ديوان الهذليين

مجموعة من المؤلفين

دِيوانُ الهُذليِّين

المكتبة العربية تصدرها الثقافة والإرشاد القومي بفرعيها المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر "الدار القومية للطباع والنشر - الدار المصرية للتأليف والترجمة"

مقدمة التحقيق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة اعتمدنا في تصحيح هذا الكتاب على نسخة مخطوطة من كتب المرحوم الأستاذ الشنقيطي الكبير محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 6 أدب ش ضمن مجوعة تشتمل عل جملة دواوين، وقد كتب عليها مالكها وواقفها ما نصه: "ملك هذا المجموع الفائق الرائق المشتمل على جملة وافرة من دواوين العرب العرباء أوّلها هذا (أي ديوان حسان بن ثابت) وواحد وثلاثون من دواوين شعراء هذيل، وديوان لبيد، وديوان الشماخ، وديوان الأعشى، وديوان ذي الرمة، وديوان ابن الدمينة، وديوان سراقة البارقي، محمد محمود بن التلاميد التركزي الشنقيطي المدني ثم المكي، ثم وقفه على عَصَبته بعده كسائر كُتُبه وقفا مؤبَّدا، فمن بدّله أو غيّره فإثمه عليه والله تعالى حسيبه، وكتبَه مالكه واقفه محمد محمود سنة ثلاث وتسعين ومائتين وألف". وديوان الهذليين المشتملة عليه هذه المجموعة ليس من خط الشنقيطيّ وإن كان مكتوبًا كلُّه بالخط المغربي. وقد ضبط جميع ما فيه من الشعر ضبطا حسنًا في أكثر الأحيان، وفي حواشيه شروح وتعليقات كتبها الأستاذ الشنقيطي بالخط المغربي الدقيق. وقد يقع في ألفاظ هذه الشروح تحريف وتصحيف، وتقديم وتأخير، وزيادة ونقص يضطرب به المعنى أحيانا، أو تكرار بغير مقتضٍ. وهذه الشروح هي التي أثبتناها في هذا الديوان بعد كلّ بيت ما كُتب عليه. والشعر

بالحروف الكبيرة، والشروح بحروف أصغر منها. ويظهر أن هذه الشروح والتعليقات مختصرة من شرح أبي سعيد السكري على ديوان الهذليين بدليل النقل عنه صراحة في كثير من معاني الأبيات دون غيره من شراح هذا الشعر. وقد بذلنا أقصى جهدنا في إصلاح ما وقع في هذه الشروح من أخطاء بالرجوع إلى شروح هذا الشعر في مظانّه، منبِّهين على ذلك في حواشي هذا الكتاب. ومن المظانّ التي رجعنا إليها شرح أبي سعيد الحسن بن الحسين السكري لديوان أبي ذؤيب المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 19 أدب ش وشرح الأنباري على المفضَّليات في القصيدة الأولى من شعر أبي ذؤيب. وما ورد في كتب اللغة من تفسير اللغويين لشعر الهذليين؛ فلم نَدَعْ تفسيرا لبيت ولا رواية فيه إلا ذكرناه في حواشينا على هذا الكتاب، منبِّهين على مصدره الذي نقلناه عنه؛ كما أننا لم نَدَع في هذا الشرح تفسيرا للفظ غريب إلا رجعنا إليه فيما بين أيدينا من كتب اللغة، فإن لم نجد هذا التفسير أو وجدنا ما يخالفه نبّهنا على ذلك في الحواشي، وذَكَرنا عبارة اللغويّين في تفسير هذا اللفظ. ولم نَدَع كذلك بيتا غامضَ المعنى لا يستطاع فهمُه إلاَّ أوضحناه وأبنّا المراد به. وقد طبع في أوربا مجموعات ثلاث من أشعار الهذليين: إحداها مجموعة طُبع منها جزءان كتب على الجزء الأول منها: "مجموع دواوين من أشعار الهذليين وهو يشتمل على ديوان أبي ذؤيب اعتنى بنشره واستخراجه لأوّل مرة يوسف هلّ الألماني هانوفر خزانة الكتب الشرقية لهاينس لافاير سنة 1926" وكتب على الجزء الثاني منها: "مجموعة أسعار الهذليين الجزء الثاني أشعار ساعدة بن جؤيّة، وأبي خراش الهُذَلي، والمتنخِّل، وأسامة بن الحارث، اعتنى بنشرها يوسف هلّ الألماني طبع بمدينة ليبزج سنة 1933" وعلى هذا الجزء الثاني نفس الشروح والتعليقات المكتوبة

على النسخة الشنقيطية بنصها. ومن الغريب أن ترتيب هذه النسخة الأوربية مخالف لنسخة الشنقيطي في ترتيب الشعراء مع الاتفاق بينهما في الشرح، كما أنها مخالفة للنسخة الشنقيطية في ترتيب شعر أبي ذؤيب. ويظهر لنا أن الجزء الأول من النسخة الأوربية هذه وهو المشتمل على شعر أبي ذؤيب قد نُقل من أصل يخالف الأصل الذي نُقِل منه الجزء الثاني. وكلا الجزءين فيه فهارس لقوافي الشعر، وأسماء الرجال والنساء الواردة فيه، وأسماء الأمكنة، وترجمةٌ لجميع ما رود فيه من الشعر باللغة الألمانية. والثانية مجموعة طبعت في لندن سنة 1854 وعليها شرح السكرى وقد كتب عليها "كتاب منتهى أشعار الهذليين صنعة أبي سعيد الحسن بن الحسين السكري رواية أبي الحسن علي بن عيسى بن علي النحوى عن أبي بكر أحمد بن محمد الحُلْوانيّ عنه" وهي محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 165 أدب وتشتمل علي شعر تسعة وعشرين من شعراء هُذَيل. والثالثة كُتب عليها "أشعار الهذليّين ما بقى منها في النسخة اللغدونية (أي الليدنية) غير مطبوع" وهي مطبوعة في برلين سنة 1884 وفيها ملاحظات وترجمة لما فيها من الشعر باللغة الألمانية للمسيو فلهاوزن الألماني. وهي محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 1781 أدب وتشتمل على شعرٍ لسبعة وعشرين شاعرا من شعراء هُذَيل، عدا ما تشتمل عليه مِن ذكر بعض الوقائع والأيّام وما قيل فيها من الشعر. وهذه المجوعة الثالثة مكمِّلة المجموعة الثانية التي عليها شرح السكري، وهي النسخة الليدينة. أحمد الزين بدار الكتب المصرية

صورة ما كتبه مالك نسخة الأصل وواقفها

صورة ما كتبه مالكُ نسخة الأصل وواقفُها المرحوم محمد محمود بن التلاميد التركزي الشنقيطي -رحمه الله- كتاب ديوان الهذليِّين وهو يشتمل على ثمانية أجزاء: خمسة منها من رواية أبي سعيد عن الأصمعي وهي الثاني والثالث والرابع والخامس والسابع. ولم نظفر من نسخة رواية أبي سعيد إلا بهذه الخمسة، وضاع الثاني، وهي ثلاثة من نسخة الأصل، ثم وقفنا بعد ذلك على نسخة أخرى ليست من رواية أبي سعيد، وهي كتاب واحد غير مجزأ يخالف نسخة رواية أبي سعيد في الترتيب وفي رواية بعض الأشعار ونسبتها إلى قائليها، فأخذنا ما وجدناه فيها مما ليس في رواية أبي سعيد وقسمناه إلى ثلاثة أجزاء وهي الأوّل والسادس والثامن وجعلناه تماما لهذه النسخة، وألحقنا كل شيء من ذلك بموضعه اللائق به حسبما أمكن، وبالله تعالى التوفيق. نقلتُ هذا الترتيب من نسخة الأصل التي نُسخ مها، وهو كما أثبت في هذه النسخة من خط يحيى بن المهديّ الحسينيّ؛ وتاريخه سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة وتاريخي سنة أربع وثمانين ومائتين وألف بالمدينة المنورة على منوِّرها أفضل الصلاة والسلام. اهـ.

شعر أبي ذؤيب

ديوان الهذليين بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم شعر أبي ذؤيب قال أبو ذؤيب (¬1) -وقد هلك له خمسة بنين في عام واحد، أصابهم الطاعون. وفي رواية: وكان له سبعة بنين شربوا من لبن شربت منه حية ثم ماتت فيه، فهلكوا في يوم واحد-: أمِنَ المَنُونِ ورَيْبِها تَتَوَجَّعُ؟ ... والدهرُ ليسَ بمُعْتِبٍ من يَجْزَعُ (¬2) ¬

_ (¬1) قال ابن قتيبة: أبو ذؤيب الهذلي، هو خويلد بن خالد بن محرث بن زبيد بن مخزوم بن صاهلة ابن كاهل، أخو بني مازن بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار، جاهلي إسلامي، وكان رواية لساعدة بن جؤية الهذلي، وخرج مع عبد الله بن الزبير في مغزى نحو المغرب فمات. وذكر العيني بعد أن ما نسبه إلى هذيل، قال كان مسلما على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يره، ولا خلاف أنه جاهل إسلامي. زاد، وقيل: إنه مات بأرض الروم ودفن هناك. اهـ ويلاحظ أنه قد ورد في النسخة الشنقيطية النسب السابق لأبي ذؤيب منقولا عن ابن قتيبة؛ وقد راجعنا الشعر والشعراء لابن قتيبة فلم نجد فيه إلا ذكر أبي ذؤيب وأبيه دون بقية نسبه المذكور هنا. (¬2) قال الضبي: المنون الدهر، سمى منونا لأنه يذهب بالمنة بضم الميم وتشديد النون، أي القوة. وقيل: المنون هي المنية. وعلى التفسير الأول روى: "وريبه" بتذكير الضمير. وعلى الثاني روى "وريبها". و"معتب"، أي راجع عما تكره إلى ما تحب. ويلاحظ أن جميع ما كتبناه من النقول في شرح القصيدة إنما لخصناه من شرح ابن الأنباري على المفضليات في شرحه لهذه القصيدة.

قالت أُمَيْمَةُ: ما لِجسْمِكَ شاحِبًا ... منذ ابتُذِلْتَ ومِثلُ مالِكَ ينفعُ (¬1)؟ أم ما لجَنْبِكَ لا يُلائم مَضْجَعا ... إلاَّ أَقَضَّ عليكَ ذاكَ المَضْجَعُ (¬2) فأجَبْتُها أَنْ ما لِجسْمِىَ أنّه ... أَوْدَى بَنِيَّ مِن البلادِ فوَدَّعوا (¬3) أَوْدَى بَنِيَّ وأَعْقَبوني غُصّةً ... بعد الرُّقادِ وعَبْرةً لا تُقْلِعُ (¬4) سَبَقوا هَوَىَّ وأَعْنَقوا لهَواهُمُ ... فتُخُرِّموا ولكلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ (¬5) فعَبَرْتُ بعدهمُ بعَيْشٍ ناصِبٍ ... وإخالُ أَنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبَعُ (¬6) ولقد حَرِصْتُ بأن أدافع عنهُم ... فإذا المنيّةُ أَقبلتْ لا تُدفَعُ ¬

_ (¬1) شاحبا، أي متغيرا مهزولا. وروى "سائيا"، أي يسوء من رآه. "وابتذلت" بالبناء للفاعل، أي امتهنت نفسك في الأعمال لموت من كان يكفيك أمر ضيعتك من بنيك. ويقرأ بالبناء المجهول أيضًا. وقد ضبط في شرح ابن الإنباري بكلا الوجهين. "ومثل مالك ينفع"، أي مثل مالك كثير يكفي صاحبه الذلة والامتهان، فتشترى من العبيد من يكفيك أمر ضيعتك ويقوم عليها. (¬2) "أقضّ عليك"، أي صار تحت جنبك مثل القضض، أي الحصى. يقول: كأن تحت جنبك حصى يقلقك ويمنعك النوم. ويروى: "أم ما لجسمك". (¬3) يروى: "بجسمي" وهي رواية جيدة. ويروى: "أنني". يقول: إنه أجابها بأن الذي أنحل جسمه وأهزله هلاك بنيه. (¬4) روى "وأودعوني حسرة" وهي واردة في الأصل أيضًا. ويشير بقوله: "بعد الرقاد" إلى أن حزنه يمنعه النوم حين ينام الناس. (¬5) "هوى"، أي هواى، وهي رواية واردة في الأصل أيضًا، وهذه لغة هذيل في كل اسم مقصور مضاف إلى ياء المتكلم، فيقولون: فتى وعصى، أي فتاى وعصاى. "وأعنقوا": أسرعوا، ويروى: "وأعنقوا لسبيلهم * ففقدتهم"، فتخرّموا"، أي أخذوا واحدا واحدا. (¬6) غبرت: بقيت. وناصب، أي ذي نصب بالتحريك، وهو الجهد والتعب. ومستتبع: مستلحق، استتبع فلان فلانا، أي ذهب به، يقول: أنا مذهوب بي وصائر إلى ما صاروا إليه.

وإذا المَنِيّةُ أَنشبت أظفارَها ... أَلْفَيْتَ كلَّ تميمةٍ لا تَنفَعُ فالعينُ بَعْدَهُمُ كأنّ حِداقَها ... سُمِلَتْ بشَوْكٍ فهيَ عُورٌ تَدْمَعُ (¬1) حتّى كأنّي للحوادثِ مَرْوَةٌ ... بصَفَا المُشَّرقِ كلَّ يومٍ تُقْرَعُ (¬2) لا بدّ من تَلَفٍ مقيمٍ فانتظِرْ ... أبأرْضِ قَومِكَ أم بأخرى المَصَرع (¬3) ولقد أَرَى أنّ البكاءَ سفاهةٌ ... ولسوف يُولَعُ بالبُكا من يُفْجَعُ وليأتين عيك يومٌ مرةً ... يُبْكَى عليك مقنَّعا لا تسمعُ (¬4) وتَجَلُّدِي للشامِتين أُرِيهِمُ ... أنِّي لرَيْبِ الدَّهْرِ لا أَتَضَعْضَعُ والنفسُ راغِبةٌ إذا رَغَّبْتَها ... فإِذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تَقْنَعُ كم من جميعِ الشَّمْلِ ملتئِم الهوى ... باتوا بعَيْشٍ ناعمٍ فتَصَدَّعوا (¬5) ¬

_ (¬1) الحداق: جمع حدقة بالتحريك، وهي واحدة، وإنما جمعها باعتبارها وما حولها. وروى في الأصل أيضًا "جفونها". وسملت، أي فقئت: وعور: جمع عوراء من العوّار بضم أوّله وتشديد ثانيه، وهو ما يصيب العين من رمد أو قذى، وكذلك العائر. (¬2) المروة: حجر أبيض براق تقتدح منه النار. ويقال لمن كثرت مصائبه: قرعت مروته. والمشرّق: مسجد الخيف بمنى، وإنما خصه لكثرة مرور الناس به، فهم يقرعون حجارته بمرورهم. وروى أبو عبيدة "المشقر" بتقديم القاف، وهو سوق بالطائف. (¬3) روى هذا البيت في المفضليات لمنمم بن نويرة من قصيدته التي أوّلها: "صرمت زنيبة حبل من لا يقطع". وروايته فيه: لا بد من تلف مصيب فانتظر ... أبأرض قومك أم بأخرى تصرع (¬4) روى هذا البيت أيضًا في المفضليات لمنمم بن نويرة من قصيدته المشار إليها في الحاشية السابقة. "ومقنعا"، أي ملففا بأكفانك. (¬5) ورد هذا البيت والذي يليه في النسخة الأوربية لديوان أبي ذؤيب ضمن الملحق المشتمل على الأبيات المنحولة له والتي لم توجد في ديوانه.

فلئن بهم فَجَعَ الزّمانُ ورَيْبُه ... إنّي بأهل مودتي لمَفَجَّعُ والدهرُ لا يَبْقَى على حَدَثاَنِه ... في رأسِ شاهِقَةٍ أَعزُّ مُمنَّعُ والدهرُ لا يَبقَى على حَدَثانِه ... جَوْنُ السَّراةِ له جَدائدُ أربَعُ يريد حمار الوحش. والجَوْن: الأسوَد. والسَّراة: أعلى الظهر. والجَدائد: أتُنُه. والجَداء (¬1): لا أُذُن لها. صَخِبُ الشَّوارِبِ لا يَزالُ كأنّه ... عَبْدٌ لآلِ "أبي رَبيعةَ" مُسْبَعُ (¬2) الصَّخِب: الصَّبَّاح. يريد تحريك شواربه بالنَّهيق. أَكَلَ الجَميمَ وطاوَعَتْه سَمْحَجٌ ... مِثلُ القَناةِ وأَزْعَلَتَهْ (¬3) الأَمْرُعُ الجَميم: حشيش يكون أوله (¬4) بارضا ثم يصير جَميما. والسَّمْحَج: الأتان الطويلة الظهر. وأَزْعَلَتْه: أَنشطَتْه. وعن أبي عبيدة قال: الأَمْرُع: الِخصب، يقال: مكان مَريع، أي مُخِصب، وكأنّ واحد الأمرُع مَرْعٌ أو مَرَع. وقال الجوهريّ ¬

_ (¬1) يلاحظ أنه كان الأنسب أن يفسر هنا الجدود بفتح الجيم، إذ هو واحد الجدائد -كما صنع ابن الأنباري وغيره- لا الجدّاء. والجدود من الأتن: التي خف لبنها. وإنما اعتبر الشاعر في حدثان الدهر بحمار الوحش، لما ذكروا من أنه يعمر مائتي سنة وأكثر من ذلك. (¬2) الشوارب: مخارج الصوت في الحلق. وأبو ربيعة، هو ابن ذهل بن شيبان. وقال أبو عبيدة: هو ابن المغيرة بن عبد الله المخزومي. وخصهم لأنهم كثيرو الأموال والعبيد. والمسبع: الذي أهمل مع السباع فصار كأنه سبع لخبثه، أو هو الذي قد وقع السبع في غنمه فهو يصيح. (¬3) روى في الأصل أيضًا: "وأسعلته" وهي بمعنى "أزعلته" أي أنشطته. (¬4) البارض من الحشيش: أول ما يظهر من النبات على وجه الأرض؛ فإذا نهض وانتشر فهو جميم.

في صحاحه: "المرَيع: الخصيب، والجمع أمرُع (¬1) وأمراع، مثل يمين وأيْمُن وأَيْمان قال أبو ذؤيب: أَكَلَ الجَميمَ" الخ. بقَرارِ قِيعانٍ (¬2) سَقاها وابِلٌ ... واهٍ فأَثْجَمَ بُرْهَةً يُقْلِعُ فَلبِثْنَ (¬3) حِينًا يَعْتَلِجنَ برَوْضَةٍ ... فيَجِدُّ حِينًا في العِلاجِ ويَشْمَعُ يَشْمَع. يلعب. وامرأة شَمُوع: لَعوب ضحوك مزّاحة. حتى إذا جزَرَتْ مياهُ رُزُونِه ... وبأيِّ حين مِلاوَةٍ تتقطّعُ جَزَرَتْ. نَقَصَتْ. ورُزُونُه: أماكن مرتفعة. وحَزّ (¬4) مِلاوةٍ، أي حين دهر. ذَكر الورودُ بها وشاقَى (¬5) أمْرَه ... شؤمٌ وأقبل حَيْنُه يتتبّعُ فافتنهنّ (¬6) من السَّواء، وماؤه ... بَثْرٌ وعانده طريقٌ مَهْيَعُ ¬

_ (¬1) قال ابن بري: لا يصح أن يجمع مريع على أمرع؛ لأن فعيلا لا يجمع على أفعل إلا إذا كان مؤنثا نحو يمين وأيمن. (¬2) القيعان: مناقع الماء في حر الطين، الواحد قاع. وقال ابن الأنباري: القاع القطعة من الأرض الصلبة الطيبة الطين. وروى: "صيّف" مكان قوله: "وابل". والصيّف: مطر الصيف. وروى في الأصل أيضًا "صيّب". "وواه"، كأنه منشق متخرق من شدّة انصبابه. وروى في الأصل أيضًا "غدق". "وأثجم": أسرع بالمطر. (¬3) "فلبثن"، أي الأتن. ويعتلجن: يتضاربن ويعضّ بعضهن بعضا. ويشير بهذا البيت إلى نشاطهن وشدّة فرحهن بما يرعينه من خصب. (¬4) "حزّ ملاوة": رواية الأصمعي. ويلاحظ أنه فسره ما لم يذكر في البيت هنا وإن كان كلاهما بمعنى واحد. وهو في هذا الشطر يتعجب من شدّة الحرّ وانقطاع الماء حين لا صبر للحمير عنها. (¬5) شاقى أمره مشاقاة: مفاعلة من الشقاء. وروى في الأصل أيضا: "وأجمع أمره" كما روى "شؤما" بالنصب. والحين بفتح الخاء: الهلاك، روى بالنصب أيضًا على أنه مفعول "يتتبع"، أي أقبل الحمار يتتبع أسباب هلاكه. (¬6) في رواية: "فاحتطهن". وفي أخرى واردة في الأصل أيضا "فاحتثهنّ".

افتَنّهنّ: طردهنّ فنونا من الطرد. السَّواء: المرتفع. بَثْر: كثير. وعانَدَه: عارَضَه. والمَهْيَع: الواسع. فكأنَّها "بالجِزْعِ" (¬1) بينُ "يُنابعٍ" ... "وأُولات ذي العَرجاء" نَهْبٌ مُجْمَعُ وكأنهنّ رِبابَةٌ وكأنّه ... يَسَرٌ يفيضُ (¬2) على القِداحِ ويَصْدَعُ الرِّبابة: خرقة (¬3) تغطَّى بها القِداح. ويقال: الرِّبابة هنا هي القداح (¬4). واليَسَر: الّذى يضرب بها، وهو المفيض. ويَصْدَع: يُفرِّق ويصيح. وكأنّما هو مِدْوَسٌ متقلِّبٌ ... في الكَفّ إلا أنه هو أضْلَعُ (¬5) المدْوَس: مِسَنّ الصَّيْقَل. وأَضْلعَ: أغلظ. فوَرَدْنَ والعَيُّوقُ مَقْعَدَ رابي ... الضُّرَباءَ فَوقَ النَّظْمِ (¬6) لا يَتَتَلَّعُ ¬

_ (¬1) الجزع بكسر الجيم: منعطف الوادي. وقال أبو عبيد: اللائق به فتح الجيم. وينابع -ويقال نبايع-: واد في بلاد هذيل. وروى في الأصل أيضًا "فكأنها بالجزع جزع نبايع". وذو العرجاء: أكمة أو هضبة. وأولاتها: قطع حولها من الأرض، كما فسره ابن الأنباري. شبه الناس المطرودة في هذه المواضع بإبل انتهبت وضم بعضها إلى بعض. (¬2) يفيض على القداح، أي يدفعها ويضرب بها. ونابت "على" هنا مناب الباء؛ وحروف الجرّ ينوب بعضها عن بعض. شبه الحمار في جمع الأتن وتفريقها في كل ناحية وهو يصيح، بصاحب قداح الميسر يجمعها في خرقة، ثم يفرّقها على أصحابها ويصيح قائلا: هذا قدح فلان، وفاز قدح فلان. (¬3) سميت ربابة من قولهم: "فلان يرب أمره"، أي يجمعه ويصلحه .. نقله ابن الأنباري عن الأصمعي. (¬4) في رأينا أن هذا التفسير الثاني للربابة أجود في هذا البيت. (¬5) شبّه الحمار في اجتماعه وصلابته بالمسنّ الذي تصقل به السيوف، ثم ذكر أن الحمار أغلظ منه وأشدّ. (¬6) فوق النظم، أي نظم الجوزاء. ويروى: "فوق النجم"، أي نجم الثريا. وفي اللسان (مادة عوق): "خلف النجم". يقول: إن هذه الحمر قد وردن الماء في آخر الليل حين طلوع كوكب العيوق فوق الجوزاء كأنه رابئ الضرباء -وهو الرجل الذي ينظر من يضربون بالقداح- وهذا الوقت تميل فيه الثريا للغروب والعيوق خلفها قريبا قرب هذا الرقيب.

وَرَدْن: يعني الحُمُرَ. والعَيُّوق: نجم يطلع بحيال الثريّا، وهي (¬1) تطلع قبل الجوزاء. فشبّه مكان هذا العَيّوق من الجوزاء بمقعد رابئ الضُّرَباء. والضُّرَباء: الذين يضربون القِداح. والرابئ: الرجل الذي يَربَأ، أي ينظر إلى ضاربي القداح. ويتتلّع: يتقدّم. فَشَرَعْنَ في حَجَراتِ عَذْبٍ بارِدٍ ... حَصِبِ البِطاحِ تَغيبُ فيه الأكْرُعُ (¬2) يعني الحُمُرَ، أي وردن ماء. و"حَصِب البِطاح"، أي ذات حصباء. والبِطاح: بطون الأودية. والحَجَرات: النواحي. والأ كْرُعُ: الأوظفة (¬3). فَشَرِبِنَ ثم سَمِعْنَ حِسًّا دونه ... شَرَفُ الحِجابِ، وَرَيْبَ قَرْعٍ يُقْرَعُ (¬4) "فشربن"، يعني الحُمُر. ثم سمعن حسًّا دون ذلك الحسّ شرف الحجاب، يريد حجاب الصائد؛ لأنه يستتر بشيء. و "ريْبَ قَرْعٍ"؛ أي سمعن رَيْبَ قَرْعِ الوَتَر. ونميمةً (¬5) من قانِصٍ مُتَلَبِّبٍ ... في كفِّه جَشءُ أجَشُّ وأقطُعُ ¬

_ (¬1) صوابه: "وهو يطلع"، أي العيوق، لا الثريا كما تفيده عبارته. انظر اللسان مادة عوق وشرح ابن الأنباري على المفضليات. (¬2) يقول: إن الحمر قد دخلت في ماء عذب بارد بطلحه ذات حصباء؛ وإذا كان الماء على حصباء كان أعذب له وأصفى. ويشير بقوله: "تغيب فيه الأكرع" إلى كثرته وعمقه. (¬3) الأوظفة: جمع وظيف، وهو مستدق الساق؛ أو هو ما فوق الرسغ إلى مفصل الساق. (¬4) ريب قرع، أي قرع الوتر الذي يجعل الحمر في ريب، أي في شك من وجود القانص. (¬5) في رواية "وهما هما"، أي أصواتا خفية جمع همهمة. ولكن الأصمعي رد هذه الرواية وقال: القانص أشدّ حذرا من أن يهمهم. يشير بهذا البيت إلى ما سمعنه من صوت الوتر الذي ينم عليه، ثم وصف القانص بأنه قد تحزم استعدادا للصيد وأمسك بكفه قوسا ونصالا.

النميمة: صوت الوتَر لأنه نمّ عليه. ملبِّب: متحزِّم. والجَشْء: قضيب خفيف. أجَشّ: غليظ الصوت، يعني القوس. وأقْطُع: جمع قِطْع، وهو نَصْل عريض قصير. فنَكِرنه فنَفَرْنَ وامترَسَتْ به ... سَطْعَاءُ (¬1) هادِيَةٌ وهادٍ جُرْشُعُ يعني الحميرَ نكِرن الصائد. فامترَسَتْ هَوْجاء (¬2)، يعني الأتانَ امتَرَستْ بالفحل: جعلت تُكادّه وتسير معه. والهَوْجاء (2): التي ترفع رأسها لتتقدّمه. وهادٍ، يعني الفحلَ. وجُرْشُع: منتفِخ الجنين؛ وأراد أنه امتَرَس هو بها أيضًا. فرَىَ فأَنْفَذَ مِن نَجودٍ (¬3) عائطٍ ... سَهْما فَخرَّ وريشُه مُتَصَمِّعُ يعني رمي الصائد. والنَّجود: الأتان الطويلة؛ وقال غيره (¬4): المتقدّمة الجريئة. والعائط: التي اعتاطت (¬5) رحمُها فلم تحمل "فخرّ": يعني السهمَ. "ورِيشُه متصمِّع" يعني منضمّ كالأذن الصَّمْعاء، وهي اللطيفة الصغيرة. وبقرات متصمِّعات: منضمّات من العطش. ¬

_ (¬1) السطعاء: الطويلة العنق. والهادية: المتقدّمة. يقول: إن الحمر نكرن الصائد ونفرن منه وتلازم الأتان والحمار والتصق كل منهما بصاحبه فزعا ورعبا. (¬2) "هوجاء": رواية أخرى في البيت. وكان الأنسب أن يفسر السطعاء أيضًا، إذ هي المثبتة هنا. (¬3) في رواية: "نحوص" مكان قوله: "نجود". والنحوص من الأتن: الحائل التي لم تحمل. يقول: إن الصائد رمى بسهمه فأنفذه في أتان طويلة، فخرّ السهم وريشه منضم بعضه إلى بعض من الدم. (¬4) يلاحظ أنه لم يذكر مرجع الضمير في قوله: "غيره". وعبارة السكري: "وقال غير الأصمعي". (¬5) اعتاطت رحمها، أي اعتاصت.

فبَدَا له أَقْرابُ هذا رائغا ... عَجِلًا فعيَّثَ في الكِنانة يُرْجِعُ (¬1) فبدا للصائد. أقراب هذا، أي خواصر هذا الحمار وهو رائغ. فعيَّثَ، أي أمال يده إلى كنانته ليأخذ سهما، ومنه: عاث الذئب في [الغنم] (¬2): إذا مدّ يده وأهوى إليها؛ وهذا أصله "عاث في الأرض"، أي أفسد. فرَمَى فأَلحْقَ صاعدِيًّا مِطْحَرًا ... بالكَشْحِ فاشتملَتْ عليه الأضْلُعُ صاعديًّا: يعني سهما منسوبا (¬3). والمِطْحَر: السهم البعيد الذهاب، ويروى: "مُطْحَرا"؛ وهو الّذي أُلزِقَتْ قُدَذُه. والقُذّة: الريش. أُطحِرَتْ خِتانَتُه أي أُخِذتْ جدّا. فاشتملت الأضلع على السهم، أي لبستْه. فأَبَدَّهُنَّ حُتُوفَهُنّ فهارِبٌ ... بذمائه أو بارِكٌ متجَعْجِعُ (¬4) ¬

_ (¬1) يقول: إن الصائد بعد أن رمى الأتان ظهرت له خواصر هذا الحمار حائدا عنه، فأمال يده إلى كنانته ليأخذ سهما آخر يرميه به. وهذا هو معنى التعبيث والإرجاع في البيت .. يقال: "أرجع يده إلى كنانته ليأخذ سهما"، أي أهوى بها إليها. وفي رواية: "رائغا * عنه". (¬2) لم ترد هذه الكلمة في الأصل؛ وأداة الجرّ قبل تقتضي إثباتها أخذا من كتب اللغة. (¬3) منسوبا، أي إلى (صعدة) على غير قياس، وهي قرية باليمن، كما ذكره ابن الأنباري. وفي اللسان مادة "صعد" أن الصاعدي نسبة على غير قياس إلى بنات صعدة، وهي حمير الوحش؛ واستشهد بهذا البيت. وقال الأصمعي: إنه لا يدرى إلى من نسبه. (¬4) روى أيضًا في الأصل: "فظالع"؛ والظالع: الذي في مشيته ما يشبه العرج. وروى: "بدمائه" بالدال المهملة. وروى "أو ساقط". يقول: إنه قد فرّق أسهمه في الحمر فأعطى كل واحد نصيبه من الموت، فمنها ما هرب ببقية نفسه، ومنها ما صرع ولصق بالأرض.

فأَبَدَّهُنّ (¬1)، أي الصائد أعطى كلّ واحدة منهنّ حَتْفَها، أي رمى كلّ واحدة بسهم. وقوله: "بذَمائه"، ببقيّةٍ من نَفْسه. "متجَعْجِع": لاصق بالأرض قد صُرع. يَعْثُرنَ في حَدِّ الظُّباتِ كأنّما ... كُسِيَتْ بُرودَ "بَني يزيدَ" الأَذْرُعُ (¬2) شبّه طرائق الدم في أذرعهنّ بطرائق تلك البرود؛ لأنّ تلك البرُود تضرب إلى الحمرة. والظُّبة: طَرَف النَّصْل. يقول: "يعثرن في حدّ الظُّبات (¬3) " والظُّبات: جمع ظُبَة. والدّهُر لا يَبْقَى على حَدَثانهِ ... شَبَبٌ أفَزَّته الكِلابُ مُرَوَّعُ (¬4) الشَّبَب: الثور المسن (¬5). أفزّته: استخفّتْه (¬6) وطردتْه. شَعَفَ الكِلابُ الضارِيات فؤادَه ... فإذا يَرىَ الصُّبحَ المصدَّقَ يفْزعُ (¬7) ¬

_ (¬1) أخذ هذا اللفظ من البدّة بضم الباء وتشديد الدال، وهي النصيب؛ يقال: "أبدّ بينهم العطاء وأبدّهم إياه": إذا أعطى كل واحد منهم بدّته، أي نصيبه على حدة ولم يجمع بين اثنين. (¬2) روى الأصمعي "يعثرن في علق النجيع" الخ. والعلق: قطع الدم. والنجيع: الطري منه. وفي رواية: "بني تزيد" بالتاء، وهو تزيد بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، تنسب إليهم البرود التزيدية. وروى أبو عبيدة: "برود أبي يزيد". قال: وكان تاجرا يبيع العصب بمكة. (¬3) يلاحظ أنه لم يذكر معنى البيت كما كان يقتضيه قوله: "يقول" وإنما أتى بنص العبارة الأولى منه؛ فلعل في الكلام نقصا. (¬4) في رواية: "مفزع" مكان قوله: "مروع". وقد بدأ الشاعر يصف حال ثور الوحش ومصير أمره مع كلاب الصيد وصاحبها، كما وصف حمر الوحش ومصير أمرها مع القانص. (¬5) وكذلك الشبوب والمشب بكسر الميم مع فتح الشين، وضم الميم مع كسر الشين. (¬6) عبارة القاموس وغيره: "أفززته": أزعجته؛ وهو أنسب بقوله بعد: "مروّع"؛ وقد استشهد شارحه ببيت أبي ذؤيب هذا. وفي رواية: "أفزته" بالراء المهملة مكان الزاي المعجمة ومؤدّى اللفظين واحد. (¬7) في رواية: "شعف الضراء الداجنات". والضراء من الكلاب: التي عوّدت الصيد، واحده ضرو بكسر الضاد. والداجنات: الأوالف المربَّيات للصيد.

يقول: الكلاب أذهبن فؤاد الثور. والضاريات: المتعوّدات. والصبح المصدَّق: المضيء، يقال: صبحٌ صادق وصبحٌ كاذب. وإنما يفزع عند الصبح لأن الصائد يباكره. ويَعُوذُ بالأَرْطَى (¬1) إذا ما شَفَّهُ ... قَطْرٌ وراحَتْهُ بَلِيلٌ زَعْزَعُ يقول: يعوذ بالأرْطَى ليمتنع. شفّه: جِهَده. وراحَتْه: أصابته ريح. بَلِيل: شمال باردة تنضح الماء. وزَعزَع: ريح شديدة تحرّك كل شيء. يَرْمي بعَيْنيَه الغُيوبَ وطَرْفُه ... مُغْضٍ، يُصَدِّق طَرْفُه (¬2) ما يَسْمَعُ الغُيوب: الواحد غَيْب، وهو الموضع الذي لا يُرى ما وراءه. فالثور يرمي بطرقه المواضعَ التي لا يُرى ما وراءها يخاف أن يأتيه منها ما يكره. يقول: هو ينظر ثم يُطرِق وله بين ظَهْرَيْ (¬3) ذلك النظر إغضاء. "يصدِّق طرفُه": يقول: إذا سمع شيئًا رمى ببصره فكان ذلك تصديقا لما سمع؛ لأنه لا يغفل عن النظر حين يتسمّع. فغدَا يشرِّق مَتْنَه فبدا له ... أُولىَ سَوابقِها قريبًا تُوزَعُ ¬

_ (¬1) في رواية "ويلوذ"؛ ويلوذ ويعوذ كلاهما بمعنى واحد. وفي رواية "ورائحة بليل". والأرطى: واحده أرطاة، وهو شجر ينبت بالرمل، ينبت عصيا من أصل واحد، ويطول قدر قامة، وله نوار مثل نوار الخلاف، ورائحته طيبة، والبقر تعتاده وتلجأ إليه من المطر والريح الشديدة. (¬2) ذكروا في تعليل أن نظر الثور يصدّق سمعه أن سمع الوحشية أقوى من بصرها. وروى أبو جعفر أحمد بن عبيد "طرفه" بالنصب، وجعل "ما" فاعلا لقوله: "يصدّق". (¬3) بين ظهري ذلك النظر، أي في وسطه؛ وكل ما كان في وسط شيء فهو بين ظهريه وظهرانيه. وعبارة السكريّ: "بين ذلك النظر".

فغدا الثور يشرِّق متنَه للشمس ليجفَّ ما عليه من الندى، فظهر له أُولى سوابقِ الكلاب قريبا تُوزَع. قال الأصمعي: "تُوزَع": تُكَفّ (¬1) ليجتمع بعضُها إلى بعض. وقال غيره: تُغرَى. فاهتاجَ مِن فَزَعٍ وسَدَّ فُروجَه ... غُبْرٌ ضَوارٍ: وافِيانِ وأَجْدَعُ (¬2) ويروَى: "فانصاع (¬3) من فَزَعٍ". "وسَدَّ فُروجَه"، بالعَدو. والفُروج: ما بين القوائم. والغُبْر: الكلاب تَضرب إلى الغُبْرة. ضَوارٍ: قد ضَرِيَتْ وتعوّدتْ. وافيان: لم تُقْطعَ آذانُهما. وأَجْدَع: قد قُطِعت أذنه، وهي علامةُ تُعلَّم بها الكلاب. يَنْهشنَه ويَذُبُّهُنّ ويَحْتَمِي ... عَبْلُ الشَّوَى بالطُّرَّتَيْنِ مُوَلَّعُ (¬4) ¬

_ (¬1) تكفّ، أي تكفّ عن التقدم ويردّ ما سبق منها إلى ما تخلف عنها؛ وإنما يريد الصائد جمع كلابه بعضها إلى بعض، لأنها إذا لقيت الثور فرادى لم تقو وقتلها واحدا بعد واحد، وإذا اجتمعت أعان بعضها بعضا. (¬2) في رواية "فارتاع". وفروج الثور: ما بين قوائمه. يقول: إنه حين رأى الكلاب قادمة نحوه ملأ ما بين قوائمه بالعدو الشديد الذي لم يدع انفراجا بينها لسرعة حركتها؛ فأسند الفعل إلى الغبر -وهي الكلاب التي تضرب إلى الغبرة- لأنها هي التي أفزعته وحملته على العدو. ويجوز أن يفسر قوله: "وسدّ فروجه غبر" بأن الكلاب دخلت بين قوائمه وأتته من جميع وجوهه، فلم تدع له وجها ينفذ منه. وفي رواية: "غبس" مكان قوله: "غبر" "وهي رواية في الأصل أيضا، وهي الكلاب تضرب غبرتها إلى السواد. وروى: "غضف" والغضف من الكلاب: التي طالت آذانها واسترخت وتكسرت خلقة، الواحد أغضف. (¬3) فانصاع أي ذهب في ناحية. (¬4) في رواية: "ينهسنه" بالسين. قال الأصمعي في الفرق بين النهش والنهس: إن النهش هو تناول اللحم أو الشيء من غير تمكن شبيها بالاختلاس. والنهس: أن يأخذ الشيء، متمكنا بمقدم الأسنان؛ نقله ابن الأنباري، وفي رواية: "ويذودهن". يقول: إن الكلاب ينهشن الثور وهو يدفعهن عنه ويحتمى منهنّ؛ ثم وصفه بأنه غليظ القوائم في طرتيه ألوان مختلفة.

يعنى الكلاب ينهشن الثور. ويَذودُهُنّ: يردّهن. ويحتمى: يَمتنع. عَبْلُ الشَّوَي (¬1)، أي غليظ القوائم. والطّرّتان: خَطّانِ يفصلان (¬2) بين الجنب والبطن. مُوَلَّع: فيه ألوان مختلفة. فنَحا لها بمُذلَّقَيْن كأنما ... بهما من النَّضْحِ المُجَدَّحِ أيْدعُ (¬3) فنحا الثور للكلاب ليطعنها. نحا: تحرَّف, والتحرُّف في الرمي والطعن أشدّ من غيرة. "بمذَلَّقَين": بقرنين محدَّدَين أملسين (¬4). يقول: كأنما القرنان (¬5) من لطخ الدم أَيْدَع. والأَيدَع: دم الأخوَين (¬6)، ويقال: الأَيدع: الزعفران. أى (¬7) يحرِّك قرنه في أجوافها فكأنه يُجدِّح (¬8) كما يجدَّح السَّويقُ. ¬

_ (¬1) واحد الشوى شواة. (¬2) في (اللسان) أن الطرتين مخطّ الجنبين. وقال الجوهرى: الطرّتان من الحمار: خطّان أسودان علي كنفيه؛ وقد جعلهما أبو ذؤيب للثور الوحشي أيضا، واستشهد بهذا البيت. (¬3) في رواية: "فحبالها"، أي إن الثور تقاصر ليطعن الكلاب؛ ومعنى البيت على رواية الأصل أنه تحرف ليطعنها بقرنيه المحدّدين، وشبه الدم الذي على قرنيه منها بالأيدع، وهو دم الأخوين. ويريد بالنضح المجدّح: الدم الذي حركه الثور بقرنه في أجواف الكلاب. وفي رواية: "من النضخ" بالخاء المعجمة. وذكر الأصمعى في الفرق بين النضخ والنضح، أن النضخ بالمعجمة لما ثخن من الدم وأنواع الطيب؛ والنضح بالمهملة لما رق؛ وقيل غير ذلك في الفرق بينهما. (¬4) يلاحظ أن قوله: "أملسين" ليس من تتمة معنى "مذلقين" إذ التذليق في السنان ونحوه: التحديد لا غير، كما في كتب اللغة. (¬5) صواب العبارة: "كأنما بالقرنين من لطخ الدم أيدع"، إذ التشبيه بالأيدع إنما هو للدم لا للقرنين كما يفيده ظاهر عبارته. أو لعل في الكلام نقصا، وصوابه: "كأنما القرنان من نطخ الدم [صبغا] بأيدع"؛ وإذن يستقيم الكلام. (¬6) قال أبو حنيفة: الأيدع صمغ أحمر يؤتي به من سقطرى. (¬7) هذا تفسير لكلمة المجدّح الواردة في البيت. (¬8) قد سبق الكلام على معني "يجدّح" أثناء الكلام في معني البيت في الحاشية رقم 3 من هذه الصفحة.

فكأنّ سَفُّودَينِ لمّا يُقْتَرَا ... عِجلَا له بشِواءِ شَرْبٍ يُنْزَعُ (¬1) سَفُّودَين: شبّه القرنين وقد نفَذا من جنب الكلب بسَفُّودَين. أراد: فكأنّ سفّودين عَجِلا للكلب. "لمّا يُقتَرا بشِواءِ شَرْبٍ"، أي لم يُشْوَ بهما ولم يكن لهما قُتار (¬2) بل جديدان (¬3). فصرَعْنَه تحت الغُبارِ وجَنْبُه ... مُتَتَرِّبٌ، ولكلّ جَنْب مَصْرَعُ حتى إذا ارتدّت وأَقْصَدَ عُصْبةً ... منها وقام شَريدُها يَتضرّعُ (¬4) ارتدّت الكلاب: رجعتْ. وأَقصَدَ الثورُ عصبة من الكلاب، أي قتلها. وقام شَريدها يتضرّع: يتصاغر ويتضاعف. شريدُها: ما بقى منها. فبدا له رَبُّ الكِلابِ بكفِّهِ ... بِيضٌ رِهافٌ رِيشُهُن مُقَزَّعُ (¬5) ¬

_ (¬1) السفّود: حديدة معّقفة يشوى بها اللحم، جمعه سفايد. والشرب: القوم يشربون، الواحد شارب كصحب وصاحب، وركب وراكب. و "بشواء"، متعلق بقوله: "يقترا". شبه قرني الثور وهما يكفان بالدم بسفّودى شرب نزعا قبل أن يدرك الشواء. وإنما خص الشرب لأنهم لا ينتظرون بالشواء أن يدرك. وفي رواية: "لما يفترا" بالفاء، أي لم يردا، فهما حارّان، وهو أسرع قتارا. قاله ابن الأعرابي. (¬2) القتار: رائحة اللحم المشوي، وربما جعلت العرب الشحم والدسم قتارا. (¬3) إنما وصف السفودين بأنهما جديدان لم يشوبهما لأن ذلك أحدّ لهما وأنفذ. (¬4) في رواية: "وأقصر عصبة" بالراء مكان الدال ورفع "عصبة". وفي رواية: "يتضوّع" بالواو، أي يعوي من الفزع، كما نقله ابن الأنبارى عن أبي عمرو. (¬5) يقول: إن الصائد قد ظهر للثور وفي كفه أسهم نصالها بيض رقاق الشفرات قد سوّى ريشها وقدّر. وروى: "فدنا له". وروى "رهاب" بالباء، جمع رهب؛ وهو بمعنى "رهاف" بالفاء. وقد أورد صاحب اللسان هذا البيت في مادة "رهب" مستشهدا على الرهب بمعنى النصل الرقيق. وروى ابن الأعرابي: "بيض صوائب".

أي وظهر (¬1) للثور ربُّ الكلاب. رِهاف: رِقاق الشَّفَرات، يعني نِصالا رِقاقا. ومقزَّع: محذَّف (¬2) مقدَّر. فرَمىَ ليُنقِذَ فَرَّهَا فهَوَى له ... سَهْمٌ فَأَنْفَذَ طُرَّتيه المِنْزَعُ (¬3) فرَمىَ الصائد الثورَ ليشَغَلهَ عن الكلاب. وفَرُّها: ما فَرّ منها؛ يقال: فارٌّ وفَرٌّ مثل صاحب وصَحْب وراكب ورَكْب. وقال بعضهم: فرُّها: بقيّتها. فكَبا كما يكْبو فَنِيقٌ تارِزٌ ... بالخَبْتِ إلاَّ أنّه هو أبْرَعُ (¬4) فكَبا الثور كما يكبو فَنِيق: فخل من الإبل. تارز: يابس، أي ميّت. أبرع يريد أن الفَنِيق أعظمُ من الثور. والدّهرُ لا يَبْقَى على حَدَثانهِ ... مُسْتَشْعِرٌ حَلَقَ الحَديد مُقَنَّعُ (¬5) مستشعِر، أي اتّخذه شِعارا (¬6). ومقنَّع: عليه مِغْفَر (¬7). ¬

_ (¬1) الأنسب: "فظهر" بالفاء مكان الواو، للملائمة بين التفسير والبيت. (¬2) المحذّف من الريش ونحوه: المسوّى تسوية حسنة بحذف ما يجب حذفه منه من الفضول. وفسر ابن الأنباري المقزع بأنه المنتّف من كثرة ما رمى به. (¬3) طرّتا الثور: مخطّ جنبيه. والمنزع: السهم، لأنه ينزع به. وروى هذا البيت في اللسان مادة "نزع": "فرمى لينقذ فرّها". بضم الفاء وتشديد الراء وتنوين آخره، وقال: إن الفرّه جمع فاره اهـ. والفاره: الحاذق. (¬4) كبا لوجهه يكبو كبوا: سقط. والخبت: ما اطمأن من الأرض واتسع، وروى "فنيق بارز"، أي ظاهره. (¬5) في رواية: "متسربل". يقول: إن الدهر لا يبقى على نوبه من حصنته الدروع وقنعته المغافر. وقد بدأ الشاعر يصف الشجاع في الحرب ومصير أمره مع قرنه. (¬6) الشعار: ما يلي شعر الجسد من الثياب، جمعه شعر ككتاب وكتب. (¬7) المغفر: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة في الحرب. وقيل: هو حلق يتقنع به المتسلح.

حَمِيَتْ عليه الدِّرْعُ حتَّى وَجْهُه ... مِن حَرِّها يومَ الكَريهةِ أَسْفَعُ (¬1) تَعْدو به خَوْصاءُ يَفْصِمُ جَرْيُها ... حِلَقَ الرِّحالةِ فهي رِخْوٌ تَمزَعُ (¬2) تعدو به: بالمستشعِر. خَوْصاء: فرس غائرة العينين. وحَلَقَ الرِّحالة، يعني الإبْزِيم. والرِّحالة: سَرْج (¬3) من جُلود. فهي رِخوٌ تَمزَع: تُسِرع في عَدْوِها، ويُروَى: "فهي رَهوٌ (¬4) تمْزَعُ". قَصَرَ الصَّبوحَ لها فشَرَّجَ لَحْمَها ... بالنَّيِّ فهي تَثُوخُ فيهما الإِصْبَعُ (¬5) قَصَر: حبسَ اللبنَ للفرس. فشَرَّجَ لَحْمَها، أي جعل فيه لونين من اللحم والشحم. تَثُوخ: تدْخُل. والمعنى: لو أُدخلتْ فيه إصبع من كثرة لدخلتْ. متفلِّقٌ أَنْساؤها عن قانيءٍ ... كالقُرْطِ صاوٍ غُبْرُه لا يُرضَعُ ¬

_ (¬1) في رواية واردة في الأصل أيضًا "صدئت". يريد أن الدرع قد صدئت من طول ما بلبسها في الحرب. والأسفع: الأسود. (¬2) يصف الفرس بأنها غائرة العينين، وبأنها حين تعدو بفارسها تزفر في عدوها فينفصم الحلق الذي في حزام سرجها؛ ثم يصفها بأنها رخو، أي سهلة مسترسلة في سيرها. "تمزع"، أي تمرّ مرّا سريعا كمرّ الغزال. قال الشاعر: "شديد الركض يمزع كالغزال". وفي رواية: "يقطع جريها". وفي رواية: "وهي رخو" بالواو مكان الفاء. (¬3) قال السكري في تفسير الرحالة: هي سرج من جلود ليس فيه خشب كانوا يتخذونه للركض الشديد. (¬4) رهو: بمعنى قوله: "رخوة" في الرواية الأولى. (¬5) يروى: "فشرج لحمها" بالبناء للمجهول؛ والمعنى يستقيم عليه أيضًا. والنيء: الشحم. يشير إلى حسن القيام على تغذية هذه الفرس لكرامتها على صاحبها حتى كثر عليها من الشحم واللحم ما لو غمزت فيه الأصبع دخلت فيه ولم تبلغ العظم، قال الأصمعي: وهذا من أخبث ما نعتت به الخيل؛ لأن هذه لو عدت ساعة لانقطعت لكثرة شحمها، وإنما توصف الخيل بصلابة اللحم؛ وأبو ذؤيب لم يكن صاحب خيل اهـ.

"متفلِّقٌ أَنْساؤها"، والأنساء لا تتفلّق، ولكن لمّا سَمِنت انفرجت اللحمة فظهر النَّسا (¬1) فصار كأنه في جَدْوَل. "عن قانيء" أي ضَرْعٍ أحمرَ. كالقُرْط في صغره. "غُبْرُه لا يُرْضَع": والغُبْر: بقيّة اللبن، ولم يرِد أن ثَمَّ بقيّة، وذلك أنها لم تحمِل، فهو أصلبُ لها. "وصاوٍ": يابس، ومِثلُه: "فلان لا يُرجَى خيره"، أي ليس عنده خير فيُرجَى. تَأبى بدرَّتِها إذا ما استُكْرِهَت (¬2) ... إلاَّ الحَميمَ فإنّه يَتَبَضَّعُ يقول: الفرس تأبَى بدِرَّة العَدْو، يقال للفرس الجواد إذا حرّكْتَه للعَدْو: "أعطاك ما عنده"؛ فإذا حملتَه على أكثر من ذلك فحرّكتَه بساقٍ أو سَوْط حملته عزّةُ نفسه علي ترك العَدْو وأخَذَ في المَرَح. قال (¬3): وهذا مما لا توصف به الخيل وقد (¬4) أساء. وقوله: "استُغْضِبَتْ": طُلِب ما عندها كرها. "ويَتَبضّع": ¬

_ (¬1) النسا بالقصر: عرق يخرج من الورك ويستبطن الفخذ، ثم يخرج في الساق فينحرف عن الكعب، ثم يجري في الوظيف حتى يبلغ الحافر. والأفصح أن يقال: "النسا" لا "عرق النسا". (¬2) في رواية واردة في الأصل أيضًا "استغضبت" وقد أشار إليها في الشرح. وفي رواية " استصعبت". والحميم: العرق. وقد اختلف المفسرون في معنى هذا البيت، فمن تفسيراتهم ما ذكر هنا في الشرح؛ ومنها ما ذكره أبو عبيدة من أنه يريد وصف الفرس بأنها لا درة بها من لبن وغيره إلا العرق فإنه يقطر؛ وينقض هذا التفسير قول الشاعر في البيت: "إذا ما استكرهت" فإنه يقتضى أن للفرس لبنا تجود به عفوا بلا استكراه، مع أنه يريد أنها لا لبن لها البتة، وهو من صفات الخيل الممدحة، كما قال أبو ذؤيب في بيت سابق "غبره لا يرضع"، أي لا غبر لها. وقال ابن الأعرابي: يريد أنها إذا حميت في الجري وحمى عليها لم تدرّ بعرق كثير، ولكنها تبتلّ، وهو أجود لها. (¬3) لم يذكر القائل فيما سبق؛ ويستفاد من كلام السكّريّ أنه الأصمعي. (¬4) وجه إساءته أنه وصف الفرس بما توصف به الناقة، فإن الذي يحمل على سرعة العدو بالسوط ونحوه إنما هي الناقة؛ ويدل على هذا قول الأصمعي بعد قوله: وقد أساء": "وإنما أراد بهذا (أي أبو ذؤيب) شدّة نفسها، إلا أنه كان لا يجيد في صفة الخيل وظن أن هذا مما توصف به". وقوله بعد: "إنهم كانوا أصحاب جمال، وكانوا يغيرون رجّالة لم تكن لهم خيل".

يتفتّح بالعَرَق ويتفجّر، فيقول: هي تأبى بدِرَّتها إذا ما اسُتُغْضِبَتْ لا تَأبَى العَرَق. بَيْنَا تَعَنُّقِه الكُماةَ ورَوْغِهِ ... يوما أُتيحَ له جَرئٌ سَلْفَعُ (¬1) يقول: هذا المستشعر بين تَعَنُّقِه الكُماة وبين رَوَغانِه، أي بين أن يُقبل ويراوِغ إذ قُتِل. أُتيحَ له، أي قُدّر له رجلٌ جرئ. سَلْفَع (¬2): جرئ الصدر. تعنَّقَ يتعنَّق تعنُّقا. يعْدُو به نَهِشُ المُشاشِ كأنّه ... صَدَعٌ سَليمٌ رَجْعُه، لا يَظْلَعُ (¬3) يقول: يعدو بهذا الجرئ فرسٌ نَهِشُ المُشاش: خفيف (¬4) القوائم في العَدْو. "كأنه صَدَعٌ" يعني الفرسَ كأنه ظبيٌ (¬5) لا صغير ولا كبير. "سَليمٌ رَجْعُه" يريد عَطْف يديه سليم. فتناديا (¬6) وتوافَقَتْ خَيلاهُما ... وكلاهُما بَطَلُ اللِّقاءَ مُخَدَّعُ ¬

_ (¬1) في رواية: "تعانقه". وروى أبو عبيدة: "فيما تعنقه" جعل "ما" زاندة صلة في الكلام. (¬2) سلفع، يقال للذكر والأنثى على السواء، ويقال أيضًا في المؤنث: "سلفعة" إلا أنه بلاهاء أكثر. (¬3) روى "عظمه" مكان قوله: "رجعه". والظلع: الغمز في المشي، وهو شبه العرج. (¬4) فسر بعض اللغويين قوله: "نهش المشاش" بأنه الخفيف النفس والعظام. (¬5) كما يقال الصدع للظبي يقال للحمار والوعل أيضًا؛ قال الأصمعي: الصدع الحمر والظباء والوعول وسط منها ليس بالعظيم ولا الصغير. (¬6) في رواية: "فتناذرا" أي أنذر كل منهما صاحبه يخوّفه نفسه. وفي رواية: "فتنازلا" أي نزل كل منهما عن فرسه وترجل كلاهما للقتال.

ويروَى: "مجدَّع" (¬1)، أي مجرَّح (¬2)، يقال: "جدَعَه بالسيف وجدَّعَه": إذا قطعه بالسيف. يقول: هذان الرجلان يتناديان بالبِراز. و"ومخدَّع" (¬3): مجرَّب. مُتَحامِيَيْنِ المَجْدَ كلٌّ واثِقٌ ... ببَلائه واليَوْمُ يَوْمٌ أَشْنَعُ ويروى: "يَتناهبان المجدَ" وهو أجوَد، أي كل واحد منهما يَحمى المجدَ يطلب أن يغلِب فيذكر. ثم ابتدأ فقال: "كلٌّ واثقٌ ببلائه"، يريد، كلُّ واحد منهما قد علم من نفسه بلاءً للناس حسنًا. وأشنعُ: كريهٌ. وعليهما مَسْرودَتانِ قضاهما ... "داودُ" أو صَنَعُ السَّوابِغِ "تُبَّعُ" (¬4) ويُروَى "وتَعاورا (¬5) مَسْروَدتَيْنِ". يقول: تَعاوَرا بالطعن مسرودتين: دِرعين. "قَضَاهما": فرغ منهما داود النبيّ عليه السلام؛ "أو صَنَعُ السَّوابِغ"، والصَّنَعُ: الحاذق بالعمل. ثم رَدَّ تُبَّعًا على صَنَعٍ. ¬

_ (¬1) كذا ورد هذا اللفظ في الأصل بالجيم والدال المهملة؛ ولم نجد هذه الرواية فيما راجعناه من كتب اللغة لا في مادة "جدع" ولا في غيرها؛ كما أننا لم نجدها فيما بين أيدينا من شروح هذه القصيدة على كثرة ما ورد فيها من الروايات. والذي وجدناه "مخذع" بالخاء والذال المعجمتين، أي مقطّع. والتخذيع: ضرب لا ينفذ؛ قاله ابن الأعرابي. وروى: "مشيّع"، وهو الذي معه من الصرامة والجرأة ما يشيعه. (¬2) الذي يستفاد من كتب اللغة أن المجدّع هو المقطع تقطيعا بائنا. وقيل: هو المقطوع الأنف أو الأذن أو اليد أو الشفة. ولم نجد ما يفيد أن المجدّع هو المجرّح كما هنا؛ والذي وجدناه بهذا المعنى المخذع بالخاء والذال. (¬3) أي أنه قد خدع مرة بعد مرة حتى حذر وفهم. (¬4) مسرودتان، أي درعان مخروزتان أو منسوجتان، من السرد، وهو الخرز؛ وقيل: النسج، وهو تداخل الحلق بعضها في بعض؛ وقيل: السرد السمر. وتبع: من ملوك حمير كانت تنسب إليه الدروع التبعية. وذكر الأصمعي ما يفيد أن أبا ذؤيب قد غلط في هذا فقال: إنه (أي أبا ذؤيب) سمع بالدروع التبعية فظن أن تبعًا عملها، وكان تبع أعظم شأنا من أن يصنع شيئًا بيده، وإنما عملت بأمره وفي ملكه، وهذا مثل قول الأعشى: فإن وثوبي راهب اللج والتي ... بناها قصيّ وحده وابن جرهم لم يدر (أي الأعشى) كيف بنيت الكعبة ولا من بناها، فقال على التوهم: "بناها قصي"، وقصي لم يبن الكعبة. (¬5) كما روى أيضًا: "وعليهما ماذيتان". والماذية من الدروع: السهلة اللينة. وقيل: البيضاء.

وكِلاهما في كفِّه يَزَنِيِّةٌ ... فيها سِنانٌ كالمنَارَةِ أَصْلَعُ (¬1) ويُروَى: "وَتشاجَرَا بمُذَلّقَيْن كلاهما (¬2)، تَشاجَرا: تَطاعَنا، "بمُذَلَّقَيْن": بسنانَين حادَّين، وأراد الرمحين. "كالمنارة": أراد السراج. "وأصلع"، أي يبرق؛ يقال:"انصَلَعت الشمسُ": إذا بدا ضوءها". وكلاهما مُتوَشِّحٌ ذا رَوْنَقٍ ... عَضْبًا إذا مسَّ الضَّريبةَ يَقْطَع قوله: "عَضْبا" أي قاطعا. ورَوْنَقه: ماؤه. والكريهة (¬3): الضَّريبة الشديدة. والضريبة: ما وقع عليه السيف. ويُروَى: "إذا مَسَّ الأَيابسَ" وهي العَظْم والحديدُ وما أشبه ذلك. فتخالَسَا نَفْسَيْهِما بنَوافِذٍ ... كنَوافِذِ العُبُطِ الّتي لا تُرْقَعُ (¬4) أي جعل كلُّ واحد منهما يختلس نفسَ صاحبه "أي يطعنه (¬5) بهذه النوافذِ العُبُط" إذا انقدّت (¬6)، والعُبُط: شُقوقٌ عُبِطتْ (¬7) في ثيابٍ جُدُد. ¬

_ (¬1) اليزنية: القناة منسوبة إلى ذي يزن من ملوك حمير. (¬2) تمام الرواية: "فيه شهاب" الخ. (¬3) هذه رواية أخرى في البيت مكان قوله: "الضريبة". (¬4) يقول: أن كلا من هذين البطلين قد اختلس نفس صاحبه بطعنات نوافذ تشبه في اتساعا ونفاذها وعدم التئامها شقوقا في ثياب جدد لا ترقع بعد شقها، وهي شقوق الجيوب وأطراف الأكمام والذيول، إذ هي التي لا ترقع بعد أن تشق، وهي العبط بضمتين، الواحد عبيط، من العبط، وهو شق الثوب ونحوه صحيحا. (¬5) كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين في الأصل؛ وهي غير مستقيمة؛ والظاهر أن في الكلام نقصا، فإن الشاعر يريد تشبيه نوافذ الطعن بنوافذ العبط، لا أن الطعن بنوافذ العبط كما تقيده عبارته لظهور فساده. وانظر كلامنا على معنى البيت في الحاشية التي قبل هذه. (¬6) في الأصل: "أنفذت"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتناه كما يقتضيه السياق. ويلوح لنا أن في هذه العبارة نقصا، وصوابها "إذا انقدّت لا ترقع". (¬7) في الأصل "خيطت"؛ وهو تصحيف. و"عبطت"، أي شقت.

وكِلاهما قد عاشَ عِيشَةَ ماجِدٍ ... وجَنَى العَلاءَ لو أنّ شيئا ينفعُ (¬1) "جنَى": كَسَب. "لو أن شيئًا ينفع": لو أنّ شيئًا يُنجي من الموت. * * * وقال أبو ذؤيب (¬2) أيضا هل الدهرُ إلا ليلة ونهارُها ... وإلا طُلوعُ الشمسِ ثم غِيارُها قوله: "غِيارُها" أراد غُيوبَها. أبَى القلب إلا "أُمَّ عمرٍو" وأصبحت ... تُحَرَّقُ نارِي بالشّكاةِ (¬3) ونارُها "تُحَرَّقُ ناري"، يقول: شاع خبري وخبرُها وانتشر بالقالة القبيحة. وعيَّرها الواشُون أنِّي أُحِبُّها ... وتلك شكاةٌ ظاهِرٌ عنك عارُها (¬4) "ظاهرٌ عنك"، أي لا يَعلق بك، أي يَظهر عنك وينبو. فلا يهنأ الواشين أنِّي هَجَرْتُها (¬5) ... وأَظلمَ دُونِي لَيْلُها ونَهارُها ¬

_ (¬1) هذا آخر بيت في القصيدة التي بنسخة المرحوم الشنقيطي. وفي نسخة أخرى ختمت بهذا البيت: فعَفَتْ ذُيولُ الرِّيح بعدُ عليهما ... والدّهرُ يَحِصُدُ رَيْبُه ما يَزرَعُ (¬2) قال أبو ذؤيب هذه القصيدة يرثى بها نشيبة بن محرث أحد بني مومل بن حطيط بن زيد بن قرد بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل. (¬3) ذكر السكري أنه يريد بالشكاة هنا النميمة والكلام القبيح والقالة. (¬4) تمثل عبد الله بن الزبير بالشطر الثاني من هذا البيت حين عيره رجل بأمه ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر، فقال: "وتلك شكاة ... " الخ أراد أن تعيره إياه بلقب أمه ليس عارا يستحيا منه، وإنما هو من مفاخره؛ لأنه لقب لقبها به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الغار مع أبي بكر رضي الله عنه. انظر هذه القصة في كتب السيرة. (¬5) في رواية: "أن قد هجرتها".

يقول: صار الليلُ والنهارُ عندي سواء فلا أقدر أن آتيَها، وكان الواشون يشتهون أن أهجرها، فلا هنَأَ لهم ذلك. فإنْ أعْتَذِرْ منها فإنِّي مُكَذَّبٌ ... وإن تعتذِر يُرْدَدْ عليها اعتِذارُها يقول: إنْ أعتذرْ من حبّها وأقول: ما بيني وبينها شيء فإني مكذَّب؛ وإن تعتذِر هي أيضًا تُكذَّب. فما أُمُّ خِشْفٍ "بالعَلاية" شادِنٍ ... تَنوشُ البَرِيَر حيثُ نالَ اهتِصارُها (¬1) يقال: شدَنَ وجَدَلَ (¬2)، إذا قَوِيَ وتحرَّك. تَنُوشُ البرير: تتناوله. والبَرير: ثمرُ الأراك. ونال اهتصارُها: حيث نال أن تهتصَره، أي تجذبه. والعَلايةُ: موضعٌ (¬3). والشادِنُ (¬4) خِشفٌ حين شدَنَ لحمُه وقَوِيَ وتحرّك (¬5). مُوَلَّعَةُ بالطُّرتَيْنِ دنا لها ... جَنَى أَيْكَةٍ يَضْفُو عليها قِصارُها (¬6) ¬

_ (¬1) الخشف: الظبي أول مشيه. وروى "فارد" مكان قوله: "شادن"، أي ظبية منفردة عن القطيع؛ ويقرأ مرفوعا؛ لأنه صفة لقوله: "أمّ". وروى: "مشدن" بضم الميم وسكون الشين وكسر الدال، من أشدنت الظبية إذا صار لها شادن يتبعها، وهو مرفوع أيضا. وفي معجم ياقوت في الكلام على "علاية": "بالعلاية دارها". يريد تشبيه حبيبته في حسن تلفتها بظبية قد قوى ولدها وتبعها وهي تتناول ثمر الأراك وتجتذب غصونه بفمها. وإنما شبهها بظبية ذات خشف لأنها شديدة الخوف على خشفها، فهي كثيرة التلفت إليه حذرا عليه. (¬2) في الأصل: "وجدن" بالنون؛ وهو تحريف. (¬3) لم يعين ياقوت هذا الموضع أيضًا، بل ذكره واستشهد بهذا البيت. (¬4) يلاحظ أن في تفسير الشادن هنا تكرارا لما سبق. (¬5) عبارة اللغويين: "شدن الخشف": إذا قوى وصلح جسمه وترعرع وملك أمه فمشى معها. (¬6) يصف تلك الظبية باختلاف الألوان في طرّتيها، أي مخط جنبيها، وبأنها ترعى في أيكة دانية الثمار سابغة عليها أغصانها القصيرة؛ وإذا سبغ القصار من الأغصان عليها فالطوال أسبغ وأضفى. وروى "موشّحة" مكان قوله: "مولّعة".

مُوَلَّعةٌ، أي ملونة بالطُّرَّتَين. والطُّرّتان: حيث ينقطع اختلاف لون الظّهر من لون البطن. وجَنَى أَيْكَةٍ: ما تَجْنِيه. "يَضْفُو عليها قِصارُها" يقول: كلُّ قصيرٍ من أغصان شجرة الأيْك فهو سابغٌ عليها. به أَبَلَتْ شَهَريْ ربيعٍ كليهِما ... فقد مارَ فيها نَسْؤُها واقتِرارُها (¬1) به: بهذا الموضع جَزَأَتْ (¬2) بالرُّطْب عن الماء؛ فقد (¬3) أَبَلَت تَأْبُلُ أُبُولا وأراد: بذلك النبتِ جَزأتْ. وقوله: "مارَ فيها"، أي جرى فيها نَسْؤُها، وهو بُدُوُّ سِمَنِها. والاقترار (¬4)، وذلك أنها إذا أكلت اليبيس والحِبَّةَ (¬5) خَثرَتْ (¬6) أبوالهُا فلا تَزُجُّ ببولها وإنما تبوله على أسؤقِها، يقال: تقرّرت الإبلُ في أسؤُقِها (¬7)، قال الشاعر: * حتى إذا ما بُلنَ مِثلَ الخَرْدَلِ * فإذا أكلت الرُّطْبَ ولم تأكل اليبيس رقَّت أبوالهُا فهي تَزُجّ بها زَجًّا. ¬

_ (¬1) في رواية: "بها"، أي بالأيكة. يقول: إن تلك الظبية قد اجتزأت بالرطب عن الماء شهري ربيع في تلك الآيكة حتى جرى فيها السمن بعد الهزال، ورقت أبوالها بعد خثورة وغلظ من طول ما رعت الرطب ولم ترع يبيس النبت الذي يهزل الأجسام ويغلظ الأبوال. (¬2) جزأت، أي اكتفت. (¬3) كذا وردت هذه الكلمة في الأصل. (¬4) فسر الاقترار في كتب اللغة بمعنى السمن أو نهايته. قال في شرح القاموس: وذلك إذا أكلت اليبيس وبزور الصحراء فعقدت عليها الشحم. قال: وبهما، أي بالسمن ونهايته فسر قول أبي ذؤيب هذا. (¬5) الحبة بالكسر: اليبيس المتكسر المتراكم بعضه على بعض. (¬6) خثرت: ثخنت وغلظت. (¬7) في الأصل: "أسواقها" ولم نجد هذا الجمع للساق فيما راجعناه من كتب اللغة. ويلاحظ أن "في" هنا بمعنى "على".

وسوّد ماءُ المَرْدِ فاها فَلَوْنُه ... كَلْونِ النَّوورِ فهي أدْماءُ سارهُا (¬1) أراد: سائرها، فقال: سارُها (¬2)، وكان ينبغي أن يقول: وهي آدمُ سارُها. وقال الأصمعي: أراد وهي آدمَ. بأِحسَنَ منها يومَ قامَتْ فأعْرضَت ... تُوارِي الدُّموعَ حِينَ جدَّ انحِدارُها (¬3) أراد: فما أمُّ خِشْفٍ بأحسنَ منها. قوله: أَعرضَتْ: أمكَنَتْ من عُرْضِها أي من ناحيتها. كأنّ على فِيها عُقارًا مُدامَةً ... سُلافَةَ راحٍ عَتَّقَتْها تِجارها (¬4) العُقار: ما عاقَر الدَّنَّ والعقلَ، يريد: ما لازَمَ؛ يقال: فلانٌ يُعاقِر الخمرَ أي يلازمها. والسُّلافة: أوَّل ما يَخرج من الخير. والراحُ: التي إذا شربها صاحبهُا ارتاح لها وأخذته خفّةٌ من ذلك. مُعتَّقةً مِن "أذْرِعاتٍ" هَوَتْ بها الـ ... ـرِّكابُ وعنَّتْها الزِّقاق وقارُها (¬5) ¬

_ (¬1) في رواية "وغيّر" مكان قوله: "وسوّد". والمرد: الغض من ثمر الأراك، وقيل: نضيجه. وفي التهذيب أن البرير ثمر الأراك، فالغض منه المرد، والنضيج الكباث. والنوور: دخان الشحم يعالج به الوشم ويحشى به حتى يخضر؛ وتقلب واوه همزة. والأدماء من الظباء: البيضاء التي التي تعلوها جدد فيها غبرة، فإن كانت الظباء خالصة البياض فهي الآرام. قاله الأصمعي. وروى: "وهي أدماء" بالواو مكان الفاء؛ وهذه الرواية أجود في رأينا. (¬2) نظيره شاك وشائك. (¬3) في رواية: "حين قامت". وفي رواية: "تكف الدموع". (¬4) عنقتها: أبقتها في الدن زمانا طويلا حتى عنقت، أي قدمت. يريد تشبيه ريقها بعقار الخمر التي طال عليها القدم فجادت. وقد ورد في النسختين الأوربية والمخطوطة قبل هذا البيت قوله: وما حاولت إلا لتعنت لبه ... غداة الظباء أو ليعذر جارها (¬5) في رواية: "مشعشعة"، أي ممزوجة. وأذرعات: بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمان (بتشديد الميم)، كانت تنسب إليه الخمر. وهوت بها الركاب، أي سارت مسرعة. وفي الأصل: "الرفاق" بالراء المهملة والفاء مكان قوله: "الزقاق"؛ وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا كما في النسختين الأوربية والمخطوطة لديوان أبي ذؤيب، (واللسان في مادة عنا).

قوله: وعَنَّتْها: أطالت حبسَها. وقال بعضُهم: إذا صببتَ الزِّقَّ فقد عَنَّيْتَه (¬1). وقال الأصمعي: إنما أصله من العَنِيَّةِ، وهي أبوالُ الإبِلِ تُخْلَط بأشياءَ وتُطبخ حتى تَخثُرَ (¬2). فلا تُشْتَرَى إِلّا برِبْحٍ، سِباؤُها ... بنَاتُ المخَاضِ شمُومُها وحِضارُها (¬3) قوله: "سِباؤُها بناتُ المخَاضِ"، يقول: تُشتَرىَ ببنَات المخَاض. وشُومُها: سُودُها. وحِضارُها: بيضُها. قال الأصمعي: لا واحد لهذين الحرفين تَرَى شَرْبَها حُمْرَ الحِداقِ كأنّهم ... أساوَى إذا ما سار فيهم سُوارُها (¬4) قوله: أَساوَى (¬5)، يريد كأنهم أصابتهم جِراحٌ في رءوسهم فأُسِيَتْ، أي أُصلِحتْ ومنه: "أسَوْتُ الجُرْحَ" إذا داويتَه وأصلحتَه. وسُوارُها: من السَّورة إذا سارت في رءوسهم أي ارتفعت. ¬

_ (¬1) كذا ورد هذا اللفظ في النسخة المخطوطة لديوان أبي ذؤيب مضبوطا، ونص العبارة الواردة فيها: "وإذا صببت الزق في الزق فقد عنيته". والذي في الأصل: "عننته، بنونين؛ وهو تصحيف. ويلاحظ أننا لم نجد هذا المعنى في التاج ولا في اللسان. وقد ذكر السكرى أن قائل هذا التفسير هو الباهليّ، وعبارته "عنتها": حوّلت من هذا إلى هذا. قال: "وهذه لغته". (¬2) أي وتطلى بها الإبل، كما يستفاد من كتب اللغة. (¬3) سباء الخمر: شراؤها. ويشير بهذا البيت إلى غلاء ثمن هذه الخمر. وفي رواية: "بزلها وعشارها" والبزل من الإبل: التي بزلت أنيابها أي طلعت، وذلك في تاسع سنيها. والعشار من النياق: التي مضى على حملها عشرة أشهر أو ثمانية؛ الواحدة عشراء، كنفساء. ويردّ هذه الرواية منافاتها لقوله قبل: "بنات المخاض"؛ وهي التي دخلت في السنة الثانية؛ وسميت بنات المخاض لأن أمهاتها لحقت بالمخاض، أي الحوامل وإن لم تكن حاملا. وفي رواية: "شيمها" بالياء مكان الواو في قوله: "شومها"؛ وكلا اللفظين بمعنى واحد، أي سودها، الواحد أشيم. (¬4) الشرب بفتح الشين: الجماعة يشربون، واحده شارب كركب وراكب وصحب وصاحب. ويشير بهذا البيت إلى شدّة تأثير الخمر في شاربيها، فيقول: إن أحداقهم تحمرّ عند شربها ويصيبهم من الفتور وانكسار العيون ما يصيب الذين جرحت رءوسهم ثم أسيت، أي أصلحت. وروى في اللسان مادة "سار" "أسارى" بالراء. (¬5) واحد الأساوى أسًى كغنًى.

فإنَّكَ منها والتعذُّرَ بعد ما ... لَجِجْتَ وشَطَّتْ مِنْ "فُطَيمةَ" دارُها (¬1) قوله: "فإنّك منها والتعذُّرَ" أي واعتذارك منها (¬2). كنَعْتِ التي ظَلَّت تُسَبِّع سُؤرَها ... وقالت: حَرامٌ أن يُرَجَّلَ جارُها (¬3) أي إنك واعتذارك منها أنَّك لا تحبّها بمنزلة التي قتلَتْ قتيلا (¬4) وضمَّت بزَّه، أي سلاحه، وتحرَّجتْ من أنْ يرجَّل جارُها وغسلتْ إناءَها سبعَ مرات؛ لأنّ الكلب ولغ فيه. يقول: فأنتَ مثل هذه التي حَجدت وفرَّت من الأمر الصغير وركبتْ أعظَم منه، فأنتَ في الكذب مثلُ هذه، لأنك قلتَ: لا أوَدُّها ولا أحبها. تَبَرَّأ مِنْ دَمِّ القَتيلِ وبَزِّه ... وقد عَلِقَتْ دَمَّ القَتيلِ إزارُها قوله: "وقد عَلِقتْ دَمّ القتل إزارُها": هذا مَثلٌ، كما يقال: حملت دمَ فلانٍ في ثوبك، أي قتلتَهُ. الإزار: مؤنث؛ قال أبو إسحاق: هو مؤنث. فإنك لو ساءَلْتِ عنّا فتُخْبَرِي ... إذا البُزْلُ راحت لا تَدُرُّ عِشارُها (¬5) ¬

_ (¬1) لججت، أي تماديت في حبها. (¬2) منها، أي من حبها. (¬3) في رواية: "قامت" مكان قوله: "ظلت". (¬4) قال الأصمعي في تلك القصة: "كانت هذه امرأة نزل بها رجل فتحرجت أن تدهنه وأن ترجل شعره، ثم جاء كلب لها فولغ في إنائها فقامت فغسلته سبع مرات، وذلك بعين الرجل، فجعل يتعجب منها ومن ورعها إذ أتاها قوم فطلبوا قتيلا عندها، فانتقلت من ذلك، أي حلفت وتبرأت، ثم فتشوا منزلها فوجدوا القتيل وسلاحه في بيتها". (¬5) يشير إلى كرمهم إذا اشتدّ البرد وأجدب الزمان. وكنى عن ذلك بعدم إدرار العشار، فإنها لا تدرّ باللبن إذ ذاك. وروى: "إذا الشول". قال السكري في تفسير الشول: إنها التي أتى عليها من نتاجها سبعة أشهر أو ثمانية فقلصت ضروعها وبطونها؛ وكل تقليص تشويل، اهـ. وواحد الشول شائلة وهذا الجمع غير قياسي.

يقول: في الزمن الشديد الذي لا تَدُرّ فيه العُشَراء؛ وذلك أن العُشراء حديثةُ النّتاج، والعُشَراء أيضًا التي لحملِها عشرة أشهر؛ فإذا وضعتْ بقي هذا الاسمُ عليها. لَأنْبِئْتِ أنّا نَجْتَدِي الفَضْلَ إنما ... يُكَلَّفُه من النّفوس خِيارُها (¬1) نَجْتدى: نطْلُب. يقول: من كانت له نفسٌ خيّرةٌ تكلَّف الفَضْلَ. لنا صِرَمٌ يُنحَرْنَ في كلّ شَتْوةٍ ... إِذا ما سماءُ الناس قَلَّ قطارُها (¬2) صِرَمٌ: قِطعُ إبلٍ، الواحدة صِرْمة، وهي ما بين العَشْر إلى العشرين. وسُودٌ من الصِّيدان فيها مَذانْبٌ ... نُضارٌ إِذا لم نَستفِدْها نُعارُها (¬3) الصِّيدان: قُدورٌ. فيها مَذانِب: مَغارِف. ونُضارٌ: من شَجر النُّضار. لهنَّ نَشِيجٌ بالنَّشِيلِ كأنّهما ... ضرائرُ حِرْمِيّ تَفاحَشَ غارُها (¬4) ¬

_ (¬1) في رواية: "الحمد" مكان "الفضل". وفي رواية: "لأخبرت أنا نشتري الحمد إنما". ومعنى اجتداء الفضل أو الحمد هنا أنهم يجودون إذا أمحل الناس فيكتسبون حمدهم. (¬2) القطار: الأمطار، الواحد قطر. (¬3) روى قوله: "الصيدان" بكسر الصاد وفتحها، فمن كسرها أراد جمع صاد، أي نحاس. يريد أن لهم قدورا من النحاس؛ ومن فتح الصاد أراد حجرا أبيض تعمل منه البرام؛ فهذه القدور منه. والنضار: ما طال من شجر الأثل واستقامت غضونه. وقيل: ما نبت منه في الجبل، وهو أفضله. ذكر ما لدى قومه من أدوات الإطعام والجود، وهي قدور النحاس ومغارف متخذة من النضار. ثم ذكر أنهم إذا لم يشتروها أخذوها من غيرهم عارية. وروى: "مذانب النضار" بالإضافة. (¬4) استعمال النشيج في الغليان هنا على سبيل المجاز. والنشيج في الأصل مثل بكاء الصبي إذا لم يخرج بكاءه وردّده في صدره. والنسبة في قوله: "حرميّ" إلى أهل الحرم، جارية على غير قياس. يقول: إن غليان تلك القدور بما فيها من اللحم كغليان الضرائر بالغيرة الفاحشة.

لهنّ، يقول: للقدور. نشيجٌ: غليانٌ، أي تَنْشِج باللحم الذي طُبِخ فها كأنها ضرائرُ. حِرْميّ: من أهل الحَرَمِ، وهم أوّل من اتخذ الضرائر. تفاحشَ غارُها، أي غارت غيرةً فاحشةً. والنَّشِيل: اللَّحمُ، وأصله ما أخرجتَ بيدك. إِذا استُعْجِلَتْ بعد الخُبُوِّ (¬1) ترازَمَتْ ... كهَزْمِ الظُّؤارِ جُرَّ عنها حُوارُها يقول: إذا استُعجلتْ هذه القدورُ بالوَقود. بعد الخُبُوّ، أي بعد السكون. ترازمت: سمعتَ لها رَزْمةً مثْلَ رَزْمةِ الإبل على أولادها، وهو حنينُها. إذا حُبَّ تَرْوِيحُ القُدُورِ فإنّنا ... نُرَوِّحُها سُفْعًا حميدًا قُتارُها (¬2) قال: ولم يُعَرف هذا البيت. فإنْ تَضرِمي حَبْلِي وإنْ تَتَبَدَّلِي ... خليلا، وإِحداكُنَّ سُوءٌ قُصارُها (¬3) "وإِحداكُنَّ سُوءٌ قُصارها" يقول: الأمرُ الذي تُقْصَر (¬4) عليه سوءٌ. قُصارُها: مصيُرها الذي تصير إليه. ¬

_ (¬1) روى: "قبل الهدوّ" مكان "بعد الخبوّ". والهزم: الصوت، كالهزيم. والظؤار: جمع ظئر، وهي من الإبل العاطفة على غير ولدها المرضعة له، وكذلك من غير الإبل. وجمع ظئر على ظؤار من الجموع النادرة. والحوار: ولد الناقة ساعة تضعه، أو من حين تضعه إلى أن يفطم ويفصل عن أمه. (¬2) في رواية "ترويح القتار"؛ والقتار: رائحة الشواء .. ونروّحها، أي نجيئهم بها في وقت الرواح. سفعا، أي سودا. وفي رواية: "شفعا" قال ابن الأعرابي في معنى قوله: "شفعا": يجمع لهم الطبيخ والشواء .. وقيل في معناه: نجيئهم بهذه القدور واثنتين اثنتين. (¬3) يقول: إن قطعت حبل مودّتي فغاية كل امرأة منكن إلى سوء. وروى "فإن تعرضي عني". (¬4) تقصر عليه، يريد الغاية التي تحبس عندها وتقف فلا تعدوها.

فإني إذا ما خُلَّةٌ رَثَّ وَصْلُها ... وجَدَّتْ بصُرْمٍ واستمر عِذارُها (¬1) رثَّ: خَلق. واستمر عِذارها: هذا مَثَلٌ؛ يقال: لَوَى عنّي عِذارَه: إذا عَصَى. وحالَتْ كَحَوْل القَوْسِ طُلَّتْ وعُطِّلَتْ ... ثلاثًا فزاغ (¬2) عَجْسُها وظُهارُها يقال عَجْسُ القوس ومَعجِسُها، يريد مَقبضَ القوس. "وحالتْ كحَوْل القوس": يعني هذه الخُلَّة انقلبت عن حالها كحوْل القوس: كانقلابها عند عَطْفها. وطُلَّت (¬3): أصابها الندَى (الطَّلُّ). وعُطّلت ثلاثًا فلم يُرمَ بها. قال الأصمعي: ثلاثة أشهر، فلمّا لم يذكر الأشهُرَ أنَّثَ، كما تقول: سِرتُ (¬4) خمسًا. فإني جَديرٌ أنْ أُوَدِّع عَهْدَها ... بحَمْدٍ ولَم يُرْفَعْ لَدَيْنا شَنارُها (¬5) فإني جديرٌ أي فإني خَليقٌ أن أودع عهدَها وأنا محمودٌ والأمر بيني وبينها ساكنٌ. والشَّنار: العيبُ والكلامُ القبيحُ. وإنِّي صَبَرتُ النفسَ بعد "ابنِ عَنْبَسٍ ... نُشَيْبَةَ" والهَلْكَى يَهيجُ ادِّكارُها صبَرتُ النفسَ: حبَستُها. المصبورة: المحبوسة. ¬

_ (¬1) الخلة بضم الخاء: الخليلة. "واستمر عذارها"، أي انفتل. يقال: أمررت الحبل فاستمر، أي فتلته فتلا شديدا فانفتل. (¬2) في رواية: "فأعيا" بدل قوله: "فزاغ". وظهار القوس: ظهرها، كما فسره السكري. والذي وجدناه في كتب اللغة أن الظهار مختص بالريش. ولا تصح إرادته هنا. يشبه خليلته في تحوّلها وعدم استقامتها على ودّه بقوس أصابها الطل فنديت، وعطلت، أي ألقى وترها ثلاثة أشهر كما قال الأصمعي، أو ثلاث سنين كما قال أبو عمرو، فاعوج مقبضها وظهرها، وأعيت تلك القوس أن ترجع إلى استقامتها. (¬3) روى "وطلت" بفتح الطاء، أي نديت. (¬4) خمسًا أي خمسة أيام. (¬5) روى: "وصلها" مكان "عهدها".

وذلك مَشْبوحُ الذراعين خَلْجَمٌ ... خَشُوفٌ إذا ما الحربُ طال مِرارهُا وذلك: يعني "نُشَيبةَ"، ومَشْبوح، يعني عريض. وخَلْجَم: طويل (¬1). خَشوف: يمرّ مرًّا سريعًا عند الحرب. مِرارُها: عِلاجُها؛ يقال: مارَّ فلان فلانا يمُارُّه مِرارا إذا عالجَه ليَصْرَعه. ضَروبٌ لِهاماتِ الرجالِ بسَيْفهِ ... إذا عُجِمتْ وَسْطَ الشُّؤون شِفارُها قوله: "عُجمتْ" أصلُ العَجْم العَضّ. ورُوىَ: "أُعجِمتْ": أُعِضَّتْ. والشُّؤون، هي أصل قَبائل (¬2) الرأس. والشِّفار: جمع شَفْرةٍ، وهي حدُّ السيف. بضربٍ يَقُضُّ البَيْضَ شِدّةُ وَقْعِهِ ... وَطعْنٍ كرَكْضِ الخَيْلِ تُفْلَى مِهارُها (¬3) يَقُضُّ: يكسِر، وقوله: "وطَعْنٍ كرَكْض": يعني الدمَ يَنضح كأنّه وَقع الخيلِ في دَفْعها بأرجُلها، كأنّه رَمْح الخيل. فَلاه يَفْلوه فَلْوا: طرده ونحّاه. وطَعْنةِ خَلْسٍ قد طَعَنْتَ مُرِشَّةٍ ... كعَطِّ الرداءِ لا يُشَكُّ طَوارُها (¬4) ¬

_ (¬1) فسر ابن حبيب الخلجم بأنه الرجل الجليد، والخشوف بأنه ماضي الليل. (¬2) قال بعض اللغويين في تفسير الشؤون: إنها الشعب التي تجمع بين قبائل الرأس، وهي مواصل القبائل، والقبائل أربع قطع بين كل قبيلتين شأن. (¬3) البيض: واحده بيضة، وهي من الحديد، تلبس فوق الرأس في الحرب، تشبيها لها بيضة النعام، ولها قبائل وصفائح كقبائل الرأس، تجمع أطراف بعضها إلى بعض بمسامير يشدّ بها طرفا كل قبيلتين. والمهار (بكسر الميم): جمع مهر (بالضم). يصف الضرب بأنه شديد يكسر البيض الذي على رؤوس المحاربين. ويشبه الدم في سرعة خروجه بركض الأفراس التي فصلت عنها أولادها، فهي تذب عنها بأرجلها، وتدفع من أراد فصلها عنها. (¬4) يصف الطعنة بأنها متسعة ترش الدم. ويشبه ما تحدثه في البدن من الشق بشق الثوب الذي لا يلتئم.

قولهُ: "مُرِشَّةٍ" أي طعنةٍ تُرِشُّ بالدم من شدّة دفعه. كعطِّ الرِّداء، أي كشَقِّ الرداء. لا يُشَكّ: لا يخاط طَوارُها. والطَّوارُ. طُولُ (¬1) الثوب مع الحاشية. مُسَحْسِحَةٍ تَنفي الحَصَى عَنْ طريقِها ... يُطيِّر أحشاءَ الرَّعيبِ انثرارُها "مُسَحْسِحَةٍ"، يعني الطعنة تَسِيل دماء. والدم يَنْفِي الحَصى من شدة وقعه. قوله: * يُطَيِّر أحشاءَ الرَّعيبِ انثرارُها * الانثرار: سَعة الشَّخْب، وهو مَخرج الدم، فيقول: "يُخشَى (¬2) على نفس المَرْعوب" إذا رآها، لأنها تُشخَبُ. ومُدَّعَسٍ فيه الأنِيضُ اختَفَيْتَه ... بجَرْداء يَنْتابُ الثَّمِيلَ حِمارُها (¬3) "ومُدَّعَسٍ" (¬4) يعني مختبَزَ القَومِ. "فيه الأنيض" (¬5)، وهو اللحم الذي لم يُبلغَ به النُّضج. والثَّميل. بقيّة الماء. اختفيتَه (¬6): استخرجته. والجرداء ها هنا: أرض (¬7). فهذا الحمار ينتابه (¬8)، أي يأتيه. فيخبرك (¬9) أنها أرضٌ ليس فيها إلا الوحش. ¬

_ (¬1) في الأصل: "طوار"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا نقلا عن السكري - رحمه الله - وقد فسر الطوار أيضًا في كتب اللغة بأنه حدّ الشيء. أو ما كان بحذائه، أي مقابلته؛ وكل من التفسيرين يستقيم به معنى البيت أيضًا. وقد أورد ابن الأعرابي هذا البيت شاهدا على الطوار بمعنى حدّ الشيء أو طوله. (¬2) كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين في الأصل مرادا بها تفسير قوله في البيت: "تطيّر أحشاء الرعيب". وعبارة السكري: "تجشأ نفس المرعوب إذا رآها مسحسحة، أي تقلقلها وتحركها من الفزع". ويلاحظ أنها أوضح في المراد وأقرب إلى عبارة الشاعر؛ فإن الذي في الأصل تفسير باللازم. والذي ذكره السكري تفسير بالمعنى الأصلي، كما هو ظاهر. (¬3) يصفه بأنه كثير الأسفار فيقول: إنه يعجل باستخراج اللحم من مشتواه في البادية قبل نضجه خوفا من الانتظار فيهلك. ويصف الفلاة بأنها جرداء لا نبات بها ولا ماء، فحمار الوحش بها يرد بقايا المياه القليلة في الغدران والأودية لفقدانه المياه الكثيرة فيها. (¬4) قال الأصمعي في تفسير "المدّعس": هو موضع مختبز القوم وحيث توضع الحلة ويشتوى اللحم، وهو مدفن اللحم. (¬5) في كتب اللغة "أنض اللحم يأنض" بكسر النون أنيضا: إذا تغير. (¬6) في كتب اللغة "خفيت الشيء خفيا بفتح أوله وسكون ثانيه وخفيا بضم أوله وتشديد الباء: إذا أظهرته واستخرجته. (¬7) أي لا نبات بها. (¬8) ينتابه، أي ينتاب الثميل. (¬9) فيخبرك، أي الشاعر.

وعاديَةٍ تُلقِي الثيابَ كأنّها ... تُيوسُ ظِباءٍ مَحْصُها وانبتارُها (¬1) عاديةٍ: قَومٍ يَعْدون. والمَحْص: عَدْوٌ شديد .. والانبتار: يَنْبَتِر في عَدْوِه أي يَقطَعُه (¬2) قَطْعا. سَبَقت (¬3) إذا ما الشمسُ كانت كأنها ... صَلاءةُ طِيبٍ ليِطُها واصفِرارُها يقول: سبقتَ، يعني نُشيبَةَ (¬4). لِيطُها ها هنا: لونُها حين تصْفرّ. إذا ما سِراعُ القوِم كانوا كأنهم ... قوافلُ خَيْلٍ جَرْيُها واقْوِرارُها (¬5) قوله: "كأنهم قوافلُ خيلٍ"، قد قَفَلتْ: يبِستْ. واقورارُها: ضُمهرُها. إذا ما الخَلاجِيمُ العَلاجِيمُ نَكَّلوا ... وطالَ عليهِمْ حَمْيُها وسُعارُها (¬6) الخلاجيم العَلاجيم: الطِّوال. وقوله: نكَّلوا، أي جَعلوا ينَكُلون ويَجبُنون. ¬

_ (¬1) يصفه بأنه شديد العدو، فيقول: رب قوم يعدون إلى الغارة فيسقطون ثيابهم من شدة العدو ويشبهون في السرعة تيوس الظباء، قد سبقتهم أنت في ذلك. وروى: "يعافير رمل" مكان قوله: "تيوس ظباء". وروى: "قوافل خيل". والقوافل: الضوامر. (¬2) فسر قوله: "وانبتارها" أيضًا بأن هذه العادية تنبتر من الخيل فتسبق وتمضى. (¬3) كذا في نسختي الديوان الأوربية والمخطوطة. والذي في الأصل: "كأن الشمس" وهو لا يستقيم مع بقية الشطر، وروى في النسختين السابق ذكرهما "آضت"، أي صارت مكان قوله: "كانت". وفي رواية "لونها" مكان قوله: "ليطها". ومؤدى الروايتين واحد. وصلاءة الطيب وصلايته: حجر عريض يدق عليه. يقول: إنه يسبق تلك العادية إذا عدوا للغارة حين تصفر الشمس وتميل للغروب. وإنما خص هذا الوقت لأن الغارة فيه أستر وأخفى. (¬4) كذا في شرح السكري. والذي في الأصل: "نفسه"؛ وهو تحريف. (¬5) لم يرو الأصمعي هذا البيت. وروى مكانه البيت الذي بعده وجعله آخر القصيدة. (¬6) روى السكري هذا البيت بعد قوله السابق في هذه القصيدة: "وذلك مشبوح الذراعين" الخ البيت. وذكر أن ابن حبيب روى فيه: "أحجمت" مكان قوله: "نكلوا". قال: وهو أجود. وفي رواية: "ضرسها" مكان قوله: "حميها". وقد وردت هذه الرواية في اللسان أيضًا مادة "علجم". وروى في الأصل أيضا: "جمعها". وسعارها، أي حرّها والتهابها.

وقال أبو ذؤيب أيضا يقولون لي: لو كان "بالرَّمْلِ" لَمْ يَمُتْ ... "نُشَيْبةُ" والطُّرّاقُ يكَذِبُ قِيلُها يقولون: لو كان بمكان مَريء (¬1) لم يَمُتْ. والطُّرّاق: الذين يَضربون بالحصى ويتكهّنون. ولو أنني استوْدَعْتُه الشَّمْسَ لارَتَقَتْ ... إليهِ المَنايا عَيْنُها ورَسولُها يقول: لو صيَّرتُه في الشمس لَأتَتْه المَنايا. وعَينُها: يقينُها (¬2). ورسولهُا: مَثَلٌ. وكُنْتُ كعَظْم العاجماتِ اكتَنَفْنَه ... بأطرافِه حتى استدَقَّ نُحولهُا (¬3) العاجِمات: الماضِغات من الإبل ها هنا. وقوله: اكتنفته، أي أَخذن بنواحي العَظْم يمضُغنه. وقوله: بأطرافه، وإنما للعظم طَرَفان، ولكن قد يُجعل الاثنان جمعًا فأراد كما تقول: أُخِذَ بأطراف عَظْمِه، وإنما تريد طَرَفَيْ عَظْمِه، وأراد ما يلي الطَّرَفين من العَظْم، كما تقول: إنها لحسنة اللَّبات، أراد (¬4) اللّبّةَ وما حولها. ¬

_ (¬1) مريء، أي حسن الهواء غير وخيم. (¬2) فسر أيضًا في اللسان مادة "عين" قوله: "عينها" بأنه يريد نفسها، ثم قال: كان ينبغي أن يقول: أعينها ورسلها، لأن المنايا جمع فوضع الواحد موضع الجمع. وفسر السكري أيضًا هذا اللفظ بهذا المعنى. (¬3) روى الأخفش والباهلي، بأطرافها"، أي الأطراف التي تليها -أي تلي العاجمات- من العظم. وفسر ابن حبيب "أطرافها" بأنه يريد أسنانها؛ وما هنا هو رواية أبي نصر. وقال الأخفش في تفسير هذا البيت: يقول ركبتني المصائب وعجمتني كما عجمت الإبل العظام؛ والإبل إذا أسنت أولعت بالعظام البالية تمضغها تتملح بها تتخذها كالحمض. (¬4) صوابه: "تريد" إذ هو المناسب لقوله قبل: "تقول". وعبارة السكري: "وأنت تريد".

وقوله: "حتى استَدَقّ نُحُولهُا" أي دقَّ دِقُّها، والهاء لأطراف. دِقّتُها، أي كأنها ازدادت دِقّة. على حِينَ ساواه الشَّبابُ وقارَبَتْ ... خُطَايَ وخِلْتُ الأرضَ وَعْثًا (¬1) سُهولُها أراد: أصابتني المصيبةُ حين تم "نُشَيبةُ" ونقصتُ أنا وكَبِرتُ. حَدَرْناهُ بالأثْوابِ في قَعْرِ هُوَّةٍ ... شَديدٍ على ما ضُمَّ في اللَّحْد جُوُلها أي قَبرٍ (¬2). فالهُوَّة ها هنا: القبر. ما له جُولٌ ولا معقول، أي رأيٌ وتمَاسُكٌ (¬3) وأصله جانبُ البئر. يقال: انهَدَم جُولُ البئرِ وَجالهُا. (أساس البلاغة). * * * وقال أبو ذؤيب أيضا ألَا زعَمتْ "أسماءُ" أن لا أُحِبُّها ... فقلتُ: بَلَى، لولا ينازِعُني شُغْلِي ينازِعُني: يجاذِبُني. يقول: لو (¬4) يُخَلِّيني (¬5) شُغْلي وما أريد. ¬

_ (¬1) روى: "سوّاه الشباب" كما روى: "وعرا" مكان قوله: "وعثا"؛ والوعث من الطرق: ما عسر السلوك فيه وشق. ويريد بقوله: "وقاربت خطاي"، قرب بعضها من بعض وتقاصرها. يشير إلى ضعفه عن المشي لكبر سنه، فيظن سهول الأرض وعورا وحزونا يصعب سلوكها. (¬2) في الأصل: "قتل"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا، إذ معنى البيت يقتضي أنه قبر لا قتل. (¬3) المناسب في تفسير الجول هنا ما ورد في اللسان من أن جول القبر ما حوله. قال: وبه فسر قول أبي ذؤيب، وأنشد هذا البيت. وعبارة السكري في شرحه: الجول ها هنا: ما حول القبر من داخله. (¬4) كذا في شرح السكري: والذي في الأصل "لولا" ولا يناسب معناه سياق العبارة: وذكر ابن هشام في المغني أن "لولا" في بيت أبي ذؤيب هذا كلمتان بمنزلة قولك: "لو لم". (¬5) في الأصل: "تخليتي"؛ وهو تصحيف؛ وما أثبتناه عن شرح السكريّ. ونص عبارته: "لو يخليني شغلي وما أريد لجزيتك وأضعفت" اهـ. يشير إلى أن جواب "لولا" في البيت الآتي.

جَزَيْتُكِ ضِعْفَ الوُدِّ لما شَكَيْتِهِ ... وما إن جَزاكِ الضِّعْف مِن أَحدٍ قَبلي (¬1) لَعَمْرُكَ ما عَيْساءُ تَتْبَعُ شادِنًا ... يَعِنُّ لها "بالجِزْع" مِن "نَخِبِ" النَّجْلِ (¬2) قال الأصمعيّ: عَيْساء، يعني ظبيةً بيضاء، شبّهها (¬3) بالمرأة. تَتْبَعُ شادِنًا، يعني وَلَدَها. ويَعِنُّ لها: يَعْرِض لها. بالجِزْعِ مِنْ نَخِب، وهو وادٍ بالسَّراةِ (¬4). والنَّجْلُ: النَّزُّ، وهو ماءٌ يَظهَر من الأرض ثم يَجرِى. إذا هِيَ قامتْ تَقْشَعِرُّ شَواتُها ... ويُشرِقُ بَيْنَ اللِّيتِ منها إلى الصُّقلِ ¬

_ (¬1) ذكر الأصمعي أن أبا ذؤيب لم يصب في قوله: "ضعف الود" في هذا البيت، وإنما كان ينبغي أن يقول: "ضعفي الود" وإنما يريد أضعفت لك الود. (انظر اللسان في مادّة ضعف) وشرح السكرى. والوجه في تخطيء الأصمعي لأبي ذؤيب أنه أراد بضعف الشيء مثله، فإذا جزاها مثل ودها لم يفعل شيئا. قال في اللسان: الضعف في كلام العرب على ضربين: أحدهما المثل، والآخر أن يكون في معنى تضعيف الشيء اهـ. وهذا الأخير هو الذي يستقيم عليه البيت. وفي رواية "لما استبنته" مكان قوله: "لما شكيته". (¬2) في اللسان (مادة نخب): "ما خنساء تنسأ شادنا" والخنساء من الظباء: ما تأخر أنفها عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة. وقيل في الخنس غير ذلك. وتنسأ شادنا أي تسوقه. وفي رواية: "تعن له بالجزع من جانب النجل". (¬3) لعل صوابه: "شبه بها المرأة". (¬4) ذكر ياقوت في السراة عدة أقوال: منها أن الحجاز هو جبال تحجز بين تهامة ونجد يقال لأعلاها السراة. قال: وهو أحسن القول اهـ. وتفسير الشارح النخب بأنه واد بالسراة هو أحد الأقوال فيه. وقيل في النخب إنه واد بالطائف. وقال الأخفش: النخب واد بأرض هذيل. (ياقوت). وذكر ياقوت أيضا أنه أضاف النخب إلى النجل بمعنى النز من الماء، لأن في هذا الوادي نجالا كثيرة، كما قيل: نعمان الأراك، لأن به الأراك. وقال في اللسان (مادة نخب) في قوله: "من نخب النجل": أراد من نجل النخب، فقلب، لأن النجل الذي هو الماء في بطون الأودية جنس، ومن المحال أن تضاف الأعلام إلى الأجناس.

الشَّواة: جِلدةُ (¬1) الرأس، فأراد يَقْشعِرُّ الشَّعرُ الّذي في الرأس. ويشرِق: يضئ. واللِّيت: عند ما يَتَذَبْذَب القُرْط من الإنسان، وهو من الظبية في ذلك الموضع، وهو صفحة العنق. والصُّقْل: الخاصِرة. تَرَى حَمَشًا في صَدْرِها ثمّ إنّها ... إذا أدبَرَتْ وَلَّتْ بمُكتَنِزٍ عَبْل (¬2) قوله: تَرَى حَمَشا، أي دِقَةً في صدر هذه الظبية، وهي مكتنِزة المُؤخَّر. وما أمُّ خِشْفٍ (¬3) "بالعَلايَةِ" تَرتَعِي ... وَتَرمُقُ أَحيانًا مُخاتَلةَ الحَبلِ بأَحسَنَ منها يومَ قالت كُلَيمةً (¬4) ... أتَصرِمُ حَبْلِي أم تدومُ على الوَصلِ؟ فإِنْ تَزعُمِيني كنتُ أَجهَلُ (¬5) فيكمُ ... فإنّي شَرَيْتُ الِحلْمَ بَعْدَكِ بالجَهْلِ قوله: تزعمينى: تظنّيني. وقوله: شَرَيتُ الِحلْمَ أي بعتُ الجهلَ بالحلم. وقال صِحابي: قد غُبِنتَ وخِلتُني ... غَبَنْتُ، فلا أدري أشَكْلُهُمُ شَكلي؟ قوله: "وقال صِحابى قد غُبِنتَ" يريد أنه باع الجهلَ بالحلم. فلا أدرى أشكلُهمُ شَكْلى؟ أي أطريقُهم ونحوُهم طريقى ونَحْوى؟. ¬

_ (¬1) قال الأصمعى والأخفش: الشواة هاهنا: يداها ورجلاها ورأسها. (¬2) المكتنز: الممتليء اللحم. والعبل: الضخم. وفي رواية: "في جيدها" مكان "في صدرها". (¬3) قد سبق تفسير الخشف والعلاية في حواشي هذا الديوان انظر شرح البيت السادس من القصيدة الثانية. وهذا البيت لم يروه سلمة. (¬4) روى: "تدللا" مكان "كليمة". وروي: "على وصلي". (¬5) أجهل، أي بحبك واتباعي إياك.

فإِنْ تَكُ أُنثَي في "مَعَدٍّ" كريمةً ... علينا، فقد أُعطِيتِ نافِلةَ الفَضْلِ (¬1) قوله: "نافلةَ" هي التي من الفَضْل. على أنها قالت: رأيتُ "خُوَيْلِدًا" (¬2) ... تَنكَّر حتى عاد أَسْودَ كالجِذْلِ قوله: تنكَّر، أي تغيَّر. والجِذْل: أصلُ الشجرة (¬3). فتلك خُطوبٌ قد تَمَلَّتْ شَبابنَاَ ... زمانًا (¬4) فتُبلينا الخُطوبُ وما نُبلى قوله: "خطوب" يعني أمورا. تملَّت شبابنا، أي تمتَّعتْ بشبابنا فتُبْلِينا المنونُ وما نُبليها. في النسخة: المنَون، والخُطوب: رواية. وتُبلِي الأُولَى يَسْتَلْئِمون على الأُولَى ... تَراهُنَّ يومَ الرَّوْعِ كالحِدَإِ القُبْل (¬5) قوله: وتُبلِي الأُولَى، يريد: وتُبلِي الّذين يستلئمون على الأُولى، يعني على الخيل الّتي تراهنّ يومَ الرَّوعِ. ويَسْتَلْئمون، أي يلبسون الدُّرُوع (¬6)، فإذا لَبِس السلاحَ قيل: قد استَلْأَم. والحِدَأُ، الواحد حِدَأَةٌ. يعني هذا الطيرَ. والقَبَلُ في عُيونها: ينظرنَ في جانبٍ. ¬

_ (¬1) روى هذا البيت في نسختي الديوان الأوربية والمخطوطة بعد قوله السابق: "جزيتك ضعف الودّ" الخ وهو أنسب في الترتيب لما بين البيتين من الاتصال القوي في معنييهما. (¬2) خويلدا، يعني نفسه. (¬3) في كتب اللغة أن الجذل أصل الشجرة بعد ذهاب الفزع. (¬4) في رواية: "قديما" مكان قوله: "زمانا". (¬5) يقول: إن المنون تبلي الفرسان المدرعين وهم علي الخيول التي تشبه في الحرب الحدأ المفزعة التي كثر تقلب أعينهن ونظرهن، فكأن في أعينهن قبلا بالتحريك، وهو شبه الحول. ولا يريد الشاعر أن في أعين هذه الحدإ قبلا حقيقة، وإنما هو كلام جار على طريق التشبيه. (¬6) يقال للدرع: لأمة. ومنه اشتق "استلأم"، أي لبس اللأمة.

فهُنّ كعِقْبان "الشُّرَيفِ" (¬1) جَوانحٌ ... وهم فوقَها مُسْتَلْئِمُو حَلَقِ الجَدْلِ قوله: "فهنّ"، يعني الخيلَ كعِقْبان الشُّرَيْف. جَوانحٌ: قد أَكببن في السير. والجنُوحُ: دنوّ الصدر من الأرض، ومنه يقال: "جنَحت السفينةُ"، إذا لزمت الأرضَ. قوله: وهم فَوْقَها، أي فوق الخيل. والجَدْل: المجدولة (¬2) من الدروع. مَنايَا يُقَرِّبْن الحُتوفَ لأهلِها ... جِهارا ويَسْتَمْتِعْنَ بالأَنَسِ الجَبلِ (¬3) قوله: "يَستَمْتِعْن"، يعني المنايا، فإنّ الناس يصيرون لها مُتْعةً تأكلهم. والجَبْل: الكثير. ومُفْرِهةٍ عَنْسٍ قَدَرْتُ لرِجْلِها ... فخرَّتْ كما تتَّابَعُ الرِّيحُ بالقَفلِ (¬4) قوله: "ومُفْرِهةٍ"، يعني ناقةً تأتي بأولادها فَوارِهَ. وعَنْسٍ: شديدةٍ. قدَرْتُ لرِجْلها، أي هَيّأتُ وضَرَبتُ رِجلَها فخرّت لمّا عَرْقَبتُها. "كما تتّابَعُ الرِّيحُ بالقَفْل". ¬

_ (¬1) الشريف: ماء لبني نمير تنسب إليه العقبان. وقيل: إنه سرة بنجد. شبه الخيل بعقبان هذا المكان في سرعتها. وفي اللسان مادة (جدل): "كعقبان الشريج" ولم نجد في المواضع التي تسمي الشريج موضعا تنسب إليه العقبان. (¬2) في شرح السكري أن الجدلاء من الدروع تكون إذا استدار حلقها ولم يكن أفطح. (¬3) في رواية: "قديما" مكان قوله: "جهارا". والأنس بالتحريك: أهل المحلّ، قاله في اللسان مستشهدا بهذا البيت، كما أورده في مادة "جبل" أيضا ضابطا الجبل بكسر فسكون وبضم الجيم أيضا ضبطا بالعبارة. (¬4) يشير بهذا البيت والذى بعده إلي كرمه، وأنه يعرقب ما عز عليه وكرم عنده من النياق ذوات الأولاد الفواره. فيذهب بها سيفه كما تذهب الريح بيبيس النبت. وروى: "لساقها" مكان قوله: "لرجلها". وروى: "تتايع" بالياء المثناة مكان الباء الموحدة، أي مثلما تذهب بيبيس الشجر وتمضي به. قاله الأخفش.

والقَفْل: النبتُ اليابس. وتَتَابَعُ: تَتَابَعُ. فيقول: خَرّت هذه الناقةُ حين ضَربتُ رِجلهَا كما تمرُّ الريحُ باليَبيسِ فيَتْبَع بعضُه بعضا. لِحَيٍّ جِياعٍ أو لضَيْفٍ محوَّلٍ ... أُبادِرُ ذِكرا (¬1) أنْ يُلجَّ به قَبْلي يقول: هذه الناقة التي نحرتُها، لحيٍّ جِياعٍ أو لضَيْفٍ محوَّلٍ: لم يَرْضَ مكانه فتحوَّل (¬2). ... أُبادِرُ ذِكْرا أنْ يُلَجَّ به قَبْلي ... أي يَتمادَى فيه غيرى، والذِّكْرُ، يريد به الحمدَ. رَوِيتُ ولَم يَغرَمْ نَديِمي وحاوَلَتْ ... بني عمِّها "أَسماءُ" أن يَفعَلوا فِعلي (¬3) أي أرادت (¬4) أنهم يَفعلون مثلَ فعلي. فما فَضْلَةٌ من (أذْرِعاتٍ) هَوَتْ بها ... مُذَكَّرَةٌ عَنْسٌ كهادِيَةِ الضَّحْلِ (¬5) ¬

_ (¬1) في رواية: "حمدا". (¬2) كان الأنسب أن يقول: "فحوّل" بالبناء للمجهول، ليوافق قوله في البيت: "محوّل" بفتح الواو المشدّدة؛ فإذا كسرت تلك الواو تناسب مع قوله: فتحوّل. (¬3) يقول: إنه قد روى مع نديمه من الخمر التي اشتراها، ولم يغرم نديمه شيئا من ثمنها، وقد حاولت أسماء من بني عمها أن يفعلوا مثل فعلي فلم يستطيعوا. (¬4) في الأصل: "أراد". (¬5) في رواية: "فما نطفة"؛ ومؤدّى الروايتين واحد. يصف تلك الخمر بأنها مما فضل عند تاجرها، وبأنها قد حملتها من أذرعات ناقة شديدة خلقتها كخلقة الجمل. ثم شبه تلك الناقة في صلابتها والتئام جسمها بهادية الضحل، أي الصخرة تكون في الماء يمرّ عليها. وأذرعات: بلد بأطراف الشأم يجاور أرض البلقاء وعمّان، وكانت تنسب إليه الخمر الجيدة قديما.

قوله: "مُذَكَّرة" يعني ناقةً خِلقَتُها خِلْقة الفَحل. "هادِيَة الضَّحل": صَخرةٌ في مُقَدَّم الماء. والضَّحْل: الماء الرقيق. سُلافةُ راحٍ ضُمِّنَتها إِداوةٌ ... مُقيرَّةُ رِدْفٌ لآخِرةِ الرَّحْلِ (¬1) تَزَوَّدَها من أهلِ "مصرٍ" و"غَزَّةٍ" ... علي جَسْرةٍ مرفوعةِ الذَّيلِ والكِفْلِ (¬2) ويُروَى "مِنْ أَهْلِ بُصْرَى (¬3) وغَزَّةٍ". قولُه: "مَرفوعةِ الذَّيلِ"، يريد على ناقةٍ مشِّمرةٍ (¬4). وجَسْرَةٍ: جسيمةٍ. وقال الأصمعيّ: ماضيةٍ، وهي التي تَجسُر علي كلّ شيء. وغَزّة: مدينة بالشأم. فوافَى بها "عُسْفانَ" (5) ثُمّ أَتَي بها ... "مَجَنّةَ" (¬5) تَصفو في القِلالِ ولا تَغلِي فَرَّوحَها (¬6) مِن "ذي المَجازِ" (5) "عَشِيّةً" ... يُبادِر اولىَ السابقاتِ إلى "الحَبْلِ" ¬

_ (¬1) مقيرة، أي طليت بالقار. (¬2) الكفل: من مراكب الرجال، وهو كساء يعقد طرفاه ويلقى مقدّمه علي كاهل البعير، ومؤخره مما يلي العجز. يقول: إن تلك الخمر قد جاء بها رجل من أهل هذا البلد المذكور وحملها على ناقة جسيمة مشمرة في سيرها. (¬3) بصرى: بلد بالشأم من أعمال دمشق. (¬4) يشير الشارح بهذا التفسير إلى أن ذكر الذيل هنا على طريق المثل. والمراد أنها ناقة مشمرة في السير ماضية فيه، كما يؤخذ من كلام السكريّ. (¬5) نقل ياقوت عن السكري أن (عسفان) على مرحلتين من مكة على طريق المدينة، كما ذكر أن (مجنة) عند عرفة، واستشهد بأبيات أبي ذؤيب هذه. و"ذو المجاز": موضع سوق بعرفة على ناحية كبكب، على فرسخ من عرفة. ويشير الشاعر بهذين البيتين إلى تنقل هذا التاجر بخمره بين تلك المواضع التي كانت أسواقا للعرب ومواسم لهم في الجاهلية. (¬6) في رواية: "فراح بها".

فرَوَّحَها: يريد راح بها. "من ذي المجاز": موسمٌ كان للناس في الجاهليّة. قوله: * يُبادِر أُولى السابِقاتِ إلى الحَبلِ * أي يُبادر الّذين يَقِفونُ "بعرفة" حتي يبيعَ خَمْرَه، "والحَبْل": حَبل عَرَفة. (¬1) فجئنَ (¬2) وجاءت بينهنَّ وإنه ... ليَمسَحُ ذِفراها تَزَغَّمُ كالفَحْلِ يَمْسحُ ذِفْراها صاحبُها، أي يَمْسَحه من العَرَق، والذِّفرَيانِ: ما عن يمين نُقرَة القَفا وشِمالِها. وتَزغَّمُ: تُصوّتُ. فجاء بها كَيْما يُوافِيَ حِجّةً ... نديمُ كِرامٍ غيرُ نِكْسٍ ولا وَغْلِ (¬3) النِّكْس: الجبَان الضعيف. والوَغْل: الّذي يَدخل (¬4) في القوم وليس منهم. فبات "بجَمعٍ" ثُمّ تمَّ (¬5) إلى "مِنًى" ... فَأَصْبَحَ رَأْدًا يبتغي المِزْجَ بالسَّحْلِ قوله: "بجَمع" يعنى المُزْدَلِفَة. ثمّ تمّ إلى مِنًى. وأَصبَحَ رَأْدًا، يعنى رائدا: طالبا. يبتغى المزْجَ، يعنى العَسَل. بالسَّحْلِ، يعنى نَقْدَ الدراهم، يقال: سَحلَه مائةَ سَوْطٍ أي عجّل له ذلك. ¬

_ (¬1) في كتب اللغة أن الحبل اسم عرفة. قال نصر: يقولون مرة "الحبل" ومرة: "حبل عرفة". (¬2) يقول: فجاءت تلك الرواحل بما يحملنه من الخمر، وجاءت تلك الناقة بينهن وهي تصيح صياح الفحل من النشاط والحدّة، وصاحبها يمسح ذفراها من العرق تسكينا لها. وفي رواية: "فجاء وجاءت". (¬3) في رواية: "كيما يوفّى حجّه". (¬4) عبارة بعض اللغويين في تفسير الوغل والواغل أنه الذي يدخل على القوم في طعامهم وشرابهم من غير أن يدعوه إليه أو ينفق معهم مثل ما أنفقوا. (¬5) في رواية.: "آب" مكان قوله: "تمّ".

فجاء بِمَزْجٍ لم يَرَ الناسُ مِثْلَه ... هو الضَّحْكُ إلّا أنّه عَمَلُ النَّحْلِ قال الأصمعيّ: الضَّحْك: الثَّغْر، فشبَّه بياضَ العسل به. وقال بعضُهم: هو الطَّلْعُ. وقال آخَرون: هو الزُّبد. "يَمانِيَةٍ" (¬1) أحيَا لها مَظَّ "مَأْبِدٍ" ... و"آلِ قَراسٍ" صَوبُ أَسْقِيَةٍ كُحلِ يَمانِيَةٍ، يعنى العسلَ (¬2). ويُروَى: أرمِيَةٍ. والمَظّ: الرمّان (¬3) البرّىّ يأكله النحلُ. ومَأبِد (¬4): موضع. وآلُ قَراسٍ: موضع (¬5). والصَّوْبُ: صَوْب المطر أحيا لها هذا النبتَ. وأَسْقِيَةٍ: السَّقِيُّ والرَّمِيُّ، الشديد (¬6) الوَقْع من المَطَر. أراد: فما هذا بأطيَبَ من فيها (¬7). وقوله: كُحْل، أي سُود (¬8). وقال الأصمعيّ: قَراس: جبلٌ باردٌ، وآلُه: ما حوله من الأرض. ويقال: قارِس، أي بارد جامد. ¬

_ (¬1) يصف العسل بأنها يمانية، وبأن النحل التي تخرجها قد رعت الرمان البري في هذين الموضعين اللذين ذكرهما، وهو أجود لعسلها، وأن هذا النبت قد أحياه لها المطر الغزير، فهي ترعى في خصب. (¬2) في كتب اللغة أن العرب يذكّرون العسل ويؤنثونه؛ والتأنيث أكثر. (¬3) ذكر السكري أن هذا الرمان يعقد ورقا ولا يكون له رمّان. وفسر في اللسان المظ في مادة (مظظ) بأنه عصارة عروق الأرطى وهي حمر، والأرطاة خضراء، واستشهد ببيت أبي ذؤيب هذا. (¬4) في اللسان مادة "مبد" أن (مأبد) بلد بالسراة. ورواه صاحب اللسان أيضا في مادة "ميد": "مائد، وقال في تفسيره: إنه اسم جبل، ونقل عن ابن برّى في مادة (مظظ) أن صوابه بالباء، ومن همزه فقد صحّف. (¬5) في اللسان مادة "مظط" أن آل قراس جبال بالسراة. وقال ياقوت: تفتح قافه وتضم. (¬6) في الأصل: "الجديد الودق"؛ وهو تحريف في كلتا الكلمتين صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان مادتي "مظظ" و"رمى". (¬7) يشير الشارح بهذه العبارة إلي ما سيأتي بعد في القصيدة. (¬8) واحده أكحل.

فما إنْ (¬1) هما في صَحفةٍ بارقِيَّةٍ ... جَديدٍ أُرِقَّتْ بالقَدُومِ وبالصَّقْلِ بارقيّة، يقول: عُمِلتْ ببارِق (¬2). بأطيبَ مِن فيها إذا جئتُ طارقا ... ولم يتبين ساطعُ الأُفُقِ المُجلي (¬3) الأفُق المُجلِى: يقال: أَجْلى، إذا انكَشَف. إذا الهَدَفُ المِعْزابُ صَوَّبَ رأسَهُ ... وأَمْكَنهَ ضَفْوٌ من الثَّلَّةِ الخُطْلِ (¬4) الهَدَفُ: الثقيل الوخِم. والمِعْزاب: الذي قد عَزَبَ بإبلهِ. صَوّبَ رأسَه أي أَمكنه (¬5) اتساعٌ من المال، أي نام عليه وسكن على ذلك، والثَّلة: الغَنم. والخُطل (¬6): الطِّوال الآذان. ¬

_ (¬1) هما، أي الخمر والعسل. (¬2) ذكر صاحب اللسان أن "بارقا" موضع تنسب إليه الصحاف، ولم يعينه، وذكر ياقوت عدّة مواضع بهذا الاسم ولم يذكر من بينها موضعا تنسب إليه الصحاف. (¬3) يقول: ما الخمر مع العسل بأطيب من ريقها إذا طرقتها والضوء لم ينكشف؛ يريد وقت السحر؛ لأنه وقت تتغير فيه الأفواه. (¬4) في رواية "المعزال" مكان قوله "المعزاب". والمعزال: الذي يرعى ماشيته بمعزل عن الناس. وفي رواية: "وأعجبه ضفو". يصف امرأ نؤوما وخما أمكنته كثرة ماله وسعة نعمته فنام علي ذلك وقعد عن معالي الأمور. (¬5) يلاحظ أن قوله: "أمكنه اتساع من المال" تفسير لقوله بعد: "وأمكنه ضفو" الخ، لا لقوله: "صوّب رأسه" كما يفيده كلامه، وكان الأولى أن توضع العبارة التي بعدها مكانها، إذ هي تفسير قوله: "صوّب رأسه". (¬6) نقل السكري عن بعضهم في تفسير الخطل أيضا أنها الكثيرة الأصوات.

وقال أبو ذؤيب -رحمه الله تعالى- (¬1) وَيْلُ أمِّ قَتلَي فُوَيْقَ القاعِ مِنْ "عُشَرٍ" ... مِنْ "آلِ عُجْرةَ" أَمسَى جَدُّهُمْ هُصِرَا (¬2) عُجْرةُ: من هُذَيل. قوله: جَدُّهم، أي حَظُّهُمْ. والقاع: الأرضُ المستوية وطينتها حُرّة. كانت أرِبَّتَهمْ (¬3) "بَهزٌ" وغَرَّهم ... عَقْدُ الجِوارِ وكانوا مَعْشَرًا غُدُرا أربّتهم: جماعةُ رِباب، والرِّبابُ: عَقْدٌ وذِمّةٌ. وبَهزٌ (¬4): من بني سُلَيم. كانوا (¬5) مَلاوِثَ فاحتاجَ الصديُق لهمْ ... فَقْدَ البلادِ -إذا ما تُمحِلُ- المَطَرا قوله: مَلاوث، أي ملاجيء يُلجأ إليهم ويُلاثُ بهم ويُطلَب معروفُهم. فاحتاج الصديقُ لهم، أي احتاج صديقُهم لمّا هلَكوا، كفقد البلاد المطرَ إذا ما تُمحِل. لا تأمَنَنَّ "زُبَالِيًّا" (¬6) بذِمَّتهِ ... إذا تَقَنَّعَ ثَوبَ الغَدْرِ وأتَزَرا ¬

_ (¬1) لم ترد هذه الأبيات الأربعة في النسخة التي بين أيدينا من شرح السكرى لديوان أبي ذؤيب. (¬2) ويل أمّ: كلمة يراد بها التفجع على هؤلاء القتلى. وعشر: شعب لهذيل يصب من "داءة" وهو اسم جبل يحجز بين نخلتين الشآمية واليمانية من نواحي مكة. وضبط في الأصل قوله: "عجرة" بفتح العين. وقد ضبطناه بالضم نقلا عن القاموس وشرحه. (¬3) كانت أربتهم، أي كان ذوي أربتهم، أي الذين تعاهدوا معهم، قاله ابن برّى. (¬4) هم بنو بهز بن امرئ القيس ابن بهثة بن سليم. (¬5) كانوا أي هؤلاء القتلى. وروى في اللسان: "ملاويث" بزيادة الياء. قال ابن سيدة: إنما ألحق الياء لإتمام الجزء، ولو تركه لغنى عنه. (¬6) زباليّ: نسبة إلى زبالة بن تميم، وهو أخو عمرو بن تميم. قال ابن الأعرابي: لهم عدد وليسوا بكثير.

وقال أبو ذؤيب -رحمه الله تعالى- أَصْبَحَ مِنْ أُمِّ "عمرٍو" "بَطْنُ مَرَّ فأَجْـ ... ـزاعُ الرَّجِيعِ" "فذو سِدْرٍ" "فأمْلاحُ" (¬1) الجِزْعُ. طَرَفُ (¬2) الوادي. وَحْشًا سِوَى أنّ فُرّادَ السِّباعِ بها ... كأنّها مِنْ تَبَغِّي الناسِ أَطْلاحُ (¬3) قوله: فُرّاد السباع، ولا يَنفرِد من السِّباع إلّا الخبيث. وقوله: "مِن تَبغِّي الناسِ أَطْلاحُ" (¬4)، أراد كأنها مُتعَبَةٌ في رُبُوضِها. يا هَلْ أُرِيكَ حُمولَ الحيِّ غاديةً ... كالنَّخْل زَيَّنه يَنعٌ وإفْضاحُ أراد: يا هذا هل أُرِيك. ويُروَى: "بل هل أُرِيك". وقوله: "كالنخل" شبّه الإبلَ بالنخل (¬5). ويَنْعٌ: إدراكٌ. الإفضاح، يقال: قد أَفضَحَ البُسْرُ، إذا ما اختَلَط (¬6) في خُضرته بصُفْرةٍ أو حُمْرة. ¬

_ (¬1) في رواية: "فأكناف" مكان: "فأجزاع" كما روى "بطن مر" بالتنوين. وهو بفتح الميم من نواحي مكة، عنده يجتمع وادي النخلتين فيصيران واديا واحدا. قاله ياقوت واستشهد ببيت أبي ذؤيب هذا. والرجيع: ماء لهذيل بين مكة والطائف. وذكر ياقوت "ذا سدر"، "وأملاحا" ولم يعينهما. قال: وقد تكرر ذكر أملاح في شعر هذيل؛ فلعله من بلادهم. (¬2) وقيل: "منعطفه". وقال أبو عبيدة: اللائق به فتح الجيم. (¬3) في رواية: "فراط السباع" بالطاء، أي ما تقدّم منها. قاله الأصمعى. وروى خالد: "ورّاد السباع" بضم الواو وتشديد الراء. يقول: إن سباع هذه المواضع تربض وتلزق بالأرض كما يصنع المعي، وذلك من خبثها، فهي تتظاهر بالإعياء خداعا تبتغى الناس بذلك، فكأنها من شدّة ما تلزق بالأرض إبل مهازيل. (¬4) الواحد طلح بفتح الطاء وكسرها. (¬5) أوضح من هذا التفسير قول الأخفش: شبه الإبل وما عليها من الزينة بالصفرة والحمرة، بالنخل الحامل. (¬6) فسر بعض اللغويين الإفضاح بأنه خلوص اللون الواحد، إما حمرة وإما صفرة.

هَبَطن "بَطْنَ رُهاطٍ" واعتَصَبْنَ كما ... يَسقِي الجُذوعَ خِلالَ الدُّورِ نَضَّاحُ (¬1) هَبَطْن: يعني الإِبِلَ بَطْنَ رُهاطٍ. واعتصبن، أي اجتمعَن عُصْبةً. وقوله: "كما يَسْقِى الجُذوعَ خِلالَ الدُّور" والمعنى كأنّ الحُمولَ نخلٌ، فَطوَّل، فقال: كما يَسقِي الجُذوعَ نَضّاح، فهذا كما قال امرؤ القيس في تطويل المعنى: لها مَتْتَنانِ خَظَاتا كَما ... أَكَبَّ على ساعِدَيهِ (¬2) النَّمِرْ والمعنى: لها مَتْنَتان كساعدَيِ النَّمِر، ولكن طَوَّل. والنّضَّاح: الّذي يَسْقِي. والناضح: البعير. والنَّضح: الفِعل. والنّضّاح: الرجل، يقال: مالُ فلانٍ يُسقَى بالنَّضْح. ثم شَرِبْنَ "بنَبْطٍ" والِجمالُ كأنّ ... الرَّشحَ منهنّ بالآباطِ أمساحُ نَبْط: موضع (¬3)، وشبَّه سوادَ العَرَق إذا سال بالمِسْح (¬4)، فإذا جفَّ صار إلى الصُّفرة. ثم انتَهَى بَصَرِي عنهمْ وقد بَلَغوا ... "بَطْنَ المَخِيمِ" (¬5) فقالوا "الجَوَّ" أو راحوا ¬

_ (¬1) رهاط: موضع على ثلاث ليال من مكة. وقال قوم: وادي رهاط في بلاد هذيل. (¬2) المتنتان: جنبتا الظهر. والمتنة: لغة في المتن. وخظاتا، أي اكتنزتا. قال الكسائي: أراد خظتا، فلما حرك التاء ردّ الألف التي هي بدل من لام الفعل، لأنها إنما كانت حذفت لسكونها وسكون التاء، فلما حرك التاء في التثنية ردّ الألف. وذهب الفراء إلى أنه أراد خظاتان، فحذف النون استخفافا. اهـ ملخصا من كتب اللغة. والشاعر يصف فرسا. (¬3) ذكر ياقوت أن (نبطا) من شعاب هذيل. (¬4) المسح: كساء من شعر. (¬5) ذكر ياقوت المخيم وقال: إنه واد، وقيل: جبل، ولم يعينه. وجوّ: اسم لناحية اليمامة.

ويُرْوَى: "نَجْدَ المَخِيم"، والنَّجْد: الطريق. ثم انتَهَى بَصَرِى، أي انقطع. وقوله: "فقالوا"، مِن القائلة (¬1). إِلّا تَكُنْ ظُعُنًا تُبْنَى هَوادِجُها ... فإِنّهنَّ حِسانُ الزِّيِّ أَجلاحُ (¬2) فيهنّ أُمُّ الصَّبيَّين الّتي تَبَلَتْ ... قلبي فليس لها ما عِشتُ إنجاحُ (¬3) قوله: "تَبَلَت قَلْبِي" أي أصابته بتَبْل (¬4). وإنْجاح، لا يُنجِح. كأنّها كاعِبٌ حَسْناءُ زَخْرَفَها ... حَليٌ وأترَفَها طُعْمٌ وإِصلاحُ (¬5) قوله: زَخرَفَها: زيّنها. وقوله: وأَترَفَها: نَعَّمَها. أَمِنْكِ بَرْقٌ أَبِيتُ اللَّيْلَ أرْقُبُه ... كأنّه في عِراضِ "الشّامِ" مِصْباحُ؟ أمِنْك: يريد أمِنْ ناحيتكِ بَرْقٌ. أَرْقُبُه: أَنْظُرُ إليه من أين يلَمَع. في عِراضِ الشام: في نواحي الشام، الواحد عُرْض. ¬

_ (¬1) القائلة: نصف النهار. (¬2) لم يرو أبو نصر هذا البيت. ورواه الأصمعي. يقول: إلا تكن ظعنا ترفع لها الهوادج، أي تحمل لها على الإبل، فإن هوادجهن حسان الزي أجلاح: جمع أجلح، وهو الهودج إذا لم يكن مشرف الأعلى. وقال الأصمعي: إذا كان مربعا. وجمع أفعل على أفعال قليل جدًّا. ورواه أبو عمرو "أملاح"، جمع مليح. والذي في الأصل: "ظعن" بالرفع. (¬3) فليس لها ما عشت إنجاح، أي ليس لحبي لها وسعيي فيها إنجاح. قاله في اللسان في مادة "نجح". وقال السكري: أي ليست لحوائجي إنجاح. وورد في الأصل مكتوبا على هامش النسخة "لعله له". (¬4) التبل: غلبة الحب على القلب وتهييمه وأن يذهب به. (¬5) ذكر السكري أن الباهلي لم يرو هذا البيت في هذا الموضع، وإنما جاء به في صفة الهضبة في آخر القصيدة.

يَجُشُّ رَعْدًا كهَدْرِ الفَحْلِ تَتبعُه ... أُدْمٌ تَعطَّفُ حَوْلَ الفَحْلِ ضَحضاحُ (¬1) قوله: يَجُشّ رعدا، يعني البَرْقَ يَستَخْرجُ رَعْدا ويستثيره كما تُجَشُّ البئرُ: تُكسَحُ ويُخرَجُ ما فيها. وضَحضاح، أصلُ الضَّحْضاح الماء الرقيق، فأراد هاهنا جماعةً إبلٍ قليلة (¬2). فهُنّ صُعْرٌ إِلى هَدْرِ الفَنِيقِ ولَمْ ... يَحْفِزْ ولَمْ يُسْلِه عنهنّ إِلقاحُ فهنّ صُعْرٌ: يعني الإبلَ، أي مِيلٌ إلى هَدرِ هذا الفَحْلِ. ولم يَحْفِز: لم تَذهَبْ غُلمَتُه (¬3). ولم يُسلِه إلْقاح: يقال: أَلْقَحَها يُلْقِحُها: إذا ضَربَها فحمَلتْ. فمَرَّ بالطَّيرْ منه فاعِمٌ كَدِرٌ ... فيه الظِّباءُ وفيه العُصمُ أَجناحُ (¬4) ¬

_ (¬1) الأدم: الإبل في لونها بياض، الواحد آدم وأدماء. شبه البرق فيه رعد وقطع السحاب حوله بفحل الإبل المرغى تجتمع حوله الإبل. وروى "أوضاح" مكان قوله: "ضحضاح" أي إبل بيض. وروى: "أنضاح" جمع ناضح. (¬2) في اللسان عن خالد بن كلثوم أن معنى الضحضاح كما في هذا البيت الإبل الكثيرة. قال: الضحضاح في لغة هذيل: الكثير، لا يعرفها غيرهم. (¬3) يلاحظ أن تفسير الحفز بهذا المعنى تفسير باللازم، إذ لم نجده بهذا المعنى فيما راجعناه من كتب اللغة. والذي وجدناه ما نقله صاحب التاج عن الصاغاني أن الحفز بمعنى الجماع. ويلزم منه ما ذكر الشارح هنا. وفي اللسان مادة "صعر"، "ولم يجر" مضبوطا بضم الياء وسكون الجيم وفتح الراء مكان قوله: "ولم يحفز"؛ فلعله تحريف. وشرح هذا البيت ساقط من النسخة التي بين أيدينا من شرح السكري لديوان أبي ذؤيب؛ وكذلك بقية القصيدة. (¬4) ورد هذا البيت في اللسان مادة "جنح" وفسر الأجناح فيه بالموائل. يشير إلى غزارة هذا السيل وكثرة الطير الحائمة عليه، فيقول: إنه قد مر بالطير منه ما ملأ الأودية والوهاد، وإن الظباء والوعول قد لزمت الأرض ولصقت بها خشية منه. والعصم: جمع أعصم، وهو من الوعول والظباء ما في ذراعيه بياض وسائره أسود أو أحمر.

فمَرَّ بالطير: يعني السَّيلَ أنّه كثيرُ الطَّير. فاعمٌ: سَيلٌ ذو إفعام، أي مَلأَ كلَّ شيء. وقولُه: العُصْمُ أجناحُ: قد جَنَحَت، دَنَت من الأرض، ومنه: جَنحَت السفينةُ: إذا لَزِمَت الأرضَ. لولا تَنَكُّبُهنَّ الوَعْثَ دمَّرهَا ... كما تَنكَّبَ غَرْبَ البئرِ مَتَّاحُ (¬1) الوَعث: السهولة واللِّين، أي إذا مررنَ بمكانٍ سهلٍ تنكَّبنه لا يكسِرهنّ السَّيل، فكأنّهن تنكّبن كثرةَ الماء؛ يعني الظِّباءَ والعُصمَ. وفي غير النسخة في التفسير: أنه يقول: * لولا تَنَكُّبُهنّ الوَعْثَ دَمَّرَها * كَبَّها على وجوهها، أي تنكَّبْنَ السهولةَ (¬2) وتنحَّين عنه، يعني الطين. وقوله: * كما تَنَكَّبَ غَرْبَ البئرِ مَتّاحُ * وهو أن ينقطع الغَربُ -وهو [الدَّلو] (¬3) الضَّخمةُ- فيخاف أن يمرّ به رِشاؤها فينفلِتَ في البئر. هذا، ومَرْقَبةٍ عَيْطاءَ قُلَّتُها ... شَمّاءُ ضاحيةٌ للشمسِ قِرْواحُ قوله: هذا، أي هذا قد مضى لسبيله، ما وَصَف قَبْلُ. ثم قال: ورُبَّ مَرقَبَةٍ، والمَرْقَبة: ما أَشرَفَ. عَيْطاء: طويلةُ العُنُق. وشَمّاء: مُشِرفة. قوله: ¬

_ (¬1) المتّاح: مستخرج الدلو من البئر. يشير إلى شدّة السبيل حتى إن الظباء والوعول قد تجنبن سهل الأرض لكثرة الماء به، ثم شبه تباعدهن عن السهل بتباعد المستقي حين تنقطع دلوه فتهوى إلى البئر ويخشى أن يمرّ به حبل الداو فيسقطه فيها. (¬2) في الأصل: "إلي السهولة" وقوله: "إلى" زيادة من الناسخ. (¬3) لم ترد هذه الكلمة في الأصل؛ والسياق يقتضيها.

ضاحِيَةٌ للشمس: ظاهرة. قِرْواح: ليس فيها مستظَلٌّ ولا شيءٌ، ويقال للأرض المستَوِية: قِرْواحٌ وقَروَح (¬1). قد ظَلْتُ فيها مَعِي شُعْثٌ كأنهُم ... إذا يُشَبُّ سَعِيرُ الحَرْبِ أَرْماحُ (¬2) لا يَستظِلُّ أخوها وهو مُعْتَجِرٌ (¬3) ... لرَيْدِها مِنْ سَمومِ الصَّيْفِ مُلْتاحُ "لا يَستظِلُّ أخوها" يريد: أخا هذه المَرقَبةِ. وهو مُعْتَجِرٌ بعِمامته. والرَّيْد: ما بَدَرَ (¬4) من هذه المَرْقَبة. ومُلْتاج: متغيّرٌ لونُه قد غيّرتْه السَّموم. وقال أبو ذؤيب (¬5) -رحمه الله تعالى- صَبا صَبْوةً بل لَجَّ وهو لَجوجُ ... وزالت لها "بالأنعَمَيْنِ" حُدُوجُ (¬6) كما زالَ نَخلٌ "بالعِراقِ" مُكَمِّمٌ ... أُمِرَّ له مِن "ذي الفُراتِ" خَليجُ (¬7) ¬

_ (¬1) لم نجد في شرح القاموس ولا في اللسان ولا في الأساس لفظ "قروح" بدون ألف بعد الواو بهذا المعنى الذي ذكره. والذي وجدناه عدا القرواح: القرياح. (¬2) يصف أصحابه الذين معه في هذه المرقبة بأنهم شعث: جمع أشعث، وهو الذي تلبد شعره واغبر ولم يدّهن؛ يريد أن أصحابه غير مترفين لكثرة ما يمارسون الغارات، فلا يفرغون إلى التزين وترجيل رؤوسهم. (¬3) الاعتجار: لف العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك. (¬4) عبارة بعض اللغويين "الريد": الحرف الناتيء في الجبل. (¬5) لم يرو الأصمعي خمسة أبيات من أوّل القصيدة. ووردت في الأصل في هامش النسخة؛ وكتب بعد البيت الخامس منها: "من رواية العين". (¬6) الأنعمان: واديان ذكرهما ياقوت ولم يعين موضعهما. والحدوج: جمع حدج بكسر الحاء، وهو الهودج يشدّ فوق القتب حتى يشدّ على البعير شدّا واحدا بجميع أداته؛ وهو مركب للنساء. (¬7) المكمم من النخل: ما أخرج أكمامه، جمع كم بكسر الكاف، وهو وعاء الطلع. شبه الهوادج المرفوعة على الرواحل بنخل أخرج أكمامه.

فإِنّكَ -عَمْرِى- أيَّ نظرةِ عاشقٍ ... نظرتَ "وقُدْسٌ" دوننا "ودَجُوجُ" (¬1) إلى ظُعُنٍ كالدَّومِ فيها تَزايُلٌ ... وهِزّةُ أَجْمالٍ لهنّ وَسِيجُ (¬2) غَدَوْنَ عُجَالَى وانتحَتهُنَّ "خَزْرَجٌ" ... مُعَفِّيَةٌ آثارَهُنّ هَدُوج (¬3) سَقَى "أُمَّ عَمْرٍو" كلَّ آخِرِ ليلةٍ ... حَناتِمُ سُودٌ ماؤهُنّ ثَجِيجُ (¬4) حَناتِم: يعني السحابَ في سَوادِه. والحَنتَم: الجَرَّة الخَضراء (¬5). وثَجِيج: سائل. تَرَوّتْ بماءِ البَحْرِ ثمَّ تَنَصّبَتْ ... على حَبَشِيّاتٍ لهنّ نَئيجُ (¬6) ¬

_ (¬1) قدس: جبل عظيم بنجد. ودجوج: رمل مسيرة يومين إلى دون تيماء بيوم. ذكره ياقوت وذكر شعر أبي ذؤيب هذا. (¬2) الوسيج: ضرب من سير الإبل، وهو مشي سريع. والذي في الأصل: هجيج، ولم نجد من معانيه ما يناسب سياق البيت. وما أثبتناه عن ديوان أبي ذؤيب المطبوع في أوربا. (¬3) الخزرج من نعت الريح. قال ابن سيدة: هي ريح الجنوب. والهدوج: الريح التي في صوتها حنين. وفي الأصل: "مقفية" بالقاف مكان قوله: "معفية" بالعين المهملة. (¬4) من هنا تبتدئ رواية الأصمعي. وروى في اللسان "في مادتي (ثجج) و (حنتم) ": "سحم" مكان: "سود" وكلا اللفظين بمعنى واحد. وقال: ومعني "كل آخر ليلة": أبدا. وذكر السكرى نحو هذا المعنى، فقال: قوله: "كل آخر ليلة" هذا مثل قوله: لا أكلمك آخر الليالى؛ ومعناه لا أكلمك ما بقى من الزمان ليلة أبدا. (¬5) قال السكرى بعد تفسير الحناتم بما يوافق ما هنا: شبه بها، أي بالحناتم، السحاب الأسود. والأخضر عند العرب الأسود؛ ويقال للسحاب إذا كان ريان: "أسود كأنه الحنتم" اهـ. (¬6) يقول: إن تلك الحناتم، (وهي الجرار) قد تروّت من ماء البحر، ثم ارتفعت على سحائب سود لهن نئيج، أي مر سريع مع صوت.

قوله: "تَرَوَّت بماءِ البحرِ"، يعني الحَناتِمَ. ثم تنصَّبتْ على حَبَشيَّاتٍ: على سَحائبَ سُودٍ. وقولُه: "نئيج"، أي مَرٌّ سريعٌ اهـ. شَرِبْنَ بماءِ البَحرِ ثم ترفَّعت ... مَتَى لُجَجٍ خُضرٍ لهنَّ نَئيجُ (¬1) من رواية العين. إِذا هَمَّ بالإِقلاعِ هَبَّت له الصَّبا ... فأعقَبَ نَشءٌ بعدَها وخُروجُ (¬2) إذا هَمَّ السَّحابُ بالإقْلاعِ هَبَّت له الصَّبَا ... فأعقَبَ نَشءٌ بعدَها وخُروجُ يقول: جَمعتْه فأعقَبَ نَشءٌ: يريد غَيما بعد غَيم، يقال: نَشأَ السحابُ. وخروج السحاب ونَشؤُه واحد (¬3). يُضئُ سَناهُ راتِقًا متكَشِّفًا ... أَغَرَّ كمصباحِ اليهودِ دَلُوجُ (¬4) راتِقا، يريد سحابا مُرتَتِقا بالسَّحاب. متكشِّفا: بالبَرق، وذلك أنّ البَرْقةَ إذا بَرَقَت تَكشِف السحابَ. وكان الأصمعيُّ يَرفَعُ، "رانِقٌ متكشِّفٌ"، يريد: يضئ ¬

_ (¬1) وفي رواية: "ثم تصعدت ... متى لجج سود". و"ومتى" هنا بمعنى "من" في لغة هذيل. وتكون "متى" بمعنى وسط الشيء في لغة هذيل أيضا. يقال: أخرجته من متى كمى، أي من وسطه. (¬2) في رواية: "فعاقب" قاله ابن حبيب. وقال: يقال للسحاب أوّل ما ينشأ: قد نشأ له نشء حسن، وخرج له خروج حسن. (¬3) قيل في تفسير خروج السحاب أيضا إنه اتساعه وانبساطه، واستشهد ببيت أبي ذؤيب هذا. (انظر اللسان مادة خرج). (¬4) في رواية: "أجوج" مكان "دلوج"، أي مضيء. والهاء في قوله: "سناه" للبرق، أي ضوؤه. يقول: إن هذا البرق يضيء السحب المرتتقة، أي المنضم بعضها إلى بعض، فتنكشف بضوئه. ونقل في اللسان مادة "أجج" عن ابن برى أن الهاء في قوله: "سناه" تعود على السحاب. و"راتقا": حال من الهاء في "سناه".

راتقٌ متكشِّفٌ في سناهُ. دَلوج: يَدْلُجُ كما يَدْلُج الساقي، يحمل الدَّلوَ من البئر إلى الحوض يَدْلُجُ بِهِ. كما نَوَّرَ المِصباحُ للعُجْمِ أمرَهُم ... بُعَيدَ رُقادِ النائمِين عَريجُ (¬1) قال الأصمعيّ: هذا على كلامين، أراد: كما نَوَّرَ المِصباحُ للعُجمِ أمرَهُم عَريجٌ: عَرَجَ بعد ليلٍ، أي عَطَفَ. أرِقْتُ له ذاتَ العِشاءِ كأنّه ... مَخاريقُ يُدعَى وَسطَهنَّ خَريجُ (¬2) أَرِقت له، أي أَرِقتُ لذلك البرق. ذاتَ العشاء: أراد الساعة التي فيها العشاء. قوله: كأنه مَخاريقُ، يعني البرقَ. والمَخاريقُ: التي يلعبُ بها الصِّبيان، وهو الخَرَاج. وخَرِيج: لُعبةٌ يلعب بها الصِّبيان. ¬

_ (¬1) أراد تشبيه البرق بمصباح أوقده في كنيسة العجم رجل عرج عليهم ليلا بعد ما ناموا. ويقرأ قوله في البيت: "أمرهم" بالنصب والرفع؛ فمن نصب جعل قوله: "عريج" فاعل لفعل محذوف، أي استصبح لهم رجل عرج عليهم، كما يفهم من كلام الأصمعي، ونصه كما في النسخة المخطوطة التي بين أيدينا من شرح السكري لديوان أبي ذؤيب: أي يضيء سناه كما نوّر السراج للعجم أمرهم؛ والعريج: الذي أتاهم بعد ما ناموا فاستصبح لهم، وإنما يريد كما عرج رجل بعد ما نام الناس فأسرج في الكنيسة. عرج: عطف فأقام بعد ليل، أراد كما نوّر المصباح للعجم أمرهم، ثم رفع عريج كما نوّره عريج على كلامين اهـ. ومن رفع "أمرهم"جعله هو العريج. (¬2) المخاريق: جمع مخراق، وهو المنديل يلف ليضرب به، ويعرف بين العامة في مصر "بالطرّة". وذكر السكرى أنه شبه البرق في انشقاقه بها. والذى في اللسان مادة "خرج" أنه أراد صوت اللاعبين شبه الرعد بها. وفي رواية: "تحتهن" مكان قوله: "وسطهن" أي تحت هذه المخاريق، أو وسطها. وهذه اللعبة تسمى عند العرب: "خريج" و"خراج" بكسر الجيم كحذام وقطام، لأنهم كانوا يدعون فيها: خراج خراج. وقال أبو علي الفارسي: لا يقال: خريج؛ وإنما المعروف: خراج، غير أن أبا ذؤيب احتاج إلى إقامة القافية فأبدل الياء مكان الألف. وقال الفراء: خراج: اسم لعبة لهم معروفة وهو أن يمسك أحدهم شيئا بيده ويقول لسائرهم: "اخرجوا ما في يدي".

تُكَرْكُره نَجدِيّةٌ وتَمُدُّهُ ... يَمَانِيَةٌ فَوْقَ البِحارِ مَعُوجُ (¬1) تُكَرْكِرهُ، الهاء للسحاب، يريد: تُرَدِّده. نَجديّةٌ: رِيحٌ. وتَمدّه يَمانِيةٌ، يعني الريحَ الجنوب تزيد فيه. ومَعُوج: تجرِي على البحار. والبحار: المُدُن (¬2). والبَرِّيّةُ (¬3): الباديةُ. والمَعْجُ: السَّيرُ (¬4) السَّهل. له هَيدَبٌ يَعلُو الشِّراجَ وهَيْدَبٌ ... مُسِفٌّ بأَذنابِ التِّلاعِ خَلُوجُ (¬5) الشِّراج: [شُعَب] (¬6) تكون في الحِرار، والواحدةُ حَرَّةٌ، وهي الحجارة (¬7) السُّودُ الصخورِ (¬8). مُسِفٌّ: دانٍ من الأرض. وقوله: بأذناب التِّلاع، والتَّلْعةُ: المَسِيل من المكانِ المُشِرف في بطنِ الوادي. وأذنابه: أواخره. خَلوج: يجتذِب الماءَ. ¬

_ (¬1) في رواية: "مسفسفة فوق التراب" مكان قوله: "يمانية فوق البحار". والمسفسفة من الرياح والسفسافة: القريبة من الأرض تسفسف التراب، أي تثيره وتكنسه. (¬2) والقرى أيضا. وواحد البحار بهذا المعنى بحرة. (¬3) في الأصل: "البرى" بسقوط التاء؛ ولم نجده في كتب اللغة بهذا المعنى الذي ذكره. والذي وجدناه: البرية، الصحراء؛ والبرية أيضا من الأرضين: ضد الريفية. (¬4) في اللسان أن المعج سرعة المتر، وفسر المعوج في هذا البيت بالريح السريعة المرّ. (¬5) في رواية: "دلوج" مكان قوله: "خلوج" والدلوج: السحاب الذي يمرّ مثقلا بمائه. يقال: مر يدلج بحمله: إذا كان مثقلا. وهيدب السحاب: ذيله الذي يتدلى منه ويدنو مثل هدب القطيفة. يصف السحاب بأن له ذيولا مسبلة يرتفع بعضها ويدنو بعضها من الأرض. وإذا دنا السحاب وأسفّ كان أكثر ماء. (¬6) لم ترد هذه الكلمة في الأصل؛ والسياق يقتضيها؛ وقد أثبتناها نقلا عن السكرى. فإن أكثر ما في هذا الشرح منقول عنه باختصار. وفسرت الشراج في اللسان بأنها مسايل الماء من الحرار إلى السهولة، الواحد شرج بفتح فسكون؛ واستشهد بهذا البيت، ومؤدّى التفسيرين واحد. (¬7) يستفاد من كتب اللغة أن الحرة هي الأرض ذات الحجارة السود، وليست هي نفس الحجارة كما هنا. (¬8) الظاهر أن قوله: "الصخور" زيادة من الناسخ إذ لا مقتضى لها هنا؛ ولم ترد في شرح السكرى المنقول عنه هذا الكلام.

