ديوان امرئ القيس ت المصطاوي

امرؤ القيس

بين يدي الديوان

بسم الله الرحمن الرحيم بين يدي الديوان الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله، وبعد: فهذا ديوان فحل من فحول الشعراء في الجاهلية، بل رأس الطبقة الأولى في طبقات الشعراء؛ إنه (ديوان امرئ القيس)، الملك الضليل، الذي سبق شعراء العربية إلى أشياء استحسنها الشعراء من بعده، والفضل للسابق، ومن قدّمه؛ فلفضله بالسبق، ليس إلّا!. ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (ذاك رجل مذكور في الدنيا، شريف فيها، منسي في الآخرة، خامل فيها، يجيء يوم القيامة، ومعه لواء الشعراء إلى النار) (¬1). وروي، أيضاً: (يتدهدى بهم في النار). ويروى: أن كلاً من لبيد وحسان قال: (ليت هذا المقال فيّ وأنا المدهدى في النار). وروي عن ابن الكلبيّ أنه قال (¬2): أتى قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوه عن أشعر الناس. قال: (ائتوا حسان). فقال (حسان): ذو القروح (يعنى امرأ القيس)، إلا أنه لم يعقب ولداً ذكراً، بل إناثاً، فرجعوا، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (صدق. مرفع في الدنيا، حامل في الآخرة، شريف في الدنيا، وضيع في الآخرة، هو قائد الشعراء إلى النار). ¬

_ (¬1) المعجم الكبير، الطبراني: 18/ 99. مجمع الزوائد: 1/ 119. (¬2) شرح المعلقات العشر، الشنقيطي، ص10.

ومن الأمور التي يُلمز بها امرأ القيس ويُهمز، أنه كان مفرّكاً؛ لا تحبه النساء، ولا تكاد امرأة تصبر معه، وتزوج امرأة من طيئ -على زعم الرواة- فأبغضته من ليلتها، وقالت له مرّة: كرهتُ منك أنك خفيف العزلة، ثقيل الصدر، سريع الإراقة، بطيء الإفاقة (¬1). وطرأ على سيرته وضع كثير من القصص من صنع القصاص في الأدب العربي، لعلّ لهل أساس من الصحة، ولكنها حبطت لما زيد فيها من أشياء من صنع الخيال الشعبي (غالباً). عملي في (الديوان): - قابلت بين عدة نسخٍ مطبوعة من الديوان، وأفدت منها كثيراً. - كتبت (بين يدي الديوان) وفيه: ترجمة الشاعر امرئ القيس، ودراسة المعلّقة. - شرحت المفردات اللغوية الغريبة، ووضعت علامات الترقيم، وضبطت الأبيات الشعرية ضبطاً يكاد يكون تاماً. - وضعت عنوانات للقصائد والمقطوعات الشعرية، وأثبتّ أوزان البحور للقصائد في الديوان. - صدّرت (الديوان) بـ (المعلقة)، نظراً لأهميتها وجماليتها الفنية ولقيمتها الأدبية. وبعد، فهذا عملي، ولا أدّعي أني أتيت فيه بجديد .. وقد سبقني إلى ¬

_ (¬1) في عبارات هذه المرأة كنايات لطيفة، مستحسنة، عن أوضاع الجماع عند امرئ القيس.

شرح الديوان والمعلّقة كثيرون، وقد أفدت منهم الشيء الكثير، إنما هذه الطبعة تُظهر (الديوان) بحلّة قَشيبة، وشرحٍ ميسرٍ مبّسطٍ للألفاظ الغريبة. وإني لأرجوا أن أكون قد أدّيت (شيئاً) نحو واجب لغتنا ومكتبتنا العربية علينا، فإن كان كذلك، فبتوفيقٍ من المولى سبحانه. إذ هو نعم المولى ونعم النصير. كتبه عبد الرحمن المصطاوي

ترجمة امرئ القيس

ترجمة امرئ القيس (¬1) (000 - 80 ق. ه = 000 - 565 م) أ حياته: اسمه حُنْدُج، وقيل: عَديْ، وقيل: مُلَيْكَة، ولُقِّب بذي القروح وبالملك الضليل، وبامرئ القيس، وطغى هذا اللقب على اسمه وعُرف به. وعُرف بثلاث كُنى هي: أبو وهب، وأبو زيد، وأبو الحارث. أبو حُجُر ملك غطفان وأسد، وأمه فاطمة بنت ربية أخت المهَلهِل ويمكن تقسي حياته إلى مرحلتين: أولاهما مرحلة الشباب العابث، والثانية مرحلة السعي العائر إلى الملك، يفصل بينهما مصرع أبيه. نشأ حُنْدج في نجد من أسرة توارثت الملك، ودانت لها قبائل العرب من ربيعة ومضر، ومضى يتردد بين أسرة أبيه وأسرة خاله المهَلهِل من تغلب، مزهواً بنفسه وبملك أبيه، غارقاً في لذائذ الدنيا. إنْ مال إلى اللهو وجد بين الإماء والقيان طِلْبته، وإنْ طلب الطرد والقنص سار في ركابه فتيان مجّان، يبغون ما يبغي من نزو على الجياد، ومطاردة للفرائس. وعندما تنادى امرؤ القيس في ضلاله طرده أبوه، فلم يزد الطرد مجانته إلا اطّراداً، وإلحاحاً على الغيّ، إذ راح ينفق عمره في الشهوات، ويعايش من شذّ وتصعلك، ومن غوى وفسق. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: شرح المعلقات العشر، الشنقيطي، ص7. طبقات فحول الشعراء، ص51. خزانة الأدب، البغدادي 1/ 299، الأغاني: 9/ 77.

وبينما هو غارق في لذائذه، وقعت واقعة نقلته من المجون إلى الشجون، ومن الخمر والقمر، إلى الغمّ والهم. فعندما وصله خبر أبيه قال: (ضيّعني صغيراً، وحمّلني دمه كبيراً لا صحو اليوم، ولا سكر غداً. اليوم خمرُ وغداً أمر). فآلى ألا يأكل لحماً، ولا يشرب خمراً، ولا يدهن، ولا يصيب امرأة، حتى يدرك ثأره. فلبس امرؤ القيس لامة الحرب، وحاولت قبيلة أسد أن تترضاه، فلم يرضَ، فقاتلهم حتى كثرت الجراح والقتلى فيهم، وحجز الليل بينهم، وهربت بنو أسد. لم تشف هذه المقتلة غلّ امرئ القيس، واستنصر بقَيْل يُدعى مرثد الخير بن ي جَدن الحِمْيريْ فنصره وأمّده بخمسمائة رجل من حِمير، ولكن هذا المدد لم يحقق النصر لامرئ القيس، فاضطر امرؤ القيس إلى التجول من أمير إلى أمير، وإلى تجرع الغصص غصّة بعد غصّة، فترك ماله وأسلحته لدى السموأل بن عادياء، ويممّ شطر قيصر فأحسن قيصر وفادته، لكنّه لم يعنه على استرداد ملكه. ويقال: إنّه أصيب في عودته بالجدري، فمات، وقيل: إنه مات بسمّ سرى في جسمه من حلّةٍ مسمومة، خلعها عليه عظيم الروم. هذه هي حياة الملك الضَّليل التي كادت أحداثها المثيرة أن تجعلها أسطورة ساخرة. ب شعره وأغراضه: كان شعر امرئ القيس في المرحلة الأولى من حياته غزلاً ووصفاً لمجالس الأنس والخمر، والحصان رفيقه في الصيد، ومطيته في ميادين القتال، وفي المرحلة الثانية غلب على شعره المدح والهجاء والفخر بالملك القديم ووصف الناقة وسيلته في قطع الفلوات.

ومن حيث العواطف، كان شعره في المرحلة الأولى يتّفجر حيوية وتفاؤلاً وزهواً، واعتزازاً، فلما فُجع بأبيه، غرق في الشكوى والحزن والتذمّر من غدْر الناس والزمان. وفي الأسلوب كانت ألفاظ الشاعر في المرحلة الأولى أقرب إلى العذوبة والوضوح، والانسياب، ولم يفارق أسلوبه هذه الخصائص في المرحلة الثانية لكن ألفاظه شابها المقت، وخالطتها الكآبة. ج- منزلته: هو من شعراء الطبقة الأولى في العصر الجاهلي، وهم زهير بن أبي سُلمى، والنابغة الذبياني، والأعشى ميمون، وامرؤ القيس. ثم اختلفوا في تقديم أحدهم على طبقته، وفضّل كثيرٌ من الأدباء شاعرنا أكثر من الذين فضّلوا سواه، ومن هؤلاء الأدباء ابن رشيق القيرواني الذي يقول: (ولكلّ واحد منهم طائفة تفضّله وتتعصّب له. وقلما يُجْتَمع على واحد إلا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في امرئ القيس: أنه أشعر الشعراء وقائدهم إلى النار). ويروى أن عليّاً كرّم الله وجهه فضّله على شعراء الجاهلية (لأنه لم يقلْ لرغبةٍ ولا لرهبة). وأيضاً عمر بن الخطّاب رضي الله عنه والفرزدق، وابن سلّام الجُحميّ صاحب كتاب طبقات (فحولة الشعراء) كلهم شهدوا له بالسبق. د- السمات الفنية لشعره: لقد تميّز شعره بعدة سمات؛ كالوضوح الذي عُبّر عنه (بقرب الماخذ)، وجَوْدة التصوير، ورقّة الأسلوب في الغزل، وأمور جزئية كالبكاء على الديار و تشبيه النساء بالظباء مما لا يمكن القطع في أنع من اختراع حُنْدُج. غير أن السّمات العامّة نفسها كوضوح المعاني وجمال التصوير ورقّة الأسلوب يمكن ردها إلى تأثره بالبيئة الحضرية. ومن أبرز هذه السمات: 1 - وفرة التشبيه، لوفرة الموارد الطبيعية والمصنوعة التي كانت تلامس

حواسه وتتيح له أن يرسم منها الصور، فقد ألقت الحياة بين يديه ما لم تلق بين أيدي غيره، فحصانه يدور كخدروف الوليدـ وترائب صاحبته مصقولة كالسجنجل. والطابع الحسي والواقعية من أهم خصائص التشبيه عنده لكنه كان في بعض التشبيهات يعرض للأشياء لمحاً، ويترك في تشبيهه جانباً خفياً غامضاً وله في ذلك ابتكارات كثيرة ملكت على الأقدمين ألبابهم يقول: أيَقْتُلُني وَالمَشْرَفيُّ مُضَاجِعِي ... ومَسْنُونَةً زُرْقٌ كأنيابِ أَغْوَالِ 2 - عنايته بموسيقى الألفاظ ولعّله من أجل ذلك كان يكثر من التصريع، على نحو ما صنع في المعلّقة، وتتجلّى عناية الشاعر بالموسيقى في إخضاع الصوت للمعنى، كاختيار الأصوات الصاخّة للمعاني البدوية، واختيار الأصوات المهموسة والألفاظ المأنوسة للمعاني الحضرية، والمواقف الوجدانية كقوله: مِكَرّ، ٍ مفرٍّ، مُقْبِلٍ، مُدْبِرٍ معاً ... ... كجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ ... فقد جعل لكل وضع من أوضاع الفرس لفظةً قائمة برأسها مفصولة عن جارتها. ومع كل ذلك مجد في إيقاعه بعض الخلل سببه كثر الزحافات والعلل العَروضية كقوله: أعِنّي على برقٍ أراهُ وميضِ ... يضيءُ حَبيّاً في شَمَاريخَ بيضِ بلادٌ عريضةٌ، وأرض أَرِيضةٌ ... مَدَافِعُ عَيْثٍ في فضاءٍ عريضِ فقد وازن, وصرّع, ورصّع؛ لكنه أساء إلى الموسيقى الخارجية أي إلى الوزن, فقلق الإيقاع لا يرتاح له السمع. 3 - سموّ الشاعر من أفق العاطفة الذاتية إلى أفق العاطفة الإنسانية.

ويظهر هذا السمو بعدة صور: أولاها أن فجيعته بأبيه وملكه أخرجت من قلبه الأثرة المفتونة بالذات، فهو ينسى مصابه، ويتأثر بما يصيب غيره ويقول: أرى أمّ عمرٍو دَمْعُهَا قد تحدّرَا ... بُكَاءً على عَمرٍو، وَمَا كان أصْبَرَا والثانية: أسفه على ما أصاب قومه من فُرقة، وما أصابه من غربة يقول: ذكَرْتُ بها الحَيَّ الجَميعَ فَهَيّجَتْ ... عَقَابيلَ سُقْمٍ مِنْ ضَمِيرٍ وأَشْجَانِ فَسَحّتْ دُموعي في الرِّداءِ كأنّهَا ... كُلىً ً من شَعِيبٍ ذاتِ سَحٍّ وَتَهْتانِ وتظهر هذه العاطفة الإنسانية في إغاثة الملهوف، وإطلاق سراح الأسير، وتأثر الشاعر بالطبيعة الصامتة والحية، إذ يخلع عليها من مشاعره الفيّاضة حسّاً إنسانياً، فتغدو نفوس تفرح وتحزن، ويخامرها ما يخامر الشاعر من خلجات الألم والسرور والغضب والطرب.

المعلقة

دراسة المعلقة (¬1) مهما طال الحديث عن شعر (الملك الضلّيل) يبقى ناقصاً ما لم يتناول معلّقته التي أولاها الأقدمون عناية بالغة، وجعلها الرواة فاتحة كتبهم، وعُني بها الدّارسون فترجموها إلى عدة لغات أجنبية. فذهب بعضهم إلى أنّ الدافع الذي دفع امرأ القيس إلى نظم المعلّقة هو يوم دارة جلجل حيث التقى بعنيزة ابنة عمه تتنزه مع العذارى فذبح لها ناقته. ومطلعها: قفا نبكِ من ذِكرى حبيبٍ ومنزلِ ... بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخولِ فحَوْملِ يقول ابن رشيق القيرواني في كتابه (العمدة): (وهو عندهم أفضل ابتداء صنعه شاعر؛ لأنه وقف واستوقف، وبكى واستبكى، وذكر الحبيب والمنزل في مصراع واحد). فالمعلّقة قصيدة لامية على البحر الطويل، وقد اختلف الرواة في عدد أبياتها فهي برواية الأصمعي سبعة وسبعون بيتاً، وفي شرح المعلقات للزوزني واحد وثمانون بيتاً. بإمكاننا أن نقّسم المعلّقة إلى سبعة أقسام، أطولها الغزل الذي يشغل نصف الأبيات. - القسم الأول: وصف الأطلال: ويقع في ستة أبيات أولها: قفا نبكِ من ذِكرى حبيبٍ ومنزلِ ... بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخولِ فحَوْملِ ¬

_ (¬1) دراسة المعلقة مأخوذة من كتاب (الأدب الجاهلي)، غازي طليمات، وعرفان الأشقر، دار الإرشاد، حمص. بتصرّف.

وفيها وقوف على أطلال الديار، وسرد مواضع المنازل، وآثار الظباء وحنين إلى الأحبة الذين فارقهم ويتنهي هذا القسم عند قوله: وإنّ شِفائي عَبْرَةٌ مُهَرَاقَةٌ ... فهلْ عنْدَ رَسْمٍ دارِسٍ من مُعَوَّلِ - القسم الثاني: الغزل الصريح، ووصف محاسن المرأة، وهو أطول الأقسام، وعدد أبياته سبعة وثلاثون بيتاً، أوله قوله: وَبَيْضَةِ خِدرٍ لا يُرامُ خِباؤُهَا ... تَمَتَّعْتُ من لَهْوٍ بها غيرَ مُعْجَلِ وفي هذا القسم يذكر أسماء محبوباته، فهو يعاتب (فاطمة) المدللة ذات النظرات السواحر ويتحدث عم امرأة مخدرة يكنف خباءها الحراس من كلّ جانب، غير أن الشاعر استطاع أن يخادع الرقيب، ويغشى صاحبته آخر الليل، وأن يخرجها من مخدعها، وفي هذا القسم وصف حسي للمرأة يكشف عن ذوق الشاعر المرهف، إذا يذكر ضمور الخصر والبطن، وامتلاء الساق، وصفاء البشرة، وبريق الترائب، وسحرة المقلة، وغزارة الشعر، ـ ولين البنان، واكتمال الجمال، ووفرة النعم وينتهي هذا القسم عند قوله، ألا رُبّ خَصْمٍ فيكِ ألْوَى رَدَدتُه ... نصيحٍ على تَعذالهِ غيرِ مُؤْتَلِ - القسم الثالث: وفيه يشكو الشاعر همه ويصف ليله الطويل الثقيل وهو أربعة أبيات يبدأ من قوله: وَليلٍ كَمَوْجِ البَحرِ أرْخَى سُدولَهُ ... ... عَلَيَّ بأنواعِ الهمومِ ليَبْتَلي وينتهي هذا القسم عند قوله: فيا لكَ من لَيْلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ ... بأمراسِ كتّانٍ إلى صُمّ جَندَلِ - القسم الرابع: وفيه يفخر الشاعر باحتماله كَلَّ الصديق، وبتجشمه مخاطر الطريق ومقابلته الذئب ومقارنته بنفسه وبالتفرد وهو أربعة أبيات أيضاً ويبدأ من قوله:

وَقِرْبَةِ أَقوامٍ جَعَلْتُ عِصامَها ... على كاهلٍ منِّي ذَلُولٍ مُرَحَّلِ وفي هذا القسم صعلكة لا تليق بأمير، ولذلك نسبها قوم إلى (تأبط شرّا) وينتهي هذا القسم عند قوله: كِلانا إذا ما نالَ شيئًا أفاتَهُ ... ومَن يحترِث حَرْثي وحَرْثك يهزُلِ - القسم الخامس: وفيه وصف دقيق للفرس، يذكر سرعته وحمرته ونشاطه، وضمور خصره، وعدوه ونزوه، وطول فخذيه، وذكاء قلبه، وقوة صلبه. وهذا القسم أحد عشر بيتاً أولها: وَقَدْ أَغْتَدِي والطَّير في وُكنَاتِهَا ... بِمُنْجَردٍ قَيدِ الأوابِدِ هَيْكلِ وتنتهي عند قوله: كأنّ دِماءَ الهادِياتِ بنَحْرِهِ ... عُصَارَةُ حِنَّاءٍ بشَيبٍ مُرَجَّلِ - القسم السادس: وهو الطردُ، إذْ يصف الشاعر البقر الوحشي وهو سبعة أبيات أولها: فَعَنَّ لنا سِرْبٌ كأنّ نِعاجَه ... عَذارَى دَوارٍ في مُلاءٍ مُذَيَّلِ فالبقر الوحشي أبيض مرقط ببعض السواد ويصف مشيه وطول أذنابه، وقدرة فرسه على إدراكه والإحاطة بالسرب. ويصف إعداد الطهاة للطعام، والعودة من رحلة الصيد وينتهي عند قوله: فَباتَ عَلَيْهِ سَرْجُهُ وَلجامُهُ ... وباتَ بعَيني قائمًا غَيرَ مُرْسَلِ - القسم السابع: وفيه يصف الطبيعة، يصف منها البرق وهو آخر الأقسام ويقع في اثني عشر بيتاً ويبدأ من قوله: أصاحِ تَرَى برقًا أُريكَ ومَيضَهُ ... كَلَمْعِ اليَدَينِ في حَبيٍّ مكلَّلِ

فهو يصف وميض البرق، وسرعة انتشاره، وتفجيره السحب، ثم يصف انهمار السيول، وجرفها الشجر، وذعر الحيوان، ويصف الجبل الذي تكنفه مياه السيل، وازدهار النبت، والسباع الغرقى وينتهي عند قوله: كأنّ السِّباعَ فِيهِ غَرْقَي عَشِيّةً ... بِأَرْجَائِهِ القُصْوَى أنابيشُ عُنْصُلِ وبهذا البيت تنتهي المعلقة. فانظر كيف ختمها، إذ لم بجعل لها قاعدة كما فعل غيره، وذلك عندما ينهون قصائدهم والنفس بها متعلقة وفيها راغبة مشتهية. لقد كانت الواقعية التامّة، والعضوية في تناول الأغراض وعرضها، وعمق التجربة الشعورية التي يصوّرها الشاعر، وصبّها في جوّ نفسي واحد، ووضوح شخصية امرئ القيس، والسرد القصصي الذي يبهر السامع، وبث الحركة والحياة في أوصال النص من أهم سمات المعلّقة، أفلا ترى أنها أفضل المعلقات؟

شرح المعلقة

المعلّقة [الطويل] وهي المعلقة الأولى في (المعلقات السبع) للزوزني، و (المعلقات العشر) للشنقيطي 1 - قِفا نبكِ، من ذِكرى حبيبٍ، ومنزلِ ... بسِقطِ اللّوى بينَ الدَّخولِ، فَحَوْمَلِ قيل: خاطب صاحبَيه، وقيل: يب خاطب واحداً، وأخرج الكلام محرج الخطاب مع الاثنين، لأن العرب من عادتهم إجراء خطاب الاثنين على الواحد والجمع، فمن ذلك قول الشاعر: فإن تزجراني يا بن عفَّانَ أنزجِر ْ ... وإنْ ترعياني أَحْمِ عرضًا مُمنّعًا خاطب الواحد خطاب الاثنين، وإنما فعلت العرب ذلك لأن الرجل يكون أدنى أعوانه اثنين: راعي إبله وراعي غنمه، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة، فجرى خطاب الاثنين على الواحد لمرون ألسنتهم عليه، ويجوز أن يكون المراد به: قف قف، فإلحاق الألف أمارة دالة على أن المراد تكرير اللفظ كما قال أبو عثمان المازني في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُون} [المؤمنون: 99] المراد منه: أرجعني أرجعني أرجعني، جعلت الواو علمًا مشعرًا بأن المعنى تكرير اللفظ مرارًا، وقيل: أراد قفن على جهة التأكيد فقلب النون ألفًا في حال الوصل؛ لأن هذه النون تقلب ألفًا في حال الوقف فحمل الوصف على الوقف، ألا ترى أنك لو وقفت على قوله تعالى: {لَنَسْفَعَا} [العلق: 15] قلت: لنسفعًا؟ ومنه قول الأعشى:: وصلِّ على حين العشياتِ والضّحَى ... ولا تَحْمَدِ المثرينَ، واللهَ، فاحْمدَا

أراد فاحمدن فقلب نون التأكيد ألفًا، يقال بكى يبكي بكاء وبُكىً، ممدودًا ومقصورًا، أنشد ابن الأنباري لحسان بن ثابت شاهدًا له: بكتْ عيني, وحُقَّ لها بكاهَا ... وما يغني البكاءُ، ولا العويلُ! فجمع بين اللغتين؛ السِّقْط: منقطع الرمل حيث يستدق من طرفه، والسقط أيضًا ما يتطاير من النار، والسقط أيضًا المولود لغير تمام، وفيه ثلاث لغات: سَقط وسِقط وسُقط في هذه المعاني الثلاثة. اللوى: رمل يعوج ويلتوي. الدَّخول وحَوْمَل: موضعان. يقول: قفا وأسعداني وأعيناني، أو قف وأسعدني على البكاء عند تذكري حبيبًا فارقته ومنزلًا خرجت منه، وذلك المنزل أو ذلك الحبيب أو ذلك البكاء بمنقطع الرمل المعوج بين هذين الموضعين. 2 - فتُوضِحَ فالْمِقراةِ لم يَعْفُ رَسْمُها ... لما نَسَجَتْها من جنوبٍ وشَمْأَلِ توضح والمقراة: موضعان، وسقط اللوي بين هذه المواضع الأربعة. قوله: لم يعف رسمه، أي لم يَنْمَحِ أثرها. الرسم ما لصق بالأرض من آثار الدار مثل البعر والرماد وغيرهما. والجمع أرسم ورسوم، قوله: وشمأل فيها ست لغات: شمال وشمأل وشأمل وشمول وشَمْل وشَمَل. نسج الريحين: اختلافهما عليها وستر إحداهما إياها بالتراب وكشف الأخرى التراب عنها. يقول: لم ينمحِ ولم يذهب أثرها؛ لأنه إذا غطته إحدى الريحين بالتراب كشف الأخرى التراب عنها، وقيل: بل معناه لم يقتصر سبب محوها على نسج الريحين بل كان له أسباب منها هذا السبب ومر السنين وترادف الأمطار وغيرها، وقيل: بل معناه لم يعف رسم حبها من قلبي وإن نسجتها الريحان، والمعنيان الأولان أظهر من الثالث وقد ذكرها كلها أبو بكر ابن الأنباري. 3 - ترى بَعَرَ الأَرْآمِ في عَرَصاتِها ... وقيعانها كأنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ

الأرآم: الظباء البيض الخالصة البياض، واحدها رئم، بالكسر، وهي تسكن الرمل. عرصات في "المصباح": عرصة الدار ساحتها، وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء والجمع عراص مثل كلب وكلاب، وعرصات مثل سجدة وسجدات وعن الثعالبي كل بقعة ليس فيها بناء فهي عرصة، وفي "التهذيب": وسميت ساحة الدار عرصة؛ لأن الصبيان يعرصون فيها أي: يلعبون ويمرحون. قيعان جمع قاع وهو المستوي من الأرض، وقيعة مثل القاع، وبعضهم يقول: هو جمع، وقاعة الدار ساحتها. الفلفل قال في القاموس: كهدهد وزبرج، حب هندي. ونسب الصاغاني الكسر للعامة، وفي المصباح: الفلفل بضم الفاءين من الأبزار، قالوا: لا يجوز فيه الكسر. يقول: انظر بعينيك تر هذه الديار التي كانت مأهولة مأنوسة بهم خصبة الأرض، كيف غادرها أهلها وأقفرت من بعدهم أرضها وسكنت رملها الظباء، ونثرت في ساحاتها بعرها حتى تراه كأنه حب الفلفل في مستوى رحباتها. "هذا الشرح ليس للزَّوزَني". 4 - كأني غَداةَ البَينِ يَوْمَ تَحَمَّلوا ... لدى سَمُراتِ الحيّ ناقِفُ حَنظلِ غداة في "المصباح": والغداة الضحوة، وهي مؤنثة قال ابن الأنباري: ولم يسمع تذكيرها، ولو حملها حامل على معنى أول النهار جاز له التذكير، والجمع غدوات. البين: الفرقة وهو المراد هنا، وفي "القاموس": البين يكون فرقة ووصلًا، قال الشارح: بان يبين بينًا وبينونة، وهو من الأضداد. اليوم: معروف، مقداره، من طلوع الشمس إلى غروبها، وقد يراد باليوم الوقت مطلقًا، ومنه الحديث: "تلك أيام الهرج"، أي: وقته, ولا يختص بالنهار دون الليل. تحملوا واحتملوا بمعنى: أي ارتحلوا. لدى بمعنى عند. سمرات جمع سمرة، بضم الميم: من شجر الطلح. الحي: القبيلة من الأعراب، والجمع أحياء. نقف الحنظل: شقة عن الهبيد، وهو الحب، كالإنقاف والانتقاف، وهو، أي الحنظل، نقيف ومنقوف، وناقفهِ الذي يشقه.

يقول: كأني عند سمرات الحي يوم رحيلهم ناقف حنظل، يريد وقف بعد رحيلهم في حيرة وقفة جاني الحنظلة ينقفها بظفره ليستخرج منها حبها، "هذا الشرح ليس للزَّوزَني". 5 - وُقوفًا بها صَحْبِي عَلَيّ مَطِيَّهُمْ ... يقولونَ لا تهلِكْ أسىً وتَجَمَّلِ نصب وقوفًا على الحال، يريد قفا نبك في حال وقف أصحابي مطيهم علي، والوقوف جمع واقف بمنزلة الشهود والركوع في جمع شاهد وراكع، الصحب: جمع صاحب، ويجمع الصاحب على الأصحاب والصحب والصحاب والصحابة والصحبة والصحبان، ثم يجمع الأصحاب على الأصاحيب أيضًا ثم يخفف فيقال الأصاحب. المطي: المراكب، واحدتها مطية، وتجمع المطية على المطايا والمطي والمطيات، سميت مطية؛ لأنه يركب مطاها أي ظهرها، وقيل: بل هي مشتقة من المطو وهو المد في السير، يقال: مطاه يمطوه، فسميت به لأنها تمد في السير: نصب أسىً؛ لأنه مفعول له. يقول: قد وقفوا عليّ أي: لأجلي أو على رأسي وأنا قاعد عند رواحلهم ومراكبهم، يقولون لي: لا تهلك من فرط الحزن وشدة الجزع وتجمل بالصبر، وتلخيص المعنى: أنهم وقفوا عليه رواحلهم يأمرونه بالصبر وينهونه عن الجزع. 6 - وإنَّ شِفائي عَبْرَةٌ مُهرَاقَةٌ ... فهلْ عندَ رَسمٍ دارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ المهراق والمراق: المصبوب، وقد أرقت الماء وهرقته وأهرقته أي صببته: المعوّل: المبكى، وقد أعول الرجل وعوّل إذا بكى رافعًا صوته به، والمعول: المعتمد والمتكل عليه أيضًا. العبرة: الدمع، وجمعها عبرات، وحكى "ثعلب" في جمعها العِبَر مثل بدرة وبِدَر. يقول: وإن برئي من دائي ومما أصابني وتخلصي مما دهمني يكون بدمع أصبّه ثم قال: وهل من معتمد ومفزع عند رسم قد درس، أو هل موضع بكاء

عند رسم دارس؟ وهذا استفهام يتضمن معنى الإنكار، والمعنى عند التحقيق: ولا طائل في البكاء في هذا الموضع؛ لأنه لا يرد حبيبًا، ولا يجدي على صاحبه بخير، أو لا أحد يعول عليه ويفزع إليه في مثل هذا الموضع، وتلخيص المعنى: وإن مخلصي مما بي بكائي، ثم قال: ولا ينفع البكاء عند رسم دارس، أو ولا معتمد عند رسم دارس. 7 - كدأبكَ من أمِّ الْحُوَيْرِثِ قبْلها ... وجَارَتِها أم الرَّبابِ بِمَأسَلِ الدأْبُ والدأَبُ، بتسكين الهمزة وفتحها: العادة، وأصلها متابعة العمل والجد في السعي، دأب يدأب دأبًا ودئابًا ودءوبًا، وأدأبت السير: تابعته. مأسَل، بفتح السين: جبل بعينه، ومأسِل، بكسر السين: ماء بعينه والرواية فتح السين. يقول: عادتك في حب هذه كعادتك من تينك، أي: قلة حظك من وصال هذه ومعاناتك الوجد بها كقلة حظك من وصالهما، ومعاناتك الوجد بهما، قوله: قبلها أي: قبل هذه التي شغفت بها الآن. 8 - إذا قامَتا تَضَوّعَ الْمِسْكُ مِنْهُمَا ... نسيمَ الصَّبا جاءت برَيّا القَرَنْفُلِ ضاع الطيب وتضوّع إذا انتشرت رائحته. الريّا: الرائحة الطيبة. يقول: إذا قامت أم الحويرث وأم الرباب فاحت ريح المسك منهما كنسيم الصبا إذا جاءت بعرف القرنفل ونشره. شبه طيب رياهما بطيب نسيم هبّ على قرنفل وأتى بريّاه، ثم لما وصفهما بالجمال وطيب النشر وصف حاله بعد بعدهما. 9 - ففاضَتْ دُموعُ العَينِ مِنّي صَبَابَةً ... عَلَى النَّحرِ حتّى بلّ دمعيَ مِحْمَلي الصبابة: رقة الشوق، وقد صبّ الرجل يصب صبابة فهو صَبٌّ، والأصل صبب فسكنت العين وأدغمت في اللام. المحمل: حمالة السيف، والجمع المحامل، والحمائل جمع الحمالة.

يقول: فسالت دموع عيني من فرط وجدي بهما وشدة حنيني إليهما حتى بلّ دمعي حمالة سيفي. ونصب صبابة على أنه مفعول له كقولك: زرتك طمعًا في برِّك، قال الله تعالى: {مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 19] أي: لحذر الموت، وكذلك زرتك للطمع في برِّك، وفاضت دموع العين مني للصبابة. 10 - ألا رُبّ يَومٍ لكَ مِنْهُنّ صَالِحٍ ... ولا سيَّمَا يومٍ بِدَارَةِ جُلْجُلِ في ربّ لغات: وهي رُبَّ ورَبَّ ورُبْ ورُبَ ثم تلحق التاء فتقول ربّة وربّت، وربّ موضوع في كلام العرب للتقليل وكم موضوع للتكثير، ثم ربما حملت رُبّ على كم في المعنى فيراد بها التكثير، وربما حملت كم على رب في المعنى فيراد بها التقليل، ويروى: ألا رب يوم كان منهن صالح، والسيّ: المثل: يقال هما سيان أي مثلان. ويجوز في يوم الرفع والجر، فمن رفع جعل ما موصولة بمعنى الذي، والتقدير: ولا سي اليوم الذي هو بدارة جلجل، ومن خفض جعل ما زائدة، وخفضه بإضافة سيّ إليه فكأنه قال: ولا سي يوم أي ولا مثل يوم. دارة جلجل غدير بعينه. يقول: رب يوم فزت فيه بوصال النساء وظفرت بعيش صالح ناعم منهن ولا يوم من تلك الأيام مثل يوم دارة جلجل، يريد أن ذلك اليوم كان أحسن الأيام وأتمها، فأفادت لا سيما التفضيل والتخصيص. 11 - وَيَوْمَ عَقَرْتُ للعَذارى مَطيّتِي ... فيا عجبًا من كورِها الْمُتَحَمَّلِ العذراء من النساء: البكر التي لم تفتض، والجمع العذارى. الكور: الرحل بأداته، والجمع الأكوار والكيران؛ ويروى: من رحلها المتحمل، المتحمل: الحمل. فتح يوم مع كونه معطوفًا على مجرور أو مرفوع وهو يومٌ أو يومٍ بدارة جلجل؛ لأنه بناه على الفتح لما أضافه إلى مبني وهو الفعل الماضي، وذلك قوله: عقرت، وقد يبنى المعرب إذا أضيف إلى مبني، ومنه قوله تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات: 23]؛ فبنى مثل على

الفتح مع كونه نعتًا لمرفوع لما أضافه إلى ما وكانت مبنية، ومنه قراءة من قرأ: {وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذ} [هود: 66] بنى يوم على الفتح لما أضافه إلى إذ وهي مبنية وإن كان مضافًا إليه؛ ومثله قول النابغة الذبياني: على حينَ عاتبتُ المشيبَ على الصّبا ... فَقُلْتُ ألما تَصْحُ، والشيبُ وازعُ بنى حين على الفتح لما أضافه إلى الفعل الماضي؛ فضّلَ يوم دارة جلجل ويوم عقر مطيته للأبكار على سائر الأيام الصالحة التي فاز بها من حبائبه، ثم تعجب من حملهن رحل مطيته وأداته بعد عقرها واقتسامهن متاعه بعد ذلك. قوله: فيا عجبًا، الألف فيه بدل من ياء الإضافة، وكان الأصل فيا عجبي، وياء الإضافة يجوز قلبها ألفًا في النداء نحو يا غلامًا في يا غلامي، فإن قيل: كيف نادى العجب وليس مما يعقل؟ قيل في جوابه: إن المنادى محذوف، والتقدير: يا هؤلاء أو يا قوم اشهدوا عجبي من كورها المتحمل فتعجبوا منه، فإنه قد جاوز المدى والغاية القصوى؛ وقيل: بل نادى العجب اتساعًا ومجازًا، فكأنه قال: يا عجبي تعال واحضر فإن هذا أو إن إتيانك وحضورك. 12 - فظلَّ العذارى يرْتَمينَ بلحمها ... وشحمٍ كَهُدَّابِ الدَّمَقس الْمُفَتَّلِ يقال: ظل زيد قائمًا إذا أتى عليه النهار وهو قائم، وبات زيد نائمًا إذا أتى عليه الليل وهو نائم، وطفق زيد يقرأ القرآن إذا أخذ فيه ليلًا ونهارًا. الْهُدَّاب والهدب: اسمان لما استرسل من الشيء نحو ما استرسل من الأشفار من الشعر ومن أطراف الأثواب، الواحدة هدابة وهدبة، ويجمع الهدب على الأهدب. الدمقس والمدقس: الإبريسم1، وقيل: هو الأبيض منه خاصة. يقول: فجعلن يلقي بعضهن إلى بعض شواء المطية استطابة أو توسعًا فيه طول نهارهن؛ وشبه شحمها بالإبريسم الذي أجيد فتله وبولغ فيه، وقيل هو القز. الشحم: السمن. 13 - ويومَ دخلتُ الْخِدرَ خدرَ عُنَيزَةٍ ... فقالتْ: لكَ الوَيلاتُ إنَّك مُرْجِلي

الخدر: الهودج، والجمع الخدور، ويستعار للستر والحجلة2 وغيرهما، ومنه قولهم: خدرت الجارية، وجارية مخدَّرة أي: مقصورة في خدرها لا تبرز منه، ومنه قولهم: خدر الأسد يخدر خدرًا وأخدر إخدارًا إذا لزم عرينه؛ ومنه قول ليلى الأخيلية: فتى كان أحيا من فتاةِ حييّةٍ ... وأشجع من ليثٍ بخفان خَادِرُ وقول الشاعر: كالأسدِ الوَرْدِ غَدَا من مَخْدَرِه والمراد بالخدر في البيت الهودج. عنيزة: اسم عشيقته وهي ابنة عمه، وقيل: هو لقب لها واسمها فاطمة، وقيل: بل اسمها عنيزة وفاطمة غيرها. قوله: فقالت لك الويلات، أكثر الناس على أن هذا دعاء منها عليه، والويلات: جمع ويلة، والويلة والويل: شدة العذاب، وزعم بعضهم أنه دعاء منها له في معرض الدعاء عليه، والعرب تفعل ذلك صرفًا لعين الكمال عن المدعو عليه. ومنه قولهم: قاتله الله ما أفصحه! ومنه قول جميل: رمى الله في عيني بثنية بالقَذى ... وفي الغرّ من أنيابَها بالقَوَادحِ (¬1) ويقال: رَجِلَ الرجُل يرجل رَجَلًا فهو راجل، وأرجلته أنا صيرته راجلًا. خدر عنيزة بدل من الخدر الأول، والمعنى: يوم دخلت خدر عنيزة، وهذا مثل قوله تعالى: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ، أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ} [غافر: 36] ومنه قول الشاعر: يا تيمَ تيمَ عَديٍ لا أبا لكمُو ... لا يلفينكمو في سَوْأَةٍ عُمَرُ (¬2) ¬

_ (¬1) القوادح: السواد الذي يعلو الأسنان. (¬2) سوأة: أمر شائن.

وصرف عنيزة لضرورة الشعر وهي لا تنصرف في غير الشعر للتأنيث والتعريف. يقول: ويوم دخلت هودج عنيزة فدعت عليّ أو دعت لي في معرض الدعاء عليّ، وقالت: إنك تصيرني راجلة لعقرك ظهر بعيري، يريد أن هذا اليوم كان من محاسن الأيام الصالحة التي نلتها منهن أيضًا. 14 - تقولُ، وقد مال الغَبيطُ بنا معًا ... عَقَرْتَ بَعِيري يا امرَأَ القَيس، فانزِلِ الغبيط: ضرب من الرِّحال، وقيل: بل ضرب من الهوادج، الباء في قوله: بنا للتعدية، وقد أمالنا الغبيط جميعًا. عقرت بعيري أي: أدبرت ظهره، من قولهم: سرج مُعْقِر وَعُقَر وعُقَرة يعقر الظهر. ومنه قولهم: كلب عقور، ولا يقال في ذي الروح إلا عقور. يقول: كانت هذه المرأة تقول لي في حال إمالة الهودج أو الرحل إيانا: قد أدبرت ظهر بعيري فانزل عن البعير. 15 - فَقُلتُ لَهَا: سيري، وأرْخي زِمَامَه ... ولا تُبعديني من جنَاكِ الْمُعَلَّلِ جعل العشيقة بمنزلة الشجرة، وجعل ما نال من عناقها وتقبيلها وشمها بمنزلة الثمرة لتناسب الكلام. المعلل: المكرر، من قولهم: علّه يعِلَه ويعلّه إذا كرر سقيه وعلله للتكثير والتكرير. المعلل: الملهي، من قولك: عللت الصبي بفاكهة أي ألهيته بها، وقد روي في البيت بكسر اللام وفتحها، والمعنى على ما ذكرنا. يقول: فقلت للعشيقة بعد أمرها إياي بالنزول سيري وأرخي زمام البعير ولا تبعديني مما أنال من عناقك وشمك وتقبيلك الذي يلهيني أو الذي أكرره، ويقال لمن على الدابة سار يسير كما قال للماشي كذلك؛ قال: سيري وهي راكبة. الجنى: اسم لما يجتني من الشجر، والجني المصدر، يقال: جنيت الثمرة واجتنيتها. 16 - 17 -

18 - فمِثلِكِ حُبْلى قد طَرَقْتُ وَمُرْضعٍ ... فألْهَيتُها عن ذي تمائمَ مُحْوِلِ خفض فمثلك بإضمار رُبّ، أراد فرب امرأة حبلى. الطروق: الإتيان ليلًا، والفعل طرق يطرق. المرضع: التي لها ولد رضيع، إذا بنيت على الفعل أنثت فقيل: أرضعت فهي مرضعة، وإذا حملوها على أنها بمعنى ذات إرضاع أو ذات رضيع لم تلحقها تاء التأنيث، ومثلها حائض وطالق وحامل، لا فصل بين هذه الأسماء فيما ذكرنا، وإذا حملت على أنها من المنسوبات لم تلحقها علامة التأنيث، وإذا حملت على الفعل لحقتها علامة التأنيث، ومعنى المنسوب في هذا الباب أن يكون الاسم بمعنى ذي كذا أو ذات كذا، والاسم إذا كان من هذا القبيل عَرَّته العرب من علامة التأنيث كما قالوا: امرأة لابن وتامر أي: ذات لبن وذات تمر، ورجل لابن تامر أي: ذو لبن وذو تمر، ومنه قوله تعالى: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِه} [المزمل: 18] نص الخليل على أن المعنى: السماء ذات انفطار به، لذلك تجرد منفطر عن علامة التأنيث. وقوله تعالى: {لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ} [البقرة: 68] أي: لا ذات فرض، وتقول العرب: جمل ضامر وناقة ضامر، وجمل شائل (¬1) وناقة شائل، ومنه قول الاعشى: عهدي بها في الحي قد سربلت ... بيضاء مثل المهرة الضامر أي: ذات الضمور، وقول الآخر: وغررتنِي وزعمتِ أنَّكِ ... لابن في الصيف تامر أي: ذات لبن وذات تمر؛ وقول الآخر: ورابَعَتني تحت ليل ضارب ... بساعد فَعْمٍ وكفٍّ خاضب (¬2) ¬

_ (¬1) شائل: الشائل من النوق، التي ترفعها ذنبها للفحل. (¬2) رابعتني: رفعت معي العدل بالعصا على ظهر البعير. فعم: مستوي الخلق المملوء.

