعدهم ما زعمه الصواف في الآيات التي تقدم ذكرها في أول الفصل أنها جمعت علما لم يكن معرفته إلا في الأعوام القليلة الماضية رغم أن القرآن قد أوضحه منذ عشرات المئات من السنين. وهذا العلم الذي أشار إليه هو ما ذكره عن الجهل الفزيقي والكشوف الجهلية الحديثة في الفلك, وما قاله الجاهل (أرثر فندلاي). وقد جمع الصواف في هذا الموضع بين أمرين عظيمين أحدهما القول في القرآن بغير علم. والثاني الغض من الصحابة والتابعين وأئمة العلم والهدى من بعدهم حيث زعم أن القرآن قد أوضح شيئا من العلم ولم يمكنهم أن يعرفوه وعرفه فلاسفة الإفرنج وأتباعهم من العصريين. والصحابة رضي الله عنهم أجل قدرا من أن يجهلوا شيئا مما أوضحه

القرآن. وكذلك التابعون وأئمة العلم والهدى من بعدهم. وقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (من كان مستنا فليس بمن قد مات أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا خير هذه الأمة أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبين - صلى الله عليه وسلم - ونقل دينه فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم فهم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا على الهدى المستقيم والله رب الكعبة) رواه أبو نعيم في الحلية. وروى رزين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نحوه. وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم أعمق هذه الأمة علما فمحال أن يوضح القرآن شيئا ولا تمكنهم معرفته. وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن) رواه ابن جرير بإسناد صحيح. وفي الصحيحين عن مسروق قال: قال عبد الله - يعني ابن مسعود رضي الله عنه - (والله الذي لا إله غيره ما من كتاب الله سورة إلا أنا أعلم حيث نزلت وما من آية إلا أنا أعلم فيما نزلت). ورواه ابن جرير ولفظه قال عبد الله: (والذي لا إله غيره ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فِيمَ نزلت وأين أنزلت). وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ

الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. وأول المعنيين بهذه الآيات هم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين؛ فقد علمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الكتاب والحكمة, وبين لهم ما نزل إليهم حتى تركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها, كما في الحديث الذي رواه ابن ماجة عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وأيم الله لقد تركتكم على مثل اليضاء ليلها ونهارها سواء» قال أبو الدرداء: صدق والله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء. وروى الإمام أحمد وابن ماجة والحاكم في مستدركه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك». ورواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة بنحوه. قال المنذري وإسناده حسن. وروى الإمام أحمد أيضا والطبراني عن أبي ذر رضي الله عنه قال لقد: تركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما. قال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقري وهو ثقة. وروى علم ما ذكرنا فمحال أن يوضح القرآن شيئا ولا يعرفه الصحابة رضي الله عنهم. فأما الجهالات والضلالات التي أحرزها الجهل الفزيقي والكشوف الجهلية في الفلك وما أشبه ذلك من زخرف القول الذي توحيه الشياطين إلى أوليائهم

من الإنس, فالصحابة رضي الله عنهم أجل قدرا من أن يتعلقوا بشيء من ذلك أو يروج عندهم وإنما يروج ذلك عند جهال العصريين استزلهم الشيطان وأغواهم وفتنهم بتقليد أعداء الله وقبول آرائهم الفاسدة وظنونهم الكاذبة. وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى في كتابه (نقض المنطق): من المعلوم من حيث الجملة أن الفلاسفة والمتكلمين من أعظم بني آدم حشوا وقولا للباطل وتكذيبا للحق في مسائلهم ودلائلهم لا يكاد - والله أعلم - تخلو لهم مسألة واحدة عن ذلك. وقال أيضا في الكتاب المذكور: إذا تدبر المؤمن العليم سائر مقالات الفلاسفة وغيرهم من الأمم التي فيها ضلال وكفر وجد القرآن والسنة كاشفين لأحوالهم مبينين لحقهم مميزين بين حق ذلك وباطله. والصحابة رضي الله عنهم كانوا أعلم الخلق بذلك, كما كانوا أقوم الخلق بجهاد الكفار والمنافقين, كما قال فيهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم). فأخبر عنهم بكمال بر القلوب مع كمال عمق العلم, وهذا قليل في المتأخرين - إلى أن قال وأهل التعمق في العلم قد يدركون من معرفة الشرور والشبهات ما يوقعهم في أنواع الغي والضلالات, وأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا أبر الخلق قلوبا وأعمقهم علما.

ثم أكثر المتعمقين في العلم من المتأخرين يقترن بتعمقهم التكلف المذموم وهو القول والعمل بلا علم وطلب مالا يدرك. وأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا - مع أنهم أكمل الناس علما نافعا وعملا صالحا - أقل الناس تكلفا؛ يصدر عن أحدهم الكلمة والكلمتان من الحكمة أو من المعارف ما يهدي الله بها أمة. وتجد غيرهم يحشون الأوراق من التكلفات والشطحات ما هو من أعظم الفضول المبتدعة والآراء المخترعة لم يكن لهم في ذلك سلف إلا رعونات النفوس المتلقاة ممن ساء قصده في الدين. ويروى أن الله سبحانه قال للمسيح إني سأخلق أمة أفضلها على كل أمة وليس لها علم ولا حلم فقال المسيح أي رب كيف تفضلهم على جميع الأمم وليس لهم علم ولا حلم قال أهبهم من علمي وحلمي. وهذا من خواص متابعة الرسول فأيهم كان له أتبع كان في ذلك أكمل, كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. وكذلك في الصحيحين من حديث أبي موسى وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم «مثلنا ومثل الأمم قبلنا كالذي استأجر أجراء فقال: من يعمل إلى نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي إلى صلاة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل لي إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين فعمل المسلمون فغضبت اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل أجرا قال: فهل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا: لا, قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء».

فدل الكتاب والسنة على أن الله يؤتي أتباع هذا الرسول من فضله ما لم يؤته لأهل الكتابين قبلهم فكيف بمن هو دونهم من الصائبة دع مبتدعة الصائبة من المتفلسفة ونحوهم. ومن المعلوم أن أهل الحديث والسنة أخص بالرسول وأتباعه فلهم من فضل الله وتخصيصه إياهم بالعلم والحلم وتضعيف الأجر ما ليس لغيرهم كما قال بعض السلف أهل السنة في الإسلام, كأهل الإسلام في الملل. فهذا الكلام تنبيه على ما يظنه أهل الجهالة والضلالة من نقص الصحابة في العلم والبيان أو اليد والسنان. والمقصود التنبيه على أن كل من زعم بلسان حاله أو مقاله أو طائفة غير أهل الحديث أدركوا من حقائق الأمور الباطنة الغيبية في أمر الخلق والبعث والمبدأ والمعاد وأمر الإيمان بالله واليوم الآخر وتعرف وأجب الوجود والنفس الناطقة والعلوم والأخلاق التي تزكو بها النفوس وتصلح وتكمل دون أهل الحديث فهو - إن كان من المؤمنين بالرسل - فهو جاهل فيه شعبة قوية من شعب النفاق وإلا فهو منافق خالص من الذين {إِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} وقد يكون من {الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}. وقد يبين ذلك بالقياس العقلي الصحيح الذي لا ريب فيه, وإن كان ذلك ظاهرا بالفطرة لكل سليم الفطرة, فإنه متى كان الرسول أكمل الخلق وأعلمهم بالحقائق وأقومهم قولا وحالا لزم أن يكون أعلم الناس به أعلم الخلق بذلك, وأن يكون أعظهم موافقة له واقتداء به أفضل الخلق - إلى أن قال: فإذا

كان الرسول أعلم الخلق بالحقائق الخبرية والطلبية وأحب الخلق للتعليم والهداية والإفادة وأقدر الخلق على البيان والعبارة امتنع أن يكون من هو دونه أفاد خواصه معرفة الحقائق أعظم مما أفادها الرسول لخواصه فامتنع أن يكون عند أحد من الطوائف من معرفة الحقائق ما ليس عند علماء الحديث. انتهى المقصود من كلامه ملخصا. الوجه الثامن: أن الصواف صدر كلامه في هذا الموضع بعنوان (اتساع الكون) ثم أورد الآيات الثلاث من سورة المؤمنين وسورة الذاريات وسورة الملك ثم عقب ذلك بما أحرزه الجهل الفزيقي والكشوف الجهلية الحديثة في الفلك من أن الشمس والقمر والنجوم والمذنبات والنيازك والشهب والسدم إنما هي سموات فوق سموات تتألف منها عوالم الكون, وما قاله الجاهل الفلكي "أرثر فندلاي" من أن السموات السبع أفضية منسابة, وأن الأرضين السبع كرات أثيرية تحيط بالكرة الأرضية وتتخللها. وهذا ظاهر في حمله الآيات الثلاث على ما ذكره بعدها وجعله كالتفسير لها وذلك من تأويل الآيات على غير تأويلها. وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى: من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله, ملحد في آيات الله, محرف للكلم عن مواضعه. انتهى. الوجه التاسع: أن الله تعالى نص في تسعة مواضع من القرآن على أن السموات سبع فقط. وأخبر في سورة الملك وسورة نوح أنها طباق أي: بعضها فوق بعض. وقال في سورة المؤمنين: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} أي: بعضها فوق بعض, كما قاله غير واحد من المفسرين وأئمة اللغة. وأخبر

تبارك وتعالى أنه جعل في السماء سراجا, وهي الشمس وقمرا منيرا. وأخبر أيضا أنه زين السماء الدنيا بالكواكب. وأخبر أيضا أن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا. وفي هذه النصوص وما فيه من التفريق بين السموات وبين ما جعله الله فيها من السراج والقمر والزينة التي هي النجوم, وما ملئت به من الحرس والشهب أعظم رد على ما فهمه أهل الجهل الفزيقي والكشوف الجهلية من أن الشمس والقمر والنجوم والمذنبات والنيازك والشهب والسدم إنما هي سموات فوق سموات, تتألف منها عوالم الكون. الوجه العاشر: أن ما أحرزه الجهل الفزيقي والكشوف الجهلية وما أثبته جهلهم يقتضي أن تكون السموات كثيرة جدا بحيث لا يحصرها علم البشر وفي هذا أعظم معارضة للقرآن والأحاديث الصحيحة الدالة على أن السموات سبع فقط. وقد ذكرت جملة منها في الصواعق الشديدة فلتراجع هناك. وفيه أيضا معارضة لإجماع أهل السنة على أن السموات سبع طبقات. وقد ذكرت ذلك في الصواعق الشديدة فليراجع هناك. وما عارض نصوص القرآن والأحاديث الصحيحة وإجماع أهل السنة فمضروب به عرض الحائط, ومردود على قائله كائنا من كان. الوجه الحادي عشر: أن كلام الصواف ينقض بعضه بعضا؛ فقد قال في الكلام على الآية من سورة المؤمنين ما نصه: (يقول الله سبحانه عن السموات إنها سبع وزيادة عليها يوجد العرش الذي وصفه بأنه عظيم ويصف جل شأنه هذه السموات أنها طباق) ثم ذكر بعد ذلك أن العلم أثبت أن الشمس والقمر والنجوم والمذنبات والنيازك والشهب والسدم إنما هي سموات فوق سموات تتألف منها عوالم الكون.

وهذا من أقبح التناقض؛ لأنه قد قرر أن السموات سبع كما نطقت به الآية الكريمة. ثم ذكر ما يقتضي كثرة عدد السموات وأن عدتها لا تنحصر في سبع بل ولا سبعين ولا سبعمائة ولا سبعة آلاف, ومثل هذا التناقض لا يصدر من رجل عاقل أبدا. الوجه الثاني عشر: أن إيراد الصواف لما أحرزه الجهل الفزيقي والكشوف الجهلية الحديثة في الفلك وما أثبته جهلهم من أن الشمس والقمر والنجوم والمذنبات والنيازك والشهب والسدم إنما هي سموات فوق سموات تتألف منها عوالم الكون, وإيراده أيضا لما قاله الجاهل الفلكي "أرثر فندلاي" من أن الجهل أثبت أن السموات السبع أفضية مناسبة, وتقرير لهذه الأقوال الباطلة يقتضي تكذيب ما أخبر الله به في كتابه من كون السموات سبعا وكونهن شدادا. ويقتضي أيضا تكذيب ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كون السموات سبعا كثف كل سماء منهن خمسمائة سنة. بل هذا في الحقيقة إنكار لوجود السموات التي نص الله عليها في مواضع كثيرة من القرآن. ونص عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كثير من الأحاديث الصحيحة وأخبر أنه عرج به إليها فلم يدخل سماء منها هو وجبريل إلا بعد الاستفتاح وفتح الباب لهما. وإذا كانت السموات السبع عند أهل الجهل الفزيقي والكشوف الجهلية ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من جهال العصريين هي الشمس والقمر والنجوم والمذنبات والنيازك والشهب والسدم, فإنه يلزم على قولهم أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عرج به إلى الشمس والقمر والنجوم والمذنبات والنيازك والشهب والسدم ورأى فيها آدم وإبراهيم وموسى وهارون وإدريس ويوسف ويحيى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وهذا لا يقوله مسلم, ومع هذا فقد أدخله الصواف في علم الفلك الذي نسبه إلى المسلمين. وهذا من أكبر

الخطأ وأعظم الفرية على المسلمين. الوجه الثالث عشر: أن الله تبارك وتعالى قال {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادً}. وروى الإمام أحمد وغيره من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة» وفي هذا النص مع نص الآية الكريمة أبلغ رد على ما زعمه الجاهل الفلكي "أرثر فندلاي" من أن السموات أفضية مناسبة إلى آخر كلامه. الوجه الرابع عشر: أنه ليس في السماء سوى شمس واحدة كما هو معلوم بالمشاهدة ومنصوص عليه في مواضع كثيرة من القرآن والأحاديث الصحيحة, وقد ذكرت الأدلة على ذلك مستوفاة في أول الصواعق الشديدة, وذكرت جملة منها في مواضع من هذا الكتاب, فلتراجع هنا وهناك, ومن زعم أن في السماء شموسا متعددة فهو من أكذب الكاذبين. الوجه الخامس عشر: أن كل ما ذكره الصواف عن الجاهل الفلكي "أرثر فندلاي" من أن السموات أفضية مناسبة, وأن هناك شموسا سبعا أثيرية, وأن الأرضين السبع كرات أثيرية تحيط بالكرة الأرضية وتتخللها فكله هوس وهذيان مردود بالنصوص الدالة على أن السموات شداد, وأن كثف كل سماء خمسمائة سنة, وأنه ليس في السماء سوى شمس واحدة وأن الأرضين ليست بالأثير أي الهواء الذي هو فوق الأرض أو يتخللها وإنما هي أجرام صلبة كما هو مشاهد من أعلاها الذي نحن ساكنون عليه. وكما يدل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين» رواه الإمام أحمد والبخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. والخسف لا يكون في الهواء ولا إلى الجهة الفوقية, وإنما يكون في

تصوير صورة العالم والرد عليه

المواضع الصلبة, وفيما هو تحت المخسوف به. وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «خسف به إلى سبع أرضين» دليل على أن الأرضين بعضهن فوق بعض, وأعلاهن ما نحن ساكنون عليه. فصل وفي صفحة 108 ساق الصواف كلاما للفلكي "سيمون نيوك" صور فيه صورة العالم وحجم الأرض والشمس والقمر والنجوم السيارة وأبعادها, وما بينها وبين النجوم الثوابت من البعد العظيم على حد زعمه الكاذب, وما بين النجوم الثوابت أيضا من البعد الشاسع بالنسبة إلى العالم الذي تصوره بعقله الفاسد. وهذا التصوير لا دليل عليه من كتاب ولا سنة, وإنما هو مبني على التخرص واتباع الظن الكاذب. وقد قال الله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} وقال تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}. ولا يغتر بمثل هذا الهذيان ويصغى إليه إلا جاهل قد أعمى الله بصيرته. فصل وقال الصواف في صفحة 109 ما نصه: ولعل أدق وصف للأرض بالنسبة للكون هو أنها هباءة دقيقة لا ترى إلا بالمجهر في هذا الفضاء الفلكي الواسع بالنسبة إلى الأجرام السماوية المتناثرة في أنحاء الكون. والجواب أن يقال: هذا قول باطل مردود, وقد نبهت على بطلانه في أول الكتاب, فليراجع هناك.