ضَفادِعُه غَرْقَى رِواءٌ كأنّها ... قِيانُ شُروبٍ رَجْعُهُنّ نَشِيجُ (¬1) قوله: "ضَفادِعُه غَرْقَى" والضفادِعُ لا تَغرَق، إنما أراد كثرةَ الماء. وقِيانُ شُروبٍ، أي إِماءٌ يغنِّينَ. ونَشِيج: رَجْعُ أصواتهِنَّ. شَبّه أصواتَ الضفادعِ بالمغنيِّاتِ تنشِج بكاءً كأنّهنّ يقتلِعْنه قَلْعا من أجوافهنَّ. لِكُلِّ مَسِيلٍ مِنْ "تِهامةَ" بَعْدَ ما ... تَقَطَّعَ أَقرانُ السَّحابِ عَجيجُ أراد: لكلّ مَسيلٍ من الماء عَجيجٌ (¬2). وأقرانُ السحابِ: شبَّه السحابَ بإبلٍ مقرونةٍ فانقطعتْ أَقرانها فتبدّدت، فضرب السحابَ (¬3) لها مثلا، فأراد تفرُّقَ السحابِ. كأنّ ثِقالَ المُزنِ بين "تُضارِعٍ" ... و"شامَةَ" بَرْكٌ مِنْ "جُذامَ" لَبِيجُ (¬4) المُزن: سحابٌ، الواحدُ مُزْنة. وتُضارِع وشامةُ: مَوضعانِ. والبَرْكُ: الإِبِلِ (¬5). فشبّه ثِقَالَ المُزْنِ بالبَرْكِ. وَلَبيجٌ: مَلبوجٌ به، أي ضرَب هذا السحابُ بنفْسِه فلا يبرحُ؛ ومنه: الْبُجْ بهذا المكان؛ ولبَجتُ بفلانٍ ألبُجُ به لَبْجًا: إذا ضربتَ به الأرضَ. ¬

_ (¬1) الشروب بضم الشين: جمع شرب بفتحها. والشرب: جمع شارب كصحب وصاحب. وذكر في اللسان مادة (نشج) وجهين في مرجع الضمير في قوله: "رجعهن" فقال بعد أن أورد البيت: أي رجع الضفادع؛ وقد يجوز أن يكون رجع القيان. (¬2) يريد بالعجيج: صوت الماء. (¬3) كذا وردت هذه العبارة في الأصل وشرح السكري؛ وصوابها: "فضربها مثلا للسحاب" إذ المثل هو المشبه به لا المشبه. (¬4) في رواية: "شابة" بالباء مكان "شامة" بالميم، كما في شرح السكري، وكذلك رواه في اللسان في مادتي "لبج" و"ضرع". قال السكري: شابة: موضع. وتضارع: جبل. وفي معجم البلدان أن تضارع جبل بتهامة لبني كنانة. وقال الواقدي: هو جبل بالعقيق. وقال الأصمعي: شامة وتضارع: جبلان بنجد. وجذام: حي من اليمن من ولد أسد بن خزيمة، وخصهم أبو ذؤيب لأنهم أكثر الناس إبلا. (¬5) الإبل، أي الإبل الباركة. وفي اللسان مادة "برك" أن البرك جمع بارك مثل تجر وتاجر. وقيل: هي إبل الحواء كلها التي تروح عليها بالغة ما تبلغ وإن كانت ألوفا، وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا.

تُضارِع (¬1)، بضم التاء؛ ومنه الحديثُ: "إذا سال تُضارِع فذاك عامٌ خَصيب". فذلِكَ سُقيَا "أمّ عَمرٍ" وإنّني ... لِمَا بذَلتْ مِن سَيبِها (¬2) لبَهيجُ قوله: بهيج، أي فَرِح، يقال: بَهِج به بَهَجًا. كأنّ ابنةَ السَّهمِيِّ دُرّةُ قامِسٍ ... لها بعدَ تقطيع النُّبوحِ وَهيجُ سَهْمٌ: حيٌّ من هُذيل. وشبَّه ابنةَ السَّهمِيّ بِدُرّةِ قامِس، أي غائص. والنُّبوح: أصواتُ الناس. فيقول: الدُّرّة تُضئ الليلَ، لها وَهيج. بكفَّيْ رَقاحِيٍّ يُحِبُّ (¬3) نمَاءَها ... فيُبرِزُها للبَيْعِ فهيَ فَرِيجُ يقول: هذه الدُّرّة بكفَّيْ رجلٍ تاجِرٍ (¬4) رَقاحِيّ، يُرقِّح معيشتهَ، يريد: يصلِحها. فهي فَرِيج، أي مكشوفٌ عنها. أَجازَ إليها لُجَّةً بعد لُجَّةٍ ... أَزَلُّ كغُرْنُوقِ الضُّحولِ عَمُوجُ (¬5) يريد: هذا الغائصُ أجاز إلى الدرّة، أي نفَذ. واللجّة: الماء الكثير الذي لا ترى طَرَفيْه. أزلّ: أرسَحُ (¬6) وأرصَعُ، يقال: أَزلُّ وأرسَحُ وأرصَعُ بمعنى واحد. كغُرْنُوق ¬

_ (¬1) يلاحظ أن هذه العبارة وردت في الأصل منفصلة عن شرح البيت؛ وقد كتبت منفردة بجانب الصفحة. وفي اللسان مادة "ضرع" ومعجم البلدان في الكلام على تضارع: "فذلك عام ربيع". (¬2) السيب: العطية، يريد ما تمنحه إياه من ود. (¬3) في روايَة: "يريد" يصف الدرّة بأنها بكف تاجر قائم على ماله مصلح له، فهو يريد غلاء ثمنها فيبرزها في السوق ظاهرة مكشوفة للناس لا يحجبها شيء. (¬4) في الأصل: "آخر"؛ وهو تحريف. (¬5) في اللسان وشرح السكرى كغرنيق بضم الغين وفتح النون، وهو بمعنى الغرنوق. وفي الأصل: "غموخ" بالغين المعجمة؛ وهو تصحيف. يصف المشاق والمتاعب التي لقيها ذلك الغائص في استخراج تلك الدرة من البحر، وأنه نفذ في لججه وصار يتلوّى في السباحة وينحرف من ناحية إلى أخرى حتى استخرجها. (¬6) الأرسح: قليل لحم العجز والفخذين، وكذلك الأرصع، وهي لغة فيه؛ وإنما وصفه بذلك لأنه أخف له إذا غاص.

وهو طائر من طير الماء (¬1) شبهُ الكُرْكيّ. والضُّحول: الماء القليل، والواحد ضحلٌ. وعَمُوج: الذي يتلوَّى في الماء، يعني الغائص. أراد: أزَلُّ عَوج. فجاءَ بها ما شِئتَ مِن لَطَمِيّةٍ ... يَدومُ الفراتُ فَوقهَا ويموجُ (¬2) قوله: "مِن لطميَّةٍ"، أي من عِيرٍ لَطَمِيَةٍ (¬3). وقوله: "يدوم الفُرات"، كأنه ظنّ أن الدّرَّة إذا كانت في الماء العذب فليس شيء يُشبهها، فلم يعلم (¬4). فجاءَ بها بَعْدَ الكَلَالِ كأنّه ... من الأيْنِ مِحْراس أقَذُّ (¬5) سَحيجُ ¬

_ (¬1) زاد في اللسان وصف ذلك الطائر بأنه أبيض. وقيل: هو طائر أسود طويل العنق. (¬2) في رواية: "البحار" مكان قوله: "الفرات"؛ وهي أجود لسلامتها من النقد الآتي بعد في الشرح. وروى في اللسان "يدور" مكان: "يدوم". وفسر قوله "لطمية" في هذا البيت بعدة معان ذكرها صاحب التاج (مادة لطم) فقال: الدرة اللطمية نسبة إلى اللطيمة، وهي السوق التي تباع فيها العطريات. وقد سئل الأصمعي هل الدرة تكون في سوق المسك؟ فقال: تحمل معهم فى عيرهم. وقيل: لطمية، أي إنها في عير لطمية (أي عير تحمل التجارة والعطر). وقيل: اللطمية: نسبة إلى النطام البحر عليها بأمواجه. قال: وبكل ذلك فسر لفظ اللطمية في هذا البيت، أي بيت أبي ذؤيب. وقال في اللسان مادة (لطم): إن قوله: "ما شئت من لطمية" فى موضع الحال. ويدوم الفرات: من دام الماء بمعنى سكن وركد. يقول: إن الماء يسكن فوقها حينا ويموج حينا. (¬3) يستفاد من كلامه هنا تفسير اللطمية بمعنى اللطيمة، وهي الإبل التي تحمل العطر. وقد نقلنا عن التاج في شرح هذا البيت ما يخالف هذا التفسير، فانظره في الحاشية السابقة. (¬4) قائل هذا النقد هو الأصمعي، ونص كلامه: الفرات العذب؛ ولا يجيء منه الدر، إلا أنه غلط وظن أن الدرة إذا كانت في الماء العذب فليس لها شبه، ولم يعلم أنها لا تكون في العذب اهـ (عن السكري). (¬5) في الأصل: "محراش أقذ شجيج" بالشين المعجمة في الكلمة الأولي والشين المعجمة أيضا والجيم في الكلمة الأخيرة. وفي هذه العبارة تصحيف في لفظين. والصواب ما أثبتناه عن النسخين الأوربية والمخطوطة لديوان أبي ذؤيب. وفي اللسان وشرح القاموس مادة (سحج) مخراش؛ وهو تصحيف في كلا الكتابين أيضا. شبه الغائص فيما ناله من التعب والإعياء بسهم ألزقت به القذذ، (أي الريش) قد سحجته الأرض، أي جردت قشرته.

فجاء بالدُّرَّة. قوله من الأيْنِ: من الإعياء. محراس: سهم (¬1). وأقَذُّ: مُلْزَق الريش. سحِيج: قد جَرَدَته وقشرته الأرضُ. وأقذُّ أيضاً: (¬2) مقذَّذ. عَشِيّةَ قامت بالفِناءَ كأنّها ... عَقِيلةُ نَهْبٍ تُصْطَفَى وتَغوجُ (¬3) عِشِيّةَ قامت هذه المرأةُ كأنّها عَقِيلةُ نَهْبٍ. والعقِيلةُ: الكريمة. تُصْطَفَى: تؤخذ صفِيًّا. وتَغُوجُ: تتثنَّى في مِشْيتِها؛ ومنه يقال: فَرسٌ غَوْجُ اللَّبانِ إذا كان فيه لينٌ وتعطُّفٌ (¬4). وصُبَّ عليها الطِّيبُ (¬5) حتَّى كأنها ... أسِيٌّ على أمِّ الدِّماغِ حَجِيجُ وصُبَّ عليها، أي على المرأة. والأَسِيُّ: المدُّاوَى (¬6)، يقال: أَساه يأسوه أَسْوًا إذا داواه. وأُمُّ الدِّماغ: الِجلْدة الرقيقة التي تَجمع الدِّماغ. وقوُله: ¬

_ (¬1) عبارة اللسان ومستدرك التاج في معنى المحراس: سهم عظيم القدر. ومعنى كونه عظيم القدر أنه ذو نصب عظيم بين قداح الميسر. ولفظ السكرى: "قدح" أي بكسر القاف. (¬2) يلاحظ أن في تفسيره الأفذ بالمقذذ هنا تكرارا مع ما سبق، إذ المقذذ من السهام ما ألصق عليه الريش؛ وهذا المعنى هو ما ذكره قبل في تفسير الأفذ. (¬3) روى صاحب "اللسان" مادة "فوج": "عقيلة سبى تصطفى وتفوج". وتفوج بالفاء، أي تفوح ريحها. ورواه في مادة "غوج" كما هنا. وذكر في تفسير قوله: "وتغوج" بالغين المعجمة: أنها تتعرَّض لرئيس الجيش ليتخذها لنفسه، وهو لا ينافى التفسير الآتي في الشرح لهذا اللفظ. شبه هذه المرأة بعقيلة قد سبيت في غزاة، فهي تتثنى في مشيتها وتتعطف متعرّضة لرئيس الجيش ليصطفيها لنفسه. (¬4) قال السكرى بعد قوله: "لين وتعطف"، أي إذا كان واسع جلد الصدر طويل اللبان. وذكر في اللسان أقوالا أخرى غير هذا في معنى "فرس غوج" بفتح الغين. (¬5) روى "المسك" من قوله: "الطيب". (¬6) عبارة السكرى في تفسير الأسيّ: المشجوج المداوى.

حَجيج، وهو الحَجُّ: ضربٌ (¬1) من معالجَة الشِّجاج. فيقول: كأنّ العنبرَ الذي عليها والزعفرانَ دَمٌ. كأنَّ عليها بالَةً لَطَمِيَّةً ... لها مِن خِلالِ الدَّأيتيْن أريجُ (¬2) البالة: وِعاء المِسْك (¬3)، وهذا حرفٌ بالفارسيّة. وأراد (¬4) بيلة. وإنما قيل "للصيد ماى بالو" (¬5)، للكِيسَة التي فيها أدواتهُ. وقوله: أريج: ريحُ، يقال: تأرَّج الطِّيبُ إذا توَهَّجَ. والدَّأيَّات: فَقار العُنُق، والدَّأيَاتُ: ما يلي الجنَبْ من الأضْلاعِ. فأراد بخِلال (¬6) الدَّأْيَتين هنا: عند مرجِع (¬7) الكَتِف. البالة: الجِراب، وأصله بالفارسية: باله (¬8). كأنَّ ابنَةَ السَّهْمِيِّ يَومَ لَقِيتهُا ... مُوَشَّحةٌ بالطُّرّتَينِ هَمِيجُ ¬

_ (¬1) عبارة اللغويين؛ حجه يحجه فهو محجوج وحجيج: إذا قدح بالحديد في العظم إذا كان قد هشم حتى يتلطخ الدماغ بالدم فيقلع الجلدة التي جفت ثم يعالج ذلك، فيلتئم بجلد ويكون آمّة؛ وأنشدوا بيت أبي ذؤيب هذا شاهدا على هذا المعنى، وهي أوضح في معنى الحجيج كما لا يخفى. (¬2) اللطمية: العنبرة التي لطمت بالمسك حتى تفتقت به ونشبت رائحتها. قاله في اللسان مادة "لطم" وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا. (¬3) فسرت البالة أيضًا في هذا البيت بمعنى الرائحة والشمة، مأخوذ من بلوته، أي شممته؛ وأصله بلوه، فقدّم الواو وصيرها ألفا، كقولهم: قاع وقعا. انظر اللسان مادتي "لطم" و"بول". (¬4) في الأصل: "تالة" بالتاء؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا نقلا عن مستدرك التاج مادة "بيل" فقد ورد في أن البيلة بالياء لغة في البالة، وكذلك في شرح السكري. (¬5) كذا وردت هذه العبارة في الأصل، وفيها تحريف ظاهر لم نهتد إلى وجه الصواب فيه بعد طول المحاولة. (¬6) هذه الباء لم ترد في الأصل؛ والسياق يقتضيها. (¬7) لم يتبين لنا المراد من قوله: عند مرجع الكنف؛ ولم نجد فيما بين أيدينا من كتب اللغة من عبر به. وعبارة السكري: الدأيتان: موصلا الجنب في الصدر، وهما الفقرتان اللتان في الأضلاع القصر (جمع قصرى ككبرى وكبر). وقد ورد الدأى في كتب اللغة بعدّة معان: منها أنه ضلوع الصدر فى ملتقاه وملتقى الجنب. ونقلوا عن الأصمعي هذا البيت شاهدا على ذلك. (¬8) ورد في اللسان مرة أن "بالة" معرب "بالة" كما هنا، ومرة أنه معرّب "بيله" ونقله عن الجوهري؛ وهذا الأخير هو الوارد في كتاب "الألفاظ الفارسة المعرَّبة".

مُوَشَّحة، يعني الظبية. والطُّرّتان: عند منقطَع (¬1) لونِ الظَّهر مِن لَونِ البطن. فيقول: قد وُشِّحتْ ببياضٍ في ذلك الموضع. وهَمِيج: ضعيفة النفس (¬2)؛ ومنه يقال للرجل: اهتَمجت، أي ضَعُفت. بأَسْفلِ "ذات الدَّبْرِ" (¬3) أُفرِدَ خُشْفها ... فقد وَلِهَتْ يَومَينِ فهيَ خَلُوج [ذات] الدَّبْرِ: موضع. ولِهَتْ: ذهب عقلها على ولدِها، والخَلُوج: التي اختُلِج ولدها منها، أي انتُزع. فإنْ تَصْرِمِي حَبْليِ وإنْ تَتَبدَّلي ... خَليلًا ومنهمْ صالحٌ وسَمِيجُ (¬4) قوله: سَمِيج، أي سَمجٌ ليس عنده خير. ¬

_ (¬1) عبارة بعض المفسرين: الطرّتان: الخطان عند الجنبين. (¬2) ذكر السكري في شرح هذا البيت عدّة معان لقوله: "هميج" منها أن الهميج من الظباء التي قد أصابها وجع أو غم فذبل لذلك وجهها. وفي اللسان أن الهميج من الظباء التي لها جدّتان على ظهرها سوى لونها، ولا يكون ذلك إلا في الأدم منها، يعني البيض؛ وقيل: هي الفتية الحسنة الجسم؛ وقيل غير ذلك. (¬3) كذا في شرح السكري واللسان مادة "دبر" والنسخة الأوربية لديوان أبي ذؤيب. والذي في الأصل: "الدير" بالياء المثناة؛ وهو تصحيف. وأراد بذات الدير هنا شعبة فيها دبر بفتح الدال وكسرها، وهو النحل. وفي رواية: "جحشها" مكان قوله: "خشفها" والجحش في لغة هذيل بمعنى الخشف، وهو ولد الظبية إذا قوى وتحرّك نقله السكري عن الأصمعي. وفي رواية "طردت" مكان قوله: "ولهت". (¬4) في رواية: "فإن تعرضي عني" وما هنا هو رواية الأصمعي. ونقل السكري عن الأصمعي أن أبا ذؤيب أراد سمجا فاضطر إلى سميج. وفي اللسان أن سميجا لغة هذيل. وروى السكري قبل هذا البيت قوله: فقلت لعبد الله أيم مسيب ... بنخلة يسقى صاديا ويعيج وكذلك ورد هذا البيت في النسخة الأوربية لديوان أبي ذؤيب، وقال السكري في تفسيره: الأيم: الحية. ونخلة: موضع. ويعيج: ينقع، أي يروى اهـ. وقد شبه أبو ذؤيب الظبية الحذرة على ولدها بحية مسيّب في هذا المكان يروح ويجيء في طلب الماء.

فإنِّي صَبَرتُ النَّفس بَعدَ "ابنِ عَنبسٍ" ... وقد لَجَّ مِن مَاءِ الشُّؤون لَجوجُ صبرتُ النفسَ: يريد حبستُها عن الجزع. وابن عنبس: رجلٌ يرثيه. الشؤون: أصلُ قبائِل الرأس (¬1)، والدموع منها تسيل وتخرج. أراد وقد لجَّ دمعٌ لَجوج. وهو اسمٌ "مثلُ (¬2) سَعوط ووجُور (¬3) ". لأُحْسَبَ جَلْدًا أو ليُنبَأَ شامتٌ ... ولِلشَّرِّ بعد القارِعات فُروج يريد: فإني صبرت النفس لأحسب جلدا. أو لينبأ: ليخبر شامت بجلدي فينكَسِر عنّي. فُروج: يَفرج الله. [والقارعات (¬4): المصائبُ التي تَقْرَعُه] بموتِ [حبيبٍ (4)] أو ذهابِ [مالٍ (4)]. فلذلِكَ أَعْلَى مِنكِ فَقْدًا لأنّه ... كَريمٌ وبَطْنِي بالكِرامِ بَعيجُ (¬5) ¬

_ (¬1) فسر الأصمعي الشؤون بأنها مواصل القبائل في الرأس بين كل قبيلتين شأن، وهي أربع بعضها إلى بعض. (¬2) وردت هذه العبارة في الأصل وشرح السكري بعد قوله السابق: "تسيل وتخرج"؛ وهو خطأ من النساخ؛ لأن وضعها في ذلك الموضع المذكور يقتضي كون الشؤون اسما كالسعوط والوجور؛ ولم يقل به أحد؛ فالصواب نقل هذه العبارة عن موضعها، ووضعها كما أثبتنا، إذ لا يصح أن يجعل اسما كالسعوط والوجور إلا قوله: "لجوج" بفتح اللام. (¬3) الوجور: دواء يوضع في الفم. (¬4) لم يرد في الأصل من هذه العبارة غير قوله: "بموت أو ذهاب" بعد قوله: "يفرج الله"؛ ولا يخفى ما فيها من النقص والانقطاع بينها وبين ما قبلها. وقد أكملناها هكذا عن شرح السكري. (¬5) كذا ورد قوله: "أعلى" بالعين المهملة في اللسان مادتي "بعج" و"عول" وشرح السكري والنسخة الأوربية لديوان أبي ذؤيب. وفي الأصل: "أغلى" بالغين المعجمة. ولم نجد فيما بين أيدينا ومن المصادر ما يؤيد هذه الرواية. و"أعلى" بالمهملة، أي أشدّ، يقال: عال أمر القوم عولا: إذا اشتدّ وتفاقم؛ وعلى هذا فقول أبي ذؤيب "أعلى" إنما أراد "أعول" أي أشدّ، ولكنه قلب، فوزنه على هذا أفلع، كما في اللسان مادة "عول". وفي رواية: "قدرا" مكان قوله: "فقدا". وفي رواية: "رزئته كريما" مكان قوله: "لأنه كريم".

"وأعلى منكِ": يعني "تُشَيبةَ" الذي يَرْثِي. "وَبطْنِي بالكِرامِ بَعِيج" أي لا تزال تُصيبنى باعجةٌ بموتِ خليلٍ وحبيب. والباعِج: ما شَقَّ البطنَ؛ يقال: بَعَجَ بطنَه إذا شقَّه، وهذا مَثلٌ، أي لا يزال يُصيبني أمرٌ عظيمٌ بموتِ كريم. وذلك مَشْبوحُ الذِّراعَينِ خَلْجمٌ ... خَشُوفٌ، بأَعْراضِ الدِّيارِ دَلُوجُ (¬1) المَشْبوحُ: العريض الذراعين. خَلْجَم: طويل (¬2). و"خَشُوف بأعراض الديار" الخَشْف: المَرُّ السريع. يقول: يمرُّ بدار الحربِ فيخشِفُ، ويمرُّ بالدار التي يَسْتأنس بها فيَدُلج (¬3)، يمشِي مَشْيَ (¬4) الفِتْيانِ ويسُرع إلى الحرب. ضَروبٌ لِهامات الرِّجالِ بسَيْفهِ ... إِذا حَنَّ نَبْعٌ بينَهمْ وشَرِيجُ (¬5) الشَّريج: القِسِيّ التي من شِقَّة، ليست بقضِيب. يقرِّبُهُ للمستضِيفِ إذا أتَى ... جِراءٌ وشَدٌّ كالحَرِيقِ ضَريجُ (¬6) يعني يُدْنيه للمستضيف الذي يلجَأ إليه جِراءٌ وشَدٌّ ليُغيثَه. ضَرِيج، أي عَدْهٌ شديد. ضَرِيج: مشقوقٌ بالعَدْو. ¬

_ (¬1) أعراض الديار: نواحيها. (¬2) زاد السكرى في تفسير هذا اللفظ قوله: "جسيم". (¬3) قال السكرى في تفسير الدلوج: إنه الذي يمرّ يدلج بحمله مثقلا. ثم ذكر في بيان معنى البيت أنه إذا كان في الديار من يستأنس به تغزل مع النساء ومشى مشية الفتيان ثقيلا متبخترًا يدلج في مشيته، وإذا كان في دار الحرب أسرع ومشى إلى أعدائه مشيا خفيفا. ولا شك في أن هذا أوضح مما هنا. (¬4) "يمشي مشي الفتيان": تفسير لقوله: "دلوج". و"يسرع إلى الحرب" تفسير لقوله: "خشوف". (¬5) الهامات: الرءوس. والنبع: من أشجار الجبال تتخذ منه القسي. والشريج: العود يشق منه قوسان، فكل واحدة منهما شريج. يصفه بالإقدام في الحرب حتى إن المتقاتلين إذا تراموا بالسهام من بعد ضرب رءوسهم بالسيف من قرب؛ ومثل هذا قول زهير: يطعنهم ما ارتموا، حتى إذا اطعنوا ... ضارب، حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا ويشير بقوله: "حتى نبع" إلى رنين القسيّ. (¬6) في رواية: "إذا دعا". وجراء. من الجري. وفي رواية: "جران" بالنون، يريد باطن العنق. ويشير بتشبيه الشدّ بالحريق إلى أنه يلتهب في سرعة عدوه التهاب النار.

وقال أبو ذؤيب (¬1) رحمه الله تعالى يا بَيْتَ (¬2) "خَثْمَاءَ" الذي يُتَحَبَّبُ ... ذهبَ الشبابُ وحُبُّها لا يَذْهَبُ ويُروَى "يا بيتَ دَهْمَاءَ". ما لي أَحِنُّ إِذا جِمالُكِ قُرِّبت ... وأصُدُّ عنكِ وأنتِ مِنِّي أقرَبُ يقول: أَصُدُّ عنكِ كراهية أن يقول الناس فيّ وفيكِ. للِّهِ دَرُّكِ هل لَدَيْكِ مُعوَّلٌ ... لِمُكَلَّفٍ أم هل لوُدِّكِ مَطْلَبُ للِّهِ دَرُّكِ أي للِّهِ خَيْرُكِ. والمعوَّل: المَحْمِل، يقال: ما عليه معوَّلٌ، أي مَحمِلٌ. تَدْعو الحَمامَةُ شَجْوَها فتَهِيجُنِي ... ويَرُوحُ عازِبُ شَوْقِي المتأوِّبُ (¬3) "عازِبُ شوقى"، أي كان قد عَزَبَ ثمّ راح (¬4). وأرَى البِلادَ إذا سَكَنْتِ بغَيْرِها ... جَدْبًا وإن كانت تُطَلُّ وتُخْصَبُ قولهُ: "تُطَلُّ"، أي يصيبُها الطَّلُّ. وَيُحلُّ أَهْلِي بالمكانِ فلَا أرَى ... طرفِي بغيرِكِ (¬5) مَرَّةً يتقلَّبُ ¬

_ (¬1) لم يعرف هذه القصيدة أبو سعيد الأصمعي. وقال خالد بن كلثوم: هي لرجل من خزاعة. وقال الزبير: هي لابن أبي دبا كل كما في شرح السكريّ. (¬2) في الأصل: "با بنت"؛ وهو تحريف. وفي رواية: "سوداء" مكان قوله: "خثماء". وفي رواية: "أتجنب" مكان قوله: "يتحبب". (¬3) الشجو: الحزن. والمتأوّب: الذي يرجع بالليل. (¬4) عزب ثم راح، أي غاب ثم رجع. (¬5) في الأصل: "لغيرك" وما أثبتناه عن شرح السكري.

وأُصانِعُ الواشِينَ فيكِ تَجمُّلًا ... وهُمُ عليَّ ذَوُ ضَغائِنَ دُؤَّبُ (¬1) وَتَهِيجُ سارِيَةُ الرِّياحِ مِنَ ارضِكُمُ ... فَأَرَى الجَنَابَ لها يُحَلُّ ويُجنَبُ و"سارِيَةُ الرياح": ما جاء بالليل. و"يُجْنَبُ"، أي تُصيبُه الجَنوبُ (¬2). والجنَاب: ما جَوْلَ القومِ. وَأَرَى الَعُدوَّ يُحبُّكمْ فأُحِبُّه ... إن كان يُنسَبُ منكِ أو يَتَنَسَّبُ (¬3) قوله: يُنْسَبُ أي يُقالُ: هو من أَهلِها. * * * وقال أبو ذؤيب أيضًا عَرَفْتُ الدِّيارَ كَرقْمِ الدَّوا ... ةِ (¬4) يَزْبِرُهُا الكاتِبُ الحِمْيَرِيُّ ويَذْبُرهُا، وهو مثْل الأوّل في المعنى. قولُه: "يَزْبِرُها": يكتُبها، يقال: زَبَرتُ: كَتَبْتُ. وزَبَرَ: قرأ (¬5). قال الأصمعيُّ: نظر حِمْيَريٌّ إلى كتابٍ فقال: أنا أعرِفُ زَبْرِي (¬6). ¬

_ (¬1) في الأصل: "ذوب"؛ وهو تصحيف. وما أثبتناه عن النسختين المخطوطة والأوربية من ديوان أبي ذؤيب. (¬2) قال أبو عمرو: الجنوب أطيب الرياح بالحجاز؛ وهذا هو ما أشار إليه الشاعر. (¬3) يتنسب، أي يدعي النسب. وفي رواية: "أو لا ينسب". (¬4) روى في الأصل أيضًا "الدويّ" جمع دواة، وفي رواية: "كخط الدواة". شبه آثار الديار في خفائها ودقتها بالخط في الصحيفة. (¬5) قرأ، أي قرأ قراءة خفيفة. يقال: زبر الكتاب يزبره زبرا، إذا قرأه قراءة سريعة. نقله السكري عن الأصمعي. (¬6) في كتب اللغة وشرح السكري: تزبرتي. ونقل السكري أيضًا عن بعضهم أن معنى يزبرها يعلمها. واستشهد بما ذكره الأصمعي من أن حميريا نظر إلى كتاب فقال: أنا أعرفه بزبرى، أي بعلمي.

برَقْمٍ ووَشْيٍ كما زُخرِفَتْ (¬1) ... بِميشَمِها المُزْدَهاةُ الهَدِيُّ المِيشَم: الإبْرة التي تَشِمُ بها المرأةُ على كفِّها (¬2). وزُخرفَتْ: زُيِّنَتْ. المُزْدَهاة: المستَخَفَّة الّتي استخفَّها الحُسْن والعُجْب. والهَدِىّ: العَروس. أَدانَ وأنبأَه الأَوَّلُو ... نَ أنَّ المُدانَ المَلِيُّ الوَفِيُّ (¬3) أَدان: باع بَيعا إلى أجلٍ -يعني الِحمَيري- فصار له دينٌ على من باعه. [و] (¬4) يقال: دانَ الرجلُ، إذا كان عليه ديْن فهو دائنٌ ومَدْيونٌ. قوله: أَنبأَه الأوَّلُون: مَسانٌّ (¬5) الرجال. أنّ الذي باعَه هو المليُّ (¬6) الوفيُّ. فَينْظُرُ (¬7) في صُحُفٍ كالرِّيا ... طِ فيهنَّ إرثُ كتَابٍ مَحِيٌّ يقول: فيَنْظُر هذا الِحمْيرَيُّ في صُحُفِ مَن له عليه الدَّيْن. كالرِّياط: كالمُلَاءِ وكلُّ مُلاءةٍ لم تُلفَق فهي رَيطة. وما لُفِق فهو لِفقٌ. عَلَى "أَطْرِقَا"" بالياتُ الِخيا ... مِ إلاَّ الثُّمامُ وإلَّا العِصِيُّ (¬8) ¬

_ (¬1) كذا ضبط قوله: "زخرفت" بالبناء للمجهول في الأصل. وضبط في النسختين المخطوطة والأوربية بالبناء للفاعل. (¬2) المعروف أن وشم يتعدى بنفسه لا بالحرف. (¬3) في رواية "بأن المدان مليّ وفيّ". (¬4) في الأصل: "يقال" بسقوط الواو؛ والسياق يقتضيها". (¬5) مسانّ الرجال: الكبار في السن. (¬6) الملى: الموسر. (¬7) في نسخة: "فنمتم". والإرث: الأصل. (¬8) يلاحظ أن الترتيب في هذا البيت وما بعده من الأبيات الثلاثة هنا مختلف عما في النسختين الأوربية والمخطوطة من ديوان أبي ذؤيب، فارجع إليهما. وفي رواية "علا أطرقا" من العلوّ وبضم الراء في "أطرقا" جمع طريق في لغة هذيل. وقوله: "الثمام والعصى" يرويان بالرفع كما هنا، ويرويان بالنصب أيضا ويكون في البيت إفواء. قال ابن برى: من روى "الثمام" بالنصب جعله استثناء من الخيام، لأنها فى معنى فاعلة، كأنه قال: "باليات خيامها إلا الثمام". ومن رفع جعله صفة للخيام، كأنه قال: بالية خيامها غير الثمام اهـ ملخصا.

أَطْرِقَا: مَوضع (¬1). وإنما أراد، عَرَفْتُ الديارَ على (أَطرِقَا). والثُّمام: شجرٌ تُعمَلُ منه الخيامُ (¬2). والعِصِيّ: خَشَبُ بيوتِ الأَعْراب. قال ابن الأعرابيّ: أراد إلَّا الثُّمام وإلَّا العِصِيّ فإنَّهما لم يَبْلَيَا. فلَم يَبْقَ منها سِوَى هامِدٍ ... وسُفْعُ الخُدُودِ مَعًا والنُّؤِيُّ (¬3) الهامد: الرَّماد. وسُفْعُ (¬4) الخُدُود: يعني الأَثافِيَّ (¬5). والنُّؤِيُّ: جمعُ نُؤْيٍ (¬6). وأَشْعَثَ في الدَّارِ ذي لِمَّةٍ ... لَدَى إِرْثِ حَوْضٍ نَفاهُ الأَتِيُّ (¬7) مِنْ رواية العين. كعُوذِ المُعَطِّفِ أحْزَى لها ... بمَصْدَرةِ الماء رَأْمٌ رَذِيُّ قوله: كَعُوذِ المُعَطِّفِ، العُوذُ من الإبل: الحديثاتُ العَهْدِ بالنَّتاج. والمُعَطِّف: الذي يُعَطِّف ثلاث (¬8) أَيْنُقٍ عَلى وَلَدٍ حتى يَدْرِرْنَ عليهِ. فشبَّه الأَثافيَّ ¬

_ (¬1) استظهر ياقوت أن (اطرقا) موضع بنواحي مكة. (¬2) في كتب اللغة أن الثمام نبت ضعيف له خوص تسدّ به خصاص البيوت. (¬3) كذا ضبط قوله وسفع بضم العين في النسختين الأوربية والمخطوطة، على اعتبار أن قوله: "وسفع" معطوف على "سوى" في المعنى؛ لأن المعنى "إلا هامد". وإذن يستقيم رفع الياء في قوله: "والنؤى". وضبط في الأصل قوله: "وسفع" بكسر العين، وإذن فلا يصح ضم الياء في قوله: "والنؤى" بل يجب كسرها، ويكون في البيت إقواء .. (¬4) سفع: جمع سفعاء، وهي التي تغير لونها. (¬5) الأثافى: الحجارة توضع عليها القدر الواحدة أثفية. (¬6) النؤى: الحفيرة تحفر حول البيت لتمنع عنه ماء المطر. (¬7) يلاحظ أن هذا البيت لم يرد ضمن أبيات هذه القصيدة في الأصل، وإنما كتب على هامشه، كما يلاحظ أنه قد ورد في النسختين الأوربية والمخطوطة في هذا الموضع؛ فأثبتناه في تبعًا لهاتين النسختين. وقوله: "وأشعث" بالجر، عطف على قوله في البيت السابق: "هامد". ويريد بالأشعث ذي اللمة: الوتد. وإرث الحوض: أصله. وفي رواية: "لدى آل خيم" والآل: الخشب. ونفاه الأتي، أي دفعه السيل وألقاه. (¬8) إنما قال: ثلاث أينق؛ لأن الأثافي ثلاث.

على الرَّماد بعُوذٍ قد عَطَفَتْ على وَلَد. أَحْزَى لها: أَشَرف لها. بمَصْدَرةِ الماء: حيثُ يُصْدَرُ عن الماء. ورأمٌ: وَلَد. رَذِىّ، أي مُلْقًى ضعيف. فهُنَّ عُكوفٌ كنَوحِ الكَريـ ... مِ قد لاح (¬1) أكبادَهنّ الهَوِيُّ العُودُ (¬2): التي عَكَفْن على الرَّأمِ أي الوَلَدِ، كما يَعْكُفُ النَّوْحُ على المَيّت. قد لاحَ أكبادَهنّ، أي هَرَتَ (¬3) أكبادَهنّ من الحُزْن. هَوَى يَهوِي: إذا هَلَكَ (¬4). وأنْسَى "نُشيْبةَ" والجاهلُ الـ ... ـمُغَمَّرُ يَحسَبُ أنِّي نَسِيُّ يريد: لا أَنْسَي "نُشيْبةَ" (¬5). والمغمَّر: الذي لم يُجرِّب الأمور. يَسُرُّ الصَّديَق ويَنْكِي العُدوَّ ... ومِردَى حُروبٍ رَضِىُّ نَدِيُّ (¬6) على حِينِ أنْ تَمَّ فيه الثَّلا ... ثُ: حَدٌّ (¬7) وَجُودٌ ولُبٌّ رَخيُّ حَدٌّ: بأسٌ. وَجُودٌ: إعْطاء. ولُبٌّ رَخِيّ: صَدْرٌ واسع. ¬

_ (¬1) في رواية: "قد شفّ" مكان قوله: "قد لاح". والنوح: النساء يجتمعن للحزن. (¬2) يفيد كلام الشارح هنا أن قوله: "فهن عكوف" يعود على العوذ، وهذا أحد وجهين في تفسير هذا البيت. وذكر بعضهم أنه يعود على سفع الخدود، وهي الأثافى. يقول: إن تلك الأثافى عكوف في الدار كما تعكف النوائح على الميت الكريم عليهن. (¬3) هرت أكبادهن: أنضجها. (¬4) فسر في اللسان مادة "هوى" الهوى بفتح الهاء وتشديد الياء بمعنى المهوى، وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا؛ أي لاح أكبادهن فقد من يهويه. (¬5) قد سبق التعريف بنشيبة هذا الذي يرئيه أبو ذؤيب في حاشية كتبناها في أوَّل القصيدة الثانية من هذا الديوان. (¬6) يلاحظ أن هذا البيت قد كتب على هامش الأصل، ولم يرد في صلبه ولا في النسختين الأوربية ولا المخطوطة من ديوان أبي ذؤيب. والمردي: الحجر الذي لا يكاد الرجل القوي يرفعه بيده، تكسر به الحجارة، ومنه قليل للشجاع: إنه لمردي حروب؛ لأنه يرمي الخصوم ببأسه. والنديّ: الجواد. (¬7) في رواية "بأس" مكان قوله "حدّ". وفي رواية: "حزم".

ومِنْ خَيرِ مَا عَمِلَ (¬1) الناشئُ الـ ... ـمُعَمَّمُ خِيرٌ وزَنْدٌ وَرِيُّ المعمَّم: المقلَّد في الأَمْر (¬2). والخِيرُ: الكَرَم، وهو مَصْدَر الخَيْر. وزَنْدٌ وَرِيّ أي معروفٌ ظاهر (¬3). وصبرٌ على حَدَثِ النائباتِ (¬4) ... وحِلمٌ رزينٌ وقلبٌ ذكيٌّ * * * وقال أبو ذؤيب (¬5) رحمه الله تعالى جَمالَكَ أيّها القَلْبُ القَريحُ ... سَتَلْقَى مَنْ تُحِبٌّ فتَسْتَرِيحُ قولُه: جمالَكَ، أي تجمَّل. نَهَيْتُكَ عن طِلابِكَ "أمَّ عَمرٍو" ... بعاقِبَةٍ (¬6) وأنتَ إذٍ صَحِيحُ بعاقبةٍ، يريد: بثَباتٍ (¬7) في آخِرِ الزمان، أراد وأنتَ إذْ ذاك (¬8)، فنَوَّنَ. ¬

_ (¬1) في رواية: "جمع". (¬2) عبارة اللسان وشرح السكري: المعمم السيد الذي يقلده القوم أمورهم؛ ويلجأ إليه العوام. (¬3) عبارة السكري في شرح قوله: "وزند ورىّ": يكون زنده واريا ظاهرا إذا قدح أورى، وإنما هو من الكرم ليس من قدح النار. وزند ورىّ: إذا أسرع إخراج النار. (¬4) في رواية: "على نائبات الأمور". (¬5) لم ترد هذه الأبيات التسعة في النسخة التي بين أيدينا من شرح السكرى على ديوان أبي ذؤيب. (¬6) في مغنى اللبيب في الكلام على "إذ" والسان في تفسير "إذ وإذن": "بعافية" مكان قوله: "بعاقبة". وذكر الدمامينيّ في تفسير هذه الرواية أن الجار والمجرور حال من الكاف في "نهبتك" أو الكاف في "طلابك"، أي نهيتك حال كونك بعافية. وفي اللسان مادة "شلل" "بعاقبة" كما هنا. (¬7) كذا وردت هذه العبارة في الأصل وهي غير واضحة. وقد ذكر المرزوقي في تفسير قوله: "بعاقبة" عدّة وجوه، منها أن المعنى نهيتك بعقب ما طلبتها، أي لما طلبتها زجرتك عن قريب. قال: وهذا أقرب الوجوه في نفسي. والعرب تقول: "تغير فلان بعاقبة" أي عن قريب. وفسرها بعضهم بأنه يريد آخر الشأن اهـ ملخصا من خزانة الأدب ج 3 ص 150، 151. (¬8) صواب العبارة "وأنت إذ الأمر ذاك" كما ذكر البغدادي في الخزانة ج 3 ص 147. وروى "وأنت إذا"؛ والتنوين في كلتا الروايتين تنوين عوض.

فقلتُ: تَجَنَّبن سُخْطَ ابنِ عَمٍّ ... ومَطْلَبَ شُلَّةٍ ونَوًى طَرُوحُ (¬1) الشُّلّة: البعد (¬2). والطَّرُوح: النَّوَى البعيدة. وما إنْ فَضْلةٌ مِنْ "أَذْرِعاتٍ" ... كعيْنِ الدِّيكِ أحْصَنهَا الصُّرُوحُ (¬3) وما إن فَضْلةٌ، يعني الخمْرَ. والصُّروح: القُصور، واحدها صَرْح. مُصفَّقةٌ مُصَفّاةٌ عُقارٌ ... شآميةٌ إذا جُلِيَتْ مَرُوحُ قوله: "مُصَفَّقة"، وهي أن تُحَوَّلَ مِن إناءٍ إلى إناءٍ كأنّه مِزاجٌ لها. عُقار: لازَمَت العقلَ والدَّنَّ؛ يقال: فلانٌ يُعاقر الشرابَ، أي يلازمُه. ومَروح: لها سَورَةٌ في الرأس ومِراح (¬4). إذا فُضَّت خواتِمها وفُكَّتْ ... يقال لهما: دَمُ الوَدَجِ (¬5) الذَّبيحُ الذَّبِيح: أصلُه المَشْقوق، وإنّما الذَّبيح الوَدَجُ (¬6)، والعرَبُ تقول هذا له. ولا مُتَحَيِّرٌ باتت عليه ... ببَلقَعَةٍ يَمانِيَة تَفُوحُ متحَيِّر: ماءٌ قد تَحيَّر من كثرته فليست له جهةٌ يمضي فيها. ويمانيةٌ، يعني رِيحا. ¬

_ (¬1) قال المرزُوقي في توجيه الرفع في قوله: "طروح": كأنه أراد ونوى طروح ذاك، انظر خزانة الأدب ج 3 ص 151. وفي رواية: "وهي الطروح". وروى الأخفش: "سخط ابن عمرو". (¬2) فسر الشلة في اللسان بأنها الأمر البعيد تطلبه. وهو أظهر في المعنى. وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا. (¬3) أذرعات: بلد في أطراف الشأم يجاور أرض البلقاء وعمان، كانت الخمر تنسب إليه. (¬4) زاد في اللسان: "يمرح من يشربها". (¬5) الودج: عرق في العنق، وهما ودجان. (¬6) عبارة اللسان في تفسير الذبيح في هذا البيت نقلا عن الفارسي: أراد المذبوح عنه، أي المشقوق من أجله اهـ وألجأه إلى هذا التأويل تصحيح وصف الدم بأنه ذبيح.

خِلافَ مَصابِ بارِقَةٍ هَطُولٍ * مُخالِطِ مائِها خَصَرٌ ورِيحُ خِلافَ مَصاب، أي بَعْد مَصابِ بارقةٍ. والبارقة: السّحابة فيها بَرْق. وهَطُول: تَهْطِل. مُخالطِ مائِها، أي خالَطَ ماءها بَرْدٌ ورِيح. بأَطْيَبَ مِنْ مُقَبَّلِها إذا ما ... دَنا العيُّوقُ (¬1) واْكْتَتَمَ النُّبوُحُ أراد: وما فَضْلةٌ (¬2) بأطيَبَ مِنْ فيها ومقبَّلِها. والنُّبوح: أصْواتُ الناس وجَلَبَةُ الحيِّ وأصواتُ الكِلاب. إذا ما دنا العَيُّوق: وهذا في وقتٍ قد عَرَفه؛ لأنّ الأَفْواه تتغيّر إذا ذهب من الليلِ هَدِئٌ. فيقول: هي في هذا الوقت طيبةُ الفم. في النسخة: اكتتمَ (3)، وفي التخريج عن أبي إسحاق: اكتَتَم (¬3). * * * وقال أبو ذؤيب رحمه الله تعالى أبِالصُّرْمِ مِنْ أَسْمَاءَ حَدَّثَكَ الذِي ... جَرَى بَيْتَنا يومَ استقَلَّتْ رِكَابُها؟ (¬4) يقول: أبهذا حدَّثكَ الذي جَرى؟ زَجرْتَ لها طَيرَ السَّنيحِ فإِنْ تُصِبْ ... هَواكَ الّذى تَهوَى يُصُبكَ اجتِنابُها (¬5) ¬

_ (¬1) العبوق: كوكب أحمر مضيء بحيال الثريا في ناحية الشمال. (¬2) وما فضلة، يريد الخمر التي سبق وصفها. (¬3) لعل الفرق بين الروايتين البناء للفاعل في إحداهما وللمجهول في الأخرى. أو لعل إحداهما اكتتم والأخرى انكتم. (¬4) في رواية: "خبرك". ويريد بقوله: "الذي جرى بيننا" السانح من الطير ونحوها، وهو ما ولاك ميامنه حين يمرّ بك. واستقلت ركابها أي احتملت رواحلها. (¬5) في رواية: "زجرت لها طير الشمال فإن تكن" الخ. يقول: إن صدق هذا الطير الذي يمر من جهة الشمال فإنه سيصيبك اجتناب من تحب.

ويُروَى: "زَجَرْتَ لها طيرَ السَّماءِ". وبعض (¬1) العرب يتشاءمُ بالسَّنِيح. قولهُ: "فإنْ تُصِبْ هَواكَ الّذى تَهْوَى" يعنى الطيرَ الَّذى زَجَرَه، يقال: فلانٌ هَوَى فلانةَ وفلانةُ هوَى فلانٍ، فأراد هاهنا نفسَها. وقد طُفْتُ مِنْ أَحْوالِها وأَرَدْتُها ... سِنينَ فأَخْشَى بَعْلَها أو أَهابُها (¬2) أراد: طُفْتُ أَحْوالهَا، ثُمَّ أفْحَمَ "مِنْ"؛ يقال: هو مِنْ تحْته (¬3) وهو تَحته. يَخْشَى بعلَها يتّهِمه بها. أو يَهابُها: يَستْحِي منها منها أن يواجِهَها. وقولهُ: "منْ أَحوالها" وهو جَمْعُ حَوْل، فأراد: طُفْتُ حولها (¬4). ثلاثةَ أَعْوامٍ (¬5) فلمّا تَجَرَّمتْ ... علينا بِهُونٍ واستَحارَ شَبابها فلما تَجَرَّمتْ: تَكَمّلتْ هذه الأعوامُ علينا. بهُونٍ: ونحن في هَوانٍ. واستَحار شبابُها: يريد حين شَبَّتْ واجتَمَع شَبابهُا وتردَّد فيها كما يتحير الماء. عَصيانِي (¬6) إليها القَلبُ إنِّي لِأمْرِه ... سَميعٌ فما أَدرِي أَرُشدٌ طِلابُها؟ قولهُ: "عَصاني إليها" أي خَطَر (7) أي خَطرَ (¬7) إليها قلبِي وذَهَب إليها، فما أَدْرِي أَرُشْدٌ الّذي وَقَعتُ فيه أم غيٌّ. ¬

_ (¬1) ذكر ابن بري أن العرب تختلف في العيافة، يعني التيمن بالسانح والتشاؤم بالبارح، فأهل نجد يتيمنون بالسانح، والحجازيون يتشاءمون به. قال: وهذا هو الأصل. ثم قد يستعمل النجدى لغة الحجازى. (¬2) يقول: إنه يطوف حولها ولا يواصلها خشية بعلها أن يتهمه بها أو حياء منها. (¬3) في الأصل هكذا: "هو من محبه وهو محبه"؛ وهو تحريف. (¬4) في الأصل: "أحوالها" والألفان زيادة فيه. (¬5) في رواية: "أحوال"؛ ومؤدّى الروايتين واحد. (¬6) رواه أبو عمرو "دعاني" مكان قوله: "عصاني". وروى الأصمعى: "مطيع" مكان قوله: "سميع". (¬7) عبارة الأصمعى في تفسير قوله: "عصانى إليها القلب": جعل لا يقبل مني، أي ذهب إليها قلبي سفها؛ وهي أوضح في معنى العصيان من عبارة الشارح هنا.

فَقُلْتُ لقَلْبي: يالَك (¬1) الخَيْرُ إنّما ... يُدَلِّيكَ للمَوْتِ الجَدِيدِ حِبابُها قولهُ: "يا لَكَ الَخيْرُ" أراد: لك الخيرُ. وحِبابُها: يعني المُحابَّة؛ يقال: حاببْتُه حِبابًا ومُحابّةً. فما الرّاحُ راح الشامِ جاءتْ سَبِيّةً ... لها غايَةٌ تَهْدِي الكِرامَ عُقابُها (¬2) قولُه: لها غايةٌ أي لها رايةٌ: علامةٌ ينَصِبها (¬3) الخَمّار. وعُقابهُا: رايتُها أيضًا تَدُلُّ عليها الكِرامَ. عُقارٌ كماءِ النِّيءِ لَيْسَتْ بخَمْطةٍ ... ولا خَلَّةٍ يَكْوِي الشُّرُوبَ (¬4) شِهابُها ¬

_ (¬1) يا لك الخير، أي يا قلب لك الخير. وذكر صاحب اللسان في تفسير الموت الجديد هنا أنه ما لا عهد لك؛ ثم ذكر أنهما هذلية، وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا. وقال الأخفش: الموت الجديد هو المغافص، يريد المفاجيء الآخذ على غرّة. وقال غيره: جديد الموت أوله. وروى الأخفش بيتا آخر بعد هذا البيت، وهو: وأقسم ما إن بالة لطمية ... يفوح بباب الفارسيين بابها والبالة بالفارسية: وعاء الطيب، وهي البيلة أيضا. واللطمية: نسبة إلى اللطيمة، وهي إبل تحمل المتاع والعطر، فإن لم يكن في المتاع عطر فليست بلطيمة. والفارسيون هم التجار، وكان كل شيء يأتيهم من ناحية العراق فهو عندهم فارسي. ويريد بقوله: "بابها" فم الوعاء الذي فيه الطيب. (¬2) رواه الأخفش: "ولا الراح" مكان قوله: "فما الراح". ولا يخفى أن رواية الأخفش لا تستقيم إلا مع إثبات البيت الذي سبق التنبيه عليه في الحاشية التي قبل هذه، وهو: "وأقسم ما إن بالة" الخ. والراح: الخمر. وجاءت سبية، أي مشتراة. (¬3) قال الأصمعي: كان التاجر إذا جاء بالخمر يبعها نصب راية ليعلم الحي أنه جاء يخمر. (¬4) في رواية: "الوجوه" مكان قوله: "الشروب". يريد تشبيه الخمر في الصفاء بما قطر من اللحم النيء. ثم وصفها بأنها ليست بخمطة، أي أنها لم تأخذ شيئا من الريح كريح النبق والتفاح. ولا خلّة، أي حامضة. وقال السكرى في تفسير قوله: ليست بخمطة ولا خلة: الخمطة التى قد أخذت طعم الإدراك ولم تدرك وتستحكم ولا خلة، أى جاوزت القدر فخرجت من حال الخمر إلى حال الحموضة والخل. يقول: إنها على ما ينبغي أن تكون عليه في طعمها وطيبها، فلا تؤذى شاربيها بحدّتها وحرارتها اهـ ملخصا.

قولُه: كماءِ النِّئِ، أراد في صَفائها، وهو ما قَطَرَ من اللحم. قوله: ليست بخَمْطةٍ والخَمْطة: التي أَخَذَتْ رِيحا ولم تُدْرك. والخَلَّة: الحامضة. وقوله: يَكْوِي الشُّروبَ: يقول: لها مَضُّ شديدٌ مِثلُ النارِ. والشُّروبُ: النَّدامى. تَوصَّلُ بالرّكبانِ حِينًا وتُؤلِفُ الـ ... جِوارَ ويُغشِيها الأَمانَ رِبابُها (¬1) تَوصَّلُ بالرّكبانِ، يعني أهلَ الخَمْرِ، وإن كان اللَّفظُ للخَمْر فإنّ المعنى لأربابها. يقول: إذا أَقْبَل الركبانُ سار أصحابُ الَخْمرِ معهم ليَأْمَنوا. وقوله: تؤْلِفُ الجِوار يقول: تَأْخُذُ الجوار (¬2) عَقْدَين، وإنما يَعْنِي أصحابَ الخَمرِ. يقال: آلفَ وأولَف إذا جَمَع بين شيئين. ويُغْشِيها الأَمانَ رِبابُها: والرِّباب: عَقْدٌ وجِوارٌ تأخذه يكون الرِّبابُ أَمانًا لها؛ والمعنى لأصحابها، وإذا استجاروا (¬3) من مكانَينْ فقد آلفوا؛ وأنشد (¬4): كانَتْ أَرِبَّتَهُمْ بَهْزٌ وغَرَّهُمُ ... عَقْدُ الجِوارِ وكانوا مَعْشَرًا غُدُرا فما بَرِحَتْ في الناسِ حتّى تَبيَّنَت ... ثَقيفًا بزَيزاءَ الأشاةِ (¬5) قِبابُها ¬

_ (¬1) توصل، أي تتوصل. يقول: إن تجار الخمر يخشون الإغارة عليهم وانتهابها منهم في سفرهم فهم يتوصلون من بلد إلى بلد مع القوافل ويعقدون ذمة الجوار بينهم وبين هؤلاء الركبان ليستأمنوا بهم. وفي رواية: "ويعطيا" مكان قوله: "ويغشيها"؛ والمعنى يستقيم عليها أيضا. ويغشيها الأمان أي يلبسها إياه. (¬2) تأخذ الجوار عقدين، أي يعقد أهلها الجوار مع قوم، فإذا جاوزهم عقدوا الجوار مع آخرين. وعبارة السكرى وغيره في تفسير قوله: تؤلف الجوار، أي تجاور فى مكانين تجمع بين جوار قوم وجوار قوم. (¬3) استجاروا من مكانين، أي أخذوا عقد الجوار من حيين في مكانين. (¬4) البيت لأبي ذؤيب، وقد سبق تفسيره في القصيدة الخامسة من هذا الديوان وهو البيت الثاني من أبياتها، فانظره. (¬5) الأشاءة: موضع، قال ياقوت: أظنه باليمامة أو ببطن الرقة. وفي رواية: "تبيتت ثقيفا" بالتاء مكان النون، أي باتت بهم.

قوله: فما بَرِحَتْ، أي لم يَزلْ أهلُها فِي جَماعة ناس، يعني أهلَ الخير، حتّى تَبيّنَتْ ثَقِيفا، أي استبانتْهم. والزَّيْزاءة، ظَهْرٌ مُنْقادٌ غلِيظٌ مِن الأرض، أي حُمِلتْ إلى عُكاظ لتُباعَ وثَمَّ ثَقيفٌ ودارُها. والأشاءةُ: مَوْضِع. فطافَ بها أبناءُ آلِ مُعَتِّبٍ ... وَعَزَّ عليهمْ بَيْعُها واغتِصابها (¬1) آلُ معتِّب: حيٌّ من ثَقيف. وعَزَّ عليهمْ بَيْعُها، أي على هؤلاء الّذين يشترون الخمرَ صعُبَ عليهم اشتراؤها لَثَمنها (¬2)، ولم يَحِل لهم اغتِصابُها، وذلك أنّه كان في الشهر الحرام. فلمَّا رَأَوْا أن أَحْكَمَتْهُمْ ولم يَكُنْ ... يَحِلُّ لهمْ إِكراهُها وغِلابُها (¬3) فلمّا رَأَوا أن أَحكَمْتَهُم، يعني أصحابَ الخَمْرِ ردُّوا الذين يشترونها ومنعوهم، ولم يحل لهم أنُ يُكْرِهوا أهلَها وأن يَغْلِبوهُمْ عليها حتى أَرْبَحوا أَصحابَ الخمرِ فيها. أَتَوْها برِبحٍ حَاوَلتهُ (¬4) فأَصْبَحَتْ ... تُكَفَّتُ قد حلَّتْ وساغَ شَرابُها تُكفَّتُ: تُقْبَض، ومنه يقال: اللهمّ اكفِتْه إليك، أي اقبضه إليك. وساغَ شَرابها، أي سَهُلَ لمّا أَتَوْها بربْحٍ. ¬

_ (¬1) في رواية: "سومها واكتسابها" مكان قوله: "بيعها واغتصابها". (¬2) لثمنها، أي لارتفاع ثمنها. (¬3) رأوا، أي مشترو الخمر. وأحكمتهم، أي منعهم تجارها من شرائها لغلاء ثمنها؛ فأسند الفعل إلى الخمر والمراد تجارها على سبيل المجاز؛ وهذا البيت لم يروه أبو نصر. (¬4) في رواية: "حاولوه"، أي تجار الخمر.

بأرْىِ التي تَهوي (¬1) إلى كل مُغرِبٍ ... إِذا اصفرَّ ليطُ الشمسِ حانَ انقِلابُها يقول: هذه الخمرُ تُمزَجُ بالعَسَل. والأَرْىُ: عَمَلُ النَّحْلِ، وهو العَسَل وكذلك أرْىُ السَّحاب عَمَلُ السحاب، وهو المَطَر. قوله: تهْوِى، يعني النحلَ تَهوِى إلى كلِّ مُغْرِب، أي تطِير. والمُغْرب: كل موضِع لا تَدرِى ما وَراءَه، أي في ستْره. وقوله: "إذا اصفرَّ لِيطُ الشمسِ حانَ انقِلابُها"، أراد لَونَهَا (¬2) قوله: "حانَ انقِلابهَا"، أي في ذلك الوقتِ إلى موضِعِها. بأَرْيِ التي تَأْرِى اليَعَاسِيبُ أَصبَحَتْ ... إلى شاهِقٍ دُونَ السَّماءِ ذُؤابُها أراد: بأرْىِ الّتى تَعْمَلُها اليَعاسِيب. واليَعْسُوب: رأسُ النَّحْلِ وأَميرُها، كما يقال: "كان (¬3) واللهِ يَعْسُوبَ قُريش". وقوُله: "إلى شاهقٍ"، يريد أعلي الجَبَلِ. ذُؤابُها دُونَ السماءِ، أي أَعاليها. جَوارِسُها تَأرِى (¬4) الشُّعوفَ دَوائِبًا ... وَتَنْقَضُّ أَلْهابًا مَصِيفًا شِعابُها ¬

_ (¬1) في رواية "تأرى" مكان قوله: "تهوى"، أي تعمل الأرى، وهو العسل. وما هنا رواية الأصمعى. (¬2) أراد لونها: تفسير لليط الشمس. قال السكرى: وليس للشمس ليط وإنما هو لونها. والليط: القشر من كل شيء اهـ. (¬3) قيلت هذه الكلمة في عبد الرحمن بن عتاب ابن أسيد، قالها على بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- وقد مر به مقتولا يوم الجمل فقال: لهفي عليك يعسوب قريش، جدعت أنفي وشفيت نفسي. (¬4) في رواية: "تأوى الشعوف" بالواو، أى تأوى إليها، وهي رواية اللسان مادة "جرس" والنسختين الأوربية والمخطوطة من ديوان أبي ذؤيب. يريد أن النحل تأوى إلى شعوف الجبال، أي رءوسا فتأكل من ثمرها، ثم تنزل إلى وسطها أو أسفلها حيث البرودة، فتعسل فيه، لصلاحية المواضع الباردة للتعسيل. ولذلك قال: "مصيفا شعابها" يريد أنها باردة. وفي الأصل: "وتنفض ألهابا" بالفاء من القاف؛ وهو تصحيف.

قوله: "جَوارسِها تَأْرِى الشُّعوفَ دَوائبا"، يريد أوَاكِلَ (¬1) النَّحْل؛ يقال: جرسَ يَجْرِسُ إذا أَكَلَ الثَّمَر. وقوله: تَأرِي الشُّعوف، أي تعمل في الشُّعُوف. والشُّعوفُ: أعالى الِجبالِ. وتنقَضُّ ألْهابا، يرِيد إلى لهبٍ فتعسِّل فيه. واللِّهْب: الشقُّ في الجَبَلِ ثم يَتّسِع في الطرِيقِ، واللِّصْبُ والشِّعْب دون اللِّهْب، كالطّرِيق الصغيرة. ويروَى: "وَتنصَبُّ أَلْهابا مَصيفًا كِرابُها" معناه يَصِيفُون بتِلْكَ الكراب، أي بتلك الناحية. والكَرَبَةُ: فَصْلُ (¬2) مَا بين الجَبَلَين. وقوله: "مَصِيفًا شِعابُها"، المعنى أنّها تَأْكُل في أعلى الجبل وتحَملُ فتَنْزِلُ إلى مَوضِعٍ بارد. والشِّعْب: الطرِيقُ في الحَبَلِ. ويروَى مصْيفًا شِعابُها، وهو الموضِع الضيقُ. إذا نَهَضتْ فيه تَصَعَّدَ نَفْرَها ... كقِترِ الغِلاءِ مُستَدِرًّا (¬3) صِيابُها قوله: إذا نَهَضَتْ، يعني النَّحْلَ. تَصَعَّدَ نَفْرها، يريد تَصَعَّدَ مَا نفَر منها أي شَقَّ عليها، يعِنى الجَبَل شقَّ على النحلِ تَعمَلُ فيه؛ ومنه يقال: "ما تَصَعَّدَني شيءٌ كما تَصعَّدُني خِطبَةُ النِّكاح" (¬4). وقوله: كقِتْرِ الغِلاء، الواحدة قترة، (¬5) وهو نَصْلُ سَهْم ¬

_ (¬1) أي أواكل الثمر والشجر منها، وهي الذكور، كما قاله السكرى. (¬2) فسر أبو عمرو الكراب بأنها صدور الأودية، وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا. وفسرها غيره بأنها مجارى الماء في الوادى. (¬3) في اللسان مادتي "قتر" و"نفر": "مستدرّ" بالرفع. (¬4) هذه الكلمة من قول عبد الله بن الزبير، رواها الأصمعي. (¬5) قال السكري: تسمية هذه النصال بالقتر مأخوذة من قتير الدروع، أي رءوس مساميرها، لدقتها وصغرها.

الأهداف. والغِلاء: المُغالاة (¬1) في الرَّمْي. قال (¬2): فشبَّه سُرعَةَ النحل بقتر الغلاء (¬3). قال: وقوله مستدِرًا صيابهُا، أي يجيء منفتلًا (¬4) ليس بمُسْتَرخٍ. قال: وقوله: الصِّيَاب: القُصَّدُ، يقال: [صاب] يصُوبُ إذا قَصَد. تَظَلُّ على الثَّمْراءَ منها جَوارِسٌ ... مَراضِيعُ صُهبُ الرِّيشِ زُغْبٌ رِقابُها الثَّمْراء: جَبلٌ. (¬5) وقال بعضهم: شَجَرٌ مُثْمِرٌ. جوارِس: أواكل من النَّحْل. مراضيع أي هُنَّ صغارٌ (¬6). صُهْبُ الرِّيش (¬7): يريد أجنِحتَهَا. فلمّا رآها الخالديُّ كأنّها ... حَصَى الخَذْفِ تكبو (¬8) مستقلًا إيابُها ¬

_ (¬1) مغالاة الرامي، هي أن يرفع يده بالسهم يريد به أقصى الغاية. وفسر بعضهم الغلاء في هذا البيت بأنه السهام يتغالون بها. (¬2) قال أي الأصمعي. (¬3) بقتر الغلاء، أي بسرعة قتر الغلاء. (¬4) في الأصل: "منقلبا"؛ وهو تحريف. وفسر بعضهم "مستدر" بمعنى متتابع. (¬5) ذكر السكرى في الثمراء أنها هضبة يقال لها الثمراء بشق الطائف مما يلي السراة. وذكر ياقوت أنه يقال فيه: الثبراء أيضا. وقال في اللسان: الثمراء جمع ثمرة كشجراء جمع شجرة، وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا. (¬6) هذا وجه في تفسير لفظ المراضيع هنا، قاله أبو نصر. وقال بعضهم: إن المراد بالمراضيع هنا أنها حديثات عهد بالتفريخ؛ وهذا مثل يراد به أن معها نحلا صغارا، وليس المراد أنها ترضع، ولكن سماها المراضيع لأن الأمهات من غير الطير تسمى مراضيع إذا أرضعن. (¬7) صهب الريش: من الصهبة، وهي أن تعلو الشعر حمرة وأصوله سود. (¬8) في رواية "تهوى" مكان "تكبو". والخذف: رمى الحصى بالأصابع. يقول: إن ذلك الرجل الذي يجنى العسل لما رأى جماعة النحل تستقل في الجبل، أي ترتفع ثم تزل عنه، علم أن ثمّ عسلا، فاعتزم أن يدخل بيتها ويجنيه.

الخَالِدِيّ: رجلٌ من بني خالِد (¬1). كأنّها حَصَى الخَذْفِ مِن صغَرها. تَكبُو: يقول: إِذا أَوفَتْ عَلى الجَبَلِ زلَّتْ مِن لينِ الجبَل. قوله: مُستقلًا إيابُها أي كلَّما استَقلَّت في الجَبَل كَبَت. وإيابُها: جَمَاعتُها، واحدُها آئب. أَجَدَّ بها أَمْرًا وأيْقَنَ أنَّه ... لها أوْ لأخرَى كالطَّحِينِ تُراُبها (¬2) أجَدَّ بها أَمْرًا، يَعْنى الخالديّ. والمعنَى أجدَّ أَمرَه، كقولك: ضاقَ به ذِراعا أي ضاق بِه ذِراعُه؛ وكما تقولُ: قَرَّ عَيْنا، أي قَرَّتْ عَينُه به؛ وكقولِك: طِبْتُ بِه نَفْسا تريد: طابت نَفسِي به: وقوله: وأيقَنَ أنّه لها، أي للنحل (¬3)، أي أَيقَنَ أنه سَيَدْخُل بيتَ النحلِ. أو ينقطِع الحبلُ فَيصير لأُخَرى، يعنِي الأرضَ التى ترابها كالطَّحِين. فقيل: تَجَنَّبهَا حَرامُ، وَراقَهُ ... ذُراها مُبِينًا عَرْضُها (¬4) وانتِصابُها فقيل للخَالِدي: يا حَرامُ -وهو اسمُه-: تَجنَّبْها (¬5). وراقَه: أَعجَبَه. ذُراها، أَعالي العَسَل. مُبينا عَرْضُها: يريد قُرْصَ الشُّهْدةِ. وانتصابها: الهاء للشُّهْدة. فأَعْلَقَ أسْبابَ المَنِيَّةِ وارْتَضَى ... ثُقُوفَتَه إِنْ لم يَخُنْه انقِضابُها (¬6) ¬

_ (¬1) يلوح من هذا أن بني خالد كانت لهم شهرة باشتيار العسل. (¬2) يقال: أجدّ فلان أمره بذلك، أي أحكمه، كما في كتب اللغة. وقال بعض الشراح: كلما أخذت في شيء فقد أجددت به أمرا. وعبارة بعضهم في تفسير هذا الحافظ: عزم في شأنها. (¬3) وقال بعض الشراح: "لها" أي لتلك الهضبة التي فيها العسل. (¬4) كذا ضبط قوله: "عرضها" في الأصل بفتح العين. وضبط في نسخ أخرى بضمها؛ والمعنى يستقيم على كلا الضبطين. (¬5) تجنبها أي تجنب هذه الشهدة. (¬6) يقول: إن صاحب العسل قد علق الحبال التي إذا انقطعت كانت سبب موته ليتدلى بها إلى العسل مطمئنا إلى حذقه ودربته بدق الأوتاد وتعليق الحبال بها، وما إلى ذلك من الأعمال التي يعملها العسالون.

فأَعْلَقَ أَسْبابَ المَنِيّةِ، وذلك أنّه عَلَّق حِبالَه وَتَدَلَّي إليها. وثُقُوفَتَه: يعني ثُقوفَةَ صاحِب الحَبْلِ (¬1)؛ وذلك أنّ النَّحْلَ يأتي الجَبَلَ فيعسِّلُ في مَلَقَةٍ في وَسَطِه مَلْسَاءَ، فيأتِي الشائرُ الّذى يَشْتار العَسَلَ فَيصْعَدُ من وَراء الجَبَلِ حتّى يَصِيرَ في أعلاه فيَضْرِب ثَمَّ وَتِدا، ثم يَشُدّ الحَبْلَ فيه، ثم يَتَدَلَّى عليه حتى يصِلَ إلىَ الصَّخْرةِ. فيقول: اِرْتَضَى ثُقوفَتَه الثاقِبةَ في العَمَل؛ يقال: ثَقِفٌ بيِّن الثُّقُوفَة والثَّقافةِ. إِن لمَ يَخُنْه انقِضابُها: يَعنِي انقِضابَ الأَسْبابِ فَتنْقَطِع فيَذْهَب. المَلَقَة: صَخْرَةٌ مَلْساءُ. تَدَلَّى عليها بين سِبٍّ وخَيْطَةٍ ... بجَرْداءَ مِثْلِ الوَكْفِ يَكْبُو غُرابُها (¬2) يقول: تَدَلَّى عليها صاحِبُ العَسَل. والسِّبّ: الحَبْل (¬3). والخَيْطة: الوَتِد (¬4). والجَرْداء: الصَّخْرة. مِثلِ الوَكْف: مِثْلِ النِّطَع (¬5). ومعنَى بِجَرْداء وعلى جَرْداء سواء. ثم شبَّهها في مَلاسَتِها بالوَكْفِ. وقوله: "يَكْبو غُرابها"، يزلّ عن الصّخرة. والغراب: الطائر. فلمّا اجْتَلَاها بالإِيَاِم تَحيَّزتْ ... ثُبَاتٍ عَلَيْها ذُلُّها واكتِئابُها (¬6) ¬

_ (¬1) عبارة السكري: "صاحب العسل"؛ والمعنى يستقيم على كلتا العبارتين. (¬2) يقول: إنه تدلى على خلية العسل وهي بصخرة جرداء ملساء تشبه الوكف، أي بساطا من الأديم في استوائها، ولا يثبت عليها ظفر الغراب بل يزل عنها لملاستها. (¬3) إطلاق لفظ السب على الحبل إنما هو في لغة هذيل؛ قاله الأصمعي. وقيل: السب: الوتد. وقال ابن حبيب: السب: أن يضرب وتدا، ثم يشد فيه حبلا فيتدلى به إلى العسل. (¬4) إطلاق لفظ الخيطة على الوتد إنما هو لغة هذلية. وقيل: الخيطة خيط يكون مع حبل مشتار العسل، فإذا أراد الخلية ثم أراد الحبل جذبه بذلك الخيط وهو مربوط إليه. (¬5) النطع: بساط من الأديم. (¬6) في رواية: "تحيرت" بالمهملة مكان: "تحيزت". وتحيرت أي بقيت لا تدري أين تذهب. ومعنى البيت عل رواية "تحيزت" (بالزاي المعجمة) أن لما أخرج النحل من بيوتها بالدخان الذي دخن به عليها لئلا تلسعه، تضامّت جماعات يبدو عليها الذل والاكتئاب.

فلمّا اجتلاها أي طَرَدَها (¬1). بالإِيام: بالدُّخان (¬2)، أي دَخَّنَ عليها إواما (¬3) وإياما. تَحَيزَّت: اجتَمَع بعضُها إلى بعض. على النَّحْلِ ذُلُّها واكتئابُها. ثُباتٍ: جَماعاتٍ، والواحد ثُبة. فأَطْيِبْ بِراحِ الشأْمِ صرْفًا وهذِه (¬4) ... مُعَتَّقَةً صَهْباءَ وهيَ شِيابُها أراد: فأَطْيبْ بِراحِ الشَّأْمِ وبهذه العَسَل. ونَصَبَ "معتَّقَةً" على القَطْعِ (¬5). وهي (¬6) شِيابُها أي مِزاجُها. فما إن هُما في صَحْفةٍ بارِقِيّةٍ ... جدِيدٍ حَدِيثٍ نَحْتُها واقتِضابُها فما إنْ هُما: يعني العسلَ والَخَمْرَ. في صَحْفَةٍ بارِقِيّةٍ: نسَبَها إلى بارِق. واقتِضابُها أي أَخْذُها حَديثةً مِنْ شَجَرةٍ. ¬

_ (¬1) وقيل: اجتلاها، أي كشفها وأبرزها. (¬2) يقال: آم الرجل إياما: إذا دخن على النحل ليخرج من الخلية فيأخذ ما فيها من العسل. وقال أبو عمرو في تفسير الإيام: "هو عود تجعل في رأسه نار، ثم يدخن به على النحل ليشتار العسل. والإوام: الدخان". (¬3) ذكر في اللسان مادة "أوم" أنهم لم يقولوا في الدخان: الإوام بالواو، وإنما قالوا: الإيام بالياء فقط. وذكر في مادة "أيم" لفظ الإوام بمعنى الدخان كما هنا نقلا عن أبي عمرو. (¬4) في رواية: "ومزّة" مكان "وهذه". وفي رواية أخرى ذكرها صاحب اللسان مادة شوب: وأطيب براح الشام جاءت سبيئة ... معتقة صرفا وتلك شيابها ثم قال: والرواية المعروفة: "فأطيب براح الشام صرفا وهذه معتقة" بالرفع. قال: هكذا أنشده أبو حنيفة؛ وقد خلط في الرواية. (¬5) في شرح السكري ما يفيد أن قوله: "معتقة" منصوب على الحال، وعبارته بعد ذكر البيت: يريد أطيب براح الشأم صرفا معتقة صهباء وبهذه الشهدة اهـ. (¬6) وهي أي الشهدة.

بأِطْيَبَ مِنْ فِيها إذا جِئتَ طارِقًا ... مِن اللَّيْلِ والتَفَّتْ عَلَيْكَ (¬1) ثِيابُها رأَتْنِي صَرِيعَ الخَمْرِ يومًا فسُؤْتُها ... بقُرّانَ، إنّ الخَمْرَ شُعْثٌ (¬2) صِحابُها سُؤتُها، يريد: ساءَها ما رأت مِن تَغَيُّرِي. وقُرّان: وادٍ (¬3). ولَوْ عَثَرَتْ عِنْدِي إِذًا ما لَحَيْتُها ... بعَثْرتِها ولا أُسِئَ جَوابُها قوله: "ولو عَثَرَتْ عِنْدِي"، وهو أنْ تَفْعَلَ فَعْلَةً لا تَصْلُح. إذًا ما لَحَيْتُها أي إذًا ما لُمْتُهَا على سَقْطَتِها وعَثْرتِها ولا ساءَها جَوابي. ولا هَرَّها كَلْبيِ ليُبْعِدَ نَفْرَها (¬4) ... ولو نَبَحَتْنيِ بالشَّكاةِ كِلابُها قوُله: ولا هَرَّها كَلْبي: يريد ولا هَرَّ عليها كَلْبي. ليُبْعِدَ نَفْرَها، فَتنْفُرَ مِنّي نَفْرا بعيدا. ولو نَبَحَتْني بالشَّكاة: بالْقَولِ القَبِيحِ كِلابُها. والمعنَى: ولو نَفرَّتَنْي قَرابَتُها وأَظْهَروا عليَّ قَوْلَ سُوءٍ ما فَعَلْتُ أنا بها ذلِك. ¬

_ (¬1) في رواية: "عليّ". (¬2) في الأصل: "شغب" بالغين والباء؛ وهو تصحيف صوابه ما أثْبتنا نقلا عن النسختين الأوربية والمخطوطة من ديوان أبي ذؤيب، وهو ما يقتضيه سياق البيت. وإنما وصف أصحاب الخمر بأنهم شعث لأنهم مشغولون عن تنظيف أجسامهم بالخمر ومجالسها. وفي رواية: "فرغتها" مكان "فسؤتها". (¬3) في معجم البلدان أن قرّان واد قرب الطائف. (¬4) في النسخة الأوربية من ديوان أبي ذؤيب ورد قوله: "ليبعد نفرها" مضبوطا بفتح الياء وضم العين في قوله: "ليبعد"، وضم الراء في قوله: "نفرها"؛ والمعنى يستقيم على هذا الضبط، كما يستقيم بضبط الأصل كما لا يخفى. وهرّها كلبي أي نبحها.

وقال أبو ذؤيب رحمه الله تعالى أيضًا وقائلةٍ (¬1) ما كان حِذْوَةُ بَعْلِها ... غَداتَئِذٍ مِن شاءِ قِرْدٍ وكاهِلِ أراد: ورُبَّ قائِلةٍ تقول: ما أَصابَ (¬2) زَوْجي من حِذْوَةِ الجيْشِ، أي ما أُحْذِي: ما أُعْطِيَ، وقِرْدٌ وكاهِل: حَيّان. تَوَقَّى بأَطْرافِ القِرانِ وعَيْنُها ... كعَيْنٍ الحُبارَى أَخْطَأَتْها الأَجادلُ (¬3) قوله: تَوَقَّى، يَعنِي هذه المرأةَ تُشْرِفُ (¬4) بأطرافِ القِران. والقران: الجِبال الصِّغار، والواحد قَرْن. وقوله: أَخْطَأَتْها الأَجادِل، يريد: لم تَرَها الأَجادِل، وهي الصُّقور. ¬

_ (¬1) في رواية "وسائلة" مكان "وقائلة" وما في الأصل هو رواية الأصمعي. وضبط قوله: "قرد" في الشرح بفتح القاف. وضبطه في اللسان بفتح القاف والراء، وهو غلط في كلا الموضعين. وقد ضبطناه هكذا نقلا عن القاموس وشرحه. وقرد هذا حيّ من هذيل منهم أبو ذؤيب، وهو قرد بن معاوية ابن تميم بن سعد بن هذيل. وكاهل: قبيلة من هذيل أيضا، وهم بنو كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد ابن هذيل. وضبطه بعضهم "كاهل" بفتح الهاء. قال ابن الجواني: وهم أفصح العرب. والحذوة والحذية بكسر الحاء فيهما: النصيب من الغنيمة. يقول: رب امرأة تسأل عن نصيب زوجها من الشاء التي غنمها هذا الجيش المغير على هاتين القبيلتين من هذيل، ولم تعلم أن الجيش قد هزم وأن زوجها قتل. يريد الشاعر بهذا الهزء بهؤلاء المغيرين والإشارة إلى هزيمتهم والافتخار بشجاعة قومه. (¬2) في الأصل: "ما صار"؛ وهو تحريف. (¬3) ضبط في الأصل قوله: "توقى" بضم التاء وكسر القاف؛ والمعنى عليه غير ظاهر. وفي رواية: "وطرفها كطرف الحبارى". يقول: إن هذه المرأة تتبع الجيش مستترة بأعالي الجبال تنظر منها، وتسألهم وعينها من الذعر والخوف كعين الحبارى التي لم ترها الصقور. والحبارى: طائر طويل العنق رمادي اللون على شكل الإوزة، في منقاره طول. وفي هذا البيت إقواء كما لا يخفى. (¬4) فسر السكري قوله: "توقى بأطراف القران" بمعنى أن هذه المرأة تستتر بقرون الجبال، تنظر من خلف جبل.

رَدَدْنا إلى مَوْلَى بَنِيها فأَصْبَحَتْ ... تُعَدُّ بها وَسْطَ النِّسَاء الأَراملِ قوله: رَدَدْنا إلى مَوْلىً بنَيها أي قُتِل زَوْجُها فصار يَلي بَنِيها موالِيهم، يريد بَني الَعمّ. قوُله: "فأَصبَحَتْ تُعَدُّ بها وَسْطَ النِّساءِ الأراملِ"، يقول: إذا عُدّت النساءُ عُدّتْ فيهنّ. وَأشْعَثَ بَوْشِيٍّ شَفَيْنا أُحاحَهُ ... غَداتَئِذٍ ذِي جَرْدَةٍ مُتماحِلِ (¬1) وَأشْعَثَ بَوْشِيٍّ: ذِي بَوْشٍ وعِيالٍ. وأُحاحُه: غَيْظُه. وقوله: ذِي جَرْدةٍ، أراد شَمْلةٍ خَلقَةٍ (¬2). والمُتمَاحِل: الطويل ما بين الطَّرْفَينِ. أهَمَّ بَنِيه صَيْفُهُمْ وشِتاؤُهُمْ ... فقالوا: تَعَدَّ واغْزُ وَسْطَ الأَراجِلِ (¬3) يريد: أَهمَّ بنِيه صَيْفُهمْ وشِتاؤُهمْ فقالوا لأبيهم: تَعَدَّ: انصَرِفْ. واغْزُ وَسْطَ الأَراجِلِ، أراد الجماعاتِ الرَّجَالةَ (¬4). تَأَبَّطَ نَعْلَيْه وَشِقَّ فَرِيرِه ... وقال: ألَيْسَ الناسُ دونَ "حَفائِل" (¬5)؟ ¬

_ (¬1) في رواية: "في جردة". يقول: رب رجل فقير ذي عيال أراد الكسب لهم من غزونا فشفينا غيظه الذي يجده من الفقر وكثرة العيال بقتله. وضبط قوله: "جردة" في الأصل بضم الجيم ضبطا بالقلم؛ وهو خطأ. (¬2) عبارة السكري: البردة المنجردة الخلق. وفسر بعضهم الجردة بأنها الشملة الصفراء. (¬3) أهم بنيه صيفهم وشتاؤهم، أي همهم ما ينفقونه فيهما فطلبوا إلى أبيهم أن يكسب نفقتهم بالغزو. وإنما طلبوا إليه أن يكون غزوه وسط الأراجل، لأنه ليس له ما يركبه لفقره. (¬4) في الأصل: "والرجالة"؛ والواو زيادة. وقال ابن جنى: يجوز أن يكون أراجل جمع أرجلة، وأرجله جمع رجال، ورجال جمع راجل. (¬5) حفائل: موضع ذكره ياقوت ولم يعينه، وكذلك صاحب اللسان. وفيه لغات: حفائل بفتح الحاء وضمها؛ وحفايل. وورد في الشعر الحفائل بزيادة الألف واللام، كما زيدت في قولهم: "بنات الأوبر" يريد الشاعر السخرية بهذا الغازي الذي احتضن نعليه وحمل نصف خروفه أو لبس نصف فروه واستقرب من الغزو.

يقول: اِحتَضَنَ نَعْلَيْه، جعَلَهما تحتَ حِضْنهِ. وشِقَّ فَرِيرِه، قال الأصمعيّ: حَمَلَ معه نصفَ خَرُوفٍ، وقال أبو عمرو: نصفَ فَرْوٍ لَبِسها ومَضَى. "وقال أليس الناسُ دونَ "حَفائِل"؟. يقول: الغَزْوُ قَرِيبٌ. دَلَفْتُ له تَحْتَ الوَغى بمُرِشَّةٍ ... مُسَحْسِحَةٍ تَعْلُو ظُهورَ الأَنامِلِ (¬1) المُرِشّة: الطَّعْنة التّي تُرِشّ بالدم. وقوله: مُسَحْسِحَةٍ، أي سائِلةٍ (¬2) على قَدَمِه. كأنّ ارتِجازَ الجُعْثُمِيّاتِ وَسْطَهُمْ ... نَوائحُ يَجْمَعْنَ البُكا بالأزامِلِ (¬3) ارتجاز، يقول: أصواتُ القِسِيّ المَنْسُوبة إلى حَيٍّ من جُعْثُمَةَ من هُذَيْلٍ. نَوائح، فشبَّه صَوْتَ القِسِيِّ بصَوْتِ نَوائحَ يَجْمَعْن البُكا بالرَّنّةِ والصِّياح. والأَزامِل: الصَّوْت، وهو جمع أَزْمَل. غَداةَ "المُلَيْحِ" حَيْثُ نحن كأنّنا ... غَواشِي مُضرٍّ تَحْتَ رِيحٍ ووَابِلِ ¬

_ (¬1) في رواية: "دلفت إليه في الوغى". وفي رواية: "دلفت له تحت الغبار بطعنة". ودلفت له، أي دنوت. (¬2) قال السكرى في تفسير قوله: "مسحسحة": سائلة لها صوت. (¬3) في الأصل: "الخثعميات" بالخاء، وهي وان كانت رواية ذكرها صاحب التاج مادة "جعثم" إلا أنه يظهر لنا عدم صحتها، وذلك الآن خثعم لا تنتسب إلى هذيل ولا تنسب إليها القسيّ كما ذكره الشارح بعد، بخلاف "جعثمة": بضم الجيم والثاء المثلثة، إذ هي التي تنتسب إلى هذيل وتنسب إليها القسيّ. وقيل: هذا الحيّ من أزد السراة، أو من أزد شنوءة. وفي رواية "يشفعن البكا" مكان قوله: "يجمعن"؛ ومؤدّي الروايتين واحد.

المُلَيْح: موضع (¬1). فأراد كأنّنا سَحَائبُ، وهو قوله: غَواشِي "أي غَاشٍ" (¬2). مُضِرّ: قد دَنَا من الأرض. يقال: أَضَرَّتْ: دَنَت. فيقول: كأنّنا مما يَقَع بنا سَحائبُ تحت رِيحٍ ووَابِل. رَمَيْنَاهُمُ حتّى إِذا ارْبَثَّ أَمْرُهُمْ ... وعاد الرَّصيعُ نُهْيَةً للحَمائلِ (¬3) اِرْبَثَّ أَمْرُهُمْ: أَبْطَأَ (¬4). والرَّصِيع: سُيورٌ تُضْفَر؛ وهذا مَثَلٌ عند الهزيمة. يقال (¬5): صارت الرَّصائع على مَناكِبِ الرِّجالِ حيث كانت الحمَائِلُ، وصارت الحمَائلُ أَسْفَلَ عند الصُّدورِ. والنُّهْيَة: حيث انَتهتْ إليه. يقول: انقلبتِ الرَّصائعُ عند الهزيمةِ، وهي سُيورٌ تُضْفَر بين الجَفْنِ وحمَائِلِ السَّيْفِ فتنَقْلِب إذا انهَزَموا. عَلَوْناهُمُ بالمَشْرَفِيِّ وعُرِّيَتْ ... نِصَالُ السُّيوفِ تَعْتَلِي بالأَماثِلِ (¬6) الأَماثِلِ: الأَشْراف، الواحد أَمْثَل. ¬

_ (¬1) هو واد بالطائف. (¬2) كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين في الأصل، وهو تفسير للجمع بمفرده. فليلاحظ. (¬3) في رواية: "ضربناهم" وما هنا أجود، لأن الحديث في القسيّ والسهام. يقول: لم نزل نرميهم حتى اختلط أمرهم وضعف وتفرق، فانهزموا وانقلبت سيوفهم فصارت أعاليها أسافلها، وكانت الحمائل على أعناقهم فنكست، فصار الرصيع حيث كانت تنتهى الحمائل. وفي رواية: "الرسيع" بالسين. قال في اللسان مادة "رسع": "الترسيع، هو أن يخرق شيئا ثم يدخل فيه سيرا كما تسوى سيور المصاحف، واسم السير المفعول به ذلك: الرسيع. وأنشد عجز هذا البيت. وفي رواية "جمعهم" مكان: "أمرهم". وفي التهذيب: "وصار الرصوع نهية للمقاتل". قال الأصمعي: معناه أنهم دهشوا فقلبوا قسيهم". (¬4) قال السكري: "اربث أمرهم"، أي أبطأ واختلط وضعف وتفرّق. (¬5) لعلّه (يقول). (¬6) قال السكرى في تفسير قوله: "تعتلي"، أي تعتمد الأعالي فالأعالي.

وقال أبو ذؤيب رحمه الله تعالى أيضًا ما بالُ عَيْنِي لا تَجِفُّ دُموعُها ... كثيرٌ تشَكِّيها قَليلٌ هُجوعُها أُصِيبَتْ بقَتْلَى "آلِ عمرٍو" و"نَوْفَلٍ" ... و"بَعْجَةَ" فاختَلَّتْ وَراثَ رُجوعُها قوله: اِخْتَلَّتْ، يقال: هو مُخْتَلُّ الجِسْم، إذا كان نَحيفَ الجسْم. يقال: اِخْتَلَّ: اِحتاج، من الخَلَّةِ. وبَعْجَة: قَبيلةٌ من هُذَيل. إذا ذَكَرَتْ قَتْلَى "بِكَوْساءَ" أَشْعَلَتْ (¬1) ... كَواهِيَةِ الأَخْراتِ رَثٍّ صُنُوعُها قولُه: كَواهيَةِ الأَخْراتِ، يَعني المَزادةَ والإِداوَة. يقول: دَمَعَتْ عَيْناه كهذه الخُرْتَةِ، وهي الثَّقْبُ (¬2). وكانوا السَّنامَ أجْتُثَّ أمْسِ فقَومُهُمْ ... كعَرّاءَ بَعْدَ الَّنيِّ راثَ رَبيِعُها (¬3) ¬

_ (¬1) كوساء: موضع ذكره ياقوت ولم يعينه، وأنشد هذا البيت. وأشعات العين: كثر دمعها. وواهية الأخرات، أي قربة منشقة الثقوب. وفي شرح السكري: الأخراب بالباء، جمع خربة بضم الخاء، وهي أذن القربة. وقد ورد الأخرات بالتاء في الأصل وفي النسخة الأوربية لديوان أبي ذؤيب ومعجم ياقوت في الكلام على "كوساء". وانظر توضيح الفرق بين الروايتين في الحاشية الآتية بعد. ورث، أي خلق بال. وفي بعض النسخ: "رثّ" بصيغة الماضي. وقال ابن سيدة في قوله: "صنوعها" هو جمع لا أعرف له واحدا. وقال السكري: "صنوعها، أي خرزها. وقيل: صنوعها، أي عملها، فيكون حينئذ مصدرا". (¬2) قال في اللسان: الخرت والخرت، -أي بالفتح والضم-: الثقب في الأذن والإبرة والفأس وغيرها. ثم قال: وأخرات المزادة عراها. ثم نقل عن أبي منصور الأزهري أن هذا غلط، إنما هو خرب المزاد بالباء، الواحدة خربة. قال: والخرتة بالتاء: الثقب في الحديد من الفأس والإبرة. والخربة بالباء في الجلد. وقد سبق أن الأخراب بالباء رواية في البيت. (¬3) في رواية: "اجتب" بالباء، مكان قوله: "اجتث"، ومؤدي الروايتين واحد. يقول: إن هؤلاء القتلى كانوا أشراف قومهم، فذهبوا وبقي قومهم بعدهم كناقة أبطأ عليها الربيع فبقيت هزيلة لا شحم بها.

السَّنام، أي كانوا رُءوسا اجتُثَّت، أي قُطِعَتْ. فقَوْمُهمْ كعَرّاء، أي كناقَةٍ ليس لها سَنامٌ؛ يقال: قد عَرَّتْ تَعَرُّ عَرَرا. قوله: بعد النَّيِّ، أي بعد الشَّحْمِ؛ راثَ: أَبْطأَ. وقال أبو ذؤيب أيضًا وأشْعَثَ مالهُ فَضَلَاتُ ثَوْلٍ ... على أَرْكانِ مَهْلَكَةٍ زَهُوقِ (¬1) الثَّوْل: جماعةُ النَّحْل. ومَهْلَكَةٌ زَهُوق: مَلْساء (¬2). قَلِيلٍ لَحْمُهُ إلَّا بَقايَا ... طَفاطِفِ لَحْمِ مَمْحوصٍ مَشِيقِ (¬3) مَشِيق: ضامِر. والمَمْحوص: الذي قد انْمَحَصَ وذَهَب. وكلُّ مُسْتَرْخٍ يُسمَّى طِفْطِفة (¬4). تَأَبَّطَ خافَةً فيها مِسابٌ ... فأضْحَى يَقْتَرِي مَسَدًا بِشِيقِ (¬5) ¬

_ (¬1) يصف مشتار العسل فيقول: رب أشعث كل ما يملكه من مال فضلات ثول، أي عسل نحل. على مهلكة، أي أن ذلك العسل على هضبة ملساء لا يسترها شيء. (¬2) ملساء: تفسير لقوله: "زهوق". وفسر السكريّ المهلكة بأنها هضبة أوقنة. (¬3) في رواية: "منحوضٌ" مكان قوله: "ممحوص"؛ ومؤدي الروايتين واحد، أي الذي ذهب لحمه. ولم نجد قوله: "ممحوص" في غير نسخة الأصل التي بين أيدينا. وفي جميع المصادر الأخرى "منحوض". (¬4) عبارة غيره في شرح هذا اللفظ: الطفاطف، ما استرخى من جانبي بطنه عند الخاصرة. (¬5) في رواية: "فأصبح" مكان قوله: "فأضحى". يقول: إن هذا العسال قد تأبط خريطة فيها سقاء العسل، وصار يتتبع الحبل المربوط بالشق، وهو أعلى الجبل عند نزوله إلى موضع العسل.

تَأَبَّطَ خافَةً: جعَلَها تحت إبْطِه. والخافَةُ: كالخَريطة (¬1) تكون معه للعسل. فيها مسابٌ، أراد: مِسْئبٌ، وهو السِّقاء (¬2). يَقْتَرِي: يَتْبع. مَسَدًا: حَبْلا. و"بِشِيق": أعْلَى الجَبَلِ (¬3). على فَتْخاءَ يَعْلَمُ حَيْثُ تَنجُو ... وما في حَيْثُ تَنْجُو مِنْ طَرِيقِ (¬4) على فَتْخاءَ: يريد يَقتَرِي على فَتْخاءَ، وهي يَدُه (¬5) فيها فَتخٌ، أي لِينٌ، يريد يَدَ الذي يَأخُذُ العَسَل. وكانت وَقْبَةً في رَأْسِ نِيقٍ ... دُوَيْنَ الشَّمْسِ ذَاتَ جَنًى أَنيِقِ (¬6) الَوقْبَة، كالكَهْفِ (¬7) في الجَبَل. جَنًى، يَعْنِي العَسَلَ. ¬

_ (¬1) في كتب اللغة أن الخافة خريطة من أدم ضيقة الأعلى واسعة الأسفل يشتار فيها العسل. (¬2) خصه السكري وغيره من اللغويين بأنه سقاء العسل. (¬3) قال في اللسان: ويقال الشيق هو أصعب موضع في الجبل. (¬4) في رواية: "تعلم" بالتاء. وفي رواية: "تعرف". وفي رواية "حيث تنحو" بالحاء أي تقصد. (¬5) هذا وجه في تفسير قوله: فتخاء. وقال بعضهم: الفتخاء رجل صاحب العسل لاعوجاج فيها أولين. وقال آخر: الفتخ بالتحريك في الرجلين: طول العظم وقلة اللحم؛ وأنشد هذا البيت، ثم قال: وهذه صفة مشتار العسل. (¬6) في النسختين الأوربية والمخطوطة من ديوان أبي ذؤيب "فيمم وقبة". وفي البيت الذي بعده: "وكانت وقبة" عكس ما هنا؛ وهو أجود في رأينا. والنيق: أرفع موضع في الجبل. ويشير بقوله: "دوين الشمس" إلى ارتفاع هذا الموضع. (¬7) عبارة بعض المفسرين: الوقبة كوة عظيمة فيها النحل؛ قالوا: وإذا عملت من طين أو خشب فهي الخليّة (السكّريّ).

فيَمَّمَ وَقبةً أَعْيَا جَناهَا ... على ذِي النِّيقَةِ اللَّبِقِ الرَّفيق [النِّيقة (¬1)]: الذَّكاءُ والِحذْق. فجاءَ بها سُلافًا ليس فِيها ... قَذًى، صَهْباءَ تسَبِقُ كلَّ رِيقِ (¬2) أراد فجاء بها سُلافا صَهْباءَ، يعنِي العَسَلَ. فذاكَ تِلادُه، ومُسَلْجَماتُ ... نظائرُ، كلُّ خَوّارٍ بَرُوقِ (¬3) مُسَلْجَمات: سِهامٌ (¬4) طِوال. نَظَائِر: يُشْبِه بعضُها بعضا. وخَوّارٍ: في صَوْته، يقول: إذا نَقَرْتَهُ على ظُفْرِكَ سَمِعتَ له صوتا. بَرُوق: في صَفائه ولَوْنِه. له مِن كَسْبِهِنّ مُعَذْلجَاتُ ... قَعائِدُ قد مُلِئْن مِن الوَشِيقِ (¬5) ¬

_ (¬1) لم ترد هذه الكلمة التي بين مربعين في الأصل. ويلاحظ أننا لم نجد فيما بين أيدينا من كتب اللغة النيقة بهذا المعنى الذي ذكره. والذي وجدناه النوقة بفتح النون بمعنى الحذاقة. أما النيقة بالياء فهي اسم من التنوق بمعنى التجوّد في الأمر والمبالغة فيه. ومعنى البيت يستقيم عليه، إذ أن المتنوق في الأمر يكون به حاذقا ذكيا. (¬2) يريد بقوله: "تسبق كل ريق" وصف الشهدة بسهولة ابتلاعها وسرعة دخولها في الحلق حتى إنها تسبق الريق إليه. (¬3) تلاده أي ماله الذي لم يزل له؛ قاله السكري. يقول: فذلك العسل ماله مع مهام طوال تصوّت عند نقرها وتبرق من صفائها. (¬4) عبارة اللغويين: "مطولات معرضات" وهي أدق، لموافقة التفسير للمفسر في صيغة الاشتقاق. وفسر بعضهم المسلجمات بأنها السهام المدمجات. (¬5) معذلجات، أي مملوءات؛ يقال: عذلج سقائك، أي املأه. يصفه بأنه كثير الصيد بتلك السهام التي ذكرها في البيت السابق، فغرائره مملوءة باللحم المجفف.

مُعَذْلجَات غَرائر (¬1)، وهي القَعائدُ، فما فَضَل من اللَّحْم يَصُرّه في هذه الغَرائر. وَشيق وهو ما جَفَّ من اللَّحْمِ (¬2). وبِكْرٌ كلَّما مُسّتْ أَصاتَتْ ... تَرَنُّمَ نَغْمِ ذِي الشِّرْعِ العَتِيقِ (¬3) وبِكْر، يعني قوسا أوَّل ما رُميَ بها. أَصاتتْ: صوّتتْ. وذي الشِّرْعِ، يَعنِي عُودا عليه أوْتَار (¬4)، الواحد شِرْعة. لها مِن غَيْرِها معها قَرِينٌ ... يَرُدُّ مِراحَ عاصِيَةٍ صَفوقِ (¬5) قولُه: "عاصِيَةٍ" تَعْصِي: تَمتَنِع، وهي قَوْسٌ. صَفوق: يقلِّبها كيف شاء (¬6). والقَرِين: سَهْم. ¬

_ (¬1) الصواب كما في كتب اللغة تفسير القعائد بالغرائز، لا تفسير المعذلجات بها، إذ المعذلجات هي المملوءة، كما ذكرنا، لا الغرائر مطلقا، كما تفيده عبارة الشارح هنا. (¬2) عبارة السكري: الوشيق اللحم يطبخ فييبس. (¬3) يقول: إن من مال هذا الرجل قوسا جديدة إذا مس وترها أرن بصوت كأنه نغم العود ذي الأوتار. (¬4) في كتب اللغة أن الشرعة الوتر الرقيق. وقيل: ما دام مشدودا. قالوا: وجمعه شرع بكسر أوله وفتح ثانيه جمع تكسير، وبسكون الراء جمعا يفرق بينه وبين واحده بالتاء. (¬5) نقل السكري أن القرين هنا الوتر، كما نقل أنه السهم؛ والتفسير الأوّل أظهر في رأينا مما ورد في الشرح من أن المراد بالقرين السهم. والقوس المروح: التي كأنّها تمرح في إرسالها السهم. تقول العرب: طروح مروح، تعجل الظبي أن يروح. (¬6) يريد بهذه العبارة أنها قوس لينة، وهي عبارة اللغويين. قال السكري: صفوق: لينة يقلبها كيف شاء.

وقال أبو ذؤيب أيضًا (¬1) أَبَى اللهُ إلاَّ أنْ يُقِيدَكَ بَعْدَ ما ... تَراءَيَتْمُونِي مِنْ قَرِيبٍ ومَوْدِقِ (¬2) المَوْدِق: المَوْضِع الذّي يَدِقُ (¬3) إليه؛ يقال: وَدَقَ يَدقُ. ومِنْ بعْدِ ما أُنْذِرْتُمُ وأَضاءَني ... لِقابِسِكُمْ ضَوْءُ الشِّهابِ المَحرِّقِ فأَعْشَيْتُه مِن بعدِ ما راثَ عِشْيُهُ ... بسَهْمٍ كسَيْرِ الثّابِرِيّةِ لَهْوَقِ (¬4) فأَعْشَيْتُه: يريد، عَشَّيْتُه. مِن بعدِ ما راثَ: أَبطأ عَشاؤه. بسَهْمٍ كسَيْرِ الثابِرِيّة: منسوبٍ إلى الثابِرة. لَهْوَق: حَديد (¬5). وقلتُ لهَ: هل كنتَ آنَسْتَ خالِدًا؟ ... فإنْ كُنْتَ قد آنسْتَه فتَأَرَّقِ (¬6) يَهْزَأ به، يقول: هل أَبْصرَته؟ إن كنتَ أَبْصَرْتَه فلا تَنَمْ. ¬

_ (¬1) قال أبو ذؤيب هذه الأبيات الأربعة حين قتل قاتل ابن أخته خالد، ولم يروها ابن الأعرابي ولا الأصمعي. (¬2) في النسختين الأوربية والمخطوطة من ديوان أبي ذؤيب: "من بعيد" مكان قوله: "من قريب". وهو أنسب بسياق البيت، إذ هو المقابل لقوله: "ومودق"، أي الموضع الذي يدنو إليه ويقرب منه، يقال: ودق إلى الشيء يدق ودقا وودوقا: إذا دنا. وإذن ففي قوله: "من قريب" -كما هي رواية الأصل- تكرار، كما هو ظاهر. يخاطب في هذا البيت والذي بعده قاتل ابن أخته فيقول: إنك قد قتلت بقتلك خالدا بعد ما رأيتموني أبعد وأقرب محاولا القود وبعد أن أنذرتكم سوء العاقبة. (¬3) يدق إليه، أي يدنو. (¬4) يقول: إنه عشاه بعد ما أبطأ عشاؤه بسهم كأنه في استوائه ولينه سير ثابري. ويروى، "التابرية" بالتاء المثناة كما في اللسان مادة "ثبر" بالثاء المثلثة. قال السكري: الثابرية منسوبة إلى أرض أو حيّ. وقال ياقوت: "ثابرى، منسوب إلى أرض جاءت في الشعر" ولم يعينها. قال: ويجوز أن يكون منسوبا إلى ثبرة، كما نسب إلى صعدة صاعديّ، والتغيير في النسب كثير. ويلاحظ أنه قد كتب في الأصل أيضا "عيشه" أمام كلمة "عشيه". (¬5) عبارة السكري: "حديد قاطع" وعبارة اللغويين "حديد نافذ". (¬6) في رواية "أكنت آنست".

وقال أيضا لَعَمْرُكَ والمنَايا غالبِاتٌ ... لكلِّ بَنِي أَبٍ منها ذَنُوبُ (¬1) لقد لاقَى المَطِيَّ بجَنْبِ "عُفْرٍ" ... حَدِيثٌ -لو عَجِبْتَ له- عَجِيبُ (¬2) أراد: حديثٌ عَجِيبٌ لو عَجِبْتَ له. أَرِقْتُ لِذكْرِهِ مِنْ غَيْرِ نَوْبٍ ... كما يَهْتاجُ مَوْشِيٌّ ثَقِيبُ (¬3) قوُله: مِن غيرِ نَوْبٍ، يريد مِن غَيْرِ قُرْب. والمَوْشِيّ: المِزْمار. وثَقِيب: مَثْقوب. سَبِيٌّ مِنْ يَراعَتِهِ نَفاهُ ... أَتِيٌّ مَدَّهُ صُحَرٌ (¬4) وَلُوبُ ¬

_ (¬1) الذنوب: النصيب، أي لكل قوم نصيب من الموت يفرق جماعتهم. (¬2) في رواية وردت في الأصل أيضا "بنجد" مكان قوله "بجنب" وفي رواية "إن عجبت". وفي رواية: "لقد لقي" بكسر القاف وفتح الياء. والمراد بالمطي هنا: الرفاق في السفر، الواحد مطو بكسر أوله وسكون ثانيه كما ذكره السكري، وقال: إنها هذلية؛ ومطا بفتح الميم قاله في اللسان مستشهدا بهذا البيت. ونجد عفر: موضع قرب مكة؛ قاله نصر. وقال غيره: العفر رمال بالبادية في بلاد قيس. (¬3) في رواية: "قشيب" مكان قوله: "ثقيب". وفي رواية "طربت لذكره". والمعنى أنه حين بلغه هذا النعي استخفه الحزن على بعد ما بينهما. ثم شبه اهتياج الحزن في صدره باهتياج المزمار الموشيّ أي الذي قد نقش ظاهره. وقال السكري في تفسير قوله: "كما يهتاج موشيّ ثقيب" أي كأن في صدري مزامير لا تدعني أنام. ويلاحظ أنه قد ورد في الأصل بعد هذا البيت ما نصه: "هنا كمل الجزء الأول من ديوان الهذليين، وهو من رواية أبي سعيد عن الأصمعي، أعني الثاني من ديوان الهذليين". (¬4) ضبط في الأصل "صحر" بضم الصاد وسكون الحاء. وما أثبتناه هو مقتضى اللغة في صحرة وزان غرفة وغرف؛ قال في اللسان: والجمع صحر، أي بفتح الحاء لا غير، وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا. يقول: إن هذا المزمار، أي قصبته، من أجمة بعيدة، وقد دفع به السيل فهو غريب عن أرضه. ثم وصف ذلك السيل بأن الصحر والحرار يزيدان في اندفاعه.

سَبِيٌّ: مَجْلُوب. واليَراعَة: قصَبةٌ (¬1) جِئَ بها مِن أَجَمة. والأَتِيُّ: السَّيْل يُمْطر غيرَ أَرْضِك ثم يَطْرَأُ عليك وأنتَ لا تَدْرى. والأَتِيُّ أيضًا: الجَدْوَل، ورَجُلٌ أتِيٌّ، أي غَرِيب. قوله: "صُحَر"، الواحدة صُحْرَة، وهي جَوْبَةٌ تَنْجابُ (¬2) عن وَسَطِ حَرَّةٍ (¬3)، تَنْجابُ عنها الجِبال فلا تَكْرُبُها. يقال: صُحْرَة وصُحَر، وصَحْراء وصَحارَى. ولُوبَةٌ ولوُبٌ ولَابٌ، واللَّوبَة واللّابة (¬4): الحَرَّة، وجمعُ حَرّةٍ حِرارٌ وحَرُّون. إذا نَزَلَتْ سَراةُ بَنِي عَدِيٍّ ... فسَلْهُمْ كيف ماصَعَهُمْ حَبِيبُ (¬5) المُماصَعة: المُماشَقة (¬6) بالسَّيْف. وحَبيب: المَنْعِيّ (¬7). يقولوا: قد وَجَدْنا خَيْرَ طِرْفٍ ... بِرُقْيَةَ لا يُهَدُّ ولا يَخِيبُ (¬8) الطِّرْف: الَفَتى الكريم (¬9). ويُهَدّ: يُكْسَر. ورُقْيَة: بلد. ¬

_ (¬1) قال في اللسان مادة "صحر" في تفسير اليراعة في هذا البيت: اليراعة، ها هنا الأجمة، وهو أظهر مما ورد في الشرح هنا. (¬2) تنجاب، أي تنكشف. (¬3) زاد في اللسان في تفسير الصحرة قوله: وتكون أرضا لينة تطيف بها حجارة. والحرّة: أرض ذات حجارة سود. (¬4) في الأصل: "واللاب" بدون تاء، وما أثبتناه هو مقتضى اللغة، إذ اللاب جمع، والمراد هنا المفرد. (¬5) في رواية: "بني مليح" بصيغة التصغير، وهم بطن من خزاعة، رهط كثير عزة وطلحة الطلحات. وفي رواية: "فسائل كيف" مكان قوله: "فسلهم". (¬6) المماشقة: المضاربة والمجالدة. (¬7) قال السكري: هو من هذيل. (¬8) في رواية: "لقينا". وفي رواية: "رأينا" كل واحدة منهما مكان قوله: "وجدنا". وقد ضبط قوله: "برقية" بضم الراء في الأصل ضبطا بالقلم في جميع مواضعه، ولم يذكر ياقوت هذا الموضع، كما أننا لم نجده فيما بين أيدينا من كتب اللغة. يقول: إنك إن سألت أشراف بني عدي وسادتهم يجيبوك بأنهم وجدوا من حبيب هذا الذي يرثيه فتًى كريما لا يكسر في حرب، ولا يرجع خائبا من غنيمة. (¬9) إطلاق الطرف على الفتى الكريم لغة هذلية؛ وأصله من الطرف بمعنى الفرس الكريم.

(حاشية) "قال الشيخ أبو الحَسَن: قال الشيخ أبو يعقوب: سألتُ هُذَيْلا بمكة -وكنتُ نازلا عليهم- عن زَقْيَة (¬1) , فقالوا: هي بالزاء معجَمةً لا غير". "رُقْيَة" عن ابن دُرَيْد. أبو إسحاق: زَقْيَة تمّت. دَعاه صاحِباه حين خَفَّتْ ... نَعَامَتُهُمْ وقد حُفِزَ القُلُوبُ (¬2) خَفَّتْ: شالَتْ. قال: كانوا جميعًا فَتَفَرَّقوا، وهو مَثَل؛ شبّه بنَعامةٍ شالَتْ بعد أن كانت ساكِنة. وحُفِزَ القلوب، يقول: حَفَزَها خوفٌ. والحَفْز: الإزْعاج يأتيه مِنْ خَلْفِه. مَرَدٌّ قد يَرَى ما كان فيه ... ولكنْ إنّما يُدْعَى النَّجيبُ (¬3) مَرَدٌّ: مَرْجِعِ، حين رَجَع. يقول: هذا الّذي رَجَعَ قد يَرَى ما كان فيه مِن الخَطَر، ولكنَّه صَمَّم. إنّما يُدْعَى النَّجيب. يقول: هَتَفَ به صاحباه فَوَجداه نَجِيبا. والنَّجيب: العَتِيقُ الأَصْل (¬4)، وأنشد: "نجيبا (¬5) إنّ آباءَ الفَتَى نُجُبُ" ¬

_ (¬1) ضبط في الأصل قوله: "زقية" بضم الزاي، والصواب الفتح كما في مستدرك التاج واللسان، ولم يذكره ياقوت. (¬2) في رواية: "شالت" مكان قوله: "خفت" يقول: إن صاحبيه في الحرب قد استنصرا به حين فرّق الخوف جمعهم، وأزعجت شدة الحرب قلوبهم. (¬3) في رواية: "مردّ" بكسر الميم، أي كثير الارتداد إلى الحرب. وفي رواية:، "فردّ وقد رأى" ببناء "ردّ" للمجهول. ورواية اللسان: "مرد قد نرى ما كان منه" (بكسر الميم). ومعنى البيت على رواية الأصل أنه ارتدّ إلى صاحبيه لينصرهما، وهو مردّ (أي مرجع) يرى ما فيه من خطر وشر، ولكنه صبر وصمم على نصرة صاحبيه، وعطف يقاتل عمن دعاه. (¬4) العتيق الأصل: كريمه. (¬5) كذا ورد في الأصل؛ وهو غير مستقيم شعرا.

قال: ويُرْوَى: * مَكَرٌّ قد يَرَى ما كانَ فيه * وهو حيث يَكُرُّ. فألْقَى غِمْدَه وهَوىَ إليهمْ ... كما تَنْقَضُّ خائِتَةٌ طَلُوبُ (¬1) خائتة: مُنْقَضّة (¬2)؛ يقال: سمعت خَواتَ العُقابِ، أي انقِضاضَها؛ وسمعتُ خَواتَ القَوْمِ، أي أصواتَهم وخَواتَتَهمُ (¬3). قال: وبه سُمِّيَ الرَّجُل خَوّاتا، وأنشد (¬4): * يَخُوتُون أُولَى (¬5) القَوْمِ خَوْتَ الأَجادِلِ * يَخوتون: يُسْرِعون (¬6). والأَجادِل: الصُّقور، الواحد أَجْدَل. مُوَقَّفة القَوادِمِ والذُّنابَى ... كأنّ سَراتَها اللَّبَنُ الحَلِيبُ (¬7) مُوَقَّفة، يقول: في قَوادِمِها بَياض (¬8)، وفي ذُناباها بَياض، وهي عُقابٌ ليست بخالصة، والخالصة الخُداريّة، وهي السَّوداء سَراتُها. يقول: ظَهْرُها (¬9) أبيَض؛ وهي شَرُّ العِقْبان. وخَدَرُ اللَّيلِ: سَوادُه. ¬

_ (¬1) يقول: إنه جرد سيفه من غمده وانقض على من يقاتل صاحبيه انقضاض العقاب التي يسمع لجناحيها صوت حين تنقض على فريستها. (¬2) هذا تفسير الأصمعي. وقال أبو عمرو في تفسير الخائتة: إنها العقاب التي تسمع لجناحيها في انقضاضها خريرا. (¬3) في الأصل "وخواتهم" والصواب ما أثبتنا، إذ الخوات قد تقدّم. (¬4) وأنشد، أي الأصمعي. (¬5) في شرح السكري واللسان مادة (خوت) "أخرى القوم". وهذا عجز بيت، وصدره: * وما القوم إلا سبعة أو ثلاثة * (¬6) يريد أنهم يبادرون. (¬7) في رواية "مثقفة" أي مقوّمة. وفي رواية: "مولعة"، أي ذات ألوان مختلفة. (¬8) فسر السكري التوقيف في هذا البيت بأنه خطوط سود، وكذلك في اللسان مادة "وقف". مأخوذ من الوقف، وهو السوار من قرون. وقال بعضهم: التوقيف هنا بياض وسواد. (¬9) قال الأخفش: سراة العقاب في هذا البيت رأسها.

نَهاهُمْ ثابتٌ عنه فقالوا ... تُعَيِّبُنا العَشَائرُ لو يَؤوبُ (¬1) قال أبو سعيد: ثابت هو تَأَبَّطَ شَرّا (¬2). على أنّ الفَتَى الخُثَمِيَّ سَلَّى ... بنَصْلِ السَّيْفِ حاجَةَ مَنْ يغَيبُ (¬3) حاجةَ من يَغيب، يقول: قاتَلَ قِتالا أَذهَبَ مَقالةَ مَنْ غاب، لا يقال: عاشَ ذليلا ومات ضائعا. وقال: تَعلَّموا أَنْ لا صَرِيخٌ ... فأُسْمِعَه ولا مَنْجًى قَرِيبٌ (¬4) وأنْ لا غَوْثَ إلّا مُرْهَفاتٌ ... مُسألاتٌ وذو رُبَدٍ خَشِيبُ (¬5) مُرهَفات: قد أُرْهِفتْ ورُقِّقَتْ وحُدّدتْ. ومُسالات: طوال (¬6)، وإنّما يصف سِهاما. وذوُ رُبَد، يعني سَيْفا، يريد أَثْرَه وفِرِنْدَه الّذي تراه كالوَشْي فيه. والرُّبْدة: ¬

_ (¬1) في رواية "تعنفنا المعاشر". يقول: إن عشائرهم توبخهم وتلومهم لو أفلت حبيب هذا من القتل ورجع إلى قومه. (¬2) تأبط شرا: هو ثابت بن جابر بن سفيان الفهمي. (¬3) في رواية: "غيبة" مكان قوله: "حاجة". والفتى الخثمي، هو حبيب المرئي، نسبة إلى بني خثيم من هذيل، وهو خثيم بن عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل. (¬4) وقال أي حبيب هذا الذي يرثيه. والصريخ هنا بمعنى المغيث، مثل قدير وقادر. يريد أنه قال: اعلموا أنه ليس لي في هذا الموطن صريخ، أي مغيث أستصرخ به وأسمعه استغاثتي، ولا منجى مما أنا فيه ولا غوث إلا السهام والسيف. (¬5) في رواية: "مسيّرة" من قوله: "مسالات". ومسيّرة، أي سهام فيها خطوط تشبه السيور. (¬6) هو من قولهم: أسال غرار النصل، إذا طوّله وأتمه. وكان الأولى أن يقول: مسالات مطوّلات على صيغة اسم المفعول في التفسير كما هو في المفسر.

السواد. ويقال: سَيْفٌ أَرْبَد لكَثْرة فِرِنْدِه. وقوله (¬1): "في مَتْنِه رُبَد"، أي لُمَع. والخَشِيب: الصِّقِيل، وهو الّذي بُدئَ طَبْعُه، ثم صار عندهم كُلُّ صَقيلٍ خَشِيبا. والمُسألَةُ: الطويلةُ النِّصالِ. فإِنَّكَ إنْ تُنازِلْنِي تُنازَلْ ... فلا تَكْذِبْكَ بالمَوْتِ الكَذُوُبُ (¬2) يريد: فلا تَكْذِبْك نَفْسُك وهي الكَذوب؛ ومِثلهُ قولُ العَبْدِيّ: فأَقْبَلَ نَحْوِي علي قُدْرَةٍ ... فلمّا دنا كَذَبتْه (¬3) الكَذُوبُ كأنّ مُحَرَّبًا مِنْ أُسْدِ تَرْجٍ ... ينُازِلُهُمْ لنِابَيْه قَبِيبُ (¬4) المحرَّب: المُغضَب المَغِيظ. يقول: قد هِيجَ وأُغْضِبَ. وقَبِيب: صَوْت يقول: له قَبْقَبَة، وأنشد أبو سعيد (¬5): * قَبْقبَةُ الحرّ بكفّ السّقى (¬6) * يريد: صَوْتَ الحرّ. ¬

_ (¬1) هو صخر الغيّ الهذليّ، والبيت كاملا: وصارم أخلصت خشيبته ... أبيض مهو في متنه ربد (¬2) في رواية: "فلا تغررك". يتهدّد قرنه فيقول: لا تعدك نفسك الكذوب بالحياة، فإنك هالك لا محالة في مقاتلتي. (¬3) في نسخة "صدقته"؛ وهي أجود في رأينا. يقول: صدقته نفسه بالموت ولم تخدعه. (¬4) ترج: جبل بالحجاز كثير السباع. وقيل: هو واد إلى جنب تبالة على طريق اليمن. (¬5) أبو سعيد، هو عبد الملك بن قريب الأصمعي. (¬6) لم نجد هذا الشطر فيما راجعناه من الكتب؛ ولم نتبين معناه وكذلك لم نتبين ما ذكره الشارح بعد في تفسير قبقبة الحرّ.

ولكنْ خَبرِّوا قَوْمِي بَلائِي ... إذا ما اسّاءلَتْ عنّي الشُّعوبُ اسّاءَلتْ، يقول: تسَاءلتْ. وشَعْبٌ وشُعوب، وهمْ فِرَق (¬1). وأنشدْنا: رأيتُ شُعوبا مِن شعوبٍ كَثيرةٍ ... فلم أر شَعْبا مِثلَ شَعْبِ ابنِ مالِكِ ولا تُحْنُوا عَلَيَّ ولا تَشِطَّوا ... بقَوْلِ الفَخْرِ إِنّ الفَخْرَ حُوبُ يقول: لا تقولوا خَنًّا ولا شَططًا، أي لا تَأْتوا بشَطَط. يقول: لا تَجورُوا. والحُوبُ: الإثم. وقال أيضًا تُؤَمِّلُ أنْ تُلاقِيَ أُمَّ وَهْبٍ ... بمَخْلَفةٍ إذا اَجْتَمَعَتْ ثَقِيفُ (¬2) قال أبو سعيد: المَخلَفة: طريقٌ (¬3) وراءَ جَبَل. ويقال: اِلزَمِ المَخلَفةَ الوُسْطَى. وكلُّ طَريقٍ مَخلَفة، وأنشد: * يَسِيلُ بِنا أَمامَهمُ الخَليفُ * وأنشد للعَجّاج: * في طُرُقٍ تَعْلو خَلِيفًا مَنْهَجا * إذا بُنِيَ القِبابُ على عُكاظٍ ... وقامَ البَيْعُ واجتَمَع الأُلوفُ ¬

_ (¬1) عبارة اللغويين: الشعب هو القبيلة العظيمة، أو هو أبو القبائل الذي تنتسب إليه جميعها. (¬2) في رواية: "أم عمرو" مكان قوله: "أم وهب"، ورواية أم عمرو عن أبي بكر الحلوانيّ وحده. (¬3) الذي ورد في شرح السير منسوبا إلى الأصمعي هو القول الثاني في تفسير المخلفة، وهو أن كل طريق مخلفة.

على عُكاظ: يريد بعُكاظ؛ ويقال: فلان نازلٌ على فلان، [و] (¬1) على ضَرِيَّة (¬2)، أي بها (¬3). قامَ البيعُ: يريد قامت السُّوق. تُواعِدُنا عُكاظَ لَنَنْزِلنَه ... ولَم تَعلَمْ إذًا أَنِّي خَليفُ (¬4) خَلِيف أي أُخالِفُها (¬5). يقول: لَم تَشْعُر أنِّي أنا أفعلُ ذاك. قال: ويُروَى: "تَشْعُرْ" و"تَعْلَمْ". فسَوْفَ تَقُول إنْ هيَ لَمْ تَجِدْنِي ... أَخانَ العَهْدَ أمْ أَثِمَ الحَلِيفُ قال: تقول: أخانَ العَهْد الّذي كان بيني وبينَه، أم أَثِمَ الحَلِيف، أي الحالِف فيما كان بيني وبينَه من العهد (¬6). وما إنْ وَجْدُ مُعْوِلَةٍ رَقُوبٍ ... بواحِدِها إذا يَغْزُو تُضِيفُ (¬7) ¬

_ (¬1) هذه الواو ساقطة من الأصل، والسياق يقتضيها. (¬2) ضريّة: قرية بين البصرة ومكة في نجد. (¬3) بين قوله: "ضرية" وقوله: "أي بها": قوله: "وقام البيع" ولا موضع لها هنا. (¬4) عكاظ: رواية الأصمعي. وفي رواية أخرى: "تواعدنا الربيق" والربيق: واد بالحجاز. وفي رواية: "الربيع"؛ وهو موضع من نواحي المدينة. يقول: إننا تواعدنا بالتلاقي في هذا المكان ولم تعلم أم وهب أنني مخلف وعدها. (¬5) عبارة اللسان وغيره في تفسير الخليف: أنه المتخلف عن الميعاد. (¬6) عبارة اللسان وغيره: "ليفين" مكان قوله: "من العهد". (¬7) ورد في اللسان مادة "رقب" نسبة هذا البيت إلى صخر الغي الهذلي، وروايته: "فما إن وجد مقلات" مكان قوله: "معولة". والمعولة: الباكية. يشبه وجده بوجد أمّ لها ولد واحد إذا خرج للغزو أضافت: أشفقت عليه وحذرت أن يصاب بمكروه، ثم قتل، فهي شديدة الحزن والإعوال عليه.

الرَّقُوب: التي مات وَلدُها. وتُضِيف: تُشْفِق. والوَجْد: الحُزْن. والوُجْد يكون في السَّعَةِ (¬1)؛ ويقال: اعْطِه وُجْدَك، أي مِلْكَك. تُنَفِّضُ مَهْدَه وتَذُبُّ عنه ... وما تُغْنِي التَّمائمُ والعُكوفُ (¬2) مَهْدَه: فراشَه، وأَنْشَدَنا (¬3): لها ناهِضٌ في الوَكْر قد مَهَّدَتْ له ... كما مَهَّدَتْ للزَّوْجِ حَسْناءُ عاقِرُ والتَّمائم: واحدُها تَمِيمة، وهي المعَاذات. يقول: لا تُغْنِي التَّمائمُ عنه ولا عُكُوفُها حَوْلَه مِن الموت شيئًا. تقول له: كَفَيْتُكَ كلَّ شئٍ ... أهَمَّكَ ما تَخَطَّتْني الحُتُوُفُ (¬4) أُتيحَ له من الفِتْيانِ خِرْقٌ ... أخو ثِقَةٍ وخِرِّيقٌ خَشُوفُ (¬5) الخِرْق: المتخرِّق (¬6) في الخير، والخِرِّيق: فِعِّيل مِن هذا. والخَشُوف: السريع المَرّ. ¬

_ (¬1) في كتب اللغة أن الوجد بمعنى السعة مثلث الواو. (¬2) في رواية: "وتذود" مكان قوله: "وتذب"؛ وما هنا رواية الأصمعي. (¬3) وأنشدنا، أي أبو سعيد الأصمعي، كما قاله السكري. والبيت لمعقر بن أوس بن حمار البارقي. وبقوله في البيت: "حسناء عاقر" سمى معقرا، واسمه سفيان بن أوس. وإنما خص الحسناء في هذا البيت بأنها عاقر لأنها أقل دلا على الزوج من الولود، فهي تتصنع له وتداديه، ولأنها ليس لها من الولد ما يشغلها عن التجمل لزوجها، وهو يصف عقابا، شبه بها فرسا ذكرها في البيت الذي قبله وهو: وكل طموح في العنان كأنها ... إذ اغتمست في الماء فتخاء كاسر ويريد بالناهض: فرخ العقاب. (¬4) ما تخطتني الحتوف، أي ما حييت وسلمت من المنايا. (¬5) يقول: قيض لابن هذه الأم صاحب يرافقه مستجمع لصفات الفتوة من الاتساع في الكرم وسرعة المضيّ. (¬6) المتخرّق: المتسع.

فَبيْنا يمشِيانِ جَرتْ عُقابٌ ... مِن العِقْبانِ خائِنَةٌ دَفوفُ جَرَتْ: مَرّتْ. وخائتة: منقضّة. وتَخُوت: تنقضّ. ثم تَدِفّ فُوَيْقَ الأرِض أي تَمرّ فوقها. وخاتت العِقْبان تَخُوت خَوْتا. وسمعتُ خَوَاتَ العِقْبان أي صَوْتَها. فقال له وقد أَوْحَت إليه: ... ألا لِلّهِ أُمُّكَ ما تَعِيفُ (¬1) أَوْحتْ إليه: أَخْبَرَتْ. ما تَعِيف: مَا تَزْجُر؛ يقال: عافَ الطيرَ يعِيفُها، إذا زَجرَها. بأرضٍ لا أَنيَسَ بها يَبابٍ ... وأَمْسِلَةٍ مَدافِعُهما خَلِيفُ (¬2) يَبابٍ: قَفْرٍ لا أَحدَ فيها. والأَمْسِلة: مجَارِى الماءِ، والواحد مَسِيل (¬3). والخَلِيف: طريق وراءَ جَبَل. ¬

_ (¬1) في رواية: "وقد أوعت إليه". ومعنى البيت أن تلك العقاب قد أوحت إليه بشرّ، فقال لصاحبه: ألا تزجرها فتعرف ما تنبيء به؟ (¬2) يلاحظ أن هذا البيت والذي بعده قد وردا في النسختين الأوربية والمخطوطة من ديوان أبي ذؤب مرتين عكس ما هنا. وفي رواية: "بواد لا أنيس به". وروي أبو العميثل "خلوف" بفتح الخاء. قال: وهو مثل الخليف، وفسر بأنه طريق سهل بين جبلين. وفي رواية: "خلوف" بضم الخاء، أي لا أحد بها. ومدافع الياه: مجاريها التي تدور إلي الأودية. (¬3) في كتب اللغة أن واحد الأمسلة مسل بالتحريك أيضًا، وهذا على اعتبار أن الميم في مسيل ومسل أصلية. وزعم بعضهم أن الميم فيهما زائدة، وأصله من سال يسيل. وأن العرب غلطت في جمعه على أمسلة. قال الأزهرى: هذا الجمع على توهم ثبوت الميم أصلية في المسيل، كما جمعوا المكان أمكنة، وأصله مفعل من كان.

فقال له: أَرَى طَيرًا ثِقالًا ... تُبَشِّر بالغَنيمة (¬1) أو تُخيفُ فألقَى القومَ قد شَرِبوا فضَمُّوا ... أَمامَ الماء (¬2)، منطقهمْ نسَيفُ أَلْفَى: وَجَد. مَنْطِقُهمْ نَسِيف، يقول: يَهْمِسُون كَلامَهُمْ رُوَيدْا. فلم يَرَ غيرَ عادِية لِزْإمًا * كما يَتَهدّمُ (¬3) الحَوْضُ اللَّقِيفُ عادِيَة: قوم يحَملون (¬4). يقول: رَأى هذه الحامِلةَ قد غشِيتْه جماعتِهم. كما يتَهدّم الحَوْضُ اللَّقيف: الّذي قد نِخرَ وضَرَب الماءُ أسفَلهَ. يقول: فتَقوّضتْ عليه الحامِلةُ كما يتقوّض الحَوْض. ويقال: قد لَقِفَ الحَوْضُ: إذا نَحَر مِن أسفَلِه وأَنْشَدَنا أبو سعيد: وطَعْنَةٍ ذاتِ رَشاشِ عاتِية ... طَعَنْتُها تحتَ نُحورِ العادِيهْ العادَية: الحامِلة، ويقال: عَدا عليهم، أي حَمَلَ عليهم؛ وأَنشَدَنا: يعْدُو فلا تكْذِب شَدّاتُهُ ... كما عَدا اللَّيْثُ بوادِي السِّباعْ ¬

_ (¬1) في رواية "تخبّر بالغنيمة". والوجه في أن الطير تبشّر بالغنيمة أنها توجد حيث الماء وحيث يوجد الماء توجد الإبل والماشية التى يغنمها المغيرون. (¬2) في رواية: "أمام القوم". يقول: إن ابن تلك المرأة قد وجد في مسيره قوما اجتمعوا وضموا إليهم دوابهم ورحالهم وصاروا ينتسفون الكلام انتسافا، أي لا يتمونه من الفزغ والخوف، يهمسون به رويدا ويخفونه لئلا تسمع أصواتهم فيغير عليهم من ينتهب إبلهم، لأنهم في أرض عدو. (¬3) في رواية: "كما ينفجر". وفي رواية "لزام" بالكسر. (¬4) فسر قوله: "عادية" في اللسان وشرح السكرى بأنه القوم يعدون علي أرجلهم.

فرَاغَ وزَوَّدُوه ذاتَ فَرْغٍ ... لها نَفَذ كما قُدَّ الحَشِيفُ (¬1) يقول: نَفَذَتْ بن الشِّقّ الآخَرِ. والفَرْغ: ما بين عَرْقُوَتَي (¬2) الدَّلوْ، ضَرَبَه مَثَلا لما يَخْرج من الجِراحةِ من الدّم. قال: والَحشِيف: الثوبُ الخَلَق. وغادَرَ فى رَئيِسِ القَوْمِ أُخْرَى ... مُشَلْشِلَةً كما قُدَّ النَّصَيفُ (¬3) غَادَرَ: خَلَّفَ وتَرَكَ. يريد طَعْنَةً مُشَلْشِلة: ذاتُ شَلْشالٍ تُرِشُّ بالدّمِ وتفرقُه؛ ذاتُ شَلْشال مثلُ قولِ الآخَر: * وطَعْنَةٍ ذاتِ رَشاشٍ عاتِيَهْ * والنَّصِيف: الحِمار. فلمّا خَرَّ عِند الحَوْضِ طافوا ... به وأَبانَه منهمْ عَرِيفُ (¬4) أَبانَه: اِستَبانَه. منهم عَريف أي عارف. ¬

_ (¬1) في رواية: "كما قد النصيف". وفي البيت الذى بعده: "الحشيف". وفي رواية "كما فصل" من قوله: "كما قدّ". يقول: إن ذلك الفتى قد راغ عن القوم وقد طعنوه طعنة تسيل بالدم كما تسيل الدلو بمائها، وقد شقته تلك الطعنة كما شق الثوب الخلق؛ أو كما شق الخمار. (¬2) عرقوتا الدلو: خشبتان معترضتان على الدلو كهيئة الصليب. وفسر في اللسان الفرغ بأنه الاتساع والسيلان. (¬3) في رواية: "كما نفذ الخسيف". والخسيف: البئر المنقوبة، شبه بها الطعنة في اتساعها وسيلانها بالدم. يقول: إن هذا الغلام كما طعنه هؤلاء القوم طعنة نافذة فقد طعن رئيسهم طعنة ترش بالدم، قد نفذت فيه كما يشق الخمار. (¬4) في رواية: "عند القوم". يقول: لما سقط هذا الفتى، وهو ابن تلك المرأة عند الحوض استدار القوم به، واستبانه من بينهم رجل منهم عارف به.

فقال: أما خَشِيتَ - ولِلَمنايا ... مَصارِعُ - أنّ تُحَرِّقَكَ السُّيوفُ فقال: لقد خَشِيتُ وآنْبَأَتنِى ... به العِقْبانُ لو أنِّي أَعِيفُ [أَعِيف]: أَزْجُر. وقال بعَهْدِهِ في القَوِم: إِنِّي ... شَفَيْتُ النفسَ لو يُشْفَى اللَّهِيفُ قوله: بعَهْدِهِ، إذ هو فيهم. (¬1). وقال أيضًا رحمه الله تعالى نام الخَلِيُّ وبِتُّ اللَّيْلَ مُشْتَجِرًا ... كأنّ عَيْنِي فيها الصابُ مَذْبُوحُ مُشْتَجِرا، أي يَشْجُر (¬2) رأسَه بِيَدِه، أي كأنّه يَضَعُه على يديه كما يُشْجَر الثَّوبُ بالعُود. قال أبو سعيد الأصمعيّ: والصاب شجرةٌ مُرّة لها لَبَنٌ يُمِضّ العينَ إذا أصابها أبيضُ. ومَذْبوح: مَشْقوق، والذَّبحْ: الشَّقّ (¬3) وأَنشَد: كأنّ الخُزامَى طَلّةً (¬4) في ثِيابها ... إذا طَرَقَت أو فأرَ مِسْكٍ مذَبَّحِ مُذَبَّح: مشقَّق، وأنشد لابن العَجّاج: * فآقنَىْ فشَرُّ القَوْلِ ما أَمَضَّا * ¬

_ (¬1) هذا وجه من وجهين في تفسير هذا اللفظ. والوجه الآخر: "بعهده للقوم" أي فيما عهد به إليهم قبل أن يموت. (¬2) فسر في اللسان مادة (شجر) الاشتجار بأنه وضع اليد تحت الشجر على الحنك، وأنشد بيت أبي ذؤيب هذا. ونقل عن أبي عمرو أن الشجر (بالفتح) هو ما بين اللحيين. وقيل في معنى الشجر أقوال غير هذا، فانظرها. (¬3) عبارة الأصل: "والشق: الذبح". وما أثبتناه هو المناسب للسياق، إذ هو بصدد تفسير الذبح لا الشق. (¬4) الطلة: اللذيذة من الروائح.

ويقال: أَمَضّنى يُمِضُّني إمْضاضا إذا أحْرَقَني: الخَلِيُّ: الرَّخِيُّ البال. قال أبو سعيد: ومَثَلٌ من الأمثال: "وَيْلٌ للشَّجِى (¬1) من الخَلى" فالشَّجِي: المشغول والخَلِيُّ: الفارِغ. لمّا ذكرت أخا العِمْقى تأوَّبني ... همِّى وأَفْرَدَ ظَهْرِى الأَغْلَبُ الشِّيحُ (¬2) أخا العِمْقَى: يريد هذا الّذى يَرْثيه. والعِمْقَي: بلَد (¬3)، يريد: صاحِبَ العِمْقَي؛ كما يقال: "كان رسوُل الله صلّى الله عليه وسلّم أخا السِّرار (¬4) "، أي صاحبَ السِّرار. تأوَّبَني، يقول: جاءَني مع اللّيل، كما قال الآخر: تأوَّبَنى هَمٌّ مع اللّيلِ مُنْصِبُ ... وجاءَ من الأَخبار ما لَا أُكَذِّبُ وقولُه: أَفرَدَ ظَهْرِي، يقول: تَرَك ظَهرِى مُفرَدا للعدّو كان يَمْنَعُني. والشِّيح: من المُشايَحة؛ والشِّيح: الجَلْد الماضي في لغَةِ هُذَيل، وفي لغةِ غيرِهم: المُشايَحة المحاذَرة. والأَغلَب: الشديدُ العنُقِ الغليظه. جُودَا فواللهِ لا أَنهما كما أَبَدًا ... وزالَ عِندِى له ذِكْرٌ وتَبْجِيحُ (¬5) ¬

_ (¬1) الشجى بتخفيف الياء أعرف من الشجيّ بتشديدها قاله ابن سيده. (¬2) في رواية: "وأبرز". مكان قوله: "وأفرد" ومؤدّى الروايتين واحد. وفي رواية:"العنقى" بالنون مكان الميم. (¬3) عبارة الأصمعي: العمقى أرض قتل بها هذا المرثي. وقال ياقوت: هو واد ببلاد هذيل وأنشد هذا البيت والذي قبله. (¬4) في اللسان: مادة سرو ما نصه: وفي حديث عمر أنه يحدث عليه السلام كأخي السرار. أي يخفي حديثه كمن يسره. (¬5) يرغب إلى عينيه أن تجودا بالدموع عد هذا المرثيّ. وفي رواية "ذكرى وتبريح" وفي رواية "مجد" و"مدح" كل واحدة منهما مكان قوله: "ذكر".

قولُه: وزالَ عندي له ذكر أي ولا زال عندي. تَنْجيح أي تَعْظيم وتفضيلٌ ومَدْحٌ وفخر. المائحُ الأُدْمِ كالمَروِ الصِّلابِ إذا ... ما حارَدَ الخُورُ واجْتُثَّ المجاليِحُ قال أبو سعيد: المحُارَدَة: أن تَمْنعَ الناقةُ اللَّبن فلا تَدِرّ. الخُور (¬1): أَرَقُّها على البَرْدِ (¬2) وأَكْثَرهاْ لَبَنا. والمجَالِيح: التي تَدِرّ على القُرِّ والشّتاء. يقول: إذا اجتُثّتْ فهذه السَّنة شديدة. وزفَّتِ الشَّوْلُ من برِد العَشِيِّ كما ... زفَّ النَّعامُ إلى حفّانِه (¬3) الرُّوجُ قوُله. وزَفَّتْ، جاءت زَفيفا عَجِلَةً مُبادِرَة. والزَّفيف: خَطْوٌ مُقارِبٌ، وسُرعةُ وَضْعِ الأَخْفاف ورَفعِها. وحَفّانُه: صِغارُه. والرُّوح: اللّواتي بأَرْجلِها رَوَح، كما نَعامةٍ رَوْحاء، وهو انفتاحٌ (¬4) يَميلُ إلى شِقِّها الوَحْشيّ (¬5)؛ ومنه قول الراعي: * فولّت برَوْحاءَ مَأطُورةٍ * والشَّوْل: جمع شائلة، وهي اّلتي قد خَفَّ لبنُها وأَتَى على نِتاجِها سبعة أَشْهُر أو ثمانية؛ ومن هذا قولُهم: شالَ الميزان، أي خَفَّ. وجمع شائل شُوَّل، وهي اللّاقح (¬6). ¬

_ (¬1) في كتب اللغه أن الخور جمع خوارة، على غير قياس. (¬2) أرفها على البرد، أي أنها رقيقة الجلود، ضعيفة على احتمال البرد، كما يستفاد ذلك من عبارات اللغويين. (¬3) يذكر شدّة البرد فيقول: إن النياق التي أتى على نتاجها سبعة أشهر وخفت بطونها مما كان فيما قد ألجأتها شدّة وهذا البرد إلي مكان تستدفيء فيه، فبادرت إليه مسرعة كما يسرع النعام إلى فراخه. (¬4) قال في اللسان: الأروح تتباعد صدور قدميه وتتدانى عقباه؛ وكل نعامه روحاء، واستشهد بهذا البيت. (¬5) شقها الوحشي أي شقها الأيمن، وعكسه الإنسيّ، لأن الدابة إنما تحلب وتركب من جانبها الأيسر، فسمى إنسيا، والأيمن وحشيا، وقبل عكس ذلك في معناهما. (¬6) عبارة اللغويين: الشائل، هي اللاقح التى تشول بذنبها للفحل، أي ترفعه، فذلك آية لقاحها، وترفع مع ذلك رأسها وتشمخ بأنفها.

وإنما خَصَّ الشَّوْلَ دون غيرِها لأنّه أراد أنهما خفيفةُ البطون فلا تَقْوَى محل الَبرْد وليست كالمخَاض؛ لأن المخَاض ممتلِئة، فهي أَصَبرُ على القُرّ. ومِثلُ هذا قولُ الآخر (¬1): وَخيِرًا (¬2) إذا ما الرِّيحُ ضَمَّ شَفِيفُها ... إلى الشَّوْل في دِفءِ الكَنيفِ المَتالِيا أراد إذا ضَمَّ شَفِيفُها المَتالىَ إلى الشَّوْل؛ لأن الشَّوْل لا تَصْبِر على القُرّ. والشَّوْلُ خفيفةُ البُطون، فهي أسرَعُ إلى الكَنِيف. والكَنِيف: الحَظِيرة. يقول: هُمْ في هذا الوَقْتِ يَنْحَرون ويُطعِمون. وقال ماشِيهِمُ: سِيّانِ سَيْرُكمُ ... وأنْ تُقِيموا به واغْبرّت السُّوحُ ماشِيهِم: صاحبُ الماشية منهم. يقول: مُقامُكْم وسيرُكم سواء، والأرضُ كلُّها جَدْب، إن شئتم فأقيموا، وإن شئتم فسِيروا. وسِيّانِ: مِثْلان. وأنشدنا لزهير: * وسِيّانِ الكَفالَةُ والتَّلاء (¬3) * والسُّوح: جماعة الساحة. ويقال قارَةٌ وَقُور، ودارةٌ ودُور، وعانَةٌ وعُون. قال أبو سعيد: وسمعتُ حَبْرَ (¬4) بنَ صُمَيْل يقول: هاجَتَ ريحٌ بالمدنية فاغْبرّت منها السُّوح. ¬

_ (¬1) هو ذو الرمة؛ وهذا البيت من قصيدة يمدح فيها أبا عمرو بلال بن عامر. (¬2) في الأصل: "وحبوا"؛ وهو تحريف. والخير: الكرم. والشفيف: شدّة لذع البرد. والمتالى من النياق: التي تتلوها أولادها. (¬3) التلاء: الذمة والجوار. وصدر هذا البيت: * جوار شاهد عدل عليكم * (¬4) كذا ورد هذا اللفظ في الأصل مهمل الحروف من النقط. والذى في شرح السكري "ابن جبر" ولم يرد فيه قوله: "ابن صميل" ولم نجد حبر بن صميل هذا ولا ابن جبر الذي يروى عنه الأصمعي فيما راجعناه من معجمات الأعلام.

وكاْن مِثْلينِ ألاّ يسرَحُوا نَعَمًا ... حيث استرادتْ مَواشِيِهمْ وتَسْرِيح (¬1) يريد: حيث رادَت: جاءت وذهبت (¬2). ويقال مِن هذا: ريِحٌ رادَةٌ ورَيْدَةٌ ورَيْدانة. وتَسْريح أي حيث سُرِّحتْ. واعْصَوْصَبَتْ بَكَرًا مِنْ حَرْجَفٍ ولَها ... وَسْطَ الديارِ رَذيّاتٌ مَرازِيحُ (¬3) اِعْصَوْصبَتْ أي اجتَمَعتْ؛ ومنه: اعصوْصَبَ عليه القومُ إذا تألَّبوا عليه. بَكَرًا: بُكرَة. مِنْ حَرجَفٍ: وهي الريحُ الشديدة. فأراد: واعصَوصَبَتْ حَرجَفٌ غدْوةً. ويقال: رَزَحَ الرجلُ إذا جُهِدَ. والرَّذِيُّ: المَتروك؛ ومنه قولُ الآخَر: * لهن رَذايا بالطّريق وَدائعُ * أمّا أُولاتُ الذُّرَا منها فعاصِبَةٌ ... تَجُوُل بين مناقِيها الأَقادِيحُ (¬4) أُولاتُ الذُّرَا أي ذَوات الأَسْمِة. فعاصِبَةٌ، والعاصِبة: المجتِمعة؛ ويقال: عَصَبَ القوُم بفلان: إذا استدروا حوله. والمُنْقِيَة: السَّمينة (¬5) والجمع المَنافي. والأَقادِيح: جمع الأَقْدح، يقال: قِدْح وأَقدُحُ وقِداح، وأَقاديح جَمْعُ الجمْعِ. ¬

_ (¬1) يقول: إن الموضع مجدب، فسواء سرحوا نعمهم أم لم يسرحوها فلا خصب يرتجى فيه. ويقال: سرح نعمه يسرحها، أي أسامها. وفي اللسان مادة سرح "حيث استراحت" مكان قوله: "حيث استرادت". (¬2) عبارة السكرى: رادت في طلب المرعي. وعبارة اللسان: رادت الدواب ... واسترادت: رعت، واستشهد بيت أبي ذؤيب هذا. (¬3) يذكر شدّة الريح الباردة في وقت الغداة فيقول: إنها لشدتها وشدة بردها قد ألقت إبلا على الأرض فلم تستطع النهوض من شدّة الهزال. ويشير بهذا إلى جدب الأرض. (¬4) يقول: إن ذوات الأسمنة السمينة من هذه الإبل قد اجتمعت ليضرب عيها بقداح الميسر لتنحر. (¬5) فسر الأخفش المنقية بأنها المهزولة التي فيها بقية من سمن.

لا يُكْرمون كَرِيماتِ المخاَضِ وأَنْـ ... ـسَاهُمْ عَقائِلَها وجُوعٌ وتَرْزِيحُ (¬1) عَقائلها: كَرائمها، وعَقيلَةُ الحيِّ، كَريمَتُهمْ. والترزِيح: لزُومُ الأرض؛ يقال: رازِمٌ رازِحٌ، وهو الّذى يَقَع هُزالا. أَلْفَيْتَه لا يَذُمُّ الضَّيْفُ جَفْنَتَهُ ... والجارُ ذُو البَثِّ مَحْبُوٌ ومَمْنوحُ ثم إذا فارَقَ الأَغْمادَ حُشْوَتُها * وصَرَّحَ الموتُ إنّ الموتَ تَصْرِيحُ (¬2) قال: أغمادُ السيوف فارقَتْها حُشوَتُها، يَعْني النُّصُول. وقولُه: صَرَّحَ، أي ظهَرَ وبدا. إنّ الموتَ تَصْريح، إذا ظهَر صَرَّحَ ولم يَخفَ؛ "وصَرَّحَ: انكَشَف (¬3) وبدا". وصَرَّحَ الموتُ عن غُلْبٍ كأنّهمُ ... جُرْبٌ يدافِعُها الساقى مَنازِيحُ (¬4) صَرَّح الموتُ أي انكشَف. والمنَازِيح: اللَّواتي يطْلُبن الماءَ من مكان بعيد. جُرْب: إبِلٌ جَرِبة. ¬

_ (¬1) يقول: إن شدّة الجوع والهزال قد ألجأهم إلى أن ينحروا كرائم الإبل عندهم فلا يضنون بها. وخص المخاض لأنها أنفس عندهم. (¬2) في رواية "حتى إذا" وروى أبو عمرو وخالد بن كلثوم "حتى إذا فارق الأسياف خلتها" والخلل: بطائن جفون السيوف. يشير بهذا البيت إلي الحرب وانسلال السيوف من الأغماد. ويريد وصف المرثي في هذا الموطن بعد أن وصفه بالكريم في شدّة الجدب. (¬3) يلاحظ أن في هذه العبارة تكرارا كما لا يخفى. (¬4) الغلب: الغلاظ الأعناق، الواحد أغلب. وقد شبه الأبطال في الحرب بالإبل الجربة التي لا يدنى منها. ويريد بقوله: "يدافعها الساقي" الخ أن تلك الإبل الجرب تطلب الماء من مكان بعيد والساقي يدافعها عن غشيان الماء لئلا تختلط بالإبل السليمة فتعديها، وهي تغالب الساقي وتزدحم عليه. ووصفها لأنها تطلب الماء من بعيد لأنها إذ ذاك يكون أحرص على الورد.

أَلْفَيْتَه لا يَفُلُّ القِرْنُ شوْكتَه ... ولا يُخالِطُه في البَأْسِ تسْمِيحُ (¬1) قوله: تَسْمِيح، يقال: سَمَّحَ الرَّجُل إذا هَرَب. ألْفَيْتَ أغْلبِ منْ أُسْد المَسَدِّ حَديـ ... ـدَ النابِ إِخْذَتُه عَفْرٌ فتَطْرِيحُ (¬2) قال أبو سعيد: المَسَدّ (¬3): ملتقَى نخلتين: نخلةَ اليمانيّة ونخلة الشاميّة. وقال ابن أبي طَرَفَة: هو موضع بستان عمرَ بنِ عبد الله بن مَعْمَر، وهو الذي يقول له الناس: بستانُ ابن عامر. قال: والعَفْر: التعفير في التراب. وقوله: فتطْرِيح، وهو أن يرْمِيَ له ها هنا وها هنا. ويُروَى أيضًا: أَخذتهُ جَبْدٌ. والجَبْذ، هو أن يَقِذفَه. ومَتْلِفٍ مِثْلِ فَرْقِ الرَّأْسِ تَخْلِجُه ... مَطارِبٌ زَقَبٌ أَمْيالهُا فِيحُ (¬4) ومَتْلَف: هذا طريقٌ يَتْلَفُ فيه الناس بن خُبْثه. وقوُله: مثْلِ فرْقِ الرأس أراد أنّه ضيّق ينشقّ عن مِثل فَرقِ الراس في ضيقه، وربما قالوا: مِثْل الشَّراك يراد به الضِّيق، وإذا كان كذا كان أَخْفى له. قال: ومِثْلهُ قوله (¬5): "كفَرقِ العامريِّ يلوحُ". يعنِي طريقا. تخْلِجُه: تجْذِبُه. يقول: هذا الطريقُ يتصل ¬

_ (¬1) يقول: إذا انكشف الموت للأبطال في الحرب رأيت هذا الممدوح لا يكسره قرنه من حدّته، ولا يفر إذا اشتد البأس. (¬2) يريد تشبيه بأسد من أسود ذلك الموضع الذي ذكره. ثم وصف شدة ذلك الأسد في أخذه بأنه حين يأخذ قرنه يعفره في التراب ثم يرمى به ها هنا وها هنا. (¬3) ذكر ياقوت: أنه روى بكسر الميم أيضا. (¬4) يصف الطريق بأنه متلف أي يتلف من يسير فيه لضيقه وخفائه على السالك، واتصال بطرق أخرى ضيقة مثل مشتبه بعضها ببعض، لا ينفذ فيها إلا البصير بها المتعود عليها. ثم وصف الأميال التي في هذه الطريق بأنها واسعة، وهي المسافات التي بين كل علم وعلم. (¬5) قوله، أي قول أبي ذؤيب في القصيدة التالية.

بطريقٍ (¬1) آخَر، فهذا أَشَدُّ لالتِباسِه وأنكَرُ له، ومِثْلهُ: "مُواجِهٌ أَشْباهَهُ بالأَسنه (¬2) " والمَطارِب: الطُّرُق، والواحدةُ مَطْرِبة. وذَكَر أبو سعيد أنّ أعرابيًا ذَكر قوما قال: لُصوصُ خِفْيَة ماَ تَرَكُوا زَقَبا إلا سربوا (3) فيه. يقول: ما تَرَكوا سَرَبا (3) خَفيًا إلاَّ سَربوا (¬3) فيه. والزَّقَب: الضّيّقة. وقولُه: مِثْلِ فَرْقِ الرَّأْسِ، أراد أنّه ضيّق شديد الضِّيق، يبدو مرّةً ويَخْفَى أخرى. يَجْري بَجوَّتِه مَوجُ السَّرابِ كأنْـ ... ـضاحِ الخُزاعِيِّ حازَت رَنْقَة الرِّيحُ (¬4) جوّتُه: ساحَتُه. والأَنْضاح: الحِياضُ العِظام، واحدها نَضَحٌ (¬5). وقولهُ: "حازَتْ رَنْقَه الرِّيح" يقول: ذَهَبَتْ بما عليه مِن الغُبار والتراب والرِّيش. والرَّنْق: الكَدَر، يقال: رَنَقٌ ورَنْق. حازَتْ: جَمَعَتْ؛ ومنه حازَ الشيءَ: إذا جَمَعه. وإنما أراد أنّ هذا السَّراب يجرِى صافيا مِثلَ الماءِ ليس فيه شيءٌ يكدِّره. والخُزاعيّ. رَجُلٌ معلوم. مُسْتَوْقِدٌ في حَصاهُ الشمسُ تَصْهَرُه ... كأنّه عَجَمٌ بالكَفِّ مَرْضوحُ (¬6) تَصْهَرُه، أي تُوقِدُه وتُذِيبه، ويقال: صهَرَتْه الشمس إذا اشتدّ وقوعُها عليه وصَمَحَتْه وصقَرَتْه واحد. والصُّهارة: الشيءُ المُذاب. ¬

_ (¬1) كان الأولى أن يقول: "بطرق أخرى" ليوافق قوله في البيت: "مطارب". (¬2) لم نتبين معنى هذه الكلمة. (¬3) وردت هذه الألفظ الثلاثة التي تحت هذا الرقم في الأصل بالشين المعجمة؛ وهو تصحيف. (¬4) يصف الطريق بأنّ السراب يجرى فيه صافيا كماء الحياض التي نفت الريح عنها الكدر والقذى. (¬5) والنضيح أيضًا بمعنى النضح. (¬6) في رواية "بالبيد". مكان قوله: "بالكف". يصف ذلك الطريق بشدّة حرارة الشمس عليه وأنها تصهر ما فيه من حصى صغير كأنه النوى المدقوق.