أي: ذات خضاب، وقال أيضًا: يا ليت أمّ العمر كانت صاحبي ... مكان مَن أمسى على الركائبِ أي ذات صحبتي، وأنشد النحويون: وقد تُخِذَتْ رجلي لدى جنب غرزها ... نسيفًا كأفحوصِ القطاةِ المطرقِ (¬1) أي ذات الطريق، والمعول في هذا الباب على السماع إذ هو غير منقاد للقياس. لهيت عن الشيء ألهى عنه لهيًا إذا شغلت عنه وسلوت، وألهيته إلهاء إذا شغلته. التميمة: العوذة2، والجمع التمائم. يقال: أحول الصبي إذا تم له حول فهو محول؛ ويروى: عن ذي تمائم مُغْيِلِ؛ يقال: غالت المرأة ولدها تغيل غيلًا وأغالت تغيل إغيالًا إذا أرضعته وهي حبلى. ويروى: مرضع بالعطف على حبلى. ويروى: ومرضعًا على تقدير طرقتها. ومرضعًا تكون معطوفة على ضمير المفعول. يقول: فربَّ امرأة حبلى قد أتيتها ليلًا وربّ امرأة ذات رضيع أتيتها ليلًا فشغلتها عن ولدها الذي علقت على العوذة وقد أتى عليه حول كامل، أو قد حبلت أمه بغيره فهي ترضعه على حبلها، وإنما خص الحبلى والمرضع؛ لأنهما أزهد النساء في الرجال وأقلهن شغفًا بهم وحرصًا عليهم، فقال: خدعت مثلهما مع اشتغالهما بأنفسهما فكيف تتخلصين مني؟ قوله: فمثلك، يريد به فرُبَّ امرأة مثل عنيزة في ميله إليها وحبه لها؛ لأن عنيزة في هذا الوقت كانت عذراء غير حبلى ولا مرضع. 19 - إذَا ما بكَى من خَلْفها انْصَرَفَتْ لهُ ... بشِقٍّ وتَحتي شِقُّها، لم يُحَوَّلِ شقّ الشيء: نصفه. يقول: إذا ما بكى الصبي من خلف المرضع ¬

_ (¬1) النسيف: الأثر يكون في جنب البعير. الغزر: الركاب. الأفحوص: الحفرة تحفرها القطاة في الأرض لتبيض وترقد فيها. المطرق: التي حان خروج بيضها.

انصرفت إليه بنصفها الأعلى فأرضعته وأرضته وتحتي نصفها الأسفل لم تحوله عني، وصف غاية ميلها إليه وكلفها به حيث لم يشغلها عن مرامه ما يشغل الأمهات عن كل شيء. 20 - وَيومًا عَلَى ظَهرِ الكَثيبِ تَعَذّرَتْ ... عَلَيّ وآلَتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّلِ الكثيب: رمل كثير، والجمع أكثبة وكُثُب وكثبان. التعذر: التشدد والالتواء والإيلاء والائتلاء والتألّي: الحلف، يقال: آلى وائتلى وتأَلّى إذا حلف، واسم اليمين الأَلِيَّة والأَلوة والأُلوة معًا، والْحَلْف المصدر. والْحَلِف بكسر اللام. الاسم. الحلفة: المرة. التحلل في اليمين: الاستثناء. نصب حلفة لأنها حلت محل الإيلاء كأنه قال: وآلت إيلاء والفعل يعمل فيما وافق مصدره في المعنى كعمله في مصدر نحو قولهم: إني لأشنؤه1 بغضًا وإني لأبغضه كراهية. يقول: وقد تشددت العشيقة والْتَوت، وساءت عشرتها يومًا على ظهر الكثيب المعروف، وحلفت حلفًا لم تستثن فيه أنها تصارمني وتهاجرني، هذا، ويحتمل أن يكون صفة حال اتفقت له مع عنيزة، ويحتمل أنها اتفقت مع المرضع التي وصفها. 21 - أفاطِمَ مهلًا بعضَ هذا التَّدَلّلِ ... وَإن كنتِ قد أزمعتِ صَرْمي فأجملي مهلًا: أي رفقًا. الإدلال والتدليل: أي يثق الإنسان بحب غيره إياه فيؤذيه على حسب ثقته به، والاسم الدّالة والدال والدلال. أزمعت الأمر وأزمعت عليه: وطّنت نفسي عليه. يقول: يا فاطمة دعي بعض دلالك وإن كنت وطّنت نفسك على فراقي فأجملي في الهجران. نصب بعض؛ لأن مهلًا ينوب مناب دع. الصرم:

المصدر، يقال: صرمت الرجل أصرمه صرمًا إذا قطعت كلامه، والصرم الاسم. فاطمة: اسم المرضع أو عنيزة، وعنيزة لقب لها فيما قيل. 22 - أغَرّكِ مني أنّ حبّكِ قاتِلي ... وَأنّكِ مهما تأمري القلبَ يَفْعَلِ يقول: قد غرك مني كون حبك قاتلي وكون قلبي منقادًا لك بحيث مهما أمرته بشيء فعله. وألف الاستفهام دخلت على هذا القول للتقرير لا للاستفهام والاستخبار، ومنه قول جرير: ألَسْتُم خَيرَ من رَكِبَ المطَايَا ... وأندَى العَالمين بطونَ راحِ؟! يريد أنهم خير هؤلاء، وقيل: بل معناه قد غرك مني أنك علمت أن حبك مُذلّلي، والقتل التذليل، وأنك تملكين فؤادك فمهما أمرت قلبك بشيء أسرع مرادك فتحسبين أني أملك عنان قلبي كما ملكت عنان قلبك حتى يسهل علي فراقك كما سهل عليك فراقي، ومن الناس من حمله على مقتضى الظاهر وقال: معنى البيت: أتوهمت وحسبت أن حبك يقتلني أو أنك مهما أمرت قلبي بشيء فعله؟ قال: يريد أن الأمر ليس على ما خيل إليك فإني مالك زمام قلبي، والوجه الأمثل هو الوجه الأول وهذا القول أرذل الأقوال، لأن مثل هذا الكلام لا يستحسن في النسيب بالحبيب. 23 - وَإِنْ تَكُ قَدْ ساءَتكِ مني خَليقةٌ ... فَسُلّي ثيَابي من ثيابِكِ تَنْسُلِ من الناس من جعل الثياب في هذا البيت بمعنى القلب، كما حملت الثياب على القلب في قول عنترة: فشككتُ بالرُّمْحِ الأصَمِّ ثيابَهً ... ليسَ الكريمً على القنا بمحرَّمِ وقد حملت الثياب في قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّر} [المدثر: 4] على أن المراد به القلب، فالمعنى على هذا القول: إن ساءك خلق من أخلاقي وكرهت خصلة من خصالي فردي على قلبي أفارقك، ولا معنى على هذا القول:

استخرجي قلبي من قلبك يفارقه. النسول: سقوط الريش والوبر والصوف والشعر، يقال: نسل ريش الطائر ينسل نسولًا، واسم ما سقط النسيل والنسال؛ ومنهم من رواه تنسلي وجعل الانسلاء بمعنى التسلي، والرواية الأولى أولاهما بالصواب، ومن الناس من حمل الثياب في البيت على الثياب الملبوسة وقال: كنّى بتباين الثياب وتباعدها عن تباعدهما، وقال: إن ساءك شيء من أخلاقي فاستخرجي ثيابي من ثيابك أي: ففارقيني وصارميني كما تحبين فإني لا أوثر إلا ما أثرت ولا أختار إلا ما اخترت لانقيادي لك وميلي إليك، فإذا آثرتِ فراقي آثرتُه وإن كان سبب هلاكي وجالب موتي. 24 - وَما ذَرَفَتْ عَيناكِ إلا لتَضْرِبِي ... بسَهمَيك في أعشارِ قَلبٍ مُقَتَّلِ ذرف الدمع ذريفًا وذرفانًا وتذرافًا إذا سال، ثم يقال: ذرفت [عينه]، كما يقال: دمعت عينه، وللأئمة في البيت قولان، قال الأكثرون: استعار لِلَحْظِ عينيها ودمعهما اسم السهم لتأثيرهما في القلوب وجرحهما إياها كما أن السهام تجرح الأجسام وتؤثر فيها. والأعشار من قولهم: برمة أعشار إذا كانت قطعًا، ولا واحد لها من لفظها. المقتّل: المذلل غاية التذليل، والقتل في الكلام التذليل، ومنه قولهم: قتلت الشراب إذا قللت غرب سَوْرته (¬1) بالمزاج، ومنه قول الأخطل: فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... وحَبّ بها مقتولُة حين تُقْتَلُ وقال حسان: إنِّ التي نَاولتني فرددتها ... قُتِلَتْ قُتِلْتَ فَهَاتها لم تُقْتَلِ ومنه: قتلت أرض جاهلها وقتل أرضًا عالمها، ومنه قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء: 157] عند أكثر الأئمة: أي ما ذللوا قولهم بالعلم اليقين. ¬

_ (¬1) سَوْرته: حدته.

وتلخيص المعنى على هذا القول: وما دمعت عيناك وما بكيت إلا لتصيدي قلبي بسهمي دمع عينيك وتجرحي قطع قلبي الذي ذللته بعشقك غاية التذليل، أي نكايتهما في قلبي نكاية السهم في المرمى، وقال آخرون: أراد بالسهمين المعلّى والرقيب من سهام الميسر. والجزور (¬1) يقسم على عشرة أجزاء، فللمعلّى سبعة أجزاء وللرقيب ثلاثة أجزاء، فمن فاز بهذين القدحين فقد فاز بجميع الأجزاء وظفر بالجزور، وتلخيص المعنى على هذا القول: وما بكيت إلا لتملكي قلبي كله وتفوزي بجميع أعشاره وتذهبي بكله والأعشار على هذا القول جمع عشر؛ لأن أجزاء الجزور عشرة، والله أعلم. 25 - وَبَيْضَةِ خِدرٍ لا يُرامُ خِباؤُهَا ... تَمَتَّعْتُ من لَهْوٍ بها غيرَ مُعَجَّلِ أي: ورب بيضة خدر، يعني: ورب امرأة لزمت خدرها، ثم شبهها بالبيض، والنساء يشبهن بالبيض من ثلاثة أوجه: أحدها بالصحة والسلامة عن الطمث، ومنه قول الفرزذق: خَرَجْنَ إلَيّ لم يطمثْن قبلي ... وهن أصحّ من بيضِ النَّعامِ ويروى: دفعن إلي، ويروى: برزن إِلَيّ؛ والثاني: في الصيانة والستر؛ لأن الطائر يصون بيضه ويحضنه، والثالث: في صفاء اللون ونقائه؛ لأن البيض يكون صافي اللون نقيه إذا كان تحت الطائر، وربما شبهت النساء ببيض النعام، وأريد أنهن بيض تشوب ألوانهن صفرة يسيرة وكذلك لون بيض النعام، ومنه قول ذي الرُّمَّة: كأنها فضة قد مَسَّها الذهبُ الرَّوم: الطلب والفعل منه يروم: الخباء: البيت إذا كان من قطن أو وبر ¬

_ (¬1) الجزور: ما يصلح لأن يذبح من الإبل.

أو صوف أو شعر، والجمع الأخبية. التمتع: الانتفاع. وغير يروى بالنصب والجر فالجر على صفة لهو، والنصب على الحال من التاء في تمتعت. ويقول: وربّ امرأة كالبيض في سلامتها من الافتضاض، أو في الصون والستر أو في صفاء اللون ونقائه، أو في بياضها المشوب بصفرة يسيرة ملازمة خدرها غير خرَّاجة ولَّاجة انتفعت باللهو بها على تمكث وتلبث لم أعجل عنها ولم أشغل عنها بغيرها. 26 - تجاوَزْتُ أحْراسًا إليها ومَعْشَرًا ... عليّ حِراصًا لو يُسرّونَ مقتَلي الأحراس يجوز أن يكون جمع حارس بمنزلة صاحب وأصحاب وناصر وأنصار وشاهد وأشهاد، ويجوز أن يكون جمع حرس بمنزلة جبل وأجبال وحجر وأحجار، ثم يكون الحرّس جمع حارس بمنزلة خادم وخدّم وغائب وغيّب وطالب وطلّب وعابد وعبّد. والمعشر: القوم. والجمع المعاشر. الحراص: جمع حريص، مثل ظراف وكرام ولئام في جمع ظريف وكريم ولئيم. الإسرار: الإظهار والإضمار جميعًا؛ وهو من الأضداد، ويروى: لو يشرون مقتلي بالشين المعجمة وهو الإظهار لا غير. يقول: تجاوزت في ذهابي إليها وزيارتي إياها أهوالًا كثيرةً وقومًا يحرسونها وقومًا حراصًا على قتلي لو قدروا عليه في خفية؛ لأنهم لا يجترئون على قتلي جهارًا، أو حراصًا على قتلي لو أمكنهم قتلي ظاهرًا لينزجر ويرتدع غيري عن مثل صنيعي؛ وحمله على الأول أولى؛ لأنه كان ملكًا والملوك لا يقدر على قتلهم علانية. 27 - إذَا مَا الثُّرَيَّا فِي السَّمَاءِ تَعَرَّضَتْ ... تَعَرُّضَ أثْنَاءِ الوِشَاحِ الْمُفَصَّلِ التعرض: الاستقبال، والتعرض إبداء العرض، وهو الناحية، والتعرض الأخذ في الذهاب عرضًا. الأثناء: النواحي، والأثناء: الأوساط، واحدها ثَنَى

مثل عصى وثِنَى مثل مِعَى وثِنْي مثل نِحي (¬1)، وكذلك الآناء بمعنى الأوقات والآلاء بمعنى النعم في واحدها. هذه اللغات الثلاث ذكرها كلها ابن الأنباري. المفصل: الذي فصل بين خرزه بالذهب أو غيره. يقول: تجاوزت إليها في وقت إبداء الثريا عرضها في السماء كإبداء الوشاح الذي فصل بين جواهره وخرزه بالذهب أو غيره عرضه. يقول: أتيتها عند رؤية نواحي كواكب الثريا في الأفق الشرقي، ثم شبه نواحيها بنواحي جواهر الوشاح، هذا أحسن الأقوال في تفسير البيت، ومنهم من قال: شبه كواكب الثرايا بجواهر الوشاح؛ لأن الثريا تأخذ وسط السماء كما أن الوشاح يأخذ وسط المرأة المتوشحة، ومنه من زعم أنه أراد الجوزاء فغلط وقال: الثريا لأن التعرّض للجوزاء دون الثريا، وهو قول محمد بن سلام الجمحي، وقال بعضهم: تعرض الثريا أنها إذا بلغت كبد السماء في العرض ذاهبة ساعة كما أن الوشاح يقع مائلًا إلى أحد شِقَّيْ المتوشحة به. 28 - فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ لنَومٍ ثيابَها ... لَدَى السِّتْر إلّا لِبْسَةَ الْمُتَفَضِّلِ نضا الثياب ينضوها نضوًا إذا خلعها، ونضّاها يُنضِّيها إذا أراد المبالغة، اللِبسة: حالة اللابس وهيئة لبسه الثياب بمنزلة الْجِلسة والقِعدة والركبة والرِدية والإزرة (¬2). المتفضل: اللابس ثوبًا واحدًا إذا أراد الخفة في العمل والفضلة والفضل اسمان لذلك. يقول: أتيتها وقد خلعت ثيابها عند النوم غير ثوب واحد تنام فيه وقد وقفت عند الستر مترقبة ومنتظرة، وإنما خلعت الثياب لتري أهلها أنها تريد النوم. 29 - 30 - ¬

_ (¬1) النِّحي: إناء السمن. (¬2) الردْية، الإزْرة: اسم هيئة، من الارتداء والائتزار.

31 - فقالتْ: يَمينَ الله ما لكَ حيلَةٌ ... وَما إنْ أرى عنكَ الغَوايةَ تَنْجلي اليمين: الحلف. الغواية والغي: الضلالة، والفعل: غوي يغوى غواية، ويروى العماية وهي العمى. الانجلاء: الانكشاف، وجلوته: كشفته فانجلى. الحيلة أصلها حولة فأبدلت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. وإن في قوله وما إن زائدة، وهي تزاد مع ما النافية ومنه قول الشاعر: وما إن طِبُّنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا يقول: فقالت الحبيبة: أحلف بالله ما لك حيلة، أي: ما لي لدفعك عني حيلة، وقيل: بل معناه ما لك حجة في أن تفضحني بطروقك إياي وزيارتك ليلًا، يقال: ما له حيلة أي: ما له عذر وحجة، وما أرى ضلال العشق وعماه منكشفًا عنك، تحرير المعنى أنها قالت: ما لي سبيل إلى دفعك أو ما لك عذر في زيارتي وما أراك نازعًا عن هواك وغيك، ونصب يمين الله كقولهم: الله لأقومن، على إضمار الفعل، وقال الرواة: هذا أغنج بيت في الشعر. 32 - خَرَجْتُ بها أمشي تَجُرّ وراءَنا ... على أَثَرَيْنَا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ خرجت بها أفادت الباء تعدي الفعل، والمعنى: أخرجتها من خدرها، الأَثَرُ والإثر واحد، وأما الأثر. بفتح الهمزة وسكون الثاء. فهو فرند السيف. ويروى: على إثرنا أذيال، والذيل يجمع على الأذيال والذيول. المرط عند العرب. كساء من خز أو مرعزى (¬1) أو من صوف، وقد تسمى الملاءة مرطًا أيضًا، والجمع المروط. المرحَّل: المنقش بنقوش تشبه رحال الإبل، يقال: ثوب مرحل وفي هذا الثوب ترحيل. يقول: فأخرجتها من خدرها وهي تمشي وتجر مرطها على أثرنا لتُعَفِّي ¬

_ (¬1) مرعزى: زغب تحت شعر العنز.

به آثار أقدامنا، والمرط كان موشّي بأمثال الرحال، ويروى: نير مرط، والنير: علم الثوب. 33 - فلمّا أجزْنا ساحَةَ الحيّ وانْتَحَى ... بنا بطنُ خَبْتٍ ذي حِقَافٍ عقَنقَلِ يقال: أجزت المكان وجزته إذا قطعته إجازة وجوازًا، الساحة تجمع على الساحات والساح والسوح مثل قارة وقارات وقار وقور. والقارة: الجبيل الصغير. الحي: القبيلة، والجمع الأحياء، وقد تسمى الحلة حيًّا. الانتحاء والتنحي والنحو: الاعتماد على الشيء، ذكره ابن الاعرابي. البطن: مكان مطمئن حوله أماكن مرتفعة والجمع أبطن وبطون وبطنان. الخبت: أرض مطمئنة. الحقف: رمل مشرف معوج، والجمع أحقاف وحقاف، ويروى ذي قفاف وهي جمع قف: وهو ما غلظ وارتفع من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلًا. العقنقل: الرمل المنعقد المتلبد. وأصله من العقل وهو الشد وزعم أبو عبيدة وأكثر الكوفيين أن الواو في وانتحى مقحمة زائدة وهو عندهم جواب لَمّا، وكذلك قولهم في الواو في قوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} [الصافات: 104] والواو لا تقحم زائدة في جواب لَمّا عند البصريين، والجواب يكون محذوفًا في مثل هذا الموضع تقديره في هذا البيت: فلما كان كذا وكذا تنعمت وتمتعت بها، أو الجواب قوله هصرت، وفي الآية فازا وظفرا بما أحبّا، وحذف جواب لَمّا كثير في التنزيل وكلام العرب. يقول: فلما جاوزنا ساحة الحلة وخرجنا من بين البيوت وصرنا إلى أرض مطمئنة بين حقاف، يريد مكانًا مطمئنًا أحاطت به حقاف أو قفاف منعقدة؛ والعقنقل من صفة الخبث لذلك لم يؤنثه، ومنهم من جعله من صفة الحقاف وأحلّه محل الأسماء وعطله من علامة التأنيث لذلك. وقوله: انتحى بنا بطن خبت أسند الفعل إلى بطن خبت والفعل عند التحقيق لهما ولكنه ضرب من الاتساع في الكلام، والمعنى صرنا إلى مثل هذا المكان؛ وتلخيص

المعنى: فلمّا خرجنا من مجمع بيوت القبيلة وصرنا إلى مثل هذا الموضع طاب حالنا وراق عيشنا. 34 - هَصَرْتُ بفَوْدَيْ رأسِها فتَمايَلَتْ ... عليّ هَضيمَ الكَشحِ رَيًّا الْمُخلخَلِ الهصر: الجذب والفعل هصر يهصر. الفودان جانبا الرأس. تمايلت أي: مالت. ويروى بغصني دومة، والدوم: شجر المقل، واحدتها دومة، شبهها بشجرة الدوم وشبه ذؤابتيها بغصنين وجعل ما نال منها كالثمر الذي يجتنى من الشجر، ويروى إذا قلت هاتي ناوليني تمايلت، والنول والإنالة والتنويل: الإعطاء، ومنه قيل للعطية نوال. هضيم الكشح: ضامر الكشح، والكشح: منقطع الأضلاع، والجمع كشوح وأصل الهضم الكسر، والفعل هضم يهضم، وإنما قيل لضامر البطن هضيم الكشح؛ لأنه يَدِقّ بذلك الموضع من جسده فكأنه هضيم عن قرار الردف والجنبين والوركين. ريّا: تأنيث الريان. المخلخل: موضع الخلخال من الساق، والمسوّر: موضع السوار من الذراع، والمقلد: موضع القلادة من العنق, والمقرّط: موضع القرط من الأذن. عبر عن كثرة لحم الساقين وامتلائهما بالري. هصرت جواب لَمَّا من البيت الأول عن البصريين، وأما الرواية الثالثة وهي: إذا قلت فإن الجواب مضمر محذوف عن تلك الرواية على ما مرّ ذكره في البيت الذي قبله. يقول: لَمّا خرجنا من الحلة وأمنّا الرقباء جذبت ذؤابتيها إلَيّ فطاوعتني فيما رمت منها ومالت عليّ مسعفة بطلبتي في حال ضمر كشحيها وامتلاء ساقيها باللحم، والتفسير على الرواية الثالثة: إذا طلبت منها ما أحببت وقلت: أعطيني سؤلي كان ما ذكرنا، ونصب هضيم الكشح على الحال ولم يقل هضيمة الكشح؛ لأن فعيلًا إذا كان بمعنى مفعول لم تلحقه علامة التأنيث للفصل بين فعيل إذا كان بمعنى الفاعل وبين فعيل إذا كان بمعنى المفعول من قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِين} [الأعراف: 56]. 35 - مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءَ غيرُ مُفاضةٍ ... ترائبُها مَصْقُولَةٌ كالسَّجَنْجَلِ

المهفهفة: اللطيفة الخصر الضامرة البطن. المفاضة: المرأة العظيمة البطن المسترخية اللحم. الترائب جمع التريبة: وهي موضع القلادة من الصدر. السقل والصقل، بالسين الصاد: إزالة الصدأ والدنس وغيرهما. والفعل منه سقل يسقل وصقل يصقل. السجنجل: المرآة، لغة رومية عربتها العرب، وقيل بل هو قطع الذهب والفضة. يقول: هي امرأة دقيقة الخصر ضامرة البطن غير عظيمة البطن ولا مسترخيته، وصدرها بَرَّاق اللون متلألئ الصفاء كتلألؤ المرآة. 36 - كَبِكْرِ الْمُقاناةِ البَيَاضَ بصُفْرَةٍ ... غَذَاها نَمِيرُ الْمَاءِ غيرُ الْمُحَلَّلِ البكر من كل صنف: ما لم يسبقه مثله. المقاناة: الخلط يقال: قانيت بين الشيئين إذا خلطت أحدهما بالآخر، والمقاناة في البيت مصوغة للمفعول دون المصدر. النمير: الماء النامي في الجسد. المحلّل ذكر أنه من الحلول، وذكر أنه من الحل، ثم إن للأئمة في تفسير البيت ثلاثة أقوال، أحدها: أن المعنى كبكر البيض التي قوني بياضها بصفرة، يعني بيض النعام وهي بيض تخالط بياضها صفرة يسيرة، شبه لون العشيقة بلون بيض النعام في أن في كل منهما بياضًا خالطته صفرة، ثم رجع إلى صفتها فقال: غذاها نمير عذب لم يكثر حلول الناس عليه فيكدره ذلك، يريد أنه عذب صاف، وإنما شرط هذا؛ لأن الماء من أكثر الأشياء تأثيرًا في الغذاء لفرط الحاجة إليه فإذا عذب وصفا حسن موقعه في غذاء شاربه؛ وتلخيص المعنى على هذا القول: إنها بيضاء تشوب بياضها صفرة وقد غذاها ماء نمير عذب صافٍ، والبياض الذي شابته صفرة أحسن ألوان النساء عند العرب. والثاني: أن المعنى كبكر الصدفة التي خولط بياضها بصفرة، وأراد ببكرها درتها التي لم ير مثلها، ثم قال: قد غذا هذه الدرة ماء نمير وهي غير محللة لمن رامها؛ لأنها في قعر البحر لا تصل إليها الأيدي، وتلخيص المعنى على هذا القول: إنه شبهها في صفاء اللون ونقائه بدرة فريدة تضمنتها صدفة

بيضاء شابت بياضها صفرة وكذلك لون الصدفة، ثم ذكر أن الدرة التي أشبهتها حصلت في ماء نمير لا تصل إليها أيدي طلابها، وإنما شرط النمير والدر لا يكون إلا في الماء الملح؛ لأن الملح له بمنزلة العذب لنا إذ صار سبب نمائه كما صار العذب سبب نمائنا. والثالث: أنه أراد كبكر البرديّ التي شاب بياضها صفرة وقد غذا البردي ماء نمير لم يكثر حلول الناس عليه، وشرط ذلك ليسلم الماء عن الكدر وإذا كان كذلك لم يغير لون البردي، والتشبيه من حيث أن بياض العشيقة خالطته صفرة كما خالطته بياض البردي. ويروى البيت بنصب البياض وخفضه، وهما جيدان، بمنزلة قولهم: زيد الحسن الوجه، والحسن الوجه، بالخفض على الإضافة والنصب على التشبيه كقولهم: زيد الضارب الرجل. 37 - تصُدّ وتُبْدي عن أسيلٍ وتَتَّقي ... بناظرّةٍ من وَحشِ وَجْرَةَ مُطْفِلٍ الصد والصدود: الإعراض والصد أيضًا الصرف والدفع، والفعل منه صدَّ يصُدُّ، والإصداد الصرف أيضًا. الإبداء: الإظهار. الأسالة: امتداد وطول في الخد وقد أسل أسالة فهو أسيل. الاتقاء: الحجز بين الشيئين، يقال: اتقيته بترس أي: جعلت الترس حاجزًا بيني وبينه. وجرة: موضع، الْمُطفِل: التي لها طفل. الوحش: جمع وحشي مثل زنج وزنجي وروم ورومي. يقول: تعرض العشيقة عني وتظهر خدًّا أسيلًا، وتجعل بيني وبينها عينًا ناظرة من نواظر وحش هذا الموضع التي لها أطفال، شبهها في حسن عينيها بظبية مُطْفِلِ أو بمهاة مطفل، وتلخيص المعنى: أنها تعرض عنا فتظهر في إعراضها خدًّا أسيلا وتسقبلنا بعين مثل عيون ظباء وجرة أو مهاها واللواتي لها أطفال، وخصهن لنظرهن إلى أولادهن بالعطف والشفقة وهي أحسن عيونًا في تلك الحال منهن في سائر الأحوال. قوله: عن أسيل، أي عن خد أسيل، فحذف الموصوف لدلالة الصفة عليه كقوله: مررت بعاقل، أي: بإنسان عاقل، وقوله: من وحش وجرة، أي: من نواظر وحش وجرة، فحذف المضاف

وأقام المضاف إليه مقامه كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَة} [يوسف: 82] أي: أهل القرية. 38 - وَجِيدٍ كَجِيدِ الرّئْمِ ليسَ بفاحشٍ ... إذا هي نَصّتْهُ وَلا بِمُعَطَّلِ الرئم: الظبي الأبيض الخالص البياض، والجمع آرام. النص: الرفع، ومنه سمي ما تُجلى عليه العروس مِنَصَّة، ومنه النص في السير وهو حمل البعير على سير شديد، ونصصت الحديث أنصه نصًّا: رفعته. الفاحش: ما جاوز القدر المحمود من كل شيء. يقول: وتبدي عن عنق كعنق الظبي غير متجاوز قدره المحمود إذا ما رفعت عنقها، وهو غير معطل، عن الحلي، فشبه عنقها بعنق الظبية في حال رفعها عنقها، ثم ذكر أنه لا يشبه عنق الظبي في التعطل عن الحلي. 39 - وَفَرْعٍ يَزينُ الْمَتنَ أَسْوَدَ فَاحِمٍ ... أثيتٍ كَقِنْوِ النخلةِ الْمُتَعَثْكِلِ الفرع: الشعر التام، والجمع فروع، ورجل أفرع وامرأة فرعاء. الفاحم: الشديد السواد، مشتق من الفحم، يقال: هو فاحم بَيِّنَ الفحومة. الأثيث: الكثير، والأثاثة: الكثرة، يقال: أثّ الشعر والنبت. القنو يجمع على الأقناء والقنوان. العثكول والعثكال قد يكونان بمعنى القنو وقد يكونان بمعنى قطعة من القنو (¬1)، والنخلة المتعثكلة: التي خرجت عثاكيلها أي: قنوانها. يقول: وتبدي عن شعر طويل تام يزين ظهرها إذا أرسلته عليه، ثم شبه ذؤابتيها بقنو نخلة أخرجت قنوانها، والذوائب تشبه بالعناقيد، والقنوان يراد به تجعدها وأثاثتها. 40 - غدائرُه مُسْتَشْزِراتٌ إلى العُلا ... تَضِلّ العِقَاصُ فِي مُثَنَّى وَمُرْسَلِ الغدائر: جمع الغديرة: وهي الخصلة من الشعر، الاستشزار: الارتفاع ¬

_ (¬1) القنو: من التمر كالعنقود من العنب.

والرفع جميعًا، فيكون الفعل منه مرة لازمًا ومرة متعديًا، فمن روى مستشزرات بكسر الزاي جعله من اللازم، ومن روى بفتح الزاي جعله من المتعدي. العقيصة: الخصلة المجموعة من الشعر، والجمع عقص وعقائص، والفعل من الضلال والضلالة ضل يضِل ويضَلّ جميعًا. يقول: ذوائبها وغدائرها مرفوعات أو مرتفعات إلى فوق، يراد به شدها على الرأس بخيوط، ثم قال: تغيب تعاقيصها في شعر مثنى وبعضه مرسل، أراد به وفور شعرها، والتعقيص التجعيد. 41 - وَكَشْحٍ لطيفٍ كالجديلِ مُخَصَّرٍ ... وَساقٍ كأنْبوبِ السّقيّ الْمُذَلَّلِ الجديل: خطام (¬1) يتخذ من الأدم، والجمع جدل. المخصر: الدقيق الوسط، ومنه نعل مخصرة. الأنبوب: ما بين العقدتين من القصب وغيره، والجمع الأنابيب السَّقِيِّ ههنا: بمعنى المسقي كالجريح بمعنى المجروح، والْجَنِي بمعنى المجني. يقول: وتبدي عن كشح ضامر يحكي في دقته خطامًا متخذًا من الأدم، وعن ساق يحكي في صفاء لونه أنابيب بردي بين نخل وقد ذللت بكثرة الحمل فأظلت أغصانها هذا البردي، شبه ضمور بطنها بمثل هذا الخطام، وشبه صفاء لون ساقها ببردي بين نخيل تظله أغصانها، وإنما شرط ذلك ليكون أصفى لونًا وأنقى رونقًا وتقدير قوله كأنبوب السقي كأنبوب النخل المسقي، ومنهم من جعل السقي نعتًا للبردي أيضًا؛ والمعنى على هذا القول: كأنبوب البردي المسقي المذلل بالإرواء. 42 - وتُضْحِي فتيتُ الْمِسكِ فوق فراشها ... نؤومُ الضحى لم تَنْتَطِقْ عن تفضّلِ الإضحاء: مصادفة الضحى، وقد يكون بمعنى الصيرورة أيضًا، ويقال: ¬

_ (¬1) الخطام: ما يجعل في أنف البعير ليقتاد به.

أضحى زيد غنيًّا أي: صار ولا يراد به أنه صادف الضحى على صفة الغنى، ومنه قول عدي بن زيد: ثمَّ أضحوا ,كأنهم وَرَقٌ جَفَّ ... فألوتْ به الصبا والدَّبورُ أي صاروا. الفتيت والفتات: اسم لدقائق الشيء الحاصل بالفَتِّ. قوله: نؤوم الضحى، عطَّل نؤومًا عن علامة التأنيث لأن فعولًا إذا كان بمعنى الفاعل يستوي لفظ صفة المذكر والمؤنث فيه، يقال: رجل ظلوم وامرأة ظلوم ومنه قوله تعالى: {تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8] قوله: لم تنتطق عن تفضل، أي بعد تفضل كما يقال: استغنى فلان عن فقره أي: بعد فقره؛ والتفضل: لبس الفضلة، وهي ثوب واحد يلبس للخفة في العمل. يقول: تصادف العشيقة الضحى ودقائق المسك فوق فراشها الذي باتت عليه، وهي كثيرة النوم في وقت الضحى، ولا تشد وسطها بنطاق بعد لبسها ثوب المهنة، يريد أنها مخدومة منعَّمة تُخدم، ولا تَخدم، وتلخيص المعنى: أن فتات المسك يكثر على فراشها وأنها تكفى أمورها فلا تباشر عملًا بنفسها. وصفها بالدعة والنعمة وخفض العيش وأن لها من يخدمها ويكفيها أمورها. 43 - وتَعْطو برَخْصٍ غيرِ شَثْنٍ كأنَّهُ ... أساريعُ ظبْيٍ أوْ مساويكُ إسْحِلِ العطو: التناول والفعل عطا يعطو عطوًا، والإعطاء المناولة، والتعاطي التناول، والمعاطاة الخدمة، والتعطية مثلها. الرخص: اللين الناعم. الشثن: الغليظ الكز، وقد شن شثونة الأسروع واليسروع دود يكون في البقل والأماكن الندية، تشبه أنامل النساء به، والجمع الأساريع واليساريع. ظبي: موضع بعينه. المساويك جمع المسواك. الإسحل: شجرة تدق أغصانها في استواء، تشبه الأصابع بها في الدقة والاستواء. يقول: وتتناول الأشياء ببنان رخص ليّن ناعم غير غليظ ولا كز، كأن

تلك الأنامل تشبه هذا الصنف من الدود أو هذا الضرب من المساويك وهو المتخذ من أغصان هذا الشجر المخصوص المعيّن. 44 - تُضيءُ الظَّلامَ بالعِشاءِ كأنَّها ... مَنَارَةُ مُمْسَى راهبٍ مُتَبَتِّلِ الإضاءة: قد يكون الفعل المشتق منها لازمًا وقد يكون متعديًّا، تقول: أضاء الله الصبح فأضاء، والضَّوء والضُّوء واحد، والفعل ضاء ضوءًا، وهو لازم. المنارة: المسرجة، الجمع المناور والمنائر. الممسى: بمعنى: الإمساء والوقت جميعًا؛ ومنه قول أمية: الحمد لله ممسانا ومصبحنا ... بالخير صبّحنا ربي ومسانا الراهب يجمع على الرهبان، مثل راكب وركبان وراع ورعيان، وقد يكون الرهبان واحد ويجمع حينئذ على الرهابنة والرهابين كما يجمع السلطان على السلاطنة والسلاطين، أنشد الفراء: لو أبصرتْ رهبانَ ديرٍ في جبلْ ... لانحدرَ الرهبانُ يسعى ويُصَلْ جعل الرهبان واحدًا، لذلك قال: يسعى، ولم يقل: يسعون. المتبتل: المنقطع إلى الله بنيته وعمله، والبتل: القطع، ومنه قيل: مريم البتول لانقطاعها عن الرجال واختصاصها بطاعة الله تعالى، فالتبتل إذن الانقطاع عن الخلق والاختصاص بطاعة الله تعالى ومنه قوله تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8]. يقول: تضيء العشيقة بنور وجهها ظلام الليل فكأنها مصباح راهب منقطع عن الناس، وخص مصباح الراهب؛ لأنه يوقده ليهتدي به عند الضلال فهو يضيئه أشد الإضاءة، يريد أن نور وجهها يغلب ظلام الليل كما أن نور مصباح الراهب يغلبه, 45 - إلى مِثْلها يَرْنو الْحَليمُ, صَبَابَةً ... إذا ما اسبكَرّت بين درْعٍ، ومِجْوَلِ

الاسبكرار: الطول والامتداد. الدرع: هو قميص المرأة، وهو مذكر، ودرع الحديد مؤنثة، والجمع أدرع ودروع. الْمِجْوَل: ثوب تلبسه الجارية الصغيرة. يقول: إلى مثلها ينبغي أن ينظر العاقل كلفًا بها وحنينًا إليها إذا طال قدّها وامتدت قامتها بين من تلبس الدرع وبين من تلبس المجول، أي بين اللواتي أدركن الحلم وبين اللواتي لم يدركن الحلم، يريد أنها طويلة القد مديدة القامة وهي بعد لم تدرك الحلم وقد ارتفعت عن سن الجواري الصغار، قوله: بين درع ومجول، تقديره: بين لابسة درع ولابسة مجول، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. 46 - تَسَلّتْ عَماياتُ الرّجالِ عَنِ الصِّبا ... وليسَ فؤادي عن هواكِ بِمُنْسَلِ سلا فلان عن حبيبه يسلو سلوًا، وسلى يسلي سًلِيًّا، وتسلّى تسليًا، وانسلى انسلاء أي زال حبه من قلبه أو زال حزنه. العماية والعمى واحد والفعل عمي يعمى. زعم أكثر الأئمة أن في البيت قلبًا تقديره: تسلت الرجالات عن عمايات الصبا أي خرجوا من ظلماته وليس فؤادي بخارج من هواها. وزعم بعضهم أن عن في البيت بمعنى بعد، تقديره: انكشفت وبطلت ضلالات الرجال بعد مضي صباهم، وفؤادي بعد في ضلالة هواها، وتلخيص المعنى: أنه رغم أن عشق العشاق قد بطل وزال وعشقه إياها باقٍ ثابت ولا يزول ولا يبطل. 47 - ألا رُبّ خَصْمٍ فيكِ ألْوَى رَدَدتُه ... نصيحٍ على تَعذالهِ غيرِ مُؤتَلِ الخصم لا يثنى ولا يجمع لا يؤنث في لغة شطر من العرب، ومنه قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: 21] ويثنى ويجمع في لغة الشطر الآخر من العرب، ويجمع على الخصام والخصوم. الألوى:

الشديد الخصومة كأنه يلوي خصمه عن دعواه. النصيح: الناصح. التعذال والعَذْلُ والعَذَلُ: اللوم، والفعل عذل يعذله. الألو والائتلاء: التقصير، والفعل: ألا يألوا وائتلى يأتلي. يقول: ألا ربّ خصم شديد الخصومة كان ينصحني على فرط لومه إياي على هواك غير مقصر في النصيحة واللوم رددته ولم أنزجر عن هواك بعذله ونصحه. وتحرير المعنى أنه يخبرها ببلوغ حبه إياها الغاية القصوى، حتى أنه لا يرتدع عنه بردع ناصح ولا ينجع فيه لوم لائم، وتقدير لفظ البيت: ألا رُبّ خصم ألوى نصيح على تعذاله غير مؤتل رددته. 48 - وَليلٍ كَمَوْجِ البَحرِ أرْخَى سُدولَهُ ... عليّ بأنواعِ الهُموم ليَبْتَلي شبه ظلام الليل في هوله وصعوبته ونكارة أمره بأمواج البحر. السدول: الستور، الواحد منها سدل. الإرخاء: إرسال الستر وغيره. الابتلاء: الاختبار. الهموم جمع الهم. بمعنى الحزن وبمعنى الهمة. الباء في قوله: بأنواع الهموم بمعنى مع. يقول: وربّ ليلٍ يحاكي أمواج البحر في توحشه ونكارة أمره وقد أرخى عليّ ستور ظلامه مع أنواع الأحزان، أو مع فنون الهم، ليختبرني أأصبر على ضروب الشدائد وفنون النوائب أم أجزع منها. لما أمعن في النسيب من أول القصيدة إلى هنا انتقل منه إلى التمدح بالصبر والْجَلَد. 49 - فَقُلْتُ لَه لَمِّا تَمَطَّي بصُلْبِهِ ... وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بَكَلْكَلِ تمطى أي: تمدد، ويجوز أن يكون التمطي مأخوذًا من المطا، وهو الظهر، فيكون التمطي مد الظهر، ويجوز أن يكون منقولًا من التمطط فقلبت إحدى الطاءين ياء كما قالوا: تظنّي تظنيًا والأصل تظنن تظننًا، وقالوا: تقضّى البازي تقضيًا أي: تقضض تقضضًا، والتمطط التفعل من المط، وهو المد. وفي

الصلب ثلاث لغات مشهورة، وهي: الصُّلْب، بضم الصاد وسكون اللام، والصُّلُب بضمهما، والصَّلَب بفتحهما؛ ومنه قول العجاج يصف جارية: ريّا العظام فخمة المخدَّم ... في صَلَب مثل العنان المؤدم ولغة عربية وهي الصالب، وقال العباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم- يمدح النبي عليه السلام: تَنَّقلَ من صالبٍ إلى رحمٍ ... إذا مضَى عالمُ بدا طبق الإرداف: الإتباع والاتِّباع وهو بمعنى الأول ههنا. الأعجاز: المآخير، الواحد عَجُز وعَجِز وعَجْز. ناء: مقلوب نأى بمعنى بعد، كما قالوا: راء بمعنى رأى وشاء بمعنى شأى (¬1). الكلكل: الصدر والجمع كلاكل. الباء في قوله ناء بكلكل للتعدية، وكذلك هي في قوله: تمطى بصلبه، استعار لليل صلبًا واستعار لطوله لفظ التمطي ليلائم الصلب واستعار لأوائله لفظ الكلكل ولمآخيره لفظ الأعجاز يقول: فقلت لليل لما مد صلبه يعني لما أفرط طوله، وأردف أعجازًا يعني ازدادت مآخيره امتدادًا وتطاولًا، وناء بكلكل يعني أبعد صدره، أي: بَعُدَ العهد بأوله، وتلخيص المعنى: قلت لليل لَمّا أفرط طوله وناءت أوائله وازدادت أواخره تطاولًا، وطول الليل ينبئ عن مقاساة الأحزان والشدائد والسهر المتولد منها؛ لأن المغموم يستطيل ليله، والمسرور يستقصر ليله. 50 - ألا أيّها اللّيلُ الطويلُ ألا انْجَلِي ... بصُبْحٍ، وما الإِصْبَاحُ مِنكَ بأمثَلِ الانجلاء: الانكشاف، يقال: جلوته فانجلى أي: كشفته فانكشف. الأمثل: الأفضل، والمثلى الفضلى، والأماثل الأفاضل. يقول: قلت له ألا أيها الليل الطويل انكشف وتنحَّ بصبح، أي: ليزل ¬

_ (¬1) شأى: سبق، أعجب.