زعمه اتساع الكون وافتراؤه على القرآن والرد عليه

فصل وقال الصواف في صفحة 109 ما نصه: هذا وقد أثبتت الأبحاث الأخيرة أن حجم الكون أخذ في الزيادة والاتساع شيئا فشيئا, وكلما ازداد حجمه ازدادت المسافة بين أجرامه. فسبحان أعلم العلماء, وما أعظم صدق القرآن, وهو يقرر هذه الحقيقة العلمية قبل أن تعرف, وهي أن السماء في اتساع دائم {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}. والجواب أن يقال, أما زعمه أن حجم الكون أخذ في الزيادة والاتساع شيئا فشيئا, وكلما ازداد حجمه ازدادت المسافة بين أجرامه فهو قول لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا معقول صحيح, وما ليس عليه دليل فليس عليه تعويل. وأيضا فالأمور الغيبية لا يمكن الوصول إلى علمها بالأبحاث التي هي التخرصات والظنون الكاذبة على الحقيقة, وإنما تعلم من طريق الوحي. وقد انقطع الوحي بموت النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} وقال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} وقال تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}. وتأويل الصواف للآية من سورة الذاريات على ما زعمه من الاتساع الدائم

افراط المحاسني في مدح الصواف والرد عليه

لم يؤثر عن أحد من المفسرين, وإنما هو من تحريف الكلم عن مواضعه, وقد ذكرت الرد عليه وكلام المفسرين على الآية في أول الفصل الذي قبل هذا الفصل بفصلين, فليراجع. وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير لمعروف عن الصحابة والتابعين, فهو مفتر على الله, ملحد في آيات الله, محرف للكلم عن مواضعه. انتهى. وأما قوله فسبحان أعلم العلماء فجوابه أن يقال: هذه العبارة لم ينطق بها كتاب ولا سنة ولم تؤثر عن أحد من السلف الصالح ولا من بعدهم من علماء المسلمين ولم أرها لأحد قبل الصواف. والذي عليه أهل السنة والجماعة أنهم لا يصفون الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولم يكونوا يبتدعون في صفات الرب ألفاظا لم ترد في الكتاب ولا في السنة. فمن سلك سبيلهم فهو منهم. ومن حاد عن سبيلهم وسلك سبل أهل البدع فهو منهم. ولقد أحسن الراجز حيث يقول: وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف فصل وفي صفحة 111 وصفحة 112 ذكر الصواف المعلقين على محاضرته والمادحين له ومنهم محمد زكي المحاسني وذكر من قوله. لا تسألوا عن صوفه أو قطنه ... فمن الصفاء دعوه بالصواف

كراهة المدح والأمر بحثو التراب في وجوه المداحين

هو في الأئمة بين سادة مكة ... أهل التقى والعلم والإنصاف ثم قال: قطنا لبست أو ارتديت الصوفا ... فلقد وجدتك بالهدى موصوفا وإذا المنابر بالرجال تلألأت ... عرفت لسانك بالمقال عفيفا والجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أن إيراد الصواف لهذه الأبيات في رسالته من تزكية النفس وقد قال الله تعالى {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا}. قال البغوي عند قوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تمدحوها. وقال الحسن: علم الله من كل نفس ما هي صانعة وإلى ما هي صائرة, فلا تزكوا أنفسكم, فلا تبرئوها من الآثام, ولا تمدحوها بحسن أعمالها. وفي صحيح مسلم عن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنها قالت: سُميت برة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم». الوجه الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كره المدح وأنكر على المداحين, وأمر أن يحثى في وجوههم التراب كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة عن أبي بكرة رضي الله عنه قال مدح رجل رجلا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ويلك قطعت عنق صاحبك - مرارا - إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة فليقل أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله

أحدا أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك». وروى مسلم أيضا عن أبي موسى رضي الله عنه قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا يثني على رجل ويطريه في المدحة فقال: «لقد أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل». وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة عن همام بن الحارث قال: جاء رجل إلى عثمان فأثنى عليه في وجهه, قال: فجعل المقداد بن الأسود يحثو في وجهه التراب, ويقول: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لقينا المداحين أن نحثو في وجوههم التراب. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده من حديث همام بن الحارث قال: كنا جلوسا في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء قوم يثنون على عثمان ويمدحونه والمقداد في ناحية المسجد, فلما سمعهم يمدحونه قام فتناول الحصا, فجعل يحثو في وجوههم, فقال عثمان: ما هذا؟ قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا رأيتم المداحين فاحثو في وجوههم أو قال: في أفواههم التراب: أو قال الحصا». وقال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن سعيد بن العاص بعث وفدا من العراق إلى عثمان, فجاؤوا يثنون عليه, فجعل المقداد يحثو في وجوههم التراب, وقال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نحثو في وجوه المداحين التراب. وقال سفيان مرة: فقام المقداد, فقال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «احثوا في وجوه المداحين التراب» قال الزبير: أما المقداد فقد قضى ما عليه. وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن حبيب عن

مجاهد عن أبي معمر قال: قام رجل يثني على أمير من الأمراء, فجعل المقداد يحثو في وجهه, وقال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نحثو في وجوه المداحين التراب. وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا يحيى عن وائل بن داود قال: سمعت عبد الله البهي أن ركبا وقفوا على عثمان بن عفان فمدحوه, وأثنوا عليه ثم المقداد بن الأسود فأخذ قبضة من الأرض فحثاها في وجوه الركب فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا سمعتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب». وإذا كان هذا فعل المقداد رضي الله عنه مع من مدح عثمان الذي هو أهل للمدح والثناء فكيف بمن مدح من لا يستحق المدح والثناء وإنما يستحق القدح والذم والتأنيب وما هو أشد من ذلك, فالله المستعان. وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن الحكم عن ميمون بن أبي شبيب, قال: جعل رجل يمدح عاملا لعثمان, فعمد المقداد, فجعل يحثو التراب في وجهه, فقال له عثمان: ما هذا؟ قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب». وقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده من حديث شعبة به إلا أنه قال جعل رجل يمدح غلاما لعثمان. وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نحثو في أفواه المداحين التراب. قال الترمذي: هذا حديث غريب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. الوجه الثالث: أن المحاسني قد أخطأ في عدة مواضع من كلامه. أحدها: قوله: فمن الصفاء دعوه بالصواف

والجواب أن يقال: ليس الأمر كما زعمه المحاسني من أن الصواف منسوب إلى الصفاء؛ وإنما هو منسوب إلى بيع الصوف, كما يقال لبائع التمر تمار ولبائع السمن سمان ولبائع الزيت زيات ولبائع البقل بقال ولبائع النحاس نحاس وما أشبه ذلك. ولو كان منسوبا إلى الصفاء لقيل له الصافي لا الصواف. الموضع الثاني: عده من الأئمة أهل التقى والعلم والإنصاف. والجواب أن يقال: هذا فيه نظر لا يخفى على من له أدنى علم ومعرفة. الموضع الثالث: قوله فلقد وجدتك بالهدى موصوفا. والجواب أن يقال: وهذا أيضا فيه نظر لا يخفى على من له أدنى علم ومعرفة, ولقد أحسن الشاعر حيث يقول: ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكل أمر منكر وبقيت في خلف يزين بعضهم ... بعضا ليدفع معور عن معور فطن لكل مصيبة في ماله ... وإذا أصيب بدينه لم يشعر الموضع الرابع: قوله عرفت لسانك بالمقال عفيفا والجواب أن يقال: كيف يكون لسانه عفيفا بالمقال وهو قد قال على الله تعالى وعلى كتابه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بغير علم, وأخطأ على المسلمين خطأ كبير كير نسب إليهم من التخرصات والظنون الكاذبة ما هم بريئون منه. فأما قوله على الله تعالى وعلى كتابه بغير علم, ففي مواضع من رسالته التي قد رددت عليها. منها قوله في صفحة 40: أن القرآن أشار إلى نظرية "لابلاس" وهي قوله: أن الأرض والشمس ومختلف الكواكب والأجرام إنما كانت سديما في

الفضاء وأن الأرض انفصلت عن هذا السديم. ثم قال في صفحة 41: وبذلك قرر العلم اليوم ما قرره القرآن وأشار إليه قبل ألف وأربعمائة عام من أن الأرض والشمس والنجوم, أي: السماء والأرض وما فيهما, إنما كانت سديما انفصل إلى أجزاء. وهذا من القول على الله وعلى كتابه بغير علم. وقد استوفيت الرد عليه في أول هذا الكتاب فليراجع. ومنها في صفحة 42 وصفحة 43 فقد أورد آيتين من سورة يس وآية من سورة النمل ثم حمل الآيات على ما يزعمه فلاسفة الإفرنج من التخرصات والظنون الكاذبة, وزعم أن ذلك مما قرره القرآن الكريم, وهذا من الافتراء على الله وعلى كتابه, وقد استوفيت الرد عليه في أول الكتاب, فليراجع هناك. ومنها في صفحة 54 - 55 - 56 فقد أورد آيتين من سورة القصص, وحملهما على ما يزعمه فلاسفة الإفرنج من حركة الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس, وهذا من الافتراء على الله وعلى كتابه, وقد استوفيت الرد عليه في أول الكتاب, فليراجع هناك. ومنها في صفحة 61 فقد زعم أن المستقر الذي ذكره الله في قوله {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} إنه المحور الذي تدور عليه الشمس حول نفسها, وهذا من الافتراء على الله وعلى كتابه, وقد استوفيت الرد عليه في أثناء الكتاب, فليراجع هناك. ومنها أنه في صفحة 76 أورد آية من سورة الإسراء ثم حملها في صفحة 78 على ما يوافق آراء الإفرنج وتخرصاتهم وزعم أن ذلك من معجزات القرآن, وهذا من الافتراء على الله وعلى كتابه, وقد استوفيت الرد عليه في أثناء الكتاب, فليراجع هناك.

ومنها أنه في صفحة 97 - 98 زعم أن الله يحثنا على البحث عن الكواكب, وما فيها من عوالم, وهذا من الافتراء على الله تعالى, وقد تقدم الكلام عليه في موضعه. ومنها أنه في صفحة 101 نقل كلاما لموسى جار الله زعم فيه أن السموات لها منظومات, وكل منظومة من هذه المنظومات يسميها القرآن برجا إلى آخر هذيانه في السطر الأول من صفحة 102 وهو من الافتراء على الله وعلى كتابه, وقد تقدم التنبيه على ذلك في موضعه. ومنها أنه في صفحة 107 وصفحة 109 ذكر الآيتين من سورة المؤمنين وسورة الذاريات ثم حملها على ما يوافق تخرصات الإفرنج وظنونهم الكاذبة, وهذا من الافتراء على الله وعلى كتابه, وقد تقدم التنبيه على ذلك قريبا, فليراجع. وأما قوله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغير علم ففي صفحة 78. وأما خطؤه على المسلمين, ففي عنوان رسالته حيث زعم أن ما أودعه فيها من تخرصات الإفرنج وظنونهم الكاذبة, فهو من علوم المسلمين في الفلك, وقد نبهت على ذلك في أول الكتاب, فليراجع هناك. وفي صفحة 60 زعم أن القول بثبات الشمس وقرارها قد سبق إليه العلماء الأعلام من المسلمين. وهذا غلط وخطأ عليهم. وفي صفحة 61 زعم أن للشمس محورا تدور عليه, كما تدور المروحة السقفية على محولها وفسر المستقر المذكور في قول الله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} بما زعمه من المحور المتوهم. قال وقد قال بهذا القول رجال

مدحه لرسالته المضلة والرد عليه

من سلف هذه الأمة الخيار وذكر منهم مجاهدا. وهذا غلط وخطأ عليهم. وقد نبهت على ذلك في موضعه, فليراجع هناك. ومما ذكرته من هذه الأمثلة يعلم أن لسان الصواف ليس عفيفا بالمقال, وأن من وصفه بالعفاف فقد أخطأ فصل وقال الصواف في صفحة 113 ما نصه: وانتهت المحاضرة بعد هذا وكان من نتاجها الطيب هذا الكتاب "المسلمون وعلم الفلك" الذي بين أيدي القراء اليوم, والذي نسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم, وأن يشفع لنا به سبحانه وتعالى. والجواب أن يقال: ليس كتاب الصواف من النتاج الطيب كما زعم ذلك؛ وإنما هو من النتاج الذي ليس بطيب, كما لا يخفى على من نور الله قلبه بنور العلم والإيمان. وذلك لأنه محشو من تخرصات الإفرنج وظنونهم الكاذبة المخالفة لما في كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. مع ما فيه من القول على الله وعلى كتابه وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المسلمين بغير علم. وما كان كذلك فليس بطيب, وإنما هو بضد ذلك. ولكن القلوب إذا عميت وانتكست صارت ترى الباطل حقا والمنكر معروفا والخبيث طيبا. ولما كان الصواف قد عدم التمييز بين الطيب الذي يرجى نفعه وبين ضده الذي هو ضرر محض رأى أن كتابه من النتائج الطيب, وسأل الشفاعة به, ولقد أحسن الشاعر حيث يقول:

كلام له باطل والرد عليه

يقضي على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن وأما قوله: وأن يشفع لنا به فجوابه أن يقال ومن ترى يشفع لك به عنده. تعالى الله, وتقدس وتنزه عما يقول الجاهلون علوا كبيرا. وقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأعرابي إنكارا شديدا لما قال له: إنا لنستشفع بالله عليك. ففي سنن أبي داود عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعرابي فقال: يا رسول الله, جهدت الأنفس, وضاعت العيال, ونهكت الأموال, وهلكت الأنعام, فاستسق الله لنا, فإنا نستشفع بك على الله, ونستشفع بالله عليك. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «ويحك أتدري ما تقول» وسبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال: «ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك» الحديث قال الذهبي: إسناده حسن. ورد ابن القيم في تهذيب السنن على من تكلم في هذا الحديث بغير حجة, فأجاد وأفاد. وإذا علم هذا, فلا يخفى على من له أدنى علم ومعرفة ما بين قول الصواف وقول الأعرابي من المشابهة الظاهرة. فالصواف قد سأل الله أن يشفع له بكتابه. والأعرابي قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - ونستشفع بالله عليك. فكل منهما قد استشفع بالله. والله تعالى لا يستشفع به على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك. فصل وقال الصواف في صفحة 114: إن الكثير من شبابنا اليوم في حاجة ماسة إلى مثل هذه الكتب - يعني كتابه وما أشبهه من الكتب المضلة - لتلقي لهم

ضوءا على ماضيهم المشرق وتكشف لهم الحجاب عن حضارتهم الرائعة التي طمسها الأعداء أو كادوا. والجواب عن هذا وجوه: أحدها: أن يقال: إن الناس في حاجة شديدة إلى التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والأخذ بما جاء عن الصحابة والتابعين وأئمة العلم والهدى من بعدهم, فهذا هو العلم النافع الذي يلقي لهم الضوء على ماضيهم المشرق, ويكشف لهم الحجاب عن حضارتهم الرائعة. فأما ما جاء عن فيثاغورس اليوناني وأتباعه من فلاسفة الإفرنج المتأخرين, وهم أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم من فلاسفة الإفرنج وجهال المسلمين فهذا ضرر محض تجب محاربته بكل ما أمكن. وكتاب الصواف من هذا القسم الأخير؛ لأنه مبني على أقوال "فيثاغورس" وأتباعه من فلاسفة الإفرنج المتأخرين, ومحشو من تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة مع ما اشتمل عليه من تحريف آيات كثيرة من القرآن وتأويلها على غير المراد منها. وما اشتمل عليه أيضا من الافتراء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المسلمين. وما كان بهذه الصفة فإنه يجب القضاء عليه وعلى أمثاله من الكتب التي تضل الشيوخ والشباب, وتدعوهم إلى نبذ الكتاب والسنة وراء ظهورهم. الوجه الثاني: أن يقال: وأي حاجة بالشباب إلى تخرصات اليونان والإفرنج وظنونهم التي ما أنزل الله بها من سلطان. وإنما هي من وحي الشيطان وتضليله. وأي حاجة بالشباب إلى الهذيان والسخافات التي يضحك منها الصبيان الصغار فضلا عن الرجال العقلاء. وسأذكر نماذج منها قريبا إن شاء الله تعالى.

نماذج من السخافات والعبارات البشعة المنكرة جدا في كتاب الصواف

وأي حاجة بالشباب إلى القول على الله وعلى كتابه وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المسلمين بغير علم وقد تقدمت الإشارة إلى مواضع ذلك في رسالة الصواف قريبا عند الكلام على ما نقله الصواف عن المحاسني, فليراجع. وأي حاجة بالشباب إلى العبارات البشعة المنكرة جدا؛ كقول الصواف في صفحة 39: وقد تمكن بعض العلماء من معرفة أشياء مهمة عن الأرض ومكوناتها. وقوله أيضا في صفحة 41: وبتقدم العلم أمكن إلى حد ما معرفة العناصر المكونة للشمس فوجدانها تتكون من نفس العناصر التي تتكون منها الأرض. فأضاف تكوين الأرض والشمس إلى العناصر وهذا مذهب الطبيعيين الذين يزعمون أن الإيجاد والتكوين ناشئ عن الطبيعة, وذلك شرك بالله تعالى؛ لأن الله تعالى هو الذي خلق العناصر, وخلق ما تكون منها, فلا يضاف التكوين إلى غيره. ومن ذلك قوله في صفحة 57: هذه الشمس التي ليست مصدر نورنا ونارنا فقط بل هي محور نظامنا السياري ومصدر حياتنا أيضا. فجعل مصدر حياة البشر من الشمس, وذلك شرك بالله تعالى؛ لأن الحياة مصدرها من الله وحده؛ فهو الذي أوجد الخلق من العدم وهيأ الأسباب لحياتهم في الدنيا وفي الآخرة. ومن ذلك قوله أيضا في صفحة 57: إن الشمس لم تزل تجدد وزنها وحجمها؛ فجعل للشمس تصرفا في نفسها بتجديد الوزن والحجم وذلك شرك بالله تعالى.