وقال ابن أحمر: * تَصْهَرُه الشمسُ فما يَنصْهِر (¬1) * أي تُذيبُه فما يُذاب. والعجَم: النَّوَى. مَرْضُوح: مَدْقوق. وإنما يريد أنه بَلدٌ (¬2) مستوٍ ليس فيه أكَمَة ولا مَدَرَة. ويقال صَهرَت الشحمةَ الشمسُ إذا أذابتْها. يَسْتَنُّ في جانِبِ (¬3) الصَّحْراءِ فائِرهُ ... كأنّه سَبِطُ الأَهْدابِ مَمْلوحُ قال: يقول: يَسْتَنّ الفائر، وهو السَّرابُ يَفُور، أي يَهيج. كأنّه سَبِط، وهو البَحْر، وإنّما ذا مَثَل. يقول: أكنافه (وهي نواحيه) أَلْقاها على الأرض كأنّه سَبِطُ الأَهْداب، يعنِي البَحْرَ. أكنافُه (¬4)، هي تفسيرُ أهدابِهِ. وقولهُ: مَمْلُوح، يقال: ماء مِلْح ولا يقال: مَالِحٌ؛ ويقال: سَمَك مَمْلُحٌ ولا يقال: مَالِحٌ، ومَلَحْتُ الشيءَ أَمْلَحُه مَلْحا. ويقال: أهدامُه وأهدابُه (¬5). وهُدْبُ الشيء: ما تدلَّى. وهُدْبُ الثوبِ مِن هذا. ويقال: عَينٌ هَدْباء، وأُذُنٌ هَدْباء: للكثيرة الشَّعْر. ¬

_ (¬1) هذا عجز بيت في صفة فرخ قطاة، وصدره: * تروى لفى ألقى في صفصف * (¬2) بلد، أي قفر، وإذا كان القفر مستويا لا أكمة فيه ولا مدرة كما قال كان ذلك أخفى لطرقه لاشتباه بعضها ببعض. (¬3) في رواية: "في عرض" من قوله: "في جانب" وكلا اللفظين بمعنى واحد. ويستن: يمضي على وجهه يتبع بعضه بعضا، كما قاله السكرى. شبه ارتفاع السراب وهيجانه في الصحراء بالفوران؛ ثم شبهه في استرساله وجريانه بالبحر المسترسل النواحي. وقال الأخفش في تفسير الفائر في هذا البيت: هو ما فار من حرّ الأرض. (¬4) نقل ابن سيده هذا التفسير للأهداب، ثم أنكر. وقال: لا أعرفه (اللسان مادة هدب). (¬5) يلاحظ أننا نجد فيما لدينا من كتب اللغة أن الأهدام بالميم بمعنى الأهداب بالباء كما تفيده عبارته.

جاوَزْتَه حِينَ لَا يَمشِي بعَقْوَتِه ... إلّا المَقانِبُ والقُبُّ المَقارِيحُ يقول: جاوَزْتَه أنت أيّها المَمْدوح حين لا يُحَاوِزُه إلاَّ هؤلاء. وعقوَتُه: ناحيتُه وساحَتُه؛ ويقال: نَزَلَ بعَقْوَتِه إذا نَزَلَ قريبا منه. والمَقانِبُ: الجَماعات -ثلاثون فارسا أو أربعون- والواحد مِقْنَب. يقول: لا يَقْطَعه إلاَّ هؤلاء مِن خَوْفِه قطعتَه أنت. والقُبُّ: الخيل، وهي الخِماصُ البطون، والواحد (¬1) أَقَبُّ أو قَباّءُ. بُغايةً إنما يَبْغِي الصَّحَابَ من الـ ... ـفِتيَانِ في مِثْلِه الشُّمُّ الأناجيح (¬2) بُغايةً أي طَلَبا. إنما يَبْغى الصِّحَاب أي إنما يكون باغيِهَم. لو كان مِدْحَةُ حَيٍّ أَنْشَرَت أَحَدًا ... أَحيا أُبُوَّتَكِ الشُّمَّ الأمادِيِحُ (¬3) أبو وكيع: * أَحْيَا أباكُنّ يا لَيْلَى الأَمادِيحُ * ¬

_ (¬1) بقي تفسير المقاريح، وهو جمع قارح، قال ابن جنى: هذا من شاذ الجمع، أي جمع فاعل على مفاعيل، وهو في القياس كأنه جمع مقراح كمذكار ومذاكير ومئناث ومئانيث. والقارح من الخيل: الذي انتهت أسنانه، وإنما تنتهى أسنانه وهو ابن خمس سنين. (¬2) يخاطب المرئي فيقول: إنك جاوزت هذه الطريق المخوفة ابتغاء للكسب، وفي مثل هذا الموضع المخوف الذي قطعته تجد الشم الأناجيح يبتغون الأصحاب الذي يرافقونهم ليأمنوا بمرافقتهم. والأناجيح قال محمد بن حبيب: إنه جمع نجيح، وقال غيره: إنه جمع أنجح. (¬3) في رواية: "منشرا أحدا" والكاف في "أبوتك" تعود على ليلى ابنة المرثي، كما تدل على تلك الرواية الآتية بعد في الشرح.

وقال يَرْثيِ نُشَيْبة لَعَمْرُكَ إنِّى يومَ أَنْظر صاحِبِى ... على أن أَراهُ قافلًا لَشحيحُ (¬1) قال: يقول: أنا شَحيحٌ على أن يفارقَنى. ويقال: جَوْزَةٌ (¬2) شحيحةٌ منه. والقافِل: الراجِعُ من السفَر. وإنّ دُموعي إثْرَه لكثِيرةٌ ... لَوَ أنَّ الدُّموعَ والبُكاءَ يُريحُ (¬3) قوله: إثرَه، أي بعدَه؛ ويقال: جئتُ على أثَر فلانٍ وعلى إثْرِه، ولا يقال: جئتُ على أُثْرِه. ويقال: سيف ذو أَثْرٍ، يريد فرنْده، وهو شيء تراه كالوَشْى أو كَمَدَبِّ الذَّرّ. فوالله لا أُرْزا ابن عَمٍّ كأنّه ... "نُشَيْبَةُ" ما دام الحمَامُ ينَوحُ (¬4) يريد: يُصَوِّتُ ويَهْدِر. وإن غلامًا نِيلَ في عَهدِ كاهِلٍ ... لَطِرْفٌ كنَصْلِ المشرَفيِّ صَريحُ (¬5) ¬

_ (¬1) في رواية "يوم فارقت". وأنظر، أي انتظر. (¬2) كذا ورد هذا اللفظ في الأصل، ولم نجد هذه العبارة التى ذكرها فيما بين أيدينا من كتب اللغة، كما أننا لم نجد من ذكرها من شراح هذا الديوان، ولم نتبين معناها، ولعل فيها تصحيفا. (¬3) في رواية: "والزفير" مكان قوله: "والبكاء". (¬4) في رواية "لا ألقى" من قوله: "لا أرزا". (¬5) في رواية "السمهرى" من قوله: "المشرفى". والسمهرى: الرمح. وفي رواية "قريح" مكان قوله: "صريح" وكلاهما بمعنى الخالص. ونيل أي قتل. يقول: إن نشيبة هذا قد قتل وله عهد وذمة من كاهل -وهو هذا الحي من هذيل- ثم وصفه بأنه كريم ماضى مضاء السيف، صريح لم يشب أخلاقه ما يشين الرجال.

"وإنّ غلاما نِيلَ فى عَهْدِ كاهِلٍ" أي أُصيبَ في عَهدِ كاهل، أي فى ذِمّةِ "كاهِل". "وكاهِلٌ": حيٌّ أو رجل مِنْ هُذيل. والطِّرْف: الكريم من الرجال. والصَّريح: الخالص. والمَشرفيّة: سُيوفٌ يُجاء بها بن المَشارف: قُرى للعَرَبَ تُقارب الرِّيَف، أي تَدْنو من الرِّيف. سأبْعَثُ نَوْحًا بالرَّجيعِ حَواسِرًا ... وهل أنا ممّا مَسَّهُنّ ضَرِيحُ قال: يقول: أُصيبُ منهم رجالا فأَبعث عليهم النَّوْحَ. والنَّوْحُ: النّسَاء يريد: نوائحَ. وضَريح: بعيد. والرَّجيع: مكان (¬1). وعاديَةٍ تُلْقِي الثيابَ كأنّما ... تُزَعْزِعُهَا تحت السَّمامَةِ رِيحُ عادِيةٍ: حامِلةٍ؛ يريد قوما يَعْدُون ويَحْمِلون. تُلْقِى الثِّياب أي تَطيرُ ثيابُهمْ مِنْ سُرعتِهم. قال: والسَّمامة شُخُوص العادِين. والسَّمامة يقال والسَّماوة سواء. وزَعْتَهُمُ حتّى إذا ما تَبَدَّدُوا ... سِراعًا ولاحَت أَوجُهٌ وكُشوحُ ويُرْوَى: "ولَاحَتْ أَذْرُعٌ وكُشُوح"، أي (¬2) ضَمُرتْ. وزَعْتهُم: كفَفْتَهم؛ والوَزَعَةُ: الّذين يَكُفّون الناس. وفي بعض الحديث قال الحَسَن: "لابُدّ للقاضي مِن وزَعَة". ¬

_ (¬1) هو ماء لهذيل بين مكة والطائف، وهو الموضع الذي غدرت فيه عضل والقارة بالسبعة الذين بعثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم. (¬2) قال في اللسان (مادة لوح) في تفسير هذا البيت: إنما يريد أنهم رموا (بالبناء للمجهول) فسقطت ترستهم فتفرقوا فأعوروا لذلك (أي بدت عوراتهم) وظهرت مقاتلهم. هذا وجه في تفسير قوله "ولاحت أوجه" وهو أظهر في رأينا من التفسير الآخر المذكور فى الشرح.

بَدَرْتَ إلى أولاهُمُ فَسَبقتَهُمْ * وشايَحْتَ قَبْلَ اليوم إنّكَ شِيحُ (¬1) يقول: سَبَقتَ الأَصحابَ إلي أُولَى العَدُوّ. وشايَحْتَ: حَمَلْتَ؛ والمُشايَحَة في كلام هُذَيل: الجِدُّ والحَمْل، وفي كلام النّاس: المحاذَرة والشَّفَق. فإِن تُمسِ في رَمسٍ (بَرهَوةَ) (¬2) ثاوِيًا ... أنِيسُكَ أَضداءُ القُبورِ تَصيحُ رهْوَة: أرضٌ. يقول: ليس لك أنيسٌ بها إلا الهامُ (¬3) الّتي في القبور. والصَّدَى: طائرٌ، والجميعُ الأَصْداء. على الكُرهِ مِنِّي ما أُكَفكِف عَبْرَةً ... ولكن أُخَلِّى سَرْبَها فتَسِيحُ (¬4) أي ما أَرُدُّ عَبْرةً. فما لَك جِيرانٌ ومَا لَكَ ناصرٌ ... ولا لَطَفٌ يِبْكِي عليكَ نَصيحُ لطفٌ يَبْكِى عليكَ، كقولك: لي فيهم وُدٌّ (¬5). نَصِيح: ذَوِ نُصْح. ولو مارَسُوُه ساعَةً إِنّ قِرنَه ... إذا خامَ أخْدانُ الرِّجالِ يَطيحُ ¬

_ (¬1) في رواية "إلى أخراهم فوزعتهم". وفي رواية: رددت إلى أولاهم فشفيتهم ... وشايحت قبل الموت إنك شيح (¬2) قال في اللسان: رهوة، عقبة بمكان معررف وفي معجم البلدان أنها طريق بالطائف. وقيل فيها غير ذلك. (¬3) الهمام جمع هامة؛ وكانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لم يدرك بثأره تصير هامة فتصيح على قبره تقول: "اسقوني اسقونى"، فإذا أدرك بثأره طارت. (¬4) السراب في هذا البيت: الطريق. (¬5) يشير إلى أن هذا وصف بالمصدر، أي ذو لطف وذو ودّ.

الممارسة: المُعالجَة، أي لو مارَسُوه لضَعُفوا (¬1)، يقول: يَقْتُلُه، فإذا ضَعُفَ (¬2) هذا قَتَل هذا قِرْنه. وخامَ: ضَعُفَ ورَجَع. وأَخْدان: جمع، واحده [خِدْن] (¬3). ويروى: * إذا خامَ أَخْدانُ الإماء يَطيحُ * وِسِرْبٍ يُطَلَّى بالعَبِير كأنه ... دِماءُ ظِباءٍ بالنُّحورِ ذَبيحُ (¬4) السِّرْب: القَطِيع من النساء والظَّباء والقَطا والحُبُارَيات. والعَبِير: أخلاطٌ من الطِّيبِ تُجْمَعُ بالزعفران. بذَلْتَ لهنّ القَوْل إنّك واجدٌ ... لِما شِئْتَ مِنْ حُلْوِ الكَلامِ مَلِيحُ بذلتَ لهنّ القَوْلَ، أي اعطيتَهنّ من الكلام، و "ما" أُعِربَتْ (¬5). ومَلِيح: من صفةِ الرَّجُل، ولو كان من صفَةِ الكلامِ كان مَلِيحهُ. ¬

_ (¬1) يشير بقوله: "لضعفوا" إلى أن جواب "لو" محذوف للعلم به. وقال أبو نصر: إن جواب "لو" في قوله "إن قرنه" الخ. (¬2) كان الأولى أن يقول: "هؤلاء" مكان قوله: "هذا"، أي أخذان الرجال أو أخدان الإماء على كلتا الروايتين. (¬3) هذه الكلمة التي بين مربعين لم ترد في الأصل؛ وفى الأصل أيضًا "واحد" بسقوط الهاء. (¬4) أورد في اللسان مادة "ذبح" بيتا لأبي ذؤب في وصف الخمر، وهو: إذا فضت خواتمها وبجت ... يقال لها دم الودج الذبيح وقال: أراد المذبوح عنه، أي المشقوق من أجله؛ ثم أورد البيت الذي نحن بصدده؛ وقال: وفيه شيئان: أحدهما وصف الدم بأنه ذبيح، وإنما الذبيح صاحب الدم لا الدم، والآخر أنه وصف الجماعة بالواحد، فأما وصفه الدم بالذبيح فإنه على حذف المضاف، أي كأنه دماء ظباء بالنحور ذبيح ظباؤه، ثم حذف المضاف وهو الظباء فارتفع الضمير الذي كان مجرورا لوقوعه موقع المرفوع المحذوف لما استتر في ذبيح، وأما وصفه الدماء وهي جماعة بالواحد فلأن فعيلا يوصف به المذكر والمؤنث والواحد وما فوقه على صورة واحدة، قال رؤبة: "دعها فما النحويّ من صديقها" الخ. (¬5) يريد "ما" في قوله: "لما شئت" وأعربت، أي أن لها محلا من الإعراب، لأنها في موضع جر باللام وإن كانت مبنية.

فأَمْكَنَّه مما يريد وَبعْضُهُمْ ... شَقِيٌّ لَدى خَيراتِهِنّ نَطِيحُ (¬1) نَطِيح، أي كأنّ به نَطْحةً لا يُصيبُ خيرًا؛ وهذا مَثَلٌ. والْنَّطِيح: الكاسِفَ البال (¬2). ونازَعهُنَّ القَوْلَ حتّى ارْعَوَت له ... قُلوبٌ تَفادَىَ مَرّةً وتُرِيحُ (¬3) ارْعَوَتْ: انْكفّتْ (¬4). تَفادى: يَتَّقِي (¬5) بعضُها ببعض. تُرِيح: تُفِيق. وُيُرْوَى: تَزِيحُ (¬6). وأَغبَرَ ما يَجْتاُزُهُ مُتَوَضِّح الرِّ ... جالِ كفَرقِ العامِرِيِّ يَلُوحُ أَغْبَر: طريق أَغْبَر، فهو أَخْفَى له. مُتَوَضِّحُ الرِّجال: الّذي يَظْهَر ولا يُكْتَم؛ ويقال: (صَحْوُة العِدَا) (¬7) لا يَجوزُه إلاَّ مُسْتَخْفٍ، لأنّه مَخُوفٌ، وإنما يَجوزُه مَنْ دَخَلَ الخَمَرَ (¬8). وقوُله: كفَرْقِ العامِرِيّ، قالَ (¬9): كان مِن بني عامرِ بنِ لؤيٍّ قوم لهم سَرْوٌ وجاهٌ، فأراد ¬

_ (¬1) في رواية "فصيّ". مكان قوله: "شقي". (¬2) فسر النطيح أيضا في اللسان بأنه المشئوم؛ واستشهد بهذا البيت؛ وورد في الأصل قوله "البال" بياء بعد الأم، وهو تحريف. (¬3) في رواية "حتى انثنت له" وهو بمعنى ارعوت. يقول: إنه تحادث مع هؤلاء النسوة فأعجبن من حسن حديثه وحلاوته، وسكنت إليه قلوبهن، ثم وصف قلوب هؤلاء النسوة بأنها ليست على حال واحدة، فتارة تتفادى، وتارة تسكن إليه وتستريح. (¬4) في الأصل: "انكشفت"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا كما تقتضيه اللغة. وعبارة السكري: ارعوت، رجعت وسكنت. (¬5) في الأصل: "يبقى" وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا كما يقتضيه السياق. (¬6) في الأصل: "يريح" بالياء المثناة التحتية والراء المهملة؛ وهو تصحيف. ونقل السكري عن أبي عمرو فى تفسير قوله "تزيح" بالزاي المعجمة أنها تتباعد. (¬7) كذا وردت هذه العبارة في الأصل؛ وهي غير واضحة المعنى. والذي في شرح السكرى: والعرب تقول: وضح بنعم، أي جعلها ظاهرة لعدوه ليراها فيغير عيها فيخرج هو كمينا عليه من خلفه النعم. (¬8) الخمر، هو ما واراك من شجر أو جبل أو نحو ذلك. (¬9) قال، أي الأصمعيّ.

ذِكرهم، منهم سُهَيْلُ بنُ عَمْرو. ورَجُلٌ مِنْ بَنِي عامرِ بنِ لُؤَيّ (¬1). وأَغْبَر: يَعْنيِ بَلدا أو طَرِيقًا. بِه مِنْ نِعالِ القافِلِيَن شَراذِمٌ ... مُقابَلَةٌ أَقدامُها وسَريحُ (¬2) يقال: قابِلْ نعْلَكَ، أي اجْعَل لها زِمامَيْن. والمُقَابَلَةُ: التي لها قِبالانِ. وقولهُ: مُقَابَلةٌ أقَدامُها (¬3)، يريد مَوضِعَ القدَمِ من النعل، وهذا مِثلُ قوْلِه: اقطع ساقَ الخُفِّ، وساقُه. التى تَليِ الساقَ، وقَدَمُه: ممّا يلي الأرضَ. والسَّرِيح: التّى يُخْصَف بها، شِقَقٌ مِنْ قِدٍّ. بهُ رُجُماتٌ بَينَهنّ مَخَارِمٌ ... نُهُوجٌ كَلَبَّاتِ الهِجانِ تَفِيحُ الرُّجْمة: الحجارة التى يوضَع بعضُها علي بعض، والجَمْعُ الرِّجام، وواحد المخَارِم مَخْرِم، وهو منقَطَعٌ غليظ. ونُهُوج: بينة، واحدُها نَهْج. يقول: شَرَكُ (¬4) الطَّرِيقِ كأَعناقِ الإبِل بيّنة: تَفِيح: تضيء (¬5). والأَفيح: الواسع. قال: والهجانُ الإبِلُ البِيضُ الكرامُ. ويُرْوَى "كلَبأَت الهَجائِنِ فيحُ"، وهو الأَجوَد. ¬

_ (¬1) نقل الشارح هذا الكلام عن أبي نصر، ونصه كما في شرح السكري: يقول هذا الطريق واضح كفرق العامريّ، وكان رافق رجلا من بني عامر. (¬2) شراذم، أي قطع. والشرذمة من كل شيء القطعة منه. وفي رواية: "طرائق" مكان قوله: "شراذم". ومعنى طرائق هنا، طريقة فوق طريقة، كما قال السكري. والغافلون: الراجعون إلى أهليهم. (¬3) في الأصل: "أقدامهم" والسياق يقتضي ما أثبتنا. (¬4) شرك الطريق بالتحريك: جوادّه. (¬5) لم نجد فيما لدينا من كتب اللغة قوله: "تفيح" بهذا المعنى الذي ذكر هنا. والذي وجدناه فاح يفيح ويفاح بمعنى اتسع.

أَجَزْتَ إذا كان السَّرابُ كأنّه ... علي مُخزَئلّاتِ الإكاِم نَضِيحُ (¬1) أَجَزْتَ وجُزْتَ واحد: والمُحْزَئِلّ: المُجْتَمِعُ بعضُه إلي بعض. والنِّضيح: الحَوْض. * * * وقال أيضًا أَعَاذِلُ إنّ الرُّزْءَ مثلُ "ابنِ مالِكٍ ... زُهيرٍ" وأَمْثالُ "ابنِ نَضْلَةَ" واقِدِ (¬2) الرُّزْء: المصيبة، يقال: رُزْءٌ ورَزِيّةٌ ورَزَايا. ومِثْلُ "السَّدُوِسِيَّيْنِ" سادَا وذَبْذَبَا ... رجالَ "الحِجازِ" مِن مَسُودٍ وسائِدِ (¬3) يقول: ذَبْذَبَاهُم حَتى تَقَطَّعوا دُونَهما. وأنشدَنا أبو سعيد للنّابغة الذُّبْيانيّ: ألم ترَ أن الله أَعطاكَ سُورَةً (¬4) ... تَرَى كلَّ مَلْكٍ دُونَها يتذَبْذَبُ يقول: هُمْ دونَكَ، يَعْنِي المُلوكَ. ¬

_ (¬1) يريد أن المرثى كان يجوز هذا الطريق الذي ذكره، ويسير فيه إذا اشتد الحرّ وصار السراب علي الإكام الشاخصة المجتمعة كأنه حوض مليء ماء. (¬2) في رواية: "في مثل مالك" يقول: إن الرزء هو فقد مثل هؤلاء، وليس الرزء في المال؛ لأن المال يكسب ويوجد، وهؤلاء لا يوجد مثلهم قاله السكري. (¬3) نقل السكرى عن الأصمعي أن سدوسا إن أريد به اسم الرجل فهو بضم السين، وان أريد به الطيلسان فهو بفتحها، وكذلك نقله الجوهري عنه. وقال ابن حمزة: هذا من أغلاط الأصمعى المشهورة؛ وزعم أن الأصل بالعكس مما قال. وقال محمد بن حبيب: في تميم سدوس ابن مالك بن حنظلة، وفي ربيعة سدوس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب، فكل سدوس في العرب فهو مفتوح السين إلا سدوس بن أصمع بن أبي عبيد بن ربيعة بن نضر بن سعد بن نبهان في طيء فإنه بضمها. (¬4) السورة: المنزلة الرفيعة، وجمعها سور بضم السين وسكون الواو، وزان صوفة وصوف.

أَقَبَّا الكُشُوحَ أَبْيَضانِ كلاهُمَا ... كعاليِةِ الخَطِّيِّ وارِي الأَزانِدِ (¬1) قال: يقال: رَجُلٌ وارِى الزِّناد، إذا كان ممّن يُطْلبَ منه الخيرُ فيُصابُ عنده. ومَثَلٌ من الأَمْثال يقال: "في كلِّ شَجَرٍ نار، واستَمْجَدَ (¬2) المَرْخُ والعَفار" يقول: أَخَذَا منها (¬3) ما يَكفيهما؛ ويقال: قد أَمْجَدَ دابّتَه عَلَفا، أي قد أَخذ ما يكفيه؛ وأنشدنا: * ... فصادَفَ مَرْخٌ عَفارَا * وفي مَثَل أيضًا: "ارْخِ يَدَيْكَ واستَرْخ، إن الزِّنادّ مِنْ مَرْخ" يقول: مَن طَلَبَ الأَمْرَ من وَجْهٍ (¬4) تَعَسَّر، فإنّ مطلبه سَهْلٌ عندك " ويقال: أَوْرَيْتُ بكَ زِنادِي، أي كنتَ لي قوة. أعاذِلُ أَبْقي لِلَملَامةِ حَظَّهَا ... إذا رَاحَ عَنِّي بالجلَيَّةِ عائِدِي ¬

_ (¬1) أقبا الكشوح، أي ضامرا الخصرين. (¬2) قال الميداني: يضرب هذا المثل في تفضيل بعض الشيء على بعض. قال أبو زياد: ليس في الشجر كله أورى زنادا من المرخ. قال: وربما كان المرخ مجتمعا ملتفا وهبت الريح فحك بعضه بعضا، فأورى فاحترق الوادي كله. وهما زندان: الزند الأعلى وهو الذكر، ويكون من شجر العفار؛ والزندة السفلى وهي الأنثى، وتكون من المرخ. قال أبو حنيفة: والمرخ من الشجر العضاه، وهو ينفرش ويطول في السماء حتى يستظل فيه؛ وليس له ورق ولا شوك، وعبدانه سلبة، قضبان دقاق. والعفار شجر يشبه الغبيراء، وهو خوّار، ولذلك صلح للاقتداح به. (¬3) منها، أي من النار. وفي الأصل: "أخذ منه ما يكفيه"، وعبارة الميداني في تفسير قوله في المثل: "واستمجد"، أي استكثرا وأخذا من النار ما هو حسبهما". (¬4) في الأصل: "وجهه" والصواب ما أثبتنا كما يقتضيه السياق.

قال: يقول: لَوْمي لَوْما إذا أرَدْتِ أن تُراجعي كانَ لمَلامَتِكِ حَظٌّ ولَمْ يَكُنْ لملَامَتِكِ انقطاع. فَقَالوا تَرَكْنَاه تَزَلْزَلُ نَفْسُهُ ... إذا أَسْنَدُونِى أَو كذا غير سانِدِ يقول: "إذا أسْنَدُوني علي الأَسنْاد، أو غير سانِدٍ (¬1) على حالي الآن". وقامَ بَناتِي بالنِّعالِ حَواسِرًا ... وأَلْصَقْنَ ضَربَ (¬2) السِّبْتِ تَحْتَ القَلائدِ يقول: فمْنَ يَضِربْن صُدورَهنّ بالنِّعال. والسِّبْت: النِّعال المَدْبوغةُ بالقَرظ. وأَلْصَقن: أَلزْقن. يَوَدُّونَ (¬3) لو يَفْدُونني بنُفوِسهِمْ ... ومَثْنَى الأَواقي والقِيانِ النَّواهِدِ مَثْنَى الأَواقِي، أي أَواقٍ بعد (¬4) أَواقٍ، والأوقيّةُ أربعون درهما. والقِيانُ: الإماء، والواحدةُ قَيْنة، وكلُّ أَمَةٍ قَينة. وقد أَرْسَلُوا فُرَّاطَهُمْ فتأَثَّلوا ... قَلِيبًا سَفاهَا كالإماءِ القَواعِدِ فُرَّاطُهُمْ، قال: الفارِط المتقدِّم. وقال: سَفاهَا، أي تُرابُها. شَبَّهَ ما خرَج مِنْ ترابِها بالإِماءِ القواعِد. قال: والتَّأثُّلُ الاتِّخاذ. وأَنْشَدَنا لامرئ القَيْس بنِ حُجْر: فلو أَنّ ما أَسْعَى لأَدْنى مَعيشَةٍ ... كَفَانِي -ولم أَطلُبْ - قَليلٌ مِنَ المَالِ ولكنَّما أَسْعَىَ لَمْجدٍ مُؤَثَّلٍ ... وقد يُدْرِكُ [المَجْدَ] المؤثَّلَ أَمْثالي ¬

_ (¬1) قال السكرى ما نصه: "أو كذا غير ساند: كما أنا جالس الآن". (¬2) في رواية: "وقع". وفي رواية: "نعل". (¬3) يودّون، أراد الرجال والنساء. (¬4) يريد الأواقي من الذهب كما قال السكري.

مُطأطأةً (¬1) لم يُنْبِطُوها وإنّها ... لَيْرضَى بها فُتراطُها أُمَّ واحِدِ فُرّاطُها: الّذين يتقدّمون في عملها. لَيَرْضوْنَ أَنْ تَضُمَّ واحد وإنّ فيها مَضَمًا لأكثَر مِن واحد (¬2). قَضَوْا مَا قَضَوْا منْ رَمِّها (¬3) ثم أَقَبلوا ... إليَّ بِطاءَ المَشْىِ غُبَر السَّواعِدِ قوله: بِطاءَ المشْى, أى مكتئبين حزانًا. يقولون لمّا جُشَّتْ البئرُ أَورِدُوا ... وليس بها أَدْنَى ذُفافٍ لِوارِدِ قوله: جُشَّتْ: كُسِحَتْ أخْرج ما فيها. والذَّفافُ: الماُء القليلُ الخفيف. يقول: ليس بها ماءُ. فكنتُ ذَنوبَ البئْر لمّا تَبَسَّلَتْ ... وسُرْبلْتُ أكفانىِ ووسِّدْتُ ساعِدِى فكنتُ ذنُوبَ البئر, أي كنتُ دَلْوَها الّذى أُدلي (¬4) فيها. وتَبَسَّلتْ: كَرُهَتْ منظَرتهُا: [وفَظُعتْ (¬5) مَرْآتهُا]. والبَسْلُ: الأَمْرُ الكَرِيه. والمرْآةُ: المَنْظَرة مْفُتوحة؛ والمرْآةُ مكسورة: الّتى يُنْظَر فيها. أَعاذِلَ لا إهْلاكُ ماِلىَ ضَرَّنى ... ولا وارثى -إنْ ثُمِّرَ المالُ - حامِدِى ¬

_ (¬1) مطأطأة لم ينبطوها، أي منخفضة لم يستخرجوا ماءها. (¬2) قال الباهلي: فها مضم لأكثر من واحد لئلا ينتن. (¬3) رمّها: إصلاحها. (¬4) عبارة السكرى: "التي دلت"؛ وهي أجود , لأن التأنيث فى الدلو أعلى وأكثر من تذكيرها. (¬5) هذه العبارة التى بين مربعين لم ترد فى الأصل, وقد أثبتناها عن شرح السكرى لأن تفسير الشارح بعد المرآة بفتح الميم يقتضى إثباتها.

وقال أيضا تاللهِ يَبْقَى على الأيّام مُبْتَقِلٌ (¬1) ... جَونُ السَّراة رباعٌ سِنهُّ غَرِدُ يقول: لا يَبقَى. ومُبتْقَل: يأكُلُ الَبقْلَ. رَباعٌ (¬2) فى سِنِّه. غرَد فى صَوتِه أي يُطَرِّبُ. في عانةٍ بجُنُوب السِّيِّ مشربها ... غَورٌ ومَصْدَرُها عن مائِها نُجُدُ (¬3) مَشْرَبها غَوْر , يقول: تَشْرَبُ فى غوْر وتَصْدرُ في نَجْد. قال أبو سعيد: ما ارتفع من الأرض عن تهامة فهو نجد. يقول: فترعَى بنجد وتَشْربُ بِتهامة. يُقِضى لبانَتَه باللَّيل ثم إذا ... أضْحَى تمَيَّم حزمًا حوله جَرَدُ اللُّبانُة: الحاجة. تَمَيَّم: قصد. والحزم: ما ارتفع من الأرض وغَلُظ , ومثلُه الحَزْن, يأتيه فيشْرف عليه. حَوْلهَ جرد: لا نبات فيه. فامتَدَّ فيه كما أرْسَى الطِّراف بدو ... داة (¬4) القرارةِ سَقْبُ الَبيْتِ والوَتِدُ الطِّرافُ: بَيْتُ الأدم. والسَّقْب: الطَّويلُ من أعمْدة البيت. وأرساه: أثْبَتَه في الأرض. وقولهُ:"بدَوْداة القرارةِ": مَوْضعٌ من الأرض ينصبُّ فى موضع ¬

_

مَسِيل. والدَّوْداُة: مَوْضِع مرتفِع يَضَعُ الصِّبْيانُ عليه خشَبةً يترجحون عليها. يقول: هو مُشرفٌ على هذا الموضع الذي هو دوْداة. مُسْتَقبِلَ الرِّيح تجَرْى فَوْقَ مِنْسَجِهِ ... إذا يُراحُ (¬1) اقْشَعَرَّ الكشْحُ والعَضُدُ يُراحُ: تُصيبُه ريح. والخصْرُ يُسَمَّى الكَشْح. يَرْمىِ الغيوب بعَينيه ومَطرِفُهُ ... مُغْضٍ كما كَسَفَ المُسْتأخذ (¬2) الرَّمِدُ قال: يقول: يَرْمى ما غابَ عنه بطرْفه حِذرا. والمُسْتأْخذ: الشديد الرَّمَد. ويقال: رَمَدٌ مُسْتأخِذ, وقد استأخَذَ الرَّمد إذا هو اشتدّ. والغُيوب: ما غاب عند. وتقول: قد أَغْضَى إذا غَمَّضَ عَيْنَيه. فاختَار بعد تَمام الظِّمء ناجيةً ... مثْلَ الِهراوةِ ثنيًا بْكرُها أبِدُ ويُرْوَى: "فافَتنّ" أي استاقَ (¬3). بعد تمَامِ الظِّمء. يقول لم يجِدْ بعَدها (¬4) مَحْبَسا. والثِّنْيُ: التي قد وَلَدتْ بَطْنَيْن , فقد تأَبَّد ولَدُها , أي توحش. ¬

_

إذا أرَنَّ عليها طارِدًا نَزَقَت ... فالفَوت إنْ فات هادِى (¬1) الصَّدْرِ والكَتَدُ ويرْوَى: "قاربا" (¬2) وهو الأَجْوَد. ونَزَقَتْ: فَرَّت منه. والكَتَد: مَغْرِز العنقِ في الكاهل. يقول: هي إنْ فاتتْه لم تَفُتْه إلّا بصَدرِها ومَنْكِبِها. ولا شَبوبٌ من الثِّيرانِ أفْرَدَه ... عن كورِهِ كثرَة الإغْراءَ والطَّرَدُ قال: يقال للمُسِنِّ من الثِّيران: شَبوُبٌ وِمشَبٌّ وشَببٌ. والكوْرُ: القَطيع. يقال: على آلِ فلانٍ كَوْرٌ عظيم، أي قَطيعٌ من الإبل والبقر والظِّباء، وعليهم أكُوارٌ مِن الإبلِ. مِن وَحْشِ حَوْضَى (¬3) يرُاعىِ الصَّيْدَ مُبتَقِلًا ... كأنه كَوْكَبٌ في الجَوِّ مُنْجَرِدُ المُرَاعاةَ: النَّظَر، يقال: ظَلَّ يُراعِي الشَّمْسَ , ويُراعي الصَّيْدَ, ويرُاعى الوحْش, ويُراعى الإنسَ. قال: ويُقالُ للمؤذِّنين رُعاة الشَّمْس. والمنُجرد (¬4): المُعتْزَل. يقول: هو منْزَوٍ. ¬

_ (¬1) في الأصل: "إن فاتها ذو الصدر"؛ وهو تحريف, والتصويب عن النسخة المخطوطة لديوان أبى ذؤيب. (¬2) القارب: طالب الماء. (¬3) حوضى: ماء لبنى طهمان بن عمرو بن سلمة , وفى رواية:"الوحش , مكان"الصيد". (¬4) نقل السكرى عن بعض اللغويين تفسير المنجرد هنا بمعنى المنقضّ, والذي بمعنى المعتزل إنما هو "المنحرد" بالحاء المهملة وهى رواية السكرىّ.

في ربرَبٍ يَلَقٍ حُورٍ مَدامِعُها ... كأنّهنّ بَجْنَبىْ "حَرْبَةَ" البَرَدُ (¬1) الرَّبْرَب: القَطِيع من البَقَر. واليَلَق: الأبيض. حُورٍ مَدامِعُها: يريد بِيض؛ وأَنْشَد: * يحُتُّ رَوْقاها على تَحْوِيرِها * والتّحويرُ: البياض؛ ويقال لنِسْوَة الأمْصَار: حَوارِيّات (¬2) لبَياضِهِنّ أَمْسَى وأَمْسَيْنَ لا يَخْشَين بائِجةً ... إلاّ الضَّوارِىَ في أَعْنَاقِهَا القِدَدُ البائجة: البائقة؛ ويقال: اِنباجَتْ عليهم بائجة، وانباقَتْ عليهم بائقة، سواء. ويقال لذَكَر الكَلْب المُعَلَّمِ: ضِرْوٌ، والأنثى: ضِرْوَة، وجمعُه: ضِراءٌ -ممدودٌ- والبائقة: الداهية. وكُنَّ بالَّروْض لا يُرغَمْنَ (¬3) واحِدَةً ... منْ عَيشْهِنَّ ولا يَدْرينَ كَيفَ غَدُ لا يُرغَمْنَ واحدةً، يقول: لا يُصيبُهنَّ رغَمٌ في عَيْشهنَّ ولا مَساءةَ. ¬

_ (¬1) في رواية "بلق" بالباء الموحدة مكان قوله: "يلق" بالمثناة؛ وفي رواية "حو مدامعه" كما فى شرح السكرى. وحربة: رملة كثيرة البقر، كأنها في بلاد هذيل؛ وفي الأصل: "جربة" بالجيم؛ وهو تصحيف. (¬2) في الأصل: "حوريات"؛ وهو تحريف، والتصويب عن اللسان مادة (حور). (¬3) ضبط في اللسان مادة رغم يرغمن بفتح الياء، أي لا يكرهن بفتح الياء أيضا.

حتّى استبانَتْ مع الإِصباحِ رامِيَها ... كأنّه في حَواشي ثَوْبِه صُرَدُ طائر معروف. يقول: كأنّه في ثيابه صُرَدٌ مِنْ خفّتِه. فسِعَتْ نَبْأةً (¬1) منه وآسَدَها ... كأنهنّ لدَى أَنْسائِهِ البُرَدُ آسَدَها: أغْراها به، كأنّ الكِلابَ حين امتدَدْنَ بين يديه البرد، وهي بُرودٌ مِنْ صُوف، واحدتُها بُرْدَة. حتى إذا أَدرَكَ الرامي وقد عَرِسَتْ ... عنه الكلابُ فأعطاها الذي يَعِدُ عَرسَتْ: كلَّتْ وأعْيَتْ؛ وقيل: دَهِشَتْ. أَدْرَكَ الرامى الثَّوْرَ. وقد عَرِسَت الكلابُ، أي بَطِرَتْ، ويقال للرّجل إذا بَطرَ مِنْ أمرٍ شديد: قد عَرِس عنه. أَعْطَاها الثورُ ما وَعَدَها من الطَّعْن. غادَرَها وهى تَكبُو تحت كَلْكَلِه ... وَيكسُو النُّحورَ بوَرْدٍ خَلْفَهُ الزَّبدُ الوَرْدُ هنا: الدَّم. وقوله: خَلْفَه الزَّبَد. يقول: إذا ما انقطع الدَّمُ نَفَحَ الجُرْحُ بالزَّبد فجاشَ. حتى إذا أَمْكنَتْه كان حِينئذٍ (¬2) ... حُرًّا صَبورًا فنِعْمَ الصّابِرُ النَّجِدُ ¬

_ (¬1) النباة: الصوت الخفيّ. (¬2) في رواية: "كرّ منفتلا" مكان قوله: "كان حينئذ" والنجد بكسر الجيم وضمها: الشجاع ذو النجدة.

وقال أيضا أمِنْ أُمِّ سُفيَانَ طَيْفٌ سَرَى ... هُدُوًّا فأَرَّقَ قَلْبًا قَرِيحَا (¬1) قال أبو سعيد: لا يكون الهُدُوُّ إلا ليلا؛ والسُّرَى لا يكون إلاّ ليلا. طَيْفٌ: خَيالٌ، يَعْنِي خَيالَ أمِّ سُفْيانَ. عَصانى الفؤادُ فأَسْلَمتُهُ ... ولَمْ أَكُ ممّا عَناهُ ضَرِيحَا أَسْلَمتْهُ، يقول: خَلَّيْتُه. يقول: وَلم أَكُ ممّا يعْنِيه بعيدا. ويقال: اِضْرَحْه منكَ، أي أَبْعده. ضَريحا: بعيدا. وقد كُنتُ أَغْبِطُه أنْ يَريـ ... ـعَ مِنْ نَحوِهنَّ سَليمًا صحيحا كُتُ أَغْبِطُه أنْ يَريع: يَرجع. "مِنْ عَندِهن" و"مِن نَحوِهنّ". كما تَغْبِطُ الدَّنِفَ المُسْتَبلَّ ... بالبُرْء تُنْبؤُهُ مُسْتَرِيحا المُستَبِلّ: الّذى قد أفارق وبَرَأَ من مَرَضِه؛ يقال: قد استَبَلَّ وأَبلَّ وبَلَّ. والدَّنفُ: الّذى قد قَاربَ الهَلاكَ. قال الزِّيادىّ: وغيرُ الأَصْمَعىِّ ينْشدُه: كما يُغْبَط. رأيتُ وأَهْلي "بوادِى الَّرجِيـ ... ـعِ" في أَرْضِ "قَيْلَةَ" بَرقًا مُلِيحا (¬2) ¬

_ (¬1) في رواية "إليّ فهيّج" مكان قوله: "هدوّا فأرّق". (¬2) الرجيع: ماء لهذيل. وقبلة: حصن من نواحي صنعاء.

يقال: أَلاح ولاحَ، وما لاحَ لك. والمُلِيح: الذي يَلْمْعَ. ويقال: أَلاحَ بثَوْبِه وبسَيفِه. ويقال: أَلاحَ ولاحَ؛ فلاحَ: ظَهَر، وأَلاحَ: لمَعَ. وأَنشدَنا أبو عَمرو بن العَلاء: وقد أَلاحَ سُهَيلٌ بعد ما هَجَعُوا ... كأنّه ضَرَمٌ بالكَفِّ مَقْبوسُ وقولُه: "في أَرْضِ قَيلَةَ"، أي مِنْ نحوِ أرضِ قَيلَةَ، ومِثْلُه: * أمِنكِ بَرقٌ أَبِيت للّيْل أَرقُبهُ * (¬1) يضئُ رَبابًا كدُهْمِ المخاَ ... ضَ جُلِّلْنَ فَوْقَ (¬2) الوَلايَا الوَليِحا ويُرْوَى: نَشاصًا (¬3). يقول: يُضيء هذا البرقُ. والرَّبابُ: السّحاب، والواحدة رَبابة. والوَلِيَّةُ: البَرْذَعة، والجميع الوَلايا. والوَلِيحة: العَدِيلة. والدُّهْمُ: السُّود. والسُّودُ من السَّحاب أَغْزَرُ؛ ومِثْلهُ "كلّ أسحَمَ (¬4) هطّالِ". والمخاضُ: الحَوامِلُ. كأنّ مَصاعِيبَ غُلْبَ الرِّقا ... بِ في دَارِ صِرْمٍ تَلاقَى مُرِيحا ويُرَوَى: "كأن مَصاعِيبَ زُبَّ (¬5) الرِّقا ... بِ في جمع صرْم ... ". والصِّرْم: الجماعة. يقول: تَلاقَى الصِّرْم مِنْ هاهنا وهاهنا تَهْدِرُ إبِلُهُم. ومُريحا: قد أراحوا ¬

_ (¬1) هذا صدر بيت لأبي ذؤيب، وقد سبق في القصيدة السادسة من هذا الديوان، وعجزه: * كأنه في عراض الشأم مصباح * (¬2) كذا في اللسان وتاج العروس (مادة ولح) وشرح السكرى. والذي في الأصل: "تحت الولايا"؛ وهو غير مستقيم. (¬3) النشاص: السحاب المرتفع. (¬4) البيت بتمامه: ديار لسلمى عافيات بذي خال ... ألحّ عليها كل أسحم هطّال وهو لأمريء القيس. (¬5) زبّ الرقاب، أي كثيرة الشعر، الواحد أزبّ، والأنثى زبّاء.

إبِلَهُم، أَراحَ هؤلاء وهؤلاء. والصِّرْم: الجَماعةُ من الناس، وجَمْعُه أصْرام ثم أَصاريمُ جمع الجمَعْ. تَغَذَّمْنَ في جانِبْيَه (¬1) الخبَيـ ... ـرَ لمّا وَهىَ خَرْجُه (¬2) واستُبِيحا التَّغَذُّم: المَضْغ. والخَبِير: الزَّبَد. وَهَى خَرْجُه، أي انشَقّ. واستُبِيح أي أُخْرِجَ ماؤُه، ضَرَبَه مَثَلا؛ يقول: استباحَتْه الأرضُ، أي أَخَذَتْ ماءَه. وَهَى خرجُه واستُجِيل (¬3) الرَّبا ... بُ عنه وغُرِّم ماءً صرِيحا خَرْجُه: ما خرَجَ منه. واستُجيلَ الجَهام (¬4)، أي كشفَتْه الريح. ويقال: اِستجالتْ الخيلُ [ما مرَّت (¬5) به] ,أي كَسَحتْ ما مَرَّت به. وَهَى خَرْجُه، أي ما خرَج من ماء السّحاب. يريد وَهَى الماءُ، أي سالَ. والجهَامُ: ما هَراقَ ماءه من السّحاب. ويُرْوَى "واستُجِيل الجَهامُ" و"الرَّبابُ". يقول: واستجالَتْه الرِّيح. وغُرِّمَ ماءً صَريحا: غُرِّمَ، كأنّه أُخِذَ منه. وصَريح: خالصُ مائه استُخْرِجَ. والصَّريح: الخالِصُ الصّافي. قال: وإنما وهى السّحابُ ليس الماءُ، ولكن كذا يقال. (¬6) ¬

_ (¬1) جانبيه، أي جانبى السحاب. (¬2) في رواية:"مزنه" مكان قوله:"خرجه"؛ وقد وردت في الأصل أيضا. (¬3) في الأصل: "واستحيل" بالحاء في جميع مواضعه؛ وهو تصحيف. (¬4) الجهام رواية أخرى في البيت. (¬5) التكملة عن السكرى. (¬6) قال السكرىّ في شرح هذا البيت ما نصّه: "استجيل الرباب، أي جاءته الريح فاستجالته، أي كشفته وقطعته فطردته؛ ويقال استجالت الخيل ما مرّت به، أي كشفت ما مرّت به. وغُرِّم السحاب ماء صريحا، أي ذهب جهامه وخرج خالص مائه؛ غُرِّم: أُخِذ منه؛ وغُرِّم: جاء بماء كثير. وجهامه: ما خف من السحاب وهراق ماء. وخَرْجه: ما خرج من الماء، يريد أنه تخرق بالماء عن ابن حبيب. الأخفش: كشفت الريح السحاب عن الماء الذي سال منه، فذهب وبقى ماؤه فإنه غُرِّمه.

ثَلاثا فلما استُجِيلَ الجَها ... مُ واستَجَمعَ الطِّفْلُ منه رُشوحا قال أبو سعيد: هذا مَثَل. يقول: استَجْمع السحابُ حتى لحَقَ الصِّغارُ الكِبارَ. يقول، لَحِقَ صِغارُ السحابِ بكبارِه، وكان أوَّلُ متفرّقا فاجتَمَع. قال: فهذا مَثَل؛ شبَّه متفرِّقَ السَّحابِ وصغارَه بالابِل الّتى معها أطفالهُا، وإذا تَبِعَ الطِّفلُ أُمَّه قيل: رشَح، وهو راشِحٌ. يقول: اجتمع بعضُه إلى بعض؛ ويقال: رَشحَ الحُوارُ والظِّبْيُ إذا تَحرّكَ وَمشَى مع أمّه. مَرَته النُّعامىَ فَلم يَعتَرِفْ ... خِلافَ النُّعامَىَ مِنَ الشاِم رِيحا يقول: فلمّا اجتَمَع وتَمَّ مَرَتْه النُّعامى، أي استَدَرَّتهْ واستَنزلت ماءهَ. والنُّعامىَ: الجنوب. قال: ولا يَصِفون المَطَرَ إلا بها، فَلم يَعَترِف ريحا غيرَها، أي لَم يُشمَل. قال: ومِثْلهُ قول الآخَر: حارَ وعَقَّتْ مُزنَه الرِّيحُ وانْـ ... ـقار (¬1) به العَرْضُ ولَم يُشْمَل ويقال: إن الشَّمال إذا جاءت بالحجاز قَرَّقَت الغَيْم، ويسمِّيها بعضُ العرب: مَحْوَة. قال: ومثلُه قول الآخر: * غداة تخالهُمْ مَحْوا حسا (¬2) * كذا. فَحطَّ من الحُزَنِ المُغْفِرا ... تِ والطَّيْرُ تَلثَقُ (¬3) حتى تَصيحا ¬

_ (¬1) انقار به العرض، أي تفوّر ووقعت ناحية منه. (¬2) لم نجد هذا الشطر فيما راجعناه من المظانّ؛ ولم نتبيّن المراد منه؛ وقد أشار الشارح إلى ذلك بقوله بعد: "كذا". (¬3) تلثق: تبتل.

الحُزَن: واحدُها حُزْنة، وهي إِكامٌ غِلاظ. والمُغْفِرات: التى معها أغْفارُها يريد: الأرْوَى، وهو جمعُ أرْوِيّة، والأرْوَى (¬1): الوعولُ التي تكون في الجبال وأَغفارُها: أولادها، والغُفر: وَلدُ الأُرْوِيّة, والمُغْفر: التى معها غُفْرُها. قال والأنثى أرْوِيّة، والذَّكَر وعِل. كأن الظِّباءَ كُشوحُ النّسا ... ءِ يَطْفُونَ فَوْقَ ذُراه جُنوحا الكَشْح: وِشاحٌ من ودَعٍ تَعْملُه النساءُ فتلْبسه, فَشبَّه بياض الظِّباء به. يَطفُونَ فَوقَ ذُرَى هذا السَّيْل، وقولهُ: جُنوحا, يريد: مُغْضِياتٍ، ومثْلهُ قولُ الشّماخ: إذا الظَّبْيُ أغْضَى في الكِناسِ كأنه ... من الحَرِّ حَرْجٌ تحتَ لَوْحٍ مُفَرَّجِ فإِما يَحِيَننّ أنْ تهجُرِى ... وتَستَبْدِلى خَلَفًا أو نَصِيحا خَلَفا أو نصيحا , يقول: تتخذى مُنْتَصحا دُونى. وإما يحيننّ أنْ تهْجُرى ... وتَنْأى نَواك وكانت طَرُوحا قال: يقول: فإن حانَ أن تَهْجُرِي فلعيك بصاحب (¬2) كذا كما وَصَف. وتَنْأَى: تَبعُد، وأَصْلُ النَّأْيِ النِّيَة، وهي الارتحال. وقولهُ، أي بعيدةً إذا فُعِلَتْ أَبعَدَتْ، ومنه: الربِيع المِطْرَح، أي البعيد الموقع؛ ومنه قولُ أبي النَّجْم: "مُعْطِيةً (¬3) طَروحا". ¬

_ (¬1) في الأصل: "والآروية"، وما أثبتناه هو مقتضى اللغة. (¬2) يشير إلى قوله الآتى: "فصاحب صدق" الخ. (¬3) المعطية من القسيّ: اللينة. والشطر بتمامه: "وهتَفَىَ مُعْطِيةً طروحا" (اللسان مادة عطى).

فإنّ ابن تُرْنىَ إذا جِئتُكمْ ... أَراهُ (¬1) يُدافِع قَوْلًا بَريحا قال أبو سعيد: يقال للرَّجُل: هو ابُنُ تُرنى وابنُ فَرْتَنىَ (¬2) إذا ذُكر بلؤمٍ وَمَنْقَصة. برِيحا، أي تَبلْغُ مِنه المَشَقّة (¬3). فصاحِبَ صِدقٍ كسِيدِ الضَّر ... ءِ يَنْهَضُ في الغَزْوِ نهَضًا نَجيحا يقول: فمِثْلَ هذا الصاحبِ فاستَبْدلي. والضَّراءُ: ما واراكَ من الشَّجَر. يقول: قد استعادَ (¬4) هذا السِّيد -وهو الذّئب- الشجر أن يكون فيه. وقولهُ: "نجيحا"، أي سريعا؛ ويقال: أَنْجَحَ اللهُ حاجته. قال أبو سعيد: ويُوصَف الذئبُ بأن يكونَ يَألف الضّراءَ ويَربِضُ تحته، وأَنْشد: * كَسيدِ الغَضَى العادى أَضَلَّ جراءه * وَشِيكَ الفُصولِ (¬5) بعيدَ القُفو ... لِ إِلّا مُشاحا به أو مُشِيحا وَشيكَ الفصُول، أي سَريع الغَزو (¬6)، وبطئَ القُفول؛ يقول: لا يُسرِع الانصرافَ. وبَعيد، أي يبعُد. وقولُه: إلا مُشاحا به، يقول: إلّا محمولا (¬7) به أو حاملا في هذه الحال والمُشِيح أيضًا: المُبادر المُنْكمش (¬8)، ويقال: بَطَلٌ مُشِيحٌ، أي حامِل. ¬

_ (¬1) في رواية: "يدافع عني قولًا". (¬2) في الأصل: "قرنى"؛ وهو تحريف. (¬3) كذا في الأصل. وعبارة السكرى واللسان مادة ترن "أي يسعنى بمشتقه، أي بخصامه". وعبارة اللسان (مادة برح): "قول بريح"، أي مصوّب به. (¬4) استعاد، أي اعتاد. (¬5) في الأصل:"الفضول"؛ وهي وإن كانت رواية في البيت، إلا أن تفسير الشارح بعد يقتضى ما أثبتنا (انظر اللسان مادة فصل). (¬6) في الأصل: "العدو"، وهو تحريف. (¬7) أي محمولا به على الغزو أو حاملا عليه. (¬8) المنكمش: الماضي.

تَريعُ (¬1) الغُزاةُ وما إنْ يَرِيـ ... ـعُ مضْطَمرًا طُرَّتاهُ طليِحَا تَريعُ الغُزاة , أي يرْجعون وما إن يرْجع. طُرَّتاه: كَشْحاه. وقولهُ: مُضْطَمِرا أي خميَص البَطْن من حَطَبٍ (¬2). وطَليحًا (¬3): من غَزو. كَسيْفِ المُرادِيِّ لا ناكِلًا ... جَبانًا ولا جَيْدَريًّا قبيِحا يقول: كأنه سيفٌ يمانٍ (¬4). والجيدرِىّ: القَصير. وناكِلًا: على صِفَة (¬5) الرَّجُل. قَدَ أبقَى لَكِ الأيْنُ مِنْ جِسِمهِ ... نَواشِرَ سِيدٍ ووَجْهًا صَبِيحا الأَين: الإعْياء (¬6). يقول: أَبْقَى لكِ من جِسْمهِ نَواشِرَ سيد، يقول: مثْلَ نَواشِرِ الذِّئب الّتي في ذِراعيه (¬7). أراد أن السَّفَرَ (¬8) لَم يُفْسِدْه. قولُه وَجْها صَبيحا, قال: يقول: لا يتغيرّ. والنَّواشر: العَصَب الّتى في باطن الذِّراع. ¬

_ (¬1) قال السكرى في شرح هذا البيت: أي يسرع الغزاة الانصراف إلى أهليهم، هو مقيم في الغزو لا يقوون على ما يقوى عليه. (¬2) من حطب، أي من هزال. والحطب بكسر الطاء: الشديد الهزال. (¬3) طليحا، أي معييا. (¬4) فسر المرادىّ بأنه السيف اليمانىّ؛ لأنّ مراد قبيلة من اليمن. قاله السكرى. (¬5) يريد أنه من صفة الرجل لا من صفة السيف. (¬6) قال السكرى: ليس المعنى أنه يعيا، إنما أراد الشحوب والضمر، فكأنه معيٍ وليس بمُعْي. (¬7) قال السكرى: يريد أنه شديد البطش قوى اليد كيد الذئب؛ ولم يقل الأسد, لأنّ الذئْب نواشره ممتدّة، وساعدا الأسد كأنه كسر ثم جبر, فليست نواشره ممتدّة. (¬8) كذا فى شرح السكرى. وفى الأصل: "السقم"؛ وهو تحريف.

أَرِبْتُ لإرْبَته فانْطَلَقـ ... ـتُ أُزْجِي لجُبِّ الإيابِ (¬1) السَّنيِحا ويُروَى: المَنيِحا (¬2). وقوُله: أَرِبْتُ لإرْبَتِه، يقول: كانت لي حاجةٌ في حاجَتِه فمضَيْتُ معه. أزْجِى، أي أَدْفَع عنّىَ الطيرَ وأخْرُج. يقول: مَضَيتُ معه لا أَتَطَيَّر، فذاك إزْجاءُ السَّنيح. يقول: كنتُ ذا إِرْبة في الغَزْو كإرْبةِ صاحبي فيه. على طُرُقٍ كنُحورِ الرِّكا ... ب تَحْسَبُ آرامهُنّ الصُّروحا يقول: كأنّ أشْراكَ (¬3) الطَّريق بَواطنُ أَعْناق الإبِل. والآرام: الأَعْلام الّتى يُسْتَدلُّ بها على الطُّرُق. والصُّروح: القُصور، واحدُها صَرْح. بِهِنّ نَعامٌ بَناها الرِّجا ... لُ تُبقىِ (¬4) النَّفائِضُ فها السَّرِيحا النَّعام: جمعُ نَعامة، وهي خَشَباتٌ للرَّبِيئةِ يتّخذُها الّذين يستَظِلّون بها، تُنْصَب ويُجعَلُ عليها الثُّمَامُ يستَظِلّون تحتَها. والنَّفائض: الذي يَنْفُضون الأرَضَ يَنظُرون ما فيها من جيشٍ (¬5) أو عَدُوّ. والسَّريحِ والسَّرائح: القِدُّ الّذي تُخرَز به النِّعال. (¬6) يقال: تُبْقيه من طول تَرَقِّيها في الجبال. قال: وكلُّ ما سُرِحَ فجُعِلَ قطعة فسَريحةٌ. ¬

_ (¬1) في رواية "اللقاء". (¬2) المنيح من قداح الميسر: الذي لا نصيب له ولا عليه غرم. (¬3) أشراك الطريق: جوادّه. شبهها في بياضها واستقامتها بأعناق الإبل. (¬4) في اللسان (مادة نفض) وشرح السكرى: "تلقى". (¬5) في الأصل: "حنش"؛ وهو تصحيف. (¬6) ولعل صوابه: "يقول".

وقال أبو ذؤيب أيضًا أمِنْ آلِ لَيْلَى بالضَّجُوعِ وأهْلُنا ... بنَعْفِ قوَيٍّ والصُّفيَّةِ عِيرُ (¬1) قال أبو سعيد: النَّعف: ما ارتفَع عن بَطْن المَسيل, والنَّعْف أيضا: ما انخَفض عن الجبل؛ أي منها (¬2) عِيرٌ مرّت بنا ونحن بهذه المواضع. رَفَعْتُ لها طَرْفي وقد حالَ دُونَها ... رِجالٌ وخَيْلٌ بالبثاء (¬3) تُغِيرُ قال أبو سعيد: البَثاء من بلاد بني سُلَيم. فإِنّكَ عَمْرِي (¬4) أيَّ نَظرةِ ناظرٍ ... نَظَرتَ وقُدْسٌ دُونَنا ووَقِيرُ يريد: أيَّ نَظرَة عَجبٍ نَظرْتَ. وقُدْس ووَقير: بلدان (¬5). ديارُ (¬6) الّتى قالت غَداةَ لَقَيتُها ... صَبَوْتَ (أبا ذِئبٍ) وأنْتَ كَبيرٌ صَبَوتَ، أي أَتَيتَ أَمرَ الصِّبا. تَغَيِّرْتَ بعدى أم أصابَكَ حادِثٌ ... مِن الأَمْر أم مَرَّتْ عليكَ مُرورُ مَرّتْ عليكَ، أي مرت بك حالٌ بعدَ حال. ¬

_ (¬1) في رواية واردة في الأصل أيضا: "بنعف اللوى أو بالصفية عير". والضجوع: رحبة لبنى أبى بكر بن كلاب. وقوى: واد قريب من القاوية. وصفية: هضبة يقال لها هضبة صفية. وفيها أقوال غير ذلك. (ياقوت). (¬2) منها، أي أمنها, ليتفق مع البيت. (¬3) في رواية "وخيل ما تزال". (¬4) في نسخة "حقا" مكان قوله: "عمرى" وفي نسخة: "عاشق" مكان قوله:"ناظر". (¬5) قدس: جبل عظيم بنجد. ووقير؛ ذكره ياقوت ولم يعين موضعه. (¬6) ديار, أي تلك ديار (السكرى). ومن رواها بالنصب قال: أذكر ديار.

فقلتُ لها فقد الأَحِبّةِ، إنّني ... حديثٌ (¬1) بأَرْزاءَ الكِرامِ جَديرُ أي خَلِيق. فِراقٌ كَقَيْصِ السِّنِّ فالصَّبرَ إنّه ... لكلّ أُناسٍ عَثْرةٌ وجُبورُ كقَيْصِ السِّنِّ، يقال: انقاصَتْ سِنّهُ إذا انْشقّت بالطُّول، ويقال: انقاصت البئرُ: إذا انشقَّ طَيُّها. وأصبَحْتُ أَمْشِي في دِيارٍ كأنّها ... خِلافَ (¬2) دِيارِ الكاهِلِيّةِ عُورُ الكاهليّة: نسبها إلى بني كاهِل، يقول: تلك الديارُ عُور، قال (¬3): ومنه قولُهم: خَلَفٌ أَعْوَر. (¬4) أُنادِى إذا أُوِفى من الأرضِ مَرْقَبًا (¬5) ... وإنِّي سميعٌ لو أُجابُ بَصيرُ قولُه: أُوفي من الأرضِ مَرْقَبا، المَرْقَبُ: المكان المرتِفع الذي يقوم فيه الربيئة. إذا أُوفى: إذا أَعلُو شَرَفًا، وهو الارتفاع. إنِّي سميع، أي أسمع إذا أُجِبْتُ ولكنّى لَم أُجَبْ. كأنّي خِلافَ الصّارِخَ الأَلْفِ واحدٌ ... بأجْرَعَ لم يَغْضَبْ إليّ نَصيرُ قال: ويُرْوَى: "إليه نصير". خلافَهمْ: بَعْدَهم. والصارِخ: المستغيث والمغيث (¬6). يقول: فكأنّى واحدٌ على كَثِيبٍ من المَذَلّة بعْدَهم. ¬

_ (¬1) في رواية: "حريّ". (¬2) خلاف بالنصب، أي بعد. وضبط في اللسان مادة "عور" بضم الفاء, قال: كأنه جمع خلف بالتحريك مثل جبل وجبال. (¬3) قال, أي الأصمعي كما في السكري. (¬4) خلف أعور، أي فاسد. (¬5) فى رواية: "مربأ". (¬6) المراد بالصارخ هنا المعنى الثاني.

إذا كان عامٌ مانعُ القَطْرِ رِيحُه ... صَبًا وشمَالٌ قَرّةٌ ودَبورُ مانِعُ القَطْر: ليس بذِي قَطْر. وقولهُ: صَبًا وشمَالٌ قرّة، يريد أن ريحه باردةٌ لا مطر فيها. وصُرّادُ غَيْمٍ لا يزالُ كأنّه ... مُلاءٌ بأَشرِافِ الجِبالِ مَكُورُ الصُّرّاد: الغَيْم الذي فيه البَردَ ولا ماءَ فيه. وقولُه: مَكُور، أي معصوبٌ مثلَ كَورِ العِمامة على الجبل. طَخَاءٌ يُبارِى الرِّيحَ لا ماءَ تحتَه ... له سننٌ يغشى البلادَ طَحورُ (¬1) الطَّخاء: الغَيْم الذي لا ماء فيه. وسَنَنهُ: وَجْهُه الّذى يَذهب فيه، ويقال: تَنَحَّ عن سَنَنَه (¬2) وسُنَنهِ، أي طريقِه الّذى يأخذ فيه. فإنّ بني لِحْيانَ إمَّا ذَكَرْتهمْ ... ثناهُمْ إذا أَخْنىَ اللِّئامُ ظَهيرُ يقول: إذا كان ثناءُ اللّئام خَنًى فإنّ ثنَاء هؤلاء (¬3) ظهيرٌ مرتفع. وقال أيضا أساءلت رَسْمَ الدار أم لم تُسائل ... عن السَّكْن أم عن عَهْدِه بالأَوائلِ؟ للسَّكن؛ جمعُ ساكن، وهم أهلُ الدار وسُكّانها ومن يهوِى (¬4). والمَسكَن: المنزل نفسُه. ¬

_ (¬1) الطحور: الدفوع الشديد المرّ. قاله السكرىّ. (¬2) السنن بالفتح والسنن بالضم: لغتان. (¬3) فسر في اللسان مادة "ظهر" قوله: "ظهير" في هذا البيت بالظاهر. (¬4) ومن يهوى، أي يرتفع إليهم ويريدهم، ومنه قوله تعالى: (فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم).

لمن طلَلٌ بالمُنْتَضَى (¬1) غيرُ حائلِ ... عَفا بعد عَهْدٍ مِن قِطارٍ ووابِلِ الطَّلَل: شخْصٌ يبدو لك من المَنزْل. والرَّسْم: الأَثر. وقولُه: غيرُ حائر يقول: عَفا من قطارٍ ووابِلٍ ولم يَمُرّ به حَوْل. عَفَا بعد عَهد الحيِّ منهمْ وقد يُرَى ... به دَعْسُ آثارٍ ومَبْركُ جامِلِ الدَّعْسُ: الوَطْء الكثير؛ يقال: طريق مَدْعوس إذا كانَ الوطءُ فيه كثيرا. والجامل: جماعةُ الإبل المذكور، وليس له واحد. وقولُه: عفا، أي دَرَس قال ويقال: عَفَا الشيءُ: إذا كثرُ؛ وهذا من الأضداد. عَفَا غيرَ نُؤْىِ الدارِ ما إِنْ أُبِينُه ... وأقطاعِ طُفْيٍ قد عَفَتْ في المَعَافِلِ أقطاع، أي قِطَع. والطُّفْى: خُوصُ المُقْل، وهو وَرَقُه. والمَعاقِل: المنازل ترتفع عن مجْرَى السَّيل، والواحد منها مَعْقل. وإنّ حَديِثًا مِنكِ أو تَبْذُليِنَهُ ... جَنَى النَّخْلِ في أَلْبانِ عُوذٍ مَطافِلِ العُوذ: الحديثاتُ النِّتاج، والواحدة عائِذ. والمَطافل: الصِّغار الأولادِ والواحدة مُطْفِل. يربد أنّ لبنَ الأبكار أطيَبُ. قال أبو سعيد: وحدّثنى كُرد بنُ مِسْمَع قال: كتَب الحجّاجُ إلى عامله بفارس: أنِ ابعَثْ إليّ بعسلٍ مِن عسلِ خُلاّر (¬2)، من النَّحل الأبكار, من الدَّسْتَفْشار (¬3). الدَّسْتَفْشار: الذي لم تمَسَّه النار. ¬

_ (¬1) المنتضى: واد بين الفرع والمدينة. (¬2) في الأصل:"حلا"؛ وهو تحريف. وخلّار: موضع بفارس ينسب إليه العسل الجيد. (¬3) في الأصل: " أقشار الدست"؛ وهو تحريف.

مَطافِيلَ أبكارٍ حَديثٍ نتِاجُها ... تُشابُ بماءٍ مِثل ماءِ المفاصلِ قال: المَفاصل: منقطَع السَّهْل من الجبَل، يريد طِيبه, لأنه يجرى في رَضْراضٍ (¬1)، واحدُها مَفْصِل. يُشابُ: يخُلَط. رآها الفؤادُ فاستُضِلَّ ضلالُه ... نيافًا من البِيِض الحِسانِ العَطابِلِ اسُتِضلّ ضَلالُه ,يقول: طُلِب منه أن يِضلّ فَضَلّ. وقوله: نِيافا أي مُنيِفةً طويلةً عظيمة, زناقةٌ نيافٌ , وهي الطويلة المشرِفة. وواحدُ العَطابل عُطْبول. والعُطْبول: الطَّويلة العُنُق. فإنْ وَصَلتْ حَبْلَ الصَّفاء فُدمْ لها ... وإن صَرَمَتْه فانصرِم عن تجاُملِ أخَذَه من قول امريء القيس: أفاطِمَ مَهْلًا بعض هذا التدلُّلِ ... وإنْ كنتِ قد أَزْمعتِ صُرِمِي فأَجْمِليِ وإنْ كنتِ قد ساءتكِ منِّي خَليقةٌ ... فسُلِّي ثيابي مِن ثياِبكِ تنْسُلِ لَعَمرِى لأنتَ البيتُ أُكرِم أَهْله ... وأَجْلسُ فى أَفْيائِهِ بالأَصائِلِ وما ضَرَبٌ بيضاءُ يَأْوِى مَليكُها ... إِلى طُنُفٍ أَعْيًا بِراقٍ ونازِلِ الضَّرَب: العسل الأبيضُ الذّى قد صلُب واستَرْخى وليس برقيقٍ سائل؛ يقال: قد استَضْرَب العَسَلُ. والطُّنُف: مانَتأَ من الجبل ونَدَرَ منه. وقوله: أَعْيا براق ونازلِ، أي أَعْيا المرتقي والنازُل لم يُقْدَر على مَأْتاتهِ مِن صُعوبتِه. ¬

_ (¬1) الرضراض: ما دقّ من الحصى.

تُهالُ العُقابُ أن تَمُرَّ بريْدِه ... وتَرمى دُرُوءٌ دونه بالأَجاِدلِ قال: يريد تُهالُ وتَهابه من ارتفاعِه. والرَّيد: الناحيةُ من الجبل. والدَّرْءُ: العِوَج في الجَبَل؛ ومن ذا قيل: بين القَوْم دَرْءٌ، أي عِوَج. والأَجادِل: الصقور. يقول: فهي تُزْلقِ الصقرَ من مُلُوستِها. تَنمَّى بها اليَعسُوبُ حتى أَقَرَّها ... إلى مَأْلَفٍ رَحْبِ المَباءةِ عاسِلِ تَنَمَّى: ارَتفَع. يقول: تَنمَّى اليَعْسوبُ بهذه النحل حتى جعَلها فى مأْلفه. والمبَاءة: مَرْجِع الإبل. يقول: مبيِتُها الذّى تأوى إليه , فضَربهَ مَثَلا. يقول: هو إذا رجعتْ رجعتْ إلى مكانٍ واسع. الرَّحْبُ: الواسع. وعاسِل: كثير العسل، كما يقال: لابِنٌ وتامرٌ. فلو كان حَبْلٌ من ثَمانِينَ قامَةً ... وسَبْعِينَ باعًا نالهَا بالأَنامِلِ يقول: فلو كان الحبلُ الّذى تَدَلَّى عليه إلى الوقْبة ثمانينَ قامةً وسبعين باعا. نالهَا بالأنامل: لنالَتهْا يدُه, يَعْنِي الوَقْبَة، وهو موضع العسل. والخلِيّة: بيتُ النحّل يُعمَلُ له مِثْل الرّاقود يَعْسِل فيه النحلُ. تَدَلَّى عليها بالحِبالِ مُوَثِّقًا ... شَديدَ الوصاةِ نابلٌ وابن نابِلِ موثِّق: قد أَوثَق حبلَه بأعلى شيء مرتفِع. شديد الوَصاة، أي شديد الحِفاظ والحِفظِ لما توَضَّى به. وقولهُ: نابل، أي حاذق قد مَرَنَ وجَرَّبَ. وابن نابل: ابنُ حاذق. وقال بعضُ الهُذَليِّين لصَخْر الغَيّ:

فآنبُلْ بقَومِكَ إمّا كنتَ حاشِرهمْ ... فكلُّ حاشر مجموعٍ له نَبَلُ يقول: كن حاذقا بسياستهم. إذا لَسَعَتْه الدَّبْر لَم يَرْجُ لَسْعَها ... وخَالفَها في بَيتِ نُوبٍ عَواسِلِ قال: وربما أُنشدتْ "وحالفَها". قوله: لم يَرْجُ، أي لم يَخْشَ لَسْعَها. والنُّوب التي تنوب، تجيء وتذْهَب. فحطَّ عليهما والضُّلوعُ كأنّهما ... من الَخوِف أَمْثالُ السِّهاِم النَّواصِلِ قال أبو سعيد: السّهم إذا استَرْخىَ نَصْلهُ تقعْقعَ. يقول: فيُسْمع لأضلاعِ هذا تقبُّضٌ ورجَفَانٌ مِن الخوف. فَشَّرجَها من نُطْفةٍ رَجَبِيّةٍ ... سُلاسلةٍ من من ماءِ لِصْبٍ سُلاسلِ شَرّجَها، أي خَلَطها. يقول: خَلَط هذه العسل (¬1) بماء سحابةٍ أصابتهم فى رجب. والشَّرِيج: أحدُ الخليطَين. قال: والاثنان شَرِيجان. قال: ويقال: قاءَ فلانٌ قَيْئْا شِريجا، أي لحمًا ودَما. وأَنشدَنا أبو سعيد: إذا أُكْرهَ الخَطِّيُّ فيهم تجَشَّئوُا ... شَرِيجَيْنِ من لحمِ الخَنازير والخمرِ والنُّطْفة: الماءُ. يقال: أرضُ بني فلانٍ أعذبُ أرضِ اللهِ نطفةً. ورَجَبيّة: جعَلَها في الشّتاء، وذلك أبرَدُ لها. سُلاسِلة: سَهْلة المَدْخَل في الحَلقْ. واللِّصْب: الشَّقّ فى الجبل ضَيّقا. والسُّلاسل: سَهْلٌ في مجرًى سَهْل. ¬

_ (¬1) فى الأصل: "الخمر" والصواب ما أثبتاه , كما يستفاد من سياق الكلام ومن اللسان (مادة شرج).

بماءٍ شُنَانٍ زَعْزعتْ متَنْهَ الصَّبَا ... وجادَتْ عليهِ دِيمَةٌ بعدَ وابِلِ ويُروَى: بماءِ شِنانٍ. الشُّنان: الّذي يسَيل من الجبل متفرِّقا فَيَتشنَّن أي يتفرّق. والدِّيمة: المطرُ الساكن الدائم. بأطْيَبَ مِنْ فِيها إذا جِئْتَ طارِقًا ... وأشْهَى إذا نامَتْ كِلابُ الأَسافِلِ الأَسافل: أسفَل الأحْوِية (¬1) يكون فيها الرِّعاءُ والكلاب؛ فلهمُ أصواتٌ وجلَبَة؛ قال: وهُمْ آخِر مَن يَهْدَأُ. ويَأشِبُني فيها الأُولاءِيلُونَها ... ولو عَلموا لم يَأشِبونِي بطَائلِ الأَشْب: الخَلْط، ومِنْ ثمَّ قيل: مأشوب. لمَ يَأشبوني، لم يَخْلِطوا عليَّ الكَذِبَ. يقول: إنما نلتُ شيئًا دونَ ما يقولون؛ وأنشدنا: أنِّي قَطَعْتِ جَديدَ الحِبا ... لِ عَنّا وغَيَّرَكِ الآشِبُ وأُنشد للحارث بن ظالم: أنا أبو لَيْلَى وسَيْفِى المَعْلوب (¬2) ... هل يَمْنَعَنْ ذَوْدَكَ ضَرْبٌ تَذْبِيبْ * ونَسَبٌ في الحيِّ غيرُ مَأشُوبْ * ولو كان ما عَند ابنِ بُجْرَةَ عِندَها ... من الخمْرِ لَم تَبَلُلْ لهَاتي بناطِلِ الناطِل: مِكيالٌ تُكالُ به الخمْر؛ وأَنَشَدنا للبيِد: * تُكَرُّ عليها بالمِزاج النَّياطِلُ * ¬

_ (¬1) جمع حواء، وهو جماعة البيوت. (¬2) المعلوب: اسم سيفه.

فتلْكَ الّتي لا يَبْرَحُ القَلْبَ حُبُّهَا ... ولا ذِكْرُها ما أَرزَمَتْ أُمُّ حائِل أَرْزَمَتْ: حَنّت. والحائل: الأنثى من أولاد الإبِل، والذَّكر: سَقْب. وَحتّى يَؤوبَ القارِظانِ كِلاهُما ... ويُنْشَرَ في القَتْلَى كُليَبٌ لِوائلِ قال أبو سعيد: القارِظ يقال: إنه يَذْكُرُ بنُ عنزَةَ بنِ أسدِ بنِ ربيعة، خرج يطْلُب القَرظ، فلم يَرْجِع، وكان خزَيمْةُ بن نهدٍ عَشِقَ فاطمةَ بنتَ يَذْكُر، فطلَبها فلم يقْدر عليها، فاجتمعوا في مَرْبَع، فلما تَجَرَّم الرّبيع ارتحلتْ فرجعتْ إلى منَازِلِها فقيل: يا خُزَيمة، لقد ارتحلَتْ فاطمة. قال: أمّا إذا كانت حَيّةً ففيها أطْمع؛ وأَنشأَ يقول: إذا الجَوزاءُ أَرْدَفَت الثُّرَيَّا ... ظَنَنْتُ بآلِ فاطِمةَ الظُّنُونَا وحالَتْ دونَ ذلكَ مِنْ همُومٍ ... هُمُومٌ تُخْرِجُ الداءَ الدَّفينا ثم خرج يَذْكُر وخُزيْمةَ يَطْلبُان القَرَظ، فمَرَّا بقَلِيبٍ فاستَقَيا، فسَقَطَت الدَّلْو، فنزل يَذْكُر ليُخرِجَها، فلما صار إلى البِئرِ منعَه حُزَيْمةُ الرِّشاء، وقال: زَوِّجْني فاطمة. قال: على هذه الحال اقتِسارا؟ أَخْرِجْني أفْعَل. قال: لا أفعل. فتركَه حتّى مات فيها، فهُما القارظان. وقال أبو ذؤيب أيضا وذلك أن حيًّا من بنى سُليَم بيتَّوا أناسا من هُذَيل فقتلوهم تلك الليلةَ قتلًا شديدا وكان أبو ماعزٍ أسفلَ من الدار التي أُصِيبت في حدِّ هُذَيل، فسَمع الهاتِفةَ في آخر اللّيل فيمن معه، فأَتاهم فَوجَدَ القومَ قد قتِلوا؛ فلذلك قال أبو ذُؤَيبْ:

فلو نُبِذوا بأبي ماعِزٍ ... حَديدِ السِّنانِ وشاهِي البَصَرْ قال: وكانوا قَتَلُوهم بمكانٍ يقال له "الهُزر" فقال أبو ذؤيب يَرْثِي ابنَ عُجْرَة: عَرفْت الدِّيارَ لِأُمِّ الرَّهيـ ... ـن بينْ الظُّباء (¬1) فَوادِي عُشَرْ أَقامَت به وابَتنتْ خَمْيةً ... على قَصَبٍ وفُرات النَّهَرُ قال: ويرُوَى "وفُراتٍ نَهِر". قال أبو سعيد: يقول: هي مقيمةٌ بين رَكايا (¬2) وبين ماءٍ عَذْبٍ يَجرِى. وكلُّ فُراتٍ عَذبٌ. يقول: فهي تَشْرَب من الرَّكايا؛ وكلُّ ماءٍ كَثُرَ فقد استَنْهَر. تَخَيَّرُ مِن لَبَنِ الآرِكا ... تِ بالصَّيْفِ بادِيةً والحَضَرْ قولهُ: الآرِكات، قال: كأنّها كانت بِبلَدٍ يُنْبِتُ الأَراك، ولم يُرِد أنّ لَبنَ الّتى تأكل الأَراكَ أطيَبُ الأَلْبان، ولكن كلُّ ما ثَبَتَ في مَكانٍ فقد أَرَك يأرُكُ أُرُوكا، وأصلُه مِن الأَراك. أَلِكنِي إِلَيْهَا وخَيْرُ الرَّسُو ... لِ أَعلَمُهُمْ بنَواحِي الخَبَرْ قال أبو سعيد: الرسول يصْلح أن يكون واحدا وجماعة. وقوله. أعلَمُهم بنواحي الخَبَر، أي يَعرِف شَواكلَ الأمور، إذا رأَى طَرَفَ الأمرِ أعَجبه (¬3). وناحَيُته: شاكلتَهُ. ¬

_ (¬1) الظباء: واد بتهامة. ووادي عشر: شعب لهذيل. (¬2) ركايا؛ تفسير للقصب. (¬3) كذا ورد هذا اللفظ في الأصل، ولعل صوابه "تيقنه" أو ما يفيد هذا المعنى.

بآيَةِ ما وَقَفَتْ والرِّكا ... بُ بَيْن الحَجُونِ وبين السِّرَرْ الحَجُون: عليه سقيفةُ زِياد بن عبيد الله أحد بني الحارث بن كعب، وكان على مكّة. (والسِّرَر): على أربعة أميال من مكّة على يمين الجبل، وكان عبد الصمد ابنُ عليّ قد بَنَى عليه مسجدا. فقالت تَبرَّرْتَ فى حَجِّنا ... وما كنتَ فينا جَديرا بِبِرّ يقول (¬1): كنتَ تحدّثنا وتكلِّمنا، ثم أَراكَ تألّهْتَ. ويُرْوَى: * وما كنتَ فينا حديثًا (¬2) ببَرّ * وأعلَمُ أنِّي أُمَّ الرَّهيـ ... ـنِ كالظَّبي سيقَ لحَبْل الشَّعَرْ قال: يقول: أعلم أَنَّ لُقْيتى إياها كالظَّبي سبق للحبالة، أي تلبسي (¬3) بها وتعلُّقي بحبها مثل الحبالة تعلقه. وزعم (¬4) أنه جعل نفسه مثل الظبي. فَبيْنَا يُسلِّمُ رَجْعَ اليَدْيـ ... ـن باءَ بكفَّةِ حَبْلٍ مُمَرّ يسلِّم رَجْعَ اليدَين، يقول: يَطأُ وطْئًا سَليما. إذْ باءَ، أى رجع. بكفّةِ حبلٍ مُمَرّ، قد عَلِق إحدى قَوائمه. وباءَ [الدَّمُ] بالدَّمِ، إذا جُعِل هذا بهذا. ومُمرّ: شديدُ الفَتْل. وبكفّة بكسر الكاف. ¬

_ (¬1) كذا في الأصل. ولعله: "تقول كنت تحدثنا" الخ أو: "يقول قالت كنت" الخ. (¬2) في الأصل: "جديرا" وفيه تكرار مع ما سبق؛ وما أثبتناه عن السكرىّ. (¬3) في الأصل: "تلبس بي". (¬4) كذا وردت هذه الجملة في الأصل. ولعلها "وزعم أنه مثل الظبى"؛ أو "وجعل نفسه مثل الظبي". (5) زيادة يقتضها سياق الكلام.

فراغَ وقد نَشِبَتْ في الزَّما ... عِ فاستَحْكَمَت مِثل عَقْدِ الوَترْ يقول: ذهب يَرُوغُ وقد نَشِبَتْ [في] إحدى قوائِمه. راغَ: جالَ. والزِّماع: جمعُ زمَعة، وهي لَحمةٌ زائدةٌ خَلْفَ الظِّلْف، وهي الشَّعَرات المجتمعاتُ مثلَ الزَّينْونة. وما إنْ رَحِيقٌ سَبَتْهما التَّجا ... رُ مِنْ أَذْرِعاتٍ فَوادِى جَدَرْ السَّبْءَ: الشِّراء. وأَذْرِعات: بالشأم. وجَدَر: موضع (¬1). سُلافَةُ راحٍ تُرِيكَ القَذَى ... تُصفَّقُ في بَطن زِقٍّ وجَزّ السّلافةُ: ما ينَزِل منها أوّلا؛ ويقال: السُّلاف ما سَلَف منها مِن عصيرٍ يسيل. إذا أُلقى العنبُ بعضُه على بعض فانعَصَر منه شيءٌ فذلك السُّلاف. وتُصفَّق: مِثلُ تُروَّق، أي تُحوَّل من إناءٍ في إناءٍ آخر. قال: ويُرَوَى أيضًا: "تُعتَّق". وتُمزَجُ بالعَذبِ عَذْبِ الفُرا ... تِ زَعْزعه الرِّيحُ بعدَ المَطَرْ تَحَدَّرَ عن شاهِقٍ كالحَصِيـ ... ـرِ مُسْتَقْبِلَ الرِّيحِ والفَىْءُ قَرّ شاهِق كالحَصير، أراد عُرْض جَبلٍ أَملسَ له حُبُكٌ كأنهّا حصيرٌ من جَريدٍ قد نُسِجَ. فشجَّ به ثبراتِ الرِّصا ... فِ حتى تَزَيَّلَ رَنْقُ المدَرْ قوله: فشجَّ، أي علا به. والثَّبَرات: واحدُها ثَبْرة، وهي نِقارٌ في الحجارة متراصِفةٌ مثل الصَّهاريج. حتى تَزيَّل رَنْقُ المَدَر، يقول: إذا دَخلها الماءُ خرج ¬

_ (¬1) موضع، أي بين حمص وسلمية.

منها (¬1) [ماء] فيها [مِنُ غثا (1)] وصفا الماءُ، واحدةٌ إلى واحدة، ويَمضِي (¬2) رَنْقه وَيبْقَى (2) صَفْوُه. فجاء وقد فصلته الشَّما ... لُ عَذْبَ المذاقة بُسْرًا خَصِرْ يقول: جَرَتْ عليه فتقطَّع وصار له حُبُك. وبُسْرٌ: غَضّ؛ وأنشدنا: رَعتْ بارضَ البُهمَى جَميمًا وبُسْرةٌ ... وصمْعاءَ حتّى آنفَتْها نِصالُها (¬3) خَصِر: بارد. بأطيَبَ منها إذا ما النُّجو ... مُ أَعنَقْنَ مِثلَ تَوالِي البَقَرْ أعْنَقْن: تصوَّبْن فْتُرَى مَا خيرُهنّ في الغَوْر كما تُرى مآخيُر البَقَر إذا أعنَقَتْ. والتَّوالِي: الأواخِر. فدَعْ عنكَ هذا ولا تَغْتَبِط ... لخَيْرٍ ولا تتباءسْ (¬4) لِضُرّْ يقول: ولا تَبتئِسْ عند الضُّرِّ إذا نزل بك. قال: وحدَّثنى عيسى بنُ عمرَ قال: أنشَدَني ذو الرّمّة: "وظاهِرْ لها مِنْ يابِسِ (¬5) الشَّخْت" ثم أنشدَني: "من بائس". فقلتُ: ما هذا؟ فقال: بائسٌ ويابسٌ، مِنَ البُؤْس واليُبْس". ¬

_ (¬1) التكملة عن السكري. (¬2) ورد في الأصل هاتان الكلمتان كل واحدة منهما موضع الأخرى. (¬3) البيت لذي الرمة، كما في اللسان مادة "بسر" والنبات أوّله البارض، وهو كما يبدو في الأرض، ثم الجميم، ثم البسرة، ثم الصمعاء، ثم الحشيش. وآنفتها، أي جعلتها تشتكي أنوفها. (¬4) في الأصل: "ولا تبتئس لضرّ"؛ وهو غير مستقيم الوزن؛ وما أثبتناه عن السكرىّ. (¬5) البيت بتمامه: وظاهر لها من يابس الشخت واستعن ... عليها الصبا واجعل يديك لها سترا يصف النار. والشخت: الدقيق من الحطب.

وخَفِّضْ عليكَ مِن النائبات ... ولا تَكُ منها كَئيبًا بِشَرّ كئيبا، أي حزينا. فإنّ الرَّجالَ إلي الحادِثا ... تِ -فاستيقنَنّ- أحَبُّ الجُزُوْ. قال: يقول: إنّ الموتَ مُولعٌ بالناس. أبَعْدَ ابنِ عُجْرةَ لَيْثِ لَيْثِ الرِّجا ... لِ أَمْسَى كأنْ لم يَكُنْ ذا نَفَرِ ابنُ عُجْرة: هُذَليّ. ذا نَفَر: ذا جماعة. وهمْ سَبْعةٌ كعَوالى الرِّما ... حِ بِيضُ الوُجوه لِطافُ الأُزُرْ عاليةُ الرُّمْح: صَدْرُه. لِطافُ الأزُر: خِماصُ البطون. مَطاعيمُ للضَّيْفِ حينَ الشِّتا ... ءِ البُطونِ كثِيرُو الفَجَرْ أي عَظيمو الفَعال يتفجّرون. والفَجَر: المعروف (¬1)، وأنشدني: * بِذى فَجَرٍ تَأوِى إليه الأرَامِلُ * قُبُّ البُطون: حِماصُ البُطون. فيا لَيتَهمْ حَذِرُوا جَيْشَهُم ... عَشيةَ هُمْ مِثلُ طَير الخَمَرْ يقول: عَشيّةَ يَسْتتِرون (¬2) لهم كما تَسْتترِ الطيرُ في الخَمر. يقول: فليتهم كانوا حَذِروهمْ إذْ هم يَخْتِلونهم. ¬

_ (¬1) في الأصل: "بالمعروف"؛ والصواب حذف الباء، كما يستفاد من كتب اللغة وشرح السكرى. (¬2) في الأصل: "يسيرون لهم كما تسير".

فلَوْ نُبِذوا بأَبي ماعِزٍ ... حَديدِ السِّنانِ وشاهِي البَصَرْ يقول: فلو رُمُوا به. وشاهِي البَصَر، أي عالِي البصر وحديدُه، ليس بمنكِّسٍ مُغْضٍ. يقول: هو سامي الطَّرْفِ. ويُرْوَى: "حَديدِ السلاحِ حديد البَصرْ". وباِبْنَيْ قُبَيْسٍ ولمَ يُكْلَماَ ... إلى أنْ يُضئَ عَمودُ السَّحَرْ "إلى أنْ يضئَ عَمودُ السَّحَر" قال: ليلةً إلى الصُّبْح. ويُروَى: السَّجَر وهي الحُمْرة". قال أبو سعيد. "ولَم يَشْحبَا" قال: والشَّجَبُ: الهلَاك. قال: ويقال: شَجَبَ يشَجُبُ إذا هَلَك؛ وأنشَدَنا أبو سعيد: فمن كان في قَتْله يمْتَرِى ... فإن "أبا نَوفَلٍ" قد شَجَبْ لَقالَ الأباعِدُ والشّامِتُو ... نَ كانَتْ كلَيْلَةِ أَهلِ الهُزَرْ الشامِتون: القومُ الذّين نُبِذوا بأبي ماعز. قال: وليلةُ أَهل الهُزَر: يومٌ يُضَرب به المَثَل، وهي وَقعةٌ قديمةٌ لهُذَيل قال: وهو مثلُ قوله: مَحَلًّا كَوَعْساءِ القَنافذ ضارِبًا ... به كنفًا كالمُخْدِر المتأجِّمِ (¬1) وقال أبو ذؤيب أيضًا ألَا هل أتَى أُمَّ الحُوَيرِثِ مُرْسَلٌ ... نَعَم خالِدٌ إن لم تَعُقه العَوائقُ يُرَى ناصحًا فيما بدا وإذا خَلَا ... فذْلكَ سِكينٌ على الحَلقِ حاذق ¬

_ (¬1) يصف موضعا شاقّ المسلك لا يوصل إليه. والقنافذ: جبال غير طوال. والمشابهة هنا غير ظاهرة.

قال: ويُروَى "على الحَلْقِ حالِقُ". وقولهُ: حاذِق. قال: يقال: حَذَق الحَبْلَ، إذا قَطَعَه. وكان الأصمعي لا يَعرِف إلاَّ حَذق يَحْذِق، إذا قَطَع. ويقال: خَلٌّ حاذِق، أى ماضٍ (¬1) جيّد، قال أبو سعيد: وحاذِق وحالقٌ سواء، ولكنها فى هذا الموضع حالِقٌ. وقد كانَ لي دهرًا قَديمًا مُلاطِفًا ... ولمَ تَكُ تُخْشَى من لَدَيهْ البوَائِقُ قال: البائقةُ ما انفتَحَ عليكَ انفِتاحا. ويقال: جاءَتْنى بائقةٌ من عند فلان أي أمرٌ يَنفَتح، ولَم أَسمع ببائق، ويقال: انباقَتْ عليهم بائقةٌ. وكُنْتُ إذا ما الحَرْبُ ضُرِّسَ نابُها ... لجائحةٍ والحَيْنُ بالنّاس لاحقُ ضُرِّسَ نابُها؛ يقول: جُعِلَتْ ضُروسا: سيئةَ الخُلُق. قال: وهذا مَثَلٌ كأنّها حُرِّبَتْ وأُغْضِبَتْ. وناقةٌ ضَروسٌ: إذا كانت سيئةَ الخُلق؛ وأنشَدَنا لبشر ابن أبي خازِم الأَسدِىّ: عَطَفْنا لهمْ عَطْفَ الضَّروسِ بن المَلَا ... بشَهْباء لا يأتي الضراءَ رقيبُها شَهْباء؛ كَتِيبةٌ بيضاءُ بن كَثرْة السِّلاح؛ والشُّهبةُ؛ البَياض. والشَّهَب: البَياض. والضَّراءُ: ما وَارَاكَ من الشَّجَر، والخمر: ما وَاراكَ مِن كلِّ شيء من شجر وغيره. وزافتْ كَموْجِ البَحْر تَسْمُو أَمامها ... وقامَتْ على ساق وَآنَ التَّلاحُقُ ¬

_ (¬1) لعل صوابه: "حامض".

ويُروَى: "وماجَتَ كمَوْجِ البحْرِ أَرْخى سُدُوله ... وقامت على ساقٍ". ويقال: سُدْلٌ وسُدُول، وهو ما أَسْدَلْتَ، أى أرْخَيْتَ من شيء. وقولُه: تَسْمُو أي تَمْضِي قْدُمًا. يقول: الحَرْبُ تَسمُو. وأنَّ التلاحُقُ، أي حانَ. أَنُوءُ به فيها فيَأمَنُ جانِبي ... ولو كَثُرتَ فيها لَدَيَّ البَوَارِقُ أَنُوءُ به، أي أَنْهَضُ به فيها فيأمَنُ جانبِي. والبَوارِق: جمعُ بارِقة، وهي السُّيوفُ وما برَقَ من السِّلاحِ. جانبهُ: شقه. ولكن فَتًى لَم تُخْشَ منه فَجيعةٌ ... حَدِيثًا ولا فيما مَضَى أنتَ وامقُ يقول: ولكنْ فَتًى أنت واثقٌ به لمَ تأتِك منه فاجعةٌ، أنت واثِقٌ به فيما مَضَى. وامِقٌ: مُحِبُّ. أخٌ لكَ مأمونُ السَّجيّاتِ خِضْرِمٌ ... إذا صفَقَتْه في الحُروبِ الصّوافِقُ خِضْرم: رَغِيب الخُلُق. وصفَقَتْه: قَلَبَتْه. نُشَيْبةُ لَم تُوجدْ له الدهر عَثْرةٌ ... يَبوحُ بها في ساحةِ الدّارِ ناطِقُ العَثْرة: الزَّلّة. نَماهُ الحَيَّيْنِ قِرْدٍ ومازِنٍ ... لُيُوثٌ غَداةَ البَأْسِ بِيضٌ مَصادِقُ مَصادِق: [ذَوُو] مَصادِقَ في القتال. همُ رَجَعوا بالعَرْجِ والقومُ شُهَّدٌ ... هَوازِنَ تَحْدُوها حُماةٌ بَطَارِقُ تَحْدُوها أي تَسُوقُها. وهوازن [مِن] قَيْس.

وقال أيضًا (¬1) ما حُمِّلَ البُخْتيُّ عامَ غِياره ... عليه الوُسُوق بُرُّها وشَعيرُها عامَ غِيارِه أي عامَ ميرَتِه؛ يقال: خرج فلانٌ يغيرُ أهلَه إذا خرج يميرُهم. والوَسْقُ: الِحْمل. أَتى قَرْيةً كانت كثيرًا طَعامُها ... كرَفْع التُّرابِ كلُّ شيءٍ يمَيِرُها قال أبو سعيد: يقال للأرض إذا كانت كثيرةَ التراب: هذه رَفْغٌ من الأرض (¬2). فقيلَ: تَحمَّلْ فَوقَ طَوْقِكَ إنّها ... مُطَبَّعةٌ مَن يَأْتِها لا يَضيرُها مُطبَّعة: مملوءة. طَوْقك، يقول: طاقتك. بأَعظمَ ممّا كنتُ حَمّلتُ خالدًا ... وبعضُ أمانات الرجال غُرورُها غُرورُها: ما غَرَّ منها. ولو أنّني حَمّلْتُه البُزْلَ لَم تَقُمْ ... به البُزْلُ حتّى تَتْلَئِبّ صُدورُها تَتلئبّ: تمتدّ وَتَتَابَعُ. خَليلِي الّذي دَلَّى لِغَيًّ خَليلتي ... فكُلًّا أَراهُ قد أَصاب عُرورُها ¬

_ (¬1) سيذكر الشارح في أوّل القصيدة التالية سبب هذه القصيدة والتي بعدها، فانظره ثم. (¬2) في كتب اللغة أن الرفغ كما يوصف به التراب الكثير توصف به الأرض ذات التراب الكثير.

قال: يقال: إنما أنتَ عُرّة. يريد: إنما أنت عُرّةٌ من العَررِ (¬1). ويقال: لأَعرّنّكَ بشرٍّ؛ أي لأُلطِّخنّك بشَرّ. فشأْنَكَها إنِّي أمينٌ وإننّي ... إذا ما تَحالى مِثلُها لا أَطُورُها تَحالَى، أي حَلاَ في صدْري، ويقال: حلا يحْلو حلاوةً. لا أَطُورُرها: لا أَقْربُها، من قولهم: لا تَطُرْ حَرانا (¬2). أُحاذرُ يَوْمًا أن تَبينَ قَرينَتيِ ... ويُسْلِمهَا جِيرانهاُ ونَصيرُها قال: ويُروَى إخونُها ونَصيرُها؛ ويُروى أيضا: أجْوارها. والقرِينة في هذا الموضع: الصاحبة (¬3). رَعَى خالدٌ سِرِّي لياليَ نفسُه ... تَوالى على قَصْد السَّبِيلِ أُمورُها فلمّا تَراماه الشَّبابُ وغيُّه ... وفي النّفس منه فتنةٌ وفجُورها قولُه: ترَاماه الشَّباب، كما يقال للرجل (¬4): تَرامَى الفَلاةُ (¬5) بالرّجل، وتَرامى الجنونُ بالرجل: لجَّ به. لَوى رأسه عنِّي ومالَ بودِّه ... أغانِيجُ خَوْدٍ كان قِدْمًا يَزُورُها ¬

_ (¬1) كذا بالأصل. وفيه اضطراب ولا يخفى، والمراد واضح. (¬2) حرانا، أي ما حولنا. وفي الأصل: "عرانا"؛ وهو تحريف. (¬3) عباة السكرىّ: القرينة في هذا الموضع النفس، وفي غير هذا الموضع الصاحبة، أي أخاف الموت ... أي أحاذر أن أموت فيبقى عليّ إثمه وعاره. (¬4) قوله: "للرجل" كذا في الأصل. والكلام مستغن عنها. (¬5) كذا في السكريّ. وفي الأصل: "الكلام" وهو تحريف.

تَعلَّقَه منها دَلالٌ ومُقْلَةٌ ... تَظَلُّ لأصْحابِ الشَّقاءِ تُدِيرُها وما يَحَفظُ المكتومَ مِنْ سرِّ أهْله ... إذا عُقَدُ الأسْرار ضاعَ كَبيرُها مِن القوِم إلاَّ ذو عَفافٍ يُعينُه ... على ذاكَ منه صِدْقُ نَفسٍ وخِيرُها فإِنّ حَراما أنْ أَخون أمانةً ... وآمنَ نَفْسًا ليس عندي ضميرُها فنفسَكَ فاحفَظْها ولا تُفْشِ للعِدَى ... من السِّرِّ ما يُطْوَى عليه ضميرُها (¬1) مَتَى ما تشأ أَحْمِلْكَ والرَّأْسُ مائِلٌ ... على صَعْبةٍ حَرْفٍ وَشيكٍ طُمورُها هذا مَثَل؛ يقول: أحملك على أمرٍ صَعْب شاقٍّ. حَرْف، يقال: ناقةٌ حَرْف إذا أَسَنّت وفيها بقيّة (¬2). وَشيك: سريع. طُمُورُها: طَفْرُها. وما أَنُفُس (¬3) الفِتْيانِ إلاَّ قَرائنٌ ... تَبِينُ وببَقىَ هامُها وقُبورُها قال: يقول: أَكره أن أُبْقِى على نفسى، وإنما هي قرينةٌ تَذْهَب كما تَذْهَب القَرائن، وتبقىَ هامُها وقبورُها. فأجابه خالد -وكان ابَن أُخْتِ أبي ذؤيب، وكان ابنَ محرّث، وكان خالدٌ رسولَ أبي ذؤيب إلى صديقته فأفسَدها، وكانت قبلَ أبي ذؤيب صديقةَ عبدِ عمرو ابنِ مالك؛ فكبِر عبد، وكان أبو ذؤيب رسولَه إلَيها-: ¬

_ (¬1) في هذا الببت مع الذي قبله إيطاء؛ وقد وردا في شرح السكرى مفصولا بينهما بعدة أبيات. (¬2) في كتب اللغة الحرف هي الناقة الضامرة الصلبة كأنها حرف الجبل. (¬3) كان الأنسب أن يوضع هذا البيت بعد البيت الثامن من هذه القصيدة كما في السكرى.

لا يُبْعدَنّ اللهُ لُبَّكَ إذْ غَزَا ... فسافَرَ والأَحلامُ جَمٌّ عُثوُرها قولُه: سافَر، أي لم يكن معك، وهذا مثَلٌ ضرَبَه، مِثلُ قولك: عزَبَ عنه عَقْلُه، أي لم يكن معه. وكنتَ إماما للعَشِيرةِ تَنْتَهِى ... إليكَ إذا ضاقتْ بأَمرٍ صُدُورُها لَعَلَّكَ إمّا أُمُّ عَمْرٍو تَبَدَّلَتْ ... سِواكَ خليلًا شاتِمِى تسْتَحِيرُها (¬1) تَستَحِيُرها: تستعطِفها. يقال: حارَ، إذا رجَع، يريد تستحيرها حتّى تَرجِع إليك أمُّ عَمرٍو. فلا تَجَزعَنْ مِن سُنّةٍ أنتَ سِرْتَها ... وأوّلُ راضِى سُنَّةٍ من يَسيرُها فإنّ الّتي فينا زَعمتَ ومثلَها ... لَفِيكَ ولكنّي أَراكَ تَجُورُها يقول: التي فينا زعمتَ مِن المَساءةِ. تنقَّذْتَها منْ عَبْدِ عَمْرِو بنِ مالِكٍ (¬2) ... وأنتَ صَفِيُّ النَّفْسِ منه وخِيرُها قال: ويرُوَى: "وأنتَ صَفِيُّ نفسِه وسَجيرُها" سَجيُره صَفيُّه. وقولُه: تنقّذْتَها، أي أخذَتها؛ ويقال: خيلٌ نَقائِذ، أي أُخِذتْ من أحياءٍ شتّى. ¬

_ (¬1) في شرح السكري واللسان: (مادة خور) "تستخيرها" بالمعجمة، وفسر بما هنا، وأصله أن يأتي الصائد ولد الظبية في كناسه فيعرك أذنه، فيخور يستعطف أمه كي يصيدها، فإذا سمعت الأم ذلك جاءت إليه فتصاد. ولم نجد في كتب اللغة أن استحار بالحاء المهملة بمعنى استعطف كما قال الشارح. (¬2) في رواية واردة في الأصل أيضا: "من عبد وهب بن جابر". وفي رواية: "ألم تتنقذها من ابن عويمر".

يُطيلُ ثَواءً عندَها ليَرُدَّها ... وهيهاتَ منه دُورُها وقُصورُها وقاسَمَها بالله جَهْدًا لأنتمُ ... أَلذُّ مِن السَّلْوَى إذا ما نَشُورُها نَشُورُها: نأخذها. والشَّوْر: أخذُ العَسلِ من موضعها. فَلم يُغْن عنه خَدْعُه حين أَعْرضَتْ (¬1) ... صَرِيمَتَها والنفسُ مُرٌّ ضميرُها ولمَ يُلْفَ جَلْدًا حازمًا ذا عَزيمةٍ ... وذا قُوّةٍ يَنْفِى بها مَن يَزورُها فإنْ كنتَ تَشْكُو من قريب مَخانةً (¬2) ... فتِلكَ الجوَازِى عَقْبُها ونُصُورُها (¬3) عَقْبُ كلِّ شيء: [شيء] (¬4) يَجئُ بعدَ شيء. وإن كنتَ تَبغِي للظُّلامةِ مَرْكَبًا ... ذَلولًا فإِنِّي ليس عندي بَعيرُها نشأت عَسيرًا لم تُديَّثْ عَرِيكَتي ... ولمَ يَعْلُ يوما فوقَ ظَهْرِىَ كُورُها العَرِيكة: السَّنام؛ وهذا مَثَلٌ ضَرَبَه، وتُدَيَّث: تُلَيِّن. والكُورُ: الرَّحْل. يقول: فأنا لَم أَدِلَّ لأحد. فلا تَكُ كالثَّوْر الّذي دُفِنتْ له ... حَديدةُ حَتْفٍ ثمّ ظَلَّ يُثِيرُها ¬

_ (¬1) في السكري: "أزمعت"، وهي الرواية الجيدة. وأعرضت هنا مضمنة أزمعت، أي أعرضت عنك مزمعة صريميّا. (¬2) كذا في السكري. وفي الأصل: "مخافة"؛ وهو تحريف. (¬3) قال في اللسان مادة "نصر": نصورها، يجوز أن يكون جمع ناصر، كشاهد وشهود، وإن يكون مصدرا، كالخروج والدخول. (¬4) عن السكري.

ولا تَسْبِقَنّ الناسَ مِنِّي بَحزْرَةٍ (¬1) ... من السُّمِّ مَذْرورٍ عليها ذَرُورُها قوله: بحَزْرة، الحَزْرة: الحامضة. وإيّاكَ لا تأخُذكَ مِنِّي سَحابةٌ ... ينفِّرُ شاءَ المُقْلِعِين (¬2) خَريرُها ويُروَى أيضا: "شْاءَ المُقْلَعين"، وهم الّذين أَقلعتْ عنهم السّحابةُ؛ وإنما هذا مَثَل. يقول: يأخذك منّي قولٌ مثْلُ المَطر يتداركُ عليك، أي أَهْجوكَ. وقال أبو ذؤيب حين جاءتْه أمُّ عَمرٍو تَعتَذر إليه: تُرِيدينَ كَيْما تَجْمعيني وخالدًا ... وهل يُجْمَع السَّيفان وَيْحَكِ في غِمْد أخالدُ ما راعَيتَ من ذي قرابةٍ ... فتَحْفَظني بالغَيْب أو بعضِ ما تُبدِي دَعاكَ إليهما مُقْلَتاها وَجيدُها ... فمِلْتَ كما مالَ المُحِبُّ عَمْدِ كنتَ كَرَقراقِ السَّرابِ إذا جَرَى ... لِقَوْمٍ وقد باتَ المَطِيُّ تخْدِى فأَقسمتُ لا أَنفكُّ أَحْذُو قَصيدةً ... أَدَعْكَ وأيّاها بها مَثَلًا بَعْدي قال أبو سعيد: سألتُ ابنَ أبي طرفة عن هذا فلم يَعرِفْه، ولَم يكن عند أبي عَمرٍو فيها إسناد. وسَمعتُ من قال: أحْذُو، يعنى أقول. ومن قال: "أَحْدو" قال: أُغنِّي بها؛ وأهلُ المسجد يُنشِدون: "تكون وإيّاها بها مَثَلا بَعْدي". ¬

_ (¬1) في السكري: "بخمطة". (¬2) المقلعون بكسر اللام، من أقلع إذا جلا عن مكانه وبعد.

خالد بن زهير

ثم إنّ خالدَ بنَ زهير اشتكَى فَلم يَعُدْه أبو ذؤَيب، فقال أبو ذؤيب في ذلك: ألا ليَتَ شِعْري هل تنظَّرَ خالدٌ ... عيادِى على الهِجران أم هو يائسُ؟ قوله: عيادى، مُراجَعتى. وخالد: ابنُ أخته. فلو أنّني كنتُ السَّليمَ لَعُدْتَني ... سريعًا ولَم تَحْبِسْكَ عَنِّي الكوادِسُ السَّلِيم: اللَّسِيع. والكَوادِس: العَواطِس (¬1). يقول: لَا تَتَشَاءمُ ولا تَتَطيَّرُ. وقال الراجز: "قَطَعْتُها ولا أَهابُ العُطَّسا (¬2) ". وقد أَكْثَرَ الواشُون بَيْني وبَينَه ... كما لم يَغِبْ عن غَيِّ ذُبْيانَ داحِسُ قال أبو إسحاق: ويقال: ذُبْيان، وذَبْيان؛ وسُفْيان، وسَفْيان؛ بالضم والفَتح (¬3). فإِنِّي على ما كنتَ تعْهَد بينَنا ... وَليدَيْن حتى أنت أَشَمطُ عانِسُ يقال: رجُلٌ عانِسٌ وامرأةٌ عانِس، إذا بلَغ سنًّا ولَم يتزوّج. يقول: فأنا على الّذي كنتَ تعْهد بيني وبينك من الوِداد ونحن غلامان حتّى أنت أَشْمط. ¬

_ (¬1) فسر الكوادس هنا بالعواطس، لأن العرب كانت تتطير من العطامن. وفسر في اللسان الكوادس بأنها ما يتطير منه. (¬2) الرجز لرؤبة، كما في (بلوغ الأرب) في الكلام على مذهب العرب في العطاس. (¬3) الذي في كتب اللغة: بالضم والكسر في ذبيان، وبالتثليث في سفيان.

لشِانئه طُولُ الضَّراعةِ منهمُ ... وداءٌ قد اعيا بالأطِبّاءِ ناجِسُ لشِانئِه، أي لمبُغِضِه، كما قال الآخر (¬1): * لشِانئكَ الضَّراعةُ والكلُولُ * والشانيء: المبغِض، تقول: شَنِئه يَشْنَؤُه شَنْئًا وشَناءةً. وقولُه: ناجس: لا يكاد يُبرَأ [منه]؛ ومثلُه قولُ ساعدة: * والشَّيبُ داءٌ نجيسٌ لا شِفاءَ (¬2) له * وناجِسٌ ونَجِيسٌ واحد. والضَّراعة: التّصاغُر (¬3). وقال مَعْقِل بنُ خُوَيلد لخالد بن زُهَير بنِ محرّث أتاني ولمْ أشْعرْ به أنّ خالدًا ... يُعَطِّفُ أبكارًا على أمّهاتِها (¬4) يعطِّفُ طُولاها سنامًا وحارِكًا (¬5) ... ومِثلُكِ أغْنَتْ (¬6) طِلْبَها عن بنَاتها فلَم أرَ بِسْطًا مِثلَها وخَلِيّةً ... بهَاءً إذا دفَّعتَ في ثَفِناتِها (¬7) البِسْط: الناقةُ الَّتي تُخلَّى وولدَها لا تُعطَّف على غيرِه. والخَليّة: الَّتي تُعَطَّف على ولدٍ واحد وأخرى فتَدِرّان عليه جميعًا، فيتَخلَّى أهلُ البيت بواحدة، ويَرضَع الذي عُطِّفَتَا عليه الأخرى. ¬

_ (¬1) هو ساعدة بن جؤية، وصدر البيت: "ألا قالت أمامة إذ رأتني". (¬2) تتمة البيت: "للمرء كان صحيحا صائب القحم". (¬3) كذا في الأصل. والمقام يقتضي أن يكون "الصغار". (¬4) في بعض شروح هذا الديوان ما نصه: "الناقة لا تعطف على ولدها، وإنما تعطف على ولد غيرها"؛ وإنما كان اتهمه بأنه صادق امرأة وابنتها. (¬5) الحارك: أعلى الكاهل. (¬6) كذا في السكري. والذي في الأصل: "أعيت"؛ وهو تحريف. (¬7) ثفنات البعير: مباركه وكركرته.

فأجابه خالد بنُ زُهَير بنِ محرّث إذا ما رأيت نِسْوةً عند سَوْءةٍ ... فإنّ نِساءَ مَعْقِلٍ أَخَواتُها فكن مَعْقِلًا في قومكَ ابنَ خُوَيْلدٍ .. وَمسِّكْ بأَسبْابٍ أضاعَ رُعاتُها ولا تَبْدُرَنَّ القومَ منّى بجَزرَةٍ (¬1) ... طويلةِ حَدِّ الشَّوْكِ مُرٍّ جَناتُها ولا تَبْعَث الأَفعْىَ تُداوِرُ رأسَها ... ودَعْها إذا ما غيّبَتْها سَفاتُها (¬2) وأَقْصِرْ ولا تَأخُذْكَ مِنِّي عَمايةٌ ... ينفِّرُ شاءَ المُقْلعِين خَواتُها (¬3) فقال أبو ذُؤَيبٍ يُصلِح بينهما أَبلِغْ لَدَيْكَ مَعْقِلَ بنَ خُوَيْلدٍ ... مَلائكَ يَهديها (¬4) إِليكَ (¬5) هُداتُها مَلائك: رسائل، والواحد مَلأَكة (¬6). على إثرِ أُخْرى قبلَ ذلك قد أَتتْ ... إليكَ فجاءتْ مُقْشَعِرًّا شواتُها وقد عَلِمَ الأَقوامُ أنَّكَ سيّدٌ ... وأنّك مِن دارٍ شديدٍ حَصاتُها ¬

_ (¬1) قال السكرى: الحزرة شجرة شديدة الحموضة. (¬2) السفا: التراب. (¬3) العماية: السحابة. وخواتها: صوتها. وفي رواية "المرتعين" مكان قوله: "المفلعين". قال السكرى: وهي الأجود والمرتعون: الذين أرتعوا نعمهم. والمقلعون: الذين أصابهم القلع بالتحريك، وهو السحاب. (¬4) يهديها، أي يزفّها كما تهدى العروس. (¬5) في السكرى: "إليه"؛ وهو أجود. (¬6) في الأصل: "مألكة" والصواب ما أثبتنا لجمعه على ملائك. وملأكة: مقلوب مألكة. ويقال للرسالة مألكة ملأكة.

فلا تُتْبِع الأَفْعَىَ يَدَيْكَ تَنُوُشها ... ودَعْها إذا ما غَيّبَتَها سَفاتهُا وأَطفيءْ ولا تُوقدْ ولا تَكُ مِحْضأً ... لنِار العُداة أنْ تَطير شكاتُها ويرُوَى: "محضَبًا" (¬1)، قال الشاعر: حَضَأْتُ له نارى فأَبْصَرَ ضوءها ... وما كان لولا حَضْؤُه (¬2) النارَ يهْتَدِى والمِحْضَأُ: العُود الذي تُقْدَحُ به النارُ. فإنّ مِن القوْل الّتي لا شَوَى لها ... إذا زَلَّ عن ظَهْرِ اللَّسان انفلاتُها لا شَوى لها، يقول: هي مَقْتَلٌ تَقْتُل صاحَبها إنْ نَطَق بها، وإن هو حبَسَها سَلِمَ؛ وهذا مِن قولهِم: "رمَىَ الصيد فَأَشْواه" إذا لم يُصِب مَقْتَلَه؛ و "رماه فأقْصَدَه"، إذا أصاب منه مَقْتَلا؛ ثم كثُر هذا (¬3) على ألسنتهم قالوا إذا رماه ولم يَقتُلْه: أشواه. وأصلُ الشَّوَى: القَوائم، وهي غير مَقتَل. ومَوْقِعُها ضَخْمٌ إذا هِيَ أُرْسِلَتْ ... ولو كُفِتَتْ كانت يسيرًا كِفاتُها كُفِتتْ: حُبِستْ وقُبِضَت، ويقال: اللهمّ اكفِتْه إليك، أي اقبِضْه. ويقال: اِنكفِتْ في حاجتك، أي انقبِضْ فيها. قال أبو سعيد: وفي بعض الكتب يقال لبَقِيع الغَرْقَد: كَفْتَة، لأنَّهم يَدْفنون فيه المَوْتى. ولمّا تَطِبْ نَفْسِي بإرسالِها لَكُم ... وهل يَنْفَعَنْ نفسي إليكمْ أَناتهُا؟ ¬

_ (¬1) في الأصل: "محضئا"؛ وهو تحريف، والمحضب والمحضأ بمعنى واحد. (¬2) لعله "حَضْئى". (¬3) كذا في الأصل. وفي العبارة اقتضاب، والمراد واضح.

وقال أبو ذؤيب أيضًا أمنْك البَرقُ أرْقُبُه فَهاجا ... فبِتُّ إخالُه دُهْمًا خلاجا أمِنْك، يقول: أمِنْ شِقِّكِ هذا البَرْقُ، أي أمِنْ ناحيَتِكِ. خلاجا، يقول: اخْتُلجَت عنها أولادها، فهي تحنُّ إلى أولادِها. تَكَلَّلَ في الغِماد (¬1) فأرض لَيلَى ... ثلاثًا لا أُبينُ له انفراجا تكلَّل: تنطَّقَ. قال: ووجْهٌ آخر، تكلَّل: تبسَّم بالبرق مثلَ امرأةٍ تَضْحَكُ. فما أَصحى هَمِيُّ الماءِ حتّى ... كأن على نَواحِي الأرضِ ساجا يقول: انصبّ الماءُ حتى كأنّ الأرضَ أُلبستْ سَاجًا من خُضْرَتها، أي طيْلَسانا من النَّبت. وقال أبو ذؤيب في غارة مالك بنِ عَوْف على بني معاويةَ من هذَيل أَدرَكَ أربابُ النَّعَمْ ... بكلِّ محْلُوبٍ (¬2) أشَتمْ * مُذَلَّقٍ مثلِ الزَّلَمْ * الزُّلَم: القِدْح. ويُروَى: مَلْحُوب (¬3) أَشَمْ. ¬

_ (¬1) برك الغماد؛ موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر. (¬2) كذا بالأصل، وهي غير واضحة المراد. (¬3) الملحوب: القليل اللحم.

وقال خالد بنُ زُهير لأبي ذُؤيب يا قوِم ما بالُ أبي ذؤيب ... كنتُ إذا أتوْتُه (¬1) من غيْبِ يشَمُّ عِطفِي ويَمسُّ ثَوبي ... كأنّنى قد ربْتُه (¬2) برَيْب قال: المعروف في هذا أَرَبْتُه. وأرْبتُ غير متعدٍّ: إذا كان صاحبَ رِيبة. ¬

_ (¬1) أتوته: لغة في أتيته. (¬2) هذه رواية لسان العرب (مادة ريب). وفي الأصل: "أربته". تم شعر أبي ذؤيب والحمد لله ربّ العالمين

شعر ساعدة بن جؤية

شِعرُ سَاعدةَ بنِ جُؤَيَّة وقال سَاعدةُ بنُ جُؤَيَّةَ أخو بني كعب بنِ كاهلِ بِن الحارِثِ بنِ تمِيم بنِ سعدِ ابِنِ هُذَيْل بنِ مُدْرِكةَ: هَجرتْ غَضُوبُ وحُبَّ مَن يَتَحَبَّبُ (¬1) ... وَعَدَتْ عَوَادٍ دُونَ وَلْيِكَ تَشْعَبُ قال أبو سعيد: غَضوب: اسمُ امرأة. وحُبَّ مَنْ يَتَحَبَّب، أي حُبَّ بها متحبِّبةً إلي. يقال: لَحُبَّ إلي بذاك، ولَحُبَّ بفلانٍ إليه، إذا قال: ما أَحَبَّه إليه، وأَنْشَدَنا للحارِث بنِ وَعْلةَ: لمِن الديارُ عَفَوْنَ بالرَّضْم (¬2) ... ولَحُبَّ بالآياتِ والرَّسْمِ وقولهُ: وعَدَتْ عَوادٍ، أي صَرفت صَوارِفُ. والعَوادى: الصَّوارِف. وقولُه: دونَ وَلْيِك، الوَلْيُ: المُدَاناة، وهو منْ وَلِىَ يلىِ وَلْيًا؛ وَليْكَ: قُرْبكَ. وتَشْعَبُ: تُخالِفُ قَصْدَكَ. ويُروَى: "تشْغَب" و"تشْعب"، فمن قال: تشْغَب قال: تَجُور لا تَجيءُ علي القَصْد؛ ومن قال: تَشْعَب قال: تفْرُقُ؛ وأنشَدَنا (¬3): وإذا رأيتَ المرءَ يشْعَبُ أَمْرَه ... شَعْبَ العَصا ويَلِجُّ في العِصْيانِ العصا: الجماعة. يقول: إذا رأيتَه يفارِق الجماعةَ ويُفرِّق أَمْرَه كما تُشْعَبُ العَصا ويَلجُّ في الخطأ فدَعْه. قال: ويقال: شعَبَ المصدِّق رَجُلا إلى بنِي فلان أي أَخْرجَه من أصحابه، فشَعبَ إليهم، فشَعبه (¬4) شَعْبا. ¬

_ (¬1) في رواية: "من يتجنب" كما في (ب) و "اللسان" مادة شعب. (¬2) الرضم: موضع على ستة أميال من زبالة. (¬3) البيت لعلي بن غدير الغنويّ, كما في (ب) و (اللسان) مادة شعب. (¬4) لم يظهر لنا وجه للفاء هنا.

ومِنَ العَوادِى أَن تَقَتْكَ بِبغْضةٍ ... وتَقاذُفٍ منها وأَنَّكَ تُرْقَبُ العَوادِى: الأَشغال والصَّوارِف. تَقَتْكَ، يقول: أن اْتَّقتْكَ. بِبغْضةٍ أي بقَوْمٍ يُبغِضُونك. وتَقاذفٍ، أي تبَاعُدٍ. نِيِّةٌ قَذَف، أي بَعيدةٌ. تُرْقَب: تُرْصَدُ وتُحْرَس. والبِغْضةُ: البَغْضاء. شابَ الغُرابُ ولا فُؤادُكَ تارِكٌ ... ذِكْرَ الغَضُوبِ ولا عِتَابُكَ يُعْتَبُ شابَ الغُرابُ، يقول: كان [ما] (¬1) لم يكن لطُولِ الأَمَد, ولم تَتْرُكْ ذِكْرَ الغَضُوب وأنتَ على حالِكَ في أَمْرِها. ولا عِتابُكَ يُعْتَب، أي يُسْتَقْبَلُ بعُتْبَى في أَمرِها. قال: والعُتْبَى الرجوع. يقول: إذا عاتبتَ لم تُعْتَبْ "بودى عنك" (¬2). وفي مَثَلٍ مِن الأمثال: "إنّما يُعاتَبُ الأَدِيمُ ذو البَشَرة", أي إنَّما يكلَّم من الناس من به مُسْكةٌ. ويُعاتَب: يُرَدُّ في الدِّباغ. يقول: إنّما يُراجَع في الدِّباغِ الأَدِيمُ الَّذى بقيتْ فيه بقيّة. وكأنَّما وافاكَ يومَ لَقِيتَها ... مِنْ وَحْشِ "وَجْرةَ" (¬3) عاقِدٌ مُتَرَبَّبُ وافاكَ، أي لَقِيَكَ. ويقال: وافاني فلانٌ بمكّة أي اجتمَعْنا بها. والعاقِد: الذي قد ثَنَى عُنقَه، وكذلِك تفعل الصِّغار من الظِّباءِ. وقوله: متربَّب، أي متربَّبٌ في النّبتِ (¬4). خَرِقٌ غَضِيضُ الطَّرفِ أَحْوَرُ شادِنٌ ... ذو حُوَّةٍ أُنُفُ المَسارِبِ أَخْطَبُ (¬5) ¬

_ (¬1) لم ترد هذه الكلمة في الأصلين. (¬2) كذا وردت هذه العبارة في كلتا النسختين. (¬3) في اللسان مادة "عقد" "مكة" مكان قوله "وجرة". ووجرة: منزل بين مكة والبصرة. (¬4) في كلتا النسختين "في البيت" وهو تصحيف. (¬5) ورد بعد هذا البيت في الأصل قوله: "كمل الجزء الثاني". ثم ورد أمام ذلك في هامش الصفحة قوله: "الجزء الثالث من ديوان الهذليين، وهو من رواية أبي سعيد عن الأصمعي، بقية قصيدة ساعدة بن جؤية".

الخَرق: الصغير منها الّذي إذا فاجأْتَه خَرِق وانقبضَ أن يَعْدُوَ. وقوله: غَضيضُ الطَّرْفِ أي فاتِرُه. والشادِن: المتحرِّك. ذو حُوّةٍ, يقول: فيه خطوطٌ تَضرِب إلى السّواد، يعنِي الخُطَّتين اللَّتَين تضربان إلى السواد على ظَهْرِه. والأخطَبُ: الأخضر في لونه. والخُطْبَة: الخُضْرَة. أُنُفُ المسَارِب, يقول: هو مستأْنَفُ الربيعِ ولَم يُرعَ قَبْلَه، وهذا في موضع. والمَسارِب: مسَارِحُه الّتي يَسْرُب فيها. بشَرَبَّةٍ (¬1) دَمَث الكَثِيبِ بِدُوره ... أَرْطَى يَعوذُ به إذا ما يرْطَبُ بشَرَبّةٍ، أي موضع مرتفِع ليس (¬2) فيه لِين. ودَمَث الكَثِيب، الدِّمِث: اللَّيِّن. وقولُه: بدورِه، قال: الدُّورُ فَجَواتٌ، وهي داراتٌ تكون في الرمل. وقوله: إذا ما يُرْطَب، يَعنِي الظّبيَ إذا ما أصابه بَلَلٌ استغاث بهذه الأرْطَى، فهو قوُله "يَعُوُذ به" أي يَلْجَأ إليه. ويقال: أرطبَتْه السماءُ إذا بَلَّتْه. يَتَقِى (¬3) به نَفَيانَ كلِّ عَشِيّةٍ ... فالماءُ فَوقَ مُتُونِه يَتَصَبَّبُ قوله: يَتَقِى، يريد "يتّقى", وهي لغةٌ لهم؛ وأنشَدَنا أبو سَعيدٍ عن عيسى بنِ عُمَر: جَلاها الصَّيْقَلون فأخْلَصُوها ... خِفافًا كلُّها يَتَقِى بأَثْرِ (¬4) ¬

_ (¬1) في الأصل "بشريّة" بالياء المثناة التحتية وكسر الراء؛ وهو تحريف. (¬2) الذي في اللسان أن الشربة أرض لينة تنبت العشب وليس بها شجر اهـ وهذا هو المناسب لقول الشاعر بعد: "دمث الكثيب". وذكر في اللسان أيضًا هذا البيت وفسر الشربة بأنها موضع. وفي ياقوت أنها موضع بين السليلة والربذة. (¬3) ذكر في اللسان (مادة وقى) أن التاء الأولى هي المحذوفة من "يتقى" مشدّدة التاء؛ وإذن فالتاء في "يتقى" المخففة مفتوحة لا غير. وكذلك نقل عن ابن برى أن الصحيح فتح التاء في هذا الفعل. (¬4) البيت لخفاف بن ندبة. ويزيد بقوله: "يتقى بأثر" أن هذا السيف يستقبلك بفرنده.

والنّفَيان: كلُّ شئٍ يطير ليس بمُعْظم الشئِ. ونَفَيانُ الرِّشاء: ما تَطايَرَ على ظَهْر الساقى؛ وأنشَدَنا: * كأنّ مَتْنَيْةَ مِن النَّفِيِّ (¬1) * أي ما يُنفَى مِن الرِّشاءِ والإِبلِ بَمشافِرِها. يقول: فالماءُ يَنصَبُّ عن مُتونِ الأَرْطَى فلا يُصيبُ الظَّبيَ منه شيء. ومَن رَوَى: "فالماءُ فوقَ مُتُونِها" يقول: إنّ نَفِيَّ السحابِ متى يتطاير يَجرِى الماءُ فوق مُتونِ الأَرْطَى فيسيرُ الظَّبىُ فلا يُصِيبهُ منه شيء. والهاء راجعةٌ للأَرْطَى في الرّوايتين, لأنّ الأَرْطَى تؤنَّث وتذكَّر. يقَرو أبارِقه ويدنو تارةً ... لمدافِيء منها بِهِنَّ الحُلَّبُ يَقْرُو أي يَتْبَع. قال ويقال: خرج فلانٌ يَقْرُوهُم، أي يتَبْعُ آثارَهم. فيقول: هذا الظبْىُ يَتْبَع الآثارَ (¬2). وقال (¬3): "وهي الأَبارقُ والأَبْرَق والبَرْقاءُ والبِراقُ وبَرْقاوات"، وهي جِبالٌ من حِجِارةٍ وطِين، أو حِجِارة ورملٍ. فإذا أرادوا الموضعَ قالوا أَبرَق، وإذا أرادوا البُقْعةَ قالوا بَرْقاء. والمدافيء: مواضعُ دفيئة، واحدها مَدْفَأ. وموضعٌ دَفِئٌ. والحُلَّبُ: بَقْلَةٌ جَعْدَةٌ غَبْراءُ في خُضْرةٍ تَنبسِط على وجهِ الأرضِ يَسِيل منها لبنٌ إذا قُطِع منها شيء. إنِّي وأَيْدِيها وكلِّ هَدِيّةٍ ... مِمّا تَثُجُّ لهما تَرائبُ تَثْعَبُ ¬

_ (¬1) الشعر للأخيل؛ وبعده: من طول إشراف على الطوىّ ... مواقع الطير على الصفىّ (¬2) لعل صوابه "الأبارق". (¬3) كذا وردت هذه في كلتا النسختين. ولعلها: ويقال الأبارق الخ.

قولُه: إنِّي وأَيْديها، قال أبو سعِيد: يَحلِف بالهَدايا، يحَلِف بما نَسَكوه، يحَلِف بغيرِ الله. وتَثُجُّ: تَصُبّ: تَثْعَب: تَنْبعِث (¬1). وأيْدِيها، يَعْنِي نوقًا يُقْسِم بها. ومُقامِهِنّ إذا حُبِسْن بمَأْزِمٍ ... ضَيْقٍ أَلَفَّ وصَدَّهُنّ الأخْشَبُ المَأزِم: مَضِيقٌ بين "عَرَفَةَ" و"جَمْع". والأَخْشَبان: جَبَلاَ مِنًى. يقول: صارت بينه وبين الجبل. وقوله: أَلَفّ أي مُلْتفّ. والمَأْزِم: الضَّيْق؛ وأَنْشَد: * هذا طريقٌ يأْزِم المَآزِما * أي يَعَضُّ المَعاضَّ. ورجُلٌ به أَزْمٌ، أي عَضٌّ. حَلِفَ امرئٍ بَرٍّ سَرِفْتِ يَمِينَه ... ولِكلِّ ما تُبدِى النفوسُ مُجَرَّبُ برّ: صادق. سرفتِ يمينَه، أي لم تعْرِفيها؛ ويقول الرجل للقوم: طَلبَتُكْم فَسِرفْتُكُم، أي لم أَدْرِ أين أنتم. سرِفتِ يمينَه، يقول: لَم تَعْرِفِي قَدْرَها وجَهِلْتِها، وأَنشَدَ لطَرَفة: إنّ امرَأً سَرِفَ (¬2) الفُؤادِ يَرَى ... عَسَلًا بماءِ سَحابةٍ شَتْمِى والمجرَّب ها هُنا في معنى التجربة. يقول: كلُّ ما أَخْفَيْت وأَبْدَيْت سيَظهر في التجرِبة. يقول: لِكلّ ذاكَ مِن حَقٍّ وباطلٍ مجرَّبٌ. إنِّي لَأهواها وفيها لِامرْئٍ ... جادت بنائِلِها إليه مَرْغَبُ ¬

_ (¬1) في كلتا النسختين "تتعب"؛ وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا، كما يستفاد من كتب اللغة في تفسير "ثعب"؛ والانبعاث هنا، هو انبعاث الدم منها. (¬2) سرف الفؤاد: مخطئ الفؤاد غافله، قاله في اللسان، وأنشد بيت طرفة هذا.

قال: يقول: فيها مَرْغَبٌ لمن جادت له بنائِلها، وأمّا من لم يجد ذلك عندها فإنه يائس من نائلها فلا يَطْلبُه. ولقد نَهَيْتُكَ أَن تَكَلَّفَ نائيًا ... مِنْ دُونِهِ فَوْتٌ عليكَ ومَطْلَبُ يقول: نَهَيْتُك يعني فؤادَه. فَوْتٌ عليكَ وَمطْلَب (¬1)، أي لا تَقْدر عليه إلاّ بِطَلَب. يقول: مِنْ دُونِه فَوْتٌ عليك لا تُدْرِكُه، أي لا تَقْدرُ عليه إلاَّ بَطلَب. أَفِمِنْكِ لا بَرْقٌ كأنّ وَمِيضَه ... غابٌ تَشَيَّمَه ضِرامٌ مُثْقَبُ أفمنك، قال أبو سعيد: تقول الغرب: أفَمِنْ شِقِّك هذا البرقُ ومِن ناحِيتِك، و"لا" زائدة. وتَشَيَّمَه، أي دَخَلَ فيه. ومُثْقَب، أي أُثْقِبَ حتّى يَثْقُب هو والثَّقُوب: ما تُثْقَب به النارُ حتّى تَثْقُب. وثُقُوب النارِ: اتِّقادُها (¬2)، وأَثْقَبَتُ النارَ أُثْقِبُها إْثْقابا. والضِّرام: النارُ في الحَطَب الدَّقِيق الّذي تَضْطَرم فيه. ويقال: "شَيِّمْ نارَكَ"، أي أَدْخِلْ معها شيئًا تأخُذُ فيه دقِيقا ثم تأخذ في الغليظ. والغابُ: شَجَر. سادٍ تَجَرَّمَ في البَضِيعِ ثَمانِيًا ... يُلْوِى بعَيْقاتِ البِحارِ ويُجْنَبُ سادٍ، فيه قولان: أحدُهما أَسْأَدَ ليلتَه، لم يَنَمْها بإسآد (¬3)، من الإسآدِ ليلًا. والقول الآخر يقول: سادٍ مِثلُ مُهمَلٍ. تَجرَّم: استوفَى ثمانيا. والبَضِيع: ¬

_ (¬1) في النسختين: "ومقدر" وهو خطأ من الناسخ. وقد صوبت في (ب). (¬2) في الأصل "إيقادها" بالياء؛ وهو تصحيف. (¬3) الإسآد: سير الليل؛ قال ابن سيده: هذا لا يجوز إلا أن يكون على قلب موضع العين إلى موضع اللام، كان أصله "سائد" أي ذو إسآد، كما قالوا: تامر ولابن، ثم قلب فقال: سادئ، ثم أبدل الهمزة إبدالا صحيحا فقال: "سادى" ثم أعل إعلال قاض ورام.

جزائرُ (¬1) البحر. "يُلْوِى بها كأنه يَذْهب بها إلى البحر تَشْرَبُ ماءَه كلَّه" (¬2)، عَيْقَة وعَقْوَة وساحة واحد، وهي فِناءٌ (¬3) من الأرض. وقولهُ: يُجْنَبُ، أي تُصيبُه الجَنُوبُ؛ وأنشَدَنا: * غَدَاةَ تَخالُها نَجْوًا جَنِيبا * النَّجْوُ: السّحاب الّذي قد هَراقَ ماءَه. والجَنِيب: الّذي تَسوقُه الجَنوب. لَمّا رَأَى "عَمْقًا" ورَجَّعَ عَرْضُه ... رَعْدًا كما هَدَرَ الفَنِيقُ المُصْعَبُ رَأَى عَمْقا، أي صارَ بعَمْقٍ، وهو موضعٌ (¬4) أو بلد. ورَجَّع عَرْضُهُ، والعَرْض: خِلافُ الطُّول، وعَرْضُه: ناحيتُه. رجَّعَ: رَدَّدَه كما هَدَرَ الفَحْلُ، شَبَّهَ الرعدَ بالهَدِير. لَمّا رَأَى "نَعْمانَ" حَلَّ بِكْرفِيء ... عَكَر كما لَبَج النُّزولَ الأرْكُبُ يقول: حَلَّ بكِرِفئه. وحَلَّ: أَقَام. والكِرْفئ من السحاب: ما تَراكبَ بعضُه على بعض؛ ويقال: كَرفِئُ من شَحْم، أي طرائقُ بعضُها فوق بعض والواحدةُ كِرْفئة. وقوله: "كما لَبَجَ النزُولَ الأَرْكُب", يقول: كما ضَرَبُوا بأنفسهم للُّنزُول. ولَبَجَ: ضَرَبَ بنفْسِه. والأَرْكُب: جَمعُ رَكب. والعَكر: الكثيرُ، مِثلُ عَكَرِ الإبِل، وهو جماعتُها. والسِدْرُ مُخْتَلَجٌ وأُنْزِلَ طافِيًا ... ما بينَ "عَيْنَ" إلى "نَباةَ" الأثْأَبُ ¬

_ (¬1) في اللسان مادة "بضع": الجزيرة في البحر. (¬2) كذا وردت هذه العبارة في الأصل؛ وهي غير مستقيمة. وعبارته اللسان (مادة بضع) في تفسير قوله: "يلوى بعيقات البحار"، أي يذهب بما في ساحل البحر؛ وعبارته في مادة (لوى) أي يشرب ماءها فيذهب به. (¬3) أراد بالعيقة في هذا البيت ساحل البحر. (¬4) في معجم ياقوت أن عمقا واد من أودية الطائف.

مُختلَج: منتَزعٌ يَقْلَعه السَّيْل. والأَثأَب: نبت (¬1)، وهو المُنزَل طافيا أي وأُنزِل الأَثأَب. وَعْين ونَباة: بَلَدان (¬2)، أي أُنْزِلَ الأَثأَب (¬3)، جَعَلَه المَطَرُ طافِيا يَطفُو فَوقَ السَّيْل. والأثْلُ مِن (سَعْياَ) و (حَلْيَةَ) مُنزَلٌ ... والدَّوْمُ جاء به (الشُّجونُ) و (فعُلْيَبُ) قال يقول: الأَثْل من هذين الْمَوْضِعين حَطَّه الغَيْث. (سَعْيَا) و (حَلْيةُ): بَلَدانِ (¬4). والشُّجون: شِعابٌ تكون في الحِرارِ والغِلَظ. وقولهُم: "الحديثُ ذو شُجون" أي ذو شُعَب. والمَيْثاء يقال لها شُعْبةٌ إذا صَغُرتْ (¬5)، ثم تَلْعَةٌ إذا عَظُمَتْ فهي مَيْثاءُ جِلْواخ (¬6). وعُلْيَب: موضِع (¬7). ثم انتهَى بَصَرِى وأَصبَحَ جالِسًا ... منه لنَجْدٍ طائفٌ (¬8) مُتغَرِّبُ يقول: ثم انقَطَع بَصَرى دُونَ هذا الغَيْم. وأصبَخَ جالِسا: عَلَا نجْدا من تِهامة. والطائف (8): االحَيْدُ يَنْدُر مِن الجَبَل، فشَبَّهَ ما نَدَرَ من السّحابِ بهذا. وقولُه: متغرِّب: إمّا بعيد، مِن الغُرْبة، وإما أَخَذَ مِن قِبَلِ المَغْرِب. ¬

_ (¬1) في اللسان أن الأثاب شجر ينبت في بطون الأودية بالبادية؛ وهو على ضرب التين، ينبت ناعما كأنه على شاطئ نهر، وهو بعيد من الماء. وقال أبو حنيفة: الأثأبة دوحة محلال واسعة تنبت نبات شجر الجوز، وورقها نحو ورقه، ولها ثمر مثل التين أبيض يؤكل، وفيه كراهة؛ وله حب مثل حب التين، وزناده جيدة. (¬2) في ياقوت أن "عينا" موضع ببلاد هذيل. ونباة: اسم جبل، روى نباة مثل حصاة كما هنا ونبات ونباتي نفله ياقوت عن السكرى. (¬3) في كلتا النسختين: "السدر"؛ وهو خطأ من الناسخ. (¬4) سعيا: واد بتهامة قرب مكة أعلاه لهذيل، وأسفله لكنانة. وحلية: واد بين أعيار وعليب. وقيل: هو موضع بنواحي الطائف. انظر ياقوت. (¬5) في اللسان (مادة ميث) أن الميثاء هي التلعة التي تعظم حتى تكون مثل نصف الوادي أو ثلثيه. وهذا التفسير يخالف ما هنا كما لا يخفى. ولم نجد الميثاء بمعنى الشعبة لا في مادة (ميث) ولا في مادة (شعب) كما يلاحظ أن تفسير الميثاء هنا من قبيل الاستطراد. (¬6) فسر في اللسان الجلواخ (مادة جلخ) بما سبق نقله في الحاشية التي قبل هذه في تفسير الميثاء. (¬7) في ياقوت أنه بتهامة. (¬8) في كلتا النسختين: "طابق"؛ وهو تحريف.

وافتْ بأَسْحمَ فاحمٍ لا ضَرَّهُ ... قِصَرٌ ولا حَرِقُ المَفارِقِ أَشْيَبُ وافتْ بأَسْحَم، أي لقِيَتْنا بأَسْحَمَ؛ وأنشَدَنا: "وافَى به الإشراقَ" أي لقِيَنَا به عند الإشراق. والحَرِق: المُنْجاب. وحَرِقٌ ومَعِرٌ سواء. ويُرْوَى: "ولا مَعِرُ المَفارِق". وكلُّ شيء يَنْجاب فهو حَرِق، ويقال: غُرابٌ حَرِق الجَناح؛ وأنشَدَنا: حَرِقُ الجنَاحِ كأنّ لحيَىْ رأسِهِ ... جَلَمانِ، بالأخبارِ هَشٌّ مولَعُ (¬1) والأَسْحَم والفاحِم: شَعْرُها لقِيَتْه به. والأَسْحَم: الأَسْوَد. والفاحم: الشّديد السواد، وإِنما أُخِذَ بن الفَحَم. كذَوائب الحَفَأِ الرَّطِيبِ غَطَا بِه ... غَيْلٌ وَمدَّ بجانبِيْهِ الطُّحْلُبُ الحَفَأُ: البَرْدِىّ. والرَّطِيب: الناعم. وغَطَا به: مِثلُ عَلَا به، أي ارتفَع به. ويقال: غَطَا يَغْطُو إذا ارتَفَع. والغَيْلُ: الماءُ الجارِي على وَجْه الأرض. وقوله: "مَدَّ بجانِبَيْه"، قال: فيه قولان: ... ... ... (¬2) فارتَفَع الطُّحْلُب بفعْله والقول الآخر مَدَّ الغَيْلَ، ثم قال: بجانِبَيْه الطُّحْلُب. ومَدَّ: امتدّ البَرْدِىّ فَأَخذَ القَرِىَّ (¬3) كُلَّه. ومنَصَّبٍ كالأقْحُوانِ مُنطَّق ... بالظَّلْمِ مَصْلوت العَوارِضِ أَشْنَبُ (¬4) ¬

_ (¬1) البيت لعنترة. اللسان (مادة حرق). (¬2) يلوح لنا أن في موضع هذه النقط كلا ما سقط من الناسخ يفيد أن القول الأوّل: "ومدّ الطحلب بجانبيه فارتفع" ... الخ. وعبارة اللسان (مادة حفأ) في تفسير هذا البيت: غطابه: ارتفع. والغيل: الماء الجاري على وجه الأرض. وقوله: ومدّ بجانبيه الطحلب، قيل: إن الطحلب هنا ارتفع بفعله، وقيل: معناه مدّ الغيل؛ ثم استأنف جملة أخرى يخبر أن الطحلب بجانبيه، كما تقول: قام زيد أبوه بضربه. ومدّ: امتدّ. (¬3) القرئ: مجرى الماء. (¬4) رفع أشنب على أنه نعت مقطوع.

ومنصَّب: ثَغْر (¬1)، يَعنِي أسنانَها. والظَّلْم: ماءُ الأَسنان. ومَصْلوت: صَلْت (¬2). أَشنَب أي بارد. قال: والشَّنَب يَرْدُ وعُذوبةُ ريق الفم. والعوارض، من الثَّنِيّة إلى الضِّرس عارض. وقولهُ:. منطِّق، قال: يقول: مستديرٌ به [الظُّلْم] (¬3) ومِثلُه: تَضْحَكُ عن مُتَّسِقٍ ظَلْمُهُ ... في ثَغْرِه (¬4) الإثمِدُ لم يُفْلَلِ يريد تَضْحَكُ عن ثَغْر. كسُلافةِ العِنَبِ العَصيرِ مِزاجُهُ ... عُودٌ وكافورٌ ومِسكُ أصْهَبُ السُّلافة: أوّلُ ما يَخْرُج من الدَّنّ، وأوَّلُ ما يخرج من العَصير أيضًا إذا طُرِح بعضُه على بعض. وأوَّلُ كلِّ شيء سَلَفُه. ومِزاجُه: خِلْطُه. خَصِرٌ كأنّ رُضابَه إذ ذُقْتَه ... بَعْدَ الهُدُوءِ وقد تَعالىَ الكَوْكبُ رُضابُه: ما تَقطَّع في الفم من الرّيق. والرُّضاب أيضًا: النّدى يَسقُط على الشّجر وعلى البَقْل. قال أبو العبّاس: ليس الرّضاب إلاَّ المعنى الأول. بعد الهُدُوء، أي بعد ما هَدَأَ الناسُ وناموا، وتَعالَى الكَوْكَب: ارتفع. والرُّضاب أيضًا: قِطَعُ المِسْك، وقِطَعُ الماء، وقِطَعُ الرِّيق. ¬

_ (¬1) في كتب اللغة (مادة نصب) أن المنصب: الثغر المستوى النبتة كأنما نصب، أي أقيم وسوّى. (¬2) الصلت: الواضح المستوى. (¬3) هذه الكلمة يقتضيها السياق. (¬4) يريد بقوله: "في ثغره الإثمد" وصف اللثة بالسمرة كأنما ذرّ عليها الإثمد؛ وتمدح الثغور بذلك كما قال طرفة: سقنه إياة الشمس إلا لثاته ... أسف ولم تكدم عليه بإثمد ويريد بقوله: "لم يفلل" وصف الثغر بالحدّة وأنه لم يثلم.

أَرْيُ الجوارسِ في ذُؤابةِ مُشْرِفٍ ... فيه النُّسُورُ كما تَحَبَّى الموْكِبُ أَرْيُها: عَمَلُها. والأرْيُ: العَمَل. ويقال: يأْرِي، أي يجَمع العسَلَ. والجَرْسُ: العَمَل، وهو أَخذُها من الشَّجر وأَكْلُها. وقولُه: "فيه النسور كما تَحى المَوْكِبُ" يقول: هُمْ مُحْتَبُون قد نَزَلوا كأنّهم موكِب. مُحْتَبُون، نَزَلوا قَعَدوا مُحْتَبِين. والجَرْس: أَكْلُ النَّحْلِ الشَّجَرَ لتُعَسِّل. مِن كلِّ مُعِنِقَة وكلِّ عِطافةٍ ... ممّا يُصَدِّقُها ثَوابٌ يَزْعَب المُعنِقَة. الطويلة. يقول: خلط (¬1) ماءَ هذه بماء هذه. وصَدَقتْها المَخِيلةُ الّتي تَزْعَب بالماء، أي تدافَعُ به. وعِطافَتُه: مُنْحَناه. وثواب. مَوضِع ما يَثوبَ الماء. أي يجتمع فيه من الوادي. ويَزْعَب: يَتدافع. ويقال: مَرَّ الوادى يَزْعَب، إذا مَرَّ يتدافع. منها جَوارِسُ لِلسَّراةِ وتَأْتَرِى ... كَرَباتِ أَمْسِلةٍ إذا تَتَصوَّبُ ويُروَى "وتَحتَوِى (¬2) كَرَبات". والجَرْسُ: الأَكْل. للسَّراة، أي من السَّراةِ (¬3) ¬

_ (¬1) كذا ورد هذا الكلام في الأصل تفسيرا لهذا البيت؛ وهو في جملته غير واضح؛ ولعل قبله بيتا سقط من الناسخ يتفق مع هذا التفسير الذي ذكره الشارح هنا. والذي في اللسان (مادة عطف) في تفسير هذا البيت أن الشاعر يصف صخرة طويلة فيها نحل، وفسر الثواب في (مادة ثوب) بأنه النحل؛ وأنشد بيت ساعدة هذا، وهو مخالف لما ذكره الشارح هنا تفسيرا لهذه الكلمة، كما ورد في اللسان أيضًا (في مادة زعب) أنه يقال: زعب النحل: إذا صوّت. وهو الملائم في تفسير قوله "يزعب" في هذا البيت. يقول: إن هذه الصخرة وهذا المنحنى ينتابهما النحل ويأوى إليهما في مواعيد لا يخلفها؛ فهذا معنى تصديق النحل إياها. ثم ذكر أن هذا النحل له صوت. (¬2) كذا ورد هذا اللفظ بالحاء المهملة في هذا الموضع وفما يأتي في الأصل. والذي في اللسان (مادة مسل) "وتختوى" بالمعجمة، وذكر أن معناه تأكل للخواء أي الجوع، وأن الكرب بالتحريك ما غلظ عن أصول جريد النخل، وأن الأمسلة جمع مسيل وهو الجريد الرطب. (¬3) سراة الجبل: أعلاه.

تأكل. وتأتَرِي، الأَرْيُ: العَمَلُ والتَّعْسيل. والأَمْسِلة: المُسْلان، وهي بطون الأَوْدِية. والأَرْيُ: عَمَلُ النَّحل. [يقول (¬1): كأنّ أَرْيَ الجوَارِسِ خُلِط بهذه المُعْنِقَة فصَدَّقها، يقول فصَدَّقَ تلك المَخيلةَ هذا الماءُ يكون تصديقا لها، أي خُلط ماءُ هذه بماء هذه. وعِطافَتُها: مُنْحَناها]. وقوله: وتَحْتَوى، أي تَغْلِبُ على بُطون الأَوْدِية ورءوسها. والكَرَبات: مواضعُ فيها غِلَظ (¬2). والمُسْلان: بطونُ الأِودية تَسِيل. والمسَيل: بقعةٌ من الأرض (¬3) , وهي (¬4) الأَمْسِلة، وهو جَمْعُ مَسِيل، وبُنِيتْ (¬5) مثلَ مَكانٍ وأَمكنة؛ وأَنشَدَني لأبي ذؤيب: * وأَمْسِلَةٍ مَدافِعُها خَليفُ * كلُّ مكان يسيل هو أَمْسِلة. فتكشَّفتْ عن ذي مُتونٍ نَيِّرٍ ... كالرَّيْطِ لاهِفُّ ولا هو مُخْرَبُ فكشّفتْ عن ذي مُتون، يعني العسلَ. والمُتون: طرائقُ بِيضٌ مِن عَسَل شَبَّهها بالرَّيط في بياضها. وقوله: "لاهِفٌّ" قال: الهِفُّ الخالي الّذي ليس فيه شيء؛ قال أميَّة بنُ أبي الصَّلْت الثَّقَفىّ: ¬

_ (¬1) كذا ورد هذا الكلام الذي بين هذين القوسين المربعين في الأصل. وهو غير واضح إذ لا صلة بينة وبين تفسير هذا البيت الذي نحن بصدده. (¬2) فسر أبو عمرو الكراب بأنها صدور الأودية، وفسرها غيره بأنها مجارى الماء في الوادى، وهي والكربات واحد. (¬3) أي بقعة يسيل فيها ماء السيل، كما في اللسان. (¬4) وهي، أي المسلان. (¬5) في الأصل: وليست؛ وهو تحريف. وفي اللسان نقلا عن المحكم: المسل بالتحريك والمسيل مجرى الماء؛ وهو أيضًا ماء المطر. وقيل: المسل المسيل الظاهر، والجمع أمسلة ومسل بضمتين، ومسلان ومسايل؛ وزعم بعضهم أن ميمه زائدة من سال يسيل، وأن العرب غلطت في جمعه. قال الأزهريّ: هذه المجموع على توهم ثبوت الميم أصلية في المسيل، كما جمعوا المكان أمكنة، وأصله مفعل من كان. وأنشد هذا البيت.

وشَوَّذَتْ شَمسُهمْ (¬1) إذ اطَّلعتْ ... بالجُلْبِ هِفًا (¬2) كأنّه الكَتَمُ شَوَّذتْ: عَمَّمتْ. واسم العِمامة المِشْوَذ, وأنشَدَ للهُذَليّ (¬3): يَوْما كأنّ مَشاوِذًا رَبَعِيّةً (¬4) ... أو رَيْطَ كَتّانٍ لهنّ جُلودُ ويقال: شُهْدةٌ هِفّة. وسَحابةٌ هِفّة: إذا لم يكن فيها ماء. وقوله: ولا هو مُخْرَب المُخْرَب: الّذي ترك من التعسِيل فيه وانقلَب عنه النَّحل، أُخِذَ مِن الخَراب. وكأَنَّ ما جَرَسَتْ على أعْضادِها ... حِينَ استقَلَّ بها الشرائعُ مَحْلَبُ جَرَسَتْ: أَكَلَتْ. وأعضادُها: أَجْنحتُها (¬5) تَحمِله (¬6) عليها. مَحْلَب: يريد أنّه مِثلُ حبّة مَحْلب. قال: والشّرائع الطَّرائق في الجبل. يقول: إنّها (¬7) أَخذَتْ هذا الشَّمَع مِن وادٍ، وشبَّهه بالمَحْلَب. والجَرْس: الأَخذ والعَمَل، لأنّها حملتْه على أجنحتِها حين استقلَّتها (¬8) شَرائعُها إلى مَجْراها حيث تَذْهَب، كأنّها جَرَسَتْه في وادٍ ثم استقلّت بها ¬

_ (¬1) في كلتا النسختين "أو" مكان "إذ". والذي في اللسان (مادة هف): إذا. (¬2) الهف في هذا البيت: السحاب الرقيق لا ماء فيه؛ قال في اللسان (مادة شوذ) نقلا عن الأزهريّ: أراد أن الشمس طلعت في قتمة كأنها عممت بالغبرة التي تضرب إلى الصفرة، وذلك في سنة الجدب والقحط، أي صار حولها جلب: سحاب رقيق لا ماء فيه وفيه صفرة، وكذلك تطلع الشمس في الجدب وقلة المطر. وروى فيه (مادة هف) بالجلب، بالجيم وفي (مادة شوذ) بالخلب بالخاء؛ وفي الرواية الأخيرة تصحيف. والكتم: نبات لا يسمو صعدا، وينبت في أصعب الصخر فيتدلى تدليا خيطانا لطافا؛ وهو أخضر، وورقه كورق الآس أو أصغر، وهو نبات يختضب به، ويخلط بالحناء. (¬3) هو قيس بن عيزارة؛ والبيت من قصيدة له يرثى بها أخاه الحارث بن خويلد. (¬4) ربعية: نسبة إلى ربيعة؛ يصف الشاعر في هذا البيت بقرا بيضا كما يعلم ذلك من القصيدة. (¬5) فسر في اللسان (مادة عضد) الأعضاد في هذا البيت بأنها سيقان النحل. قال: واستعمل ساعدة ابن جؤية الأعضاد للنحل، وأنشد هذا البيت، ثم قال: شبه ما على سوقها من العسل بالمحلب. اهـ والذي شبه ساعدة بالمحلب إنّما هو الشمع لا العسل كما ذكر. (¬6) الهاء في قوله: "لا تحمله" تعود على "ما" أي الشمع. (¬7) في كلتا النسختين "كأنها"؛ وهو تحريف. (¬8) استقلتها شرائعها، أي حملتها.