ظلامك بضياء من الصبح، ثم قال: وليس الصبح بأفضل منك عندي لأني أقاسي الهموم نهارًا كما أعانيها ليلًا، أو لأن نهاري أظلم في عيني لازدحام الهموم عليَّ حتى حكى الليل، وهذا إذا رويت: وما الإصباح منك بأمثل، وإن رويت: فيك بأفضل، كان المعنى وما الإصباح في جنبك أو في الإضافة إليك أفضل منك لِمَا ذكرنا من المعنى لَمَّا ضجر بتطاول ليله خاطبه وسأله الانكشاف، وخِطابه ما لا يعقل يدل على فرط الوله وشدة التحيّر، وإنما يستحسن هذا الضرب في النسيب والمراثي وما يوجب حزنًا وكآبة ووجدًا وصبابة. 51 - فيا لكَ من لَيْلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ ... بأمراسِ كتّانٍ إلى صُمّ جَندَلِ الأمراس جمع مرس: وهو الحبل، وقد يكون المرس جمع مَرَسة وهو الحبل أيضًا، فتكون الأمراس حينئذ جمع الجمع، وقوله: بأمراس كتّان، من إضافة البعض إلى الكل، أي: بأمراس من كتان، كقولهم: باب حديد، وخاتم فضة، وجبّة خز. الأصم: الصلب، وتأنيثه الصمّاء، والجمع الصُمّ. الجندل: الصخرة، والجمع جنادل. يقول مخاطبًا الليل: فيا عجبًا لك من ليل كأن نجومه شدت بحبال من الكتان إلى صخور صلاب، وذلك أنه استطال الليل فيقول: إن نجومه لا تزول من أماكنها ولا تغرب، فكأنها مشدودة بحبال إلى صخور صلبة، وإنما استطال الليل لمعاناته الهموم ومقاساته الأحزان فيه، وقوله: بأمراس كتان، يعني ربطت، فحذف الفعل لدلالة الكلام على حذفه؛ ومنه قول الشاعر: مَسَسْنَا من الآباءِ شيئًا فكلُّنَا ... إلى حسبٍ في قومه غير واضع يعني فكلنا يعتزي أو ينتمي أو ينتسب إلى حسب، فحذف الفعل لدلالة باقي الكلام عليه، ويروى: كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل، وهذا أعرف الروايتين وأسيرهما. الإغارة: إحكام الفتل. يذبل: جبل بعينه.

يقول: كأن نجومه قد شدت إلى يذبل بكل حبل محكم الفتل. 52 - وَقِرْبَةِ أَقوامٍ جَعَلْتُ عِصامَها ... على كاهِلٍ منِّي ذَلُولٍ مُرَحَّلِ لم يروِ جمهور الأئمة هذه الأبيات الأربعة في هذه القصيدة وزعموا أنها لتأبّطَ شرًّا أعني: وقربة أقوام إلى قوله: وقد أغتدي، ورواها بعضهم في هذه القصيدة هنا. العصام: وكاء القربة (¬1)، الجمع العصم. الكاهل: أعلى الظهر عند مركب العنق فيه والجمع الكواهل. الترحيل: مبالغة الرّحل، يقال: رحلته إذا كررت رحله. يقول: ورب قربة أقوام جعلت وكاءها على كاهل ذلول قد رحل مرة بعد مرة أخرى مني، وفي معنى البيت قولان: أحدهما أن تمدح أثقال الحقوق ونوائب الأقوام من قرى الأضياف وإعطاء العفاة (¬2) والعقل (¬3) عن القاتلين وغير ذلك، وزعم أنه قد تعود التحمل للحقوق والنوائب، واستعار حمل القربة لتحمل الحقوق ثم ذكر الكاهل؛ لأنه موضع القربة من حاملها وعبر بكون الكاهل ذلولًا مرحلًا عن اعتياده تحمل الحقوق. والقول الآخر أنه تمدح بخدمته الرفقاء في السفر وحمله سقاء الماء على كاهل قد مرن عليه. 53 - وَوَادٍ كَجَوفِ العَيرِ قَفْرٍ قطعتُهُ ... بِهِ الذئبُ يَعوي كالْخَليعِ الْمُعَيَّلِ الوادي يجمع على الأودية والأوداية. الجوف: باطن الشيء، والجمع أجواف. العير: الحمار، والجمع الأعيار. القفر: المكان الخالي، والجمع القفار، ويقال أقفر المكان إقفارًا إذا خلا، ومنه خبز قفار لا إدام معه. الذئب يجمع على الذئاب والذياب والذؤبان ومنه قيل ذؤبان العرب للخبثاء المتلصصين. وأرض مذأبة: كثيرة الذئاب، وقد تذأبت الريح وتذاءبت إذا ¬

_ (¬1) وكاء القربة: ما يشد به رأس القربة. (¬2) العفاة: ج عافٍ، السائل. (¬3) العقل: الدية.

هبت من كل ناحية كالذئب إذا حذر من ناحية أتى من غيرها. الخليع: الذي قد خلعه أهله لخبثه، وكان الرجل منهم يأتي بابنه إلى الموسم ويقول: ألا إني قد خلعت ابني فإن جَرّ (¬1) لم أضمن وإن جُرَّ عليه لم أطلب فلا يؤخذ بجرائره، وزعم الأئمة أن الخليع في هذا البيت المقامر. المعيل: الكثير العيال، وقد عيَّل تعييلًا فهو معيل إذا كثر عياله. العواء: صوت الذئب وما أشبهه من السباع، والفعل عوى يعوي عواء. زعم صنف من الأئمة أنه شبه الوادي في خلائه من الإنس ببطن العير، وهو الحمار الوحشي إذا خلا من العلف وقيل: بل شبهه في قلة الانتفاع به بجوف العير؛ لأنه لا يركب ولا يكون له درّ، وزعم صنف منهم أنه أراد كجوف الحمار فغير اللفظ إلى ما وافقه في المعنى لإقامة الوزن، وزعموا أن حمارًا كان رجلًا من بقية عاد وكان متمسكًا بالتوحيد، فسافر بنوه فأصابتهم صاعقة فأهلكتهم، فأشرك بالله وكفر بعد التوحيد، فأحرق الله أمواله وواديه الذي كان يسكن فيه فلم ينبت بعده شيئًا فشبه امرؤ القيس هذا الوادي بواديه في الخلاء من النبات والإنس. يقول: وربّ وادٍ يشبه وادي الحمار في الخلاء من النبات والإنس أو يشبه بطن الحمار فيما ذكرنا طويته سيرًا وقطعته، وكان الذئب فيه من فرط الجوع كالمقامر الذي كثر عياله ويطالبه عياله بالنفقة، وهو يصيح بهم ويخاصمهم إذ لا يجد ما يرضيهم به. 54 - فقُلتُ لَهُ لَمَّا عَوى: إنّ شأنَنا ... قليلُ الغِنى إنْ كنتَ لَمّا تَمَوَّلِ قوله: إن شأننا قليل الغنى، يريد: إن شأننا أننا قليل الغنى، ومن روى طويل الغنى فمعناه طويل طلب الغنى. وقد تموّل الرجل إذا صار ذا مال. لَمّا: ¬

_ (¬1) جرّ: أتى بجريرة، جناية.

بمعنى لم في البيت كما كانت في قوله تعالى: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُم} [التوبة: 16]. كذلك يقول: قلت للذئب لَمَّا صاح إن شأننا وأمرنا يقلّ غنانا إن كنت غير متمول كما كنت غير متمول، وإذا روي طويل الغنى، فالمعنى: قلت له إن شأننا أننا نطلب الغنى، ثم لا نظفر به إن كنتَ قليل المال كما كنت قليل المال. 55 - كِلانا إذا ما نالَ شيئًا أفاتَهُ ... ومَن يحترِث حَرْثي وحَرْثك يهزُلِ أصل الحرث إصلاح الأرض وإلقاء البذر فيها، ثم يستعار للسعي والكسب كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَة} [الشورى: 20] الآية. وهو في البيت مستعار. والاحتراث والحرث واحد. يقول: كل واحد منا إذا ظفر بشيء فوّته على نفسه أي: إذا ملك شيئًا أنفقه وبذّره ثم قال: ومن سعى سعيي وسعيك افتقر وعاش مهزول العيش. 56 - وَقَدْ أَغْتَدِي، والطَّيرُ في وُكنَاتِهَا ... بِمُنْجَردٍ قَيْدِ الأوابِدِ هَيْكلِ غدا يغدو غدوًا واغتدى اغتداءً واحدًا. الطير جمع طائر مثل الشَّرْب في جمع شارب والتَّجْر في جمع تاجر والركب في جمع راكب. ثم يجمع على الطيور مثل بيت وبيوت وشيخ وشيوخ. الوكنات: مواقع الطير، واحدتها وكنة، وتقلب الواو همزة فيقال أكنة، ثم تجمع الوكنة على الوُكُنات، بضم الفاء والعين، وعلى الوُكَنات، بضم الفاء وفتح العين، وعلى الوُكْنات، بضم الفاء وسكون العين، وتُكَسَّر على الوُكَن، وهذا حكم فعلة نحو ظلمة وظُلُمات وظُلَمات وظُلَم. المنجرد: الماضي في السير، وقيل: بل هو القليل الشعر. الأوابد: الوحوش، وقد أبد الوحش يأبد أبودًا، ومنه تأبد الموضع إذا توحش وخلا من القُطَّان، ومنه قيل للفذ (¬1) آبدة لتوحشه عن ¬

_ (¬1) الفذّ: الفرد، الوحيد.

الطباع. الهيكل، قال ابن دريد: هو الفرس العظيم الجرم، والجمع الهياكل. يقول: وقد أغتدي والطير بعد مستقرة على مواقعها التي باتت عليها على فرس ماضٍ في السير قليل الشعر، يقيّد الوحوش بسرعة لحاقه إياها عظيم الألواح والجرم؛ وتحرير المعنى: أنه تمدَّحَ بمعاناة دجى الليل وأهواله، ثم تمدَّحَ بتحمل حقوق العفاة والأضياف والزوار، ثم تمدح بطيّ الفيافي والأودية، ثم أنشأ الآن يتمدح بالفروسية. يقول: وربما باكرت الصيد قبل نهوض الطير من أوكارها على فرس هذه صفته. وقوله: قيد الأوابد جعل لسرعة إدراكه الصيد كالقيد لها لأنها لا يمكنها الفوت منه كما أن المقيد غير متمكن من الفوت والهرب. 57 - مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا ... كجُلمودِ صَخرٍ حطَّهُ السيلُ مِنْ عَلِ الكر: العطف، يقال: كرّ فرسه على عدوه أي: عطفه عليه، والكر والكرور جميعًا الرجوع، يقال: كر على قرنه يكر كرًّا وكرورًا، والْمِكَر مفعل من كرّ يكرّ، ومفعل يتضمن مبالغة كقولهم: فلان مسعر حرب وفلان مقول ومصقَعَ (¬1)، وإنما جعلوه متضمنًا مبالغة؛ لأن مفعلًا قد يكون من أسماء الأدوات نحو المعول والمكتل1 والمخرز، فجعل كأنه أداة للكرور وآلة لسعر الحرب وغير ذلك. مِفَرٍّ: مفعل من فرّ يفرّ فرارًا، والكلام فيه نحو الكلام في مِكَرّ. الجلمود والجلمد: الحجر العظيم الصلب، والجمع جلامد وجلاميد. الصخر: الحجر، الواحدة صخرة، وجمع الصخر صخور. الْحَطّ: إلقاء الشيء من علو إلى سفل، يقال: حطه يحطه فانحط. وقوله: من عَلِ أي: من فوق، وفيه سبع لغات، يقال: أتيته من علُ، مضمومة اللام، ومن علو بفتح الواو وضمها وكسرها، ومن عليْ، بياء ساكنة ومن عالٍ مثل قاضٍ، ومن معال، مثل معاد، ولغة ثامنة يقال من علا، وأنشد الفراء. ¬

_ (¬1) مصقع: بليغ، متفنن في مذاهب القول.

باتت تنوش الحوض نوشًا من علا ... نوشًا به تقطع أجواز الفلَا وقوله: كجلمود صخر، من إضافة بعض الشيء إلى كله مثل باب حديد وجبّة خز، أي: كجلمود من صخر. يقول: هذا الفرس مِكَرّ إذا أريد منه الكرّ، ومِفَرّ إذا أريد منه الفر، ومقبل إذا أريد منه إقباله، ومدبر إذا أريد منه إدباره، وقوله: معًا، يعني أن الكر والفر والإقبال والإدبار مجتمعة في قوته لا في فعله؛ لأن فيها تضادًا، ثم شبهه في سرعة مَرِّه وصلابة خلقه بحجر عظيم ألقاه السيل من مكان عالٍ إلى حضيض. 58 - كُمَيتٍ يَزِلُّ اللّبْدُ عن حالِ مَتْنِه ... كَمَا زَلّتِ الصّفْواءُ بالْمُتَنَزِّلِ (¬1) زل الشيء يزل زليلا، وأزللته أنا. الحال: مقعد الفارس من ظهر الفرس. الصفواء والصفوان والصفا: الحجر الصلب. الباء في قوله بالمتنزل للتعدية. يقول: هذا الفرس الكُمَيت يزلّ لبده عن متنه لانملاس ظهره واكتناز لحمه، وهما يحمدان من الفرس، كما يُزِلّ الحجرُ الصلب الأملس المطر النازل عليه، وقيل: بل أراد الإنسان النازل عليه، والتَنَزّل والنزول واحد، والمتنزل في البيت صفة لمحذوف وتقديره بالمطر المتنزل أو بالإنسان المتنزل، وتحرير المعنى: أنه لاكتناز لحمه وانملاس صلبه يزل لبده عن متنه كما أن الحجر الصلب يزل المطر أو الإنسان عن نفسه. وجرّ كميتًا وما قبله من الأوصاف؛ لأنها نعوت لمنجرد. 59 - على الذَّبْلِ جَيَّاشٍ كأنّ اهتزامَهُ ... إذا جاشَ فيه حميُهُ غَليُ مِرْجَلِ الذبل والذبول واحد، والفعل ذبل يذبل. الجياش مبالغة جائش، وهو فاعل من جاشت القدر تجيش جيشًا وجيشانًا إذا غلت، وجاش البحر جيشًا وجيشانًا إذا هاجت أمواجه. الاهتزام: التكسر. الحمي: حرارة القيظ وغيره ¬

_ (¬1) الكميت: من الخيل الذي لونه ما بين الأحمر والأسود.

والفعل حمي يحمى. المرجل: القدر من صُفر (¬1) أو حديد أو نحاس أو شبهه، والجمع المراجل، وروى ابن الأنباري وابن مجاهد عن ثعلب أنه قال: كل قدر من حديد أو صفر أو حجر أو خزف أو نحاس أو غيرها فهو مرجل. يقول: تغلي فيه حرارة نشاطه على ذبول خلقه وضمر بطنه، وكأن تكسر صهيله في صدره غليان قدر، جعله ذكي القلب نشيطًا في السير والعدو على ذبول خلقه وضمر بطنه ثم شبه تكسر صهيله في صدره بغليان القدر. 60 - مِسَحٍّ إذا ما السَّابِحَاتُ على الوَنَى ... أَثَرْن الغُبَارَ بالكَديدِ الْمُرَكَّلِ سح يسحّ: قد يكون بمعنى صب يصب وقد يكون بمعنى انصب ينصب، فيكون مرة لازمًا ومرة متعديًا، ومصدره إذا كان متعديًا السَّحّ، وإذا كان لازمًا السح والسحوح تقول: سَحَّ الماء فَسحَّ هو، ومِسَحٍّ مفعل من المتعدي، وقد قررنا أن مفعلًا في الصفات يقتضي مبالغة، فالمعنى أنه يصب الجري والعدو صبًّا بعد صبٍّ. السابح من الخيل: الذي يمد يديه في عدوه، شبه بالسابح في الماء. الونى: الفتور، ونى يني ونيًا وونى. الكديد: الأرض الصلبة المطمئنة. الْمُركَّل من الرَّكل: وهو الدفع بالرجل والضرب بها، والفعل منه ركل يركل ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "فركلني جبريل". والتركيل التكرير والتشديد، والمركَّل الذي يركل مرة بعد أخرى. يقول: يصب هذا الفرس عدوه وجريه صبًّا بعد صبٍّ، أي يجيء به شيئًا بعد شيء، إذا أثارت جياد الخيل التي تمد أيديها في عدوها الغبار في الأرض الصلبة التي وطئت بالأقدام والمناسم والحوافر مرة بعد أخرى في حال فتورها في السير وكلالها؛ وتحرير المعنى: أنه يجيء بجري بعد جري إذا كلّت الخيل السوابح وأعيت وأثارت الغبار في مثل هذا الموضع. وجر مسحًا لأنه صفة ¬

_ (¬1) الصُّفْر: النحاس الأصفر.

الفرس المنجرد ولو رفع لكان صوابًا وكان حينئذٍ خبر مبتدأ محذوف تقديره هو مِسَحّ، ولو نصب لكان صوابًا أيضًا وكان انتصابه على المدح، والتقدير: أذكر مِسَحًّا أو أعني: مِسَحًّا، وكذلك القول فيما قبله من الصفات نحو كميت، يجوز في كل هذه الألفاظ الأوجه الثلاثة من الإعراب. ويروى المرحّل. 61 - يُزِلّ الغُلامَ الْخِفَّ على صَهَواتِهِ ... ويُلْوي بأثْواب العَنيفُ الْمُثَقَّلِ الْخِفّ: الخفيف. الصهوة: مقعد الفارس من ظهر الفرس، والجمع الصهوات وفعله تجمع على فعَلات، بفتح العين، إذا كانت اسْمًا، نحو شَعرة وشعَرات وضربة وضربات، إلا إذا كانت عينها واوًا أو ياء أو مدغمة في اللام فإنها تسكن حينئذ، نحو بيضة وبيضات وعورة وعورات وحبة وحبات، فإذا كانت صفة تجمع على فعْلات، مسكّنة العين أيضًا، نحو ضخمة وضخمات وخدلة (¬1)، وخدلات. ألوى بالشيء: رمى به، وألوى به ذهب به. العنيف: ضد الرقيق. يقول: إن هذا الفرس يُزل ويُزلق الغلام الخفيف عن مقعده من ظهره ويرمي بثياب الرجل العنيف الثقيل، يريد أنه يزلق عن ظهره من لم يكن جيد الفروسية عالِمًا بها ويرمي بأثواب الماهر الحاذق في الفروسية لشدة عدوه وفرط مرحه في جريه، وإنما عبر بصهواته ولا يكون له إلا صهوة واحدة؛ لأنه لا لبس فيه، فجرى الجمع والتوحيد مجرى واحدًا عند الاتساع؛ لأن إضافتها إلى ضمير الواحد تزيل اللبس كما يقال: رجل عظيم المناكب وغليظ المشافر، ولا يكون له إلا منكبان وشفتان، ورجل شديد مجامع الكتفين، ولا يكون له إلا مجمع واحد. ويروى: يُطير الغلام، أي يطيره، ويروى: يزل الغلام الخفّ، بفتح الياء من يزل ورفع الغلام فيكون فعلًا لازمًا. 62 - دَريرٍ كَخُذْروفِ الوليدِ أمَرَّهُ ... تتابُعُ كَفَّيهِ بِخَيْطٍ مُوَصَّلِ ¬

_ (¬1) خدلة: ممتلئة تامّة.

الدرير: من دَرّ يدر، وقد يكون درّ لازمًا ومتعديًا يقال: درت الناقة اللبن فدر اللبن، ثم الدرير ههنا يجوز أن يكون بمعنى الدار من دار إذا كان متعديًا، والفعل يكثر مجيئه بمعنى الفاعل نحو قادر وقدير وعالم وعليم، ويجوز أن يكون بمعنى الْمُدِرّ من الإدرار وهو جعل الشيء دارًّا، وقد يكثر الفعيل بمعنى المفعل كالحكيم بمعنى المحكم والسميع بمعنى المسمع، ومنه قوله عمرو بن معديكرب: أمِن ريحانة الداعي السميعِ ... يؤرقني وأصحابي هجوعُ أي المسمع. الخذروف: حصاة مثقوبة يجعل الصبيان فيه خيطًا فيديرها الصبي على رأسه. شبه سرعة هذا الفرس بسرعة دوران الحصان على رأس الصبي. الوليد: الصبي، والجمع الولدان، وجمع خذاريف، والوليدة: الصبية، وقد يستعار للأمة، والجمع الولائد. الإمرار: إحكام الفتل. يقول: هو يدرّ العدو والجري أي: يديمهما ويواصلهما ويتابعهما ويسرع فيهما إسراع خذورف الصبي إذا أحكم فتل خيطه وتتابعت كفاه في فتله، وإدارته بخيط قد انقطع ثم وصل، وذلك أشد لدورانه لانملاسه ومرونه على ذلك، وتحرير المعنى: أنه مديم السير والعدو متابع لهما، ثم شبهه في سرعة مره وشدة عدوه بالخذروف في دورانه إذا بولغ في فتل خيطه موصلًا؛ ويسوغ في إعراب درير ما ساغ في إعراب مسح من الأوجه الثلاثة. 63 - لَهُ أَيْطَلا ظَبْيٍ وساقا نَعامَةٍ ... وَإرْخاءُ سِرْحَانٍ وَتَقْرِيبُ تَتْفُلِ الأيطل والإطْل والإطل: الخاصرة، والجمع الأياطل والآطال، أجمع البصريون على أنه لم يأت على فِعِل من الأسماء إلا إبل، ومن الصفات إلا بِلِزِ وهي الجارية التارة السمينة الضخمة، وحكى الكوفيون إطلًا من الأسماء أيضًا مثل إبل، فقد اتفق الفريقان على اقتصار فعل على هذه الثلاثة. الظبي يجمع

أظب وظباء، والساق على الأسؤق والسوق. والنعامة تجمع على النعامات والنعام والنعائم. الإرخاء ضرب من عدو الذئب يشبه خَبَب الدواب، السرحان: الذئب، والتقريب: وضع الرجلين موضع اليدين في العدو. التتفل: ولد الثعلب: شبه خاصرتي هذا الفرس بخاصرتي الظبي في الضمر، وشبه ساقيه بساقي النعامة في الانتصاب والطول، وعدوه بإرخاء الذئب، وتقريبه بتقريب ولد الثعلب، فجمع أربعة تشبيهات في هذا البيت. 64 - ضَليعٍ إذا استَدْبَرْتَهُ سَدّ فَرْجَهُ ... بضافٍ فُوَيق الأرضِ ليس بأعزَلِ الضليع: العظيم الأضلاع المنتفخ الجنبين، والجمع الضلعاء والمصدر الضلاعة والفعل ضلُع يضلُع. والاستدبار: النظر إلى دبر الشيء، وهو مؤخره، وتتبع دبر الشيء. الفرج: الفضاء بين اليدين والرجلين، والجمع الفروج، الضَّفْوُ. السبوغ والتمام والفعل ضفا يضفو، أراد بذنَب ضافٍ فحذف الموصوف اجتزاء بدلالة الصفة عليه، كقولهم: مررت بكريم، أي: بإنسان كريم. فويق: تصغير فوق وهو تصغير التقريب مثل قبيل وبُعَيد في تصغير قبل وبعد. الأعزل: الذي يميل عظم ذنبه إلى أحد الشقين. يقول: هذا الفرس عظيم الأضلاع منتفخ الجنبين إذا نظرت إليه من خلفه رأيته قد سد الفضاء الذي بين رجليه بذنبه السابغ1 التام الذي قرب من الأرض وهو غير مائل إلى أحد الشقين فسبوغ ذنبه من دلائل عتقه وكرمه، وشرط كونه فويق الأرض؛ لأنه إذا بلغ الأرض وطئه برجليه وذلك عيب؛ لأنه ربما عثر به، واستواء عسيب2 ذنبه أيضًا من دلائل العتق والكرم. 65 - كأنّ على الْمَتْنَيْنِ منهُ إذا انْتَحَى ... مَداكَ عروسٍ أو صَلايةَ حنظلِ المتنان: تثنية متن وهما ما عن يمين الفقار وشماله. الانتحاء: الاعتماد والقصد. المداك: الحجر الذي يسحق به الطيب وغيره، والذي يسحق عليه أيضًا مداك، والدَّوك: السحق، الفعل منه داك يدوك دوكًا، الصَلاية: الحجر

الأملس الذي يسحق عليه شيء كالهبيد وهو حب الحنظل. ويروى: كأن سراته لدى البيت قائمًا. السراة: أعلى الظهر، والجمع السروات، ويستعار لعلية الناس، وسراة النهار أعلى مداه، والسرو الارتفاع في المجد والشرف، والفعل منه سرا يسرو وسرى يسري وسَرُوَ يسرو، ونصب قائمًا على الحال. شبَّهَ انملاس ظهره واكتنازه باللحم، بالحجر الذي تسحق العروس به أو عليه الطيب، أو بالحجر الذي يكسر عليه الحنظل ويستخرج حبّه، وخص مداك العروس لحدثان عهدها بالسحق للطيب. 66 - كأنّ دِماءَ الهادِياتِ بنَحْرِهِ ... عُصَارَةُ حِنَّاءٍ بشَيبٍ مُرَجَّلِ تثنية الدم الدَّمان والدميان؛ ومنه قول الشاعر: فلو أنَّا على حُجر ذُبْحنَا ... جَرَى الدَّميانِ بالخبرِ اليقينِ والجمع دماء ودُمِيّ، والتصغير دُمَيّ، والقطعة منه دَمَة، حكاها الليث، وقد دمي الشيء يدمي إذا تلطخ بالدم، وأدميته أنا ودميته. الهاديات المتقدمات والأوائل، وسمي المتقدم هاديًا؛ لأن هادي القوم يتقدمهم، ومنه قيل لعنق الفرس هادٍ؛ لأنه يتقدم على سائر جسده. عصارة الشيء: ما خرج منه عند عصره. الترجيل: تسريح الشعر. المرجَّل: الْمُسَّرح بالمشط. يقول: كأن دماء أوائل الصيد والوحش على نحر هذا الفرس عصارة حناء خضب بها شيب مُسَرَّح، شبه الدم الجامد على نحره من دماء الصيد بما جف من عصارة الحناء عن شعر الأشيب، وأتى بالمرجَّل لإقامة القافية. 67 - فَعَنّ لنا سِرْبٌ كأنّ نِعاجَه ... عَذارَى دَوارٍ في مُلاءٍ مُذَيَّلِ عنَّ أي: عرضَ وظهر. السرب: القطيع من الظباء أو النساء أو القطا أو المها أو البقر أو الخيل، والجمع الأسراب. النعاج: اسم لإناث الضأن وبقر الوحش وشاء الجبل، والواحدة نعجة، وجمع التصحيح نعجات، والمراد بالنعاج في هذا البيت إناث بقر الوحش، وبالسرب القطيع منها. العذراء:

البكر التي لم تمس، والجمع عذارى. الدوار: حجر كان أهل الجاهلية ينصبونه ويطوفون حوله تشبيهًا بالطائفين حول الكعبة إذا نأوا عن الكعبة. الملاء: جمع ملاءة، وإنما تسمى ملاءة إذا كانت لِفْقَين. المذيل: الذي أطيل ذيله وأرخي. يقول: فعرض لنا وظهر قطيع من بقر الوحش كأن إناث ذلك القطيع نساء عَذارَى يطفن حول حجر منصوب يطاف حوله في ملاء طويل ذيولها، وشبه المها في بياض ألوانها بالعذارى لأنهن مصونات في الخدور لا يغير ألوانهن حر الشمس وغيره، وشبّه طول أذيالها وسبوغ شعرها بالملاء المذيل. وشبّه حسن مشيها بحسن تبختر العذارى في مشيهن. 68 - فأدْبَرْنَ كالْجِزْعِ الْمُفَصَّلِ بَيْنَهُ ... بِجِيدٍ مُعَمٍّ في العَشيرَةِ مُخْوَلِ الجزع: الخرز اليماني. الجيد: العنق، والجمع الأجياد، ورجل أجيد طويل العنق، وجمعه جود، الْمُعِمّ: الكريم الأعمام. الْمُخْوِل: الكريم الأخوال، وقد أعمَّ وأخوَل إذا كرم أعمامه وأخواله، وهذان من الشواذ؛ لأن القياس من أفعل فهو مُفعِل، وهما أفعل فهو مُفعَل. يقول: فأدبرت النّعاج كالخرز اليماني الذي فصل بينه بغيره من الجواهر في عنق صبي كرم أعمامه وأخواله، وشبه بقر الوحش بالخرز اليماني؛ لأنه يسوَّدُ طرفه وسائره أبيض، وكذلك بقر الوحش تسوَّدُ أكارعها وخدودها وسائرها أبيض، وشرط كونه في جيدٍ مُعِمّ مُخوِل؛ لأن جواهر قلادة مثل هذا الصبي أعظم من جواهر قلادة غيره، وشرط كونه مفصلًا لتفرقهن عند رؤيته. 69 - فألْحَقَنا بالهادِياتِ وَدُونَهُ ... جَواحِرُها في صَرّةٍ لم تُزَيَّلِ الهاديات: الأوائل المتقدمات. الجواحر: المتخلفات، وقد جحر أي: تخلّف الصرّة: الجماعة، والصرَّة الصيحة، ومنه صرير القلم وغيره. الزيل والتزييل: التفريق، والتزيل والانزيال: التفرق.

يقول: فألحقنا هذا الفرس بأوائل الوحش ومتقدماته وجاوز بنا متخلفاته فهي دونه أي أقرب منه في جماعة لم تتفرق أو في صيحة؛ وتلخيص المعنى: أنه يلحقنا بأوائل الوحش ويدع متخلفاته ثقة بشدة جريه وقوة عدوه فيدرك أوائلها وأواخرها مجتمعة لم تتفرق بعد، يريد أنه يدرك أوائلها قبل تفرُّقِ جماعتها، يصفه بشدة عدوه. 70 - فَعادى عِداءً بَينَ ثَوْرٍ ونَعْجَةٍ ... دِرَاكًا وَلَمْ يَنْضَح بماءٍ فيُغسَلِ المعاداة والعداء: الموالاة. الثور يجمع على الثيران والثِيَرة والثِوَرة والثِيَارة والأثوار والثيار. الدراك: المتابعة. يقول: فوالى بين ثور ونعجة من بقر الوحش في طلق1 واحد ولم يعرق عرقًا مفرطًا يغسل جسده، يريد أنه أدركهما وقتلهما في طلق واحد قبل أن يعرق عرقًا مفرطًا، أي: أدركهما دون معاناة مشقة ومقاساة شدة، نسب فعل الفارس إلى الفرس؛ لأنه حامله وموصله إلى مرامه، يقول: صاد هذا الفرس ثورًا ونعجة في طلق واحد. ودراكًا أي مداركة. 71 - فظلّ طُهاةُ اللَّحمِ من بَينِ مُنْضِجٍ ... صَفيفَ شِواءٍ أوْ قَديرٍ مُعَجَّلِ الطهو والطهي: الإنضاج، والفعل طها يطهو ويطهي، والطهاة جمع طاهٍ كالقضاة جمع قاضٍ والكفاة جمع كافٍ. الإنضاج: يشتمل على طبخ اللحم وشيِّه. الصفيف: المصفوف على الحجارة لينضج. القدير: اللحم المطبوخ في القدر. يقول: ظل المنضجون اللحم وهم صنفان صنف ينضجون شواء مصفوفًا على الحجارة في النار، وصنف يطبخون اللحم في القدر؛ يقول كثر الصيد فأخصب القوم فطبخوا واشتووا؛ ومن في قوله: من بين منضج للتفصيل والتفسير، كقولهم: هم من بين عالم وزاهد، يريد أنهم لا يعدون الصنفين، كذلك أراد لم يَعْدُ طهاة اللحم الشاوين والطابخين. 72 - 73 -

74 - وَرُحْنا يكادُ الطَّرْفُ يقصُرُ دونَهُ ... مَتَى ما تَرَقَّ العَينُ فيه تَسَفَّلِ الطرف: اسم لما يتحرك من أشفار العين، وأصله التحرك، والفعل منه طرف يطرف. القصور: العجز، والفعل قصر يقصر. الترقي والارتقاء والرقي واحد، والفعل من الرقي رَقِيَ يَرْقَى، وأما رقى يرقي فهو من الرقية، وقد رقيته أنا أي حملته على الرُّقِيّ. يقول: ثم أمسينا وتكاد عيوننا تعجز عن ضبط حسنه واستقصاء محاسن خلقه، ومتى ما ترقت العين في أعالي وشخصه نظرت إلى قوائمه، وتلخيص المعنى أنه كامل الحسن رائع الصورة تكاد العيون تقصر عن كُنه حسنه ومهما نظرت العيون إلى أعالي خلقه اشتهت النظر إلى أسافله. 75 - فَباتَ عَلَيْهِ سَرْجُهُ وَلجامُهُ ... وباتَ بعَيني قائمًا غَيرَ مُرْسَلِ يقول: بات مسرجًا ملجمًا قائمًا بين يدي غير مرسل إلى المرعى 76 - أصاحِ تَرَى بَرْقًا أُريكَ ومَيضَهُ ... كَلَمْعِ اليَدَينِ في حَبيٍّ مكلَّلِ أصاح: أراد أصاحب أي: يا صاحب، فرخم كما تقول في ترخيم حارث يا حار، وفي ترخيم مالك يا مال، ومنه قراءة من قرأ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] ومنه قول زهير: يا حارِ لا أرمين منكم بداهية ... لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك أراد يا حارث، والألف نداء للقريب دون البعيد، تقول: أزيد إذا كان زيد حاضرًا قريبًا منك، ويا نداء للبعيد والقريب، وأي وأيا وهيا لنداء البعيد دون القريب. الوميض والإيماض: اللمعان، تقول: ومض البرق يمض وأومض إذا لمع وتلألأ. اللمع: التحريك والتحرك جميعًا. الحبيّ: السحاب المتراكم، سمي بذلك لأنه حَبَا بعضه إلى بعض فتراكم، وجعله مكللًا لأنه صار أعلاه كالإكليل لأسفله، ومنه قولهم: كلّلت الرجل إذا توّجته وكللت

الجفنة ببضعات اللحم إذا جعلتها كالإكليل لها، ويروى مكلِل، بكسر اللام، وقد كلل تكليلًا، وانكلّ انكلالًا إذا تبسم. يقول: يا صاحبي هل ترى برقًا أريك لمعانه وتلألؤه وتألقه في سحاب متراكم صار أعلاه كالإكليل لأسفله أو في سحاب متبسم بالبرق يشبه برقه تحريك اليدين؟ أراد أنه يتحرك تحركهما؛ وتقدير البيت: أريك وميضه في حبي مكلل كلمع اليدين؛ شبه لمعان البرق وتحركه بتحرك اليدين. فرغ من وصف الفرس والآن قد أخذ في وصف المطر فقال: 77 - يُضيءُ سَناهُ أو مَصابيحُ راهِبٍ ... أمالَ السَّليطَ بالذُّبالِ الْمُفَتَّلِ السنا: الضوء، والسناء: الرفعة. السليط: الزيت، ودهن السمسم سليط أيضًا، وإنما سمي سليطًا لإضاءتهما السراج، ومنه السلطان لوضوح أمره. الذُّبال: جمع ذبالة وهي الفتيلة. وقد يثقل فيقال ذبَّال. يقول: هذا البرق يتلألأ ضوؤه فهو يشبه في تحركه لمع اليدين أو مصابيح الرهبان أمليت فتائلها بصبّ الزيت عليها في الإضاءة، يريد أن تحرك البرق يحكي تحرك اليدين وضوءه يحكي ضوء مصباح الراهب إذا أفعم صبُّ الزيت عليه فيضيء. وزعم أكثر الناس أن قوله أمال السليط بالذبال المفتل من المقلوب، وتقديره: أمال الذبال بالسليط إذا صبَّه عليه، وقال بعضهم: إن تقديره أمال السليط مع الذبال المفتل، يريد أن يميل المصباح إلى جانب فيكون أشد إضاءة لتلك الناحية من غيرها. 78 - قَعَدْتُ لَهُ وَصُحْبَتي بينَ ضارجٍ ... وَبَيْنَ العُذَيبِ بَعْدَ مَا مُتَأَمِّلي ضارج والعُذَيب: موضعان. بعد ما: أصله بَعُدَ ما فخففه فقال بَعْدَ، وما زائدة وتقديره: بعُد متأملي. يقول: قعدت وأصحابي للنظر إلى السحاب بين هذين الموضعين، وكنت

معهم فبعد متأملي وهو المنظور إليه، أي بعد السحاب الذي كنت أنظر إليه وأرقب مطره وأشيم (¬1) برقه، يريد أنه نظر إلى هذا السحاب من مكان بعيد فتعجب من بعد نظره، وقال بعضهم: إن ما في البيت بمعنى الذي، وتقديره، بعد ما هو متأملي، فحذف المبتدا الذي هو هو، وتقديره على هذا القول: بعد السحاب الذي هو متأملي. 79 - على قَطَنٍ بالشَّيْمِ أيْمَنُ صَوْبِهِ ... وأيْسَرُهُ على السّتارِ فَيَذْبُلِ ويروى: علا قطنًا، من علو يعلو علوًّا، أي علا هذا السحاب. القَطَن: جبل، وكذلك الستار ويذبل جبلان، وبينهما وبين قَطَن مسافة بعيدة. الصوب: المطر، وأصله مصدر صاب يصوب صوبًا أي نزل من علو إلى سفل. الشيم: النظر إلى البرق مع ترقب المطر. يقول: أيمن هذا السحاب على قطن وأيسره على الستار ويذبل، يصف عظم السحاب، وغزارته وعموم جوده، وقوله: بالشيم، أراد: إني ما أحكم به حدسًا وتقديرًا لأنه لا يرى ستارًا ويذبل وقطن معًا. 80 - فأضْحَى يَسُحُّ الماءَ حَوْلَ كُتَيْفَةٍ ... يكُبّ على الأذقانِ دَوْحَ الكَنَهْبلِ الكب: إلقاء الشيء على وجهه، والفعل كبّ يكبّ. وأما الإكباب فهو خرور الشيء على وجهه، وهذا من النوادر؛ لأن أصله متعد إلى المفعول به ثم لَمَّا نقل بالهمزة إلى باب الأفعال قصر عن الوصول إلى المفعول به، وهذا عكس القياس المطرد؛ لأن ما لم يتعد إلى المفعول في الأصل يتعدى إليه عند النقل بالهمزة من باب الأفعال نحو: قعد وأقعدته وقام وأقمته وجلس وأجلسته، ونظير كبّ وأكب عرضَ وأعرضَ؛ لأن عرضَ متعدٍ إلى المفعول به؛ لأن معناه أظهر، وأعرض لازم، لأن معناه ظهر ولاح؛ ومنه قول عمرو بن كلثوم: ¬

_ (¬1) أشيم البرق: انظر أين يقصد وأين يمطر.