ومن ذلك قوله في صفحة 68: وهل تعلم أن من علماء الهيئة المسلمين الذين رصدوا وألفوا وسهروا الليالي الطوال في مناجاة النجوم ورصد حركاتهم وسكناتها والناس نيام والعالم في غفوة وغفلة الشيخ أبو جعفر نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي الفيلسوف. فجعل نصير الشرك مسلما مع تصريحه بأنه كان يسهر الليالي الطوال في مناجاة النجوم. ومناجاة النجوم شرك بالله تعالى. وقد تقدم إيضاح ذلك في موضعه بما أغنى عن إعادته ههنا. وأيضا فقد جعل العالم كله في غفوة وغفلة وجعل نصير الشرك هو المتيقظ المتنبه وحده؛ لأنه كان يسهر الليالي الطوال في مناجاة النجوم. وقد تقدم التنبيه على هذا التهور, فليراجع في موضعه. ومن ذلك ما نقله في صفحة 74 عن ابن باديس أنه قال في الشمس: إنها هي التي أبصرت القمر. فأضاف أبصار القمر إلى الشمس, وذلك شرك بالله تعالى؛ لأن الله تعالى هو الذي جعل الضياء في الشمس وجعله يمتد منها إلى القمر, وينعكس منه إلى الأرض وذلك كله خلق الله وفعله, فلا يضاف إلى غيره. ومن ذلك ما في صفحة 113 حيث سأل الله تعالى أن يشفع له بكتابه تعالى الله وتقدس عن قوله. ومن ذلك قوله في صفحة 117 - 118: علم الفلك يبعث الإيمان ويزيده ويدعو إلى تعميق جذوره في قلب الإنسان. وأنه قد قيل: إن أشد الناس إيمانا بالله هم علماء الطب وعلماء الفلك.

وهذه إحدى الكبر من الصواف لو كان يعلم ما يقول. إلى غير ذلك من العبارات المنكرة في كتاب الصواف, وقد تقدم الرد عليها مفصلا في مواضعه من هذا الكتاب سوى الأخير من أقواله, فسيأتي الرد عليه قريبا إن شاء الله تعالى. وأما الهذيان والسخافات المضحكة فكثيرة جدا في كتابه. فمن ذلك قوله في صفحة 38: إن الأرض تدور حول الشمس في فلك يبلغ محيطه 580 مليون ميل فمعدل سرعتنا في هذه الحركة يبلغ 60 ألف ميل في الساعة أو بنحو ألف ميل في الدقيقة. والنظام الشمسي كله بما فيه الأرض ينهب الفضاء نهبا بسرعة لا تقل عن 20 ألف ميل في الساعة أي أكثر من 300 ميل في الدقيقة متجهة نحو برج هركيوليس. ومن ذلك قوله في صفحة 38: أما عمر الأرض فقد بدأ الإنسان تكهناته عنه من آماد بعيدة؛ ففي القرن السابع عشر قال أحد المفكرين واسمه "جيمس أوثر" أن العالم بدأ يوم 26 أكتوبر سنة 4004 قبل الميلاد. وجاء في أحد الكتب الهندية المقدسة أن عمر العالم هو 1.972.949.056 سنة. وفي العصر الحديث بدأت الجهود التي يبذلها الفلكيون في المراصد تلتقي عند أدق رقم يمكن أن يعتبر أصح تقدير لعمر الكرة الأرضية. فقد دلت آخر التقديرات القائمة على دراسات فلكية وأبحاث علمية في مراصد ليك ومونت ويلسون وبالومار على أن عمر الكرة الأرضية حوالي 5400000000 سنة. ونسبة الخطأ في تقدير هذا الرقم يقرب من 20 %. ويعتمد الفلكيون في عمر الكرة الأرضية على النظرية القائلة بأن شيئا حدث في الفضاء في قديم الزمان جعل المادة تتناثر من مركز مشترك واحد. وقد دلت الدراسة التي استمرت 20 عاما للضوء

المنبعث من الكواكب البعيدة على أن هذه الكواكب لا تزال ممعنة في الابتعاد في الفضاء. وأن سرعتها تزداد كلما ازداد ابتعادها. وقد قضى الفلكيون في معرفة ذلك سبعة أعوام بالمراصد المذكورة يراقبون 800 كوكبا و26 مجموعة من الكواكب. ومن ذلك ما في صفحة 39 عندما ذكر تخرصات المتخرصين عن الأرض ومعرفة تاريخها ونشأتها وعمرها, وكيف تكونت طبقاتها, وما طرأ على كل طبقة من تغيير. قال: وكل هذه الدراسات تضيف في كل لحظة وحين أدلة مشرقة على عظمة الخالق ووجود الصانع. فجعل التخرصات والظنون الكاذبة من أعداء الله تعالى أدلة مشرقة على عظمة الخالق ووجود الصانع. هذا مبلغ علمه وحاصل عقله. ومن ذلك قوله في صفحة 43: وليس هناك أبلغ ولا أدق مما يقوله حجة علم الفلك العالم "سيمون" من أن أعظم الحقائق التي اكتشفها العقل البشري في كافة العصور هي حقيقة أن الشمس والكواكب السيارة وأقمارها تجري في الفضاء نحو برج النسر بسرعة غير معهودة لنا على الأرض يكفي لتصويرها أننا لو سرنا بسرعة مليون ميل يوميا, فلن تصل مجموعتها الشمسية إلى هذا البرج إلا بعد مليون ونصف المليون سنة من وقتنا الحاضر. ثم قال: أليست هذه إحدى معجزات القرآن العلمية. فانظر إلى هذه الجراءة العظيمة على القول على الله وعلى كتابه بغير علم. ومن ذلك قوله في صفحة 55: وقد ذكر علماء الجيولوجيا أن الأرض بعد انفصالها عن الشمس كانت تدور حول نفسها بسرعة أكبر مما هي عليه الآن إذ كانت تتم دورتها حول نفسها مرة كل أربع ساعات؛ فالليل والنهار كانا في

مجموعهما أربع ساعات فقط. وبتوالي النقص في سرعة دورانها حول نفسها زادت المدة التي تتم فيها دورانها هذا. فزادت مدة الليل والنهار إلى خمس ساعات ثم ست حتى وصلت إلى أربع وعشرين ساعة, وهي التي نحن عليها الآن. وقد أظهر بعض العلماء أنه تمكن من احتساب النقص في سرعة دوران الأرض فوجد أن هذا النقص يبلغ حوالي ثانية واحدة كل مائة وعشرين ألف سنة. وعليه فبعد 432 مليون سنة ينقص دوران الأرض بمقدار ساعة, وعندئذ يصبح مجموع ساعات الليل والنهار 25 ساعة. وهكذا يتوالى النقص ويطرد طول الليل والنهار. وعلى هذا الأساس يقول العلماء: إن الأرض لا بد أن تقف يوما والله أعلم بذلك اليوم. وعند وقوفها يصبح الوجه المقابل للشمس نهارا دائما والوجه البعيد عنها ليلا دائما وهذا ما أشار إليه الرب في كتابه العزيز. فانظر إلى هذه الجراءة العظيمة على القول على الله وعلى كتابه بغير علم. ومن ذلك قوله في صفحة 57: هذه الشمس هي آية من آيات الخالق وإن هي إلا آية صغيرة تزخر السماء بملايين من النجوم أضخم منها حجما وأكبر سرعة وأكثر تألقا. وقد قال علماء الفلك: إنما هي كرة هائلة من الغازات الملتهبة. قطرها يزيد عن مليون وثلث مليون كيلو متر. ومحيطها مثل محيط الأرض 325 مرة, ويبلغ ثقلها 332 ألف ضعف ثقل الأرض. وحرارة سطحها نحو 6000 درجة سنتجراد. وهذا السطح تندلع منه ألسنة اللهب إلى ارتفاع نصف مليون كيلو متر. وهي تنثر في الفضاء باستمرار طاقة قدرها 167400 حصان من كل متر مربع. ولا يحصل للأرض منها إلا جزء من مليوني جزء. وهي لا تعتبر إلا نجمة ولكنها ليست في عداد النجوم الكبرى. وسطحها به عواصف وزوابع كهربائية ومغناطيسية شديدة.

والمشكلة التي حيرت العلماء هي أن الشمس, كما يؤخذ من علم طبقات الأرض لم تزل تشع نفس المقدار من الحرارة منذ ملايين السنين. فإن كانت الحرارة الناتجة عنها نتيجة احتراقها فكيف لم تفنَ مادتها على توالي العصور, فلا شك أن طريقة الاحتراق الجارية فيها غير ما نعهد ونألف وإلا لكفاها ستة آلاف سنة؛ لتحترق وتنقد حرارتها. وقد زعم البعض أن النيازك والشهب التي تسقط على سطحها تعوض الحرارة التي تفقدها بطريق الإشعاع. ومن ذلك ما ذكره في صفحة 58 - 59 - 60 من الإعلانات لبعض الإفرنج المعاصرين عن انفجارات حدثت في الشمس في سنة 1956 و1957 ميلادية. منها ما يعادل القوة الناجمة عن تفجير مليوني قنبلة هيدروجينية وأنه حدث في منطقة أكبر بكثير من مساحة الكرة الأرضية. ومنها ما يعادل انفجار مائة مليون قنبلة هيدروجينية دفعة واحدة. ومن ذلك قوله في صفحة 60 (سكون الشمس وجريانها). فجمع بين النقيضين. ثم قال: والذين قالوا بقرارها قالوا هي ثابتة ومتحركة في آن واحد. ثابتة على محورها الذي أرساها الله لها ومتحركة حول هذا المحور أي: هي دائرة حول نفسها ومثلها مثل المروحة السقفية الكهربائية فهي ثابتة في سقفها وهي متحركة حول نفسها, وهؤلاء استدلوا بقوله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} , وفسروا المستقر بالمحور. وقد قال بهذا القول رجال من سلف هذه الأمة الخيار. فانظروا إلى هذه الجراءة على كتاب الله وحمله على غير ما يراد به.

وانظروا أيضا إلى الافتراء على السلف الخيار من هذه الأمة ونسبة القول الباطل إليهم وهم براءة منه, وإنما هو من أقوال المتبعين لأهل الهيئة الجديدة المفتونين بتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة. وقد نقض الصواف ما قرره في هذا الموضع من ثبات الشمس وتشبيهها بالمروحة السقفية الكهربائية بما قرره في صفحة 99 وصفحة 100 أن الشمس تسير في كل برج شهرا وأنها تقطع البروج كلها مرة في السنة. ومن ذلك قوله في صفحة 67: أكتفي بهذا المقدار من النقل ولا أريد أن أسترسل إلا أني أود أذكر كيف أن العلماء تكلموا في الشمس والقمر وتكلموا في النجوم الثوابت والسيارات وقدروا الأبعاد بين الأرض والشمس وقدروا مقدار ضخامة الشمس عن الأرض وأن الشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة وثمانية وعشرين ألف مرة. وأن الشمس تبعد عن الأرض بأربعة وثلاثين مليون فرسخ فرنسي. والخلاصة أنهم لم يتركوا بابا إلا طرقوه وسواء كانوا مخطئين في تقديراتهم أم مصيبين فإنهم اجتهدوا في علوم الكون وتكلموا فيها على حسب ما وصل إليه علمهم. وما صنعوا ذلك إلا بوحي من دينهم وأملا في خدمة هذا الدين الذي وهبوه كل شيء حياتهم وأموالهم وجهدهم وعلمهم وجهادهم وسهرهم وعرقهم في سبيل الوصول إلى الحقائق العلمية التي تدعو إلى الإيمان بالله العظيم. ورحم الله علماءنا الأعلام وجزاهم عما قدموا خير ما يجزي عاملا عن عمله. ومن ذلك قوله في صفحة 71 يقول اللورد افبري: إن سطح القمر صحاري وقفار تتناهض فيها البراكين الخامدة وجباله ضخمة عظيمة يبلغ ارتفاعها 42 قدم بزيادة تقرب من 13 ألف قدم على أعلى جبل على سطح

الأرض. وفوهات البراكين هائلة العظمة يبلغ قطرها 78 ميلا. ويقولون أن جبال القمر أقدم بكثير من سلاسل الجبال الأرضية بملايين السنين. ومن ذلك قوله في صفحة 78: واتفق علماء الفلك في العصر الحديث بعد الاكتشافات والبحوث العلمية أن جرم القمر - كالأرض - كان منذ أحقاب طويلة وملايين السنين شديد الحمو والحرارة ثم برد فكانت إضاءته في زمان حموه وزالت لما برد. ومن ذلك قوله في صفحة 83: إن الخيال لا يمكن أن يتصور أن مرصد كاليفورنيا التقط أخيرا صورة عمرها ستة آلاف مليون سنة. أن علماء الفلك أعلنوا حديثا أن هذه الصورة العجيبة أرسلت من إحدى النجوم واستمرت رحلتها ستة آلاف مليون سنة؛ لتصل إلى الأرض. وحقائق أخرى غريبة اكتشفها الإنسان تؤكد كلها أن الأرض ما هي إلا فقاعة في محيط. حقائق أقل ما توصف به أنها مذهلة مذهلة. ثم ذكر في صفحة 83 وما بعدها إلى آخر صفحة 87 هذيانا كثيرا لبعض الفلكيين من الإفرنج. حاصله أن بعضهم قال: إن الشمس ترسل موجات راديو وأنهم اكتشفوا نجمة جديدة قوية تبعد عن الأرض بمسافة 1500 مليون سنة ضوئية. وأنهم في عام واحد اكتشفوا 35 منها أطلقوا عليها اسم أشباه النجوم. وأن الضوء في انتقاله إلينا من أشباه النجوم يستغرق في الرحلة ستة آلاف مليون سنة. ولذلك فالمنظر الذي نراه اليوم لهذه الأجرام السماوية النائية, هو المنظر الذي كانت عليه منذ ستة آلاف مليون سنة. وفي ذلك الوقت لم تكن الشمس ولا المجموعة الشمسية موجودة بعد, إذ أن عمر الشمس هو خمسة آلاف مليون سنة فقط, كما يقولون - إلا أن قال - وقد خرج العلماء بعد هذا بثلاث نظريات علمية مثيرة. أن هذه

النظريات تقول: إن الكواكب الأخرى مسكونة, وأن سكانها سبقوا أهل الأرض في إطلاق سفن الفضاء وتفجير القنابل الذرية. إن هذه النظرية أشبه بالخيال. الشمس ليست إلا نجمة من النجوم المتوسطة. والمجموعة التي تنتمي إليها الشمس فيها 100000.000.000 أي: مائة ألف مليون نجمة, وبالكون آلاف الملايين من مثل هذه المجموعات. وبين الرقم المجهول الذي ذكرناه للنجوم توجد عشرة آلاف مليون نجمة تؤلف حولها أسرا؛ كأسرة الشمس أي: توجد عشرة آلاف مليون نجمة تدور حولها الكواكب, ثم ذكر الصواف أنه نقل الهذيان من جريدة المدينة عدد 648 - 604. ومن ذلك ما نقله في صفحة 93 عن تفسير طنطاوي جوهري أنه قال: كيف تجعل الكواكب التي عدت بمئات الملايين؛ كأنها درر مرصعة في سقفنا - إلى أن قال: فالشمس من تلك الشموس تشرف على سياراتها وعلى أراضيها ثم هي من جهة تجعل زينة في سماء كل شمس وكل أرض وكل سيارة, وكما أن الكواكب مرصعة في سمائنا فإن شمسنا مرصعة في ملايين الآفاق المحيطة بالكرات. ومن ذلك قوله في صفحة 97 يقول علماء الفلك: إن من النجوم نجوما سوف لا يصل نورها إلى كرتنا الأرضية في أقل من ألف وخمسمائة مليون سنة ضوئية, مع العلم بأن الضوء يسير في الثانية الواحدة ثلاثمائة ألف كيلوا متر. ويصل في سيره إلى القمر في قدر ثانية وثلث الثانية. ولو جرى حول الكرة الأرضية لدار حولها في الثانية الواحدة ثماني مرات. ولو أطلق مدفع فإن قنبلة تجري وتسير نحو سنة ونصف السنة حتى تقطع المسافة التي يقطعها الضوء في ثانية واحدة.