الشرائعُ، ثم تَبْنى بالشَّمَع، ثم تُعسِّل فيه. الّذي تَمُجُّ فيه شَمَع. قال: وتجئُ بالشَّمَع ولا يُدْرَى (¬1) من أين تَجِئُ به. حتّى أُشِبَّ لها وطالَ إيابُها ... ذو رُجْلَةٍ شَثْنُ البرَاثِنِ جَحْنَبُ أُشِبَّ لها: أُتِيحَ لها. وطال إيابُها: أبطأَ رُجوعُها. وقولهُ: "ذو رُجْلَة" يقول: صَبُورٌ على المَشْى. وجَحْنَب: قصيرٌ قليل. والبراثن: الأَصابعُ ها هنا. قال: والبَراثن لا تكون للإنسان، وإنّما هي للكَلْب والذِّئب والرَّخَم والنَّسر ونحوها. والشَّثْن: الخَشِن. والشُّثُونة: غِلَظ؛ ومنه قولُ الشاعر (¬2): وتَعْطُو بِرَخْصٍ غيرِ شَثْنٍ كأنّه ... أَسارِيعُ ظَبْيٍ أو مَساويكُ إسْحِلِ وقولهُ: "وطال إيابُها", أي أَبطأَ رُجوعُها ولُبْثُها في مَسْرَحها واحتْبستْ عن العسل فاستَمْكَن من أخْذِه. معه سِقاءٌ لا يفرِّطُ حَمْلَه ... صُفْنٌ وأَخْراصٌ يَلُحْنَ ومِسْأَبُ قولهُ: "لا يفرِّط حَمْلَه", يقول: لا يُغادِر سِقاءه، أين ذهب فهو معه. والأَخْراص: أَعوادٌ يُخرَج بها العَسَل. والصَّفْن: شئٌ فيه أَداتُه بين الَزَّنْفَلِيجَةَ (¬3) وبين العَيْبَة يكون معه. والصُّفْن: شئٌ مِثلُ السَّفْرة يُستقى به الماء وبعضهم يقول: صَفْنة؛ قال الراجز: * في صَفْنةٍ رَجَّعَ في أَثْنائها * قال: والمِسْأَب: السِّقاء الضَّخْم. ¬

_ (¬1) المعروف عند العلماء بالنحل أن الشمع من النحل نفسها؛ وأما ما يفيده بيت الشاعر هنا وكلام الشارح من أن النحل تجئ بالشمع من مكان آخر فهو غير صحيح. (¬2) هو امرؤ القيس. (¬3) الزنفليجة: وعاء الراعى يجعل فيها أداته.

صَبَّ اللَّهِيفُ (¬1) لها السُّبوبَ بطَغْيةٍ ... تُنْبِى (¬2) العُقابَ كما يُلَطُّ الِمجنَبُ قوله: صَبّ، أي دَلَّى حِبالا له يَرْبُطُها في شيء ثم يتدلّى. والسَّبوب (¬3): الأسباب، وهو الحبال الّتي يرقى فيها ويَنْزل بها. والطَّغْية: شِمراخٌ من شَماريخ الجَبَل وهو مُسْتَصعَبٌ مِن الجَبَل. فيقول: هذه الطَّغْيَة كالمِجْنَب. والمِجْنَب: التُّرْس. والمَلْطوط: المُسوَّى (¬4)، وذلك من مُلوستها. وكلَّما حَجَبْتَ شيئا فقد لَطَطْتَ دُونَه. وُيَلَطُّ: يُسْتَر. وإنما أراد كالتُّرْس المَلْطُوط، كما يُلَطُّ الحائِط (¬5). وكأنه حِينَ استَقَلَّ يرَيْدِها ... مِن دُونِ وَقْبَتِها لَقًا يَتَذَبْذَبُ الرَّيْد: شَبِيهٌ بالحَيْد. يقول: فكأنّه شيءٌ أُلْقى فهو يَتَذَبْذَب. واللَّقا: ثوبٌ خَلَق. وَقْبَتُها: خَرْقُها مِن أعلاها إلى أسفَلها. والوَقْبُ: النَّقْبُ في الجَبَل؛ وأنشَدَنا أبو سعيد: بِدَوْسَرِىٍّ (¬6) عَيْنُه كالوَقْبِ ... ناجٍ أَمامَ الرَّكْبِ مُجْلَعِبِّ وقال أبو زَبيد: * كأنّ عَيْنيَه في وَقْبَيْن مِن حَجَرٍ *. ويَتَذَبْذَب: يتطوّح. ¬

_ (¬1) اللهيف: الملهوف المكروب. (¬2) كذا في ب واللسان مادتي (لهف) و (طغى). والذى في الأصل: "تثنى". وفي اللسان مادة (طغى) في تفسير قوله: "تنبى العقاب" أي تدفع لأنها لا تثبت عليها مخالبها لملاستها. (¬3) نقل صاحب اللسان عن ابن برى أن السبوب جمع سب (بكسر السين وتشديد الباء). (¬4) لم نجد اللط بمعنى التسوية والتمليس فيما راجعناه من كتب اللغة. والذي وجدناه أن اللط بمعنى الستر، وبمعنى الإلصاق؛ يقال: لط الحوض إذا ألصقه بالطين ليس خلله. فلعله أخذ معنى التسوية والتمليس للط من هذا المعنى. والذي في اللسان (مادة لط) أن الملطوط هو المكبوب على وجهه. أراد أن لهذه الطغية مثل ظهر الترس إذا كببته؛ واستشهد بهذا البيت. (¬5) لط الحائط، أي ألصق به الطين لسدّ ما به من خلل. (¬6) الدوسرىّ: القوىّ الضخم من الإبل. والمجلعب: الجادّ في السير.

فقَضىَ مَشارَتَه وحَطَّ كأنّه ... خَلَقٌ ولمَ يَنْشَبْ بما يَتَسَبْسَبُ مَشارَته: ما اشتارَ مِن العسلِ، أي أَخَذ. والشَّوْر: الأَخذ، يقال: اِشتارَ يَشْتار اشتِيارا إذا أَخَذَ الَعَسَل. وقوله: لم يَنْشَب، أي لم يَعْلَق وانخَرَط مُنْحَطًّا كأنّه ثوبٌ خَلَقٌ. يَنْشَب: يَلْبَث. يَتَسَبْسَب: يَسيل (¬1). فأَزالَ ناصِحَها بِأبيَضَ مُفْرَطٍ ... مِن ماء أَلهْابٍ عليه التَّأْلَبُ فأزالَ ناصِحَها، أي فرَّقَ ناصِحَها. وناصِحُها: خالِصُها. وقولُه: بأبيضَ مُفْرَط أي غَدِير. يقول: مَزَجَها بماءِ ذلك الغَدِير، مِن ماءِ أَلْهاب، واللِّهْبُ: مَهْواةٌ في الجبَل، والجميع الأَلهْاب، وهو شَقٌّ في الجبَل. والتَّأْلَب: شجرٌ (¬2). فيقول: قَطَّع خَالِصَها بأبيَضَ، أي مزَجَه حتى تقَطَّع العَسَلُ. منْ ماءٍ غَدِيرٍ، مُفْرَطٍ: مملوءٍ وأنشدَنَا أبو سعيد: * ثَجَّ المَزادِ مُفرطًا تَوْكيرا (¬3) * وقولهُ: مِن ماءِ أَلهْاب يقول: من ماءٍ في جَبَل. عليه التَّأْلَب، أي عليه شجرٌ فهو باردٌ صافٍ؛ ومِثلهُ قوُل الآخر: بالعَذْبِ في رصَفِ الفَلاةِ مَقِيلُه ... قَضُّ الأَباطِحِ ما يزَالُ ظلِيلاَ والقَضُّ: الحِجارةُ الصِّغار. والماءُ أَطْيَبُ في الرَّضْراض. ومِزاجُها صَهْباءُ فَتَّ خِتامَها ... قَرِطٌ مِن الخُرْسِ القِطاطِ مُثَقَّبُ ¬

_ (¬1) يريد أنه لم يعلق بالعسل السائل ولم يتلطخ به. يصفه بالخفة والنشاط والقوّة على استخراج العسل من الوقبة. (¬2) التألب: من أشجار الجبال، تتخذ منه القسيّ. (¬3) الثج: الصب. والتوكير: الملء؛ يقال: وكر السقاء أي ملأه.

يقول: مِزاجُها الماءُ الّذي في هذا الجَبَل عليه شجرٌ يغطّيه. (¬1) والقِطاط: الجِعاد؛ ويقال: جَعْدٌ قَطَط. وقوله: مُثقَّب، يقول: قد ثُقِّبَتْ أُذُناه ففيها تُومَتان (¬2). والخُرْس: العُجْمُ الّذين لا يَفْقَهون الكلامَ. القَرِط، يقول: عليه قِرَطة يَعْنى الخَمّار. فكأنّ فاها حينَ صُفِّيَ طَعْمُه ... واللهِ أو أَشْهَى إليّ وأَطْيَبُ يقول: كأنّ فاهَا طَعْمُ هذه الخَمْرِ بطعْم هذا العسلِ. فاليومَ إمّا تُمْسِ فاتَ مَزارُها ... مِنّا وتُصْبِحْ ليس فيها مَأْرَبُ مَأْرَب: مَفْعَلٌ من الأَرَبِ، وهو الحاجة، أي مَطْلب لِحاجة. ويقال: لا أَرَبَ لى في ذَاك، أي لا حاجة لي فيه. فالدّهرُ لا يَبْقَى على حَدَثانِه ... أنَسٌ لَفيفٌ ذو طَوائفَ حَوْشَبُ أَنسَ لَفِيف، أي جماعةٌ كثيرة. طَوائف: نَواح. يقول: هم كثير لا تَجْمَعُهم مَحَلّة واحدة. حَوْشَب: مُنتفِخُ الجَنْبَيْن. ويقال: بعيرٌ حَوْشَبٌ، أي منتَفِخ الجَنْبَينْ (¬3). ولَفِيف: ملتفّ كثير ليس فيه رقّة. في مجلسٍ بِيضِ الوُجوهِ يَكُنَّهمْ ... غابٌ كأَشْطانِ القَليِبِ مُنَصَّبَ ¬

_ (¬1) كذا وردت هذا التفسير في الأصل. وهو غير صحيح. والذي نراه أنه يقول: ومزاجها أي مزاج العسل هذه الصهباء، أي الخمر الموصوفة في البيت. والعسل مؤنثة كما هو معروف. (¬2) تومتان، أي لؤلؤتان. (¬3) ذكر في اللسان وتاج العروس نقلا عن السكري في تفسير الحوشب بالمعنى المذكور هنا أنه استعار ذلك للجمع الكثير.

يَكُنُّهمْ: يُظِلُّهمْ من الشمس. غابٌ، يقول: فَوقَهم مِثلُ الأَجَم. والغاب: جَمْعُ غابة. والغابة: الأجمة. يَعنى الرِّماح كأنّما أَجَمٌ من كَثْرَتها. ومُنَصَّب: مَرْكوز. والقَلِيب: بِئر. والأَشْطان: الحِبال. مُتَقارِبٌ أَنْسابُهمْ وأَعِزّةٌ ... تُوقَى بِمثْلهم الظُّلامُ وتُرْهَبُ وأَعِزّة، أي وهم أَعِزّة أيضا. تُرْهَب: تُخافُ وتُتَّقى. والظُّلام (¬1): الظُّلامة. فإذا تُحُومِيَ جانِبٌ يرْعَوْنَه ... وإذا يَجئُ نَذيرُه لمَ يَهْرُبوا تُحومِىَ، يقول: إذا تَحامَى الناسُ جانبا يَرْعَوْنه (¬2) من خُبْثه وخَوْفه رَعَوْه وأَقالوا فيه. وتُحُومِى: تَحاماه الناسُ ولَم يَنْزِلُوا به، تَرَكُوه. والنَّذير، هم القومُ الّذين يُنْذرُونَهمْ بالشّرّ. بُذَخاءُ كلُّهمُ إذا ما نُوكِرُوا ... يُتْقىَ كما يُتْقىَ الطَّلِىُّ الأَجْرَبُ بُذَخاء، أي عظماء الشَّأْنِ والأمُور. إذا ما نُوكِرُوا: مِن المُناكَرة والمُقَاتلة. "يُتْقَى كما يُتْقَى الطَّلِىُّ الأَجْرَب" أي كما يُتَّقَى بعِيرٌ مَطْلِىٌّ بهِناء. ذو سَوْرَةٍ يَحْمِى المُضافَ ويَحْتَمِى ... مَصِعٌ إذا يُساوَر يَكْلَبُ ذو سَوْرَة، أي يَسُوُر إذا قاتَلَ. والمُضاف: المُلْجَأ. وقولُه: مَصِعٌ أي شديد المُماصَعة. والمُماصعة: المُماشَقة بالسّيف، وهي المُضارَبة، يقال: ما صعتُه وما شَقتُه. ¬

_ (¬1) لعله يريد أن الظلام جمع ظلامة وإن لم نجد هذا فيما راجعناه من كتب اللغة؛ على أنه يحتمل أن يكون الظلام بكسر الظاء بمعنى الظلم؛ وإذن فيقرأ "يوقى" و "يرهب" بالياء مكان التاء. (¬2) الظاهر أن كلمة "يرعونه" زيادة من الناسخ.

بَيْنا هُمُ يوما كذلك راعَهُمْ ... ضَبْرٌ لبِاسُهم الحَديدُ مُؤلَّبُ ويُروى "القَتِير مُؤَلَّب". ضَبْر: جَماعة. مُؤلَّب: مُجمَّع من كل مكان، يقال: تألَّبوا عليه أي اجتمعوا. والقتِير: الدُّروع. تَحمِيهمُ شَهْباءُ ذاتُ قَوانِسٍ ... رَمّازةٌ تَأْبَى لهم أن يُحْرَبُوا شَهْباء: كَتِيبةٌ بَيْضاءُ مِن الحديد. يقول: هي كثيرةٌ السِّلاحِ الأبيض. وخَضراء: كتيبةٌ كثيرةُ الحديد الّذي ليس بأبيض (¬1). وقوله: ذات قَوانِس، إنّما هذا مَثَل إذا كان لها فروعٌ مِثل قَوانِس الدّوابّ، أي ذاتُ بَيْض. وقوْنسَ الدّابّة: وسَطُ رأْسِها. رَمّازة: كثيرةُ الأهْلِ (¬2) من نواحيها تَرْتَمِز، أي تموجُ من كَثْرتها؛ ويقال: رَجْراجة تَضْطرب مِن كَثْرتها؛ وهذا مَثلٌ. وقولُه: يُحْرَبوا، تؤخذ حَرِيَتهُمْ (¬3). مِن كلّ فَجٍّ تَستقيمُ طِمِرّةٌ ... شَوْهاءُ أو عَبْلُ الجُزارةِ مِنْهَبُ يقول: من كلّ فَجّ، أي طريق تُرَى دابّةٌ طالعة أو عَبْلُ الجزارة. قال أبو سعيد: ويُسْتَحَب أن يكون الفرسُ عَبْلَ القَوائم. والجُزارة: القَوائم. وطِمِرّة: طويلة. والشَّوْهاءُ الخَيْل: المُشْرِفة. ومنْهَبٌ: كأنّه يَنْتَهِبُ العَدْوَ انتهابا. والفَجُّ: الطّريق. خاظِي البَضيعِ له زَوافِرُ عَبْلَةٌ ... عُوجٌ ومَتْنٌ كالجَدِيلَةِ سَلْهَبُ ¬

_ (¬1) في كتب اللغة أن الكتيبة توصف بالخضرة لما عليها من سواد الحديد؛ والخضرة عند العرب تطلق على السواد. (¬2) عبارة اللسان: "كتيبة رمّازة إذا كانت ترتمز من نواحيها" الخ. والرمز والترمز في اللغة: الحزم والتحرك. (¬3) في كلتا النسختين: "حربتهم"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا. وحريبة الرجل: ماله الذي سلبه، أو ماله الذي يعيش منه.

قوله: زَوافِرُ عَبْلةٌ، الزافرة: الوَسَط (¬1)، يقول: وسطه ضَخْم. والجَدِيلة: حَبْلٌ مَجدولٌ مِن سُيورٍ أو شَعْر أو صُوف. خاظى البَضِيع، أي ممتليء اللَّحم. وزَوافِر الفَرس: وسَطُه. يقول: ذلك الموضعُ فيه زفر (¬2)؛ يقول: هو مجدول الخَلْق. وسَلْهَب: طويل، وهو مِن صِفة الَمْتن، وهو عَيْبُ عند البُصَراء (¬3)، أي ضُلُوعُه كبيرة. عَبْلَة: ضَخْمة. عُوجٌ: متعطّفة. وحَوافرٌ تَقَعُ البَراحَ كأنّما ... أَلِفَ الزِّماعَ بها سلامٌ صُلَّبُ قوله: تَقَعُ البَراح، أي تَقْرَعه. والوَقْع: القَرْع، وتَقَعُه (¬4): تَقْرَعُه، والمِيقعة: المِطْرَقة. يقول: كأنّما أَلِف زِماعَها مِن حَوافِرها سِلام، وهي الحِجارة، أي فكأنّما أَلِفَ زِماعَه صَخْرةٌ مِن شدّة الحوَافِر. والبرَاح: المُسْتَوِى من الأرض. والزِّماع (¬5): الشَّعَرات اللَّواتى يكنّ خَلْفَ الحافِر وخَلْفَ ظِلْفِ الشاة كأنّها الزيتون. والسِّلام: الحِجارة (¬6). وقوله: صُلَّب، أي شِداد؛ بقول: كأنمّا لزَم الزِّماعَ حِجارةٌ مَكانَ الحوَافر؛ قال: * كأنّما تَرَوْنَ بي شَيْطانا * أي إذا رَأَيْتموني. يَهْتَزُّ في طَرَفِ العِنان كأنّه ... جِذْعٌ إذا فَرَعَ النَّخِيلَ مُشذَّبُ ¬

_ (¬1) كان الأولى أن يفسر الزوافر هنا بالضلوع، أما وسط الفرس فهو الزفرة (بفتح الزاى وضمها) ولا يجمع على زوافر، كما في كتب اللغة؛ ويدل على ما ذكرنا قول الشاعر بعد: "عوج". (¬2) كما وردت هذه العبارة في الأصل. وهي غير ظاهرة. وكان سياق الكلام يقتضى أن يقول: ذلك الموضع فيه عبل، أي أن ذلك الموضع في الفرس ضخم. (¬3) كذا وردت هذه العبارة في الأصل. ولم نجد فيما راجعناه من الكتب أن هذا النعت عيب في الخيل؛ والذي وجدناه في كتب اللغة أن السلهبة من النساء الجسيمة، وليست بمدحة. (¬4) في هذه العبارة تكرار مع ما سبق. (¬5) الزماع بكسر الزاي: جمع زمعة بالتحريك. (¬6) قد سبق تفسير السلام؛ فذكره هنا تكرار.

يهتزّ، هذا مَثَل. وقوله: في طَرف الْعِنان، أي في العِنان. إذا فَرَعَ النَّخيلَ أي إذا عَلاها. قال أبو سعيد: وسمعتُ عيسى بنَ عمر يقول: سَمِعتُ أَعرابيّا يقول: فَرَعْتُ رأسَه بالعصا، أي عَلَوْتُه بها. وقوله: مُشَذَّب، أي مُنقًّى قد شُذِّب عنه سَعَفُه. يقول: يهتزّ من حِدّته. فَحبَتْ كَتِيبَتُهُمْ وصَدَّقَ رَوْعَهُمْ ... من كلِّ فَجٍّ غارَةٌ لا تَكْذِبُ قوله: حَبَتْ كِيبتُهم، أي تهيّأت للقتال وعَطَفَتْ، فإذا حَبَبتْ فقد تهيّأتْ وأَنشَدَنا: بأوْشَكَ صَوْلةً مِنّى إذا ما ... حَبَوْتُ له بقَرقَرةٍ وهَدْرِ يقوله أبو أُسامةَ حليفُ هُبَيْرة بن أبي وَهْب، شَهِد معه بَدْرا كافر. وقوله: وصَدَّق رَوْعَهم، قال: كانوا يُراعُون فصَدَّقَتْ رَوْعَهم هذه الغارة، صَدَّقَت ظَنَّهم. يقول: فَزِعوا، ثم صَدَّق فَزَعَهُم من كلّ أَوبٍ، أي مِن كلّ ناحية، غارةٌ لا تَكذِبُهمْ. لا يُكْتَبُون ولا يُكَتُّ عَدِيدُهم ... حَفَلَتْ (¬1) بجَيْشهمُ كَتائبُ أَوْعَبُوا لا يُكْتَبون، يقول: لا يُحْصَوْن، يقول: لا يَكْتُبهم كاتبٌ من كثرة عَدَدِهم. ويُكَتُّ: يُحْصَى. ويقال: كلَّمتُه بما كَتَّ أَنْفَه، أي بما جَدَع أَنْفَه. وقوله: حَفَلَت، أي كَثُرتْ به. وحَفَلَ الوادي: كثُر ماؤه. وحَفَل الضَّرْعُ: كَثُر لبَنُه يريد: كثرتْ به. ويقال: أَوْعَبَ القومُ واستَوْعَبوا، إذا استَجْمعوا بأَجْمَعِهم. وإذا يَجيءُ مُصَمِّتٌ من غَارةٍ ... فيقولُ قد آنَستُ هَيْجًا فارْكَبوا ¬

_ (¬1) روى في اللسان (مادة كتب) "جفلت بساحتهم" مكان "حفلت بجيشهم" وهو تصحيف في "جفلت".

كأنّه جاء بخبرٍ يصمِّتهم, يأْمُرُهم بأن يَسْكُتوا له، فيقول: اسْمَعوا، فَيسْكُتون. آنستُ: رأيتُ. طارُوا بكلّ طِمِرّةٍ مَلْبُونةٍ ... جَرْداءَ يَقْدُمُها كُمَيْتٌ شَرْجَبُ قوله: طِمِرّة , أي طويلة. مَلْبُونة: تُسْقَى اللَّبن. شَرْجَب: طويل جسيم. وجَرْداء: قصيرةُ الشَّعر. فرُمُوا بنَقْعٍ يَسْتقِلُّ (¬1) عَصائِبًا ... في الجَوِّ منه ساطِعٌ ومُكَثَّبُ يقول. أتتهم الخيل فرُمُوا بالغُبار، فإذا الغُبار ساطعٌ في السماء. يقول: سِيقَ إليهم غُبار. عصائبا، أي قِطَعا. ساطِعٌ: منتصِب (¬2). ومكثَّب: مُجْتَمِع في السماء لا يَبرح. فتعاوروا ضَرْبًا (¬3) وأُشْرِعَ بينَهمْ ... أسَلاتُ ما صاغَ القُيونُ ورَكَّبُوا فتعاوَرُوا ضَرْبا، يقول: بعضُهم يضِرب بعضا. والأَسَل: الرِّماح. والأَسَلَة: الرُّمْح. مِن كلِّ أظْمَى عاتِرٍ (¬4) لا شانَه ... قِصَرٌ ولا راشُ الكُعوبِ مُعَلَّبُ ¬

_ (¬1) يستقل: يرتفع. (¬2) كان الأولى في تفسير الساطع هنا أن يقول: "منتشر" أو "مرتفع", كما هي عبارة اللغويين. (¬3) في خزانة الأدب ج 1 ص 474: "ضبرا" مكان قوله: "ضربا". وفسر الضبر بأنه الوثب. كما وردت فيها أيضا رواية الأصل. (¬4) في خزانة الأدب "أسحم ذابل لا ضرّه", كما روى فيها أيضا: "أسمر" مكان "أسحم" و "أظمى" كما هنا. والأظمى من الرماح: الأسمر. والعاتر: المضطرب المهتز.

الراشُ: الخَوّار. ويقال ذلك للناقة إذا كانت ضعيفه الظَّهْر. مُعَلَّب: مشدودٌ بالعِلْباء (¬1). خِرْقٍ (¬2) مِن الخَطِّيِّ أُغْمِضَ حَدُّه ... مِثْلِ الشِّهابِ رَفَعْتَه يَتلهَّبُ ويُروَى: "سِنانُه يتَلهّب". خِرْق، قال: جَعَلَه في الرِّماح مِثلَ الحِرْق في الرّجال: الذى يتخرّق في المال والخير. يقول: إذا هُزَّ تَخَرّق وأَخَذَ كذا وكذا، ليس بِجاسٍ (¬3)؛ ومِن هذا قِيل للرجل إذا كان يتحرّق فى الخير: خِرقٌ؛ وأَنْشَدَنا: فَتًى (¬4) إنْ هو استغنَى تَخرَّق في الغِنَى ... وإن حَطَّ فقرٌ لم يَضَعْ مَتْنَه الفَقْرُ وقولُه. أُغْمِضَ حَدُّه، أي أُلْطِفَ حَدُّه. مّمِا يُتَرَّصُ في الثِّقافِ يَزينُه ... أخْذَى كخافِيةِ العُقابِ مُحَرَّبُ قوله: مما يُترَّص في الثِّقاف , أي يُحْكَم. قال: والتَّتْرِيص الإحكام؛ ويقال: أَمْرٌ مترَّص، أي مُحْكَم؛ وأَنْشَدَ أبو سعيد عن أبي عَمرو بن العلاء: تَرَّصَ (¬5) أفْواقَها وقَوَّمَها ... أنبَلُ عَدْوانَ كلِّها صَنَعا ¬

_ (¬1) علباء البعير: عصب عنقه. وله علباءان بينهما منبت العنق؛ يصف الرمح بأنه صحيح لم يكسر ولم يشدّ بعلباء. (¬2) في رواية "خرق من الخطى ألزم لهذما" وخرق أي بفتح الخاء وكسر الراء بمعنى طويل انظر خزانة الأدب 1 ص 475 طبع بولاق. (¬3) جاس: كز صلب. (¬4) هذا البيت للأبيرد اليربوعي في اللسان (مادة خرق) وفيه: "وإن عض دهر لم يضع" الخ. (¬5) هذا البيت لذي الإصبع العدواني، كما في اللسان (مادة ترص).

وأَخْذَى: قد كُسِر حَرْفاه. ومحُرَّب، إنّما ضَرَبَه مَثَلا، كأنّه مِن حِرْصه على الدّماء محرّب، يقول: كأنّه حُرِّب حتى غَضِبَ شهوةً إلى الدّم. وأَخْذَى، يقول: ليس بمنتشِر الرأس. يقول: كُسِرَت ناحيتاه حتى دَقَّ. والأَخْذَى ها هنا هو السِّنان. لَذٍّ (¬1) بهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُه ... فيه كما عَسَلَ الطريقَ الثَّغْلَبُ قوله: لَذّ، أي تَلذُّ الكَفُّ بهَزِّه. وقوله: "يَعْسِلُ مَتنْهُ ... فيه" أي في كَفّه (¬2). يَعْسِل، أي يَضْطرب. كما عَسَل الطريقَ الثعلبُ، أي في الطريق، وهو اضطرابُه. فأَبارَ جَمْعَهمُ السُّيوفُ وأَبَرزُوا ... عن كلّ راقِنةٍ تُجَرُّ وتُسْلَبُ أَبْرَزوا: كَشَفوا لهؤلاء المُغِيرِين عن الرَّواقن. والرّاقِنة: المرأة المتضِّخة بالزّعفران. قال أبو سعيد: وسمعتُ أبا عَوانةَ قال: ثلاثهٌ لا تَقْربهم الملائكهُ بخير: جَنازة الكافر، والمترقِّن بالزّعفران، والجُنُب حتى يَغْتَسل؛ وأنشد لرُؤْبة: * رَبُعٌ كرَقْمِ الكاتِبِ المُرقِّنِ * والمرقِّن: المُفَعِّلُ من التَّرْقِين؛ ويقال: تَرقّنَت المرأةُ بالزَّعفران إذا انتَقَشَتْ. واستَدْبَرُوهم يُكْفئُون عُرُوجَهُمْ ... مَوْرَ الجَهامِ إذا زَفَتْه الأزْيَبُ ¬

_ (¬1) في رواية "لدن" مكان "لذ". وفي رواية "نصله" مكان "متنه". (¬2) الذي في خزانة الأدب أن قوله: "فيه" , أي في الهز. وقيل إن الهاء تعود على "لدن" في روايته، أو تعود على "لذ" في رواية الأصل، ولا يجوز عودها على الكف كما ذكر الشارح هنا لأن الكف أنثى.

استَدْبَروهم، أي طَردُوهم. يُكْفِئون عُرُوجهمِ مِنْ أرض إلى أرض. والكَفْء: القَلْب. يقول: يَقْشَعُونها. والعَرْجُ: الإبِل الكثيرة: ألفٌ، تِسعمائة ثمانمائة. مَوْرُه: مَوْجُه، كما يموج السحاب. والجَهام مِن السّحاب: الذّي قد هَراقَ ماءَه. زَفَتْه: اِستخفّتْه، يقال: زَفاه وزَهاه وحَزاه، أي استخَفَّه. والأَزْيَب: الجَنوب، وهي النُّعامَى أيضًا، قال أبو العبّاس: النُّعامَى رِيحٌ تَهُبُّ بين الجَنوب والشَّمال. وقال ساعدة أيضًا يا لَيْتَ شِعْرِى ألَا مَنْجَى مِن الَهَرِم ... أم هل على العَيْشِ بعد الشَّيْبِ مِن نَدَمِ قال أبو سعيد: قولُه ألا مَنْجَى مِن الهَرَمِ، يريد لا مَهْرَب منه ولا مَنْجَى منه؛ ثم (¬1) قال: وهل العيش مِنْ نَدَم، يقول: يا لَيْتَ شِعْرِى هل أَنْدَمُ على ما فات مِن شبابي إذا جاءَ الشَّيْب، والهَرَم لا بدّ منه. قال أبو العبّاس: ويُروَى "ولا مَنْجَى من الهَرَمِ". والشَّيْبُ داءٌ نَجِيسٌ لا دَواءَ له ... للَمِرءِ كان صحِيحًا صائِبَ القُحَمِ النَّجيس والنّاجس واحد، وهو الذي لا يَكاد يُبْرَأُ منه مِن الأَدْواء. لا دواء له أي لا شِفاء له، والشِّفاء: الدّواء. وقوله: كان صحيحًا صائبَ القُحَم، يقول: كان إذا اقتَحَم قُحْمَةً لم يَطِش. وصائب: قاصِدُ القُحَم. يقول: إذا اقتحَم في أمرٍ أَصاب وقَصَدَ في اقتحامه. قال: يقول هو شابٌّ لا يَطيش؛ ومنه: ¬

_ (¬1) وردت هذه الكلمة في الأصل هكذا: "اعرى"؛ وهو غير واضح.

أعرابيُّ مُقْحَم، أي أصابته مَجاعة فأقحمتْه الأمصارَ. وصائب: قاصد. للِمرء كان صحيحا. ونَجيس: لا يَكاد ويُبرأ منه، وأَنشَدَنا (¬1): * وداءٌ قد اعْيَا بالأَطبّاء ناجِسُ * ومنه قولهُم: تَقَع الفتنةُ فتقحِّم أقواما في الكفر تقحيما؛ ومنه المَثَل:"إنه لثَبْتُ (¬2) الغَدَر" والغَدَر (¬3): جِرَفَةٌ (¬4) وحِجَرة. وَسْنانُ ليس بقاضٍ نَوْمةً أبدًا ... ولا غَداةُ يسيرُ الناسُ لَم يَقُم يقول: لا تَراه أبدا إلّا كأنه وَسْناُن مُسترخٍ، كأنه نائم من الضَّعف وليس بنائم. يقول: كان صحيحا فهو اليومَ وَسْنانُ مِن الضعف. في مَنْكِبَيه وفي الأصلاب (¬5) واهِنةٌ ... وفي مَفْاصِلِه غَمْزٌ مِن العَسَمِ ويرُوَى "في مِرْفَقَيه". واهِنةٌ: وَجَعٌ يأخذ في المَنْكِبيَن والعُنُق. والعَسَم: اليَبْس، يريد أنّ مفاصِلَه قد يَبِستْ؛ يقال: عَسِمَ يَعْسَمُ عَسَما. إِنْ تأتِه في نهار الصَّيفِ لا تَرَه ... إلّا يُجمِّعُ ما يَصْلى مِن الحُجَمِ ما يَصلَى. أي ما يَصْطلِي به في الشّتاء , يريد أنّ الهَرِم لا تراه في شِتاءٍ ولا في قَيْظٍ إلاَّ يجمِّع ويُعِدّ للشتاء الحَطبَ؛ لأنه لا يُسافِر ولا يَبْرح. والحُجْمة: حَرُّ النار. ¬

_ (¬1) الشطر لأبي ذؤيب؛ وقد سبق في شعره. (¬2) جاء في اللسان في تفسير هذا المثل ما نصه: "رجل ثبت الغدر إذا كان ثبت في مواضع القتال والجدل والكلام". وقيل في تفسيره: إنه يقال للرجل إذا كان ثبتا في جميع ما يأخذ فيه. وقال اللحيانيّ: معناه ما أثبت حجته وأقل ضرر الزلق والعثار عليه. وإنما أورد الشارح هذا المثل في هذا الموضع لأنه في معنى قول ساعدة: "صائب القحم". (¬3) في الأصل: "والغدرة" والتاء زيادة من الناسخ. (¬4) في كلتا النسختين "حفره" وهو تحريف؛ والتصويب من كتب اللغة في تفسير الغدر بالتحريك. والجرفة: جمع جرف بضم فسكون والحجرة جمع جحر بضم فسكون أيضا. (¬5) في رواية: "الأرساغ" مكان "الأصلاب".

حتى يُقالَ وراءَ البَيتِ مُنْتَبِذًا ... قُمْ لا أَبا لَكَ سارَ الناسُ فاحتَزِمِ حتى يقال له وهو وَراءَ البيِت والدارِ يُحَدِّث نفسَه: قُمْ فقد سارَ الحيُّ. فاحتَزِمِ أي شُدَّ وَسَطَك. فقامَ تُرْعَدُ كَفّاه بمِحْجَنِه ... قد عاد رَهْبًا رَذِيًّا طائشَ القَدَمِ أي قاَم بمِحْجَنِه الّذي يتوكّأُ عليه وكَفّاهُ تُرْعَدان. والرَّهْبُ: الرّقِيق والضّعِيف. والرَّذِيّ: المُعييِ المَطْرُوح. طائش القَدَم، يقول: إذا مَشَى طاشَتْ قَدَمُه، لا يَقْصِد من الضَّعف، إذا مَشَى طاش. تالله يَبْقَى على الأيّاِم ذو حِيَدٍ ... أَدْفَي صَلودٌ من الأَوعال ذو خَدَمِ تالله، أي بالله، وهذا قَسَم. والحِيَدُ في القَرْن، أي في قَرْنه (¬1). والأَدْفَى: الّذي في قَرْنِه دَفًى، وهو الحَدَب، وهو الّذي تُحْنَى قَرْناه إلى ظَهْره. والصَّلود: الّذي يَصْلِد برِجْله، أي يَضْرِب بها على الصَّخرة فَتسْمَع لها صوتا (¬2)؛ ومِن ثَمّ قيل: حِجارةٌ صَلاّدة (¬3)، أي تَسْمَع لها صوتا. ذو خَدَم، أي أعْصَم (¬4). وقال أيضا: الصَّلود الّذي إذا فَزِعَ صَلَدَ في الجبل، أي صَعِد إليه. ¬

_ (¬1) ذكر في اللسان أنه يقال: قرن ذو حيد، أي ذو أنابيب ملتوية. (¬2) فسر في اللسان الصلود (مادة صلد) بأنه المنفرد؛ وأنشد هذا البيت، ولم يذكر الصلود بالمعنى الذي ذكره الشارح هنا. (¬3) في كتب اللغة أن هذا يقال في الزند إذا صوّت ولم يور؛ ولم نجد أنه يقال ذلك في الحجارة كما هنا. (¬4) في كتب اللغة أن الأعصم من الوعول ما في يديه بياض أو في إحداهما. والمخدّم منها: ما ابيضت أوظفته دون تخصيص ليديه أو رجليه. فيعلم من هذا أن المخدّم أعمّ من الأعصم.

يأوِى إلى مُشْمَخِرّاتٍ مُصَعِّدةٍ ... شُمٍّ بِهنّ فُروعُ القانِ والنَّشَمِ مُشْمَخرّات: مُرْتفِعات. والقانُ والنَّشَمُ: شَجرانِ تُتّخَذ منها القِسِيّ العربيّة (¬1). منْ فَوْقِه شَعَفٌ (¬2) قَرٌّ وأَسْفَلُه ... جِيُّ تَنَطَّقَ بالظَّيّانِ والعَتَمِ قَرّ: بارد. وجِيّ: جِماعُ جِيّة، وهي مَناقِعُ ماءٍ. وجِيّة: فِعْلةٌ، مِن الجَوّ، وهو ما انخَفَض من الأرض وانْجوَى. قال: الجِيُّ غير مَهْموز، وهي جِفارٌ (¬3) تُمْسِك الماء. والظَيّان: شجرٌ يُشبِه النِّسرِين. والعَتَم: شجرُ الزّيتون البَرّىّ. مُوَكَّلٌ بشُدُوفِ الصَّوْم يَنْظُرُها ... من المَغارب مَخْطوفُ الحَشَازَرمُ (¬4) الشُّدوف: الشُّخوص. والصَّوْم: شجرٌ (¬5) يشبِه الناس، يَرْقُبه يَخْشَى أن يكون ناسا. وقوله: مَخطوف الحشَا، صَيَّره في تلك الحال من الفزَع. والمغَارِب: ¬

_ (¬1) في كتب اللغة أن كلا الشجرين من شجر الجبال. وقال الأزهريّ في القان: انه ينبت في جبال تهامة. (¬2) شعف الجبال: رءوسها. (¬3) الجفار: الآبار لم تطو الواحد جفر (بفتح فسكون). وفي كلتا النسختين "حفار" بالحاء؛ وهو تصحيف. (¬4) في هذا البيت إقواء كما ترى، لتغير حركة الروىّ من الجرّ إلى الرفع، وكذلك ورد في اللسان (مادة شدف) وفي رواية "من المعازب" وفسره في اللسان (مادة صوم) فقال: من المعازب، أي حيث يعزب عنه الشئ، أي يتباعد. وفي رواية "يبصرها" مكان "ينظرها". (¬5) ذكر في اللسان (مادة شدف) في تفسير الصوم أنه شجر قيام كالناس. وذكر في (مادة صوم) أنه شجر على شكل شخص الإنسان، كريه المنظر جدا، يقال لثمره: رءوس الشياطين، يعنى بالشياطين الحيات، وليس له ورق. وقال أبو حنيفة: للصوم هدب، ولا تنتشر أفنانه، ينبت نبات الأثل ولا يطول طوله؛ وأكثر منابته بلاد بني شبابة؛ وأنشد هذا البيت.

كلُّ مكانٍ يُتوارَى (¬1) فيه. والشُّدوف: الشُّخوص، الواحد شَدَف. زَرِم، يقال: أَزْرَمَه، وهو أن يَقْطع عليه البولَ أو الحاجةَ قبل أن يُتِمَّه (¬2). وقوله: مُوَكَّل، كأنّه قد وُكِّلَ بها يفَرَقُ أن تكون ناسا. ويقال: أَخَذَه زَرَمٌ، وَأَزْرَمْتُه: إذا قَطعتَ عليه؛ وأنشد: * لا يَحْطِمَنَّكَ أنّ البَيْعَ قد زَرِما *، أي انْقَطع. وقال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلمّ وقد أرادوا حَمْلَ الحَسَنِ بن عليّ -كرم اللهُ وجْهَه- مِن حجِرِه وقد أَخَذ في البوْل: "لا تُزْرِمُوا ابْنيِ". حتِّى أُتِيحَ له رامٍ بمُجْدَلةٍ ... جَشْءٍ وبِيض نَواحِيهنّ كالسَّجَمٍ (¬3) قوله: أُتِيح، يُريد قُدِّرَ له. والمُحْدَلة: الّتي غُمِزَ طائِفاها (¬4) حتى اطمأنا. قال: ويقال رَجُلٌ أَحْدَل، وامرأةٌ حَدْلاء، وذلك انحِطاطٌ في المَنْكِب، وهو أن يرتفِع أحدُ المنْكِبين ويطمئنَّ الآخَر. فيقول: حُطَّتْ سِيَتُها (¬5) ثم عُطِفَتْ. والجَشْءُ؛ القَضِيب الخفيف. والبِيضُ: السِّهام. والسَّجَم: شجرٌ له ورق كوَرَق (¬6) الخِلاف. يريد أنّ نِصالَه كورَقِ هذا الشَّجر، مِثلُ وَرَقِ الزَّيتون. ¬

_ (¬1) واحد المغارب بالمعنى الذي ذكره مغرب (بضم الميم وكسر الراء). (¬2) فسر في اللسان مادتي (صوم) و (زرم) الزرم في هذا البيت بأنه الذي لا ثبت في مكان. (¬3) في كلتا النسختين (كالشحم) بالشين والحاء؛ وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا كما في اللسان (مادة سجم). (¬4) في اللسان أن القوس المحدلة هي التي حدرت إحدى سيتيها ورفعت الأخرى اهـ وهذا هو الموافق لقول الشارح بعد: "ويقال رجل" الخ وطائف القوس: ما بين السية والأبهر. وفي القوس كبدها، ثم الكلية، وقيل: هما واحد، ثم الأبهر، ثم الطائف، ثم السية. (¬5) في كلتا النسختين: "سيتاها" والتفريع على المعنى السابق يقتضي الإفراد كما أثبتنا. وسية القوس: ما عطف من طرفيها. (¬6) قال في اللسان (مادة سجم) في صفة هذا الشجر: إنه شجر له ورق طويل، مؤلل الأطراف، تشبّه به المعابل؛ وأنشد هذا البيت.

فظَلَّ يَرْقُبُه حتّى إذا دَمَسَتْ ... ذاتُ العِشاءِ بأَسْدافٍ مِن الغَسَم ذاتُ العِشاء، أي الساعةُ التي من العِشاء. وقوله: يَرْقُبُه، أي يَرْصُده. وقوله: دَمَسَت، أي التبَسَت الظُّلمة. بأسداف: جَمْع سَدَف، وهو الظُّلْمة؛ وربما جعلوه الضَّوءَ؛ ويقال: اَسْدِفْ لنا، أي أَضِئْ لنا. والغَسَم: اختلاط الظُّلْمة، وهو غَبَسُ اللَّيْل وسَوادُه. ثمّ يَنُوشُ إذا آدَ النَّهارُ له ... بَعْدَ التّرقُّبِ مِن نِيمٍ ومِن كَتَم يَنُوش: يَتنَاول. ويقال للناقة: هي تَنُوشُ النَّبْتَ؛ وقال الرّاجز: * تَنُوشُ منه بِجرانٍ سَرْطَمِ * السَّرْطَم: الطّويل. آدَ الّنهار, أي مال للزّوال (¬1). يقول: إذا آدَ الظلّ أَكَل تلك الساعة حين يَغفُل الناسُ إذا مالَ الظِّلّ. وآدَ يَؤُود. والتّرقُّب: التخوُّف والنَّظَر. والنِّيمُ والكَتَم: شَجَران (¬2). دَلَّى يَدَيْه له سَيْرًا فأَلزَمَه ... نَفّاحةً غبرَ إنْباءٍ ولا شَرَمٍ دلَّى يديه، كأنه رماه من فَوْقه. يقول: حَطَّ يَدَيْه له وهو يَمْشي. سَيْرا, أي مَشْيا. ونَفّاحة، أي تَنْفَح بالدم. وقوله: غيرَ إنْباء، يقول: لم يُنْبِ سَهْمَه حين رماه. ولا شَرَم، أي لم يَشْرِم، أي لم يُصِب بعض جِلْده فيَشُقَّه، ولكنّه نَفَذ حتى خرج من الشِّقّ الآخَر. ¬

_ (¬1) عبارة اللسان "آد النهار أودا إذا رجع في العشيّ" وأنشد هذا البيت. (¬2) ذكر في اللسان في وصف النيم أنه شجر له شوك لين وورق صغار، وله حب كثير متفرق يشبه الحمص، حامض، فإذا أينع اسودّ وحلا؛ وهو يؤكل. وذكر في وصف الكتم أنه نبات لا يسمو صعدا، ينبت في أصعب الصخر ثم يتدلى تدليا خيطانا لطافا، وهو أخضر، وورقه كورق الآس أو أصغر.

فراغَ منه بجَنْب الرَّيْد ثمّ كَبا ... على نَضِيٍّ خلالَ الصَّدْر مُنْحَطِم يقول: راغَ منه بناحيةِ رَيْدِ الجَبَل رَوْغةً ثم عَثَر والسهمُ فيه. والنَّضِىّ: قِدْحٌ بغير ريشٍ ولا نَصْل أَدرَكه طُولُ الزّمان؛ هذا أَصْله، ثم صار كلّ نَضِيٍّ (¬1) سَهْما. وقوله: خِلالَ الصَّدْر، أي دخَلَ بينْ أطْباق الضُّلوع. ولا صُوارٌ (¬2) مُذَرّاةٌ (¬3) مَناسِجُها ... مِثلُ الفَريدِ الّذي يَجرى من النُّظُمِ يقول: كأنّ مَناسِجَها ذُرِّيتْ بالمِذْرَى، أي ضَرَبتْها الرِّيحُ كما يُذَرَّى الشَّعيرُ بالمَذارِى. مِثلُ الفَريد، أي كأنها فريد من فضّة من بياضها , يصفُ أجسادها. والفَريد: شيءٌ يُعمَل مدوَّرٌ مِن فِضّة ويُجعَل في الحُلىّ. ظَلَّتْ صَوافِنَ (¬4) بالأَرْزان صادِيةً ... في ماحِقٍ مِن نهَار الصَّيف مُحْتَدِمِ قال: الأرزان الأمكِنة الصُّلْبة (¬5)، واحدُها رَزِنْ. والصادى: الذّابل. ومن قال: "طاوِية" فإنّه يريد خِماصا. وقوله: في ماحِق مِن نهار الصَّيف أي في شِدّةِ حَرّ؛ يقال: أَتانا في ماحِقِ الصَّيْف، أي في شِدّة الحَرّ. ¬

_ (¬1) لعلّ صواب العبارة "ثم صار كل سهم نضيا" عكس ما هنا. (¬2) الصوار بكسر الصاد وضمها: القطيع من البقر. ومنسج الدابة (بكسر الميم وفتح السين، أو فتح الميم وكسر السين): ما بين مغرز العنق إلى منقطع الحارك في الصلب، وفي عبارة أخرى: ما شخص من فروع الكتفين إلى أصل العنق. وقيل فيه غير ذلك؛ وهو اختلاف في العبارات. والنظم بضمتين: جمع نظام، والخيط الذي ينظم فيه. (¬3) روى هذا البيت في اللسان (مادة درى) بالدال المهملة (مدرّاة) إلخ، وقال في نفس هذا اللفظ: كأنها هيئت بالمدرى (أي المشط) من طول شعرها، وكذلك أورده في (مادة ذرى) بالمعجمة ولم يفسّره. (¬4) الصوافن: القائمات على ثلاث قوائم، ثانية سنبك يدها الرابعة. (¬5) قال في اللسان: الرزن: نقر في حجر أو غلظ في الأرض. وقيل: هو مكان مرتفع يكون فيه الماء، وأنشد بيت ساعدة هذا.

قد أُوبِيَتْ كلَّ ماءٍ فهي طاوِيةٌ ... مَهْمَا تُصِب أفُقا من بارِقٍ تَشِمِ قد. أُوبِيتْ كلَّ ماء، أي مُنِعتْ كلَّ ماء. وقوله: طاوية، أي ضامرة. وقوله: تَشِم، أي تُقَدِّر أين مَوْقِعُه ثم تَمْضى إليه. يقول: أفُقا من البوارق الّتي تَبرُق. وأُوبِيَتْه: مُنِعَتْهَ مِن الرُّماة. تُصِب أُفقُا، أي تَجِد ناحية. حتّى شَآها كَلِيلٌ مَوْهِنًا عَمِلٌ ... باتت طِرابًا وباتَ اللَّيلَ لمَ يَنِم شآها: شاقَها فاشتاقت. كَلِيلٌ: برقٌ ضعيف. مَوْهنا، أي بعد وَهْن من اللّيل. قال يقال: جاءنا مَوْهِنا من اللّيل، ووَهْنًا، وبعدَ وَهْن. قال: وقوله: باتت طِرابا، يعنِي البقرَ. وباتَ الليلَ لَم يَنمَ، أي بات البرقُ يَبرُق لَيْلَتَه. كأنّ (¬1) ما يَتَجلَّى عن غَوار به ... بَعْدَ الهُدُوء تَمَشِّيَ النار في الضَّرَم قوله: عن غواِربه، أي عن أَعالِيِه. وغارِبُ كلِّ شيء: أعلاه، وهو مَوْضِعُ المَنْسِج من الدّابة. والضَّرَم: ما دَّق وخَفَّ من الحَطَب ليس بالجَزْل ولا بالغليظ. وقوله: يتجلَّى, إذا يتجلىّ من السحاب. بعد الهدُوء والسكون، بعد أن يَسكُنَ الناسُ. حَيْرانُ يَرْكَبُ أَعلاهُ أسافِلَه ... يُخْفِي جَديَد تُراب الأرض مُنْهزِمُ (¬2) ويروَى "يَحْفِي" أي يُظْهِر. قال يقول: هذا السحابُ حَيْرانُ لا يأخذ جهةً واحدة، إنّما يأخذ يمينا وشِمالا. وقوله: يَخْفِي [أي] يَنْثرُه ويَستَخْرجُه ¬

_ (¬1) "ما" هنا مصدرية، أي كأن التجلّي. (¬2) في هذا البيت إقواء كما ترى.

قال أبو سعيد: وأهلُ المَدِينة يسمُّون النّباش المُختَفِي، أي يَسْتَثِير تُراب القُبور. وقوله: مُنْهَزِم، أي متفجِّرٌ بالماء. فأَسْأَدَت دَلَجًا (¬1) تُحيِى لمَوْقِعهِ ... لَم تَنْتَشِبْ بوُعوثِ الأرض والظُّلَمِ الإسْئاد: يسيْرُ اللّيل. وقوله: تُحيِى لمَوْقِعِه، أي أَحْيَتْ ليلتَها. يريد لِتبَلُغَ ذلك المطر. وقوله: لم تَنْتَشِب، أي تَحتَبِس، ولم يُتْعِبْها الوَعْثُ والظُلْمةُ إذ مَضَتْ. حتّى إذا ما تَجَلَّى لَيْلُها فَزِعتْ ... مِن فارسٍ وَحلِيِف الغَرْبِ مُلْتَئِمِ قال: غَرْبُ كلِّ شيء حَدُّه. والحَلِيف: السِّنان أي الحديد، ويقال للرجل: إنّه لَحلِيف اللّسان، يريد حَدِيدَه: مُلتئم: مُشْتَبِهٌ (¬2) غيرُ مُخْتَلِف، وهو من صفة القَناة. وقوله: حَلِيف الغَرْب، أي حَديد الحَدّ. فافتَنَّها في فَضاء الأَرض يأْفِرُها ... وأَصْحَرَت عنِ قِفافٍ ذاتِ مُعْتَصَمٍ فافتَنَّها، يقول: اِشتَقَّ (¬3) بها. يأْفِرُها: يَنْزُو بها نَزْوا؛ وأَنْشَد: * تَقْرِيبُهنّ (¬4) نَقَلٌ وأَفْرُ * قال: وَأراد به إذا خرج بها إلى الأرض جَرى بها كذا؛ وأَنشَد لذي الرُّمّة: ¬

_ (¬1) الدلج بالتحريك: الليل كله في قول ثعلب عن أبي سليمان الأعرابيّ. وقيل: الساعة من آخر الليل. والأوّل هو المناسب لما هنا. (¬2) في "أ" مشيه؛ وهو تحريف. (¬3) في "أ" "استبق بها"؛ وهو تحريف. (¬4) التقريب: أن يرفع الفرس يديه معا ويضعهما معا. والنقل بالتحريك: سرعة نقل القوائم.

يَغْشى (¬1) الحُزُونَ بها عَمْدا ليُتْعِبها ... شِبْهَ الضِّرار فما يُزْرِى بها التَّعَبُ قال: والقِفاف: غَلِظٌ من الأرض لا تَجرِى فيه الخَيْل (¬2). يقول: فلمّا أَصْحَرتْ عن القِفاف أدْرَكَتْها الخَيْل. أنْحَى عليها شُراعِيًّا فغادَرَها ... لَدَى المزاحِفِ تَلَّى في نُضُوخِ دَمِ أَنْحَى: حَرَّفَ إليها وحَمَل عليها رُمحا. [شُراعيّا]: طويلا، وهو منسوبٌ إلى رجل أو إلى بلد (¬3). وقوله: تَلَّى، يقال: تركتُه تَلِيلا أي صَرِيعا. وقوله: لدى المَزاِحف، أي عند المَزاحِف. قال أبو سعيد؛ النَّضخ أشدُّ من النَّضْح. فكان حَتْفًا بِمقدار وأَدْرَكَها ... طُولُ النّهار وليَلٌ غيرُ مُنصَرم يقول: فكان ما أصابها بمقدار. وأدْركها طولُ النهار والليل، ولا يَسلَم عليهما شيء. يقول: غَوائلُ النهار والليل الذي لم ينصرم ولَمْ ينقطع. وقوله: غيرُ مُنصَرِم , يقول: يذهب ويعود. هل اقتَنَى حَدَثانُ الدَّهرِ من أَنَسٍ ... كانوا بمَعْيَطَ (¬4) لا وَخْشٍ ولا قَزَم قال أبو سعيد: قوله "هل اقتَنَى حَدَثانُ الدّهْر من أَنَس" جواب: يا ليت شِعْرى أَلاَ مَنْجَى من الهرَمِ ... أي هل اقتَنَى الموتُ أحدا؟ ¬

_ (¬1) في نسخة "يعلو"؛ وهو مستقيم أيضًا. (¬2) واضح أن هذا تفسير للقف بالضم لا للقفاف الذي هو الجمع. (¬3) لم نجد في الكتب التي بين أيدينا اسم بلد ينسب إليه هذا الرمح. والذي وجدناه أنه ينسب إلى رجل أسمه (شراع). (¬4) في رواية: "من أحد" مكان "من أنس". ومعيط: موضع ببلاد هذيل.

يقول: لو كان الزمانُ مُقْتَنِيا أحدا أَبْقَى هؤلاء. الوَخْش: الأنذال. ووَخْشُ المَتاع: رُذالُه. والقَزَم: اللِّئام؛ ويقال. إِبِلٌ قَزَم وقومٌ قَزَم. يقول: هؤلاء ليسوا بلِئام. كَيْدًا وجمْعًا بآناسٍ كأنّهُمُ ... أَفْنادُ كَبْكَبَ ذاتُ الشَّثِّ والخَزَمِ قوله: بآناس، جَمْعُ أَنسَ، وهم الكثير. والفِنْد: الأَنْف من الجَبل. وأَفْنادُه وشَماريخه واحد. وكَبْكَب: الجَبَل الأبيض (¬1)، جَبَل بالموقف. يقول: لو كانت (¬2) لهم كتائبُ وجُيوشٌ كأنها أَفنْادُ جَبَل لأَدْركَهم الموتُ. والخَزَم: شجر (¬3). قال أبو سعيد: وبالمدينة سُوقٌ يقال لها سُوقُ الخَزّامِين. يؤخذ قِشْعر هذا الشَّجَر فتُفْتَل منه الحِبال. يُهْدى ابنُ جُعْشُمٍ الأَنْباءَ نَحوَهُمُ ... لا مُنْتَأَي عن حِياض المَوْتِ والحُمَمِ قال: ابنُ جُعْشُمٍ سُراقةُ بُن مالك بنِ جُعْشُم. [نحوَهم]، أي نحو هؤلاء القوم. يقول: يُرِسل إليهم بالأخبار فلَم يَنْفَعْهم ذلك، نَزَلَ بهم القدَر فاجتِيحوا، يقول: فلم ينفعهم ذلك، لأنه لا يستطيع أحد أن يَنْتئَى عن الموت. والحُمَم: الأَقدار، يقال: حُمّ كذا وكذا أي قُدِّر، والواحدُ حُمّة وحُمَم , مِثلُ جُمّةٍ وجُمَم وقوله: يُهْدِى، يَبْعَث. والهَدْيُ مِن الهدّية وأَنْشَدنا: * سأُهدِى لها فِي كلّ عامٍ قصِيدةً * ¬

_ (¬1) في ياقوت: قيل هو الجبل الأحمر الذي تجعله في ظهرك إذا وقفت بعرفة. (¬2) كان الأولى أن يقول: "كانت لهم كتائب وجيوش كأنها أفناد جبل فأدركهم الموت، كما يقتضيه سياق الشعر، إذ لا يظهر فيه معنى الشرط الذي ذكره الشارح. (¬3) قال أبو حنيفة في الخزم: إنه شجر مثل الدوم سواء، وله أفنان وبسر صغار، يسودّ إذا أينع، مرّ عفص، لا يأكله الناس، ولكن الغربان حريصة عليه تنتابه اهـ. والشث، شجر طيَّب الريح، مرّ الطعم، يدبغ به. وقال أبو حنيفة: هو شجر مثل شجر التفاح القصار في القدر، وورقه شبيه بورق الخلاف، ولا شوك له وله برمة مورّدة وسنفة صغيرة فيها ثلاث حبّات أو أربع سود، ترعاه الحمام؛ واحدته شثّة.

يَخشى عليهم من الأملاك بائجةً ... مِن البَوائج مِثلَ الخادِرِ الرُّزَمِ رَوَى أبو العبّاس غيرَ هذا. بائجة مِن البَوائج، وهي داهيةٌ وأمرٌ عظيم , مِثل بائقةٍ وبَوائق. وروَى بُنْدار الأصبَهانيّ "نابخة" (¬1) بالخاء، قوله: نابِخة، أي رجلا عظيمَ الأمر (¬2). مِثل الخادِر (¬3)، وهو الأَسَد الذي اتّخذ الغَيْضةَ خِدْرا؛ ويقال: خَدَرَ وأَخْدَر. والرُّزَمُ: الّذي يَبْرُك على قِرْنِه يَرْزُم عليه وَيَبْرُك ويَرْبِضُ. ذا (¬4) جُرْأهٍ تُسْقِط الأَحْبالَ رَهبْتُهَ ... مهما يكنْ من مَسامٍ مَكْرَهٍ يَسُمِ يقول: إذا سَمِعَت الحَبالى بَغزْوَتِه أَلقت أولادَها من رَهْبِته. والمَسامُ: المَسْرَح. يَسُومُها (¬5): يَسْرَحها. ذا جُرْأة، أي اجتِراء. يُدْعَون حُمْسًا ولَم يَرتَعْ لهمْ فَزَعٌ ... حتّى رأوهم خِلالَ السَّبْيِ والنَّعَمِ يقول: كانوا من العِزّ لا يُغْزَوْن، وكانت قريش ومَن دانَ بدِينها في الجاهليّة حُمْسا (¬6). ¬

_ (¬1) في كلتا النسختين "بائخة"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا إذ لم نجد البائخة بالمعنى الذي ذكره الشارح. انظر اللسان مادتي (نبخ) (ورزم). وقد ذكر فيه النابخة بهذا المعنى مستشهدا بهذا البيت، كما وردت فيه رواية أخرى وهي (نابجة) بالنون والباء والجيم. قال: من النبجة، وهي الرابية. (¬2) عبارة اللسان (مادة نبخ) في تفسير (النانخة) أنه الجبار. (¬3) روى "الحادر" بالمهملة، وهو الغليظ؛ وفسر بأنه يريد الفيل. انظر اللسان (مادة رزم). (¬4) ورد هذا البيت في اللسان (مادة حبل) شاهدا على أن الحبل يكون اسما كما يكون مصدرا. قال: ولو جعله مصدرا وأراد ذوات الأحبال لكان حسنا، وضبط فيه (مكره) بفتح الميم والراء، أي مسام ذو مكره، أي ذو كره. (¬5) الذي وجدناه في كتب اللغة أنه يقال: أسام الماشية يسيمها. أما سام يسوم فهو لازم، والذي يلوح لنا أن المراد بالسوم هنا التجشم والتكلف. يقول: مهما يجشّم من صعب أو مكروه تجشمه ولا ينكل عنه عجزا. (¬6) ذكر في اللسان (مادة حمس) نقلا عن أبي الهيثم قال: الحمس قريش ومن ولدت قريش وكنانة وجديلة قيس، وهم فهم وعدوان ابنا عمرو ابن قيس عيلان وبنو عامر بن صعصعة، هؤلاء الحمس، سموا بذلك لأنهم تحمسوا في دينهم، أي تشدّدوا.

يقول: يُتَّقُون، لهم حُرمةُ الحُمْسِ ولم يَفْجَأْهم إلّا الخيل. يَرْتَع: مِن الرَّوْعِ حتّى رأَوا أعداءهم معم. خِلالَ السَّبْىِ: بين ظَهْرَيْه. بمُقْرَباتٍ بأيديهمْ أعِنّتُها ... خُوصٍ (¬1) إذا فَزِعوا أُدْغِمْن في اللُّجم المُقْرَبات: اللّواتي عند البيوتِ لِصارِخٍ أو لفَزِع. وقوله: أُدْغْمِن في اللُّجُمِ أي أُدْخلَت رءوسهنّ في اللُّجُم، ومِن ثَم قيل: أَدْغَمَ الحرفَ في الحَرْف، أي أَدخَلَه في الآخَر. يُوشُونَهنّ إذا ما نابَهمْ فَزَعٌ ... تحت السَّنَوَّر بالأَعقابِ والِجذِم يُوشُونهنّ، أي يستخرِجون ما عندهن من الجَرْىِ بأرجلهم وبالسِّياط. يقال: أوْشَى فرسَه إذا استَخرج ما عنده من الجَرْى، وأَنْشَد: * كأنّه كَوْدَنٌ يُوشَى بكُلاّبِ (¬2) * والسَّنَّور: ما عُمِل مِن حَلَقِ الحَدِيدِ من دِرْعٍ أو مِغْفَر. والجذْمة: السَّوْط (¬3). فأَشْرَعوا يَزَنيّاتٍ مُحرَّبةً ... مِثلَ الكَواكِب يَسّاقَوْن بالسِّمَمِ (¬4) ¬

_ (¬1) خوص: من الخوص بالتحريك، وهو ضيق العين وغؤورها. (¬2) هذا عجز بيت لجندل بن الراعي يهجو ابن الرقاع، وصدره: "جنادف لاحق بالرأس منكبه" والكلّاب: المهماز. (¬3) ذكر في اللسان (مادة جذم) هذا البيت شاهدا على أن الجذمة هي السوط الذي يقطع طرفه الدقيق. ويبقى أصله. (¬4) كذا ضبط هذا اللفظ في (ب) بكسر السين، وهو جمع سمة بتشديد الميم، وهي القطعة والطائفة من السم بتثليث السين.

أَشْرَعوا، أي سَدَّدوهنّ (¬1) للطعن. ومحرّبة، أي كأنّ بها غضبا. وقوله: يَسّاقَوْن أي يَسقي بعضُهم بعضا الطعنَ، كأنما يَسّاقَوْن السِّمَم، وإنمّا هي يَتساقَوْن بالسِّمَم. فقال يَسّاقَوْن، فأَدْغَمَها. ومحرَّبة، يقول: قد أُغْضِبتْ فغَضِبَتْ. كأنّما يَقَعُ البُصْرِىُّ بينهمُ ... مِن الطَّوائِف والأعناقِ بالوَذَمِ البُصْرِىّ: [سَيْفٌ مِن] سُيوفِ بُصْرَى. والطّوائف: النواحي: الأَيْدِي والأَرْجل. والوَذَمة: السَّيْر بين العَرْقُوَةِ وأُذُنِ الدَّلو. يقول: فكأنّما يَقَعُ في سُيورٍ من شِدّةِ وَقْعِه ومَرِّه، يَقْطَع رِقابَهم وأَيْدِيَهم. يُجَدِّلُون مُلوكًا في طَوائِفِهِمْ ... ضَربًا خَرادِيلَ كالتَّشقِيقِ في الأَدَمِ يُجَدِّلَون: يَصْرَعون. وطوائفهم: نواحيهم. وقوله: ضَرْبا خَرادِيل , قال: يقال (¬2): خَرْدَلَ الشاةَ، إذا قطّعها قِطَعا قِطَعا. قال أبو سعيد: حدَّثنا عُمارةُ بنُ حمزةَ شيخٌ من آلِ عمرَ بنِ الخطاب - رضي الله عنه - قال: نَطرح الرملَ في أَرِضنا السَّبِخةِ بالأَعْوِص (¬3) فيُخَرْدِلُها كأنّه صعيد. فإذا طُرح الرملُ فيها شَقّقها. ويقال للنخلة إذا بقي عليها شيءٌ يسير: قد خَرْدَلَت، فَيْعُظم بُسْرُها على ذلك؛ ويقال: خَرْدَلَ ثوبَه، أي قَطّعَهَ. ماذا هُنالِكَ مِن أَسْوانَ مكتئبٍ ... وساهِفٍ ثَمِلٍ في صَعْدةٍ حِطَمِ ¬

_ (¬1) في كلتا النسختين "شدّوهن" بالشين المعجمة ودال واحدة؛ وهو تحريف. (¬2) في الأصل: "يقول". (¬3) الأعوص: موضع قرب المدينة.

ويُروَى: "قِصَم". قال: يقال: رجلٌ أَسْوانُ، أي حزين، من الأَسى. والساهِف: العَطْشان (¬1). وهو ثِمَلٌ مِن الجراح. وحِطَم: كِسَر. والحِطْمَة القِطْعة. وصَعْدة: قَناة, أي في صَعْدهٍ كِسَر: ويقال طعامٌ مَسْهَفَةٌ إذا كان يُعْطِش. وخِضْرِمٍ زاخِرٍ أَعْراقُه تَلِفٍ ... يُؤْوِى اليتيمَ إذا ما ضُنَّ بالذِّمَم الِخضْرِم: الواسع الخُلُق. والخَضارِم: الأشراف إذا كان لهم معروفٌ وسَعة. قال أبو سعيد: وقال جَزْءُ بن (¬2) حازم: قال لي العجّاج: أين تريد؟ قلت: البحرين. قال: لَتُصِيبَن بها نَبِيذا خِضْرِما، أي كثيرا. ويقال: بئر خِضْرِم , أي كثيرةُ الماءِ غَزِيرة. وآباِرُ اليمامة غَزِيرات، يقال طعن (¬3) الخِضْرِمات. قال العَجّاج: * اِنصاعَ (¬4) بين الخِضْرِماتِ وهَجَرْ *. وقوله: أَعراقه , أي له عروق تَرفع عُرُوقه (¬5) وقولُه: تَلِف, أي هالِكٍ هَلَك في الوَقْعة. يُؤْوِى اليتيمَ في ذمته إذا لَم يتكفّل أحدٌ بيتيم. وشَرْجَبٍ نَحْرُه دامٍ وصَفْحَتُه ... يَصِيح مِثلَ صياحِ الَّنسْرِ مُنْتَحِم الشَّرجَب: الطّوِيل. صِياحُ النَّسرِ كأنّه انتحام. والانتحام: شبيهٌ بالنَّفَسِ من الصَّدْر. ¬

_ (¬1) ذكر في اللسان (ماده سهف) أن السهف بفتح السين وسكون الهاء: تَشحّط القتيل في نزعه؛ وأنشد هذا البيت، كما ورد فيه هذا المعني الذي ذكره الشارح هنا أيضا للساهف. (¬2) في اللسان (مادة خضرم) جرير بن الخطفي، وفيه: "اليمامة" مكان قوله: "البحرين". (¬3) لعل صوابه "طغت الخضرمات" أو "طمت" أو "طفت" مكان قوله: "طعن"، أي فاض ماء الآبار. (¬4) انصاع أي مرّ مسرعا. (¬5) لعل صوابه "فروعه" مكان "عروقه" أي أن له أصولا تنمى فروعه وتطيلها.

مُطَرِّفٍ وَسْطَ أُولَى الخَيلِ مُعْتَكِرٍ ... كالفَحْل قَرْقَرَ وَسْطَ الهَجْمَةِ القَطِم (¬1) المطِّرف: الّذي يَردّ أوائلَ الشيء , يقال: طَرَّف أوائلَ الإبلِ، أي رَدَّها. والقَرْقَرَة: الهَدْر. والهَجْمَة: القِطْعة من الإبِل. والمُعْتَكرِ: الّذي يَعْتَكِر وَسْطَها يُقْبِل ويُدْبِر. يقول: هذا في أوائل الخيل يَرُدُّ ما أتاه من (¬2) الإبِل. ويقال: طَرِّف عليّ أوائلَ الخَيلِ، أي رُدَّها. ويقال: طَرِّف فلانٌ وفلان: إذا رَدّا أوّلَ الخيل. وحُرّةٍ مِن وراءِ الكُورِ واركة ... في مَركَبِ الكُرْهِ أَو تَمشِي على جَشَمِ قوله: في مَركَبِ الكُرَه، أي قد أَرْدَفَتْ فهي متورِّكة لم تَبلُغ بادَّها. والبادُّ: باطِن الفَخِذِ. تَمشِي علي جَشَم، يقول: تَمشِي على كُرَهٍ تَجَشَّمُ ذاك تَجشُّما، أي على تجشُّمٍ ومشَقَّة. مَركَب الكُرْه، يعنى الرَّحْلَ. يُذْرِينَ دَمْعا على الأَشفار مُنْحَدِرًا (¬3) ... يَرْفُلْن بعدَ ثيابِ الخالِ في الرُّدُمِ ثيابُ الخال: بُرودٌ حُمرٌ فيها خطوطٌ خُضْر. والثوب المردَّم (¬4) هو المرقَّع. ويقال: ثوبٌ مردَّم. ويقال: ارْدِمْ ثَوْبَك. ويقال: رَدَمَه يَرْدِمُه رَدْما إذا رَقَعَه. ومِن هذا قيل: رَدَمَ البابَ. فاستَدْبَروهم فهاضُوهمْ (¬5) كأنّهمُ ... أرْجاءُ هارٍ زَفاهُ اليَمُّ مُنْثَلمِ ¬

_ (¬1) فحل قطم , أي صؤول مهتاج. (¬2) لعله "منها" أي من خيل الأعداء. (¬3) في اللسان (مادة ردم) "مبتدرا". (¬4) في اللسان أن الردم جمع رديم، كأمير وهو الثوب الخلق؛ وأنشد هذا البيت. (¬5) في اللسان (مادة هار) "فهاروهم" ويلاحظ أنه ورد في اللسان الشطر الأوّل من هذا البيت مضافا إلى عجز بيت آخر من هذه القصيدة غلطا.

هاضُوهم، أي كَسَروهم؛ ويقال: دَقُّوهم. وأَرْجاء: نَواحٍ. هارٍ: تكسَّرَ وانهَدَم؛ هَار ينهار (¬1)، وشَبَّهَهم بجُرُفٍ استَخَفَّه الماءُ فغَمَره. فشبّه الوادي (¬2) الّذي وَصَفَ بالبحر. واليمّ: البحر. زَفاه: اِستَخَفّه وزَهاُه. فَجلَّزوا بأُسارَى في زِمامهِمُ ... وجامِلٍ كَحرمِ الطَّوْدِ مُقْتَسَمِ قوله: في زمِامِهِم، أي في حِبالهم (¬3). وحَزِيمه: وَسَطُه. والحَزيم: موضِع الِحزامِ وصَدْرُه (¬4). وقولُه: جَلَّزوا، أي مَضَوا ومَرُّوا مَرّا خفيفا. "وقال ساعدة أيضا" وما ضَرَبٌ بيضاءُ يَسقى دَبوبَها ... دُفاقٌ (¬5) فعَرْوانُ الكَراثِ فضِيمُها في الأصل: عُرْوان؛ والأجوَد الفتحُ. قال أبو سعيد: الضَّرَب: العسل الشديد الصُّلْب الأبيض. قال: وإذا اشتدّ العسل فقد استَضْرَب، [وذلك] إذا أكلَ النّحلُ البَردَ. دَبُوب: غَوْر (¬6). وعَرْوان: وادٍ (¬7). والكَراث: شجر (¬8). وضِيم: ¬

_ (¬1) كان الأولى أن يقول: (يهور) لأن ذلك مضارع (هار). (¬2) يلاحظ أنه لم يشبه واديا بالبحر في البيت كما ذكر الشارح، وإنما شبه العسكر أو الجيش المنهزم بالجرف المنهار بفعل البحر. (¬3) كان الأولى تفسير الزمام بالحبل الواحد لا بالحبال. (¬4) لعل صوابه "والصدر". (¬5) دفاق: موضع قرب مكة كما في ياقوت. (¬6) في كلتا النسختين (نور) ولم نجد الدبوب بهذا المعنى فيما لدينا من كتب اللغة، ولعل صوابه ما أثبتنا أخذا من قولهم في تفسير الدبوب إنه الغار القعير. وأورد في اللسان هذا البيت (مادة دبب) شاهدا على أن الدبوب اسم موضع. وقال ياقوت: هو موضع في جبال هذيل، وأنشد هذا البيت أيضا. (¬7) قال ياقوت نقلا عن نصر: عروان جبل بمكة، وهو الجبل الذي في ذروته الطائف، وتسكنه قبائل هذيل. ثم أنشد بيت ساعدة هذا. (¬8) قال أبو حنيفة: الكراث شجرة جبلية لها خطرة ناعمة لينة إذا فدغت هراقت لبنا. والناس يستمشون بلبها. وفي موضع آخر أن الكراث تطول قصبته الوسطى حتى تكون أطول من الرجل.

وادٍ (¬1). قال أبو سعيد: وسمعتُ رجلا من قريش بالطائف يقول: استَضَرب العسلُ: إذا أكلَ نَحْلُه الَبرَد. أُتِيحَ لها شَثْنُ البنان مُكدَّمٌ (¬2) ... أَخو حُزَنٍ قد وَقَّرَتْه كلُوُمُها قال: الشَّثْنُ البَنان الخَشِنة (¬3). والمكدَّم: الذي قد أَكَلَتْ أظفارَه الصّخْر (¬4). والحُزَنَ: المكان (¬5) الغليظ، واحدها حزن وحُزْنة (¬6). قد وقّرتْه كُلومُها، أي كُلومُ تلك الِجراح قد وقرتْه أصارت به وقَرات، وهنّ الآثار (¬7)؛ وأنشَدَنا: * لها هامةٌ قد وقَّرَتْها كُلومُها * قليلُ تِلاد المال إلّا مَسائبًا ... وأَخراصَه يَغْدُو بها ويُقيمُها المسْأب والسَّأْب: السِّقاء (¬8). والأخراص؛ عيدانٌ يُصلِحُ بها ما أَخَذَ من العسل (¬9). يقيمها: يسوِّي عِوَجَها، إذا اعوجّتْ قوَّمَها، يُخرِج بها العسلَ يَشْتارُه. وأخراصُه: قصَبُه، وهي العيدان. ¬

_ (¬1) ذكر ياقوت في هذا الموضع عدّة أقوال، فقيل: هو ناحية الجبل. وقيل: هو واد بالسراة. وقيل: هو بلد من بلاد هذيل. (¬2) رواية اللسان (مادة وقر) مكزم، وفسره بأنه القصير. (¬3) لم يقل "الخشنها" لما ذكروا من أن كل جمع بينه وبين واحده الهاء يوحد ويذكر. قاله في اللسان مادة (بنن) ويقال: بنان مخضب. (¬4) في اللسان أن المكدم هو المعضض؛ ورجل مكدم إذا لقى قتالا فأثرت فيه الجراح. وورد في اللسان أيضًا هذا البيت (مادة كزم) ورواه "مكزم" بالزاي وفسره بأنه الذي أكلت أظفاره الصخر كما هنا. (¬5) صوابه: الأمكنة الغلاظ. (¬6) الذي وجدناه في كتب اللغة أن الحزن جمع حزنة بصم الحاء فيهما. أما الحزن بفتح الحاء فجمعه حزون لا حزن كما يفيده كلام الشارح. وذكر الأصمعي أن الحزن بضم ففتح: الجبال الغلاظ. (¬7) قال في اللسان (مادة وقر) رجل موقر إذا وقحته الأمور واستمر عليها. وقد وقرتني الأسفار أي صلبتني ومرنتني عليها وأنشد بيت ساعدة شاهدا على هذا. (¬8) في اللسان (مادة سأب) أنه سقاء العسل. (¬9) واحده خرص بكسر الخاء وسكون الراء.

رَأَى عارضًا يَهوى إلى مُشْمَخِرّةٍ ... قدْ احجمَ عنها كُلُّ شيءٍ يَرومُها قال: يقول رأى عارضًا من ثَوْل كأنّه عارِضٌ من سحاب. مشمخِرّة: هَضْبة طويلة في السماء ذاهبة. قد أحجمَ عنها كلُّ أحدٍ فهي لا تُقرَب. يقول: لا يستطيع أن يَقرَبها من رامها. فما بَرِحَ الأسبابُ حتّى وَضَعْنَه ... لَدَى الثَّوْلِ يَنفى جَثَّها (¬1) ويَؤومُها أي ما برحتْ بِه الأسباب حتى وضعنَه. والأسباب: الِحبال. يقول: تنخرِط به حتى وضعْته (¬2) لدى الثَّوْل. والثَّوْل: جماعة النحل. وجَثُّها: خِرْشاءٌ (¬3): ما كان على عسلها من جَناحٍ أو فرخٍ أو فراخٍ، وما ليس بخالص. وقوله: يؤومها، أي يدخِّن عليها. ويقال: آمَها يؤومها أَوْما، والدّخان: الإيام (¬4). فلما دنا الإِبْرادُ حَطَّ بشَوْرِهِ ... إلى فَضَلاتٍ مستِحيرٍ جُمومُها الإبراد: العشِيّ. حَطَّ بما اشتارَ مِن العسل، أي بما أَخَذ من الوَقْبةِ. والوَقْبة: مِثل النُّقْرةِ. ويُنْزِله (¬5) الغديَر مملوءا. وقوله: مستحير، أي متحيِّر (¬6). يقول تَحَيَّر ماؤها أي ما جَمَّ منها. وجَمَّت: زاد ماؤها. ¬

_ (¬1) في كلتا النسختين "حتها" بالحاء والتاء هنا وفيما يأتي بعد في الشرح، وهو تحريف صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان مادتي "جثث" و "أوم". (¬2) كان الأولى أن يقول "تضعه" بصيغة المضارع. (¬3) في كلتا النسختين "غثاء"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان مادة (جثث)؛ وكان الأولى أن يقول: خرشاؤها. (¬4) هذه الكلمة واوية ويائية، يقال آم يؤوم أوما وآم يئيم إياما: ولم يقولوا في الدخان "أُوام" إنما قالوا "إيام" فقط. اللسان (مادة أوم). (¬5) وينزله، أي ينزل الثور أي العسل. (¬6) في اللسان: "والعرب تقول لكل شيء ثابت دائم لا يكاد ينقطع مستحير ومتحير".

إلى فَضَلاتٍ مِن حَبِيٍّ مُجلجِلٍ ... أَضّرتْ به أضواجُها وهُضومُها مجلجل: فيه رَعْد. وقوله: إلى فَضَلات، أي إلى فضلاتٍ: غَدِير من هذا السحاب. والحَبيُّ: سحابٌ يَعترِض، يُقال: إنه لجيٌّ حَسَن. والهُضُوم، هي الغُمُوض في الأرض، وهي أماكِنُ مطمئنّة. يقول: فكأنّها (¬1) دنتْ من الماء فأَضرّت به، وليس من الضَّرَر، ومن ذلك قولُ أبي ذؤيب: غَداةَ المُلَيْحِ يومَ نحن كأنّناء ... غَواشِي مُضِرٍّ تحت رِيحٍ ووابِلِ يقول: كأنها (1) دَنَت منه. أَضَرّ: دنا. وضَريرَا الوادِي: ناحِيَتَاه. والأضْواج: نواحي الوادي حيث يَنْثَنِي. قال: وإذا كان في ظِلٍّ كان أطيَبَ له. فشَّرجَها حتّى استَمر بنُطفةٍ ... وكان شفاءً شَوْبُها وصَميمُها يقول: فَتّقَها (2) حتى مَضَى بها معه. شَرَّجها: فَتّقها (¬2). وقوله: شَوْبُها، أي مِزاجها من هذا الماء. وصَميمُها: خالِصُها، هي نفسُها. قال خُفافُ بنُ عُمَير: فإنْ تكُ خَيْلِي قد أُصيبَ صَمِيمُها ... فعَمْدًا على (¬3) عَيْنٍ تيممّتُ مالِكَا ويقال: شِيبَ الشيءُ إذا مُزِج. ¬

_ (¬1) لا مقتضى لقوله هنا: "فكأنها" وقوله بعد: "كأنها" إذ دنوّ الأضواج والهضوم المذكورين في البيت من الماء حاصل بالحقيقة لا بالتشبية. (¬2) في كلتا النسختين "عتقها" بالعين في كلا الموضعين؛ وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا كما يستفاد من كتب اللغة، فقد ورد فيها أن التشريج بمعنى الخلط والمزج؛ يقال: شرج العسل والخمر ونحوهما إذا مزجهما بالماء. وقوله: "بنطفة" متعلق بقوله: "فشرّجها". (¬3) يقال: فعلت ذلك عمدا على عين وعمد عين، أي بجد ويقين. قاله في اللسان وأنشد بيت خفاف هذا.

فذلكَ ما شَبَّهتُ فا أمِّ مَعْمَرٍ ... إِذا ما تَوالِي الليّلِ غارتْ نُجُوُمها تَوالِيه: أواخِرُه. غارت، أي دخلتْ في الَغْورِ، أي غابت. (وقال ساعدة أيضا يصِف ضَبُعا) ألا قالت "أُمامةُ" إذ رأَتْنِي ... لشِانِئكَ الضَّراعةُ والكلُولُ قال أبو سعيد: كأنهّا قد رأته وقد ضَرِع وكَلَّ مِن المرض فكرهت أن تقول له شيئًا، فقالت: "لِشانِئك الضَّراعةُ والكُلول" كما تقول: لِعدوك النبلاءُ. والكلُولُ أن يَكِلَّ بصُره، يَكِلُّ كِلّةً وكُلولا. وكَلَّ السيفُ كِلّةً وكلولا. وكَلَّ عن الأمرِ وأَكَلَّ رِكابَه. وأَكَلَّ ناقتَه. والضّراعة: التصاغر. تَحوَّبُ قد تَرى أَنِّي لِحَمْلٌ ... على ما كان مُرْتَقَبٌ ثَقِيلُ تَحوبُ أي توجَّعُ وتَفَجَّعُ. قد ترىَ أَنِّي لحملٌ أي كالحمِلِ من المرض، ثقيل على أهلى. والرقبة: التخوّف. يقول: تتخوف أن أقْعد (¬1) عليهم؛ وأنشَدَنا أبو سعيد: فجاءتْ تَهادَى على رِقبةٍ ... من الخَوفِ أحشاؤها تُرْعَدُ والارتقاب: التخوف عل كل حال. يقول: فأنا حِمْلٌ من المرض ثقيلٌ على أصحابي لا أنفعهم، كأنهم يتخوفون أن تأتيَهم الفَجائع مِن قِبَلِى. جَمالَكِ إنّما يُجْدِيكِ عَيْشٌ ... أمَيْمَ -وقد خلا عُمْرى- قَلِيلُ ¬

_ (¬1) الذي نراه أنه يريد بقوله: "مرتقب" أنهم يرتقبون موته آنا بعد آن لثقل ما به من المرض.

جَمالَكِ، يقول: لا تَنْسَى جَمالكِ، تَجمَّليِ بِجُهْدِكِ، فإنّما يكفِيكِ ويغنِيكِ عيشٌ قليل. وقد مضى عمرى، أي عيشي. إنما يُجْدِيكِ عَيْشُ، أي يكفيك ويُجزِئُكِ عيشٌ قليل. وقليلٌ ما يُجْدِى عليكِ، أي قَلَّ ما ينفعُكِ. ويقال في "جَمالَك": تجمَّلى واذكرى جَمالَكِ. وقال أبو ذؤيب: جَمَالَكَ أيُّها القلبُ القَريحُ ... ستَلقَى مَن تُحِبُّ فَتَستريِح وقال الآخَر: * ويَقْنَى الحياءَ الَمْرءُ والرُّمحُ شاجِرُه * (¬1) أي يلزَم الحياءَ وقد شجرته الرِّماح. وإنِّي يا أُمَيْمَ ليَجْتَديِني ... بنُصْحَتِه المحسَّبُ والدَّخِيلُ يجتديني: يعتمِدني. (¬2) بنُصحَتِه: صميم أمرِه. وناصحُ كلِّ شيءٍ: خالِصُه وصمِيمُه ومنه قول الشاعر (¬3): فأَزالَ ناصِحَها بأبيَضَ مُفْرَطٍ ... من ماءِ أَلْهابٍ عليه التَّألَبُ ويُروَى: لَيَعْمِدَنِّي، وأنشَدَنا لأبي ذؤيب: لَأُخبرتِ أنّا نجتَدِى الحمدَ إنَّما ... يُكلَّفه مِن النّفوسِ خِيارُها قال. ومنه قَولُ عنترة: ¬

_ (¬1) أورد هذا الشطر لما فيه من معنى التجمل. (¬2) لم يرد في كتب اللغة التي بين أيدينا النصحة بهذا المعنى الذي ذكره؛ والذي ورد بهذا المعنى الناصح كما ذكر بعد. وقد ضبطناه هكذا كما ورد في الأصل. (¬3) هو ساعدة بن جؤية الذي نحن بصدد شعره.

قصائدُ مِن قول امريءٍ يجتدِيكُم ... بني العُشَراءِ فارْتدُوا أو تَقَلَّدوا يريد يختصّكم بها ويجعلكم جَدْوَى. والمحسَّب: المكرم (¬1). قال أبو سعيد: وحدّثنا شُعْبة عن سماكِ بنِ حرب قال: يقال: ما حَسَّبوا جارهم، أي ما كرَّموه. ويقال: ما يُحسِبُك أي ما يكفِيك. ويجتدِينى: يختصّنى. ولا نَسَبٌ سَمِعتُ به قَلانِى ... أُخالِطُه أُميمَ ولا خَليِلُ يقول: ولا ذو نَسَب. وهذا كقوله: غَضِبتِ علينا يا رَحِم، وإنما يعني به أهلَ الرَّحِم. وقلانِى: أَبغَضَنى. أَنِدُّ من القِلَى وأَصونُ عرْضِى ... ولا أَذَأُ الصَّديقَ بما يقولُ (¬2) أنِدُّ مِن القِلَى، يقول: أفِرّ مِن القِلَى. والقِلَى: البُغْض، ممّا (¬3) يُقلَى من الأخلاق. ولا أذأُ الصَّدِيق، يقول: ولا أُوذيه وأُعنِته وأُدْخلُ عليه مكروها. ويقال: وَذَأَه يذَؤُه وذأً قبيحا، مِثل وضعَه يضعُه وضْعا، وذأْتُه فأنَا آذَؤُه وَذأً، كأنه آذاه. وإنِّي لَابنُ أقوامٍ زِنادِى ... زَواخِرُ والغُصونُ لها أُصولُ زِنادِى زواخِر، أي شجرتي تطول في السماء، فأنا في شجرةٍ ثابتة الأصل طويلة الفرع. وما إنْ يَتَّقِى من لا تَقِيه ... مَنيّتُه فيُقْصِر أو يُطِيلُ ¬

_ (¬1) كذا فسر الشارح هذه الكلمة؛ والذي يلوح لنا أن المحسب هنا ذو الحسب بمعنى الشرف الثابت في الآباء، بدليل عطف الدخيل عليه. (¬2) في رواية "بما أقول"؛ اللسان (مادة وذأ). (¬3) مما يقلى، أي أندّ مما يقلى.

يقول: لا يستطِيع أَحدٌ أن (¬1) يقي من لا يقيه قَدَرُه. فيُقْصر. "يقول: من الناس من يطولُ عمره، مَن قُضِيَ عليه أن يطولَ عمره لم يقصر" (¬2) , أي منهم من يُقْصِر: يكون قصيرا (3)، وليس من نحو أَقصر عن الجهل. يطيل، يكون عمره طويلا (¬3). يقول: من لا يقيه قَدَرٌ لا يستطيع أن يتّقِىَ فيطولُ قَدَرُه أو يَقْصُر، إنما يقيه القدَر. وما يُغنِي أمرأً وَلدٌ أَحَمّتْ ... مَنيّتُه ولا مالٌ أَثِيلُ يقول: لا يُغني أمرأً حانت منيّتُه ولدٌ. أحَمّت: حانت، وحُمَّتْ: قُدِّرت. والأثيل: المؤثَّل الكثير، وهو المثَّمر؛ ويقال: حاجة مُحِمَّة بالحاء غير معجمة: يأخذك لها زَمعَ وحديثُ نَفْسٍ. والمؤثَّل من المال: المثمر؛ وقال الشاعر (¬4): ولكنّما أَسعَى لمجدٍ مؤثَّلٍ ... وقد يُدرِك المجدَ المؤثَّلَ أمثالِي ولو أَمْستْ له أُدْمٌ صَفاياَ ... تُقَرْقِرُ في طَوائفها الفحُول قولُه: صفايا، أي إبِلٌ كِرام. وقولُه: تُقَرْقر، أي تَهدر. وطوائفها: نواحيها. مصعِّدةٌ حَوارِكُها تَراها ... إذا تَمْشِى يَضِيقُ بها المَسِيل ¬

_ (¬1) كان الأولى في تفسير هذه العبارة كما يظهر لنا أن يقول: لا يستطيع أحد أن يتقى إذا لم يقه قدره كما تقتضيه مسايرة ألفاظ البيت. (¬2) الظاهر أن هذا الكلام الذي بين هاتين العلامتين قد وضع في غير موضعه من شرح البيت خطأ من الناسخ؛ والظاهر أن موضعه بعد قوله الآتى: "يكون عمره طويلا". (¬3) لم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا أن أقصر وأطال يجيئان بمعنى يكون قصيرا ويكون طويلا أي بمعنى قصر وطال اللازمين كما ذكره الشارح هنا. (¬4) هو امرؤ القيس بن حجر الكندي.

مصعِّدة، أي شُمُّ الحَوارك. يقول: هي مفرَّعة الأكتاف ليست بدُنٍّ ولا هُبع. والأَدَنُّ: القريب الصَّدرِ مِن الأرض، وهو الدَّنَن. والهُبَّعُ: المتواضعة (¬1) الأعناق. وقوله: "إذا تَمشِى يَضِيق بها المَسِيلُ" يقول: يضيق بها الوادِي من كثرتها. إذا ما زارَ مُجْنَاةً عليها ... ثِقالُ الصَّخرِ والخَشَبُ القَطِيلُ مجنأة، يعني القبر؛ والمجنأ: المحدودب، وكلّ مُحْدَوْدِبٍ مُجنأ، ويقال: رجلٌ أجْنأ، وتُرْس مُجْنأ. وإذا استمر (¬2) القبر قيل مجنأ. والقَطيل: المَقطوع، ويقال: قطَلَه أي قَطَعَه، يريد زار حُفْرَته، أي قبرَه. وغُودِر ثاوِيًا وتأوّبتْه ... مذرَّعةٌ أُمَيْمَ لها فَلِيلُ غُودِر: تُرِك. والثاوِي: المقيم. ومذرَّعة، يعني ضبعا بذراعيها توقيف أي آثار (¬3). والفَليل: الشعر والوبر، وهذه ضبعٌ فيها خطوط سود، وأنشَدنا أبو سعيد: دَفوعٌ لِلقبورِ بمنكِبَيهْا ... كأنّ بوَجْهِها تحمِيمَ قِدْرِ قال: وأنشَدَني أبو عمرو بنُ العَلاء: وجاءت جَيْئُل وأبو بَنِيها ... أَحَمَّ المَأقِيينْ به خُماعُ (¬4) لهما خُفّانِ (¬5) قد ثُلِبَا ورأسٌ ... كرأسِ العَوْدِ شَهْبَرةٌ نَؤُولُ ¬

_ (¬1) في كتب اللغة أن الهبع هي التي تمدّ أعناقها في المشي. (¬2) كذا وردت هذه الكلمة في الأصل؛ ولم نتبين لها معنى. (¬3) عبارة اللسان (مادة ذرع) والمذرعة: الضبع لتخطيط ذراعيها، صفة غالبة؛ وأنشد بيت شاعرنا هذا. (¬4) به خماع أي ظلع؛ والبيت لمثقب كما في اللسان (مادة خمع). (¬5) في كلتا النسختين: "حفان" بالحاء المهملة؛ وهو تصحيف.

قال: أراد أنّ لها خُفًّا (¬1) غليظا قد تكسَّر أو تجسّأ (¬2)، من قولِك: ثَلَب فلانٌ عِرْضَ فلان أي كسّره وقطّعه. والشهْبرة (¬3): التي قد أَسنّت. والنَّهْشلة: مِثلُها، وهما واحد وأنشَدَنا أبو سعيد: رُبَّ عَجوزٍ مِن أناسٍ شَهْبَرهْ ... علّمتُها الإنقاضَ بعد القَرْقَرهْ يقول: أَغارَ (¬4) عليها فأخذ إِبلها وتركها تُنْقض بالغنم. والقرْقَرة للإبل , والإنقاض للغَنَم، والشَّهْبَرة، هي الكبيرة المُسِنّة. والنَّؤول، هي الّتي كأنها تدافَعُ بِحملٍ، يقال: مّرَّ يَنْأل بِحمْلِه نأْلا. والنَّؤول: الّتي تمشِى كأنّها مُثقَلة. تَبِيتُ اللَّيلَ لا يَخفَى عليها ... حِمارٌ حيث جُرَّ ولا قَتِيلُ كَمشْي الأَقْبَلِ السّارِى عليها ... عِفاءٌ كالعَباءةِ عَفْشَلِيلُ ¬

_ (¬1) في كلتا النسختين "خدا" بالدال؛ وهو تحريف. (¬2) تجسأ: تصلب وخشن. وفي كلتا النسخين "تخسأ" بالخاء المعجمة؛ وهو تحريف إذ لم نجد من معانيه ما يناسب السياق. (¬3) ويقال الشهربة أيضا؛ وقد روى هذا البيت في اللسان (مادة نأل) شهربة بتقديم الراء على الباء. (¬4) أورد صاحب اللسان هذا البيت (مادة شهبر) وذكر أنه لشظاط الضبى أحد اللصوص الفتاك وكان رأى عجوزا معها جمل حسن، وكان راكبا على بكر له. فنزل عنه وقال: أمسكي لي هذا البكر لأقضى حاجة وأعود. فلم تستطع العجوز حفظ الجملين؛ فانفلت منها جملها وندّ، فقال: أنا آتيك به، فمضى وركبه وقال: "رب عجوز من نمير شهبرة" الخ البيت. ثم قال: أراد أنها كانت ذات إبل فأغرت عليها ولم أترك لها غير شويهات تنقض بها. وفسر الإنقاض في مادتي (شهبر ونقض) بأنه صوت صغار الإبل. والقرقرة بأنها صوت الكبير منها، وفي مادة "قرقر" أن الإنقاض دعاء الغنم، والقرقرة دعاء الإبل، وهو الموافق لما هنا في الشرح. وذكر صاحب اللسان في هذه المادة أيضا بعد أن أنشد هذا البيت أن معناه أنه سبى تلك العجوز فحوّلها إلى ما لم تعرف اهـ. أي حوّلها إلى رعي الغنم بعد الإبل.

قال أبو سعيد: تَمشِي كمشي الأَقْبَل الّذي في عينه قَبَل شبيهٌ بالحوَل. وعِفاؤُها وبَرُها وشَعرُها. (¬1) والعَفشَلِيل: الجافى، ويقال: ثوبٌ عَفْشلِيل، أي جافٍ ثقيل. قال: يقول تَمشِى كَمشى الأقبل الذي يسير بالليل فكأنه يتلفت يدير عينيه. فذاحَتْ بالوَتائر ثم بَدَّتْ ... يَدَيْها عند جانبِه (¬2) تَهِيلُ ذاحَتْ: مرّت مرا سِريعا سهلا (¬3). والوَتائر: طرائق (¬4) مرتفعة من الأرض يتبع (¬5) بها بناءُ القبور. والوتيرة من الأرض كأنها طرِيقة منقادة دقيقة؛ ويقال: هو على وَتِيرةٍ أي علي طريقةٍ مستقيمة. وقوله: بَدَّت يدَيها، أي فتحتْ ما بين يديها. وتهيل: تنبِشُ. يقال: هالَ الترابَ يهيلُه إذا نبشه. هُنالِكَ حِينَ يَتْرُكه ويَغْدُو ... سَلِيبًا ليس في يده فَتيِلُ حين يتركه: إذا تَرَكَ مالَه. والفَتِيل: الذي في شِقّ النَّواة. ¬

_ (¬1) ذكر في اللسان هذا البيت شاهدا على أن العفشليل من أسماء الضبع. (¬2) في نسخة "جانبها". (¬3) في اللسان مادة (ذاح) الذوح السير العنيف؛ وأنشد بيت ساعدة هذا. ولم يرد في تفسير الذوح معنى السهولة كما ذكره الشارح هنا. (¬4) قال في اللسان (مادة وتر) في تفسير الوتيرة: إنها قطعة تسكن وتغلظ وتنقاد من الأرض. ثم قال: وربما شبهت القبور بها؛ وأنشد بيت ساعدة هذا؛ وذكر أيضا بعد ما يوافق تفسير الشارح هنا، وقال: إن تفسير الوتيرة بالطريقة تفسير الأصمعي. ونقل عن أبي عمرو الشيباني أن الوتائر في هذا البيت ما بين أصابع الضبع؛ يريد أنها فرّجت بين أصابعها. (¬5) لعل في هذه الكلمة تحريفا صوابه "يشبه بها" أو ما يفيد هذا المعنى كما هو نص عبارة اللسان (مادة وتر).

ولو أنّ الّذي يُتْقَى (¬1) عليه ... بضَحْيانٍ أشَمَّ به الوُعولُ ضَحْيان: جبلٌ ضاحٍ. يقول: ليس فيه شجرٌ يوارى من بهذا الجبل. أشمّ: طويل مشِرف. عَذاةٍ ظَهْرُه نَجْدٌ عليه ... ضَبابٌ تَنْتحيه الرِّيُح مِيلُ أي ظَهرُه نجدٌ وأسفَلُه تِهامة [وأهلُ تهامةَ يقولون: رجلٌ من أهل نُجُد؛ يريدون نجدا (¬2)] والعَذاة: البعيدة من الماءِ والرِّيف (¬3). يقول: ظهرُه مُشرِف وأسفلهُ تهامة. تنتحيه, أي تأخذه يمنةً ويَسْره. ميل (¬4) , ضبابٌ ميل: يميل مع الريح. ¬

_ (¬1) يتقى عليه, أي لو أن الذي تتخذ الوقاية والمحافظة عليه حصن في جبل صفته ما ذكر لآيته الحوادث الخ. هذا ما يظهر لنا من معنى هذا البيت. وقد ضبطنا "يتقى" بسكون التاء وفتحها لما ورد في اللسان (مادة وقى) من اختلاف الأقوال في ذلك، فقد ورد فيه أولا مما يدل على فتحها ما نصه: أصل تقى أي بفتح التاء يتقى أي بتشديدها، فحذفت التاء الأولى، ثم أنشد بيت خفاف في ندبة: جلاها الصيقلون فأخلصوها ... خفافا كلها يتقى بأثر بفتح التاء ثم ذكر كلاما لأبي منصور يدل على تسكينها، قال: اتقى يتقى (أي بتشديد التاء) كان في الأصل أو تقى على افتعل فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وأبدلت منها التاء، وأدغمت، فلما كثر استعماله على لفظ الافتعال توهموا أن التاء من نفس الحرف، فجعلوه اتقى يتقى بفتح التاء فيهما مخففة، ثم لم يجدوا له مثلا في كلامهم يلحقونه به فقالوا: تقى يتقى مثل قضى يقضى؛ ثم أنشد قول الأسدى: ولا أتقى الغيور إذا رآني ... ومثلى لزّ بالحمس الربيس بسكون التاء في أتقى. ومن رواها بتحريك التاء فإنما هو على ما ذكر من التخفيف. قال ابن برى: والصحيح في هذا البيت وفي بيت خفاف بن ندبة يتقى وأتقى بفتح التاء فيهما لا غير الخ. (¬2) ذكر في اللسان (مادة نجد) نقلا عن الأخفش أن نجدا بضمتين بمعنى نجد (بفتح فسكون) لغة هذيل وقد أثبتنا هذه التكملة عن "ب". (¬3) في اللسان مادة (عذا) العذاة: الأرض الطيبة التربة الكريمة المنبت التي ليست بسبخة. وقيل هي الأرض البعيدة عن الأحساء والنزوز والريف، السهلة المريئة التي يكون كلؤها مريئا ناجعا؛ وقيل فيها غير ذلك. (¬4) في الأصول: "مثل" بالثاء؛ وهو تصحيف.

إذا سَبَلُ الغَمامِ دنا عليه ... يَزِلّ برَيْدِه ماءٌ زَلُولُ (¬1) ويروَى "إذا سَبَلُ العماءِ" (¬2)، والعماء: السحاب الرقيق (¬3). والرَّيد: الحَرْف من الجبل. زَلول وزُلال واحد، وهو السريع المَرِّ في الحَلْق. والسَّبَل: المطر. وقوله: يزل برَيْده، أي هو أملس. برَيدِه: بحرفه لأنه أملس, فإذا أصابه المطر سال. زَلُول: يزلق؛ لأن الجبل أملس فيَزِلّ عنه. وقوله: دنا عليه، أي دنا منه. كأنّ شُؤونَه لَبّاتُ بُدْنٍ ... خِلافَ (¬4) الوَبْلِ أو سُبَدٌ غَسيلُ شؤوُنه: خطوط فيه مخالِفةٌ للونِه. يقول: سَبَلٌ (¬5) كأنه لبّلتُ بُدْنٍ منحورةٍ تسيل. والسُّبَد: طائرٌ مِثُل الخُطّافِ أملس إذا أصابه المطر سال عنه. يقول: فكأنه في خِلاف المطرِ ممّا يَثُجّ بالماء بعيرٌ نُحِرَ فهو يثج بالدم. لآبَتْه (¬6) الحوادِثُ أو لَأَمْسَى ... به فَتْقٌ رَوادِفُه تَزُولُ يقول: لأنفتق به فتقٌ من الأمور وزالت رَوادِفه عنه. وروادفه: مآخيرُه وما رَدِفَه من خلفِه وقُدّامه (¬7). ¬

_ (¬1) ورد في اللسان (مادة زلل) ما نصه: وماء زلال وزليل سريع النزول والمرّ في الحلق، قال ساعدة ابن جؤية، وبعده بياض بالأصل، والظاهر أن البيت الذي سقط من اللسان هو هذا البيت. ويستفاد من هذا أنه يروى أيضًا زليل مكان زلول. (¬2) في الأصل: "الغماء" بالغين؛ وهو تصحيف. (¬3) وقيل: الكثيف. (¬4) روى في اللسان (مادة سبد) "غداة" مكان "خلاف". وخلاف الوبل، أي بعده. (¬5) لعل صوابه "جبل" مكان قوله "سبل". إذ المشبه بلبات البدن إنما هو الجبل حين يسيل الماء من خطوط فيه، لا نفس المطر. وذلك لأن الضمير في شؤونه يعود على الجبل لا على السبل، إذ ليس في المطر خطوط تخالف لونه. (¬6) لآبته، جواب "لو" في قوله السابق: * ولو أن الذي يتقى عليه * (¬7) لم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا أنه يقال: الروادف لما كان من قدّام كما ذكره الشارح. والذي وجدناه أن الروادف للتوابع من خلف.

وقال يهجو امرأة من بني الدِّيلِ بنِ بكر: فيمَ نساءُ الناسِ مِنْ وَتَرِيّةٍ (¬1) ... سَفَنَّجةٍ كأنّها قوسُ تَأْلَبِ سَفَنّجة: سريعة، يريد امرأةً. وتَأْلَب: نَبْت (¬2). لها إلْدةٌ (¬3) سُفْعُ الوُجوه كأنّهمْ ... نصالٌ شَراها القَيْنُ لمّا تُرَكَّبِ قال أبو جعفر الأصفهانىّ: الرواية "لها (¬4) لدِة" سُفْعُ الوُجوه، حُمر الوجُوه. والسُّفْعة: حُمرةٌ إلى السواد، والذَّكَر أسفَع، والأنثى سَفْعاء. وشراها: اشتراها تكون لهما جميعا (¬5). والقَيْن: الحدَّاد، وكل من يعملُ بحديدة فهو قَين (¬6). إذا جَلستْ في الدار يوما تأبَّضتْ (¬7) ... تأبُّضَ ذئبِ التَّلْعةِ المتصوِّبِ ¬

_ (¬1) وترية: نسبة إلى الوتائر، وهي مساكن الذين منهم هذه المرأة التي يهجوها. وقبل: وترية أي صلبة كالوتر (اللسان مادة وتر) وفي هذا البيت الخرم كما ترى. (¬2) قد سبق التعريف بالتألب في قول ساعدة في القصيدة الأولى من شعره: فأزال ناصحها بأبيض مفرط ... من ماء ألهاب عليه التألب (¬3) الإلدة: الأولاد، كالولدة بالواو المكسورة أيضا. (¬4) كذا في الأصل. ولم نجد اللدة بالمعنى المراد هنا وهو الأولاد فيما راجعناه من كتب اللغة وإنما اللدة الترب؛ وهو غير مراد هنا، وأيضا فاللدة مفرد، فلا يصح وصفه بالجمع؛ فلعل في الكلمة واوا سقطت من الناسخ، والأصل "ولدة" بكسر الواو. (¬5) تكون لهما جميعًا، أي أن هذه الكلمة تستعمل في البيع والشراء. (¬6) قال ابن السكيت: قلت لعمارة: إن بعض الرواة زعم أن كل عامل بالحديد قين. فقال: كذب، إنما القين الذي يعمل بالحديد ويعمل بالكير. ولا يقال للصائغ قين ولا للنجار قين. (¬7) التأبض: التقبض وشدّ الرجلين قاله في اللسان (مادة أبض) وأنشد بيت ساعدة هذا، ثم قال: أراد أنها تجلس جلسة الذئب إذا أقعي؛ وإذا تأبض على التلعة رأيته منكبا.

شَروبٌ لمِاءِ (¬1) اللَّحمِ في كلّ صَيْفةٍ ... وإن لم تجِدْ مَن ينُزْلُ الدَّرَّ تَحْلُبِ نُفاثِيّةُ (¬2) أيّان ما شاءَ أهلُها ... رأَوا فُوقَها في الخُصِّ لمَ يتَغيّب الفُوق: الفَرْج. إذا جَلستْ في الدار حَكّتْ عجانَها ... بعُرْقوبها من ناخِسٍ متقوِّبِ الناخِس: الجرب (¬3). والمتقوِّب: المتقشِّر. إذا مُهرتْ صُلْبا قليلا عُراقُه ... تقول: ألا أرضَيْتَنى (¬4) فتَقرَّبِ مُصَنْتَعُ (¬5) أعلى الحاجِبيَنِ مسبَّلٌ ... له وَبَرٌ كأنّه صُوفُ ثَعلَبِ قال الشيخ أبو عمران: لا أدرى هل قرأتُ هذا البيتَ على أبي بكر بن دُرَيْد أم لا، يعنِي "مصنتع أعلى الحاحبين". ¬

_ (¬1) ماء اللحم: الدم. وقيل: أراد بماء اللحم المرق تحسوه دون عيالها. وإن لم تجد من يحلب لها حلبت هي، وحلب النساء عار عند العرب. (اللسان مادة موه). (¬2) نفاثية: نسبة إلى نفاثة بن عديّ بن الديل من كنانة. (¬3) في اللسان: الناخس جرب يكون عند ذنب البعير. قال: واستعار ساعدة ذلك للمرأة؛ وأنشد هذا البيت. (¬4) أنشد في اللسان بيت ساعدة هذا. وروى فيه "اديتنى" مكان "أرضيتنى". والصواب رواية الأصل، إذا لم نجد في كتب اللغة أن أدى يتعدى إلى مفعولين، فلا يقال: أدى المرأة مهرها مثلا. بل يقال: أدّى إليها. والعراق هنا القطع من اللحم. قال في اللسان (مادة عرق): والعرق بالفتح: الفدرة من اللحم، وجمعه عراق (بضم العين)؛ وهو من الجمع العزيز، ولم يفسر في اللسان مراد الشاعر بقوله: صلبا قليلا عراقه. ولعل المراد به متاع الرجل. (¬5) لم نجد في كتب اللغة (مادة صنتع) أنه يقال "مصنتع" والذي وجدناه الصنتع بضم الصاد والتاء وسكون ما بينهما، وهو الناتئ الحاجبين الصلب الرأس؛ ويقال ذلك الحمار. وظاهر أنه لا ارتباط بين هذا البيت وبين ما قبله، فلعل قبله بيتا أو أكثر قد سقط من الناسخ.

وقال يَرثى ابنَ عمٍّ له لقبه عبدُ شمس, واسمه جُنْدَب، قتلتْه قَسْرٌ، وهي قبيلة: (¬1) ألا يا فتًى ما عبدُ شمسٍ بمِثْله ... يُبَلُّ على العادى (¬2) وتُؤبَى المخَاسِفُ قال: ويُروى "أُبِلَّ على العادى (2) " قال أبو سعيد: قوله: "ألا يا فتى" كأنه يندُبه. عبد شمس: اسم الرجل، و"ما" (¬3) زائدة. ثم قال: "بمِثله". أبلَّ على كذا وكذا أي غلب عليه. يقول: غُلِب على العادى به. ويقال: أَبَلَّ عليّ فلانٌ أي غلبنى عليه (¬4). والمخاسف: الضَّيم (¬5)؛ وأنشدَنا: وزيدٌ إذا ما سِيمَ خَسْفا رأيتَه ... كسِيدِ الغَضَى أَربَى لكَ المتظالعِ أَربَى: أَشرَفَ. قال وأنشَدَنا أبو سعيد أيضًا: لهَانَ عليّ أن تثنى (¬6) مُناخةً ... على الخَسْف (¬7) ما نُجْتيّةُ ابنِ رَباحِ ¬

_ (¬1) هي قبيلة من بجيلة، وأبوها قسر بن عبقر بن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث أخو الأزد بن الغوث، ومنهم خالد بن عبد الله القسرى ورهطه. (¬2) كذا في لسان العرب (مادتى بلل وخسف) وكذلك في النسخة الأوربية. والذي في الأصل: "العدى" بضم العين وتشديد الدال. ولم نجده فيما راجعناه من كتب اللغة. ولعله محرّف عن العدا بضم العين وتخفيف الدال أو العدى بكسر العين وتخفيف الدال، أي الأعداء. (¬3) قال في اللسان (مادة بلل) في شرح قوله: "ما عبد شمس" ما نصه: "وقوله: ما عبد شمس تعظيم، كقولك: سبحان الله ما هو ومن هو، لا تريد الاستفهام عن ذاته تعالى، وإنما هو تعظيم وتفخيم". (¬4) كذا وردت هذه الكلمة في الأصل؛ والظاهر أنها زيادة من الناسخ. (¬5) كان الأولى أن يقول: والمخاسف: جمع خسف , وهو الضيم. (¬6) كذا في الأصل. ولعله "تبييت". (¬7) "ما" هنا زائدة.

ويقال للبعير: بات على الخسف، إذا كان قد بات على غير أكل. قال: ثم صار كلّ نقصان خَسْفا. والخسف: قلّة الطعام. والخسف: الضَّيم. وقوله: "وزيدٌ إذا ما سِيمَ خَسْفا" أي ضَيمْا. "أن تثنى (¬1) مُناخةً على الخَسف" أي على غير طعام. هو الطِّرْف لم تُحشَش مَطِيٌّ بمِثلِه ... ولا أَنَسٌ مستوبِدُ الدار خائفُ قال أبو سعيد: ويُروى "لَم تُوحِش مَطِيٌّ بِمثلِه". والطِّرْف في لغة هذيل هو الكريم. وقولُه "لم تُحشش" (¬2): لم تُسَقْ بمثله؛ ومِثلُه حَشَّ النار "أي أوقدها (¬3) ". والوَبَدُ: القَشَف والجُفوف والبؤس. قوله: "لم تُحشش"، لم تُسَق، وأنشد للراجز: "قد لفّها الليلُ (¬4) بسوّاقٍ جَلِدْ". وأنشد: قد حَشَّها الليلُ بسَوّاق حُطَمْ (¬5) ... خَدَلجَّ (¬6) الساقيَن خفّاقِ القَدَمْ ومن قال: "تُوِحش" يقول: لا تكون -إذا كان فيها- خاليةَ البطون ولا ضعيفة. ويقال: "بات الليلَ وَحِشا" و "بات الوَحْشَ" إذا بات على غير طعام. ¬

_ (¬1) تراجع الحاشية 6 في الصفحة السابقة. (¬2) ذكر في اللسان (مادة حش) في تفسير هذا البيت ما نصه: "لم تحشش" أي لم ترم مطى بمثله، ولا أعين بمثله قوم عند الاحتياج إلى المعونة. ويقال: حششت فلانا أحشه إذا أصلحت من حاله. (¬3) يلاحظ أن هذه الكلمة قد وردت في الأصل في غير موضعها، فقد وردت بعد قوله: بسواق جلد، والسياق يقتضى إثباتها هنا. (¬4) إيراد هذا الشطر بعد الكلام السابق غير واضح المناسبة، إذ لا يظهر فيه ما يريده من الاستشهاد. (¬5) ورد في اللسان (مادة حطم) أن هذا البيت للحطم القيسيّ، ويروى لأبي زغبة الخزرجي يوم أحد كما يروى أيضًا لرشيد بن رميض العنزى. والسواق الحطم: العنيف، كأنه يحطمها أي يكسرها إذا ساقها. وهذا مثل؛ ولم يرد إبلا يسوقها، وإنما يريد أنه داهية متصرف. وفي اللسان "قد لفها الليل" مكان "حشها". (¬6) خدلج الساقين: ممتلئهما.

ومن ذلك يقال: تَوحَّشْ للدّواء، أي يخفِّفُ طعامه. وقوله: لم تُوحِش يقول: "لم يكن (¬1) في المطيِّ فيوحِشَ أهلهَ، أي لا يكون أهلُ المطِي وَحْشا؛ يريد أنه يصيب له مصلحة"، ومن ذا: بات فلانٌ وحْشا وبات الوحش وبات مُوحِشا إذا بات ليس في بطنِه طعام. ومن روى لَم تُحشَش، أراد أنه لم يقوها وكعبها" (¬2). ومنه قولهم: فلانٌ نِعْمَ محشُّ الكتِيبة. ونِعم مِحَشُّ الحرب. وقوله: ولا أنَس مستوبِدُ الدار يقال: وَبِدَ، الوبَد القَشَف والجوع. ويقال: الوَبَد ظاهر، أي الجفوف واليُبْس. وَمشَرَبِ ثغرٍ للرجال كأنهمْ ... بِعَيْقاتِه هَدْءًا سِباعٌ خَواشفُ أي ثغرٌ من الثغور؛ والعَيْقة: الساحة. وهدءا أي بعد نومة. والخَشْف: المَرّ السريع. فيقول: رُبّ ثغر مخوفٍ قد وردتَه على مخافة أهله؛ يقول: هم مِثلُ السِّباع لهؤلاء الغُزاة الذين يخرجون يتلصّصون. به القوم مسلوبٌ تَلِيلٌ وآئبٌ ... شَماتًا ومكتوفٌ أَوانا وكاتفُ يقول: بهذا الثغر قومٌ منهم من قد سُلِب، ومنهم من قد رجع خائبا بغير غنيمة. ويقال: رجع شَماتا، إذا رجع خائبا بغير غنيمة. وقال آخر هذلي (¬3): * فآبتْ عليها ذُلهُّا وشَماتها * ¬

_ (¬1) كذا ورد هذا الكلام الذي بين هاتين العلامتين في كلتا النسختين؛ وفيه اضطراب ظاهر لا يتضح معه المعنى. (¬2) كذا ورد هذا الكلام الذي بين هاتين العلامتين في كلتا النسختين، وهو تحريف لا يتضح معه المعنى. (¬3) الشطر للمعطل الهذلي؛ ورواية البيت: فأبنا لنا مجد العلاء وذكره ... وآبوا عليهم فلها وشماتها

أي خيبتُها من الغنيمة. والتَّليل: الصَّريع. وقوله: شَماتا, يقول: أصابوا الشَّمات لأنهم (¬1) رجعوا بغير غنيمة. وقوله: أوانا, أي حينا, وأنشد: طَلبوا صُلحَنا ولاتَ (¬2) أوانٍ ... فأجَبْنا أن ليس حِينَ بقاءِ أي ليس حِينَ ذلك. أَجَزْتَ بَمخْشوبٍ صَقيلٍ وضالةٍ ... مَباعَج ثُجْرٍ كلَّها أنتَ شائفُ المخشوب: الصَّقيل. كلها أنت شائف, أي جالٍ. والشَّوْف: الجلاء. وقوله: وضالةٍ, أي نَبْل من ضالة. وقوله: مباعج, أي عِراض النِّصال. والثُّجْر: العِراض الأوساط (¬3) , يريد كلها أنت جالٍ ومبيِّض, وأنشد للأعشى * ودُرّةٍ شِيفتْ إلى (¬4) تاجِرِ * كَساها رَطيبُ الرِّيش فاعتدلتْ لها ... قِداحٌ كأعناق الظِّباء زَفازِفُ قال: الرَّطيب الناعم. وأنشد لأبي خِراش: رأت قَنَصا على فَوْتٍ فضَمَّت ... إلى حَيْزُومها رِيْشًا رَطيبا وقوله: كأعناق الظِّباء, أي حسان بيض. وقوله: زفازف, أي لها زفزفة إذا أُديرتْ بالكفّ. يقول: تُزفزِف, إذا نُقِرتْ على الظُّفر زفزفت وسمعت لها ¬

_ (¬1) في الأصول: "كأنهم" بالكاف؛ وهو تحريف. (¬2) الأصل في "لات" أن تعمل عمل ليس على قول, أو عمل إنّ على قول آخر, وإنما جاء ما بعدها مجرورا في هذا الشطر بتقدير حرف جر محذوف, والأصل "ولات من أوان" اهـ. ملخصا من المغني. (¬3) عبارة اللسان "مادة ثجر" الثجر سهام غلاظ الأصول عراض. (¬4) في ديوان الأعشين: (لدى) مكان (إلى) وصدر البيت: * أو بيضة في الدِّعص مكنونة *

صوتا؛ وربما قيل: يَخُور (¬1) السهمُ حين يديره الرجل على ظُفره. وقوله: اعتدلتْ أي قامت فليس فيها عِوَج. فإن يك عَتّابٌ أَصابَ بسهمِه ... حَشاه فعَنّاه الجَوَى والمحَارِفُ الحشَى: الكَشْح، وهو مَعقِد الإزار بين الحَجَبة والأضلاع. عنّاه: أطال حبسه. والجَوَى: فساد الجوف؛ ويقال: أجواه جرحه, أي أفسد جوفه. والمحارف: التي تقاس بها الشِّجاج, وهي الملاميل (¬2) , والواحدة مِحْرَفة. فإِنّ ابن عَبْسٍ قد علمتْم مَكانَه ... أذاعَ به ضَرْبٌ وطَعْنٌ جَوائفُ أذاع به أي طيره وطوَّح به وفرقه. ويقال: أذاع سره, أي أفشاه وطوح به. وقال أبو الأسود: أَذاعَ به في النّاس حتّى كأنّما ... بَعلْياءَ نارٌ أُوقدَتْ بثَقُوبِ والجائفة: التي تصيب الجوف. تَدارَكَه أُولَى عَدِيٍّ كأنّهمْ ... على الفَوْت عِقْبانُ الشُّرَيْف (¬3) الخَواطفُ العدى: العادية الذين يحملون الحملة الأولى, يقال: رأيت عدى القوم أي حاملتهم. يقول: كأنهم قد فِيتُوا فطلبوا على فوت. ¬

_ (¬1) في (أ) "سحور" وفي ب "منحور"؛ وهو تحريف في كلتا النسختين صوابه ما أثبتنا؛ يقال: خار السهم إذا صوّت. قال في اللسان: الخوار من أصوات البقر والغنم والظباء والسهام. (¬2) الملاميل: جمع ملمول (بالضم) وهو المسبار الذي تسبر به الجراح. (¬3) الشريف: ماء لبني نمير تنسب إليه العقبان. وقيل: إنه سرة بنجد.

فإِنْ تك قَسْرٌ أَعقبتْ مِن جُنَيْدبٍ ... فقد علموا في الغَزْوِ كيف نُحارِفُ (¬1) قَسْر, يريد قسر بجيلة، أعقبت عقبا (¬2) منه. يقول: إن كانوا أعقبوا فقد علموا كيف نصنع بهم إذا غزوناهم, أي كيف محاربتنا إياهم, كانوا غزوهم فقتلوهم. ألم نَشْرِهْم شَفْعا ويُترَك منهمُ ... بجَنْب العَروض رمّةٌ ومَزاحفُ نشرهم, أي نَبْتَعْهم. شفعا: اثنين اثنين. والعروض: جبلٌ من نواحي الحجاز. ورمة: بالية (¬3) قد (¬4) انقضت. ومَزاحِف: مُلتقًى, حيث زحف القوم بعضهم إلى بعض. وقال أيضا أهاجَكَ مَغنَى دِمنةٍ ورُسومُ ... لِقَيْلةَ منها حادِثٌ وقَديمُ مَغْنى الدار: حيث غَنِيَ فيها أهلها. حادث: حديث. وقديم: مُزْمِن. يقول: منها ما قُدم (¬5) وحَدُثَ الآن, ومنها قديم قد عفا. وكأنه قد نزلها مرارا. عَفا غيَر إِرْثٍ من رَمادٍ كأنّه ... حمامٌ بأَلباد القِطارِ جُثومُ الإرث: الأصل. (¬6) ويقال: فلانٌ في إرث حسب. وقوله: كأنه حَمامٌ, يعنى الرماد. الألْباد: ما لَبَّده المطر, وهو القِطار, أي كأنه حمام جثوم قد لبده القطر يعنى الرماد. ¬

_ (¬1) ذكر في اللسان (مادة حرف) المحارقة بمعنى المفاخرة, واستشهد بهذا البيت. وفي هذه المادة أيضا أن المحارقة بمعنى مجازاة الصنيع بمثله؛ ومنه قولهم: لا تحارف أخاك بالسوء أي لا تجازه بسوء صنيعه؛ الخ وهذا المعنى محتمل هنا. (¬2) لعله يريد أنها قتلته وتركت له عقبا يقوم مقامه. (¬3) بالية, أي عظام بالية, كما في اللسان. (¬4) في النسخة الأوروبية "قد انقبضت" أي انكسرت. (¬5) الظاهر أن قوله: "قدم" في هذه العبارة زيادة من الناسخ. وحدث هنا (بضم الدال) يقال حدث الشيء (بفتح الدال) فإذا قرن (بقدم) ضمت الدال فيه مراعاة للازدواج. (¬6) فسر في التاج الإرث بأنه الرماد نفسه, وأنشد بيت ساعدة هذا.

فإن تك قد شَطّتْ وفاتَ مَزارُها ... فإِنِّي بها -إِلاّ العَزاءَ- سقيمُ شَطّتْ: بَعُدتْ. وفاتَ مزارُها: سبق أن يدرك. فإني بها - إلا أن أتعزّى - سقيم. يقول: إلّا أنى أتعزى. وما وَجدتْ بها أمُّ واحدٍ ... على النَّأْى شَمْطاءُ القَذالِ عَقيمُ يقول: عُقِمتْ رَحِمُها بعد الولادة. قال: وقوله "على النأى"، أي على أن قد نأيت عنها وبعدت. رأته على فَوْت الشَّباب وأنّها ... تُراجع بَعْلًا مرّةً وتَئيمُ يقول: رأتْه على الشَّمَط وعلى أنّها تَطلُقُ مرّة وتزوَّجُ أخرى. يقول: رأته على حالَين: على أنها قد شَمِطتْ وذهبَ شبابُها، وعلى أنّها لا تريدها الأزواج، فهى تُطلَّق، فهذا أشد لفقدها. فشَبَّ لها مِثلُ السِّنان مبرَّأُ ... أشمُّ طُوالُ الساعدَين جَسيمُ يقول: رُزِقتْ هذا الولد، أي نبتَ لها ابنٌ مثلُ السِّنان مبرَّأٌ من الأمراض. يقول: نبت لها ابنٌ هكذا. وألذَمَها (¬1) من مَعشرٍ يُبْغِضونها ... نوافلُ تأتيها به وغُنومُ قوله: ألذَمَها، أي أَلزمها وكسَبَها. من قومٍ يبغِضونها. وغُنوم: أُشْركَت الغُنومُ في الإتيان. تأتيها به أي بكسْبِه. وقوله: نوافل، يقول: كأنهّ نوافلُ وغنُوم أي يكون إتيانُها به شِبهْه، أشرَكَ الغنوم في الإتيان. ¬

_ (¬1) رواية (ب) واللسان (مادة غنم) وألزمها بالزاي. وقال في اللسان "مادة غنم" في تفسير قوله: "وغنوم" يجوز أن يكون قد كسّر غنما على غنوم.

فأَصبَحَ يوما في ثلاثةِ فِتيةٍ ... من الشُّعْث كلُّ خُلّةٌ ونديمُ أي كلُّهم خليلٌ ونديم. والشُّعث: الغزاة (¬1). وقَدَّم في عَيْطاءَ في شُرُفاتِها ... نعائمُ منها قائمٌ وهَزيمُ قَدَّم أي تقدّم ومضى؛ ويقال: قدَّم في الأمر وتقدم في معنى واحد. والعَيْطاء: الطويلة. (¬2) والنعائم: واحدتها نَعامة، تُبْنى ويُطَرح عليها شيءٌ من ثُمام يَستظِلّ بها الرَّبيئة. وهَزيم: محطوم متكسر. ويقال: ضَربَه فهزم عَظمَه، أي كسَرَه ولم يُبِنْه. بذات شُدوفٍ مستقِلٍّ نَعامُها ... بأدبارها جُنحَ الظّلام رَضيمُ ويُروى: بأريادها، وهي الشَّماريخ التي في رءوس الجبال. والشُّدوف: الشُّخوص؛ (¬3) وهي قلة الجبل. يقول: كان مربؤه إيّاها (¬4) جنحَ [الظلام]. رضيم، أي حجارةٌ، يُرضَم بعضها على بعض، يُبنَى نعامُها، وتجعل (¬5) في أصول النعائم لئلا تقع. وقوله: مستقلّ نعامها, أي مرتفع نعامها. بأدبارها, يقول: بأدبارها هذه الشُّخوص رضيم؛ أي حجارةٌ صغار تُستَر بها. فلَم يَنْتَبِه حتى أَحاطَ بظَهره ... حسابٌ وسِرْبٌ كالجَراد يَسومُ ¬

_ (¬1) تفسير الشعث بالغزاة تفسير باللازم, وإلا فالأشعث هو المتلبد الرأس المغبّره, المتفرق الشعر. (¬2) الطويلة, أي الهضبة الطويلة. (¬3) وهي أي ذات الشدوف، لا الشدوف نفسها. (¬4) لعله "بها" مكان قوله: "إياها". (¬5) وتجعل، أي الحجارة السابق ذكرها.

سِرْب: قطيع رجال. ويقال: مرّ القوم أسرابا. ويَسُوم: يَسْرَح. يقول: كأنه جرادٌ يسرح. ويقال: خرج يَسُوم سوما إذا مرّ مرّا سهلا. ويقال: خَلِّه وسومه, أي وسننه؛ ولم يقل (¬1) في حساب شيئا. وقال أبو إسحاق: بل (¬2) قد فسّر حسابا فقال: عدد كثير. فوَرَّك لَيْنا لا يُثَمثَم, نَصْلُه ... إِذا صابَ أوساطَ العظامِ صَميمُ (¬3) فورَّك لينا, أي حمل عليهم سيفا لينا. ويقال: وَرَّك (¬4) فلانٌ ذنبه (¬5) على فلان أي حمله عليه. والثَّمثمة (¬6): التَّعتعة, وهي الرد, أي لا ترد ضربته. وصميم: خالص. وصاب: إذا انحدر عليها كما يصوب المطر. لا يثمثم أي لا يردّ, يمضى. إذا صاب: إذا قصد وانحدر. ويروى لا يثمثم نصله أي لا يرجع ضربته. تَرى أَثْرَه في صَفْحَتَيه كأنه ... مدراجُ شِبْثانٍ لهنّ هَميمُ أثره: فِرِنْدُه, وهو وَشْيُه الذي يكون على متنه. والشَّبث: دابّة تشبه العقربان (¬7) ¬

_ (¬1) ولم يقل, أي أبو سعيد الذي يروى عنه الشارح كثيرا من هذا الشرح. (¬2) في الأصل: "بلى". (¬3) ورد بعد هذا البيت في الأصل هذه العبارة: "تم الجزء الثالث بعون الله تعالى". وفي الهامش: "الجزء الرابع من أشعار الهذليين وهو من رواية أبي سعيد, عن الأصمعي". (¬4) فسر في اللسان هذه العبارة مادة (ورك) فذكر أن المعنى أماله للضرب حتى ضرب به. (¬5) في الأصل "دينه" وهو تحريف صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان (مادة ورك). (¬6) فسر في اللسان (مادة ثمثم) الصميم بأنه المصمم في العظم. (¬7) قال في اللسان (مادة شبث) في التعريف بهذه الدابة: إنها دويبة ذات قوائم ست طوال, صفراء الظهر وظهور القوائم, سوداء الرأس, زرقاء العين. وقيل هي دويبة كثيرة الأرجل, عظيمة الرأس, من أحناش الأرض؛ وذكر أقوالا غير ذلك, ثم أنشد بيت ساعدة هذا.

تكون في المواضع النَّدِيَة، واحدها شَبَث (¬1). والهَميم: الدبيب. ويقال للمرأة تَفْلى الرأسَ: تُهمِّم في الرأس. ويقال: هَمَّمَ (¬2) في رأسه إذا طلب. وصَفراءَ مِن نَبْع كأنّ عِدادَها ... مُزَعْزِعةٌ تُلْقى الثّيابَ حَطومُ عدادُها: صوتها. وقوله: مزعزعة أي كأن حفيفها حَفِيفُ ريح حَطوم تُحطِّم ما مرت به، أي ريحٌ شديدة. والعِداد: الحفيف. كحاشية المحذوف زَيَّن لِيطَها ... مِن النَّبع أَزْرٌ حاشِكٌ وكُتومُ المحذوف: إزارٌ قصير. ولِيطُها: لونها. أَزْر، يقال: قَوسٌ ذاتُ أَزر, إذا كانت صلبةً ذات شِدة. وحاشك (¬3): حافل؛ يقال: حَشَكَت بالدِّرّةِ إذا حَفَلَتْ. ويقال للقوس: كَتوم إذا لم يكن فيها صَدْع ولا شقّ. وأَحصَنَه ثُجْرُ الظُّباتِ كأنّها ... إذا لم يغيِّبها الجَفيرُ جَحيمُ قوله: أحصنَه، كأنه (¬4) صار له مَعْقِلا يَمتنع فيه. يقول: منعته هذه الثُّجْر، صيّرْته في حِصْن. وثُجْر: عِراض النُّصول. وجَحيم، كأنّها نارٌ توَقَّدُ إذا لم توارَ ¬

_ (¬1) لا مقتضى لهذه العبارة بعد قوله "والشبث دابة" الخ. (¬2) الذي في كتب اللغة همّ لنفسه، إذا طلب واحتال؛ ولم يذكروا الرأس في هذا المعنى. كما أننا لم نجد همم بميمين بمعنى طلب. والذي وجدناه همّ وتهمم. فلعلّ ما هنا تهمم بفتح التاء، يقال: تهمم الشيء إذا طلبه. (¬3) ذكر في اللسان الحشك في القوس بغير هذا المعنى، قال: وحشكت القوس صلبت. قال أبو حنيفة: إذا كانت القوس طروحا ودامت على ذلك فهي حاشك، وأنشد بيتا لساعدة غير هذا البيت. ثم قال بعده: وقوس حاشك وحاشكة إذا كانت مواتية للرامي فيما يريد. وقول الشارح: حشكت بالدّرة، أي حشكت الضرّة بالدرّة، بمعنى حفل الضرع باللبن. (¬4) كان الأولى أن يقول: كأنها صارت له، أي ثجر الظبات.

في الجَفِير. والجَفِير: الكِنانة. وثُجْرة الوادي: وسَطُه. وأنشد الأصمعي للعجّاج: * ويتخللن الثُّجَرْ * يعنى الأوساط. فأَلهاهمُ باثنينِ منهم كلاهما ... به قارب مِن النَّجيع دّميمُ يقول: أَلهاهمْ عنه باثنين جَرَحَهما. والقارب: الدم (¬1) اليابس. والدَّميم: المطليُّ، كأنه شغَلهم عنه باثنين جَرحَهما فألهاهمْ بهما عنه. وجاء خليلاَه إليها كلاهما ... يُفيض دموعا غَرْبُهنّ سَجومُ يقول: جاء صاحباه إلى أُمّه، وهما اللذان كانا معه حين صُرِع، وكِلاهما يَبكى يُرِى أنه قد قُتِل. وسَجوم: سائلة (¬2). وقوله: غَرْبُهنّ, هذا مثل. والغَرْب: الدلو. يقول: مُسْتَقاهُنَّ ساجِم. فقالوا عَهِدْنا القومَ قد حَصَروا (¬3) به ... فلا رَيْبَ أن قد كان ثَمَّ لَحِيمُ حَصِروا به، أي ضاقوا به وضاق. ويقال: حَصِرَ صدرُه بحاجتى, أي ضاق. فيقول: كأنهم ضاقوا به ذَرْاعا. واللَّحيم: المَقْتول. والمستَلْحَم: الذي قد وقع في موضع لا يستطيع أن يخرج منه, وهو المُدْرَك, وهو مِثلُ المستلحم. وألحمتُ هذا بهذا, إذا ألزقته به. ¬

_ (¬1) لم نجد القارب بهذا المعنى فيما راجعناه من كتب اللغة التي بين أيدينا، غير أن سياق البيت يقتضى هذا التفسير. (¬2) كان الأولى أن يقول: "سائل". (¬3) روى هذا البيت في اللسان (مادة حصر) "حصروا به" بفتح الصاد, وفسره فقال: حصروا به أي أحاطوا به. وضبط بكسر الصاد وفتحها في الأصل، وروى في اللسان أيضًا (مادة لحم) "قد عصبوا به".

فقامت بسِبْتٍ يَلَعج الجِلْدَ وَقْعُه ... يُقِّبض أحشاءَ الفؤاد أَليمُ يقول: قامت بنَعلٍ مِن جلودِ البقر تَضِرب بِه صدرَها ونَحْرَها. واللَّعْج: الحُرْقة. ويقال: وَجدتُ لاعَج الحُزْن والوَجَعِ لحُرْقته وَحرِّه. وألِيم: وَجِيع. يقول: إذا وقع السِّبْت بها أَلِمَ فؤادُها وانَقَبض. وأحشاء الفؤاد: الحشَى التى مع الفؤاد. قال: وكان ابنُ أبي طَرَفةَ يقول: شَحِيم (¬1). إذا أَنْزَفَتْ مِن عَبْرةٍ يَمّمَتْهُمُ ... تسائلهم عن حِبِّها وتَلومُ إذا أَنزفَت، أي إذا أَفنَتْ. تقول: أَنْزَفَ فلان عَبْرَتَه. والعَبْرة: البكاء (¬2). يَمَّمَتْهم: عَمَدَتْهم وقَصَدَتْهم. تسائِلهم كيف كان أمرُه؟ وتلومهمْ لِم فررتمْ عنه؟ حِبِّها، يعنِي حبيبَها، يعنِى ولدها. فبَيْنا تنوحُ استَبْشَرُوها بحِبِّها ... علي حِينِ أن كلَّ المرَامِ تَرومُ استَبْشَروها، قالوا: البُشرى (¬3)، هذا ابنُكِ على حين أن تَجهَدَ كلَّ جَهدٍ مِن بُكاءٍ وطَلَبٍ وغيرِهما. وقوله: كلَّ المَرام تَرُوم، أى تريده. قال: ويقال: ذلك أمرٌ لا يُرام، أي لا يُطلَب ولا يُطمَع فيه فلا تطلبْه. ¬

_ (¬1) شحيم هنا صفة لسبت، إن جرّ فيكون في البيت إقواء وإن كان مرفوعا فهو نعت مقطوع. والشحيم: ذو الشحم، وكأنهم كانوا يجعلون على السبت شحما لئلا ييبس. (¬2) المراد بالعبرة في هذا البيت الدمعة. على أنه قد ورد في كتب اللغة في معنى العبرة عدة أقوال والصحيح منها ما ذكرنا. (¬3) ذكر في اللسان (مادة بشر) في معنى هذه الكلمة وجهين: أحدهما أنه يقال استبشره، بمعنى بشّره، وأنشد بيت ساعدة هذا. والآخر نقلا عن ابن سيده أن استبشروها بمعنى أنهم طلبوا منها البشرى علي إخبارهم إياها بمجيء ابنها، كما هو الموافق لما في الشرح.

فلمّا استفاقتْ فَجَّتِ الناسَ دُونَه ... وناشَتْ بأطراف الرِّداء تَعومُ فَجَّت الناسَ، أي فَرَّقتْ بين الناس بيَدِها. وناشت: لَمَّعَتْ كأنَّها تناوَلَتْ الرِّداءَ تَلْوِى به. ويقال: ناشَتْ تَنُوش نَوْشا، إذا تناولتْ. تَعُوم، كأنّها تَسْبَحُ فِي مِشْيَتِها من الفَرَح. والعَوْم: السِّباحة. وخَرّتْ تَلِيلًا لليَدَين وَنعْلُها ... مِن الضَّرْبِ قَطْعاءُ القِبالِ خَذيمُ التَّليل: الصَّريع. ونَعْلُها من الضَّرب [قَطْعاء] يقول: لَم تَزَلْ تَضْرب بنَعْلِها حتى انقطع قِبالهُا وتَخَذَّمَتْ. والخَذِيم، هي الّتي قد انشقّت منها قطعةٌ وانخرَقَتْ. فما راعَهمْ إلَّا أخوهمْ كأنّه ... بغادَةَ فَتْخاءُ الجَناحِ لَحومُ غادة: بلد (¬1). يقول: جاء أخوهم يَعْدو ويَنقَضّ انقضاضَ العُقاب. لَحوم أي أَكولٌ للّحم. والفَتَخ: لِينٌ في الجَنَاح. يقال: "أهلُ بَيْتٍ لحَوُمون، أي هم أهل بيتٍ كثيرٌ أَكلُهُمْ للّحم". يخفِّض رَيعانَ السُّعاةِ كأنّه ... إذا ما تَنَحَّي للنَّجاءِ ظَلِيمُ يخفِّض، يقول: يَطْرحهم خَلْفَه. ورَيْعانُهم: أوائِلهُم. وقوله: إذا ما تَنَحَّي، أي إذا ما انحَرَف للعَدوِ، ظَلِيم. قال أبو سعيد: هم يقاتلون علي أرجلِهم؛ تَنَحَّى: انتَحَى. يقول: اعتَمَدَ. ورَيعان السُّعاة: أوائِلُ السُّعاة. ¬

_ (¬1) لم يعين ياقوت هذا البلد، ولم يزد علي أن غادة اسم موضع في شعر الهذليين.

نَجاءَ كُدُرٍّ مِن حَمِيرِ أَبيدةٍ ... بفائلهِ والصَّفحتَين كُدومُ الكُدُرّ: الغليظ، يقال: حمارٌ كُدُرٌّ وكُنْدُرٌ وكُنادِر. وأَبِيدة: مَنزل الأَسد (¬1) بالسَّراةِ، وهو بلد. والفائل: هو عِرْقٌ يَخرج من فَوّارة الوَرِك حتّى يَجرِيَ في الفَخذ إلى الساق، وأنشَدَنا للأعشى: قد نَخضِب العَيرَ مِن مكْنونِ (¬2) فائِله ... وقد يَشِيط علي أرماحِنا البَطَلُ والصَّفحتان: صَفحَتا العُنُق، يريد يُكدَمُ ويُعَضّ. يُرِنُّ على قُبِّ البُطون كأنّها ... رِبابةُ أيسارٍ بهنّ وُشومُ يُرِنّ: يصوِّت. قُبُّ البُطون: خِماصُ البُطون. والرِّبابة: السِّهام. يقول: كأنهنّ جماعةُ قِداحٍ قد ضَمّهنّ اليَسَر. واليَسَر: أحد الضُّرّاب الذين يقامِرون بالقِداح. وقوله: بهنّ وُشُوم. قال: القِداح تُعلَّم وتُضْرَس حتّى تُعلَمَ مِن غيرها. ووُشُوم: خُطوط، وأنشَدَنا أبو سعيد: وأصفَر مِن قِداحِ النَّبعِ فَرْعٍ ... به عَلمَانِ مِن عَقَبٍ (¬3) وضَرْسِ أي عَضَّه بِضْرسِه. ¬

_ (¬1) الأسد: الأزد، بالسين أفصح، وبالزاي أكثر. (¬2) مكنون الفائل: دمه. قال الجوهري: أراد أننا حذاق بالطعن في الفائل، وذلك أن الفارس إذا حذق الطعن قصد الخربة، لأنه ليس دون الجوف عظم. (¬3) قال ابن برى: صواب إنشاده "صلب" مكان قوله "فرع" لأن سهام الميسر توصف بالصفرة والصلابة. ورواه بعضهم "وأسمر" مكان "وأصفر". والبيت لدريد بن الصمة. والعقب محركة: العصب الذي تعمل منه الأوتار، وهو الأبيض من أطناب المفاصل. ويقال عقب السهم والقدح والقوس عقبا إذا لوى شيئا من العقب عليه. اللسان (مادّتي عقب وضرس).

وقال أيضا [يرثي ابنَ أبي سُفيان] (¬1): ألا باتَ مَن حَوْلي نِيامًا ورُقّدا ... وعاوَدَني حُزنِى الذي يتجدّدُ وعاوَدَنى دِينِي فبِتُّ كأنّما ... خِلالَ ضُلوعِ الصّدرِ شِرعٌ مُمدَّدُ قال أبو سعيد: قوَله: دِيني، أي حالي الّتي كانت تعتادني. ويقال: ما زال ذلك دِيني ودَيْدَني ودأبي، أي حالي وأمري. وقولُه. شِرْع ممدَّد أي كأنّ في صدرِي دَوِيَّ عُودٍ ممّا أحدّث به نفسِي من همومي لأوتارِه رَنّة. والشِّرع: الوَتَر (¬2). يقول: لقلبي حنينُ مِعْزَفة، وإنّما يصِف ما في صَدْرِه من الحُزن. بأِوْبِ يَدَيْ صَنّاجةٍ عند مُدْمنٍ ... غَوِيٍّ إذا ما يَنتَشِي يَتغرّدُ أَوْب يَدَيْها: رَجع يديها بضَرْبِ الصَّنج (¬3). يَتغرّد: يَطرَب أي يتغنّى. يقول: تُحَرِّكُ يديها. ولو أنّه إذ كان ما حُمَّ واقعا ... بجانبِ من يَحفَي ومن يَتودَّدُ قوله: ما حُمَّ أي ما قُدِّر. يقول: لو أصابني هذا الّذي أصابني بجَنْب مَن يَحْفَى بي ويَودُّني، كان أَهَّل لِما بي، ولكنّني إلي جَنْبِ من لا يَوَدُّني، وأُلقِيتُ عند من لا يُبالِي بي. ¬

_ (¬1) التكملة عن النسخة الأوروبية. (¬2) ذكر في اللسان (مادة شرع) أن الشرع جمع شرعة، وهي الوتر الرقيق، وشراع جمع الجمع، وأنشد بيت ساعدة هذا. وقال في قوله "ممدّد": ذكر لأن الجمع الذي لا يفارق واحده إلا بالهاء لك تذكيره وتأنيثه، ثم شرح البيت بمثل ما ذكره الشارح هنا وإذن فقد كان الأولى أن يقول الشارح: والشرع الأوتار، كما هو لفظ القاموس. (¬3) المراد هنا الصنج ذو الأوتار؛ وهو دخيل معرّب، تختص به العجم. أما الصنج الذي يكون في الدفوف فهو عربي، وليس مرادا هنا. وهذا الصنج الأخير يتخذ من صفر يضرب أحدهما بالآخر.

ولكنّما أَهلي بِوادٍ أَنيِسُه ... سِباعٌ تَبَغَّى الناسَ مَثنَى ومَوحَدُ يقول: أهلِي بوادٍ ليس به أنيس، هم مع السِّباعِ والوَحش في بَلَدٍ قَفر. مَثنى: اثنان اثنان (¬1). ومَوْحَد: واحد واحد. لهنّ بما بين الأَصاغِي وَمنْصَحٍ ... تَعاوٍ كما عجَّ الحَجيجُ الملبِّدُ قال: الأصاغِي ومَنْصَح: بلَدان (¬2). والملبِّد: الّذي يلبِّد رأسَه بالصَّمْغ لئلّا يتطاير شَعرُه ولا يَشْعَث. قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وسلم: "من سَبّد (¬3) أو لَبَّد أو خَلَّقَ أو ضَفَّر فليس منّا". ألا هل أتَي أُمَّ الصَّبِيَّيْن أنّني ... علي نأيها حِملٌ علي الحَيِّ مُقْعَدُ أي أنا مُقعَد أُحْمَل حملا، يقول: هل أتاها على بُعدِها أني قد صرتُ حِمْلا على الحيّ لا يَنْتَفع بي أهلي، أي أنا ثقيلٌ عليهم كأنّي حِملٌ (¬4) عليهم. ومُضْطجَعى نابٍ مِن الحيِّ نازِحٌ ... وبَيْتٌ بِناهُ الشَّوْكُ يَضحَي ويَصْرَدُ مُضطَجَعى ناب، يقول: حيث أُلقيتُ في مكانٍ بعبدٍ من الحيّ ليس عندي من يقوم عليّ. يقول: صار بيتي عِضاها (¬5) يَقْطَعُ شَوكُه كُلَّ من يمرّ به. يَضحَى: تُصيبه الشمس. ويَصْرَد: يُصيبه البَرْد. وقوله: بِناه الشَّوك، هى جمعُ بِنْية، فلذلك قُصِر. ورُوى: بَناه الشَّوك: قلتُ: كيف ذا؟ قال: إذا كان عليه فكأنّه بَناه. ¬

_ (¬1) في الأصل: "اثنين اثنين". (¬2) قال ياقوت في الكلام علي الأصاغي إنه موضع ورد في شعر ساعدة، وأنشد هذا البيت. وقال في منصح: إنه واد بتهامة وراء مكة. (¬3) سيد شعره، إذا استأصله حتى ألزقه بالجلد. وتسبيد الشعر أيضا إعفاؤه؛ فهو من الأضداد. (¬4) في الأصل: "جبال"؛ وهو تحريف. (¬5) العضاه: كل شجر له شوك.

تَذكّرتُ مَيْتًا بالغَرابة ثاويًا ... فما كاد لَيْلِي بعدما طال يَنفَدُ الغَرابة: بلدٌ أو موضعٌ بعَينه (¬1). ثاوٍ: مقيم. بعد ما طال يَنْفَد، أي يَنقُص ويَذهَب. شِهابي الذي أَعشُو (¬2) الطَّريقَ بضَوئه ... ودِرْعِي ولَيْلُ النّاس بَعْدَكَ أَسْوَدُ يقول: ذَهَب شِهابي وكنتُ أقتدى به. واسوَدّ عليّ الليلُ بعده. يقول: لا أَرَى للقمر بهجةً، وكان الذي أُبصِر الهُدى والقَصْدَ به، فصار عليّ لَيلا مُظلِما لفَقْدِك، لأنّي لا أَرى أحدا بعدَك يضيء لي. وقولهُ: ودِرعي، أي وهو الّذي يُجِنُّني. فلو نبّأتْكَ الأرضُ أو لو سَمِعتَه ... لأيقنتَ أنِّي كِدتُ بعدكَ أَكمَدُ نبَّأَتْكَ، أي خَبَّرتْك. لأَيقنتَ، أي لَعَلِمتَ أنِّي أصابني من الحُزن ما كِدتُ أَكمَدُ له. فما خادِرٌ مِن أُسْدِ حَليَةَ جَنَّهُ ... وأَشبُلَه ضافٍ مِن الغِيلِ أَحصَدُ قال: خادِرٌ ومُخْدِر واحد، وهو الّذي اتّخذ الغَيْضةَ خِدْرا. وأَحْصَد: مكتنِز ودِرْعٌ حَصْداءُ منه. وخَيشٌ (¬3) أَحْصَد إذا كان غليظا كثيفا. وغَزلٌ محُصَد، ويقال: أَحصِدْ حَبْلَك أي اشدُدْ فَتْلَه. والغِيل: ما كَثُف من الشّجر وما اكتَنَز يكون من الطَّرفاء والبَرديِّ والقَصَب. فيقول: هذا أَحْصَدُ مُلْتَفّ. ¬

_ (¬1) يلاحظ أن معنى التفسيرين واحد، فلا مقتضى لعطف أحدهما علي الآخر بـ "ـأو". ولم يعين ياقوت في معجمه هذا الموضع. (¬2) أعشو الطريق: أقصد إليه. قاله في اللسان (مادة عشا) وأنشد بيت ساعدة هذا. (¬3) في النسخة المخطوطة: "وحنش"، وفي النسخة الأوروبية "وحسن"؛ وفيهما تحريف؛ ولعل الصواب ما أثبتنا.

أَراكٌ وأَثْلٌ قد تَحنَّتْ فُروُعه ... قصارٌ وأُسلوبٌ طِوالٌ محدَّدُ تحنّت، أي تثنّت. فروعه، أي أغصانه. وأُسلوب: طريقةٌ واحدة [من]. شجرٍ طِوال. ويقال: أَخذ فلان أُسلوبا من الأمر، أي طريقة. ويقال: أَخذ في أُسلوب سُوء، أي في طريقةِ سُوء. فيقول: هو نَبْت، فمنه طِوال، ومنه شجر قِصار ليس بالطوال. إذا احتَضَر الصِّرمُ الجميعُ فإنّه ... إذا ما أَراحوا حَضْرةَ الدارِ يَنْهَدُ يقول: إذا أراحوا مواشِيَهم نهَد إليهم. ويقال: نهَد إليهم، إذا نهَض إليهم وانتهى إليهم. وحَضْرةُ الدار: حيث تكون الدار، وهو ما دنا من الدار. ويقال: هو بحضرةِ المسجِد. "وأهل الحِجاز يقولون: هو (¬1) بحضرةِ الدار". وقوله: احتَضَر الصِّرْم، أي أهلُ الدّار أهلُ الِحواءِ قال: الصِّرم الجماعةُ مِن البيوت ليس بالكثِيرة والحِواء: الأبيات الكثِيرة، ثلاثون أو أربعون. وقاموا قِياما بالفِجاجِ وأَوْصَدوا ... وجاءَ إليهم مُقبِلا يَتورَّدُ يَتورّد، أي يغشاهم في بيوتِهم. والوَصيد هو الفِناء (¬2). يقول: إذا ما حَضَروا الدارَ نَهَضَ إِليهم وكاَبرَهم. يقصِّم أَعناقَ المخَاضِ كأنّما ... بمَفْرَجِ لَحْيَيَه الزِّجاج الموتَّدُ ¬

_ (¬1) وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين في شرح البيت الآتي بعد؛ وهو خطأ من الناسخ؛ والصواب نقلها إلى هذا الموضع. (¬2) كان الأولى أن يفسر قول الناس في البيت وأوصدوا أي أغلقوا أبوابهم بدل تفسيره الوصيد بالفناء، إذ لا مقتضى له هنا. وليس هذا من قبيل الاستطراد كما هو ظاهر.

يقصِّم: يكسِّر. ومَفْرَج لَحْيَيه: مُنْفَتَح لَحييه، يريد فاه. والقَصْم: فَكٌّ وفَتْح، وهو يُروى كنحوِ قولِك: قَصَمْتُ الخَلخال. والقَصم: كَسْر. يقول: كأن زِجاج الرِّماح في أَنيابِه. وقوله: المُوتَّد؛ يقول: كأنها رِماحٌ قد وُتِّدَت (¬1). بأصدقَ بأسا من خَليلِ ثَمينةٍ ... وأَمضَى إذا ما أَفلَطَ القائمَ اليَدُ قال: ويُروَى بأصدقَ كَيْسا. والكَيس البأس عِند هُذَيل. وقوله: ثَمينة، وهو بلد. وقوله: أَفْلَطَه أي فاجأه مفاجأةً (¬2). والقائم: قائم السَّيف. وقوله: خليلِ ثمينةٍ، أراد صاحبَها فلم يقدِر أن يقوله، فقال: خلِيلَها، وهو الّذي يحبّها ويأتيها (¬3). أرَي الدهرَ لا يَبقَى علي حَدَثانِه ... أبُودٌ بأَطرافِ المَناعةِ جَلعَدُ الأَبُود: الأَبِد، وهو المتوحِّش. ويقال: أَبِدَ يأبَدُ: إذا تَوحَّش، وإنما يصِف وعِلا. والجَلْعَد: الغليظ. والمَناعة: بلد (¬4). تَحَوَّلَ لونًا بعد لونٍ كأنّه ... بشَفّانِ ريحٍ مُقلِعِ الوَبلِ يَصرَدُ تَحَوَّلَ لونا: يَقْشعِرّ فيُخرِج باطنَ شَعرَته فيجئ لونٌ غيرُ لَونه، ثم يسكن فيعود لونُه الأوّل. والشَّفّان: الريح (¬5) البارِدة. والصَّرْد أشدّ البَرد. ¬

(¬1) وتدت، أي ثبتت، كما يثبت الوتد. (¬2) فسر في اللسان (مادة فلط) الإفلاط بالإفلات، قال: أفلطني الرجل إفلاطا مثل أفلتني إفلاتا وقيل لغة في أفلتني تميمة قبيحة؛ وقد استعمله ساعدة بن جؤية فقال: وأنشد هذا البيت ثم قال: أراد أفلت القائم اليد -أي برفع القائم ونصب اليد- فقلب؛ علي أنه قد ورد في هذه المادة أيضا أن أفلطه بمعني فجأه، وذكر أنها هذلية. (¬3) يريد هذا المرثيّ. (¬4) في ياقوت: اسم جبل، وهو أنسب. (¬5) فسر في اللسان الشفان بأنه القر والمطر.