فأعرضت اليمامةُ واشمخرَّتْ ... كأسيافِ بأيدي مصلتينا الذقن: مجتمع اللحيين، والجمع الأذقان، والأذقان مستعار في البيت للشجر، الدوحة: الشجرة العظيمة، والجمع دوح. الكنهبل، بضم الباء وفتحها: ضرب من شجر البادية. يقول: فأضحى هذا الغيث أو السحاب يصب الماء فوق هذا الموضع المسمى بكتيفة ويلقي الأشجار العظام من هذا الضرب الذي يسمى كنهبلًا على رءوسها، وتلخيص المعنى: أن سيل هذا الغيث ينصبّ من الجبال والآكام، فيقلع الشجر العظام. ويروى: يسح الماء من كل فيقة، أي: بعد كل فيقة، والفيقة من الفواق: وهو مقدار ما بين الحلبتين، ثم استعاره لما بين الدفعتين من المطر. 81 - وَمرّ عَلَى القَنَّانِ مِنْ نَفَيانِهِ ... فَأَنْزَلَ منه العُصْمَ من كلّ منزِلِ القنان: اسم جبل لبني أسد. النفيان: ما يتطاير من قطر المطر وقطر الدلو ومن الرمل عند الوطء ومن الصوف عند النفش وغير ذلك. العُصم: جمع أعصم، وهو الذي في إحدى يديه بياض من الأوعال وغيرها. المنزل: موضع الإنزال. يقول: ومرّ على هذا الجبل مما تطاير وانتشر وتناثر من رشاش هذا الغيث فأنزل الأوعال العصم من كل موضع من هذا الجبل، لهولها من وقع قطره على الجبل وفرط انصبابه. 82 - وَتَيْمَاءَ لم يَتْرُكْ بها جِذْعَ نخلَةٍ ... ولا أُطُمًا إلا مَشيدًا بِجَنْدَلِ تيماء: قرية عادية في بلاد العرب. الجذع يجمع على الأجذاع والجذوع، والنخلة على النخلات والنخل والنخيل. الأطم: القصر، والأطم الأزج، والجمع الآطام. الشيد: الجص، والشيد الرفع وعلو البنيان، والفعل منه شاد يشيد. الجندل: الصخر، والجمع الجنادل.

يقول: لم يترك هذا الغيث شيئًا من جذوع النخل بقرية تيماء، ولا شيئًا من القصور والأبنية إلا ما كان منها مرفوعًا بالصخور أو مجصصًا، يعني أنه قلع الأشجار وهدم الأبنية إلا ما كان منها مرفوعًا بالحجارة والجص. 83 - كأنّ ثَبيرًا في عَرانينِ وَبْلِهِ ... كَبيرُ أُناسٍ في بجاد مُزَمَّلِ ثبير: جبل بعينه. العرنين: الأنف، وقال جمهور الأئمة: هو معظم الأنف، والجمع العرانين، ثم استعار العرانين لأوائل المطر؛ لأن الأنوف تتقدم الوجوه. البجاد: كساء مخطط، والجمع البُجُد. التزميل: التلفيف بالثياب، وقد زملته بثياب فتزمَّل بها أي: لففته فتلفف بها. وجرّ مزملًا على جوار بجاد وإلا فالقياس يقتضي رفعه؛ لأنه وصف كبير أناس، ومثله ما حكي عن العرب من قولهم: جحر ضبٍّ خربٍ، جر خرب بمجاورة ضب، ومنه قول الأخطل: جزى الله عني الأعورين ملامة ... وفروة ثفر الثورة المتضاجم جر المتضاجَم على جوار الثورة والقياس نصبه؛ لأنه صفة ثفر، ونظائرها كثيرة. الوبل: جمع وابل وهو المطر الغزير العظيم القطر، ومثله شارب وشَرْب وراكب ورَكْب وغيرهما، والوبل أيضًا مصدر، وبلت السماء تبل وبلًا إذا أتت بالوابل. يقول: كأن ثبيرًا في أوائل مطر هذا السحاب سيد أناس قد تلفف بكساء مخطط شبه تغطيته بالغثاء بتغطي هذا الرجل بالكساء. 84 - كأنّ ذُرَى رَأْسِ الْمُجَيْمِرِ غُدْوَةً ... من السّيلِ والأغْثاء فَلكة مِغزَلِ الذروة: أعلى الشيء، والجمع الذُّرى. المجيمر: أكمة بعينها، الغُثاء ما جاء به السيل من الحشيش والشجر والكلأ والتراب وغير ذلك، والجمع الأغثاء. المغزل بضم الميم وفتحها وكسرها معروف، والجمع المغازل. فلكة المغزل مفتوحة الفاء. يقول: كأن هذه الأكمة غدوة مما أحاط بها من أغثاء السيل فلكة مغزل؛

شبه استدارة هذه الأكمة بما حاط بها من الأغثاء باستدارة فلكة المغزل وإحاطتها بها بإحاطة المغزل. 85 - وألْقَى بصَحراءِ الغَبيطِ بَعاعَهُ ... نزُولَ اليماني ذي العُيابِ الْمحمّلِ الصحراء تجمع على الصحارى والصحاري معًا، الغبيط هنا: أكمة قد انخفض وسطها وارتفع طرفاها، سميت غبيطًا تشبيهًا بغبيط البعير. البعاع: الثقل. قوله: نزول اليماني، أي: نزول التاجر اليماني. العياب: جمع عيبة (¬1) الثياب. يقول: ألقى هذا الحيا (¬2) ثقله بصحراء الغبيط فأنبت الكلأ وضروب الأزهار, وألوان النبات، فصار نزول المطر به كنزول التاجر اليماني صاحب العياب المحمل من الثياب حين نشر ثيابه يعرضها على المشترين؛ شبه نزول هذا المطر بنزول التاجر وشبه ضروب النبات الناشئة من هذا المطر بصنوف الثياب التي نشرها التاجر عند عرضها للبيع؛ وتقدير البيت: وألقى ثقله بصحراء الغبيط فنزل به نزولًا مثل نزول التاجر اليماني صاحب العياب من الثياب. 86 - كَأنَّ مَكاكيّ الجواء غُدَيّةً ... صُبحنَ سُلافًا مِن رَحيقٍ مُفَلْفَلِ المكاء: ضرب من الطير، والجمع المكاكي. الجواء: الوادي، والجمع أجوية. غديّة: تصغير غدوة أو غداة. الصبح: سقي الصبوح، والاصطباح والتصبح: شرب الصبوح. السلاف: أجود الخمر وهو ما انعصر من العنب من غير عصر. المفلفل: الذي ألقي فيه الفلفل، يقال: فلفلت الشراب أفلفله فلفلة فأنا مفلفِل والشراب مفلفَل. يقول: كأن هذا الضرب من الطير سقي هذا الضرب من الخمر صباحًا ¬

_ (¬1) العيبة: وعاء من جلد توضع فيه الثياب. (¬2) الحيا: المطر.

في هذه الأودية، وإنما جعلها كذلك لحدة ألسنتها وتتابع أصواتها ونشاطها في تغريدها؛ لأنّ الشراب المفلفل يحذي اللسان ويسكر، فجعل نشاط الطير كالسكر وتغريدها بحدة ألسنتها من حذي الشراب المفلفل إياها. 87 - كأنّ السّباعَ فِيهِ غَرْقَي عَشِيّةً ... بِأَرْجَائِهِ القُصْوَى أنابيشُ عُنْصُلِ الغرقى: جمع غريق مثل مرضى ومريض وجرحى وجريح. العشي والعشية: ما بعد الزوال إلى طلوع الفجر وكذلك العشاء. الأرجاء: النواحي، الواحد رجا، مقصور، والتثنية رجوان. القصوى والقصيا تأنيث الأقصى: وهو الأبعد: والياء لغة نجد والواو لغة سائر العرب. الأنابيش: أصول النبت، سميت بذلك لأنها ينبش عنها، واحدتها أنبوشة. العنصل: البصل البري. يقول: كأن السباع حين غرقت في سيول هذا المطر عشيًّا أصول البصل البري؛ شبه تلطخها بالطين والماء الكدر بأصول البصل البري؛ لأنها متلطخة بالطين والتراب.

الديوان

قافية الباء قصة أم جُنْدَب [الطويل] عندما تزوّج امرؤ القيس أمّ جندب، جاء ذات يوم علقمة بن عبد التميميّ، وهو قاعد في الخيمة، وخلفه أمّ جندب، فتذاكر الشعر، فقال امرؤ القيس: أنا أشعر منك، وقال علقمة: بل أنا أشعر منك. فقال: قل وأقول، وتحاكما إلى أمّ جندب، فقال امرؤ القيس قصيدته هذه. ووصف الفراق وناقته وفرسه، وقال علقمة قصيدةً مطلعها: ذهبتَ في الهجران في غير مذهبِ ... ولم يك حقاً كلّ هذا التجنُّبِ وعارض امرأ القيس في وصف ناقته وفرسه، فلما فرغ فضلّته أم جندب على زوجها امرئ القيس، فقال لها: بم فضبته عليّ؟ قالت: فرس ابن عبدة أجود من فرسك قال: وبماذا؟ قالت: سمعتك زجرت وضربت وحركت وهو قولك: وللساق لهوب، وللسوطِ درةٌ ... وللزجر منه وقعُ أهوجَ، مُنعبِ وأدرك فرس علقمة ثانياً عن عنانه وهو قوله: وأقبل يهوي، ثانياً من عنانه ... يمرُّ كمرِّ الرائحِ المتحلِّبِ فغضب امرؤ القيس على أم جندب وطلّقها. وقيل: إن علقمة خَلَف عليها بعده، فسُمّي (علقمة الفحل).

خَليلَيَّ مُرّا بي على أُمِ جُنْدَبِ ... نُقَضِّ لُبَانَاتِ الفُؤادِ المُعذَّبِ (¬1) فَإنّكُمَا إنْ تَنْظُرَانيَ سَاعَة ً ... من الدهرِ تَنفعْني لَدى أُمِّ جُندَبِ ألمْ تَرَيَاني كُلَّمَا جئتُ طارِقاً ... وَوَجدْتُ بهَا طِيباً، وَإنْ لم تَطَيَّبِ (¬2) عَقيلَة ُ أتْرَابٍ لهِا، لا دَمِيمَة ... وَلا ذَاتُ خَلقٍ، إنْ تأمّلتَ جَأنّبِ (¬3) ألا ليتَ شِعرِي، كيفَ حادثُ وَصْلِها؟ ... وكيْفَ تُرَاعي وُصْلَة َ المُتَغَيِّبِ؟ (¬4) أقَامَتْ على مَا بَيْنَنَا، مِنْ مَوَدّةٍ ... أُمَيمَةُ أَمْ صَارَتْ لقَولِ المُخَبِّبِ؟ (¬5) فَإنْ تَنْأَ عَنْهَا، حِقْبَةً، لا تُلاقِها ... فإنّكَ مِمّا أحْدَثَتْ، بالمُجَرِّبِ وَقالَتْ: مَتى يُبْخَلْ عَلَيكَ وَيُعتللْ ... يسوكَ، وَإن يُكشَفْ غرَامُكَ تدرَبِ تَبَصّرْ خَليلي هلْ تَرَى مِنْ ظَعائنٍ؟ ... سَوَالِكَ نَقْباً بينَ حزْمَيْ شَعَبْعَبِ (¬6) عَلَوْنَ بأنْطاكيّة ٍ فَوْقَ عِقْمِةٍ ... كجِرْمةِ نَخْلٍ، أوْ كجَنّةِ يَثْرِبِ (¬7) وَلله، عَيْنَا، مَنْ رَأى مِنْ تَفَرُّقٍ ... أشَتّ، وَأنأى من فِرَاقِ المُحَصَّبِ (¬8) فرِيقانِ: مِنْهُمْ جازعٌ بَطنَ نَخْلَةٍ ... وآخَرُ منهُم قاطعٌ نَجْدَ كَبْكَبِ (¬9) ¬

_ (¬1) لبانات الفؤاد: حاجات الفؤاد. (¬2) طارقاً: الطارق؛ الزائر ليلاً. (¬3) العقيلة: الكريمة المخدّرة. الجأنب: القصير القبيح. (¬4) المتغيب: الزوج الغائب. (¬5) المخبّب: المفسد. (¬6) السوالك: الإبل تسلك فجاج الأرض. النقب: الطريق في الجبل. شعبعب: ماء باليمامة لبني قشير. (¬7) العقمة: ضرب من الوشي. الجرمة: ما صرم من النخل وألقي في الأرض. (¬8) المحصّب: المكان الذي ترمى فيه الجمار في منى. (¬9) كبكب: اسم جبل.

فَعَيْنَاكَ غَرْباً جَدْوَلٍ في مُفَاضَة ٍ ... كمَرِّ الخَليجِ في صَفيحٍ مُصَوَّبِ (¬1) وَإنّكَ لمْ يَفْخَرْ عَليكَ كَفَاخِرٍ ... ضَعيفٍ وَلمْ يَغْلِبْكَ مثْلُ مُغَلَّبِ وَإّنكَ لمْ تَقْطَعْ لُبَانَةَ عَاشِقِ ... بمِثْلِ غُدُوّ أوْ رَوَاحٍ مُؤَوَّبِ بأدْماءَ حُرْجُوجٍ كَأَنّ قُتُودَها ... على أبْلَقِ الكَشحَينِ ليسَ بمُغرِبِ (¬2) يُغرّدُ بالأسحارِ في كُلّ سُدْفَةٍ ... تَغَرُّدَ مَيّاحِ النّدَامى المُطَرِّبِ (¬3) أَقَبَّ رَباعٍ مِن حَميرِ عَمايَةٍ ... يَمُجُّ لِعاعَ البَقلِ في كُلِّ مَشرَبِ (¬4) بمَحْنيّةٍ قَدْ آزَرَ الضّالُ نَبْتَهَا ... مَجَرَّ جُيُوشٍ غَانِمِينَ وَخُيّبِ (¬5) وقَد أغتَدى وَالطّيرُ في وُكُنّاتِهَا ... وَماءُ الندى يجرِي على كلّ مِذْنَبِ (¬6) بمنجردٍ قيدِ الأوَابِدِ لاحَهُ ... طِرَادُ الهَوَادِي كُلَّ شَاوٍ مُغرِّبِ (¬7) عَلى الأينِ جَيّاشٍ كَأنّ سَرَاتَهُ ... على الضَّمرِ وَالتّعداءِ سَرْحة ُ مَرْقَبِ (¬8) يُبارِي الخَنوفَ المُسْتَقلَّ زِماعُهُ ... ترَى شَخصَه كأنّهُ عودُ مِشْحَبِ (¬9) ¬

_ (¬1) الغرب: الدلو العظيمة. المصوّب: المنحدر. (¬2) الأدماء: الناقة البيضاء. الأبلق: الذي فيه بياض وسود. الكشحين: الخاصرتين. المغرب: الحمار الوحشي. (¬3) السدفة: الظلام. الميتاح: الميّاس. (¬4) الأقي: الضامر من البطن. عماية: اسم جبل. (¬5) آزر: ساوى. الضال: شجر عظام، والمعنى أن هذا الوادي قد خصب حتى ساوى نبته شحره. (¬6) وكناتها: أعشاشها. مِذْنَب: مدخل الماء. (¬7) المنجرد: القليل الشعر. لاحه: أهزله. (¬8) الأين: التعب. سراته: ظهره. (¬9) الخنوف: الفرس يخنف بيديه في السير. زماعه: ج زمعة، وهي الشعرات خلف إلية الفرس. المشجب: ما ينشر عليه الثياب.

لَهُ أيْطَلَا ظَبْيٍ وَسَاقَا نَعَامَةٍ ... وَصَهْوَة ُ عَيرٍ قائمٍ فَوْقَ مَرْقَبِ وَيَخْطُو على صُمٍّ صِلابٍ كَأنّهَا ... حِجَارَةُ غَيْلٍ وَارِسَاتٌ بطُحْلَبِ (¬1) لَهُ كَفَلٌ كالدِّعصِ لَبّدهُ النّدى ... إلى حارِكٍ مِثْلِ الغَبيطِ المُذَأّبِ (¬2) وَعَينٌ كمِرْآة ِ الصَّنَاعِ تُدِيرُها ... لمَحْجَرِهَا مِنَ النّصيفِ المُنَقَّبِ (¬3) لَهُ أُذُنَانِ تَعْرِفُ العِتْقَ فيهِمَا ... كَسامعَتيْ مَذعورَةٍ وَسْطَ رَبْرَبِ (¬4) وَمُسْتَفْلِكُ الذِّفْرَى كَأنّ عِنَانَهُ ... ومَثْناتَهُ في في رأسِ جِذْعٍ مُشذَّبِ (¬5) وَأسْحَمُ رَيّانُ العَسيبِ كَأنّهُ ... عَثاكيلُ قِنْوٍ من سُميحة ِ مُرْطِبِ (¬6) إذا ما جَرَى شَأْوَينِ وَابْتَلّ عِطْفُهُ ... تَقولُ: هزِيزُ الرّيحِ مَرّتْ بأثْأبِ وَيَخْضِدُ في الآرِيّ، حتى كأنّهُ ... بهِ عُرّة ٌ من طائفٍ، غَيرَ مُعْقِبِ (¬7) يُدِيرُ قَطَاة ً كَالمَحَالَة ِ أشْرَفَتْ ... إلى سَنَدٍ مِثْلِ الغَبيطِ المُذَأّبِ (¬8) فَيَوماً عَلى سِربٍ نَقِيِّ جُلودُهُ ... وَيَوماً عَلى بَيدانَةٍ أُمِّ تَولَبِ فَبَيْنَا نِعَاجٌ يَرْتَعِينَ خَمِيلَة ً ... كمَشْيِ العَذارَى في المُلاءِ المُهَدَّبِ فَطَالَ تَنَادِينَا وَعَقْدُ عِذَارِهِ ... وَقَالَ صِحَابي قد شَأَوْنَكَ فاطْلُبِ (¬9) ¬

_ (¬1) الغيل: الماء الجاري. الوارسات: المصفرات من الطحلب. (¬2) الدعص: الكثيب من الرمل. الحارك: العجز. الغبيط: القتب. المذأب: المتّسع. (¬3) النصيف: الخمار. المنقّب: المخرّق. (¬4) الربرب: جماعة من حمار الوحش. (¬5) المستفلك: المستدير. (¬6) أسحم: أسود. العثاكيل: ج عثكول وهو العنقود. (¬7) يخضد في الآري: يكسر الأواخي. العرّ: الجرب. (¬8) المحالة: البكرة. المذأب: المتسع. (¬9) شأونك: سبقنك.

فَلأياً بلأيٍ مَا حَمَلْنَا غُلامَنا ... على ظَهْرِ مَحْبوكِ السّرَاة ُ مُحنَّبِ (¬1) وَوَلّى كشُؤبوبِ الغشيّ بوَابِلٍ ... وَيخْرُجْنَ من جَعدٍ ثرَاهُ مُنَصَّبٍ (¬2) فَلِلساقِ أُلهوبٌ وَلِلسَوطِ دِرَّةٌ ... وَلِلزَجرِ مِنهُ وَقعُ أَهوَجَ مِنعَبِ فَأدْرَكَ لمْ يَجْهَدْ وَلمْ يَثنِ شَأوَهُ ... يَمُرّ كخُذرُوفِ الوَلِيدِ المُثَقَّبِ (¬3) تَرَى الفَأرَ في مُستَنقعِ القَاعِ لاحِباً ... على جَدَدِ الصّحرَاءِ من شدِّ مُلهِبِ خفَاهُنَّ مِنْ أنْفَاقِهِنّ كَأنّمَا ... خَفاهُنّ وَدْقُ من عَشيّ مُجَلِّبِ (¬4) فَعادى عِداءً بَينَ ثَوْرٍ وَنَعجَةٍ ... وَبينَ شَبوبٍ كَالقَضِيمَة ِ قَرْهَبِ (¬5) وظَلَّ لثيرَانِ الصّرِيمِ غَمَاغِمُ ... يُدَاعِسُهَا بالسَّمْهَرِيِّ المُعَلَّبِ (¬6) فَكابٍ على حُرّ الجبينِ وَمُتّقِ ... بمَدْرِيَة ٍ كَأنّهَا ذَلْقُ مِشْعَبِ (¬7) وقُلْنَا لفِتْيَانٍ كِرَامٍ ألا انْزِلُوا ... فَعَالُوا عَلَيْنَا فضْلَ ثوْبٍ مُطنَّبِ وَأَوتادَهُ ماذَيَّةٌ وَعِمادُهُ ... رُدَينِيَّةٌ بِها أَسِنَّةُ قُعضُبِ (¬8) وَأَطْنَابُهُ أشطَانُ خوصٍ نَجائِبٍ ... وَصَهوتَهُ من أتْحَميِّ مُشَرْعَبِ (¬9) ¬

_ (¬1) المحنب: المقوس. (¬2) شؤبوب العشي: دفعة المطر عند العشاء. الوابل: المطر المنهمل. منصّب: الذي يغطّي كل شيء كأنه دخان. (¬3) الشأو: الشوط البعيد. الخذروف: لعبة سريعة الدوران. (¬4) الودق: المطر. (¬5) القرهب: الضخم. (¬6) الصريم: منقطع الرمل. الغماغم: الأصوات. يداعسها بالسمهري: يطعنها بالرمح. (¬7) الكابي: الساقط على وجهه. المدرية: القرن. الذلق: الحد. (¬8) الماذية: الروع البيض. قَعْضَب: رجلُ يصنع الأسنة. (¬9) الأطناب: الحبال. الخوص: النوق الغائرة العيون. أتحمي: ضرب من الثياب. مشرعب: منوّع.

ستكفيني التجارب

فَلَمّا دَخَلْنَاهُ أصَفْنَا ظُهُورَنَا ... إلى كُلّ حارِيٍّ جَديدٍ مُشَطَّبِ كأنّ عُيونَ الوَحشِ حَوْلَ خِبائِنَا ... وَأرْحُلِنَا الجَزْعُ الذي لمْ يُثَقَّبِ (¬1) نَمُشُّ بأعْرَافِ الجِيَادِ أكُفّنَا ... إذا نحنُ قُمْنَا عنْ شِوَاءٍ مُضَهَّبِ (¬2) وَرُحْنَا كَأنَّا من جُؤاثَى عَشِيّةً ... نُعالي النّعاجَ بينَ عِدلٍ وَمُحْقَبِ (¬3) وَرَاحَ كَتَيسِ الرّبلِ يَنْفُضُ رَأْسَهُ ... أذَاة ً بهِ مِنْ صَائِكٍ مُتَحَلِّبِ (¬4) حّبيبٌ إلى الأصْحَابِ غَيْرُ مُلَعّنٍ ... يُفَدّونَهُ بالأمّهَاتِ وبالأبِ فّيّوْماً على بقعٍ دقاق صُدورُهُ ... ويوماً على سَفْعِ المَدَامعَ رَبْرَبِ (¬5) كَأنَّ دِمَاءَ الهَادِيَاتِ بنَحْرِهِ ... عُصَارَة حِنّاءٍ بشَيْبٍ مُخَضَّبِ وَأنت َإذا استَدبرتَه سَدّ فَرْجَهُ ... بضَاف ٍفُوَيقَ الأرض ليس بأصْهَبِ سَتَكْفيني التّجارِبُ [الوافر] أرانا مُوضِعِينَ لأمرِ غَيْبٍ ... وَنُسْحَرُ بالطَّعامِ، وَبالشَّرابِ (¬6) عَصافيرٌ، وَذُبَّانٌ، وَدودٌ ... وأجْرأُ مِنْ مُجَلِّحَة ِ الذِّئابِ (¬7) وكُلُّ مَكارِمِ الأخْلاقِ صارَتْ ... إلَيْهِ هِمَّتي، وَبِهِ اكتِسابي ¬

_ (¬1) الجزع: خرز أسود يخالطه البياض. (¬2) نمشّ: نمسح. المضهّب: الذي لم يبلغ نضجه من اللحم. (¬3) جؤاثى: اسم قرية. المحقب: الحقيبة. (¬4) تيس الرّبل: التيس الذي يتغذى من نبات الرّبل. (¬5) يقع: الظباء التي في جلدها بقع. السفع: البقر الوحشي. (¬6) موضعين: سائرين مسرعين. لأمر غيب: الموت. نسحر: نخدع (¬7) مجلّحة: مصمّمة.

بنفسي شباب

فبعضَ اللّومِ عاذِلَتي فإنّي ... سَتَكْفيني التَّجارِبُ، وانتسابي (¬1) إلى عِرْقِ الثَّرى وَشَجَتْ عُروقي ... وهذا المَوْتُ يَسْلُبُني شبابي ونفسي، سَوفَ يَسْلُبُها، وجِرْمي ... فَيُلْحِقُني، وَشكياً، بالتُّرابِ (¬2) ألم أُنْضِ المَطيَّ بكُلِّ خَرْقٍ ... أمَقَّ الطُّولِ، لمَّاعِ السَّرابِ (¬3) وأرْكَبْ في اللُّهامِ المَجْرِ حَتى ... أنالَ مآكِلَ القُحَمِ الرِّغابِ (¬4) وقد طَوَّفْتُ في الآفاقِ، حَتى ... رَضيتُ، مِنَ الغَنيمَةِ، بالإيابِ أبَعْدَ الحارثِ، المَلٍكِ، بنِ عَمروٍ ... وَبَعْدَ الخيرِ حُجْرٍ، ذي القِبابِ أُرَجِّي، مِنْ صُروفِ الدَّهْرِ، ليناً ... ولم تَغْفُل عَن الصُّمِّ الهِضابِ وأعلَمُ أنِّني، عَمّا قَريبٍ ... سأنشَبُ في شَبا ظُفْرٍ ونابِ (¬5) كمَا لاقى أبي حُجْرٌ، وجَدّي ... ولا أنْسي قَتيلاً بالكُلابِ (¬6) بنفسي شباب [المتقارب] أيا هِندُ، لا تَنْكِحي بوهَة ً ... عَلَيْهِ عَقيقَتُهُ، أحْسَبا (¬7) مُرَسَّعة ٌ بينَ أرْساغِهِ ... به عَسَمٌ، يَبْتَغي أرْنَبا (¬8) ¬

_ (¬1) فبعض اللوم: أي أقلّي عليّ اللوم. (¬2) جِرْمي: جسدي، جسمي. (¬3) أنضي: أُهْزِلُ. الخرق: الفلاة. (¬4) القحم: الدفعات من المال. الرغاب: الواسعة. (¬5) الشّبا: الحدّ. (¬6) الكلاب: وادٍ قُتل فيه عمّ الشاعر. (¬7) تنكحي: تتزوجي. بوهةً: بومةً. (¬8) الرسغ: المفصل بين السّاعد والكف. العسم: اليبس في مفصل الرسغ.

سقى واردات

لِيَجْعَلَ في كَفِّهِ كَعْبَها ... حِذارَ المَنِيّة ِ أنْ يَعْطَبا وَلَسْتُ بِخُذْرافَةٍ في قُعُودٍ ... وَلَسْتُ بِطَيّاخةٍ، أخْدبَا (¬1) وَلَسْتُ بِذي رَثْيَةٍ، إمَّرٍ ... إذا قِيدَ مُسْتَكْرَهاً أصْحَبا (¬2) وقالَتْ: بنَفْسي شَبابٌ لَهُ ... وَلِمّتُهُ، قبْلَ أنْ يَشْجُبا (¬3) وإذْ هيَ سَوْداءُ مِثْلُ الفُحَيمِ ... تُغَشِّي المَطانِبَ، والمَنْكِبا (¬4) سقى وارداتٍ [الطويل] يصف المطر. سَقَى وَارِداتٍ، وَالقَلِيبَ، وَلَعْلَعا ... مُلِثٌّ سِماكِيٌّ، فَهَضْبَةَ أيْهَبَا (¬5) فَمَرَّ على الخَبْتَيْنِ: خَبْتَيْ عُنَيْزَةٍ ... فَذَاتِ النِّقَاعِ، فانْتَحَى وَتَصَوَّبا (¬6) فَلَمّا تَدَلّى مِنْ أعالِي طَمِيّةٍ، ... أبَسَّتْ بِهِ رِيحُ الصِّبَا، فَتَحَلَّبا ¬

_ (¬1) الخذارفة: الخفيف، الكثير الكلام. الطّيّاخة: الذي طالما يقع في بلية وسوء. الأخدب: الأحمق. (¬2) ذي رثية: المتوجع من ركبتيه. إمّر: الرجل الضعيف. (¬3) اللمة: ما وصل إلى المنكبين من الشعر. يشجُب: يموت. (¬4) المطانب: ج مطنب، وهو العاتق. (¬5) واردات، والقليب، ولعلع: مواضع. المُلِثُّ: المطر الذي يدوم أياماً. سماكي: كوكبان. (¬6) الخبت: ما اتسع من الأرض.

البلاء على الأشقين مصبوب

البلاء على الأشقين مصبوب [البسيط] قالها واصفاً الخيل. الخّيرُ ما طَلَعَتْ شَمسٌ ومَا غَرَبَتْ ... مُطَلَّبٌ بِنواصِيً الخَيلِ، مَعصُوبُ (¬1) صُبّتْ عَلَيْهٍ ومَا تَنْصَبُّ من أَمَمٍ ... إنَّ البَلَاءَ على الأشْقَيْن مَصْبُوبُ الغارة الشعواء [البسيط] قالها واصفاً فرسه. قدْ أشْهَدُ الغارَةَ الشّعْوَاءَ تَحْمِلُنِي ... جَرْدَاءُ مَعرُوقَةُ اللّحييَنِ سُرْحُوبُ (¬2) كَأنَّ صاحِبهَا، إذْ قَامَ يُلْجِمُها ... مَغْذٌ على بَكْرَةٍ زَوْرَاءَ، مَنْصُوبُ (¬3) إذا تَبَصّرَها الرَّاؤُونَ، مُقبِلَةً ... لاحتْ لَهُمْ غُرَّةٌ مِنْها، وَتجْبِيبُ (¬4) وِقافُها ضَرِمٌ، وَجَرْيُها جَذِمٌ ... وَلَحْمُها زِيَمٌ، والبَطْنُ مَقْبُوبُ (¬5) وَاليَدٌ سابِحَةٌ، وَالرِّجْلُ ضارِحَةٌ ... وَالعَيْنُ قادِحةٌ، وَالمَتْنُ مَلْحُوبُ (¬6) وَالمَاءُ مُنْهَمِرٌ، وَالشَّدُّ مُنْحَدِرٌ ... وَالقُصْبُ مُضْطَمِرٌ، وَاللَّونُ غِرْبِيبُ (¬7) ¬

_ (¬1) النواصي: الشعر في مقدمة الرأس. (¬2) الغارة الشعواء: المعركة الحامية. معروقة: قليلة اللّحم. سرحوب: طويلة. (¬3) مَغْذٌ: نوع من الأشجار. البكرة: الناقة. (¬4) لاحت: بانت. تجبيب: من جيب الفرس. (¬5) جذم: سريع. زيم: مكتنز. مبوب: ضامر. (¬6) ضارحة: نافحة. قادحة: غائرة. ملحوب: أملس. (¬7) القصب: الخصر. مضطمر: ضامر. غربيب: حالك السّواد.

كَأنّها حِينَ فاضَ الماءُ وَاحْتَفَلَتْ، ... صَقْعاءُ، لاحَ لَها في المَرْقَبِ الذِّيبُ (¬1) فأَبْصَرَتْ شَخْصَهُ مِن فَوْقِ مَرْقَبَةٍ ... ودُونَ مَوْقِعِها مِنْهُ شَنَاخِيبُ (¬2) فَأقْبلَتْ نَحوَهُ في الجَوِّ كاسِرَةً ... يَحُثُّها مِنْ هُوِيِّ الرِّيحِ تَصْوِيبُ (¬3) صُبَّتْ عَلَيْهِ وما تنْصَبُّ مِنْ أُمَمٍ ... إنَّ الشَّقَاءَ على الأشْقَيْنِ مَصْبُوبُ (¬4) كالدَّلْوِ ثَبْتٌ عُرَاهَا وهْيَ مُثْقَلَةٌ ... إذْ خَانَها وذَّمٌ منْهَا وتَكْرِيبُ (¬5) لا كالَّتي في هَواءِ الجَوِّ طّالِبَةً ... ولا كَهَذَا الّذِي في الأرْضِ مَطلوبُ كالْبَزِّ والرَّيْحِ في مَرْآهُما عَجَبٌ ... مَا في اجْتِهَادٍ على الإصْرَارِ تَعْييبُ (¬6) فأدْرَكَتْهُ فَنالَتْهُ مَخَالِبُهَا ... فَانْسَلَّ مِن تحْتِها والدَّفُّ مَعْقُوبُ (¬7) يَلوذُ بِالصَّخْرِ مِنْهَا بَعْدَ مَا فَتَرَتْ ... مِنْها ومِنْهُ على الصَّخْرِ الشَّآبِيبُ (¬8) ثمَّ اسْتغَاثَتْ بمَتنِ الأرضِ تَعْفِرُهُ ... وبِاللِّسان وبِالشِّدْقَيْنِ تَتْرِيبُ (¬9) فأخطَأتْهُ المَنَايَا قِيسَ أُنْمُلَةٍ ... ولا تَحَرَّزَ إلا وهْوَ مَكْتُوبُ يَظَلُّ مُنْحَجِراً منْهَا يُراقِبُهَا ... ويَرْقَبُ اللَّيْلَ إنّ اللّيْلَ مَحْجُوبُ والخَيرُ مَا طَلَعَتْ شَمسٌ وما غَرَبَتْ ... مُطَلَّبٌ بِنَواصي الخَيْلِ مَعْصُوبُ ¬

_ (¬1) احتفلت: أسرعت. صقعاء: في رأسها بياض. (¬2) الشّناخيب: ج شنخوب وهو رأس الجبل. (¬3) تصويب: انحدار. (¬4) من أمَم: من قُرب. (¬5) الوذم: السيور بين آذان الدلو. تكريب: من الكرب وهو الحبل الصغير. (¬6) البز: الثياب. (¬7) معقوب: مصاب في عقبه. (¬8) الشآبيب: الدفعات من المطر. (¬9) تعفره: تمرغه.

هم الشفاء

هم الشّفاء [الوافر] قال هذه الأبيات لما استعان بقبائل بكر وتغلب، للأخذ بثأر أبيه من بني أسد ولم يستطع اللحاق بهم لأنهم كانوا قد رحلوا من المكان الذي قصدهم إليه. ألا يا لهف هِنْدٍ إثْرَ قَوْمٍ ... هُمُ كانوا الشِّفاءَ، فَلَمْ يُصابوا وَقاهُمْ جَدُّهُمْ بِبنَي أبيهِمْ ... وَبِالأشْقَيْنِ ما كانَ العِقابُ وأفْلَتَهُنَّ عِلْباءٌ، جرِيضاً ... وَلَوْ أدْركْنَهُ صَفِرَ الوِطابُ (¬1) أجارَتَنا إنا غريبان [الطويل] قال هذه الأبيات حين رأى قبر امرأة في سفح جبل (عسيب) الذي مات عنده. أجارَتَنا إنَّ الخُطُوبَ تَنوبُ ... وإني مُقِيمٌ ما أقامَ عَسِيبُ (¬2) أجارَتَنا إنّا غَرِيبَانِ هَهُنَا ... وكُلُّ غَرِيبٍ للغَريبِ نَسيبُ فإن تَصِلِينَا فَالقَرَابَةُ بَيْنَنَا ... وإنْ تَصْرِمِينَا فالغَريبُ غريبُ أجارَتَنا مافاتَ لَيْسَ يَؤوبُ ... ومَا هُوَ آتٍ في الزَّمانِ قَرِيبُ ولَيْسَ غريباً مَن تَنائتْ ديارُهُ ... ولكنَّ مَنْ وارى التُّرابُ غَريبُ ذكرى الحبيب [البسيط] يَا بُؤسَ لِلقَلْبِ بَعْد اليَوْمِ ما آبَهْ ... ذِكرَى حَبيبٍ ببعضِ الأرْضِ قد رَابهْ (¬3) ¬

_ (¬1) أفلتهن: الضمير عائد على الخيل. الجريض: الغاصّ بريقه من الفزع. (¬2) عسيب: اسم جبل. (¬3) ما آبه: ما نزل وحصل له. رابه: من الريبة وهي الشّك.

قالّتْ سُلَيْمى: أرَاكَ اليومَ مُكْتَئِباً ... والرَّأْسُ بَعدي رَأيتُ الشّيْبَ قد عابه وحَارَ بَعْدَ سَوَادِ الرَّأْسِ جُمَّتَهُ ... كمِعْقَبِ الرَّيطِ إذْ نَشَّرْتَ هُدَّابهْ (¬1) ومَرْقَبٍ تَسْكُنُ العِقْبانُ قُلَّتَهُ ... أشْرَفْتُهُ مُسْفِراً والنَّفْسُ مُهْتَابَهْ (¬2) عَمْداً لأرْقُبَ مَا لِلجَوِّ مِنْ نَعَمٍ ... فَناظِرٌ رائِحاً مِنْهُ وعُزَّابَهْ (¬3) وقدْ نَزَلْتُ إلى رَكْبٍ مُعَقَّلَةٍ ... شُعْثِ الرُّووسِ كأنَّ فَوْقَهُمْ غابَهْ لَمَّا رَكِبْنا رَفَعناهُنَّ زَفْزَفَةً ... حَتى احْتَوَيْنَا سَوَاماً ثمَّ أرْبَابَهْ (¬4) ¬

_ (¬1) حار: آب، رجع. الجمة: الشعر في مقدمة الرأس. المعقب: الخمار. الرّيط: ريطة وهي الملاءة. هدّابه: الخيوط تكون في طرف الثوب. (¬2) المرقب: المكان المرتفع. (¬3) العزّاب: جمع عازب أي البعيد. (¬4) الزفزفة: جري سريع. السوام: جمع سائمة: الدواب تسرح في المرعى. أربابه: أصحابه.