ومن ذلك قوله في صفحة 98 - 99 يقول علماء الفلك: إن الشعرى اليمانية أثقل من الشمس جرما بعشرين مرة, ونورها خمسون ضعف نور الشمس, وهي أبعد منها مليون ضعف بعدها عنا, وإن الشعرى اليمانية تجري بسرعة ألف ميل في الدقيقة, والشعرى اليمانية أسطع من خمسين شمسا كشمسنا ولا يصل إلينا نورها إلا في ستة عشر سنة. ولا يصل من نورها إلينا إلا واحد من ألفي مليون منه, وثلاث من بنات نعش يفقن الشمس نورا, واحدة منهن أربعمائة ضعف. والثانية أربعمائة وثمانين. والثالثة ألف ضعف. وسهيل أضوأ من الشمس ألفين وخمسمائة مرة. والسماك الرامح حجمه ثمانون ضعف حجم الشمس ولا يصل إلينا ضوؤه إلا في سنة. ومن ذلك ما نقله في صفحة 101 عن موسى جار الله أنه قال في كتابه "ترتيب السور الكريمة": زهقت الهيئة القديمة وجاء النظام الحق نظام السموات التي رفعها الله بغير عمد ترونها. وهذه السموات لها منظومات. منها منظومة شمسنا هذه بسياراتها التسع. وشمسنا هذه أليست من كبار الشموس ومنظومتنا هذه ليست من كبار المنظومات وكل منظومة من هذه المنظومات يسميها القرآن برجا. والسماء التي تحوي كل هذه المنظومات يسميها القرآن الكريم السماء ذات البروج, بها أقسم الله في كتابه الكريم سورة البروج. وهذه السماء ذات البروج التي تحوي كل هذه المنظومات يحدث خلال منظوماتها كل يوم انشقاقات. وبتلك الانشقاقات يحدث في المجرة وخارجها سموات. وللإشارة وللإرشاد وإلى مثل هذه الحوادث الهائلة العظيمة وضعت سورة البروج بعد سورة الانشقاق. ومن ذلك قوله في صفحة 103: يتضمن هذا الكون خمسمائة مليون مليون من المجرات كما يقدر علماء الفلك. وفي كل مجرة مائة ألف مليون نجم. وأن

أقرب مجرة إلى الأرض تلك التي نشاهد جزءا منها كخط أبيض في الليل تمتد مساحتها مائة ألف عام بالنسبة إلى عام الضوء. ونحن سكان الأرض نبتعد عن هذه المجرة مقدار ثلاثين ألف عام من الضوء. ثم إن هذه المجرة جزء لمجرة كبيرة تتضمن سبع عشرة مجرة وتمتد أبعاد هذه المجموعة في مساحة مليوني عام من الضوء. ثم إن هناك حركة أخرى غير هذه الدورات, وهي أن الكون كله يتوسع ويتضخم مثل الكرة في الجوانب الأربعة. والشمس تجري بسرعة هائلة تبلغ اثني عشر ميلا في ثانية نحو الجانب الخارجي لمجرته وتقود كل ما يتبع النظام الشمسي. وكذلك النجوم كلها تتوجه إلى أي جانب بسرعة متزايدة مع متابعة دورانها فمنها ما يبلغ سيره ثمانية أميال في كل ثانية وما يبلغ سيره ثلاثة وثلاثين ميلا في ثانية وأربعة وثمانين ميلا في ثانية. وهكذا نجد النجوم كلها متوجها نحو الأمام. ومن ذلك أنه ذكر في صفحة 107 آيتين في ذكر السموات السبع ثم قال في صفحة 108: أن التقدم الذي أحرزه العلم الفزيقي, وظهور الكشوف العلمية الحديثة في الفلك قد مكنت العلماء من فهم هذه السموات السبع والأراضي السبع. فقد أثبت العلم بأن الشمس والقمر والنجوم والمذنبات والنيازك والشهب والسدم, إنما هي سموات فوق سموات تتألف منها عوالم الكون. يقول العالم الفلكي "أرثر فندلاي" في كتابه " على حافة العلم الأثيري": إن العلم أثبت أن السموات السبع هي أفضية مناسبة يتبعثر خلالها, ويرتد ضوء الشموس السبع الأثيرية التي تحيط بالشمس الفزيقية من كل جانب. وأكد أن الأراضي السبع هي كرات أثيرية تحيط بالكرة الأرضية وتتخللها. ومن ذلك قوله في صفحة 114: إن الكثير من شبابنا اليوم في حاجة ماسة

إلى مثل هذه الكتب - يعني كتابه وما أشبه من الكتب المضلة - لتلقي لهم ضوءا على ماضيهم المشرق وتكشف لهم الحجاب عن حضارتهم الرائعة التي طمسها الأعداء أو كادوا. ومن ذلك قوله في صفحة 117: ومن هذا المنطلق وجدت نفسي مضطرا إلى توسيع هذا الكتاب إلى الحد الذي وصل إليه لعلي أساهم بجهد المقل في بث الوعي الإسلامي بإلقاء شيء من الأضواء على علم خطير من العلوم التي اشتغل بها علماؤنا الأعلام رضي الله عنهم وأرضاهم حتى كانوا أئمة فيه, ألا وهو علم الفلك. فهذه نماذج مما في كتاب الصواف من الهذيان والسخافات التي يضحك منها كل عاقل, وقد تقدم الرد عليها مفصلا في مواضعه من هذا الكتاب سوى الأخير من أقواله, فسيأتي الرد عليه قريبا إن شاء الله تعالى. وإذا علم ما ذكرنا من هذه النماذج السخيفة, وما قبلها من العبارات البشعة المنكرة جدا, فلا يقول: إن الكثير من شبابنا اليوم في حاجة ماسة إلى الكتاب الذي قد اشتمل عليها وعلى أضعاف أضعافها من التخرصات والظنون الكاذبة وإلى أمثاله من الكتب المضلة؛ لتلقي لهم ضوءا على ماضيهم المشرق وتكشف لهم الحجاب عن حضارتهم الرائعة إلا من هو في غاية الجهل والغباوة ومن لا يعرف الفرق بين الكتب النافعة والكتب الضارة. الوجه الثالث: أن الله تعالى ذم التخرص واتباع الظن بأبلغ الذم فقال تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} وقال تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ

مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} وقال تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى}. وفي الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» رواه مالك وأحمد والشيخان وأبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقد خالف الصواف ما ذكرنا من الآيات والحديث الصحيح حيث حشا كتابه من تخرصات الإفرنج وظنونهم الكاذبة, ولم يكتفِ بالمخالفة لما جاء عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بل ضم إلى ذلك الترغيب, فيما ذمه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - حيث زعم أن الكثير من الشباب اليوم في حاجة ماسة إلى كتابه وأمثاله من الكتب المشتملة على التخرصات والظنون الكاذبة, وهذا عين المحادة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -. الوجه الرابع: قد تقدم في أول الكتاب أحاديث كثيرة في الخوف من التصديق بالنجوم. والنهي عن النظر فيها. وعن مجالسة من ينظر فيها. والأمر بالإمساك إذا ذكرت. وأن من اقتبس بابا من علم النجوم لغير ما ذكر الله, فقد اقتبس شعبة من السحر. وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا وفيه «وتعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا». وحديث عمر رضي الله عنه بنحوه. وحديث ابن عباس رضي الله عنهما «رب ناظر في النجوم ومتعلم حروف أبي جاد ليس له عند الله خلاق». وقد خالف الصواف جميع ما أشرنا إليه من الأحاديث التي سبق ذكرها

في أول الكتاب حيث رغب الناس في كتابه الذي قد اشتمل على التخرص في النجوم وزعم أن الكثير من الشباب اليوم في حاجة ماسة إليه وإلى أمثاله من الكتب المضلة, ولقد أحسن الشاعر حيث يقول: يقضي على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن بالحسن> وأحسن من ذلك, وأبلغ قول الله تعالى {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}. الوجه الخامس: ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه "بيان فضل علم السلف على علم الخلف" حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «رب ناظر في النجوم ومتعلم حروف أبي جاد ليس له عند الله خلاق» ثم قال: وهذا محمول على علم التأثير لا علم التسيير فإن علم التأثير باطل محرم والعمل بمقتضاه؛ كالتقرب إلى النجوم وتقريب القرابين لها كفر. وأما علم التسيير فإذا تعلم ما يحتاج إليه للاهتداء ومعرفة القلة والطرق كان جائزا عند الجمهور وما زاد عليه, فلا حاجة إليه وهو يشغل عما هو أهم منه. وكذلك التوسع في علم الأنساب, هو مما لا يحتاج إليه, وقد سبق عن عمر وغيره النهي عنه. قلت قد تقدم حديث عمر رضي الله عنه في أول الكتاب, وتقدمت الإشارة إليه في الوجه الرابع. قال ابن رجب وكذلك التوسع في علم العربية لغة ونحوا هو مما يشتغل عن العلم الأهم والوقوف معه يحرم علما نافعا. وقد كره القاسم بن مخيمرة علم النحو وقال: أوله شغل وآخره بغي. وأراد به التوسع فيه. وكذل كره الإمام أحمد التوسع في معرفة اللغة وغريبها وأنكر على أبي عبيد توسعه في ذلك وقال: هو يشغل عما هو أهم منه. ولهذا يقال العربية في الكلام كالملح

في الطعام, يعني أنه يؤخذ منها ما يصلح الكلام كما يؤخذ من الملح ما يصلح الطعام وما زاد على ذلك, فإنه يفسده. وكذلك علم الحساب يحتاج منه إلى ما يعرف به حساب ما ينفع من قسم الفرائض والوصايا والأموال التي تقسم بين المستحقين لها والزوائد على ذلك مما لا ينتفع به إلا في مجرد رياضة الأذهان وصقالها لا حاجة إليه, ويشغل عما هو أهم منه. وأما ما حدث بعد الصحابة من العلوم التي توسع فيها أهلها وسموها علوما وظنوا أن من لم يكن عالما بها فهو جاهل أو ضال وكلها بدعة وهي من محدثات الأمور المنهي عنها. ثم ذكر من ذلك ما أحدث المعتزلة من الكلام في القدر وضرب الأمثال لله وما أحدثه أهل الرأي من الضوابط والقواعد العقلية والجدال والخصام والمراء في مسائل الحلال والحرام. وكذلك ما أحدثه غيرهم من الكلام في العلوم الباطنة من المعارف وأعمال القلوب بمجرد الرأي والذوق والكشف. قلت ومن ذلك ما أحدثه أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم من الكلام في الأرض والسموات والشمس والقمر والنجوم بمجرد التخرصات واتباع الظنون الكاذبة والتعاطي لما استأثر الله به من علم الغيب. وهذا هو الذي أودعه الصواف في كتابه وزعم أن الكثير من الشباب اليوم في حاجة ماسة إلى معرفته, وهذا إن لم يكن شرا من علم التأثير الذي لا خلاف في تحريمه, فليس بدونه. وإذا كان التوسع في علم النسب والنحو واللغة والحساب مكروها عند بعض علماء السلف, وكذلك التوسع في علم النجوم, قد ورد النهي عنه, كما تقدم في حديث أبي هريرة المرفوع, وحديث عمر الموقوف, فماذا يقال فيمن يرغب الناس فيما نهى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عنه من التخرصات واتباع الظنون الكاذبة, والتعاطي لعلم الغيب.

الكلام على قوله لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها

الجواب, أن يقال: لا شك أن هذا من المحادة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - واتباع غير سبيل المؤمنين وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. فصل وقال الصواف في صفحة 115: ووجدنا إلى أبواب جهنم هم من جلدتنا, ويتكلمون بألسنتنا من أجابهم دعوتهم الضالة, وفتنتهم المضللة قذفوه فيها, وألقوه في الحميم وتركوه في الجحيم. والجواب أن يقال: أما تخشى - يا صواف - أن تكون من هؤلاء الدعاة إلى أبواب جهنم وأنت لا تشعر, أما علمت أن رسالتك في علم الفلك قد اشتمل أكثر مباحثها على مخالفة الكتاب والسنة والإجماع. وما كان ذلك فهو من أعظم أسباب الضلال الذي يدعو إلى جهنم. وقد قال الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}. فصل وقال الصواف في صفحة 115: ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. والجواب أن يقال: وهل ظننت - أيها الصواف - أن صلاح أول هذه الأمة إنما كان بالاشتغال بعلم الفلك وإنشاء المراصد الذي ألفت كتابك لتأييده وحشوته من تخرصات أعداء الله وظنونهم الكاذبة وأقوالهم الباطلة. وزعمت في أوله أن علم الفلك كان من أول العلوم التي لفتت أنظار العلماء المسلمين, وجلبت اهتمامهم وعنايتهم بها. ثم زعمت في آخره أن الكثير من الشباب اليوم في حاجة

ماسة إلى مثل كتابك. كلا, بل إنما كان صلاح أول هذه الأمة بالتمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبذلك ظهورا على الأمم في مشارق الأرض ومغاربها وعلت كلمة الله, وظهر دينه على الدين كله. ولم يكن أحد منهم يشتغل بعلم الفلك أو يلتفت إليه. وإنما ظهر الاشتغال بعلم الفلك في زمن المأمون حين عربت كتب الأوائل ومنطق اليونان, فظهر الضعف في المسلمين منذ ذلك الزمان, وما زال الضعف يزداد فيهم شيئا فشيئا بقدر إعراضهم عن الكتاب والسنة وإقبالهم على العلوم المردية المهلكة حتى آل الأمر بكثير منهم إلى الردة والانسلاخ من دين الإسلام بالكلية, كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه في قوله «إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا وسيخرجون منه أفواجا» رواه الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. وروى الحاكم في مستدركه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه وقال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي في تلخيصه. وقد تقدم في أول الكتاب كلام شيخ الإسلام أبي العباس بن تيمية في المأمون بسبب ما أدخله على هذه الأمة من العلوم الفلسفية. وكلام الذهبي والمقريزي في ذلك أيضا, فليراجع فإنه حسن جدا. وإذا علم أن صلاح أول هذه الأمة, إنما كان بالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فليعلم أن صلاح آخر هذه الأمة إنما يكون بذلك. والله المسؤول المرجو الإجابة أن يصلح أحوال المسلمين, وأن يرزقهم الرجوع إلى ما كان عليه أول هذه الأمة, وأن ينصر دينه, ويعلي كلمته, ويظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون.

كلام للصواف في القرآن والرد عليه

فصل وقال الصواف في صفحة 117 عن القرآن: إنه كتاب أبدي سرمدي أنزل للخلود والبقاء, وليكون دينا أبديا للإنسانية جمعاء. والجواب أن يقال: أما قوله: إن القرآن أنزل للخلود والبقاء فهو مردود بما رواه ابن ماجة في سننه بإسناد صحيح والحاكم في مستدركه من حديث حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة, فلا يبقى في الأرض منه آية» الحديث, قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم, ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. وفي صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «يسرى على كتاب الله, فيرفع إلى السماء, فلا يبقى في الأرض منه آية» الحديث. وروى الحاكم أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (إن هذا القرآن الذي بين أظهركم يوشك أن يرفع. قالوا: وكيف يرفع وقد أثبته الله في قلوبنا, وأثبتناه في مصاحفنا؟ قال: يسرى عليه ليلة, فيذهب ما في قلوبكم, وما في مصاحفكم ثم قرأ {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} قال الحاكم: صحيح الإسناد, ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي في تلخيصه. وروى الحاكم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (يسرى على كتاب الله, فيرفع إلى السماء, فلا يصبح في الأرض آية من القرآن, ولا من التوراة والإنجيل ولا الزبور, وينتزع من قلوب الرجال, فيصبحون ولا يدرون ما هو). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم, ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي في تلخيصه. وهذا الأثر والذي قبله لهما حكم المرفوع.

وأما قوله: وليكون دينا أبديا للإنسانية جمعاء. فجوابه من وجوه: أحدها: أن يقال: ما زعمه ههنا فهو تخرص مردود بما تقدم عن حذيفة وابن مسعود وأبي هريرة رضي الله عنهم أن القرآن يسرى عليه في آخر الزمان, ويرفع إلى السماء, فلا يبقى في الأرض منه آية. وإذا رفع القرآن إلى السماء, فأي دين يبقى في الأرض بعد ذلك. الوجه الثاني: ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله» رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي من حديث أنس رضي الله عنه. وفي رواية لأحمد «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله» ورواه ابن حبان في صحيحه بنحوه. وفي هذا الحديث الصحيح دليل على أن الإنسانية جمعاء تعود إلى الكفر في آخر الزمان حتى أنهم لا يذكرون اسم الله بالكلية. وفي هذا أبلغ رد لما زعمه الصواف من كون القرآن يكون دينا أبديا للإنسانية جمعاء. الوجه الثالث: أن يقال: ليست الإنسانية باقية على الأبد حتى يكون لها دين أبدي يبقى على الدوام بل لا بد لها ولجميع من على وجه الأرض من الفناء؛ قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} وقال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} وقال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}. ومن زعم أن الإنسانية تبقى على الأبد, فليس عنده إيمان بقيام الساعة وإماتة الخلائق كلهم وبعثهم بعد ذلك ليوم الفصل والقضاء. وليس للإنسانية

كلام باطل والرد عليه

في ذلك اليوم دين تعمل به, وإنما هو الحساب والجزاء على الأعمال؛ إن خيرا فخير, وإن شرا فشر. وقد ذكر الصواف في صفحة 55 أنه بعد 432 مليون سنة ينقص دوران الأرض بمقدار ساعة, وعندئذ يصبح مجموع ساعات الليل والنهار 25 ساعة, قال: وهكذا يتولى النقص, ويطرد طول الليل والنهار. وعلى هذا الأساس يقول العلماء: إن الأرض لا بد أن تقف يوما. وعند وقوفها يصبح الوجه المقابل للشمس نهارا دائما, والوجه البعيد عنها ليلا دائما. انتهى. وهذا القول الباطل يقتضي أن الإنسانية لا تزال باقية على الأبد, وأنه ليس هناك قيامة ولا بعث ولا آخرة. فصل وقال الصواف في صفحة 117 ما نصه: ومن هذا المنطلق وجدت نفسي مضطر إلى توسيع هذا الكتاب إلى الحد الذي وصل إليه لعلي أساهم بجهد المقل في بث الوعي الإسلامي بإلقاء شيء من الأضواء على علم خطير من العلوم التي اشتغل بها علماؤنا الأعلام رضي الله عنهم وأرضاهم حتى كانوا أئمة فيه. ألا وهو علم الفلك. والجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أن يقال: إن بث الوعي الإسلامي إنما يكون بنشر علوم الكتاب والسنة لا بنشر الأباطيل والجهالات والضلالات التي هي من وحي الشياطين إلى أوليائهم. وكتاب الصواف من هذا القسم المذموم؛ لأنه مملوء من تخرصات الإفرنج, وظنونهم الكاذبة. وما كان كذلك فليس فيه إعانة على بث الوعي الإسلامي