تَحُولُ قُشَعْرِيراتُه دون لوْنهِ ... فَرائصُه مِن خِيفة الموت تُرعَدُ الفَرِيصة. المُضَيْعة الّتي تحت الكَتِف. وشَفّتْ مقاطيعُ الرُّماةِ فؤادَه ... إذا يَسمَع الصَّوتَ المغرِّدَ يَصْلِدُ شَفّتْ: آذت. والشَّفيف: الأَذَى. والمَقاطِيع: السِّهام. والقِطْع: النَّصْل العرِيض. والتَّغْرِيد: رَفْع الصّوت والتطريب. وقوله: يَصْلِد أي يَضرِبُ بيَدِه الصخرة فَتسمع لها صوتا. رأى شَخْصَ مسعودِ بن سَعْدٍ بكَفِّه ... حديدٌ حديثٌ بالوَقيعةِ مُعْتَدُ الجديد: الحادّ. والوَقِيعة: المطرقة. والمُعتَد: المهيَّأ. ويروَى أيضا "رأت شخصَ مسعود" قال: أنَّثه جعله شاةً، ثم ذَكَّر فقال: فَجَال، وذلك أنّ الشاة يَصْلُح أن يكون ذَكَرا. فجالَ وخالَ أنه لَم يَقَعْ به ... وقد خَلَّه سَهْمٌ صوِيبٌ معرَّدُ (¬1) قد خَلَّه، أي قد أَنفَذَه صاحبُه كأنّه خِلال (¬2)، وهو يَرَى أنه لم يُصِبْه. يقال: عَرَّد سَهْمَه إذا رمى به في السماء. وصَوِيب وصائب واصد، وقَوِيم وقائم واحد، إذا أردتَ مستقيما. عُرِّدَ، أي أُبعِد أي بعيد المَوْقِع. ¬

_ (¬1) ورد هذا البيت في اللسان (مادة عرد) وروى فيه "وقد خلها قدح صويب" الخ وخلها بتأنيث الضمير يريد الشاة. وضبط فيه معرّد بكسر الراء المشدّدة وقال: عرّد السهم تعريدا إذا نفذ من الرمية. (¬2) كان الأولى أن يقول: خله أي دخل فيه كما هي عبارة اللسان (مادة عرد) وذلك لأن الضمير في "خله" يعود علي الوعل لا علي السهم.

ولا أَسفَعُ الخَدَّين طاوٍ كأنّه ... إذا ما غدا فى الصُّبحِ عَضْبٌ مهنَّدُ أَسفَع الخَدَّين ثَوْرٌ بخدّيه سُفْعة، وقد تكون السُّفْعَة من حُمرةٍ إلى سواد. والطاوِى: الخَمِيص البَطْن. عَضْب: قاطِع. يَعنِي سَيْفا مهنَّدا منسوبا إلى الهند. كأنّ قَراه مُكتَسٍ رازقِيّةً ... جَديدا بها رَقمٌ من الخالِ أَرْبَدُ قال أبو سعيد: كلّ رقيقٍ من الثيابِ ناعمٍ رازقيٌّ، يعِني أنّ الثور أبيضُ وفيه خطوطٌ سُود. وقوله: أَرْبَد أي فيه رُبْدة، أي ليس بصافي اللّون. والخال: بُرودٌ خُضرٌ فيها خطوط. * * * تم القسم الأوّل من ديوان الهذليين، ويليه القسم الثاني وأوّله: "وقال المتنخل واسمه مالك بن عويمر" الخ. وقد رأينا إخراج هذا الديوان في ثلاثة أقسام ويلاحظ أنه قد بقى من شعر ساعدة بن جؤية خمس قطع وردت في نسخة الأصل بعد شعر أسامة بن الحارث أي بعد شعر سبعة من الشعراء الهذليين؛ ولم نضم هذه القطع إلى ما هنا من شعر ساعدة اتباعا لترتيب الأصل، ولأنه قد ورد هناك عند ذكر هذه القطع ما نصّه: "قال في الأم: هذا من غير رواية أبي سعيد جعلناه في هذا الموضع". والحمد لله ربّ العالمين

القسم الثاني

ديوان الهذليين القسم الثاني ويشتمل على: «شعر المتنخل، وعبد مناف بن ربع، وصخر الغي، وحبيب الأعلم، وأبي كبير، وأبي خراش، وأمية بن أبي عائذ، وأسامة بن الحارث، وساعدة بن جؤية، وصخر الغي وأبي المثلم، وأبي العيال، وبدر بن عامر وأبي العيال»

مقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هذا هو الجزء الثاني من ديوان الهُذَليّين. نجتزيء في تقديمه، مكتفين بما جاء في مقدمة الجزء الأوّل، فالطريقة هنا هي ذات الطريقة هناك، والمَراجع والمَظانّ في هذا هي هي بعينها نفس المَراجع أو المَظانّ في ذاك. لم يَبقَ إلّا كلمة نحسبها من أحقّ ما يقال الآن: لقد كان العمل في إخراج ديوان الهُذَليّين بجميع أجزائه موكولا للشاعر الراوية الأديب الكبير الأستاذ أحمد الزين بوصفه أحد موظفي القسم الأدبي بدار الكتب وإذا به يوافيه القَدَرُ المحتوم وهو لم ينته بعدُ إلّا من إخراج الجزء الأوّل، وإلّا بعد إتمام الملازم السبع الأُول من هذا الجزء. ويشاء الله أن يُسنَد إنجازُ الباقي من هذا الديوان إلى كاتب هذه السطور فإذا كان من الحق أن أعترف بفضل سَلَفي الصالح، فلعلّه لا يكون من الباطل إذا قلتُ: إنّي لم آلُ المستطاع في انتهاج طريقته، والتزام دستوره الذي أجمله في مقدّمة الجزء الأوّل، حيث يقول: "فلم ندع تفسيرًا لبيت ولا روايةً فيه إلَّا ذكرناه في حواشي هذا الكتاب منبِّهين على مصدره الّذي نقلناه عنه، كما أنّنا لم نَدَع في هذا الشرح تفسيرًا للفظ غريبٍ إلّا رجعنا إليه فيما بين أيدينا من كتب اللغة، فإن لم نجد هذا التفسير أو وجدنا ما يخالفه نبّهنا على ذلك في الحواشي، وذَكَرْنا عبارة اللغويين في تفسير هذا اللفظ ولم نَدَعْ كذلك بيتا غامضَ المعنى لا يستطاع فهمه إلّا أوضحناه وأبنّا المرادَ منه". علي أنّي لا أزعم أن الطريق كان معبَّدًا دائما، أو أنّ المَراجع كانت مسعِفةً أبدا.

ففى هذا الجزء الثاني -بالذات، وعلي الأخص- قدرٌ ليس بالقليل لم يكن له مراجع قطّ (انظر الصفحات من 197 إلي 222 من هذا الكتاب). ولو أن الصعب في قِلّة المراجع فَحسْبُ لهان، وإنما البلاء المبين كان في أفاعيل النسّاخين، وما يجيئون به من التحريف الذي هو أشبه بالتخريف. أترى هذا البيت؟ لقد أثبتوه هكذا في الأصل: أضربه ضاخ قبيطا اساله ... فمر فأحلى جوزها فخصورها في حين أن صوابه إنما هو هكذا: أَضَرَّ به ضاجٍ فَنبْطَا أُسالَةٍ ... فَمَرٌّ فأعلى حوزِها فخُصورُها انظر صحيفة 213 من هذا الجزء. على أن هذا البيت ليس بالشاهد الوحيد، وإنما هناك من أمثاله شواهد {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}، {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}. وكلُّ ما نرجوه أن نكون قد وفِّقنا في هذا الجزء إلي ما نقصد إليه من إصلاح تحريفاته، وتكميل ما نقص من عباراته، وتفسير غريبه، وشرح ما أَشكَل في جُمَلِهِ وأبياته، وضبطِ ما التبس من ألفاظه، وتحقيق ما اشتمل عليه من أسماء الأماكن والبلاد والقبائل والشعراء، وإخراج ذلك كلِّه على الوجه الصحيح. محمود أبو الوفا دار الكتب المصرية

وقال المتنخل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقال المتنخِّلَ -واسمه مالك بن عُوَيمرٍ بن عثمان بن سُوَيد بن خُنَيس بن خُناعة ابن عادية بن صَعْصَعة بن كعب بن طانجة بن لِحْيان بن هُذَيل بن مُدرِكة بن إلياس ابن مُضَر-: هل تعرف المَنزلَ بالأَهْيَلِ ... كالوَشْم في المِعصَم لم يَجمُلِ (¬1) قال أبو سعيد: الأَهْيَل مكان. وقوله: "لم يجمل" يقول لم يُوشَم وَشما جاملا (¬2) أي لم يُجعَل جاملا جعلا ىلىا (¬3)، ومن قال: يَخمُل، أراد لم يَدْرُس. وَحْشا تُعَفِّيه سَوافى الصَّبا ... والصيفُ إلّا دمَنَ المَنزِل السوافي: ما تَسْفِي الريحُ، أي ريح الصِّبا. والصبا أكثر في الشتاء. وأراد مطرَ الصّيف (¬4) فقال: والصيفُ؛ كما قالوا: ميِّت ومَيْت؛ ويقال: هيِّن وهَيْن، ¬

_ (¬1) في الأصل: "لم يخمل" بالخاء، وهي وإن كانت رواية في البيت -كما سيأتي بعد- إلا أن سياق كلام الشارح يقتضي ما أثبتنا. (¬2) في لسان العرب (مادة جمل) نقلا عن اللحياني أنه يقال: أجمل إن كنت جاملا، فإذا ذهبوا إلى الحال قالوا: إنه لجميل. (¬3) كذا وردت هذه الكلمة في الأصل، وفيها تحريف لم نقف علي وجه الصواب فيه. (¬4) يريد الشارح بهذا التفسير أن الشاعر أراد الصيف بتشديد الياء فقال: الصيف في بتخفيفها إذ الصيف بالتشديد هو مطر الصيف، ومثّل لذلك بميت وميت بالتشديد والتخفيف. (1 - 2)

وليّن ولَيْن، يثقَّل هذا ويخفَّف. وقوله: إلا دِمَنَ المنزل. يقول: إلا أنّ الدِّمْنة بقيتْ. والدِّمْنة: آثار الناس وما سَوَّدوا (¬1) بالرَّماد وغيرِ ذلك، فيقول: بقى آثارُ البول والبعر، وهي الدِّمَن؛ يقول: قد عفَت الريحُ آثارَ الناس وبقيتْ دِمَن المنزل. فانْهَلَّ بالدمع شؤونى كأنّ ... الدمع يَسْتبدر من مُنْخُل يقال: إنّ معظم الدمع يجري من شؤون الرأس حتى يسيل من العينين، وهو (¬2) التلاؤم الذي بين العظام. وانهلّ: سال وانصبّ. ويَستبدر: يخرج من مُنخُل من سرعته. أو شَنّةٍ يَنفَح من قَعرِها ... عَطٌّ بكفَّي عَجِلٍ مُنْهِلِ شَنّة: قِرْبة انشقّت. يَنفَح، يَنفَح الماءُ، والنَّفْح ليس بسَيَلان، ولكنّه مِثل نفحة السيف. ومنه قولهم: طعنةٌ نَفوح، تَدفع بالدم دَفعا، يَخرج كأنه ضَرْب خفيف؛ ويقال للشاة إذا مشت فخرج اللّبن من ضَرْعها: نَفوح. وإذا أخلق الجِلدُ قيل: صار شَنّة. وعَطٌّ: شَقٌّ. من قعرها، يقول: من أسفلها. ومُنهِل: مُعطِش، أي إبِله عِطاش، أو يبادِر قوما عِطاشا. تَعنُو بمَخْروتٍ له ناضحٌ (¬3) ... ذو رَيِّقٍ يَغذو وذو شَلشَلِ ¬

_ (¬1) في ب "وما سوّد". (¬2) وهو أي الشأن. (¬3) في رواية "له قاطر" مكان قوله: "له ناضح". وفي رواية "ذو رونق"، مكان قوله: "ذو رّيق" اللسان (مادة عنا).

تعنو بمخروت، أي تُخرِج به. والمخروت والمشقوق واحد. والخَرْت: الخَرْق. ويَغذو: يسيل. قال: وإذا قيل كذا وكذا كأنه يهتر (¬1)، فهو يغذو؛ قال الشاعر: أُبْذِى إذا بُوذيتُ من كلبٍ ذَكَر ... أعقدَ (¬2) يغْذو بولهُ على الشجرْ تعنو، يقول: عنتْ به، أي تسيل به وتُخرِج به. قال أبو سعيد: ومِثلُه قول ذي الرمّة: ولم يَبقَ بالخَلْصاء ممّا عنت به ... من الرّطب (¬3). . . . . . . . والرَّيِّق: ناحية المطر وليس بمعظمه، فهذه المزادة يَخرج منها الماء قليلا قليلا مشلشَلا، متفرقا، وهو قوله: ذو شَلشَل، وتَخرج من ثُقْب آخر متصلا ممتدّا يهتر (1)، فَضَرب هذا الذي يَخرج من هذه المزادة مَثَلا لما يخرج من عينه من الدمع، كما قال الراجز (¬4): * ما بال عيني كالشَّعيب (¬5) العَيِّن * ويروى أيضا: * ما بال عيني كالشَّعيب العيَّنِ * ذلك ما دِينُك إذ جُنِّبتْ ... أحمالهُا كالبُكُر المُبتِل ¬

_ (¬1) كذا في الأصل. ولم نجد من معانيه ما يناسب السياق؛ ولعله يهتن بالنون في كلا الموضعين اللذين تحت هذا الرقم. (¬2) الأعقد من الكلاب: الملتوى الذنب. (¬3) في الأصل: "من اليبس" وهو خطأ من الناسخ صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان (مادة عنا) وديوان ذي الرمة المطبوع في أوربا، وبقية البيت: إلا يبسها وهجيرها. والخلصاء: بلد بالدهناء. وعنت الأرض بالنبات تعنو وتعنى: إذا أظهرته. (¬4) هو رؤبة بن العجاج. (¬5) الشعيب هي المزادة المشعوبة. والعين بتشديد الباء مكسورة ومفتوحة: السقاء الذي يسيل ماؤه.

دِينك، أي دأبك. إذ جُنِّبت أحمالُها: أخذتْ أحدَ الجانبين. والبُكُر: ما بَكَّر من النخل، والواحدة بَكور. والمُبتِل: الذي قد بان من أمّهاته (¬1)، والواحدة مُبتِلة. يقول: كأنّ أظعان هذه المرأة نخلٌ قد بان منه فَسِيلُه (¬2). ومِثلُه قول الآخَر: كأن أظعانَ مَيٍّ إذ رُفِعن لنا ... بَواسقُ النخل مِن يَبرينَ أو هَجَرا عِيُرٌ عليهنّ كِنانيّةٌ ... جاريةٌ كالرَّشَإِ الأكحَل الرشأ: الظبي الصغير. يقول: هي مثل الرشإ الأكحل في حسنه. كالأَيم ذي الطُّرّة أو ناشيء الـ ... ـبَرديِّ تحت الحَفَإِ (¬3) المُغْيِلِ ناشيء البَرْدِيّ: صِغاره. والأَيْم: الحيّة الّتي لها مِثلُ الخُوصتين (¬4) في جنبها، يقال لها: ذو الطُّفْيتَين. والمُغْيِل: الذي في الغَيْل، وهو الماء السَّحُّ. والغِيل: الشجر أيضا، ففي أيّهما كان جاز. والغَيْل: الماء الّذى يجري بين ظَهرَي الشجر. ¬

_ (¬1) كذا ورد هذا التفسير في كلتا النسختين للمبتل، وهو خطأ، فإنه يفيد أن المبتل هي الفسيلة. وليس كذلك، إذ المبتل أمها. قال في اللسان: المبتل هي النخلة يكون لها فسيلة قد انفردت واستغنت عن أمها، فيقال لتلك الفسيلة البتول. وقال ابن سيدة: البتول والبتيل والبتيلة من النخل. الفسيلة المنقطعة عن أمها المستغنية عنها، والمبتلة أمها، يستوى فيه الواحد والجمع؛ وأنشد بيت المتنخل هذا. (¬2) كذا في "ب" والذى في "أ" "قد بان منه نخل فسيله" وفيه اضطراب ظاهر. (¬3) لم يذكر الشارح في شرح هذا البيت تفسير الحفأ، وهو البردي الأخضر ما دام في منبته، قاله في اللسان (مادة حفأ). (¬4) في كلتا النسختين: "الخصيتين"، وهو تحريف صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان (مادة طفى) فقد ورد فيه في تفسير ذي الطفيتين ما نصه: ذو الطفيتين حية لها خطان أسودان يشبّهان بالخوصتين. وفي الحديث "اقتلوا الجان ذا الطفيتين والأبتر". قال الأصمعي: أراه. شبه الخطين اللذين على ظهره بخوصتين من خوص المقل.

تَنكَلُّ عن متِّسقٍ ظَلْمُه ... في ثغرِه الإثمِدُ لم يُفلَلِ تنكّل: تَضحك. ويقال: انكلّ انكِلالا، إذا تبسّم. عن متّسق، أي مستوٍ. والظَّلمْ: ماء الأسنان، يقال: ظَلمُه مطّرد بعضه في بعض، جميعٌ ليس فيه شيء دون شيء. في ثغره الإثمد، يقول: في أصوله سواد كالإثمد. لم يُفلَل: لم ينكسر ولم يَكْبَر، وهي أسنان من أسنان شباب لم يَطُل الأكلُ عليها ولم يكسرها حدّ الزمان. قال: وتُغرَز اللِّثةُ بإبرة ثم تُسَفّ بالإثمِد فيها، وهو النَّؤور. غُرِّ الثَّنايا كالأَقاحي إذا ... نَوّر صُبحَ المطرِ المُنجَلِي المنجلي: المنكشِف. يقول: قد انجلى المطرُ عنه وطلعتْ عليه الشمس وانقشع عنه الغَيْم. فيقول: كأنّ أسنان هذه المرأةِ أُقحُوان صبَّحه المطر. يقول: بعد ما قد غسل عنه المطرُ الترابَ. ومثله للذبيانيّ: كالأُقحوان غداةَ غِبِّ سمائه ... جَفّت أعاليه وأسفلُه ندِى ومثله أيضا: إذا أخذَتْ مِسواكَها صقَلتْ به ... ثنايَا كنَوْر الأُقْحوُان المهطَّلِ المهطّل: الذي مسّه الهَطْل، وهو الخفيف من المطر. ومثله: ذُرا أُقْحُوانٍ راحَهُ الليلُ وارتقَى ... إليه الندى من رامةَ المتروِّحُ (¬1) ¬

_ (¬1) هذا البيت والبيتان الآتيان بعده لذي الرمة. وقوله ذرا أقحوان مفعول لقوله: "تجلو" في البيت السابق قبله وهو: وتجلو بفرع من أراك كأنه ... من العنبر الهندي والمسك يصبح وفي الأصلين: "واجه الليل" وما أثبتناه عن ديوان ذي الرمة ص 83 طبع كمبريج.

ومثله أيضا. تَبسَّمُ عن أحوَى اللِّثاتِ كأنّه ... ذُرا أُقْحُوان مِن أَقاحي السَّوائفِ (¬1) ومثله أيضا: تَبسَّمَ لمحُ البَرْق عن متوضِّحٍ ... كَلوْنِ الأَقاحِي شافَ ألوانَها القَطْرُ شافَ، أي جلا. هل هاجك الليلَ كليلٌ على ... أسماءَ من ذي صُبُرٍ مُخْيِلِ كليل: برق ضعيف لأنه يجيء من مكان بعيد. علي أسماء أي من نَحْو دار أسماء. مُخْيل، أي مُخِيل للمطر. مِن ذي صُبُر أي من سحابٍ ذي صُبُر، والصُبُر جمع صَبِير، والصَّبِير: الغيم الأبيض. والصَّبير جمعه صُبُر، مثل كثيف وكُثُف، وقضِيب وقُضُب. وقوله: مُخْيِل، أي سحاب ذو مُخِيلة للمطر. أنشأَ في العَيقةِ يَرمي له ... جُوفُ رَبابٍ وَرِهٍ مُثقَلِ العَيْقة: ساحة من ساحات البر والبحر. والجُوف: العظام الكثيرة الأخذ، ويقال رجل أجوَف أي عظيم البطن. والوَرِه: المتساقِط، كأنّ به هَوَجا مِثلَ الإنسان، بقال: رجل أوْرَه وامرأة وَرْهاء. يقول: فهذا غَيْم هكذا يمضي متساقطا. وأنشأ: بدأ. ورَباب: سحاب. فالتَطَّ بالبُرْقة، شُؤبوبُه ... والرّعدُ حتى بُرْقة الأجوَل ¬

_ (¬1) السوائف: رمال مستطيلة مشرفة. انظر ديوان ذي الرمة ص 379 طبع كمبريج.

يقول: التَّطَّ سُتِر. يقول: أَخذ السماءَ كلَّها ببرق وبرعد، حتي التَطَّ هذا السحابُ حتي لا ترى من السحاب (¬1) شيئا إلا كلّما برَقت بَرْقة، أي كأنه ستَر السماءَ بارقا وراعدا. وشُؤْبُوبُه، مَطْرةٌ ودَفْعة شديدة ليست بعريضة. وبُرْقة الأَجْوَل: موضع. أسدَفُ منشَقٌّ عُراهُ فذو الـ ... إِدماثِ ما كان كذي المَوْئلِ الأَسَدف: الأسوَد. وقوله منشَقّ عُراه، يقول: كأنّ عُرا هذا السحابِ قد انشقّتْ من كثرة مائه؛ وعُراه: نواحيه. يقول: نواحي هذا السحاب انبعجتْ بالماء. وهذا مَثَل ضرَبَه من غُزره، وهو مِثل قول الشاعر: * وَهتْ أعجازُ رَيِّقِه فحارا * يقول: وهت بالماء. ويقال: غَزُر السحابُ الأسوَد. وهذا مثل قول امريء القيس بن حُجْر: * أَلَّح عليها كلُّ أسودَ هَطّالِ * قال أبو سعيد: وسمعتُ أعرابيّا يقول: إذا رأيتَ السحابةَ كأنّها بطنُ أَتانٍ قَمراءَ (¬2) فهي أغزر ما تكون. وقوله: فذو الإدماث ما كان كذي الموئل، الموئل: المَلجأ من هذا المطر. يقول: من كان بدَمِثٍ من الأرض ومن كان بنَجْوةٍ فهما سواء لا يُحرِزهما من هذا المطر شيء، قد علا هذا السيلُ على كلّ شيء. يقول: الذي صار في مَعقِل قد غشيه، وهذا مِثلُ قول أَوْس بن حَجَر: ¬

_ (¬1) كذا في كلا الأصلين. ولعله "من السماء". (¬2) القمرة: بياض فيه كدرة. قاله في اللسان؛ ثم نقل بعد ذلك عن ابن قتيبة ما نصه: الأقمر الأبيض الشديد البياض، والأنثى قمراء. ويقال للسحاب الذي يشتدّ ضوءه لكثرة مائه: سحاب أقمر الخ.

فمَن بنجوَتِه كمن بمَجْفِله ... والمستكِنّ كمن يمشي بِقرْواحِ (¬1) والدَّمِث: المكان السهل الذي ليس بمرتفِع. والموئل: المَلجأ من هذا الغيث، وهو المرتفِع. يقول: صارا سواءً. يقول: ما كان من شيء حمار أو سَبعُ فهو كذي الموئل؛ يقول: إن الذي وَأَلَ واعتصَمَ بشيء من المطر مثل الذي في الدمث لا يُحرِز هذا مكانُه ولا يغني عنه شيء. حارَ وعَقّت مُزْنَه الرِّيحُ وانـ ... ـقارَ به العَرضُ ولم يُشمَلِ حار: يريد تحيَّرَ وتَردّد. وعَقّت: شَقّت الريحُ سحابَه. وانقارَ، يقول: انقطعت منه قِطعةٌ من عَرضه، وهي لغةٌ لهم؛ ومنه قولهم: قَوَّر الأديمَ إذا قطعه. وقوله: ولم يُشمَل، أي لم تُصِبه شَمال فيذهبَ كلُّه. يقول: هو يُمطِر على حاله. مستبدِرا يَزْعَب قُدّامَه ... يَرمى بعُمِّ السَّمُر الأطوَل قوله: يزعب، أي يمضي يتدافع؛ يقول: يمضي متدافعا. قدّامه أي أمامه. ويزعب أيضا يَملأ. ويروى يَرْعَب. وواد مَرْعوب أي مملوء. والعُمّ: الطوال. والعُمّ: مثل العميم (¬2). والسَّمُر: شجر طوال وله شوك صغار، يعني أن السيل قلَع الشجرَ ومضى به قُدُما، ومثله: * يَكُبُّ علي الأذقان دَوْحَ الكَنَهبُلِ (¬3) * ¬

_ (¬1) القرواح من الأرض: الفضاء البارز الذي لا يستره من السماء شيء. (¬2) يستفاد من كتب اللغة أن عما جمع عميم، وأصله عمم بضم العين والميم فخفف. (¬3) هذا الشطر لامريء القيس من معلّقته اللامية المشهورة. والكنهبل: شجر من الطلح قصير الشوك.

ظاهَرَ نَجْدا فتَرامَى به ... منه تَوالِى ليلةٍ مُطفِل ظاهَرَ نجدا، أي علا نجدا. وتَوالى ليلةٍ: مآخيرُ ليلة. ومطفِل، يقول: فيها نشأ الغيمُ وأَمطَر، أي هي حديثة عهد بماءٍ مِثلُ الحديثة العهد بالولد؛ ويقال: شاة مُطفِل إذا كانت حديثةَ العهد بالولادة. للقُمْر من كلّ فَلًا نالَه ... غَمغمةٌ يَقزَعن كالحنظلِ القُمْر: الحمير. غَمغَمة: صوت. يَقْزَعْن: يمررن في السير مرا سريعا. والحنظلة إذا يبستْ طَفَت فوق الماء فمرّت في السيل مرّا سريعا. ويقال: مرَّ يقزَع ويَمصَع ويَهَزع ويَمزَع إذا مرّ مرّا سريعا. ويروى: "من كلّ فلًا نالَه". "ومن كلّ مَلًا" والملأ: المكان المستوى؛ فشبّه الحميرَ في كل مكان أصابه هذا المطر بالحنظل اليابس إذا مرّ فوق الماء يتدحرج. قال: ويقال فلاة وفلًا وفلَوات وفُلِي. والقَزْع والمَصْع والهَزْع والمَزْع: المرّ السريع، يقال للفرس: هو ممزَع إذا كان من عادته أن يمرّ مرا سريعا؛ قال الشاعر (¬1): "سَفْواء (¬2) مِمْزَع". فأصبَح العِينُ رُكودا على الأَ ... وْشازِ أن يَرسخن في المَوْحِلِ ¬

_ (¬1) الشاعر هو طفيل الغنويّ كما في اللسان (مادة مزع). (¬2) كذا وردت هذه الكلمة في كلا الأصلين. والسفواء من الخيل: الخفيفة شعر الناصية، وليس بمحمود فيها، وهو مما تمدح به البغال. وصواب الرواية "جرداء" مكان "سفواء" فقد ورد هذا البيت في اللسان (مادة مزع) وهو: وكل طموح الطرف شقاء شطبة ... مقربة كبداء جرداء ممزع

العِين: البقر. ركودا أي قياما. والأوشاز والأنشاز: الأمكنة المرتفعة. وقوله: أن يرسخن في الموحِل، أي يدخلن. يقول: أصبحن قد اعتصمن بتلك الأوشاز أن يَغرَقن في الموحِل. يروى: مَوْحَل ومَوْحِل. كالسُّحُلِ البِيضِ جلا لونَها ... سَحُّ نِجاءِ الحَمَلِ الأَسْوَلِ السُّحُل: ثياب بيض، واحدها سَحْل. جلا لونها، يقول: جلا لونَ هذه الحمير (¬1) سحابةٌ، وكلّ سوداءَ من السحاب تسمَّى حَمَلا (¬2). والأسوَل: المسترخِي أسفل البطن، والاسم السَّوَل؛ وإنما هذا مَثَل. والنِّجاء مكسور الأوّل، وهو السحاب؛ (¬3) يقول: الحُمُر كالثياب البيض. أَرْوَى بجِنّ العهدِ سَلمَى ولا ... يُنصِبْكَ عهدُ المَلِقِ الحُوَّلِ قال: دعا لها بالسُقيا أي سقاها الله هذا المطر (¬4) أوّلَ عهده (¬5)، تقول: فعل ذلك بجِنّ العهد أي بحِدْثانه. ويقال: خذ هذا الأمر بجِنّه وإبّانِه، أي خذه بأوّله. قوله: ¬

_ (¬1) صوابه البقر مكان الحمير هنا. والحمر فيما يأتي بعد بذكره البقر قبل هذا البيت. (¬2) فسر في اللسان (مادّة حمل) الحمل بهذا المعنى الذي ذكره الشارح هنا، كما حكى في تفسيره أيضا أنه السحاب الكثير الماء؛ وقيل: إنه المطر الذي يكون بنوء الحمل. (¬3) ذكر في اللسان (مادة حمل) في تفسير النجاء بكسر النون أنه السحاب الذي نشأ في نوء الحمل. وقيل: النجاء السحاب الذي هراق ماءه، واحده نجو. (¬4) ورد هذا البيت في اللسان (مادة جن) أروى بفتح الهمزة والواو مبينا للمعلوم، وفسره فقال ما نصه: يريد الغيث الذي ذكره قبل هذا البيت. يقول: سقى هذا الغيث سلمى بحدثان نزوله من السحاب قبل تغيره؛ ثم نهى نفسه أن ينصبه حب من هو ملق. يقول: من كان ملقا ذا تحوّل فصرمك فلا ينصبك صرمه. اهـ (¬5) في كلتا النسختين "عهدها" بتأنيث الضمير؛ وسياق الكلام يقتضي ما أثبتنا.

بجِنّ العهد أي بحِدْثانه. يقول: سقاها الله بهذا لأنها تَثبت وتدوم. وقوله: لا يُنصِبْك، دعاء له. يقول لا تَعبَأنّ به ولا تحزن به. والحُوَّل: الكثير التحوّل. ويُروَى المَذِق. والحُوَّل والمَذِق: الّذي في كلامه مَذَق وليس بخالص. دَعْ عنك ذا الألْسِ ذميما إذا ... أعرَضَ واستبدَلَ فاستبدِلِ الأَلْس: الخيانة. وقد ألَس يألِس أَلْسا. وهي المؤالسة. ويقال في الكلام: ولا مؤالسَة ولا مدالَسة، فالمدالسة أن يجيء بالشيء مظلِما. والمؤالَسة: الخيانة وقال الشاعر (¬1): * هم السمنُ بالسَّنُّوت (¬2) لَا ألْس فيهمُ * يقول: لا خيانة. وذميم، أي مذموم. إذا أعرض، يقول: إذا أعرض عن الودّ. واسل عن الحبّ بمضلوعةٍ ... تابَعَها البارِى ولم يَعجَلِ بمضلوعة، أي بقوس ضليعة، وهي الشديدة (¬3). وقوله: تابعها، أي تتَبَّع ما فيها. وباريها هو الذي جعلها مطرورةً متتابعةَ العمل. ولم يعجل فيها، قام عليها قياما حسنا. ويروى "بمبضوعة" أي بمقطوعة من شجرتها؛ وهذه الرواية أجوَد عند أبي العباس. كالوقفِ لا وَقْرٌ (¬4) بها هَزْمُها ... بالشِّرْع كالخَشْرَم ذي الأزْمَلِ ¬

_ (¬1) الشاعر هو الحصين بن القعقاع، كما في اللسان (مادّة سنت). (¬2) السنوت: العسل. وفي رواية "بينهم" مكان "فيهم". (¬3) فسر في اللسان (مادة ضلع) القوس المضلوعة بأنها التي في عودها عطف وتقويم وقد شاكل سائرها كبدها؛ وأنشد بيت المنتخل هذا. (¬4) الوقر: الصدع والثلم.

الَوقْف: الخَلخال والسِّوار. وهَزْمُها: صوتها. والشِّرْعة: الوَتَر، والجماع الشِّرَع. والخَشرَم: النحل، أي الزنابير الكبار، ويسمَّى الدَّبْرَ أيضا. والأزمَل: الصوت. من قَلبِ نَبْعٍ وبمنحوضةٍ ... بيضٍ ولَيْنٍ ذَكَر مِقصَلٍ من قلبِ نبع، أي من خالصِ نبع. وبمنحوضة، أي نَبل قد أُرهفتْ نِصالُها. وليْن: لين. يقول: ليس بكَزّ. منتخَب (¬1) اللُّبّ له ضربةٌ ... خَدْباءُ كالعَطِّ من الِخذْعِلِ منتخَب، أي منخوب اللُّب. يقول: ذهب عقلُه. يقول: كأنه ليس له عقل مِن مَرِّه لا يتماسك. والخدب: الاسترخاء (¬2)، وركوبٌ من الرجل (¬3) لرأسه، وهو مِثلُ الهوَج. والعَطّ: الشقّ. والخِذْعِل: المرأة الحمقاء. ويقال: رجل فيه خَدَب إذا كان يركب رأسَه. ويقال: هذه الحمقاءُ لا تداوِي الشَّق, تدعه كما هو. أفلَطَها اللّيلُ بِعيرٍ فتسـ ... ـعى ثوبُها مجتنِبُ المَعْدِل أفلطها: فاجأها بِعير تَحمل بعضَ ما تحبّ هذه المرأة الرَّعْناء. وقوله: مجتنب المعدل، أي اجتنبت الطريقَ فمرّ ثوبُها بشجرة فشقّقتْه. أبيضُ كالرَّجْعِ رَسوبٌ إذا ... ما ثاخَ في محتفَل يَختلِى ¬

_ (¬1) ضبط في اللسان (مادة خذعل) منتخب بكسر الخاء ولم يفسره؛ فلعل معناه أن هذا السيف ينتخب بضربته. (¬2) لعله: "الاستجراء". (¬3) في اللسان أنه يقال ضربة خدباء وطعنة خدباء، أي تهجم على الجوف؛ وقيل: واسعة.

الرجع: الغدير فيه ماء المطر. والمحتفَل: معظم الشيء. ومحتفَل الوادي: معظمه. وثاخ وساخ واحد، أي غاب. يختلى: يَقطع. والرَّسوب: الّذي إذا وقع غَمُض مكانُه لسرعة قَطْعِه. ذلك بَزِّي وسَليهمْ إذا ... ما كَفتَ الحَيشُ عن الأرجُلِ كَفَتَ: شَّمَر. والكَفْت: الرفع. ويقال: اِكفِتْ ثوبَك إليك أي ارفعه إليك. والحَيْش: الفزع نفسُه. ويقال: وقع في الناس كَفْت إذا وقع فيهم موت وقبض. ويقال: انكفِتْ في حاجتك، أي انقبِض فيها. ويقال: رجل كفيتُ الشدّ إذا كان سريعا. ويسمى بقيع الغَرْقَد كَفْتة, لأن الناس يُدفَنون فيه. هل أُلحِقُ الطعنةَ بالضربة الـ ... ـخَدْباءِ بالمطّرِد الِمقْصَلِ الخدباء: أخَذَها من الأخدَب، وهو الأهوَج (¬1) المتساقط. والمقصل: القاطع. ومن رَوَى (مِخْصَل) أي يقطع الخُصْلة من اللحم. مما أقضِّي ومحَارُ الفتى ... للضُّبْع والشَّيبة والمَقتَل مَحارُ الفتى: مصيرُه ومرجعه. للضُّبع، إذا مات نبشتْه الضَّبعُ. يقول: فهو للموت أو للهَرَم أو للقتل. والضُبْع: جمع ضِباع. إن يُمسِ نَشوانَ بمصروفةٍ ... منها بِرِيٍّ وعلى مِرْجَلِ بمصروفة، يعني بخمر شربَها صِرْفا علي لحم. قوله: بِرِيٍّ أي بِرِيٍّ من هذه الخمر. وعلى مِرْجَل أي على لحم في قِدْر. ¬

_ (¬1) قد سبق في الحاشية رقم 3 من صفحة 12 نقلا عن اللسان تفسير آخر للضربة الخدباء، فانظره.

لا تَقهِ الموتَ وقيّاتُه ... خُطَّ له ذلك في المَحْبَلِ ويُروى المَحبِل بالكسر، قال أبو سعيد: إن أراد حين حملتْ به أمّه فهو في وقت الحبل في المحبَل مفتوحة، وإن كان يريد الموتَ قال: المَحبِل بالكسر (¬1). قال: وهو الكتاب حيث تَحبِله المنيّة؛ والرواية بالفتح. ليس لميْتٍ بوَصيلٍ وقد ... علِّق فيه طَرَفُ المَوْصِل يقول: ليس (¬2) الحيُّ بمتّصل بالميّت؛ يقول: الميّت قد انقطع، فذهبتْ منه مُواصَلتُه. وقد عُلِّق فيه السبب الّذي يصير به إلى ما صار الميّت؛ يقول: قد عُلِّق فيه الأجل، فهو يستوصِله إليه أي إلى الموت. يقول: هو اليوم حيّ. يريد أن يصيِّره إلى الموت، فكأنه متعلِّق به وإن كان قد فارقه. والوَصِيل: الذي بينه وبين صاحبه متّصَل. قال: والوَصول الّذي يصل وليس بينه وبين صاحبه صِلة، وأنشد أبو سعيد: ¬

_ (¬1) في اللسان (مادة حبل) أن المحبل بالكسر موضع الحبل من الرحم، ثم ذكر بيت المتنخل هذا ورواه بكسر الباء في المحبل شاهدا على المعنى. ثم قال نقلا عن أبي منصور: أراد معنى حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما نطفة، ثم علقة كذلك، ثم مضغة كذلك، ثم يبعث الله الملك فيقول له: اُكتب رزقه وعمله وأجله، وشقي أو سعيد، فيختم له على ذلك" الخ. (¬2) ذكر في اللسان (مادة وصل) بعد أن أورد هذا البيت عدّة أقوال في تفسيره، فذكر عن ابن السكيت أنه دعاء لرجل، أي لا وصل هذا الحي بهذا الميت أي لا مات معه ولا وصل بالميت؛ ثم قال: وقد علق فيه طرف من الموت، أي سيموت ويتصل به. قال ابن سيده: والمعنى فيه عندي على غير الدعاء، إنما يريد ليسَ هو ما دام حيا بوصيل للميت، على أنه قد علق فيه طرف الموصل، أي أنه سيموت لا محالة فيتصل به وإن كان الآن حيا. وقال الباهلي: يقول بأن الميت فلا يواصله الحي، وقد علق في الحي السبب الذي بوصله إلى ما وصل إليه الميت.

* وليس لمَيْتٍ هالكٍ بوَصِيلِ (¬1) * يدعو له بالبقاء أي لا جُعلتَ بمتّصِلٍ إلى الموتى. أَوْدَى إذا انبتّتْ قُواه فلمْ ... يَرْكَب إذا ساروا ولم ينَزِل أودى: مات. إذا انبتّت قُواه، إذا انقطعتْ أسبابه. (وقال أيضا) لا دَرَّ دَرِّيَ إن أَطعمتُ نازِلَكُمْ ... قِرْفَ الحَتِيِّ وعندى البُرُّ مكنوزُ يقول: لا رُزقتُ الدَّرَّ، كأنه قال ذلك لنفسه كالهازئ. وقِرْف كلِّ شيء ما قُرِف يعني قِشَره. والذي يُقلعَ عنه يؤكل. والحَتيُّ: المُقْل (¬2)، وهو الدَّوْم. لو أنه جاءني جَوْعانُ مهتلكٌ ... من بُؤَّس الناسِ عنه الخيرُ محجوزُ ويروى: "عنه الخيرُ تعجيز" قوله: مهتلِك أي يهتلك على الشيء لا يتمالك دونَه (¬3)؛ وتعجيز: تقصير. ومحجوز: حُجِز عنه، وسمعتُ "مِن جُوَّع الناسِ"، حِيل بينه وبينه فلا يَقدِر عليه. والرواية محجوز. أَعيَا وقَصَّر لمّا فاته نِعَمٌ ... يبادر الليلَ بالعَلياء مَحْفوزُ ¬

_ (¬1) هذا عجز بيت للغنوي، وصدره: * كملقى عقال أو كمهلك سالم * ويروى "ولست" مكان قوله: "وليس" كما يروى "وليس لحي هالك" الخ. (¬2) فسر في اللسان الحتي بأنه سويق المقل؛ وقيل رديئه؛ وقيل يابسة. (¬3) فسر في اللسان (مادة هلك) المهتلك بأنه الذي لا هم له إلا أن يتضيفه الناس؛ يظل نهاره، فإذا جاء الليل أسرع إلى من يكفله خوف الهلاك لا يتمالك دونه.

قال: يقول: كان مع نِعَم ففاتتْه وأَعيا عنها. ويُحفَز: يُدْفَع من خَلْفِه؛ وكل مكان مرتفِع عَلْياء. حتّى يجئَ وجِنُّ (¬1) الليل يوغِلُه ... والشَّوْكُ في وَضَحِ الرِّجْلين مَرْكوزُ يُوغله: يُدخله ويُقْدِمه إلى الناس. يقول: يُوغِله إليهم؛ ويقال: أَوْغَل في الأرض إذا أَبعَد. وجِنُّ الليل وجِنّانُه: ما أَلبَسَك (¬2) منه، وهو معظمه. ووَضَح الرجلين: بياضهما من أسفلهما. قَد حال دون دَرِيسَيه (¬3) مؤوِّبةٌ ... نِسْعٌ لها بعِضاه الأرضِ تهزيزُ مؤوِّبة: ريح جاءت مع الليل. ونِسْع ومِسْع: اسم من أسماء الشِّمال. والعِضاه: كلّ شجر له شوك. كأنّما بين لحَييه ولَبَّتِه ... مِن جُلْبة الجوع جيّارٌ وإِرزِيزُ قال: يقال أصاب الناسَ جُلْبة أي أزمة. والجُلْبة: السنة الجَدِيبة. والجيّار: حَرٌّ يَخرج من الجوف. قال أبو سعيد: وأراد بجيّار جائرا، ولكنّه حوّل الهمزة؛ ويقال: إن للسّم جائرا أي حرارة في الجوف؛ وأنشد لوَعْلة الجَرْميّ: * ينازِعني من ثُغْرة النحرِ جائرُ * وهو حَرّ ووَهَج في صدره من الجوع والجَهد. والإرزيز: الشيء يغمِزه (¬4). ¬

_ (¬1) في رواية: "وجنح الليل" انظر اللسان (مادة جنن). (¬2) الذي في اللسان (مادة جن) في تفسير جن الليل أنه شدّة ظلامه وادلهمامه. (¬3) الدريس: الثوب الخلق. انظر اللسان (مادة درس). (¬4) ذكر في اللسان (مادة رزز) في تفسير الإرزيز أنه الرعدة، وأنشد بيت المتنخل هذا. وذكر في (مادة جلب) أن الإرزيز في هذا البيت معناه الطعنة. كما نقل عن ابن برى في هذه المادة أيضا أنه الرعدة.

لَباتَ أُسوةَ حَجّاجٍ وإخوتِه ... في جَهدنا أو له شِفٌّ وتمزيزُ يقول: بات أُسوةً أي لو كان ضيفا (¬1)؛ ويقال كذا وكذا أَمَرُّ مِن كذا وكذا أي أفضل. والشَّفّ: الفَضْل؛ وبعضهم يجعل الشَّفّ النقصان، وهو ها هنا الفضل. وتمزِيز، أي له مِزّ فوق ذلك وفضل وقِرًى أفضل مما لغيره، كما تقول: فلان أمزّ مِن فلان، أي أقوى مِنه وأشد: يا ليته كان حظّى مِن طعامكما ... أَنِّي أَجَنَّ سوادِى عنكما الجِيز الجِيز: شِقّ الوادي الذي أنت في غيره (¬2)؛ ويقال: نحن بهذه الجِيزة وفلان بالجِيزة الأخرى. قال أبو سعيد: وأهل الطائف يسمّون الشِّقّ الذي ليس فيه المسجد جِيزا. إنّ الهوان فلا يَكذِبكما أحدٌ ... كأنه في بياض الِجلد تحزِيز يقال (¬3): إذا أهين الرجل فكأنما جِلدُه يُحَزّ، أي يجد وجعَه كما يجد وجعَ حزٍّ في جسدِه. يا ليت شِعرى وهَمُّ المرءِ يُنصِبه ... والمرء ليس له في العيش تحرِيز يقول. ليس له حِرز من الموت. يُنصِبُه: يُشخصُه (¬4). هل أجزِينّكما يوما بقَرضِكما ... والقَرْض بالقرض مَجزِيٌّ ومَجْلوزُ ¬

_ (¬1) يشير إلى أن قوله "لبات" جواب لقوله السابق "لو أنه جاءني جوعان" الخ. (¬2) هذا أحد تفسيرين فسر بهما الجيز في هذا البيت. وفسر أيضا بأنه القبر قاله ثعلب اللسان (مادة جيز). (¬3) صوابه "يقول". (¬4) الصواب تفسير "ينصبه" في هذا البيت بمعنى يتعبه، من النصب بالتحريك، وهو التعب.

يقول: هو مَجْلُوز به، أي مربوط به حتى يُجزَى (¬1) به ويقال: جَلَزَ على صَدْعِ قوسِه عَقَبةً، وجَلَزَ عِلْباءَ أعلى الرمح؛ وأنشد للشّمّاخ: * وصفراءَ من نَبْعٍ عليها الجَلائزُ (¬2) * وقال أيضا عَرفتُ بأجدُثٍ فنِعافِ عرْقٍ ... علاماتٍ كتَحْبير النِّماطِ أَجْدُث ونِعاف عِرق، قال أبو سعيد: هي مواضعُ. والنِّماط جمع نَمَط كتحبير: كتنقيش. كوَشْم المعْصَم المُغْتالِ عُلَّتْ ... نَواشِرُه بوَشْمٍ مُستشاطِ الوَشْم: أن يوشَم الذراع واللِّثة بالإبرة ثم يُحْشى نَؤُورا. فيقول: كأن آثارَ هذه الديار وَشْمٌ في مِعْصَمٍ مُغْتال، كما قال زهير: ودارٍ لها بالرَّقْمَتَين كأنّها ... مَراجِعُ وَشْمٍ في نَواشِرِ مِعْصَمِ والمِعصَم: موضع السِّوار من الذراع. والمُغْتال: الممتلئ. ويقال: مِعْصَم غَيْلٌ ومُغال (¬3) ومُغْتال إذا كان رَيّانَ ممتلئا حَسَنا. ونَواشِرُه: عَصَبُه، وهو العصب الذي في باطن الذراع. عُلَّت، يقول: وُشِم مرّة بعد مرّة أخرى، وهذا مَثَل. ¬

_ (¬1) قال في اللسان (مادة جلز) قرض مجلوز يجزى به مرة ولا يجزى به أخرى، وأنشد هذا البيت شاهدا على هذا المعنى. (¬2) هذا عجز بيت، وصدره: "مدل بزرق لا يداوى رميّها". وجلائز القوس: عقب تلوى عليها في مواضع؛ ولا تكون الجلائز إلا عن غير عيب في القوس. (¬3) لم نجد في كتب اللغة المغال بالمعنى الذي ذكره، وهو الساعد الريان الممتليء.

والنَّهَل: الشربة الأولى، والعَلَل: الشربة الثانية، فيقول: هذا المِعصَم لم يُوشَم وَشْما مُخْمَلا. ومستشاط: اُستُشِيط، أي صار في النواشر رفسا (¬1) كأنه غَضِبَ وحَمِيَ وهذا مَثَل، أي حُمِل على أن يستشيط، ويقال: ناقة مستشاطة إذا كانت سريعةَ السِّمَن. وما أنت الغداةَ وذكرُ سَلْمَى ... وأضحى الرأسُ منك إلى اشمِطاط كأنّ على مَفارِقِه نَسِيلًا ... مِن الكتّان يُنزَع بالمشاط من الكتّان، يقول: مِثلَ ما يُسرَّح من الكتّان. يَنسِل منه أي يَخرج، وإنما أراد بياضا إلى صُفْرة. فإِما تُعرِضينَ أُمَيْمَ عَنّي ... ويَنزِعُكِ الوُشاةُ أُولو النِّباطِ يَنْزِعُك: يَوَدُّونَكِ ويُقَرِّضُونِك (¬2). والنِّباط (¬3): الّذين يسَتنبِطون الأخبار ويستخرِجونها. فحُورٍ قد لهوتُ بهنّ وَحْدِي ... نَواعمَ في المُروطِ وفي الرِّياطِ ويروى "لَهَوْتُ بهِنّ عينٍ" الحُورُ: الشديدة بياض الحَدَقة الشديدةُ سوادِها. والعِين: البقر الضخام (¬4). قال: وإنّما شَبَّه البقر (¬5) بالنساء. ¬

_ (¬1) كذا ورد هذا اللفظ في كلا الأصلين؛ ولعله تصحيف صوابه "رقشا". (¬2) يقرّضونك، أي يمدحونك. (¬3) صوابه "وأولو النباط الذين" الخ إذ النباط جمع نبط بالتحريك وهو أوّل ما يظهر من ماء البئر. (¬4) كذا ورد هذا التفسير في الأصل. وفي كتب اللغة أن العين جمع عيناء وأعين، وهو من العين بالتحريك، وهو ضخامة العين وسعتها. ومنه قيل لبقر الوحش عين صفة غالبة. (¬5) يلاحظ أن في هذه العبارة تقديما وتأخيرا؛ والصواب "وإنما شبه النساء بالبقر".

لَهَوْتُ بهنّ إذ مَلَقِى مَليحٌ ... وإذ أنا في المَخيلة والشَّطاطِ مَلَقِى: لِين كلامي، وهو التملّق. وشَطاطُه: طوله قبل أن يَكبَر فيتقبَّضَ جلْدُه ويَحْدَوْدِبَ ظهرُه، ويدنوَ بعضُه من بعض. والشَّطاط: حُسن القوام. والمَخيلة: الخُيَلاء. أَبِيتُ على مَعارىَ فاخِراتٍ ... بهنّ مُلوَّبٌ كدَم العِباطِ يقول: أَبِيتُ أتعلَّل بمَعارِيها، والواحدُ مَعْرَى (¬1)، وهو مِثلُ قولك: بتّ ليلتِي في اللهو، تريد على اللهو. والملوَّب. . . . . المَلاب (¬2). والعِباط: جماعةُ العَبيط، والعَبِيط: ما ذُبح أو نُحِر من غير مَرَض فدُمه صافٍ، وأنشد لأبي ذؤيب: فتَخالَسَا نَفْسَيْهِما بنوافِذٍ ... كنوافِذِ العُبُطِ الّتي لا تُرقَعُ وأنشد: من لم يمت عَبْطًا يمتْ هَرَما ... الموت كأسٌ والمرء ذائقُها يقال لهنّ من كَرَمٍ وحُسْنٍ ... ظباءُ تَبالةَ (¬3) الأُدْمُ العَواطِي العَواطي: اللّواتي يتناولن أطرافَ الشّجر، والواحدة عاطية، ومِن هذا قولهم: هو يَتعاطى كذا وكذا أي يتناول. ¬

_ (¬1) فسر في اللسان (مادة عرى) المعارى هنا بأنها الفرش، وقيل: أجزاء الجسم، وقيل: ما لا بدّ للمرأة من كشفه كاليدين والرجلين والوجه. وفي اللسان "واضحات" مكان قوله "فاخرات". (¬2) صوابه: "الملطخ بالملاب" ففي العبارة نقص. والملاب من ضروب الطيب كالخلوق. (¬3) تبالة: بلدة مشهورة من أرض تهامة في طريق اليمن.

يُمشِّي بينَنا حانوتُ خَمْرٍ ... من الخُرْس الصَّراصرة القطاطِ يقول: يُمشِّي بيننا صاحبُ حانوتٍ مِن خمر. وقوله: من الخُرْس الصَّراصِرة يريد أَعجَمَ من نَبط الشام يقال لهم الصَّراصرة. والقِطاط: الجِعاد، والواحد قَطَط وهو أشدّ الجُعودة. رَكُودٍ في الإناء لها حُمَيَّا ... تَلَذُّ بأخذها الأيدِي السَّواطِي رَكودٍ في الإناء، أي صافية ساكنة. وحُمَيّاها: سَوْرَتُها. والسَّواطي: التي تسطو إليها (¬1)، وهي المتناوِلة، والواحدة ساطِية. مشعشَعة كعين الدِّيك ليست ... إذا ذِيقَتْ من الخلّ الخِماطِ المشعشعة: الّتي قد أُرِقَّ مَزْجُها، والخَمْطة: التي قد أَخذتْ ريحا ولم تستحكِم، لم تَبلغ الحُموضةَ بعد؛ ويقال: لبن خَمِيط وسَقِيط، فالسَّقِيط: الذي قد حَمُض وفَسَد، والخَمِيط: الذي قد أَخذ رِيحا ولم يَفْسُد، وأنشد لأبي ذؤيب: . . . . . . . . ليست بخَمْطةٍ ... ولا خَلّةٍ يَكوِى الشُّروبَ (¬2) شِهابُها فلا والله نادَى الحيُّ ضَيْفي ... هُدوءا بالمسَاءةِ والعِلاطِ يقول: لا واللهِ لا ينادِي الحيُّ ضَيْفي بعد هُدوءٍ بالمَساءة. والعِلاط، يقال: عَلَطه بشّر أي تَرَكَ عليه مِثلَ عِلاط البعير (¬3)، وأنشد: ¬

_ (¬1) عدّى "تسطو" "بإلى" لأنه بمعنى تعطو، أي تتناول. (¬2) في رواية "الوجوه" مكان "الشروب". (¬3) علاط البعير: الوسم فيه.

لأعلِطنّ حَرْزَما بعَلْط ... بِلِيته عند بُذوحِ (¬1) الشَّرْطِ حَرْزَم رجل. سأبْدَؤهمْ بمَشْمَعةٍ وأَثْنِي ... بجُهْدِي مِن طَعامٍ أو بِساطِ بمَشْمَعة أي بِمزاح ولعِب ومُضاحَكة؛ ويقال: امرأة شَموع أي ضَحوك ولَعوب، وأَثْنِي بأن أبْسُط لهم بِساطي وأُطْعِمَهم طعامي؛ وإنما سمى المُزاح مُزاحا لأنه أُزِيحَ عن الجِدّ. إذا ما الحَرْجَف النَّكْبَاءُ تَرمى ... بُيوتَ الحيِّ باِلوَرَق السِّقاطِ الحَرْجَف: الريح الشديدة تَرمِي بوَرَق الشجر بيوتَ الحيّ. يقول: تُسقِط ورقَ الشجر على البيوت من شدّتها. وأُعطِي غيرَ مَنْزورٍ تِلادي ... إذا التَطّت لَدَى بَخَل لَطاطِ (¬2) التَطَّتْ: سَتَرتْ. ومَنْزُور: أن يُسأَل ويُكَدَّ فلا يَخرج منه شيء. وأَحفَظُ مَنصِبي وأصونُ عِرْضي ... وبعض القوم ليس بذي حِياطِ وأكسو الحُلّةَ الشَّوْكاءَ خِدْني ... وبعضُ الخيرِ في حُزَنٍ وراطِ ¬

_ (¬1) في اللسان (مادة علط) أن حرزما اسم بعير. والبذوح: الشقوق. (¬2) لم يذكر الشارح تفسير لطاط في هذا البيت، وهي السنة السائرة عن العطاء الحاجبة عنه كما في القاموس وشرحه، وأنشد هذا البيت.

الشَّوكاء: الجديدة. قال: وبعض الخير لا يخرج سهلا وأنا يخرج ما عندي سهلا. والوَرْطة: الموضع الذي يقع فيه الرجل فلا يقدر أن يخرج منه، وبعض الخير يكون في موضع إن طلبته لم تقدر عليه (¬1). فهذا ثَمّ قد عَلِموا مكانِي ... إذا قال الرقيب ألا يَعاطِ يقول: إذا خاف ألاّ يدركهم حتّى يغشاه القومُ صاح وعَطْعَط. ويَعاط، من العَطْعَطة أي صوّت (¬2). ووجهٍ قد طَرقتُ أُمَيْمَ صافٍ ... أَسيلٍ غيرِ جَهْمٍ ذي حَطاطِ يريد صافي البَشَرة. أَسِيل: سهل لم يَكثُر لحمُه حتى يتبثّر. والحَطاط: البَثْر (¬3). وعاديةٍ وَزَعْتُ لها حَفيفٌ ... حَفيفَ مُزبِّدِ الأعرافِ غاطِي عادية: حاملة، قوم يَحمِلون في الحرب. وزَعْتُ: كَفَفْتُ. لها حفيف مِثلُ صوت السَّيْل له زَبَد وأَعراف. وغاطِي: مرتفِع. والأعراف: السيل إذا أَزبَد يُرَى له مِثلُ العُرْف. تَمُدُّ له حَوالبُ مُشْعَلاتٌ ... يجلِّلهن أقمرُ ذو انعِطاط ¬

_ (¬1) لم يفسر الشارح الحزن في هذا البيت، وهي الجبال الغلاظ، الواحد حزنة بضم فسكون قال في اللسان وأنشد هذا البيت كما هنا، ورواه في (مادة شوك) "وبعض القوم"؛ ورواه ابن برى: وأكسو الحلة الشوكاء خدني ... إذا ضنت يد اللحز اللطاط (¬2) في اللسان (مادة يعط) أن يعاط كلمة ينذر بها الرقيب أهله إذا رأى جيشا؛ وأنشد بيت المتنخل هذا. (¬3) البثر, يريد البثر الذي يقيح ولا يقرّح.

يقول: هنّ متفرّقات يجئن من كلّ حَرّة ومن كلّ مكان. أقمر: سحاب أبيض. قال: وإذا رأيتَ للغيث (¬1) حوالبَ من أمكنةٍ كأنّه بطن أَتانٍ قَمْراء فذلك الجَوْد. وقوله: تُمَدّ له حَوالب أي هذا السيل. حَوالب: دوافع. مشعَلات: متفرّقات. ذو انعِطاط: ذو انشقاق، ينعطّ بالماء، أي ينشقّ. لَفَقْتُهمُ بمثلِهمُ فآبوا ... بهم شَيْنٌ من الضَّرْب الخِلاط الشَّين: آثارٌ تَبقَى قبيحةً. والخِلاط: المخالطة، أي خالَطَ بعضُه بعضا. بضربٍ في الجَماجم ذي فُروغٍ ... وطَعْنٍ مثل تَعْطيطِ الرِّهاطِ الرِّهاط: أُزُرُ تُشقَّق تُجعَل (¬2) للصبيان، واحدها رَهْط، ويقال (¬3): الرَّهْط والحَوْف والوَثْر تتّخذه المرأة إذا حاضت؛ وأنشد: جاريةٌ ذاتُ حِرٍ كالنَّوفِ (¬4) ... مُلَمْلَمٍ تَستُره بحَوْفِ والفَرْغ: ما بين عَرْقُوَتَي الدَّلْو، فشَبَّه هذا الضربَ حين يسيل دمُه بفَرْغ الدلو إذا انصبّ. وماءٍ قد وردتُ أُمَيْمَ طامٍ ... على أرجائه زَجَلُ الغَطاطِ ¬

_ (¬1) كذا ورد هذا الكلام في الأصل. والذي في اللسان (مادة قمر) ويقال إذا رأيت السحابة كأنها بطن أتان قمراء فذلك الجود. وقد سبق مثل ذلك في تفسير قول المتنخل: "للقمر من كل فلا" الخ. (¬2) في كتب اللغة أن الرهاط تكون من جلد، وقيل تكون من جلد ومن صوف وأنها تشق سيورا. (¬3) كان المناسب التعبير بقوله: "قال"، أي الشارح المنقول عنه هذا الكلام، وهو أبو سعيد. (¬4) النوف: السنام.

قلت: القَطا ثلاثة أنواع: جَوْن وكُدْرِيّ وغَطاط. الطامي: الذي قد تُرك حتى طَمَا وعَلاَ. وأرجاؤه: نواحيه. والزَّجَل: الصوت. والغَطاط: طير (¬1). قليلٍ ورْدُه إلاَّ سِباعا ... يَخِطن المَشيَ كالنَّبْل الِمراط الوَخْط: الزَّجّ، وهو ضرب من المشي يَخِطُ فيه يَزُجُّ بنفسه زَجّا. والمِراط التي تَمَرّطَ رِيشُها. وقوله: يَخِطْن المشيَ، يقول: كأنّهن يَنْدُسْن بأيديهن (¬2) إذا مَشَين كما يَمدّ (¬3) الخيّاط بإبرته إذا خاط. فبتُّ أُنَهْنِهُ السِّرْحانَ عنّي ... كلانا واردٌ حَرّانَ ساطِي ساطٍ: ذو سطوة إذا حَمَل. أُنَهْنِه. أَزْجُر: يقول: ساطٍ على صاحبِه. والسِّرْحان: الذئب. كأنّ وَغَى الخَمُوشِ بجانبِيه ... وَغَى رَكْبٍ أُمَيْمَ ذوِي هِياط الخَموش: البعوض. والهِياط: الصِّياح والمجادَلة؛ ويقال: فعلتُه بعد الهِياط والمِياط، أي بعد الجَلَبة والصوت. والوَغَى والوَعَى واحد، وهو الصوت في الحرب. كأنّ مَزاحِفَ الحيّاتِ فيه ... قُبَيْلَ الصُّبحِ آثارُ السِّياطِ هذا بيت القصيدة، ما أحسنَ ما وَصَف!!. ¬

_ (¬1) في حياة الحيوان أن هذا النوع من القطا غير الظهور والبطون والأبدان، سود بطون الأجنحة، طوال الأرجل والأعناق، لطاف، لا تجتمع أسرابا، وأكثر ما تكون ثلاثا أو اثنتين. (¬2) ندس الأرض برجله أي ضربها. ويقال: ندسه بالرمح إذا طعنه به. وعبارة القاموس: "الندس الطعن وقد يكون بالرجل". (¬3) لعله "كما يندس".

شربتُ بجَمِّه وصَدرتُ عنه ... وأبيضَ صارمٍ ذَكَرٍ إِباطِي (¬1) جَمُّه: ما اجتمع في البئر من الماء. والجَمّة: معظم الماء. قوله: إباطي يقول: قد تأبّط هذا السيفَ. كلَوْن الملْح ضَرْبتُه هَبِيرٌ ... يُتِرُّ العَظْمَ سَقّاطٌ سُراطِي هَبِير، أي يَهبر اللّحمَ, أي يقطعه. والهَبْرة: القطعة من اللحم، والِجماع هِبَر، يقال: أتانا بِهبَر من اللَّحم أي بِقطَع. يُتِرّ العَظْم، أي يطيّره. سَقّاط، يقول: يقطع الضريبةَ حتّى يَسقُط خلفَها. وسُراطِي: يَستَرط ما ضَرب واحدا واحدا. والهَبْر: أن يضربه ضربة فيقطعَ منه قطعة. وسُراطِي (¬2): يَسترِط كلَّ شيء. وقوله: يُتِرّ العَظْم، يقال ضربه فأَتَرّ يدَه، إذا طيّرها؛ وترّت هي. ويقال: السيف يَخضِم الجَزور ويَخضِم وسطَ الجزور. به أَحمِي المُضافَ إذا دعاني ... ونفسي ساعةَ الفزَعِ الفِلاطِ المُضاف: المُلْجَأ. والفِلاط: الذي يأتيك فجأة. وصفراءَ البُرايةِ فرعَ نَبْعٍ ... كوَقْف العاجِ عاتِكةِ اللِّياطِ ويُروَى: وصفراء البُراية غير خِلْط. والعاتكة: التي قَدُمتْ فاحمرّت. واللِّياط: القِشر الأعلى، ومنه لِيطة القصبة، لِيُطها قِشُرها الأعلى، وأنشد أبو سعيد "عُذافِرة ¬

_ (¬1) قال ابن السيرافي في قوله: "إباطي" أصله إباطيّ بتشديد الياء، فخفف ياء النسب؛ وعلى هذا يكون صفة لصارم، وهو منسوب إلى الإبط اللسان (مادة أبط). (¬2) سراطى بتخفيف الياء أي سراطىّ بتشديدها، وخفف ياء النسبة هنا لمكان القافية، وهو على لفظ النسب، وليس بنسب. ويسترط كل شيء أي يلتهمه.

حُرّةُ اللِّيط (¬1) ". وقوله: غير خِلْط، يقال للقضيب إذا نبت على عِوج هو خِلط والقوس التي تَنبُت على عِوَج فهي على خطر لأنّها تُغمَز فتسترخي، ثم ترجع إلى حالها الأولى؛ ويقال للرجل إذا كان في خُلُقه عِوَج: هو خِلط من القوم. والبُراية: النُّحاتة. شَنَقْتُ بها مَعابِلَ مُرهَفاتٍ ... مُسالاتِ الأغِرّة كالقِراطِ ويُروَى "قَرنتُ بها". شنقت: جَعلتُ النَّبْل في الوَتَر فشنقتُها كما تُشنَق الناقة. ويقال: ما زال شانقا ناقته، أي رافعا رأسها. ومرهَفات: مرقَّقات. وهي النِّصال. ومُسالات: مسنونات من التحديد ليس من الصّبّ. والغِراران: جَنبا النَّصْل، وهما حدّاه. والأغرّة: جمع غِرار، والغِرار: الحدّ. وقوله: كالقِراط، والواحد قُرْط، يعني قُرْط الأذن (¬2). قال: يقال قُرْط وقِراط وقِرَطة وأقراط؛ وإنما أراد أنها تَبرُق كما يبرق القُرْط. كأوْبِ الدَّبْر غامضةٍ وليست ... بمرهَفة النِّصال ولا سِلاطِ قوله: كأَوْب الدَّبْر، أوبُه رَجْعُه. والدبر: النحل. والسِّلاط: الطوال (¬3)؛ يقول: كرجوع الدبر في خِفّته. وقوله: ليست بمرهَفة النِّصال، أي ليست برقاق تتكسّر. ¬

_ (¬1) لم نجد البيت المشتمل على هذه الألفاظ الثلاثة فيما راجعناه من الكتب. (¬2) فسر في اللسان مادتي (قرط وشنق) القراط هنا بأنه شعلة السراج. (¬3) ذكر في اللسان أن واحد السلاط سليط، وهو السهم الطويل؛ وبعد أن أنشد هذا البيت قال في تفسيره ما نصه: قوله كاوب الدبر يعني النصال. ومعنى غامضة أي ألطف حدّها حتى غمض أي ليست بمرهفات الخلقة، بل هي مرهفات الحدّ.

خَواظٍ في الجَفِير مخوَّياتٍ ... كُسِين ظُهارَ أصحرَ كالِخياط لا يعرفه الزِّياديّ ولا الرِّياشيّ. قال أبو العباس: رواه أبو عمرو الشَّيبانيّ. الخِياط: زِقُّ زيت أي كأنّه وِعاءٌ للزيت (¬1)، فربّما شُقّ فَجُعل مِثلَ القَروِ (¬2)؛ وأنشدنا: * وصاحب القَرْوِ من الخِياطِ * ومَرْقَبةٍ نَمَيتُ إلي ذُراها ... تُزِلّ دَوارجَ الحَجَل القَواطي مرقبة: موضع يُرْبأ فيه ويُرقَب. نميتُ: علوتُ وارتفعتُ إلى أعاليها. والقَواطِي: اللّواتي يقاربن الخَطو، يقال: قطا يقطو إذا قارب المشيَ. وخَرْقٍ تَحسِر الرُّكْبانُ فيه ... بعَيدِ الغَوْلِ أغبَر ذِي نِياط خَرْق: فلاة بعيدة واسعة. والغَوْل: البُعد؛ يقال: هوّن الله عليك غَوْل الأرض، أي بُعدَها. تَحسِر، أي تَكِلّ رِكابُهم وتسَقط من الإعياء. قوله: ذي نِياط، أي بعيد، يقول: هو من بُعدِه كأنّه قد عُلِّق ببلد آخرَ أي وُصِل به. أغبر: عليه هَبْوَة: كأنّ على صَحاصِحِه مُلاءً ... منشَّرةً نُزِعنَ مِن الِخياط ¬

_ (¬1) لم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا الخياط بهذا المعنى الذي ذكره الشارح هنا. والذي وجدناه أن الخياط ما يخاط به، ولم يفسر الشارح بقية ألفاظ البيت. والخواظي: الغلاظ والصلاب. والظهار: الريش: وقيل: الظهار من ريش السهم ما جعل من ظهر عسيب الريشة، وهو الشق الأقصر، وهو أجود الريش، الواحد ظهر. والأصحر قريب من الأصهب. وقيل: هو الذي في لونه غبرة في حمرة خفيفة إلى بياض قليل. يريد ريش طائر أصحر. ولم نجد لقوله: "مخوّيات" معنى يناسب سياق البيت فيما راجعناه من كتب اللغة. (¬2) لم نجد من معاني القرو معنى يناسب السياق، فلعله الفرو بالفاء الموحدة.

الصَّحاصح: ما استوى من الأرض؛ يقال: مكان صَحصاح وصَحصَحان: إذا كان مستوِيا. مُلاء: مَلاحف. نُزِعن من الِخياط، أي من الخياطة. شبّه السّرابَ بالملاحف البِيض إذا جرى من شدة الحرّ. أَجَزْتُ بفِتيةٍ بِيضٍ خِفافٍ ... كأنّهمُ تَمَلُّهمُ سَباطِ أجَزْتُ وجُزْتُ: واحد. وسَباط: الحمّى، وإنمّا سمّيت سَباطِ لأنّ الإنسان يُسبَط فيها، أي يتمدّد إذا أخذتْه ويسترخى. وقال يرثي أباه عُوَيْمِرا لَعَمْرُكَ ما إن أبو مالِكٍ ... بِوانٍ ولا بضعيفٍ قُواهْ ويُروَى "بواهٍ ولا بضعيف" وهو الأجوَد عند أبي العبّاس. ولا بألدّ له نازِعٌ ... يغارِي أخاه إذا ما نهَاهْ ألدّ: شديد الخُصومة. له نازعٌ من نفسه، وكأنّه يقول: إذا كان له صديق فلا يُغارِيه ولا يشارُّه؛ يقول: ليس له خُلُق يَنزِعه، أي طبيعة سوء (¬1). يُغارِيه (¬2) ¬

_ (¬1) عبارة خزانة الأدب ج 2 ص 336 نقلا عن السكري في تفسير قوله: "له نازع" أي خلق سوء ينزعه من نفسه، من نزعت الشيء من مكانه، قال: ويجوز أن يكون من قولهم: "لعل له عرقا نزع" أي مال بالشبه ثم قال: وهذا عندي أولى. (¬2) في الأصول "يغارّه"؛ بغير ياء. ولم نجده بالمعنى الذي ذكره فيما راجعناه من كتب اللغة وما أثبتناه عن اللسان (مادة غرا).

ويشارُّه ويُلاحيه. ويقال للرجل: هو يُغارِيه إذا جعل يماريه ويَعلِق به ولا يكاد يُفلِت منه. "قال: ومِثلُه قول الآخر: ذَرِيني فلا أَعياَ بما حَلّ ساحتي ... أَسودُ فأَكْفِي أو أُطيع المسوَّدا (¬1) " ولكنّه هَيِّنٌ لَيِّنٌ ... كعاليةِ الرُّمحِ عَرْدٌ نَساهْ عَرْد نَساه، يقول: شديدة ساقُه. إذا سُدْتَه سُدْتَ مِطواعةً ... ومهما وَكَلْتَ إليه كَفاهْ إذا سُدْتَه، يقول: إذا كنتَ فوقه أطاعك ولم يَحسُدك؛ وقال آخَرون: المُساوَدة: المُشارّة، ولا نراه كذا، وأنشد: * وإنْ قومُكمْ سادوا فلا تَحسُدونهمْ * ألا من ينادى أبا مالِكٍ ... أفي أمرِنا أمرُه أم سِواهْ يقول: يا ليت شعري من ينادي أبا مالك، وهل يسمعنّ أبو مالك بمنادٍ، وهذا على الجاري، كقولك: يا فلان أتدري ما نحن فيه. أفي أمرنا، يقول: تصير إلينا أم تذهب فتصير إلى سوانا. ألا من ينادي أبا مالك: ألا من يندب أبا مالك لنا. أبو مالِكٍ قاصرٌ فَقْرَه ... على نفسِه ومشِيعٌ غناهْ ¬

_ (¬1) كذا ورد هذا البيت في كلا الأصلين في هذا الموضع. والصواب وضعه في شرح البيت الرابع من هذه القصيدة، إذ هو بمعناه.

وقال أيضا لا يَنْسَإِ اللهُ منّا معشرا شَهدوا ... يوم الأُمَيْلِحِ لا غابوا ولا جَرَحوا (¬1) لا ينسأ، قال أبو سعيد: يريد لا يؤخِّر الله آجالَهم، عجّل الله موتَهم وفناءهم؛ ومثلُه قوله: "عَرَفَتْني نَسَأَها (¬2) الله أي أخّرها الله". كانوا نَعائمَ حَفّانٍ منفَّرةً ... مُعْطَ الحُلوقِ إذا ما أدرِكوا طَفَحوا يقول: طاروا كما تطير التعائم. وطَفَحوا: عَلَوا وذهبوا في الأرض، أي عَدوْا؛ ويقال: طَفَح يطفَح طَفْحا إذا تباعد واتسع. ويقال: تركتُ النهر يَطفَح أي ممتلئا قد اتّسع في الأرض. وقال ابن أحمد: طَفّاحة الرِّجلين، أي واسعة الخَطْو. وقوله: كانوا نعائمَ حَفّان، وحَفّانه: صِغاره، أي صِغار النَّعام. لا غَيَّبوا شِلْوَ حَجاّجٍ وشَهِدوا ... جَمَّ القتالِ فلا تَساءَلْ بما افتَضَحوا جَمّ القِتال وجَمّ كل شيء: معظمه. وشِلْو كلّ شيء: بقيتّه. عَقُّوا بسهمٍ فلم يشعر به أحدٌ ... ثم استفاءوا وقالوا حَبّذا الوَضَحُ عَقُّوا بسهم أي رَموا به في السماء (¬3). وقالوا حَبّذا الوَضَح؛ حبّذا اللَّبَن نرَجِع اليه. واستفاءوا: رجعوا. ¬

_ (¬1) في خزانة الأدب ج 2 ص 137 "لا عاشوا ولا مرحوا". (¬2) لم نجد هذه العبارة فيما راجعناه من الكتب. (¬3) في خزانة الأدب ج 2 ص 137 أن التعقية سهم الاعتذار وأصل هذا أن يقتل الرجل رجلا من قبيلته فيطلب الرجل بدمه، فتجتمع جماعة من الرؤساء إلى أولياء المقتول بدية مكملة، ويسألونهم العفو وقبول الدية، فإن كان أولياؤه ذوي قوى أبوا ذلك، وإلا قالو لهم: بيننا وبين خالقنا علامة للأمر والنهي، فيقول الآخرون: ما علامتكم؟ فيقولون: أن نأخذ سهما فترمى به نحو السماء، فإن رجع إلينا مضرجا بالدم فقد نهينا من أخذ الدية، وإن رجع كما صعد فقد أمرنا بأخذها وحينئذ مسحوا لحاهم وصالحوا على الدية، وكان مسح اللحية علامة على الصلح الخ ما ذكر.

لكن كبيرُ بنُ هِندٍ (¬1) يومَ ذلكِمُ ... فُتْخُ الشّمائل في أَيمانِهمْ رَوَحُ الفَتَح: لِينُ في المَفاصل. وقوله: رَوَح، يقول يَضِربون ضَرْبا يُميلون الكفّ (¬2). وُفُتْحُ الشَّمائل: تَبْسُطها للرّمى (¬3). تعلو السيوفُ بأيديهم جَماجِمَهمْ ... كما يفلَّق مَروُ الأَمْعَزِ الصَّرَحُ الصَّرَح: الخالص. والأمعَز: المكان الكثير الحَصَى الغليظ. والمَعْزاء مثلهُ. ومن قال: مَعْزاء قال مُعْز؛ ومن قال: أَمعَز قال أَماعِز. لا يُسلمِون قَريحًا كانْ وَسْطَهمُ ... يوم اللِّقاء ولا يُشْوُونَ مَن قَرَحوا قريحا، أي جريحا. كان وَسْطَهم يوم اللقاء ولا يُسْوُون من قَرَحوا، يقول: لا يَجْرَحونه جُرْحا لا يَقتل. يقال: أَشْواه إذا لم يُصِب مَقْتَلَه، وشَواه إذا أصاب (¬4) منه المَقتَل. والشَّوَى: القوائم. ويقال: كلّ شئ من الأمر شَوًى ما لم يكن كذا وكذا أي هيّن. والشَّوِىّ: الشاء. كأنّهمْ بجُنُوبِ المَبْرَكَين ضُحًى ... ضأْنٌ تجزَّر في آباطِها الوَذَحُ ويروى تُجزَّز أي يَجُزّونه عنها بالجَلَم. والوَذَح: ما تَعلَّق بأذنابها شِبهَ أبْعار الإبل وأعظمَ من ذلك وأصغرَ من ذلك من أبوالِها وترابِ الأرض؛ يقول: كأن أعداءهم في أيديهم ضأنُ هذه صفتُها. والذي يَتعلّق في أذناب الإبل يقال له العَبَس. ¬

_ (¬1) كبير بن هند: حيّ من هذيل، كما في اللسان (مادة روح). (¬2) ذكر في اللسان (مادة روح) أن الروح بالتحريك في هذا البيت: السعة لشدّة ضربها بالسف. (¬3) عبارة اللسان "يريد أن شمائلهم تنفتح لشدة النزع". (¬4) صوابه (إذا أخطأ) فقد ورد في اللسان (مادة شوى) أن الشوى إخطاء المقتل.

وقال يَرثى أُثَيْلةَ ابنَه ما بالُ عينِك تبكى دمعُها خَضِلُ ... كما وَهَى سَرِبُ الأَخراتِ منبزِلُ ويُروَى الأخراب. السَّرِب: السائل يكون فيه وَهْيٌ فيَنسرب الماء منه. والأخرات، جع خَرْت: وهو الثُّقْب؛ ومن قال: الأخراب فأراد العُرَى واحدتها خُرْبة. "والُعروة خُرَزٌ حولها يقال لها الكُلْيَة (¬1) " والخُرْبة: العروة، ومن قال: الأخرات فكل خَرْت خَرْق: وهو مَثل. يقول: مبتلّة، تَبُلّ كلَّ شيء من كثرة دموعها. لا تَفْتَأُ الدهرَ مِن سَحٍّ بأربعةٍ ... كأنّ إنسانَها بالصاب مكتحِلُ يقول: لا تنفكّ الدهرَ تبكى. والصاب: شجرة إذا ذُبحتْ يخرج منها لبن إذا أصاب شيئاً أحرقه، وإذا أَصاب العينَ سُلِقتْ وانَهمَلتْ. تَبكيِ على رَجُل لم تَبْلَ جِدَّتُه ... خَلَّى عليكَ فِحاجا بينها سُبُلُ لم تَبْلَ جِدّته: لم يُستَمْتَع به, مات شابا، يقول: لم يُتَملَّ به. فجاجا بينها سُبُل. يقول: كان يسدّ عنك كل مَسَدّ من المكروه، فلما مات خلّى عليك فجاجا بينها سُبُل سُلِك عليها من الشرّ. قال: إذا أردتَ أن تَعبُرَ أتيتَ ذلك به. يقول: خَلَّى عليك طُرُقا لم تسدَّ ثُلَمُها. فقد عجبتُ وما بالدهر من عَجَبٍ ... أنَّى قُتِاتَ وأنت الحازمُ البَطَلُ ¬

_ (¬1) كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين في الأصل. وهي مضطربة الألفاظ مستبهمة الغرض. والذي وجدناه في كتب اللغة في تفسير الكلية أنها مستديرة مشدودة العروة، قد خروت مع الأديم تحت عروة المزادة. وفي عبارة أخرى أنها الرقعة التي تحت عروة الإداوة.

يقول: وما بالموت من عجب أنَّى قُتِلّت. يقول: كيف قُتِلتَ وأنت شجاع بَطَل. ويْلُمِّه رَجُلا تأبى به غَبَنًا (¬1) ... إذا تجرّد لا خالٌ ولا بَخَلُ ويْلُمِّه رجلا: كلمة يُتعجَّب بها, ولا يراد بها الدعاءُ عليه، لا خالٌ ولا بَخَلُ أي لا مَخيلة فيه، أي لاخُيَلاءَ فيه. ولا بَخَل أي لا بُخْل، يقال: بخيل بين البُخْل والبَخَل. السالكُ الثُّغْرةَ اليَقْظَانَ كالِئُها ... مَشْىَ الهَلوكِ عليها الخَيْعَلُ الفُضُلُ الثُّغْرة والثَّغر، واحد، وهو موضع المخافة ومكان الخوف. والهَلُوك: التي تهالَكُ وهي الغَنِجة المتكسِّرَة تَهالَكُ وتَغزَّل وتَساقَطُ. والخَيْعَل: دِرع يخاط أحدُ شِقّيه ويُترَكَ الآخَر. والفُضُل: التي ليس في درعها إزار بمنزلة لِحاف. والخَيْعَل: ثوب. والفُضُل: امرأة (¬2)، ولكنّه على الِجوار، على حدّ قولهم: جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ. والتاركُ القِرْنَ مصفرّا أنامِلهُ ... كأنه من عُقارِ قهوةٍ ثِمَلُ مصفرّا أناملُه، يقول: نُزِف دمُه، حتى ذهب دمه. واصفرّت أناملهُ وعاد كأنّه سَكْرانُ. مُجدَّلا يَتلقّى جلِدُه دَمَه ... كما يُقطَّر جِذعُ النخلة القُطُلُ ويُروَى جذع الدَّوْمة. يقول: يسيل دمُه على جلده. والِجلْد: بشرته. ويقطَّر: يُصَرع. ويقال: عُود قُطُل، أي مقطوع. يقول: فينجدل كما ينجدل الجِذع إذا قُطع. والدَّوْمة: نخلة المُقْل. قال: ويقال قطَلهَ يَقطِلةُ قَطْلا. ¬

_ (¬1) الغبن بالتحريك: ضعف الرأي. وتأبى به غبنا أي تأبى أن تلحق به ضعفا في رأيه وتصفه به. (¬2) في كتب اللغة أن الفضل المرأة في ثوب واحد.

ليس بعَلٍّ كبيرٍ لا شَبابَ به ... لكنْ أُثَيْلةُ صافى الوجهِ مُقْتَبَلُ العَلّ: الصغير الجسم. الكبير: المُسنّ. ويقال للقُراد أيضًا: عَلّ. وأنشَدَنا: * ولو ظَلَّ في أوصالِه العَلّ يَرتقِي * (¬1) والعَلّ: القُراد ها هنا. مقتبَل: مستأنَف الشباب. يجيبُ بعد الكَرَى لَبّيك داعيَه ... مِجْذامةٌ لِهواه قُلْقلٌ وَقِل ويُروَى وَقُل. ويُروَى عَجِل وعَجُل. يجيب بَعد الكَرى، يقول: إذا دعاه داع بعد نومه قال له: لَبَّيك. والمجذامة: الذي يقطع هواه. والجَذْم: القَطْع. يقول: يَقطع هواه إذا كان فيه غَيّ. والقُلْقُل: الخفيف. والوَقِل: الجيّد التوقُّل (¬2). حُلْوٌ ومُرٌّ كعَطْفِ القِدحِ مرّتهُ ... بكلّ إنْي حَذاه اللّيلُ ينَتعِلُ كعَطْف القِدْح، يريد طُوِىَ كما يُطوَى القِدْح. ومرّته: فَتْلَتهُ. ويَنتعل: يسرى في كّل ساعة من الليل من هدايته، وإنْيٌ: واحد الآناء، وهي الساعات ومن ذلك: (ومِنْ آناءِ اللَّيلِ). فاذهب فأيُّ فتًى في الناس أحرَزَه ... من حَتْفه ظُلَمٌ دُعْجٌ ولا جَبَلُ ¬

_ (¬1) ورد هذا الشطر في الأصل هكذا: * ولو ظل العل يرتقى * وفيه نقص ظاهر، وقد أثبتناه هكذا نقلا عما يأتي بعد في هذه النسخة؛ فقد ورد هذاالشطر في موضع آخر منها مكررا عند شرح بيت عبد مناف بن ربع * صابوا بستة أبيات وأربعة * الخ ص 40 س 9. (¬2) التوقّل: التصعيد في الجبل.

يقول: لا تُحرزه الظُّلَم ولا الجبل، لا تُحرِزه من (¬1) حَتْفِه. ولا السِّما كان إن يَستَعْلِ بينهما ... يَطرْ بخُطّةِ يومٍ شَرُّه أصِلُ يقول: لا يُحرِزه السِّما كان أيضًا من حَتْفه. يقول: يصير حظُّ ذلك اليوم له. والأصِل: ذو الأَصْل. يقال: جَدَعه الله جَدْعا أَصِلا أي مستأصِلا. يقول: إن صار بين السِّماكين أتاه الموت. والأصل: الشديد الاستئصال. ويقال: طار فلان بخيْر ذلك الأمر، أي صار ذلك له. ولا نَعامٌ بَجوٍّ يَسْتَرِيدُ به ... ولا حِمارٌ ولا ظَبيٌ ولا وَعِلُ قوله: يستريد به، أي يَرُودُ به يجيء ويَذهب، أي يجول فيه؛ ويستريد يسَتفعِل مِن يَرود. وجَوّ: واد. وكلّ بطن واد داخلَ الأرض فهو جَوّ. أَوفَى يَبيتُ على أقذاف شاهِقةٍ ... جَلْسٍ يَزِلّ بها الخُطّاف والحَجَلُ الأقذاف: جمع قُذُف. والقُذُف: الناحية من الجبل. جَلْس: نَجْد. وكل مُشِرف ومرتفِع جَلْس، وأنشَدَنا أبو سعيد: إذا ما جلسْنا لا تَزال تزورنا ... سُليمٌ لدى أبياتنا وهَوازنُ أي أتينا نَجْدا. فلوُ قُتِلتَ ورِجْلي غيرُ كارِهةِ الـ ... إِدلاجِ فيها قَبِيضُ الشَّدّ والنَّسَلُ يقال: عدوّ قَبيض، أي شديد. والنَّسَل: من نَسلان الذئب، وهو ضرب من المشي نحو الهَدَج، يقول لو قُتلتَ ورجْلي صحيحة فيها ما أنقبض به في حاجتي لفعلتُ. ¬

_ (¬1) لم يفسر للشارح الدعج في هذا البيت، وهي الشديدة السواد.

إذًا لأَعملتُ نفسى في غَزاتِهِمُ ... أو لَابتعثْتُ به نَوْحًا له زَجَلُ الزَّجَل: شدّة الصوت. "له نَوْحا" (¬1) أي تَنُوح عليه. قاد: والنَّوْح الجماعة من النساء يقال لهنّ نَوْح. أقول لمّا أتانِي النّاعِيانِ بهِ ... لا يَبْعَدِ الرمح ذو النَّصلَين والرَّجُلُ قوله: ذو النّصلين أي ذو الزُّجّ والنَّصْل، وهذا مَثَل معناه لا يبعَدْ فلانُ وسلاحُه. رمْحٌ لنا كان لم يُفلَلْ نَنوءُ (¬2) به ... تُوفَى به الحربُ والعَزّاءُ والجُلَلُ قوله: تُوفَى به، رجَعَ إلى الرجل فقال: كان سلاحا لنا تُعلىَ به أي تُقهَر به الحرب إذا كان فيها؛ ويقال: أوفَى على الجبل إذا علا على الجبل؛ وأَوفَى على السطح إذا علا عليه. والعَزّاء: الشِّدْة. والجُلَل, والواحدة جُلّى، وهي العظيم من الأمر. رَبّاءُ شَمّاءُ لا يأوِى لقُلّتِها ... إلاَّ السحاب وإلّا الأَوْبُ والسَّبَلُ ورَوَى أبو عمرو: . . . . . . . . لا يدنو لقُلّتها ... إلا العُقابُ وإلّا الأَوْبُ والسَّبَلُ رَبّاء: يُرْبَأ فوقها، يقول: لا يدنو لقُلَّتها، أي لرأسها، أي لا يعلو هذه الهَضْبة من طولها إلاَّ السحاب. والأَوْب: رجوع النَّحْل. والسَّبَل: القَطْر حين يسيل. ¬

_ (¬1) كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين في كلا الأصلين، ويلاحظ أن لفظ البيت "به" مكان "له". وهو مخالف لفظ الشارح. (¬2) تنوء به أي تنهض به.

شعر عبد مناف بن ربع

شعر عبد منافِ بنِ رِبع وقال عبد منافِ بن رِبْعٍ الجُرَبىٌّ يذكر يومَ أَنفِ (¬1) عاذ ماذا يَغِير ابنتيْ رِبع عَوِيلهُما ... لا وترقُدان ولا بُوسَى لمن رَقَدا قال أبو سعيد: يقال فلان يَغير أهلَه ويَمير أهلَه، والمَصَدر الغَيْر والمَيْر. يقول: فماذا يردّ عليهما. ويَغِير يجيئهما بشئ، أي بخيرٍ يُكسِبُهما أنْ يُعْوِلا. ويقول: من رقد فليس عليه بؤس، إنما البؤس على من حَزِن لسهر أو مرض. والبُؤس: الضِّيق. وعَويلُهما، من العَوْلة أي بكاؤهما؛ يقال: يُعول عل الميّتْ أي يبكى عليه ويقال: فلان يَغير أهلَه أي يَكسِب لهم. قال أبو سعيد: وقيل لحسّان بن ثابت الأنصارىّ - رضي الله عنه - أيُّ الناس أشعَر؟ فقال: رجل بأذُنِه، أم قَبيلُ بأسِره (¬2)،؟ قال: هُذَيْل فيهم نيّف وثلاثون شاعرا أو نحو ذلك، وبنو سنان مِثلُهم مرّتين ليس فيهم شاعر واحد. كلتاهما أبطِنتْ أحشاؤها قَصَبًا ... مِن بطنِ حَلْيةَ لا رَطْبا ولا نَقِدا ¬

_ (¬1) قال ياقوت: أنف بلد في شعر هذيل، ثم ذكر البيتين الثالث والسابع من هذه القصيدة، وروى الشطر الأول من البيت السابع بغير ما هنا وقال: كانوا غزوا ومعهم حمار فسماه جيش الحمار. قال: وفي أخبار هذيل: خرج المعترض بن حنواء الظفرى ثم السلمى لغزو بني هذيل فوجد بني قرد (من هذيل) بأنف، وهما داران إحداهما فوق الأخرى بينهما قريب من ميل، وسماه عبد مناف بن ربع الهذلى أنف عاذ وقد ورد خبر هذا اليوم مستوفى في خزانة الأدب ج 3 ص 174 فانظره ثم. كما ورد فيها أيضا شرح لهذه القصيدة. (¬2) كذا وردت هذه العبارة في الأصل. وقد ورد فيه أمامها ما نصه: قف على قول حسان هذا: على أنه يلاحظ أنه لا مناسبة بين هذا الكلام وشرح البيت الذي نحن بصدده.

يقول: كأنّ في جوفهما لأ البكاء والحنين مزاميرَ. وحَلْية: واد. والنَقِد: الذي قد نَخِر، ومِثله قول الشاعر (¬1): بَرَكَتْ على ماء الرِّداع كأنّما ... برَكتْ على قَصَبٍ أجشَّ مهضَّمِ ويروى مهزَّم. ومهضَّم: مكسَّر، ومثلُه قول الشاعر: أوما ترى إبلى كأنّ صدورها ... قصَبٌ بأيدى الزامرِين مجوَّفُ والنَّقد: المؤتكِل. ونَقِدتْ أسنانُه تَنْقَد: ائتَكَلتْ. إذا تَجرَّد نَوْحٌ قامتاَ معه ... ضربا أليما بسِبتٍ يَلعج الجِلدِا إذا تجرّد: تهيّأ. نَوْح أي نساء يَنُحن قياما نُحْنَ (¬2) معهنّ. والنَّوْح: النساء القيام. وقوله: "يَلعَج" يُحرِق الجلد. ويقال: وجدتُ لاعجَ الحُزْن أي حُرْقتَه. ووجدتُ في جلدى لعْجا، أي حُرقة. لَنِعمَ ما أَحسنَ الأبياتُ نَهنَهةً ... أُولَى العَدِىِّ وبَعْدُ أحسَنوا الطَّرَدا الأبيات: قوم أُغيَر عليهم فَنهَنهوا عن أنفسهم، أي ردّوا العدوّ. والنَّهْنَهة الرّدّ. أُولَى منصوبة بقوله نهَنهة. والعَدِىّ: العاديَة، وهم الحاملة. أحسَنوا الطَّردَا أي أحسَنوا طردَهم بعد أن نَهنَهوا أُولَى العَدِىّ، ولا واحد لها. والطَّرَد هو الطّوْد عن أنفسهم. ¬

_ (¬1) البيت لعنترة. والرداع بالكسر: واد يدفع في ذات الرئال؛ وقيل: الرداع بالضم ماء لبنى الأعرج ابن كعب بن سعد. (¬2) الصواب "ناحتا".

إذ قَدَّموا مائةً واستأخرتْ مائةٌ ... وَفْيًا وزادوا على كلتيهما عَدَدا وَفيا، أي تماما، أي قدَّموا مائة وأخَّروا مائة. وزادوا يريد على ما قدَّموا وأخَّروا. صابوا بستّة أبياتٍ وأربعةٍ ... حتى كأنّ عليهمْ جابيًا لَبِدا صابوا أي وقعوا. قال: وهذا كقولك "صاب المطر ببلدة كذا وكذا" أي وقع بها. وقوله: حتى كأنّ عليهم جابيا لِبَدا، قال: يقال إنّ الجابىَ الجرادُ نفسُه، واللِّبَد: المتراكِب بعضُه على بعض. قال أبو سعيد: وليس الجابيء الجراد وحدَه، ولكنْ كلُّ ما طَلع فقد جَبَأ يَجْبَأُ جَبْأ. قال: وهو مِثلُ قول الشاعر: * ولو ضَلَّ في أوصاله العَل يَرتقِى * فالعَلُّ ها هنا القُراد، وكلّ صغير الجسم عَلُّ. شَدُّوا على القوِم فاعتَطُّوا أَوائلَهم ... جَيشَ الِحمارِ ولاقَوْا عارِضا بَرِدا اعتطّوا أوائلهم، يقول: شقّقوا أوائلَ القومِ. ولاقَوا عارضا: ضربَه مَثَلا يقول: لاقَوا مثلَ عارضٍ من السماء فيه برَد؛ يقول: فجيشنا مِثلُ العارض الذي فيه بَرَد. قال أبو سعيد: وإنّما قيل له جيش الحمار لأنه كان معهم حمار يحَمِل بعضَ متاعهم. والعَطّ: الشَّق؛ ويقال: اِنعطّت مُلاءتُه. فالطَّعْن شَغْشغةٌ والضَّرْب هَيقَعةٌ ... ضربَ المعوِّل تحت الدِّيمة العَضَدا شَغْشَغة: حكاية لِصوت الطعن حين يَدخل. والضَّرب هَيْقَعة حكايةٌ لصوت الضرب والوَقْع. وقوله: ضرْبَ المعوِّل، المعوِّل الّذي يبنى عالَةً، والعالة

شجر يقطعه الراعى فيَستظلّ به من المطر يكون الرجل يحتاج الى الكِنّ فيَقطع شجرةً فيضعها عل شجرتين فيستظِلّ تحتها. والعَضَد: ما قُطِع من الشجر، وجعله تحت الدِّيمة لأنّه أسمعُ لِصوتِه إذا ابتلّ. وللقِسيِّ أزامِيلٌ وغمغَمةٌ ... حِسَّ الجَنوب تَسوقُ الماءَ والبرَدَا الأزامل: الصوت المختلِط (¬1). والغَمْغَمة: صوت مختلِط لا تفهمه. ويقال: غَمْغَة وغمَاغم؛ ويقال يغمغم غَغمةً إذا تكلّم بشئ لا يُفهَم, وحِسّ الجنوب: صوتُها. ويقال: سمعتُ حِسّا من أمرٍ رابنى. والحِسّ: الصوت. ويقال: سمعتُ له أزمَلا, ولا يقال منه فِعْل. كأنّهمْ تحت صَيْفى له نَحَمٌ ... مصرِّحٍ طَحَرتْ أسناؤُه القَرِدا له نَحَم، أي صوت ينتحِم مثل نَخيم الدابّة. ومصرِّح: صرّح بالماء أي صَبّه صبّا، صار خالِصا. طَحَرتْ: دَفَعتْ القَرِد من السحاب، وهو الصّغار المتراكب بعضُه فوق بعض، والواحدة قَرِدة. وأسناؤه: جمع سَنًا، وهو ضوءه. وطَحَر عنه القَرِدَ أي نحّاه. والطَّحْر: الدَّفْع. ويقال: سَهْمٌ مِطْحَر، إذا كان شديد الدَّفْعة يعني المذهب؛ وأنشد لطَرَفة بنِ العبد: طحُورانِ عُوّارَ القَذَى فتراهما ... كمكحولَتَىْ مذعورةٍ أُمِّ فَرْقدِ (¬2) ¬

_ (¬1) كان الأولى أن يقول: الأصوات المختلطة. أو يقول: الأزامل، جمع أزمل، وهو الصوت المختلط. وفي اللسان (مادة زمل) أن أزملة القسيَّ رنينها؛ وأنشد هذا البيت. (¬2) يصف في هذا البيت عينا نافته، ويشبهما بعينى بقرة خائفة.

حتى إِذا أسلكوهم في قُتائِدةٍ ... شَلًّا كما تَطرُدُ الجَمّالةُ الشُّرُدا قال أبو سعيد: الجَمّالة أصحاب الِجمال. والضَّفّاطة: التي تَحِمل البَزّ والمتاع. يقال جاءت الضَّفّاطة. والرَّجّانة التي تَحمِل الزِّمْل (¬1) وهي مثلُها، والزَّوْمَلة: التي تحمِل المَتاع؛ وقال الأخطَل: وداويّةٍ قَفْرِ كأنّ نَعامَها ... بأرجائها القُصوَى رَواجنُ هُمَّلُ قال: تسمَّى الرُّفْقة رَجّانة إذا كانت تَحمِل المتاع. والزَّوْملة: الإبل التي تَحمِل المتاع؛ يقال: جاء فلان في زَوْملة إذا جاء في إبل تَحمِل المتاع. وقوله: رواجن هُمَّل، قال: هذه الإِبل تَحمل المتاع وقد جَرِبَتْ وطُلِيتْ بالقَطِران، فكأنّها نعام (¬2)، وأنْشَدنا أبو سعيد: * ورجّانة الشام التي نال حاتمُ * قلت: فالدَّجّانة؟ قال: هي مثلُ الرَّجّانة أيضا. قال: وحاتمٌ هذا، حاتمُ بنُ النُّعمان الباهلي. والجَمّالة: أصحاب الِجمال. والحّمارة: أصحاب الحَمير. والسَّيّافة: أصحاب السيوف. وقوله: * حتى إذا أسلَكوهمْ في قُتائدة * قال: قُتائدة، ثَنِيّة، وكلّ ثَنِيّة قُتائدة. وقوله: شَلًّا، قال الأصمعيّ: ليس لها جواب (¬3). قال أبو سعيد: وسمعتُ خَلَفا الأحمرَ يُنشِد رَجَزا عن أبي الجودىّ: ¬

_ (¬1) الزمل: الحمل بكسر الحاء. (¬2) مقتضى لفظ بيت الأخطل تشببه النعام بالدواجن لا تشبيه الدواجن بالنعام كما ذكره الشارح. (¬3) ليس لها جواب أي ليس لقوله "إذا" في البيت جواب. وفي خزانة الأدب ج 3 ص 173 إن الجواب محذوف لتفخيم الأمر أي بلغوا أملهم أو أدركوا ما أحبوا أو نحو ذلك. قال: وهذا هو الصواب من أقوال ثلاثة.

لو قد حَداهن أبو الجُودىِّ ... برَجزٍ مُسْحَنْفِر (¬1) الهُوِيِّ * مستوِياتٍ كنَوَى البَرْنِىَّ * فلمَ يجعل لها جوابا. وقد يقال: إنّ قوله: "شَلَّا" جوابٌ، كأنه قال: حتى إذا أسلكوهم شَلّوهم شلا (¬2). * * * وقال يرَثى دُبَيّة (¬3) السُّلَمّى، وأمّه هُذَليّة (¬4) ألا ليت جيشَ (¬5) العَيْرِ لاقَوْا كَتِيبةً ... ثلاثين منّا صَرْعَ ذاتِ الحَفائلِ قال أبو سعيد: صرعُها ناحيتها، والصَّرْعان: الناحيتان؛ وصَرْعا النّهار أوّله وآخره؛ ويقال للّيل والنهار: الصَّرْعان، والعَصْران. والمِصْراعان مِن هذا. وبَيْت مصرَّع إذا كانت له قافيتان، مثلُ قوله: ألا عِمْ صَباحا أيها الطَّلل البالى ... وهل يعِمَنْ من كان في العُصُرِ الخالى وذات الحَفائل: موضع (¬6) معروف في شِعر هُذَيل. فِدًى لبني عَمرٍو وآلِ مؤمِّل ... غداةَ الصّباح فِديةً غيرَ باطلِ ¬

_ (¬1) المسحنفر: الماضى السريع. (¬2) ورد في الأصل بعد هذا الكلام قوله: "تم الجزء الرابع ويتلوه الخامس". (¬3) دبية السلمى هو الذي دل بني ظفر من سليم على أخواله من هذيل يوم أنف عاذ السابق ذكره وأم دبية هذا من بنى جريب بن سعد بن هذيل، وقتل دبية في هذا اليوم مع من قتل من بنى ظفر، وكان جيش بني ظفر وهو جيش الحمار مائتين، وكانت الغارة على بني قرد من هذيل إلى آخر ما ورد في خزانة الأدب ج 3 ص 174 عن هذا اليوم من كلام طويل، فانظره ثم. (¬4) ورد في الأصل قبل قوله (وقال يرثى) الخ قوله: الجزء الخامس من أشعار الهذليين عن الأصمعى. (¬5) جيش العير، هو جيش الحمار الذي سبق الكلام عليه. (¬6) في نسخة أخرى "مكان".

فِدى لبنى عمرو، يقول: إنّما أُحبّ أن أَفديهم فِدْيةً لستُ فيها بمبطل أي ليس فيها باطل. همُ مَنعوكْم من حُنينٍ ومائه ... وهم أسلَكوكم أَنفَ عاذِ المَطاحِلِ أسلَكوكمْ: حَمَلوكمْ على أن سلكتموه. عاذ المَطاحل: موضع يقال له عاذ المطاحل، وأَنشَد: * من حَجَّ من أهل عاذٍ إنَّ لى إِربَا * الإرْب: الحاجة. ألا رُبّ داعٍ لا يجاب ومُدّعٍ ... بساحة أَعْواءٍ وناجٍ مُوائلِ مدّع، يقول: أنا ابن فلان، وأَعْواء: بلد. والْمُوائل: الّذى ... (¬1) مَنْجًى ويقال: لا وألت نَفْسُك، ويقال: وأَلَ يَئِل. وآخَرَ عُرْيانٍ تعلَّقَ ثَوْبُه ... بأهداب غُصْن مُدْبِر لم يُقاتِلِ يريد وآخَر مُدْبرٍ: منهزمٍ فتعلَّقَ ثوبُه بشجرةِ طَلْحْ، فترَكَه وذهب لم يَلتفت إليه لأنه مَرّ وهو هارب فشقّ ثوبَه غصن. قال: والهُدْب: ما ليس له ورقة في وسطها خطّ نحوَ الأَسَل والطَّرفاء والأَثْل وشِبْهه. ومستلفِجٍ يَبغِى المَلاجئَ نفسَه ... يعوذ بجَنْبَى مَرْخةٍ وجَلائلِ ¬

_ (¬1) موضع هذه النقط كلمة ساقطة من الأصل، ولعل صواب العبارة "الذي يطلب منجى".

المستلفِج: اللاّصق بالأرض الّذى لا يستطيع البَراحَ من الهُزال وذهابِ المالِ والضعف. ويقال للرجل إذا احتاج: قد استلفَجَ وقد أَلفَجَ، وألفَجَ البعيرُ إذا ضَعف فضرَبَه مثلًا، أي هذا ضعيف. والجَلائل: (¬1) الثُّمام، والواحد جلِيلة، وأنشد: ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلةً ... بوادٍ وحَوْلى إذخرٌ (¬2) وجليلُ تركْنا ابن حَنْواءَ الجَعورِ مجدَّلا ... لَدَى نَفَر رءوسهم كالفَياشلِ يقول: قد طار الشَّعْر عنها وبقيتْ تبرُق، ولم يفسّر ابن حَنْواء الجعور لأنّه هجاء (¬3). فيا لَهْفَتَا على ابنِ أُختِىَ لهفةً ... كما سَقَط المنفوسُ بين القَوابل النفوس: الذي أمّه نُفَساء؛ وهو الصبيّ؛ يقول: قد قُتِل فطُلَّ كما طُلّ هذا بين القوابل. يقول: هَلَك بيننا ولم نشعرْ كما هلكَ المولودُ بين القوابل وهنّ لا يَشعرن. تَعاورتُما ثوبَ العُقوق كِلاكما ... أبٌ غيرُ بَرٍّ وابنُمٌ غيرُ واصِلِ يعنِي قاتلَ دُبَيّةَ ودُبَيَّة أتَيَا عُقوقا (¬4). ¬

_ (¬1) الثمام: نبات ضعيف وتخشى به خصائص البيوت. (¬2) الإذخر: حشيش طيب الريح أطول من الثيل. قال أبو حنيفة الإذخر له أصل مندفن دقاق ذفر الريح، وله ثمرة كأنها مكاسح القصب إلا أنها أرق وأصغر، ويطحن فيدخل في الطيب، وهي تنبت في الحزون والسهول، وقلما تنبت الإذخرة منفردة. قال: وإذا جف الإذخر ابيض الخ ملخصا. والبيت لبلال. (¬3) الحنواء: الحدباء. والجعور بفتح الجيم: الكثيرة الجعر؛ والجعر: ما يبس من العذرة. (¬4) كذا ورد هذا التفسير في الأصل. وهو غير ظاهر. وكان الأولى كما يظهر لنا أن يقول "يعنى أبا دبية ودبية أتيا عقوقا" كما يقتضيه لفظ البيت، وذلك لأنهما حاربا بني هذيل مع صلتهما بهذه القبيلة أما قاتل دبية فهو من أخواله لا من آبائه.

فما لكم والفَرْطُ (¬1) لا تَقْرَبونه ... وقد خِلْتُه أَدنى مآبٍ لقافلِ فما لكم والفَرْط لا تَقْربونه، يقول: أجليتكم عن بلادكم بهزائمَ. قال أبو سعيد: ودُبَيّة قُتِل في الجاهليّة، ولم يقتله خالد بن الوليد -رضي الله تعالى عنه - قال: "وكانت العُزَّى شجرةً لها شُعبتان فقطعها خالد بن الوليد، وقال خالد للعُزَّى. كُفرانَكِ اليومَ ولا سبحانَكِ ... الحمد لله الّذى أهانك" (¬2) والقافل: الراجع إلى أهله. فعَيْنى ألا فابكى دُبَيّة إنه ... وَصولٌ لأرحامٍ ومِعْطاءُ سائلِ فقَلْصِى وَنْزلِى (¬3) ما وَجدتمْ حَفيلَه ... وشَرِّى لكم ما عشتمُ ذو دَغاوِلِ يقال: حَفَل عَقْله إذا اجتَمعَ، وكذا يقال للوادى إذا كثر ماؤه، وحَفَلَ المجلسُ إذا كثر أهله. وحَفَلت الناقةُ إذا اجتمع لبنها؛ ويقال للرّجل إذا عمل عملا اجتَهَد فيه: احتَفَل، واحتفال الشيء: شِدّته واجتماعه. قَلْصِى: انقباضى عنكم. ونَزْلَىْ (¬4): استرسالى لكم. وقوله: ذو دَغاوِل أي ذو غائلة. ولا ندرى واحدةَ دَغاوِل، ولكنّا نَرَى أنّها دَغْوَلة. ¬

_ (¬1) يلاحظ أن الشارح لم يفسر الفرط وهو طريق بتهامة قاله ياقوت وأنشد هذا البيت. (¬2) ذكرت هذه العبارة هنا لأن المرثى كان صاحب العزّى ومن سدنتها انظر الأغانى ج 21. (¬3) في الأصل: "وبزلى"؛ بالباء. والتصويب عن اللسان (مادة قلص) وروى فيه "قد وجدتم". (¬4) قال في السان بعد ذكر ما ورد هنا في تفسير القلص والنزل: يقال للناقة إذا غارت وارتفع لبنها قد أقلصت، وإذا نزل لبنها قد أنزلت؛ وحفيله: كثرة لبنه (اهـ).

وقد بات فِيكم لا يَنام مهجِّدا ... يُثبِّت في خالاته بالجَعائلِ يقول: حين دلهّمْ على هُذَيل قال: ما تجعلون لى وتُعْطوننى، يقول: دَلّ على خالاته، يُثبِّت فيه (¬1) الجَعالة، وكانت أمّه من هذيل وأبوه من بني سُلَيم، فدَلَّ على خالاته وهو يثبِّت الجَعالة عليهم ليُعْطوه ما وعدوه إذا ظفِروا بهم. يقول: اقتلوهم وأعطونى جَعائل. قال: وواحدة الجَعائل جَعِيلة. فوالله لو أدركتُه لمنعتُه ... وإن كان لم يَتركْ مقالا لقائل فوالله لو أدركتُه، يقول: لو أدكتُه لم يُقتَل لمنعتُه وإن كان قد استوجب القتل. قال أبو سعيد -ولم يَشهدْه لمّا قُتِل-: وما القومُ إلا سبعةٌ وثلاثةٌ ... يخوتون أولَى القوم خَوْتَ الأَجادِلِ يَخُوتون، يقول: ينقضّون انقضاض الصّقور، أي يمَشقونهم (¬2) مَشْقَ الصُّقور. وما القومُ إلّا سبعة وثلاثة، قال: يقول هؤلاء الّذين امتنعوا هذا عدَدُهم، يريد بذلك مدحَهم؛ يخوتون: ينقضّون. وخوّات إنّما سُمّى بهذا، وأنشد أبو سعيد: فخاتت غزالا جاثمًا بَصُرتْ به ... لَدَى سَمُراتٍ عند أَدْماءَ سارِبِ (¬3) ¬

_ (¬1) صوابه فيهن، أي في خالاته. (¬2) يمشقونهم، أي يطعنونهم. والمشق: الطعن الخفيف السريع. (¬3) البيت لصخر الغيّ. وخاتت غزالا أي انقضت عليه واختطفته، يصف عقابا، وأدماء سارب: أي تسرب في الأرض، يريد أم هذا الغزال.

وقال يردّ على المعترض بن حَنْواءَ الظَّفَرىّ ألا أبلغ بنى ظَفَرٍ رسولا ... ورَيْبُ الدهر يَحدُث كلَّ حينِ يريد ما يَريبك من الدهر يجئ في كلّ زمان من الزمن. أحقًّا أنّكم لمّا قَتلتمْ ... نَداماىَ الكرامَ هجوتمونى فإِنّ لدى التَّناضِب من عُوَيْر ... أبا عمرٍو يَخِرّ على الجبين التناضب: واحدته تَنْضبة (¬1). وعُوَير: مكان. وإنّ بعُقْدة الأنصاب منكم ... غلاما خَرّ في عَلَقِ شَنِين عُقْدة الأنصاب: موضع. والشَّنين: الّذى يتشنّن، أي يتصبّب. ويقال: شَنَّ على رأسه قِربةً من ماء. ورَدْناه بأسيافٍ حِدادٍ ... خَرجن قبُيلَ من عند القُيونِ قوله: من عند القُيون أي حديث عهدهن بالشَّحذ والصِّقال (¬2). تركناه يَخِرّ على يديه ... يَمُجّ عليهما عَلق الوَتينِ فما أَغنَى صِياحُ الحيِّ عنه ... ووَلوَلةُ النّساء مع الرَّنينِ وإِنّا قد قَتَلنا من علمتمْ ... ولستم بعدُ في قُفٍّ حَصينِ ¬

_ (¬1) ذكر ياقوت التناضب بكسر الضاد وقال: كذا وجدته بخط ابن أخي الشافعي؛ ثم قال: وغيره بضمها. (¬2) يلاحظ أن الذي يفيد هذا المعنى الذي ذكره الشارح هو قوله "قبيل" لا قوله: "من عند القبون". فكان الأولى أن يقول: "قوله قبيل من عند" الخ.

يقول: قتلنا من علمتم ولستم في مَنَعة بعد أن فعلْنا بكم ما فعلْنا؛ نحن سنعود عليكم، أي ليس يمنعنا منكم شيء. والقُفّ: المكان الغليظ. يقول: أنتم في مكان ليس بالحصين ولا المنيع. وقُفّ وقِفاف. قال: والقِفاف يُمتَنع فيها لغِلَظها. يقول: وقد قتلْنا منم رجالا قد علمتموهم أنتم. * * * وقال أيضًا ولقد أتاكم ما تَصُوبُ سيوُفنا ... بعد الهَوادة كلَّ أحمرَ صِمْصِمِ قال أبو سعيد: صوْبُها ها هنا هو قصدُها لعدوّها. بعد الهوادة يعني بعد الدَّعة (¬1) التي بيننا وبينكم. والهَوادة: اللِّين والدَّعة. والصِّمْصِم: الغليظ، أي أنتم حُمْر (¬2). يقول: فسيوفنا تقصد قصدَ كلِّ أحمَر صمْصِم. حَصَّ الجَدائرُ رأسَه فتركنَه ... قَرعَ القَذالِ كبيْضةِ المستلئِم الجَدائر: جمع جَديرة، وهي زَرْبُ الغنم، وهو صغير الباب. فيقول: أنتم أصحاب شاءٍ فتدخلون في الزَّرْب الصغير فيصيب رءوسكَم، فينحصّ شَعرها. والقَذال: ما عن يمين القَمَحْدُوَة (¬3) وشمالِها، وهما قَذالان. والمستلئم: الّذى قد لبس لَأْمَتَه، والَّلأْمة: السلاح. والجَديرة: زَرْب الغَنَم. لولا تُفلَّقُ بالِحجارة رأسُه ... بعد السيوف أتاكُم لم يُكلَم ¬

_ (¬1) في الأصل: "الديمة"؛ وهو تحريف. (¬2) حمر: لا سلاح معهم. (¬3) القمحدوة: الهنة الناشزة فوق القفا، وهي بين الذؤابة والقفا منحدرة عن الهامة، إذا استلقى الرجل أصابت الأرض من رأسه.

يقول: هذا الّذى حَصَّ الجَدائُر رأسَه لولا أنّ رأسه يُشدَخ بالحجارة قلّ عملُ السيوف فيه من شدّته وغِلَظه وهُجونته. وإنّما يصفهم بالكِدْنة والهُجُونة. وأنا الّذى بَيَّتُّكمْ في فِتيةٍ ... بمَحَلّةٍ شَكِسٍ وليلٍ مظلِم أغارَ عليهم ليلا، يقول: أغرتُ عليكم ليلا وأنتم في مكان غليظ بليل مظلم ومَحَلّة عسِرة شديدة ليست بسهلة ولا ليّنة. كانت على حَيّان (¬1) أوّلُ صَوْلةٍ ... منّى فأَخضبُ صفحتَيه بالدَّمِ حيّان: اسم رجل منهم. والصفحتان: الجَنْبان. ثم انصرفتُ إلى بنيه حولَه ... بالسيف عَدْوةَ شابكٍ مستلحِم هذا أَسَد. ومستلحِم: آكلِ اللَّحم. والشابك: الّذى قد اشتَبكتْ أنيابُه. أُنحِى صَبيَّ السَّيف (¬2) وَسْطَ بيوتِهمْ ... شَقَّ المعيِّث في أَديم الملْطَم أُنحِى: أعتمد، وبعض الناس ينشد: "أَنحَى صبيَّ السيف" أي حَرَّفه. والمعيِّث: الذي يَعيث ويُفسِد. وأنشدنا "فعَيَّث في الكنانة (¬3) يَرجِع". والمِلطَم (¬4): أديمٌ يقابَلُ به آخَرُ فذاك لَطْمُه، وهو مِثلُ قول الجَعديّ: لُطِمن بُترسٍ شديدِ الصِّفا ... قِ من خَشَب الجَوْزِ لم يُثْقَب (¬5) ¬

_ (¬1) كذا ورد هذا الاسم في الأصل. (¬2) صبي اليف: حدّه. (¬3) هذا بعض عجز بيت لأبي ذؤيب حمارا وصائده؛ وهو: فبدا له أقراب هذا رائغا ... عجلا فعيّث. . . . . . . . الخ ويلاحظ أن التعييث في بيت أبي ذؤيب معناه إمالة الصائد يده في الكنانة ليأخذ سهما, وليس معناه الإفساد كما هنا. (¬4) في القاموس أن الملطم أديم يفرش تحت العيبة لئلا يصيبها التراب. (¬5) يصف حصانا؛ وقبله: كأن مقطّ شراسيفه ... إلى طرف القنب فالمنقب لطمن الخ.

شعر صخر الغي

شعر صَخْر الغَيّ وقال صَخْر الغَىّ بن عبد الله يَرثى أخاه أبا عمرو بن عبد الله، نهشتْه حيّة فمات (¬1): لعَمرُ أبي عَمرٍو لقد سافَه المَنا ... إلى جَدَثٍ يُوزَى له بالأَهاضِبِ قال أبو سعيد: المَنا: المقدار، يقال: مَناك الله بأفعىَ يمَنِيها لكَ مَنْيا أي قدّرها لك. يُوزَى له، يُشخَص له ويُرفع (¬2) له في موضع مرتفِع. والأَهاضب: جمع هَضِيب (¬3). والهضَبات: جمعُ هَضْبة، وهي رءوس الجبال، وإنما يتعجب من صنعتِه. يقول: لم يَنزِل به إلى الأرض. لِحَيّةِ جُحْرٍ (¬4) في وِجارٍ مقيمةٍ ... تَنمَّى بها سَوق المَنَا والجَوالب "يريد وسَوْقَ المَنَا والجَوالب" (¬5)، والمَنَا: القَدَر. وكلّ جُجْر يسكن فيه حَنَش من أحناش الأرض فهو وجار. يقول: ساقه إلى هذه الحيّة فَتَنمَّى بتلك الحيّة إليه. ¬

_ (¬1) ورد في أوّل هذا الشعر من شرح أشعار الهذليين للسكرى ص 6 طبع أوربا ما نصه: قال صخر الغي بن عبد الله الخثمى أحد بنى عمرو بن الحارث يرثى أخاه أبا عمرو ونهشته حيَّة فمات، وقد رويت لأبي ذؤيب. ويقال: إنها لأخي صخر الغي يرثى بها أخاه صخرا، ومن يرو يها لأخى صخر الغى أكثر اهـ. (¬2) عبارة السكرى: يستوى له ويصلح. (¬3) كذا في الأصل. والذى في اللسان (مادة هضب) أن أهاضيب جمع أهضوبة. قال: وهي مثل الهضب بفتح الهاء وسكون الضاد جمع هضبة. وذكر السكرى في تفسير هذه الكلمة ما نصه: وقوله بالأهاضب يقال للجبل المفترش بالأرض ليس بالطويل هضبة. وهضبات وهضاب وأهاضب وأهاضيب للجمع اهـ. (¬4) في رواية "لحبة قفر". (¬5) كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين في الأصل. ولعل الصواب فيها يريد وسق الجوالب بإسقاط كلمة "المنا" أي سوق المنا وسوق الجوالب.

حتى أَتَتْه (¬1) سَوقُ المَناَ، أي القَدَر. والجَوالب: ما يَجلِب الدهرُ. والوِجار: حُجر الحيّة والضَّبعُ. أخي لا أخَا لي بعدَه سبقتْ به ... منيّتُه جَمْعَ الرُّقَى والطَّبائب (¬2) يقول: سَبقتْ به منيّته ما جَمَع من الرُّقى. والطَّبائب وهم الأطبّاء، ويكون الطبائب جمعَ طبيبة، وهي امرأة، قال: رد الطَّبيبات (¬3) إلى الطَّبائب. فعينىّ لا يَبقَى على الدهر فادِرٌ ... بتَيْهورةٍ تحت الطِّخافِ العَصائبِ يريد فيا عينىّ لا يَبقَى على الدهر فادِر، والفادر: المسنّ من الأوعال، والتَّيْهورة: الهُوِيُّ في الجبلى والرمل. والطَّخاف والطِّخاف والطُّخاف (¬4) واحد، وهو الرقيق من السحاب. والعصائب من السحاب: الشقائق. يقول: كان الغيْمُ بتكاثره على الجبل مثلَ العصائب (¬5)، وهي الشقائق من السحاب. تَمَلَّى بها طُولَ الحياة فقَرْنهُ ... له حِيَدٌ أَشرافها كالرَّواجبِ تَملَّى بها أي تمتَّع بها طولَ الحياة والِحيَد: حروفُ شَواخص؛ لأنه طالَ عمره بها فقَرْنُه له حِيَد. قال: وإذا كان له سنة صار في قرْنه حَرْف. ¬

_ (¬1) في شرح السكرى في تفسير قوله "تنمى بها". الخ يقول: ارتفع بهذه الحية المنا إلى الجبل. (¬2) في رواية: أخ قد تولى لا أخا لي بعده ... سبقت به. . . . . . . . الخ (¬3) كذا وردت هذه العبارة في الأصل. (¬4) يستفاد من هذه العبارة تثليث الطاء. والذي وجدناه في كتب اللغة الطخاف بفتح الطاء وكسرها، والطخف أيضًا؛ ولم نجد الطخاف بضم الطاء فيما راجعناه من الكتب. (¬5) قال السكرى: أي هو في موضع مخصب قد أصابه المطر.

والرّواجب بعض الناس يقول: هي السُّلَامَيات (¬1)، وبعضهم يقول: هي ظهور المفاصل. يَبيتُ إِذا ما آنَسَ اللّيلَ كانِسًا ... مَبِيتَ الغَريبِ ذى الكساء المُحارِبِ هذا مَثَل؛ يقول: يبيت ناحيةً كما ينَتحِي ذو الكساء المحارِبُ لأهله وولده الذين قد غاضَبَهم، فهو يبيت ناحيةً. يقول: مَبيتَ غريب قد غاضب أهلَه فذهب عنهم. قال أبو سعيد: والوَعِل لا يبيت أبدا إلَّا منفردا. مَبيتَ الكبير يَشتَكي غيرَ مُعتَبٍ ... شَفيفَ عُقوقٍ من بَنيه الأقارب الشَّفيف: الأذى. يقول: هو كبير اْشتَكَى من أهله عقوقا فتنحَّى عنهم وذهب؛ ويقال: أجد شَفيفا في أسناني إذا وَجَد فيها أَذىً ووَجَعا. غيرَ مُعتَب يقول: لا يُعتِبونه إن اْستَعْتبَهَم. بها كان طِفْلا ثم أَسْدَسَ فاستَوَى ... فأصبحَ لِهْمًا في لهُومٍ قَراهِبِ اللِّهْم: المُسِنّ. والقَراهِب: المسَانّ. أسْدَس وقع سَديسُه (¬2). يروعَّ من صوت الغرابِ فينتحِي ... مَسامَ الصُّخورِ فهو أهرَبُ هارِبِ ¬

_ (¬1) السلاميات قيل هي الأنامل، وقيل: ما بين كل مفصلين من أصابع الإنسان؛ وقيل: هي عظام الأصابع، الواحدة سلامى كحبارى. (¬2) السديس: السنّ التي تلي الرباعية. قاله السكرى في شرح أشعار الهذليين ص 9 طبع أوربا. والذي في الأصل: "وقع في سديسه" وقوله: "في" زيادة من الناسخ. وما أثبتناه عن شرح السكريّ.

يقول: يروَّع من كلّ شيء يسمعه، يريد أنه يَفزَع من كلّ شيء. والمَسامُ: المَسَرح، يقال: سامَ يَسوم سَوْما ومَساما؛ يقول: يكون مَسَرحُه الصُّخور. يَنتحِي: يَعتمِد. يريد أنه مفزَّع هارب يَسرَح في الصّخور فهو هارب. أُتِيحَ له يوما وقد طال عمرُه ... جريمةُ شيخ قد تَحنَّبَ ساغِب أُتِيحَ له: عَرَض له ومُنِىَ له. وجَريمة القوم: كاسِبُهم؛ ويقال: فلان جَريمةُ بني فلان، أي كاسِبُهم. وتَحنَّبَ: اِحْدَوْدَب. والساغب: الجائع. يُحامِى عليه في الشّتاء إذا شَتَا ... وفي الصيف يبغيه الجَنَى كالمنُاحِبِ المُناحِب: المجاهِد. وأصلُه الخَطَر، يعني كالّذى يبالِغ في الأمر. قال أبو عمرو ابن العلاء: سار رجل سَيْرا شديدا في الجاهليّة، فقيل لابنه ابنُ منحِّب. ويقال: تَناحبَ القومُ أي تَناذَروا. والمُناحِب: المجاهِد (¬1)، قال جرير: "جَرَيْنَ على نَحْب" (¬2). قال بعض الناس على "جَهْد". وقال بعض الناس: على نَذْر نَذَروه في أنفسهم. قال: والجَنَى الكَمْأة وما يُجتَنَى من الأرض. ويقال: نَحَب في السّير أي جَهَد ويكون النَّحْب الخَطَر. تَناحَبوا: تَخاطَروا. فلمّا رآه قال لِله مَن رأى ... من العُصْمِ شاةً مِثْلَ ذا بالعَواقبِ بالعَواقب أي بآخِر الزمن. يقول: من رأى مِثلَ هذا في هذا الوقت! ويقال: وذلك بعاقبة، أي بآخِر الأمر؛ وأنشد أبو سعيد لأبي ذؤيب: ¬

_ (¬1) في الأصل: "المناحب" مكان قوله: "المجاهد"؛ وهو تحريف. (¬2) هذا بعض بيت، وهو: بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا ... عشية بسطام جرين على نحب

نهيتُكَ عن طِلابِكَ أمِّ عَمْرٍو ... بعاقبةٍ وأنتَ إذ صحيحُ أَطافَ به حتّى رماه وقد دنا ... بأسمرَ مفتوقٍ من النَّبْلِ صائب المفتوق: العريض النَّصْل. وصائب: قاصد. فنادَى أخاه ثم طار بشَفْرة ... إِليه اجتزار الفَعْفَعىِّ المُناهِبِ (¬1) الفَعْفَعىّ: الخفيف (¬2). يقول: حين رماه نادى أخاه يعني صاحِبه، ثم ظهر (¬3) يَجْتزِر. وللهِ فَتْخَاءُ الجَناحين لِقْوَةٌ ... تُوسِّد فَرْخَيْها لحُومَ الأرانبِ فَتْخَاءُ الجناحين أي ليّنة مَفصِل الجناح، يقال: فَتِخَتْ يدُه تَفْتَخ فَتَخا، يعني أنه إذا مدّها تجس (¬4). واللِّقْوة: المتلقِّفة إذا أرادت شيئا تلقَّفتْه. كأنّ قلوبَ الطير في جَوفِ وَكْرِهَا (¬5) ... نَوَى القَسْبِ يُلقَى عند بعض المَآدب قال: المأدَبة والمأدُبة واحد، وهي الدَّعوة، ونَواةُ القَسْبة أصلَبُ مِن غيرها وإنّما يريد كثرتَها. ¬

_ (¬1) المناهب: المبادر كأنه قد أخذ نهبا، قاله في شرح أشعار الهذليين ص 11 طبع أوربا. ورواه في اللسان (مادة فعفع) "ثم قام بشفرة". وفي شرح أشعار الهذليين للسكرى ص 11 طبع أوروبا أنه يروى "إحتزاز" والمعنى عليه يستقيم أيضاً. (¬2) ورد في اللسان (مادة فعفع) أن الفعفعانى هو الجزار، هذلية، وأنشد هذا البيت. (¬3) لعل صوابه "طار" مكان "ظهر" كما هو لفظ البيت. (¬4) كذا وردت هذه الكلمة في الأصل فلعل الصواب فيها: "لم تجس" أي لم تصلب ولم تيبس يقال جسا يجسو إذا صلب ويبس، واذن فقوله: "لم" قد سقط من الناسخ. (¬5) في رواية "كأنّ قلوب الطير عند مبيتها". والقسب: التمر اليابس يتفتت في الفم.

فخاتَتْ غزالا جاثِما بَصُرتْ به ... لَدَى سَمُراتٍ عند أَدْماءَ سارب خاتت: انقضّت عليه عند ظبيةٍ أَدْماء. سارب: تَسُرب في الأرض. وسَمُرات: شَجَرات، والواحدة سَمُرة، وهي أمُّ غَيْلان. فمرّت على رَيْدٍ فأَعْنَتَ بعضَها ... فَخرّت على الرِّجلين أخيَبَ خائب الرَّيْد: الشِّمْراخ من الجبل انقضّت عليه. أَعنَتَ أي أَهْلَك. ويقال عَنِتَتْ رِجلُه ويدُه تَعْنَت: تَلِفتْ، فأَعنتَ بعضَها أي فأتلَفَ بعضَها، أي جناحَها. تصيح وقد بان الجَناحُ كأنّه ... إِذا نَهضتْ في الجوّ مِخراقُ لاعِبِ تصيح، يقول: تُصرصِر العُقاب لانكسار جَناحِها تسمع لها صَرصَرة. وقد تُرِكَ الفَرْخان في جَوْفِ وَكْرِها (¬1) ... ببَلدةِ لا مَوْلًى ولا عند كاسِب ببَلْدةِ لا مَوْلًى أي لا ولىَّ عليهما يقوم بأمرهما. فُرَيْخان يَنْضاعان في الفَجْر كلَّما ... أَحَسَّا دَوِىَّ الرِّيحِ أو صوتَ ناعِبِ يَنْضاعان، أي يتحرّكان كلَّما طلع الفجر. ومنه يقال: تَضوَّع المِسكُ أي تحرّك؛ ويقال: ضاعنى ذلك الأمر أي حرّكنى، ويقال ضاع الفرخَ صوتُ أبيه أي حركّه، ومن ذلك قول الشاعر: تَضوَّعَ مِسكًا بَطُنَ نَعمانَ أن مشتْ ... به زينبٌ في نِسوةٍ عَطِرات ¬

_ (¬1) في رواية: * وفرخين لم يستغنيا تركتهما * ببلدة الخ.

وقال صخر

فَلم يَرَها الفَرْخانِ عند مَسائها ... ولَم يَهْدآ فى عُشِّها من تَجاوُبِ عُشّها: وَكْرُها. من تَجاوُب، من صِياح. فذلك ممّا يحدِث (¬1) الدهر إِنه ... له كلُّ مطلوبٍ حَثيثٍ وطالِبِ يقول: للدّهر كلُّ مطلوب وطالب. يقول: قد ذهب بهما، يأتى عليهما الموتُ. وقال صَخْر وكان قَتَل جارا لبنى خُناعةَ من بنى سعد بنِ هُذَيل من بنى الرَّمْداء من مُزَيْنة فحرَّض أبو المثلَّم قومَه على صخرٍ ليَطلبوا بدمِ المُزَنىّ، فبلغ ذلك صَخْرا، فقال في ذلك (¬2): إِنِّى بدَهْماءَ عَزَّ ما أَجِدُ ... عاوَدَنى من حِبابِها زُؤُدُ قال أبو سعيد: قولُه عَزَّ ما أجد، أي شَدّ ما أجد، يقال للرجل: تفعل ذلك فيقول: عَزَّ ما وشَدَّ ما؛ قال: وأنشد أبو عمرو بن العلاء: أُجُدٌ (¬3) إذا ضَمُرَتْ تَعزَّزَ لحُمها ... وإذا تُشدّ بنِسْعِها لا تَنْبسُ والحِباب والحُبّ واحد، وليس بجَمْع. والزُّؤُد: الذُّعْر. ¬

_ (¬1) فى رواية: "مما أحدث". وفى رواية "حكيم" مكان "حثيث". (¬2) كذا ورد هذا الكلام في الأصل. وفى شرح أشعار الهذليين للسكرى صفحة 12 طبع أوربا مقدمة لهذه القصيدة ما نصه: حدّثنا أحمد بن محمد قال: حدثنا أبو سعيد السكرى قال: عمد صخر إلى جار لبنى خناعة ابن سعد بن هذيل ثم لبنى الرمداء من بنى خناعة فقتله، وهو رجل من مزينة، وكان المزنى جاور آل أبى المثلم فحرض أبو المثلم قومه عليه، وأمرهم أن يطلبوا بدمه، فبلغ ذلك صخرا، فقال يذكر أبا المثلم اهـ ولا يخفى ما بين العبارتين من الاختلاف وما فى عبارة الأصل من قصور مخلّ بالمعنى. (¬3) الأجد من النياق: القوية الموثقة الخلق والبيت للمتلمّس.

عاوَدَنى حبُّها وقد شَحَطتْ ... صَرْفُ نَواها فإِنّنى كَمِدُ النوى: النيّة. وشَحطتْ: بَعُدتْ. فإنّنى كمِد، أي أنا أكمَدُ لذلك. والله لو أَسمعتْ مقالتهَا ... شَيخا من الزُّبّ رأسُه لَبِدُ من الزُّبّ، أي كثير الشَّعْر لا يَدَّهِن، فرأسه لَبِد. مآبُه الرُّومُ أو تَنوخُ أو الـ ... ـآطامُ من صَوَّرانَ أو زَبَدُ مآبُه الرُّومُ أي مَنزِله حيث ينَزِل بالرُّوم أو تَنوخَ، وهو حاضُر حَلَب. وصَوَّران (¬1): دون دابِق. وزَبَد قيل حِمْص (¬2). لفَاتَحَ البَيْعَ عند رؤيتها ... وكان قبلُ ابتياعهُ لَكِدُ لفَاتَحَ البَيْعَ، هذا مَثَل، يقول: لأَنفَقَ (¬3) بيعَه وسَهّل شأنَه وكاشَفَ بَيْعَه. قال: وليس بالبيع والشراء (¬4). واللَّكِد: اللَّحِز الّذى ليس بسهل؛ ويقال: لَكِد شَعرُه من الوسخ ولَكِد الوسخُ على بدنه، ولَكِدٌ ومُلاكِد، وأنشدنا أبو سعيد "ولا (¬5) يزال على بدنه ¬

_ (¬1) قيل أيضاً إن صوّران كورة بحمص. (¬2) ذكر ياقوت فى زبد عدّة أقوال فقيل: انهما جبلان باليمن، وقيل قرية بقنسرين لبنى أسد؛ وقيل انها في غربى مدينة السلام. ولم يرد فيه قول بأن زبد هي حمص. (¬3) أنفق بيعه: روّجه ويسّره. (¬4) في شرح السكرى أن البيع في هذا البيت بمعنى الانبساط؛ أخذه من الباع. وورد هذا القول أيضاً في اللسان "مادة بوع" فقد ورد في ما نصه. وقيل البيع والانبياع الانبساط؛ وفاتح أي كاشف يصف امرأة حسناء يقول: لو تعرضت لراهب تلبد شعره لانبسط إليها الخ. كما فسر قبل ذلك البيع والابتياع في هذا البيت بمعنى المسامحة فى البيع. (¬5) كذا ورد هذا الكلام الذي بين هاتين العلامتين في الأصل. وواضح ما فيه من اختلال الوزن والنقص. ولم نقف على تصحيح ما فيه من الخطأ فيما راجعناه من المظان.

ملاكد" ويقال تلَكَّد التمرُ على الوَتدِ من الجُلّة، وأخذ فلان ابنَه فتلكَّده إذا احتضنه وتورَّكه. أَبلِغْ كبيرا (¬1) عني مغلغَلةً ... تَبرُق فيها صحائفُ جُدُدُ مغلغَلة، أي رسالةً. تَبرُق، أي أمرٌ بيّن واضح. الموعدينا في أن تقتِّلَهم ... أفناءُ فَهمٍ وبيننا بُعَدُ (¬2) قال: يقول بينهم بُعَد من الأرض فتقتِّلَهم أفناء فهم، ويوعدوننا نحن أي لا يصلون إلينا حتى يُقتَلوا. إنِّي سيَنهَى عنّي وَعيدَهمُ ... بِيضٌ رِهابٌ ومُجْنأُ أُجُدُ بِيض رِهاب، أي سهام مرهَفة رقاق. ويقال للبعير إذا رقّ وهَزُل: رَهْب، ومُجنْأ: تُرْس مُجْنأ، لأنّه محدودب. أُجُد: شديد صُلب، وأنشد أبو سعيد للفرزدق في الأَسَد: ليثٌ كأنّ على يديه رحالةً ... شَثْنُ البَراثن مُوجَدُ الأظفارِ يريد شديدَها موثَّقَها، قال أبو سعيد: وأنشدنا أبو عمرو بنُ العلاء: أُجُدٌ إذا ضمرتْ تَعزَّزَ لحُمها ... وإذا تُشَدّ بنِسْعِها لا تَنْبِس أي لا تَرْغُو. ¬

_ (¬1) كبير: حيّ من هذيل. (¬2) البعد بضم ففتح جمع بعدة بضم فسكون، وهي الأرض البعيدة. وأفناء فهم: أخلاط منهم. وروى بعد بفتح أوله وثانيه، جمع باعد كخادم وخدم.

وصارِمٌ أُخلِصتْ خَشيبتُه ... أبيضُ مَهوٌ في مَتنِه رُبَدُ وصارمٌ أُخلِصتْ خشيبته؛ أي أخلِصَ طبعُه. مَهوٌ: رقيق قد أمْهِىَ، فِرِندُه يربدّ، ويقال: هذا شرابٌ مَهْو: إذا كان رقيقا. ورُبَد: لُمَع مخالِفة لسائر لونه إلي السواد، وهي من الرُّبْدة. وفي الحديث: "لا تُخاصِم فيربَدَّ قلبُك" أي يسودّ وهذا ممّا يكون في السيف من الفِرِنْد. فَلَيتُ عنه سيوفَ أريَحَ حتّى ... باء بكفّى ولم أَكَدْ أَجدُ فَلَوْت وفَلَيْت واحد. وأَرْيَحَ: قرية بالشام يقال لها أَرِيحاء، وقولهُ: باء بكَفّى أي صار، يقول: رجع ولم أكد أَجِدُه (¬1). وفَلَوْت: بحثتُ. قال أبو سعيد: وسمعتُ بعضَهم يُنشِد باءَ كفِّى فحذفوا الباء، وبعضهمِ يُنشِد: باءَ بكَفِّى: فهوَ حُسامٌ تُتِرُّ ضربتُه سا ... قَ المُذَكِّى فعَظْمُها قِصَدُ تُتِرّ: تَقطَع وتُنْدِر يقال: ضرَبَه فأترَّ ساقَه. والمذكِّى: المسِنّ. قِصَد: كِسَر، واحدتها قِصْدة. والحُسام: القاطع من السيوف. وسَمْحةٌ من قِسمِىِّ زارةَ صَفرا ... ءُ هَتوفٌ عِدادُها غَرِدُ سَمْحة: سهلة. وزارة: من أَسْدِ السَّراة. وعدادُها صوتُها. وغَرد: بعيد الصوت. كأنّ إرنانَها إذا رُدِمتْ ... هَزْمُ بُغماةٍ في إثرِ ما فَقَدوا ¬

_ (¬1) قال الجمحى: لم أكد أجد، أي لم أكد أجد له نظيرا أي للسيف (شرح السكرى).

إرنانُها: صوتها. إذا رُدِمت: إذا أُنْبِض (¬1) فيها. هَزْمُ بُغاة في إثرِ شيء فقدوه فهم يطلبونه (¬2). ذلك بَزِّى فلن أُفِّرطه ... أخافُ أن يُنجِزوا الّذي وَعَدوا بَزِّى: سلاحي. فلن أفرِّطه، أي فلن أَدَعَه. فلستُ عبدًا لمُوعِدِىَّ ولا ... أَقبَلُ ضَيمْا يأتى به أَحَدُ قال أبو العباس: إنّما هو لمُوعِدِىَّ ولم يَستجِد لمُوعِدِين. جاءت كَبيرٌ كَيْما أخفِّرَها (¬3) ... والقومُ صِيدٌ كأنّما رَمِدوا الصَّيَد: داء. يأخذ الإبل فى رءوسها فَترفَعُ رءوسَها وتسمو بها، فإذا كان ذلك في الرّجل كان من كِبْر وطَماحة. في المُزَنىِّ الّذى حَشَشْتُ (¬4) به ... مالَ ضَريكٍ تِلادُه نَكِدُ ¬

_ (¬1) في شرح أشعار الهذليين ص 16 طبع أوربا في تفسير قوله، "ردمت"، ما نصه: قوله "ردمت" وذلك أن ينزع في الوتر ثم يتركه فيردم الكف أي يصيبه، ومن ذلك ردمت الباب أي ردم الكف كما يردم الباب. وفي كتب اللغة ردمت أي صوّتت -مبنيا للمجهول- بالإنباض. (¬2) في شرح أشعار الهذليين ص 16 طبع أوربا نقلا عن الأصمعي في تفسير قوله: "هزم بغاة". ما نصه: يكون القوم يبغون شيئا بالأرض القفر، فإذا كلم بعضهم بعضا همس إليه بشيء من الكم، فشبه صوت القوس بذلك. والهزم: الصوت. (¬3) أخفّرها: أمنعها. السكرى. (¬4) يقال: "حششت مالى بمال فلان" أي قوّيته به وزدته عليه.

وقال يرثى ابنه تليدا

جاءت كبيرٌ في أمر هذا المزنيِّ الّذي أخذتُ منه ما لَه فقوّيتُ به مالى. والضريك: المحتاج الضرير، يعني الرجلَ صاحبَ المال ضريرٌ غَدَرَ به فأَخذَ إبلهَ فزادها على إبله. وقوله: تِلادُه نَكِد، يقول: لا تناسَلُ ولا تَنْمِى. تَيْسُ تُيوسٍ إِذا ينُاطِحُهما ... يألَمُ قَرْنا أَرُومُه نَقِدُ أَرومُه: أصلُه. ونَقِد: مؤتكِل، وإنّما هجاه فقال: قَرْنُه ضعيف. وقال يرثى ابنه تلِيدا أَرِقتُ فبِتُّ لم أذق المَناما ... وليلِى لا أُحسّن له انصراما الأَرَق: أن يَسهَر ولا ينام. انصراما أي ذَهابا. لعَمْرُكَ والمنَايا غالباتٌ ... وما تُغنِي التَّميماتُ الحِماما التَّميمات: العُوَذ. والِحمام: المقدار. لقد أَجَرى لمَصْرَعه تَلِيدٌ ... وساقتْه المنيّة من أَذاما (¬1) أبو بكر بن دُرَيد: أَذام بالدال والذال جميعاً. إلى جَدَثٍ بجَنْب الجَوِّراسٍ ... به ما حَلَّ ثمّ به أَقاما الجَدَف والجَدَث واحد، وهو القبر. والجَوّ: من. راسٍ: مقيم، يقال: وما يرسو إذا ثبت. ¬

_ (¬1) كذا ضبط في معجم ياقوت وشرح أشعار الهذليين طبع أوربا بفتح الهمزة، وضبط في الأصل "أذاما" بضم الهمزة، وهو من أشهر أودية مكة.

أَرَى الأيّامَ لا تُبقى كريما ... ولا العُصْمَ الأَوابدَ والنَّعاما العُصْم: الوُعُول، والواحد أَعصَم. والأَوابِد: الموحِّشة. والواحد آبد وقد أَبَد إذا توحّش. أُتِيحَ لها أُقيَدْرُ ذو حَشيفٍ (¬1) ... إذا سامت على المَلَقات ساما الأُقَيْدِر: تحقير الأَقْدَر، وهو القصير العنق (¬2). والحشَيف: الثوب الخَلقَ. والمَلَقات: جمع مَلَقه، وهو المكان الأملس من الجبل. خَفىُّ الشخص مقتدِرٌ عليها ... يَشُنّ على ثمَائلها السِّماما (¬3) مقتدِر عليها أي قادر عليها. وقوله: يَشُنّ أي يَصُبّ. والثَّمِيلة: موضع الطعام، وإنّما أراد أنه يَرمى في موضع الطعام من أجوافها. فيَبْدُرُها شرائعَها فيَرمِى ... مَقاتِلَهما فيَسفيها الزُّؤاما الزّؤام: الموت العاجل، يقال مَوْتَةٌ (¬4) زأمة، وموتٌ زُؤام وزُعاف وذعاف (¬5) أي قاضٍ قال: وهذه السهام التي ذَكَر سهامُ الزُّؤام. ولا عِلْجان (¬6) يَنْتابان رَوْضا ... نَضيرا نَبْتُه عُمًّا تُؤاما ¬

_ (¬1) في الأصل "خشيف" بالخاء، وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان مادة (حشف) وشرح أشعار الهذليين ص 36 طبع أوربا. (¬2) في شرح أشعار الهذليين ص 38 في تفسير الأقيدر أنه القصير المختلف القدمين. (¬3) في رواية "السهاما". (¬4) لم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا "موتة زأمة". (¬5) في الأصل "ورعاف" بالراء؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا نقلا عن كتب اللغة وشرح أشعار الهذليين. (¬6) يريد ولا يبقى على الأيام علجان.

عِلْجان: حماران، والعِلجْ: الغليظ من الحمير. والعُمُّ: الذّي قد تمّ نبتُه واعَتمّ. تؤاما: اثنين اثنين. كلا العِلْجَين أصعَرُ صَيْعَرىٌّ ... تَخالُ نَسيلَ مَتْنيَه الثَّغاما الصَّيْعرَىّ والأَصْعَرىّ واحد: وهو الذّى يلَوى عُنُقَه (¬1) وجعَلهَ هكذا لشدّته والنَّسيل: ما تَطايَر من عقيقته، يعني شَعره. والثَّغام (¬2): شجر أبيض، والواحدة ثَغامة. فباتا يأملات مِياهَ بَدْرٍ ... وخافا راميا عنه فَخَاما (¬3) مياه بدر: موضع معروف بعينه ... فخاما أي فحادَا عنه. فَراغَا ناجيَيْن وقام يَرمى ... فآبت نبَلهُ قِصَدا حُطاما ناجيَيْن: ذاهبَينْ. قِصَدا: كِسَرا. حُطاما: قِطَعا. كأنّهما إذا عَلَوَا وَجينًا ... ومَقطَعَ حَرّةٍ بَعَثَا رِجاما الوَجين: الغليظ من الأرض. وقوله ومَقطعَ حَرّة: أي إذا اْنقطعت الحرَّة صار في آخرها حجارةٌ ورَضْراض. والرِّجام: جَحَر يُجعَل في طرف الحبل (¬4) وفي الطَّرَف الآخَر دَلْوٌ فينخرط انخراطا، فيقول: فهما ينخرطان في العَدْوِ. ¬

_ (¬1) كذا ورد هذا التفسير في الأصل وشرح أشعار الهذليين للسكرى طبع أوربا ولم نجد في كتب اللغة التي بين أيديا من فسر الصيعريّ بهذا المعنى. والذي وجدناه بهذا المعنى الأصعر وحده .. أما الصيعرىّ فقد ررد في كتب اللغة أنه يقال: أحمر صيعرى أي قانئ. وسنام صيعريّ: عظيم. (¬2) في كتب اللغة أن الثغام نبت يكون في الجبل ينبت أخضر، ثم يبيض إذا يبس، وله سنمة غليظة، ولا ينبت إلا في قنة سوداء، وهو ينبت بنجد وتهامة، ويشّبه به بياض الشيب. (¬3) في شرح أشعار الهذليين طبع أوربا "فحاما" بالحاء المهملة؛ وفسره السكرى بأنهما دارا حول الماء. (¬4) في اللسان (مادة رجم) أن الرجام حجر يشد في طرف الحبل ثم يدلى في البئر فتخضخض به الحمأة حتى تثور، ثم يستقى ذلك الماء، وهذا كله إذا كانت البئر بعيدة القعر لا يقدرون على أن ينزلوا فينقّوها. وقيل هو حجر يشدّ بعرقوة الدلو ليكون أسرع لانحدارها؛ وأنشد هذا البيت.

يُثيران الجنَادلَ كابِياتٍ ... إذا جارا مَعًا وإذا استقاما كابيات: يَكْبو (¬1) ترابها أي يَسفَح. يقول: إذا أثارا هذه الجنادلَ خرج من تحتها غُبار. فباتَا يحُيِيان الليلَ حتّى ... أضاءَ الصبحُ منبلِجا وقاما (¬2) يقول: باتا يحييان الليلَ كلَّه لا ينامان. فإمّا يَنْجوُا من خوف (¬3) أرضٍ ... فقد لَقِيَا حُتوفَهما لِزاما وقد لَقِيَا من الإشراق خَيْلا ... تَسوفُ الوحشَ تحسبها خياما السائف: الصائد. وأصل السائف الشامّ، وأنشدنا أبو سعيد لزياد في مُنقِذ أخي المَرّار بن مُنقِذ العَدَويّ وأخي بني العَدَويّة: من غير عُرْيٍ ولكن من تبذُّلهمْ ... للصّيد حين يَصيح السائفُ اللَّحمُ وقوله: تحسبها خياما، شبّه الخيلَ. بالخيام، أي تحسبها بيوتا. بكلّ مقلِّصٍ ذَكَرٍ عَنودٍ ... يَبُذُّ يَدَ العَشَنَّقِ واللِّجاما ¬

_ (¬1) في شرح أشعار الهذليين ص 40 طبع أوربا "كابيات: مغيرات الألوان. وكابيات: منتفخات عظام؛ ويقال للحجر إذا وقع في الأرض: قد كبا". (¬2) قاما أي كفّا عن العدو ووقفا. (¬3) في شرح أشعار الهذليين للسكرى "حوف" بالحاء المهملة، وحوف الوادى ناحيته وحرفه. وفسر فيه أيضا ص 40 قوله "لزاما" بقوله: معاينة. لازمه: عاينه. اهـ.