قافية التاء

قافية التاء ذو الهم بليل التمام [الطويل] غَشِيتُ دِيَارَ الحَيّ بالبَكَرَاتِ ... فَعَارِمَة ٍ فَبُرْقَة ِ العِيَرَاتِ (¬1) فغُوْلٍ فحِلّيتٍ فأكنَافِ مُنْعِجٍ ... إلى عاَقِلٍ فالجُبّ ذي الأمَرَاتِ (¬2) ظَلِلْتُ، رِدائي فَوْقَ رَأسيَ، قاعداً ... أعُدّ الحَصَى ما تَنقَضي عَبَرَاتي (¬3) أعِنّي على التَّهْمامِ وَالذِّكَرَاتِ ... يَبِتْنَ على ذي الهَمِّ مُعتَكِرَاتِ (¬4) بلَيْلِ التّمَامَ أوْ وُصِلْنَ بِمِثْلِهِ ... مُقَايَسَة ً أيّامُهَا نَكِرَاتِ (¬5) كأني وَرِدْفي وَالقِرَابَ ونُمْرُقي ... على ظَهْرِ عَيْرٍ وَارِدِ الحَبِرَاتِ (¬6) أرَنّ على حُقْبٍ حِيالٍ طَرُوقَة ٍ ... كذَوْدِ الأجيرِ الأرْبع الأشِرَاتِ (¬7) ¬

_ (¬1) غشيت: جئت. البكرات وعارمة: اسم جبلين. برقة العيرات: اسم موضع. (¬2) الغول، والحلّيت، ومنعج، وعاقل، والجبّ: أسماء أماكن. الأمرات: جمع أمارة: العلامة تكون في الطريق. (¬3) عبراتي: دموعي. (¬4) التّهمام: الحزن. معتكرات: عائدة. (¬5) ليل التمام: أطول ليالي السّنة. (¬6) ردفي: الراكب الخلفي. القراب: الغمد. نمرقي: وسادتي. العير: الحمار الوحشي. الخبرات: ج خبرة وهي قاع تحبس الماء وتنبت السدر. (¬7) الحقب: الأتن الوحشية. حيال: جمع حائل: التي لم تحمل سنتها. الطروقة: التي يضربها الفحل. الأجير: الراعي. الأشرات: النشطات القويات.

عَنيفٍ بتَجميعِ الضّرَائرِ فاحشٍ ... شَتيمٍ كذَلْقِ الزُّجّ ذي ذَمَرَاتِ (¬1) وَيأكُلنَ بُهْمى جَعدَة ًحبَشيّة ً ... وَيَشرَبنَ برْدَ الماءِ في السَّبَرَاتِ (¬2) فَأوْرَدَهَا مَاءً قَلِيلاً أنِيسُهُ ... يُحاذِرْنَ عَمراً صَاحبَ القُتَرَاتِ (¬3) تَلِثُّ الحَصَى لَثّاً بسُمرٍ رَزِينَة ٍ ... مَوَازِنَ لا كُزْمٍ وَلا مَعِراتِ (¬4) وَيُرْخينَ أذْناباً كَأنّ فُرُوعَهَا ... عُرَى خِلَلٍ مَشهورَة ٍ ضَفِرَاتِ (¬5) وَعَنْسٍ كألوَاحِ الإِرَانِ نَسأتُها ... على لاحبٍ كالبُرْدِ ذي الحِبَرَاتِ (¬6) فغادَرْتُها من بَعدِ بُدْنِ رَزِيّة ٍ ... تَغَالي على عُوجٍ لهَا كَدِنَاتِ (¬7) وَأبيَضَ كالمِخرَاقِ بَلّيتُ حدَّهُ ... وَهَبّتَهُ في السّاقِ وَالقَصَرَاتِ (¬8) ¬

_ (¬1) الضرائر: أراد هنا تعدد زوجاته. الشتيم: الكريه المنظر. ذلق الزجّ: حدّ الرمح الأسفل. (¬2) البهمى: نبات. الجعدة: الرطبة. السبرات: الغدوات. (¬3) القترات: ج قترة وهي ما يبنيه الصائد ليتستر فيه عن الصيد. (¬4) تلثُّ: تخلط. السّمر: الحوافر. رزينة: ثقيلة. موازن: قويات. الكزم: القصار. (¬5) ضفرات: مفتولة. (¬6) العنس: الناقة القوية. الإران: التابوت. نسأتها: زجرتها. اللاحب: الدرب. (¬7) الرزية: الهزيلة. تغالى: تسرع في السير. عوج: قوائم. الكدنات: الغلاظ. (¬8) الأبيض: الحسام. المخراق: ما يلعب به الصبيان من الخِرَق المفتولة. القصرات: قصرة وهي أصل العنق.

قافية الدال

قافية الدال إن تقتلونا نُقَتِّلْكُم [المتقارب] قال يتهدد بني أسد. تَطَاوَلَ لَيْلُكَ بِالأثْمِدِ ... ونَامَ الخَلِيُّ، وَلَمْ تَرْقُدِ (¬1) وَباتَ وَباتَتْ لَهُ لَيْلَة ٌ، ... كَلَيْلَة ِ ذِي العائِرِ، الأرْمَدِ (¬2) وَذلِكَ مِنْ نَبَأٍ جاءَني ... وَخُبِّرْتُهُ عَنْ أبي الأسْوَدِ (¬3) وَلَوْ عَنْ نَثَا غَيْرِه جاءَني، ... وَجُرْحُ اللِّسانِ كَجُرْحِ اليَدِ (¬4) لَقُلْتُ، مِنَ القَوْلِ، ما لا يَزَا ... لُ يُؤْثَرُ عَنِّي، يَدَ المُسُنَدِ (¬5) بِأيِّ عَلاقَتِنا تَرْغَبُونَ ... أعَنْ دَمِ عَمْرٍو على مَرْثَدِ؟ (¬6) فَإنْ تَدْفِنُوا الدَّاءَ لا نُخْفِهِ ... وَإنْ تَبْعَثُوا الحرْبَ لا نَقْعُدِ (¬7) ¬

_ (¬1) الإثمد: اسم موضع. الخلي: الخالي من الهموم. (¬2) العائر: الوجع في العين. الأرمد: المصاب بالرمد. (¬3) أبو الأسود: رجلٌ من كنانة. (¬4) النّثا: النبأ الحسن أو السيئ. (¬5) يؤثر: بروي. المسند: الدهر. (¬6) العلاقة: ما يتعلقوا به من طلب الثأر. عمرو ومرثد: رجلان من أسد. (¬7) لا نخفه: لا نظهره.

فإنْ تَقْتُلُونا نُقَتِّلْكُمُ؛ ... وَإنْ تَقْصِدُوا لِدَمٍ نَقْصِدِ (¬1) مَتَى عَهْدُنا بِطِعانِ الكُمَا ... ة ِ، وَالحَمدِ والمَجْدِ وَالسُّؤدُدِ (¬2) وَبَنْيِ القِبابِ، وَمَلْءِ الجِفا ... نِ، والنَّارِ وَالحَطَبِ المُفْأدِ (¬3) وَأعْدَدْتُ، لِلْحَرْبِ، وَثَّابَة ً، ... جَوَادَ المَحَثَّة ِ والمُرْوَدِ (¬4) سَبُوحاً، جَمُوحاً، وَإحْضارُها ... كَمَعْمَعَة ِ السَّعَفِ المُوقَدِ (¬5) وَمَشدُودَة َ السَّكِّ مَوْضُونَة ً ... تَضاءَلُ في الطَّيِّ، كالمِبْرَدِ (¬6) تَفِيضُ عَلى المَرْءِ أرْدانُها، ... كفَيْضِ الأتِيِّ على الجَدْجَدِ (¬7) وَمُطّرِداً كَرِشاءِ الجَرُو ... رِ، مِنْ خُلُبِ النَّخْلَة ِ الأجْرَدِ (¬8) وذَا شُطَبٍ، غامِضاً كَلْمُهُ ... إذا صابَ بِالعظْمِ لَم يَنْأدِ (¬9) ¬

_ (¬1) تقصدوا: لا تفرطوا. (¬2) الكماة: ج كمي وهو الرجل الشجاع المسلّح. (¬3) المفأد: عود تُحرك به النار. (¬4) جواد المحثّة: المعنى إذا حثّت جاد سيرها. المرود: الرفق بالسير. (¬5) السّبوح: الفرس التي تمدّ يديها كأنها تسبح في الهواء. جموح: نشيطة. كمعمعة: صوت النار. السّعف: جريدة النخل. (¬6) مشدودة السّكّ: الدرع المنظومة. الموضونة: الدرع المنسوجة. تضاءل بالطّيّ: تصغر إذا طويت. (¬7) الأتي: السيل. الجدجد: الأرض الصلبة القوية. (¬8) المطرد: الرّمح الذي يتبع بعضه بعضاً عندما تهزّه. الرشاء: الحبل. الأجرد: الأملس. (¬9) كلمه: جرحه. ينأد: ينثني.

الموت حق

الموتُ حقّ [الوافر] يروى أنه قال هذه الأبيات عند وفاته. ألا أبْلِغْ بَني حُجْرِ بنِ عَمْرٍو؛ ... وَأبْلِغْ ذلِكَ الحَيَّ الحَدِيدَا (¬1) بِأنِّي قَدْ هَلَكْتُ بِأرْضِ قَوْمٍ، ... سَحِيقاً مِن دِيَارٍكُمُ بَعِيدا ولَوْ أنِّي هَلَكْتُ بِأرْضِ قَوْمي، ... لَقُلْتُ المَوْتٌ حَقٌّ، لا خُلُودا (¬2) أُعالِجُ مُلْكَ قَيْصَرَ كُلَّ يَوْمٍ، ... وأًجْدِرْ بِالمَنِيّةِ أنْ تَقُودا (¬3) بِأرْضِ الشّأمِ لا نسَبٌ قَرِيبٌ، ... ولا شافٍ فَيُسْنِدَ أوْ يَعُودا (¬4) ولَوْ وافَقْتُهُنَّ على أُسَيْسٍ، ... وحاقَةَ، إذْ ورَدْنَ بِنا وُرُودا (¬5) على قُلُصٍ تظَلُّ مقلَّداتٍ ... أزِمَّتَهُنَّ ما يَعْدِفْنَ عُودا (¬6) أَأَذْكَرْتَ نفسك مَا لَنْ يعودا [المتقارب] يذكر ابنته عنداً كما كان عند قيصر. أَأَذْكَرْتَ نَفْسَكَ مَا لَنْ يَعودا ... فَهَاجَ التّذَكُّرُ قَلْباً عَمِيدَا (¬7) ¬

_ (¬1) الحديد: القوي الشديد. (¬2) الهلاك: الموت. (¬3) أعالج: أحاول وأطلب. المنيّة: الموت. (¬4) يعود: يزور المريض. (¬5) أسيس: موضع، وكذلك حاقة. (¬6) القلص: ج قلوص وهي الناقة. يعدفن: يأكلن. (¬7) العميد: الحزين.

لله زبدان

تَذَكّرْتُ هِنْداً وَاًتْرَابَهَا ... فأصْبَحتُ أزْمَعتُ منها صُدُودَا (¬1) وَنَادَمتُ قَيْصَرَ في مُلْكِهِ ... فأوْجَهَني وَرَكِبْتُ البَرِيدَا (¬2) إذا ما ازْدَحَمْنَا على سِكَّةٍ ... سَبَقْتُ الفُرَانِقَ سَبْقاً شَديدَا (¬3) للّه زبدان [البسيط] لله زُبْدَانُ أمْسَى قَرْقَراً جَلَداً ... وَكَانَ مِنْ جَنْدَلٍ أصَمَّ مَنضُودَا (¬4) لا يَفْقَهُ القَوْمُ فِيهِ كلَّ مَنطِقِهمْ ... إلّا سِرَاراً تَخَالُ الصَّوْتَ مَرْدودَا (¬5) أرى إبلي أصبحت ثقالاً [الطويل] أرَى إبِلي، وَالحَمْدُ لله، أصْبَحَتْ ... ثِقَالاً إذا مَا استَقْبلَتها صُعودُهَا رَعَتْ بِحِيَالِ ابْنَيْ زُهَيْرٍ كِلَيْهمَا ... مَعاشِيبَ حَتى ضَاقَ عنها جُلودُهَا أَسرعي سيراً إلى سعدٍ [الكامل] وَلَقَدْ رَحَلْتُ العِيسَ ثمَّ زَجَرْتُها ... وَهْناً وقلّتُ عَليْكِ خَيْرَ مَعَدِّ ¬

_ (¬1) أزمعت: توقعت منها الصدّ. (¬2) ركبت البريد: أي ركبت خيل البريد. (¬3) الفرانق: دليل صاحب البريد. (¬4) زبدان: اسم حصن. قرقراً: مطمأناً. الجندل: الصخر. (¬5) السرار: الكلام بالسّرّ.

وآخذ من درها المستجادا

فعَلَيْكِ سَعْدَ بْنَ الضِّبابِ فأسْرِعي ... سَيْراً إلى سَعْدٍ، عليْكِ بِسَعدِ قَرْمٍ تَفَرّعَ مِنْ إيَادْ بَيْتُهُ ... بَيْنَ النَّبِيتِ الأكْرَمينَ وسَرْدِ (¬1) وآخُذُ من دُرها المستجادا [المتقارب] اخُتلف في أمر هذه الأبيات فنُسبت إلى غير واحد ممن يُدعون بامر~ القيس، ولكنّ المرجّح أنها لصاحب هذا الديوان وهي من أول شعره؟ أذُوذُ القَوافِيَ عَنِّي ذِيادَا ... ذَيادَ غُلامٍ جَرِيءٍ جَرَادا (¬2) فَلمَّا كَثُرْنَ وعَنَّيْنَهُ ... خَيَّرَ مِنْهُنَّ شَتَّى جِيَادَا فَأعْزِلُ مَرْجَانَها جَانِباً ... وآخُذُ مِنْ دُرِّها المُستجَادا ¬

_ (¬1) النبيت وسرد: فرعان من قبيلة إيّاد. (¬2) أذود: أدفع. القوافي: أي قوافي الشعر.

قافية الراء

قافية الراء بعينيَّ ظَعْنُ الحَيّ [الطويل] قالها حين توجّه إلى قيصر مستنجداً به على ردّ مُلكه إليه والانتقام من بني أسد. سَمَا لَكَ شوْقٌ بَعدَما كان أقصَرَا ... وَحَلّتْ سُلَيمَى بَطنَ فَوِّ فعَرْعَرَا (¬1) كِنَانِيّة ٌ بَانَتْ وَفي الصَّدرِ وُدُّهَا ... مُجَاوِرَوَ عَسّانَ والحَيَّ يَعمَرَا بعَيْنيَّ ظَعْنُ الحَيّ لمَّا تَحَمّلُوا ... لدى جانبِ الأفلاجِ من جنبِ تيمُرَا (¬2) فشَبّهتُهُم في الآل لمّا تَكَمّشُوا ... حَدَائِقَ دَوْمٍ أوْ سفيناً مُقَيَّرَا (¬3) أوِ المُكْرَعاتِ من نَخيلِ ابنِ يامِنٍ ... دُوَينَ الصَّفَا اللائي يَلينَ المُشقَّرَا (¬4) سَوَامِقَ جَبّارٍ أثِيثٍ فُرُوعُهُ ... وَعالَينَ قِنْوَاناً منَ البُسْرِ أحمَرَا (¬5) حَمَتْهُ بَنو الرَّبْدَاءِ مِنَ آلِ يامنٍ ... بأسْيَافِهِم حَتى أقَرَّ وَأوْقَرَا (¬6) ¬

_ (¬1) سما: علا وارتفع. أقصر: ترك. بطن فوّ, وعرعر: موضعان. (¬2) الظعن: الهوادح تحمل النساء، والظعن: الرحيل. الأفلاج: ج فلج، والفلج اسم موضع. (¬3) السفين المقيّر: المطلي بالقار. (¬4) المكرعات: النابتات في الماء. الصّفا والمشقر: موضعان. (¬5) سزامق: عاليات. الأثيث: الملتفّ بعضه على بعض. البُسر: ما احمر من التمر. (¬6) أقر: استقر. أوقر: كثر حمله.

وَأرْضَى بَني الرَّبْدَاءِ وَاعتَمَّ زَهْرُهُ ... وَأكمَامُهُ حَتى إذا مَا تَهَصّرَا (¬1) أطَافَتْ بهِ جَيْلانُ عِنْدَ قِطَاعِهِ ... تَرَدّدُ فيهِ العَينُ حَتى تَحَيّرَا (¬2) كأنّ دُمَى شَفْعٍ على ظَهْرِ مَرْمَرٍ ... كسَا مِرْبَدَ السّاجوم وَشياً مُصَوَّرَا (¬3) غَرَائِرُ في كِنٍّ وَصَوْنٍ وَنِعْمَة ٍ ... يُحَلِّينَ يَاقُوتاً وَشَذْراً مُفَقَّرَا (¬4) وَرِيحَ سَناً في حُقّه حِمْيَرِيّةٍ ... تُخَصّ بمَفرُوكٍ منَ المِسكِ أذْفَرَا (¬5) وَبَاناً وَأُلْوِيّاً مِنَ الهِنْدِ ذَاكِياً ... وَرَنْداً وَلُبْنى وَالكِبَاءَ المُقَتَّرَا (¬6) غَلِقنَ برَهنٍ من حَبيبٍ بهِ ادّعتْ ... سُلَيْمَى فأمسَى حَبْلُها قد تَبَتّرَا (¬7) وَكانَ لهَا في سَالِفِ الدّهرِ خُلّة ٌ ... يُسَارِقُ بالطَّرْفِ الخِبَاءَ المُسَتَّرَا (¬8) إذا نَالَ مِنْها نَظَرَة ً رِيعَ قَلْبُهُ ... كما ذَعَرَتْ كأسُ الصَّبوحِ المُخَمَّرَا (¬9) نَزيفٌ إذا قامَتْ لِوَجْهٍ تَمَايَلَتْ ... تُرَاشي الفُؤادِ الرَّخْصَ ألَّا تَخَتّرَا أأسْمَاءُ أمسَى وُدُّها قَدْ تَغَيَرَا ... سَنُبدِلُ إنْ أبدَلتِ بالوُدِّ آخَرَا ¬

_ (¬1) تهصر: تهدل. (¬2) جيلان: عمّال كسرى. (¬3) الدمى: ج دمية وهي الصورة من رخام أو خشب. المربد: البيدر. الساجوم: وادٍ بجزيرة العرب. (¬4) غرائر: غوافل لا تجربة لهن. الكن: ما يصونهن. الشذر: اللؤلؤ. مفقر: مثقوب. (¬5) حقة: وعاء الطّيب. الأذفر: الذي سطعت رائحته. (¬6) البان: شجر لين. الألوي: عود البخور. الرند: نبات. المقتر: الذي فاحت ريحته. (¬7) تبتر: تقطّع. أراد حبل الوصال. (¬8) الخلّة: الصحبة بخليل. يسارق: يخالس. (¬9) ريع قلبه: فزع. الصبوح: شرب الخمر بالغداة.

تَذَكّرْتُ أهْلي الصّالحينَ وَقد أتَتْ ... على خَمَلى خُوصُ الركابِ وَأوْجَرَا (¬1) فَلَمّا بَدَتْ حَوْرَانُ في الآلِ دونها ... نَظَرْتَ فَلَمْ تَنْظُر بعَينِك منظَرَا (¬2) تَقَطّعَ أسبَابُ اللُّبَانَة ِ وَالهَوَى ... عَشِيّة َ جَاوَزْنَا حَمَاة ً وَشَيْزَرَا (¬3) بسَيرٍ يَضُجُّ العَوْدُ مِنْهُ يَمنُّهُ ... أخوا الجَهدِ لا يلوِى على من تَعَذّرَا (¬4) ولَم يُنْسِني ما قَدْ لَقِيتُ ظَعَائِناً ... وَخَمْلا لها كالقرِّ يَوْماً مُخَدَّرَاً (¬5) كأَثْلٍ من الأعرَاض من دون بَيشَةٍ ... وَدونِ الغُمَيرِ عامِدَاتٍ لِغَضْوَرَا (¬6) فدَعْ ذا وَسَلِّ الهمِّ عنكَ بجَسْرَة ٍ ... ذَمُولٍ إذا صَامَ النَّهارُ وَهَجّرَا (¬7) تُقَطَّعُ غِيطَاناً كَأنّ مُتُونَهَا ... إذا أظهَرَتْ تُكسَى مُلاءً مُنَشَّرَا (¬8) بَعِيدَة ُ بَينَ المَنْكِبَينِ كَأنّمَا ... ترَى عند مجْرَى الضَّفرِ هرّاً مُشجَّرَاً (¬9) تُطَايِرُ ظِرَّانَ الحَصَى بمَنَاسِمٍ ... صِلابِ العُجى مَلثومُها غيرُ أمعَرَا (¬10) ¬

_ (¬1) خملي وأوجر: موضعان. (¬2) حوران: سهل جنوب دمشق. الآل: السراب. (¬3) حماة وشيزر: مدينتان من مدن الشام. (¬4) العود: الجمل المسن. يمنّه: يضعفه. (¬5) الخمل: الظعينة. القرّ: الهودج. (¬6) الأثل: نوع من الأشجار. الأعراض: الأودية. (¬7) الجسرة: الناقة القوية على السير. الذمول: السريعة. هجر: من الهاجرة وهي حرّ الظهيرة. (¬8) الغيطان: الأرض المطمئنة. متونها: ظهورها. الملاء المنتشر: الثوب المبسوط. (¬9) المنكب: رأس العضد. الظفر: حبل من شعر وهو من أطناب الهودج. الهرّ: القط. مشجّر: مربوط. (¬10) الظران: قِطَع الحجارة. العجى: ج عجاية وهي قدر مضغة تكون موصولة بعصبة تنحدر من ركبة البعير إلى الفرسن. المثلوم: الخف. الأمعر: الذي ذهب شعره.

كأنّ الحَصَى مِنْ خَلفِهَا وَأمامِهَا ... إذا نجَلَته رِجلُها حَذْفُ أعسَرَا (¬1) كَأنّ صَلِيلَ المَرْوِ حِينَ تُشِذُّهُ ... صَلِيلُ زُيُوفٍ يُنْتَقَدْنَ بعَبقَرَا (¬2) عَلَيها فَتَىً لم تحْمِلِ الأرضُ مِثْلَهُ ... أبَرَّ بمِيثَاقٍ وَأوْفَى وَأصبَرَا هُوَ المُنْزِلُ الآلافَ من جَوّ ناعِطٍ ... بَني أسَدٍ حَزْناً من الأرضِ أوْعرَا (¬3) وَلوْ شاءَ كانَ الغزْوُ من أرض حِميَرٍ ... وَلَكِنّهُ عَمْداً إلى الرّوم أنْفَرَا (¬4) بَكى صَاحِبي لمّا رأى الدَّرْبَ دُونه ... وأيقنَ أنا لاحِقَانِ بقَيْصَرَا (¬5) فَقُلتُ لَهُ: لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنّمَا ... نحاوِلُ مُلْكاً أوْ نموتَ فَنُعْذَرَا وَإني زَعِيمٌ إنْ رَجَعْتُ مُمَلَّكاً ... بسَيْرٍ تَرَى مِنْهُ الفُرَانِقَ أزْوَرَا (¬6) عَلى لاحِبٍ لا يَهتَدِي بِمَنَارهِ ... إذا سافَهُ العَوْدُ النُّبَاطيُّ جَرْجَرَا (¬7) عَلى كلّ مَقصُوصِ الذُّنَابى مُعاوِدٍ ... بَرِيدِ السُّرَى باللّيلِ من خيلِ بَرْبرَا (¬8) أقَبَّ كسِرْحانِ الغَضَا مُتَمَطِّرٍ ... تَرَى الماءَ من أعْطَافِهِ قد تحدَّرَا (¬9) إذا زُعتَهُ من جَانِبَيْهِ كِلَيْهِمَا ... مَشَى الهَيْدَبى في دَفّه ثمّ فَرْفَرَا (¬10) ¬

_ (¬1) نجلته: رمته. الأعسر: الذي يعمل بيده اليسرى. (¬2) المرو: نوع من الحجارة. الزيوف: الدراهم. عبقر: موضع في اليمن. (¬3) ناعط: حصن بأرض همدان. أوعر: صعب. (¬4) أنفر: أسرع. (¬5) الدّرب: الطريق. (¬6) الفرانق: الأسد. (¬7) اللاحب: الطريق. سافه: شمّه. النباطي: الضخم. جرجر: ضج. (¬8) الذناب: الذّنب. المعاود: معتاد السّير. بربر: قبيلة معروفة بالقيام على خيل البريد. (¬9) أقبّ: ضامر. السّرحان: الذئب. الغضى: نوع من الأشجار. أعطافه: نواحيه. (¬10) زعته: جذبته بلجامه. الهيدبى: ضربٌ من المشي السريع. الدف: الجنب. فرفر: نفض رأسه.

إذا قُلْتُ رَوِّحْنَا أرَنّ فُرَانِقٌ ... على جَلْعَدٍ وَاهي الاباجلِ أبْتَرَا (¬1) لقَد أنْكَرَتْني بَعْلَبَكُّ وَأهْلُهَا ... وَلابنُ جُرَيجٍ في قرَى حِمصَ أنكَرا نَشيمُ بُرُوقَ المُزْنِ أينَ مَصَابُهُ ... وَلا شَيءَ يَشفي منكِ يا بنَة َ عَفزَرَا (¬2) من القاصِرَاتِ الطَّرْفِ لوْ دبّ مُحْوِلٍ ... من الذَّرّ فَوْقَ الإتْبِ منها لأثّرَا (¬3) لَهُ الوَيْلُ إنْ أمْسَى وَلا أُمُّ هَاشِمٍ ... قرِيبٌ وَلا البَسباسَة ُ ابنةُ يَشكُرَا (¬4) أرَى أُمَّ عَمرٍو دَمْعُهَا قَد تحدّرَا ... بُكَاءً على عَمرٍو وَمَا كان أصْبَرَا إذا نحْنُ سِرْنَا خَمسَ عَشرَةَ لَيلَةً ... وَرَاءَ الحِسَاءٍ من مَدافع قَيْصَرَا (¬5) إذا قُلْتُ هذا صَاحِبٌ قد رَضيتُهُ ... وَقَرّتْ بهِ العَيْنَانِ بُدّلتُ آخَرَا كذَلِكَ جَدّي مَا أُصَاحِبُ صَاحباً ... من الناسِ إلا خَانَني وَتَغَيّرَا (¬6) وَكُنّا أُنَاساً قبل غَزْوَةِ قَرْمَلٍ ... وَرِثْنا الغِنى وَالمَجْدَ أكْبَرَ أكبَرَا (¬7) وَما جَبُنَتْ خَيلي وَلكنْ تَذَكّرَتْ ... مَرَابِطَهَا في بَرْبَعِيصَ وَميْسَرَا (¬8) ألا رُبّ يَوْمٍ صَالِحٍ قَد شهِدْتُهُ ... بتَاذِفَ ذاتِ التَّلِّ من فَوْق طَرْطرَا (¬9) ¬

_ (¬1) أرنّ فرانق: صات أسد. الجلعد: القوي. واهي الأباجل: ليّن العروق. أبتر: محذوف الذنب. (¬2) نشيم: ننظر. بروق المزت: لمعان البرق في السحاب. ابنة عفزر: امرأة كان يهواها. (¬3) المحْوِل: ابن سنة. الذرّ: النمل الصغير. الإتب: ثوب غير مخيّط من الجانبين. (¬4) له الويل: له الحزن والشقاء الطويل، ويعني نفسه. (¬5) الحساء: ج حسى: وهي الأماكن السّهلة المنخفضة التي يستنقع فيها الماء. (¬6) كذلك جدّي: هذا حظي. (¬7) قرمل: أحد ملوك حمير باليمن. ... (¬8) بربعيص وميسر: وقعة قديمة. (¬9) تاذف: قرية من قرى حلب، وكذلك طرطر.

ليال بذات الطلح

وَلا مِثْلَ يَوْمٍ في قُذَارَانَ ظَلْلتُهُ ... كأني وَأصحابي على قَرْنِ أعْفَرَا (¬1) ونَشْرَبُ حَتى نحسِبَ الخيلَ حوْلنا ... نِقَاداً وَحتى نحسِبَ الجَونَ أشقَرَا (¬2) فَهَل أنا ماشٍ بَينَ شَرْطٍ وحَيَّةس، ... وهَل أنا لاقٍ حَيَّ قيْسِ بْنِ شَمَّرَا (¬3) تَبَصَّرْ خَليلي هَل تَرى ضَوْءَ بَارِقْ ... يُضيء الدُّجَى باللَّيلِ عن سَرْوِ حِمْيرَا (¬4) أجَارَ قُسَيْساً فالطُّهاءَ فَمِسْطحَاً، ... وجَوّاً فَرَوَّى نَخْلَ قيْسِ بْن شَمَّرَا (¬5) وعَمْرُو بْنُ دَرْماءَ الهُمامُ إذا غَدا ... بذِي شُطَبٍ عَضْبٍ كمشيَة قَسْورَا (¬6) وكُنتُ إذا مَا خِفْتُ يوماً ظلامةً ... فإنَّ لها شِعْباً ببُلْطَةَ زَيْمَرَا (¬7) نِيافاً تَزِلُّ الطَّيْرُ عن قَذَفاتِه ... يَظَلُّ الضَّباب فوقَهُ قَد تَعَصّرَا (¬8) ليالٍ بذات الطَّلْحِ [الطويل] لَعَمْرُكَ ما قَلْبي إلى أهْلِهِ بِحُرْ ... وَلا مُقْصِرٍ يَوْماً فَيأتِيني بِقُرْ (¬9) ألا إنّمَا الدّهرُ لَيَالٍ وَأعْصُرٌ ... وَلَيْسَ عَلى شَيءٍ قَوِيمٍ بمُستَمِرْ (¬10) ¬

_ (¬1) موضع قرب الباب - حلب. (¬2) النقاد: صغار الضأن. الجون: الأبيض خالطه سواد (من الأضداد). (¬3) الشرط: الخطر العظيم. (¬4) سرو حمير: أعالي بلاد حمير. (¬5) قسيس والطهاء: موضعان. (¬6) ذو شطب: سيف مشطّب. غضبٍ: ماشٍ. القسور: الأسد. (¬7) زيمر: مكان به بلطة فب جبل طيئ. (¬8) نيافاً: عالٍ. (¬9) بِحُر: بمطيق للصبر. القر: الراحة. (¬10) الأعصر: ج عصر: يريرد الليالي والنهارات.

لَيَالٍ بذاتِ الطَّلْحِ عِندَ مُحَجَّرِ ... أحَبُّ إلَيْنَا من لَيَالٍ عَلى أُقُرْ (¬1) أُغَادِي الصَّبُوح عِندَ هِرٍّ وَفَرْتَني ... وَلِيداً وَهَلْ أفْنى شَبَابيَ غيرُ هِرْ (¬2) إذا ذُقتَ فَاهَا قلتَ طَعمُ مُدَامَة ٍ ... مُعَتَّقَةٍ مِمّا تَجيءُ بِهِ التُّجُرْ (¬3) هُمَا نَعجَتَانِ مِنْ نِعَاجِ تَبَالَة ٍ ... لدى جُؤذَرَينِ أوْ كبعض دمى هَكِرْ (¬4) إذا قَامَتَا تَضَوّعَ المِسْكُ مِنْهُمَا ... نَيسمَ الصَّبَا جاءتْ برِيحٍ من القُطُرْ (¬5) كأنّ التِّجَارَ أصْعَدوا بِسَبِيئَة ٍ ... من الخَصّ حتى أنزَلوها على يُسُرْ (¬6) فلمّا استَطابوا صُبَّ في الصَّحن نصْفُهُ ... وَشُجّتْ بماءٍ غير طَرْقٍ وَلا كَدِرْ (¬7) بمَاءِ سَحَابٍ زَلّ عَنْ مَتنِ صَخرَة ٍ ... إلى بطن أُخْرَى طيّبٍ ماؤها خَصِرْ (¬8) لَعَمْرُكَ ما إنْ ضرّني وَسْطَ حِميَرٍ ... وَأوقوَالِهَا إلّا المَخِيلَة ُ وَالسُّكُرْ (¬9) وَغَيرُ الشَّقَاء المُستَبِينِ فَلَيْتَني ... أَجَرَّ لِسَاني يَوْمَ ذَلِكُمُ مُجِرْ (¬10) لَعَمْرُكَ ما سَعْدٌ بخُلّة ِ آثِمٍ ... وَلا نَأنَإٍ يَوْمَ الحِفاظِ وَلا حَصِرْ (¬11) ¬

_ (¬1) ذات الطلح: أرض كثيرة شجر الطلح. أقر: موضع. (¬2) الصّبوح: شرب الخمر في الغداة. هرّ، وفرتني: امرأتان. (¬3) التُّجر: التجار. (¬4) النعجة: بقرة الوحش. شبّه هرَ وفرتني بالنعجتين. الجؤذر: ولد البقرة. الدّمى: الصّور. هكر: اسم مكان. (¬5) القطر: البخور. (¬6) السبيئة: الخمر. الخصّ ويسر: موضعان في الشام. (¬7) شجّت: مزجت. الطرق: الماء بالت فيه الإبل. (¬8) زلّ: انحدر. الخصر: البارد. (¬9) الأقوال: الملوك. المخيلة: الكبر. (¬10) المستبين: الواضح. (¬11) الخلّة: الصداقة. النأنأ: الهزيل الضعيف.

فهو لا تنمي رميته

لَعَمرِي لَقَوْمٌ قد نَرَى أمسِ فيهِمُ ... مَرَابِطَ لِلأمْهَارِ وَالعَكَرِ الدَّثِرْ (¬1) أحَبُّ إلَيْنَا من أُنَاسٍ بِقُنّة ٍ ... يَرُوحَ عَلى آثَارِ شَائِهِمُ النَّمِرْ (¬2) يُفَاكِهُنَا سَعْدٌ وَيَغْدُو لجَمْعِنَا ... بِمَثْنى الزِّقَاقِ المُتَرَعَاتِ وَبالجُزُرْ (¬3) لَعَمْرِي لَسَعْدٌ حَيثُ حَلّتْ ديارُهُ ... أحَبُّ الَينا مِنكَ فَا فَرَسٍ حَمِرْ (¬4) وَتَعْرِفُ فِيهِ مِنْ أبِيهِ شَمَائِلاً ... وَمن خالِهِ وَمِن يَزِيدَ وَمِن حُجُرْ (¬5) سَمَاحَة َ ذَا وَبِرَّ ذَا وَوَفاءَ ذَا ... وَنَائِلَ ذَا اذا صَحَا وَاذا سَكِرْ فهو لا تَنْمي رميّتُهُ [المديد] بينما كان امرؤ القيس منطلقاً وأصحابه إلى السموأل بن عادياء، إذا هم في بعض الطريق، ببقرة وحشيٍّ مرمية، فلمّا نظر إليها أصحابه قاموا فذبحوها، وإذا بقنّاصين من بني ثعل، فقالو لهم: من أنتم؟ فانتسبوا لهم، وإذا هم جيران السموأل، فانصرفوا جميعاً إليه، فقال امر القيس هذه الأبيات. رٌبَّ رَامٍ مِنْ بَني ثُعَلٍ ... مُتْلِجٍ كَفّيْهِ في قُتَرِهْ (¬6) عَارِضٍ زَوْرَاءَ مِنْ نَشَمٍ ... غَير بَانَاة ٍ عَلى وَتَرِهْ (¬7) ¬

_ (¬1) العكر الدثر: المال الكثير. (¬2) القنّة: رأس الجبل. (¬3) الزقاق: يعني زقاق الخمر. المترعات: أي مثنى مثنى. الجزر: ج جزور: وهو الجمل المذبوح. (¬4) فا فرس حمر: بمعنى يا فم فرس حمر أي يا أبخر الفم. (¬5) الشمائل: الخلائق والخصال. (¬6) بنو ثعل: من طيئ. متلج: مدخل. (¬7) العارض: من يرمي عن القوس بالعرض. الزوراء: القوس المنحنية.

لكن عوير وفى بذمته

قَدْ أتَتْهُ الوَحْشُ وَارِدَة ً ... فَتَنَحّى النَّزْعَ في يَسَرِهْ (¬1) فَرَمَاها في فَرَائِصِهَا ... بإزَاءِ الحَوْضِ أوْ عُقَرهْ (¬2) بِرَهيشٍ مِنْ كِنَانَتِهِ ... كَتَلَظّي الجَمْرِ في شَرَرِهْ (¬3) راشَهُ مِنْ رِيشِ نَاهِضَة ٍ ... ثُمّ أمْهَاهُ عَلى حَجَرِهْ (¬4) فَهْوَ لاَ تَنْمي رَمِيّتُهُ ... مَا لَهُ لاَ عُدَّ مِنْ نَفَرهْ (¬5) مُطْعَمٌ للصَّيْدِ لَيْسَ لَهُ ... غَيرَهَا كَسْبٌ عَلى كِبَرِهْ وَخَلِيلٍ قَدْ أُقَارِقُهُ ... ثُمّ لاَ أبْكي عَلى أثَرِهْ وَابنِ عَمٍّ قَدْ تَرَكْتُ لَهُ ... صَفوَ ماءٍ الخَوْضِ عن كَدَرِهْ وَحَدِيثُ الرَّكْبِ يَوْمَ هُناً ... وَحَدِيثٌ مَا عَلى قِصَرِهْ (¬6) وَابنُ عَمِّ قَدْ فُجِعْتُ بِهِ ... مِثْلِ ضَوْءِ البَدْرِ في غُرَرِهْ (¬7) لَكِنْ عُوَيْرٌ وَفَى بِذِمَتِهِ [السريع] قالها يمدح عوير بن شجنة العوفي. إنّ بَني عِوْفٍ ابْتَنُوْا حَسَباً ... ضَيّعَهُ الدُّخْلُلُونَ إذْ غَدَرُوا (¬8) ¬

_ (¬1) النزع: الرمي. (¬2) فرائصها: جنبها الذي به القلب. (¬3) الرهيش: السّهم الضامر. (¬4) ناهضة: صقر فتيّة. أمهاه: أسقاه. (¬5) لا تنمي: لا تحيد عن مكانها. (¬6) الركب: الجماعة المسافرة. هنا: اسم موضع. (¬7) الغرر: ثلاث ليالٍ من أول الشهر القمري. (¬8) الدّخللون: الخاصة من ذوي القرابة.

الديمة الهطلاء

أدَّوْا إلى جَارِهِمْ خُفَارَتَهُ ... وَلم يَضِعْ بالمَغِيبِ مَنْ نَصَرُوا (¬1) لم يَفْعَلوا فِعْلَ آلِ حِنْظَلَةٍ ... إنّهُمْ جَيْرِ بِئْسَ مَا ائتَمَرُوا (¬2) لا حِمْيَريٌّ وَفَى وَلا عَدَسٌ ... وَلا استُ عَيرٍ يَحُكّها الثَّفَرُ (¬3) لَكِنْ عُوَيْرٌ وَفَى بِذِمَتِهِ ... لا عَوَرٌ شَانَهُ وَلا قِصَرُ (¬4) الدَّيمةُ الهَطْلاءُ [الرمل] قالها يصف الغيث، وقيل: إن هذا أشعر ما جاء في وصفه. دِيمَة ٌ هَطْلاءُ فِيهَا وَطَفٌ ... طَبّقَ الأرْضَ تَحَرَّى وَتَدِرْ (¬5) تُخرِجُ الوُدَّ إذا ما أشْجَذَتْ ... وَتُوَارِيهِ إذَا مَا تَشْتَكِرْ (¬6) وَتَرَى الضَّبَّ خَفِيفاً مَاهِراً ... ثَانِياً بُرْثُنَهُ مَا يَنْعَفِرْ (¬7) وَتَرَى الشَّجْرَاءَ في رَيِّقِهِ ... كَرُؤوسٍ قُطِعَتْ فيها الخُمُرْ (¬8) سَاعَة ً ثُمّ انْتَحَاهَا وَابِلٌ ... سَاقِطُ الأكنَافِ وَاهٍ مُنْهَمِرْ (¬9) ¬

_ (¬1) خفارته: ذمته. (¬2) جَيْرِ: حقّاً. (¬3) الثفر: السير الذي في مؤخرة السراج. (¬4) وفى بذمته: لأنه أوصل ابنته وأمنّت على نفسها من الأعداء. (¬5) الدينة: المطر الدائم. الهطلاء: العزيرة. وطف: استرخاء. (¬6) الودّ: الوتد. أشجذت: أقلعت. تشتكر: تحتفل. (¬7) برثنه: إصبعه. ما ينعفر: لا يصيبه التراب. (¬8) الشجراء: جماعة الشجر الملتف. الخُمر: ج خمار وهو ما يغطى به الوجه. (¬9) انتحاها: قصدها. الوابل: المطر الشديد. واه: مسترخٍ.