بوجه من الوجوه, وإنما فيه إعانة على بث الباطل وإظهاره. الوجه الثاني: أن الصواف ليس عنده تمييز بين الحق والباطل, فلهذا زعم أنه يساهم بالأباطيل التي جمعها في بث الوعي الإسلامي, وهذا من عجيب أمره حيث قلب الحقيقة وعكس القضية؛ لأنه على الحقيقة إنما ساهم في بث الباطل وادحاض الحق كما لا يخفى على من نور الله قلبه بنور العلم والإيمان. الوجه الثالث: أن يقال: ليس في كتاب الصواف شيء من أضواء العلم النافع, وإنما هو مملوء من التخرصات والظنون الكاذبة التي هي في الحقيقة ظلمات بعضها فوق بعض, وقد ذكرت قريبا نماذج مما فيه من السخافات والأقوال البشعة, فلتراجع. الوجه الرابع: أن علم الفلك ليس بعلم خطير, كما زعمه الصواف, ولو كان خطيرا لما أهمله الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين, فإنهم كانوا أسبق إلى الخير والعلوم النافعة ممن جاء بعدهم. وكذلك التابعون وتابعوهم بإحسان وأئمة العلم والهدى من بعدهم, فإنهم كانوا أحرص على تحصيل العلوم النافعة ممن كان بعدهم. ولكنه علم لا يخلو في الغالب من تعاطي علم الغيب, وما كان كذلك, فهو علم مرد مهلك. وما سلم منه من تعاطى علم الغيب؛ فهو علم كثير العناء قليل الجدوى. ومن زعم أن علم الفلك علم خطير, فهو من أجهل الناس وأقلهم تمييزا بين العلوم النافعة وغير النافعة. الوجه الخامس: أن العلماء الأعلام من المسلمين لم يكونوا يشتغلون بعلم الفلك كما زعمه الصواف, وإنما كان يشتغل به الفلاسفة والمنجمون الذين هم من أبعد الناس عن العلوم الشرعية النافعة. وهذا كان في الأزمان السابعة, فأما في

كلام من أبطل الباطل والرد عليه

الأزمان الأخيرة, فأكثر من يعتني به ويشتغل فيه فلاسفة الإفرنج. وأقوالهم فيه وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة هي التي أودعها الصواف في كتابه وزعم أنه يساهم بها في بث الوعي الإسلامي. فهم علماء الصواف وأعلامه الذين سأل الله أن يرضى عنهم ويرضيهم. فصل وقال الصواف في صفحة 117 - 118 ما نصه: وهذا العلم - يعني علم الفلك - يبعث الإيمان ويزيده, ويدعو إلى تعميق جذوره في قلب الإنسان. وقديما قد قيل أن أشد الناس إيمانا بالله هم علماء الطب وعلماء الفلك, لأنهم يرون من عجائب صنع الله ما لا يراه غيرهم. والجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أن يقال: إن علم الفلك لا يخلو في الغالب من تعاطي علم الغيب كما يفعله المنجمون في قديم الدهر وحديثه وكما هو شأن أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم من فلاسفة الإفرنج المتأخرين, فإن غالب أقوالهم في الأجرام العلوية من اتباع الظن والرجم بالغيب. وما كان كذلك فهو مما يبعث على الإيمان بالجبت والطاغوت ويزيده ويدعو إلى تعميق جذوره في قلوب المفتونين به. وكتاب الصواف في علم الفلك من هذا القبيل, لأنه مملوء من تعاطي علم الغيب فهو مما يبعث على الإيمان بالجبت والطاغوت ويزيده ويدعو إلى تعميق جذوره في قلوب الجهال. وما كان من علم الفلك خاليا من تعاطي علم الغيب, فهو قليل الجدوى يصد المشتغل به عما هو أهم منه من العلوم النافعة. الوجه الثاني: أن يقال: إن العلم الذي يبعث على الإيمان بالله وملائكته

وكتبه ورسله واليوم الآخر وما وعد الله به أولياءه من جزيل الثواب, وما توعد به أعداءه من وبيل العذاب هو علم الكتاب والسنة, فهو العلم النافع على الحقيقة قال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} وقال تعالى {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} وقال تعالى: {فَإِمَّا يَاتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}. وفي الحديث الصحيح عن زيد بن أرقم رضي الله عنه, قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: «أما بعد, ألا أيها الناس, فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول

ربي فأجيب, وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه» الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم. وفي رواية لمسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال كتاب الله فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل». وفي رواية له أخرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا وأني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة». وروى مسلم أيضا وأبو داود وابن ماجة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته يوم عرفة: «وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله» ورواه الترمذي بنحوه مختصرا. وروى مالك في الموطأ بلاغا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله». وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس في حجة الوداع - فذكر الحديث وفيه أنه قال: «يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه» صححه الحاكم ووافقه الذهبي في تلخيصه. وروى الحاكم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنة نبيه, ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض».

وروى الطبراني في الكبير وابن حبان في صحيحه عن أي: شريح الخزاعي رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا» قال المنذري: إسناد الطبراني جيد. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. وروى الطبراني أيضا في الكبير والصغير, والبزار من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه. وروى أبو عبيد القاسم بن سلام وابن مردويه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن هذا القرآن هو حبل الله المتين وهو النور المبين وهو الشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه» ورواه الطبراني والبغوي بنحوه موقوفا وروى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ألا إنها ستكون فتنة. فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله هو حبل الله المتين, وهو الذكر الحكيم, وهو الصراط المستقيم» الحديث قال الترمذي: غريب. وإذا علم ما ذكرنا من الآيات والأحاديث, فلا يعرض عن علم الكتاب والسنة ويشتغل بعلم الفلك, ويزعم أنه يبعث الإيمان ويزيده ويدعو إلى تعميق جذوره في قلب الإنسان إلا من هو من أجهل الناس, وأبعدهم عن تحصيل العلم النافع, ومعرفة الفرق بينه وبين الجهالات والضلالات الضارة. الوجه الثالث: أن يقال لو كان ما زعمه الصواف ههنا صحيحا لكان أطباء

اليونان والإفرنج وفلاسفتهم الفلكيون من أعظم الناس إيمانا بالله. والواقع شاهد ببطلان هذا القول وكذب من قاله لما عليه أطباء اليونان والإفرنج وفلاسفتهم من الكفر العظيم. وكذلك الأطباء والفلكيون من سائر أمم الكفر والضلال. الوجه الرابع: أن يقال: لو كان علم الفلك يبعث الإيمان ويزيده ويدعو إلى تعميق جذوره في قلب الإنسان لكان الصحابة رضي الله عنهم أحرص عليه من غيرهم, فإنهم كانوا أحرص على الخير, وتحصيل العلم النافع ممن كان بعدهم. وقد كان بعضهم يسافر مسيرة الشهر وأكثر من ذلك في طلب الحديث الواحد, وكذلك التابعون وتابعوهم بإحسان وأئمة العلم والهدى من بعدهم, فإنهم كانوا يسافرون إلى الأقطار البعيدة في طلب العلوم النافعة ومع هذا لم يكونوا يشتغلون بعلم الفلك ولا ينظرون فيه. ولو كان فيه أدنى منفعة لما كان الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان يهملونه. وأما قوله: وقديما قد قيل: إن أشد الناس إيمانا بالله هم علماء الطب وعلماء الفلك. فجوابه أن يقال: لقد أخطأ من قال: هذا القول الباطل خطأ كبيرا وأخطأ من أورده في كتابه مقررا له {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}. وهذا القول الباطل لا يصدر من رجل يعلم ما يقول؛ لأنه يقتضي تفضيل الأطباء والفلكيين على النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وهذا خلاف الكتاب والسنة وخلاف ما عليه المسلمون كافة. وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ

وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} ولو كان الأمر على ما زعمه الصواف لكان يجعل المطيعين لله والرسول مع الأطباء والفلكيين. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} والصديقون هم أعظم أتباع الرسل إيمانا بالله. ولو كان الأمر على ما زعمه الصواف لقال والذين آمنوا بالله ورسوله أولئك هم الأطباء والفلكيون. وقال تعالى في سورة الأنعام بعد ما ذكر جملة من الأنبياء: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} ولو كان الأمر على ما زعمه الصواف لكان يأمر بالاقتداء بالأطباء والفلكيين. وروى الإمام أحمد عن عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله, شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وصليت الخمس وأديت زكاة مالي وصمت شهر رمضان, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من مات على ذلك كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا - ونصب أصبعيه - ما لم يعق والديه». وروى الإمام أحمد أيضا عن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن ألئك رفيقا إن شاء الله». وروى الترمذي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين الشهداء»

قال الترمذي: هذا حديث حسن. ولو كان الأمر على ما زعمه الصواف, لقال عن هؤلاء المذكورين في هذه الأحاديث: إنهم يكونون يوم القيامة مع الأطباء والفلكيين. وإذا علم ما ذكرنا من الآيات والأحاديث, فليعلم أيضا أنه لا خلاف بين المسلمين أن أعظم الناس إيمانا بالله الأنبياء ثم الصديقون ثم الناس بعد ذلك متفاوتون في كثرة الإيمان وقلته. والأطباء والفلكيون المنتسبون إلى الإسلام هم من أقل الناس حظا من الإيمان كما لا يخفى على من تتبع أخبارهم وسبر أحوالهم. وأما الأطباء والفلكيون من غير المسلمين فهم من أكفر الناس. أما أطباء اليونان وفلاسفتهم الفلكيون في قديم الدهر فكانوا مشركين يعبدون الأصنام والكواكب. وأما أطباء الإفرنج وفلاسفتهم الفلكيون فهم ما بين دهري وعابد صليب. فأي إيمان بالله عند هؤلاء الإفرنج وأولئك اليونان فضلا عن شدة الإيمان التي تفوق إيمان الرسل فضلا عن غيرهم من الناس؟ وأنه ليصدق على الصواف قول القائل: لقد كان في الأعراض ستر جهالة ... غدوت بها من أشهر الناس في البلد والغالب على الفلكيين من فلاسفة الإفرنج الإيمان بالجبت والطاغوت لما في كثير من كلامهم من التحكم على الغيب وتصديق من يدي علم المغيبات من الأجرام العلوية وغيرها, وقد ذكر الصواف في رسالته شيئا كثيرا من دعاويهم الكاذبة في ذلك, وقد نبهت عليها في مواضعها, ولله الحمد والمنة. ومن كانوا كذلك فالمطابق لأحوالهم على الحقيقة أن يوصفوا بشدة الإيمان بالجبت والطاغوت, لا بشدة الإيمان بالله.

الرد على المودودي

وأما قوله: لأنهم يرون من عجائب صنع الله ما لا يراه غيرهم. فجوابه أن يقال: إن رؤية أعداء الله من الأطباء والفلكيين وغيرهم من الكفار لعجائب صنع الله لم تنفعهم شيئا, كما قال الله تعالى فيهم وفي أشباههم: {وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَانَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}. وأما الأطباء والفلكيون المنتسبون إلى الإسلام فانتفاعهم بما يرونه من عجائب صنع الله أقل من انتفاع غيرهم من المسلمين. ويدل على ذلك ما هم عليه من التهاون ببعض المأمورات, ولاسيما الصلاة وارتكاب كثير من المنهيات, ولو كان إيمانهم قويا لكانوا يحافظون على فعل المأمورات. ويبعدون عن فعل المنهيات. فصل وقد انبرى أبو الأعلى المودودي وعلي الطنطاوي لمؤازرة الصواف, وتأييد ما نشره من الأقوال الباطلة, فصارا شريكين له في كل ما نشره في كتابه مما هو مخالف لمدلول الكتاب والسنة والإجماع. وقد قال الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} وفي المسند وصحيح مسلم والسنن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا, ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام

من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال النووي: سواء كان ذلك الهدي أو الضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقاً إليه. انتهى. وروى الطبراني وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أعان ظالما بباطل ليدحض به حقا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله». ولقد أحسن الشاعر حيث يقول: ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكل أمر منكر وبقيت في خلف يزين بعضهم ... بعضا ليدفع معور عن معور فطن لكل مصيبة في ماله ... وإذا أصيب بدينه لم يشعر فأما المودودي فقد ابتدأ كلامه بإطراء الصواف, ومجاوزة الحد في مدحه, وقد أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على المداحين, وأمر أن يُحثى في وجوههم الترابُ. وقد ذكرت الأحاديث في ذلك قريبا عند ذكر مدح المحاسني للصواف, فلتراجع. وفي كلامه أيضاً أخطاء كثيرة سأذكرها, واتبعها بالرد إن شاء الله تعالى. فمن أخطائه قوله في رسالة الصواف: إنها قيمة. والجواب أن يقال: هذا كلام لا يصدر إلا من رجل قد التبست عليه الحقائق حتى صار يرى الباطل في صورة الحق. وكيف تكون رسالة الصواف قيمة, وهو قد حشاها بتخرصات الإفرنج وظنونهم الكاذبة ورجمهم بالغيب عما لا يعلمونه. وفيها أيضا الشيء الكثير من القول على الله, وعلى كتابه

وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى المسلمين بغير علم. وفيها أيضا تعظيم أعداء الله تعالى من الكفرة الفجرة والمبالغة في الثناء عليهم والدعاء لهم بالرحمة والرضا. فهي بلا شك رسالة تهور وجهل وضلال. ومن استحسنها ورأى أنها رسالة قيمة فأحسن الله عزاءه في علمه وعقله. ولقد أحسن الشاعر حيث يقول: يقضي على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسن وأحسن من هذا وأبلغ قول الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}. ومن أخطائه أيضا قوله في الصواف: إنه أقام بمكة؛ ليبلغ رسالة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها. والجواب أن يقال: ليس الأمر, كما زعمه المودودي, فإن الصواف لم يقم بمكة؛ ليبلغ رسالة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها, وإنما أقام بها؛ ليأخذ المرتبات الضخمة لا غير. ويقال أيضا: إن الصواف لم يبلغ رسالة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها, وإنما بلغ فيها ما يخالف الكتاب والسنة والإجماع من تخرصات فيثاغورس اليوناني وتخرصات أتباعه من فلاسفة الإفرنج المتأخرين وظنونهم الكاذبة ورجمهم بالغيب عن السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم, فهذا هو الذي نشره الصواف وبثه في مشارق الأرض ومغاربها وقد قال الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}. ومن أخطائه أيضا قوله: إن الذي ورد في كتاب الله تعالى في بعض آياته

عن الأمور الكونية لم يرد ليعلم الإنسان علم الطبيعة. وإنما ورد ليلفت نظر الإنسان إلى ما في آيات الله الكونية من دلائل قاطعة وحجج دامغة على توحيد الله تعالى والبعث بعد الموت. والجواب أن يقال: إن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق العالم كله علويه وسفليه وأودع فيه من عجائب قدرته وبديع إتقانه ما أودع, وليس شيء من ذلك من فعل الطبيعة كما يزعمه أهل الجهل بالله. وإذا لم يكن شيء من ذلك من فعل الطبيعة, فأي بعلم يتعلق بها أو ينسب إليها. والذي ورد في كتاب الله تعالى عن الأمور الكونية كله حق يجب الإيمان به واعتقاد أنه هو الحق وما خالفه فهو باطل. وبما ورد في كتاب الله تعالى عن الأمور الكونية يستدل المسلم على عظمة الخالق جل جلاله وعظيم إنعامه على خلقه حيث سخر لهم ما في السموات وما في الأرض. ومن ذلك تسخيره للشمس والقمر يجريان دائبين لقيام معايش العباد ومصالحهم. وقد جعل المودودي هذه المقدمة التي ذكرنا عنه تمهيداً لمنع الاستدلال على جريان الشمس ودورانها حول الأرض بالآيات التي فيها النص على جريانها وطلوعها ودلوكها وتزاورها وغروبها, وأن الله يأتي بها من المشرق, وأنها تجري لمستقرها الذي أخبر عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه؛ لمنع الاستدلال أيضا على سكون الأرض وثباتها بما أخبر الله به من إلقاء الرواسي فيها, وجعلها أوتادا لها, وهذا خطأ كبير. وكيف يترك الاستدلال بكلام الله تعالى على جريان الشمس حول الأرض ويستدل بتخرصات

أعداء الله وظنونهم الكاذبة على سكونها وثباتها أو ما يزعمه بعضهم من دورانها على محورها. وكيف يترك الاستدلال على سكون الأرض, وثباتها بما أخبر الله به من إلقاء الرواسي فيها, وجعلها أوتاداً لها, وجعلها قرارا للمخلوقات. ويستدل على دورانها حول نفسها وحول الشمس بتخرصات أعداء الله وظنونهم الكاذبة {قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ}، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}. ولا يعرض عن كلام الله والاستدلال به على ما أخبر الله به عن الأمور الكونية, ويرى أن الحق فيما زعمه أعداء الله من تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة إلا من هو مصاب في دينه وعقله. اللهم إنا نعوذ بك من زيغ القلوب وانتكاسها. ومن أخطائه أيضا قوله: إن القرآن لم ينتهج لذكره أسلوبا يصطدم مع علوم الإنسان في عصر من العصور اصطداماً صريحا يحول بين الإنسان, وبين إيمانه بالله تعالى وبكتابه ولأجل ذلك لم يصرح القرآن بصورة قاطعة من آية من آياته بدوران الأرض وثبوت الشمس أو ثبوت الأرض وجريان الشمس حولها. والجواب أن يقال: أما العلوم الصحيحة من علوم الإنسان, فإن القرآن لا يصادمها وإنما يصادم الأقوال الباطلة والتخرصات والظنون الكاذبة. ومن الأقوال الباطلة والتخرصات والظنون الكاذبة التي يصادمها القرآن ويشهد ببطلانها ما زعمه فيثاغورس اليوناني وتبعه عليه أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج المتأخرين وما تخرصوه في قولهم: إن الشمس ثابتة وأن الأرض تدور حولها.