أي بكلّ مقلِّص مُشِرف طويلِ القوائم يعني فَرَسا، العَنود: الّذى يعَترِض في شِقّ. والعَشَنَّق: الطويل من الرجال، والخيل أيضًا. وقوله: يَبُذّ، أي يَغلِب يدَه ويعلو عليها ويقهرُها. فشامَتْ في صدورهما رماحا ... من الخَطِّىِّ أُشرِبت السِّاما شامت: أَدخَلتْ (¬1). والخَطّ: ما بين [عُمانَ (¬2)] إلى البحرين. وذكَّرني بكاىَ على تليدٍ ... حمَامةُ مَرَّ جاوبَتِ الحَماما (¬3) يقول: ذكَّرَني بكاىَ على ابنى تَليد حمامةٌ بمَرَّ، ومَرَّ: (¬4) موضع. تُرجِّع مَنطِقا عجبا وأَوفتْ ... كنائحة أتت نَوْحا قِياما تُنادِى ساقَ حُرَّ وظَلتُ أدعو ... تَليدًا لا تُبِين به الكَلامْا (¬5) قال أبو سعيد: ظَنّ أنّ ساقَ حُرّ ولدُها، فجعله اسما له (¬6). لعلّك هالكٌ إمّا غلامٌ ... تَبوّأَ من شَمَنْصيرٍ مُقاما (¬7) شَمَنْصِير: جبل. ¬

_ (¬1) في الأصل: "دخلت"؛ وهو تحريف. (¬2) موضع هذه الكلمة بياض في الأصل. وقد أثبتناها أخذا من كلام ياقوت في التعريف بهذا الموضع، فقد ذكر أن الخط سيف البحرين وعمان. وفي القاموس أنه مرفأ السفن بالبحرين. (¬3) في رواية "حمام جاوبت سحرا حماما". (¬4) يريد مرّ الظهران، وهو واد قرب مكة. (¬5) في شرح القاموس (مادة حرر) "ما أبين لها كلاما". (¬6) في كتب اللغة، أن ساق حرّ ذكر القماريّ، سمى بذلك لصوته. وقيل بن ساق حرّ صوت القمارى وبناه صخر الغي في هذا البيت فجعل الاسمين اسما واحدا. وعلله ابن سيده. فقال: لأن الأصوات مبنية إذ بنو من الأسماء ما ضارعها. (¬7) في شرح أشعار الهذليين طبع أوربا في تفسير هذا البيت ما ملخصه: يخاطب نفسه يقول: لعلك تموت إن مات غلام. ثم قال بعد ذلك: وشمنصير بلدبه دفن (يريد المرثى) والمعنى لعلك ميت إن غلام مات، يصلح لما مضى ولما يستقبل. وفي لعل معنى الاستفهام، كقولك: أتموت إن غلام مات ليس هو بتمنّ ... الباهلي، يقول لنفسه: لعلك تقتل نفسك إن كان غلام مات. وما زائدة. أهـ

وقال يرثيه أيضا

وقال يرثيه أيضاً وما إنْ صوتُ نائحةٍ بِلَيلٍ (¬1) ... بسَبْلَلَ لا تَنامُ مع الهُجودِ نائحة، يعني حمامةً تنوح. وسَبْلَل: موضع. لا تنام مع الهُجود: لا تنام مع النِّيام. تَجَهْنا غادِيَين فساءلتْنِى ... بواحدها وأَسأَل عن تَلِيدى قوله: تَجَهْنا، أي تَواجَهْنا وتَقابَلْنا. غادِييْن: غدوتُ وغدتْ هي فسألتني عن فَرْخها، وسألتُها أنا. عن تَليد ابني هذا، كقوله: دَع المغمَّر (¬2) لا تَسألْ بمَصرَعِه ... واسأل بمَصْقَلةَ البَكْرىِّ ما فَعلا وهذا كقول الآخرَ: سألْتنى بأناسٍ هَلَكوا ... شَربَ الدهرُ عليهمْ وأَكَلْ فقلتُ لها فأمّا ساقُ حُرٍّ ... فبانَ مع الأوائل من ثمَود قال: ظَنَّ أنّ ساق حُرّ ولدُها فجعَله اسما له. وقوله: فقلتُ لها وقالت لي إنّما هذا مَثَل، كأنّى قلت لها وهى تنوح على فرخها حين قالت لى: ما فَعَل فرخى؟ فقلتُ: لا تَرَيْنَه. فقالت: فأنت لا ترى تَليدًا أبدا آخرَ العمر. وقالت لن ترى أبدا تَلِيدًا ... بعَينِك آخِرَ العمرِ الجديد العمر الجديد، يعني أن كلّ يوم جاء فهو جديد. كِلانا رَدَّ صاحَبه بيأسٍ ... وتأنِيبٍ ووِجدان بعيدِ ¬

_ (¬1) في رواية "نائحة شجىّ". (¬2) في الأصل: المعمّم؛ وهو تحريف. والبيت للأخطل من قصيدة يمدح بها مصقلة بن هبيرة الشيباني. والمغمّر، هو القعقاع الهذلى (انظر ديوان الأخطل)

وقال صخر أيضا

يقول: يَبعُد منه وِجْدانُه، أي لا يجده إلّا بعيدا. ومعناه لا يجده أبدا. قال: ويَروَى، "بوِجدان شديد". وقال صخر أيضا لِشَمّاءَ بعد شَتاتِ النَّوَى ... وقد كنتُ أَخْيَلْتُ بَرْقا وَليفَا أخيلتُ: رأيتُ المَخيلة، والمَخِيلة، هو الّذى يُتخيّل (¬1). ويقال: أخيَلَتِ السماءُ بعد (¬2). ووَلِيفا: متتابِعا اثنين اثنين، مرتين مرّتين. قال أبو سعيد: سمعتُ عيسى بنَ عمر يقول: كان رؤبة يُنشد: * والرَّكْضُ يومَ الغارةِ الإيلاف * والوِيلاف. وبعض العرب يقول: وَلَّف بينهم، والأكثر يقول: أَلَّف بينهم. وسمعت أبا عَمرٍو يقول: اجتمعوا من شَتات. والشَّتات: اسم الشَّتّ. أَجَشَّ رِبَحْلاً له هَيْدَبٌ ... يكشِّف للخال رَيْطا كَشيفا أَجَشّ: سحاب (¬3)؛ لأنّه ذَكَر البرقَ فعُلمِ أنّ ثَمّ سحابا، والرِّبَحْل: الثقيل. والخال: المَخِيلة، يعني سحابا ذا مَخِيلة. يكشِّف للخال، أي الغَيم الذي فيه الخَيلة. والرَّيْط: البَرْق (¬4). كشِيفا "أي يكشفه (¬5) من أجل الّذي فيه"، وأنشَدَنا لأوس بن حجر: ¬

_ (¬1) كان الأولى أن يقول: "هي التي تتخيل" أي السحابة التي يظن أنها ماطرة. (¬2) يلاحظ أنه لامقتضى لقوله "بعد" في هذه العبارة. (¬3) في كتب اللغة أن الأجش من السحب الشديد الصوت برعده، ليس مطلق السحاب. (¬4) تفسير الريط بالبرق إنما هو على طريق التشبيه. وعبارة السكرى "ويعني بالريط البرق إذا انكشف". (¬5) كذا ورد هذا التفسير في الأصل للكشيف؛ وهو غير ظاهر. والذي في شرح أشعار الهذليين للسكرى ص 42 طبع أوربا: كشيفا مكشوفا. وفي اللسان (مادة كشف) ريط كشيف: مكشوف وأنشد بيت صخر هذا، ورواه "يرفع للخال"، الخ. ثم نقل عن أبي حنيفة أنه يعنى أن البرق إذا لمع أضاء السحاب فتراه أبيض، فكأنه كشف عن ريط.

كأنّما بين أعلاه وأسفلِه ... رَيْطٌ منشَّرةٌ أو ضوءُ مِصباحِ ويقال: هذا خالٌ حَسَنُ البرق. والهَيْدَب من السحاب: الذي تراه كأنّ عليه هُدْبا أو خَمْلا. كأنّ تَواليَه بالمَلا ... سفائنُ أعَجَم ما يَحْنَ رِيفا تَواليه: مآخيره، أي بعد ما تَوالَى منه أي يَتبع بعضُه بعضا. وقوله: ما يَحْنَ ريفا، أي امتَحْن من الريف، أي اشتَرَيْن من موضع الرِّف (¬1). والمَلا: موضع (¬2). أَرِقْتُ له مِثلَ لَمْعِ البَشيـ ... ـرِ يقلِّب بالكفّ فَرْضا خَفيفا يقول: أرِقت لهذا البرق وهو يلمع مِثلَ لَمْعِ البشَير بالكفّ، فَرْضا أي تُرْسا (¬3). والبَشِير الّذى يبشّرك، إذا أَقبَل حرّك تُرْسَه، أي اعلَموا أنّي غنمتُ. فأَقبَلَ منه طِوالُ الذُّرَا ... كأنّ عليهنّ (¬4) بَيْعا جَزِيفا أي أُخِذَتْ (¬5) له جِزافا غيرَ كَيْل فأُوقِرَتْ له كما يريد، يعني بذلك أن السحاب ثقيل. وأقبَل أي أستَقبَل (¬6). ¬

_ (¬1) في شرح أشعار الهذليين في تفسير الريف في هذا البيت أنه الساحل وحيث يكون الخصب. (¬2) ورد في الملا عدّة أقوال: منها أنه مدافع السبعان، والسبعان واد لطىّ يجيء بين الجبلين. والأصيفر في أسفل هذا الوادى، وأعلاه الملا (ياقوت) وقيل: ان الملا مستوى من الأرض. (¬3) في شرح أشعار الهذليين ص 43 طبع أوربا عدّة أقوال في تفسير الفرض، فمنها أنه الترس كما هنا؛ وقيل العود؛ وقيل القدح؛ وقيل الخرقة. قال: والعود أجود. وقال الأصمعى عن بعض أعراب هذيل "ثوب". (¬4) عليهن أي على السفن المشبه بها السحاب، أو على الإبل قولان في ذلك. انظر شرح أشعار الهذليين. (¬5) أخذت وأوقرت أي الأحمال. وعبارة شرح أشعار الهذليين أخذ ... فأوقرت الخ. فحذف التاء في الأولى وأثبتها في الثانية. (¬6) عبارة السكرى "فأقبل منه" من المقابلة لا من الإقبال"

وأَقبَلَ مَرًّا إلى مِجْدل ... سِياقَ المقيَّد يمشى رَسِيفا سِياقَ المقيَّد، أي هو يمشى الرَّسيف. والرَّسيف: أن تقيّد الدابة فتُقاربَ الخَطوَ. فيقال عند ذلك: مرّ يَرْسُف في قيْده. ومَرّ ومِجْدَل: موضعان (¬1). ولمّا رأى العَمْقَ قُدّامَه ... ولمّا رأى عَمَرا والمُنِيفا العَمْق وعَمَر والمُنيف: بُلدان (¬2). أَسالَ من اللّيل أشجانَه ... كأنّ ظواهرَه كنّ جُوفَا الأشجان: طرائقُ في الغِلَظ. وقوله: ظواهره كنّ جُوفا، أي كأن ما ظهر منه من الأشجان من كثرة الماء. يقول: كأنّ ما ارتفع من الأرض كان وادياً من كثرة ما حَمَل من الماء (¬3). وذَاك السِّطاعُ خِلافَ النِّجا (¬4) ... ءِ تَحسبه ذا طِلاءٍ نَتيفا ¬

_ (¬1) في ياقوت أن مر الظهران موضع على مرحلة من مكة؛ ولم يرد فيه تعيين لمجدل، غير أنه ضبطه بفتح الميم؛ وضبطناه بكسرها عن القاموس. ويريد بقوله: "وأقبل مرا" أن السحاب استقبل هذا الموضع. قال في شرح أشعار الهذليين: أقبل استقبل، من قوله عز وجل: (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم). (¬2) العمق: واد من أودية الطائف. وعمر: جبل في بلاد هذيل (ياقوت). والمنيف: جبل يصب في مسيل مكة كما في تاج العروس مادة "ناف" ولم يعين ياقوت المنيف المقصود في هذا البيت وإن كان قد عين غيره مسمى بهذا الأسم. (¬3) عبارة الجمحيّ: واحد الأشجان شجن، وهي المسايل، كأن ظواهره أودية من كثرة السيل. يقول: صرن بطونا (انظر شرح السكرى). (¬4) النجاء: السحاب، الواحد نجو، وهو الذي قد هراق ماءه. وقيل هو السحاب أوّل ما ينشأ.

السِّطاع: جبل (¬1). يقول: تَحسِبه ممّا مشَقَه وصَقَله وأذهب عنه الغبارَ بعيرا نتيفا أي بعيرا نُتِف من الجرب ... ... (¬2) بالهِناء وهو القَطران، فهو أسوَد: يعني هذا الجبل من كثرة ما أصابه من المطر. وخِلاف النِّجاء، أي بعد النِّجاء. إلى عَمَرَينِ إلى غَيْقةٍ ... فَيَلْيَلَ يَهدِي (¬3) ربَحْلا رَجوفا إلى عَمَرَين إلى غَيْقة، أي مع (¬4) غيقة، وعَمَران: بلدة (¬5). والرِّبَحْل: الثقيل. والرَّجوف (¬6): الذي يَرْجُف من كثرة ما به من الرعد رَجَفَ (¬7)، وهو مِثل قوله: * وكلّ رَجّافٍ يسوق الرُّجَّفا * (¬8) كأنّ تَوالَيه بالمَلا ... نصارى يُساقون (¬9) لاقَوْا حَنِيفا ¬

_ (¬1) السطاع: جبل بينه وبين مكة مرحلة ونصف من جهة اليمن. (¬2) لعل موضع هذه النقط كلمة سقطت من الناسخ وهي "وطلي" مبنيا للمجهول أو ما يفيد معناها. (¬3) في رواية "يزجى" مكان "يهدى"، وفي رواية "زحوفا" مكان "رجوفا" انظر شرح أشعار الهذليين طبع أوربا. (¬4) كذا في الأصل. ولم يتضح لنا معنى المعية التي ذكرها الشارح في تفسير قوله "إلى غيقة". (¬5) عمران هو عمر السابق التعريف به في الحاشية رقم 2 صفحة 70 وإنما ثناه ضرورة، وهو واحد. وفي غيقة عدّة أقوال: منها أنه موضع بظهر حرة النار؛ وقيل: موضع بين مكة والمدينة. ويليل: جبل بالبادية. وقيل موضع قرب وادى الصفراء. (¬6) في الأصل: والرجيف، وهو تحريف، إذ الرجيف مصدر. كما أنه ليس هو لفظ البيت. (¬7) كذا وردت هذه الكلمة في الأصل. ولعله يريد بها بيان الفعل الماضي، إذ قد تقدّم مضارعه. (¬8) وكل رجاف الخ أي كل سحاب يسوق السحب أمامه. ولم نجد هذا الشطر فيما راجعناه من الكتب. (¬9) ضبط قوله "يساقون" في شرح أشعار الهذليين للسكرى بفتح القاف، من السقيا؛ وفسر فيه على هذا الضبط. ولم يضبط في الأصل، غير أن الشارح هنا قد فسره على أنه بضم القاف من السوق وسنذكر في الحاشية الآتية بعد كلام السكرى في ذلك.

توالِيه، يعنِي مآخيرَ هذا الغيم تَسُوق. يَسوقُ فيها صوتٌ كصوت النصارى. يقول: يَسُوقون (¬1) في عيد لهم. لاقَوا حنيفا فاحتفَلوا له في هذا العيد، والحَنيف من غير دينهم، فاحتفَلوا له. وكذلك من لقى من هو على غير دينه فأَحلط (¬2). يقول: لا يكاد يَبرَحِ مِثلَ هؤلاء النّصارى الّذين عَزَفوا (¬3). فأَصبحَ ما بين وادى القُصو ... ر حتّى يَلَمْلَمَ حوضا لَقِيفا اللَّقيف: المتلجِّف (¬4) الأصل الذي قد أكل الماءُ أسفلهَ. يقول: تَرَك السيلُ ما بين هذين الموضعين حوضا واحدا. ووادى القصور ويلَمْلَم: موضعان (¬5). له ماتِحٌ وله نازِعٌ ... يَجُشّان بالدَّلو ماءً خَسيفا له ماتح وله نازع، يقول: هذا الغيم قد استَقَى من الغيم، فكأنّ له ماتحا يملأ دَلْوَه. وله نازع ينَزعها، يعني الدَّلو؛ وهذا مَثَل. يقول: فهذان يُخرجان ما في البئر ¬

_ (¬1) كذا ورد هذا التفسير في الأصل. وقد فسره السكرى على أنه يساقون بفتح القاف، من السقيا قال في شرحه هذا البيت ما نصه: يساقون يسقون في عيدهم. لاقوا حنيفا فاحتفلوا له لاقوا رجلا من غيرهم فاحتشدوا له ولهم ضجة. وتواليه: أواخره. ويساقون يسقى بعضهم بعضا ... والحنيف: المسلم هاهنا. الجمحى، لاقوا حنيفا فكفروا له. ابن حبيب، يساقون أي يسقون كما قالوا: يثانيه أي يثنيه. والملا: أرض مستوية. أهـ. (¬2) ورد الإحلاط في كتب اللغة بعدة معان: منها الإقامه بالمكان، والجدّ في الأمر، والغضب؛ وكل من هذه المعاني تصح إرادته هنا، غير أن قوله بعد "يقول: لا يكاد يبرح" الخ يرجح تفسير الإحلاط هنا بالمعنى الأوّل. (¬3) عزفوا، أي لهوا وغنوا ولعبوا بالمعازف، وهي الطنابير ونحوها. (¬4) عبارة بعض اللغويين في تفسير اللقيف "لقف الحوض لقفا بالتحريك: تهوّر من أسفله". وهو بمعنى المتلجف. (¬5) وادى القصور في بلاد هذيل. ويلملم: جبل من الطائف على ليلتين أو ثلاث، وهو ميقات أهل اليمن.

من الماء. يَجُشّان: يستخرجان. والجَشّ: إخراج ما في البئر من حَمْأَة (¬1) وماءٍ وقَذَر. والخسيف من الآبار: التي [يُكسر (¬2)] جبَلُها عن الماء. فإِما يَحيننّ أن تَهْجُرى ... وتَنْأَى نواكِ وكانت قَذوفا تَنَأَى: تَباعَد. قَذوف: بعيدة؛ ويقال أيضاً: نيّة قَذوف في ذلك المعنى. فإنّ ابن تُرْنَى إذا جئتُكمْ ... أَراه يدافِع قولاً عنيفا يقال للرجل إذا ذُكِر بلؤمٍ أو منَقَصة: ابن تُرْنى. وابن تُرْنَى كأنّه يمهجِّن أمّه (¬3) لأنّ ابن تُرْنى وابن فَرْتنى من أسماء العَبِيد. والعُنْف: الخُرْق (¬4). قد افنى أناملهَ أزمُه ... فأَمسَى يَعَضُّ عليّ الوظيفا أَفنَى أناملَه، يقول: يعَضّ على يديه من الغيظ. والأَزْم: العَضّ، يقال: قد أَزَمَ يدَه يأزِمها أَزْما إذا عضّها (¬5). ¬

_ (¬1) في الأصل "من جمة"؛ وهو تحريف. (¬2) موضع هذه الكلمة التي بين مربعين بياض بالأصل. والسياق يقتضى إثباتها نقلا عن شرح السكرى طبع أوربا. وقد وردت الكلمة التي بعدها في الأصل مهملة الحروف من النقط. وفي شرح السكرى "حيلها" بالحاء والياء المثناة مكان "جبلها"، وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا نقلا عن كتب اللغة، فقد ورد في اللسان (مادة خسف) ما نصه: والخسيف البئر التى نقب جبلها عن عيلم الماء فلا ينزح أبدا. وقال بعض اللغويين أيضاً في معنى البئر الخسيف إنها التى تحفر فى حجارة فلا ينقطع ماؤها. (¬3) في اللسان أنه يقال لفاجرة ترنى، وهو منقول عن ترنى مبنيا للمجهول من الرنوّ، وهو إدامة النظر وذلك إذا زنّت بريبة. وفي شرح السكرى أنه يريد بابن ترنى تأبط شرّا. (¬4) بقى تفسير قوله في البيت "يدافع" وقد فسره الجمحيّ في شرح السكرى فقال: يدافع يتكلم. (¬5) بقي تفسير الوظيف في البيت، وقد فسره السكرى فقال: الوظيف الذراع. يقول: قد أفنى أصابعه فهو بعض على مفصل بين الساعد والكف الخ.

فلا تقعدَنّ على زَخّةٍ ... وتُضمِرَ فى القلب وجدا (¬1) وخِيفا على زَخّة أي على غيظ. قال: ولم أسمعه فى كلام العرب ولا في أشعارهم إلاَّ في هذا البيت. ويقال: زخَّ في صدرِه يَزُخّ زَخّا إذا دَفع في صدرِه. وقوله: وَخِيفا جمع الخِيفة (¬2). ولا أَبغِينّكَ (¬3) بعد النُّهى ... وبعد الكرامة شرّا ظَلِيفا يقول: لا تكلِّفنى أن أبغيَك بعد النُّهى أي بعد أن كنتَ من أهل النُّهى وأهلِ العقل. والظَّلِيف: الغليط (¬4)؛ ويقال: مكان ظَلِيف إذا كان غليظا. ولا أَرقَعنّك رَقْعَ الصَّدِيـ ... ـعِ لاءَمَ (¬5) فيه الصَّناعُ الكَتِيفا يقول: لا أَرقعنّك بالهِجاء، أي لا تكلّفْنى ذلك. والصَّديع: الإناء يَنصدِع فيُرقَع. والكَتِيف: الضِّباب، واحدها كَتِيفة. والصَّناع: المرأة. وماءٍ وَردتُ على زَوْرةٍ ... كَمْشى السَّبَنتَى يَراح الشَّفِيفا على زَوْرة أي على اْزوِرار ومَخافة. والسَّبَنْتى النَّمِر، وهو من أسمائه، ثم صار كلّ جرئ الصدر بعد ذلك سَبَنْتَى، وأنشدنا: ¬

_ (¬1) في رواية، "غيظا". (¬2) في الأصل: "الخافة"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا نقلا عن شرح السكرى. وفسر الجمحىّ الخيف بالمخافة. (¬3) في رواية "ولا أجشمنك" شرح أشعار الهذليين. (¬4) عبارة بعض المفسرين: ظليف شديد ممتنع. (¬5) في رواية "خالف فيه الرفيق". وفي رواية "القيون" مكان "الصناع" وفي رواية "تابع فيه" (السكرى).

سوف تُدْنيك من لَمَيسَ سَبَنْتا ... ةُ أَمارتْ بالول ماءَ الكِراضِ (¬1) والشَّفيف: البَرْد (¬2). يقول: يجد البرد فينقبِض ولا يُسرع المشىَ. قال: فكذلك أنا مَشَيتُ على رِسْلِى. يقول: وردته على آزوِرارٍ ومخافة وأنا مقشعرّ مخافَة أن يكون به عدوّى. فَخضخَضتُ صُفْنِىَ في جَمِّهِ ... خِياضَ المُدابِرِ قِدْحا عَطوفا المدابِر: الذي يعادِى صاحبَه ويقاتلُه من كلَبه على القِمار فقد قُمِر فهو يُخضخِض قِدْحَه من الحَرْد (¬3). والعَطوف: القِدْح الّذى يردّ (¬4) مرّة بعد مرّة. وخِياض يريد خِواض "في معنى (¬5) خائض" والصُّفْن: بين القِربة والعَيْبة. يقول: خَضخَضتُ الصُّفنَ لم أقدِر أن أستقىَ منِه مما عليه (¬6) حتّى حرّكت الصُّفْن. فكشفتُ ما عليه من الدِّمْن (¬7)، يعني بهذا أنّه لا عهد له بالبَوْك (¬8). ¬

_ (¬1) البيت للطرماح. والكراض، قيل: هو ماء الفحل. يقال: كرضت الناقة تكرض كرضا وكروضا قبلت ماء الفحل بعد ما ضربها ثم ألقته، واسم ذلك الماء، الكراض؛ وقيل الكراض في البيت هو حلق الرحم بفتح الحاء واللام. والسبنتاة الناقة، وصفها بالقوة لأنها إذا لم تحمل كان أقوى لها اهـ ملخصا من اللسان (مادة كرض). (¬2) ذكر بعض المفسرين أن الشفيف الريح الباردة فيها ندى. ويراح الشفيف أي يشمه. وقال بعض المفسرين: يراح يستقبل الريح (السكرى). (¬3) الحرد: الغيظ والغضب. وقال في اللسان (مادة خوض) في تفسير المدابر أنه المقمور يقمر فيستعير قدحا يثق بفوزه ليعاود من قمره القمار. (¬4) كذا في شرح السكرى. وفي اللسان أن القدح العطوف هو الذي يعطف على القداح فيخرج فائزا. وقيل هو القدح الذي لا غنم فيه ولا غرم، سمى بذلك لأنه فى كل ربابة يضرب بها. وفى الأصل "يراد"، وهو تحريف. (¬5) كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين في الأصل. ولم نتبين معناها؛ والذي في اللسان (مادة خوض) أن الخياض هو أن تدخل قدحا مستعارا بين قداح الميسر، يتيمن به، يقال: خضت في القداح خياضا وخاوضتَ القداح خواضا وأنشد هذا البيت؛ ثم قال في تفسير خضخضت: إنه تكرير من خاض يخوض. (¬6) في الأصل "علمته"، وهو تحريف صوابه ما أثبتنا كما يقتضيه السياق. (¬7) الدمن: البعر، يقال منه دمنت الماشية الماء. (¬8) البوك تنوير الماء. ولا عهد له أي للماء.

فلّما جَزَمتُ به قِربتى ... تَيمّمتُ أَطرِقةً أوِ خَلِيفا يقال جَزَم فلانُ قِربتَه إذا ملأها؛ وجَزَم إناءَه إذا ملأه. وأَطرِقة: جمعُ طريق. والخَلِيف: طريق وراء جَبل أو خَلْفَ وادٍ، جمعه خُلُف وأَخلِفة. معى صاحب داجِنٌ بالعَزاةِ ... ولم يك في القوم وَغْلا ضعيفا الدّاجن: المعاود مرّة بعد مرّة. ودَجَنَ يَدْجُن دُجونا. يقول: قد دَجَن فيها كما يَدْجُن البعير في النَّوى. ودَجَن ورَجَن سواء. والوَغْل: النَّذْل. "والغَزاة ها هنا (¬1) في معنى الغَزْو؛ لأنّها المرّة (¬2)؛ وقد أخطأ فيها". ويَعْدو كعَدْو كُدُرٍّ تَرى (¬3) ... بفائله ونَساهُ نُسوفا قوله: ويَعْدو، قال أبو سعيد: إنما قال يعدو لأنّ هُذَيلا ليسوا بأصحاب دوابَّ، إنّما هل رَجّالة. والكُدُرّ: الغليظ، يقال: حمار كُدرّ وكُنْدُر وكُنادِر. والفائل: عِرْق يَجرِى في الوَرِك فَيستبطِن الفَخِذ إلى الساق. والنُّسوف: آثارٌ من عَضّ، واحدها نَسْف، وهو الأَخْذ بمقدَّم الفم. ¬

_ (¬1) وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامين في الأصل ضمن شرح البيت الآتى، وهو خطأ من الناسخ والصواب وضعها هنا. (¬2) لأنها المرة تعليل لدعواه بعد أن الشاعر قد أخطأ في استعمال لفظ الغزاة هنا. والذي وجدناه في كتب اللغة أن الغزاة اسم من غزوت العدو. قال ثعلب: إذا قيل غزاة فهو عمل سنة، وإذا قيل غزوة فهى المرة الواحدة من الغزو، ولا يطرد. (مستدرك التاج واللسان). (¬3) روى صدر هذا البيت "كعدو أقب رباع ترى" الخ شرح أشعار الهذليين.

وقال ابن عبد الله أخو صخر الغي

وقال ابنُ عبدِ الله أخو صخر الغيّ، لَقَبُه الأعلم، يقال له: حبيب (¬1) الأعلم. لمّا رأيتُ القومَ بالـ ... ـعَلْياءِ دون قِدَى المَناصِبْ قال أبو سعيد: يقال قِدى وقيد وقاد واحد. ويقال: قِيد وقادَ رُمْح، وأنشَدَنا الأصمعىّ عن عيسى بنِ عمر: * وصبرى إذا ما الموتُ كان قِدَى الشَّبْرِ (¬2) * والمَناصِب: بلد (¬3). والمَناصِب: أنصاب الحَرَم. ¬

_ (¬1) ورد في شرح السكرى في سبب هذه القصيدة ما نصه: "حدّثنا الحلوانىّ قال: حدّثنا أبو سعيد السكرىّ قال: قال أبو عبد الله الجمحىّ (عبد الله بن إبراهيم): أقبل الأعلم واسمه حبيب ابن عبد الله وهو أخو صخر الغى الهذلىّ ثم الخثمى وأخوه صخير، ومعه صاحب له حتى أصبحا مدّخلين بجبل يقال له: السطاع، بحيّرة، بلدة معروفة فى ذات يوم من أيام الصيف شديد الحرّ وهو متأبط قِربة لهم فيها ماء، فأيبستهما السموم حتى لم يكادا يصبران من العطش، فقال الأعلم لصاحبه: اشرب من القربة لعلى أرد الماء فأشرب منه وانظرنى مكانك. وقال أبو عبد الله: فأيبستهما الشمس والسموم، فقال لصاحبه: مكانك لعلى أرد الماء فأشرب منه وبنو عبد بن عدى بن الديل من كنانة على ذلك الماء، وهو ماء الأطواء، فهم فى ظل مستأخرون عن الماء قدر خذفة (أي رمية بحصاة) فأقبل يمشى متنقبا ووضع سيفه وقوسه ونبله دون صاحبه، فلما برز للقوم مشى رويدا مشتملا، فقال بعض القوم من ترون الرجل؟ فقالوا: نراه. أحد بنى مدلج بن ضمرة. ثم قالوا لفتى من القوم: الق الفتى فاعرفه, ثم قال بعضهم: إن الرجل آتيكم إذا شرب فدعوه، فأقبل يمشى حتى رمى برأسه في الحوض، وأدبر عنهم بوجهه، فلما روى أفرغ على رأسه الماء ثم أعاد نقابه، ثم رجع طريقه رويدا، وصرخ القوم بعبد على الماء فقالوا: هل عرفت الرجل الذي صدر؟ قال: لا، قالوا: فهل رأيت وجهه؟ قال: نعم، وهو مشقوق الشفة على حين أن كان بينه وبين القوم رمية سهم قاصدة، فقالوا: ذاك الأعلم، فعدوا في أثره وفيهم رجل يقال له جذيمة، ليس في القوم مثله عدوا، فأغروه به، فطردوه فأعجزهم، ومرّ على سيفه وقوسه ونبله، فأخذه ثم مرّ بصاحبه فصاح به فضبر معه، (أي عدا معه) فأعجزهم، فقال الأعلم فى تلك العدوة: لما رأيت الخ. (¬2) كذا ورد هذا الشطر في السان (مادة قدى) وصدر البيت. ولكن إقدامى إذا الخيل أجحمت ... وصبرى. . . . . . . . الخ والذي في الأصل: "وضرب إذا ما الموت كان قدى الستر"؛ وفيه تصحيف في كلمتين. (¬3) في شرح السكرى أن المناصب أيضا الأغراض والمرامى. والمعنى عليه أظهر من تفسيره بأنه بلد فيما نرى. كما رواء أيضا المناصب (بضم الميم) وفسره بأنه الرامى يرميك وترميه.

وفَرِيتُ من فَزَعٍ فلا ... أرمِى ولا وَدّعتُ صاحبْ وفَريتُ أىَ بَطِرتُ (¬1) فلم أودِّع صاحبى الذّى فررتُ عنه، وتركتُه، ولم أقدِر على أن أَرمِىَ. يُغْرون صاحِبَهم بنا ... جَهْدا وأُغْرِى غير كَاذبْ أغْرى أبا وَهْبٍ لِيُعْـ ... ـجِزَهمْ ومَدّوا بالحَلائبْ يقول: مَدّوا بالحَلائب في أَثَرى؛ ويقال: جاءت حَلائبُ مِثل السُّيول. والحَلائب: الجماعات (¬2). مَدَّ المُجَلْجِلِ ذى العَما ... ءِ اذا يُراحُ مِن الجنَائبْ المُجلجِل: الّذى له جَلْجَلة، والجَلْجَلة في السحاب، والجَلْجَلة في الرعد. والمعنى على السحاب. والسَّيل في المطر. والعمَاء: السّحاب الرقيق، ويُراح: تصيبُه الرِّيح. الجَنائب: جماعةُ الجَنوب. والجَلْجَلة: الصوت الصافى. يُغرَى جَذيمةُ (¬3) والرِّدا ... ءُ كأنّه بأقَبَّ قارِبْ بأقَبَّ، يعني حمارا أَقَبَّ البطن. قارِب: يَقْرُب الماءَ (¬4)، أي بحمارٍ من حَمير الوَحْش خَمِيص. ¬

_ (¬1) بطرت أي تحيرت ودهشت. (¬2) واحدة الحلائب حلبة، وهو جمع غير قياسىّ كما في كتب اللغة. قال السكرى: هو مثل نوبة ونوائب. (¬3) جذيمة: الرجل الذي عدا في أثره، كما تقدّم. (¬4) يقرب الماء، أي يطلبه.

خاظٍ كعِرْق السِّدْرِ يَسْـ ... ـبِق غارةَ الخُوصِ (¬1) النَّجائبْ الخاظى: الممتلئ. يقول: هو أحمر كأنّه عِرْقُ سِدر. عَنّت له سَفْعاءُ (¬2) لُكّـ ... ـتْ بالبَضِيع لها الخبائبْ سَقْفَاء، يعنى نَعامةً فيها به بعض الانحناء، وكلّ طويل فيه انحِناء فهو أسقَف. وقوله: لُكّت أي صُكّت به صَكّا (¬3). والخَبائب: طرائقُ من العصَب فيها اللَّحم (¬4) والواحدة خَبِيبة. وعَنّتْ له، أي عَرضَتْ له. وخَشِيتُ وَقع ضَريبةٍ ... قد جُرِّبتْ كلَّ التجارِبْ قال أبو سعيد: الضريبة السيف. والضريبة: المضروب (¬5). قال: يسمَّى به الفاعل، ويسمَّى به المفعول. قد جُرِّبتْ كلّ التجارب أي قد جُرِّبتْ وجُرِّبتْ وجُرِّبتْ مرارا كلَّ التجارب. فأكون صَيْدَهمُ بها ... وأصير للضُّبْعِ السَّواغِبْ الضُّبع: جمع ضَبُع. والسّواغب: الجياع، والواحد ساغِب. جَزَرًا وللطَّير المُرِبَّـ ... ـةِ والذّئابِ وللثّعالبْ ¬

_ (¬1) غارة الخوص أي دفعتها في العدو. والخوص: الغائرات العيون من الإبل والخيل (السكرى). (¬2) كذا ورد هذا الفظ في الأصل وشرح أشعار الهذليين للسكرى أوربا ص 56 وهي رواية في البيت. وفسر السكرى السفعاء بأنها السوداء الوجه في حمرة، غير أن الشارح هنا قد قد فسره برواية أخرى "سقفاء", وورد في شرح السكرى أنه يروى أيضا "صقعاء"، وهي البيضاء الرأس. (¬3) عبارة السكرى: لكت أي حمل اللحم على مواضع العصب. (¬4) عبارة السكرى ص 56 الخبائب: طرائق اللحم. (¬5) يلاحظ أن المراد هنا المعنى الأوّل للضريبة، وهو السيف.

المُرِبّة: الثابتة اللازمة، وأَنشَد (¬1): لَعَمْرُ أبِي الطَّيْرِ المُرِبّةِ غُدْوةً ... على خالدٍ لقد وقعن على لَحْمِ وتَجُرُّ مُجْرِيةٌ لها ... لَحِمى إلى أَجْرٍ (¬2) حَواشِبْ مُجْرِية: ذات أَجْرٍ (2). وحَواشِب: منتفِخات الجنُوب. سُودٍ سَحاليلٍ كأ ... ـنّ جُلودَهنّ ثِيابُ راهبْ قال: يريد أنّ ثياب الرُّهْبان سُود: وسَحاليل: ليِّنة (¬3)، فهذه ضِباع، واحدها سِحْليل (¬4)، ولا أعرفه بثَبْت. آذانُهنّ إذا احتَضَرْ ... نَ فَريسةً مِثلُ المَذانبْ المَذانب: المَغارفَ الّتى يُغَرفَ بها، والواحد مِذْنَبة. يَنزِعن جِلْدَ المَرْءِ نَزْ ... عَ القَيْن أخلاقَ المَذاهبْ المَذاهب: خِلّة (¬5) مُذْهَبة تُجعَل على جَفْن السيف، فإذا اختُلِعت (¬6) ونُزِعتْ عن الجَفن أُعيد عليه غيرُها. ¬

_ (¬1) البيت لأبى خراش، وسيأتي شرحه في هذا الجزء. (¬2) أجر، جمع جرو، معروف. (¬3) لم نجد هذا التفسير فيما راجعناه من كتب اللغة للسحاليل، والذي ذكره السكرى أن واحد السحاليل سحلال وهي العظام البطون، يقال: أنه لسحلال البطن إذا كان عظيم البطن، ثم نقل عن الأصمعى أنه لا يعرف السحاليل. (¬4) الذي وجدناه في كتب اللغة أن السحليل الناقة العظيمة الضرع؛ ولم نجد السحليل بالمعنى الذي ذكره هنا. (¬5) كان الأولى أن يقول "خلل" أو "أخلة" بصيغة الجمع لموافقة التفسير للمفسر؛ أولعل ألفا قد سقطت من الناسخ في قوله "خلة" والأصل أخلة جمع خلة وهي بطائن مذهبة تغشى بها أجفان السيوف تنقش بالذهب وغيره. (¬6) ورد في كلتا النسختين "نزعت" بإسقاط واو العطف وإثبات هذه الواو قبل قوله بعد: "أعيد" والصواب نقلها إلى هذا الموضع كما أثبتنا إذ هو مقتضى السياق.

حتى إذا انتَصَف النها ... رُ وقلتُ يومُ حَقُّ دئبْ (¬1) يقول: هذا يومُ عَدْوِى إلى اللّيل أدْابَه (¬2)؛ ويُروَى: نَصَفَ النهارُ، وهو الأجوَد. رفّعتُ عَينى بِالحجا ... زِ إلى أُناسٍ بالمَناقب (¬3) وذكرتُ أهلى بالعَرا ... ء وحاجةَ الشُّعْثِ التَّوالِب التَّوالِب: الحِجاش الصِّغار من أولاد الحمير، وإنّما ضَرَب هذا مَثَلا، وأنشَدَنا: * على بَيْدانةٍ (¬4) أمِّ تَوْلَبِ * المُصرِمين من التِّلا ... دِ اللَّامحِين إلى الأقاربْ المُصِرمين: المُخِفِّين، وأصله صاحب صِرْمة، والصِّرْمة: القطعة من الإبل ما بين الخَمس إلى العشر (¬5). ¬

_ (¬1) في شرح السكرى "ذائب" بالمعجمة؛ وفسره بأنه الشديد الحرّ. (¬2) أدأبه، أي أدأب الذي يطرده؛ قال السكرى في شرح هذه الكلمة: دائب من الدأب، أي يدأب يومه، والمعنى الرجل الذي طرده. قال: ويروى: "ويومى حق رائب" من الريبة. (¬3) ذكر ياقوت في المناقب أنه اسم جبل معترض، ويسمى بذلك لأن فيه ثنايا وطرقا إلى اليمن وإلى اليمامة وإلى أعالى نجد وإلى الطائف، ففيه ثلاثة مناقب يقال لإحداها الزلالة، وللأخرى قبرين، وللثالثة البيضاء. وقال السكرى في شرحه: المناقب أماكن. وقال أيضاً: الطرق في الغلظ وبين الجبل مناقب. وروى السكرى هذا البيت "رفعت عينىّ الحجاز" الخ. ورفعت عينى بالحجاز أي نظرت إليه نظرا بعضه أرفع من بعض كما يستفاد من كتب اللغة فى معنى الترفيع، يقال: رفع في عدوه إذا عدا عدوا بعضه أرفع من بعض. (¬4) البيدانة: الأتان، اسم لها، وهذا بعض من عجز بيت، وهو: ويوما على صلت الجبين مسحج ... ويوما على بيدانة الخ اللسان (مادة بيد). (¬5) بقى تفسير قوله: اللامحين إلى الأقارب، وقد شرح ذلك السكرى فقال: اللامحين إلى الأقارب، إلى من يأتيهم من أقاربهم بشئ يأكلونه. اهـ

ويجانِبَيْ نَعمانَ (¬1) قلـ ... ـتُ أَلَنْ يُبَلِّغَنى مآرِبْ مآربِى، أي ما أريد من حوائجى (¬2). دَلَجى (¬3) إذا ما اللّيلُ جَنّ ... على المُقَرَّنةِ الحَباحِبْ المقرَّنة: التى دنا بعضُها من بعض من الجبال. والحبَاحِب: الصِّغار منها. جَنَّ يقول: أَلْبَس الجبالَ الّتى يدنو بعضُها من بعض؛ وقال ابن أحمر: فَصدِّق ما أقولُ بحَبْحَبِىٍّ (¬4) ... كَفْرخِ الصَّعوِ فى العامِ الجَديبِ يعني بَكرا صغيرا. ما شئتَ (¬5) من رجلٍ إذا ... ما اكتَظَّ من مَحْضٍ ورائبْ يقول: إذا امتلأ بطنُه حتى يكُظَّه الشِّبعَ. حتّى إذا فَقدَ الصَّبو ... حَ يقول عَيشٌ ذو عَقاربْ ذو عقارب، أي عيشٌ فيه مكروه؛ ويقال للأمر الّذى فيه بعض ما يُكرهَ: فيه ذَنَبُ عَقْرَب. ¬

_ (¬1) ذكر السكرى أن نعمان من بلاد هذيل. (¬2) عبارة السكرى: مآرب، حوائج، بدون إضافة إلى ياء المتكلم في كلا اللفظين. (¬3) دلجى: فاعل لقوله فيما سبق "يبلغنى". (¬4) الحبحبىّ: الصغير الجسم. والصعو: صغار العصافير. (¬5) ورد في شرح السكرى قبل هذا البيت بيت آخر لم يرد هنا، وهو: والحنطئ الحنطىّ " يمـ ... ـثج بالعظيمة والرغائب والاتصال بين هذا البيت وبين ما بعده قوى ظاهر. وقال السكرى في شرحه ما نصه: الحنطئ القصير. والحنطىّ الذي يأكل الحنطة ويسمنْ عليها. يمثج: يطعم. يقول: هو يكرم ويطعم الرغائب، واحدتها رغيبة، وهي السعة في العيش من كل ضرب أراد. ويروى "والحنطئ المرّيح يمـ ... ـجد" قال: الحنطئ يأكل الحنطة. ومرّيح: من المرح. أبو نصر، الحنطئ: المنتفخ. قال: ولم يعرف الأصمعىّ البيت اهـ.

(وقال يذكر فرته التى كان فرها)

(وقال يذكر فرّته الّتى كان فَرَّها) كرهتُ جَذيمةَ العَبْدىَّ لمّا ... رأيتُ المَرءَ يَجْهَد غيرَ (¬1) آلى غير آلِى، يقول: لا يَدَعُ مِن الجُهْدِ شيئا. فلا وأبيكِ لا يَنجو نَجائى ... غداةَ لقيتُهم بعضُ الرجالِ هواءُ مِثْلُ بَعْلِكِ مستميتٌ ... على ما فى إعائِكِ كالخيالِ قوله: هواء، أي نَخيبُ القلب. قوله: مستميت، يقول: يستميت. على ما في وِعائك، لا يُخرِجه ولا يَطعَمُه له خَيالٌ (¬2) ومَنظَر، ليس بشيء. قال أبو سعيد: ويقولون: إعاؤه وإسادُه. يدمِّي وجهَ حَنَّتِه إذا ما ... تقول تَلفَّتَنّ إلى العِيال قال: ويقال لامرأة الرجل حَنَّتهُ وطَلَّتُه وحَوْبَتهُ ورَبَضه وعِرْسهُ. ويقال: هل اتخذت رَبَضًا؟ وَربَضُ الرّجلِ: أهلهُ. ويَحسِب نفسَه مَلِكا إذا ما ... تَوسَّدَ ظَبْيةَ (¬3) الأَقِطِ الجُلالِ كأنَّ مُلاءتَىَّ على هِزَفٍّ ... يَعُنُّ (¬4) مع العِشيّة للرِّئالِ ¬

_ (¬1) قال السكرى في شرح هذا البيت: جذيمة الرجل الذي عدا في أثره، قد كرهه لأنه كان فارسا. (¬2) فسر السكرى الخيال في هذا البيت بأنه شيء يصنع للذئب أن يقرب الغنم. (¬3) الظبية: جراب صغير؛ وقيل إنه يتخذ من جلد الظبية. والأقط: شيء يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل. (¬4) يعن بضم العين: لغة هذيل. وغيرهم يقول: يعن بكسرها قاله السكرى. وروى في اللسان "على هجف" من قوله: "على هرْف".

يقول: كأنّ ملاءتَىَّ على ظَلِيم من سرعتى. يَعُنّ: يَعترِض، ويقال: اِعتَنَّ لى وعَنَّ لي يَعُنُّ عَنِينا. والرِّئال: فِراخ النَّعام، والواحد رَأْل. قال: والهِزَفّ والهِجَفّ من الظِّلْمان: الجافى. على حَتِّ البُرايةِ زَمْخَرِىِّ السَّـ ... واعِدِ ظَلَّ في شَرْىٍ (¬1) طوالِ على حَتّ البُرَاية، أي سريع حين لا يَبقى منه إلّا بُراية (¬2)؛ ويقال للناقة: إنها لذات بُراية إذا كانت تُركَب بعد نُحولها. وقوله: زَمْخَرِىّ، الزَّمْخَرِىّ الأجوف (¬3). والسّواعِد: مواضعُ المُخّ من عظام الظَّليم. والظَّليم لا مُخَّ فيه. يقول: هو أجوَفُ قَصَبِ الجَناح (¬4). والسواعد أيضا: عروقُ الضَّرْع التي تَدِرّ. والسواعد أيضاً: مَجارِى عيون البئر. كأنّ جَناحَه خَفَقانُ رِيحٍ ... يمَانيَةٍ برَيْطٍ غيرِ بالى يقول: كأنّ جَناحَيْه ممّا يَخفِق بهما رَيْط تَضْرِبه ريحُ الجَنوب. غيرُ بالى أي جديد لم يتمزّق. ¬

_ (¬1) الشرى: شجر الحنظل، وقيل: شجر تتخذ منه القسيّ. ووصفه بالطول لأنهن إذا كن طوالا سترن الظليم فزاد استيحاشه، ولو كن قصارا لسرح بصره وطابت نفسه قاله في اللسان. (¬2) عبارة اللسان (مادة حت) الحت السريع وأنشد هذا البيت، ثم قال: وإنما أراد حتا عند البراية أي سريع عند ما يبريه من السفر؛ وقيل: أراد حت البرى، فوضع الاسم موضع المصدر. ثم ذكر قولا آخر في معنى حت البراية وهو أنه منحت الريش لما ينفض عنه عفاءه من الربيع، ووضع المصدر الذي هو الحت موضع الصفة الذي هو المنحت. (¬3) قيل في تفسير الزمخشرى أيضا إنه الغليظ الطويل. (¬4) الذي وجدناه فيما بين أيدينا من الكتب أنه يريد وصفه بأنه أجوف العظام مطلقا لا قصب الجناح خاصة.

(وقال أيضا)

بَذَلْتُ لهم بذى شَوْطانَ (¬1) شَدِّى ... ولَم أَبْذُل غَداتئذٍ قتالى ذو شَوْطان: مكان. يقول: بذلتُ لهم عَدْوِى ولم أبذُلْ قِتالى. وأَحسِب عُرْفُطَ الزَّوْراءِ يُودى ... علىَّ بوَشْكِ رَجْعٍ واستِلالِ يقول: كأنّ هذا الموضع (¬2) يُعينُ علىَّ مِن فَرَقِى (¬3). واستِلال، أي كأنه يَسْتَلُّ علىّ السيفَ لمِا دخلنى من الفزع. والوَشْك: العَجَلة. ويقال: آدِنِي على ذاك أي أعنِّى عليه. قال: وأهل الحجاز يقولون: قد استأدَيتُ الأميرَ أي استعنتُه. (وقال أيضًا) أَعَبْدُ اللهِ يَنْذُر يالَسَعْدٍ ... دَمِى إن كان يَصْدُق ما يقولُ أي أنه كاذب لا يقدر على ذلك. متى ما تَلقَنى ومعى سلاحى ... تُلاقِ الموتَ ليس له عَديل يقول: هو، تُلاقى الموتَ نفسَه، ليس يَعدِلُه شيء. ¬

_ (¬1) في رواية "بذى وسطان" (ياقوت والسكرى). (¬2) صواب العبارة: "كأن عرفط هذا الموضع" كما يستفاد ذلك من كلام السكرى، فقد ورد فيه ما نصه: يقول: كلما طلعت عرفطة أحسبها إنسانا يعين عليّ من الفرق. وقال في موضع أخر، يقول: كلما مررت بشجرة ظننتها تعين علىّ. الخ والذي وجدناه عدة مواضع يسمى كل منها الزوراء. والعرفط: من شجر العضاه، وله صمغ كريه الرائحة، وهو يفرش على الأرض لا يذهب في السماء، وله ورقة عريضة وشوكة حديدة حجناء, وتصنع من لحائه الأرشبة التي يستقى بها الخ. (¬3) في الأصل: "فوق"؛ وهو تحريف

تُشَايعُ (¬1) وَسْطَ ذَوْدِكَ مُقْبَئنًّا ... لِتُحسَبَ سيّدا ضَبُعا تَبُولُ المشايَعة: دعاء الإبل، وهو الشِّياع، وأنشد لحسّان بنِ ثابت: طَوَى أبرَقَ العَزّافِ يَرعدُ مَتْنُه ... حَنين المَتالى خَلفَ ظَهْر المُشايِعِ (¬2) وهو دَعّاء الإبل. والمُقْبئنّ: المجتمِع (¬3). والذَّوْد: ما بين الثلاثة إلى العَشَرة من الإبل. عَشَنْزَرَةٌ جَواعِرها ثَمانٍ ... فُوَيقَ زماعهَا وَشْمٌ حُجُولُ العَشَنْزَرة: الغليظة (¬4). وقوله: جواعرُها ثمانٍ، يقول: إنّ للضَّبُع في دُبُرهاُ خُروقا (¬5) عِدةً فُوَيْقَ زِماعها، والزِّماع: جمع زمعة، والزَّمَعة: شَعَرات خَلْفَ ظِلْفِ الشاة، فضربه مَثَلا، وهي شَعَرات مجتمِعة مِثلُ الزيتونة. وَشْم (¬6): خطوط. ¬

_ (¬1) في رواية "فشايع". وفى رواية "مستقنا" مكان، "مقبئنا" من القن بكسر القاف، وهو الذى يقيم مع غنمه يشرب ألبانها ويكون معها حيث ذهبت. ويريد بقوله "ضبعا" نداءه أي يا ضبعا فهو منصوب على النداء. قاله السكرى في شرحه ص 63 طبع أوربا وورد فيه أيضا وفى اللسان "مادّة قئن" وفى هامش الأصل "تنول" بالنون وفسره في الأصل بقوله: " أي تحرك استها". وفسره السكرى فقال: هي التي إذا مشت تحرك رأسها. وذكر الأزهرى في تفسير قوله "مستقنا" ضبعا الخ أي مستخدما امرأة كأنها ضبع "اللسان مادّة قنن"، وذكر السكرى في معنى هذا البيت أنه يقول: إنك ذو يسر ومال. (¬2) في ديوان حسان "نحو صوت المشايع" وأبرق العزاف: موضع بالمدينة. والمتالى: التي تتلوها أولادها. يصف برقا. (¬3) فى "شرح السكرى: المقبئن المنتصب. وفي رواية "مقتئن" أي منتصب أيضا؛ قاله في اللسان وفى شرح السكرى. (¬4) زاد السكرى "المسنة" أيضا. (¬5) قال في اللسان في تفسير قوله: "جواعرها ثمان" أن لها جاعرتين فجعل لكل جاعرة أربعة غضون، وسمى كل غصن منها جاعرة باسم ما هي فيه. (¬6) روى "خدم" بالتحريك مكان "وشم" والخدمة مثل الخلخال، وهو لون يخالف سائر لون رجلها قاله السكرى ص 64 وفى السكرى أيضا "رسم" بضم أوله وفتح ثانيه؛ وما هنا هو ماء يرد في اللسان. ولم نجد الرسم في مادّة رسم بمعنى النقط أو الخطوط فيما راجعناه من كتب اللغة؛ وقد انفرد بذلك السكري فى شرحه نقلا عن الجمحى.

تراها الضُّبْعُ أعظمَهنّ رأسا ... جُراهِمةُ لها حِرَةُ وَثِيلُ (¬1) الجُراهمة: العظيمة الرأس (¬2)؛ ويُروَى حُراهِمة بالحاء (¬3). وحِرَة يعني حِرًا، يريد أنّها خُنْثَى (¬4). وإِن السيّد المعلومَ منّا ... يجود بما يَضَنّ به البخيلُ السيّد المعلوم، هو الّذى يجود ويعطِى. وإنّ سِيادة الأقوام فاعلمْ ... لها صَعْداءُ (¬5) مَطلَعُهَا طويلُ مَطلَعُها: مكانُها (¬6) لأنّها تَطلعُ منه، شديدُ التصعّد. وفي الحديث أنّ عليّا قال: هذا بشيرٌ قد طلع اليَمَن. وقول: "صَعْداء" يريد موضعا شديدَ التصعُّد. ¬

_ (¬1) الثيل: جراب قضيب البعير. وقال السكرى في شرح قوله. لها حرة وثيل، يقال إنها خنثى. (¬2) في اللسان: الضخمة الثقيلة. وقال السكرى: الجراهمة المغتلمة. (¬3) وبالعين المهملة أيضاً اللسان مادة (عرهم). (¬4) في الأصل "أنثى" وهو تحريف صوابه ما أثبتنا كما يقتضيه معنى قوله: "لها حرة وثيل". وانظر اللسان مادّة "جرهم". وقد نقلنا عبارة السكرى الدالة على هذا أيضا فيما سبق. (¬5) كذا ضبط هذا اللفظ في اللسان (مادة صعد) بفتح الصاد وسكون العين، وفسره فقال: أكمة ذات صعداء: يشتدّ صعودها على الراقى. وضبط في الأصل وفي شرح السكرى بضم الصاد وفتح العين؛ وروى هذا البيت في اللسان" وإن سياسة" الخ. (¬6) عبارة السكرى "مطلعها: الإشراف على أعلاها".

وقال أبو كبير -واسمه عامر بن الحليس- أحد بني سعد بن هذيل ثم أحد بنى جريب

وقال أبو كبير (¬1) -واسمه عامر بن الْحُلَيسْ- أحد بني سعد بن هُذَيل ثم أحد بنى جُرَيْب أزهير هل عن شيْبةٍ من مَعْدِلِ ... أم لا سبيلَ إلى الشَّباب الأوّل قوله: أَزُهَيرْ، قال أبو سعيد: يريد زُهَيْرة. وقوله: هل عن شَيْبة من مَعْدِل، يقول: هل عن شَيْبةٍ من مَصِرف، أم لا سبيلَ إلى شَبابى الّذى مضى. ¬

_ (¬1) كان السبب في هذه القصيدة أن أبا كبير تزوّج أم تأبط شرا، وكان غلاما صغيرا، فلما رآه يكثر الدخول على أمه تنكر له، وعرف ذلك أبو كبير في وجهه إلى أن ترعرع الغلام، فقال أبو كبير لأمه: ويحك، قد والله رابنى أمر هذا الغلام، ولا آمنه، فلا أقربك. قالت: فاحتل عليه حتى تقتله، فقال له ذات يوم: هل لك أن تغزو؟ فقال: ذاك من أمرى. قال: فامض بنا؛ فخرجا غازيين ولا زاد معهما، فسارا ليلتهما ويومهما من الغد حتى ظن أبو كبير أن الغلام قد جاع، فلما أمسيا قصد به أبو كبير قوما كانوا له أعداء، فلما رأيا نارهم من بعد قال له أبو كبير: ويحك قد جعنا، فلو ذهبت إلى تلك النار فالتمست منها لنا شيئا؛ فمضى تأبط شرا فوجد على النار رجلين من ألص من يكون من العرب، وإنما أرسله إليهما أبو كبير ليقتلاه، فلما رأياه قد غشى نارهما وثبا عليه، فرمى أحدهما وكرّ على الآخر فرماه، فقتلهما، ثم جاء إلى نارهما فأخذ الخبز منها، فجاء به إلى أبي كبير، فقال: كل لا أشبع الله بطنك، ولم يأكل هو، فقال: ويحك، أخبرنى قصتك، فأخبره، فازداد خوفا منه، ثم مضيا في ليلتهما فأصابا إبلا؛ وكان يقول أبو كبير ثلاث ليال: اختر أي نصفى الليل شئت تحرس فيه وأنام وتنام النصف الآخر. فقال: ذلك إليك، اختر أيهما شئت، فكان أبو كبير ينام إلى نصف الليل ويحرسه تأبط شرا، فإذا نام تأبط شرا، نام أبو كبير أيضاً لا يحرس شيئا، حتى استوفى الثلاث، فلما كان في الليلة الرابعة ظن أن النعاس قد غلب على الغلام فنام أوّل الليل إلى نصفه، وحرسه تأبط شرا، فلما نام الغلام قال أبو كبير: الآن يستثقل نوما وتمكننى منه الفرصة، فلما ظن أنه قد استثقل أخذ حصاة فحذف بها، فقام الغلام كأنه كعب فقال: ما هذه الوجبة؟ قال: لا أدرى والله، صوت سمعته في عرض الإبل, فقام فعس وطاف فلم ير شيئا، فعاد فنام، فلما ظن أنه استثقل أخذ حصية صغيرة فحذف بها، فقام كقيامه الأوّل، فقال: ما هذا الذى أسمع؟ قال: والله ما أدرى، لعل بعض الإبل تحرّك، فقام وطاف فلم ير شيئا، فعاد فنام، فأخذ حصاة أصغر من تلك، فرمى بها، فوثب فطاف ورجع إليه، فقال: يا هذا إنى أنكرت أمرك، والله لئن عدت أسمع شيئا من هذا لأقتلنك. قال أبو كبير: فبت والله أحرسه خوفا أن يتحرّك شيء من الإبل فيقتلنى، فلما رجعا إلى حيهما قال أبو كبير: إن أم هذا الغلام لا أقربها أبدا وقال هذه القصيدة اهـ ملخصا من (خزانة الأدب ج 3 ص 467 طبع بولاق) وزعم بعض الرواة أنها لتأبط شرا.

أم لا سبيلَ إلى الشّبابِ، وذِكرُه ... أَشهَى إليّ من الرّحيق السَّلْسَل قال ابن دُرَيْد: وذِكرُه وذِكرِه بالضم والكسر. " الرحيق: اسم الخمر. والرَّحيق: اسمٌ يقع علي الخمر (¬1) ". والسَّلْسَل: السهل في الحَلْق السَّلِس. ذهب الشبابُ وفات منِّى ما مضى ... ونضا زُهَيْر كرِيهتى وتبطُّلى نَضا: انسَلخ. وكريهتُه: شدّته، ورجلَ ذو كريهة، أي شِدّة. وسيف ذو كريهة أي ماضٍ على الضرائب الشِّداد. وصَحَوتُ عن ذكر الغوانى وانتهَى ... عُمُرِى وأَنكرتُ الغَداةَ تقتُّلِى وانتهى عمرى، يقول: بلغ عُمُرِى نهايتَه. تقتُّلى، أي تكسُّرى وتغنُّجى. أزهير إن يَشِب القَذالُ فإِنّنى ... رُبَ هَيْضَلٍ مَرِسٍ لَفَفْتُ بهَيْضَلِ ويُروَى: لَجِبٍ. يقول: يا زُهَيْرة، إنْ يَشِب القَذالُ وهو ما بين الأُذُنين والقفا. والهَيْضَل والهَيْضَلة واحد، وهم الجماعة من الناس يُغْزَى بهم. مَرِسَ: ذو مَراسة (¬2) وشدّة: فلَففْت بينهمُ لغير هَوادةٍ ... إلّا لسَفْكٍ للدِّماء محلَّلِ لفَفَت بينهم في الحرب: كنت رئيسا عليهم. حتى رأيتُ دماءَهمْ تغشاهمُ ... ويُفَلّ سَيفٌ بينهم (¬3) لَم يُسْلَل ¬

_ (¬1) لا يخفى ما في العبارتين من التكرار. (¬2) أراد بالمراسة هنا شدّة المعاجلة في الحرب. (¬3) ويفل سيف الخ، يريد أن سيوف أعدائه تفل وهي في أغمادها قبل أن تسل خوفا ورعبا.

ويُروَى: ويُفَلّ سيْفٌ، ويُغَلّ (¬1). تَغْشاهم، يقول: حتى رأيتُ دماءَهم تسيل عليهم. أزهير إن يُصبِحْ أبوكِ مقصِّرا ... طِفْلا يَنوءُ إذا مَشَى للكَلْكَلِ يقول: صار كأنّه طِفْل من الصِّبْيان لكِبَره وسِنِّه. والكَلْكَل: الصَّدْر وجَمْعُه كَلا كِل. يَهدى العَموُد له الطريَق إذا همُ ... ظَعَنوا ويَغمِدُ للطّريق الأَسْهَلِ العَمود: العصا التي يتوكّأ عليها. والأسهَل: الأليَن. وظَعَنوا: شَخَصوا. فلقد جمعتُ من الصّحابِ سَرِيّةً ... خُدْبا لِداتٍ غيرَ وَخْشٍ سُخَّلِ الأخدب: الأهوَج. خُدْبا، وهم الّذين يركبون رءوسَهم لا يردّهم شيء. والسُّخَّل: الضِّعاف، وإذا ضعف حَمْل النخلة قيل: قد سَخَّلتْ. قال أبو سعيد: ولا أدرى ما واحد السُّخَّل. ويقال: نخل سُخَّل إذا كان قليلَ الحَمْل. ولِداتٍ: قَرُب بعضهمْ من بعضٍ في السنّ. والوَخْش: النّذْل من كل شيء (¬2)؛ ويقال وَخشُ المَتاع. سُجَراءَ نفسى غيرَ جمعِ أُشابَةٍ ... حُشُدًا ولا هُلْكِ المَفارش (¬3) عُزّلِ ¬

_ (¬1) يغل سيف بالغين، من الغل بضم الغين وهو شدّة العطش. وذلك لأن السيف إذا كان في غمده لم يسلل، فكأنه عطش إلى الدماء. (¬2) قوله: "من كل شيء" كان مقتضى هذا التعميم أن يقول "الرذل" بالراء، لا النذل بالنون، إذ النذالة خاصة بالناس، والرذالة يوصف بها الناس وغيرهم، كما يستفاد من كتب اللغة. (¬3) حشدا أي لا يدعون عند أنفسهم شيئا من الجهد والنصرة والمال؛ ويقال للواحد حشد بفتح أوّله وكسر ثانيه، وحاشد. والعزل بالتشديد: الذين لا سلاح معهم، فهم يعتزلون الحرب.

سُجَراء نفسى، قالوا سَجِير الرجل صفيُّه وخاصّتُه، وأنشد أبو سعيد: * وأنت صَفِىُّ نفسِه وسَجِيرُها (¬1) * "والواحد (¬2) سَجِير (2) ". وقوله: ولا هُلْكِ المَفارِش، ليس أمّهاتُهم أمّهاتِ سوء. والهَلوك، هي الّتي تتساقط على زوْجها وتَغَنَّج. لا يُجْفِلون عن المُضاف ولو رأَوا ... أُولَى الوَعاوِعِ كالغَطاطِ المقبِلِ لا يُجْفِلون: لا يَنْكشفون. والمُضاف: المُلْجأ. وقوله: أولَى الوَعاوِع أي أوْل من يُغيث (¬3) من المقاتِلة. يقول: إذا رأَوْا أعدائهم يَحمِلون عليهم كما يبدو الغَطاط (¬4) لم يُجْفِلوا عن ثغرهم وقاتَلوا عنه. والوَعاوِع: جمع وَعْوَاعَة (¬5). يتعطّفون على البطئ تعطُّفَ الـ ... ـعُوِذ المَطافِلِ في مُناخِ المَعقِلِ العُوذ: جمع عائذ، وهي الّتى معها ولد صغير. قال: والمَطافِل الّلاتى معهنّ أطفال لهن (¬6) (أولاد صغار). والمَعقِل: الحِرْز الذي يأوون إليه فيكون لهم حِرْزا. فيقول: هؤلاء القومُ يتعطّفون على جَرحاهم وقَتلاهم كما تتعطّف العُوذ. ¬

_ (¬1) هذا عجز بيت من قصيدة لخالد بن زهير يخاطب بها أبا ذؤيب، وصدره: تنقذتها من عبد وهب بن جابر ... وأنت صفى. . . . . . . . الخ وفى رواية * وأنت صفى النفس منه وخيرها * (¬2) يلاحظ أن معنى هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين يستفاد مما سبق. (¬3) في الأصل: "يعبث" بالعين المهملة؛ وهو تحريف. والتصويب عن كتب اللغة. (¬4) قد سبق التعريف بالغطاط في الحاشية رقم 1 من صفحة 25 عند قول المتنخل: وماء قد وردت أميم طام ... على أرجائه زجل الغطاط فانظره ثم. (¬5) صوابه جمع "وعواع" إذ لم نجد الوعوعة إلا بمعنى صوت الذئب والكلب. والوعاوع في البيت أصله وعاويع فحذف الياء للضرورة قاله ابن سيده اللسان والقاموس مادة (وعع). (¬6) في الأصل "وهن"؛ وهو تحريف صوابه ما أثبتنا.

ولقد سَرَيتُ على الظَّلام بمغْشَمٍ ... جَلْدٍ من الفِتْيان غيرِ مُهَبَّلِ (¬1) الْمِغشَم: الذي يَغْشِم الناسَ ويَظلمُهم ولا يتخاجَأ (¬2) عن شيء. والمهبَّل: الكثير اللحم (¬3). ممّا (¬4) حَمَلْن به وهنّ عَواقِدٌ ... حُبُكَ الثّيابِ فشَبَّ غيرَ مثقَّلِ (¬5) ويُروَى "حُبُكَ النِّطاق"، يقول: حَملتْ به أمّه وهى فَزِعة، وكانوا يقولون: إذا حَملت المرأةُ وهي فَزِعة فجاءت بغلام جاءت به لا يطاق. قال أبو سعيد: وكانت العرب تقول: من حَملتْ به أمُّه وهي فَزِعةُ جاء مفزِّعا فقال: "حملت به" وقد تَحزّمتْ للهَرَب فجاء هكذا. والحُبُك: كلُّ ما حُزِم به شيء فهو حِباك. حَملَت به في ليلةٍ مَزْءودةٍ ... كَرْها وعَقْدُ نِطاقِها لَم يُحلَلِ كان أبو عبيدة يَنصِب مزءودة، والأصمعيّ يجرّها، يجعل الزّؤدَ للّيلة. ومزءودة: فَزِعة. يقول: أكرِهتْ فلم تَحُلَّ نِطاقَها، قال الأصمعىّ: وحدّثنى عيسى بنُ عمرَ قال: أنشدتُ هذا البيتَ خيرَ بنَ حبيبٍ فقال: قاتله الله، يَغْشِمُها (¬6) قبل أن تَحُلَّ نِطاقَها. فأتت به حُوشَ الجَنان مبطَّنا ... سُهُدا إذا ما نام لَيْلُ الهَوْجَل ¬

_ (¬1) في رواية "غير مثقل". (¬2) ولا يتخاجأ عن شيء، أي لا يتباطأ. (¬3) زيد في كتب اللغة (المتورم الوجه). (¬4) مما، أي هو من الحمل الذي حملن به الخ. وفي رواية "ممن" انظر خزانة الأدب ج 3 ص 466. (¬5) في رواية "غير مهبل". (¬6) يغشمها: يغصبها.

حُوش الفؤاد، يقول: فؤادُه وَحْشِىّ (¬1). مبطَّن: خَميصُ البَطْنِ، ورجل مِبْطان إذا كان [غير] (¬2) خَمِيص البطن. وقوله: سُهُدا، يقول: لا ينام الليلَ كلَّه، هو يَقْظانُ. والهَوْجَل: الثقيل؛ ويقال: فَلاةُ هَوْجَل إذا لم يكن يُهتدَى فيها، إذا لم يكن فيها عَلَم. ومبرَّأً من كلِّ غُبَّرِ حَيْضةٍ ... وفَسادِ مُرضِعةٍ وداءٍ مُغْيِلِ الغُبَّر: البقيّة. وقوله: وفساد مرضِعة، يقول: لم تَحمِل عليه فتسقيه الغَيْل وليس به داءٌ شديد قد أَعضَل (¬3). الحَيْضة: المرّة من الحَيض. قاد: وسمعتُ أبا عمرو بنَ العَلاء يقولها: الحَيْضُ غِذاء الصبيّ. فإذا طَرَحتَ له الحَصاةَ رأيته ... يَنْزُو لوَقْعَتها طُمورَ الأَخْيَلِ قال: يريد أنه حديد القلب لا يَستثقِل في نومه. والأَخْيَل: طائر أخضرُ يُتشاءم به. طُمُور: نَزْو. ما إنْ يَمَسُّ الأرضَ إلاَّ مَنِكبٌ ... منه وحَرْفُ الساقِ طَىَّ المِحْمَل يقول: إذا اضطجع لم يَمِسَّ الأرضَ إلاَّ مَنكِبُه وحرفُ ساقِه لأنّه خميص البطن، فلا يصيب بطنُه الأرضَ، والمِحمَل: مِحمَل السَّيف. ¬

_ (¬1) في اللسان: حوش الفؤاد حديده. (¬2) لم ترد هذه الكلمة التى بين مربعين في الأصل. والصواب زيادتها. فقد ورد في كتب اللغة أن المبطان هو الضخم البطن من كثرة الأكل. (¬3) يلاحظ أن قوله: "قد أعضل" تفسير لرواية أخرى في البيت، وهي "وداء معضل" مكان "مغيل" وكان الأولى للشارح تفسير ما ورد في هذا البيت هنا. والمغيل بضم الميم وكسر الياء، من الغيل، وهو أن تغشى المرأة وهي ترضع، فذلك اللبن الغيل، يقال أغالت المرأة ولدها وأغيلته بفتح الياء فهى مغيل بكسر الغين ومغيل بسكونها وكسر الياء إذا أرضعته على حبل. انظر كتب اللغة.

واذا رَميتَ به الفِجاجَ رأيتَه ... يَنْضُو مَخارِمَها هُوىَّ الأَجْدَلِ الفجاج: الطُّرُق. والواحد فَجّ. ويَنْضُو: يَقطَع ويَجوز. والمخَارم: أنوف الجبال، والواصد منها مَخْرِم (¬1). والأجدل: الصَّقْر. واذا نَظَرْتَ إلى أَسرّة وَجْهِه ... بَرقتْ كبَرْقِ العارضِ المتهلِّلِ أَسِرَتُه: طرائقه. والعارض، هو الّذى يجئ مُعارِضا في السماء. والمتهلِّل: المُمْطِر. وإذا يَهُبُّ من المنام رأيتَه ... كُرتُوب كَعْبِ السّاق ليس بزُمَّلِ يقول: تراه منتصِبا كانتِصاب الكَعْب. والرُّتُوب: الانتصاب. والزُّمَّل: الضعيف. ويقال: رجل زُمَّل وزُمَّيْل وزُمّال وزُمَّيْلة. يقول: يَنتْصِب إذا قام من منامه كما يقوم الكَعْب إذا رَتَب. صَعب الكَريهة لا يُرامُ جَنابُه ... ماضى العزيمةِ كالحُسام المِقْصَلِ قال: يقال رجل ذو كريهة إذا كان له صبرٌ علي النبلاء. وقوله: ماضى العزيمة، يقول: عزيمتُه ماضية، إذا اعتَزم على أمرٍ قَضاه. والمِقْصَل: القاطع. يَحمِى الصِّحابَ إذا تكون عظيمةُ ... وإذا هم نَزَلُوا فمأوَى العُيَّلِ قال: يكون حاميةَ أصحابِه إذا وقعوا في عظيمة، وإذا صاروا في منازلهم فبيتُه مأوَى الفقراء. والعُيَّل: جمع عائل. ¬

_ (¬1) وقيل: المخزم الثنية بين الجبلين.

ولقد شهدتُ الحىَّ بعد رُقادِهمْ ... تُفْلَى جمَاِجمُهمْ بكلّ مقلَّلِ بعد رُقادهم، قال: كأنّهم بُيِّتوا. وتُفْلَى: تُعْلَى. بكلّ مقلَّل بكلّ سيف جُعلتْ له قُلّة، وهي القَبِية (¬1) , وكذا الرواية مقَلَّل. ويُروَى "بكلّ مؤلَّل" وهو المحدَّدَ المرقَّق. ويُروَى بكلّ منخَّل (¬2) أي متنخَّل (2)، هذا عن ابن دُرَيد. حتّى رأيتُهمُ كأنّ سحابةً ... صابتْ عليهنم وَدْقُها لَم يُشْمَلِ صابت تَصُوب تَنحدِر كما ينحدر المطر. وقوله: لَم يُشمَل أي لم تُصِبْه الرِّيح الشَّمال، وذاك أن الشَّمال إذا أصابته انقَشَع. نَضَعُ السّيوفَ على طَوائفَ منهم ... فنقيمُ منهمْ مَيْلَ ما لَم يُعْدَلِ الطوائف: النواحى، الأيدى والأرجل والرءوس. وقوله: ميلَ ما لمَ يُعدَل قال: مَيْلُه فضْلُه وزيادتُه. وإنما يريد أنّ هؤلاء القومَ كانوا غَزوْهم فقتلوهم فكان ذلك المَيلُ مَيْلا على هؤلاء القوم المقتولين ثم غَزَوْهم بعدُ فقتلوهم، فكان قتلهم لهم قياما للمَيْل، وهو مِثْلُ قولِ ابنِ الزِّبَعْرَى: * وأَقَمْنَا مَيْلَ بَدْرٍ فاعتَدَلْ * يقولها في يومِ أحُد. يقول: اِعتدَلَ يومُ بَدْر إذ قَتلنا مثلَهم يوم أُحُد. ويُروَى: تقعُ السيوفُ على طوائفَ منهمُ ... فيُقام منهم مَيْلُ ما لم يُعْدَلِ ¬

_ (¬1) قبيعة السيف ما كان على رأس قائمه، وهى التي يدخل القائم فيها، وربما اتخذت من فضة. وفى الأصل: "مفلل" في البيت و"فلة" بالفاء في الشارح؛ وهو تصحيف إذ لم نجد الفلة بهذا المعنى فيما بين أيدينا من كتب اللغة. (¬2) ورد هاتان الكلمتان اللتان تحت هذا الرقم بالحاء المهملة فى الأصل؛ ولم نجد فيما راجعناه من كتب اللغة نحله ولا تنحله بتشديد الحاء, المهملة، من النحول؛ والصواب ما أثبتنا. "والمنخل والمتنخل" بالخاء المعجمة مشدّدة أي المنتقى المتخير المصفى.

متكوِّرين على المَعارِى بينهمْ ... ضَرْبٌ كتَعْطاط المَزاد الأَنْجَلِ متكوِّرِين، أي بعضُهم على بعضَ، على المَعارِي، وهي السَّوْءات (¬1). يقول: سقطوا عليها حين ضُرِبوا. والأَنْجَل: الواسع، مِثل طَعْنة نَجْلاء أي واسعة. نَغْدو فنَتْرك في المَزاحِف من ثَوَى ... ونُمِرُّ في العَرَقاتِ من لم يُقْتَلِ ابن دُرَيد "من لم نَقْتُل". نُمِرّ، يقول: نُوثِق. والعَرَقة: حبلٌ مضفور مِثلُ ضَفْر النِّسْعة. ويقال: السَّفيف (¬2) (الزَّنْبيل)، للواحد منه عَرَقة. ولقد رَبَأتُ إذا الرجاُل تَواكَلوا ... حَمَّ الظَّهيرة في اليَفاعِ الأَطْوَلِ ربَأْتُ، يقول: كنتُ ربيئةً لهم. وحَمُّ الظَّهيرة: مُعْظَمُها. في رأسِ مُشرِفةِ القَذالِ كأنّما ... أَطْرُ السَّحاب (¬3) بها بَياضُ الِمْجدَلِ قال: إنما هذا مَثَل. يقول: لها عُنُق مُشْرِف، وإنّما يَعنِي هَضْبة والمِجْدَل: القَصْر، والمَجادِل للجَمْع. وعَلَوْتُ مُرْتَبِئا على مَرْهوبةٍ ... حَصّاءَ ليس رقيبُها في مَثْمِلِ ¬

_ (¬1) ورد فى اللسان (مادة عرى) في تفسير المعارى أنها مبادى العظام حيث ترى من اللحم؛ وقيل هي الوجه واليدان والرجلان؛ وأنشد هذا البيت. وتعطاط: من العط، وهو الشق. (¬2) ويقال: السفيف، أي ويقال في معنى العرق إنه السفيف أي الزنبيل، كما ورد في كتب اللغة في بعض الأقوال؛ ففى كلام الشارح حذف إذ لم يذكر العرق بدون هاء. (¬3) أطر السحاب، أي مأطوره، فهو مصدر بمعنى المفعول. والأطر: الاعوجاج، يريد ما تعطف من السحاب على هذه الهضبة.

مرْهُوبة: يُرْهَب أن يُرقَى فيها. حَصّاء: ليس فيها نبات. وقوله: ليس رقيبُها في مَثْمِل. أي ليس رقيبها في (¬1) حِفْظٍ. مرتبئا أي كنتُ رَبيئةَ القَومِ. عَيْطاءَ مُعْنِقَةٍ يكون أنيسها ... وُرْق الحَمامِ جَميمُها لمَ يُؤْكلِ العَيْطاء: الطويلة العُنُق. والمُعْنِقة: الطويلة. وقوله: جَميمُها لم يؤكَل يقول: لا يَرْقىَ فيها راقٍ ولا راعٍ ولا أحدٌ فيأكُلَ جَميمها (¬2). أنيسها وُرْق الحَمام يقول: لا يؤنسك فيها إلاَّ الحَمامُ الخُضْر (¬3). وَضَعَ النَّعاماتِ الرِّجالُ بَريدِها (¬4) ... من بين شَعْشاعٍ وبينِ مظلَّلِ النَّعامة: خشبتانُ تُنصَبان ويُلقَى عليهما ثُمامٌ يَستظِلّ بما الرَّبيئة من الشمس والمطر. أخرجتُ منها سِلْقةً مهزولةً ... عَجْفاءَ يَبرُقُ نابُها كالِمعْوَلِ سِلْقة: ذِئبة، والذَّكَر سِلْق، عَجْفاء: مهزولة. وقولُه: كالِمعْوَل، يريد حديدةَ الناب كأنّ نابَها طَرفُ مِعْوَل. ¬

_ (¬1) في الأصل "في خفض" بالخاء والضاد، وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا كما يستفاد من كتب اللغة، فقد ورد فيها أن المثمل بفتح الميم الأولى وكسر الثانية: الملجأ. (¬2) الجيم: ما نهض وانتشر من النبات. وفي عبارة أخرى: هو ما طال بعض الطول ولم يتمّ. (¬3) أراد بالخضر الورق من الحمام وهي التي فيها سواد وغبرة؛ والعرب تطلق الخضرة على السواد. وفي اللسان (مادة خضر) أن الخضراء من الحمام الدواجن وإن اختلفت ألوانها لأن أكثر ألوانها الخضرة. وفي التهذيب أن العرب تسمى الدواجن الخضر وإن اختلفت ألوانها خصوصا بهذا الاسم لغلبة الورقة عليها. (¬4) الريد: الحرف الناتئ في عرض الجبل. والشعشاع: الظل غير الكثيف الذي فيه فرج.

فزجزتُها فتلفّتتْ إذ رُعْتُهما ... كتلفُّت الغَضْبانِ سُبَّ الأَقْبَلِ (¬1) قال: قَدَّم وأَخَّر، وإنَّما يريد كتلفُّت الغضبان الأقبَل سُبَّ، إذ رُعْتُها يعني الذئبةَ أفزعتُها. ومعي لَبوسٌ للبَئيس (¬2) كأنّه ... رَوْق بجَبْهة ذى نِعاج مُجْفِلِ ذى نعاج يعنى نوراً. والنِّعاج: البقر. والرَّوْق: القَرْن. ومعي لَبوس يقول: تأبَّط شَرًّا (¬3) اتَّخَذه لَبوسا. ولقد صبرتُ على السَّموم يَكُنُّنى ... قَرِدٌ على اللَّيتَيْنِ غيرُ مرجَّلِ قَرِد يعنى شَعرَه، يقول: قد قَرِد (¬4) من طول ما تركتُه لم أَدْهُنْه ولم أَغسِلْه. صَدْيانَ أَخذَى الطَّرْفِ في ملمومةٍ ... لونُ السّحاب بها كلون الأَعْبَلِ الأَخْذَى: الّذى في طَرْفه استرخاء من عطش. والأَعْبَل: المكان الذي فيه حجارةٌ كبيرة بِيض. وقوله: في ملمومة يعني هَضْبةً مدوَّرةً قد لُمَّ بعضُها إلى بعض. مستشعِرا تحت الرِّداءَ وِشاحَةً (¬5) ... عَضْبا غَموضَ الحَدِّ غيرَ مفلَّلِ يريد أن وِشاحَه سَيْف. والعَضْب: القاطع. والغَموض: الرَّسوب إذا مَسَّ الضريبةَ غَمُض مكانُه. ¬

_ (¬1) الأقبل: من القبل بفتحتين، وهو في العين إقبال سوادها على الأنف. وقيل هو مثل الحول بالتحريك أيضًا. (¬2) البئيس: الشجاع. (¬3) لعل في هذه الكلمة تبديلا من الناسخ والصواب تأبط رمحا بدليل قوله: "كأنه روق". (¬4) قرد أي تجعد وتلبد. (¬5) الوشاحة بالتاء: السيف قاله في اللسان (مادة وشح). وأنشد هذا البيت. وفي الأصل: "وشاحه" بالهاء غير منقوطة.

ومَعابِلا صُلْعَ الظُّباتِ كأنّها ... جَمرٌ بمَسْهَكةٍ تُشَبّ لمُصْطلِي مَعابِل: سهام عِراض النِّصال. وقوله: صُلْع الظُّبات، يقول: تَبرُق، ليس عليها صَدَأ. بمَسْهَكة: بموضع شديدِ الرِّيح؛ ويقال سَهَكَت الريحُ وسَهَجَتْ إذا مرّت مرًّا سريعا. ويقال: رِيحٌ سَهُوك وسَهوجٌ إذا كانت تَقشِر الأرضَ من شدّة مَرِّها. تُشَبُّ: تُوقَد. يقول: هذه النِّصال كأنّها جَمْر. نُجُفا بَذَلْتُ لها خَوافيَ ناهِضٍ ... حَشْرِ القوادِم كاللِّفاع الأطحَلِ النُّجُف: العِراض النِّصال والظُّبات. وبذلك سُمى الرجلُ مَنْجوفا. والحَشْر: اللِّطاف (¬1) القُذَذ. واللِّفاع هو الكِساء واللِّحاف. والأَطحَل: الّذى كلَوْنْ الطِّحال إلى الغُبْسة والحُمْرة. فإذا تُسَلُّ تَخَلخلتْ أرياشُها ... خَشْفَ الجَنوبِ بيابس من إِسْحِلِ يقول: ليس رِيشُها بكَزّ، فإذا مسستَها سمعتَ لها خَشْفة أي صوتا. والإسْحِل: شجر (¬2). وجَليلةِ الأنساب ليس كِمثلِها ... ممّن تَمتَّعُ قد أتتْهما أَرْسُلى ويُروَى ممن يُمتِّع. والتَّمتيع: حُسنُ الغِذاء والتّنعيم. يريد امرأةً سَرِيّةَ الأنساب ليس مِثلُها؛ ثم قال: ممّن تَمتَّعُ هذه المرأةُ التي ذَكَر. ¬

_ (¬1) يلاحظ أن الشارح قد فسر الحشر وهو مفرد باللطاف وهو جمع، وكان الصواب أن يقول: ما لطف من القذذ، كما هي عبارة اللغويين؛ أو اللطيف من القذذ؛ والقذذ: ريش السهم، الواحدة فذة بالضم والتشديد. (¬2) هو شجر يشبه الأثل تتخذ منه المساويك، ويعظم حتى تتخذ منه الرحال.

(وقال أبو كبير أيضا)

ساهرتُ عنها الكالِئَين كلاهما ... حتى التفَتُّ إلى السِّماك الأَعزَلِ يقول: "سلت (¬1) بكلاوهما" أي ترقّبْتُهما حتى نُوِّما ثم سِرْتُ إليها. قد خلتُ بيتا غيرَ بيتِ سَناخةٍ ... وازدرتُ مُزْدارَ الكريِم المُعْوِلِ يقول: دخلتُ بيتا ليس بيتَ دَبّاغ ولا سَمّان ولا بيتَ صاحبِ وَدَك ولا بيتَ قَذَر أي بيتا طيّبَ الرِّيح، ويقال: سَمنْ سَنِخ إذا كان متغيّرا. والمُعْوِل: المُدِلُّ (¬2) عليه، إنما عَوَّل عليه، أي أدلَّ عليه. وعَوَّلْتُ عليه، أي أَدلَلْتُ عليه. فإذا وذلك ليس إلاَّ حِينَه ... وإذا مضى شيءٌ كأن لم يُفْعَلِ قال أبو سعيد: كذا أنشَدَنيهِ الأصمعيُّ ليس إلاَّ حِينَه بفتح النون، لم يُفْعَل أي يَكُن، فإذا وذلك، قال أبو سعيد: الواو زائدة، قال: قلتُ لأبي عَمْرو: يقول الرجل: ربَّنا ولك الحمد. فقال: يقول الرجل: قد أخذتُ منك هذا بكذا وكذا، فيقول: وهو لك: (وقال أبو كبير أيضاً): أُزهَيَرُ هل عن شَيبةٍ من مَقْصَرِ (¬3) ... أم لا سبيلَ إلى الشّباب المُدْبِرِ يقول: هل أستطيع أن أَقْصُرَ حتى لا أشيب؟ ¬

_ (¬1) كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين في الأصل. ولم نقف على وجه الصواب في تحريفها. ورواية اللسان (مادة سهر): "فسهرت عنها الكالئين فلم أنم" ثم قال: أي سهرت معهما حتى ناما. (¬2) الصواب حذف كلمة "عليه" والاكتفاء بقوله: "المدل". وقد فسر في اللسان (مادة عول) المعول بالحريص. كما فسره أيضاً بما يوافق ما هنا في الشرح، يقال: أعال وأعول إذا حرص. (¬3) ضبط هذا اللفظ في الأصل بكسر الصاد، والقواعد تقتضي الفتح كما أثبتنا.

فَقَدَ الشبابَ أبوكِ إلاَّ ذِكرَه ... فاعجبْ لذلك فِعْلَ (¬1) دهرٍ واهكَرِ قال أبو سعيد: الهَكر: أشدّ العَجَب. أزُهَيْرُ ويحَكِ ما لرأسِي كلَّما ... فَقَدَ الشَّبابَ أَتَى بلَونٍ مُنْكَرِ يقول: أَتىَ بلَوْن أُنكِره، وهو يريد بياضا بعد سواد. ذهبتْ بشاشتُه وأصبح واضحا ... حَرِقَ المَفارِق كالبُراءَ الأَعْفَرِ البشاشة: اللّذّة (¬2). والحَرِق: الّذى كأنما أصابته نار أو رِيحٌ فاحترَق. وقوله: كالبُراء، البُراء والبُراية واحد، وهو بُراية القِىسيّ. والأَعْفَر: الأبيض الّذى تعلوه حُمْرة. ونُضِيتُ ممّا تَعْلَمين (¬3) فأصبحت ... نفسى إلى إخوانِها كالمُقذَرِ نُضِيتُ أي سُلِخْت. كالمُقْذَر أي ذلك الأمرُ الَّذى يستقذِره الناس أي يُستقذَر، وهو كالمصْدَر. فإِذا دعاني الداعيمان تأيَّدَا ... وإذا أُحاوِلُ شَوْكَتى لَم أُبْصِرِ تأيَّدَا: تَشَدّدا. يقول: لا أسمع صوتا، فقد قَلَّ سمعي. وإذا أحاول شوكتى يعني شوكةً تدخل رِجْلَه وفي بعض جسده. يا لَهْفَ نفسي كان جِدّةُ خالدٍ ... وبياضُ وجهكَ للتَّراب الأَعْفَرِ يقول: دُفِن في أرضٍ ترابُها أعفَرُ إلى الحُمرة ما هو. ¬

_ (¬1) في اللسان (مادة هكر) "ريب دهر". (¬2) الذي وجدناه في كتب اللغة أن البشاشة هي الطلاقة والانبساط والأنس ونحو ذلك. ولم نجد البشاشة بمعنى اللذة فيما راجعناه من الكتب. (¬3) في اللسان "مادة نضا" "مما كنت فيه".

وبياضُ وَجْهٍ (¬1) لم تَحُلْ أَسْرارُه ... مِثلُ الوَذيلة أو كسَيْف الأَنْضَرِ أسرارُه: طرائقه. لَم تَحُلْ: لم تَغيَّرْ. والوَذِيلة: سَبيكةُ الفِضّة. والأنضَر: الذهب. فرأيتُ ما فيه فثُمَّ رُزِئْتُه ... فلبِثتُ بعدَكَ غيرَ راضٍ مَعْمَرِي (¬2) يقول: فرأيتُ ما فيه من خصال الخير. والمَعمَر: حيث يُسكَن ويُعمَر، وهو المنزل؛ ويقال: أنت بَمَعْمَر ترَضاه، أي بمنزل تَرْضاه. وأنشد: * يا لَكِ من حُمَّرة (¬3) بمَعْمَرِ * ولرُبَّ من دَلَّيتُه لحَفيرةٍ ... كالسّيف مُقتَبَلِ الشّاب مُحبَّرِ مقتَبَلُ الشباب أي مستأنَفُه. محبَّر: محسَّن مزيَّن. ثم انصرفتُ ولا أَبثُّكَ حِيبَتِى ... رَعِشَ الجَنان أَطيشُ فِعْلَ الأصْوَرِ حِيبَتُه: سوءُ حالِه. ويقال: فلان بحِيبة سُوء. والرجل الأَصْوَر: الّذى فيه صَوَر إلى أحد شِقَّيه، وذلك أنّه انشِناج في أخادعِهِ فيَصُور. هل أُسْوةٌ لك في رجالٍ صُرِّعوا ... بِتلاعِ تِرْيَمَ هامُهُم لَم يُقْبَر صُرِّعوا: قُتِلوا. بتِلاعِ تِرْيَم: موضع. لم يُقْبر: لم يُجَنَّ. ¬

_ (¬1) روى هذا البيت في اللسان (مادة نضر) "وبياض وجهك". (¬2) روى هذا البيت في اللسان (مادة عمر) غير راضي المعمر. وقال في قوله "فثم": إن الفاء زائدة. (¬3) الحمرة: طائر صغير كالعصفور. وقيل: هي القبرة. والذي نحفظه: "يا لك من قبرة" وهي رواية اللسان (مادة عمر).

وأخو الأَباءةِ إذْ رأى خِلّانَه ... تَلَّى شِفاعا حَولَه كالإذْخِر (¬1) تَلَّى أي صَرْعى. شِفاعا: اثنين اثنين، يريد قَتلَى كثيرةً كالإذْخِرِ، قال أبو سعيد: ولا نجد إذْحِرَة واحدةً، إنما نجد الأرض مُستَحْلِسة. والأَباءَة: الأَجَمة والجِماع الأَباء. لمَّا رأى أن ليس عنهم مَقْصَرٌ ... قَصَرَ الشِّمالَ بكلّ أبيضَ مطْحَرِ قَصَرَ الشِّمال، يريد حبَسَ شِمالَه، والمِطْحَر: سَهْمٌ بعيدُ الذَّهاب. وعُراضة السِّبَتَيْن (¬2) تُوبِع يَرْيُها ... تأوِى طوائفُها لعَجْسٍ عَبْهَرِ هذه قَوْس؛ يقول: هي عرِيضة مُدْمَجة مستديرة. والعَجْس: كَبِدُها حيث يَقبِض الرامي. ويقال عَجْس وعُجْس ومَعْجِس ثلاث لغات. والعَبْهَر: الممتلئ. يأوِى إلى عُظْم الغَريف ونَبْلُه ... كسَوام دَبرْ الخَشْرِم المتثوِّرِ الغَريف: شجر. وقوله: كسَوام دَبرْ، سَوامُه: ذَهابهُ في السماء كما تَسُوم الإبلُ تَذهبُ في الأرض تَرعى. والدَّبْر: الذي يعسِّل. والخَشْرَم: الذي يلسع، كأنَّه أضاف بعضَها إلى بعض (¬3) إذا كان لا يعسِّل. ¬

_ (¬1) الإذخر: حشيش طيب الريح أطول من الثيل، وهي شجرة صغيرة، قال أبو حنيفة: الإذخر له أصل مندفن دقاق ذفر الريح، وله ثمرة كأنها مكاسح القصب إلا أنها أرق وأصغر، ويطحن فيدخل في الطيب وهي تنبت في الحزون والسهول، وقلما تنبت الإذخرة منفردة. (¬2) سية القوس: ما عطف من طرفيها، وفيها الفرض الذي فيه الوتر. وطائف القوس: ما بين سيتها وأبهرها، والأبهر من القوس: ما بين الطائف والكلية. (¬3) ذكر في اللسان (مادة خشرم) أن الخشرم مأوى النحل أو أميرها، وأنشد بيت أبى كبير هذا وقال: أضاف الدبر إلى أميرها أو مأواها، ولا يكون من إضافة الشيء إلى نفسه.

وقال أيضا

يَكوِى بها مُهَجَ النفوس كأنّما ... يسقيهمُ بالبابِليِّ المُمْقِرِ يَكوِى بها أي يَلْذَع بها مُهَجَ النفوس. وقوله: بالبابِليّ، يقول: كأنّما سقاهم سُمَّ بابل. والمُمْقِر: المرّ. والممقِر: الصَّبِر. من يأتِه منهم يَؤُبْ بمُرِشّةٍ ... نَجْلاءَ تُزْغِل مِثلَ عَطِّ المِستَرِ بمُرِشّة؛ يريد بطعنة ذاتِ رَشاش، وهي الّتى ينتشِر نَضْحُها. وقوله: تُزْغِل أي تَدفَع بالدّم دَفْعة بعد دَفْعة. والمِسْتَر: الثوب يُسَتر به الإنسانُ فيَعُطُّه (¬1). أم مَن يُطالِعه يَقُلْ لِصحابِه ... إنّ الغَريفَ تُجِنّ ذاتَ القنْطر الغَرِيف: شجر. والقنْطِر: الداهية. وقال أيضا أَزُهَيرُ هل عن شَيبةٍ من مَصْرِفِ (¬2) ... أم لا خُلودَ لباذِلٍ متكلِّف أزُهَير إنّ أخًا لنا ذا مِرّةٍ ... جَلْدَ القُوَى في كلّ ساعةِ مَحْرِفِ ذا مِرّة، أي ذا قوّة. في كلّ ساعةِ مَحْرِف، يقول: يَحترِف ويتقلّب ويتصرّف. فاردتُه يوما بجانِب نخلةٍ ... سبَقَ الِحمامُ به زُهَير تَلهُّفي يقول: إنّه كان مريضا وكان يتلهّف عليه فسَبَقه به الِحمام، أي غلبه القدَر عليه. ونَخْلة (¬3): موضع. ¬

_ (¬1) يعطه: يشقه. (¬2) روى في اللسان (مادة حرف) "من محرف" بفتح الميم وكسر الراء مكان "من مصرف" وهو بمعناه. (¬3) نخلة الشآمية اليمانية: واديان على ليلة من مكة من بلاد هذيل قاله في التاج.

ولقد وردتَ (¬1) الماءَ لم يَشرَب به ... بين الرَّبيع إلى شهور الصَّيِّفِ إلاَّ عَواسلُ كالمِراط مَعِيدةٌ ... بالليل مَوْردَ أَيِّمٍ متغضِّفِ عَواسل، يعني تَعسِل في مَشْيها، تمرّ مرّا سريعا، وإنما يعني ذئابا، ويقال: الذئب يَعسِل وينَسِل، إذا مرّ مرّا سريعا (¬2)؛ وقال الجعديّ: عَسَلانَ الذِّئب أَمسَى قارِبًا ... بَرَدَ اللّيلُ عليه فنَسَلْ ويُروَى إلّا عَواسر، يقول: هذه الذئاب تَعسِر بأذنابها (¬3). والمِراط، النَّبْل المتمرِّطة الريِّش. وقوله: معيدة أي معيدةُ الشُّرْب. والأَيمْ: الحيّة. والأصل الأَيِّم ولكن خَفِّفوا. وقوله متغضِّف أي منطوٍ متثَنٍّ. وقوله: معيدة، أي معاوِدة لذلك مرّة بعد مرّة. يَنسلن في طُرُقٍ سَباسِبَ حَوْلَه ... كقِداحِ نَبْلِ محبِّرٍ لم تُرْصَفِ لم يَعرِف أبو إسحاق هذا البيتَ ولا الّذى بعده، وعرفهما الرِّياشيّ، قال: أنشَدَنيهما الأصمعىّ في هذا الموضع، قال: وأخبرني الأصمعىّ قال: كان طُفَيل الغَنَوىّ يسمَّى في الجاهلية محبِّرا، وذلك لأنّه كان يزيِّن شِعرَه ويحسِّنُه. والمحبِّر: المحسِّن المزيِّن للشيء. وقوله: يَنسلْن، يعني ذئابا يَنْسلْن، وهو شبيه بالعَسَلان. والسَّباسب: جمع سَبْسَب، ومِثْلُه البَسْبَس، وهو المستوِى البعيد، والجمع البَسابسِ. ¬

_ (¬1) في الأصل؛ وردت "بضم التاء" والصواب فتحها كما قاله ابن برى في البيت التاسع عن هذه القصيدة؛ وقد ذكرنا قوله في الحاشية رقم 3 من صفحة 106. (¬2) زاد في اللسان (مادة عسل): في معنى عسلان الذئب: واضطرب في عدوه وهز رأسه. (¬3) تعمر بأذنابها، أي تكسر أذنابها إذا عدت قاله في اللسان (مادة عسر) وأنشد هذا البيت وروى فيه "كالقداح" من قوله: "كالمراط".

تَعوِى الذّئابُ من المَجاعة حولهَ ... إهلالَ رَكِب اليامِن المتطوِّف اليامِن: الّذى يجيء من اليَمَنَ، وأنشَدَ لرؤبة: * بيتُك في اليامِن بيت الأيْمن (¬1) * زَقَبٌ يَظَلّ الذئبُ يَنتَبعَ ظِلَّه ... من ضِيق مَوْردِه استنِانَ الأَخلَف الزَّقَب: الضَّيِّق، فيمرُّ فيه الذئبُ في عُرضٍ من ضِيقه، وهو المكان المُعْورُ اّلذى لا يُدَلّ فيه. قال: والاستِنان العَدْو. والأخلَف: العَسِر المخالِف المعوجّ (¬2)، يقول: فلِضيق هذا المَوْردِ يمشى الذئبُ فيه على حَرف كما يمشى الأخلفُ إذا مَشى. ولقد وردت (¬3) الماءَ فوق جِمامِه ... مِثلُ الفَرِيفةِ صُفِّيتْ للمُدْنَف الفَرِيقة: حُلْبة تُطْبَخ للنُّفَساء مع حُبوب (¬4)، فشبّه ماءَ ذلك السنن بالفَريقة لصُفْرته. فصدَرْتَ عنه ظامئا وتركتَه ... يَهْتزُّ غَلْفَقُه كأن لم يُكشَفِ الغَلْفَق والعَرْمَض والطُّحْلُب: الخُضْرة الّتي على الماء. يهتزّ: يتحرّك. ولقد أَجَزْتَ الخَرْق يَركُدُ عِلْجُه (¬5) ... فوقَ الإِكامَ إدامةَ المُستَرْغِفِ ¬

_ (¬1) نقل صاحب اللسان عن بعض اللغويين تفسير اليامن بمعنى اليمين كالقادر والقدير وأنشد بيت رؤبة هذا. (¬2) زاد في التاج قوله: الذي كأنما يمشي على شق. (¬3) في اللسان (مادة فرق) قال ابن بري: صواب إنشاده: "ولقد وردت" بفتح التاء؛ لأنه يخاطب المرئيّ. (وفي اللسان "المرّى"؛ وهو تحريف). والذي في الأصل "وردت" بضم التاء. (¬4) في اللسان أن الفريقة بر وتمر وحلبة تطبخ للنفساء؛ وقيل تمر وحلبة. (¬5) العاج: حمار الوحش. وفي الأصل: المسترغف بالغين؛ وهو تصحيف.

أَجَزْت وجُزْت سواء. الخَرْق: الأرض البعيدة. يَركُد، الركود القيام لا يتحرك ولا يأكل، وذلك إذا اشتدّ عليه الحرّ حتى يبوخَ له النهارُ فيَرعىَ ويأكل. والمسترعِف: الذي بَصدِمه الحَرّ فيطأطئ رأسَه. إدامةَ المسترعِف، يقول: كما يديم المسترعف رأسَه، كما يَفعل الّذى يرعف. فأجَزْتَه بأفَلَّ يُحسَب أَثرُه ... نَهْجا أبانَ بذى فَريغٍ (¬1) مَخرَفِ الأفلّ: السَّيف به فَلَلٌ وُفلُولٌ (¬2) معا، قد قُورِعَ به. نَهْج: ماضٍ ذاهِب. والمَخْرَفة: الطريق من طُرُق النَّعَم (¬3). ومن قال: "قَريع" كان كما قال الراعي: كهُداهِدٍ كَسَرَ الرُّماةُ جَناحَه ... يدعو بقارعة الطريقِ هَدِيلا ويقال: "تركتُه على مِثلِ (¬4) مَخرَفةِ النَّعَم"، أي علي طريقها. ولقد نقيم إذا الخُصُوم تَنافَدوا (¬5) ... أحلامَهم صَعَرَ الخَصيم المُجْنِفِ المُجْنِف: الّذى يأمر بأمرٍ فيه جَنَف، أي عِوَج. والصَّعَر: المَيل؛ ويقال: والله لأقيمنّ صَعَرك أي مَيلَك. ¬

_ (¬1) الفريغ: الطريق الواسع. وفي الأصل: فريع بالعين المهملة؛ وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان (مادتي خرف وفرغ). (¬2) ذكر فى اللسان أن الأصح في معنى الفلول أنه جمع فلة لا مصدر. (¬3) كان الأولى أن يقول: المخرف والمخرفة إذ المخرف لفظ البيت. (¬4) كان الصواب أن يقول: "تركته على مخرفة النعم أي على مثل طريقها" بنقل كلمة "مثل" إلى العبارة التي تليها، وهو ما روى في حديث عمر رضي الله تعالى عنه "تركتكم على مخرفة النعم" أي على مثل طريقها التي تمهدها بأخفافها. اللسان (مادة خرف). (¬5) تناقدوا: تناقشوا. وروى في اللسان (مادة جنف): "تنافدوا" بالفاء، وهو من نافدت الخصم منافدة إذا حاججته حتى تقطع حجته.

حتّى يظلّ كأنّه مثبِّت ... بِرُكوحِ أمغَرَ ذى رُيودٍ مُشرِفِ الرُّكْح: الناحية من الجبل. ورُكْحَا كلِّ شيء: ناحيتاه (¬1). وأَمغَر: جبل أحمد يقول: مِن فَرَقِ أن يخطئ كأنّه على حرفِ جبلٍ يَتّقي أن يَسقُط منه. وإذا الكُماةُ تَعاوَروا (¬2) طَعْن الكُلَي ... نَدْرَ البِكارةِ في الجَزاءَ المُضْعَف يقول: كما تُندَر البِكارة في جَزاء الدمِ، وهو الدِّيَة. المُضْعَف: الّذى قد أضْعِف ديتُه (¬3)، يريد الدِّيَة التى تُضاعَف. والكَمِيّ: الشحاع الذي يَدْرِى كيف جهةُ قِتالِه. وقال أبو إسحاق: هذا مأخوذ من كمَى الرجلُ شجاعَته يَكْمِيها كَمْيا، وكَمَى بها (¬4) إذا كتمها، وجَمْع كَمِيّ كُماة. وتَعاوَروا نَبْلا كأنّ سَوامَها ... نَفَيانُ قَطْر في عَشِيٍّ (¬5) مُرْدِفِ سَوامُها: ما يَسُوم منها أي ما يُرمىَ منها (¬6) به. ومُردِف: مُظْلِم. ورَغَابهمْ سَقْبُ السماء وخُنِّقتْ ... مُهَجُ النفوسِ بكارِبٍ متزلِّف ¬

_ (¬1) في نسحة "جانباه". (¬2) في اللسان (مادة ندر) "تنادروا" مكان قوله: "تعاوروا" ثم قال بعد ذلك؛ يقول: تندر البكارة في الدية وهي جمع بكر من الإبل، قال ابن برى: يريدان الكلي المطعونة تندر أي تسقط فلا يحتسب بها كما يندر البكر في الدية فلا يحتسب به. الخ (¬3) الصواب إسقاط قوله "ديته" إذ المضعف صفة للجزاء الذي قد أضعف هو، لا للقتيل الذي قد أضعفت ديته. (¬4) لم يذكر في اللسان ولا في القاموس (مادة كمى) أنه يقال: كمى بشجاعته وإنما ذكر هذا الفعل معدّى بنفسه. (¬5) في الأصل: "نفيان قرط في غشيّ" وهو تحريف في كلا اللفظين إذ لم نجد للقرط ولا للغشيّ معنى يناسب السياق فيما راجعناه من كتب اللغة. (¬6) كان الأولى أن يقول: "ما يرمى به منها".

يقول: أصابهم ما أصاب قومَ ثمودَ حين رغا بهم البَكر (¬1) من الهلاك؛ وأنشِدْنا لعَلْقمةَ فيِ عَبْدة: رغَا فوقَهُمْ سَقبُ السماء فَداحِصٌ (¬2) ... بشِكّته لَم يُستلَبْ وسَلِيبُ وقوله: بكارِبٍ متزلِّف، بكارِب، أي بِكَرْب. متزلِّف: يتزلّف منهم أي يدنو من أجوافهم. وتبوّأ الأبطالُ بعد حَزاحِزٍ ... هَكعَ النَّواحِز فى مُناخ المَوْحِف (¬3) الهَكعْ: السُّعال. يقول: تبوَّأ الأبْطَالُ يَهْكَعون، يقال: هَكَعَ يَهكَع هُكاعا وهَكعا. النواحِز، يقول: يَزْحَرون (¬4)، قال: وأنشدَني أبو عمرو بنُ العَلاء: إذا راعِياها ثَوَّراها لمَنزِلٍ ... تُحَزْحز حتى يأذَنا بالتحَزْحز (¬5) يقول: جَعلوا يَزْفِرون كما يَزْفر البعير الناحِز. عَجلتْ يداكَ لخيرِهمْ بمُرِشّةٍ ... كالعَطِّ (¬6) وَسْطَ مزَادةِ المستخلِفِ ¬

_ (¬1) يريد بالبكر ولد ناقة صالح التي عقروها؛ وأضافه إلى السماء لأنه رفع إلى السماء قاله في اللسان (مادة دحص). (¬2) الداحص هو الذي يبحث بيديه ورجليه وهو يجود بنفسه كالمذبوح. (¬3) ورد هذا البيت في اللسان مادة (هكع) بعد ذكر الهكاع بمعنى السعال، وقال في تفسيره ما نصه: الحزاحز: الحركات، ومعناه أنهم تبوّأوا مراكزهم في الحرب بعد حزاحز كانت لهم حتى هكعوا بعد ذلك وهكوعم بروكهم للقتال كما تهكع النواحز من الإبل في مباركها أي تسكن وتطمئن. وقال في مادة (زحز) ما نصه: والحزحزة من فعل الرئيس في الحرب عند تعبية الصفوف، وهو أن يقدم هذا ويؤخر هذا، يقال هم في حزاحز من أمرهم، وأنشد هذا البيت ثم قال: والموحف: المنزل بعينه، وذلك أن البعير الذي به النحاز يترك في مناخه لا يثار حتى يبرأ أو يموت. وفي مادة (وحف) أن الموحف مبرك الإبل. (¬4) في اللسان أن النحاز سعال الإبل إذا اشتدّ. (¬5) لم نجد هذا البيت فيما بين أيدينا من الكتب. (¬6) العط: الشق. والمزادة: الراوية معروفة.

بمُرِشّة، أي بطعنةٍ واسعةِ الفَرْغ، يتفرّق دَمها. والمستخلِف: الذي يَستقِي لأصحابه. مُسْتَنّةٍ سَنَنَ الفُلُوِّ مُرِشّةٍ ... تَنفِى الترابَ بقاحِز مُعْرَوْرف يقول: تَجرِى على وجهها كما يَستنّ (¬1) الفُلوّ. وقوله: تنفِي التراب، أي تَطْرُدُه هذه الطعنةُ إذا دُفعت دَفْعة. والقاحز: النّازى. والمُعْرَوْرِف: الّذى له عُرْف. يقول: يَخرج منها الدمُ كأنّه عرْف في الطُّول، وإنما عَنَى بالقاحز الدّمَ نفسَه. يَهدِى السباعَ لها مُرِشُّ جَدِيّةٍ ... شَعْواءَ مُشْعَلةٍ كجَرِّ القَرْطَف يقول: تَشَمُّ السباعُ الدمَ فتَتبعُه. وقوله: شَعْواء. والشعْواء: المنتشِرة. والمُشْعَلة: المتفرِّقة. والجَدِيّة: الطريقة من الدم، وجِماعُها جَدايَا. والقَرْطَف: القطيفة، وكلُّ ما كان له خَمْلٌ فهو قَرْطف. ولقد غدوتُ (¬2) وصاحبى وَحْشيّةُ ... تحت الرداء بَصيرةٌ بالمُشْرفِ وصاحبى وحشِيّة، يريد رِيحا تَرفع ثوبه (¬3). بصيرةٌ بالمُشرِف، يقول: من أشَرفَ للرِّيح أصابتْه. حتّى انتهيتُ إلى فِراشِ عَزيزةٍ ... سَوْداءَ رَوْثةُ أَنفِها كالمِخْصفِ ¬

_ (¬1) الفلوّ: المهر إذا بلغت سنه سنة قاله في اللسان (مادة فلا) وأنشد صدر هذا البيت. (¬2) في رواية "عدوت" بالمهملة انظر اللسان (مادة وحش). (¬3) فسر في شرح القاموس الرداء بأنه السيف.

يريد أنّ طَرف مِنْسِرِها حديد دقيقٌ كأنّه مِخْصَف، وهو الّذى تُخصَف به أَخفافُ الإبل (¬1). والرَّوْثة: طَرف الأَنف. وإنّما يريد طَرَف مِنْقارها، وإنّما ذَكَر عُقابا. وفِراشُها: عُشُّها. * * * وقال أيضا أَزُهَير هل عن شَيْبةٍ مِن مَعْكِمِ ... أم لا خُلودَ لباذلٍ من متكرِّم قال أبو سعيد: قوله: مَعْكِم، أي مَرجِع (¬2)؛ ويقال: مضى فما عَكَمَ أي ما رَجَع. والباذل: الذي يَيذُل مالَه. يقول: ماله خلود. يَبكى خَلاوةُ أن يفارقَ أُمَّه ... ولسوف يلقاها لَدَى المتهوِّمِ يقول: سوف يَلْقاها في المنام. وخلاوة اسمُ ابنِه. أَخَلاوَ إنّ الدهر مُهلكُ من تَرَى ... من ذى بنين وأمِّهمْ ومِنِ ابنِم والدهرُ لا يَبقَى على حَدَثانه ... قُبٌّ يَرِدْنَ بذى شُجونٍ مُبْرمِ قبّ: خِماصُ البطون، يريد حميرَ وَحْش. بذى شُجون، والشُّجون: شِعاب تكون في الحَرّة، يَنبتُ المَرعَى مكانَها. والمُبْرِم: الذي قد خرجتْ بَرَمَتَه. والبَرَمة: ثمر الطَّلحْ. يَرتَدْن ساهرةً كأنّ جَميمَها ... وعَيمَها أسدافُ ليلٍ مظلمِ الساهرة: الأرض. وأنشَدَنا أبو سعيد لأميّة بنِ أبي الصَّلْت الثَّقَفيّ: ¬

_ (¬1) الصواب "وهو الذي تخصف به الأخفاف"، فإن أخفاف الإبل لا تخصف. (¬2) عبارة اللسان نقلا عن الجوهري: "معكم: معدل ومصرف".

وفيها لحمُ ساهرةٍ وبَحْرٍ (¬1) ... وما فاهوا به لهمُ مقيمُ والجَميم: النبت الذي قد نَبَت وارتفع قليلًا ولم يَتمّ كلّ التمام، صار مثلَ الجُمّة. والعَميم: المكتهِل التامّ من النّبْت؛ وأنشَدَنا لأبي ذؤيب: أَكَلَ الجَميمَ وطاوعتْه سَمْحَجٌ ... مِثلُ القَناة وأَزْعلتْه الأَمْرُعُ أزعَلَتْه: أنشَطَته. في مَرتَع القُمْرِ الأَوابد أُسقيتْ ... دِيَمَ العَماءَ وكلَّ غَيْثٍ مُثْجِم مَرْتَع: حيث تَرتَع وتَرعى. والقُمْر: حُمُرٌ بيضُ البطون. والأَوابِد: المتوحِّشة؛ ويقال: قد أَبَد إذا توحَّش، وأنشَدَنا لاْمرئ القيس: * قَيْدِ الأَوابِدِ هَيْكَلِ * (¬2) والدِّيَم: جمع دِيمة، وهي المطر الساكن. والعَماء: السحاب الرقيق. والغَيْث: يُجعَل مرّة اسما للكَلَإ، ومرّة اسما للمطر. ومُثْجِم: مقيم، ومُنْجِم: مُقْلِع. ويقال: قد أثجمتْ علينا السماءُ حتى خشينا الهلاكَ. وأنْجمتْ إذا أَقلعتْ وأنشَدَ لأبي ذؤيب: * فَأثجَمَ بُرْهَةً لا يُقلِعُ (¬3) * بُرْهة: زمنٌ وحِين، أي أَقامَ. ¬

_ (¬1) يريد لحم البرّ والبحر. وفيها، أي في الجنة. (¬2) بيت امرئ القيس: وقد أغتدي والطير في وكناتها * بمنجرد قيد. . . . . . . . الخ يصف حصانا. (¬3) البيت بتمامه: بقرار قيعان سقاها وابل ... واه فأثجم برهة لا يقلع

واهى العُروضِ إذا استطار بُروقُه ... ذاتَ العِشاء بهَيْدَبٍ متهزِّم واهٍ: يقول كأنّما تشقّقتْ نواحيه بالماء. والهيْدَب: الّذى يتدلّى من السحاب كأنّه هُدْبُ قطيفة. ومتهزِّم: متشقِّق بالماء. استطارَ بُروقُه، أي انكَشفَ. وكأنّ أصواتَ الخَموش (¬1) بجَوِّه ... أصواتُ رَكْبٍ في مَلاً متزنِّمِ الخَموش: البَعوض كأنّ أصواتهنّ تطريبُ رَكْب يُغَنّون في صَحرْاء؛ ويقال: راكب ورَكْب مِثلَ صاحب وصَحْب وسافر وسَفْر وشارب وشَرْب. عَجِلَ الرياحُ لهمْ فتَحمِلُ عِيرُهمْ ... مُصْطافةً فَضَلاتِ ما في القُمْقُمِ يقول: أصابوا رِيحا فطابت أنفسُهم. وقوله: فَضَلاتِ ما في القُمْقُم، أي فَضَلات ما في الدَّنّ. وقال الآخر: * كَمْيحِ (¬2) القَماقِم ما في القِلال * ومصطافة: في الصيف. فرأين قُلَّةَ فارسٍ يَعْدو به ... متفلِّقُ النَّسَيَنِ نَهْدُ المَحْزِمِ يعنى هذه الحمير الّتى وصفها. قُلّة فارس: رأس. نَهْد المَحزِم، أي عظيم البطن، وهو موضع الِحزام للفرسِ. ذو غَيِّثٍ بَثْرٍ يَبُذُّ قَذالُه ... إذ كان شَغشَغَةُ (¬3) سِوارَ المُلجِمِ ¬

_ (¬1) ضبط في الأصل الخموش بضم الخاء؛ وقد ضبطناها بالفتح عن اللسان "مادة خمش". (¬2) أصل الميح في الاستقاء أن ينزل الرجل إلى قرار البئر إذا قل ماؤها فيملأ الدلو بيده يميح فيها بيده قاله في اللسان (مادة ميح). (¬3) الشغشغة: تحريك اللجام في فم الدابة، يقال: شغشغ الملجم اللجام إذا امتنعت الدابة على اللجام فردّده في فيها تأديبا.

الغيِّث: شيء بعد شيء من جَرْيِه؛ ويقال بئر ذاتُ غَيِّث إذا كان ماؤها يجيء شيئاً بعد شيء. وفرس ذو غَيِّث أي يجيء منه عَدْوٌّ بعد عَدْو؛ يريد أنّه شديد الجَرْي، وإنما جَعَل هذا مَثَلا. والبَثْر: الكثير. وسِوارُ المُلْجِم: مُساوَرَتُه إيّاه إذا كان الإلجام. وكأنّ أَوْشالَ الجَدِيّةِ وَسْطَها ... سَرَفُ الدِّلاءَ مِن القَلِيبِ الِخضْرِمِ (¬1) الوَشَل: الماء يَقطُر ويسيل؛ ويقال عَيْن بني فلانٍ تكفيهم ويَذهَب باقيها سَرَفا في الأرض. والخِضِرم من الآبار: الكثيرة الماء. والخِضْرِم من الرجال: الكثير الخير والفضل. قال الأصمعي. وزعم جريرُ بنُ حازم (¬2) قال: قال لي العجَّاج: أو قال لرجل: أين تريد؟ قال: البحرين. قال. لَتَوافِقنّ بها نَبيذا خِضْرِما أي كثيرا. وسَرَفُ الدِّلاء: ما يَذهب من الماء فضلا عمّا يُستقَى، يقال: ذهب ماءُ القَلِيبِ سَرَفا. متبهِّراتٍ بالسِّجال مِلاؤها ... يخْرجن من لجَفٍ لها ملقِّمِ (¬3) ¬

_ (¬1) يلاحظ أنه لا صلة بين هذا البيت وبين ما قبله؛ والظاهر أن قبل هذا البيت بيتا أو أكثر قد سقط من القصيدة، إذ أن هذا البيت في وصف طعنة طعن بها هذا الفارس السابق ذكره أحد هذه الحمر كما يتبين ذلك من ذكر الجدية، وهي الطريقة من الدم. (¬2) في اللسان (مادة خضرم) "ابن الخطفي" وقد وردت فيه هذه القصة هكذا: وخرج العجاج يريد اليمامة، فاستقبله جرير بن الخطفى، فقال: أين تريد؟ قال: أريد اليمامة؛ قال: تجد بها نبيذا خضرما" اهـ. (¬3) ضبط هذا اللفظ في اللسان مادتي (لجف وبهر) بفتح القاف المشدّدة. والذي في الأصل: "كسرها" وهو الصواب كما يظهر لنا.

المتبهِّر: الممتلئ. ويقال للرجل: بَهَرَه أمرُ كذا وكذا أي ملأ صدرَه. واللَّجَف: ما تَهدّم من طَىِّ البئر من أسفلها، يريد صوتَ الماء؛ ويقال: سمعتُ تَلقُّمَ البئرِ يعنِي صوتَ الماءِ من (¬1) أسفلها. فاهتَنجن مِن فَزَعٍ وطارَ جِحاشُها ... من بين قارِمِها وما لَم يَقْرِم القارم: الّذى قد فُطِم فهو يَقْرِم من بُقول الأرض؛ ويقال للرجل إذا كان زَهِيدا في الطعام: إنّما يَقرِم كما تَقرِم السَّخْلة. وَهَلًا وقد شَرَعَ الأسِنّةُ نحوَها ... من بين مُحْتَقٍّ بها ومشرَّمِ الوَهَل: الفَزَع. والمُحْتَقّ: الذي قد أُصيبَ فاحتَقَّ الرَّمْيَة (¬2). والمشَّرم: الذي قد شُقَّ بالعَرْض، يقال: شْرَمَه يَشرِمه شَرْما. ¬

_ (¬1) عبارة القاموس "تلقم الماء: قبقبته من كثرته". (¬2) عبارة اللسان (مادة حقق) المحتق من الطعن: النافذ إلى الجوف، وأنشد هذا البيت، ثم قال: أراد من بين طعن نافذ في جوفها وآخر قد شرم جلدها ولم ينفذ إلى الجوف. وعبارته في (مادة شرم) المحتق الذي قد نفذ السنان فيه فقتله ولم يفلت. وقال في التشريم: هو أن ينفلت الصيد جريحا. وأنشد هذا البيت أيضا.

وقال أبو خراش

وقال أبو خِراش واسمه خُوَيلِد بنُ مُرُّة أحدُ بني قِرد بنِ عمرو بنِ معاوية ابن تميم بن سعد بن هُذَيل، ومات في زمن عمر بنِ الخطاب -رضي الله تعالى عنه- نهشته حيّة -وهو صحابيّ "قال أبو حِراش- يرثى أخاه عمرو (¬1) بنَ مُرّة وإخوَتَه فَرَطوا أمامَه". وأبو خاش وإخوتُه بنو لُبْنَى: لَعَمْرِى لقد راعت أُمَيْمةَ طَلْعنى ... وإنّ ثَوائي عندها لَقليلُ ثَوائى: مُكْثى. والثَّواء: المُقام. يقول: راعَتْها رُؤْيتي. تقول أَراه بعد عُرْوةَ لاهِيًا ... وذلك رُزْءٌ لو عَلمتِ جليلُ لاهيًا: لاعبا، من اللهو. جليل: عظيم. ولا تحسَبي أنِّي تناسَيتُ عهدَه ... ولكنّ صبرى يا أُمَيْمَ جميلُ ألم تعلمي أن قد تَفرَّقَ قبلَنا ... خليلَا صَفاءٍ مالكٌ وعَقيلُ ¬

_ (¬1) كذا في كلتا النسختين الشنقيطية والأوربية. ويلاحظ أن هذه القصيدة قالها في رثاء أخيه عروة بن مرة وحده دون بقية إخوته، كما يتبين ذلك من القصِيدة، وكما يدل على ذلك ما ورد في الأغاني ج 21 ص 65 طبع أورابا فقد ورد فيه ما نصه: دخلت أميمة امرأة عروة بن مرة على أبى خراش وهو يلاعب ابنه، فقالت له: يا أبا خراش، تناسيت عروة وتركت الطلب بثأره ولهوت مع ابنك، أما والله لو كنت المقتول ما غفل عنك، ولطلب قاتلك حتى يقتله. فبكى أبو خراش وأنشأ يقول: "لعمرى لقد راعت" القصيدة. وأما التي في رثاء عمرو بن مرة وإخوته فهي القصيدة التي تلى هذه.

قال أبو سعيد: هما رجلان (¬1) كانا في غابر الأُمَم. أَبَى الصبرَ أنِّي لا يزال يَهيجُنى ... مَبيتٌ لنا -فيما خَلَا- ومَقِيلُ وأنِّي إذا ما الصُّبح آنستُ ضَوءَه ... يعاوِدني قِطعٌ علىَّ ثقيلُ آنستُ: ضوءَه. يقول: كأن قد قَرُب الصبحُ منّى في ظنّي. وقِطْع أي قِطْع من اللّيل أي بقيّة. أَرَى الدهرَ لا يَبقَى على حَدَثانهِ ... أَقَبُّ تُبارِيه جَدائدُ حُولُ أقبّ: حمارٌ خَميص البطن. جَدائد: جمع جَدود وهي الّتى لا لبن لها وحُول: جمع حائل، وهي الّتى لم تَحمل من عامها. أَبَنَّ عقاقًا (¬2) ثم يَرْمَحْن ظَلْمَه ... إباءً وفيه صَولةٌ وذَميلُ قال أبو سعيد: الإبانة: استبانةُ الحَمل؛ يقول: أطهرن حَملَهنّ. وقوله: "ظَلمه" قال: هو طَلبُه منهنّ السِّفادَ في غير موضعه، فمن أراد المَصدَر قال: "ظَلْمَه"، ومن أراد عَمَلَه قال: "ظُلْمَه"؛ وإنما يُنشَد "ظَلْمَه"، ومثله دهنتُه دَهْنا إذا أراد العَمَل، وإن أراد الاسم قال: دهنتُه بدُهْنٍ طيّب، قال: وهذا مِثلُ قول ¬

_ (¬1) مالك وعقيل: هما نديما جذيمة الأبرش، وإليهما يشير متمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك بقوله: وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا وبهما يضرب المثل في الاجتماع وعدم التفرق. (¬2) في الأصل: "عفافا" بفاءين؛ وهو تصحيف؛ والعقاق كسحاب وكتاب الحمل بعينه، كما ورد أيضاً أن العقاق بكسر العين أيضاً جمع عقق بضمتين، وهو جمع عقوق كصبور، وهي الحامل. ويلاحظ أن بين معنى هذا البيت وبين قوله في البيت الذي قبله "حول" وهي الأتن اللواتي لم تحمل تناقضًا ظاهرًا.

الرجل: والله لأدفعنَّ ظَلْمَك عن ظُلْمِه. قال: يقول هنّ لَقِحْن، فوَضْع السِّفادِ في غير موضعه؛ ويقال: أعقَّت الأَتانُ، إذا عَظُم بطنُها؛ ويقال: قد ظَلَم الرجلُ سِقاءَه وهو أن يَمْخَضَه ويضعَ يدَه فيه قبل أن يَرُوب؛ وأنشَدَنا عيسى بنُ عمر: وصاحبِ صِدقٍ لم تَنَلْني (¬1) شَكاتُه ... ظَلمَتُ وفي ظَلمِي له عامِدًا أَجْرُ (¬2) يعني سقاه ما في سِقائه قبل أن يُدرِك. وقوله: وفيه صَولة وذَمِيل، يقول: وله عليهنّ أيضاً صِيالٌ وذَميل (¬3). يَظَلّ على البَرْز اليَفاعِ كأنّه ... من الغارِ (¬4) والخوفِ المُحِمِّ وَبِيلُ البَرْز: ما يَبرُز للضِّحِّ (¬5). واليَفاع: ما ارتَفَع من الأرض. والوَبِيل: العصا الغليظةُ الشديدة. والإبّالة: حُزْمة من حَطَب؛ وأنشَدَنا لطَرَفة بن العَبْد: ¬

_ (¬1) في اللسان (مادة ظلم)، "لم تربني" بكسر الراء وسكون الباء. (¬2) ورد في اللسان (مادة ظلم) في تفسير هذا البيت ما نصه: هذا سقاء سقى منه قبل أن يخرج زبده. (¬3) الذميل كأمير: سير لين مع سرعة؛ وقيل: هو فوق العنق بالتحريك. (¬4) قال في اللسان (مادة غور) الغار: شجر عظام له ورق طوال أطول من ورق الخلاف وحمل أصغر من البندق أسود له لب يقع في الدواء؛ وله دهن يقال له دهن الغار. فيريد الشاعر أن هذا الحمار يخاف أن يكون في هذا الشجر صائد مستتر، أو أنه يحسب أن هذا الشجر شخوض فهو مذعور منه؛ وقد سبق مثل هذا المعنى في شعر ساعدة، قال في وصف حمار وحش: موكل بشدوف الصوم يرقبها ... من المناظر مخطوف الحشا زرم والصوم: شجر على شكل شخص الإنسان كريه المنظر جدا الخ ما ذكرناه في التعريف بهذا الشجر فانظره ثم في ج 1 ص 194 حاشية 5 من هذا الديوان. أو لعله يريد بالغار هنا الجماعة من الناس. (¬5) الضح: الشمس؛ وقيل: ضوءها.

فمرّت كَهاةٌ (¬1) ذاتُ خَيْفٍ جُلالةٌ ... عَقيلةُ شيخٍ كالوَبيلِ يَلَنْدَدِ أَلَنْدَد ويلَنْدد: الغليظ الشديد. وقوله: الغار [والخوف] (¬2) المُحِمّ، هو الذى يأخذ (¬3) معه هَمٌّ وحديثُ نفس. ويقال: حاجة مُحِمّة. وإنما يريد أنه ضَمَر حتّى صار مِثلَ العصا؛ وأنشَدَنا خَلَف الأحمر: لا يَلتَوى من الوَبيِل القِسْبارْ (¬4) ... وإن تَهَرّاه بها العبدُ الهارْ تَهرّاه، يعني ضرَبَه بالهِراوة. وَظلَّ لها يومٌ كأنّ أُوارَه ... ذَكا النارِ من فَيْحِ الفُروغِ طَويلُ الأُوار: الوَهَج. وقوله: ذَكا النار، هو اشتعالها من وَهَج طَبْخِ السَّموم. وقوله: مِن فَيْح الفُروغ، يقول: يَفيح (¬5) من فُرُوغهِ أي من مَجْراه الّذى يَجرِى منه كمِثْل فَرْغِ الدَّلْو. طويل: لا يكاد ينقضى مِن طُولِه وشِدّته. فلما رأين الشمسَ صارت كأنّها ... فُوَيْقَ البَضِيعِ في الشُّعاع خَمِيلُ البَضيع: الجزيرة في البحر. يقول: صارت الشمس حين دنتْ للغروب كأنّها قطيفةٌ لها خَمْلٌ لشُعاعِها. يقول: تراها كأنّ لها هُدْبا. وكلّ جزيرة في البحرِ بَضِيع. فَهيَّجَها وانشامَ نَقْعا كأنّه ... إذا لَفَّها ثم استمَرّ سَحيلُ ¬

_ (¬1) الكهاة: الناقة الضخمة التى كادت تدخل في السن؛ أو هي العظيمة السنام الكريمة على أهلها. ويريد بالشيخ أباه. (¬2) لم ترد هذه الكلمة التي بين مربعين في الأصل؛ والسياق يقتضى إثباتها. (¬3) حذف مفعول "يأخذ" للعلم به، أي يأخذك معه همّ أو يأخذ المرء معه الخ. (¬4) القسبار والقشبار: من أسماء العصا. (¬5) يفيح، أي يفور ويسطع ويهتاج.

اِنْشامَ (¬1) نَقْعا: دخل فيه، أي دخل فى نَقْع كأنّه هذا النَّسيجُ قبل أن يُنْسَج. والنَّقْع: الغُبار. والسَّحِيل: خَيْطٌ لم يُبرَم، شبّه به الحمار (¬2). مُنيبًا وقد أَمسَى تَقدَّمَ وِرْدَها ... أُقَيْدِرُ مَحْموزُ القِطاعِ نَذيلُ مُنيبا أي راجعا. مَحْموز القِطاع، يقال: رجل محموز الفؤاد أي شديد الفؤاد. ويقال: كلّمته بكلمةٍ حَمَزتْ فؤادَه، وإنما يريد أنه محموز السّهام. والأقَيْدِر: القصير العُنُق؛ ويقال: نذِيل ونَذْل وسَمِيح وسَمْح، وإنما جَعَله نَذِيلا لقشَفِه ورَثاثةِ حالِه. والقِطْع: النَّصْل العريض القصير. والقِطاع للجميع. فيقول: "هي مَباعجُ (¬3) منكرة"، يعنى سِهامَه. فلما دَنَتْ بعد استماعٍ رَهَفْنَه ... بنَقْب الحجاب وَقْعُهنّ رَجيلُ قوله: بعد استماع، أي بعد ما استَمَعتْ هل تَسمَع صوتا أم تَرَى أحدا. وقوله: بنَقْب الحجاب، أي بطريقه، وكلُّ طريقٍ فى غِلَظٍ نَقْبٌ. والحِجاب: مرتَفعٌ يكون فى الحَرّة (¬4) عند اعتداله انقطاعها (¬5). فيقول: ليست بمنبسِطة. والنَّقْب: الطريق فيها، وهو مرتفع. وقولُه: رَجِيل، يقال: دابّة ذات رُجْلة أي قويّة على ¬

_ (¬1) فى الأصل: "انسام" بالسين المهملة؛ وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان (مادة شام) فقد ورد فيه: "والانشيام فى الشئ: الدخول فيه". (¬2) صوابه "الغبار" مكان قوله "الحمار" إذ المعقول هو تشبيه الغبار بهذه الخيوط التي لم تبرم؛ لا تشبيه الحمار بذلك. (¬3) المباعج: المشقوقة، يريد أنها مفتوقة الأغرة، أي الحدود، أي أنها عريضة النصال. (¬4) الحرة: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنما أحرقت بالنار. (¬5) عبارة اللسان: "الحجاب منقطع الحرة".

السَّيْر. ويقال: رجُل رَجِيل: إذا كان قويًا على المشى صَبورا. ويقال: حَرّة رَجْلاء، أي غليظة مُنكرة. يُفَجِّينَ بالأَيْدِى على ظَهْرِ آجِنٍ ... له عَرْمَضٌ (¬1) مستأسِدٌ ونَجِيلُ يفجِّين بالأَيْدى أي يَفْتَحْن ما بين أيديهنّ. وقوله: مستأسِدٌ، إذا طال النَّبتُ يقال: قد استأسَدَ النَّبْت. والنَّجِيل: ضَرْبٌ من الحَمْض. فلمّا رأى أن لا نَجاءَ وضَمَّه ... إلى الموت لِصْبٌ حافظٌ وقَفِيلُ اللِّصْب: الشّق فى الجبل. والقَفِيل: المكانْ اليابس. حافِظ، يقول: هو يَحفَظه أن يأخذ يمينا وشِمالا فيمرَّ على غير طريق الرامى. وكان هو الأدنى فَخلَّ (¬2) فؤادَه ... من النَّبْل مفتوقُ الغِرار بَجِيلُ يقول: كان هذا الحمارُ أقربَهنّ من الرامى. وقوله: مفتوق الغِرار أي عريض النَّصْل. والغِرار: الحدّ. قال: والغِراران الحدّان. والبَجِيل: الضَّخْم؛ ويقال: رجل بَجِيل وبجَال، إذا كان ضَخْما، يوصَف به الرجل، وإنما هو ها هنا السَّهْم. كأنّ النَّضِىَّ بعد ما طاش مارِقا ... وراءَ يديْه بالخَلاء طَمِيلُ النَّضِىّ: القِدْح من غير حديدةٍ ولا رِيش. قال: هذا أصلُه، ثم كثر حتي صار السهمُ نفسُه يقال له النَّضِىّ. والطَّمِيل: المَطْلِىّ؛ يقال: طمَلَه بالدَّمِ وطَلاه سواء. ولا أَمْعَرُ (¬3) السّاقَيْن ظَلَّ كأَنَّه ... على مُحْزَئلّات الإكامِ نَصيلُ ¬

_ (¬1) العرمض والعرماض: الطحلب. قال اللحيانى وهو الأخضر مثل الخطمى يكون على وجه الماء اللسان (مادة عرمض). (¬2) خل، أي ثقب، يقال: خل الشئ إذا ثقبه. (¬3) ولا أمعر الساقين: عطف على قوله فى البيت السابع من هذه القصيدة: "أقب" الخ.

أَمعَرُ الساقين (¬1): يريد صَقْرا من الصُّقور. والنَّصيل: حَجَر يُجعَل فى البئر (¬2). والمُحْزئلّ: المُشِرف، والمجتمِع، ومِثلهُ قولهُ: وأَقبَلتِ اليَمامةُ وَاحزألّت ... كأسيافٍ بأَيْدِى مُصْلِتينا (¬3) رأى أَرْنَبا مِن دونها غَوْلُ أَشرُجٍ ... بَعيدٌ عليهنّ السَّرابُ يزولُ غَوْل، أي ذاتُ بُعْد. أَشرُج: شقوق تكون فى الحَرّة بعيدةٌ طوال. ويقال: شَرْج، وشُرُوج للجِماع. يزول: يتحرّك علينّ السراب. فضَّمَّ جَناحَيه ومِن دون ما يَرَى (¬4) ... بلادٌ وُحوشٌ أَمْرُعُ ومُحولُ بلادٌ وُحوش، أي بلاد واسعة تسكنها الوحوش. وقد نَفَضَ هذه البلادَ الواسعة (¬5)، ومثلُه: الدار من أهلها وُحوش، أي خاليةٌ إلاَّ من الوَحْش. تُوائِلُ منه بالضَّراءِ كأنّهما ... سَفاةٌ لها فوق التراب زَليلُ تُوائِل: يريد لتنجوَ منه. والضَّراء: ما واراك من الشجر، وهو ما يواءَل فيه. زليل أي تَمُرّ. يقول: من خِفّتها كأنّها سَفاةُ بُهْمَى (¬6) تَزِلّ فُوَيْق الأرض؛ ومِثلهُ قول لَبيد بنِ ربيعة: "تَزِلُّ عن الثَّرى أزلامُها (¬7) " أي من خِفّتها. والسَّفاة: شَوْكَةُ. ¬

_ (¬1) أمعر الساقين: لا ريش عليهما. (¬2) فى اللسان: النصيل حجر طويل مد ملك قدر شبر أو ذراع. (¬3) البيت لعمرو بن كلثوم من معلقته، وروى أيضا "فأعرضت اليمامة واشمخرّت". (¬4) فى كلا الأصلين "ترى" بالتاء، وهو تحريف. (¬5) يقال: نفض المكان إذا نظر جميع ما فيه حتى يعرفه. (¬6) البهمى: نبت تجد به الغنم وجدا شديدا ما دام أخضر، فإذا يبس هر شوكه وامتنع، وهو يرتفع قدر الشبر، وهو ألطف من نبات البر. وقال أبو حنيفة: هي خير أحرار البقول رطبا ويابسا، وحين تخرج من الأرض تنبت كما ينبت الحب ثم يبلغ بها النبت إلى أن تصير مثل الحب، ويخرج لها إذا يبست شوك يشبه شوك السنبل اللسان (مادة بهم). (¬7) يصف الشاعر ناقة، والبيت بتمامه: حتى إذا حسر الظلام وأسفرت ... بكرت تزل عن الثرى أزلامها أسفرت: دخلت فى وقت الإسفار. أزلامها، يريد قوائمها التى تشبه الأزلام أي قداح الميسر.

يقرِّبه النَّهْضُ النَّجيحُ لمِا يَرَى ... ومنه بُدُوٌّ مَرّةً ومُثولُ يقول يبدو مرّةً فيَظهر ويتبيّن، ويَمثُل أحيانا فيغيبِ مُثولَ ذَهابٍ، تقول: رأيث شخصا فى جوف اللّيل ثم مَثَل عنّى فلم أرَه أي غاب. فأَهوَى لها فى الجوِّ فاختَلَّ قَلْبَها ... صَيُودٌ لحَبّات القلوب قَتولُ فأَهوَى لها، يقول: أَهوَى بِيَدِه ليَخْطَفَها. فاختَلَّ أي انتظم. صَيُود، يقول: هو صَيُود لحَبّات القلوب، يعنى الأفئدة. * * * وقال أيضًا فَقدتُ بنى لُبْنَى فلمّا فَقَدْتُهمْ ... صبرتُ ولم أَقطَعْ عليهمْ أَباجِلى قال أبو سعيد: بنو لُبنَى إخوته، وضرَبَهم مَثَلا. قال: يقول لم أَجْزع كجَزَع غيرى. والأَبْجَل: عِرْق فى الرجل (¬1)، يقول: صبرتُ فلم أَقطعْ نفسِى فى آثارِهم؛ وأَقطعْ عُروقى عليهم. حسانُ الوجُوهِ طيّبٌ حُجُزاتُهُمْ ... كريمٌ نَثاهمْ غيرُ لُفٍّ مَعازِلِ قوله: طيّب. حُجُزاتُهمْ، أي هم أعفّاء، يقال: فلان طيّب الحُجْزة (¬2)، إذا كان عفيفا؛ وقال النابغة الذُّبيانىّ: حِسانُ الوُجوه طيّب حُجُزاتُهمْ ... يُحيَّوْنَ بالرَّيحْان يومَ السَّباسِبِ (¬3) ¬

_ (¬1) زاد فى اللسان "غليظ". (¬2) الحجزة فى الأصل: معقد السراويل والإزار. (¬3) يوم السباسب: عيد للنصارى قاله فى اللسان مادة (سبسب) واستشهد ببيت النابغة هذا إلا أنه ذكر فى أوله "رقاق النعال" بدل "حسان الوجوه".

وقوله: كريمٌ نَثاهمْ، يقال: نَثَا عليه ذلك الأمرَ إذا بحث عنه (¬1) واستخرجه. والأَلَفّ: الثقيل؛ ويقال: فى لسانه لَفَف، إذا كان فيه ثِقَل. والأعزَل: الّذى لا سِلاح معه (¬2). رِماحٌ من الخَطِّىَّ زُرْقٌ نِصالهُا ... حِدادٌ أعاليها شِدادُ الأسافلِ زُرْق: بِيض، وتقول: نُطْفة زَرْقاء، إذا كانت بيضاء، تريد الماءَ، وعَنى بالنِّصال الأسنَّةَ. قتلتَ قتيلا لا يُحالِفُ غَدْرةً ... ولا سُبّةً لا زلتَ أسفلَ سافلِ لا يحالِف غَدْرْةً أي لا يلازم الشرِّ والغَدر. لا زِلْتَ أسفلَ سافِل، لا زِلتَ فى سَفالٍ ما عِشتَ. وقد أَمِنونِى واطمأنّت نفوسُهمْ ... ولم يَعلَوا كلَّ الّذى هو داخلى داخلى، أي ما فى جوفي من الوجد والحُزْن. فمن كان يرجو الصّلحَ منهمْ فإِنّه ... كأحمرِ عادٍ أو كُلَيبٍ لِوائلِ يقول: هذا القتيلُ كأحمرِ عاد، وإنما يريد كأحمرِ ثمودَ الذي عقر الناقة. يقول: هذا القتيلُ فى شؤمِ ذاك وفي شؤمِ كُلَيبٍ لوائل. ¬

_ (¬1) ورد فى الأصل بعد قوله: "عنه" قوله: "منه شيئا"، وهي زيادة من الناسخ لا مقتضى لها هنا؛ وفى كتب اللغة أنه يقال: ثنا عليه قولًا إذا أشاعه وأظهره؛ يصفهم بأن كرمهم متحدث عنه. (¬2) يلاحظ أن الشارح قد فسر الأعزل ولم يبين واحد المعازل المذكور فى البيت. ويستفاد من كتب اللغة أن أصل معازل معازيل، واحده معزال، وهو بمعنى الأعزل.

أُصيبتْ هُذَيْلٌ بابن لُبْنَى وجُدِّعتْ ... أُنوفُهمُ باللَّوْذَعىِّ الحُلاحِلِ اللَّوْذعىّ: الحديدُ اللّسان ذو القلب الذّكىّ. والحُلاحِل: الرَّكين الرَّزين وأَنشد لامرئ القيس: القاتلِين المَلِكَ الحُلاحِلا ... خيرَ مَعَدٍّ حَسَبا ونائلا رأيتُ بنى العَلّات لمّا تَضافَروا ... يَحُوزون سَهْمى دونهمْ بالشَّمائلِ تَضافَروا: تَعاوَنوا. والتّضافُر: التعاوُن. وقولُه: فى الشّمائل (¬1)، أي يجعلوننى فى الشمائل؛ وهذا مِثلُ قولهم: عندى فلانٌ باليمين، أي بالمنزلة العُلْيا. فلَهْفِى على عَمرِو بنِ مُرّةَ لَهْفةً ... ولَهْفِى على مَيْتٍ بقَوْسَى المَعاقِلِ قَوْسَى المَعاقل: موضع من بلاد هُذَيل أو بناحيتهم (¬2). * * * (وقال أيضًا) لقد علمتْ أُمُّ الأُدَيْبِرِ أنّنى ... أقول لها هَدِّى ولا تَذْخَرى لحَمْى قوله: هَدِّى، أي اقسِمى هدّيتَكِ وما عندَكِ ولا تَذْخَرى. فإِنّ غدًا إن لا نجِد بعضَ زادنا ... نُفِئْ لكِ زادا أو نُعَدِّكِ بالأَزْمِ ¬

_ (¬1) "فى الشمائل" بالفاء مكان الباء، هذه رواية أخرى وردت فى اللسان أيضا (مادة شمل). وفسر قوله "فى الشمائل" فقال: أي ينزلوننى بالمنزلة الخسيسة. (¬2) ذكر ياقوت أن قوسى بلد بالسراة، كما ذكر أيضا أن فيه قتل عروة بن مرة أخو أبى خراش ونجا ابنه خراش. وعروة هذا هو الذي يريده الشاعر فى هذا البيت بقوله "ولهفى على ميت" الخ.

نُفِئ لكِ زادا، أي نُفِىْ عليكِ فَيْئا، ونُعَدِّك: نَصْرِفُكِ بإمساك الفم، أي نَصْرِفُكِ بأَزْمِه لا تأكلين. وحدّثنا الأصمعىّ قال: حدّثنا سُفْيان بنُ عُيَينة قال: قال عمرُ بنُ الخطّاب - رضي الله تعالى عنه - للحارث بن كَلَدة: يا حارِ، ما الطِّبّ؟ قال: الأَزْم، يعني إمساكَ الفم عن الطعام. إذا هي حَنّتْ للهوى حَنَّ جَوْفُها ... كجَوْف البعير قَلبُها غيرُ ذى عَزْمِ يقول: إذا حَنّث إلى أهلها وبلدِها فَتحتْ فمهَا، تحنّ كما يحنّ البعير. قَلْبُها غيرُ ذى عَزْم، أي هي غير ساكنة، وذلك أن العازم يَسكُن. فلا وأبيكِ الخير لا تَجِدينَه ... جَميلَ الغِنَى ولا (¬1) صبورا على العُدْمِ يقول: لا تَجِدِينه جميلَ الأمر إذا استغنى ولا تَجِدينه صَبورا اذا افتَقَر. ولا بَطَلا إذا الكُماةُ تَزيَّنْوا ... لَدَى غَمَرات الموتِ بالحالك الفَدْمِ الفَدْم: الثقيل من الدم، وهو ها هنا الخاثر، وكذلك صِبْغٌ مُفْدَم. قال أبو سعيد: وزْينتهُمْ فى الحرب أن يتضمّخوا بالدم؛ وهذا مَثَل. والفَدْم: الشديد الحُمْرة. وثوبٌ مُفْدَم: إذا كان مشبَعَ الصِّبغْ، وأراد هو بالحالك الفَدْم أىَّ دم شديدِ السّواد؛ يقول: إذا كان هذا زينتهم. أبَعْدَ بلائى ضَلّتِ البيتَ مِن عَمًى ... تُحِبُّ فِراقى أو يَحِلُّ لهما شَتْمِى ¬

_ (¬1) فى النسختين الشنقيطية والأوربية "إلا صبورا"؛ وهو تحريف إذ لا يتفق هذا مع قوله بعد: "ولا بطلا". والصواب ما أثبتنا نقلا عن خزانة الأدب ج 2 ص 365. وقال البغدادى فى تفسير هذا البيت: يقول: إن تزوجت زوجا لا تجدينه متعففا ولا يصبر على العدم أي الفقر. اهـ

يقول: لا أَبصرتْ، دعاءٌ عليها. ضَلّت كما يَضلّ الأعمى، يدعو عليها يقول: أَعمَى الله بصَرها حتى لا تهتدى إلى البيت. وإنّى لأُثْوِى الجُوعَ حتى يَملَّنى ... فيَذهبَ لَم يَدْنَسْ ثيابى ولا جِرْمى (¬1) لَأُثوِى الجوعَ، يقول: أطيلُ حبسَه عندي حتى يَمَلنَّى. يقول: أَصبِر صَبْرا شديدا. والجِرْم: الجسد. يقول: لَم يَلحقْنى عار. وأَغتَبِق الماءَ القَراحَ فأنتهِى (¬2) ... إذا الزاد أَمسَى للمزلجَّ (¬3) ذا طَعْم يقول: أَغتبِق الماءَ القَراح تكّرما فتنتهى نفسى، وأنشَدَ لحسّانَ بنِ ثابت: وأُكثِرُ أهلى من عِيالٍ سواهمُ ... وأَطوِى على الماءِ القَراحِ المبرَّدِ وأنشد لعنترة: ولقد أَبِيتُ على الطَّوَى وأَظَلُّه ... حتّى أَنالَ به كريم المأكَلِ والمزلَّج: الّذى ليس بالمَتين، وهو الأمر الخفيفُ الّذى ليس بكثيف وكذلك هو أيضا من الرجال الّذي ليس بالتامّ (¬4). وَعَيْشٌ مُزَلجَّ: إذا كان فيه بعض ¬

_ (¬1) ذكر صاحب الأغانى فى ترجمة أبى خراش ج 21 ص 60 طبع بولاق أن أبا خراش أقفر من الزاد أياما، ثم مر بامرأة من هذيل جزلة شريفة، فأمرت له بشاة فذبحت وشويت، فلما وجد بطنه ريح الطعام قرقر، فضرب بيده على بطنه وقال: إنك لتقرقر لرائحة الطعام، والله لا طعمت منه شيئًا. ثم قال: يا ربة البيت؛ هل عندك شيء من صبر أو مر؟ قالت: تصنع به ماذا؟ قال: أريده، فأتته منه بشئ فاقتمحه ثم أهوى إلى بعيره فركبه، فناشدته المرأة فأبي، فقالت له: يا هذا، هل رأيت بأسا أو أنكرت شيئا؟ قال: لا والله، ثم مضى وأنشأ يقول: "وإنى لأثوى الجوع" (الأبيات) إلى قوله * فللموت خير من حياة على رغم * (¬2) روى فى الأغانى "فأكتفى" مكان قوله: "فأنتهى". (¬3) ضبط المزلج فى الأصل بكسر اللام المشددة، والصواب فتحها كما فى كتب اللغة. (¬4) ورد فى كتب اللغة التي بين أيدينا للمزلج بفتح اللام مشددة عدة معان، وهى أنه البخيل، والدون من كل شيء، والذى ليس بتامّ الحزم، والناقص الضعيف، والناقص الخلق بفتح الخاء، والملزق بالقوم وليس منهم؛ ولم يرد فيها أنه الأمر الخفيف الذى ليس بكثيف.

النقص. وقوله: ذا طَعْم، أي ذا شهوة اذا اشتهاه وكان طيبّا عنده وطاب فى فمه. فأنْتهَى: فأكُفُّ عنه. أَرُدُّ شجاعَ البَطْنِ قد تَعلَمينَه ... وأُوثِرُ غيرى من عِيالِكِ بالطُّعْم هذا مَثَل، يقول: الجوع يتلظّى فى جوفى كما يتلظّى الشُّجاع (¬1). والطُّعْم: الطعام. مخافةَ أن أحيا برَغْمٍ وذِلّةٍ ... وللَموتُ خيرٌ من حَياةٍ على رَغمِ ويُروَى رُغْم. قال أبو سعيد: رَغْم ورُغْم سواء، يقول: أَطوِى ولا آكُل أحَبُّ إلىّ من أن أَغشَى وَليمةً أعيَّرُ بها. ورَغْم: هَوانٌ ومَذَلّة. رأت رجلًا قد لوّحتْه مَخامِضُ ... وطافت برَنّان المَعَدَّيْنِ ذى شَحْمِ يقول: رأتْنى هذه المرأةُ وقد غيّرتنْى هذه المخَامِص وأضمرَتنْى، وطافت بشاب مِرنانِ المَعَدَّيْن، إذا ضرب مَعَدَّيْه أَرَناَّ من صفائهما وصلابتِهما، فسمعتَ لهما صوتا. والمَعَدّ: ما تحت العَضُد (¬2)، وهو موضع رِجْل الفارس من الفَرَس؛ فيقول: أنا متشنِّج المَعَدَّيْن، وقد استرخَى مَعَدّاىَ واضطرَبا وماجَا. غذِىِّ لِقاحٍ لا يزال كأنّه ... حَمِيتٌ بدَبْغٍ عَظْمُه غيرُ ذى حَجْم الحَمِيت: النِّحْى يُرَبّ، فإذا رُبَّ فهو حَمِيت. بدَبْغ أي جديد لم يُستعمَل؛ عَظْمُه غيرُ ذى حَجْم، يقول: عَظْمُه ليس له حَجْم من السِّمَن. ¬

_ (¬1) قال فى اللسان فى معنى شجاع البطن: إن العرب تزعم أن الرجل إذا طال جوعه تعرضت له فى بطنه حية يسمونها الشجاع والصفر (بالتحريك). وقال الأصمعى: شجاع البطن شدة الجوع. (¬2) عبارة بعض اللغويين أن معدّى الإنسان جنباه.

تقول فلولا أنتَ أُنكِحْتُ سَيّدا ... أُزَفُّ إليه أو حُمِلْتُ على قَرْم تقول له هذه المرأة: أولا أنّى ابتُليتُ بك وأُنكِحْتُك لأنكِحتُ رجلا سيّدا سِواك. والَقرْم: الفَحْل الّذى يربَّى ولم يُستعمَل. تقول: وحُمِلتُ أيضًا على قَرْم. لعَمْرِى لقد مُلِّكْتِ أمرَكِ حِقْبةً ... زمانا فهلّا مِسْتِ فى العَقْم والرَّقْمِ يقول: قد كنتِ تملكِين أمرَكِ زمانا فهلّا تزوّجتِ رجلا غيرى يكسوكِ العَقْمَ والرَّقْم. والعَقْم: ما وُشِّىَ ثم أُدخِل خَيْطُه ثم أُخرِجَ فوُشِّى (¬1). والرَّقْم: ما رُقِم. والعَقْم والرَّقْم: ضَرْبانِ من الوَشْى. فجاءت كخاصِى العَيْرِ لم تَحْلَ جاجةً ... ولا عاجةً منها تَلوحُ على وَشْمِ كخاصِى العَيْر، جاءت منكسِرة، وخاصِى العَيْر يَستحيى ممّا صنع، والمرأة إذا خَصَت العَيْرَ لم يبَقَ شيء من البُذاء إلاَّ أتته. يقول: فعلَتْ مثلَ هذا ثم لم تَحْلَ بشئ؛ قال حُمَيد فيُ ثَوْر: جُلُبّانةٌ وَرْهاءُ تَخصِى حِمارَها ... بِفى مَن بَغَىَ خيرا لديها (¬2) الجَلامِدُ وقوله: لمَ تَحْلَ، أي لم تفعل، من الحَلْى. جاجةً، قال: الجاجة خَرَزة من رديء الخَرَز. والعاجة: ذَبْلة. وقولهُ: على وَشْم، يقول: ليست بموشومة ¬

_ (¬1) عبارة اللسان (مادة عقم) إنما قيل للوشى عقمة لأن الصانع كان يعمل، فاذا أراد أن يشى بغير ذلك اللون لواه فأغمضه وأظهر ما يريد علمه. وهى أوضح فى المعنى. (¬2) فى اللسان (مادة جلب) "إليها" مكان قوله "لديها". والجلبانة: المصوّتة الصخابة الكثيرة الكلام. وقال فى قوله: "تخصى حمارها": إذا بلغت المرأة من البذلة والحنكة إلى خصاء عيرها فناهيك بها فى التجربة والدربة؛ وهذا وفق الصخب والضجر؛ لأنه ضدّ الحياء والخفر.

ولا مزيَّنة. قال: وكانت أيديهن تُوشَم بالنَّؤور. يقول: فلم تكن هذه تَلبَس سوارَ ذَبْل (¬1) على وَشْمٍ فى اليد. أفاطِمَ إنِّى أَسبِق الحَتْفَ مُقبِلًا ... وأَتركُ قِرْنى فىَ المَزاحِف يَستدمِى أَسبِق الحَتْف، يقول: أَرَى القومَ العَدُوَّ مقبِلين يريدوننى فأنجُوَ منهم وأسبِقَهم عَدْوا، وقوله: مُقبِلا أي مُقدِما، وواحد المَزاحف مَزْحَف، وهو موضع القِتال. وليلةِ دَجْنٍ من جُمادَى سَرَيْتُها ... إذا ما استَهَلِّت وهى ساجيةٌ تَهْمِى الدَّجْن: إلباسُ الغَيْم [الأرضَ] (¬2). وقوله: "تَهمِى" أي تسيل. وشَوْطٍ فِضاحٍ قد شَهِدتُ مُشايِحًا ... لأُدْرِكَ ذَحْلا أو أُشِيفَ على غُنْمِ شَوْطٍ فِضاح، يقول: إنْ سُبِق فيه رجل افتَضَح. والمشُايِح: الجادّ الحامل فى كلامَ هُذَيل. وقوله: أُشِيف على غُنمْ أي أُشِرف على غنيمة. إذا اْبتَلّت الأقدامُ وَالْتَفَّ تَحتَها ... غُثاءٌ كأَجواز المُقرَّنةِ الدُّهْمِ يقول: إذا اْبتلّت الأقدامُ من نَدَى اللَّيل. قال أبو سعيد: وتِهامة كثيرة النَّدَى. يقول: إذا جلسوا ابتَلّت أقدامُهم، يَعنِي أنّهم كانوا يَعْدُون على أرجلهم فيكسِرون الشجرَ بأرجلهم. وقوله: كأجواز، أي كأوساط الدُّهْمِ من الإبل. ¬

_ (¬1) الذبل: شيء كالعاج يتخذ منه السوار؛ وقيل: هو ظهر السلحفاة البحرية. (¬2) هذه الكلمة التي بين مربعين ساقطة من الأصل؛ والصواب إثباتها نقلا عن اللسان (مادة دجن).