نعم الفتى طريف بن ملء

رَاحَ تَمْرِيهِ الصَّبَا ثمّ انتَحَى ... فيهِ شُؤبُوبُ جَنوبٍ مُنفَجِرْ (¬1) ثَجّ حَتى ضَاقَ عَنْ آذِيّهِ ... عَرْضُ خَيمٍ فخُفَاءٍ فَيُسُرُ (¬2) قَدْ غَدَا يَحْمِلُني في أنْفِهِ ... لاحِقُ الإطلَينِ مَحْبوكٌ مُمِرْ (¬3) نِعْمَ الفَتَى طَريفُ بْنُ ملءٍ [الطويل] قالها يمدح طريف بن ملء من طيئ. لَنِعمَ الفَتى تَعشُو إلى ضَوْءِ نَارِهِ ... طَريفُ بن مَلءٍ ليلةَ الجوع وَالخَصَرْ (¬4) إذا البَازِلُ الكَوْماءُ رَاحتْ عَشِيّة ً ... تُلاوِذُ من صَوْتِ المُبِسِّينَ بالشجَرْ (¬5) امرؤ القيس والتوأمُ اليشكري [الوافر] كان امرؤ القيس يتدخل فيما لا يعنيه، مدّلاً في الشعر، فقيل: إنه يوماً لقي التوأم اليشكريّ، أو ابنه الحارث، في رواية أخرى، فقال له: إن كنت شاعراً فملّط أنصاف ما أقول وأجزها، فقال التوأم: قل ما شئت! قالَ: أحَارِ تَرَى بُرَيْقاً هَبّ وَهْناً؟ (¬6) ¬

_ (¬1) تمريه: تستخرج ماءه. الشؤبوب: الدفعة من المطر. (¬2) ثجّ: صبّ. خيم وخفاء ويسر: أسماء أماكن. (¬3) اللاحق الأيطل: الضامر الخصر. (¬4) الخصر: شدّة البرد. (¬5) البازل الكوماء: الناقة العظيمة السنام. تلاوذ: تراوغ. المبسون: الحالبون للنوق. (¬6) وهناً: من أول الليل.

فَقَالَ التَّوْأمُ: كَنَارِ مَجُوسَ تَسْتَعِرُ اسْتِعَارَا قالَ امرُؤ القَيْسِ: أرِقْتُ لَهُ وَنَامَ أبُو شُرَيْحٍ، فَقَالَ التَّوْأمُ: إذا مَا قُلْتُ قَدْ هَدَأ اسْتَطَارَا (¬1) قالَ امرُؤ القَيْسِ: كَأنّ هَزِيزَهُ بِوَرَاءِ غَيْبٍ، فَقَالَ التَّوْأمُ: عِشَارٌ وُلَّهٌ لاقَتْ عِشَارَا (¬2) قالَ امرُؤ القَيْسِ: فَلَمّا أنْ دَنَا لِقَفَا أُضَاخٍ (¬3) فَقَالَ التَّوْأمُ: وهتَ أعْجَازُ رَيِّقِهِ فَحَارَا (¬4) قالَ امرُؤ القَيْسِ: فَلَمْ يَتْرُمْ بَذَاتِ السِّرِّ ظَبْياً ¬

_ (¬1) هدأ: سكن. استطار: هبّ وانتشر. (¬2) العشار: النوق الحوامل. (¬3) أضاخ: موضع. (¬4) حار: توقف واستدار.

رمتني بسهم فلم أنتصر

فَقَالَ التَّوْأمُ: وَلَمْ يَتْرُكْ بِجَلْهَتِهَا حِمَارَا (¬1) رَمَتْني بسَهْمٍ فَلَمْ أَنْتَصِرْ [المتقارب] يصف فرسه وخروجه إلى الصيد. أحَارِ عَمْرو كَأني خَمِر ... وَيَعْدُو عَلى المَرْءِ مَا يأتَمِرْ (¬2) فَلا وأبِيكِ ابْنَة َ العَامِرِيّ ... لا يَدّعي القَوْمُ أني أَفِرْ تَمِيمُ بنُ مُرٍّ وَأشْيَاعُهَا ... وَكِنْدَة ُ حَوْلي جَمِيعاً صُبُرْ إذا رَكِبُوا الخَيلَ وَاستَلأموا ... تَحَرّقَتِ الأرْضُ وَاليَوْمُ قُرْ (¬3) تَرُوحُ مِنَ الحَيّ أمْ تَبْتَكِرْ ... وَمَاذا عَلَيْكَ بأنْ تَنْتَظِرْ؟ أمَرْخٌ خِيَامُهُمُ أمْ عُشُرْ ... أمِ القَلبُ في إثرِهِمْ مُنْحَدِرْ (¬4) وَفِيمَنْ أقَامَ مِنَ الحَيِّ هِرْ ... أمِ الظّاعِنُونَ بهَا في الشُّطُرْ (¬5) وَهِرِّ تَصِيدُ قُلُوبَ الرّجَالِ ... وَأفلَتَ مِنهَا ابنُ عَمرٍو حُجُرْ (¬6) رَمَتْني بسَهْمٍ أصَابَ الفُؤادَ ... غَدَاة َ الرّحِيلِ فَلَمْ أنْتَصِرْ فأسبَلَ دَمعي كَفَضّ الجُمَانِ ... أوِ الدُّرّ رَقْراقُهُ المُنْحَدِرْ (¬7) ¬

_ (¬1) جلهتها: ناحيتها. (¬2) الخمر: الذي خالطه الوجع. (¬3) استلأموا: لبسوا للأمة وهي الدروع. قر: بارد. (¬4) المرخ: شجر ينبت في نجد. العُشُر: شجر ينبت بالغور. (¬5) الشطر: القرب. (¬6) هرّ: اسم فتاة. (¬7) أسبل: سال. كفضّ الجمان: كانتثار العقد من اللؤلؤ.

وَإذْ هيَ تَمشي كمَشْيِ النَّزِيفِ ... يَصرَعُهُ بِالكَثِيبِ البُهُرْ (¬1) بَرَهْرَهَة ٌ رُودَة ٌ رَخْصَة ٌ ... كَخَرْعُوبَةِ البَانَةِ المُنفَطِرْ (¬2) فَتُورُ القِيَام قَطِيعُ الكَلامِ ... تَفْتَرُّ عَنْ ذِي غُرُوبٍ خَصِرْ (¬3) كأنّ المُدَامَ وَصَوبَ الغَمَامِ ... وَرِيحَ الخُزَامَى وَنَشْرَ القُطُرْ (¬4) يُعَلُّ بِهِ بَرْدُ أنْيَابِهَا ... إذَا طَرّبَ الطّائِرُ المُسْتَحِرْ (¬5) فَبِتُّ أُكَابِدُ لَيْلَ التِّمَامِ ... وَالقَلْبُ من خَشْيَة ٍ مُقْشَعِرْ فَلَمّا دَنَوْتُ تَسَدّيْتُهَا ... فَثَوْباً نَسِيتُ وَثَوْباً أَجُرْ (¬6) وَلَمْ يَرَنَا كَالىءٌ ٌ كَاشحٌ ... وَلم يُفشُ منّا لَدى البَيتِ سِرْ (¬7) وَقَدْ رَابَني قَوْلُهَا: يَا هَنَاهُ ... وَيْحَكَ ألْحَقْتَ شَرّاً بِشَرْ (¬8) وَقَدْ أغْتَدِي وَمَعي القَانِصَانِ ... وَكُلٌّ بمَرْبَأة ٍ مُقْتَفِر (¬9) فَيُدْرِكُنَا فَغِمٌ دَاجِنٌ ... سَمِيعٌ بَصِيرٌ طَلُوبٌ نَكِرْ (¬10) ¬

_ (¬1) النزيف: السكران. البهر: انقطاع النفس. (¬2) البرهرهة: الرقيقة الجلد الممتلئة. الرودة: الشّابة الناعمة. الخرعوبة: القضيب الغضّ. (¬3) تفترّ: تضحك. الخصر: البارد. (¬4) المدام: الخمر. النّشر: الرّيح. القطر: عود البخور. (¬5) يعلّ: يُسقى. المستحر: المؤذن في السَّحر. (¬6) تسديتها: علوتها. (¬7) كالئ: حارس. الكاشح: المعادي. (¬8) رابني: أوقع الشّكّ في نفسي. هناه: اسم نداء. (¬9) القانصان: الصائدان. المربأة: المكان المرتفع. (¬10) الفغم: الكلب المعدّ للصيد.

ألَصُّ الضُّرُوسِ حَنيُّ الضّلُوعِ ... تَبُوعٌ طَلُوبٌ نَشِيطٌ أشِرْ (¬1) فأنْشَبَ أظْفَارَهُ في النَّسَا ... فَقُلْتُ: هُبِلْتَ! ألا تَنتَصِرْ؟ (¬2) فَكَرّ إلَيْهِ بمِبْراتِهِ ... كمَا خَلّ ظَهْرَ اللِّسانِ المُجِرْ (¬3) فَظَلّ يُرَنِّحُ في غَيْطَلٍ ... كمَا يَسْتَديرُ الحِمَارُ النَّعِرْ (¬4) وأرْكَبُ في الرَّوْعِ خَيْفَانَةً ... كَسَا وَجهَهَا سَعَفٌ مُنْتَشِرْ (¬5) لهَا حَافِرٌ مِثْلُ قَعْبِ الوَلِيـ ... دِ رُكّبَ فِيهِ وَظِيفٌ عَجِزْ (¬6) لهَا ثُنَنٌ كَخَوَافي العُقَا ... بِ سُودٌ يَفِينَ إذا تَزْبَئِرْ (¬7) وَسَاقَانِ كَعْبَاهُمَا أصْمَعَا ... نِ لحمُ حَمَاتَيْهِمَا مُنْبَتِرْ (¬8) لهَا عَجُزٌ كَصَفَاةِ المَسِيـ ... لِ أبْرَزَ عَنها جُحافٌ مُضِرْ (¬9) لهَا ذَنَبٌ، مِثلُ ذَيلِ العَرُوسِ، ... تَسُدُّ بهِ فَرْجَهَا مِنْ دُبُرْ لهَا مَتْنَتَانِ خَظَاتَا كمَا ... أكَبّ عَلى سَاعِدَيْهِ النَّمِرْ (¬10) ¬

_ (¬1) الألصّ: الملتصق. أشِر: نهم. (¬2) النسا: عرق في الفخذ. هُبِلْتَ: ثكلت. (¬3) مبراته: مترنه. (¬4) الغيطل: نوع من الأشجار الملتفة. النعر: الذي أصابته النعرة وهي ذبابة خضراء تدخل في الأنف. (¬5) الخيفانة: الجرادة. السعف: الشعر. (¬6) عجر: غليظ. (¬7) الثنن: الشعر خلف الرسغ. الخوافي: ريشات في جناح الطير. يفئن: يزدن. تزبئر: تتنفس. (¬8) الحماة: لحم الساق. منبتر: منقطع. (¬9) صفاة المسيل: الصخرة الملساء. الجحاف: السيل. (¬10) خظاتا: كثيرتا اللحم.

لهَا عُذَرٌ كَقُرُونِ النِّسَا ... ءِ رُكّبنَ في يَوْمِ رِيحٍ وَصِرْ (¬1) وَسَالِفَةٌ كَسَحُوقِ اللِّيَا ... نِ أضرَمَ فِيهَا الغَوِيُّ السُّعُرْ (¬2) لهَا جَبْهَةٌ كَسَرَاةِ المِجَنِّ ... حَذَّفَهُ الصّانِعُ المُقْتَدِرْ (¬3) لهَا مِنْخَرٌ كَوِجَارِ الضِّبَاعِ ... فَمِنْهُ تُرِيحُ إذَا تَنْبَهِرْ (¬4) وَعَينٌ لهَا حَدْرَة ٌ بَدْرَة ٌ ... وشُقّتْ مآقِيهِمَا مِنْ أُخُرْ (¬5) إذَا أقْبَلَتْ قُلْتَ: دُبَّاءَة ٌ ... من الحُضْرِ مَغموسَةٌ في الغُدُرْ (¬6) وَإنْ أدْبَرَتْ قُلْتَ: أُثْفِيَّةٌ ... مُلَمْلَمَةٌ لَيْسَ فِيهَا أُثُرْ (¬7) وَإنْ أعرَضَتْ قُلْتَ: سُرْعرفَة ٌ ... لهَا ذَنَبٌ خَلْفَهَا مُسْبَطِرْ (¬8) وَللسَّوْطِ فِيهَا مَجَالٌ كمَا ... تَنَزَّلَ ذُو بَرَدٍ مُنْهَمِرْ (¬9) لهَا وَثَبَاتٌ كَصَوْبِ السَّحَابِ ... فَوَادٍ خَطَاءٌ وَوَادٍ مُطِرْ وَتَعْدُو كَعَدْوِ نَجَاةِ الظِّبَا ... ءِ أخْطَأَهَا الحَاذِفُ المُقتَدِرْ (¬10) ¬

_ (¬1) وصر: برد. (¬2) السالفة: جانب العنق. سحوق: طويلة. (¬3) السراة: الظهر. المجنّ: الترس. (¬4) الوجار: حجر الضبع. تنبهر: يضيق نفسها. (¬5) حدرة: ممتلئة. المآقي: مؤخّر العينين. (¬6) الدباءة: القرعة. (¬7) الأثفية: الصخرة المدورة. (¬8) السرعوفة: الجرادة. المسبطر: الطويل (¬9) منهمر: مُنصب. (¬10) تعدو: تسرع. الحاذف: الرامي المقتدر.

وما يجزيك مني غير شكري

وَمَا يَجْزِيكَ مِنّي غَيرُ شُكري [الوافر] قالها يمدح بني سعد. مَنَعتَ اللّيثَ من أكلِ ابنِ حُجْرِ ... وَكادَ اللّيثُ يُودِي بِابنِ حُجْرِ مَنَعْتَ فَأنْتَ ذُو مَنٍّ وَنُعْمَى ... عَلَيَّ ابنَ الضَّبَابِ بحَيثُ نَدْرِي سَاشْكُرُكَ الّذِي دَافَعْتَ عَني ... وَمَا يَجْزِيكَ مِنّي غَيرُ شُكْرِي فَمَا جَارٌ بِأوْثَقَ مِنْكَ جَاراً ... وَنَصْرُكَ للفَرِيدِ أعَزُّ نَصْرِ لو كُنتُم كِرَاماً صَبَرْتُم [الطويل] قالها يهجو بني ححنظلة. أبْلِغْ بَني زَيْدٍ مَا لَقِيتَهُمْ ... وَأبْلِغْ بَني لُبْنى وَأبْلِغْ تُماضِرَا وَأبْلِغْ وَلا تَتْرُكْ بَني ابنَةِ مِنْقَرٍ ... أُفَقِّرُهُمْ، إني أُفَقِّرُ نابِرَا (¬1) أحَنزَلَ لَوْ كُنتُم كِرَاماً صَبرْتُمُ ... وَحُطْتُمْ وَلا يُلقَى التَميميُّ صَابِرَا (¬2) ¬

_ (¬1) أفقّرهم: أكسر ظهورهم. النابر: ناله بلسانه. (¬2) حطتم: حفظتم. ولا يلقى: لا يوجد.

قافية السين

قافية السين كَأنّي وَرَحْلي فَوقَ أحقَبَ قَارِحٍ [الطويل] قالها يصف ناقته. أمَاوِيَّ! هَلْ لي عِنْدَكُم من مُعرَّسِ ... أمِ الصرْمَ تختارِينَ بالوَصْل نيأسِ (¬1) أبِيني لَنَا، إنّ الصَّريمَة َ رَاحَة ٌ ... من الشكّ ذي المَخلوجةِ المُتَلَبِّسِ (¬2) كأني وَرَحلي فَوْقَ أحقَبَ قَارِحٍ ... بشُرْبَة َ أوْ طَافِ بعِرْنانَ مُوجِسِ (¬3) تَعَشّى قَلِيلاً ثمّ أنْحَى ظُلوفَهُ ... يُثِيرُ الترَابَ عن مَبيتٍ وَمكنِسِ (¬4) يَهِيلُ وَيَذْرِي تُرْبَهَا وَيُثِيرُهُ ... إثَارَة َ نَبّاثِ الهَوَاجِرِ مُخمِسِ (¬5) فَبَاتَ على خَدٍّ أحَمَّ وَمَنكِبٍ ... وَضِجعَتُهُ مثلُ الأسيرِ المُكَرْدَسِ (¬6) وَبَاتَ إلى أرْطَأةِ حِقْفٍ كَأنّهَا ... اذا ألثَقَتهَا غَبيَة ٌ بَيتُ مُعرِسِ (¬7) ¬

_ (¬1) الماوية: المرآة، واسم امرأة. معرّس: مبيت وحسن معشر. الصرم: الهجر. (¬2) المخلوجة: الأأمر المشكوك فيه. (¬3) الأحقب: الحمار الوحشي الأبيض الحقوين. القارح: التام. عرنان: مكان يوصف بكثرة الوحش. (¬4) تعشّى: دخل أول الليل. الظلوف: الحوافر. المكنس: مولج الوحش من الظباء. (¬5) يهيل: يفرق التراب. نبّاث الهواجر: الذي يزيل التراب وقت الهاجرة. (¬6) الأحم: الأسود. المكردس: المجتمع بعضه على بعض. (¬7) الأرطأة: شجرة. الحقف: ما اعوّج من الرمل. ألثقتها: بلّتها. المعرس: الباني.

وما خفت تبريح الحياة

فَصَبّحَهُ عِنْدَ الشُّرُوقِ غُدَيّة ً ... كِلابُ ابنِ مُرّ أوْ كلابُ ابنِ سِنْبِسِ (¬1) مُغَرَّثَةً زُرْقاً كَأنّ عُيُونَهَا ... من الذَّمْرِ وَالايحاء نوّارُ عَضْرَسِ (¬2) فَأدبَرَ يَكسُوهَا الرَّغَامَ كَأنّهُ ... على الصَّمْد وَالآكامِ جِذوَة ُ مُقبِسِ (¬3) وَأيقَنَ إنْ لا قَيْنَهُ أنّ يَوْمَهُ ... بذِي الرَّمثِ إنْ ماوَتْنهُ يوْمُ أنفُسِ (¬4) فَأدرَكنَهُ يأخُذنَ بالسّاقِ وَالنَّسَا ... كما شبرَقَ الوِلدانُ ثوْبَ المُقدِّسِ (¬5) وَغَوّرْنَ في ظلّ الغَضَا وَتَرَكْنَه ... كقرم الهجانِ الفادرِ المُتشمِّسِ (¬6) وَمَا خِفْتُ تَبريحَ الحَياةِ [الطويل] قال امرؤ القيس هذه الأبيات عندما أصيب بالقروح. ألِمّا عَلى الرَّبعِ القَدِيمِ بعَسْعَسَا ... كأني أُنَادي أوْ أُكَلّمُ أخْرَسَا (¬7) فلوْ أنّ أهلَ الدّارِ فيها كَعَهْدِنَا ... وَجدتُ مَقيلاً عِندهمْ وَمْعرَّسَا (¬8) فَلا تُنْكِرُوني إنّني أنَا ذَاكُمُ ... لَيَاليَ حَلَّ الحَيُّ غَوْلاً فَألعَسَا (¬9) فإمّا تَرَيْني لا أُغَمّضُ سَاعَةً ... من اللّيلِ إلّا أنْ أكبَّ فَأنْعَسَا ¬

_ (¬1) غديّة: أول النهار. ابن مرّ وسنبس: صائدان معروفان بالصيد وهما من طيئ. (¬2) المغرثة: المجوّعة. العضرس: نبات من البقول زهره أحمر. (¬3) الرغام: التراب. الصمد: ما صلب من الأرض. جذوة: شعلة. (¬4) أيقن: أدرك. يومه: حينه وموته. (¬5) النسا: عرق في الساق. شبرق: مزّق. المقدّس: الراهب. (¬6) غورن: دخلن. كقرم الهجان: كالجمل. الضروب. الغادر: الذي ترك الضراب. (¬7) عسعس: اسم جبل. (¬8) المقيل: مكان القيلولة، وهي النوم في الظهيرة. المعرّس: مكان النزول ليلاً. (¬9) غول وألعس: اسما مكان.

امرؤ القيس وعبيد بن الأبرص

تَأوّبَني دَائي القَدِيمُ فَغَلَّسَا ... أُحَاذِرْ أنْ يَرْتَدّ دائي فأُنْكَسَا (¬1) فَيا رُبّ مَكرُوبٍ كَرَرْتُ وَرَاءَهُ ... وَطاعَنْتُ عَنهُ الخيلَ حَتى تَنَفَّسَا وَيَا رُبّ يَوْمٍ قَدْ أرُوحُ مُرَجَّلاً ... حَبِيباً إلى البِيضِ الكَوَاعبِ أملَسَا يَرُعنَ إلى صَوْتي إذا مَا سَمِعْنَهُ ... كمَا تَرْعوِي عِيطٌ إلى صَوْتِ أعيَسَا (¬2) أرَاهُنّ لا يُحْبِبنَ مَن قَلّ مَالُهُ ... وَلا مَنْ رَأينَ الشَّيبَ فيهِ وَقَوّسَا وَمَا خِفْتُ تَبرِيحَ الحَياةِ كما أرَى ... تَضِيقُ ذِرِاعي أنْ أقومَ فألبَسَا (¬3) فَلَو أنّهَا نَفسٌ تَمُوتُ جَمِيعَةٌ ... وَلَكِنّهَا نَفْسٌ تَسَاقَطُ أنْفُسَا وَبُدّلْتُ قَرْحَاً دامِياً بَعدَ صِحّةٍ ... فَيا لكِ من نُعمَى تحَوّلنَ أبْؤسا لَقد طَمَحَ الطَّمّاحُ من بُعد أرْضِهِ ... لِيُلْبِسَني مِنْ دَائِهِ مَا تَلَبّسَا (¬4) ألا إنّ بَعدَ العُدْمِ للمَرْءِ قِنْوَة ً ... وَبعدَ المَشيبِ طولَ عُمرٍ ومَلَبَسَا (¬5) امرؤ القَيْسِ وعَبيدُ بْنُ الأَبْرصَ [البسيط] لقي يوماً عَبيد بن الأبرص الأسديّ. فقال له عبيد بن الأبرص: كيف معرفتك بالأوابد؟ فقال: قل ما شئتـ تجدني كما أجبت. مَا حَيّةٌ مَيْتَةٌ قَامَتْ بمِيتَتِهَا ... دَرْدَاءُ مَا أنْبَتَتْ سَنّاً وَأضرَاسَا (¬6) ¬

_ (¬1) غلّس: اء في آخر الليل. (¬2) يرعن: يفزعن. العيط: ج عيطاء وهي خيار الإبل. الأعيس: الفحل. (¬3) التبريح: شدة البلاء. (¬4) الطّمّاح: رجب من بني أسد. (¬5) القنوة: غنى ونعمة. (¬6) الدرداء: الذاهبة أسنانها.

فقال امرؤ القيس: تِلكَ الشَّعِيرَةُ تُسْقَى في سَنَابِلِهَا ... فأخرجَتْ بعد طول المُكثِ أكداسَا فقال عبيد: ما السُّودُ والبِيضُ وَالأسماءُ وَاحدَةٌ ... لا يَستَطيعُ لهُنّ النّاسُ تَمسَاسَا فقال امرؤ القيس: تِلكَ السّحَابُ إذا الرّحمَانُ أرْسلَها ... رَوّى بها من مُحولِ الأرْضِ أيْبَاسَا فقال عبيد: مَا مُرْتِجَاتٌ عَلى هَوْلٍ مَرَاكِبُها ... يَقطعنَ طولَ المدى سَيراً وَإمرَاسَا (¬1) فقال امرؤ القيس: تِلكَ النّجُومُ إذا حَانَتْ مَطالِعُهَا ... شَبّهْتُهَا في سَوَادِ اللّيلِ أقبَاسَا فقال عبيد: مَا القَاطِعاتُ لأرضٍ لا أنِيسَ بهَا ... تأتي سِرَاعاً وَمَا يَرْجِعنَ أنْكاسَا فقال امرؤ القيس: تِلكَ الرّيَاحُ إذا هَبّتْ عَوَاصِفُهَا ... كَفَى بأذَيالَها للتُّرْبِ كَنّاسَا فقال عبيد: مَا الفَاجِعَاتُ جَهَاراً في عَلانِيَةٍ ... أشَدُّ مِنْ فَيْلَقٍ مَمْلُوءَةٍ بَاسَا ¬

_ (¬1) المرتجات: المتعلّق بهنّ الرجاء.

فقال امرؤ القيس: تِلكَ المَنَايَا فَمَا يُبْقِينَ مِنْ أحدٍ ... يَكفِتنَ حَمْقَى وَمَا يُبقينَ أكيَاسَا (¬1) فقال عبيد: مَا السّابِقَاتُ سِرَاعَ الطَّيرِ في مَهَلٍ ... لا يَشتَكينَ وَلَوْ ألجَمتَها فَاسَا (¬2) فقال امرؤ القيس: تِلكَ الجِيادُ عَلَيها القَوْمُ قد سبحوا ... كانوا غَدَاةَ الرَّوْعِ أحلاسَا (¬3) فقال عبيد: مضا القَاطعَاتُ لأرْضِ الجَوّ في طَلَقٍ ... قبلَ الصّباحِ ومَا يَسرِينَ قِرْطَاسَا (¬4) فقال امرؤ القيس: تِلكَ الأمَانيُّ يَترُكنَ الفَتى مَلِكاً ... دُونَ السّمَاءِ وَلم تَرْفَعْ لَه رَاسَا فقال عبيد: مَا الحاكمُونَ بلا سَمْعٍ وَلا بَصَرٍ ... وَلا لِسَانٍ فَصيحٍ يُعْجِبُ النّاسَا فقال امرؤ القيس: تِلكَ المَوَازِينُ وَالرّحْمَانُ أنْزَلَها ... رَبُّ البَرِيّةِ بَينَ النّاسِ مِقْياسَا ¬

_ (¬1) يكفتن: يقبضن. الأكياس: ج كيّس وهو العاقل. (¬2) الفاس: حديدة اللجام القائمة في الحنك. (¬3) الأحلاس: ج حلس: كساء على ظهر البعير. (¬4) القرطاس: البعير الأبيض، والجارية البيضاء.

أثر القرح

أَثَرُ القَرْح [المتقارب] قالها يصف داءه في أنقرة. لِمَنْ طَلَلٌ دَاثِرٌ آيُهُ ... تَقادَمَ في سَالِفِ الأحْرُسِ (¬1) فَإمّا تَرَيْنيَ بي عُرّةٌ ... كَأني نَكِيبٌ مِنَ النِّقْرِسِ (¬2) وَصَيّرَني القَرْحُ في جُبّةٍ ... تُخَالُ لَبِيساً وَلَمْ تُلْبَسِ (¬3) تَرَى أثَرَ القَرْحِ في جِلْدِهِ ... كَنَقشِ الخَواتِمِ في الجِرْجِسِ (¬4) ¬

_ (¬1) الطلل: ما شخص من الأثر. داثر: ممحوّ. الأحرس: الدهر. (¬2) النقرس: داء يصيب الرِّجل. (¬3) اللبيس: البزّة. (¬4) الجرجس: الطين والشمع الذي يختم به.

قافية الصاد

قافية الصاد تراءت لنا يوماً [الطويل] أمِنْ ذِكرِ سلمَى أنْ نأتْكَ تَنوصُ ... فَتَقصُرُ عنها خُطوَةً أوْ تَبوصُ (¬1) وَكَمْ دُونَهَا من مَهمَةٍ وَمَفَازَة ٍ ... وكم أرْضُ جَدبٍ دونها وَلصُوصُ (¬2) تَرَاءَتْ لَنَا يَوْماً بجَنْبِ عُنَيزَة ٍ ... وَقَد حانَ مِنها رِحلَة ٌ فَقُلُوصُ (¬3) بِأسْوَدَ مُلْتَفٌ الغَدَائِرِ وَارِدٍ ... وَذِي أُشُرِ تَشُوفُهُ وَتَشُوصُ (¬4) مَنَابِتُهُ مِثْلُ السُّدوسِ وَلَوْنُهُ ... كَشَوْكِ السيَّالِ فهوَ عذبٌ يَفيصُ (¬5) فَهَلْ تُسْلِيَنّ الهَمَّ عَنْكَ شِمِلّة ٌ ... مُدَاخِلَة ً صُمُّ العِظَامِ أَصُوصُ (¬6) تَظَاهَرَ فِيهَا النِّيُّ لا هيَ بَكْرَةٌ ... وَلا ذاتُ ضِغنٍ في الزِّمامِ قَمُوصُ (¬7) ¬

_ (¬1) نأتك: هجرتك. تنوص: تذهب متباعداً. تبوص: تتقدم. (¬2) المهمه والمفازة: الصحراء. (¬3) عنيزة: اسم مكان، وابنة عمّ الشاعر. قلوص: بعد. (¬4) وارد: طويل. الأشر: التحزيز في الأسنان. تشوفه: تجلوه. تشوصه: تدلكه بالسواك. (¬5) السدوس: دخان الفحم. السيال: شجر. (¬6) شملة: سريعة. الأصوص: الشديدة. (¬7) تظاهر: تكاثر. النّي: البن. القموص: الجامحة.

أؤوبٌ نَعُوبٌ لا يُوَاكَلُ نَهْزُهَا ... إذا قِيلَ سَيرُ المُدْلجِينَ نَصِيصُ (¬1) كَأني وَرَحلي وَالقِرَابَ وَنُمْرُقي ... إذا شُبّ للمَرْوِ الصِّغَارِ وَبِيصُ (¬2) عَلى نِقْنِقٍ هَيْقٍ لَهُ وَلِعِرْسِهِ ... بمُنعَرَجِ الوَعساءِ بَيضٌ رَصِيصُ (¬3) إذا رَاحَ لِلأُدْحيّ أوْباً يَفُنُّهَا ... تُحَاذِرُ منْ إدْرَاكِهِ وَتَحيصُ (¬4) أذَلِكَ أمْ جَوْنٌ يُطَارِدُ آتُناً ... حَمَلنَ فأرْبى حَملِهِنّ دُرُوصُ (¬5) طوَاهُ اضْطِمارُ الشَّدّ فالبَطنُ شازِبٌ ... معَالىً إلى المَتْنَينِ فَهْوَ خَميصُ (¬6) كَأنّ سَرَاتَهُ وَجُدّةَ ظَهْرِهِ ... كَنَائِنُ يَجرِي بَيْنَهُنَّ دَليصُ (¬7) بحاجِبِهِ كَدْحٌ من الضَّرْبِ جالِبٌ ... وَحَارِكُهُ منَ الكِدَامِ حَصِيصُ (¬8) وَيأكُلنَ من قَوِّ لُعَاعاً وَرِبّةً ... تَجَبّرَ بَعدَ الأكلِ فَهْوَ نَميصُ (¬9) تُطِيرُ عِفَاءً مِنْ نَسِيلٍ كَأنّهُ ... سُدُوسٌ أطَارَتهُ الرّيَاحُ وَخُوصُ (¬10) ¬

_ (¬1) أؤوب: رَجوع. نعوب: صيّاحة. المدلجون: السائرون ليلاً. نصيص: رفيع. (¬2) القِراب: جفن السيف. النمرق: السرج. المرو: حجارة صلبة تقدح منها النار. (¬3) النقنق: الظليم. هيق: فرخ النعام. الوعساء: الرمل السهل. الرصيص: المرصوص. (¬4) الأدحي: مبيض النعام من الرمل. يفنّها: يطردها. تحيص: تميل. (¬5) الجون: حمار الوحش. الآتن: ج أتان وهي الحمارة. أربى: نما. الدرص: ابن الأتان. (¬6) اضطمر: ضمر. الشازب: الضامر. الخميص: الضامر البطن. (¬7) سراته: ظهره. الدليص: ماء الذهب. (¬8) الكدام: العضّ. حصيص: منحول الشعر. (¬9) قوّ: اسم مكان. اللعاع: النبات في أول نبته. وربة: شجر. النميص: النبات أُكل ثم نبت. (¬10) العفاء: الشعر. سدوس: ثوب حرير. الخوص: ورق النخيل.

تَصَيّفَهَا حَتى إذا لمْ يَسُغْ لهَا ... حَليُّ بأعْلى حَائِلٍ وَقَصيصُ (¬1) تَغَالَبنَ فيهِ الجَزْءَ لَوْلا هَوَاجرٌ ... جَنَادِبُهَا صَرْعَى لهُنّ نَصِيصُ (¬2) أرَنَّ عَلَيْهَا قارِباً، وَانْتَحَتْ لهُ ... طُوالَة ُ أرْساغِ اليَدَيْنِ نَحوصُ (¬3) فَأوْرَدَها، مِنْ آخرِ الليلِ، مَشرَباً، ... بَلاثِقَ خُضْراً ماؤهُنَّ قَلِيصُ (¬4) فَيَشْرَبْن أنفاساً، وَهُنَّ خَوَائِفٌ، ... وَتَرْعَدُ مِنْهُنَّ الكُلى والفَريصُ (¬5) فأصْدَرَها تَعْلو النِّجادَ، عَشِيَّة ً، ... أقَبُّ، كَمِقْلاءِ الوليدِ، شَخِيصُ (¬6) فجَحشُ، على أدْبارِهِنَّ، مُخَلَّفٌ؛ ... وَجَحْشٌ، لَدى مَكَرِّهِنَّ، وَقيصُ (¬7) وَأصْدَرَها بادي النّواجِذِ، قارِحٌ، ... أقَبٌ، كَعَقْدِ الأنْدَرِيِّ، مَحيصُ (¬8) ¬

_ (¬1) حلي: نبت. قصيص: نبات أو شجر. (¬2) نصيص: صوت الشواء على النار. (¬3) نحوص: حال السمن بينها وبين الحمل. (¬4) قليص: قليل. (¬5) الفريص: ج فريصة وهي اللحمة بين الثدي والكتف. (¬6) أقب: ضامر. المقلاء: لعبة. شخيص: جسيم. (¬7) الوقيص: المصاب بجروح. (¬8) بادي النواجذ: مفتوح الفم. قارح: مستحكم. الأأندري: الحبل الغليظ. محيص: نفور.

قافية الضاد

قافية الضاد وَمِيضُ برق [الطويل] قال هذه الأبيات واصفاً المطر. أعِنّي عَلَى بَرْقٍ أراهُ وَمِيضِ ... يُضيءُ حَبِيّاً في شَمارِيخَ بِيضِ (¬1) وَيَهْدَأُ تَارَاتٍ سَنَاهُ وَتَارَة ً ... يَنُوءُ كَتَعتَابِ الكَسيرِ المَهيضِ (¬2) وَتَخْرُجُ مِنْهُ لامِعَاتٌ كَأنّهَا ... أكُفٌّ تَلَقّى الفَوْزَ عند المُفيضِ (¬3) قَعَدْتُ لَهُ وَصُحُبَتي بَينَ ضَارجٍ ... وَبَينَ تِلاعِ يَثْلَثَ فالعَرِيضِ (¬4) أصَابَ قَطَاتَينِ فَسالَ لِوَاهُمَا ... فَوَادِي البَدِيِّ فانتَحَى للأرِيضِ (¬5) بِلادٌ عَرِيضَة ٌ وأرْضٌ أرِيضَة ٌ ... مَدَافِعُ غَيْثٍ في فضاءٍ عَرِيضِ (¬6) فأضْحَى يَسُحُّ المَاءَ من كلّ فِيقةٍ ... يحُوزُ الضِّبَابَ في صفَاصِفَ بِيضِ (¬7) ¬

_ (¬1) وميض: لامع. الشماريخ: أعالي الجبال. (¬2) ينوء: ينهض متثاقلاً. التعتاب: مشي البعير على ثلاث قوائم. (¬3) الفوز: عنا القمر. (¬4) التلاع: مجاري الماء. ضارج والعريض ويثلث: أسماء مواضع. (¬5) أريض وقطاتان: موضعان. (¬6) أريضة: لينة. (¬7) يسحّ: يصب صبّاً متوالياً. الفيقة: ما يجتمع من الماء. يجوز: يجمع. الضباب: ج ضب وهو حيوان صغير يشبه الحرذون. الصفاصف: ج صفصف: المستوي من الأرض.

فأُسْقي بهِ أُخْتي ضَعِيفَة َ إذْ نَأتْ ... وَإذْ بَعُدَ المَزَارُ غَيرَ القَرِيضِ (¬1) وَمَرْقَبَة ٍ كالزُّجّ أشرَفْتُ فَوْقَهَا ... أُقلّبُ طَرْفي في فَضَاءِ عَرِيضِ (¬2) فظَلْتُ وَظَلّ الجَوْنُ عندي بلِبدِهِ ... كأني أُعَدّي عَنْ جَناحٍ مَهِيضِ (¬3) فَلَمّا أجَنّ الشّمسَ عني غؤورُهَا ... نَزَلْتُ إلَيْهِ قَائِماً بالحَضِيضِ (¬4) يُبَارِي شَبَاةَ الرُّمحِ خَدٌّ مُذَلَّقٌ ... كصَفحِ السِّنانِ الصُّلَّبيِّ النَّحِيضِ (¬5) أُخَفّضُهُ بالنَّقْرِ لمّا عَلَوْتُهُ ... وَيَرْفَعُ طَرْفَاً غَيرَ جافٍ غَضِيضِ (¬6) وَقد أغتَدِي وَالطيّرُ في وُكُنَاتِهَا ... بمُنْجَرِدٍ عَبْلِ اليَدَينِ قَبِيضِ (¬7) لَهُ قُصْرَيَا غَيرٍ وَسَاقَا نَعَامَة ٍ ... كَفَحلِ الهِجانِ يَنتَحي للعَضِيضِ (¬8) يَجُمُّ على السّاقَينِ بَعدَ كَلالِهِ ... جُمومَ عُيونِ الحِسْيِ بَعدَ المَخيضِ (¬9) ذَعَرْتُ بها سِرْباً نَقِيّاً جُلُودُهُ ... كمَا ذَعَرَ السِّرْحانُ جنبَ الرَّبِيضِ (¬10) وَوَالَى ثَلاثاً واثْنَتَينِ وَأرْبَعاً ... وَغَادَرَ أُخرَى في قَناةِ الرَّفِيضِ (¬11) ¬

_ (¬1) نأت: بَعُدَتْ. غير القريض: المعنى أنه يريد أن يدعو لها بالسقيا ويهدي لها الأشعار. (¬2) الزج: المرتفع. (¬3) الجون: الأسود خالطه بياض من الخيل. اللبد: السّرج. المهيض: المكسور. (¬4) غؤورها: غيابها. الحضيض: أسفل الجبل. (¬5) الشباة: الحدّ. المذلق: المرقق. النحيض: الرقيق. (¬6) النقر: الصفير. غضيض: فاتر. (¬7) وكناتها: أوكارها. قبيض: سريع. (¬8) القصريان: الضلعان. الفضيض: النهش. (¬9) يجم: يقوى. المخيض: استخراج الماء بالدلو. (¬10) ذعرت: أفزعت. السرحان: الذئب. الربيض: الغنم في مرابضها. (¬11) ووالى، يريد الفرس: تابع. الرفيض: المكسورة.

فآبَ إيَاباً غَيرَ نَكْدٍ مُوَاكِلٍ ... وَأخْلَفَ مَاءً بَعدَ مَاءٍ فَضِيضِ (¬1) وَسِنٌّ كَسُنَّيْقٍ سَنَاءً وَسُنَّماً ... ذَعَرْتُ بمِدْلاجِ الهَجيرِ نَهُوضِ (¬2) أَرَى المرءَ ذا الاذوَادِ يُصبْحُ مُحْرِضاً ... إحرَاضِ بَكْرٍ في الدّيارِ مَرِيضِ (¬3) كأنّ الفَتى لم يَغْنَ في النّاِس ساعَةً ... إذا اختَلَفَ اللَّحيانِ عند الجَرِيضِ (¬4) ¬

_ (¬1) فضيض: مصبوب. (¬2) السن: الثور الوحشي. السنيق: الجبل. مدلاج الهجير: الفرس كثير العدو في الهاجرة وهي حر الظهيرة. (¬3) ذا الأذواد: صاحب الإبل دون العشرة. المحرض: المحتضر. (¬4) اللحيان: الفكّان. الجريض: الغصص بالريق أراد عنا غصّة الموت.

قافية العين

قافية العين تعزُّ عليها ريبتي [الطويل] جَزِعتُ ولم أجزَعْ مِنَ البَينِ مَجْزَعا ... وَعزَّيْتُ قلْباً بِالكَوَاعِبِ مُولَعا (¬1) وَأصْبَحْتُ وَدَّعْتُ الصِّبا غَيْرَ أنّني ... أُراقِبً خَلَّاتٍ، مِنَ العَيْشِ، أرْبَعا (¬2) فَمِنْهُنَّ: قَوْلي للنَّدَامى تَرَفَّقُوا، ... يُداجُونَ نَشّاجاً مِنَ الخَمرِ مُتْرَعا (¬3) وَمنهُنَّ: رَكْضُ الخَيْلِ تَرْجُمُ بِالقَنا ... يُبادُرْنَ سِرْباً آمِناً أنْ يُفَزَّعا (¬4) وَمنْهُنَّ: نَصُّ العِيسِ واللّيلُ شامِلٌ ... تَيَممَّ مجْهُولاً مِنَ الأرْضِ بَلْقَعا (¬5) خَوَارِجُ مِنْ بَرِّيّة ٍ نَحْوَ قَرْيَةٍ، ... يُجَدِّدْنَ وَصْلاً، أوْ يُقَرِّبنَ مَطمَعا وَمِنْهُنَّ: سوْقي الخَوْدَ قَد بَلّها النَّدى ... تُرَاقِبُ مَنْظُومَ التَّمائِمِ، مُرْضَعا (¬6) تَعِزُّ عَلَيْها رِيْبَتي وَيَسوءُها ... بُكاهُ، فَتَثْني الجِيدِ أنْ يَتَضَرَّعا (¬7) بَعَثْتُ إلَيْها، وَالنُّجُومُ طَوَالعٌ، ... حِذَاراً عَلَيْهَا أنْ تَقُومَ، فَتُسْمعَا ¬

_ (¬1) الكواعب: ج كاعب؛ التي نهد ثديها. (¬2) الخلاّت: ج خلّة: وهي الخصلة. (¬3) يداجون: يعالجون. النشاج: الزق الذي على ما فيه. مترع: مملوء. (¬4) السرب: القطيع. (¬5) نص العيس: ركوب الإبل. تيمم: تقصد. البلقع: الأرض المقفرة. (¬6) الخود: الشابة الحسنة من النساء. سوقي: شمّ. (¬7) تثني الجيد: تلتفت نحو طفلها. يتضوع: يبكي.