والسنة أيضا تصادم هذا القول الباطل وتشهد ببطلانه. وقد ذكرت الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة على ثبات الأرض وجريان الشمس حولها في أول الصواعق الشديدة, فلتراجع هناك. وذكرت أيضا إجماع المسلمين, وأهل الكتاب على القول بوقوف الأرض وسكونها, فليراجع أيضا. ومن الأقوال الباطلة التي يصادمها القرآن والسنة إنكار أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم من العصريين وجود السموات السبع وزعمهم أن سعة الجو غير متناهية. وزعمهم تعدد الشموس والأقمار إلى غير ذلك من أقوالهم الباطلة التي يصادمها القرآن والسنة. وقد ذكرت في الصواعق الشديدة تسعة عشر مثالا منها, فلتراجع هناك. وقد ذكر الصواف في رسالته التي وافقه المودودي عليها شيئا كثيراً من تخرصات أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم في الأرض والسموات والشمس والقمر والنجوم, وزعم أن ذلك من علوم المسلمين في الفلك. وكلها أقوال باطلة يصادمها القرآن والسنة. وقد نبهت على كل جملة منها في موضعها من هذا الرد, ولله الحمد والمنة. وفي كل موضع من تلك المواضع رد على المودودي في زعمه أن القرآن لم ينتهج لذكره أسلوبا يصطدم مع علوم الإنسان في عصر من العصور. وأما قوله: إن القرآن لم يصرح بصورة قاطعة من آية من آياته بدوران الأرض وثبوت الشمس. فجوابه أن يقال: هذا صحيح فليس في القرآن ما يدل على دوران الأرض وثبات الشمس البتة.

وقد استدل الصواف وغيره من العصريين على ما زعموه من دوران الأرض بآيات زعموا أنها تدل على ذلك, ولا دليل في شيء منها على دوران الأرض ولكنهم تأولوها على غير تأويلها وذلك من الإلحاد في آيات الله تعالى وتحريف الكم عن مواضعه. وقد ذكرت ما استدلوا به من الآيات والرد عليهم في الصواعق الشديدة, فليراجع هناك. وأما زعمه أن القرآن لم يصرح بصورة قاطعة من آية من آياته بثبوت الأرض, وجريان الشمس حولها. فجوابه أن يقال: هذا خطأ وقول بلا علم, فقد جاء التصريح بجريان الشمس في خمسة مواضع من القرآن. وصرح في الآية من سورة يس أن الشمس تجري لمستقر لها. وسيأتي تفسير ذلك بما في الحديث الصحيح إن شاء الله تعالى. وصرح في آيتين أنها تسبح في الفلك. قال الراغب الأصفهاني السبح المر السريع في الماء وفي الهواء يقال: سبح سبحا وسباحة واستعير لمر النجوم في الفلك نحو: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ولجري الفرس نحو: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا} ولسرعة الذهاب في العمل نحو: {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} انتهى. وروى ابن أبي حاتم عن الضحاك: {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} قال: الفلك السرعة والجري في الاستدارة, ويسبحون يعملون. قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: يريد أن لفظ الفلك يدل على الاستدارة, وعلى سرعة الحركة, كما في دوران فلكة المغزل ودوران الرحى.

وقال الشيخ أيضا: ولفظ الفلك في لغة العرب يدل على الاستدارة. قال الجوهري: فلكة المغزل سميت بذلك لاستدارتها والفلكة قطعة من الأرض أو الرمل تستدير وترتفع على ما حولها والجمع فلك. وقال: ومنه قيل: فلك ثدي الجارية تفليكا وتفلك استدار. قال الشيخ: قلت: والسباحة تتضمن الجري بسرعة, كما ذكر ذلك أهل اللغة. انتهى. وقال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} قال أهل اللغة: الدأب إدامة السير والمبالغة فيه. وفي هذه الآية أوضح دليل على أن الشمس تجري وتدور على الأرض لقيام معايش العباد ومصالحهم. وقال تعالى: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَاتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَاتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}. وفي هذه الآية أوضح دليل على سير الشمس ودورانها على الأرض. ونص تبارك وتعالى على طلوعها وغروبها في عدة آيات من القرآن. ونص أيضا على دلوكها وهو زوالها عن وسط السماء وعلى تزاورها. وفي كل آية من هذه الآيات التي أشرت إليها أوضح دليل على جريان الشمس ودورانها على الأرض. وقد ذكرت هذه الآيات وغيرها من الآيات الدالة على سير الشمس ودورانها على الأرض في أول الصواعق الشديدة, فلتراجع هناك. وذكرت أيضا الآيات التي تدل على ثبات الأرض واستقرارها, فلتراجع أيضا ففي كل ما ذكرته هناك أبلغ رد على المودودي في زعمه أن القرآن لم يصرح بصورة قاطعة من آية من آياته بثبوت الأرض وجريان الشمس حولها.

وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة تدل على سير الشمس ودورانها على الأرض. وأحاديث أخرى تدل على ثبات الأرض واستقرارها, وقد ذكرتها في الصواعق الشديدة, فلتراجع أيضا ففيها أبلغ رد على المودودي في زعمه أن القرآن لم يصرح بصورة قاطعة بثبوت الأرض وجريان الشمس حولها. وما صرح به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مما صرح به القرآن قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. وقد ذكرت في الصواعق الشديدة أيضا إجماع المسلمين على القول بوقوف الأرض وسكونها, وإجماع المسلمين حجة قاطعة, لقول الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. ومن أخطائه أيضا قوله: أما قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} فليس معنى ذلك أن الشمس تدور حول الأرض بل معناه أن الشمس سارية إلى مستقرها الذي لا يعلمه الإنسان، وهذا المدلول لا يعارضه علم الهيئة في العصر الحاضر. والجواب أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فسر هذه الآية الكريمة في الحديث الصحيح فلم يدع لقائل مقالا. فروى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود الطيالسي والترمذي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت

الشمس: «تدري أين تذهب» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد, فلا يقبل منها وتستأذن, فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قول الله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}» هذا لفظ البخاري. وفي رواية مسلم قال: ثم قرأ في قراءة عبد الله. وذلك مستقر لها. وللترمذي نحوه وقال: هذا حديث حسن صحيح. وفي رواية لمسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوما: «أتدرون أين تذهب هذه الشمس» قالوا: الله ورسوله أعلم قال: «إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة, فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة, فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت, فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش, فيقال لها: ارجعي ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها» فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتدرون متى ذاكم. ذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً». وفي هذا الحديث الصحيح أوضح دليل على أن الشمس تجري وتدور على الأرض, وفيه التصريح بأنها تنتهي إلى مستقرها تحت العرش كل ليلة فتسجد حينئذ وتستأذن في الطلوع فيؤذن لها حتى إذا كان في آخر الزمان أمرت بالطلوع من مغربها.

وفيه رد على المودودي حيث زعم أن الشمس سارية إلى مستقرها الذي لا يعلمه الإنسان. يعني أنها لا تزال سارية إلى مستقرها ولم تصل إليه بعد. وكأنه والله أعلم قد اعتمد على كلام العصريين المفتونين بتخرصات الإفرنج وظنونهم الكاذبة, فقد نقل الصواف في صفحة 63 عن قطب أنه قال: والله يقول: إنها تجري لمستقر لها. هذا المستقر الذي ستنتهي إليه لا يعلمه ألا هو سبحانه ويعلم موعده سواه انتهى. فكلام المودودي شبيه بكلام قطب وهما ومن قال بقولهما من العصريين كلهم عيال على فلاسفة الافرنج المتأخرين. فقد ذكر الصواف عنهم في صفحة 38 أنهم قالوا: إن النظام الشمس ينهب الفضاء نهباً متجهاً نحو برج هر كيوليس. وذكر أيضا في صفحة 43 عن الفلكي الجاهل (سيمون) أنه قال: إن الشمس والكواكب السيارة وأقمارها تجري في الفضاء نحو برج النسر بسرعة غير معهودة لنا على الأرض يكفي لتصويرها أننا لو سرنا بسرعة مليون ميل يوميا, فلن تصل مجموعتنا الشمسية إلى هذا البرج إلا بعد مليون ونصف مليون سنة من وقتنا الحاضر. انتهى هذيانه. وهذه التخرصات والظنون الكاذبة مردودة بما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من انتهاء الشمس إلى مستقرها تحت العرش كل ليلة وسجودها حين تنتهي إليه, واستئذانها في الطلوع وأنه يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت, فتصبح طالعة من مطلعها إلى آخر الحديث الذي تقدم ذكره. وقد تقدم في أول الكتاب الجواب عما لعله يورده بعض الناس على هذا الحديث من كون الشمس لا تزال طالعة على الأرض, فليراجع مع الكلام على ما زعمه الصواف من حركة الأرض.

وأما قول المودودي أن مستقر الشمس لا يعلمه الإنسان. فجوابه أن: يقال قد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في رواية مسلم التي تقدم ذكرها أن مستقرها تحت العرش وأنها تنتهي إليه كل ليلة, فتسجد حينئذ, وتستأذن في الطلوع. وفي الصحيحين ومسند الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}. قال: «مستقرها تحت العرش» وأما قوله وهذا المدلول لا يعارضه علم الهيئة في العصر الحاضر. فجوابه أن يقال: أما تأويله للآية على ما يوافق تخرصات سيمون وأمثاله من فلاسفة الإفرنج الذي نقل عنهم الصواف في صفحة 38 و 43 ما نقل فهو كما قال لا يعارض جل الهيئة في العصر الحاضر بل يوافقه. وأما على التأويل التصحيح الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي ذر رضي الله عنه فمدلول الآية يعارض جهل أهل الهيئة في العصر الحاضر ويرده). وقد قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. وقد قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين فهو مفتر على الله ملحد في آياته محرف للكلم عن مواضعه. انتهى. وإذا كان المخالف لتفسير الصحابة والتابعين متصفا بهذه الصفات الذميمة؛ فالمخالف لتفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى وأحرى أن يكون متصفا بها.

ومن أخطائه أيضا قوله: إن القرآن لم يصرح في آية من آياته بكون الأرض ثابتة ساكنة وكون الشمس دائرة حولها. والجواب عن هذا الخطأ قد تقدم قريبا, فليراجع. ومن أكبر أخطائه أيضا قوله: إن الإنسان في القرون الماضية كان يفسر الرواسي والأوتاد في نطاق معرفته وحسب علمه بالأمور الكونية آنذاك. ويحق له أن يفسرها اليوم في ضوء ما اكتشفه من الأمور الكونية. والجواب عن هذا من وجوه: أحدها: أن يقال أن العلماء في القرون الماضية كانوا أعلم بالأمور الكونية من جهلة العصريين المفتونين بتقليد فلاسفة الإفرنج والعض على تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة بالنواجذ. وتفسر العلماء في القرون الماضية للرواسي والأوتاد بما يقتضي وقوف الأرض وثباتها هو التفسير الصحيح, كما تدل على ذلك لغة العرب. وهم إنما يعتمدون في تفاسيرهم على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين. ثم على ما جاء عن التابعين وأئمة العلم والهدى من بعدهم. ثم على لغة العرب التي نزل القرآن بها. وأما العصريون فكثير منهم قد جعلوا القرآن ملعبة لهم يتأولونه على غير تأويله ويحملونه على ما يوافق تخرصات الإفرنج وظنونهم الكاذبة. الوجه الثاني: أن يقال: إن تفسير العلماء في القرون الماضية للرواسي والأوتاد بأنها وضعت على الأرض لإرسائها وتثبيتها ينافي تفسير العصريين من أتباع أهل الهيئة الجديدة وقولهم: إنها إنما وضعت على الأرض لتحفظ عليها توازنها مع دورانها على نفسها وعلى الشمس. والذي يظهر من كلام المودودي أنه كان يذهب إلى تغليط الذين فسروا الرواسي والأوتاد بأنها وضعت على الأرض لإرسائها وتثبيتها ويرى أن الصواب في قول العصريين الذين فسروها في ضوء ما اكتشفه لهم فلاسفة الإفرنج المتأخرون من الأمور الكونية. وهذه إحدى الكبر من المودودي لما يلزم على قوله هذا

من تغليط النبي صلى الله عليه وسلم وتغليط علي وابن عباس رضي الله عنهم وغير واحد من التابعين وكثير من أئمة المفسرين الذين قرروا في تفاسيرهم وقوف الأرض وثباتها وأنها قد أرسيت بالجبال وجعلت الجبال أوتاداً لها. وقد ذكرت في الوجه الأول أن هذا هو التفسير الصحيح. والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن انس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قال: «لما خلق الله الأرض جعلت تمتد, فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت». وهذا نص في استقرار الأرض وسكونها. قال في القاموس وشرحه: قر بالمكان يقر بالكسر والفتح قراراً وقروراً وقراً وتقرة ثبت وسكن فهو قار كاستقر وتقار وهو مستقر. انتهى. وروي ابن جرير عن علي رضي الله عنه أنه قال: (لما خلق الله الأرض قمصت وقالت: تخلق علي آدم وذريته يلقون علي نتنهم ويعملون علي الخطايا فأرساها بالجبال فمنها ما ترون ومنها ما لا ترون). وروى أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إن الجبال لتفخر على الأرض بأنها أثبتت بها). وقال وهب لما خلق الله الأرض جعلت تمر فقالت الملائكة: إن هذه غير مقرة أحدا على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال, فلم تدر الملائكة مِمَّ خلقت الجبال. وروي عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن نحوه. وروي سعيد عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد نحو ذلك أيضا.

وكلام المفسرين في تفسير الرواسي والأوتاد بأنها وضعت على الأرض لإرسائها وتثبيتها كثير موجود في تفاسيرهم. وقد ذكرت جملة من ذلك في أول الصواعق الشديدة, فلتراجع هناك. وإذا علم ما ذكرنا فالمودودي بين خطتين لا بد له من إحداهما. إما أن يقول بتغليط النبي صلى الله عليه وسلم حيث نص على استقرار الأرض لما ألقيت الجبال عليها. وتغليط علي وابن عباس رضي الله عنهم ومن ذكر بعدهم من التابعين ومن أشرنا إليهم من أئمة المفسرين الذين قرروا أن الرواسي إنما وضعت على الأرض وجعلت أوتاداً لها لتثبتها وتمنعها من الحركة. وإما أن يرجع عن قوله: إنه يحق للإنسان أن يفسر الرواسي والأوتاد في ضوء ما اكتشفه من الأمور الكونية. وما قبله من الكلام الذي يفهم منه تجهيل من فسر الرواسي والأوتاد بأنها وضعت على الأرض لإرسائها وتثبيتها وأن نطاق معرفتهم وعلمهم بالأمور الكونية كان قاصرا عن نطاق معرفة أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم ومقلديهم من جهلة العصريين وعلمهم بالأمور الكونية. الوجه الثالث: أن ما يزعمه فلاسفة الإفرنج من اكتشاف حركة الأرض ودورانها على نفسها وعلى الشمس. وما يزعمونه أيضا من الاكتشافات عن الشمس وثباتها وعن القمر والنجوم فكلها تخرصات وظنون كاذبة {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} وتسميتها ضوءًا من قلب الحقيقة. ومن قال: إنه يحق للإنسان أن يفسر شيئا من القرآن على ما يوافقها فقد فتح للملحدين باب الإلحاد في آيات الله وأغرى المحرفين للكلم عن مواضعه على التحريف. وليعلم أن القول في القرآن بمجرد الرأي حرام شديد التحريم وقد ورد

الوعيد الشديد على ذلك كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والبغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار» هذا لفظ ابن جرير وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وروى الترمذي أيضا أبو داود وابن جرير والبغوي عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» قال الترمذي: هذا حديث غريب. قال: وهكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم. وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم أنهم فسروا القرآن فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن أو فسروه بغير علم أو من قبل أنفسهم. وقد روي عنهم ما يدل على ما قلنا أنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم. ثم روى بإسناده عن قتادة أنه قال: ما في القرآن آية ألا وقد سمعت فيها شيئا. وروي أيضا بإسناده عن مجاهد أنه قال: لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم احتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت. انتهى كلام الترمذي. وقال البغوي: قال شيخنا الإمام: قد جاء الوعيد في حق من قال في القرآن براية وذلك فيمن قال من قبل نفسه شيئاً من غير علم. قال: وأما التفسير وهو الكلام في أسباب نزول الآية وشأنها وقصتها, فلا يجوز إلا بالسماع بعد ثبوته من طريق النقل. انتهى. وقد تقدم قول شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى من فسر القرآن والحديث وتأوله على غير التفسير المعروف عن الصحابة والتابعين, فهو مفتر على الله ملحد في آيات الله محرف للكلم عن مواضعه. انتهى.