والمقرَّنة: التى تُقرَن بأخرى؛ لأنّها صعاب، فلذلك تُقرَن، وجَعلَ الغُثاءَ كاجواز المقرَّنة لأنّه أراد كثرتَه وكَثافتَه. ونَعْلٍ كأَشْلاءِ السُّمانَى نَبَذْتُها ... خلافَ نَدًى من آخِر اللّيلِ أورِهْم نَعْل كأشْلاء السُّمانى، أي نعل قد تقطّعتْ، فشبَّهها بسُمانىَ قد أُكِلتْ، وإنما أراد شِلْوَ السُّمانَى المأكولة فبقىَ جَناحاها وجلدُها، فشَبَّهَ بذلك. والرِّهمْ (¬1): المطر الضعيف الساكن الليّن، والواحد رِهْمة، والجماع رِهام ورُهام (¬2) ورِهَم. إذا لم ينازِعْ جاهلُ القومِ ذا النُّهَى ... وبَلَّدَت الأعلامُ باللَّيَلِ كالأُكْمِ (¬3) يقول: استَسْلَم القومُ للأَدِلّاء. وبَلَّدَت، أي لَزِقتْ بالأرض فَتَرى الجبلَ كأنّه أَكَمة فى جوف الليل يَصغُر فى عَيْنِك. والأعلام: الجبال، والواحد عَلَم تراها صِغارا يَحْسِر الطَّرْفُ دونَها ... ولو كان طَوْدا فوقَه فِرَقُ العُصْمِ يقول: تراها باللّيل قِصارا وإن كان طَوْدا أي جَبَلا، فوقه فِرَق الأَرْوَى ويَحسِر الطرْف: يَكِلّ الطَّرْف. وإنِّى لأَهدِى القومَ فى ليلة الدُّجّى ... وأَرمِى إذا ما قيل: هل مِن فَتًى يَرمِى الدُّجى: الظُّلْمة. والدُّجى: ما أَلْبَسَ من الغيم الدنيا. ¬

_ (¬1) فى الأصل: "والرهمة"؛ والتاء زيادة من الناسخ كما يدل عليه قوله بعد: "والواحد". (¬2) كذا ورد هذا اللفظ مضبوط الراء بالضم فى الأصل؛ ولم نجد هذا الجمع بهذا المعنى فيما راجعناه من كتب اللغة. (¬3) الأكم بضمتين: جمع إكام بكسر الهمزة؛ وسكن الكاف للضرورة.

وعاديَةٍ تُلقِى الثيابَ وَزَعْتُها ... كرِجْلِ الجَراد يَنْتَحى شَرَفَ الحَزْم العادية: الحاملة. تُلْقِى الثياب، مِن شِدّة عَدْوِهم تَقَع عَمائهُم ومَعاطِفُهم وهي أردِيَتُهم، والواحد مِعْطَف. وزَعْتُها: كفَفْتُها. يَنتحِى: يَقصد له. شَرَف الحَزْم، وهو المكانَ الغليظ. والحَزْنُ مِثْلُه. * * * وقال أيضا (¬1) عَدَوْنا عَدْوةً لا شكَّ فيها ... وخِلْناهمْ ذُؤَيبْةَ أو حَبيبا قال أبو سعيد. يقول: حَمَلْنا حَمْلةً لا شكّ فيها. والعَدْوة: الحَمْلة. وذُؤَيبْة وحبيب: حَيّان من عجز هَوازِن. قال: يقول: حَمَلْنا حَمْلَةً لا يُشَكّ فيها. فنُغرِى الثائرِين بهمْ وقُلْنا ... شِفاءُ النفسِ أن بَعَثوا الحُروبا أَغْرَيْنا الثائرِين، قلنا: خُذْ يا فلان، خُذْ يا فلان. قال الأصمعىّ: وسمعتُ ابنَ أبى طَرَفةَ يقول: "شِفاء النفس إن" كَسرَ إنْ، ومِثلُه: * عِيَر (¬2) على أنْ عَجَّل المَنايا * ¬

_ (¬1) سبب هذه القصيدة كما فى الأغانى ج 21 ص 59 طبع أوربا أن أبا خراش أقبل هو وأخوه عروة وصهيب القردى فى بضعة عشر رجالا من بنى قرد يطلبون الصيد، فبيناهم بالمجمعة من نخلة لم يرعهم إلا قوم قريب من عدّتهم، فظنهم القرديون قوما من بنى ذؤيبة أحد بنى سعد بن بكر بن هوازن، أو من بنى حبيب أحد بنى نصر، فعدا الهذليون إليهم يطلبونهم، وطمعوا فيهم حتى خالطوهم وأسروهم جميعا، وإذا هم قوم من بنى ليث بن بكر فيهم ابنا شعوب أسرها صهيب القردى، فهم بقتلهما، وعرفهم أبو خراش فاستنقذهم جميعا من أصحابه وأطلقهم، فقال أبو خراش هذه القصيدة يمنّ على ابنى شعوب أحد بنى شجع ابن عامر بن ليث فعله بهما. (¬2) عير أي عير بضم العين وتشديد الياء مكسورة.

كأنّى إذ عَدَوْا ضَمَّنتُ بَزِّى ... من العِقْبان خائتةً طَلوبا يقول: كأنّى أَلبستُ بَزِّى عُقابا. يقول: لما حملوا علينا كأنى أَلبستُ بَزِّى وهو سِلاحُه من سرعتى عُقابا. خائتةً، أي منقضّة. طَلوبا: تَطلُب الصَّيْد. جريمةَ ناهِضٍ فى رأس نِيقٍ ... تَرَى لعِظامِ ما جَمعت صَليبا جَريمةَ ناهِض، أي كاسِبَةَ فَرْخٍ، وهو الناهض. والنِّيق: الشِّمْراخ من شمَاريخ الجَبَل. والصَّليب: الوَدَك، وأَنشَدَ لعَلْقَمةَ بن عَبْدة: بها جِيَفُ الحَسْرَى فأمّا عِظامُها ... فبِيضٌ وأمّا جِلْدُها فصَليبُ (¬1) يَعنِى الوَدَكَ. رأت قَنَصا على فَوْتٍ فضَمّتْ ... إلى حَيْزُومِها رِيشًا رَطيبا قَنَصا أي صَيْدا. على فَوْتٍ أي سَبْق. والرَّطيب: الناعم الّذى ليس مُتَحاتًّا. والحَيزْوم: الصَّدْر وما احتَزَم عليه، ويقال للرجل: اُشدُدْ حَيازِيمَك لهذا الأمر، أي تَشَدَّدْ عليه واعزِمْ، وأَنشَدَنا: * وشَدِّى حَيازِيمَ المَطِيّةِ بالرَّحْلِ * ¬

_ (¬1) البيت من قصيدة يمدح الشاعر بها الحارث بن جبلة بن أبى شمر الغسانى، وكان قد أسر أخا علقمة شأسا، فرحل علقمة يطلب فكه، وأوّل القصيدة: طحا بك قلب فى الحسان طروب ... بعيد شباب عصر حان مشيب والضمير فى قوله: "بها جيف الحسرى" يعود على المنان فى البيت الذى قبله، وهو: هدانى إليك الفرقدان ولا حب ... له فوق أصواء المتان علوب والمتان جمع متن، وهو المكان الصلب الملتوى. والعلوب: الآثار. والحسرى أي المعيبة، وجعل عظامها بيضا لقدم عهدها، أو لأن السباع والطير أَكلت ما عليها من اللحم فبدا وضحها. والصليب: الودك الذى يخرج من الجلد. وقيل: الصليب اليابس الذى لم يدبغ. وكان وجه الكلام أن يقول "جلودها" فلم يمكنه، فاجترأ الواحد عن الجمع لأنه لا يشكل. اهـ. شرح الأعلم الشنتمرى لديوان علقمة ص 27 طبع الجزائر.

فلاقَتْه ببَلْقَعةٍ بَرازٍ ... فصادَمَ بين عَيْنَيْها الجَبُوبا البَلْقَعة: المستوِى من الأرض ليس فيه شيء. والبَرا: الفَضاء البارز ليس حولَه شيء يَسَتُره. فصادَمَ بين عَيْنَيْها الجَبوبا، يقول: حين مرّت تريد الغزالَ أخطأَتْه فصَكّت الجَبوبَ برأسها. وبَلْقَعة: جَمْعُه بَلاقِع، ومنه الحديث: "اليمين الغَموسُ الفاجرُة تَدَع الديارَ بلاقِع". والجَبوب: الأرض. قال أبو سعيد: يقول أهلُ الحِجاز: أَخَذَ جَبُوبةً (¬1) من الأرض. مَنَعْنا من عَدِىِّ بنى حُنَيْفٍ ... صِحابَ مضرِّسٍ وابنَى شَعُوبا اِبنَا شَعوب: قوم من بنى لَيْث، وهم حُلَفاء العباس. والعَدىّ: الحاملة. وبنو حُنَيف: بعضُ من كان يقاتل الهُذَلِيّين. فأَثْنوا يا بَنِى شِجْعٍ علينا ... وحَقُّ ابنَىْ شَعوبٍ أن يُثيبا شِجْع: ابن لَيث (¬2)، يقول: اثْنوا علينا ببلائنا عندكم. فسائلْ سَبْرةَ الشِّجْعىَّ عنّا ... غَداةَ تَخالُنا نَجْوًا جَنِيبا تَخالُنا: تَحسَبنا. والنَّجْو: السحاب. والجَنيب: الّذى قد أصابته الجَنوب وهو أَدَرُّ له، وإذا شُمِل يُقْشَع، يقول: وَقْعُنا بهم مثل وَقْع سَحابةٍ تمُطِر، ومثلهُ: ¬

_ (¬1) الجبوبة: المدرة. (¬2) فى التاج أنه شجع بن عامر بن ليث، وهو بطن من كنانة، وهو جدّ الحارث بن عوف الصحابي.

كأنهمْ تحت صَيْفىٍّ له نَحَمٌ ... مصرِّحٍ طَحَرتْ أَسناؤه القَرِدا (¬1) [وأنشد لعلقمة بنِ عبْدة]. كأنّهمُ صابت عليهِم سحابةٌ ... صَواعِقُها لطيرهنّ دَبيب بأن السابقَ القِرْدِىَّ أَلقَى ... عليه الثوبَ إذ وَلَّى دَبِيبا السابق: سبقَ القوَم فأَلقَى عليه رداءَه وأَجارَه. قال: وكان الرجل إذا أَلْقَىَ ثوبَه على الرجل فقد أجاره، وأنشد: ولَم أَدْرِ مَن أَلْقَى عليه رداءَه ... ولكنّه قد سُلَّ من ماجِدٍ مَحْضِ (¬2) وقوله: إذ وَلَّى دَبِيبا، يقول: دَبَّ إليه دَبِيبا يُخْفِيه حتى ألَقَى عليه الثوبَ. ولولا نحن أَرهَقَه صُهيبُ ... حُسامَ الحدّ مَذْروبا خَشِيبا أرهَقَه: أغشاه. والمَذْروب: الحديد. والخَشِيب: الصقيل. والحُسام: الحادّ. والخَشيب: الحديث عهدٍ بالصِّقال. والخَشْب: الطَّبعْ الأوّل، ثم صار كلّ صقيلٍ خَشيبا. أرهَقَه: أغشاه صُهَيب. به ندعُ الكَمِىَّ على يديه ... يخِرّ تَخالُه نَسْرا قَشِيبا قشِيب: مسموم. وإنما يراد أنه سُقى القِشب، وهو خَرْبَق تُقتَل ¬

_ (¬1) قد سبق هذا البيت فى شعر عبد مناف بن ربع مع شرحه، فانظره. (¬2) البيت لأبي خراش وسيأتى بعد ضمن مقطوعة له.

به النُّسور، وهو أن تَجعَل للنسر لحما (¬1) فيأكلَه، وكلّ مخربَقٍ قَشِيب ومُقَشَّب، وأنشد لطُفَيل: * إلى وَكْرِه وكلّ جونٍ (¬2) مقشّبِ (¬3) * قال: وإنّما ذكر النسورَ بهذا لأنّ النسور هي الّتى يُجعَل لهما فى الِجيَف القِشْب لتُقتَل، وكلّ مسموم مقشَّب. غداةَ دعا بنى شجْعٍ ووَلَّى ... يؤمّ الخَطْم لا يدعو مجِيبا لا يدعو مجيبا، أي لا يدعو أحدا يجيبه. والخَطْم: موضع (¬4) أو جبل. وقال أيضا (¬5) لعلّك نافعى يا عُرْوَ يومًا ... إذا جاورتُ من تحت القبورِ إذا راحوا سِواىَ وأَسلمونى ... لخَشْناءِ الحجارةِ كالبعير ¬

_ (¬1) أي لحما خلط بالسم. (¬2) الجون: المسنّ. (¬3) هذا عجز البيت، وصدره: كسين ظهار الريش من كل ناهض ... إلى وكره. . . . . . . . الخ يصف نبلا، وقبله: رمت عن قسىّ الماسخىّ رجالنا ... بأجود ما يختار من نبل يثرب والماسخىّ: القواس. وهى قصيدة طويلة كان سببها أن (غنىّ) قبيله طفيل أغارت على طئ فدخلوا سلمى وأجأ، وهما جبلان لطئ فسبوا سبايا كثيرة، فقال طفيل هذه القصيدة، وهى فى أوّل ديوانه المطبوع فى لندن، وأوّلها: بالعفر دار من جميلة هيجت ... سوالف حب فى فؤادك منصب (¬4) قال ياقوت: الخطم موضع دون سدرة آل أسيد، وأنشد هذا البيت الذى نحن بصدده. (¬5) كان سبب هذه القصيدة فيما ذكره صاحب الأغانى ج 21 ص 60 طبع بولاق أن بنى فهم وقيل بل بنى كنانة أسرت عروة بن مرة أخا أبى خراش، فلما دخلت الأشهر الحرم مضى أبو خراش إليهم ومعه=

إذا راحوا سِواى "يقول: إذا ذهبوا إلى مكانى (¬1) " لخشناء الحِجارة، أي لحفرة. وقوله: "كالبعير"، يعني ظهر القبرِ كأنه بعير بارِك. أخذتَ خفارتى (¬2) وضَربتَ وجهى (¬3) ... فكيف تُثيبُ بالمَنّ الكثير يقول: أخذتَ ما أخذتَ وخَفَرْت، أي أخذتَ مالا كثيرا خفرت أهلَه فكيف تثيبنى بمنيّ. ¬

_ =ابنه خراشُ، فنزل بسيد من ساداتهم، ولم يعرّفه نفسه، ولكنه استضافه، فأنزله وأحسن قراه، فلما تحرم به انتسب له وأخبره خبر أخيه، وسأله معاونته حتى يشتريه، فوعده بذلك، وغدا على القوم مع ذلك الرجل فسألهم فى الأسير أن يهبوه له، فما فعلوا. فقال لهم: فبيعونيه، فقالوا: أما هذا فنعم، فلم يزل يساومهم حتى رضوا بما بذله لهم، فدفع أبو خراش إليهم ابنه خراشا رهينة، وأطلق أخاه عروة ومضيا حتى أخذ أبو خراش فكاك أخيه وعاد به إلى القوم حتى أعطاهم إياه وأخذ ابنه، فبينا أبو خراش ذات يوم فى بيته إذ جاءه عبد له فقال له: إن أخاك عروة جاءنى وأخذ شاة من غنمك فذبحها ولطمنى لما منعته منها. فقال له: دعه. فلما كان بعد أيام عاد فقال له: قد أخذ أخرى فذبحها. فقال: دعه. فلما أمسى قال له: إن أخاك اجتمع مع شرب من قومه، فلما انتشى جاء إلينا وأخذ ناقة من إبلك لينحرها لهم، فعالجته فوثب أبو خراش إليه فوجده قد أخذ الناقة لينحرها، فطردها أبو خراش، فوثب أخوه عروة إليه فلطم وجهه وأخذ الناقة فعقرها وانصرف أبو خراش، فلما كان من غد لامه قومه وقالوا له: بئست لعمر الله المكافأة كانت منك لأخيك، رهن ابنه فيك وفداك بماله ففعلت به ما فعلت، فجاء عروة يعتذر إليه، فقال أبو خراش هذه القصيدة. (¬1) كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين فى الأصل، وهى لا تؤدى المعنى الذى أراده الشاعر من قوله: "إذا راحوا سواى" كما هو ظاهر؛ والمعنى الذى أراده الشاعر من البيت واضح. (¬2) الحفرة والحفارة (بضم الخاء فيهما) والخفارة والخفارة بفتح الخاء فى الأولى وكسرها فى الثانية: الأمان والذمة. (¬3) فى الأغانى ج 21 ترجمة أبي خراش "ولطمت عينى" مكان "وضربت وجهى".

بما يمّمتُه (¬1) وتركتُ بِكْرِى ... بما أَطعمتُ مِن لحِم الجَزورِ هذا مثل؛ يقول: كان عندي طعام طيّب فأطعمتُه إيّاه وتركتُ ولدى، فآثرتُه على نفسى وولدى. وبِكْره: ابنه. ويمّمت: قصدتُ له. ويوما قد صبرتُ عليك نفسى ... مع الأشهاد مرتدِىَ الحَرورِ قوله: صبرتُ عليك نفسى: فى السَّفَر والعَزْوِ. والأشهاد: من شهد الوقعة، وهم كانوا شهِدوا معه. مع الأشهاد، أي مع الشهود على ما أقول. والحَرور يصيبنى أيضًا. والحَرور: السَّموم. وقال أيضًا أَواقِدُ لم أغرركَ فى أَمْرِ (¬2) واقِدٍ ... فهل تنتهى عنّي ولستَ بجاهلٍ يقول: لم آتِ فيما بينى وبينك أمرا ترى أنّى محسن فيه وأنا مسيء، فقد غررتُك، فهل أنتَ منتهٍ عنّى وأنت عاقل ولستَ بجاهل. ولم يعرف الأصمعىّ واقدا هذا. يقول: فلم أحمِلْك على غِرّة. ¬

_ (¬1) ورد فى الأغانى ج 21 ص 61 قبل هذا البيت بيت آخر لم يرد فى هذه القصيدة، وهو: إذا ما كان كس القوم روقا ... وحالت مقلتا الرجل البصير وفى اللسان (مادة كس) (إذا ما حال) وفسر الكس بأنه قصر الحنك الأعلى عن الأسفل. وفى عبارة أخرى أنه خروج الأسنان السفلى مع الحنك الأسفل، وتقاعس الحنك الأعلى، وهو كس وهي كساء، وأنشد صدر هذا البيت. وفى (مادة روق) فسر الروق بأنهم طوال الأسنان، والواحد روق، وأنشد صدر هذا البيت أيضًا. (¬2) فى النسخة الأوربية "أم" مكان "أمر"؛ وهو تحريف لا معنى له.

أواقِد لا آلوك إلاّ مهنَّدا ... وجِلدَ أبِى عِجلٍ وثيق القبائلِ قوله: لا آلوك أي لا أدَعُ جهدا فى أمرك ولا يكون جهدِى لك إلاَّ هذا المهنَّد، وهو السيف. وجِلد أبى عِجل، أي جِلد ثور قد عُمل منه تُرْس. وقوله: وثيق القبائل، وهى القِطع، والواحد قبيلة، يقول: عُمِل هذا االترسُ من قبيلتين أو ثلاتِ قبائل، وكذلك قبائل الرأس. غَذاهُ من السِّرَّينِ (¬1) أو بطنِ حَلْيةٍ ... فُروعُ الأَباءِ فى عَميمِ السوائلِ الأباء: القصبِ. والعمِيم: ما اعتمّ من النبت فى سوائل المطر. والسوائل: الأماكن التى تسيل بالماء. مِشَبّ إذا الثيران صَدّتْ طريقَه ... تَصدَّ عن عنه دامِياتِ الشَّواكِلِ المِشبّ: المَسِنّ، وهو الشَّبوب والشَّبَب. وقوله: صدّت طريقَه، أي ردّت طريقَه، وتصدّعن: تفرّقن. ويقال: تصدّع عنه القوم، إذا تفرقوا عنه. قال: والشاكلة: الطِفْطِفة التي بين بعض الجَنْب والوَرِك (¬2). يَظَلّ على البَرْزِ اليَفاعِ كأنّه ... طِرافٌ رستْ أوتادُه عند نازلِ البَرْز: ما برز من الأرض. واليَفاع: ما ارتفع من الأرض. والطِّراف: بيتٌ من أَدَم. رست: ثَبتتْ. ¬

_ (¬1) السرين: بليد قريب من مكة على ساحل البحر، بينه وبين مكة أربعة أيام أو خمسة. وفى حلية عدّة أقوال منها أنه واد بين أعيار وعليب يفرغ فى السرين؛ وقيل: إنه واد بتهامة أعلاه لهذيل وأسفله لكنانة؛ وقيل غير ذلك (ياقوت). (¬2) الطفطفة: كل لحم مضطرب، أو هي الرخص من مراق البطن. وقيل: هي أطراف الجنب المنضلة بالأضلاع.

وقال فى صديق له من آل صوفة خدام الكعبة فى الجاهلية "كان حذاه نعلين"

وقال فى صديق له من آل صُوفة (¬1) خُدّام الكعبة فى الجاهليّة "كان حَذاهُ نعلين" حَذانِى بعد ما خَذِمتْ نِعالى (¬2) ... دُبَيّةُ إنّه نِعم الخليلُ بمَوْرِكتيَنِ مِن صَلَوَىْ مِشَبٍّ ... من الثّيران عَقْدُهماْ جميلُ قال أبو سعيد: سمعتُ من يُنشِد. بمَوْرِكتين شَدَّهمُا طُفَيْلٌ ... بصَرّافَينِ عَقدُهما جَميلُ يقول: بشِراكَين يَصْرفان (¬3)، ويروى مُقابَلتين، أي لهما زِمامان. وقوله: بمَوْرِكَتين أي من الوَرِك ... والصَّلَونِ: ما فوق الذَّنَب من الوَرِكين. بِمثلِهما نروحُ نريد لهوًا ... ويَقضِى حاجَه الرَّجل الرجيلُ ويروى "ويَقضِى الهمَّ ذو الأَربِ الرَّجيلُ" والأَرب: الحاجة. والرَّجيل: القوىّ على المشى. ¬

_ (¬1) صوفة: أبو حي من مضر وهو الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، سمى صوفة لأن أمه جعلت فى رأسه صوفة وجعلته ربيطا للكعبة يخدمها. قال الجوهرى: كانوا يخدمون الكعبة ويجيزون الحاج فى الجاهلية، أي يفيضون بهم من عرفات فيكونون أوّل من يدفع. وفى الأغانى ج 21 ص 57 طبع بولاق أن الذى حذا أبا خراش هاتين النعلين هو دبية السلمى وهو صاحب العزى، وأحد سدنتها، وكان قد نزل به أبو خراش فأحسن ضيافته، ورأى فى رجله نعلين قد أخلقنا فأعطاه نعلين من حذاء السيت، فقال أبو خراش هذه القصيدة يمدحه. (¬2) حذا الرجل نعلا: ألبسه إياها كأحذاء. وخذمت نعالى: تقطعت. (¬3) يصرفان، أي يصوّتان. وذكر فى اللسان (مادة صرف) أنه عنى شراكين لهما صريف.

فنِعمَ معرَّسُ الأضياف (¬1) تَذْحَى ... رِحالهَم شآميَةٌ بَلِيلُ تَذحَى: تسوق وتستخِفّ، ضربَه مَثَلا. ويقال: ذحا إذا ساق سَوْقا سريعا. وحدا (¬2) مِثلها، وهما لغتان، وأنشد أبو سعيد لرجل يرثى أبا عبيد: وكأنمّا كانوا لمقتلِ ساعةٍ ... بَرَدًا ذَحَتْه الرِّيحُ كلَّ مسِيلِ ذحَتْه وحَدَتْه سواء. قال أبو سعيد: وفي هوازِن قبيلتان (¬3) دَحْوَة ودَحْيَة. يُقاتِلُ جُوعَهم بمكلَّلاتٍ ... من الفُرْنىِّ (¬4) يَرْعَبُهما الجَميلُ يرعَبها، أي يملؤها. ويقال: رُعِبت الأودية مِن المطر. والجميل: الشحم المذاب. ويقال: رُعِب الوادى، وتركتُه مرعوبا، وأنشد لابن هرْمَة: ما حازت العَرْبُ (¬5) من ثُعالةَ والرَّوْ ... حاء منه (¬6) مرعوبةُ المُسُل أي مملوءة منه. ¬

_ (¬1) روى هذا البيت فى اللسان (مادة ذحا). ونعم معرّس الأقوام تذحى ... رحالهم. . . . . . . . الخ وفسره فقال: أراد تذحى رواحلهم؛ وقيل: أراد أنهم ينزلون رحالهم فتأتى الريح فتستخفها فتقلعها فكأنها تسوقها وتطردها. (¬2) فى كلتا النسختين "حاذ" بالذال المعجمة؛ والألف زيادة من الناسخ؛ كما أننا نجد حذا بالمعجمة فيما راجعناه من كتب اللغة بالمعنى الذى ذكره، والذى وجدناه بهذا المعنى حدا ودحا بالدال المهملة فيهما. (¬3) ورد هذان الاسمان فى كلتا النسختين بالذال المعجمة؛ وقد أثبتناهما بالمهملة نقلا عن القاموس وشرحه مادتى (دحو ودحى). (¬4) الفرنىّ: خبز غليظ نسب إلى الفرن الذي يختبز فيه. (¬5) العرب بفتح العينُ وسكون الراء كما فى تاج العروس (مادة عرب) ناحية بالمدينة. وفى معجم البلدان بفتح العين وكسر الراء، وذكر أنها ناحية قرب المدينة، ولم يذكره معرّفا بالألف واللام. (¬6) منه أي من المطر. والمسل (بضمتين) نسايل الماء، وإنما جمعوا المسيل على مسل لتوهم أن الميم أصلية فيه؛ وقد ورد فى اللسان (مادة سيل) كلام كثير فى هذا الجمع فانظره ثم.

وقال أبو خراش أيضا

وقال أبو خراش أيضًا يذكر فرّة فرّها من فائد وأصحابِه الخُزاعيِّين، وكان مِن حديث أبي خِراش أنه خرج بزوجة (¬1) أبيه مُرّة "وكان مُرّة خلَف بعد لُبْنَى أمِّ أبى خراش وإخوته السبعة عليها" (¬2)، وأنّ أبا خراش أَتى بها مكّة وأمرها أن تقضِى ما أرادت من نُسُكٍ أو غيرِه، وقعد لها بالأخشَب (¬3)، وقال لها: احذرِى أن يعرِفك أحد، فإنّ بهذا البلد قوما قد وترتهم من بنى كعب بنِ خزاعة، فلقِيها فائد فعرفها، وقال لها: كم معكِ من بنِيكِ؟ فإنّى رجل من عشيرتِكِ أحدِ بنى سَهْم، فإنّ بهذه القرية قوما قد وتَرَهُم أبو خِراش، فاقعدى وأخبِرينى بحوائجكِ، فأقعدها واشترى لها حوائجها، وقال لها: أيُّ بنيكِ معك؟ قالت: أبو خِراش. قال: فامضى ولا تخبِرى أحدا سواى خبرى. قال: وتقدّم فائد لأبي خِراش حتى قعد له بالطريق، ورجعت المرأةُ إلى أبى خِراش، فقال لها: مَن لقِيَكِ؟ ومن رأيتِ؟ قالت: رأيت رجلاً من بنى سَهْم، وكان أحرصَ على أن أخفِىَ أمرى منك، فنعته لها أبو خِراش، فقالت: ¬

_ (¬1) فى الأغانى ج 21 ص 55 طبع بولاق أن التي كانت مع أبى خراش هي زوجته أم خراش. (¬2) كذا وردت هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين فى كلتا النسخين؛ والمعنى أن مرة كان قد تزوّج هذه الزوجة بعد لبنى أم أبي خراش. والذي فى الأغانى ج 21 ص 61 أن إخوة أبى خراش، كانوا عشرة وهم: أبو خراش وأبو جندب وعروة والأبح والأسود وأبو الأسود وعمرو وزهير وجناد وسفيان، وكانوا جميعاً شعراء دهاة سراعا لا يدركون عدوا ... الخ. (¬3) الأخشب: واحد الأخشبين، وهما جبلان يضافان تارة إلى مكّة وتارة إلى منى؛ أحدهما أبو قبيس، والآخر قعيقعان. وقال ابن وهب: الأخشبان الجبلان اللذان تحت العقبة بمنى.

نعم، إنه لهو، قال: ذلك فائد، وقد قتلتنِى. قالت: فارجع إلى قريش فخذ منها جِوارا، فأبى (¬1) عليها أبو خِراش وذهب بها، وقال لها: القوم بالمُغمَّس (¬2) فامضِى إليهم، وحملها على جملٍ لمرّة نجيب، وقال لها: إذا خلفتِ القوم فاجهدى بعيركِ فإنى شاغلهم عنكِ، ولن يتعرّضوا لكِ حتى ييئسوا منّي. فمضت، وجاء أبو خِراش يبطئ فى المشى، ويُصلِح نعلَه حتى خلفتْهم المرأة، ثم جَهدتْ بعيرَها حتى كأنّ خمارَها فى أطراف الشجر نَسْجُ العنكبوت، وأتاهم أبو خِراش حتى سلّم عليهم يُطمِعهم فى نفسه لتذهب المرأة، فقالوا: مرحبا يا خُوَيلِد، وأقبلوا إليه غيرَ سِراع وهم يميلون نحوه، ولا يريدون ذُعْرَه، وقد قدّموا فائدا بذَنَب الثَّنِيّة، ثم عدَوْا عليه وشدّ أبو خِراش يؤمّ ذَنَب الثنيّة أسفلَ مِن فائد، وقالوا: إليك يا فائد، خذ يا فائد، اِضرب يا فائد، اِرمِ يا فائد، وزعموا أن قوس أبى خِراش انقطعتْ حِمالتها وانفلت أبو خراش، وجاءت امرأةُ مُرّة إليه (¬3)، فقال لها: ويلكِ ما فعل أبو خِراش؟ قالت: قتِل، قتله فائد وأصحابه. قال: ويلكِ، قتِل وأنتِ تنظرين؟ قالت: نعم، قال: كيف انفلتّ أنتِ؟ قالت: إنّه لم يُقتل حتى خلفتُ القوم، قال: فأخبِرينى كيف كان قتلُه؟ قالت: عهدى به وقد التفّ عليه القوم، فقال: هل سمعتِ من شيء؟ قالت: سمعتُ: "يا فائد اضرب، يا فائد ارم"؛ فقال: إن أخطأتْ أسهُمُ القومِ أجابنى، وصرخ مُرّة فاستجاب له أبو خِراش، ففى ذلك يقول أبو خِراش: ¬

_ (¬1) فى كلتا النسختين "فأبلى"، وهو تحريف. (¬2) المغمس بفتح الميم المشدّدة وكسرها: موضع قرب مكة فى طريق الطائف. (¬3) إليه أي إلى مرة زوجها.

رَفَوْنِى وقالوا يا خويلدُ لا تُرَعْ ... فقلت وأنكرتُ الوجوهَ همُ همُ رفونى، أي سكّنونى، وكان أصلُها رفؤونى. قال أبو سعيد: وأهل الحجاز يهمزون. فترك الهمزة، وأنشد لحسان بنِ ثابت: "يرفؤون (¬1) ... "، قال ليس هذا باستفهام، هم هم أي هم الذين كنت أخاف. فعَدّيتُ شيئا والدَّريسُ كأنمّا ... يزعزِعه وِرْدٌ (¬2) من المُومِ (¬3) مُرْدِمُ عَدّيتُ: صُرِفتُ عنهم، وهم أصحابه، أي انحرفتُ قليلا ولم آخذْ على وجهى. والدَّرِيس: الثوب الخَلَق. والمُرْدِم: الملازم، يقال: أردمتْ عليه الحمّى إذا لازمته. تَذَكُّرَ (¬4) ما أين المَفرُّ وإنّنى ... بغرزِ الذى ينجِى من الموتِ معصِم تذكُّرَ: نَصْبٌ، "وسألتُه (¬5) عنه" فقال: كان عيسى بن عمر يقول: تذكُّرُ ما أين المَفرّ؛ ولم يكن يدرى ما القراءة. وكان أبو عمرو يُنشِد: تَذكُّرَ ما أين المَفرّ، وهي القراءة. والمَفَرّ: المَنْجَى والذَّهابُ فى الأرض. وقوله: يَغْرزِ الذّى يُنجِى مِن ¬

_ (¬1) كذا وردت هذه الكلمة فى كلا الأصلين؛ وقد راجعنا ديوان حسان بن ثابت فى عدة طبعات فلم نقف على وجه الصواب فيها. (¬2) فى الأغانى ج 21 ص 26 "وعك" مكان قوله: "ورد" والمعنى عليه يستقيم أيضاً. (¬3) الموم: الحمى. قاله ابن برى. (¬4) فى الأغانى ج 21 ص 56: "تذكرت" مكان قوله: "تذكر" و"بحبل" مكان قوله: "بغرز". (¬5) لم نتبين مرجع الضمير هنا.

الموت مُعصِم، يقول: أنا متعلّق بعَدْوٍ شديد فيُنجِينى. ويقال للرجل: اُشدد يديك بغَرْزِ (¬1) فلان، إذا أمره أن يَلزَمه. ويقال: أعصَمَ الرجلُ بعُرْفِ فرسِه إذا تعلّق به، والمُعصِم: المتعلّق. فوالله ما رَبْداء أو عِلْجُ عانةٍ (¬2) ... أقبُّ وما إنْ تَيْسُ رَبْلٍ (¬3) مصمِّمُ الرَّبْل: نبت يَنبتُ فى قُبْلُ الشتاء (¬4). ورَبْداء: نعامة سوداء إلى الغُبرْة. وعِلْج: حمارٌ غليظ. أقبّ: خميصُ البطن. ومصمِّم: يركب رأسَه ويمضِى. وعَنَى بالتّيسِ (¬5) ظبيا. وبُثّت حِبالٌ فى مَرادٍ يَرودُه ... فأخطأه منها كِفافٌ مخزَّمُ فى مَرادٍ يَرودُه، أي فى مسارحَ يَسرَح فيها. وكِفاف، يعني كِفّةَ الحابل وهي شيء يُعمَل مِثل غِلاف القارورة؛ ثم يُجعل فيها خَرْق، ثم يُجعل عليها خَيْط بأُنشْوطة، ويغطَّى بتراب، فإذا دخلتْ يدُ الظبى فيها نفَضَها فنَشِبَت (¬6). وقوله: مخزَّم، أي منظَّم. ¬

_ (¬1) الغرز فى الأصل: ركاب الرحل، وهو فى هذا البيت وفى قوله: "اشدد يديك بغرز فلان" استعارة. (¬2) العانة: القطيع من حمر الوحش. (¬3) فى الأغانى ج 21 ص 56 "رمل" مكان قوله "ربل". (¬4) فى قبل الشتاء بضم فسكون وبضمتين أي فى أوّله؛ والقبل بهذا الضبط من الزمان: أوّله. وعبارة اللغويين فى تفسير الربل أنه ضروب من الشجر إذا برد الزمان عليها وأدبر الصيف تفطرت بورق أخضر من غير مطر. (¬5) قال فى اللسان (مادة تيس): والعرب تجرى الظباء مجرى العنز فيقولون فى إناثها المعز، وفى ذكورها التيوس، قال الهذلى: وعادية تلقى الثياب كأنها ... تيوس ظباء محصها وانبتارها (¬6) عبارة اللسان: الكفة ما يصاد به الظباء يجعل كالطوق.

يَطيحُ إذا الشَّعْراء صاتت بجَنْبِه ... كما طاح قِدْحُ المستفيضِ الموشَّمُ يطيح: يُشرِف (¬1). والشَّعْراء: ذُباب يَلسَع. وصاتت هاهنا أصاتت، وليس بمعروف (¬2). ويروى أيضاً: "إذا الشَّعْراء طافت بجَنبِه" والمعنى دَنَت، وهو أحسن فى هذا. والمستفيض: الّذي يُفِيض بالقِداح يَضرِب بها. والموشَّم: قِدْح فيه علامات. كأنّ المُلاء المَحْضَ خَلْفَ ذِراعِه ... صُراحِيُّهُ والآخِنِىُّ المتحَّمُ ويروى المخذَّم، وهو المقطَّع المشقَّق. قال: والمحض الخالص الأبيض. وصُراحِيّه: أبيضه. والآخِنىّ: ثياب كتان، وهي رديئة دون الجيدة (¬3). والأَتحمِىّ: بُرودٌ يَمانيّة فيها خطوط خُضر وحُمر. تراه وقد فات الرُّماةَ كأنّه ... أمامَ الكِلاب مُصْغى (¬4) الخدِّ أَصْلَمُ قال: نصب "مصغِىَ" على الحال. وقوله: أصلم، يقول: كأنّه من شدّة ما صَرَّ أذنيه (¬5) أصلم. مُصغ: من شِدّة العَدْو. ¬

_ (¬1) لعله "يسرع" إذا لم نجد الطوح والطيح بمعنى الإشراف، وإنما يكون بمعنى الذهاب فى الأرض أو الإشراف على الهلاك. (¬2) فى كتب اللغة أن صات وأصات كلاهما بمعنى واحد أي صوّت. فقوله هنا: "وليس بمعروف" غير ظاهر. (¬3) فى اللسان أن الآخنى ثياب مخططة. وقبل: الآخنى ثياب سود لينة يلبسها النصارى. (¬4) أصغى خدّه، أي أماله للاستماع. (¬5) صر أذنيه، أي سوّاهما ونصبهما للاستماع. وأصلم: مستأصل الأذن.

بأجوَدَ مِنّى يومَ كَفّتّ عادِياً (¬1) ... وأخطأنى خَلْفَ الثَّنِيّةِ أسهُمُ الكَفْت: الانقباض والسرعة. ويقال: اِكفِت إليك ثوابَك، أي اضمُمه إليك؛ وانكفِتْ فى مشيِك أي أَسِرع. أُوائل بالشّدّ الذَّليقِ وحَثَّنى ... لَدَى المتَنِ مشبوحُ الذِّراعان خَلْجَمُ أَوائل بالشَّدّ، أي أطلب النجاة بالشّدّ. والمشبوحُ الذِّراعين: العريض الذراعين. وحَثَّنى على الشّدّ، يعنى رجلاً يعدو خلفه. والخَلْجَم: الطويل. والذَّليق: الحديد. وقوله: "لدى المَتْن" يريد خلف ظهرِه. تذكَّرَ ذَحْلا عندنا وهو فاتِكٌ ... مِن القوم يَعْروه اجتِراءٌ ومَأَثَمُ يَعرُوه: يعتريه، يُلِمّ به. فاتِك: مُقدِم على الأمر. ويقال للرجل إذا كان جريئا على الأمر: فاتِك. فكِدتُ وقد خَلّفتُ أصحابَ فائدٍ ... لدى حَجَر الشَّغْرَى من الشَّدّ أَكْلَمُ حَجَر الشَّغْرَى: حجر قريب من مكة (¬2). قال أبو سعيد: وكانوا يركبون منه الدابّة؛ وقيل: كانوا يقولون: إذا كان كذا وكذا [أتيناه (¬3)، فإذا كان ذلك] أتوه فبالوا ¬

_ (¬1) روى فى الأغانى "وافيت ساعيا" مكان قوله "كفت عاديا" وقد ورد فى الأغانى أيضاً قبل هذا البيت قوله: بأسرع مني إذ عرفت عديهم ... كأنى لأولاهم من القرب توأم ثم روى فيه "وأجود" مكان قوله "بأجود" ليصح عطفه على قوله "بأسرع". (¬2) قيل إنه الشغزى بالزاى المعجمة وألف التأنيث؛ وقيل بالراء المهملة، وقال نصر: هو شغراء بالراء ممدودا. قال ياقوت: كانوا يركبون منه الدواب. وقال فى (مادة حجر) إنه الشغرى بالراء على وزن سكرى. قال: وهو بالراء أكثر، ثم ذكر أنه حجر بالمعرّف، وأنشد بيت أبى خراش هذا؛ وانظر القاموس وشرحه (مادة شغز) بالزاى. (¬3) هذه التكملة التى تحت هذا الرقم لم ترد فى الأصل. وقد أثبتناها عن شرح القاموس (مادة شغر) بالراء.

عليه. فقيل: حَجَر الشَّغْرَى لضربٍ من الكُفْر، لأنّهم يَشغَرون عليه. وفائد: رجل من خُزاعة كان طرد أبا خِراش، وقد فرغْنا من قصّته. تقول ابنتى لمّا رأتنى عشيّةً ... سلِمتَ وما إن كِدتَ بالأمس تَسلَمُ ولولا دِراكُ (¬1) الشَّدِّ قَاظْت حَليلتِى ... تَخيّرُ من خُطّابها وهي أَيِّمُ دِراك الشدّ: مُدارَكته، وهي سرعتُه. قاظت: أتت عليها قَيْظة أي صَيْفة. فتَقعُد أو تَرضَى مكانى خليفةً ... وكاد خِراشُ يومَ ذلك يَيْتَمُ * * * وقال أبو خِراش فى قتلُ زهير بن العَجْوة أخى بنى عمرو بنِ الحارث وكان قتلَه جميلُ بنُ مَعَمر بنِ حبيب بنِ حُذافة (¬2) بن جُمَح بن عمرو بن هُصَيص يوم حُنين، وجده مربوطا فى أُناس أخذهم أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فضرب عنقه (¬3)، وكان زهير خرج يطلب الغنائم، فقال أبو خراش يرثيه: فَجَّعَ أضيافى جَميلُ بنُ مَعمَرٍ ... بذى فَجَرٍ تأوِى إليه الأَرامِلُ ويروى: فَجّع أصحابي. بذى فَجرٍ: بذى معروف. ¬

_ (¬1) ورد فى الأغانى قبل هذا البيت قوله: فقلت وقد جاوزت صارى عشية ... أجاوزت أولى القوم أم أنا أحلم (¬2) فى الأغانى ج 21 ص 58 "ابن وهب" قبل قوله: "ابن حذافة". (¬3) زاد فى الأغانى قبل هذه العبارة قوله: وكانت بينهما إحبة فى الجاهلية.

طويل نِجادِ البَزِّ (¬1) ليس بَجيدَرٍ ... إذا اهتزّ واسترخت عليه الحمائل نِجاد البزّ، يريد بالبَزّ هاهنا السيف. والجَيْدَر: القصير. واسترخت عليه الحمائل، حمائل طويلة، وأراد أنه طويل. إلى بيته يأوِى الغريب إذا شتا ... ومُهتلِكٌ بالى الدَّريسَيْن عائلُ الدريسان: الثوبانِ الخَلَقان. وعائل: فقير. وعالَ الميزانُ إذا مال. وعالَ الرجلُ إذا افتقر. تَروَّحَ مَقْرورا وراحت عشيّةً ... لها حَدَبٌ يحَتثُّه فيُوائِلُ وراحت عشيّةً، أي راحَ رائحُها. لها حَدَب: لها عُرْفٌ (¬2). والحدب يحتثّ هذا الرجلَ إلى الحىّ. تكاد يداه تُسْلِمان رِداءَه ... من الجُود لما استقبلَتْه الشَّمائلُ أي يداه لا تَحبِسان شيئا من مالِه أي يعطِى إذا هاجت الشَّمال فى الشتاء. فما بالُ أهلِ الدّارِ لم يتحمّلوا (¬3) ... وقد بان منها اللَّوْذَعِىُّ الحُلاحِلُ اللّوذعىّ: الحديد البيِّن اللسان. والحُلاحِل: الرَّزِين فى مجلسه. ¬

_ (¬1) فى الأغانى "السيف". مكان "البز" و "إذا قام واستنت" مكان قوله: إذا اهتز واسترخت. (¬2) كذا ورد هذا اللفظ فى الأصل مضبوطا بضم العين وسكون الراء وضمتين على الفاء، وهو تحريف إذ لم نجد الحدب بهذا المعنى فيما راجعناه من كتب اللغة؛ على أنه إن كان فهو غير مستقيم، ولعل صوابه: "لها عنف" أي شدّة. وفى كتب اللغة أن حدب الشتاء شدة برده قال الشاعر: لم يدر ما حدب الشتاء ونقصه ... ومضت صنابره ولم يتخدّد (¬3) رواية اللسان (مادة لذع): لم يتفرّقوا ... وقد خف عنها ... الخ.

فوالله لو لاقيتَه غيرَ مُوثَقٍ ... لآبكَ بالِجزْعَ الضِّباع النَّواهلُ النّواهل: المشتهِيات للأكل كما تَشتهَى الإبلِ الماء. والجِزع: منعطف الوادى. وإنّك لو واجهتَه إذ لقِيتَه ... فنازلتَه أو كنتَ ممّن ينازِلُ لظلّ جَميلُ أسوأَ القوِم (¬1) تَلّةً ... ولكنّ قِرْنَ الظَّهْرِ للمرءِ شاغِل (¬2) ولم أنسَ أيّاما لنا وليالِيا ... بحَلْيَةَ إذ نَلقَى بها من نُحاولُ فليس كعهد الدّار يا أمَّ مالِكٍ ... ولكن أحاطتْ بالرِّقاب السَّلاسِلُ أراد الإِسلام أحاط برقابنا، فلا نستطيع أن نعمل شيئاً. وعاد الفتى كالكهلِ ليس بقائلٍ ... سِوى العَدْل (¬3) شيئا فاستراح العواذل يقول: رجع الفتى عما كان عليه من فتوّته وصار كأنه كَهْل. قوله: فاستراح العواذل لأنهنّ لا يَجِدن ما يعذلْن فيه سِوى العدْل أي سوى الحقّ. فأصبح إخوانُ الصَّفاءِ كأنّما ... أَهالَ عليهمْ جانِبَ التُّربِ هائلُ ¬

_ (¬1) فى رواية "أفحش القوم صرعة". (¬2) تلة أي صرعة. ويريد بقرن الظهر القرن الذي جاءه من جهة ظهره. ورواية الأغانى ج 21 ص 59 "ولكن قرن المرء للظهر" الخ. (¬3) رواية الأغانى "سوى الحق".

وقال أبو خراش يرثى خالد بن زهير

وقال أبو خراش يرثِى خالد بنَ زهير أَرِقتُ لِهمٍّ ضافنى بعد هَجْعةٍ ... على خالدٍ فالعَينُ دائمةُ السَّجْم إذا ذكرتْه العينُ أغرَقَها البُكَى ... وتَشرَق من تَهمالِها العَينُ بالدَّمِّ (¬1) تَشَرق: تَنشَب، ومنه شِرق بالماء، إذا انتَشَب الماءُ فى حلقِه. فباتت تراعى النجمَ عَينٌ مريضةٌ ... لمِا عالهَا واعتادها الحزنُ باِلسُّقْم عالها أي أثقَلَها أو بلغ منها. وما بعد أن قد هَدّنى الدهر هَدّةً ... تَضالَ لها جِسمِى ورَقَّ لها عَظْمِى تَضالَ: مخفّفُ تَضاءل. وما قد أَصابَ العَظْمَ منّى مُخامرٌ ... من الداء داءٌ مستكِنٌّ على كَلْم قوله: مُخامِر، أي مستِكنّ (¬2) ملازِم. ¬

_ (¬1) نقل صاحب اللسان عن الكسائى (مادة دمى) قال: لا أعرف أحدا يثقل الدم، فأما قول الهذلى: * وتشرق من تهمالها العين بالدم * أي بتشديد الميم. مع قوله: "فالعين دائمة السجم"، فهو على أنه ثقل فى الوقف فقال الدمّ، فشدّد، ثم اضطر فأجرى الوصل مجرى الوقف. كما قال: "ببازل وجناء أو عيهل" أي بتشديد اللام الخ. (¬2) عبارة الخزانة ج 2 ص 318 "مخالط وملازم".

وأن قد بدا منّي لما قد أصابنى ... من الحزن أنِّى ساهمُ الوجهِ ذو هَمِّ شديد الأسى بادى الشُّحوبِ كأنّنى ... أخو جِنّة يعتاده الخَبْلُ فى الِجسمِ الأسى: الحزن. والخَبْل: فساد العقل والِجسم. بفقد امرئ لا يجتوى الجارُ قُرْبَه ... ولم يك يُشْكَى بالقطيعةِ والظُّلمِ لا يجتوى: لا يكره. يعود على ذى الجهلِ بالِحلِم والنُّهى ... ولَم يَكُ فَحّاشا على الجار ذا عَذْمِ (¬1) ولَم يكُ فَظًّا قاطعا لقرابةٍ ... ولكن وَصولا للقرابةِ ذا رُحْم ذا رُحْمِ: ذا رَحمةٍ. وكنتَ إذا ساجرتَ منهم مُساجِرًا ... صفحتَ بفَضْلٍ فى المُروءة والعِلِم قوله: ساجَرْت، خالَلْت، من المُخالّة. وكنتَ إذا ما قلت شيئاً فعلتَه ... وفُتَّ بذاك الناسَ مجتمِعَ الحَزمِ فإن تك غالتْك المنايا وصَرْفُها ... فقد عِشتَ محمودَ الخلائقِ والِحلمِ كريمَ سجيّات الأمور محبَّبا ... كثيَرُ فضول الكفّ ليس بذى وَصْمِ (¬2) ¬

_ (¬1) العذم: الأخذ باللسان واللوم والوقيعة. (¬2) وضع فوق كلمة "وصم" فى الأصل قوله: "عيب".

أَشمَّ كنَصْلِ السيفِ يرتاح للندَى ... بعيدا من الآفاتِ والخُلُقِ الوَخْم قوله: يرتاح للندى: يخِفّ للندى. جمعتَ أمورا يُنفِذ المَرَّ بعضُها ... من الحِلْم والمعروفِ والحَسَبِ الضَّخْم المَرَّ: لغتهم، يريد المرءَ يا هذا. يقول: بعض هذه الأمور التي فيك تجعل المرء نافذا، فكيف كلّها، فقد اجتمعت فيك. أتته المنايا وهو غَضٌّ شَبابُه ... وما لِلمنايا عن حِمَى النَّفسِ مِن عَزْمِ (¬1) وكلّ امرئ يوما إلى الموت صائر ... قضاءً إذا ما حان يؤخذ بالكَظْم (¬2) وما أحد حىٌّ تأخّرَ يَومُه ... بأخلدَ ممّن صار قبَل إلى الرَّجْمِ الرجم (¬3): القبر. سيأتي على الباقِين يومٌ كما أتى ... على من مضى حتمٌ عليه من الحَتْمِ فلستُ بناسِيه وإن طال عهدُه ... وما بعدَه للعيشِ عِندِىَ من طعمِ ¬

_ (¬1) العزم هنا بمعنى الصبر، قاله البغدادى فى الخزانة ج 2 ص 319. (¬2) الكظم: "الحلق" وقيل "الفم" وأصله بفتحتين وسكَن ثانيه ضرورة قاله البغدادى فى الخزانة ج 2 ص 319 وفسر الكظم بالتحريك فى اللسان بأنه مخرج النفس بفتح الفاء، وأنشد بيت أبى خراش هذا وروايته "إلى الله" مكان قوله: "إلى الموت"، و"إذا ما كان" مكان قوله: "إذا ما حان". (¬3) أصله الرجم بفتح الجيم، وسكن ضرورة، انظر خزانة الأدب للبغدادي.

وقال أبو خراش أيضا

وقال أبو خِراش (¬1) أيضا إنكِ لو أبصرتِ مَصرَع خالدٍ ... بجَنْبِ السِّتارِ (¬2) بين أظْلَمَ فالحَزْمِ أظلم: مكان (¬3). والحزم: مكان غليظ (¬4). لأيقنتِ أن البَكْر ليس رزِيّةً ... ولا النابَ لا انضمّت (¬5) يداكِ على غُنْمِ خيّبكِ الله، أي لا غنِمت يداكِ إذ صِرتِ تحزنين على هذا البَكر. تذكّرتُ شَحوًا ضافَنى بعد هَجْعةٍ ... على خالدٍ فالعينُ دائمة السَّجْم شجوا: حُزْنا. والسَّجْم: الصّبّ. لَعمرُ أبِي الطّيرِ المُربّةِ (¬6) بالضّحى ... على خالدٍ لقد وقعنَ على لحَم ¬

_ (¬1) هذه القصيدة يرثى بها أبو خراش خالد بن زهير أيضا كالتى قبلها. (¬2) الستار: جبل بالعالية فى ديار بنى سليم. (¬3) قال الأصمعى عند ذكره جبال مكة "أظلم الجبل الأسود من ذات حبيس" وأنشد للحصين بن حمام المرى: فليت أبا بشر رأى كر خيلنا ... وخيلهم بين الستار وأظلما (معجم البلدان). (¬4) فى خزانة الأدب ج 2 ص 317 أنه يريد حزم بنى عوال. وفي معجم البلدان أن حزم بنى عوال جبل بأكناف الحجاز على طريق من أم المدينة لغطفان. (¬5) فى خزانة الأدب: "لا اضطمت". (¬6) المربة: المقيمة. وقد روى هذا البيت بعدّة روايات ذكرها صاحب خزانة الأدب ج 2 من صفحة 316 إلى صفحة 319 فانظرها مع هذه القصيدة والقصيدة التي قبلها.

وقال أبو خراش أيضا

يقول: لو رأيتِ خالدا والطير تأكله لاستخففتِ بهلاكِ البَكْر والناب. قوله: "لقد وقعنَ على لحم" كان (¬1) ممنَّعا. كُلِيه ورَبِّى لا تجيئين مِثلَه ... غداةَ أصابتْه المنيّةُ بالرَّدْمِ يريد لا تجيئين إلى مِثلِه. والرَّدْم: موضع. فلا وأبِى لا تأكل الطيرُ مِثلَه ... طويلَ النِّجاد غيرَ هارٍ ولا هَشْم قوله: غير هارٍ، أي غير ضعيف. وهشم: مِثل ذلك. هارٍ، أراد هائرا أي ضعيفا. * * * وقال أبو خراش أيضا ما لِدُبَيّةَ منذ العامِ لم أرَهُ ... وَسْطَ الشُّروبِ ولم يُلْمِمْ ولمَ يَطِفِ (¬2) دُبَيّة: كان سادِنا لبعض الأصنام (¬3)، فضرب خالد بن الوليد عنقَه. طاف الخيالُ طَيْفا. ¬

_ (¬1) يشير الشارح بهذا إلى أن قوله "لحم" فى البيت مقدّر الصفة، ولهذا نكر. وفي تفسير آخر لحم أيّ لحم ذكره صاحب خزانة الأدب ج 2 ص 316 (¬2) الأصمعى يقول: طاف الخيال يطيف. وقال غيره: يطوف. وفي الأغانى ج 21 ترجمة أبى خراش "منذ اليوم". (¬3) قد سبق أن دبية السلمى هذا كان سادنا لعزىّ غطفان وكانت ببطن نخلة، وقد هدّمها خالد بن الوليد.

لو كان حيًّا لغاداهم بمُترَعةٍ ... فيها الرَّواوِيق مِن شِيزَى بَنِي الهَطِفِ بمترَعة: بَجْفنة مملؤةٍ فيها خمر. وبنو الهَطِف: بنو أسد (¬1) بنِ خزيمة، كانوا حلفاء لِبنى كِنانة، وكانوا يعملون الِجفان (¬2)، والرواوِيق: المصافى. كابِى الرماد عظيمُ القِدْرِ جَفْنَتُه ... عند الشتاء كَحوْض الَمْنهَل اللَّقِفِ كابى الرماد: عظيم الرماد. والمَنهَل: الّذى إِبِلُه عطاش. والحوض اللَّقِف: الذي يتهدّم من أسفله، يتلقّف من أسفله أي يتهدّم (¬3). أَمسَى سُقامٌ خَلاءً لا أنيسَ به ... إلاَّ السّباعُ (¬4) ومَرُّ الرِّيح بالغَرَفِ سُقام: موضع (¬5). والغَرَف: شجر (¬6). وسُقام كغُراب: وادٍ، وقد يُفتَح. ¬

_ (¬1) عبارة الأغانى ج 21 ص 58 "قوم من بنى أسد" الخ. وفى القاموس وشرحه أنهم من كنانة أو من أسد بن خزيمة. (¬2) فى القاموس أنهم أوّل من نحت هذه الجفان. (¬3) عبارة الأغانى ج 21 ص 58 فى تفسير اللقف. "اللقف": الذي يضرب الماء أسفله فيتساقط وهو ملآن. (¬4) فى رواية "إلا الثمام". (¬5) ذكر ياقوت أن سقام واد بالحجاز، وأنشد بيت أبى خراش هذا، ثم نقل عن أبي المنذر أن قريشا كانت قد حمت للعزى شعبا (بالكسر) من وادى حراض يقال له سقام يضاهئون به حرم الكعبة، وأورده مضموم السين. (¬6) ذكر فى اللسان أن الغرف بالتحريك: الثمام فى بعض أقوال، وأنشد بيت أبى خراش هذا، ورواه (غير الذئاب) ثم ذكر أيضاً رواية الأصل.

وقال أيضا

وقال أيضاً أفى كلِّ مُمسَى ليلًة أنا قائلٌ ... من الدّهر لا تبعَدْ قتيلَ جَميلِ (¬1) فما كنتُ أخشى أن تَنالَ دِماءنا ... قريشٌ ولمّا يُقتَلوا بقَتِيلِ وأَبرَحُ ما أمِّرتُمُ ومَلَكتُم ... يدَ الدهرِ ما لم تُقتَلوا بغَليلِ ما أُمِّرْتم إذا كانت الإمارة فيكم، فأَبرُح بغليلٍ ما لم تُقتَلوا. والغليل: خَرُّ فى الصدر يكون من الغيظ، ويكون من العطش فى غير هذا الموضع. وقال أبو خِراش أيضا (¬2) حَمِدتُ إلهى بعد عُروةَ إذ نجا ... خِراشٌ وبعضُ الشّر أهوَنُ من بعضِ عروة: أخوه، وخِراش: ابنُه. وبعض الشرّ أهوَن مِن بعض، إذ لم يُقتَلا جميعاً. ¬

_ (¬1) قتيل جميل، هو زهير بن العجوة الذي قتله جميل بن معمر فى قصة تقدم ذكرها. (¬2) كان سبب هذه الأبيات فيما ذكره صاحب الأغانى ج 21 ص 63 أن عروة بن مرة وخراشا ابن أبى خراش أخى عروة خرجا مغيرين على بطنين من ثمالة يقال لهما بنو رزام وبنو بلال (بتشديد اللام الأولى كما فى خزانة الأدب ج 2 ص 459) طمعا فى أن يظفرا من أموالهم بشيء، فظفر بهما الثماليون فأما بنو رزام فنهوا عن قتلهما، وأبت بنو بلال إلا قتلهما حتى كاد يكون بينهم شر، فألقى رجل من القوم ثوبه على خراش حين شغل القوم بقتل عروة، ثم قال له: انج، وانحرف القوم بعد قتلهم عروة إلى الرجل، وكانوا أسلموه إليه، فقالوا أين خراش، فقال أفلت منى فذهب، فسعى القوم فى أثره، فأعجزهم، فقال أبو خراش هذه الأبيات يرثى أخاه عروة، ويذكر خلاص ابنه، وقد وردت هذه الأبيات أيضاً فى خزانة الأدب ج 2 فى الكلام على الشاهد السادس بعد الأربعمائة من صفحة 458 إلى صفحة 463 فانظرها مع قصتها التى نقلناها هنا عن الأغانى مشروحة أبياتها شرحا مطولا.

فوالله لا أَنسَى قتيلا رُزِئتُه ... بجانب قُوسَى (¬1) ما مشيتُ على الأرض بلى إنّها تعفو الكُلومُ وإنّما ... نُوكَّل بالأدنى وإنْ جَلّ ما يَمضِى قوله: بلى إنّها تَعفو الكُلوم، تَبرأُ وتَستوِى. نوكَّل بالأدنى، يقول: إنما نحن نحزن على الأقرب فالأقرب، ومن مضى ننساه وإنْ عَظُم. ولَم أَدرِ من أَلقَى عليه رِداءَه ... ولكَنّه (¬2) قد سُلَّ من ماجِدٍ مَحْضِ وذلك أنّه لما صُرِع أَلقىَ عليه رجل ثيابَه فواراه، وشُغِلوا بقتل عروة، فنجا خِراش. وهذا الرجل الذي أَلقَى عليه ثوبه من أَسْدِ شَنوءة، فقال: ولم أدرِ من أَلقَى عليه رداءَه ... ولكنّه قد سُلّ من ماجِدٍ مَحْضِ ولمَ يكُ مَثْلوجَ الفؤادِ مهبَّجًا ... أضاع الشبابَ فى الرَّبيلةِ والخَفضِ مثلوج الفؤاد، لم يكن ضعيفَ الفؤاد، باردَ الفؤاد. مهيَّج: مثقَّل. أضاع الشبابَ فى الرَّبيلة والخفض، يقول: أضاعه فى المُقام فى الخفض الدَّعَة. والرَّبِيلة: كثرة اللَّحمِ وتمامُه. ولكنّه قد نازعتْه مخامِصٌ ... على أنّه ذو مِرّةٍ صادقُ النَّهضِ نازعتْه مخَامِص، أي جاذَبهَ جُوع. وصادق النهض حين يَنهض فى الأرض. ¬

_ (¬1) ضبط هذا الاسم بفتح القاف فى القاموس وشرحه ضبطا بالعبارة، وضبط فى الأصل بضم القاف. وفي خزانة الأدب ج 2 ص 460 ما يفيد أنه يروى بفتح القاف كما يروى بضمها. وهو موضع جلاد السراة من الحجاز، قاله فى تاج العروس، وأنشد هذا البيت. (¬2) فى رواية "سوى أنه" من قوله "ولكنه".

وقال أيضا

كأنهّمُ يشَّبّثون بطائر ... خفيفِ المُشاش عَظمُه غيرُ ذى نَحْضِ يقول: هؤلاء الّذين يَعْدُون خلفَ خِراش كأنّهم يتعلّقون بطائر خفيفِ المُشاسْ، أي ليس بكثير اللحم. قال: عظمُه غيرُ ذى نَحْض، أي هو خفيف ليس بثقيل. والنَّحْض: اللحم. والنَّحْض: أخذُ اللحم عن العظم. يبادر قربَ الليلِ فهو مُهابِذٌ (¬1) ... يَحُثُّ الجَناحَ بالتبسُّط والقَبْضِ فهو مُهابِذ، يعني الطائر، فهو جادٌّ ناجٍ، وأصله مِن مَرَّ يَهْذِب، ولكنه قَلبَه. والقبض: أن يَقبِض جَناحه. * * * وقال أيضاً لستُ لمُرّةَ إنْ لم أُوفِ مَرقَبةً ... يَبدو لىَ الحَرْفُ منها والمقاضِيبُ أُوفِ: أُشْرِف. والمقاضيب: مواضع (¬2) القَتّ، يقال للقَتّ (¬3) القَضْب. فى ذات رَيْدٍ كذَلقْ الفَأْسِ مُشرِفةٍ ... طريقُها سَرَبُ بالناس دُعْبوبُ الرَّيْد: حرف ناتئٌ من الجبل. كذَلْق الفأس، كحدّ الفأس، طريقُها سَرَب شائع، الناس فيه يتسّرب بعضهم فى إثر بعض. دُعْبوب: موطوء. ¬

_ (¬1) رواية اللسان (مادة هذب) "جنح" مكان "قرب" و"مهاذب" على الأصل مكان "مهابذ"، وروى فيه مادة "هبذ" "مهابذ" كما هنا. (¬2) فى الأصل "موضع". (¬3) القت: الرطبة من علف الدواب.

لَم يَبقَ من عرشِها إلاَّ دِعامتُها ... جِذْلانِ مُنْهدمٌ منها ومنصوبُ قوله: من عرشها، وهو أن يوضع فوق هذه الدِّعامةُ ثُمامٌ أو شيء يستظلّ تحته. فيقول: لم يَبق من عرشِ هذه إلا جِذْلان: عُودان، واحد قائم والآخر ساقط. بصاحب لا تُنالُ الدهَر غِرَّتُه ... إذا افتَلَى الهَدَفَ القِنَّ المعازيبُ (¬1) فأراد لستُ لمُرّة إن لم أُوفِ مَرقبةً بصاحبٍ لا يَفْتُر إذا افتَلَى الهدف. والهَدَف: الثقيل الوَخم من الرجال. والقِنّ: الذي أبوه عبدٌ وأمّه أمة. وقوله: اِفتَلَى الهدفَ أي فلاه (¬2) من أهِله كما يُفلَى الفَلّو (¬3) من أمّه، أي ذهبت به الغنم وهي معازيب فأراد: بصاحبٍ ليس براعٍ. بَعثتُه بسواد الليلِ يَرقُبُنِى ... إذ آثر النومَ والدِّفءَ المنَاجِيبُ (¬4) المَناجِيب: الضعفاء الذين لا خير فيهم. ومنه سهمِ منجاب (¬5) للّذى لاريش عليه. والدِّفء، أي عليه ما يُدفِئه. ¬

_ (¬1) أصل المعازيب هنا معازب جمع معزبة كمفرقة وهي الأمة، ولكن أبا خراش أشبع الكسرة فجاءت منها ياء. قال فى التكملة: الهدف الثقيل، أي إذا شغل الإماه الهدف القنّ. (تاج العروس). (¬2) فلاه من أهله، أي عزله وفصله. وأصله عزل الجحش والمهر عن الرضاع. (¬3) الفلو بفتح الفاء وتشديد الواو وبكسر الفاء مع تخفيف الواو: الجحش والمهر إذا فطما. (¬4) فى الأصل: "المناخيب" بالخاء فى البيت وفي شرحه، وهي وإن كانت رواية أخرى فى البيت بهذا المعنى الذي ذكره، إلا أن قوله بعد، "ومنه سهم منجاب" يدل على أنه قد اختار رواية الجيم. وفى اللسان مادة (نجب) أنه يروى المناجيب والمناخيب بالجيم والخاء. (¬5) فى الأصل: "منخاب" بالخاء، ولم نجد السهم بهذا المعنى فيما راجعناه من كتب اللغة. والذي وجدناه "منجاب" بالجيم انظر اللسان والقاموس. والسهم المنجاب هو الذي يرى وأصلح ولم يرش ولم ينصل.

وقال أبو خراش أيضا

مِثلُ ابنِ واثِلةَ الطَّرّادِ أو رَجُلٌ ... من آلِ مُرّةَ كالسِّرحان سُرْحوبُ سُرْحوب: طويل. يَظَلّ فى رأسها كأنّه زُلَمٌ ... من القِداح به ضَرْسٌ وتعقيبُ زُلَم: قِدْح به ضَرسٌ يؤثِّر فيه لأنه قد أُعلم. كثير الفوز: له علامة من عَقَبٍ وضرس. والضَّرْس: أن يُعَضّ حتى يؤثّر فيه. سَمْحٌ من القوم عُريانٌ أشاجِعهُ ... خَفَّ النَّواشُر منه والظَّنابِيبُ عُرْيان أشاجُعه، ليس بكثير اللحم (¬1). النواشر: عَصَبُ ظَهرِ الكفّ (¬2). كأنّه خالد فى بعض مِرّتِه ... وبعض ما ينحلُ (¬3) القومُ الأكاذيِبُ يقول: هذا يشبِه خالدا فى بعض مِرّته، فى بعض انفتاله وإقباله، ثم قال: وبعض ما يقول الناس الكذِب. * * * وقال أبو خراش أيضاً ولا واللهِ لا أَنْسَى زهَيرًا (¬4) ... ولو كَثُرَ المَرازِى والفُقُود أَبَى نِسيانَه فقرِى إليه ... ومَشهَده إذا اربدّ الجُلُود قوله: اربدّ، أي تغيّر. ¬

_ (¬1) لم يفسر الأشاجع، وإنما فسر المراد بقوله "عريان أشاجعه". والأشاجع: أصول الأصابع التى تتصل بعصب ظهر الكف. (¬2) بقى تفسير الظنابيب: جمع ظنبوب، وهو حرف الساق اليابس من القدم. وقيل عظم الساق. (¬3) نقل الأزهرى فى اللسان عن الليث أنه يقال نحل فلان فلانا إذا سابّه فهو ينحله أي يسابّه. (¬4) يريد زهير بن العجوة السابق رثاؤه فى صفحة 148 من هذا السفر.

وذِمّتُه إذا قَحَمتْ جُمادَى ... وعاقَبَ نَوءَها خَصَرٌ شديد قوله: قحمت، يعنى اشتدّت، يقال أصابتهم قحمة: سنة شديدة. والأنواء: سقوط النجوم لِطالعٍ غيرِها. ولا واللهِ لا يُنْجيكَ دِرعٌ ... مُظاهَرةٌ ولا شَبَحٌ (¬1) وَشِيدُ مُظاهَرة، أراد حَلْقتين حَلْقتين. والشَّبْح: الباب (¬2)، وكلّ عريض شَبْح. والشِّيد: الجِصّ. يقول: لا ينجيك بابٌ ولا بنِاء. ويقال: شَبَحه مدّه (¬3) للضرب وغيره. ولا يَبقَى على الحَدَثان عِلجٌ ... بكلّ فَلاةِ ظاهرةٍ يَرودُ ظاهرةٍ: ما ارتفع عن الأرض. يَرود: يطلب. تَخطّاه الحتُوف فهو جَوْنٌ (¬4) ... كِنازُ اللَّحم فائلُه رَديدُ قوله: رَدِيد، مجتمع مردود بعضه على بعض. غدَا يرتاد فى حَجَراتِ غَيْثٍ ... فصادَفَ نَوءَه حَتْفٌ مُجِيدُ (¬5) ¬

_ (¬1) فى كلا الأصلين "شيح" بالياء المثناة؛ وهو تحريف؛ وتصحيحه عن القاموس. (¬2) فى القاموس "الباب العالى البناء". (¬3) فى الأصل: "بيده" مكان؛ "مدّه"؛ وهو تحريف. (¬4) الجون: حمار الوحش. وكناز اللحم أي صلب اللحم. والفائل: اللحم الذي على خرب الورك. والخرب: ثقب رأس الورك. (¬5) ضبط فى الأصل المخطوط مجيد بفتح الميم؛ وتصحيحه عن النسخة الأوربية واللسان (مادة جود) والقاموس.

غدا الحمار يرتاد. وحَجَرات: نواحٍ. فصادفَ نوءَه حتفٌ مُجِيد، أي حاضر أَخذَه من جَوْدِ (¬1) المطر. يقول: هذا الحتف أذهب عنه نوء المطر الذى كان يرعاه بسببه. غدا يرتاد بين يَدَىْ قَنِيصٍ ... تُدافِعه سَفَنَّجةٌ عَنودُ القَنِيص: الصائد. تُدافِعه: تَدفَع ذلك العلِج؛ والسفنّجة: البعيدة الخطو. وعَنود، أي متحرِّقة من النشاط، والسفنّجة: النعامة، شبّه الفرسَ [بها] (¬2). جَمومٌ نَهْدَةٌ ثَبْتٌ شَظاها ... إذا رُكبتْ على عَجلٍ تَصيدُ جَموم: كثيرة الجَرْي، إذا ذهب جرىٌ جاء جرىٌ كما يَجِمّ ماء البئر. والشَّظا: عَظْمٌ إلى جانب الوَظيف. يريد وَظيفَ اليد، يقال: شَظِىَ الفرسُ، إذا زال عن موضعه (¬3). فأَلجَمها فأَرسلَها عليه ... وولَّى وهو منتفِدٌ (¬4) بعيدُ منتفِد (4): انتفد (4) مِن عَدْوِه واْستوفاه، مشتّقة من نَفِد (4) ينَفدَ (4) أي ذهب أَجمعَ. ¬

_ (¬1) كذا فى اللسان (مادة جود). والذى فى الأصلين: "جودة". (¬2) لم ترد هذه الكلمة التى بين مربعين فى كلا الأصلين؛ والسياق يقتضيها. (¬3) زال عن موضعه، أي زال ذلك العظم. وذكر بعض اللغويين فى الشظا أنه عصب صغار في الوظيف. إلى أقوال أخرى فيه. (¬4) وردت هذه الألفاظ التى تحت هذا الرقم كلها فى كلتا النسختين بالقاف؛ وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا نقلا عن اللسان وغيره.

كأنّ الَمرْوَ بينهما إذا ما ... أصاب الوَعْثَ منتقِاً هَبيدُ المَرْو: الحجارة البِيض. قوله: بينهما، بين الفرِس والحمار، منتقِفا هَبيد شبّه الَمْروَ وما تَكسَّر منه بحوافر الفرس بَحْنظل منتقفٍ قد نقِف وأُخرِج ما فيه. فأَدرَكَه فأَشرَعَ فى نَساهُ ... سِناناً حدُّه حَرِقٌ (¬1) حديدُ (77) فَخرَّ على الجَبينِ فأدركتْه ... حُتوفُ الدهرِ والحَينُ المُفيدُ (¬2) * * * أقبل غلام من بنى تميم ثم أحد بنى حنظلة بنِ مالكِ بن زيد مَناةَ حتى نزل فى بنى حُرَيث بن سعد بنِ هُذيل [على رجل] (¬3) يقال له غاسل بن قَمِيئة، فقتله فقال أبو خراش فى ذلك: كأنّ الغلامَ الحنظلَّى أَجارَه ... عُمانِيّةٌ قد عَمَّ مَفرقَها القَمْلُ عُمانيّة: اِمرأةٌ من عُمانّ. أَباتَ على مِقراكَ (¬4) ثمّ قَتْلتَه ... على غير ذَنْبٍ ذاكَ جَدَّبكَ الثُّكْلُ ¬

_ (¬1) حرق وحديد كلاهما بمعنى واحد؛ كأنه ذو إحراق، قاله فى اللسان (مادة حرق). (¬2) المفيد بالفاء، أي المهلك، من أفاده إذا أهلكه. والفيد بفتح الفاء: الهلاك من فاد الرجل يفيد بفتح الياء إذا مات (اللسان). (¬3) هذه التكملة عن النسخة الأوربية؛ وقد وضعت فيها بين مربعين أيضا، ولا يستقيم الكلام بدونها. (¬4) المقرى والمقراة: القصعة يقرى فيها الضيف.

فهل هو إلَّا ثوبُه وسلاحُه ... وما بكُم عُرْيٌ إليه ولا عُزْلُ (¬1) وما بكم عُرْىٌ إليه، أي لكم ثياب وسلاح تغنيكم عنه. ويقال: رجل أعزَلُ إذا كان لا سلاح معه. دعا قومَه لمّا اْستُحِلّ حَرامُه ... ومِن دونهمْ عَرْضُ الأَعِقَّةِ (¬2) فالرَّمْلُ ولو سمعوا منهم (¬3) دُعاءً يروعهمْ ... إذا لأتتْه الخيلُ أعينُها قُبْلُ (¬4) شَواحِىَ (¬5) يَمْرِيهنّ بالقوم والقَنا ... فُروعُ السِّياطِ والأعِنّةُ والرَّكْلُ يَمريهنّ: يُخرِج ما عندهنّ الرَّكْل وتحريكُ السِّياط. إذًا لأتاه كلُّ شاكٍ سِلاحُه ... يُعانِشُ يومَ البأسِ ساعِدُه جَدْلُ قوله: كلّ شاكٍ سلاحه، ذو شوكةٍ؛ يعانش: يعانِق. جَدْل: مجدولة. فلو كان سَلْمَى جارَه (¬6) أو أَجارَه ... رِياحُ (¬7) بنُ سعدٍ رَدَّه طائرٌ كَهْلُ ¬

_ (¬1) عزل بضم فسكون، أي ولا أنتم عزل من السلاح. قاله في اللسان (مادة عزل) كما روى فيه أيضاً بفتح فسكون. (¬2) الأعقة: جمع عقيق، وهو الوادى، وكل ما شقه ماء السيل في الأرض فأنهره ووسعه فهو عقيق. (¬3) كذا في جميع الأصول؛ وهو غير واضح؛ ولعل الصواب «منه». (¬4) قبل، من القبل بفتح القاف والباء، وهو إقبال إحدى الحدقتين على الأخرى. وقيل: هو إقبالها على عرض الأنف. وقيل القبل والحول واحد، ويريد أن الخيل تنظر فى جانب. (¬5) شواحى، أي فاتحات أفواهها؛ (القاموس وشرحه). (¬6) جاره، أي جارا له، والجار: الذى أجرته من أن يظلمه ظالم. (¬7) روى فى اللسان (مادة كهل) «رماح بن سعد» وفى أساس البلاغة (مادة كهل) «رياح» الياء المثناة كما هنا.

وقال في ذلك معقل بن خويلد

يريد سلمى بنَ مَعقِل من بنى صاهِلة. ورياح بن سعد من بنى زُلَيفة. قوله: طائر كهل، أراد رجلا كهلا عظيمَ الشأن (¬1). تَرى طالبِى الحاجاتِ يغشَوْن بابَه ... سِراعا كما تهَوِى إلى أُدَمَى النَّحلُ أُدَمى: موضع. * * * وقال في ذلك مَعقِل بنُ خُوَيْلِد أظُنّ ولا أدرى وإنّى لقَائلٌ ... لعلّ الغلامَ الحنظلىَّ سيُنْشَدُ سيُنشَد، أي يُطلَب، يعني الغلامَ الّذى قُتِل. إذا جاء خَصْمٌ كالِحفافِ لَبوسُهمْ ... سَوابغُ أبدانٍ (¬2) ورَيْطٌ معضَّدُ معضّد: فيه خطوط. والِحفاف، يقال: قوم أحِفّة إذا حَفّوا على الشئ. والِحفاف: ما استدار (¬3). ¬

_ (¬1) أورد في اللسان هذا البيت (مادة كهل) ثم نقل عن ابن سيدة أنه قال: لم يفسره أحد. قال: وقد يمكن أن يكون جعله كهلا من المبالغة في الشدّة. ثم نقل عن الأزهرى أنه يقال: طار لفلان طائر كهل إذا كان له جد وحظ في الدنيا. (¬2) كذا في شرح السكرى ص 109 طبع أوربا والذي في النسخة الشنقيطية "ربذى"؛ وهو تحريف. وفسر السكرى البدن واحد الأبدان بأنه الدرع الصغيرة، وهذا التفسير غير ظاهر لمنافاته لقوله: "سوابغ" والأولى تفسير البدن بأنه الدرع عامة. (¬3) ذكر السكرى في تفسير الحفاف في هذا البيت أنه جبل.

وقال أبو خراش يحرض على بنى بكر

تُخاصِم قوما لا تَلقَّى جوابَهمْ ... وقد أَخذتْ من أنفِ لِحيتِك اليدُ (¬1) يقول: كنتَ غلاما حَدَثا لا تُعاتَب، واليومَ قد أخذتَ بلحيتك. ويقول: أنت صبىّ فلستَ مّمن يلقى الجواب. وأنف كلّ شيء أوّلُه. * * * وقال أبو خِراش يحرّض على بنى بكر أَبلغْ عليًّا (¬2) أطال اللهُ ذُلَّهمُ ... أنّ البُكَيرَ (¬3) الّذى أَسعَوْا به هَمَلُ (¬4) قوله. أَسَعوْا به، يقال: سعيتُ وأَسعيتُ. ¬

_ (¬1) ورد هذا البيت في اللسان (مادة أنف) ونسبه ابن سيدة لأبى خراش، قال: واستعمله (أي الأنف) أبو خراش في اللحية، وأنشدِ هذا البيت، ثم قال: سمى مقدّمها أنفا، يقول: فطالت لحيتك حتى قبضت عليها ولا عقل لك. وكذلك في تاج العروس (مادة أنف) وقال السكرى في شرحه لهذا البيت ما نصه: لا تلقى جوابهم، لا تقوم لجوابهم ولا يحضرك، وقد طالت لحيتك حتى قبضت على أنفها أي طرفها وأنت لا عقل لك؛ وهو قول ابن حبيب أيضا. قال: يقول: كنت غلاما حدثا لا تعاتب، فاليوم قد أخذت بلحيتك، أي صرت رجلا ولست تقدر على الجواب ... ... قال الباهلى: عملت عملا ندمت عليه، ومن عمل النادم العبث باللحية. (¬2) يريد على بن بكر بن وائل. وروى "أشعوا" بالشين المعجمة. وأشعى به: اهتم. كما روى "أشغوا به" بالشين والغين المعجمتين، من قولهم: أشغى فلان رأيه إذا فرّقه. وبكير: اسم رجل قتلوه. وهمل: غير صحيح. انظر اللسان (مادة سعا وشعا وشغا) فقد روى هذا البيت في هذه المواد الثلاث. (¬3) بكير: اسم رجل قتلوه. كما في اللسان (مادة شغا). (¬4) فسر في اللسان (مادة شغا) قوله في البيت "همل" فقال: غير صحيح.

وقال أبو خراش أيضا ويروى لتأبط شرا

السِّلْمُ سَلْمٌ (¬1) ولا ينفكّ ضِغثُهُم (¬2) ... أو يَنحَرَ البَكرَ منّا مَرّةً رَجُلُ إذا أجارُوا عَوَى في بيتِ جارِهم ... إمّا حِرابٌ وإمّا مثلَه قُتِلوا هذا رجل جاوَرَهم فلم يحفظوه ولم يدفعوا عنه. وحِراب: من المحاربة. كم من عَقيدٍ وجارٍ حَلَّ عندهمُ ... ومن مُجارٍ بعهد الله قد قَتَلُوا العقيد: الحليف. وقال أبو خِراش أيضا ويُروَى لتأبّط شَرّا لمّا رأيتُ بنى نُفاثةَ أقبَلوا ... يُشْلون كلَّ مقلِّصٍ (¬3) خِنّاب يسْلون: يَدْعون، ومنه أشليتُ الكلبةَ إذا دعوتَها. وخِنّاب: طويل. فنَشِيت رِيحَ الموتِ من تِلقائهمْ ... وكرهتُ (¬4) كلّ مهنَّدٍ قَضّابِ نشِيت: شمِمت ريحَ الموتِ. والقَضّاب: القَطّاع. ورَفعتُ ساقا لا يُخافُ عِثارُها ... وطرحتُ عنّى بالعَراء ثيابى العَراء: الصَّحْراء. ¬

_ (¬1) السلم بفتح السين وسكون اللام: الاستخذاء والانقياد والاستسلام. (¬2) الضغث من الخبر والأمر: ما كان مختلطا لا حقيقة له. (¬3) الفرس المقلص: هو الطويل القوائم، المنضم البطن. وقيل: المشرف المشمّر. (¬4) روى في اللسان (مادة نشا)، "وخشيت وقع مهند قرضاب" مكان قوله: " وكرهت" وقيل: إن هذا البيت لقيس بن جعدة الخزاعي.

وقال أبو خراش أيضا

أَقبلتُ لا يشتدّ شَدِّى واحدٌ ... عِلْجٌ أَقَبُّ مسيَّرُ الأقرابِ (¬1) قوله: مسيَّر الأقراب أي فيه خطوط. أقَبّ: ضامر. الله يعلم ما تركتُ منبِّها ... عن طيبِ نفسٍ فاسألوا أصحابى لامَتْ ولو شَهِدتْ لكان نكيرُها ... ماءً يَبُلّ مشَافِرَ القَبْقابِ يقول: لو شهدتْ هذه الّتى لامتْه لكن نكيرُها أن تَبول. والقَبْقاب: الفرْج، أي القَبْقاب في صوته. * * * وقال أبو خراش أيضا لَحَى اللهُ جَدًّا راضِعا (¬2) لو أفادَنى ... غَداةَ الْتَقى الرَّجْلانِ فى كفٍّ ساهِكِ الرَّجْلان، أراد الفريقين من الرَّجّالة. ويُروَى، ماهِك، وهو اسم رجل. فإِنْ تزعمى أنِّى جَبُنتُ فإنّنى ... أَفِرُّ وأَرمِى مَرّةً كلَّ ذلكِ أقاتِلُ حتّى لا أرَى لى مُقاتَلا ... وأنجو إذا ما خِفتُ بعضَ المَهالكِ قوله: مقاتَلا، قِتالا مفتعل ومُفْعَل ومُستفعَل ومُفاعَل تكون مواضعَ وَمصادر. ¬

_ (¬1) الأقراب: جمع قرب كقفل، وهو الخاصرة اللسان (مادة قرب). (¬2) راضعا، أي لئيما؛ وسمى به لأنه من شدة لؤمه يرضع إبله أو غنمه من ضروعها لئلا يسمع صوت حلبه.

وقال أبو خراش أيضا حين هاجر ابنه في خلافة عمر رضي الله عنه

وقال أبو خِراش أيضا حين هاجر ابنُه في خلافة عمر (¬1) رضي الله عنه ألا مَن مُبْلِغٌ عنّى خِراشًا ... وقد يأتيك بالنبإِ البعيدُ وقد يأتيكَ بالأخبارِ من لا ... تجهِّز بالِحذاء ولا تُزِيدُ أخذ هذا من قوَل طَرَفة: "ويأتيك بالأخبار من لم تُزوِّد" قوله: "تُزيد" أراد ولا تزوِّد. ينُادِيه ليَغبِقَه كُلَيبٌ ... ولا يأتى لقد سَفِهَ الوَليدُ يناديه كُلَيب: عبد أبى خِراش. ليَغبِقَه: ليسقِيَه اللّبن فى قَبَلِ (¬2) الليل. والوليد: ابن أبى خِراش. فرَدَّ إناءه لا شيءَ فيه ... كأنّ دموعَ عينيه الفَريدُ (¬3) يقول: ناداه العبدُ ليغَبِقَه، فلّما لم يجِده رَدّ إناءَه فارغا وبكى. ¬

_ (¬1) ذكر صاحب الأغاني ج 21 ص 68 في هذا الخبر أن خراش بن أبي خراش الهذلى هاجر فى أيام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وغزا مع المسلمين، فأوغل في أرض العدوّ، فقدم أبو خراش المدينة، فجلس بين يدي عمر وشكا إليه شوقه إلى ابنه، وأنه رجل قد انقرض أهله، وقتل إخوته، ولم يبق له ناصر ولا معين غير ابنه خراش، وقد غزا وتركه، وأنشأ يقول هذه الأبيات؛ فكتب عمر -رضي الله تعالى عنه- بأن يقبل خراش إلى أبيه، وألا يغزو من كان له أب شيخ إلا بعد أن يأذن له. (¬2) في قبل الليل أي فى مقابلة الليل. (¬3) الفريد: جمع فريدة، وهي الشذر من فضة كاللؤلؤة. والشذر: صغار اللؤلؤ، شبه الدموع بها.

وقال أبو خراش حين نهشته الأفعى

وأصبَح دون غابِقِه وأمْسى ... جبالٌ من حِرارِ الشام سُودُ وأصبح دون غابقِ ابنِه إذ هاجر. ألا فاعلم خِراشُ بأنّ خير الـ ... ــــمُهاجِرِ بعد هِجرتِه زهيدُ يقول: إذا هاجر وذهب فإنّ خيره قليل، وهو الزهيد، أي ما أقلَّ ما يصيب من الخير إِذا هاجر. فإِنك وابتغاءَ البِرّ بَعدِى ... كمخصْوب اللّبان ولا يصيدُ هذا مثَلَ، يعني أنّ الكلب يلطِّخ حلقَه وصدرَه بالدم يُرِى بذلك الناسَ أنه قد صاد ولم يصِد. * * * وقال أبو خِراش حين نهشتْه الأَفْعَى (¬1) لعَمرُكَ والمنايا غالباتٌ ... على الإنسان تَطلعُ كلَّ نَجْدِ لقد أَهلكتِ حيّةَ بطنِ أَنْفٍ (¬2) ... على الأصحاب ساقاً بعد فقدِ ¬

_ (¬1) ذكر صاحب الأغانى ج 21 ص 69 طبع ليدن قصة أبى خراش هذه حين نهشته الأفعى فى خبر طويل فانظره. (¬2) بطن أنف: من منازل هذيل، نزل به قوم على أبى خراش فخرج ليجيئهم بالماء فنهشته حية فمات، قاله ياقوت، وأنشد هذا البيت. وروايته: "ساقا ذات فقد" مكان "بعد فقد" وذات فقد أي إن فقدها مما يشق على الأصحاب ويعظم عليهم، وذلك لما وهبه الله من سرعة عدوه بها، ولذلك يقول فى شعر آخر: لقد أهلكت حية بطن أنف ... على الأصحاب ساقا ذات فضل فما تركت عدوّا بين بصرى ... إلى صنعاء يطلبه بذحل

وقال أمية بن أبى عائذ

ويُروَى: بطنِ (¬1) قَوٍّ، وكان بنو مُرّة عشرة (¬2): أبو جُندَب، وأبو خِراش والأبحّ، والأسوَد، وأبو الأسوَد، وعمرو، وزُهير، وجَناّد، وسفيان، وعُروة؛ وكانوا دَهاةً شعراء. وقال أُميّة بنُ أبى عائذ (¬3) ألا يا لِقوِم لِطيف الخَيالِ ... يؤرِّق (¬4) من نازحٍ ذى دلالِ يقال: طاف الخيالُ يَطيف. يؤرّق: يُسهِر. أجازَ إلينا على بعدِه ... مَهاوِىَ خَرْقٍ (¬5) مَهابٍ مَهالِ أجاز: قَطَع إلينا على بعده. مَهاوِى: المواضع التي يهوى فيها. والمَهْواة بين الثَّنيتين: النَّفْنَف (¬6). ومَهاب: موضع هيبة. ومَهال: من الهول (¬7). ¬

_ (¬1) قوّ: منزل للقاصد إلى المدينة من البصرة. وقال الجوهرى: قوّ بين فيد والنباج. وقال ياقوت: هو واد يقطع الطريق تدخله المياه ولا تخرج، وعليه قنطرة يعبر عليها القفول يقال لها بطن قوّ. (¬2) لعل ذكره إخوة أبى خراش في هذا الموضع لمناسبة ذكره موته، أو لمناسبة الفراغ من شعره. وكان الأولى ذكر ذلك عند ذكر مرئيته لإخوته في أوّل شعره. (¬3) أمية بن أبى عائذ العمرى أحد بنى عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل، شاعر إسلامى من شعراء الدولة الأموية، وقد مدح بنى مروان. وذكر ابن الأعرابى أنه وفد على عبد العزيز بن مروان بمصر وطال مقامه عنده، وكان يأنس به، ووصله صلات سنية اهـ ملخصا من الأغانى ج 20 ص 115 طبع بولاق. (¬4) فى رواية "أرّق" بصيغة الماضى. و"من نازح" أي طيف جاء من نازح انظر السكرى ص 180 طبع أوربا. (¬5) الخرق: البلد الواسع. (¬6) النفنف: كل مهوى بين جبلين. (¬7) من الهول، أي موضع هول، كما فى السكرى.

صَحارِى تَغوَّلُ جِنّانُها ... وأحدابَ طَوْدٍ رفيعِ الِجبالِ موضع صحارِى نَصْبٌ، ولكنّه سكّن الياء. تَغوَّل جِنّانُها: تكون واحدة من الغِيلان (¬1). والحَدَب: ما ارتفع من الأرض. خَيالٌ لجَعدة قد هاج لى ... نُكاسا من الحبّ بعد اندمالِ يقال: عرض له نُكْس ونُكاس. ويقال: اندَمَل إذا أفاق. تَسدَّى مع النوم تِمثالهُا ... دنوَّ الضَّباب بِطَلٍّ زلُالِ يقول غشِيَنا خيالهُا كما يغشى الضبابُ الأرضَ. والطل: الندى. وزلال: صافٍ. فباتت تسائلنا في المنام ... وأَحببْ إلىّ بذاك السؤالِ تُثنّى التحيّةَ بعد السلام ... ثم تُفدِّى بعَمٍّ وخالِ فقد هاجنى ذِكرُ أُمِّ الصَّـ ... ــــبِىِّ (¬2) من بعد سُقمٍ طويلِ المِطالِ المِطال: المطاوَلة. ومَرّ المَنونِ بأمرٍ يَغو ... لُ من رُزءِ نفسٍ ومن نقصِ مالِ إلى الله أشكو الّذى قد أَرَى ... من النائباتِ بعافٍ وعالِ ¬

_ (¬1) عبارة السكرى في تفسير "تغول"، تغول: تلوّن، أخذ من الغيلان لأنها تلوّن. (¬2) ضبط فى شرح السكرى طبع أوربا "الصبى" بضم الصاد وفتح الباء وتشديد الياء.

يقول: النائبات التي تنوب. وقوله: بعافٍ وعالٍ، أي تأخذ بالعفو (¬1) والسهولة وتَقهَر فتعلو وتعظُم. ومنه: تعالَى الأمرُ، إذا تَفاقَم. وإظلالَ هذا الزمانِ الذّى ... يقلِّب بالناس حالًا لِحال إظلاله: إشرافه. وجَهدَ بَلاءً إذا ما أتى ... تَطاوَلُ أيّامه واللّيالِى وقِدْمًا تعلّقتُ أمَّ الصَّبىِّ ... مِنّى على عَزَفٍ واكتهالِ أي عزفتُ عن النساء واكتهلتُ. فسَلِّ الهمومَ بعَيْرانةٍ ... مُواشِكةِ الرَّجْعِ بعد انتقالِ عَيْرانة: مشبَّهة بالعَيْر. مُواشِكة: سريعةُ رَجْعٍ يديها. والمُناقَلة: ضربٌ من السَّيْر (¬2). والنِّقال: الحجارة (¬3) الصغار، واحدها نقلة. ذَمولٍ تَزِفّ زفيفَ الظَّليـ ... ــــم شَمَّر بالنَّعْف وسْطَ الرِّئالِ الزّفيف: مدارَكة المشى. والنَّعْف: ما سفل عن الحجر وارتفع عن مَسِيل الوادِى. ¬

_ (¬1) لم ترد هذه الباء في الأصل. وقد أثبتناها عن السكرى. (¬2) قال السكرى: يقال ناقة مناقل إذا وقعت في خشونة وحجارة ناقلتها بقوائمها فتوقيها حتى لا يصيبها منه شيء. (¬3) ورد النقال بمعنى الحجارة في شطر بيت للقتال الكلابى، وهو: * بكريه يعثر في النقال * (اللسان مادة نقل).

وترمَدُّ هَمْلَجةً (¬1) زعزَعا ... كما انخرط الحبلُ فوق المحَالِ ترمدّ: تمضِى سريعا. والزّعزع: التحرّك في السير، كما انخرط الحبل فوق البَكْرة، وهي المحَالة. وإن غُضَّ من غربِها رفَّدتْ ... وَسِيجا وأَلوَتْ بجَلْسٍ طُوالِ غُضَّ من غَرْبِها، من حدّها ونشاطِها. ورَفَّدتْ: ضربٌ من السير يقال له: الترفيد (¬2). بجَلْسٍ طُوال، بقوائمَ (¬3) طُوال، يقال: جِسم جلس أي طويل. ومن سَيْرها العَنَقُ المُسْبطِـ ... ـــــرّ والعَجْرفِيّة بعد الكَلالِ العنق المسبطِرّ: السهل (¬4). والعجرفيّة: الشديد، يقول: إذا كَلّت رأيتَ فيها عجرفيّة من شِدِّة نفسها، وبقيّة فيها. كأنّى ورَحْلِى إذا رُعتُها ... على جَمَزَى جازئٍ بالرمالِ قوله: رعتها، هو أن يزجرها أو يضِربها. وجمزى، حِمار يَجمِز (¬5)، قال الأصمعىّ: لم أسمع (فَعَلى) مذكَّرا إلا فى هذا الحرف. جازِئ: اجتزأ بالرُّطْبِ عن الماء. ¬

_ (¬1) الهملجة: خسن السير فى سرعة. (¬2) فى شرح السكرى فى تفسير قوله: رفدت المشى (أي بتشديد الفاء) اتبعت بعضه بعضا، كما ورد فيه أنه روى "وجيفا" مكان "وسيجا" كما روى "رسميا" أيضا، وورد فيه أن الوسيج ضرب من السير، ولم يعينه. ولم يرد فى اللسان (مادة وسج) أكثر من أن الوسيج سير سريع. (¬3) فسر فى شرح السكرى الجلس بأنه الطويل، وكذك الطوال بضم الطاء، ثم قال بعد ذلك: أي أشرفت بعنق طوال أي طويلة. وفى اللسان (مادة رفد) أنه أراد بالجلس أصل ذنبها. (¬4) عبارة السكرى: "العنق: السير المنبسط. والمسبطر: المسترسل السهل". (¬5) كذا ورد هذا التفسير فى الشرح، وقد ورد فى اللسان (مادة جمز) أنه شبه ناقته بحمار وحش، أما السكرى فقد قال: إنه يعني ثورا. ويجمز: يسرع.

هجانِ السَّراةِ ترى لونهَ ... كقُبْطِيّة الصَّون بعد الصِّقالِ (¬1) هِجانِ السراة، يعنى الثور الأبيض الظهرِ؛ يقال: ثوبٌ صَوْن، إذا كان يصان. حديدِ القَناتَين عَبْلِ الشَّوَى ... لَهاقٍ تلألؤه كالِهلالِ حديدِ القَناتين، يعنى حديد القَرْنين. عَبْل الشَّوَى، يعنى غلِيظَها. لهَاق: أبيض. أحمِّ المدامِع يَبنِي الكِناس ... في دَمِثِ التُّربِ يَنثالُ هالِ أحمِّ: أسوَد. يبنِي الكِناس: يحفِر يتّخذه كِناسا. ينثال: يَسِيل. وهال يَهيلُ إذا تناثر (¬2). من الطاوِياتِ خِلالَ الغَضَى ... بأجمادِ حَوْمَلَ أو بالمَطالِى يريد من الثيران التي قد طوت أي خَمِصت. وخِلال، بين الغَضَى. وأجماد: الواحد جُمُّد، وهو ما غلظ. وحَوْمَل: موضع. والمَطالِى: نحو نجران. أو اصحمَ حامٍ جَرامِيزَه ... حَزابِيةٍ حَيَدَى بالدِّحالِ ¬

_ (¬1) ذكر السكرى أنه يقال: ثياب قبطية (بضم القاف وكسرها) كأنها نسبت إلى القبط. وقال في شرح قوله "بعد الصقال" أي بعد حدثان العهد بالجدّة. (¬2) عبارة السكرى: "وهال: هائل، مثل هار وهائر" الخ.

أصحم: حِمار يضرِب إلى الصُّفرة والسواد. حامٍ جرامِيزه، أي بدنَه، يقال للرجل جمع جرامِيزَه، إذا أراد يثِب. وحَزابِية: مجتمِع الخَلْق. وحَيَدَى: يحيد وهو بالدَّحال جمع دَحْل، والدَّحْل: هُوّة من الأرض فيها ضِيق. يُرِنّ على مُغْزِياتِ العقاق ... ويَقْرُو بها قفَراتِ الصّلالِ يُرِنّ: يصوّت هذا الحمار. على مُغْزِيات: اللّواتى يحمِلن في آخر الزمن ويضعن فى آخر الزمن. والعِقاق: أن تَضخم بطونهنّ عند الحمل، يقال: هي عَقوق. ويَقْرو: يَتبَع. قَفَرات الصِّلال، ما تفرَّق من المطر، الواحد صَلّة. الأصمعىّ، يقال: أرض صَلّة (¬1) ومطر صَلّة. وخُفٌّ جيّد الصِّلّة، أي جيّد الِجلد. مُرِبًّا بهنّ له أمرُه ... وهنّ له حاذِراتٌ قَوالِى مرِبّ: لازَمَ الأُتُن. له أمره (¬2). قلَيْنه: أبغضنه لأنهنّ حَوامِل. لواها عن الماء حتّى أبت ... -لِحبّ الوُرودِ- أنِيقَ الأَكالِ لواها: منعها. والأَكال: ما أُكِل حولها: وقوله: حتى أبت لِحبّ الورود بقول: عطشتْ حتّى إنها ترى ما تأكل فلا تستطيع أكلَه من العطش. وذكّرها (¬3) فَيْحُ نجِم الفُرو ... غِ مِن صَيْهَد الشمسِ بَردَ السِّمالِ ¬

_ (¬1) أرض صلة، أي يابسة. وليس مرادا هنا، وإنما المراد بالصلة ما تفرق من المطر. (¬2) له أمره أي للفحل، لا يخالفنه في ورود ولا غيره. (¬3) في رواية "فأوردها فيح" الخ. اللسان (مادة سمل) وشرح السكرى. وروى "فيح" بالنصب أي أورد العير أنّه برد السمال في فيح نجم الفروغ، كما روى فيح بالرفع أيضا، أي أوردها الحرّ الماء اللسان (مادة سمل أيضا).

الفَيْح: الفُروع (¬1): فُروغ الدَّلْو (¬2)، الواحد فَرْغ. والصَّيْهَد شدّة وقع الشمس. والسِّمال: جمع سَمَلة، وهى بقايا الماء. فظلّت صَوافنَ خُوصَ العيون ... كبَثّ النّوى بالرُّبا والِهجالِ فظلت يعنى الحُمُر. صَوافن، الصافن الذى قد رفع إحدى قوائمه. خُوص العيون: غائراتها. كبثّ، أي كما يُبَثّ النوى أي هنّ متفرّقات. والهَجْل: ما اطمأنّ (¬3)، وكان الأصمعىّ يقول: الصافن الذى قد فرّق بين رجليه. وظلّ يسوِّف أبولهَا ... ويُوفِي زَيازِىَ حُدْبَ التِّلالِ يسوّف أبوالها: يشمّ. ويوفِى: يعلو. زَيازِى: ما غلظ من الأرض، الواحد زِيزاءة. حُدْب التِّلال: مشرِفات. مُشِيفا يراقِب شمسَ النهار ... حتى تقلّع فَيءُ الظِّلالِ مشيف: مشِرف على هذا التّل. يراقب الشمسَ أن تغيبَ فيرِد. وقوله تقلّع فئُ الظِّلال. الفئ: رُجوع (¬4). والظلّ: مِن حِين تطلع الشمسُ إلى أن ينتصف النهار، فإذا زالت صار فيئًا إلى أن تغيب. ¬

_ (¬1) كذا في الأصل. وعبارة السكرى: الفيح وهج نجم الفروغ. (¬2) في اللسان أن الفرغ نجم من منازل القمر، وهما فرغان: منزلان في برج الدلو، فرغ الدلو المقدّم وفرغ الدلو المؤخر الخ. (¬3) أي ما اطمأن من الأرض. (¬4) في شرح السكرى "الرجوع" معرفا؛ وهو أنسب.

فطافَ (¬1) بتعشِيرِه وانتحىَ ... جَوائلَها وهو كالمسُتجالِ جوائلها، ما جال منها حين حمل عليهنّ. بتعشيره أي بنَهيقه. انتحى: اعتمد. وهو كالمستجال أي كأنما أصابه فَزَع (¬2). وهيّجها لاحِقٌ وَقعُه ... لآثارِ (¬3) منكمِشاتٍ (¬4) عجال لاحق وقعه لآثارها، أي يَلَحق آثارها. نَواجِىَ مندفِقاتِ الصُّدو ... رِ بالمرَطَى لاحقاتِ التَّوالى المرطى: عَدوٌ هيّن. التَّوالى: الأرجل (¬5). يؤمّ بها وانتحتْ للنّجا ... ءِ عينَ الرُّصُافة ذات النِّجال يؤمّ: يَقصِد بالحُمُر. والنِّجال: ما يَخرج من البئر من النَّزّ. ويقال للسرير الذي يحرَّك فيه الصبىّ مِنَزّ. تَهادَى حَوافُرها جَنْدَلًا ... زواهقَ ضربَ قُلاةٍ بِقالِ ¬

_ (¬1) في رواية "فصاح" (السكرى). (¬2) قال السكرى فى تفسير المستجال فى هذا البيت ص 187: المستجال: "المستخف (بفتح الخاء) ". وفي اللسان (مادة جول): استجيل: ذهبت به الريح هاهنا وهاهنا اهـ. (¬3) في رواية "لأدبار" مكان (لآثار) السكرى. (¬4) منكمشات: جادّات ماضيات. (¬5) ذكر السكرى التوالى بمعنى المآخير، كما ذكر أنها بمعنى الأرجل كما هنا.

تهادَى: ترمِى به اليدُ إلى الرجل. زواهق: نوادر. وقوله: ضرب قُلاةٍ، يقال: جع قُلَة (¬1)، وهي الّتى تُضرَب بالقال، وهو عُود؛ ويقال للعُود مِقْلًى (¬2). إِذا غُرْبةُ عَمَّهنّ ارتفعـ ... ـــــن أرضا ويَغْتالها باغتيالِ إذا غَرْبُه يعنى غربَ الِحمار، وهو حِدّته ونشاطه. ارتفعن أرضا، أي تنحّين إلى أرض. ويغتالها باغتيال أي يدرِكها حتى يغتال ما بينها وبينه بَعدْوِه أي يُذهِبه حّتى يَلحَقها، وهذه أرض تغتال الماشىَ، أي تُذهب مشيَه ولا يستبين المشُى فيها لبعدِها. يَجيش عليهنّ جيّاشُه ... وهنّ جَوافِلُ منه جَوالِ يَجيشُ عليهنّ بما فارَ من عدْوِه وهنّ جَوافل أي منقلِعات (¬3). وجَوالٍ، أي تركن مكانهنّ وأجْلَين عنه. والجَلّالة: الإبل تأكل العِذرة. والجِلَّة: المَسانّ من الإبل. يَغُضّ ويَغْضِفْن مِن رَيِّقٍ ... كشُؤبوبِ ذى بَرَدٍ وانسِحالِ (¬4) ¬

_ (¬1) فى كتب اللغة أن القلة والقال عودان يلعب بهما الصبيان، فالقلة: العود الصغير الذى يضرب بالقال. والقال: العود الكبير الذى تضرب به القلة. (¬2) ومقلاه أيضا بالهمز. (¬3) عبارة السكرى: جوافل: هوارب، يقال: جفل، انقلع ... ثم قال: جوافل منقطعات منه. (¬4) الانسحال: الانصباب.

يغضّ، يعنى الحمار يكفّ بعض جَريِه. وَيغضِفن، يعنى الأُتُن. وقال: الغَضْف: الكفّ (¬1). وقال: يَغضِفن من رَيِّقٍ، يعنى من أوّل جريهنّ. كشُؤبوب، وهي سحابة رقيقة قليلة العرْض، شديدة وقع المطر، وأراد حَدّه. إذا ما انتَحَين ذَنوبَ الحِضا ... رِجاشَ خَسيفٌ فَريغُ السِّجالِ انتحين: تحرّفن له. وساجَلْن فى العَدْوِ، [هذا] (¬2) يَغرِف ذَنوبا (¬3) والآخر يغرِف ذَنوبا. وجاشَ خسيفُ أي فار عليهنّ بحرٌ من عَدْوِه، يقال: بئرٌ خَسِيفٌ إذا كثر ماؤها. ويقال: دابّة فَرِيغ، واسع العَدْو. يُحامِى الحَقِيق إذا ما احتَدَمْـ ... ــــن حَمحَم فى كَوثرٍ كالجِلالِ (¬4) يقول: هو من الحمير يَحمِى حقيقتَه وهو ما يحقّ عليه أن يحميه. واحتدمن: اشتدّ عَدوُهنّ. والاحتدام: شدّة غَلَيان القِدْر. وحَمحَم فى كوثر: غبارٍ كثير. والِجلال: جمع جلّ (¬5)، أي قد ركِبها الغبار. ¬

_ (¬1) لم نجد الغضف بمعنى الكف فيما راجعناه من كتب اللغة. والذى فى شرح السكرى فى شرح قوله: "ويغضفن" ما نصه: "وهن يغضفن غضفا" يريد الأتن يأخذن أخذا من الجرى بغير حساب وكذلك فى القاموس. (مادة غضف). (¬2) هذه الكلمة أو ما يفيد معناها ساقطة من الأصل. والسياق يقتضى إثباتها. (¬3) الذنوب: الداو وأراد به هنا النصيب من العدو. (¬4) ورد هذا البيت فى اللسان (مادة كثر) ورواه "وحمحمن" بإسناد الفعل إلى الأتن، وزيادة واو العطف. (¬5) ذكر السكرى أنه شبه الغبار بجلال الدواب. وجلال كل شيء غطاؤه، جمع جل بفتح الجيم وضمها وتشديد اللام.

كأنّ الطِّمِرّة ذاتَ الطما ... حِ منها لضَبْرته (¬1) بالعِقالِ يقول: كأنّ الطِّمرّة من هذه الحمير، وهى الوثوب كأنّها فى عِقال من إدراكه إيّاها. وذات الطِّماح، أي تَطمَح فى العَدْو أي تُبعِد. فأورَدَها مستحِيرَ الجِما ... مِ ذا طُحْلُبٍ طافِيا فى الضِّحالِ مستحير: قد امتلأ، ليس له موضع يمضى فيه من كثرته. والجمَّ: ما جَمّ من الماء. والضَّحْل: ما رقّ من الماء. فلّما وردن ابتدرن الشُّرو ... عَ بسطَ الأَكفِّ لأخذِ (¬2) العَوالِى يريد كما يبسط الرجل يده يأخذ عاليةَ الرمح. والشُّروع: الكرُوع. فألقت جَحافِلَها (¬3) فى الجِما ... مِ مَيْحَ القَماقِم ما فى القِلالِ (¬4) تُجيل (¬5) الحبَاب بأنفاسِها ... وتجلو سَبيخَ جُفالِ النُّسالِ قوله: تُجيل الحبَاب: تنفخه بأنفاسها حتى تنحِّى عنها حبَاب الماء. ¬

_ (¬1) الضبر: العدو والوثب. (¬2) فى رواية "لقبضَ" مكان "لأخذ". (¬3) الجحافل للدواب بمنزلة الشفاه من الإنسان والمشافر من الإبل. (¬4) لم يذكر الشارح فى تفسير هذا البيت شيئا. وقد ذكر السكرى فى تفسيره أن الجمام: جمع جمة وهي مجتمع الماء. والميح: الاستخراج. (¬5) فى رواية "تثير" مكان "تجيل" وفى رواية "جفال سبيخ" السكرى.

والجُفال: ما يتجفّل (¬1) من الماء. والسَّبيخ: ما نَسَل من الريش فوقع على الماء، فهي تنحّيه. وتُلقِى البَلاعيِمَ فى بَرْدِه ... وتُوفِي الدُّفوفَ بشُرْبٍ دِخالِ البلاعيم: مجارِى الطعام والشراب؛ الواحد بُلْعوم. تُوفى الدُّفوف: تملأ جنوبها حتى تنتفِخ. بشُرْبٍ دِخال، الشرب: الماء بعينه. والشُّرب: المصدر (¬2). وأصل الدِّخال أن يؤتَى بإبل لم تشرب فتَكرع فى الحوض، فإذا فرغت صُيّرتْ فى العَطَن ثم يوتى بإبلٍ غيرِها فتصيَّر على الحوض ثم يُدخَل بين كلّ بعيرين بعير مّما قد شرب أوّل مرّة ليؤثَر به، فذلك الدِّخال. فلمّا وردن (¬3) صَدَرْنَ النَّقِيل ... كأوبِ مَرامِى غَوِىٍّ مُغالِى النَّقيل: المُناقلة فى السير، وهو إذا وقع فى حجارة ناقَلَ قدمَه أي وضعها بين حجرين. والمُغالى: الّذى يغالى أيّهما (¬4) أبعد سهما. فأسلَكَها (¬5) مَرصَدا حافظا ... به ابن الدجى لاصِقا كالطِّحالِ ¬

_ (¬1) يلاحظَ أنه لم يفسر الجفال تفسيرا واضحا. والذى وجدناه فى كتب اللغة أن الجفال ما نفاه السيل من الغثاء والجفاء (شرح القاموس) وهذا هو المناسب لما فى هذا البيت من معانى الجفال. (¬2) في كتب اللغة أن الشرب مصدر شرب يكون مثلث الشين، وبمعنى الماء، تضم شينه وتكسر. (¬3) فى رواية "روين" مكان "وردن". وفى رواية "ابتدرن" مكان "صدرن" شرح السكرى. (¬4) أيهما أي هو أم صاحبه الذى يراميه. ولم يفسر المرامى بفتح الميم وهى السهام. وأوبها: رجوعها، أي إدبارها حين تذهب كما فى شرح السكرى. (¬5) فى رواية "فأوردها" مكان "فأسلكها" وفى رواية "لاطئا" مكان "لاصقا" وفى رواية "على ابنُ الدجى" مكان "به ابن الدجى".

فأسلَكَها الفحل على حيث يَرصُد الرامى، وهو ابن الدجى. والدُّجْية: القُتْرة والبُرْأة والزُّبْية (¬1). وهو لاصق فى قترته كما لِصق الطِّحال بالجنب. مُقِيتا (¬2) مُعِيدا لأكل القنِيـ ... ـــصِ ذا فاقةٍ مُلحِما للعِيالِ مقيت: مقتدِر. ومعيد: معوّدَ لذلك، ومُلحِم: يطعِم عيالَه اللحم. له نسوةٌ عاطِلاتُ الصُّدو ... رِ عُوجٌ مَراضِيعُ مِثلُ السَّعالى (¬3) عاطلات: ليس عليهن حُلِيّ. (82) تَراح يداه لمحشورةٍ ... خَواظِى القِداحَ عِجافِ النصالِ تراح يداه، أي تخفّ للرمى. ومحشورة، أي نَبْل أُلطِف (¬4) قُذَذها (¬5) فهو أسرعُ لها وأبعد. وخَواظى: مِتان. وعِجاف النصال، أي مُرهَفةٌ رقيقة. ¬

_ (¬1) الدجى: بيع دجية. والدجية والقترة والبرأة والزبية كلها أسماء للسكان الذى يتوارى فيه الصائد. وقد فسر بعض الشراح ابن الدجى فى هذا البيت فقال: يعنى أنه يراصدها بالليل فهو ابن الدجى السكرى. (¬2) فى رواية "مفيدا" مكان "مقيتا" ويفيد: يكتسب (السكرى). (¬3) ورد فى الأصل مكتوبا فوق كلمة: "السعالى" فى البيت كلمة: "الغيلان" تفسير لها "وروى" "عطلات" بدون ألف بعد العين. وقد ورد هذا البيت فى اللسان: ويأوى إلى نسوة عطل ... وشعث مراضيع مثل السعالى والمراضيع: جمع مرضع أي ذات رضيع. والعوج: المهازيل. (¬4) فى شرح السكرى "الصق" مكان قوله: "الطف". وكلا المعنيين يصح تفسير لفظ المحشورة به انظر اللسان (مادة حشر). (¬5) كذا فى شرح السكرى. وهو ما يستفاد من اللسان أيضا (مادة حشر). وفى الأصل: "قدّها" وهو تحريف. وقذذ السهم: ريشه.

كَخَشْرَم دَبْرٍ له أَزْمَلٌ ... أو الجمَرِ حُشَّ بِصُلْبٍ جِزالِ يعني أنّ السهام تمرّ كما يمرّ الدّبْر (¬1) في بَريقه. لها أزْمَل أي صوت. والخَشَرم: النحل أو الجمر في بريقه. حُشَّ: أُوقِد بحَطَبٍ صُلبٍ جزل. على عجِسِ هَتّافةِ المِذْرَوَيْـ .. ـن زَوراء مُضجَعةٍ في الشّمالِ العجس: مقبِض القوس. وهتّافة المِذروين، أي لطرَفيها صوت نبض. زوراء: مُعْوجّة. مُضجَعة، يقول: إنما (¬2) هو في مكان ضيق مِثل اللّحد لا يستطيع أن ينصبها. بها مِحَصٌ غيرُ جافِي القُوَى ... إذا مُطَّ (¬3) حَنَّ بَورْكٍ حُدالِ مَحِص: وترٌ مُحِص حتى ذهب زِئْبِره. وقُواه: الطاقات، الواحدة قوّة. إذا مُطَّ: جُرّ. حَنَّ من صلابته. وَرْك: خشبتُها من أصلِ قضيب، وهو وَرْكُه (¬4). والحُدال: أن تكون سيَتُها أدخلَ من الأخرى (¬5). ¬

_ (¬1) الذي في شرح السكري "كما يمر الدبر في خفته". والدبر: النحل. (¬2) هو، أي الصائد. (¬3) في شرح السكرى واللسان (مادة ورك) "مطى" بسكون الطاء وياء بعدها مفتوحة. وأصله مطى بكسر الطاء، وسكنت للضرورة ومطى، أي مدّ، وكذلك مط بتشديد الطاء في رواية الشارح هنا. (¬4) في السكري "وهو وركها" بتأنيث الضمير. (¬5) سية القوس: رأسها، وعبارة السكري في تفسير الحدال: "وحدال فيها حدل أي طمأنينة إلى أحد جانبيها تنحدر سيتها قليلًا". وفي عبارة أخرى "أن يكون أحد منكبيها أوفى من الآخر".

فعَيَّثَ ساعةَ أفْقَرْنه ... بالايفاقِ (¬1) والرَّمي أو باستِلالِ (¬2) عيّث: رجَع بيده إلى كِنانتهِ ليأخذ سهما. أفقرنه، أمكنّه من فِقارهنّ. والإفاق: أن يضع الفُوقَ (¬3) في الوتر. أو باستِلال هو أن يَستلّ مِعْلبته (¬4) من الجَعْبة. يصيب الفَرِيص وصِدقا يقو ... لُ مَرْحَى وأَيْحَى إذا ما يُوالِي الفَريص: مُضغة مَرجِع (¬5) الكتِف. ومَرْحَى: يقال عند الَفَرح والإصابة (¬6). فعّما قليلٍ سَقاها معًا ... بمُزْعِفِ ذِيفانِ قِشْبٍ ثُمالِ عمّا قليل: أراد عن قليل. بُمْزعِف، وهو الموت الوَحِيّ. والذِّيفان: السمّ. والقِشْب: ما يُخلَط بالسمّ من شيء. وثُمال: مُنقَع. سِوى العِلْجِ أخطأه رائغًا ... بثَجْراءَ ذات غِرارٍ مُسالِ يقول: سقاها بمُزعفٍ سوى العِلج أخطأه فلم يصِبه، والعِلْج: الحمار الغليظ. بثَجْراء: مِعْبلة (¬7) غليظة. ذات غِرار، وغِرارها: حدّها. ومُسال: مُطال. ¬

_ (¬1) كذا في شرح السكري. والذي في الأصل: "بافاقَ"؛ وهو تحريف. (¬2) في شرح السكري: "والاستلال". (¬3) الفوق من السهم: موضع الوتر. (¬4) المعبلة: نصل طويل عريض. (¬5) قال بعض اللغويين في تفسير الفريصة: إنها المضغة التي بين الثدي وموضع الكنف من الرجل والدابة. وقال السكري: هي مضغة لحم في موضع الكنف. (¬6) وكذلك أيحى مثل مرحى في هذا المعنى. (¬7) قال السكري في تفسير قوله ثجراء، أي عريضة الوسط من المعابل.

فجالَ عليهنّ في نَفْرِه ... ليَفْتَنّهنّ زَوالَ الزَّوالِ (¬1) قوله: فجال عليهنّ، أي اعتمد عليهنّ. في نفره: حين نفر. ويفتنهنّ: يَسبِق (¬2) بهنّ، أي ليزول بهنّ عن الرامي. فمّا رآهن بالجَلْهَتَيـ ... ـن يَكبون في مُطحَرات الإِلال الجَلْهة: ما استقبَلَك من جانب الوادي. يَكبون في مطحَرات، يعني السهام. والمُطحَر: المُلزَق القَذِّ، جَعل حِرابَهن (¬3) لِطافا. والإلال: الِحراب، الواحدة أَلّة. رَمىَ بالجَراميز عُرْضَ الوَجِيـ ... ـنِ وارمدَّ في الجري بعد انفتالِ رمى بجَراميزه: بنفسِه (¬4). والوَجين: ما اعترض لك من غِلَظ. وارمدّ: أسرع في العَدْو بعد أن كان انفتل انفتالةً فجال، والحمار هو الذي رمَى بجراميزه. بشأوٍ له كضَريم الحَريـ ... ـقِ أو شِقّة البَرْق في عُرْضِ خالِ الشأو: الطَّلَق. وشِقّة (¬5) البرق تُرَى في ناحيةِ خالٍ، والخال (¬6): السحاب. ¬

_ (¬1) رواية السكري: "لزول الزوال". (¬2) كذا في الأصل. وفي شرح السكري "يشتق" بدل "يسبق"؛ وهو أقرب لما في كتب اللغة. قال في اللسان (مادة فنن) افتن الحمار بأتنه واشتق بها إذا أخذ في طردها وسوقها يمينا وشمالا وعلى استقامة وعلى غير استقامة، فهو يفتن في طردها أفانين الطرد. والذي في الأصل: "يسبق"؛ وهو تصحيف. (¬3) عبارة السكري "جعلهن حرابا لطافا" أي جعل السهام، وهو الصواب في هذه العبارة. وكان الأولى وضعها في تفسير الإلال كما هو صنيع السكري. (¬4) في شرح السكري: جراميزه جرمه. (¬5) عبارة السكري "شقة البرق انشقاقه وانكشافه". (¬6) الخال: السحاب المتهيئ للمطر.

يَمرّ كَجنْدَلة المَنْجنيـ ... ـقِ يُرمَى بها السُّورُ يومَ القتال فماذا تَخَطْرَفَ من حالقٍ ... ومن حدَبٍ وحجابٍ وَجال تخطرف يعني الحمار يمرّ بشيء مرتفِع فيثبُه. وحجاب: ما حجب وارتفع. والجال: حرف الشيء (¬1)؛ ويقال: جُول وَجال. والحَدَب: ما أشرف. فأحيا وَجيفًا وآلافُه ... تَجيش بهنّ القُدور الغَوالِي فأحيا الحمار ليلته ليَجِفَ به في السير. وآلافه (¬2) يعني آتُنَه قد صيدت فصارت في القُدور تغلي بهنّ. وقَطَّع ألواذَ داوِيّةٍ ... صحارِىَ غُلّانِ طَلْحٍ وَضال الأَلْواذ: ما أطافَ بالفَلاة. واللَّوْذ: حِضن الجبل أي ناحيته. والغُلّان: الواحد غالّ، وهو ما اطمأنّ من الأرض وكثر شجرُه. والضال: السدْر. وليلٍ كأنّ أفانينَه ... صَراصِرُ جُلِّلن دُهْمَ المَظالي (¬3) ¬

_ (¬1) يريد حرف الجبل. (¬2) آلاف: جمع إلف بكسر الهمزة وسكون اللام. (¬3) أورد في اللسان (مادة ظل) هذا البيت، وقال في المظالي ما نصه: إنما أراد المظال (أي بالتشديد) فخفف اللام فإما حذفها أي اللام الثانية وإما أبدلها ياء لاجتماع المثلين، لا سيما إن كان اعتقد إظهار التضعيف فإنه يزداد ثقلا وينكسر الأوّل من المثلين فتدعو الكسرة إلى الياء؛ فيجب على هذا القول أن يكتب المظالي بالياء. قال: ومثله سواء ما أنشده سيبويه لعمران بن حطان. قد كنت عندك حولا لا يروّعني ... فيه روائع من إنس ولا جاني وإبدال الحرف أسهل من حذفه. اهـ.

أراد قطّع ألواذَ داوِيّة وألواذَ ليلٍ. أفانِينه: نواحيه. صَراصِر (¬1)، يقول: كأنّ الليل من هذه الإبل الصرصرانيّات، وهي المولَّدات النَّبَطِيّات. دُهْم أي فوقهنّ أخبِيةٌ سود. وأضحَى شَفيفًا (¬2) بقَرْن الفَلا ... ةِ جَذْلانَ يأمَنُ أهلَ النِّبالِ أي هو فرِح لأنّه بقرن الفلاة، وهو أعلاها وأبعدها من الصائد. فإن يَلقَ خيلا فمستضلِعٌ ... تَزَحزحَ عن مُشَرعاتِ العَوالِي يقول: إنْ لقِي الحمارُ الخيلَ قوِيَ بها، أي انتَحى (¬3) حين أشرعت الرماح. أشبِّه راحلتي ما تَرَى ... جَوادا ليُسمَع فيها مقالي (¬4) وأنجو بها عن دِيار الهوا ... نِ غير انتحالِ الذليلِ المُوالي المُوالِي: من الموالاة (¬5)، أي ليس كما ينتحِل الذليل الموالي، أي أنّي لا أقول ذلك انتحالا. وأنجو بها: بناقته. ¬

_ (¬1) الصراصر: والصرصرانيات جمع الصرصراني. والصرصرانيات: الإبل بين البخاتي والعراب. (¬2) قال السكري في تفسير قوله: "شفيفا" قد شفه ما لقى. (¬3) في الأصل: "صحا"؛ وهو تحريف. (¬4) قال السكري في شرح هذا البيت ما نصه: جواد: سريعة. قال: جوادا يعني الحمار. وقوله: "ليسمع" أي ليحفظ اهـ. (¬5) قال السكري في شرح هذا البيت ما نصه: الموالي: من الموالاة، وهو أن يقول أنا مولى فلان فيقال له: ليس كما تقول" الخ.

وأطّلِب الحبّ بعد السُّلـ ... ـوّ حتى يقالَ امرؤٌ غيرُ سالي (¬1) فحينا أُصادِف غِرّاتِها ... وحِينا أصادِف أهلَ الوِصال (¬2) أُسلِّي الهمُومَ بأمثالِها ... وأَطوِي البِلادَ وأَقضِى الكَوالِي (¬3) أي أقضى ما تأخّر عليّ من الحقوق. ومنه الحديث يُكره الكالئ بالكالئ (¬4)، وهو الدَّين بالدَّين، وكلأتُ في الطعام: أسلفتُ فيه. وأجعل فُقْرتَها عُدّةً ... إذا خِفتُ بَيّوتَ أمر عُضالِ (¬5) يقال: بعير ذو فُقْرة إذا كان قويّا على الركوب، وأفقرتُ ظهرَه إذا أعرتَه ليرُكب. وبَيّوت: جاءَ بياتا. وعُضال: شديد. ¬

_ (¬1) روى السكرى قبل هذا البيت بيتين آخرين لم يردا في نسخة الأصل، وهما: واطلب النجح من متلف ... يقطع بالناس عقد الحبال فيوما أراجع أهل الصبى ... ويوما أصرم أهل الوصال (¬2) قال السكري في شرح هذا البيت ما نصه: أي غرات ذلك العيش، يقال: عيش غرير أي ساكن، وجارية غريرة: ساكنة لم تجرب الأمور والأشياء. قال: يقول: أصادفها ساكنة مغترة لم تحذر اهـ. (¬3) الكوالي: أصله الكوالئ، بالهمز كما في كتب اللغة وشرح السكري. وبأمثالها أي بأمثال راحلته. (¬4) في شرح السكرى: "الكالئ" "الدين الغائب". وقال السكري في شرحه ما نصه: "كان الأصمعي لا يهمز الحديث المأثور الكالي بالكالي أي الدين بالدين، وكان الكسائي وأبو عبيدة يهمزان". وقال أبو عبيدة في هذا الحديث الكالئ بالكاليء أي النسيئة بالنسيئة اللسان (مادة كلأ). (¬5) قال السكرى: هذا البيت آخرها في رواية الأصمعي. وزاد بيتين بعده، وقال فيهما: روى هذين البيتين الأخيرين الجمحي وحده، وهما: فأقرى مهجد ضيف الهمو ... م صلبا لها عنتريس المحال فحينا سمينا وحينا يحـ ... ـط سديف السنام بوشك ارتحال

وقال أمية بن أبي عائذ أيضا

وقال أُميّة (¬1) بنُ أبي عائذ أيضا لِمن الديارُ بعَلْىَ فالأَخراصِ ... فالسَّودتين فمَجْمَعِ الأَنواصِ (¬2) فضِهاءِ (¬3) أَظَلمَ فالنَّطوفِ فثادِقٍ ... مَتْن الصَّفا المتزحْلِف الدَّلّاصِ (¬4) متزحلِف: قد تزحلف وتملّس. والدلاّص: الأملس. أَلْفتْ تَحُلَّ به وتُؤلف (¬5) خَيمةً ... إلْفَ الحمامةِ مَدخَل القِرْماصِ ¬

_ (¬1) ذكر السكري أن الأصمعي لم يرو من هذه القصيدة إلا ستة أبيات. قال: قد أعلمنا على رأس كل بيت رواه في موضعه، وأوردها تسعة وعشرين بيتا: ولم يرد منها في الأصل هنا غير سبعة أبيات. (¬2) الأبواص أو الأنواص. وزاد السكري على هاتين الروايتين "الأوباص" عن الأصمعي. والأحراص بالحاء المهملة مكان الخاء المعجمة عنه أيضا. وعلى: موضع في جبال هذيل، ولم يذكر ياقوت الأخراص وذكر السودتين والأبواص، ولم يعينهما، وإنما روى هذا البيت في كل منهما. (¬3) ذكر ياقوت هذه الأمكنة الثلاثة التي في هذا البيت ولم يعين المكانين الأولين، وإنما روى هذا البيت في كل منهما، وذكر الثالث وهو ثادق وقال: هو واد في ديار عقيل فيه مياه. ونقل عن الأصمعي أنه واد ضخم يفرغ في الرمة، وأنشد أبياتا ذكر فيها هذا الموضع. (¬4) كتب الشارح في هامش الأصل رواية أخرى في هذا البيت وهي: . . . . . . . . فصائف ... فالنمر فالبرقات فالانحاص أنحاص مسرعة التي حازت إلى ... هضب الصفا المتزحلف الدلاص وكتب تحت ذلك ما نصه: هكذا وجدته في معجم البلدان لمؤلفه ياقوت في (مادة أنحاص) وصائف وضهاء ونمر وهضب الصفا وكتبه محمد محمود لطف به. وروى السكرى "فبارق" مكان "فصائف" كما روى الرواية التي ذكرها الشنقيطي أيضا. (¬5) وتؤلف خيمة، أي تألفها، قال الأصمعي: تألف وتؤلف واحد، يقال: ألفت الشيء وألفته السكري ص 177 طبع أوربا.

القِرْماص: بيت الحمام، وأراد أنّها أَلِفت هذه المواضع كما ألِفت الحمامة موضعَها. ليلَى وما ليلَى ولم أَر مِثلَها ... بين السماء والأرض ذات عِقاصِ بيضاءَ صافيةَ المدامِع هُولةً ... للناظرِين كدُرّةِ الغَوّاصِ (¬1) أو مُغزِلٍ بالخَلِّ أو بخَلِيّةٍ ... تَقرُو السَّلام (¬2) بشادِنٍ مِخماصِ المخماص: الخمِيص البطن. قد كنتُ خَرّاحا وَلُوجا صَيْرَفا ... لم تَلتحِصْني حَيْصَ بَيْصَ لحَاصِ صيرفا، أي أتصرّف في الأمور. وقوله: لم تلتحِصنى لم تَنْشب فيّ. ويقال: لحص فيّ هذا الأمرُ إذا نشِب، فأراد لم تنتشبني، وهو من لَحَص يَلْحَص، يقال وقع في حيصَ بيصَ إذا وقع في الأمر لا يخرج منه. لحَاصِ كقَطامِ: الداهية؛ هكذا قاله في (لسان العرب) (¬3). ¬

_ (¬1) روى الأصمعي "صفراء" مكان "بيضاء". وهولة أي تهول من رآها بحسنها، (السكري). (¬2) مغزل: ذات غزال، وتقرو السلام أي تقصد إلى هذا الشجر وتتبعه. (¬3) في لسان العرب (مادة لحص) بعد أن أنشد هذا البيت ما نصه: أخرج لحاص مخرج قطام وحذام. وقوله: لم تلتحصني، أي لم تثبطني، يقال لحصت فلانا عن كذا والتحصته إذا حبسته وثبطته. وروى عن ابن السكيت في قوله: لم تلتحصني أي لم أنشب فيها، قال الجوهري: ولحاص فعال من التحص مبنية على الكسر وهو اسم الشدة والداهية لأنها صفة غالبة كحلاق اسم للمنية، وهي فاعلة تلتحصني. وموضع حيص بيص نصب على نزع الخافض، يقول لم تلتحصني أي تلجئني الداهية إلى ما لا مخرج لي منه. وفيه قول آخر: يقال التحصه الشيء أي نشب فيه، فيكون "حيص بيص" نصبا على الحال من لحاص اهـ.

وقال أمية بن أبي عائذ أيضا

وقال أميّة بن أبي عائذ أيضا تمدّحتَ ليلَى فامتْدِح أمَّ نافعٍ ... بعاقبةٍ (¬1) مثل الحَبِير المُسلْسَلِ بعاقبة، أي في عقب الأمر. والحَبير: ثياب الِحبَر، أراد امتداحها مدحا حسنا. فلو غيرَها من وُلْدِ عمرٍو وكاهِلٍ ... مدحتَ بقولٍ صالحٍ لم تُفَيَّلِ يقال: رجل فائل الرأيِ أي ضعيفه. ألا ليت ليلَى سايرتْ أمَّ نافعٍ ... بوادٍ تَهامٍ (¬2) يومَ صَيْفٍ ومَحفِلِ يقول: ليتها سايرتْ أمَّ نافع حتى تفضَحَها في المَحفِل وهو الجماعة. وكِلتاهما ممّا عدا قبلُ أهلُها ... على خير ما ساقوا ورَدُّوا لمَزْحَلِ قوله: على خير ما ساقوا ورَدُّوا لمَزْحَل، أي على خير ماشِيَتهم التي ساقوا، يقال: هو يسوق مالا (¬3) إذا كان يسوق رعيته. ورَدُّوا لِمَزْحَل، أي رَدّوها من الكَلَاء لتُركَب. فذلك يومٌ لن تَرَى أمّ نافعٍ ... على مُثْفَرٍ (¬4) من وُلدْ صَعْدةَ قَنْدَلِ ¬

_ (¬1) في شرح السكري ص 205 طبع أوربا "بقافية" وروى فيه أيضاً "بفاخرة" كما رويت فيه رواية الأصل، وذكر ما قاله الشارح هنا في شرح قوله "بعاقبة" وقال: أراد فامتدحها بمثل وشي الحبر. والمسلسل: وشى مثل السلاسل الخ. (¬2) تهام، أي تهامى إذا فتحت تاء تهام لم تشدد الياء، وإذا كسرتها شدّدت ياء النسبة. (¬3) في السكري: "مالاً عظيما". (¬4) مثفر، من أثفر الدابة، أي شدها بالثفر بالتحريك، وهو السير الذي يكون في مؤخر السرج أو البرذعة. ويجعل تحت ذنب الدابة.

قوله: لن ترى أمّ نافع على مُثْفَر، أي لن تراها تركب حِمارا من وُلدِ صَعْدة، يقال للحمير بنات صَعْدة. والقَنْدَل: الضخم الرأس. حَمولةِ (¬1) أخرى أهلُها بين مَهْوَرٍ (¬2) ... إلى مُحْزِئٍ (2) من أهل كَرْمٍ وسنبلِ قوله: حمولة أخرى، كقولك في الكلام: لا يلقى فلان فلانا على حمار حَمولة آخَر، أي يحمل غيرَه، أي لن ترى أمّ نافع على حمار. وقوله: من أهل كرم وسنبل، يقول: هي من أهل الزرع ليست بدوِيّة. ولكن على قَرْمٍ هجانٍ مشرَّفٍ (¬3) ... بلؤمتِه أو ذات نيِرَينِ عَيْطَلِ على قَرْم، وهو فحل. هجان: أبيض قد قارَفَ الكرَمَ. بلؤمته أي بجَهازِه. عَيْطَل: طويلة العنق. إذا النَّعْجةُ الأَذْناءُ كانت بقَفْرةٍ ... فأيّانَ ما تَعدِل لها الدهرَ تَنزِلِ (¬4) ¬

_ (¬1) في شرح السكري بيت آخر قبل هذا البيت، وهو: ولا تبعا تمشي برأس خزومة ... لها قبة أن ترب فيها تجلجل حمولة الخ. (¬2) ذكر ياقوت "مهور" ولم يعينه. ولم يذكر "محزئا" وفي السكري "إلى مسكن" مكان "إلى محزئ". (¬3) في شرح السكري "موكل ... بلؤمته" وروى فيه "بشوزنة" مكان "بلؤمته" كما روى فيه "بشوزنه" أي بهيئته. وذكر في تفسير (ذات نيرين) أنه يقال للبعير إذا كان كثيفا هو ذو نيرين أي ذو طرائق من الشحم واللحم أي سمين. . . . . . . . ثم قال: وذو نيرين مأخوذ من الثوب الذي سدى بنيرين. الخ. (¬4) الأذناه: عظيمة الأذنين طويلتهما، وفي شرح السكري "إذا النعجة العيناء" وفيه أيضا: فأيان ما يعدل بها الرئم. قال: لم يعرف الأصمعي هذا البيت ولم يقل فيه شيئا لمكان النجم ولم يكن يتكلم في الأنواء .. اهـ.

وقال أسامة بن الحارث

وقال أسامة بن الحارث (¬1) ما أنا والسَّيْرَ في مَتْلَفٍ ... يعبِّر بالذَّكَر الضّابِط يعبِّر بالذَّكَر أي يحمله على (¬2) ما يَكره، والضابط: يعني البعيرَ العظيم (¬3). يقول: ما أنا وذا، أي لستُ أبالي السيرَ في مهلَكة. وبالبُزْل (¬4) قد دَمَّها نَيُّها ... وذاتِ المُدارأة العائطِ قد دمَّها نَيُّها، أي طلاها شحمُها. وذات المُداراة: يعني الناقةَ التي بها اعتراض وشدّةُ نَفس. والعائط: التي قد اعتاط رَحِمُها فلم تَحمِل، وهو أقوى لها. وما يتوقَّين مِن حرَّةٍ ... وما يتجاوزن مِن غائطِ حرّة: حجارة غليظة. غائطِ: مطمئنٌّ من الأرض. وِمن أَيْنِها بعد إبدانِها ... ومن شَحْمِ أَثباجِها الهابطِ الأَيْن: الإعياء. وإبدانها، يقول: أبدنها الربيعُ والعُشْب. والأَثباج: الأوساط. هابِط: كان في الأسنِمة فهبط. تَصيحُ جَنادِبُه رُكَّدًا ... صِياحَ المَساميرِ في الواسِطِ ¬

_ (¬1) أسامة بن الحارث الهذلي لم نقف على ترجمة وافية له فيما لدينا من المظانّ، وقد أورد عنه ابن قتيبة في الشعر والشعراء ص 419 ما نصه: مالك بن الحارث الهذلي وأخوه أسامة. ومالك الذي يقول: فلست بمقصر ما ساف مالي ... ولو عرضت للبتي الرماح (¬2) في كتب اللغة أنه يقال: عبر به الأمر إذا اشتدّ عليه. (¬3) الذي في كتب اللغة أن الضابط هو القوي على عمله والشديد. (¬4) وبالبزل، أي ويعبر هذا المتلف بالبزل، أي يشق عليها ويشتد.

واسط الرَّحْلِ مثل القَرَبُرس (¬1). فهنّ على كل مُستوفِزٍ ... وُقوعَ الدَّجاجِ على الحائطِ وإلا النَّعامَ وحَفّانَه ... وطَغْيَا من اللَّهَقِ الناشِطِ الحَفّان: صِغار النعام. وطَغيَا من اللَّهَق هو، نُبَذٌ (¬2) من البقر. وناشِط: ثور يَخرج من أرض إلى أرض. إذا بلغوا مصْرَهم عُوجِلوا ... من الموت بالهِمْيَغ الذاعِطِ هِمْيغ: موتٌ وَحِيٌّ. والذاعِط: الذابِح. من المُرْبَعِين ومِن آزِلٍ ... إذا جَنّه الليلُ كالناحِطِ المُرْبَعين، الّذين يُحَمّون الرِّبْع من الحُمّى. والآزِل، الذي في ضِيق. وناحِط: زافِر. عَصاكَ الأقارِبُ في أَمرهِم ... فزايِلْ بأمِركَ أو خالِطِ يقول لنفسه: إنّ أقاربَكَ لم يَسمعوا قولك، فزايِلْهم أو خالِطْهم. ولا تَسقُطنّ سُقوطَ النَّوا ... ةِ مِن كَفِّ مرتضِخٍ لاقِطِ المرتضِخ: الذي يَدُقّ النوى للعَلَفِ. ¬

_ (¬1) القربوس: حنو السرج. والحنو: كل شيء فيه اعوجاج أو شبه الاعوجاج. اللسان (مادتي قربس وحنا). (¬2) طغيا بفتح الطاء وضمها: جمع طغية، والطغية من كل شيء" نبذة منه. قاله أبو زيد في اللسان (مادة طغى). على أن هذا البيت قد ورد في اللسان أيضا مادة طغى شاهدا على أن "طغيا" مقصورة غير مصروفة: الصغيرة من بقر الوحش، ونسب فيه هذا البيت إلى أمية بن أبي عائذ الشاعر السابق.

وقال أسامة بن الحارث أيضا

وقال أسامة بن الحارث أيضا أَبَى جِذْمُ قومِك إلاَّ ذَهابا ... أَنابوا وكان عليهم كتّابا جِذم: أصل. كتّاب: قَدَر. أقاموا صُدورَ مُسِنّاتِها (¬1) ... بَواذِخَ يَعتَسِرون الصِّعابا أي أقاموها في السَّيرِ. مُسنّات: يعنِي الإبِل. بواذِخ: مشِرفات. يَعتسِرون أي يركبون. من المُضَريّات لا كَزّةً ... لَجُونا ولا رَاشَة الظَّهْر نابا (¬2) مضريّات: منسوبة إلى مضر. ولجون: بطيئة. والكزَّة: التي ليست بوَساعٍ في السَّيْر. ولا راشةَ (¬3) الظَّهْر: ولا ضعيفتَه. كأنّ يديها إذا أَرْقلتْ (¬4) ... يَدَا ذاتِ ضِبَّين تَعرُو سِبابا كأن يدي الناقة إذا أَرقلتْ يدا امرأة في صدرها ضِبّان، أي حقْدان. تَعْرو سِبابا أي تُسابُّ أخرى. كأصَحمَ فَرْدٍ على عانةٍ (¬5) ... يقاتِل عن طُرَّتيه (¬6) الذُّبابا ¬

_ (¬1) في اللسان مادة (شبب) مشباتها. وروى هذا البيت. (¬2) الناب: الناقة المسنة. (¬3) في اللسان (مادة راش) جمل راش الظهر: ضعيف. وناقة رائشة: ضعيفة. (¬4) الإرقال: ضرب من السير. (¬5) العانة: القطيع من حمر الوحش. وروى في اللسان "على حافة". (¬6) قال الجوهري: الطرتان من الحمار خطان أسودان على كتفيه، وورد في تفسير قول أبي ذؤيب: "عبل الشوى بالطرتين مولع" أن الطرتين خطان يفصلان بين الجنب والبطن.

يقول هذه الناقة كأنها حمار يقاتل عن طُرّتيه أي عن جنبيه الذباب إذا أكله. والأصحم: الاسم من الصُّحْمة، وهي سواد في صُفرة. أَقَبَّ طريدٍ بنُزْهِ الفلا ... ةِ لا يَرِد الماءَ إلاَّ انتِيابا أقب: ضامر. طريد: طردتْه الخيل. بنُزه الفلاة، أي بعيد من الناس (¬1)، يريد أنه ينتاب الماءَ في الأيام لا كلّ يوم. إذا الخِمْس (¬2) تمّ له في اللِّفا (¬3) ... ظِ أَحدَثَ وِرْدًا له واقترابا اللِّفاظ: البقل. وقوله؛ أحدَثَ وِرْدا له واقترابا، أي وِرْد الماءِ. إذا القَطر أَخلَفَ أوطانَه ... وماءُ الرُّزونِ يَشيم الذِّهابا أوطان هذا الحمار أخلَفَها الماء من الرُّزون، فجعل يَشيم السحاب، ينظر أين يقع. الرُّزون: الواحد رَزْن، وهو موضع يمسك الماء. والذِّهاب: المطر (¬4). شَنُونٌ إذا رِيعَ من فارسٍ ... يُواثِب قَبْل العوالي وِثابا ¬

_ (¬1) أورد في اللسان (مادة نزه) هذا البيت، وقال في تفسير نزه الفلاة: إنه ما تباعد من الفلاة عن المياه والأرياف. (¬2) الخمس: شرب الإبل يوم الرابع من يوم صدرت، لأنهم يحبسون يوم الصدر فيه. (اللسان مادة خمس). (¬3) هكذا فسر الشارح اللفاظ بالبقل وضبطه بشم اللام المشددة، والذي وجدناه في كتب اللغة أن اللفاظ بهذا الضبط هو ما طرح به. وأنشد الجوهري لامرئ القيس يصف حمارا: يوارد مجهولات كل خميلة ... يمج لفاظ البقل في كل مشرب أما مجيئه بمعنى البقل كما في القاموس وشرحه فهو اللفاظ بكسر اللام المشددة. (¬4) الواحد ذهبة بكسر الذال وسكون الهاء، وهي المطرة.

وقال أسامة بن الحارث لرجل من قيس هاجر في خلافة عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه-

عَوالي الرماح: ما يقارب السِّنان. وشَنون: بين السمين والمهزول، يعني الحمار. يواثب: يثب. إذا ما اشتَأَى شَرَفا قَبْلَه ... وواكَظَ أَوشَكَ منه اقترابا اشتأى: عدا، من الشَّأوِ، وهو الطَّلَق؛ يقال عدا شَرَفا أو شَرَفَين. الأصمعيّ معناه إذا رأى الشَّرَف من بعيد يعدو حتى يبلغَه، ثم يعدو شَرَفًا آخر. وواكَظ: داوم ولازَم. كوَقْع الحَرِيق بيَبْسِ الأبا ... ءَ تلتهب النار فيه التهابا الأباء: القصب. فمُوشِكةٌ أَرضُنا أن تَعود ... خلافَ الأَنيس وُحوشًا يَبابا ولم يَدَعُوا بين عَرْض الوَتيـ ... ـرِ حتّى المَناقب إلاَّ الذِّئابا الوتير: موضع. والمَناقِب: ثنَايا في غِلَظ، واحدتها مَنْقَبة. يَبابا: خالية، ليس بها إلاَّ الذئاب. * * * وقال أسامة بنُ الحارث لرجلٍ من قَيْسٍ هاجر في خلافة عمر ابن الخطّاب -رضي الله عنه-: عصاني أُوَيْسٌ في الذَّهاب كما عصتْ ... عَسُوسٌ صَوَى في ضَرِعها الغُبْرُ مانعُ

العَسوس: السيّئة الخُلُق من الإبل. وقوله: "صَوَى" يَبِس في ضَرعها الغُبْر، وهو بقيّة اللبن في الضَّرع. مانع: تأبى أن تُحلَب. عَصانِي ولم يَرْدُدْ عليّ بطاعة ... لمُكْثٍ ولم تقبض عليه الأَشاجِع أي لم يَردُد عليّ جوابا. لمُكثٍ، أي لم يمكث كما أمرتُه، ولم تقبض عليه الأشاجع (¬1)؛ أي خرج من يدي. كَفِيتُ النَّسا نَسّالُ حَدِّ ودِيقةٍ ... إذا سكن الثَّمْلَ الظِّباءُ الكَواسِع كفيتُ النَّسا، أي سريع في عَدْوه. نَسّال، يقال: نَسَلَ في عَدْوِه: إذا اشتدّ، ونَسَل: إذا سقط ريشه. والوَدِيقة: شدّة الحرّ. وقوله: إذا سكن الثَّمْلَ الظِّباء، الثمل: المُقام في الخفض والدعة. يقال: ثَمَل بمكان كذا. والكَواسع من الظباء: التي أدخلتْ أذنابَها بين أرجُلِها. كأنّ أخاه حين يُظلَم عِنده ... من العِزّ في مسرودَةِ السَّكِّ دارِعُ يقول: كأنّه -إذا شكا ظلما- في درعه. والسَّكّ: سدّ الخرق. والسَّكّ ها هنا المسامير. ومَسْرُودة: معمولة تُوبِع عليها العمل. وكانوا ذوِي دارٍ يَزِين حِجازَهم ... شمَاريخُ حافَتْها شُجونٌ صَوادعُ حجازهم: مكانهم. والشّماريخ: رءوس الجبال. وقوله حافَتْها، أي أخذتْ وَسْطَها. والشُّجون: مَجارِي الماء. ¬

_ (¬1) الأشاجع: أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف.

وقال أسامة بن الحارث

وكنت إذا ما الظُّلمُ أحقَبَ (¬1) كِفْلَه ... على مُعظم آبَى به وأدافِع الكِفل: كِساءُ يُلقَى حول السَّنامِ، ثم يُردَف عليه الرجُل إذا أراد الركوب، فيقول: إذا الظلم حَمَل عليّ مَركَبه لم أقبلْ ذلك. كأنّ أَتِيَّ (¬2) السَّيلِ مدَّ عليهمُ ... إذا دفَعتْه في البَداحِ الجَراشِع يقول: مات هَؤلاء الذين كانوا لي عَضُدا وقوّة، فكأنّ سَيْلا جَرَّهم، والبَداح: متّسَعٌ من الأرض. والجَراشِع: أودِية. وقال أسامة بنُ الحارث أجارَتَنا هل ليلُ ذي الهَمِّ رَاقِدُ ... أم النوم عنّي مانعٌ ما أُراوِدُ أجارتَنَا إنّ امرأً لَيعُوُده ... مِن ايسَرَ ممّا بِتُّ أُخفِي العَوائدُ يقول: إنه لَيُعاد الرجل مِن أيسر مما بي. تذكّرتُ إخواني فبِتُّ مسهَّدا ... كما ذَكرتْ بَوًّا من الليل فاقِدُ مسهَّد: مُفعَّل، من السُّهد. والبَوُّ: جِلدٌ يُحشَى للفاقِد ولدَها يُذبح أو يموت فتَرْأَمُه وتدِرّ عليه، وإذا ذكرته حنّت. لَعَمرِى لقد أمهلتُ في نَهيِ خالدٍ ... عن الشام إمّا يَعصِينّكَ خالدُ ¬

_ (¬1) الحقب بالتحريك: حبل يشد به الرحل في بطن البعير، تقول منه: أحقبت البعير. (¬2) أتى السيل: الذي لا يدرى من أين أتى.

أَمهلتُ، أي نهيتُه في مُهْلة قبل أن يأزِف أمره أي جعلتُ له مُهْلة ولم أَجُدْ بنفسه، وكان نهاه أن يهاجِرَ. وقوله: إمّا يعصينّك خالد، أي عصاك خالد. وأمهلتُ في إخوانِه فكأنّما ... يُسمَّع بالنَّهْي النَّعمامُ الشَّواردُ وأَمهلُ في أصحابه الّذين معه، فكأنمّا أَسمعتُ النهيَ الذي نهيتُ نعاما شُرَّدا، والنعام موصوف بأنه لا يَسمَع، قال الشاعر [وهو علقمة]: * أصَمّ لا يَسمَع الأصواتَ مَصْلومُ * فقلتُ له لا المرءُ مالِكُ نفسِه ... ولا هو في جِذْمَ العَشيرةِ عائدُ يقول: المرءُ لا يَملِك أمرَه. قد عزم على الذَّهاب، وإذا ذهب لم يقدِر على الرجوع. يقول: لا يعود من سفره. أَسَيْتُ على جِذْمِ العَشيرةِ أصبحتْ ... تُقَوَّرُ منها حافَةٌ وطَرائدُ أَسَيْتْ: حَزِنْت. والجِذْم: الأصل. وأصبحتْ تُقَوَّرُ نها حافة: أي تُقطَّع منها قِطعَةٌ فتذهب كما يُقَوَّر الأديم. وطرائد: أتباع. ويقال: أسَىَ إذا داوَى وأصلَح". فوالله لا يَبقَى على حَدَثانه ... طريدٌ بأوطانِ العَلايةَ فارِدُ العَلاية: مكان. والفارِد: الممتلئ من الحمير. مِن الصُّحْم مِيفاءُ الحزُونِ كأنّه ... إذا اهتاج في وجهٍ من الصبحِ ناشِدُ مِيفاء الحزوُن: مِشْراف. إذا اهتاج: إذا ثار في أوّل الصبح كأنّه ناشِدٌ يَطلُب شيئًا ضَلَّ له.

يُصيِّح في الأسحارِ في كلِّ صارةٍ (¬1) ... كما ناشَدَ الذِّمَّ الكَفِيلَ المعاهدُ (¬2) يصيِّح هذا الحمار بالأسحار، وقوله: كما ناشَدَ المعاهدُ الكفيلَ الذِّمَّ، قال له: أَنشدُكَ اللهَ، والذِّمّ: الواحدة ذمّة. والمُعاهد: الذي أُعطِيَ عَهْدا إن يُوفَى له قَضَى مذَمّته أي ذِمامَه، والذِّمام: الحرمة. فَلاهُ عن الآلافِ في كلِّ مَسكَنٍ ... إلى لَحَقِ الأوزارِ خيلٌ قوائدُ (¬3) فلاه: نحّاه. عن كل مسكن إلى لحق الأوزار (¬4): إلى أن لحق بالملاجئ. خيل قوائد: فالخيل التي فَلَتْه طردتْه إلى هذه الملاجئ. أرتْه من الجَرْباء في كل مَنظَرٍ ... طِباباً فَمَثواه النهارَ المَراكِدُ أرت الفحلَ الآتُن طبابًا، والطِّباب: طُرّة من السماء تَظهر، أي حملتْه الآتن على أن صار في مكان بين جبال فلا يرى إلا طُرّة من السماء، إلا ناحية وطريقة فهو يأمن الليل، فإذا كان النهار فهو على شَرَف. والجرباء: السماء (¬5). ¬

_ (¬1) لم يفسر الشارح لفظ "صارة" وهي من الجبل أعلاه. أو هي الأرض ذات الشجر. (¬2) كذا ورد هذا البيت في المخصص لابن سيدة ج 10 ص 80 طبع بولاق، وفيه "بالأسحار" مكان "في الأسحار" وعلق عليه الأستاذ الشنقيطي فقال ما نصه: هذا البيت لأسامة بن الحارث الهذلي يصف حمار وحش ... ونظيره قول امرئ القيس يصف حمار وحش مثله. يغرد بالأسحار في كل سدفة ... تغرد مياح الندامى المطرّب (¬3) اللحاق بالتحريك: مصدر لحق بفتح اللام وكسر الحاء وفتح القاف، ويجوز أن يكون جمعا للاحق كما يقال: خادم وخدم وعاس وعسس. اللسان (مادة لحق). (¬4) الأوزار: جمع وزر بالتحريك وهو الملجأ، قاله في اللسان (مادة وزر). (¬5) هكذا فسر الشارح هذا البيت، ويلاحظ أنه لم يفسر المراكد هنا، وقد جاء في اللسان (مادة ركد) في تفسير المراكد ما نصه: والمراكد: مغامض الأرض، قال أسامة بن حبيب الهذلي يصف حمارا طردته الخيل فلجأ إلى الجبال في شعابها وهو يرى السماء طرائق: أرته من الجرباء في كل موطن ... طبابا فمأواه النهار المراكد ورواه في (مادة جرب): * أرته من الجرباء في كل موقف * الخ.