متى تر دارا من سعاد

فَجاءتْ قَطُوفَ المشي هَيّابةَ السُّرَى ... يُدَافِعُ رُكْناها كوَاعِبَ أرْبَعا (¬1) يُزَجِّينَها مَشْيَ النَّزِيفِ وَقدْ جَرَى ... صُبابُ الكَرَى في مُخِّها فَتَقَطَّعا (¬2) تَقُولُ وَقَدْ جَرَّدْتُها مِنْ ثِيابِها ... كَما رُعتَ مَكحولَ المَدامِعِ أتْلعا (¬3) وَجَدَّكَ لَوْ شيْءٌ أتانا رَسُولُهُ، ... سِوَاكَ، وَلَكِنْ لم نَجِدْ لَكَ مَدْفَعا فَبِتْنا تَصُدّ الوَحْشُ عَنّا كَأنّنا ... قَتِيلانِ لم يَعْلَمْ لَنا النّاسُ مَصْرَعا تَجَافَى عَنِ المَأْثُورِ بَيْني وَبَيْنَها، ... وَتُدْني عَلَيَّ السّابِرِيَّ المُضَلَّعا (¬4) إذا أخَذَتْها هِزّة ُ الرَّوْعِ أمْسَكَتْ ... بِمَنْكِبِ مِقْدَامٍ على الهَوْلِ أرْوَعا (¬5) متى تر داراً من سعاد [الطويل] لَعَمري لَقَدْ بَانَتْ بحَاجَةِ ذِي الهَوَى ... سُعَادٌ ورَاعَتْ بِالفِرَاقِ مُرَوَّعَا وَقدْ عَمَرَ الرَّوْضَاتِ حَوْلَ مُخَطَّطٍ ... إلى اللُّخِّ مَرْأى مِنْ سُعَادَ ومَسْمَعَا (¬6) مَتَى تضرَ دَاراً مِنْ سُعَادَ تَقِفْ بِهَا ... وتَستَجرِ عَيْناكَ الدُّمُوعَ فَتَدْمَعَا (¬7) ¬

_ (¬1) قطوف المشي: بطيئة السير. (¬2) يزجينها: يسقنها. النزيف: السكران. صباب الكرى: بقية النوم. (¬3) رُعت: أفزعت. مكحول المدامع: أسود العينين. أتلع: حسن الجيد. (¬4) المأثور: السيف. السابري: نوع من الثياب. (¬5) هزة الروع: رعشة الخوف. (¬6) الروضات: الرياض الغنّاء. مخطط، واللخ: اسما مكانين. (¬7) تستجر: ترسل الدموع بكاءً عليها.

قافية الفاء

قافية الفاء فمن يحمي المُضاف [الوافر] قال هذه الأبيات يرثي الحارث بن حبيب السلمي وكان قد خرج معه إلى الشام. ثَوَى عِندَ الوَدِيّةِ جَوْفَ بُصْرَى ... أبُو الأيْتَامِ وَالكَلِّ العِجَافِ (¬1) فَمَنْ يَحْمي المُضافَ إذا دَعَاهُ ... ويَحمِلُ خُطّةَ الأنَسِ الضِّعَافِ (¬2) ¬

_ (¬1) ثولا: أقام. الودية: النخلة الصغيرة. العجاف: الهزلى. (¬2) المضاف: ساحة الحرب. خطّة: طريقة.

قافية القاف

قافية القاف حَدّثْ حديثَ الركبِ واصْدقِ [الطويل] قالها يصف ذهاباً إلى الصيد. ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الرَّبْعُ وَانْطِقِ ... وَحدِّثْ حديثَ الركبِ إن شئتَ وَاصْدقِ (¬1) وَحدِّثْ بأنْ زَالَتْ بلَيْلٍ حُمولُهمْ ... كنَخلٍ من الأعرَاض غيرِ مُنَبِّقِ (¬2) جَعَلنَ حَوَايَا وَاقْتَعَدنَ قَعَائِداً ... وَحَفّفنَ من حَوْكِ العِرَاقِ المنمَّقِ (¬3) وَفَوْقَ الحَوَايَا غِزْلَة ٌ وَجَآذِرٌ ... تضَمّخنَ من مِسكٍ ذكيّ وَزَنبَقِ (¬4) فأتْبعتُهُمْ طَرْفي وَقد حالَ دُونُهُمْ ... غوَارِبُ رَملٍ ذي آلاءٍ وَشِبرِقِ (¬5) عَلى إثْر حَيٍّ عَامِدِينَ لِنِيّةٍ ... فحَلّوا العَقِيقَ أوْ ثَنِيّةَ مُطرِقِ (¬6) فعَزّيتُ نَفسي حِينَ بَانُوَا بجَسْرَة ٍ ... أَمونٍ كبُنيَانِ اليَهودِيّ خَيفَقِ (¬7) ¬

_ (¬1) الا عِمْ صباحاً: تحية العرب في الجاهلية. (¬2) الأعراض: أعالي الشجر. المنبق: المتفرّق. (¬3) المنمّق: ثياب من نسيج العراق. (¬4) الحوايا: ج حوية وهي البرذعة. الجآذر: أولاد الغزال. (¬5) الغوارب: الأعالي. آلاء، وشبرق: نوعان من الشحر. (¬6) العقيق، زثنية مطرق: اسما مكانين. (¬7) جسرة: قوية. أمون: موثقة الخلق. خيفق: سريعة.

إذا زُجِرَتْ ألفَيْتُهَا مُشْمَعِلّة ً ... تُنيفُ بعَذقٍ من غِرَاسِ ابن مُعنِقِ (¬1) تَرُوحُ إذا رَاحَتْ رَوَاحَ جَهَامَةٍ ... بإثْرِ جَهَامٍ رَائِحٍ مُتَفَرِّقِ (¬2) كَأنّ بهَا هِرّاً جَنِيباً تَجُرُّهُ ... بُكلّ طَرِيقٍ صَادَفَتْهُ وَمَأزِقِ (¬3) كَأني وَرَحْلي وَالقِرَابَ وَنُمْرُقي ... عَلى يَرْفَئيَّ ذي زَوَائِدَ نِقْنِقِ (¬4) تَرَوّحَ من أرْضٍ لأرْضٍ نَطِيّة ٍ ... لذِكرَة ِ قَيضٍ حوْلَ بَيضٍ مُفلَّقِ (¬5) يَجُولُ بِآفاقِ البِلادِ مُغَرِّباً ... وَتُسحِقُهُ رِيحُ الصَّبا كلَّ مُسحَقِ (¬6) وَبَيتٍ يَفُوحِ المِسْكُ في حَجَرَاتِهِ ... بَعيدٍ مِنَ الآفَاتِ غَيرش مُرَوَّقِ (¬7) دَخَلتُ على بَيضَاءَ جُمٍّ عِظَامُهَا ... تعفّي بذَيلِ الدِّرْعِ إذا جئتُ مَوْدِقي (¬8) وَقَد رَكَدَتْ وَسْطَ السماءِ نجومُهَا ... رُكودَ نَوَادي الرَّبربِ المُتَوَرِّقِ (¬9) وَقد أغتدي قبلَ العُطاسِ بِهَيْكَلٍ ... شديدِ مَشَكّ الجنبِ فعَمِ المُنَطِّقِ (¬10) بَعَثْنَا رَبِيئاً قَبلَ ذَلكَ مُخْمِلاً ... كذِئبِ الغَضَا يمشي الضَّراءَ وَيتّقي (¬11) ¬

_ (¬1) مشمعلة: ماضية في سيرها. تنيف: تشرف. العذق: عنق النخيلة. (¬2) الجهامة: السحابة. (¬3) جنيباً: متعلق بجنبها. المأزق: المضيق. (¬4) اليرفئ: الظليم. ذو زوائد: ذو عدو سريع. (¬5) النطية: البعيدة. القيض: قشرة البيض. والمعنى: لتذكّره فٌلِقَ البيض وقشوره. (¬6) تسحقه: تبعده إلى مكان سحيق. (¬7) المروق: ذو الأورقة أو المظلم. (¬8) جمّ: كثير. كودقي: أثر قدمي. (¬9) ركدت: وقفت. الربرب: القطيع من حمار الوحش. المتورّق: الذي أكل الورق. (¬10) العطاس: انبلاج الصبح. الهيكل: الجواد. فعم المنطق: ممتلئ مكان النطاق فيه. (¬11) الربيء: الرقيب. يمشي الضراء: يختفي بالشجر.

فَظَلَّ كمِثلِ الخشْفِ يَرْفَعُ رَأسَهُ ... وَسَائِرُهُ مِثلُ التُّرَابِ المُدَقِّقِ (¬1) وَجَاءَ خَفِيّاً يَسْفِنُ الأرْضَ بطنُه ... ترَى التُّرْبَ منهُ لاصِقاً كلَّ مَلصَقِ (¬2) فَقَالَ: ألَا هَذَا صُوَارٌ وَعَانَة ٌ ... وَخَيطُ نَعَامٍ يَرْتَعي مُتَفَرِّقِ (¬3) فَقُمْنَا بأشلاءِ اللِّجَام وَلم نَقُدْ ... إلى غُصْنِ بَانٍ نَاصِرٍ لم يُحرَّقِ (¬4) نُزَاوِلُهُ حَتى حَمَلْنَا غُلامَنَا ... عَلى ظَهْرِ سَاطٍ كالصَّليفِ المُعَرَّقِ (¬5) كَأنّ غُلامي إذْ عَلا حَالَ مَتْنِهِ ... عَلى ظَهْرِ بَازٍ في السّماءِ مُحَلِّقِ (¬6) رَأى أرْنَباً فانقَضّ يَهْوِي أمَامَهُ ... إلَيْهَا وَجَلاّهَا بِطَرْفٍ مُلَقلَقِ (¬7) فقُلتُ لَهُ: صَوِّبْ وَلا تَجْهَدَنّهُ ... فَيُذرِكَ من أعْلى القَطاةِ ِ فتزَلَقِ (¬8) وَأدبَرْنَ كالجَزْعِ المُفَصَّلِ بَيْنَهُ ... بجِيدِ الغُلام ذِي القميصِ المُطوَّقِ (¬9) وَأدرَكَهُنّ ثَانِياً مِنْ عِنَانِهِ ... كَغَيثِ العَشيّ الأقهَبِ المُتَوَدِّقِ (¬10) فَصَادَ لَنا عَيراً وَثَوْراً وَخَاضِباً ... عِدَاءً وَلمْ يَنضَحْ بماءٍ فيعرَقِ (¬11) ¬

_ (¬1) الخشف: ولد الظبي. المدقق: الناعم. (¬2) يسفن: يمسح. (¬3) صوار: ثور. عانة: جماعة أتن وحشية. خيط نعام: جماعة نعام. (¬4) اللجام: ما يربط به الفرس. (¬5) نزاوله: نعالجه. اليَّاطي: الفرس تاذي يرفع ذنبه. الصليف: العود. المعرق: الرقيق. (¬6) متنه: ظهره. (¬7) جلّاها: نظر إليها. ملقلق: الذي لا يقر بمكانه. (¬8) يذرك: يصرع. القطاة: عجز الدابة. (¬9) الجزع: الخرز اليماني. (¬10) الأقهب المتودق: المطر جاء به السحاب الأبيض. (¬11) الخاضب: ذكر النعام.

كنت بك واثقا

وَظَلّ غُلامي يُضْجِعُ الرُّمحَ حَوْله ... لِكُلّ مَهَاة ٍ أوْ لأحْقَبَ سَهْوَقِ (¬1) وَقَامَ طُوَالَ الشَّخصِ إذْ يخضِبُونَهُ ... قِيَامَ العَزِيزِ الفَارِسيِّ المُنَطَّقِ (¬2) فَقُلنَا: ألا قَد كانَ صَيْدٌ لِقَانِصٍ، ... فخَبّوا عَلَينا كُلَّ ثَوْبٍ مُزَوَّقِ (¬3) وَظَلّ صِحَابي يَشْتَوُون بنَعْمَة ٍ ... يَصُفّونَ غاراً باللَّكيكِ المُوَشَّقِ (¬4) ورُحْنَا كَأنّا من جُؤَاثي عَشِيّةً ... نُعَالي النِّعَاجَ بَينَ عِدلٍ وَمُشنَقِ (¬5) ورُحنَا بِكَابنِ المَاءِ يُجنَبُ وَسطَنا ... تُصَوَّبُ فيهِ العَينُ طَوْراً وَتَرْتَقيْ (¬6) وَأصْبَحَ زُهْلُولاً يُزِلُّ غُلامَنَا ... كَقِدحِ النَّضيّ باليَدَينِ المُفَوَّقِ (¬7) كَأنّ دِمَاءَ الهَادِيَاتِ بِنَحْرهِ ... عُصَارَة ُ حِنّاءٍ بِشَيْبٍ مُفَرَّقِ (¬8) كنت بكَ واثقا [الطويل] جاء في الأساطير التي رويت عن امرئ القيس أن أباه أمر رجلاً يسمى ربيعة أن يذهب به ويذبحه لكراهيته فيه قول الشعر. فأتى به ربيعة جبلاً وتركه فيه واقتلع عيني جؤذر، فجاء بهما إليه، فأسف أبوه لذلك وحزن. فقال له ربيعة: إني لم أقتله، فقال له: جئني به، فرجع ربيعة فوجد امرأ القيس قد قال هذه الأبيات. ¬

_ (¬1) يضجع الرمح: يميله. المهاة: البقرة الوحشية. أحقب: ثور وحشي. سهوق: طويل. (¬2) يخصبونه: يطلونه بالدم. عزيز المنطق: الملك ذو التَّاج والمنطقة. (¬3) خبوا علينا: ضربوا علينا خباء. (¬4) اللكيك: المكتنز اللحم. الموشق: المطبوخ ثم جفف بعد طبخه. (¬5) جؤاثى: اسم مكان. (¬6) ابن الماء: طائر طويل العنق. (¬7) زهلول: أملس الظهر. النضي: السهم بدون نصل وبدون ريش. (¬8) الهاديات: السابقات من الوحوش.

فَلَا تُسْلِمنِّي يا رَبِيعُ لِهَذِهِ، ... وكُنتُ أُرَاني قَبْلَهَا بِكَ واثِقَا (¬1) مُخَالِفَةٌ نَوَى أَسِيرٍ بِقَرْيةٍ، ... قُرَى عَرَبِيَّاتٍ يَشِمْنَ البَوارِقا (¬2) فإمَّا تَرَيْني اليَوْمَ في رأسِ شَاهِقٍ، ... فَقَدْ أغْتَدِي أقُودُ أجْرَدَ تائِقَا (¬3) وقَدْ أذعَرُ الوَحْشَ الرِّتاعَ بِغِرَّةٍ، ... وقَد أجْتَلي بِيضَ الخُدُورِ الرَّوائِقَا (¬4) نَوَاعِمَ تجلُو عَنْ مُنُونٍ نَقِيَّةٍ ... عَبيراً ورَيْطاً جَاسِداً أو شَقَائِقَا (¬5) ¬

_ (¬1) أرانب: أحسبني. (¬2) يشمن: شام البرق: أي نظر إليه أبن يتجه. (¬3) الشاهق: العالي، يعني الجبل. الأجرد: الفرس شعره قصير. التائق: المسرع إلى غايته. (¬4) أذكر: أخاف. الرتاع: الراتعة في الكلأ. الروائق: البيض. (¬5) المتون النقية: الأسنان. العبير: نوع من العطور. الجاسد: المصبوغ بالزعفران. الشقائق: حمر الثياب.

قافية اللام

قافية اللام أطلالُ سلمى [الطويل] قال هه الأبيات يتغزل ويصف مغامراته وصيده وسعيه إلى المجد. ألا عِمْ صَبَاحاً أيّهَا الطّلَلُ البَالي ... وَهل يَعِمنْ مَن كان في العُصُرِ الخالي (¬1) وَهَل يَعِمَنْ إلا سَعِيدٌ مُخَلَّدٌ ... قَلِيلُ الهُمومِ ما يَبيتُ بأوْجَالِ (¬2) وَهَل يَعِمَنْ مَن كان أحدثُ عَهدِه ... ثَلاثِينَ شهراً في ثَلاثَة ِ أحوَالِ (¬3) دِيارٌ لسَلمَى عَافِيَاتٌ بذِي خَالِ ... ألَحّ عَلَيها كُلُّ أسْحَمَ هَطّالِ (¬4) وَتحسِبُ سَلمَى لا تَزَالُ تَرى طَلاً ... من الوَحشِ أوْ بَيضاً بمَيثاءِ مِحْلالِ (¬5) وتحسِبُ سَلمَى لا تزالُ كَعَهْدِنَا ... بوَادي الخُزَامى أوْ على رَسّ أوْعالِ (¬6) لَيَاليَ سَلَمى إذْ تُرِيكَ مُنْصَّباً ... وَجِيداً كَجِيدِ الرِّئمِ ليسَ بمِعطالِ (¬7) ¬

_ (¬1) الطلل: ما شخص من آثار الديار. (¬2) أوجال: الأمور الموجبة للوجل وتوقّع المصائب. (¬3) أحدث عهده: أقرب عهده بالنعيم. (¬4) ذو خال: اسم مكان. الأسحم: الأسود من السحاب. (¬5) الطلا: ولد الظبية. الميثاء: الأرض السهلة. المحلال: يكثر نزول الناس بها. (¬6) وادي الخزامى، ورسّ أوعال: موضعان. (¬7) المنصّب: الثغر المتسق. الجيد: العنق. الرئم: الظبي. المعطال: المجرّد من القلائد.

ألا زَعَمَتْ بَسْبَاسَة ُ اليوْمَ أنّني ... كَبِرْتُ وَأنْ لا يُحسِنُ اللهوَ أمثالي (¬1) كذَبتِ لقد أُصْبي على المَرْءِ عِرْسَهُ ... وَأمْنَعُ عِرْسي أنْ يُزَنّ بها الخَالي (¬2) وَيَا رُبّ يَوْمٍ قَد لهَوْتُ وَلَيْلَة ٍ ... بِآنِسَةٍ كَأنّهَا خَطُّ تِمْثَالِ (¬3) يُضيءُ الفِرَاشَ وَجْهُهَا لِضَجِيعها ... كمِصْباحِ زَيْتٍ في قَناديلِ ذُبّالِ (¬4) كَأنَّ على لَبّاتها جَمْرَ مُصْطَلٍ ... أصَابَ غضاً جَزْلاً وكُفّ بأجزَالِ (¬5) وَهَبّتْ لهُ رِيحٌ بمُخْتَلَفِ الصُّوَا ... صَباً وَشَمالٌ في مَنَازِلِ قُفّالِ (¬6) ومِثْلِكِ بَيضاءِ العوارِضِ طَفْلة ٍ ... لعوبٍ تُنَسِّيني، إذا قُمتُ، سِربالي (¬7) إذَا مَا الضّجِيعُ ابْتَزّهَا من ثِيابَها ... تَمِيلُ عَلَيهِ هُونَة ً غَيرَ مِجْبالِ (¬8) كحِقْفِ النَّقَا يَمشِي الوَليدَانِ فوْقَه ... بما احتَسَبا من لِينِ مَسٍّ وَتَسهالِ (¬9) لَطِيفَة ُ طَيّ الكَشْح غيرُ مُفَاضَة ٍ ... إذَا انْفَتَلَتْ مُرْتجّة ً غَيرَ مِثقالِ (¬10) تَنَوّرْتُهَا مِنْ أذْرُعَاتَ وَأهْلُهَا ... بيَثْرِبَ أدْنى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِ (¬11) ¬

_ (¬1) بسباسة: سام امرأة. (¬2) أصبي: أميل. يزن: يتهم. الخالي: من لا زوجة له. (¬3) الأنسة: الفتاة تؤنس بحديثها. خط تمثال: تمثال منقوش. (¬4) الذبال: ج ذبالة وهي الفتيلة. (¬5) لباتها: صدرها وترائبها. الجزل: الغليظ. (¬6) الصوا: ج صوة: حجر يكون علامة في الطريق. القفال: الراجعون من السفر. (¬7) العوائض: ج عارضة: صفحة الخدّ. الطفلة: الناعمة. سربالي: قميصي. (¬8) الهونة: اللينة. المجبال: الغليظة الخلق. (¬9) الحقب: الكثيب المستدير من الرمل. النقال: القطعة من الرمل. التسهال: السهولة. (¬10) الكشح: الخصر. المفاضة: العظيمة البطن. (¬11) أذرعات: موضع في الشام. يثرب: المدينة المنوّرة.

نَظَرْتُ إلَيْهَا وَالنّجُومُ كَأنّهَا ... مَصَابِيحُ رُهْبَانٍ تُشَبُّ لِفُقّالِ سَمَوْتُ إلَيها بَعدَما نَامَ أهْلُهَا ... سُمُوَّ حَبَابِ المَاءِ حَالاً على حَالِ فَقَالَتْ: سَبَاكَ اللهُ، إنّكَ فَاضِحِي، ... ألَسْتَ تَرى السُّمّارَ وَالنّاسَ أحوالي فَقُلْتُ: يَمِينُ اللهِ أبْرَحُ قَاعِداً، ... وَلَوْ قطّعوا رأسِي لدَيكِ وأوْصَالي حَلَفْتُ لها بِاللهِ حِلْفَةَ فَاجِرٍ ... لَناموا فما إنْ من حديثٍ وَلا صَالِ (¬1) فَلَمّا تَنَازَعَنا الحَديثَ وَأسْمَحَتْ ... هَصَرْتُ بغُصْنٍ ذي شَمارِيخَ ميّالِ (¬2) وَصِرْنا إلى الحُسنى وَرَقّ كَلامُنَا ... وَرُضْتُ فذلّتُ صَعبَةً أيَّ إذْلالِ (¬3) فَأصْبَحتُ مَعشوقاً وَأصْبَحَ بَعلُهَا ... عَلَيهِ القَتَامُ سَيّئَ الظنّ وَالبالِ (¬4) يَغِطُّ غَطِيطَ البَكرِ شُدّ خِنَاقُهُ ... لِيَقْتُلَني وَالمَرْءُ لَيسَ بقَتّالِ (¬5) أيَقْتُلُني وَالمَشْرَفيُّ مُضَاجِعِي ... وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كأنْيابِ أغوَالِ (¬6) وَلَيسَ بذِي رُمحٍ فيَطعَنني بِهِ ... وَلَيسَ بذِي سَيْفٍ وَليسَ بنَبّالِ أيَقْتُلُني أنِّي شَغَفْتُ فُؤادَهَا ... كما شَغَفَ المَهنوءةَ الرّجُلُ الطّالي (¬7) وَقد عَلِمَتْ سَلمى وَإنْ كانَ بَعلَها ... بأنّ الفَتى يَهْذِي وَلَيسَ بفَعّال ¬

_ (¬1) الصالي: المستدفئ بالنار. (¬2) أسمحت: لانت وانقادت. هصرتُ: جذبتُ. (¬3) ورضت: ذللّت الصعب منها. (¬4) القتام: غبار الخزي. البال: الخاطر. (¬5) يغط: يشخر. (¬6) المشرفي: السيف. المسنونة الزرق: نصال الرماح. أغوال: شياطين. يريد بذلك التهويل. (¬7) شغفت: أصبت شغاف قلبها، حبّته. المهنوءة: أراد هنا الناقة.

وَمَاذا عَلَيْهِ أن ذَكَرْتُ أوَانِساً ... كغِزْلانِ رَمْلٍ في مَحارِيبِ أقْيَالِ (¬1) وَبَيْتِ عَذَارَى يَوْمَ دَجْنٍ وَلَجْتُهُ ... يَطُفْنَ بِحَبّاءِ المَرَافِقِ مِكْسالِ (¬2) سِبَاطِ البَنَانِ وَالعَرَانِينِ وَالقَنَا ... لِطَافِ الخُصُورِ في تَمَامٍ وَإكمَالِ (¬3) نَوَاعِمَ يُتبِعنَ الهَوَى سُبُلَ الرَّدى ... يَقُلنَ لأهلِ الحِلمِ ضَلٌّ بتَضْلالِ (¬4) صرَفتُ الهَوى عنهنّ من خَشيةِ الرَّدى ... وَلَستُ بمَقْليّ الخِلالِ وَلا قَالِ (¬5) كَأنيَ لَمْ أرْكَبْ جَوَاداً لِلَذّةِ ... ولَم ْأتَبَطّنْ كاعِباً ذاتَ خَلخالِ (¬6) وَلمْ أسْبَإ الزِّقَّ الرَّوِيَّ وَلمْ أقُلْ ... لخَيْليَ: كُرّي كَرّةً بَعْدَ إجْفَالِ (¬7) وَلمْ أشْهَدِ الخَيلَ المُغيَرةَ بالضُّحى ... على هَيكَلٍ عَبْلِ الجُزَارَةِ جوّالِ (¬8) سليمِ الشظى عبلِ الشَّوَى شَنِجِ النَّسا ... لَهُ حَجَباتٌ مُشرِفاتٌ على الفَاليْ (¬9) وَصُمِّ صِلابٌ مَا يَقِينَ مِنَ الوَجَى ... كأنّ مكانَ الرِّدْفِ مِنهُ على رَالِ (¬10) وَقَدْ أغْتَدِي وَالطّيرُ في وُكُنَاتِهَا ... لِغَيْثٍ مِنَ الوَسْميّ رَائِدُهُ خَالِ (¬11) ¬

_ (¬1) محاريب أقيال: قصور ملوك. (¬2) الدجن: ظلّ الغمام. جباء المرافق: غائبة العظام لسمنها. (¬3) سباط البنان: طوال الأصابع. العرانين: الأنوف. القنا: الخلق. (¬4) ضلّ بتضلال: دعاء عليهم. (¬5) الردى: الهلاك. المقلي: المبغض. الخلال: الخصال. (¬6) أتبطن: أىمس. الكاعب: الذي نهد ثديها. (¬7) أسبأ: أشتري الخمر لشربها. الزق: وعاء يُشرب فيه الخمر. (¬8) أشهد: أحضر. الهيكل: الفرس العظيم. العبل: الضخم. الجزارة: القوائم. (¬9) الشظى: عظم لاصق بالذراع. الشوى: اليدان والرجلان. الشنج: الصلب. الفالي: اللحم الذي على الورك. (¬10) الصمّ الصلاب: الحوافر. الوجى: الحفا. الرأل: ولد النعام. (¬11) أغتدي: أذهب في الصباح. وكناتها: أعشاشها. الغيث: هنا الأرض ذات البقل. الوسمي: أول المطر في الخريف.

تَحَامَاهُ أطرَافُ الرّمَاحِ تَحَامِياً ... وَجَادَ عَلَيْهِ كلُّ أسحَمَ هَطّالِ (¬1) بعَجْلَزَةٍ قد أتْرَزَ الجَرْيُ لَحْمَهَا ... كُمَيتٍ كَأنّهَا هَرَاوَةُ مِنْوَالِ (¬2) ذَعَرْتُ بهَا سِرْباً نَقِيّاً جُلُودُهُ ... وَأكرُعُهُ وَشْيُ البُرُودِ من الخَالِ (¬3) كأنّ الصُّوَارَ إذْ تجَهّدَ عَدْوُهُ ... على جَمَزَى خَيلٌ تَجولُ بأجْلالِ (¬4) فَجَالَ الصُّوَارَ وَاتّقَينَ بِقَرْهَبٍ ... طوِيلِ القَرَا والرَّوْق أخنسَ ذيّالِ (¬5) فَعَادَى عِدَاءً بَينَ ثَوْرٍ وَنَعْجَةٍ ... وَكانَ عِدَاءُ الوَحشِ مني على بالِ (¬6) كأني بِفَتْخَاءِ الجَنَاحَينِ لَقْوَةٍ ... صَيُودٍ من العِقبانِ طأطأتُ شِملالي (¬7) تَخَطَّفُ خِزّانَ الشَّرَبّةِ بِالضُّحَى ... وَقد حَجَرَتْ مِنها ثَعالِبُ أوْرَالِ (¬8) كَأنّ قُلُوبَ الطّيرِ رَطْباً وَيَابِساً ... لدي وكْرِها العُنّابُ وَالحَشَفُ البالي (¬9) فَلَوْ أنّ ما أسعَى لأدْنى مَعِيشَةٍ ... كَفاني، وَلمْ أطْلُبْ، قَلِيلٌ مِنَ المَالِ وَلَكِنّمَا أسْعَى لِمَجْدٍ مُؤثَّلٍ ... وَقد يُدرِكُ المَجدَ المُؤثّلَ أمثَالي (¬10) ¬

_ (¬1) تحاماه: تتجنبه. الأسحم: السحاب الأسود. (¬2) العجلزة: الفرس الصلبة. أترز: أيبس وضمر. المنوال: آلة الحياكة. (¬3) سرباً: قطيعاً. الأكرُع: ج كراع وهو مستدق الساق العاري من اللحم. الخال: ثوب ناعم يمنيّ. (¬4) الصوار: قطيع من بقر الوحش. جمزى: موضع. أجلال: ج جلال وهو البرذعة. (¬5) القرهب: الكبير الضخم من الثيران. الروق: القرن. الأخنس: قصير الأنف. الذيال: طويل الذيل. (¬6) النعجة: بقرة الوحش. (¬7) فتخاء: ليّنة. اللقوة: العقاب الخاطفة لكل شيء. شملالي: فرسي السريع. (¬8) الخزان: الواحد خزن: وهو ذكر الأرنب. حجرت: تخلفت. الشربة: موضع. أورال: اسم مكا،. (¬9) الحشف البالي: يابس التمر. (¬10) المؤثل: الأصيل الشريف.

حديث الرواحل

وَما المَرْءُ مادَامَتْ حُشاشةُ نَفْسِهِ ... بمُدْرِكِ أطْرَافِ الخُطُوبِ وَلا آلي (¬1) حديث الرواحل [الطويل] قال هذه الأبيات يوم أخذ بنو جدبة إبله ورواحله، هاجياً خالد السدوسي. دَعْ عَنكَ نَهباً صِيحَ في حَجَرَاتِهِ ... وَلَكِنْ حديثاً ما حديثُ الرّوَاحِلِ (¬2) كَأنّ دِثَاراً حَلّقَتْ بِلَبُونِهِ ... عُقابُ تَنُوفَى لا عُقَابُ القَوَاعِلِ (¬3) تَلَعّبَ بَاعِثٌ بِذِمّة ِ خَالِدٍ ... وَأوْدى عِصَامٌ في الخُطوبِ الأوَائِلِ وَأعْجَبَني مَشْيُ الحُزُقّة ِ خَالِدٍ ... كمَشْيِ أتَانٍ حُلِّئَتْ بِالمَنَاهِلِ (¬4) أبَتْ أجَأٌ أنْ تُسلِمَ العامَ جارَهَا ... فمنْ شاءَ فَليَنهَضْ لها من مُقاتِلِ (¬5) تَبِيتٌ لَبُوني بِالقُرَيّة ِ أُمّناً ... وَأسْرَحُهَا غِبّاً بِأكْنَافِ حائِلِ (¬6) بَنُو ثُعَلٍ جِيرَانُهَا وَحُمَاتُهَا ... وَتُمْنَعُ مِنْ رُمَاة ِ سَعْدٍ وَنَائِلِ تُلاعِبُ أوْلادَ الوُعُولِ رِبَاعُهَا ... دُوَينَ السماءِ في رُؤوسِ المَجادِلِ مَكَلَّلَة ً حَمْرَاءَ ذَاتَ أسِرّةٍ ... لهَا حُبُكٌ كَأنّهَا مِنْ وَصَائِلِ (¬7) ¬

_ (¬1) الآلي: المتوقّف عمّا يطلبه. (¬2) النهب: السلب. حجراته: نواحيه. الرواحل: النوق. (¬3) دثار: هو راعي إبل امرئ القيس. بلبونه: بنوقه التي يحتلبها. القواعل: الجبال الصغيرة. (¬4) الحزّقة: القصير البخيل. أتان: أنثى الحمار. حلئت: مُنِعَتْ. (¬5) أجأ: جبل نزل له امرؤ القيس. (¬6) القريّة: اسم مكان. اللبون: نوقه التي يحتلب لبنها. حائل: اسم جبل. (¬7) مكلّلة حمراء: يعني أن رؤوس الجبال كلّلتها السحب. ذات أسرة: ذات خطوط. الحبك: الطرائق. الحبائل: برود ملوّنة مخططة.

دار ماوية

دار ماوية [السريع] قال هذه الأأبيات بعد ظفره ببني أسد. يَا دَارَ مَاوِيّة َ بِالحَائِلِ ... فَالسَّهْبِ فَالخَبْتَينِ من عاقِل (¬1) صَمَّ صَدَاهَا وَعَفَا رَسْمُهَا ... وَاستَعجمتْ عن مَنطِقِ السّائِلِ قُولا لِدُودَانَ عَبِيدِ العَصَا ... مَا غَرّكُمْ بِالأسَدِ البَاسِلِ (¬2) قَدْ قَرّتِ العَيْنَانِ مِنْ مَالِكٍ ... وَمِنْ بَني عَمروٍ وَمِنْ كاهِلِ وَمِن بَني غُنمِ بنِ دُودَانَ إذْ ... نَقْذِفُ أعْلاهُم على السّافِلِ نَطْعَنُهُمْ سُلْكَى وَمخلوجَةً ... كَرَّكَ لأمَينِ عَلى نَابِلِ (¬3) إذْ هُنّ أقسَاطٌ كَرِجْلِ الدَّبى ... أوْ كَقَطَا كَاظِمَةَ النّاهِلِ (¬4) حَتى تَرَكْنَاهُمْ لَدَى مَعْرَكٍ ... أرْجُلُهْمْ كالخَشَبِ الشّائِلِ (¬5) حَلّتْ ليَ الخَمرُ وَكُنتُ أمْرَأً ... عَنْ شُرْبهَا في شُغُلٍ شَاغِلِ فَاليَوْمَ أُسْقَى غَيرَ مُسْتَحْقِبٍ ... إثْماً مِنَ اللهِ وَلا وَاغِلِ (¬6) ¬

_ (¬1) حائل، والسّهب، والخبتان، وعاقل: أسماء أماكن. (¬2) دودان: قبيلة من بني أسد. (¬3) سُلكى: مستقيمة. مخلوجة: معوّجة. اللأم: السّهم. النابل: من يرمي بالنبل. (¬4) أقساط: جماعات. كرجل الدّبا: كفرق الجراد. كاظمة: اسم بلدة. الناهل: العطشان. (¬5) المعنى: تركهم صرعى في المعترك حتى كأن أرجلهم خشبٌ مرتفعٌ. (¬6) مستحقب: الحامل للإثم. الواغل: الآثم.

يا لهف هند

يا لهف هند [الرجز] جاء برواية الهيثم بن عدي: أن امرأ القيس لما قُتَلَ أبوه كان غلامااً قد ترعرع، وكان في بنب حنظلة مقيماً، لأن المرأة التي عطفت عليه كانت منهم، فلما بلغه ذلك قال هذه الأبيات. يا لَهْفَ هِنْدٍ إذ خَطِئنَ كاهِلاً ... القاتِلِينَ المَلِكَ الحُلاحِلا (¬1) خَيرَ مَعَدٍّ حَسَباً وَنَائِلا ... وخَيرَهُمْ قَدْ عَلِمُوا شمائِلا نَحْنُ جَلَبْنَا القُرَّحَ القَوَافِلا ... تَالله لا يَذهَبُ شَيخي بَاطِلا يَحْمِلْنَنَا وَالأسَلَ النَّوَاهِلا ... وَحَيَّ صَعْبٍ وَالوَشِيجَ الذّابِلا (¬2) مُسْتَثْفِرَاتٍ بالحَصَى جَوَافلا ... يَسْتَشْرِفُ الأوَاخِرُ الأوَائِلا (¬3) حَنى أُبِيدَ مَالِكاً وَكَاهِلاً حيّ الحمول [الكامل] قالها في وصف ناقته. حيِّ الحُمولَ بِجانِبِ العَزْلِ ... إذْ لا يُلائِمُ شَكْلُها شَكْلِي (¬4) ماذا يَشُقّ عَلَيكَ مِنْ ظُغُنٍ ... إلَّا صِباكَ، وَقِلّة ُ العَقْلِ (¬5) ¬

_ (¬1) يا لهف: يا حسرة. هند: أخت الشاعر. كاهل: حيّ من بني أسد. الحلاحل: السيد الشريف. (¬2) الأسل النواهل: الرماح المتعطشة إلى الدماء. الوشيج: الرمح اللين. (¬3) مستثفرات بالحصى: يعني الخيل من شدة جربها تثير الحصى بحوافرها. (¬4) الحمول: الهوادج. العزل: موضع. (¬5) الظعن: الرحيل.

مَنّيْتِنا بِغَدٍ، وَبَعْدَ غَدٍ ... حَتّى بَخِلْتِ، كَأسْوَإ البُخْلِ يا رُبَّ غانِيَة ٍ صَرَمْتُ حِبالَها ... وَمَشَيْتُ مُتّئِداً عَلى رِسْلِي (¬1) لا أسْتَقِيدُ، لِمَنْ دَعا لِصِباً ... قَسْراً، وَلا أُصْطادُ بِالخَتْلِ (¬2) وَتَنُوفَة، ٍ جَرْداءَ، مُهْلِكَةٍ ... جاوَرْتُها بِنَجائِبٍ فُتْلِ (¬3) فَيَبِتْنَ يَنْهَسْنَ الجَبُوبَ بِها ... وَأبِيتُ مُرْتَفِقاً عَلى رَحْلِ (¬4) مُتَوَسِّداً عَضْباً، مَضَارِبُهُ ... في مَتْنِهِ، كَمَدَبّةِ ِ النّمْلِ (¬5) يُدْعى صَقِيلاً، وَهْوَ لَيْسَ لَهُ ... عهدٌ بِتَمْويهٍ، وَلا صَقْلِ (¬6) عَفَتِ الدِّيارُ، فَما بِها أهْلي ... وَلَوَتْ شَمُوسُ بَشاشَة َ البَذْلِ (¬7) نَظَرَتْ إلَيْكَ بَعَيْنِ جازِئَة ٍ، ... حَوْرَاءَ، حانِيَة ٍ على طِفْلِ (¬8) فَلَها مُقلَّدُها وَمُقْلَتُها ... وَلَها عَلَيْهِ سَرَواَة ُ الفَضْلِ (¬9) أقْبَلْتُ مُقْتَصِداً، وَرَاجَعَني ... حِلْمي، وَسُدِّدَ، لِلتُّقَى، فِعْلي (¬10) ¬

_ (¬1) الغانية: الفتاة الجميلة المستغنية بحسنها. متئداً: متمهلاً. على رسلي: عاى مهلي. (¬2) أستقيد: أستجيب. الختل: المخادعة والاحتيال. (¬3) تنوفة: فلاة. النجائب: الخيل الأصيلة. فتل: ضوامر. (¬4) ينهسن الجيوب: يأخذن في ألأأرض بأسنانهن. مرتفقاً: متكئاً. (¬5) متوسداً عضباً: واضعاً سيفي تحت رأسي. مدبة النمل: طريقه. (¬6) التمويه: الطلي. صقيلاً: مجلواً. (¬7) عفت الديار: خلت من أهلها. لوت: أخلفت الموعد. شموس البشاشة: الغواني الحِسان. (¬8) جازئة: ضبية بها ضمور وهيف. (¬9) مقلتها: عينها. سراوة الفضل: شرف الزيادة في جمال الخلق. (¬10) مقتصداً: راجعاً إلى الرشد. الحلم: العقل.