وقد كان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما, وهما من أعلم هذه الأمة بكتاب الله تعالى يهابان القول في القرآن بغير علم. كما روي شعبة عن سليمان وهو الأعمش عن عبد الله بن مرة عن أبي معمر قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم). ووري أبو عبيد القاسم بن سلام عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سئل عن قول الله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله ما لا اعلم). وروي أبو عبيد أيضا ومحمد بن سعد وابن جرير بأسانيد صحيحة عن أنس رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ على المنبر: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها, فما الأب ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر. وزاد ابن سعد في روايته: فما عليك أن لا تدريه. وإذا علم هذا فقد روي الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» قال الترمذي: هذا حديث حسن, وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي وللترمذي أيضا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه. ومن أخطائه أيضا قوله: وأن الله تعالى لم يجعل إيماننا وعقيدتنا مربوطا بعلم عصر من العصور بحيث إذا تغير هذا العلم وتبدل اضطر الإنسان إلى أمرين إما أن يؤمن بالله تعالى وينكر صحة العلم. أو يكفر بالله تعالى ويؤمن بصحة العلم. والجواب أن يقال: هذه إحدى الكبر من المودودي حيث قرر ما يهذو

به جهلة العصريين من حرية الفكر حتى فيما يتعلق بالإيمان والعقيدة. وهذا القول من أبطل الباطل. والحق أن الإيمان والعقيدة مربوطان بعلم العصر النبوي, وهو علم الكتاب والسنة. وهذا العلم لا يتغير ولا يتبدل إلى يوم القيامة. قال الله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}. وما جاء في الكتاب والسنة من الأدلة على ثبات الأرض واستقرارها وأجمع المسلمون عليه لا يتغير ولا يتبدل إلى يوم القيامة. ومن قال بخلاف ذلك: فقوله باطل مردود عليه لمخالفته للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وكذلك ما جاء في الكتاب والسنة من النصوص على جريان الشمس ودؤوبها في ذلك وأن الله سخرها لخلقه تأتي من المشرق كل يوم وتغرب في المغرب كل ذلك لا يتغير ولا يتبدل إلى يوم القيامة. ومن قال بخلاف ذلك فقوله باطل مردود عليه لمخالفته لنصوص الكتاب والسنة وما كان عليه المسلمون في قديم الدهر وحديثه سوى من شذ عنهم في هذه الأزمان الأخيرة من أتباع أهل الهيئة الجديدة. وكذلك ما جاء في القرآن من النص على أن الله تعالى زين السماء الدنيا بالمصابيح, وهي النجوم. وفي الآية من سورة الصافات: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} فهذه النصوص لا تتغير ولا تتبدل إلى يوم القيامة. ومن

قال بخلاف ذلك من فلاسفة الإفرنج وأتباعهم من العصريين الذين يزعمون في أبعاد الكواكب ومقادير أجرامها ما يزعمون فأقوالهم باطلة مردودة عليهم لمخالفتها لنصوص القرآن. وكذلك ما جاء في الكتاب والسنة من النصوص الكثيرة على إثبات السموات السبع وأن السماء بناء وسقف محفوظ مرفوع وأنهن شداد وأن لهن أبوابا وحجابا. كل ذلك لا يتغير ولا يتبدل إلى يوم القيامة. ومن قال بخلاف ذلك من فلاسفة الإفرنج وأتباعهم من العصريين الذين يزعمون أن السماء ليست بناء وإنما هي فضاء وجو سعته غير متناهية فأقوالهم باطلة مردودة عليهم لمخالفتها لنصوص الكتاب والسنة. وكذلك ما جاء في الكتاب والسنة من النصوص على اتحاد كل من الشمس والقمر, فهي لا تتغير ولا تتبدل إلى يوم القيامة. ومن قال بخلاف ذلك وزعم أن هناك شموسا وأقمارا متعددة فقوله باطل مردود عليه لمخالفته لنصوص الكتاب والسنة. إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة مما قامت عليه الأدلة من الكتاب والسنة وقال أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم بخلاف ذلك وقد ذكرت جملة منها في الصواعق الشديدة. ومنها كثير مفرق في هذا الكتاب. والمقصود ههنا بيان أن الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع لا تتغير ولا تتبدل إلى يوم القيامة. وإنما التي تتغير وتتبدل في كل زمان هي الآراء والتخرصات والظنون الكاذبة. قال الله تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} قال البغوي معناه لكن من رحم ربك فهداهم إلى الحق؛ فهم لا يختلفون. قال ومحصول الآية أن أهل الباطل مختلفون وأهل

الحق متفقون, فخلق الله أهل الحق للاتفاق وأهل الباطل للاختلاف. انتهى. وإذا علم هذا, فالواجب على المسلمين اعتقاد ما جاء في الكتاب والسنة, وما أجمع عليه المسلمون ونبذ ما خالف ذلك من أقوال الناس وآرائهم وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة وراء الظهر. وقد سمى المودودي تخرصات أهل الهيئة الجديدة وظنونهم الكاذبة في السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم علما, وهذا من أكبر الخطأ ومن قبل الحقيقة فليست التخرصات والظنون الكاذبة بعلم, وإنما هي جهل وضلال, وقد قال الله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} وقال: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} وقال تعالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}. وأما قوله أن الإنسان يضطر إلى أمرين هما أن يؤمن بالله تعالى, وينكر صحة العلم أو يفكر بالله تعالى ويؤمن بصحة العلم. فجوابه أن يقال: قد ذكرنا أن تخرصات أهل الهيئة الجديدة وظنونهم الكاذبة في السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم ليست بعلم, وإنما هي جهل وضلال. ولا بد إذا من أحد أمرين: إما الإيمان بما جاء عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ورد ما جاء عن أهل الهيئة الجديدة من الجهل والضلال. وأما

الإيمان بالجهل والضلال ورد ما جاء عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. فليختر المرء ما يناسبه من إحدى الخطتين. فأما الجمع بينهما فغير ممكن. وأما قوله: فإذا كان الإنسان القديم مسلما صحيح الإسلام على رغم قوله بثبوت الأرض كذلك لا شك في صحة إسلام الإنسان الحاضر على اعتقاده بدوران الأرض. فجوابه أن يقال: إذا كنت لا تشك في إسلام من يقول بدوران الأرض, فغيرك قد يشك في إسلامه ولاسيما إذا قامت عليه الحجة بأن بلغته الأدلة الدالة على سكون الأرض واستقرارها وبلغه إجماع المسلمين على القول بوقوف الأرض وسكونها مقصورة على المخالفة والعناد, فهذا قد يشك في إسلامه لقول الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. وقد صرح بعض المحقين بتكفير من يقول بحركة الأرض ودورانها. وقد ذكرت ذلك في الصواعق الشديدة بعد ذكر الأدلة العقلية على ثبات الأرض واستقرارها, فليراجع هناك. وأما قوله: ولذلك أنا أوافق رأي أخي محمد محمود الصواف فجوابه أن يقال: بئس ما اخترت لنفسك من الموافقة على التخرصات والظنون الكاذبة التي تخالف مدلول الكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وإنما يعود وبال هذه الموافقة عليك قال الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}.

الرد على الطنطاوي

فصل وأما علي الطنطاوي فقال في تقريظه لكتاب الصواف ما نصه: أخي الأستاذ الصواف, رحبت بما سمعت عن عزمك على طبع ما كتبته في موضوع دوران الأرض. لا لأن فيه ردا على مقال الشيخ الجليل ابن باز. بل لأن أعداء الإسلام استغلوا ذلك المقال, وعلقوا عليه تعليقات ملأت الصحف الأوربية والأميركية. نالوا فيها من الإسلام بالباطل, فوجب الدفاع عن الإسلام بالحق, وبيان أن الذي كتبه الشيخ ابن باز رأي له قد يكون له قبول عند بعض العلماء, ولكنه ليس حكم الإسلام القطعي في هذه المسألة. وجمهور علماء المسلمين في جميع أقطار الإسلام على خلافه. والجواب أن يقال: أما استغلال الأوربيين والأمريكيين لمقال الشيخ ابن باز وتعليقهم عليه في صحفهم ونيلهم من الإسلام بالباطل فغير مستنكر منهم؛ لأنهم الأعداء الألداء للإسلام وأهله. وأبغض المسلمين إليهم من يتكلم بالحق ويتصدى لنصره والذب عنه, ولذلك قامت قيامتهم من أجل مخالفة مقال الشيخ ابن باز لتخرصاتهم وتخرصات أسلافهم من أهل الهيئة الجديدة وأتباعهم. وقد وافقهم هذا المسكين وأخواه الصواف والمودودي, فقاموا في صف أعداء الله يناضلون عن تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة. وهذا مما يحبه أعداء الله ويرضون به. فليهنك أيها الطنطاوي وليهن أخويك رضوان أعداء الله عنكم. وهؤلاء الثلاثة أعني الصواف والمودودي والطنطاوي قد التبس عليهم الحق بالباطل, فهم لذلك يرون أنهم ينصرون الحق ويذبون عنه وهم في الحقيقة إنما ينصرون الباطل ويذبون عنه.

اللهم إنا نعوذ بك من عمى القلوب وانتكاسها. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطل باطلا وارزقنا اجتنابه. ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل. وأما قوله: إن الذي كتبه الشيخ ابن باز رأي له. فجوابه أن يقال: إن الشيخ ابن باز قد أيد ما كتبه بالأدلة الواضحة من الكتاب والسنة والإجماع. وما كان مؤيدا بالأدلة الواضحة من الكتاب والسنة والإجماع, فليس من قبيل الرأي. وإنما الرأي المحض ما لم يدل عليه دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع وذلك ما كتب فيه الصواف ووافقه عليه المودودي والطنطاوي. بل إن الذي كتب فيه الصواف شر من الرأي المحض؛ لأن غالبه مبني على اتباع الظنون الكاذبة والرجم بالغيب وتصديق من يتعاطى علم المغيبات, كما قد أوضحت ذلك في مواضعه من هذا الكتاب وفي الصواعق الشديدة. وأما قوله: ولكنه ليس حكم الإسلام القطعي في هذه المسألة. فجوابه أن يقال: بل هو حكم الإسلام القطعي فيها لقيام الأدلة عليه من الكتاب والسنة والإجماع. وما قام عليه الدليل, فهو الذي عليه التعويل. وأما قوله وجمهرة علماء المسلمين في جميع أقطار الإسلام على خلافه. فجوابه أن يقال: ليس علم الغيب عندك يا طنطاوي حتى تخبر الناس عما يعتقده جمهور علماء المسلمين في جميع الأقطار الإسلامية, وأنهم على خلاف ما كتبه الشيخ ابن باز. وما الذي يدريك عن معتقدهم في هذه المسألة, وأنت لم تجتمع بهم كلهم ولا يمكنك ذلك ولا تقدر عليه. وعلى تقدير أنك قد

اجتمعت بأشخاص معدودين من بعض الأقطار الإسلامية, وأخبروك أنهم مخالفون للشيخ ابن باز, فلا يسوغ لك أن تحكم على جمهور العلماء في جميع الأقطار الإسلامية بأنهم يعتقدون معتقدك الباطل الذي ورثته عن فيثاغورس اليوناني وكوبرنيك البولوني وهرشل الإنجليزي, وأتباعهم من فلاسفة الإفرنج المتأخرين ومن يتعلق بأذيالهم من جهلة المسلمين. إنك يا طنطاوي قد قفوت ما ليس لك به علم وحكمت على كثير من علماء المسلمين بمجرد اتباعك للظن الكاذب وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} وقال تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}. والذي نعرفه عن أكابر العلماء عندنا في المملكة العربية السعودية أنهم ينكرون القول بحركة الأرض ودورانها وثبات الشمس وسكونها. وهم ولله الحمد متمسكون بالكتاب والسنة بعيدون عن الميل إلى الخرافات والتخرصات والظنون الكاذبة التي قد افتتن بها كثير من المنتسبين إلى العلم في بعض الأقطار الإسلامية, كما قد رأيت ذلك فيما اطلعت عليه من كتبهم. وأما قوله: ثم إن المسألة أكبر من المجاملة وأجل من أن تدخل في تقدير الأمور الشخصية. فجوابه أن يقال: وهل ظننت يا طنطاوي أن الشيخ ابن باز قد جاء شيئا إداً لما خالف رأي فيثاغورس وأتباعه من فلاسفة الإفرنج المتأخرين حتى تقول في حقه ما قلت. وإذا كنت ترى أن مخالفة رأي فيثاغورث وأتباعه أمرا كبيرا لا تنبغي المجاملة فيه ولا التقدير لمن خالفهم, فغيرك يرون أن

مخالفتهم في تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة من أوجب الواجبات وأهم المهمات. ويرون أن الأمر المنكر على الحقيقة هو مخالفة مدلول الكتاب والسنة والإجماع والاعتياض عن ذلك بآراء أعداء الله وتخرصاتهم وظنونهم الكاذبة والتجرد لنصرتها والذب عنها, كما فعلت ذلك يا طنطاوي أنت وأخواك الصوف والمودودي, فهذا هو الشيء الإد الذي لا يجوز إقراره ولا مجاملة أصحابه وتقديرهم. وأما قوله: وبعد, فالذي أعرفه أن الإسلام ليس فيه نص قطعي من كتاب أو سنة ولا دليل من إجماع أو قياس على دوران الأرض ولا على سكونها. فجوابه أن يقال: قد وردت الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة على سكون الأرض وثباتها وأجمع المسلمون على ذلك ودلت على ذلك الأدلة العقلية الصحيحة, وقد ذكرت ذلك مستوفى في أول الصواعق الشديدة, فليراجع هناك. وإذا كان الطنطاوي لا يعرف مثل هذه الأدلة التي أشرت إليها, فالأولى له السكوت وعدم الخوص فيما لا علم له به فقد قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}. وأما قوله, ودوران الأرض أمر مشاهد مقطوع به. كان معلوما علما نظريا بالأدلة العقلية فصار معلوما علما ضروريا بالحس ومشاهدة الأرض من المركبات الفضائية وعرض الصور التي التقطت في الرائي أي: التلفزيون وفي الخيالة أي: السينما. وصار القول بدوران الأرض من البديهيات التي لا ينازع فيها اليوم أحد. فجوابه أن يقال: أما زعمه أن دوران الأرض أمر مشاهد ومحسوس, فهذا باطل قطعا. ولا يدعي هذه الدعوى من له أدنى مسكة من عقل.

وأما ما يزعمه أهل المركبات الفضائية أنهم شاهدوا دوران الأرض من مركباتهم فذلك إنما يخيل إليهم من سرعة سير المركبات لا من سير الأرض كما أن راكب المراكب السريعة في الأرض يخيل إليه أن ما حوله من الأشجار والأحجار يسير وهو في الحقيقة ثابت في موضعه فذلك راكب المركبات الفضائية يخيل إليه أن الأرض تسير وإنما ذلك من سرعة سير المركبة التي هو فيها. وأما تصويرهم لسير الأرض وعرض ذلك في التليفزيون والسينما, فذلك من مخرقتهم وتدجيلهم على ضعفاء البصيرة. ولا يغتر بذلك ويصدق به إلا جاهل لا عقل له. وأما قوله: إن دوران الأرض مقطوع به, وأنه صار معلوما علما ضروريا. فجوابه أن يقال: بل الأمر في الحقيقة بخلاف ما زعمه الطنطاوي, فإن سكون الأرض وثباتها هو المقطوع به عند المتمسكين بالكتاب والسنة لما قام على ذلك من الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول الصحيح. وقد ذكرت ذلك مستوفى في أول الصواعق الشديدة, فليراجع هناك. وزعم الطنطاوي أن دوران الأرض قد صار معلوما علما ضروريا, إنما هو مبني على ما زعمه أهل المركبات الفضائية أنهم شاهدوا ذلك, فهذا هو عمدته فيما زعمه من العلم الضروري. ولما كان هذا مبلغ علمه وأن اعتماده إنما كان على ما يخيل إليه في التليفزيون والسينما من مخرقة أعداء الله وتدجيلهم تبين أنه ليس عنده علم يميز به بين ما يسمى علما وبين المخرقة والتخييلات الكاذبة فضلا عن التمييز بين العلم الضروري وغير الضروري.