يا حسن ما فعل

وَاللهُ أنْجَحُ ما طَلَبْتُ بِهِ، ... والبِرُّ خَيْرُ حَقِيبَةِ الرَّحْلِ (¬1) وَمِنَ الطّرِيقَةِ جائِرٌ، وَهُدًى ... قَصْدُ السّبِيلِ، وَمِنْهُ ذُو دَخْلِ (¬2) إنِّي لأصْرِمُ مَنْ يُصارِمُني ... وَأُجِدُّ وَصْلَ مَنِ ابْتَغَى وَصْلي (¬3) وَأخِي إخاءٍ، ذِي مُحافَظَة ٍ، ... سَهْلِ الخَلِيقَة، ِ ماجِدِ الأصْلِ (¬4) حُلْوٍ، إذا ما جِئْتُ، قالَ: ألا ... في الرُّحْبِ أنْتَ، وَمَنْزِلِ السّهْلِ نازَعْتُهُ كَأسَ الصَّبُوحِ، وَلَمْ ... أجْهَلْ مجَدَّةَ عِذْرَةِ الرَّجُلِ (¬5) إنِّي بِحَبْلِكَ وَاصِلٌ حَبْلي، ... وَبِرِيش نَبْلِكَ رَائِشٌ نَبْلي ما لَمْ أجِدْكَ على هُدَى أثَرٍ ... يَقْرُو مَقَصَّكَ قائِفٌ، قَبْلي (¬6) وَشَمائِلي ما قَدْ عَلِمْتَ، وَما ... نَبَحَتْ كِلابُكَ طارِقاً مِثْلي (¬7) يا حسن ما فعل [الطويل] قال هذه الأبيات يمدح فيها بني ثعل. واثُعَلاً! وَأينَ مِني بَنُو ثُعَلْ؛ ... ألا حَبّذاً قَوْمٌ يَحُلّون بِالجَبَلْ نزَلتُ على عَمرِو بنِ دَرْمَاءَ بُبْطَةً ... فيا كَرْمَ ما جارٍ ويَا حُسنَ ما فَعَلْ (¬8) ¬

_ (¬1) الحقيبة: ما يوضع فيه الثياب. (¬2) جائر: متجاوز الحد. ذو دخل: فيه فساد. (¬3) أصرم: أقطع. أجد: أصير جدياً. (¬4) أخي إخاء: ربَّ صاحب محافظ على الودّ. ذو محافظة: المدافع عن الحرمات. (¬5) نازعته كأس الصبوح: نادمته على الشراب. (¬6) هدى: هداية الطريق. يقرو: يلحق. القائف: الذي يتبع الأثر. (¬7) شمائلي: خصالي. (¬8) البلطة: البرهة من الزمن.

الكريم للكريم محل

تَظَلّ لَبُوني بَينَ جَوٍّ وَمِسْطَحٍ ... تُرَاعي الفَراخَ الدارِجاتِ من الحَجَلْ (¬1) وَمَا زَالَ عَنْهَا مَعْشَرٌ بِقِسِيّهِمْ ... يَذُودُونَهَا حَتى أقُولَ لهم بَجَلْ (¬2) فَأبْلِغْ مَعَدّاً وَالعِبَادَ وَطَيّئاً ... وَكِنْدَةَ أني شَاكِرٌ لِبِني ثُعَلْ الكريم للكريم محل [السريع] قالها في بني ثعل أيضاً. أحْلَلْتُ رَحْلي في بَني ثُعَلٍ ... إنّ الكَرِيمَ للكَرِيمِ مَحَلْ (¬3) وَجَدْتُ خَيرَ النّاسِ كُلّهِمِ ... جَاراً وَأوْفَاهُمْ أبَا حَنْبَلْ أقْرَبُهُمْ خَيراً وَأبْعَدُهُمْ ... شَرّاً وأسْخَاهُمْ فَلا يَبْخَلْ فداؤه أهلي [الكامل] قال هذه الأبيات مفتخراً. مَنْ كان يأمُلُ عَقْرَ داريَ مِنْ ... أهلِ الأوُدِّ بها، وذي الذَّحْلِ (¬4) فَلْيَاتِ وَسْطَ قِبَايِهِ خَيْلي ... وَلْيَأتِ وَسْطَ خَمِيسِهِ رَجْلي (¬5) يا هَلْ أتَاكَ وَقدْ يُحَدِّثُ ذُو ... الوُدّ القَدِيمِ مَسَمّةَ الدَّخْلِ (¬6) ¬

_ (¬1) جو، ومسطح: موضعان. (¬2) يذودونها: يدفعونها. بجل: حسب، يكفي. (¬3) أحللت: أنزلت. (¬4) عقر الدار: وسطها. الأود: الأصدقاء. الذحل: البغض. (¬5) الخميس: الجيش مؤلف من خمس فرق. (¬6) المسمّة: الأقارب. الدخل: بطانة الرجل.

ذوب العسل

أني لَعَمْرِي مَا انْتَمَيْتُ فَلَمْ ... أعْدِلْ إلى بَدَلٍ وَلا مِثْلِ لأخٍ رَضِيتُ بِهِ وَشَارَكَ في ... الأنسَابِ وَالأصْهَارِ وَالفَضْلِ وَلَمِثْلُ أسْبَابٍ عَلِقْتُ بهَا ... يَمْنَعْنَ مِنْ قَلَقٍ وَمِنْ أزْلِ (¬1) لَمّا سَمَا مِنْ بَينِ أقْرُنَ فَالـ ... أجْبَالِ قُلْتُ: فِدَاؤهُ أهْلي هَمٌّ سَيَبْلُغُهُ التَّمَامٌ فَذَا ... ظَنِّي بِهِ سَيَنَالُ أوْ يُبْلي وَأتى عضلى غَطَفَانَ، فَاخْتَلَفُوا ... دِينٌ يَجِيءُ وَهَارِبٌ مُجْلِ (¬2) وَيَحُشُّ تَحْتَ القِدْرِ يُوقِدُها ... بِغَضَا الغَرِيفِ فَأجمَعَتْ تَغلي (¬3) ذوب العسل [المتقارب] كَأنَّ المُدَامَ وصَوْبَ الغَمَامِ ... وَرِيحَ الخْزَامَى وَذَوْبَ العَسَلْ يُعَلُّ بِهِ بَرْدُ أنْيَابِهَا ... إذَا النَّجْمُ وَسْطَ السَّماءِ اسْتَقَلْ (¬4) كهيئة الحجل [المنسرج] قال هذه الأبيات حين نزل في بني عدوان بعد مقتل أبيه. بُدّلْتُ مِنْ وَائِلٍ وكَنْدَةَ عَد ... وَانَ وَفَهْماً، صَمّي ابنَةَ الجَبَل قَوْمٌ يُحَاجُونَ بِالبِهَامِ ... وَنِسْرَانٌ قِصَارٌ كَهَيْئَةِ الحَجَلِ (¬5) ¬

_ (¬1) الأزل: الضيق والشدة. (¬2) الدّين: الحال والقهر. مجل: خارج عن بلده. (¬3) يحشُّ: من المحشّة: وهي حديدة تُحرّك بها النار. الغريف من الشجر: الكثير. (¬4) يعلّ: يُسقى. استقل: علا. (¬5) البهام: أولاد الضأن والبقرة.

هل أتاك؟

هل أتاك؟ [مجزوء البسيط] قال لشهاب بن شداد بن ثعلبة، ولعاصم بن عبيد بن ثعلبة. أبْلِغْ شِهَاباً وَأبْلِغْ عَاصِماً: ... هَلْ أتَاكَ الخبرُ مَالِ (¬1) إنّا تَرَكْنَا مِنْكُمُ قَتْلى وَجَرْ ... حَى وَسَبَايَا كَالسَّعَالي (¬2) يَمْشِينَ بَينَ أرْحُلِنَا مُعْتَرِفَا ... تٍ مَا بجُوعٍ وَهُزَالِ (¬3) الدهر غول ختور [الوافر] يعاتب الدهر. ألَمْ أُخْبِرْكَ أنّ الدّهْرَ غُولٌ ... خَتُورُ العَهْدِ يَلْتَهِمُ الرّجَالا (¬4) أزَالَ مِنَ المَصَانِعِ ذا رِياشٍ ... وَقَدْ مَلَكَ السّهُولَةَ والجِبالا (¬5) هُمَامٌ طَحْطَحَ الآفَاقَ وَحْياً ... وَسَاقَ إلى مَشَارِقِهَا الرِّعَالا (¬6) وَسدّ بحيثُ تَرْقى الشمسُ سَدّاً ... لِيَأجُوجٍ وَمَأجُوجٍ الجِبَالا (¬7) فإن تَهْلِكْ شَنُوءةُ أوْ تَبَدَّلْ ... فسيرِي إنَّ في غَسَّانَ خَالا (¬8) بعِزّهِمِ عَزَزْتَ فَإنْ يَذِلّوا ... فَذُلْكُمُ أنَالَكَ مَا أنَالا ¬

_ (¬1) مال: مالك، مرخم. (¬2) السعالي: ج سعلاة وهي أنثى الغول. (¬3) هزال: ضعف. (¬4) غول: يغتال أهله. ختور: مخادع. يلتهم: يأكل. (¬5) المصانع: القرى والحصون والمباني الضخمة. ذو رياش: أحد ملوك اليمن. (¬6) طحطح: دوّخ. الرعال: ج رعيل وهي الجماعة من الإبل. (¬7) يأجوج ومأجوج: شعوب قديمة. (¬8) شنوءة: قبيلة.

عيناك

عيناك [مجزء البسيط] يصف وادياً قطعه. عَيْنَاكَ دَمْعُهُمَا سِجَالُ ... كَأنّ شَأنَيْهِمَا أوْشالُ (¬1) أوْ جَدوَلٌ في ظِلالِ نَخْلٍ ... للمَاءِ مِنْ تَحْتِهِ مَجَالُ (¬2) مِنْ ذِكْرِ لَيْلى، وأينَ لَيْلى ... وَخَيرُ مَا رُمْتُ مَا يُنَالُ فَدْ أقْطَعُ الأرْضَ وَهْيَ قَفرٌ ... وَصَاحبي بَازِلٌ شِمْلالُ (¬3) نَاعِمَةٌ نَائِمُ أبْجَلُهضا ... كَأنّ حَارِكَهَا أُثَالُ (¬4) كَأنّهَا مُفْرَدٌ شَبُوبٌ ... تَلُفّهُ الرّيحُ والظَّلالُ (¬5) كَأنّهَا عَنْزُ بَطْنِ وَادٍ ... تَعْدُو وَقَدْ أُفْرِدَ الغَزَالُ (¬6) عَدْواً تَرَى بَيْنَهُ أبْوَاعاً ... تَحْفِزُهُ أكْرُعٌ عِجَالُ (¬7) وَغَائطٍ قَدْ هَبَطْتُ وَحْدِي ... للقَلبِ من خضوْفِهِ اجْئِلالُ (¬8) صَابَ عَلَيْهِ رَبِيعٌ صَيّفٌ .. كَأنّ قُرْيَانَهُ الرِّحَالُ (¬9) ¬

_ (¬1) سجال: سحّاحة بالدموع. شأناهما: مجاري الدموع منهما. أوشال: ج وشل: الكثير من الدمع. (¬2) مجال: مسرب. (¬3) بازل: جمل قويّ على السير. (¬4) أبجلها: عرق يدها. الحارك: أعلى الكاهل. أثال: حصن. (¬5) الشبوب: الثور الشاب. (¬6) العنز: الظبيو. (¬7) الأبواع: ج بوع: وهو قدر مدّ اليدين. نحفزه: تسوقه وتدفعه. أكرع: جمع كراع: هنا الساق كلها. (¬8) الغائط: المطمئن من الأرض. الاجئلال: فزع شديد. (¬9) ربيع صيف: المطر في الصيف. قريانه: مسيل مائه. الرحال: الطنافس الحيرية.

الحرب

تَقْدُمُني نَهْدَةٌ سَبُوحٌ ... صَبَّبَهَا العُضَّ وَالحِيَالُ (¬1) كَأنّهَا لقوةٌ طَلُوبٌ ... كَأنّ خُرْطُومَهَا مِنْشَالُ (¬2) تُطْعِمُ فَرخاً لهَا صَغشيراً أزْرَى بِهِ الجُوعُ وَالإحثَالُ (¬3) قُلُوبَ خِزّانِ ذِي قَيْرَوَانٍ ... قُوتاً كمَا يُزْرَقُ العِيَالُ (¬4) وَغَارَةٍ ذَاتِ قَبْرَوَانٍ ... كَأنّ أسْرَابَهَا رِعَالُ (¬5) كَأنّهُمْ حَرْشَفٌ مَبْثُوثٌ ... بِالجَوّ إذْ تَبْرُقُ النّعَالُ (¬6) صَبّحْتُهَا الحَيَّ ذَا صَبَاحٍ ... فَكَانَ أشْقَاهُمُ الرِّجَالُ الحرب [الكامل] قالها في وصف الحرب وسوء عاقبتها. الحَرْبُ أوّلَ مَا تَكونُ فُتَيّةً ... تَبْدُو بِزِينَتِهَا لِكُلّ جَهُولِ حتى إذا حَمِيَتْ وَشُبّ ضِرَامُها ... عادتْ عَجوزاً غيرَ ذاتِ خليلِ شَمطاءُ جَزّتْ رَأسَها وَتَنَكّرَتْ ... مَكْرُوهَة ً للشَّمِّ والتّقْبِيلِ (¬7) ¬

_ (¬1) نهدة: فرس كريمة. سبوح: حسنة تسبح بيديها. العض: الشعير. الحيال: عدم الحمل. (¬2) اللقوة: العُقاب. خرطومها: منقارها. منشال: حديدة ينشل بها اللحم من القدر. (¬3) أزرى: عاب. الإحثال: قلّة الغذاء. (¬4) الخزان: ذكور الأرانب. ذو أورال: موضع. (¬5) قيروان: جماعة من الخيل. الرعال: ج رعيل القطعة المتقدمة من الخيل. (¬6) الحرشف: صغار الطير. مبثوث: منتشر. (¬7) شمطاء: التي خالط شعرها بياض الشيب.

مقاتل

مقاتل [الطويل] قال في براز. وَمُستَلئِمٍ كَشَّفْتُ بالرُّمحِ صَدْرَهُ ... أقَمْتُ بِعَضْبٍ ذي سَفاسِقَ مَيْلَهُ (¬1) فَجَعتُ بِهِ في مُلتَقَى الحيِّ خَيْلَهُ ... تَرَكتُ عِتاقَ الطَّيرِ تَحجِلُ حَولَهُ (¬2) كأنَّ عَلَى سِرْبَالهِ نَضْحُ جِرْيَالِ (¬3) ¬

_ (¬1) مستلئم: الذي يلبس الدرع. العضب: السّيف. السفاسق: الواحد سفسق: فرند. (¬2) تحجل: تقفز على رجليها. (¬3) سرباله: درعه. نضح جريال: خمر منضوح به.

قافية الميم

قافية الميم دار هند [الكامل] يهجو سُبيع بن عوف أحد بني طهية، وكان بلغه عنه أنه لامه وعرّض به. لِمَنِ الدّيَارُ غَشِيتُهَا بِسُحَامِ ... فَعَمَايَتَينِ فَهَضْبِ ذِي أقْدَامِ (¬1) فَصَفَا الأطِيطِ فَصَاحَتَينِ فَغَاضِرٍ ... تَمْشِي النّعَاجُ بِهَا مَعَ الآرَامِ (¬2) دَارٌ لِهنْدٍ وَالرَّبَابِ وَفَرْتَنى ... وَلَمِيسَ قَبْلَ حَوَادِثِ الأيّامِ (¬3) عُوجَا عَلى الطَّلَلِ المُحِيلِ لأنّنَا ... نَبْكي الدّيارَ كما بكى ابنُ خِذامِ (¬4) أوَمَا تَرَى أضْغَانَهُنّ بَوَاكِراً ... كالنّخلِ من شَوْكانَ حينَ صِرَامِ (¬5) حُوراً تُعَلَّلُ بِالعَبِيرِ جُلُودُهَا ... بِيضَ الوُجُوهِ نَوَاعِمَ الأجْسَامِ (¬6) فَظَلِلْتُ في دِمَنِ الدّيَارِ كَأنّني ... نَشْوَانُ بَاكَرَهُ صَبُوحُ مُدَامِ (¬7) ¬

_ (¬1) سحام: ماء لبني كلاب. العمايتان: اسما جبلين. ذو أقدام: اسم مكان. (¬2) صفا الأطيط، وصاحتان، وغاضر: مواضع. الآرام: الغزلان البيض. (¬3) هذه بعض أسماء صواحباته. (¬4) عوجا: اعطفا. المحيل: المتغيّر. ابن خذام: رجل بكى الديار قبل امرئ القيس. (¬5) الأظعان: النيلق عليها الهوادج. شوكان: موضع. صرام: قطاف النخل. (¬6) الحور: ج حوراء وهي التي يغلب بياض عينيعا سوادهما. (¬7) الدمن: آثار الديار.

أُنُفٍ كَلَوْنِ دَمِ الغَزَالِ مُعَتَّقٍ ... من خَمرِ عانَة َ أوْ كُرُومِ شَبَامِ (¬1) وَكَأنّ شَارِبَهَا أصَابض لِسَانَهُ ... مُومٌ يُخَالِطُ جِسْمَهُ بِسَقَامِ (¬2) وَمُجِدّةٌ نَسّأتُهَا فَتَكَمّشَتْ ... رَتْكَ النّعَامَةِ في طَرِيقٍ حَامِ (¬3) تَخْدي عَلى العِلّاتِ سَامٍ رَأسُهَا ... رَوْعَاءَ مَنْسِمُهَا رَثِيمٌ دَامِ (¬4) جالَتْ لتَصرَعَني فقُلتُ لها: اقصِري! ... إني امْرُؤٌ صَرْعي عَلَيكِ حَرَامُ (¬5) فَجُزِيتِ خَيرَ جَزَاءِ نَاقَةِ وَاحِدٍ ... وَرَجَعْتِ سَالِمَة َ القَرَا بِسَلامِ (¬6) وَكَأنّمَا بَدْرٌ وَصِيلُ كُتَيْفَة ٍ ... وَكَأنّمَا مِنْ عَاقِلٍ أرْمَامُ (¬7) أبْلِغْ سُبَيْعاً إنْ عَرَضْتَ رِسَالِةً ... إنّي كَهَمّكَ إنْ عَشَوْتُ أمَامي (¬8) أقْصِرْ إلَيْكَ مِنَ الوَعِيدِ فَإنّني ... مِمّا أُلاقي لا أشُدّ حِزَامي وَأنَا المُنَبِّهُ بَعْدَمَا قَدْ نَوَّمُوا ... وَأنَا المُعَالي صَفْحَة َ النُّوّامِ وَأنَا الّذِي عَرَفَتْ مَعَدٌّ فَضْلَهُ ... وَنُشِدتُ عن حُجرِ ابنِ أمِّ قَطَامِ (¬9) وَأُنَازِلُ البَطَلَ الكَرِيةَ نِزَالُهُ ... وَإذا أُنَاضِلُ لا تَطِيشُ سِهَامي خالي ابنُ كَبشَةَ قد عَلِمَت مكانَهُ ... وَأبُو يَزِيدَ وَرَهْطُهُ أعْمَامي ¬

_ (¬1) عانة وشبام: اسما مكانين. (¬2) الموم: البرسام وهو التهاب في الحجاب الذي بين الكبد والقلب. (¬3) نسأتها: زجرتها. تكمشت: أسرعت. رتك: سرعة. حام: حار. (¬4) تخدي: تعجّل. العلات: المشاق. سام: مرتفع. روعاء: نشيطة. المنسم: طرف الخف. رثيم: مجروح. (¬5) حرامُ: هنا إقواء. (¬6) القرا: الظهر. (¬7) بدر وكتيفة: موضعان متباعد ما بينهما. وكذلك عاقل وأرمام. (¬8) سُبَيْع: قريب لامرئ القيس. عشوت: نظرت. عرضت: أتيت العروض. (¬9) نشدت: طلبت.

فعل العوير

وَإذَا أذِيتُ بِبَلْدَة ٍ وَدّعْتُهَا ... وَلا أُقِيمُ بِغَيرِ دَارِ مُقَامِ (¬1) فعل العوير [الطويل] يهجو البراجم من بنب تميم، ويربوع ودارم. ألا قَبّحَ اللهُ البَرَاجِمَ كُلَّهَا ... وجَدّعَ يَرْبُوعاً وَعَفّرَ دَارِمَا (¬2) وَآثَرَ بِالمَلْحَاة ِ آلَ مُجَاشِعٍ ... رقَابَ إمَاءٍ يَقْتَنينَ المَفَارِمَا (¬3) فما قَاتَلوا رَبّهِم وَرَبِيبِهِمْ ... وَلا آذَنُوا جَاراً فَيَظْفَرَ سَالمَا (¬4) وَما فَعَلُوا فِعْلَ العُوَيْرِ بجَارِهِ ... لدى بابِ هندٍ إذ تَجَرّد قائِما (¬5) مصابيح الظلام [الوافر] يمدح المعلى أحد بني تيم وكان أجاره من المنذر بن ماء السماء. كَأني إذْ نَزَلْتُ عَلى المُعَلّى ... نَزَلْتُ عَلى البَوَاذِخِ مِنْ شَمَامٍ (¬6) فَمَا مَلِكُ العِرَاقِ عَلى المُعَلى ... بِمُقْتَدِرٍ وَلا مَلِكُ الشّآم أصَدّ نَشَاصَ ذِي القَرْنَينِ حَتى ... تَوَلّى عَاِرضُ المَلِكِ الهُمَامِ (¬7) ¬

_ (¬1) أذيت: أصابني الأذى. أقيم: أقطن. (¬2) الجدع: قطع الأنف. عفّر دارم: جعل وجوههم بالتراب. (¬3) الملحاة: التقبيح. المفارم: داء يوضع في الفرج ليضيق. (¬4) ربّهم: شرحبيل عم امرئ القيس. آذن: أعلم بالشيء. (¬5) العوير: هو أحد من أجار امرأ القيس. (¬6) الباذخ: المرتفع من الجبال. شبام: اسم جبل. (¬7) النشاص: ما ارتفع من الغمام. العارض: السحاب. ذو القرنين: المنذر الأكبر.

بين لي الحديث

أقَرَّ حَشا امرِىء القَيسِ بنِ حُجرٍ ... بنُو تَيْمٍ مَصَابِيحُ الظّلامِ (¬1) بينّ لي الحديث [الطويل] قالها وهو بدمون لما قتل أبوه. أتَاني وَأصْحَابي عَلى رَأسِ صَيْلَعٍ ... حَدِيثٌ أطَارَ النّومَ عَني فَأنْعَمَا (¬2) فَقُلْتُ لِعِجْليِّ بَعِيدٍ مَآبُهُ: ... أبِنْ لي وبَيّن لي الحديثَ المًجمجَمَا (¬3) فَقَالَ: أبَيْتَ اللّعْنَ، عَمْرٌو وَكاهلٌ ... أباحَا حِمى حُجرٍ، فأصْيَحَ مُسْلَمَا ملامة [المنسرح] يردّ على بعض من عذله. أنّى عَلَيّ اسْتَتَبّ لَوْمُكُمَا ... وَلَمْ تَلُومَا حُجْراً وَلا عُصُمَا (¬4) كَلّا يَمِينُ الإلهِ يَجْمَعُنَا ... شَيءٌ وَأخْوَالَنَا بَني جُشَمَا (¬5) حَتى تَزُورَ الضِّبَاعُ مَلْحَمَةً ... كَأنّهَا مِنْ ثَمُودَ أوْ إرَمَا (¬6) ¬

_ (¬1) أقرّ حشاه: أدخل الطمأنينة على نفسه. (¬2) رأس صليع: اسم مكان. أنعم: بالغ. (¬3) المجمجم: المبهم، غير الواضح. (¬4) استتب: قرّ ونزل. (¬5) المعنى: لن نجتمع معكم أيها الأعداء ما كان بنو جشم أخوالي وهم الذين أعتز بهم. (¬6) ثمود: قبيلة عربية بائدة. إرم: مدينة قديمة بائدة.

الشريعة همها

الشريعة همها [الطويل] يصف الحُمر الوحشية. ولَمَا رَأتْ أنّ الشَّريعَةَ همُّها ... وأن البَياضَ مِنْ فَرَائصِها دامي (¬1) تَيَمَّمتِ العَيْنَ التي عِنْدَ ضارجٍ ... يفيء عليْها الظِّلُّ عَرْمَضُها طامي (¬2) ¬

_ (¬1) الشريعة: مورد الماء. فرائضها: ج فريضة: اللحمة بين الجني والكتف ترعد عند الخوف. (¬2) تيممت: قصدت، أمّت. ضارج: موضع. العرمض: الطّحلب. الطامي: المرتفع.

قافية النون

قافية النون من مِثْلُ العوير؟ [الطويل] يمدح عُوير بن شجنة من بني تميم الذي منع هنداً أخت الشاعر، بعد مقتل أبيها حجر ولجوئها إليه، ويمدح بني عوف رهطه. أحَنْظَلَ لَوْ حَامَيْتُمُ وصَبَرْتُمُ ... لأثْنَيتُ خَيْراً صالِحاً ولأَرْضاني (¬1) ألا إنّ قَوْماً كُنتمُ أمسِ دُونَهُمْ ... همْ مَنعوا جاراً لكُمْ آلَ غُدْرَانِ (¬2) عُوَيرٌ وَمَن مثلُ العُوَيْرِ وَرَهْطِهِ ... وَأسْعَدَ في لَيْلِ البَلابلِ صَفْوَانُ (¬3) ثِيَابُ بَني عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيّة ٌ ... وَأوْجُهُهُمْ عِنْدَ المَشَاهدِ غُرّانُ (¬4) هُمُ أبْلَغُوا الحَيَّ المُضَلَّلَ أهلَهُمْ ... وَسَارُوا بِهمْ بَينَ العِرَاقِ وَنجرِانِ (¬5) فَقَدْ أصْبَحُوا، وَالله أصْفَاهُمُ بِهِ ... أبَرّ بمِيثَاقٍ وَأوْفَى بجِيرَانِ (¬6) ¬

_ (¬1) يخاطب بني حنظلة: لو دافعتم عن عمي لأرضاني عملكم. (¬2) آل غدران: أهل غدر وعدم وفاء. (¬3) عوير وصفوان: رجلان ممن تحرم بهم. أسعد: أعان, البلابل: الهموم. (¬4) ثياب: هنا القلوب. غرّان: بيضاء طاهرة. (¬5) حيّ المضلّل: بنو عمه شرحبيل. أهلهم: بني كندة. (¬6) أصفاهم به: اختاره لهم.

ليالي الهوى

ليالي الهوى [الطويل] لِمَنْ طَلَلٌ أبْصَرتُهُ فَشَجَاني ... كَخَطّ زَبُورٍ في عَسِيبِ يَمَانِ (¬1) دِيَارٌ لهِنْدٍ وَالرَّبَابِ وَفَرْتَني ... لَيَالِيَنَا بِالنَّعْفِ مِنْ بَدَلانِ (¬2) لَيَاليَ يَدْعُوني الهَوَى فَأُجِيبُهُ ... وَأعْيُنُ مَنْ أهْوَى إليّ رَوَاني (¬3) فَإنْ أُمْسِ مَكْرُوبَاً فَيَا رُبَّ قَيْنَةٍ ... مُنَعَّمَةٍ أعْمَلْتُهَا بِكِرَانِ (¬4) لهَا مِزْهَرٌ يَعْلُو الخَمِيسَ بِصَوْتهِ ... أجَشُّ إذَا مَا حَرّكَتْهُ اليَدَانِ (¬5) وَإنْ أُمْسِ مَكْرُوباً فَيَا رُبَّ بُهمةٍ ... كشَفتُ إذا ما اسْوَدّ وَجْهُ الجَبانِ (¬6) وَانْ أُمْسِ مَكْرُوباً فَيا رُبَّ غارَةٍ ... شَهِدْتُ عَلى أقَبَّ رَخْوِ اللَّبَانِ (¬7) عَلى رَبِذٍ يَزْدَادُ عَفْواً إذَا جَرَى ... مِسَحٍّ حَثِيثِ الرَّكْضِ وَالذَّأَلانِ (¬8) وَيَخْدِي على صُمِّ صِلابٍ مَلاطِسٍ ... شَدِيدَاتِ عَقْدٍ، لَيّنَاتٍ مِتَانِ (¬9) وَغَيْثٍ منَ الوَسمِيّ حُوٍّ تِلاعُهُ ... تَبَطّنْتُهُ بِشَيْظَمٍ صَلَتَانِ (¬10) ¬

_ (¬1) شجاني: أحزنني. الزبور: الكتاب. العسيب: سعف النخل. (¬2) النعف: المكان المرتفع. بدلان: موضع. (¬3) رواني: نواظر. (¬4) القينة: الجارية. الكران: عود الطرب. (¬5) المزهر: العود. الخميس: الجيش. الأجش: الصوت فيه بحّة. (¬6) البهمة: الرجل الشجاع. (¬7) الأقب: الضامر. اللبان: الصدر. (¬8) الربذ: الفرس السريع. العفو: الجري بعفوية. الذألان: المرّ الخفيف. (¬9) يخدي: يسرع. الملاطس: ج ملطاس: المعول. العقد: عقد الأرساغ. (¬10) الوسمي: أول المطرفي فصل الخريف. حو: خضر. التلاع: ما ارتفع من الأرض. الشيظم الصلتان: الطويل منجرد الشعر.

قفا نبك

مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعاً ... كَتَيسِ ظِبَاءِ الحُلّبِ العَدَوَانِ (¬1) إذَا مَا جَنَبْنَاهُ تَأوّدَ مَتْنُهُ ... كعِرْقِ الرُّخامى اهْتَزّ في الهَطَلانِ (¬2) تَمَتّعْ مِنَ الدّنْيَا فَإنّكَ فَاني ... مِنَ النَّشَوَاتِ وَالنّسَاءِ الحِسَانِ (¬3) مِنَ البِيضِ كالآرَامِ وَالأُدمِ كالدّمى ... حَوَاصِنِهَا وَالمُبرِقَاتِ الرَّوَاني (¬4) أمِنْ ذِكْرِ نَبْهَانِيّةٍ حَلّ أهْلُهَا ... بِجِزْعِ المَلا عَيْنَاكَ تَبْتَدِرَانِ (¬5) فَدَمْعُهُمَا سَكْبٌ وَسَحٌّ وَدِيمَة ٌ ... وَرَشٌّ وَتَوْكَافٌ وَتَنْهَمِلانِ (¬6) كَأنّهُمَا مَزَادَتَا مُتَعَجِّلٍ ... فَرِيّانِ لَمّا تُسْلَقَا بِدِهَانِ (¬7) قفا نبكِ [الطويل] قِفا نَبكِ من ذكرَى حَبيبٍ وَعِرْفانِ ... وَرَسْمٍ عَفتْ آياتُه مُنذُ أزْمَانِ (¬8) أتَتْ حِجَجٌ بَعدي عَليها فأصْبَحَتْ ... كَخَطّ زَبُورٍ في مصَاحِفِ رُهبَانِ (¬9) ذكَرْتُ بها الحَيَّ الجَميعَ فَهَيّجَتْ ... عَقابيلَ سُقمٍ من ضَميرٍ وَأشجَانِ (¬10) ¬

_ (¬1) الحلب: بقل تأكله الوحوش. العدوان: الشديد الجري. (¬2) جنب: قاد. تأوّد: انثنى. الرخامى: النبات. (¬3) النشزات: السكرات. (¬4) الآرام: أولاد الظباء البيض. الحواضن: العفيفات. مبرقات: اللائي يظهرن حليّهن للرجال. (¬5) نبهانية: نسبة إلى قبيلة نبهان. تبتدران: تتسابق دموعهما. (¬6) سكب، وسحّ، وديمة، ورشّ، وتوكاف: كلها تأتي بمعنى شدة وغزارة انهمال الدمع. (¬7) المزادة: القربة. تسلقا: تدهنا. (¬8) الرسم: آقار الديار. آياته: علاماته. (¬9) الحجج: السنون. زبور: كتاب. (¬10) العقابيل: ج عقبول: وهي العلّة القديمة.

فَسَحّتُ دُموعي في الرِّداءِ كأنّهَا ... كُلىً من شَعِيبٍ ذاتُ سَحٍّ وَتَهْتانِ (¬1) إذا المَرْءُ لم يَخزُنْ عَلَيهِ لِسَانَهُ ... فَلَيْسَ على شَيْءٍ سِوَاهُ بخَزّانِ فَإمّا تَرَيْني في رِحَالَةِ جَابِرٍ ... على حَرَجٍ كالقَرّ تخفِقُ أكفَاني (¬2) فَيا رُبّ مَكرُوبٍ كَرَرْتُ وَرَاءَهُ ... وعانٍ فَكَكتُ الغُلَّ عنه فَفَدّاني (¬3) وَفِتيانِ صِدْقٍ قد بَعَثْتُ بسُحرَة ٍ ... فقاموا جَميعاً بَينَ عاثٍ وَنَشْوَانِ (¬4) وَخَرْقٍ بَعِيدٍ قد قَطَعْتُ نِيَاطَهُ ... على ذاتِ لَوْتٍ سَهوَة ِ المشْيِ مِذعانِ (¬5) وَغَيثٍ كألوَانِ الفَنا قَدْ هَبَطْتُهُ ... تَعَاوَرَ فيهِ كُلُّ أوْطَفَ حَنّانِ (¬6) على هَيكَلٍ يُعْطِيكَ قبلَ سُؤالِهِ ... أفَانِينَ جَرْيٍ غَيرِ كَزٍّ وَلا وَانِ (¬7) كتَيسِ الظِّباءِ الأعفَرِ انضَرَجَتْ له ... عُقابٌ تدَلّتْ من شمارِيخِ ثَهْلانِ (¬8) وَخَرْقٍ كجَوْفِ العيرِ قَفرٍ مَضَلّةٍ ... قطَعتُ بسامٍ ساهِمِ الوَجهِ حُسّانِ (¬9) يُدَافِعُ أعْطَافَ المَطَايَا بِرُكنِهِ ... كما مال غصْنٌ ناعمٌ فوْق أغصَانِ (¬10) ¬

_ (¬1) الكلى: ج كلية: الرقعة تكون في المزادة. التهتان: توالي انصباب الماء. (¬2) الحرج: سرير كالنعش. القر: مركب للنساء يشبه الهودج. أكفاني: أثوابي. (¬3) العاني: الأسير. الغلّ: الحبل في العنق. (¬4) العاثي: الأعمى. النشوان: السكران. (¬5) الخرق: الغلاة. اللّوث: العزم. السهوة: السهلة المشي. مذعان: مطاوعة. (¬6) الفنا: عنب الثعلب. تعاور: تداول. الأوطف: السحاب القريب ذو الأهداب. حنّان: فيه صوت الرعد. (¬7) هيكل: فرس ضخم. الكزّ: الضيق. الواني: الضعيف. (¬8) الأعفر: لونه بلون التراب. انضرجت: انقضّت. الشماريخ: رؤوس أعالي الجبال. ثهلان: اسم جبلأ. (¬9) قفر مضلّة: لا يهتدي فيها السائر بعلامات. سام: فرس مرتفع. ساهم الوجه: متغيّر الوجه. (¬10) الأعطاف: النواحي. بركنه: بمنكبه.

أبعد الحارث؟!

وَمَجْرٍ كَغُلاّنِ الأُنَيْعِمِ بَالِغٍ ... دِيَارَ العَدُوّ ذي زُهَاءٍ وَأرْكَانِ (¬1) مَطَوْتُ بهِمْ حَتَّى تَكِلُّ مَطِيُّهمْ ... وَحَتَّى الجِيَادُ ما يُقَدْنَ بِأرْسَانِ (¬2) وَحَتَّى تَرَى الجَونَ الَّذي كانَ بادِناً ... عَلَيْهِ عَوَافٍ مِنْ نُسُورٍ وَعِقْبانِ (¬3) أبعد الحارث؟! [الوافر] يصف الزمن ودورانه. أبَعْدَ الحَارِثِ المَلِكِ بنِ عَمْرٍو ... لَهُ مُلْكُ العِرَاقِ إلى عُمَانِ (¬4) مُجَاوِرَة ً بَني شَمَجَى بنِ جَرْمٍ ... هَوَاناً مَا أُتِيحَ مِنَ الهَوَانِ وَيَمْنَعُهَا بَنُو شَمَجَى بنِ جَرْمٍ ... مَعِيزَهُمُ، حَنَانَكَ، ذَا الحَنَانِ (¬5) المنّة [البسيط] امتنّ على امرئ القيس رجل من طيئ بمنة فقال امرؤ القيس هذا البيت. أفْسَدتَ بالمَنّ ما أوْلَيتَ من شِعَمٍ ... لَيسَ الكرِيمُ إذا أسْدَى بمَنّانِ ¬

_ (¬1) المجرّ: الجيش الكبير. الغلّان: الأودية. زهاء: كثرة. (¬2) مطوت: مددت بالسّير. (¬3) الجون: الفرس الأسود خالطه بياض. العوافي: الطيور الجارحة. (¬4) الحارث: هو الحارث الأكبر وهو عمّ الشاعر. (¬5) حنانك: عطفك وترحمك.

بكاء الملوك

بكاء الملوك [الوافر] ألا يَا عَينِ! بكّي لي شَنِينَا ... وَبَكّي لي لبمُلُوكَ الذّاهِبِينا (¬1) مُلُوكاً من بَني حُجْرِ بنِ عَمرٍو ... ثَسَاقُونَ العَشِيّةَ ثُقْتَلُونا فَلَوْ في يَوْمٍ مَعْرَكَةٍ أُصِيبُوا ... وَلَكِنْ في دِيَارِ بَني مَرِينا (¬2) فلمْ تُغْسَلْ جَماجمُهمْ بغُسلٍ ... وَلَكِنْ في الدّمَاءِ مُرَمَّلِينا (¬3) تَظَلُّ الطّيرُ عَاكِفَةً عَلَيْهِمْ ... وَتَنْزِعُ الحَوَاجِبَ وَالعُيُونا رديني [الطويل] يصف رمحه. جَمَعْتُ رُدَيْنِيّاً كَأنّ سِنَانَهُ ... سَنا لَهبٍ لمْ يَتّصِلْ بِدُخانِ (¬4) منازل دوارس [الطويل] ومَا هَاجَ هذا الشَّوْقَ غَيْرُ مَنَازِلٍ ... دَوَارِسَ بَيْنَ يَذْبُلٍ فَرَقَانِ (¬5) وغَرْبٌ عَلى مَقْطُورَةٍ بَكَرَتْ بِهِ ... غَدَتْ في سَوادِ اللّيْلِ قَبْلَ المَثَاني (¬6) يُصَرِّفُها شَئْنٌ يُرَى بِلَبَانِهِ ... لِحْيَتِهِ نَضْحٌ مِنَ النَّفَيَانِ (¬7) ¬

_ (¬1) الشنين: قطر الماء. الملوك الذاهبون: إخوته. (¬2) بنو مرين: قوم من أهل الحيرة. (¬3) مرملين: ملطّخين بالدماء. (¬4) الرديني: الرمح. (¬5) دوارس: منطمسة. يذبل، ورقان: اسما مكانين. (¬6) الغرب: الفرس الكثير الجري. (¬7) شئن: خشن. لبانه: صدره. النضح: رش الماء. النفيان: التراب.

غزلان

غزلان [الطويل] ومَا كُنْتُ أخْشَى أنْ أبِيتَ بِحِمْيَرٍ ... غَريباً ولا أغْدُو إلى بابِ هَمْدَانِ (¬1) ولا أتَثَنّى في ظِفَارٍ وأجْتَني ... جَنَى النَّحْلِ غَرْثاناً ولا غَيْرَ غَرْثانِ (¬2) ألا لَيْتَ لي بِالنَّحْلِ أحْيَاءُ عامِلٍ ... وبِالخَشَلَاتِ البُقْعِ أرْشَاءُ غِزْلانِ (¬3) ¬

_ (¬1) المعنى: لم أكن أخشى أن أبيت في بني حمير لأنهم أقربائي. (¬2) أتثنى: أتمايل. الغرثان: الجائع. (¬3) الخشلات: نوع من الأشجار. أرشاء: ج رشأ: ولد الغزال.

قافية الياء

قافية الياء حسبك من غنىً شبع وريُّ! [الوافر] ألا إنْ تَكُنْ إبْلٌ فَمِعْزَى ... كَأنّ قُرُونَ جِلّتِهَا العِصِيُّ وَجَادَ لهَا الرّبِيعُ بِوَاقِصَاتٍ، ... فَآرَامٍ، وَجَادَ لَهَا الوَليّ إذَا مُشّتْ حَوَالِبُهَا أرَنّتْ ... كَأنّ الحَيَّ صَيّحَهٌمْ نَعِيّ تَرُوحُ كَأنّهَا مِمّا أصَابَتْ ... مُعَلَّقَةٌ بِأحْقِيهَا الدُّليّ فَتُوسِعُ أهْلَهَا أقِطاً وَسَمْناً؛ ... وَحَسْبُكَ مِنْ غِنىً شِبَعٌ وَرِيُّ!

§1/1