وأما قوله: صار القول بدوران الأرض من البديهيات التي لا ينازع فيها اليوم أحد. فجوابه أن يقال: أما قوله إن دوران الأرض من البديهيات فذلك خطأ ظاهر. والصحيح المطابق للواقع أن يقال: إنه من التخرصات والظنون الكاذبة. وأما زعمه أنه لا ينازع في ذلك اليوم أحد فهو خطأ ظاهر, لأن كل متمسك بالكتاب والسنة ينازع في ذلك وهم أسعد بالدليل من منازعيهم. وأكابر العلماء عندنا في المملكة العربية السعودية كلهم على إنكار القول بدوران الأرض. وقد حكى الشيخ عبد القاهر بن طاهر البغدادي - وكان في آخر القرن الرابع من الهجرة وأول القرن الخامس - في كتابه "الفرق بين الفِرق" إجماع أهل السنة على وقوف الأرض وسكونها. وحكى القرطبي في تفسير سورة الرعد إجماع المسلمين وأهل الكتاب على ذلك. ولا عبرة بمن خالف الإجماع من العصريين المفتونين بتخرصات الإفرنج وظنونهم الكاذبة. وأما قوله: أما الآيات التي يرى فيها منكر والدوران دليلا لهم كقوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} فليس فيها دليل, لأن (ماد) عند العرب بمعنى (مال) وهو باب معروف. والميلان حركة اضطرابية. والسير حركة انتقالية. فإذا نفى الله عنها الميلان فلا يفهم منه نفي الحركة الانتقالية بل ربما كان في الآية إشارة إلى مسيرها, لأن الآية دلت على أن الجبال مثل الثقل للأرض؛ لئلا تميد أي: تضرب في سيرها كالزورق إذا كان فارغا وضعوا فيه

الحجارة أو أكياس الرمل؛ لئلا يضربه الموج فيضطرب. أقول في الآية إشارة فقط وإلا فالصحيح ما قلته أولا عن الإسلام إذ ليس فيه دليل قطعي لا على حركة الأرض ولا على نفي الحركة عنها وعلى مدعي عكس هذا أن يأتي بالدليل. والجواب عن هذا من وجوه أحدها: أن يقال: إن الميد في لغة العرب يطلق على معان منها الحركة والدوران. قال القرطبي في تفسيره عند قول الله تعالى في سورة الأنبياء {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ}: أي: جبالا ثوابت {أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} أي: لئلا تميد بهم ولا تتحرك ليتم القرار عليها. قال: والميد التحرك والدوران. وقال الشوكاني في تفسير هذه الآية {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ}: الميد التحرك والدوران أي لئلا تتحرك وتدور بهم. انتهى. وإذا انتفى التحرك والدوران عن الأرض, فإنه يثبت لها نقيض ذلك وهو الوقوف والسكون. فهذه الآية وما في معناها من الآيات الكثيرة من أوضح الأدلة على ثبات الأرض واستقرارا, وقد استدل بها الراسخون في العلم على ذلك. وقد ذكرت ذلك مستوفى في أول الصواعق الشديدة, فليراجع هناك. وليس في الآية ما يشير إلى سير الأرض بوجه من الوجوه, كما زعمه الطنطاوي. وأما تشبيه الأرض بالزورق الفارغ وتشبيه وضع الجبال عليها بوضع الحجارة أو أكياس الرمل في الزورق, لئلا يضربه الموج فيضطرب في حال سيره, فهو تشبيه غير مطابق؛ لأن الأرض قد أرسيت بالجبال من جميع نواحيها والجبال متوجهة بثقلها نحو المركز الذي هو وسط الأرض, فصارت الجبال

للأرض, كالأوتاد التي تمنعها من الحركة. ولهذا قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا}. قال ابن منظور في لسان العرب: وأوتاد الأرض؛ لأنها تثبتها. انتهى. وإذا كانت الجبال أوتادا للأرض فالتشبيه المطابق هو تشبيه الأرض بالسفينة التي قد وضع فيها ما يثقلها وأودت بالأوتاد في مرساها, فوقفت فيه ولم تتحرك. الوجه الثاني: أن الطنطاوي ذكر الآية التي فيها نفي الميد عن الأرض وتأولها على غير تأويلها حيث شبه الأرض بالزورق الفارغ إذا وضعت فيه الحجارة أو أكياس الرمل وأعراض عن الآية الصريحة في تثبيت الأرض بالجبال وجعلها أوتادا للأرض كالأوتاد التي تثبت الخيام في مواضعها والسفن في مرساها, وهي قول الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا}. قال ابن كثير عند هذه الآية: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا} أي: ممهدة للخلائق ذلولا لهم قارة ساكنة ثابتة {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} أي: جعلها لها أوتادا أرساها بها وثبتها وقررها حتى سكنت, ولم تضطرب بمن عليها. وقال القرطبي على قوله {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} أي: لتسكن ولا تتكفأ ولا تميل بأهلها. وقال أبو حيان في تفسيره {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} أي: ثبتنا الأرض بالجبال, كما ثبت البيت بالأوتاد. قال الأفوه: والبيت لا يبتنى إلا له عمد ... ولا عماد إذا لم ترس أوتاد وتقدم قول ابن منظور في لسان العرب. وأوتاد الأرض الجبال؛ لأنها تثبتها.

وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه مفتاح دار السعادة ومن منافعها - أي الجبال - ما ذكره الله تعالى في كتابه أن جعلها للأرض أوتادا تثبتها ورواسي بمنزلة مراسي السفن. وأعظم بها من منفعة وحكمة. انتهى. وقد روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لما خلق الله الأرض جعلت تميد, فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت». وروى أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (إن الجبال لتفخر على الأرض بأنها أثبتت بها). وإنما أعرض الطنطاوي عن هذه الآية التي ذكرنا؛ لأنها لا تحمل التأويل. فلو قال هو أو غيره إن الأرض تشبه السفينة إذا وضع فيها ما يثقلها وربطت بالأوتاد, وهي مع ذلك تسير في الماء لكان كل عاقل يضحك منه؛ لأنه قد رام الجمع بين النقيضين والجمع بينهما غير ممكن. وكما أنه لا يقول عاقل أن السفينة وهي مربوطة بالأوتاد فكذلك لا يقول عاقل إن الأرض تسير وهي موتدة بالجبال لأن تثبيتها بالجبال ينافي سيرها, فلا يجتمعان. الوجه الثالث: أن الله تعالى قال في سورة المؤمنين: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} الآية. وقال تعالى في سورة النمل: {مَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} الآية. وفي هاتين الآيتين أوضح دليل على ثبات الأرض واستقرارها. قال في القاموس وشرحه: قر بالمكان يقر بالكسر والفتح قرارا وقرورا وقرا وتقرة

ثبت وسكن, فهو قار كاستقر وتقار وهو مستقر. انتهى. الوجه الرابع أن الله تعالى قال: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} وفي هذه الآية الكريمة أوضح دلل على ثبات الأرض واستقرارها ولو كانت تسير وتدور على الشمس كما زعمه أعداء الله تعالى لكانت تزول من مكان إلى مكان, وهذا خلاف نص الآية الكريمة. وقد روى ابن جرير بإسناد صحيح عن أبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: من أين جئت؟ قال: من الشام قال: من لقيت؟ قال: لقيت كعبا قال: ما حدثك؟ قال: حدثني أن السموات تدور على منكب ملك قال: أفصدقته أو كذبته؟ قال: ما صدقته ولا كذبته قال: لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه براحلتك ورحلها كذب كعب إن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا}. وقال ابن جرير أيضا حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: ذهب جندب البجلي إلى كعب الأحبار, فقدم عليه ثم رجع فقال له عبد الله: حدثنا ما حدثك فقال: حدثني أن السماء فق قطب كقطب الرحا والقطب عمود على منكب ملك قال عبد الله: لوددت أنك افتديت رحلتك بمثل راحلتك ثم قال: ما تنكب اليهودية في قلب عبد فكادت أن تفارقه ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} كفى بها زوالا أن تدور. وروى ابن أبي خيثمة عن قتادة قال: بلغ حذيفة رضي الله عنه أن كعبا يقول: إن السماء تدور على قطب كالرحى فقال: كذب كعب إن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: إسناده حسن.

وقال ابن جرير: حدثنا بشير قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد عن قتادة. قوله {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} من مكانها. فهذه أقوال السلف في معنى الآية الكريمة وردهم بها على من زعم أن السماء تدور. وبما قالوه في معنى الآية الكريمة يرد على من زعم أن الأرض تدور؛ لأن سياق الآية في السموات والأرض واحد. فإذا كانت الآية الكريمة دالة على ثبات السموات وعدم دورانها كما صرح به حبر الأمة ابن مسعود رضي الله عنه وصرح به أيضا حذيفة رضي الله عنه, فكذلك هي دالة على ثبات الأرض وعدم دورانها. وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: والذي لا إله غيره ما من كتاب الله سورة إلا أنا أعلم حيث نزلت وما من آية إلا أنا أعلم فيما أنزلت. ورواه ابن جرير ولفظه قال عبد الله: والذي لا إله غيره ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت وأين أنزلت. والأدلة من القرآن على ثبات الأرض واستقرارها قد بلغت خمسة وعشرين وقد ذكرتها في أول الصواعق الشديدة, فلتراجع هناك. الوجه الخامس: ما رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال «لما خلق الله الأرض جعلت تميد, فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت». وهذا نص في استقرار الأرض وسكونها. والأدلة على ذلك من السنة قد بلغت ستة عشر حديثا. وقد ذكرتها في أول الصواعق الشديدة, فلتراجع هناك.

الوجه السادس: ذكر الشيخ عبد القاهر بن طاهر البغدادي في آخر كتابه "الفرق بين الفرق" جملة مما أجمع عليه أهل السنة قال فيها. وأجمعوا على وقوف الأرض وسكونها وأن حركتها إنما تكون بعارض يعرض لها من زلزلة ونحوها. وقال القرطبي في أول تفسير سورة الرعد: والذي عليه المسلمون وأهل الكتاب القول بوقوف الأرض وسكونها ومدها وأن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها. انتهى. وهذا صريح في حكاية الإجماع من المسلمين وأهل الكتاب على القول بثبات الأرض واستقرارها. وإجماع المسلمين دليل قطعي على ثبات الأرض واستقرارها. وفيه مع ما تقدم من الآيات والأحاديث لما زعمه الطنطاوي عن الإسلام أنه ليس فيه دليل قطعي على ثبات الأرض ونفي الحركة عنها. وأما تقسيمه الأجور بين الشيخ ابن باز ومن وافقه وبين الصواف ومن وافقه وجعله للفريق الأول أجرا واحدا وللفريق الثاني أجرين. فجوابه أن يقال هذه قسمة ضيزى {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} وليس الصواف وأشباهه ممن يرجى لهم الأجر فضلا عن مضاعفته إلى ضعفين. وإنما هم جديرون بمضاعفة الأوزار؛ لقول الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}. وأما قوله ولست أوزع الأجور ولكن أشير إلى الحديث.

فجوابه أن يقال: بلى, قد وزع الطنطاوي الأجور على حسب رغبته ثم تتصل من ذلك وزعم أنه يشير إلى الحديث. وليس في الحديث إشارة إلى دعاة الهدى ودعاة الضلالة كما قد توهم ذلك. وإنما هو وارد في الحكام وهم القضاة كما في الصحيحين والمسند وسنني أبي داود وابن ماجة عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر» قال فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن عمرو بن حزم فقال: هكذا حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. قال وفي الباب عن عمرو بن العاص وعقبة بن عامر رضي الله عنهما. وترجم الترمذي على هذا الحديث بقوله: (باب ما جاء في القاضي يصيب ويخطئ). وترجم عليه أبو داود بقوله: (باب في القاضي يخطئ). والقائل فحدثت أبا بكر هو يزيد بن عبد الله بن الهاد أحد رواته كما صرح بذلك الإمام أحمد ومسلم وابن ماجة في روايتهم لهذا الحديث. وإذا علم أن هذا الحديث وارد في القضاة وأن الطنطاوي قد أخطأ في إشارته إليه فليعلم أيضا أن المطابق لحال الشيخ ابن باز ومن وافقه وحال الصواف ومن وافقه هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه

لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» رواه الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال النووي: سواء كان ذلك الهدى أو الضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقا إليه. انتهى. فالشيخ ابن باز قد دعا إلى اعتقاد ما قامت عليه الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع من جريان الشمس في الفلك ودؤوبها في ذلك وثبات الأرض واستقرارها فيرجى أن يكون له من الأجر مثل أجور من اهتدى بسببه. وأما الصواف فإنه قد دعا إلى اعتقاد ما يخالف الكتاب والسنة والإجماع من ضلالات فيثاغورس اليوناني وأتباعه أهل الهيئة الجديدة, وهم كوبرنيك البولوني وهرشل الإنجليزي وأتباعهم من فلاسفة الإفرنج وجهال المسلمين. فيخشى على الصواف أن يكون عليه من الوزر مثل أوزار من ضل بسببه إلى يوم القيامة قال الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}. وأما قوله وجزاك الله خيرا على قصدك الحسن في الدفاع عن الإسلام. فجوابه أن يقال: أما قصده فالله أعلم به هل هو حسن أو سيئ. ولكن الذي يظهر من حاله أنه مفتون بحب الشهرة, فلهذا نصب نفسه لمعارضة الحق ومخالفة من هو أعلم منه فكان الأمر فيه كما قيل: خلافا لقولي من فيالة رأيه ... كما قبل اليوم خالف لتذكرا وأما زعمه أن ذلك من الدفاع عن الإسلام. فجوابه أن يقال: كلا؛ فليس ما جمعه الصواف في رسالته في علم الفلك

دفاعا عن الإسلام, وإنما هو دفاع عن ضلالات فيثاغورس وأتباعه من فلاسفة الإفرنج المتأخرين ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من جهال المسلمين. ولكن الطنطاوي قد التبست عليه الحقائق, فصار يرى الباطل في صورة الحق, ويرى أن الدفاع عن ضلالات أعداء الإسلام دفاع عن الإسلام. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وهذا من مصداق ما رواه رزين وغيره عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا» قالوا: وإن ذلك لكائن قال: «نعم». وأما ما ذكره عن أعداء الإسلام أنهم اتخذوا من مقال الشيخ ابن باز طعنا على الإسلام وأهله. فقد تقدم الجواب عنه في أول الرد على الطنطاوي. وأما قوله: ليروا أن في علماء المسلمين من لا ينكر الأمور الحسية والمسلمات البديهية. فجوابه أن يقال: ليس فيما ذكره الصواف في رسالته من الأمور الحسية والمسلمات البديهية شيء سوى القول بكروية الأرض واستدارة الأفلاك. وأما ما سوى ذلك فكلها تخرصات وظنون كاذبة لا يقبلها إلا من هو من أجهل الناس. وعلى هذا فالمطابق للحقيقة أن يقال ليرى أعداء الله أن في المسلمين من يسعى سعيا حثيثا خلف نعيقهم ويسارع إلى تحصيل رضاهم بقبول تخرصاتهم وظنونهم الكاذبة وتأييدها والذب عنها والمجادلة بها؛ لادحاض الحق.

وأما قوله: ومن قبل قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنه ليس في الدين أمر ثابت يناقض أو يتناقض أو ينافي أمرا ثابتا في العقل أو الحس. وما قاله هو الحق. فجوابه من وجهين: أحدهما: أن يقال: إن الطنطاوي إنما نقل كلام شيخ الإسلام بالمعنى فزاد فيه وغير أسلوبه. والمعروف من كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى قوله أن المعقول الصريح لا يمكن أن يخالف المنقول الصحيح. وتقرير قوله هذا أن نصوص الكتاب والسنة هي الأصل الذي يجب الرجوع إليه, وأن المعقولات تعرض على نصوص الكتاب والسنة, فما وافقها فهو معقول صريح معتبر, وما خالفها فهو فاسد يجب إطراحه. الوجه الثاني: أن الطنطاوي قد استشهد بهذا الكلام في غير محله؛ لأنه قد توهم أن ما ذكره الصواف في رسالته فهو من الأمور الحسية والمسلمات البديهية التي يثبتها العقل. وليس الأمر على ما توهمه, بل إن الذي ذكره الصواف كله تخرصات وظنون كاذبة تنافي الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع سوى القول بكروية الأرض واستدارة الأفلاك. وقد نبهت على ما فيه من التخرصات والظنون الكاذبة في مواضعها من هذا الكتاب ولله الحمد والمنة. فصل وقد نشر الصواف في أول رسالته كلاما لوزير المعارف الشيخ بن عبدالله بن حسن آل الشيخ. ولمدير التعليم بمكة مصطفى عطار. وحيث إنه ليس في كلامهما تصريح بموافقة الصواف على ما قرره في كتابه من دوران الأرض وثبات الشمس وغير ذلك مما حشده فيه من تخرصات الإفرنج وظنونهم الكاذبة. وإنما كتبا إليه ما كتبا؛ لمناسبة خاصة, لا لتدعيم كتابه وتقريظه فضم كتابتهما إلى كتابه؛ ليتكثر بذلك ويجعله تأييدا لأقواله الباطلة

تنبيه على كلمة شركية

وهو غير مصيب في فعله هذا. فلهذا أعرضت عن الكتابة على كلامهما. ولو أنهما نشرا تعقيبا عليه بعدم الموافقة على ما أودعه في رسالته من الضلالات والجهالات لكان خيرا لهما من السكوت الذي قد يظن بسببه أنهما قد وافقاه. فصل وفي كلام مصطفى العطار كلمة يجب التنبيه عليها. وهي قوله والشهر الكريم قد أظلنا ببركاته وفيوضه. والجواب أن يقال: ليست البركات والفيوض من الأشهر, ولا من غيرها من المخلوقات, وإنما هي من الله وحده لا شريك له. قال تعالى: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} وقال تعالى: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} وقال تعالى: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} وقال تعالى مخبرا عن عيسى عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} وقال تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا} الآية. وقال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} وقال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} وقال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} الآية. وقال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}. وفي الحديث الصحيح «وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد» والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا. ومن أضاف البركات والفيوض إلى غير الله تعالى, فقد جعل ذلك الغير

شريكا لله تعالى فيما هو من خصائص ربوبيته. وحيث إن هذا قد خفي على العطار أحببنا أن ننبهه عليه. وهذا آخر ما تيسر إيراده والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وسلم تسليما كثيرا. وقد وقع الفراغ من تسويد هذه النبذة في يوم الاثنين الموافق لخمس وعشرين مضت من شوال سنة 1388 هـ على يد جامعها الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبد الله التويجري غفر الله له ولوالديه, ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات, والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

§1/1