يَظَلّ مُحَمَّ الهمِّ يَقسِم أمرَه ... بتَكْلِفةٍ هل آخِر اليوِم آئدُ يَظلّ هذا الفحلُ مُحَمّ الهمّ، يأخذه مِثلُ (¬1) الزَّمَع، يقال: أحمني هذا الأمر وأهمّنى سواء. بتَكْلِفة: شيء لا يُجدى. يَقِسم أمرَه: ينظر أين يأخذ. وقوله: هل آخر اليوم آئِد، ينظر هل بَقي من الفيءِ شيء، هل ينقلب الظل فيستريح بمجيءِ الليل. قال الأصمعي: حُذاميّةٌ آدت لها عَجْوة القِرَى ... فتأكل بالمأقوط حَيْسا (¬2) مجعَّدا المأقوط: السَّوِيق المخلوط بالأقِط (¬3). بقادِمَ عَصْرٍ أُذهِلتْ عن قِرانها ... مراضِعُها والفاصلاتُ الجَدائدُ بقادمِ عصرٍ، أي بأوّل الزمن، أذهِلتْ عن قِرانها، الواحد (¬4) قَرِين. والمَراضِع: التي تُرِضع. والفاصِلات: التي ذهبت ألبانُها أي أذهَلَها الرّماة عما كانت تُقارن. والجَدَائد: التي لا لبن لها. إذا نضَحَتْ (¬5) بالماءَ وازداد فورُها .. نَجا وهو مَكدودٌ من الغمّ ناجدُ ¬

_ (¬1) الزمع: الدهش بفتحتين. (¬2) الحيس: الأقط يخلط بالتمر والسمن. (¬3) الأنط: شيء يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل. (¬4) لم نجد قرانا جمع قرين فما لدينا من كتب اللغة. والذي نستظهره أنه جمع قياسيّ كسمين وسمان وكريم وكرام وعظيم وعظام وكبير وكبار. (¬5) رواية اللسان (مادة نجد): إذا نضخت بالماء وازداد فورها ... نجا وهو مكروب من الهم ناجد وجاء فيه أيضا أن النضح والنضخ بمعنى واحد.

إذا نضحَتْ: إذا عَرِقت، أَرسَلَتْ الماءَ. ناجد: عَرق من الكرب. وفَوُرها يقول: فارت بالغَلْي في عَدْوها. نجا الحمار، أي سبق وهو مكدود مغموم أي قد كَدَح فيه الغمّ وأَثَّر. يُعالِج بالعِطْفَين شأوًا كأنَّه ... حَريقٌ أشاعتْه الأَباءةُ حاصدُ هذا الحمار يعالِج بالعِطْفين، أي يتكفّأُ فكأنه يعالج عِطْفَيه. والشَّأو: الطَّلَق كأنه حَرِيقٌ أشاعته الأباءة: ألهبته. والأَباءة: الأَجَمة من القصب، يقال: شَيِّع نارَك: أَلْهِبْها. يقَرِّنه والنَّقْع فوق سَراتِه (¬1) ... خِلافَ المَسيحِ الغَيِّثُ المترافدُ يريد يُقَرِّنه الغيث (¬2) المترافِد، وهو جَرْيٌ بعد جرْي، والنَّقع فوق سَراته: يعني الغُبار، وقوله خِلافَ المسيحِ: بعد العَرَق (¬3)، فأراد أنه مترافد يرفُد بعضه بعضا لا ينقطع جريُه وإن عَرِق. اذا لَجَّ في نَفْرٍ يَشُقُّ طريقَه ... إِراغةَ شَدَّ وَقْعُه متواطدُ قوله: إذا لج في نَفْرٍ أي نَفَر ثم لجّ فيه إِراغة، ومنه يقال في الكلام: إنه ليرُيغ أمرا يطلبه. وقوله: متواطِد أي ثابت دائم. كأنّ سُرافِيّا عليه إذا جَرَى ... وحارَبَه بعد الخَبارِ الفَدافدُ الخَبار: اللَّيّن من الأرض. وقوله: كأنّ سُرافِيّا يريد ثيابا بيضًا عليه من الغُبار. وحارَ بَه الفَدافدُ بعد الخَبار، والفَدْفَد: ما صَلُب من الأرض. ¬

_ (¬1) سراته: ظهره. (¬2) يقال: فرس ذو غيث: إذا جاءه عدو بعد عدو". (¬3) سمى العرق مسيحا لأنه يمسح إذا صب اهـ اللسان (مادة مسح).

وحَلَّأه عن ماءِ كلِّ ثَمِيلةٍ ... رُماةٌ بأيديهمْ قِرانٌ مَطارِدُ حَلّأه: طرَدَه ومنَعَه رُماةٌ بأيديهم مطَارِد. والقِران: نَبْل مقترِنة بعضها يشبه بعضا. ومَطارِد: أراد بعضُها يطرد بعضا؛ ومُفتعِل تُجمع على مَفاعل مِثل مغتلمِ ومغالِم ومؤتزِر ومآزِر. قال العجاج: إذا كَسَرْنَ النّقبَ المَآزِرا ... وأزْنَت الأشعّةُ المَحاجِرا وشَقّوا بمَنْحوض القِطاع فؤادَه ... لهم قِتَرات (¬1) قد بُنِين مَحاتِد شَقّوا فؤاد الِحمارِ أي جهدوه وأضعفوه. بمنحوض، أي بدقيق القِطاع أي أرهِف ورُقِّق. وواحد القطاع قِطْع، وهو نَصْل قصير عريض. محاتد: أصول قد كانت قديمة، ومنه عين حُتُد إذا كانت قديمة. وهو من محَتِدِ صِدق. فحادَثَ أَنْهاءً له قد تقطّعتْ ... وأشمَسَ لمّا أخلفَتْه المعَاهِدُ حادَثَ يعني هذا الفحل، أي عاودها مرّة بعد مرّة، ومنه يقال حادِثْ سيفَكَ بالصِّقال أي اصِقُلْه مرّة بعد مرّة، وواحد الأنهاء نِهْي، وهو الغدير، وتقطّعت: ذهب ماؤها. أَشْمَس: دخل في شدّة الشمس واشتدّ عليه لمّا أخفلتْه ما كان يَعهَد من الماء، يقال شَمَسَ اليومُ. إذا كان ذا شَمْس. له مَشربٌ قد حُلِّئتْ عن سِمالِه ... من القيظ حتى أَوحشتْه الأَوابِد له مشرب أي لِلفحل. قد حُلّئتْ عن سِماله الوَحْش. والسِّمال: بقيّة الماء الواحدة سَملَة. والأوابد: الوَحْش. وأوحشَتْه: هجرتْه لا تأتيه. ¬

_ (¬1) يلاحظ أن الشارح لم يعرّف القترات بكسر القاف وفتح التاء كما هي في الأصل. والذي في اللسان (مادة قتر) القتر والقترة (بكسر القاف وسكون التاء) نصال الأهداف.

كأنّ سَبيخَ الطيرِ فوق جِمامِه ... إذا ضربتْه الرِّيح صُوفٌ لبَائدُ السَّبِيخ: ما سقط من رِيش الحمام. والجِمام: ما اجتمع من الماء، الواحدة جُمّة، يقال: اسقِنى من جُمّة مائك، وجمِّ. وشبّه السبيخَ بصُوفٍ قد تلبّد. والسَّبِيخ: القطعة من القُطن. ويقال له من الصوف العَمِيت، ومن الشَّعر الفَلِيل. بمَظمأةٍ ليست إليها مَفازةٌ ... عليها رُماةُ الوَحش مَثنَى وواحِدُ هذا المكان موضِعُ عطشٍ فلا يزال يَطلب الماءَ. ومَفازة: مَنجاة، أي ليست عند المكان مَنْجاة، أي يهلِك فيها، ومعناه له مشرب بمَظْمأةٍ عليها الرُّماةُ اثنان وواحد. فماطَلَهُ طولَ المَصيفِ ولم يُصِبْ ... هَواهُ من النَّوءِ السحابُ الرّواعِدُ أراد فماطل الفحلَ السحابُ الرّواعد. أي طاوَلَه ولمَ يجِد هواه: وهو الموضع الذي يريد. إذا شَدّه الرِّبْع السواء فإنّه ... على تِمِّهِ مستأنِسُ الماءِ وارِدُ إذا شَدّه الرِّبْع أراد شادّه وعاسَرَه. والربع أن يرِد رِبْعا، فإنه على تِمِّ ذلك الرِّبع مستأنِسٌ ينظر. أنابَ وقد أمسَى على الباب قَبْلَه ... أُقَيْدِرُ (¬1) لا يُنْمِي الرَّمِيّةَ (¬2) صائدُ ¬

_ (¬1) الأقيدر: تصغير الأقدر، وهو القصير من الرجال، وأراد به هنا الصائد، كما في اللسان (مادة قدر) عند شرح قول صخر الغى: * أتيح لها أقيدر ذو حشيف * الخ. (¬2) يقال أنميت الصيد فنمى ينمى، وذلك أن ترميه فتصيبه ويذهب فيموت بعد ما يغيب عنك؛ ويقال أصمى الصيد إذا رماه فقتله مكانه. فقوله: لا ينمى الرمية، أي أنه يرمى فيصمى.

وقال ساعدة بين جؤية

وقال ساعدة بين جُؤيّة قال في الأُمّ (¬1): هذا من غير رواية أبى سعيد جعلناه في هذا الموضع (¬2): يا نُعْمَ إني وأيديهمْ وما نَحَروا ... بالخَيْفِ حيث يَسُحّ الدافِقُ المُهَجا وأيديهم: موضعه خَفْض؛ لأنّه يمين. والْخَيْف: خيْف مِنًى. والْخَيف أصله ما سفل عن حُجْزة الجبل وارتفع عن مسيل الوادي. وقوله: يسحّ: يصبّ والدافق: الناحر. والمُهَج: خالص الأنفُس. إنِّي لأهواكِ حقّا (¬3) غيرَ ما كَذِبٍ ... ولو نَأَيتِ سِوانا في النَّوَى حِجَجا نأيتِ سوانا، أي عند غيرنا. والنَّوَى: النيّة، وهو الوجه الذي تريده. حُبَّ الضَّرِيكِ تِلادَ المالِ زَرَّمَه ... فقرٌ ولم يتّخذْ في الناس مُلتَحَجا الضريك: الفقير. زرّمه فقرُه، أي أفقره وقطع عنه الخَير، ومنه أَزرمتُ بولَه أي قطعتُ عليه بولَه. والملتحَجُ والمَلْجأ والعُصْرَةُ والعَصْرَ والمعتصَر والمَعقِل والوَزَر كلّ هذا واحد. صِفْرِ المَباءةِ ذي هِرْسَينِ (¬4) منعجِفٍ ... إذا نظرتَ إليه قلتَ قد فَرَجَا ¬

_ (¬1) لعل الشارح أراد بالأمّ هنا الأصل الذي نقل منه هذه النسخة التي بين أيدينا. وأم الشيء أصله. (¬2) شعر ساعدة من رواية أبي سعيد تقدم في السفر الأوّل من هذا الديوان فانظره. (¬3) في رواية "حبا" مكان "حقا" اللسان (مادة زرم). (¬4) في كتب اللغة أن الهرس ككتف الثوب الخلق.

صِفر المبَاءة، يقول: أي خالي مَبارك الإبل. ذى هرسين: ذى خَلَقين. منعجِف: مهزول. قد فَرَجا: قد فَتح فاهُ للموت. أَنَدَّ مِن قارِبٍ رُوحٍ قَوائمُه ... صُمٍّ حوافرُه ما يَفْتأ الدَّلَجَا أَندّ، أي أنفَر، يقَول: هو أَنفَر من حمار وحشٍ في قوائمه رَوَح، أي اتساع. تقول: دَابّة رَوْحاء للأنْثى. ما يفتأ الدَّلَجَا، أي ما يزال يُحيى ليلتَه جميعاً يسير. أَخِيلُ (¬1) بَرْقا مَتَى حابٍ له زَجَلٌ ... إذَا يفتِّر (¬2) مِن تَوْماضِه حَلَجا قال: أَخِيلُ برقًا متى حابٍ له زَجَل، أراد أَخِيلُ بَرْقا، من حابٍ. حَلَجَ يَحلِجُ حَلْجا. أَخيلُ بَرْقًا، أي أَرَى خِلافَه مَطَرا، يقال: أَخالُ وأَخِيلُ بَرْقا متى حابٍ. أراد أَخِيلُ برقاً من حابٍ. والحابِى: السحاب المرتفِع. ومتى في معنى (¬3) مِن. وإنّما سمّى حابيا لأنّه قد أشرف قبل أن يطبِّق السماء. والتَّوْماض: اللَّمْع الضعيف من البَرْق. وحلَجَ: مَطَر. وأصلُه المطر الضعيف الخفيف. مستأرِضا بين بَطْن (¬4) اللِّيثِ أيمَنه ... إلى شَمَنْصِيرَ غيثا مُرسَلا مَعِجا ¬

_ (¬1) ضبط هذا اللفظ في الأصل بفتح الألف وسكون الخاء وفتح الياء واللام وهو غير مستقيم الوزن وقد ضبطناه هكذا نقلا عن اللسان (مادة حلج) على أنه قد ورد في اللسان (مادة ومض) مضموم الألف. (¬2) في اللسان (مادة حلج) "تفتر" بفتح التاء والفاء وتشديد التاء المفتوحة. ثم قال بعد أن أنشد هذا البيت ما نصه: "ويروى خلجا" مكان "حلجا". (¬3) زاد في اللسان (مادة حلج) بعد أن أنشد هذا البيت الذي نحن بصدده ما نصه: أو بمعنى (وسط) أو بمعنى (في). (¬4) في اللسان (مادة معج) "أعلى" مكان بطن".

قوله مستأرِضا، أي قد استأرض (¬1) وثبتَ بالأرض. الليِّث وشَمَنْصِير: موضعان. ومَعِج: سريع. فأَسْأَدَ الليلَ إرقاصا (¬2) وزَفْزفةً ... وغارةً ووَسِيجا (¬3) غَمْلَجًا رَتِجا الإسئاد: سيرُ اللَّيل. والزَّفْزَفة: الصوت. صوتُ مَرِّه وحفيفه. قوله: وغارة، الغارة العَدْو، يقال: أغار إغارةَ الثعلب. والغَمْلَج: العَدْوُ المتدارك. والرَّتِجُ، هو نفسُه مسرِع. حتى أَضافَ إلى وادٍ ضَفادِعُه ... غَرْقَى رُدافَى تَراها تَشْتكي النَّشَجا رُدافَى: يتبع بعضها بعضا. والنَّشج: تقلُّع النفس من أجوافها قَلْعا. ولا أُقيمُ بِدارِ الهُونِ إنّ ولا ... آتِى إلى الغَدْر أخشى دونَه الخَمجَا (¬4) بدار الهُون: بدار الهوان. إنّ بمعنى، نَعَم، ثم قال: ولا آتيِ إلى الغدر. والخَمَج: سوء الثناء، ومنه خَمِج اللحمُ: إذا أَرْوَح. وخَمِج الدِّين: إذا فسد. ¬

_ (¬1) قال في اللسان (مادة أرض) وقد يجيء المستأرض بمعنى المتأرض وهو المتثاقل إلى الأرض واستشهد بهذا البيت. (¬2) يلاحظ أن الشارح لم يفسر "إرقاصا" في البيت، وهو من أرقص القوم في سيرهم إذا كانوا يرتفعون وينخفضون. (¬3) الوسيج: ضرب من السير. (¬4) في اللسان "مادة خمج" "الخدر" مكان "الغدر" وفيها أيضاً أن هذا البيت أورده ابن برى في أماليه: ولا أقيم بدار للهوان ولا ... آتى إلى الغدر أخشى دونه الخمجا

وقال أيضا

وقال أيضا أهاجَكَ من عِيرِ الحبيبِ بُكورُها ... أجدّت بِلَيلٍ لم يعرِّج أميرُها أميُرها: الذي يأمرها بالسير ويؤامَر في كلّ أمر. تَحمّلن مِن ذات السُّلَيم (¬1) كأنّها ... سَفائنُ يَمٍّ تَنتَحِيها دَبُورُها تنتحيها دَبورها: تعتمِدُها. وكانت قَذوفًا بالنّوى كلَّ جانبٍ ... على كلّ مَرٍّ يستمرّ مُرورُها يقول: كانت الإبل من عادتها أن تَقذِف بالنَّوى. تَذهَب بها في كلّ جانب: على كلّ مَرٍّ: على كل مضىٍّ وذَهاب. يستمرّ مُرورُها: يَمضِى. ميمِّمةً نَجْدَ الشَّرى (¬2) لا تَرِيمُه ... وكان طريقاً لا تزال تَسيرُها لا تَريمُه: لا تَريم عنه، لا تبرَح. ونجد: كلّ مشِرف. وما مُغزِلٌ تَقْرُو أسِرّةَ أَيْكةٍ ... منطَّقةٍ بالمَرْدِ ضافٍ بَرِيرُها مُغزِل: أمّ غزال. تَقرُو أسرّة أيكة أي تتبع طرائق في بطون الأودية. منطَّقة: محفَّفة بالمَرْد. والمَرْد: ثمر الأَراك، وهو ما أَدْرَكَ منه. ضافٍ: كثِير. ¬

_ (¬1) قال في تاج العروس (مادة سلم): وذات السليم موضع، واستشهد بهذا البيت. (¬2) قال ياقوت في معجمه: نجد الشرى موضع في شعر ساعدة بن جؤية الهذلى حيث قال: * مميمة نجدا الشرى لا تريمه * الخ

بَريرُها، والبَرير: ثمر الأَراك يَجمعَ الغَضَّ منه والمُدرِكَ جميعاً. والكَباث: الغض منه. إذا رَفَعتْ عن ناصلٍ منْ سُقاطةٍ ... تُعالِي يديْها في غُصونٍ تُصِيرها يريد إذا رَفعتْ هذه الظبيةُ رأسَها عن ناصل. والناصل: ما سقط من هذه السقاطة. ثم تُعالِى يديْها أي تَناوَلُ ثمَرَ الأراك. في غصون تُصيرُها: تمُيلُها وأهله من صاره يصُوره إذا أمالهَ. بِوادٍ حرامٍ لم تَرُعْها حِبالةٌ ... ولا قانصٌ ذو أَسْهُمٍ يستثيرُها ومنكِ هُدُوَّ الليلِ برقٌ فهاجَنى ... يصدِّع رُمْكا مستطيرا عَقيرُها ومنكِ معناه من ناحيتك. وهدوّ الليل: بعد ساعة من الليل. قوله: يُصدِّع رُمْكًا. تَفرَّق عن بَرْق، أي هذا البرقُ تَفرَّجَ عن سحاب رُمْك، فشبّه السحابَ بُرُمْك (¬1) قد استطار منها عَقيرُها. والعَقير. الذي عُقر من الخيل فهو يتحامل مرّة يرتفع، ومرّة يسقُط. أَرِقتُ له حتى إذا ما عُروضُه ... تَحادتْ وهاجَتْها بُروقٌ تُطيرُها أَرِقْتُ لهذا البرق حتى إذا ما عُروضُه يعني سحابَه. والواحد عَرْض. تَحادتْ يرِيد حَدَا بعضُها بعضا، أي تَلَا بعضُها بعضا. ¬

_ (¬1) قوله: فشبه السحاب برمك، أي بخيل رمك. والرمكة بضم الراء وسكون الميم: لون الرماد.

أَضَرَّ (¬1) به ضاحٍ فنَبْطَا (¬2) أُسالةٍ (¬3) ... فَمَرٌّ فأعْلَى حَوْزِها (¬4) فخُصُورُها أضرّ به: لَصِق به ودنا. وضاحٍ: وادٍ وسط وادٍ "أساله من السيل (¬5) ". ومرّ: موضع. خُصورها: ما حولها (¬6). فرَحْبٌ (¬7) فأعلام القُروطِ (¬8) فكافرٌ (¬9) ... فنخلةٌ (¬10) تلَّى طَلْحُها وسُدُورُها قوله تلّى: صرعى، وهذه كلّها أماكن. ¬

_ (¬1) ذكر ياقوت أن الضاحي واد لهذيل، وأورد بيت ساعدة هذا، وقال بعد أن أنشده ما نصه: أضر به أي لصق به، ودنا منه أي دنا الماء من ضاح الخ. (¬2) ورد هذا البيت في الأصل هكذا: أضر به ضاخ قبيطا أساله ... فمر فأحلى جوزها فخصورها ولا يخفى ما في غالب مفرداته من تصحيف. وقد صوّبناه هكذا نقلا عن اللسان وياقوت في عدّة مواضع منهما. وقال ياقوت: نبط شعب من شعاب هذيل ... وضاح ومر ونبط مواضع. (¬3) ذكر ياقوت في معجمه ان أسالة بالضم والتخفيف: اسم ماءة بالبادية. (¬4) الحوز: موضع بالكوفة. قاله ياقوت في معجمه. (¬5) كذا فسر الشارح هذه العبارة التي بين هاتين العلامتين. والذي في اللسان ومعجم البلدان أن أسالة موضع، واستشهدا بهذا البيت الذي نحن بصدده. (¬6) في كتب اللغة أن الخصر هو الطريق بين أعلى الرمل وأسفله، ويجمع على خصور. (¬7) كذا في الأصل. وقد أورده ياقوت مضبوطا بضم الراء وسكون الحاء، وقال: إنه موضع في بلاد هذيل؛ وذكر بيت ساعدة هذا. (¬8) في الأصل "الفروط" بالفاء. والصواب ما أثبتنا نقلا عن ياقوت، فقد ذكر في معجمه أن القروط موضع في بلاد هذيل؛ وأنشد هذا البيت. (¬9) ذكر ياقوت أن كافرا واد في بلاد هذيل. واستشهد بهذا البيت. (¬10) قال ياقوت في معجم البلدان: نخلة الشامية واليمانية: واديان لهذيل على ليلتين من مكة يجتمعان ببطن مر، الأوّل يصب من الغمير، والثاني يصب من قرن المنازل الخ والطلح والسدر: معروفان.

ومنه يَمانٍ مُستطِلّ وجالسٌ ... بعَرضِ السَّراةِ مكفهِرًّا صَبِيرُها ومنه يمان: من السحاب. مستطِل: قد استطلّ وأَلبسَ. وجالِس: أَتَى نَجْدا. والعَرْض: الوادى. مكفهِرّ السحاب: الذي قد ركب بعضُه بعضا. والصَّبير: الغَيم الأبيض البطئ البراح، ومنه: صبرتُه، حبستُه. والصَّبير: الكفيل، لأنّه محبوس بصاحبه. فحَطَّ من السُّول (¬1) الملمّ (¬2) وتَلّه ... يَحِفّ بأَرباضِ الأراكِ ضَريرُها ويروَى، من [... ...] (¬3) الملم، والمعنى واحد. الملمّ: جبل. والأرباض: ما عَظُم من الشجر، الواحد رَبُوض، ثم جُمِعَ فقيل: رُبُض، ثم جُمِع رَبضٌ على أرباض. يحفّ: من الحفيف. وضَريرُها: ما أَضرَّ به من الشجر واقتلعه. ويقال في غير هذا الموضع: إنّه لذو ضَرير، إذا كان ذا صَبر على ما يقاسى من السفر وغير ذلك. وتالله ما إنْ شَهْلةٌ أمُّ واحدٍ ... بأَوجَدَ منّى أن يُهانَ صغيرُها ¬

_ (¬1) السول: السحب المسترخية. (¬2) كذا ورد هذا اللفظ في الأصل غير مضبوط في هذا الموضع وفي الموضعين الآتيين بعد في شرح البيت. نقول: وقد عرفه بعد بأنه جبل؛ ولم نقف عليه فيما بين أيدينا من الكتب المؤلفة فى أسماء الأماكن والجبال. والذي في معجم البلدان أن الأراك جبل لهذيل. قاله الأصمعي. (¬3) مكان هذه النقط لفظة ساقطة من الأصل بمعنى "السول"، ولعلها "السحب" بتسكين الحاء، بدليل قوله بعد: والمعنى واحد.

امرأة شَهْلة: كبيرة. بأوجَدَ: بأشدَّ وَجْدا. أن يُهانَ صَغيرُها، أي يُهان وَلدُها. رأته على يأسٍ وقد شابَ رأسُها ... وحين تَصدَّى للهَوانِ عَشيرُها رأت ولدها على يأس من أن تلد. تَصدّى لهوانها عشيرُها: زوجُها، أي كبرتْ فهانت عليه. فشَبَّ لها مِثل السِّنان مبرّأ ... إمامٌ لِنادى دارِها وأميرُها عِناشُ عَدُوٍّ لا يَزال مشمِّرًا ... برَجْلٍ (¬1) إذَا ما الحَرْبُ شُبَّ سعيرُها عناش عدوّ: معانِق عدوّ، يقال: اعتنشه واعلوْطه إذا هو عانَقَه، وقوله: شُبَّ: أوقِد. تَقدّمَ يوما في ثلاثةِ فتيةٍ ... بجَرْداءَ نُصْبٍ للغَوازى ثُغورُها (¬2) أي تقدّم ابنُها في ثلاثة نفرٍ. بجَرْداء: بأرض. نُصْب، أي نُصْب عيونهم. للغوازى: جمع غُزاة. فبَينَا همُ يَتّابَعون لينتهَوا ... بقُذْفٍ نِيافٍ مستقِلٍّ صُخورُها بينا هم، يعني ابن المرأة ومن معه. يتّابعون: يتبع بعضُهم بعضا. بقُذْف: أي إلى قذف. والقُذْف: الناحية من الجبل. نِياف، يعني جبلا طويلا، مستقلّ: مرتفِع. ¬

_ (¬1) برجل: أي برجال. (¬2) الثغور: جمع ثغر، وهو موضع المخافة من أطراف البلاد.

رأَوْا من قِدَى الكَفَّين قُدّامَ عَدْوةٍ ... محُيطًا به من كلّ أَوْبٍ حُضورُها مِن قِدَى الكَفَّين، أي من قدر الكفَّين. يقال: قِيدَ رُمْح وقادَ رمح وقابَ رمح أيضا. وأنشد الأصمعىّ: ولكنْ إقدامى إذا الخيلُ أحَجمت ... وصبرى إذا ما الموتُ كان قدَى الشِّبرِ من كل أوب: من كلّ وجهة، حضورها. فورَّك (¬1) لَينْا أَخْلصَ القَينُ أثْره ... وحاشِكةً يَحْصى (¬2) الشِّمالَ نذِيرها قوله: فورّك لَيْنا، أمالَه إلى يده. وأراد بلَيْنٍ سيفا ليْنا. وأثْرُه فِرِندُه. وحاشكة: القوس تَحشِك بدِرّتِها إذا رمى عنهما أسرع سهمُها (¬3). قوله: يَحصَى الشِّمال، أي يؤثِّر في الشمال وتَرُها "يقال حَصِىَ يَحصَى حَصًا" والنذير: الوَتَر نفسه. يُزَحزِحهم عنه بنَبْلٍ سَنِينةٍ ... يُضِرُّ بحَبّاتِ القلوبِ حَشُورُها يزحزحهم: ينحّيهم عن نفسه، يعني ابن المرأة. بنَبْلٍ سَنينة: محدودة. وحبّات القلوبِ: الواحدة حَبّة، وهي عَلَقة جامدة سوداءُ في القلب. حَشورُها: حديدُها أي ألطِف الريش وحُدِّد قذَذُه (¬4). ¬

_ (¬1) قال في اللسان "ورّك لينا" أي أماله للضرب حتى ضرب به، يعنى السيف. (¬2) ورد هذا البيت في اللسان (مادة حشك) "يحمى" مكان "يحصى". وورد أيضاً في اللسان في (مادة حصى) فقال يحصى بضم الباء وكسر الصاد، وأنشد هذا البيت، ثم قال بعد أن أنشده بهذا الضبط قبل يحصى في الشمال يؤثر فيها. (¬3) ويقال: قوس حاشك وحاشكة إذا كانت مواتية للرامى. (¬4) القذة: ريش السهم. وللسهم ثلاث قذذ، وهي آذانه. اللسان "مادة قذذ".

فلمّا رآهم يركبون صدورَهم ... كبُدْنِ إيادٍ يوم ثُجَّت نُحورُها يركبون: يقعون على صدورهم. كبدن إيادٍ يوم ثُجَّت، يوم أسيلت دماؤها من نحورها. تَمَلَّزَ مِن تحت الظُّباتِ كأنّه ... رَداةٌ إذا تَعلُو الخَبارَ نُدورُها (¬1) تَمَلّز: نجا وأفلت. والظُّبَة: حدّ السيف. ورَداةٌ: صخرة. شبّهه بها في عَدْوه. نُدور: أعلى الجَبَل. والخَبار: الأرض الرِّخوة فيها "حرقه" (¬2) وجِحَرة. بِساقٍ إذا أُولَى العَديِّ تبدّدوا ... يخفِّض رَيْعانَ السُّعاةِ غَوِيرُها بساقٍ، أي يعدو على ساقه. إذا أُولَى العَدِىّ. والعَدِىّ: الحاملة التي تعدو به (¬3). وقوله: يخفّض أي يسكّن، رَيْعان: أوائلَ السّعاة الذين يَعْدون. والغَوير: العَدْو. وأصله من الغارة، يقال: أَغارَ إغارةَ الثعلب: إذا عَدَا فأسرع في عَدْوِه. وجاء خليلاه إليها كلاهما ... يُفيض دموعا لا يَرِيثُ هُمورُها لا يريث: لا يبطئ. قوله همورها: ما هَمَرَ وسال. يُنِيلانِ باللهِ المجيدِ لقد ثَوَى ... لدى حيث لاقَى زَينُها ونَصيرُها يُنيلانِ: يحلفان. أَنالَ يمينا إذا حلف. زَيْنُها ونصيرُها: اِبنُها. ¬

_ (¬1) الندور: جمع نادر، وهو من الجبل ما خرج منه وبرز. (¬2) كذا ورد هذا اللفظ الموضوع بين هاتين العلامتين في الأصل مهمل الحروف من النقط. ويبدو أنه مصحف عن "خرق". والخرق: الأرض البعيدة المتسعة وعبارة اللسان في الخبار أنه هو ما لان من الأرض واسترخى وكانت فيها جحرة بكسر الجيم وفتح الحاء، جمع جحر. (¬3) في اللسان أن العديّ هو جماعة القوم يعدون لقتال ونحوه وقيل العدى أوّل من يحمل من الرجالة وذلك لأنهم يسرعون العدو؛ وقيل إن العدى جماعة القوم بلغة هذيل.

وقال ساعدة أيضا

فقامت يسِبْتٍ يَلْعَج الِجلْدَ مارِنٍ (¬1) ... وعزّ عليها هَلْكه وغُبورُها يلعج: يحرق. مارِن: ليّن. وغُبورها: بقاؤها. فبينا تنوح استبشَروها بحِبِّها ... صحيحا وقد فَتَّ العِظامَ فُتورُها ويُروَى "تنوح أَبشَروها بحِبِّها". فخرّت وألقت كلَّ نَعلٍ شَراذِمًا ... يلوح بِضاحِى الِجلْدِ منها حُدورُها شراذِما: قِطَعا. بضاحى جلد حُدورُها، الواحد حَدْر، وهو الوَرَم، يقال حَدَر جلده: إذا نتَأَ ووَرِم. وقال ساعدة أيضا لعمركَ ما إن ذو ضِهاءٍ (¬2) بهيّنٍ ... علىَّ وما أَعطيتُه سَيْبَ نائلِ ذو ضِهاء: موضع دَفن ابنَه فيه، فيقول: ليس عليّ بهيّن. وما أعطيتُه سيْبَ نائل، يقول: إنى لم أعطه عطية من يهب وينيل. ولو سامنِي المانِى مكانَ حياتهِ ... أناعِيمَ دَهْرٍ مِن عِبادٍ وجامِلِ (¬3) ¬

_ (¬1) وقريب من هذا قول عبد مناف بن ربع الهذلى: إذا تأوب نوح قامتا معه ... ضربا أليما بسبت يلعج الجلدا ولعل هذا النوع من اللطم على الموتى كان من عاداتهم. (¬2) كذا ضبط هذا اللفظ في الأصل بكسر الضاد. وضبط في معجم البلدان بضم الضاد، وعرّفه فقال: إنه موضع في شعر هذيل، قال ساعدة بن جؤية يرثى ابنا له هلك بهذه الأرض، وأنشد البيت الذي نحن بصدده، ثم قال بعد أن أنشده: جعل ذا ضهاء ابنه لأنه دفن فيه. (¬3) الجامل: القطيع من الإبل.

ولو سامنى أي دهري، أواده مني وعَرَض ذالك عليّ والمانى: القادر. أراد الدهر. وقال اشترِط ما شئتَ إنّك ذاهبٌ ... بحُكْمِك مِن شَفْعِ المُنى والجَعائلِ وقال اشترط، يعني المانى، وهو الدهر. إنك راجع بحكمك من شَفْع المُنى، الشَّفْع: الزَّوْج. والجعائل: ما يُجعل له، والواحدة جَعِيلة. لقلتُ لدهرِي إنّه هو غُزْوتِى ... وإنِّي وإنْ أرغبتَنى غيرُ فاعِلِ قوله: هو غُزْوتي، يريد الذي أغزو وأطلب. وقد كان يومُ اللِّيثِ لو قلت أُسوةً ... ومَعْرَضةً لو كنت قلت لِقائلِ يقول قد كن يومُ اللِّيث أسرةً لو قلتَ يا دهر ما قلتَ في أنّى أسوة، أي أصاب غيرنا فيه ما أساءنا. ومَعرَضة: يُعرَض علىّ القولُ فيه. فناشُوا بأرسان الجِيادِ وقرّبوا ... عَناجِيجَهم مجنوبةً بالرواحِلِ ناشوا: تناوَلوا. والعَناجيج: الطّوال الأعناق. مجنوبة، يعني هذه الخيل تُجنَب إلى الإبل. علىَّ وكانوا أهلَ عِزٍّ مقدَّمٍ ... ومَجْدٍ إذا ما حَوّضَ المجدَ نائلِى حَوّضَ، يقال: إنى لأحوّض حولَه وأُحوِّط. أتاهم وهم أهلُ الشُّجونِ وحَبْوةٍ ... مَكانُ عَزِيزٍ مِن هوازِنَ قابِلِ

قوله: وهم أهل الشجون، أي أتاهم مكانُه، مثل قولك: أتاني مكانُك بالبصرة. والشجون أي همى (¬1) وحزنى. وحبوة عطية. وكلِّ شَموسِ العَدْوِ ضافٍ سَبِيبُها ... ومنجَرِدٍ كالسِّيد نَهْدِ المَراكلِ شموس: لا يُدركَ عَدْوُها. سَبِيبها: ناصيتُها. وضافٍ: كثير. والمنجرِد: الماضي. نهد المَراكل: ضخم موضع عَقِبَى الراكب. فأراد أنه منتفخ الجنبين. يُمِرّ على الساقينِ وَحْفًا كأنه ... دَنَا حَفَإٍ مرّت به الريحُ مائلِ يمُرّ هذا الفرسَ على الساقَين. وَحْفا: يريد ذَنبَا كثير الشعر كأنه حَفَأ. يريد أعالى الَبَرْدِيّ. والحَفَأ: البرديّ. فبَيْنَاهمُ عند المَسَدّ شآهمُ ... بأيّامِ نارٍ ضوءُها غيرُ غافل شآهم: سبقهم بهذه الأيام وهي أيّام حرب. ضوءها غير غافل: لا يسكن. والمَسَدّ: موضع. فقالوا بشير أو نذير فسلّموا ... وأَلْكَدَ آياتِ المَنَى بالحَمائلِ أَلكَد: ألصق. والمنَى: القَدَر، والمنيّة. بالحمائل، يقول: الموتُ لَصِق بحمائل السيوف. ¬

_ (¬1) قوله: "أي همى وحزني" كذا في الأصل. وفي اللسان: الشجون جمع شجن بمعنى الحاجة والطلبة، وبمعنى هوى النفس، وبمعنى الحزن أيضا؛ فتأمل.

وقال ساعدة أيضا

وقال ساعدة أيضا إن يَكُ بيتى قَشعَةً (¬1) قد تَخَذّمتْ ... وغُصْنا كأنّ الشوكَ فيه المَواشمُ قَشْعة: قطعة نِطع. وغصنا يعني شجرا. قد تخذّمت: قد تقطّعت. المواشم: الإبَر، الواحد ميشَم. فذلك ما كنّا بسَهلٍ ومرّةً ... إذا ما رَفعْنا شَثّةٌ وصَرائمُ يقول: ذلك إذا ما كنّا بالسهل، ومرّة إذا ما رفعنا خيامنا فلنا صَرائمُ وشَثّة وهو من الشجر تعمل منه البيوت. ففد أشهَدُ البيتَ المحجَّبَ زانَه ... فِراشٌ وجُدْرٌ مُوحَجٌ ولَطائمُ يقول: إن كانت هذه بيوتي فقد كنتُ أشهد البيتَ المحجَّب زانَه فِراش. الموجَح: الكثيف الغليظ. واللطائم: العِير التي فيها الطِّيب. وقال ساعدة أيضاً ألْبُ عَزِيز أَوْجَفوا إيجافا ... قد آلَفوا وخَلَّفوا الإيلافا ألْبُ عزيز: جماعته. والعزيز: رأسُهم. والإيجاف: ضربٌ من السَّير. قوله: آلفوا، أي صاروا أَلْفا. وخلّفوا الإيلاف، أي زادوا على الألف. ¬

_ (¬1) في الأصل: "فشقة" بالفاء الموحدة الفوقية والقاف؛ وهو تصحف، وقد صوّبناه عن المخصص لابن سيده ج 6 ص 3 طبع بولاق إذ ورد في هذا البيت بنصه.

قَوما يهُزّون قَنًا خِفافا ... سَبْراً (¬1) يَخُلّون به الأجوافا يَخُلّون: ينتَظِمون الأجوافَ بالرماح. فَارْمِ بهم لِيّةَ والأخلافا ... جَوْزُ النُّعامَى صُبُرا كِفافا (¬2) ليّة: موضع، يريد جمعهم هذا الموضع. كما يجوز، كما يَجمع الجَنوبُ السحاب. والنُّعامَى: الجَنوب. والصُّبُر: جمع صَبِير، وهو الغيم الأبيض. والأخلاف: طُرُق، واحدها خليف. ¬

_ (¬1) هو من سبر الجرح يسبره سبرا إذا نظر مقداره ليعرف غوره. (¬2) لم يفسر الشارح قوله: "كفافا" وكفاف السحاب: نواحيه، وأسافله.

شعر صخر الغي وأبى المثلم

شعر صخر الغيّ وأبى المثلَّم وبلغ صخرًا (¬1) أنّ أبا المثلَّم يحرّض عليه، فقال صخر ليتَ مبلِّغا يأتى بقولٍ ... لِقاءَ أبى المثلَّم لا يَريثُ قوله: لِقاءَ أبى المثلّم، تلِقاءَه، أي قُبالتَه. لا يَريث: لا يبطئ. فيخبِرَه بأنّ العَقْلَ عندي ... جُرازٌ لا أفَلُّ ولا أَنيثُ قوله: بأنّ العقل عندي جُراز، أي فيخبرَه أنّ الدّية التي يَطلبُها سيفٌ: جُراز، أي قاطع. لا أفَلّ، أي ليس بمفلول. وهو "الهمار ماهن (¬2) " وأراد أنّ حديده ذَكَر. به أَقِمُ الشُّجاعَ له حُصاصٌ ... من القَطِمِين إذ فَرّ اللُّيوثُ به، أي بهذا السيف. أقِم الشجاع: أردّه، يقال: وَقمتُه فأنا أَقمه وَقْما، وهو أسوأ الردّ. قوله: له حُصاص، أي له جدّ ونشاط في مَرّه. والقَطِمِين، كأنّهم فحولٌ قد اغتلَمَت. سمعتُ وقد هبَطْنا مِن نُمارٍ (¬3) ... دعاءَ أبى المثلَّم يستغيثُ يُحرِّض قومَه كي يقتلونى ... على المُزَنيِّ إِذ كَثُر الوُعوثُ الوُعوث: الخَلْط (¬4). يقال: أَوعَث، إذا خَلّط وأفسد. ¬

_ (¬1) هو صخر الغيّ المتقدم ذكره انظر صفحة 51 من هذا السفر. (¬2) كذا وردت هذه الكملة في الأصل بهذا الرسم ولم نهتد إلى وجه الصواب فيها. وقد راجعنا السكرى فوجدناه يقول ما نصه: "والأفل": "النرماهن" وهو الذي من حديد غير ذكر. (¬3) نمار: جبل في بلاد هذيل (ياقوت). (¬4) ورد هذا البيت في اللسان (مادة وعث) مستشهدا به على أن الوعوث هي الشدّة والشر. كما ورد فيه أيضا أن الوعث هو فساد الأمر واختلاطه ويجمع على وعوث

فأجابه أبو المثلم

وكنتُ إذا سمعتُ دعاءَ داعٍ ... أُجيبُ فلا ألَفُّ ولا مَكيثُ الألفّ: المعتلّ. فأجابه أبو المثلَّم ألا قُولَا لعبد الجهل إنّ الصـ ... ـحيحة لا تُحالِبُهما الثَّلوثُ الثَّلوث: الناقه التي يَبِس أحدُ أخلافها. أَنَسْلَ بني شُغارَةَ (¬1) من لصَخْرٍ ... فإنّي عن تفقُّركم مَكيثُ يقول: إنّي عن أن أفعل بكم فاقرة (¬2) ذو تمكّث. وشُغارة: لقب. لحقُّ بني شُغارَة أن يقولوا ... لصخر الغيِّ ماذا تستبيثُ تستبيث: تستثير. متى ما تُنكِروها تَعرِفوها ... على أقطارها عَلَقٌ نَفِيثُ أي متى ما تقولون: ما هذه؟ تشكّون فيها، تردّ عليكم وتعرفونها. يريد كَتيبةً كريهة. والعَلَق: الدم. نفيث: ينَفُث بالدم. فإن تك قد سمعت دعاءَ داعٍ ... فغيرى ذلك الداعي الكَريثُ يقول لصخر: إن كنت سمعتَ دعاء داعٍ فأنا لست بذلك الدّاعى الذي يكترث. وكَرَثَ وكَرَب سواء. ¬

_ (¬1) كذا ضبط هذا اللفظ في الأصل بضم الشين. والذي في السكرى أنه بكسرها. (¬2) الفاقرة: الداهية الكاسرة للفقار.

فأجابه صخر

لعلّي إن دعوتُكَ من قريبٍ ... إلى خيرٍ لِتأتيَه تَريثُ من راثَ يريث. ومن يك عَقْلُه ما قال صخرٌ ... يُصِبْه من عشيرته خبيثُ وذلك أنّ صخرا قال: ليس لكم عندي إلاَّ السيف. فيقول: هذا الذي لا يُعطِى عقْلَه إلا بالسيف يوشِك أن يضربَه رجل من عشيرته خبيثٌ بالسّيف. فأجابه صخر لستُ بمضطرٍّ ولا ذى ضَراعةٍ ... فخفِّضْ عليك القولَ يابَا المثلِّمِ يقول: لستُ بمضطرّ في الأمور. والضّراعة: الخضوع. وخفِّض عليك القولَ واعلم بأننى ... من الأَنَس الطاحي (¬1) الجميعِ العَرَمْرَمِ قوله: الأَنَس الطاحي، المراد المنبسط (¬2). وقال الأصمعيّ: العرمرم الشديد؛ وغيره يقول: الكثير. أبَتْ لىَ عمرٌو أن أُضامَ ومازِنٌ ... وقِردٌ ولَحْيانٌ وفَهْمٌ (¬3) فسلِّمِ قوله: فسلِّم، أي فسلِّم الأمرَ. ¬

_ (¬1) روى في اللسان (مادة طحا): "الطاحي عليك" مكان "الطاحي الجميع". (¬2) قوله: "المراد المنبسط". في اللسان الأنس بالتحريك: الكثير من البشر. والذي في السكرى، الأنس: الحيّ، والطاحي: المتسع المنتشر. (¬3) هذه كلها أسماء قبائل من هذيل (السكرى).

فأجابه أبو المثلم

إِذا هو أمسَى بالحلاءة شاتيًا ... تقشِّر أعلى أنفِه أمُّ مِرْزَمِ يقول: إذا أَمسَى، يعني أبا المثلَّم. والحِلَاءة: موضع (¬1). وأمّ مِرْزَم: الشِّمال، يعيّره، أي أنه نازلٌ بمكان سَوءٍ بارد. ويُروَى "كأنّي أراه بالحلاءة". فأجابه أبو المثلَّم أصخر بنَ عبد الله خذها نصيحةً ... وموعظةً للمرء غيرِ المتيَّم خذها نصيحة: خذ هذه الكلمة التي أرمى بها نصيحةً. والمتَّيم: المضلِّل الذاهب العقل. أصخر بنَ عبد الله قد طال ما تَرَى ... وإلاَّ تَدَعْ بَيْعا لعِرْضِك يُكْلَم يقول: إنْ جعلتَ عِرضَك بضاعةً تبيع بها وتشترى كُلِمَ. أصخر بنَ عبد الله إن تك شاعرا ... فإنّك لا تُهدِى القَريضَ لمُفحَمِ (¬2) أصخر بنَ عبد الله قد طال ما تَرَى ... ومن لم يكرِّم نفسَه لم يكرَّم أصخر بنَ عبد الله مَن يَغْوِ سادرًا ... يُقَلْ -غيرَ شكٍّ- لليدينِ وللفم قوله: من يَغْو سادِرًا، أي يركب رأسَه في غيّه كأنه لا يَعقل. قوله يُقَل لليدين وللفم، أي يقال له: قَع على يديك وفيك، أي أبعَدَك الله، يقال: ¬

_ (¬1) الحلاءة بفتح الحاء وكسرها: موضع شديد البرد. وأم مرزم: الريح الباردة بلغة هذيل. قاله ياقوت، وأنشد بيت صخر الغيّ هذا. (¬2) رواية السكرى "إن كنت شاعرا" والمفحم: العيى؛ ومن لا يقدر أن يقول شعرا.

غَوَى يَغوِى غَيّا (¬1)، وغَوِىَ الفَصيلُ يَغوَى غَوًى (¬2). قال الأصمعيّ: وهو أن يشرب حتى يَتختّر (¬3). وقال بعضهم: ألاّ يذوق من اللّبن شيئاً حتى يموت. أصخر بنَ عبد الله هل ينفعنّنى ... إليك ارتجاعى أَفنُدى وتسَلُّمِى ارتجاعى عن أفندي، أي هل ينفعنى أن أردّ الفَنَد عنك، وهو القول القبيح. ارتجاعى، موضعه رَفْع، ونَسقت بتسلّمى عليه، وأوقعت ارتجاعى على أفنُدى، كقولك: هل ينفعنّى ردّ القبيح وحسنُ فعلي. أعيّرتنى قُرَّ الِحَلاءةِ شاتيًا ... وأنت بأرضٍ قُرُّها غير مُنجِمِ غير مُنْجِم: غير مُقلِع، يقال: أنجمَت السماءُ، إذا أقلعتْ. فإن تَنفِنى نحوَ الحِلاءةِ تَنفِنى ... إلى أَنَسٍ طاحِى الحُلولِ عَرَمْرَم قوله: طاحى الحلول، متّسع الحلول. عرمرم: شديد. وغير الأصمعىّ يقول: كثير. والحلاءة؛ موضع. بها يَدَع القُرُّ البَنانِ مكزَّما ... وكان أَسيلا قبلَها لم يكزِّمِ قو،: مكزّم أي قصير متقبِّض. وأسيل: طويل. ¬

_ (¬1) يقال: غوى يغوى غيا من باب ضرب: ضل وانهمك في الجهل. (¬2) عبارة اللسان "غوى الفصيل" والسخلة يغوى غوى (من باب علم) فهو غو (بتنوين الواو المكسورة) أي بشم من اللبن وفسد جوفه، وقيل: هو أن يمنع من الرضاع فلا يروى حتى يهزل ويضربه الجوع وتسوء حاله ويموت هزالا، أو يكاد يهلك. (¬3) التختر: التفتر والاسترخاء وفتور البدن من مرض وغيره.

فأجابه صخر

وجدتُهم أهلَ القِنَى (¬1) فاقْتَنَيْتُهمْ ... وأعْفَفْتُ فيهم مُسترادِى ومَطْعَمِى قوله: وجدتهم أهل الإيجاد (¬2) والإمساك كما يَقتنى الرجلُ الشيءَ. ومُستَراد: حيث يَرُود، ومَطعَمُه: حيث يأكل. مَصاليتُ في يوم الِهياجِ مَطاعمٌ ... مَضاريبُ في يوم القَتامِ المرزِّمِ قوله: مصاليت، أي متجرّدون في الهَيْجاء. والقَتام: الجيش (¬3). والمرزّم: الذي ضرب نفسه الأرضَ وثبت (¬4). ويُروَى: * مَطاعِينُ في يوم القَتام المرزّم * فأجابه صخر ماذا تريدُ بأقوالٍ أُبلَّغها ... أبا المثلَّم لا تَسهُل بك السُّبُلُ أي لا سهّل الله عليك الطريق. أبا المثلَّم إنّى غيرُ مهتضَمٍ ... إذا دعوتُ تَميمًا سالت المُسُلُ ¬

_ (¬1) وردت هذه الكلمة في الأصل مضبوطة بفتح القاف. وهو خطأ من الناسخ فيما يظهر لنا؛ وقد ضبطناه بكسر القاف كما في (اللسان) (والسكرى). (¬2) في السكرى "الاتخاذ". (¬3) الذي في اللسان أن القتام هو الغبار. (¬4) قوله: المرزم الذى ضرب بنفسه الأرض وثبت. قال في اللسان: رزم القوم ترزيما، إذا ضربوا بأنفسهم لا يبرحون. نقول: وقد روى هذا البيت في اللسان بما نصه: مصاليت في يوم الهياج مطاعم ... مضاريب في جنب الفئام المرزم قال: والمرزم: الحذر الذي قد جرب الأشياء يترزم في الأمور، لا يثبت على أمر واحد؛ لأنه حذر. والفئام: الجماعة من الناس.

المُسُل: مَسايل الماء، أي يأتيك عددٌ كثير. غير مهتضَم: الذي يهتضم من حقه ولا يُوفّى له. أبا المثلَّم أقصِرْ قبل فاقِرةٍ ... إذا تُصيب سَواءَ الأَنْفِ تَحتفِلُ اقصِر: كُفّ. قبل فاقرة، وهي الضربة تصيب الأنف فتفقِره. والفَقْر: القَطْع: وسواء الأنف: وسطه. تحتفل، يعنى الفاقرة تبدو وتَعظُم. ومنه يقال: حَفَلَ سوادُ شَعرِها وجهَها أي بيّنه وحسّنه، ومنه أحفلتْ فلانةُ في الزينة. أبا المثلَّم قَتلَى أهلِ ذى خَنَب ... أبا المثلَّم والسَيْءَ (¬1) الذي اْحتَمَلوا يريد اذكر قَتلَ أهلِ ذى خَنَب. واذكر السَّيِّء الذي احتمَلوا. أبا المثلَّم لا تُخفِرْهُم أبدا ... حتى الممات ولا تَنْسَ الذي فَعَلوا يقال أخفَرت فلانا، إذا نَقضْت ما عقدت له. أبا المثلَّم مهلًا قبل باهِظةٍ ... تأتيك منّى ضَروسٍ نابُها عَصِلُ قوله: باهظة، وهي الغَلَبة والفَلْج. وبهَظَه وكرَثَه وكرَشَه وغنَظَه (¬2) إذا فَدَحه. وضَروس: عَضوض. وعَصِل، أي أنها قديمة. (¬3). أبا المثلَّم إنّى ذو مُبادَهةٍ (¬4) ... ماضٍ على الهَوْل مِقدامُ الوَغَي بَطلُ (¬5) ¬

_ (¬1) السيء والسى بتخفيف الياء في الأولى وتشديدها في الثانية، مثل هين وهين، قال الطهويّ: ولا يجزون من حسن بسئ ... ولا يجزون من غلظ بلين (¬2) يقال: غنظة الأمر غنظا فهو مغنوظ. والغنظ والغناظ: الجهد، والكرب الشديد، والمشقة. (¬3) العصل (بالتحريك) في الناب: اعوجاجه. وناب عصل (بفتح الكسر): معوج شديد. وقول الشارح هنا: أي أنها قديمة. قال في اللسان: ذلك أن ناب البعير إنما يعصل بعد ما يسنّ، يريد أنه بعوّج فيشتدّ فيحصل منه الشر العظيم. (¬4) المبادهة: المفاجأة. (¬5) ورد في الأصل بعد هذا البيت قوله: تم الجزء السادس، الجزء السابع من الهذليين، وهو من رواية أبي سعيد عن الأصمعي.

فأجابه أبو المثلم أيضا

فأجابه أبو المثلَّم أيضا يا صخرُ إن كنتَ ذا بَزٍّ تجمِّعه ... فإنّ حولك فتياناً لهم خِلَلُ البَزّ: السلاح. وقوله: لهم (¬1) خِلل، أراد السلاح، وهذا مَثَل. أو كنتَ ذا صارمٍ عَضْبٍ مَضاربُه ... صافِي الحديدة لا نِكْسٌ ولا جَبِلُ النِّكس: الضعيف، وأصله السهم ينكسر نَصْلُه، فيضربونه حتى يطول بعض الطول، ويقلبون الفُوقَ فيضعونه موضع القُطْبة (¬2) ولا يزال ضعيفا. والجَبِل: الكَزّ الغليظ الذي ليس بسهل. والعَضْب: القاطع. وسَمحةٍ من قِسِيِّ النِّبع كاتمةٍ (¬3) ... مِثِل السَّبيكةِ لا نابٌ ولا عُطُلُ سمحة: قوس سهلة ليست بكزّة، تعطيه ما عندها عفوا. كاتمة: ليس فيها صَدْع. والسَّبيكة: الصفراء. ويروَى: لا نِكْسٌ ولا عُطُل، لا نِكْس، يقول: لم يُجعل أسفلُها أعلاها، وليست عُطُلا من الوَتَر. ويروى أَبْن (¬4). يقول: ليست بذات عُقَدٍ ولا كَزازة. قال: والنّكس، الضعيف من كلّ شيء. ¬

_ (¬1) الخلل في الأصل جمع خلة يكسر الخاء، وهي بطانة يغشى بها جفن السيف، تنقش بالذهب وغيره. (¬2) القطية: نصل صغير قصير مربع في طرف سهم. وقيل: إنه طرف السهم الذي يرى به في الغرض. (¬3) الكاتمة والكنوم (بفتح الكاف) من القسيّ: التي لا شق فيها. وقد روى هذا البيت في المخصص لابن سيدة هكذا: وسمحة من مرفوع النبع كاتمة ... مثل السبيكة لا نكس ولا عطل (¬4) الأبن بفتح الهمزة وسكون الباء: التهمة، من الأبنة بضم الهمزة وسكون الباء، وهي العيب في الخشب والعود. ويقال ليس في حسب فلان أبنة، أي ليس فيه وصمة (اللسان).

يا صخر فاللَّيث يَستبقِي عشيرتَه ... قُنْيةَ ذي المال وهو الحازم البَطلُ (¬1) يقول: يستبقيهم كما يَستبقي ذو المال قُنْيته من المال. يا صخر تَعلَمُ أنّ مرَجعَه ... وادي الصديق إذا ما تَحدُث الجُلَل يقول: إذا حدث من الأمور أمرٌ كبير عَرَف أنّ وادَى صديقِه له صالح. رجع إلى صديقه عند الحادث العظيم. والجُلَل، هي الجلائل، والواحد الجُلَّى: الأمر العظيم الجليل. والجُلَل، كقولك: العُظْمَي والعُظَم. يا صخر ويحك لِم عيرّتَني نَفَرا ... كانوا غداة صباحٍ صادقٍ قُتِلوا قال: يعني غداةَ صباحٍ يَصدُق القِتال, وقال شفيق بن حريّ حُجّة لقوله: لِمْ عَيّرتَني: إذا لم أنكِر النَّكْراءَ عنّي ... فلِم أَغْزُو وأخْتَطّ البِلادا قال: يقول: لم عيّرتَني هؤلاء النفر. يا صخر (¬2) ثم سعي إخوانُهم بهمُ ... سَعْيا نَجيحًا فما طُلُّوا ولا خَمَلوا طُلُّوا: طُلّت دماؤهم (¬3) , خَمَلوا: صَغُر شأنهم. ¬

_ (¬1) في رواية: فإن ذا اللب يستبقي عشيرته ... قنيان ذي المال وهو الحازم البطل (السكري). (¬2) في رواية: "يا صخر ثمت لا راثوا ولا فشلوا". (¬3) طل دمه على المجهول: هدر؛ وقيل: لم يثأر به، وهو أكثر من المعلوم، فهو مطلول.

بمِنْسَرٍ مَصِعٍ يَهدِي أوائلَه ... حامِي الحقيقةِ لا وانٍ ولا وَكَلُ (¬1) المِنسَر: الجيش الكثير الذي لا يمرّ بشيء إلا اقتلعه (¬2). والمَصِع: الشديد المصاع، وهو الضِّراب بالسيف. قال أبو سعيد: وأنشدنا أبو عمرو: * إذا كان ذا سَيفٍ ولمّا يُماصِعِ * حامِي الحقيقة، وهي أن يَحمَي ما يحِقّ عليه وينبغي له أن يَحمي. والوَكَل: المُواكِل الذي لا يلي الأمَر، يَكِله إلى غيره. مشمِّرٌ وله في الكفِّ مُحدَلةٌ ... وأصمَعٌ نَصلُه في الكفّ معتدِلُ (¬3) مشمِّرٌ، أي ماضٍ غير منثنٍ, يعني هذا الجيش. مُحدَلة: قوس قد عُطِفت سِيَتُها (¬4). والأَصْمع: الذي يجتمع ريشُه من الدم. والأصمع: الحديد الذي قد حُدّد. يكاد يُدرَج دَرْجا أن يُقلِّبَه (¬5) ... مَسُّ الأناملِ صاتٌ قِدْحُه زَعِلُ ¬

_ (¬1) روى هذا البيت في شرح السكري هكذا: يا صخر يهديهم حامي الحقيقة مثـ ... ل الليث لا خامل نكس ولا وكل (¬2) عبارة السكري: "المنسر من الخيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين". (¬3) قال السكري: ورواه الأصمعي: يا صخر بالكف مطرور وقيعته ... مركب في أشد القدح معتدل وسيف مطرور، أي صقيل. (¬4) سية القوس، قيل: رأسها، أو اعوج من رأسها. (¬5) رواية السكري: "يا صخر يدرج درجا أن يحركه" وفسره فقال: كأن يدرج أن تدره الأنامل. . . . . . . . يقول: هذا السهم إذا حرك درج على الظفر. والقدح يكسر القاف وسكون الدال: السهم قبل أن ينصل ويراش. وفي الحديث أن عمر كان يقوّمهم في الصف كما يقوم القدّاح القداح والقدّاح (بفتح القاف وتشديد الدال): صانع القداح.

يقول: كأنه يدرج من أن تُدِرَّه الأنامل. والصات: الذي يصوّت، أي له صوت. والزَّعِل: النشيط. والزَّعَل: النشاط، وهو الهَبَص أيضاً، يقال: هَبَصت السَّخْلةُ إذا نَزَتْ ولعبتْ. يا صخر وَرّادَ ماءٍ قد تَمانَعه (¬1) ... سَوْمُ الأراجِيلِ حتى جَمّه طَحِلُ يقول: فرّق بعضَهم من بعض، وامتنع أن يورَد حق كَثُر وعلاه العَرْمَض. ويقال: مَرُّوا يَسومُون، أي يَسرَحون. وقوله: طَحِل، أي كثير. والرَّجْل والرَّجّالة والأراجيل: جمعٌ للرجل. وجَمّه: ما اجتمع من مائه. يا صخر جاء له من غير مورِدِهِ ... بصارِمَينِ معًا لم يَثنِه وَجَل يقول: أتَي ذلك الماءَ من غير وجهه، كأنّه أتاه من وجهٍ آخَر. بصارمَين: بنفسه، وبسيفه. وقوله: لم يَثنِه وجَل، يقول: لمَ يَفرَق فيردّه عنه جُبْنٌ. يا صخُر خَضْخَضَ بالصُّفْن (¬2) السَّبيخَ كما ... خاضَ القِداحَ قَميرٌ (¬3) طامعٌ خَصِلُ الصُّفْن: شيء مثل الزِّنفلِيجة. والخَصِل: الكثير الخَصْلِ إذا قامَر. ويقال للرجل: إنه لخَصِل السهام، إذا كانت لا تزال تقع قريبا من الهَدَف، فهو يطمع ¬

_ (¬1) تمانعه: منعه هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء .. السكرى. (¬2) الصفن بفتح الصاد وضمها. شيء يتخذ من الجلد يوضع فيه الزاد وما يحتاج إليه. وقال السكرى: إنه مثل السفرة يأكل عليها ويستقى بها إذا لم يكن معه دلو. وقد عرّفه الشارح بعد بأنه شيء مثل الزنفليجة: وهو لفظ معرّب، وأصله بالفارسية زين بيله. (¬3) القمير: المقامر. يقال: هو قميرك أي مقامرك (أقرب الموارد).

في الصواب. والسَّبيخ: ريش الطير على الماء. وكلُّ ما نَصَل من شيء فقد سَبَّخ. ويقال: اللهم سَبِّخ عنّا الحمّى. يا صخر ثم استَقي ثم استمرّ كما ... يَمشِي السَّبَنْتَي (¬1) سَروبٌ ظَهرُه خَضِلُ خَضِل، أي قد أصابه مطر فابتلّ. قال: وهذا كقوله: * كَمَشْيِ السَّبَنْتَي يَراحُ الشَّفيفَا (¬2) * أي ينحرف من الخوف. والخَضِل: النَّدِىُّ. قال أبو سعيد: وسمعتُ من ابن أبى طَرَفَةَ أنهم أخذوا عليه بالطُّرُق، فجاء من موضع لا يَرى أنّ أحدا يجيء منه، وهو موضع الوُعول، فجاء فشرب، ثم استقَى فذهب، وقد بعثوا عدا يرصُده، فقالوا له: هل رأيتَ أحدا؟ فقال: نعم، رأيت رجلا مشقوقَ الشفة جاء فكَرَع في الحوض، ثم استقَى وذهب. قال أبو سعيد: وكان أبو المسلَّم في شفته عَلَم (¬3). يا صخرُهم يَبعثون النَّوْحَ منقطِعَ اللّ ... ـيلِ التَّمامِ كما تُسْتَوْلَهُ العُجُلُ العُجُل: جمع عجَول، وهي التي أكل السبع ولدَها أو مات. وقوله: هم يَبعثون النوحَ، يقول: هؤلاء الذين يطلبونك هم يَقتلون (¬4) حتى يبعثوا عليه نَوحا. يقول يُوقِعون بهم فيَدَعون الحيَّ يبكون عليهم كما تُستَوْلَه العُجُل. ¬

_ (¬1) السبنتي: الجريء المقدام من كل شيء، أو هو الأسد أو النمر. (¬2) هذا عجز بيت لصخر الغي؛ وصدره: "وماء وردت على زوررة". انظر صفحة 74 من هذا السفر. (¬3) العلم بالتحريك: الشق في الشفة العليا. ويقال: بعير أعلم، إذا كانت شفته العليا مشقوقة، فإذا كان الشق فى الشفة السفلى فهو أفلح. (¬4) عبارة السكرى في شرح هذا البيت نصها: "أي يقتلون الرجال فيبعثون النساء ينحن كما تستوله، تستفعل، من الوله. والواله: التي كاد عقلها أن يذهب في إثر ولدها لعجلتها في جيئها وذها بها جزعا.

فيهم طِعانٌ كَسفْعِ النارِ مُشعَلةً ... إذا مَعاشُر في وادِيهمُ تُبِلوا قوله: كسَفْع النار، يقول: يضطرم كما تضطرم النار، فهذا عندهم إذا طُلِب الوِتْرُ. وقوله: في واديهمُ تُبِلوا، أي وُتِروا، أي أصيبوا بذَحْل. والتَّبْل: الذَّحْل. تالله لو قَذَفُوا صخراً بفاقِرةٍ (¬1) ... إذًا لقيل أصابوا المَيلَ فاعتَدَلوا قال، يقول: لقيل أصابوا من صاحبهم واعتدلوا. فانبُلْ (¬2) بقومكَ إمّا كنتَ حاشِرَهم ... وكلُّ جامِعِ محشورٍ له نَبَلُ اُنبُل بقومك، أي أرفق بقومك إن كنت حاشرَهم، أي جالِبَهم على قوم آخرين إن كانوا يطيعونك، وهو يهزأ به. وكلّ من فعل هذا فهو رفيق. والنابل: الحاذق، أي كن حاذقا بِما تصنع من أمر قومك. كلوا هنيئا فإن أنفقتُم بَكَلًا ... ممَّا تُجِيز بَنُو الرَّمداء فابتَكِلوا البَكْل: الغنيمة. فابتكِلوا أي فاغتنموا. قوله: هنيئا، أي يهزأ بهم ليحرِّض على صخر بني الرَّمْدَاء الذي أصاب فيهم رجلا، وذلك أن مُزَينة خَفَرُوا رجلا، فوَثَب عليه صخر فأكل مالَه، فقال أبو المثلّم هذا يحضِّض أولئك عليه. قال: ثم خرج صخرٌ بعد مُهاجاة أبى المثلَّم في نفرٍ، فأغاروا على بني المُصْطَلِق وهم فَخِذ من خُزاعة، فأحاطوا به، فاستبطأ أصحابَه، فأنشأ يقول: ¬

_ (¬1) الفاقرة: الداهية الكاسرة للفقار. (¬2) رواية السكرى في هذا البيت "تنبل بقومك" الخ وقال: تنبل، أي لتنبل بضم الباء فيهما

وقال أيضا

لو أنّ أصحابي بنو معاويه (¬1) ... أهلُ جُنوبِ نخلةَ الشآميهْ قال أبو سعيد: هي نخلة يمانيّة، ونخلة شآميّة. والشآميّة، هي التي فيها البستان. ما تركوني للكلاب العاوِيهْ ... ولا لبِرذَونٍ أغرِّ الناصيهْ قال: يقول: لو شهِدوني ما تركوني حتى أصير هَدَرًا لهذه الكلاب. * * * وقال أيضاً لو أنّ أصحابي بنو خُناعَهْ (¬2) ... أهلُ النّدَي والجُودِ والبَراعهْ قال أبو سعيد: قال: أمرٌ بارع إذا كان أمرا شريفا رائعا؛ ويقال أيضاً: رجل بارع، أي رجل مرتفِع الشأن. وحدّثني الرِّياشيُّ قال: قال الأصمعىّ: بيت أبى ذؤيب أبرَع. بيتٍ قالتْه العرب: والنفس واغبهٌ إذا رغّبَتها ... وإذا تُرَدّ إلى قليل تَقنَعُ (¬3) ¬

_ (¬1) معاوية: حي من هذيل. وجنوب: نواحي. وقد جاء على هامش الأصل أمام قوله في هذا البيت (الشآمية) قوله: (ومن كثير نفرز بانية) وكتب الشارح أمام هذا الشطر أيضا ما نصه: "قلت زدت هنا هذا الشطر من رواية ابن هشام في سيرته". ونقول: إن هذا الشعر قد ورد في شرح السكري مع اختلاف في الترتيب من جهة، وزيادة بعض الأشطر من جهة أخرى، وهذا نص ما أورده: لو أن أصحابي بنو معاويه ... أهل جنوب نخلة الشآميه ورهط دهمان ورهط عاديه ... ومن كثير نفر زبانيه لبزلت حولى عروق آنيه ... ما تركوني للذئاب العاويه (¬2) خناعة: قبيلة من هذيل، وقد أورد السكرى هذا البيت مع اختلاف يسير في بعض مفرداته، وهو: لو أن أصحابي بنو خزاعة ... أهل الندى والمجد والبراعة ثم قال: خزاعة حي من هذيل. (¬3) انظر السفر الأوّل من هذا الديوان صفحة 3 سطر 8

وقال أيضا

الحامِلُو السّيوفِ (¬1) والقَرّاعهْ ... ... لَمَنَعوا من هذه اليَراعهْ القَرّاعة: التِّرس الصلاب، وأنشدنا أبو سعيد "ومُجنْأٍ أسمرَ قَرّاع" (¬2) أي صليب. واليراعة: الضعيف. يريد به الرجل الذي ليس له قَلْب، كأنه قصب أجوَف. واليراعة: القصب نفسُه، وأنشَدَنا للجَعْدىّ: فَجئنا عارِضًا بَرِدا وجاءُوا ... حريقًا في غَريفٍ (¬3) ذي يَراعِ وقال أيضا لو أنّ عندي من قُرَيْم رَجْلا ... بِيضَ الوُجوهِ يَحمِلون النَّبْلا * لَمَنَعونى نَجدةً ورِسْلا (¬4) * رَجْلا: يريد رِجالا. والرَّجْل: الرَّجّالة. وقُرَيْم: حيٌّ منهم. ¬

_ (¬1) رواية السكري "تحت جلود البقر القراعة". (¬2) المجنأ: الترس، سمى بذلك لا حديدا به. وهذا عجز لأبى قيس بن الأسلت السلمى من بيتين أوردهما في اللسان نصهما: أحفزها عني بذى رونق ... مهند كالملح قطاع صدق حسام وادق حده ... ومجنأ أسمر قطاع (¬3) الغريف: الجماعة من الشجر الملتف. (¬4) قال في اللسان عند ذكر هذا البيت ما نصه: قال صخر الغي ويئس من أصحابه أن يلحقوا به وأحدق به أعداؤه وأيقن بالقتل: لو أن حولى من قريم رجلا ... لمنعونى نجدة أو رسلا أي لمنعوني بقتال وهو النجدة، أو بغير قتال وهو الرسل. والرسل والرسلة: الرفق والتؤدة، وزاد السكرى بعد قوله: أو رسلا، قوله: سفع الخدود لم يكونوا عزلا.

وقال أيضا

وقال أيضا يا قَوْمِ ليستْ فيهمُ غَفيره ... فامشوا كما تَمشِى جِمالُ الِحيره قوله: فيهم غفيرة، أي لاَ يغفِرون ذنبا. * واعلُوهم بالقُضُب الذُّكورهْ (¬1) * يعني بالسيوف. قال: فقَتَلوه. * * * فقال أبو المثلَّم يرثيه لو كان للدّهر مالٌ عند مُتلدهِ (¬2) ... لكان للدهرِ صخرٌ مالَ قنْيانِ قال أبو سعيد: إنّما ضرب هذا مَثَلا، يقول: لو كان الموتَ يقتنى شيئا لافَتَني خيرا، أي اتّخذه مالاً لا يفارقه. والتالد: القديم عند القوم. آبِى الَهضيمةِ نابٍ بالعَظيمة متْـ ... ـلافُ الكريمةِ لا سِقطٌ ولا وانِي آبِي الهَضيمةِ، يقول: يأبَى أن يُهتَضم من حقّه. نابٍ بالعظيمة، يقول: إذا وقعت به عظيمة نَبَا بها وأدرَكَها واحتَملَها (¬3). وقوله: مِتْلاف الكريمة، يقول: ¬

_ (¬1) رواية السكري: "وارموهم بالصنع المحشورة" مكان قوله: "واعلوهم بالقضب الذكورة". وفسر الصنع بأنها السهام، والمحشورة بأنها المقذذة. ثم قال أيضا: ويروى "واعلوهم بالقضب المأثورة" وفسر المأثورة فقال: المأثورة التي بها أثر بفتح الهمزة وسكون الثاء، وهو الفرند. (¬2) رواية السكري لهذا الشطر: * لو كان للدهر مال كان متلده * بضم الميم وسكون التاء وكسر اللام وفتح الدال، وفسر "متلده" بقوله: "متلده" أي الذي يتلده أي يحبسه. (¬3) كذا في الأصل. والذي في السكرى: وينبو بالخصلة العظيمة أي لا يطمئن إليها.

يَعقِر المالَ الكريمَ من الإبل ويَهبُ الخيلَ وما كان كريما. لا سِقْطٌ ولا وانى، أي ليس بضعيف. والسِّقط: الساقط. والواني: الضعيف. حامِى الحقيقة نَسّاُل (¬1) الوَديقةِ مِعْـ ... ـتاُق الوَسِيقةِ جَلْدٌ غيرُ ثِنْيانِ نسّال الوديقة، أي يَنسِل في الوَديقة. والوديقة: شدّة الحَرّ، وهو حين تدنو الشمس من الأرض. ويقال للصيد إذا دنا من الرجل: قد وَدَق. معتاق الوسيقة، يريد أنه إذا طرد طريدةً فاتَ بها، فقد أعتقها، والثِّنْيان: الذي إذا عُدّ القومُ لم يكن أوّلا وكان ثانيا. فيقول: لم يكن صخرٌ هكذا. رَبّاءُ مَرْقَبةٍ مَنّاعُ مَغْلَبةٍ (¬2) ... (¬3) رَكّابُ سَلْهَبةٍ قَطّاعُ أقرانِ رَبّاء مَرْقَبة، يقول: يَرْبَأُ أصحابَه في رأس جبل. مَنّاع مَغلَبة، أي يَمْنع من أن يُغلَب. وقوله: ركاّب سَلْهَبة، وهي الفرس الجسيمة الطويلة من الخيل. قَطّاعْ أقران، أي يصل ويقطع (¬4). والقَرَن: الحبل يُقرَن به البعيران. ومعناه أنه يصل من كان أهلا أن يوصَل من الإخوان، ويقطع من سواهم. هَبّاطُ أوديةٍ حَمّالُ ألْوِيَةٍ ... شَهّادُ أنْدِيَةٍ سِرْحانُ فِتْيان ¬

_ (¬1) هو من نسل الماشي ينسل بكسر السين وضمها نسلا ونسلانا بمعنى أسرع. (¬2) رواية السكرى عن الجمحي "دفاع مغلبة" مكان "مناع مغلبة". (¬3) رواية السكرى "وهاب سلهبة". (¬4) قوله: "يصل ويقطع" الخ ما قاله في شرح قوله: "قطاع أقران" قال السكرى عند شرحه لهذه العبارة: أي أنه لا يثبت على ما لا ينبغي عليه الثبات.

هَبّاط أودية، يريد يَهبِط الأودية في العَدْو. حَمّال ألوِية، يقول: يقود الجيش، فهو يَحمل اللواءَ بين يديه. شَهّاد أندِية، يقول: يَشهد الأمورَ الِجسام إذا انتدوا وتناجَوا في الأمكنة المخوفة. وقوله: سِرْحانُ فِتْيانِ. والسرحان في كلام هُذَيل: الأسد. وفي كلام غيرهم: الذئب. يَحمِى الصِّحَابَ إذا كان الضِّرابُ (¬1) ويَكْـ ... ـفيِ القائلن إذا ما كُبِّل العانى قوله: إذا ما كُبّل العاني، يقول: إذا ما جاءوا يطلبون في عانٍ قد كُبّل كفاهم الكلامَ. يَحمى الصحابَ إذا كان الضراب، أي إذا وقع ضَرْبُ السيوف. فيتركُ القِرْنَ مصفرًّا أنامِلُه ... كأنّ في رَيْطَتيه نضخُ إرقانِ الإرقان: ضربٌ من الصِّبغ أحمر. يعطيك ما لا تكاد النفس تُرسِلُه ... مِن التِّلاد وَهوبٌ غيرُ مَنّانِ يقول: يعطيك من التَّلاد ما لا تطيب بمثْله الأنفسُ ويَهَبُ ولا يَمَنُّ. ¬

_ (¬1) أورد السكرى من قوله: "إذا كان الضراب" عدّة روايات، منها "إذا فر الجبان".

وقال أبو العيال

وقال أبو العيال (¬1) يرثي ابنَ عم له يقال له: عبد بن زهرة، قتل في زمن معاوية بن أبي سفيان بالروم، رضي الله تعالى عنهما وعن جميع الصحابة العدول: فَتًى (¬2) مَا غَادَرَ الأَجْنَا ... دُ لَا نِكْسٌ ولا جَنَبُ قال أبو سعيد: النِّكْس إنما ضربه مثلا للسهم يُرْمَى به فينكسر نَصْلُه، فيؤخذ فيُضرَب النصل حتى يطول قليلًا، ويُقلَب السهم فيجعل فوقه أسفله، ويجعل أسفله فوقه، فلا يزال ضعيفا، فيقول: ليس كهذا السهم ضعيفا. والجَنَب والجأْنَب والجانَب، هو القصير، وإنما يريد الجَأْنَب، فترك الهمز. قال: يقول: فتًى من الفتيان غادروه لا نِكْس ولا جَنَب. والسِّنْخ: القِدْح من النصل، وهو الذّي يُقلَب. ولا زُمَّيْلةٌ رِعدِيـ ... ــدةٌ رَعِشٌ إذا رَكِبوا الزُّمَّيْلة والزُّمَّال والزُّمّل والزُّمَّيْل: الضعف من الرجال. والرِّعْديدة: الذي يرُعَد عند القتال فيؤخذ. والرَّعِش: الّذى إذا طُعن ارتعشتْ يداه فلا يَقصِد رُمحُه إذا كان كذلك. ¬

_ (¬1) أبو العيال الهذلي هو ابن أبي عنترة؛ وقال أبو عمرو الشيباني: ابن أبي عنترة بالثاء المثلثة، وهو أحد بني خفاجة بن سعد بن هذيل. كان شاعرا فصيحا مقدّما من شعراء هذيل مخضرما، أدرك الجاهلية والإِسلام، ثم أسلم فيمن أسلم من هذيل، وعمر إلى خلافة معاوية. وهذا القصيدة رثي بها ابن عمه عبد ابن زهرة. ويقال إن المرثي كان أخاه لأمه اهـ. ملخصا من الأغانى ج 20 ص 167 طبع بولاق. وفي الشعر والشعراء ص 420 ما يفيد أن أبا العيال رثي بهذه القصيدة رجلا من قومه. (¬2) رواية السكري "فتى ما غادر الأقوام" ويقول: أن هذا على التعجب، أراد أي فتي غادروا.

ولا بِكَهامةٍ بَرَمٍ ... إذا ما اشتدّت الِحقَبُ ويُروَى ولا كَهْكاهةٍ بَرَمٍ. والكَهامَة والكَهام واحد، وهو الكلَيل اللسان والبَرَم: الذي لا يَيْسِر ولا يأخذ معهم، أي مع القوم إذا أخذوا في الميسر وأنشدنا "لا يَيْسِرُونَ مع أيسار الجَزور ... " والكَهكاهة: الشيخ (¬1). ولا حَصِرٌ بخُطبتِه ... إذا ما عَزّت الخُطَب (¬2) الحَصِر: الذي يُحصَر. والخُطبة: الكلام. والخِطْبة: طلب الرجل النكاح. ذكرتُ أخي فعاوَدَني ... صُداعُ (¬3) الرأس والوَصَبُ الوصب: الوجع، وهو النَّصَب والتعب أيضا. كما يعتاد ذاتَ البَـ ... ـوّ بعد سلوِّها الطَّرَبُ ذات البوّ تسلو عن ولدها ثم تذكره فتصيح. والبَوّ: جلدُ ولد الناقة يُحشَى تبنًا ويُلقَى على عِفاءٍ (¬4) فتَرْأمُه وتشمّه. وسلوُّها: بعد ما تسلو. والطرب: خِفّة وليس بفرح. فدمعُ العَينِ مِن بُرَحا ... ءِ ما في الصّدر يَنسكِبُ ¬

_ (¬1) فسر السكري الكهكاهة بأنه الذى يهاب كل شيء، يكهكه، إذا رأى الحرب يقول: كه كه. (¬2) عزت: قلت وامتنعت. (¬3) روى "رداع" مكان قوله "صداع". والرداع: النكس بضم النون وسكون الكاف. قال ابن الأعرابيّ: ردع على المجهول إذا نكس في مرضه. اللسان. (¬4) العفاء: ما كثر من الوبر والريش، واحدته عفاءة بكسر العين (اللسان مادة عفا).

قال: يقال: أجد بُرَحاء في صدرى، أي حرّ وجد وحُزْن. ورُحِضَ (¬1): عَرِق. والتبريح: المشقة، ومن ذا برّح بي تبريحا شديدا. قال: والجائر، حَرٌّ يجده الرجلُ (¬2) في صدره. كما أَودَى بماءِ الشَّنّـ ... ـــةِ (¬3) المخروزةِ السَّرَبُ السرب: الماء نفسُه يصبّ في الإِناء لتنتفخ سيورُه التي في الخُروز، فما تسرب من الماء منه فذلك السَّرَب. وأنشدنا لجرير: * كما عَيَّنتَ بالسَّرَب الطِّبابا * (¬4) ويقال: سقاء عيِّن أي قد رقّ حتى كاد أن يبدوَ منه مِثل العيون؛ وأنشَدَنا "كأنّه من كُلى مفريّةٍ سَرَب" (¬5). وأنشدنا أيضا "عيناك دمعُهما سَروب". ويقال: تَعيَّن السقاء، إذا كان كذلك، وأنشد للقُطاميّ: ولكنّ الأَديم إذا تَفرَّى ... بِلًى وتعيُّنًا غَلب الصَّناعا ¬

_ (¬1) قال في اللسان (مادة رحض): ورحض الرجل بالبناء للمجهول رحضا: عرق كأنه غسل جسده. (¬2) الجائر والجيار: حر في الحلق والصدر يكون من غيظ أو جوع. وينشد في الجائر: فلما رأيت القوم نادوا مقاعسا ... تعرض لي دون الترائب جائر وفي الجيار: كأنما بين لحييه ولبته ... من جلبة الجوع جيارو إرزين (¬3) الشنة: القربة الخلق. (¬4) هذا عجز بيت له، وصدره: بلى فارفض دمعك غير نزر ... كما عينت. . . . . . . . . الخ والطباب: جمع طبابة بكسر الطاء فيهما، وهي السير بين الخرزتين (اللسان). (¬5) هذا من شعر ذى الرمة، وصدر البيت: "ما بال عينك منها الماء ينسكب".

على عبدِ بنِ زهرة طُو ... لَ هذا الليل أكتئب يقول: على عبد بن زهرة أكتئب. والكآبة: الحزن. أخ لي دون من لِى مِن ... بِنى عَمٍّ وإنْ قَرُبُوا (¬1) يقول: هم في المودّة عندي دونَه، وهم أقرب إليّ منه. طَوَى من كان ذا نسبٍ ... إليّ وزادَه نسبُ يقول: طَوَى هو من كان ذا نسب وصار دونهم إليّ عندي، وزاده هو نسبٌ إليّ آخر دون الأقارب. أبو الأيتامِ والأضيا ... فِ ساعةَ لا يُعَدُّ أبُ أبو الأيتام والأضياف، يقول: يأوى إليه الأيتام والأضياف؛ ويقال لمن تنزل عليه الأضياف: هو أبو منزلهم. له في كلّ ما رَفَع الـ ... ـفتى من صالحٍ سببُ قال: يقول: كلُّ ما قدّم الرجال من خيرٍ فله فيه نصيب. أَقامَ لَدَى مدينةِ آ ... لِ قُسطنطِين وانقلبَوا ألَا لِلَّه دَرُّكَ مِن ... فَتَى حَيٍّ (¬2) إذا رَهِبوا قال: يقال للرجل إذا أُعجِب منه: لله درّك؟ ¬

_ (¬1) رواية السكري: سجيرى دون من لي من ... بني عمي وإن قربوا وسجير الرجل: صفيه وخليله. (¬2) رواية السكرى "قوم" مكان "حي".

وقالوا مَن فتىً للحر (¬1) ... بِ يَرقُبُنا وَيرتَقِبُ يرقبنا: ينظُر لنا. ويرتقب: ينظُر لنفسه. فلَم يوجد لشرْطتهمْ (¬2) ... فتًى فيهم وقد نَدَبو (¬3) شرطتهم: ما شرطوا عليه من الاْرتقاب، أي ما اشترطوا إلا فتًى لكذا وكذا. فكنتَ فَتاهمُ فيها ... إذا تُدعَي لها تثب مآقِطُ مَحضَةٌ وحِفا ... ظُ ما تأبَي به الريَب (¬4) مآقط: مشاهد وأيامِ شِداد، يقال: كان في مَأْقِط، أي في يوم شدّة، ويقال: إنه لذو مآقِط، أي أيام شِداد أَبْلَى فيها. ومحضة: خالصة. والمأقِط المضيق: قوله: حِفاظ ما تأبَى به الريب، يقول: مخافة ما تأبى به الريبة، فلا يقرب الريبة. فإِنّك مُنجِحٌ بأخيـ ... ـكَ محمودٌ بك الطلَب (¬5) ¬

_ (¬1) روى السكري "للثغر" بدل "للحرب" وفسره فقال: الثغر، الفرجة بينك وبين العدوّ. وفي اللسان أن الثغر موضع المخافة من فروج البلدان. (¬2) شرطتهم، قال السكري: الشرطة العهد الذي اعتقدوا عليه وشرطهم الذي اشترطوا بينهم. ويكون أيضا العلامة، يقال: شرطته بكل إذا جعلت فيه علامة. (¬3) ضبط السكري قوله: "ندبوا" (بالبناء للمجهول) وفسره بقوله: دعوا (بضم الدال) للأمر. (¬4) روى السكري هذا البيت هكذا: مآقط محضة وحفا ... ظ ما تأتى به الريب ثم قال: وينصب مآقط محضة على قولك: كنت فتى كريما جوادا. (¬5) السكرى في قوله: منجح بأخيك، قال: منجح، أصبت به النجح. وجاء هذا البيت في السكرى هكذا: فإنك منجح بأخيـ ... ـــك مجموع لك الرغب قال: "الرغب" بضم الراء وفتح الغين: المال الكثير؛ ومنه رغيب ورغب، مثل كبير وكبر.

يقول: إذا كنتَ تُدخِله في حوائجك أنجِحْتَ، بإذن الله. وقد يَهدى لفعل العُرْ (¬1) ... فِ خَيْرُ الجَدِّ والأَدَبُ وقد يهدى: يقول: كان هذا الرجل يفعل الخَيرَ، وكان شريفا، والخَير مصدر خَيَرَ، يقال: هو خَيرٌ منه خَيْرا. نجيبٌ حين يُدعَي إنّ ... آباءَ الفتى نُجُبُ (¬2) وكان أخي كذلك كا ... مِلا أمثالهُ العَجَبُ قال: يقول: وكان أخى مِثله من الفِتْيان عَجَب، فعلهُ من العجب. له دَعَواتُ أهلِ الذِّكـ ... ــر والأعْلَين والسَّلَبُ له دعوات أهل الذكر، أي صوتُ أهلِ الذِّكْر، يقول: إذا دُعىَ أهل الذكر والعُلا من الأمور الشريفة دُعِىَ معهم. والسَّلَب؛ يقول: له سَلَب الأقران في الحرب أيضا. ولا ينفكّ جَنْبٌ من ... عدوٍّ تحتَه تَرِبُ يقول: لا يزال قد صَرَع قِرْنَه فَترَّبَه. ¬

_ (¬1) روي هذا البيت في السكري: "وقد يهدى لفعل الخير". (¬2) نجب: كرام الأولاد. وروى هذا البيت: نجيب حين يدعي والـ ... ـفتى آباؤه نجب (السكري)

مُشيحٌ فوق شِيحانٍ (¬1) ... يدور (¬2) كأنّه كَلِبُ المُشيح: الجادّ الحامل، يقال: بَطَل مشيح. فذلك في طِراد الخيـ ... ــلِ ثم إذا هم انتَسَبوا يقول: يَضرب ويَطعن، فيقول: خذها وأنا ابن فلان. على أقدامهم يمشو ... ن في أيمانهم خَدَبُ الخَدَب: تَهاوِى الشيء لا يحتبس. ويقال: رجل خَدِبٌ كأنّه تساقَطَ. ورَكوبٌ لرأسه. وكذلك الضربة الخدباء التي لا تُرجَع. وقد ظهر السَّوابغُ فيـ (¬3) ... ــهمُ والبَيْضُ واليَلَبُ اليَلَب: نُسُوع قد كانت تُرصف فيلبسها الرجل مِثل البيضة بدلا من البَيضة وتُلبَس تحت البَيضة. ¬

_ (¬1) شيحان: ضبطها في الأصل بكسر الشين، ولم يفسرها. والذي في اللسان مادة (شيح): الشائح الغيور، وكذلك الشيحان بفتح الشين وكسرها، وهو الحذر على حرمه؛ أو هو الطويل الحسن الطول. (¬2) كذا في الأصل، وقد روي هذا البيت في اللسان هكذا: مشيح فوق شيحان ... يدر كأنه كلب ويدر، من قولهم: در الفرس بدر دريرا ودرّة: إذا عدا عدوا شديدا. أما السكرى فقد روى هذا البيت هكذا: مشيح فوق شيحان ... يميح كأنه كلب وفسره فقال: المشيح في كلام هذيل الحامل الجادّ الأصمعى يكسر الشين في شيحان وأبو عبد الله يفتح يريد الفرس الشديد النفس يميح في عدوه ودورانه أي هو نشيط. والذي كأنه كلب يريد الرجل يأخذه مثل الكلب من النشاط. (¬3) لم يفسر الشارح السوابغ، وهي الدروع الواسعة، عن السكري.

ومطّرِدٌ من الخطّ ... ـىِّ لا عارٍ ولا ثَلِبُ قال أبو سعيد: كان يُرفَأ بالخَطيّة (¬1) إلي الخّط، وهي قرية بالبحرين، فنسبت القنا إلى الخَطّ. والثَّلِب: القديم المتكسّر المُتَحاتّ، يقال: ثلب البعير إذا تكسّرَ وضَعُف. والعارى: المنكسر الجلد. يكاد سِنانُه من حَـ ـدِّ ... هِ في الشمسِ يَلتهبُ يكاد سنانه يُورى نارا من شدّة بياضه. ومشقوقُ (¬2) الخَشيبة مَشْ ... ـرَفىٌّ (¬3) صادقٌ رُسَبُ (¬4) مشقوق الخشيبة، يعني سيفا عُرِّضت طبيعته. رُسَب: أي يَرْسُب إذا ضرب به. خِضَمٌّ لم يُلق شيئًا ... كأنّ حُسامَه اللَّهَبُ لم يُلقِ، يقول: لم يحبِس شيئا، ويقال: ما ألاقَنى المطر، أي لم يحبسنى، ويقال للرجل: ما يُليق شيئا، أي ما يَحبس شيئا، ويقال للسيف: ما يُليق شيئا ¬

_ (¬1) قوله: الخطية، أي الرماح الخطية، نسبة إلى الخط، وهو مرفأ السفن بالبحرين، تنسب إليه الرماح يقال: رمح خطي، ورماح خطية بفتح الخاء وكسرها على القياس وعلى غير القياس؛ وليست الخط بمنبت للرماح، ولكنها مرفأ السفن التي تحمل القنا من الهند، كما قالوا: مسك دارين. فقول الشارح: يرفأ بالخطية إلى الخط، أي أنهم يرفؤون بها أي جمعونها في هذا المرفأ. وهذا من قولهم: أخذ رفء الثوب لأنه يرفأ فيضم بعضه إلى بعض. اهـ ملخصا من اللسان. (¬2) مشقوق الخشيبة، يقال: سيف مشقوق الخشيبة، أي عرض (للمجهول وتشديد الراء المكسورة) حين طبع. (¬3) المشارف: قرى من أرض اليمن أو أرض العرب تدنو من الريف، تنسب اليها السيوف المشرفية. (¬4) يقال: سيف رسب (بضم ففتح) ورسوب (بفتح الراء): ماض، يمضى في الضريبة ويغيب فيها.

أي ما يَردّ ضربتَه شيء. والحسام: القاطع. واللَّهَب: النار. يقول: كأن حدّه النار. إذا عُقَبٌ قضَوْا نَحْبًا ... يقوم خلافَهم عُقَبُ قوله: إذا عُقَب يقول: إذا تعاقبوا الغَزْوَ فكلَّما قضى قوم غزوَهم رجعوا، وتهيّأ آخرون للغزو، ويقال هذه عُقْبة بني فلان كأنّها نوبتُهم. تَرى فُرسانَهم يُردُو ... ن إرداءً إذا لَغَبوا يُردُون، يقول يحملون خيلَهم على الرَّدَيان (¬1). قال أبو سعيد: وإذا ذهب النشاط حاء الرَّدَيان. لَغَبوا: فَتَروا. كأنّ أسنّة الخَطِّ ... ـىِّ تَخطِر بينهم شُهُبُ الخطّ: قرية من قرى البحرين للتجار في الجاهلية يُشتَرى منها القَنا. والشُّهُب: جمع شِهاب. والشِّهاب: النار. وحَمَّجَ (¬2) للجبان المو ... تُ حتى قلبُه يَجِبُ يقول: نظر الجبان إلى الموت فهابَه. والتحميج: رفعُ البصر الى السماء وفتحُ العينين. يقول ذهب قلبه حتى ما يدرى أيقبل أم يدبر، كأنه مبهوت، وأنشد لذى الإصبع العُدْواني: آإن رأيت رأيتَ بني أبِيـ ... ـكَ محمِّجين إليك شُوسا ¬

_ (¬1) الرديان: ضرب من السير. (¬2) رواية السكرى: "وحمج للهلاك المرء".

أي سدّدوا النظر. وكان قرينَ قلبِ المر ... ءٍ شَكُّ الأَمر والرُّعُبُ قوله: شكّ الأمر والرّعب، قال: المرعوب الطائر القلب. يقول: ذهب قلبه حتى لا يدرى أيُقْبِل أم يُدْبِر. رأيتَ أُوليِ محاضَرة الـ ... ـقِتاد إذا خَبَوا ثَقَبوا (¬1) أُولِى محاضَرة القتال، هم الذين يحضرون القتال، إذا فتر أمرُهم الْتَهَبَ بَعدْو (¬2) ويقال: ثقَبَت النارُ؛ إذا اشتعلتْ. تَرَى عبدَ بنَ زهرةَ صا ... دقا فيهمْ إذا كَذَبوا صادقا فيهم، يقول: تراه يَصدُق القتال إذا لم يَصدقُوه هم. يَلُفّ طوائفَ الفُرْسا ... ن وهو بلَفِّهم أرِبُ هو بلَفِّهم أَرِب، أي ذو علم بهم، يَحمِل عليهم فيجمعهم ويضعضعهم أي هو حاذق بقتالهم. كما لَفّ القُطامِىُّ الـ ... ـقَطام لم يؤنِه الطلبُ ¬

_ (¬1) رواية السكري لهذا البيت: رأيت ذوى محاضر الـ ... ـقتال. . . . . . . . الخ وفسره قال: يقول الذين يحضرون الحرب في هذا الوقت إذا خبوا أي سكنوا. ثقبوا: أوقدوا أي التهبوا كما تلتهب النار، فكذلك ترى عبد بن زهرة. (¬2) كذا في الأصل. ويبدو أنها محرفة عن "بعد".

القُطامىّ: الصقر (¬1). يُؤْنِه: يُفْتِره، ومنه، تَوانَى فى الحاجة، ويقال: ونَى بَنِى، وأوناه ذلك الأمر، أي أفَتَرَه. ويُورِدُ ثم يَحمِى أن ... يعرِّدَ باسلٌ دَرِبُ الباسل: الشديد. والَّدرِب: الضارِى، يقول: يَرِد ثم يأنف أن يرجِع. ويقال: عَرَّد إذا فرّ، وعَرَّد القومُ عن فلان، أي فرّوا عنه. والباسل: الشجاع. ويقال: باسل، بيّن البَسالة، والبَسْل: الحرام. ويقال ذلك بَسْل وأنشَدَنا أبو عمرو بن العَلاء: حنّتْ إلى نخلةَ القُصْوى فقلتُ لها ... بَسْلٌ حرامُ إلى تلك الدَّهاريس (¬2) وقال الأعشى: فجارتُكم بَسْلٌ علينا محرّمٌ ... وجارتُنا حِلٌّ لكم وحَليلُها ويَحمِله جَمومٌ أرْ ... يَحىٌّ صادقٌ هَدبُ الجَموم: الذي يذهب له جريٌ ثم يثوب له جريٌ آخَر. والأريَحيّ: الذى تأخذه خِفّة للعطاء. والصادق: الصُّلْب في أمره. والهَدِب (¬3): الطويل العُرْف. والسَّبيب: شَعر الذَّنَب. ¬

_ (¬1) في السكرى أن القطامى اسم للبازى وللصقر وللشاهين. (¬2) الدهاريس: الدواهى، واحده دهرس بكسر الدال وضمها. (¬3) رواية السكرى "هذب" بالذال المكسورة، وفسوها فقال: هذب أي سريع. وهو متفق مع رواية اللسان لهذا البيت، فقد جاء فيه: أهذب الإنسان في مشيه والفرس في عدوه والطائر في طيرانه: أسرع وأنشد هذا البيت، ثم قال: هو على النسب، أي ذو هذب.

وقال

أجَشُّ مقلِّصُ الطَّرفيـ ... ـن في أحشائه قَبَبُ الأجشّ: الذي لصوته جُشّة. والقَبَب: الخَمصَ. والمقلِّص الطرفين (¬1). الذي يُشرِف عُنُقه وعَجُزُه. إذا ما احتُثّ بالساقَيْـ ... ـنِ لم يَصبِر له لَبَبُ (¬2) يقول: ينقطع لبَبُه من نشاطه وشدّة جَرْيه. يقول: يَخرج من جِلدِه من شدّة جريه. كما ينقضُّ مِن جوّ الـ ... سماء الأجدَلُ الدَّرِبُ الدَّرِب: المتعوّد الذي قد تعوّد. والأجدل: الصقر. والجِماع: الأجادل. رَزيّة قومه لم يأ ... خذوا ثَمنَا ولم يَهَبوا يقول: ذهب لم يهبوا هبةً ولم يأخذوا به ثَمَنا (¬3). وقال وكان حُصِر (¬4) ببلاد الرُّوم في زمن معاوية، فكتب إلى معاوية كتابا، فقرأه معاوية على الناس: مِن أبى العِيالِ أبى هُذَيلٍ فاعرِفوا (¬5) ... قولى ولا تَتَجَمْجَمُوا ما أُرِسلُ ¬

_ (¬1) الطرفان: يداه ورجلاه، كما في السكرى. (¬2) اللبب كاللبة، وهو موضع القلادة من الصدر من كل شيء. (اللسان). (¬3) عبارة السكرى في تفسير هذا البيت: لم يأخذوا ثمنه، يريد ديته، ولم يهبوها أي لم يهبوا ديته لقاتله اهـ ملخصا. (¬4) رواية السكري "حصر هو وأصحاب له" الخ. (¬5) رواية السكرى: "فاسمعوا" بدل "فاعرفوا".

قال أبو سعيد: يقال: جَمَجموا بينهم أمرا، إذا لم يظهِروه للناس وكتموه (¬1). أبلغْ معاويةَ بنَ صخرٍ آيةً (¬2) ... يَهوِى إليك بها البَريدُ المُعجلُ (¬3) والمرَء عَمْرا فأته بصحيفةٍ ... منّى يلوح بها الكتاب (¬4) المُنْمَلُ المُنْمَل: الذي كأنّ سطوره مَدَبُّ نَمْل (¬5). وإلى ابن سعد إنْ أؤخرْه ففد ... أزرَى بنا في قَسْمه إذ يَعدِل قال: هو ابن سعد بن أبي سَرْح، يقول: قَسْمُه للجند أن أَعطَى بعضَهم وترك بعضا. وقوله: أزرَى بنا أي قصّر بنا. في القَسْم يوم القَسْم ثم تركتُه ... إكرامَه ولقد أرَى ما يَفعَل (¬6) والى أُولِى الأحلام حيث لقيتَهم ... حيث البقيّةُ (¬7) والكتاب المُنزَل أنَّا لقينا بعدَكم بديارنا ... من جانب الأمراج يوما يُسأل (¬8) ¬

_ (¬1) في السكرى: الجمجمة هي أن يردّد الشيء في نفسه. وفي اللسان أن الجمجمة ألا يبين كلامه من غير عيّ. وفي التهذيب: ألا تبين كلامك من عي، وقيل: هو الكلام الذي لا يبين من غير أن يقيد بعى ولا غيره، والتجمجم مثله. (¬2) الآية: العلامة (عن السكر). (¬3) رواية السكرى: أبلغ معاوية بن صخر آية ... يهوى إليه بها البريد الأعجل (¬4) في السكرى: "كتاب منمل" ولم يبين الشارح المراد بقوله "والمرء عمرا" في البيت، وعرفه السكرى فقال: أظنه عمرو بن العاص. (¬5) عبارة السكرى: منمل: متقارب الخط. (¬6) يلاحظ أن الشارح لم يشرح هذا البيت. ويقول السكرى: أكرمته فلم أشكه ولم أهجه، يقال تركتك إكرامك وإجلالك وهيبتك. (¬7) قال السكرى في تفسير هذا البيت: إن البقية هي المرجع الحسن في المروءة والدين. والكتاب المنزل فيهم. (¬8) في السكرى: يسأل أي يسأل عنه لشدّته. ويروى يبسل، أي كريه المنظر.

أمرا تضيق به الصدور ودونه ... مُهَج النفوس وليس عنه مَعدِل (¬1) في كل معترَك يُرَى منّا فتًى ... يَهوِى كعَزْلاء (¬2) المَزادة يَزْغَلُ المُعترَك: موضع القتال حيث اعتركوا، ويَزغَل: يخَرج دمه كما يَخرج ماء المَزادة؛ يقول يَدفع بالدم دَفعا، وأزغلت الناقة البول، وأزْغَلَت القَطاة في حَلْق ولدها. وكلّ دفعة زُغْلة. وأنشد لابن أحمر: فأزغلتْ في حلقه زُغْلَةً ... لم تَظلم (¬3) الجِيدَ ولم تَشْفَتِرُّ تشفترّ: تتفرّق. أو سيّدٌ كَهْلٌ تَمورُ (¬4) دماؤه ... أو جانحٌ فى صدر رُمْحٍ يَسْعُل (¬5) الجانح: المائل في أحد شِقّيه، أو منكسِر فيه الرمح، فهذا كلّه جُنوح. وصاحب الدم المطعون يَشرَق بالدم فيَسعُل. حتى إذا رَجَبٌ تَخلَّى (¬6) وانْقَضَى ... وجُمادَيانِ وجاء شهرٌ مُقبِلُ شَعَبانُ قدّرنا لوَفْق رحيلِهمْ ... سَبْعا يُعَدّ لها الوفاءُ فتَكْمُلُ (¬7) ¬

_ (¬1) مهج النفوس: خوالصها. (¬2) لم يفسر الشارح العزلاء وهى مصب الماء من الراوية والقربة، وسميت عزلاء لأنها في أحد خصمى المزادة لا فى وسطها ولا هي كفمها الذي منه يستقى فيها. والجمع العزالى. (¬3) في اللسان "لم تخطئ الجيد". (¬4) تمور، من مار الشئ يمور مورا، إذا اضطرب وتحرك، ومنه قوله تعالى: "يوم تمور السماء مورا". اللسان. (¬5) روى السكرى هذا البيت: أو سيدا كهلا يمور دماغه ... أو جانحا في صدر رمح يسعل (¬6) في السكرى "تجلى" بدل "تخلى". (¬7) روى السكرى هذا البيت: شعبان قدرنا لوقت رحيلهم ... تسعا يعد لها الوفاء فتكمل وشرحه فقال: تسعا أي تسع ليال.

تقول؛ عَشْرٌ خَلَوْن من رجب، وذا كقولك: السنون الخوالى. وتجرّدَتْ حْرب يكون حِلابُها ... عَلَقا ويَمرِيها الغوىُّ المبطِلُ يكون حِلابُها عَلَقا، أي تحلب دما. ويَمرِيها الغوىّ، أي يستدرّها الغويّ. يقول: أهلُها غُواة. فاستقبَلوا طرَف الصعيد إقامةً ... طَورا، وطَوْرا رِحلةٌ فتَنقُّلُ طرف الصعيد، هو بمصر (¬1)، فهم ينتظرون، وهم يقيمون مرّة كذا ويرحلون مرّة كذا. فَترى النِّبالَ تَعِيرُ في أقطارنا ... شُمُسا كأنّ نِصالهَنّ السُّنبلُ تَعير: يعنى تَذهب غيرَ قواصد يَمنة ويَسرة. وأقطارنا: نواحينا. قال: يقول. يبعدون من الشرّ ونبعد. وقوله: شُمُسا، أي تَنْزو نَزْوا كأنّ نصالهنّ السنبل من حدّتها. وتَرى الرماحَ كأنّما هي بيننا ... أشطانُ بئر يُوغِلون ونُوغِلُ الشطَن الحبل، وأشطان بئر: أحبال بئر. قوله يوغلون ونوغل: أي يطلبون الدخول فينا ونطلب الدخول فيهم (¬2). ¬

_ (¬1) قوله: طرف الصعيد هو بمصر الخ الذي في السكرى: الصعيد التراب، وكل خارج قرية إذا برزت منها فهو صعيد. وفي تعريف الصعيد في لسان العرب أقوال كثيرة أظهرها أنه وجه الأرض، والتراب أيضا. وظاهر أن الشارح لم يرد إلا تحقيق موضع هذا المعترك بأنه كان بصعيد مصر. (¬2) في السكرى: "يوغلون ونوغل" أي ننفذ الطعن وينفذونه.

"شعر بدر بن عامر وأبى العيال"

" شعر بدر بن عامر وأبى العيال" قال: أصيب ابن أخ لأبي العيال وهو ابن أبى عُتَير أحد بني خُناعة، وكان ممّن خرج إلى مصر في خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وكان فيه بعض الرَّهَق، وهو الفساد، فاتهم ابن أبي عُتَير ابنَ عمّ له يقال له: بدر بن عامر، اِتّهمه أن يكون ضَلْعُه مع خصمائه، فبلغ ذلك بدرا، فقال في ذلك بدر بن عامر: بخلتْ فُطيمةُ (¬1) بالّذى تولينى ... إلاَّ الكلام وقلّما يُجديني فطيمة: اِسم امرأة. وقوله يجديني: يغنينى. ولقد تَناهَى القلبُ حين نهيتُه ... عنها وقد يَغوِى إذا يَعصينى أفُطَيم هل تدرين كم من مَتْلَفٍ (¬2) ... جاوزتُ لا مرعًى ولا مسكونِ ابن دُرَيد: لا مَرِعٍ. غَوْرِيّه (¬3) نجديّه شرقيّه ... غربيّه، متشابهٍ ملعونِ متشابه رَدَّه على مَتَلف. شرقيّه غربيّه، يقول: يشبه بعضها بعضا. قوله: ملعوت، يُلعَن. يقول مَنْ سَلَكه: اللهمّ العْنه من طريق، ما أصعَبَه وأبعَدَه!. ¬

_ (¬1) في "السكرى" أميمة". (¬2) متلف: طريق يتلف الناس فيه. ولا مرعى، أي لا رعي فيه ولا يسكن (السكرى). (¬3) الغور: ما انخفض من الأرض. والنجد: ما ارتفع منها "السكرى".

كالزَّمْهَرير إذا يُشَبّ (¬1) يُميتهُم ... بالبَرْد في طُرُق لهمْ وفنونِ فترى البلادَ كأنّها قد حُرّقتْ ... بالنار والتَهبتْ بكلّ وَجينِ الوَجين: المكان الغليظ من الأرض. وأبو العيال أخى فمن يَعرِض له ... منكم بسُوءٍ يؤْذنى ويَسونى إنّى وجدتُ أبا العيال وعِزَّه ... كالِحصْن لُزَّ بجَنْدَلٍ مَوْضونِ يقول: كأنه حصنٌ لك، إذا عُذْتَ به كأنك دخلتَ حِصْنا. وقوله: بجَنْدَل مَوْضون، كأنه نُسِج نَسْجا ضُفِر ضَفْرا فهو أصلب له. ووَضِينُ الرَّحل منسوجٌ نسجا. وبعض العرب يسمّيه السَّفيف (¬2) يراه قد سُفّ. أعيا المجانيقَ الدّواهِي دونَه ... وتركنه وأبَرَّ بالتحصين قال: يقول: هذا الحصنُ لا تُطيقه المَجانيق من صلابته وشدّته. وقوله: أبرّ بالتحصين، أي غَلب بالتحصين. كأنه حِصْن له مَنَعة. أسدٌ تَفَرّ الأُسْد من عُرَوائه ... بَعوارض الرّجّاز أو بعُيونِ ¬

_ (¬1) عبارة السكرى: يشب أي يشتد، وروايته للشطر الأخير من هذا البيت: * بالبرد فى طرق لها وفنون * وفسره فقال: لها أي للفلاة. وفنون: تشتعب من طرقها. (¬2) فى اللسان: السفة ما يسف من الخوص كالزنبيل ونحوه، أي ينسج.

عُرواؤه: حِسّه. قال: ويقال: لا يزال يعروه شرّ أي يأتيه، يُلمّ به، ويقال: أجد عُرَواءَ من حُمَّى أي حِسّا. والعوارض: النواحى. والرجّاز: موضع (¬1). ويَجُرّ هُدّاب الفليلِ كأنّه ... هُدّابُ خَمْلةِ قُرْطُفٍ (¬2) مَمْهُونِ القُرْطُف له هُدّاب. ويقال للضبع إنها لذات فَليل، أي شعرٍ ممهون منفوش ولصوته زَجَل إذا آنستَه ... جَرْىَ الرَّحَى بَجرينِها (¬3) المَطْحونِ ويروى جَرَّ الرحى: أي ما جرّت الرحى وجَرَنَتْ من طحينها. "فهذا الأسد يجرّ الرجال قد قتلهم كما تجرّ هذه الرحى طحينها (¬4) ". وإِذا عَددتُ ذوى الثِّقاتِ فإنّه ... ممّا تَصولُ به إِلىّ يمينى ¬

_ (¬1) لم يفسر الشارح قوله في البيت "بعيون" كما أنه لم يضبط "الرجاز" وضبطه ياقوت ضبطا بالعبارة في معجمه ج 2 ص 753 طبع أوربا فقال: الرجاز بفتح أوله وتشديد ثانيه وآخره زاء، وعرّفه فقال: انه اسم واد بعينه ينجد عظيم، وقد روى البيت فيه هكذا: أسد تفر الأسد من عروائه ... بمدافع الرجاز أو بعيون ولكن السكرى ضبط الرجاز بضم الراء، وقال ما نصه: الرجاز وعيون موضعان. وزاد فنقل عن أبي عمرو رأيا آخر وهو أن عوارض الرجاز أي حيث يلقاه الرجال فيرجزون به، وقوله: بعيون، أي عيون الذين ينظرون إليه. (¬2) كذا ضبط هذا اللفظ في الأصل بضم القاف والطاء. ولم نقف على هذا الضبط فيما بين أيدينا من كتب اللغة. والذي وجدناه أن القرطف بفتح القاف والطاء، وهو القطيفة التى لها خمل. وفي حديث النخعىّ في قوله تعالى: (ياأيها المدثر) أنه كان متدثرا في قرطف (اللسان). (¬3) الجرين: الطحن (بكسر الطاء) بلغة هذيل. (¬4) كذا وردت هذه العبارة التى بين هاتين العلامتين فى الأصل. ولعل المقصود "فهذا الأسد يجرن الرجال قد قتلهم جرنا أي طحنا شديدا كما تجرن هذه الرحى طحينها".

فأجابه أبو العيال

فأجابه أبو العيال إنّ البَلاءَ لَدى المَقاوِسِ مُخرِجٌ ... ما كان من غَيبٍ ورَجْمِ ظُنونِ البلاء: الابتلاء. والمِقوَس: الحبل الذي يمُدّ على صدور الخيل، ثم تُرسَل (¬1) فذلك البلاء يُخرِج أخبارَهنّ، أي يُخرِج ما كان من غيب وما كان من ظنّ فيصير إلى الصدق، ويقول أهل الحجاز للحبل الذي يوضع على صدور الخيل حين يراد أن تُدفَع: مِقْوَس؛ يقول: البلاء لدى المَقاوِس، عند الرِّهان يُعرَف اللجواد من غيره. فإِذا الجوَادُوَني وأَخلَفَ (¬2) مِنْسَراْ ... ضُمْرا فلا تُوقِنْ له بيقينِ الوَنَى: الفَتْرة. يقول: إذا أَخلَف في ذلك الوقت فلا يُلتَفت إليه. والمِنسَر ثلاثون أو أربعون (¬3). وقوله: ضُمرا أي من الضُمْر، أي إذا قُومِر عليه لم يصب خيرا فحُدِّثت عنه بعد ذلك بخير فلا تُوقِن بذلك. يقول: يُخرج المِنسَر ذلك. لو كان عندك ما تقول جعلتَني ... كنزا لرَيْب الدهرِ عند ضَنِينِ يقول: لو كان عندك ما تقول مما تُثنى عليّ لجعلتنى كنزا تَخبَؤُه كما يُخبأ الكنز عند شحيح عليه، وذلك أنه يُشفق على الكنز. والضنين: الشَّحيح. ¬

_ (¬1) ورد هذا البيت في اللسان (مادة قوس) وفسر المقوس بأنه الحبل الذي تصف عليه الخيل عند السباق. ثم نقل عن ابن الأعرابي أن الفرس يجرى بعنقه وعرقه، فإذا وضع في المقوس جرى بجد صاحبه. ويقول السكري في تعريف المقوس: إنه حبل تصف وراءه الخيل ثم ترسل. (¬2) أخلف منسرا أي جاء بعده (السكري). (¬3) فسر السكرى المنسر بأنه ما بين الثلاثين إلى الأربعين من الخيل. وقد أورد في لسان العرب (مادة نسر) في المنسر أقوالا كثيرة، فانظرها.

فأجابه بدر بن عامر

فلقد رمقتُك في المجالس كلِّها ... فإذا وأنت (¬1) تعينُ من يبغينى قوله: رمقتُك أي نظرتُك. من يبغينى أي من يبغينى شرًا. هلّا درأتَ الخَصْمَ حين رأيتَهم ... جَنَفوا عليّ بِألسُنٍ وعُيونِ قال أبو سعيد، أرويه جَنَفا علىّ، وجَنفوا علىّ جميعا. وقوله: درأتَهم: أي دفَعتهم ورأيتَهم أهَل مَيلٍ عليّ بألسنتهم وعيونهم، وهم لهم جَنَف. والجَنَف: الميل. والجَنِف: المائل المتحامِل: جَنَفا: مَيْلا. ويقال: جَنِف يَجْنَفَ جَنَفا، وتَجانَف: تمَايَل. وزجرتَ عنّى كلَّ أبلَخَ كاشحٍ ... تَرِعِ المقالةِ شامخِ العِرْنِينِ الأبلخ: المتكبّر في نفسه. تَرِع المقالة: سريعُها لا يحبسها. ويقال: هو يُترِع إلى الشرِّ أي يُسرع. والتَّرِع: السريِع المسرِع إلى الشرّ، وكأن أصلَه ممتلئ، ويقال: اتَّرَع (¬2) الإناءُ. وقوله: شامخ العِرْنين، يقول: هو شامخ بأنفه. قوله: زجرتَ، أي كففتَ. فأجابه بدرُ بنُ عامر أقسمتُ لا أنسَى مَنيحةَ واحدٍ ... حتى تَخَيَّطَ بالبياض قُرونِى (¬3) ¬

_ (¬1) ذكر السكرى أن الواو في قوله "وأنت" مقحمة، مثل قولهم: اللهم ربنا ولك الحمد. (¬2) اترع الإناه: امتلأ. (¬3) قال في اللسان: وخيط الشيب رأسه وفي رأسه ولحيته (بتشديد الياء المفتوحة): صار كالخيوط، أو ظهر كالخيوط، مثل وخط، وتخيط رأسه كذلك، قال بدر بن عامر الهذلى: تالله لا أنسى منيحة واحد ... حتى تخيط بالبياض قرونى ثم نقل عن ابن حبيب أنه إذا اتصل الشيب بالرأس فقد خيط الرأس الشيب فجعل خيط متعديا، قال: فتكون الرواية على هذا "حتى تخيط (بضم التاء وفتح الياء مشدّدة) بالبياض قروني" وجعل البياض فيها كأنه شيء خيط بعضه إلى بعض. قال: وأما من قال خيط في رأسه الشيب بمعنى بدا فإنه يربد تخيط بكسر الياء مشدّدة أي خيطت قرونى وهى تخيط، والمعنى أن الشيب صار فى السواد كالخيوط ولم يتصل لأنه لو اتصل لكان نسجا.

ابن دريد: تُخيَّط. قال أبو سعيد: يقال: قد خَيَّط فيه الشيبُ وبلغ. ونَقَّب فيه الشيب "أو أستمرّ لهذه القبر (¬1) " والمنيحة العطيّة، وأصله أن تُعار الناقةُ أو الشاةُ فتُحلَبَ ثم تُرَدّ. أو أستمرّ لمَسْكَنٍ أثوِى به ... لقرَارِ مَلْحُودِ العِداءِ (¬2) شَطونِ الشَّطون: العَوْجاء من الآبار. وأصل ذلك أن يكون في جوفها زَوَر فتُجذب دلُوها بحبلين، وهما شَطَنان، ومن هذا قولهم: نيّة شَطون. يقول: منحتَنى ما ليس فيه خير ومنحتُك أنا نُصحِى. ومنحَتنى جَدّاءَ (¬3) حين منحَتنى ... شَحْصًا بمالئةِ الِحلاب لبَونِ قال: الشَّحْص من المال: الذي ليس فيه لبن، يقال: إبل شَحْص وغنم شَحْص (¬4) وأنشدنا لحُميد بن ثور - رضي الله تعالى عنه -: ¬

_ (¬1) قوله: "أو استمر لهذه القبر": يبدو أن الشارح جاء بهذه العبارة هنا ليصل معنى هذا البيت بالبيت التالى، لقوله فيه "أو استمر لمكسن أثوى به" وقد روى السكرى هذا البيت هكذا: حتى أصير لمسكن أثوى به ... لقرار ملحدة العداء شطون وفسره فقال: المسكن القبر. (¬2) لم يفسر الشارح العداء في هذا البيت، ولكن اللسان فسره فقال: العداء ممدود: ما عاديت على الميت حين تدفنه من لبن أو حجارة أو خشب أو ما أشبهه، ويقال أيضا العدى كإلى والعداء: حجر رقيق يستر به الشيء. ويقال: لكل حجر يوضع على شيء يستره عداء. وفسر السكرى العداء بأنه الأرض التى ليست بمستوية الحفر. (¬3) الجدّاء: التي لا لبن بها (السكرى). (¬4) إذا ذهب لبن الشاة كله فهي شحص بفتح الشين وسكون الحاء، الواحدة والجميع في ذلك سواء (اللسان).

فأجابه أبو العيال

بدت يوم رُحْنا عَوْهَجُ (¬1) لا شَحاصَةُ ... نَوارٌ (¬2) ولا رَيّا الغزال لِحَيبُ (¬3) يقول: منَحتَنى شَحْصا ليس لها لبن ومنحتُك أنا مالئةً لِحلابك. وإنما ضرب هذا مَثَلا، يقول: منحَتنى شحصاء. وإنما يريد ثنائى ومدائحى. والحِلاب: ما يُحلب فيه، والمعنى منحتُك اللَّبون، ومنحتَنى أنت الشَّحَص. وحبوتُك النُّصْحَ الذي لا يُشَترى ... بالمال فانظر بعدُ ما تَحْبونى وتأمّل السِّبتَ الذي أحذوكُم ... فانظر بِمثلِ إمامِه (¬4) فاحذونِى يقول: مِثلَ ما صنعتُ بك فاحذونى، وليس ها هنا نعل، إنما هذا مثَلَ، يريد ما أحذوكم من الثناء فافعلوا بى مِثله. والسِّبْت: النعل المدبوغة، بالقَرَظ. يقول: اُحذُنى مِثلَها. فأجابه أبو العيال أقسمتَ لا تَنسَى شَبابَ (¬5) قصيدةٍ ... أبدا فما هَذا الّذى يُنْسينى قال أبو سعيد: يقول: إنك تبدأ شَبابَ شِعْر، فما هذا الذى ينسينى وقد أقسمتَ لا تَنسى. ¬

_ (¬1) العوهج من النوق: الطويلة العنق. (¬2) في الأصل "ثوار" بالثاء؛ وهو تصحيف. والنوار: النافرة. ويجمع على "نور" بضم النون، وهي النوافر من الظباء والوحش وغيرها، وتقول: نسوة نور أي نفر من الريبة. (¬3) اللحيب من الإبل: الفليلة لحم الظهر. (¬4) إمامه: مثاله. (السكرى). (¬5) في رواية "مقال" (السكرى).

فلسوف تنَساها وتعَلمُ أنّها ... تَبَعٌ لآبيةِ العِصابِ (¬1) زَبوُنِ يقول: سَتنسَى مَنيحتك وتعلم أنها تبعُ آبية العِصاب زَبون، إن حُلبتْ لم تَدِرّ وإن عُصِبتْ زَبَنتْ ورَمحتْ، يقال: هذه ناقة زبون. والزَّبنْ: الرَّمْح. ومنحتَنى فرضيتُ زِىَّ منَيحتى (¬2) ... فإذا بها وأبيكَ طَيف جُنون زِيّها: مَرآتها. يقول: رضيتُ هيئتها ومَرآتها فإذا بها طيفٌ من الجنّ؛ وهذا مَثَل ضربَه له. جَهْراءَ لا تألو إذا هي أظهرتْ ... بَصَرا وما مِن عَيْلة تُغنينى الجَهْراء: التي لا تُبصر في الهاجرة من الدوابّ والإبل، أي منحتنَى شاةً لا تُبصر. والأجهر مِثلُها. لا تألو: لا تستطيع بصرا. قال: وسمعتُ رجلا بمكّة يقول: لا آلو كذا وكذا: لا أستطيعه. قرِّبْ حِذاءَك قاحِلا أو ليّنا ... فتَمَنَّ في التّخصير والتَّلْسِينِ قال أبو سعيد: كانت العَرب إذا تنوّقتْ في جلود البقر لَسّنتْ وخَصّرتْ، فقال هذا الأوّل من الشاعرين: انظر حذائى فاحذونى. فقال هذا الآخر: قرّبْ حذاءَك الّذى حذوتَنى أحذُك مِثلَه على مثاله، وتَمَنّ في التخصير والتلسين، وأنشدنا: إلى معشر لا يَخصِفون نِعِالهَمْ، ولا يَلبَسون السِّبْتَ ما لم يخصَّر ¬

_ (¬1) يقال: عصب الناقة يعصبها عصبا وعصابا إذا شدّ فخذيها أو أدنى منخريها بحبل لتدر (اللسان) (¬2) في رواية: "أمنحتنى جهد اليمين شَمّلة". وفي رواية أخرى: "ومدحتنى فرضيت رأى منيحتى" (السكرى).

فأجابه بدر بن عامر

وليس ثمّ جذاء، إنما هذا مَثَل، وكانت العرب إذا حَذَتْ حذت خاما وإنما الخام من جلوم الإبل، لأنّها لا تُدبغَ، لم تخصَّر ولم تُلسَّن. وارجع مَنِيحتَك الّتى أتبعتَها ... هُوعًا (¬1) وحَدَّ مذلَّقٍ مسنون قوله: هوعا، أي أتبعتَها قَيئا، أي أنك لم تَهبْها طيّب النفس، وأتبعتَها تطلُّعك نفسَك إليها، وأتبعتَها حدَّ مذلَّق مسنون (¬2) أي مِثلَ الرُّمْح تؤذينا به. ويقال: الهوع الجَزَع، والهوع "مثل الصو والصو (¬3) " يقال: هاع يهوع هوعا مِثل جَزِع يَجزَع جَزعا ويقال: رجلٌ هاعٌ لاعٌ. فأجابه بدر بن عامر أزعمتَ أنِّي إذ مدحتُك كاذِبٌ ... فشفَيتَنى وتجارِبي تَشفينى يقول: زعمتَ أنّى كاذب إذ مدحتُك فشفيتَنى ممّا في صدرى، وما جرّبتُ منك يشفينى. وزعمتَ أنّى غيرُ بالغ غايةِ الـ ـنُّـ ... ـجَباءِ إنّ الدهر ذو تَلْوِينِ إن الدهر ذو تلوين، أي ذو تقلّب. يقول: قد تغيَّر الزمن حتى تقول هذا إلىّ؟ ¬

_ (¬1) ضبط هذا اللفظ في الأصل هكذا. ولم نجد هذا الضبط فيما لدينا من كتب اللغة. والذى في اللسان هاع يهوع ويهاع هوعا (بفتح الهاء وتسكين الواو) وهواعا وتهوّع: قاء. أما الذى بمعنى الجبن والفزع فهو هاع يهاع ويهيع هيعا. وقد استشهد اللسان على هذا المعنى بهذا البيت لأبى العيال وضبطه هوعا بفتح الهاء وسكون الواو، وفسره فقال: ردها، أي منيحتك فقد جزعت نفسك في أثرها. (¬2) حد، أي لسانك الذي يشبه حد المذلق المسنون. (¬3) كذا في الأصل.

فأجابه أبو العيال

فودِدتُ أنّك إذ وَنَيْتُ ولم أنَلْ ... شرفَ العَلاءَ تكفينى يقول: فودِدتُ أنّك تكفينى إذ زعمتَ أنّى غيُر بالغ غاية النجباء. ويقال: ونَيتُ في الأمر فأنا أَنى فيه وَنْيا إذا أنتَ فترتَ عنه. فتُبِرّ حتّى لا تُحارَى سابِقا ... فانظر أينَقص ذاك أم يُزُكينى فتُبِرّ أي تغلب في السَّبق، ويقال: سابقُ مُبِرّ. يقول: اُنظُر إذا كنت سابقا أينقص ذلك منّي أم يزيدنى. فأجابه أبو العيال يا ليت حَظِّى مِن تَحَدُّب (¬1) نَصْرِكْمْ ... وثَوابِكم في الناسِ أن تَدَعونِى قال أبو سعيد: قالوا له: نفعل بك كذا وكذا، ونفعل بك كذا وكذا من الخير؛ فقال: يا ليت حظى من ثوابكم أن تَدَعونى أو تسألونى حوائجَكم. حتى اذا أنتمْ فعلتمْ ذاكُمُ (¬2) ... فَخَلاكُمُ ذَمُّ إذَّا وسَلونِى ذهب العتابُ فلا أرى إلاّ امرأً ... جَلْدًا يقول لدىّ ما يَعنينى يقول: ذهب العتابُ فَلم يَبق إلّا رجل جَلد يقول: ما يعنينى أن يقال كذا ولستُ مِن ذا في شيء. عندي ما يَشغَلنى عن هذا. يَنأَى بجانبه ويزعم أنّه ... ناجٍ من اللَّوْماء غيرُ ظَنين اللَّوْماء: اللؤم. والظَّنين المتَّهَم. والظَّنون: الذّى لا يوثَق بما قِبَله. ¬

_ (¬1) التحدّب: التعطف (السكرى). (¬2) في السكرى "ذلكم".

فأجابه بدر بن عامر

نَكِدتْ علىّ مَشارِبى مِن نحوِكم ... فصَدَرْتُ وارتدّت علىّ شؤونِى يقول: ليس لي قِبَلكم مودّة، فصدرتُ ولم أُصب حاجتى. شؤونى أي أمورى التي رجوتُ أن تُنفَّذ لي. والشأن: شأن الرجل وأَمُره، والجميع الشؤون. فأجابه بدر بن عامر من كان يَعنيه مُقاذَعةُ امرئٍ ... ثاوٍ بمعرَكةٍ فما يَعنينى يقول: من كان يعنيه مقاذعة امرئ فإنّ ذلك لا يعنينى أنا. بكلِام خَصمٍ أو جِدالِ مُجادِلٍ ... غَلِقٍ (¬1) يُعالِج أو قَوافٍ عِينِ يقول: لا يَخفَى علىّ القولُ السهل، والقول الخشِن أعرِف فَحْواه. ولقد عرفتُ القولَ يأتى ساكِنًا ... ولقد عرفتُ مَقالةَ التخشين ولقد نَطقتُ قَوافياً إنسيّةً ... ولقد نطقتُ قوافىَ التّجنِينِ قوله: قوافى التجنين: أي قوافى الجنّ (صلّى الله على محمّد) يقول: نطقتُ ما يقولُ الإنس وما يقولُ الجنّ، الوحشيّة منها وغيرها أيضا. ولقد تَوارَثُنى الحوادث واحدا ... ضرَعا صغيرا ثمّ ما تَعْلونى يقول: تصيبنى حادثةٌ بعد حادثةٍ ترث إحداهما الأخرى، وقد جرّبتُ الأمورَ حَدَثا صغيرا فما عَلَتْنى، أي ما قهرتْنى. ¬

_ (¬1) الغلق ككتف: الغاضب. والقوافي العين: المختارة.

فأجابه أبو العيال

فتركننى لمّا رأين نَواجِذى ... في الرَّرْق مِثلَ مَعاولِ الزَّيتون يقول: حين بَزَلْتُ وصارت نواجِذى مِثلَ المعَاولِ التى يقُطع بها الزيتون وإذا التفّ الزيتون حدّت. والرَّوْق: حدّ الأسنان (¬1). عُصُلا قَواطعَ إن تكادُ لَبَعْدَ ما ... تُفْرِى صريَع عِظامِها تُفرينى العُصُل: المعوجّة. والأعصل: الأعوج. يقول: إنْ تكادُ لتُفْرِى صريعَ خشب الزيتون العظامٍ منه ترجع عليّ فُتفْريني. صريَع عظامها: أي قد صرعتْ عظامَها. يقول: تعود علىّ فتُفْريني، وذلك أنّها تُنفِذ الضريبةَ حتى تكاد أن تعود علىّ (¬2). فأجابه أبو العيال وإخالُ أنّ أخاكمُ وعتابَه ... إذ جاءكمْ بتعطّفٍ وسُكونِ يقول: إذا أَظهرَ لكم اللِّينَ فوراء ذلك غائلة. يمشى إذا يمشى ببطنٍ جائع ... صِفْرٍ ووجهٍ ساهمٍ مدهونِ يقول: باطنه خبيِث، وظاهره خبيث. فيُرَى يَمثّ ولا يُرَى في بطنه ... مثقالُ حبّة خردلٍ موزونِ قال: يقول: يُرَى جسدُه كأنّه يَمَثّ دَسمَا وباطنه خبيث. ¬

_ (¬1) عبارة السكرى في شرح هذا البيت: الروق: أول الشباب. والنواجذ: أقصى الأضراس. والمعاول مثل الفؤوس ... عظام منها، وأضافها إلى الزيتون لأنها يقطع بها الزيتون. (¬2) لعلك ترى في تفسير الشارح هذا البيت بعض التكرار. وقد فسره السكرى فقال: الأعصل: المعوج، يريد النواجذ، ثم رجع إلى المعاول فقال: إن تكاد لبعد ما تفرى، أي تقطع صريع عظامها وهو ما صرع من عظام شجر الزيتون. تفرينى: تقطعنى.

أو كالنّعامة إذ غدت من بيتها ... ليُصاغَ قَرْناها بغير أَذِين فاجتُثّت الأُذْنان منها فانتهتْ ... صَلْماءَ ليست من ذوات قُرونِ يقول: ذهبت النعامة تطلب قرنين فاجتُثّ أُذُناها، ومعناه: تطلب عندي الخير بمنازعتك إيّاى فرجعتَ مجدوعا. فاليوم تُقضَى أمّ عَمرٍو دَينَها ... وتَذوقُ حدَّ مصوَّنٍ مكنون تُقضَى أمّ عمرو دينها، هذا مَثَل. يقول: اليوم أجازيكّ بما فعلت لي. تم القسم الثانى من ديوان الهذليّين ويليه القسم الثالث، وأوّله وقال مالك بن خالد الخناعىّ،، والحمد لله رب العالمين

القسم الثالث

ديوان الهذليين القسم الثالث ويشتمل على شعر: «مالك بن خالد الخناعى، وحذيفة بن أنس. وأبى قلابة، والمعطل، والبريق، ومعقل بن خويلد، وقيس بن عيزارة، ومالك بن الحارث، وأبى جندب، وأبى بثينة، ورجل من هزيل، وعمرو بن الداخل، وساعدة بن العجلان، ورجل من بني ظفر، وكليب الظفرى، والعجلان، وعمرو ذى الكلب، وجنوب»

مقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُقدَمة كان الشعرُ الهُذَلىّ فى كل عهود هذه اللغة موضع اهتمام كبار الرواة كالأصمعىّ وأماثل الأئمة كالشافعىّ، وصدور المؤلفين كأبى سعيد السكرىّ وأبي الفرج الأصفهانىّ، وغيرهم. وقد ظلّ هذا الشعر الهذلىّ منذ تدوين هذه اللّغة وهو حقيبة نصوصها وجَعْبة شواهدها، وملتقَى حُفّاظها، إليه مرجع علمائها فى الاستشهاد على صحة المفردات، وعليه يعتمد الأئمة في تفسير ما التبس من محكم الآيات؛ فقد كانوا لشدّة عنايتهم بهذه اللّغة الكريمة وحرصهم على بقاء بِنْيَتها صحيحة لا يستشهدون على سلامة تعابيرهم، بما تنطق به عامّة قبائل العرب، وإنما كانوا يخصّون ولا يعمّون. لقد كانوا لا يأخذون عن لَخْم ولا عن جُذام، ولا عن قضاعة وغسّان وإياد، ولا عن تَغْلب والنَّمِر، وإنما كانوا يأخذون العربية عن قيس وأَسَد وتميم وهُذَيل وبعض كنانة وبعض الطائّيين، ولم يأخذوها عن غيرهم من سائر قبائلهم كما يقول أبو نصر الفارابيّ. فهذيل كانت فى اعتبار أئمة اللغة إحدى جهاتٍ ستّ لا يقُتْدَى إلا بها ولا تؤخذ اللّغة إلا عنها، فإذا عرفتَ إلى هذا أن قيسا وأسدا وتميما إنما كان

يُعتَمد عليهم في الغريب وفى الإعراب وفى التصريف، استطعتَ أن ترى بداهة أن هذيلا كانت أُولى القبائل الّتى يُقتدى بها في فصاحة اللسان، وسَعَةِ البيان. فلئن سبقت قريش بأنّها كانت أجوَدَ العرب انتقاء للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند النطق، وأحسنها مسموعا، لقد جاءت هذيل لاحقةً بها فى هذا المضمار أو تكاد، ولا عجب، فهي تمتّ إلى قريش بالنَّسب وبالصِّهر وبالجِوار. فالهذليّون -على ما يحقّقه أبو حزم الأندلسىّ فى كتابه (جمهرة أنساب العرب) - هم بنو هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. وإذا كانت قريش تسكن مكّة، فقد كانت هذيل تسكن حولها أو قريبا منها. فلا جرَم أن يكون القرشيّون والهذليّون فى الفصاحة قُسَماء، كما كانوا في الجوار والدماء أقرباء. لقد أعرقتْ هذيل فى الشعر خاصّة، حتى كان الرجل منهم ربمّا أنجب عشرةً من البنين كلّهم شعراء. قال صاحب الأغانى: كان بنو مُرّة عشرة: أبو خراش وأبو جندب وعروة والأتج والأسود وأبو الأسود وعمرو وزهير وجُنَادة وسفيان، وكانوا جميعا شعراء دُهاة. ويقول الأصمعىّ: إذا فاتك الهذلىّ أن يكون شاعرا أو راميا فلا خير فيه. فانظر إلي أىّ حدّ بلغتْ هذه القبيلة من شهرة بالشعر وتجلّة لدى الثقات ومنزلةٍ عند الرواة. حقّا إن قيام "دار الكتب المصرية" بطبع هذا الديوان لا يعدّ عملا أدبيا فحسب، ولكنّه عملُ مُجْدٍ نبيل. وهكذا قيّض الله لهذه الدار أن تُخرِج من الشعراء الهذليين أكبر عدد عُرِف حتى الآن.

فأكبر الكُتُب المعروفة فى شعر الهذليين ثلاثة، وهي: "ما بقى من أشعار الهذلين" المعروف (بالبقية)، "وشرح ديوان الهذليين لأبى سعيد السكرى" و "مجموعة أشعار الهذليين" المطبوع فى ليبزج، لم يزد أوّلها على سبعة وعشرين شاعرا كما أن الثانى لم يتجاوز تسعة وعشرين، وكذلك الثالث فإنه يشمل ستة شعراء. هذا كلّ ما جمُع للهذليين فى الشرق والغرب فى القديم والحديث. أما ديوان الهذليين إخراج "دار الكتب المصرية" وهو الذى نقدّم إليك الآن الجزء الثالث منه فإنه يشمل بقية مجموعة الأستاذ الشنقيطى المخطوطة المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 6 أدب ش. أما طريقتنا فى إخراجه والمراجع التى رجعنا إليها فيه ففى مقدمتى القسمين السابقين بيانُ شافٍ وتفصيلٌ وافٍ عن ذلك. ويلاحظ أننا لم نُغفِل مصدرا أخذْنا منه أو نقلْنا عنه إلّا ذكرناه فى موضعه من الحواشى والتعليقات التى أثبتناها فى أواخر الصفحات. وقد بذلْنا غايةَ الجهد في تحقيق هذا الكّتاب وشرح الغامض من مفرداته مراعين فى ذلك سياقَ العبارات وما تقتضيه أساليب الهذليين، مستعينين بالمصادر التى بين أيدينا، مستضيئين بالممارسة التى خوّلها لنا طولُ نظرنا فى شعر هؤلاء الشعراء وأمثالهم. هذا والله المسئول أن يهب لأعمالنا حسن القبول، محمود أبو الوفا دار الكتب المصرية 12 ربيع الثانى سنة 1369 30 يناير سنة 1950

وقال مالك بن خالد الخناعى

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وقال مالك بنُ خالد الخُناعِىّ (¬1) يامَىّ (¬2) إن تَفقِدى قوما وَلَدْتِهمُ ... أو تُخْلَسيهمْ (¬3) فإنّ الدهرَ خَلّاسُ عمُرو وعبدُ منافٍ والّذى عَملتْ ... ببطنِ (¬4) مَكّةَ آبِى الضَّيم عَبّاسُ قال: يقول: منهم عمرٌو وعبدُ منافٍ وعبّاس. يامَىّ إنّ سِباعَ الأرِض هالكِةٌ ... والأُذمُ والعُفْرُ والآرامُ والناسُ العُفْو: الظَّباء يعلو بياضَها حُمرة (¬5). والأُدم: ضَربٌ آخُر منها فى ظهورها مسْكيّة (¬6)، ¬

_ (¬1) هذه القصيدة نسيها السكرى إلى أبى ذؤيب، وعزاها الحلوانى إلى مالك بن خالد الخناعى. وخناعة بضم المعجمة وتخفيف النون: هو ابن سعيد بن هذيل اهـ ملخصا من خزانة الأدب ج 4 ص 233 (¬2) فى السكرى: "ياحى" بدل "يامى". وقال فى شرح شواهد الجمل للإمام الزجاجى ص 18 من النسخة الخطية المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 185 نحو تيمور: إن الشاعر يقول ذلك لامرأته وقد فقدت أولاها، فبكت، فقال لها: يامى إن تفقدى، الخ. (¬3) تخلسيهم بالبناء للمفعول: تسلبيهم. والخلس: أخذ الشيء بسرعة. وقال فى اللسان: الخلس الأخذ فى نهزة ومخاتلة. (¬4) هو عمرو بن إلياس بن مضر. وفى رواية "ببطن عرعر" بدل "ببطن مكة". وآبى: من الإباء وهو الامتناع. والضيم: الظلم. ورواية السكرى "والذى رزئت". قال: وهى أجود. وبطن عرعر: موضع (اهـ ملخصا من الخزانة). (¬5) زاد اللسان على هذا التعريف للمعفر قوله: "وهى قصار الأعناق" وفى السكرى * "والعفر والعين والآرام والناس * وفسره فقال: العفر: الظباء. والعين: البقر. والآرام: البيض من الظباء. (¬6) قوله: "فى ظهورها مسكية" أي أن هذه الظباء الأدم هي البيض البطون السمر الظهور، يفصل بين لون ظهورها وبطونها جدّتان مسكيتان أي علامتان.

وهي بِيض، طوال الأعناق والقوائم. والآرام: البِيض، والواحد رِئْم، وهو الّذى لا يخالط بياضَه شيء. والخُنْسُ لن يُعجِزَ الأيّامَ ذو حَيَدٍ (¬1) ... بمُشمَخِرٍّ به الظَّيّانُ والآسُ قال: الخُنْس هاهنا الوعول، ويجوز فى الأُرْويّة (¬2) ما يجوز فى العَنْز؛ ويجوز فى الوَعِلْ ما يجوز فى التَّيْس، ويجوز فى البقرة ما يجوز في الضائنة، ويجوز فى الثور ما يجوز في الكَبْش. والظَّيّان: ياسَمين البرّ. فى رأسِ شاهقةٍ أُنْبوبُها خَصِرٌ ... دون السماء له فى الجَوِّ قُرْناسُ القُرْناس، رأس الجَبَل. أُنبوبُها خَصر: أي طريقةٌ باردةٌ (¬3) فى الجَبَل. مِن فَوقهِ أنْسُرٌ سُودٌ وأَغْرِبةٌ ... وتَحْته أعنُزٌ كُلْفٌ (¬4) وأَتْياسُ أَنْسُر سود وأغربة، يريد أن فوقَه نُسورا وغِرْبانا محلِّقةً فى السماء. وتَحْته: فى بعض الجبل أُرْوِيّات وأَتْياس من الوُعول، وهو فَوقَها فى قُلَّته. ¬

_ (¬1) رواية الخزانة: "تالله يبقى على الأيام ذو حيد" والتقدير "لا يبقى" على حذف "لا" بعد القسم. والآس: ضرب من الرياحين. وأيضا هو نقط من العسل، يقع من النحل عسل على الحجارة فيستدلون به أحيانا. وفى السكرى "ذو خدم" والخدم (بالتحريك): البياض المستدير فى قوائم الثور اهـ ملخصا. (¬2) الأروية بضم الهمزة وكسرها تطلق على الأنثى والذكر من الوعول. والوعول: جمع وعل، وهي غنم الجبل. (¬3) كذا فى الأصل. والذي يستفاد من السكرى أن الأنبوب طريقة نادرة في الجبل. وفى اللسان (مادة نبب) يقول: "أنبوب الجبل طريقة فيه" هذلية، وأنشد هذا البيت، وفسره فقال: الأنبوب: طريقة نادرة في الجبل. وخصر: بارد. (¬4) رواية شرح القاموس (مادة تيس) "ودونه" بدل "وتحته" وكلف: غير إلى السواد.

حتّى أُشِبَّ لها رامٍ بمُحْدَلةٍ ... ذو مِرّةٍ بدِوار الصّيد هَمّاسُ (¬1) المُحْدلة: الّتى قد غُمِز طائفُها إلى مؤخّرها، ثم عُطِف إلى مقدّمها، وأنشد قول أبى حيّة: منصوبة دُفِعتْ فلّما أَقَبلتْ ... عَطَفَتْ طوائفُها على الأَقْيالِ (¬2) ذو مِرّة: ذو (¬3) عقل. بدِوار الصيد أي بمداوَرة الصيد. يُدنِى الحَشيفَ عليها كى يوارِيَها ... ونفسَه وهو للأطمارِ لَبّاسُ الحشيف: الثوب الخَلَق. والأَطمار: الأخلاق. فثارَ من مَرْقَبٍ (¬4) عَجْلانَ مقتحِماً ... ورابَه رِيبةٌ مِنْه وإيجاسُ يقول: ثارَ من مَرْقَبِ كان يَرقُب القانصَ فى موضع يُبصِره. رابَه، أي رابَه صوتُه. وإيجاس أي حِسّ. فقامَ فى سِيَتَيْها فانَتَحى فرَمَى ... وسَهْمُه لَبِنات الجَوْف مَسّاسُ فى سِيَتَيها، يقول: قام سَهْما (¬5). وقولُه؛ فانتَحَى، أي تَحرَّف فى أحد شقَّيْه. وبَناتُ الجَوْف: الأفئدة. ¬

_ (¬1) قوله: "حتى أشب لها" أي أتيح لها. والمحدلة: القوس، لاعوجاج سيتها. (اللسان) وقد أورد صاحب شرح القاموس هذا البيت فى (مادة وجس) هكذ: حتى أتيح له يوما بمحدلة ... ذو مرة بدوار الصيد وجاس (¬2) كذا فى الأصل. والذى في اللسان والتاج (مادة طوف): ومصونة دفعت فلما أدبرت ... دفعت طوائفها على الأقيال قالا: الطوائف من القوس: ما دون السية، أي ما أعوج من رأسها. (¬3) المرة أيضا: القوّة عامة فى العقل والجسم كما فى كتب اللغة. (¬4) المرقب والمرقبة: الموضع المشرف يرتفع عليه الرقيب. (¬5) "قام سهما" أي نهض قائما فى سرعة السهم.

فراغَ عن شَزَنٍ (¬1) يَعْدو وعارَضَه ... عِرقٌ تَمُجُّ به الأحشاءُ قَلّاسُ أي عن ناحية. وعارَضه عِرْقٌ من صَدْرِه عانِد (¬2). أي خالَفَ (¬3)، أخَذَ يَمْنَةً ويَسْرة. قَلّاس: يَقْلِس (¬4) بالدّم. يامَىّ لا يُعجِزُ الأيّامَ مُجْترِئٌ (¬5) ... فى حَوْمة الموتِ رَزّامُ وفَرّاسُ حَوْمة الموت: مُعْظَمُه. ورَزَّام: يَرْزُم على قِرْنهِ أي يَبرُك عليه. لَيْثُ هِزَبْرٌ مُدِلٌّ عند خِيسَتِهِ ... بالرَّقْمَتَين له أَجْرٍ وأَغْراسُ هزَبرْ: غليظ (¬6). وأعْراس: جمع عُرْس. أَحمَى الصَّريمةَ أُحْدان (¬7) الرِّجالِ، له ... صَيْدٌ ومستمِعٌ باللَّيل هَجّاسُ ¬

_ (¬1) يقال: راغ الصيد أي ذهب ها هنا وها هنا. وقوله: "عن شزن" أي عن ناحية وجانب، يقال: ما أبالى على أي شزنيه أو على أي قطريه وقع بمعنى واحد، أي جابيه. قال السكرى: "ويروى عن نشز" أي مكان مرتفع. (¬2) يقال عند العرق (مثلثة النون) فهو عاند، وأعند أيضا: سال فلم يكد يرقأ. (¬3) هذا رجوع إلى تفسير قوله: "فراغ عن شزن"، كأن الصيد حين أصابه السهم خالف فى مشيه أي مال يمينا وشمالا من شدَّة إصابته. والأخلف والمخالف: الذى كأنه يمشى على أحد شقيه. (¬4) يقلس بالدم، أي يقذف به. (¬5) في السكرى: "مبترك" وفسره فقال: مبترك، أي معتمد، يعنى أسدا. وحومة الموت: معظمه. ورزام فى صوته: إذا برك على فريسته رزم. (¬6) وهو أيضا الشديد. والخيس: الأجمة. والرقمتان: موضع قرب المدينة (كما فى ياقوت). والأعراس: إناثه. (السكرى) وأجر: جمع جرو، وهو الصغير من كل شيء (اللسان) أما قوله فى البيت "مدلّ" فهو من قولهم: أدل الرجل على أقرانه إذا أخذهم من فوق، وكذا البازى على صيده، فهو مدلّ. (¬7) أحدان الرجال: الذين يقول أحدهم: ليس غيرى. يقال: أحد وأحدان مثل حمل وحملان. له صيد أي هو مرزوق. وهجاس: يستمع كأنه يهجس، أي يقع فى نفسه لذكائه. (السكرى). وورد هذا البيت فى اللسان هكذا: يحمى الصريمة أحدان الرجال له ... صيد ومجترئ بالليل هماس وفسر قوله: "أحدان" بأنه جمع واحد، وهو الرجل الواحد المتقدّم فى بأس أو علم أو غير ذلك كأنه لا مثل له. ويقال فيه أيضا: "وحدان".

الصَّريمة: رُمَيْلة فيها شجر، وجماعتُها الصَّرائم. قال: والهَجْس، يقول: يَسْتَمع وأنشَدَنا عيسى بنُ عمر: يصيِّدُ أُحدانَ الرِّجالِ وإن يَجِد ... ثُناءَهُمُ يَفرَحْ بهم ثم يَزْدَدِ صَعبُ البَديهةِ مَشْبوبٌ أظافِرُه ... مُواثبٌ أهرَتُ الشَّدْقَين هِرْماسُ مَشبوب أظافره، أي قُوِّيتْ كما تُشَبّ النار وتُذكَى به. والبديهة، يقول: هو ذو مُبادَهة أي معاجَلة. صعبُ البَديهة، أي مبادَهَتُه شديدة. هرْماس أي شديد. "ويروى: نبِرْاس، أي حديدٌ شَهْم القلب (¬1) " ويقال: ذو جُرأة. ويُروَى: جَسّاس (¬2). وقال يمدح زُهَيرَ بنَ الأَغَرّ -وكان أخذَ خُبَيْبَ بنَ عَدِىّ بنِ أَساف: فَتًى ما ابنُ الأَغَرِّ إذا شَتَوْنا ... وحُبَّ الزادُ فى شَهْرَىْ قُماحِ (¬3) قال أبو سعيد: "ما" زائدة (¬4)، وبعضُهم يُنشِد "ما ابنَ الأغرِّ" يَنْصِبه على النداء، كأنّه قال: يا فَتًى ابنَ الأغر. وقوله، شَهْرَى قُماح، هو من مُقامَحة الإبل فى الشتاء، إذَا تَشْرَب الإبلُ الماءَ فى الشتاء فقد قامَحَتْ، تَرَفَعُ رُءوسَها. وقال ابن إسحاق: أنشَدَ الأصمعىّ "وهنّ مِثلُ القاصِباتِ (¬5) القُمَّحِ". ¬

_ (¬1) كذا وردت هذه العبارة التى بين هاتين العلامتين فى الأصل وشرح السكرى. ولم نجد النبراس بمعنى الحديد الشهم القلب فيها لدينا من المظان. والذى وجدناه أن النبراس هو السنان العريض، والمصباح. ويلوح لنا أن قول الشارح: "حديد شهم القلب" رجوع لتفسير قوله قبل "هرماس". (¬2) جساس يجس الأرض أي يطويها. هذا قول أبى سعيد السكّرىّ كما فى شرح القاموس مادة "جسس". (¬3) شهرا قماح: شهران فى قلب الشتاء: كانون الأوّل وكانون الآخر، هكذا يسميهما أهل العجم. (¬4) الذى فى كتاب (الإنصاف فى مسائل الخلاف ص 35 طبع ليدن) فى كلامه على هذا البيت: "تقديره ابن الأغر فتى ما اذا شتونا". (¬5) القاصبات: الرافعات رءوسها ممتنعة عن الماء. وقيل: إنما الرافعة رءوسها ممتنعة عن الشرب قبل أن تروى.

أَقَبُّ الكَشْحِ (¬1) خَفّاقٌ حَشاهُ ... يُضيءُ اللَّيْل كالقَمَر اللِّيَاحَ أقبّ: خَميص. خَفّاقٌ حَشاه، أي ليس ببَطِين، تَخفِقُ حَشاه كما يَخفُقُ جنَاحُ الطائر. وصَبّاحٌ ومَنّاحٌ ومُعْطٍ ... إذا عادَ المَسارِحُ كالسِّباحِ (¬2) صَبّاح: يقول: يَصبِح الناسَ، من مَر به صَبَحه. والمَنيحة: أن يمنحَ الرجلُ ابنَ عمِّه وجاره قِطعةً من إِبِله، فيَشْرَبَ ألبانها، وينَتفعَ بأوبارها، فإذا هي غَرَزتْ (¬3) رَدّها. والسَّبْحة: قميصٌ للصبيان من جُلود، وسِلْف: رقيق. وخَزّالُ (¬4) لَموْلاه إذا ما ... أَتاُه عائلا قَرِعَ المُراحِ قَرِع المُراح، يقول: يَقرَعُ مُراحه من الإبِل، لا يكون فيه إِبِل، وهو حيث يريح إبلَه. ¬

_ (¬1) الكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف، وهو من لدن السرة إلى المتن (اللسان) وفى السكرى أن الكشح منقطع الأضلاع مما يلى الخاصرة إلى الجنب. وخفاق، لأنه قليل اللحم. واللياح: المتلألئ. (¬2) رواية اللسان * وصباح ومناح ومعط * وفى السكرى "وصباح" الخ وفسره فقال: صباح: يسقى الصبوح. ويقال: يغير فى الصباح. والمنيحة: الأصل فيها أن يعطى إبلا وغنما ينتفع بها سنة ثم يردّها، فكثر ذلك حتّى صارت العطية منيحة. والمسارح: حيث تسرح الإبل ترعى فيها. والسباح: قمص من جلود تجعل للصبيان، والواحد سبحة، وهى جبة من أدم تصير على عين الدابة ووجهها لتستره من البرد؛ وتتزر به الجارية. (¬3) فى اللسان أنه يقال: غرزت الناقة من باب كتب إذا قل لبنها. (¬4) فى رواية "وجزال" بالجيم وهو بمعناه (السكرى).

وقال يرد على مالك بن عوف النصرى

وقال يردّ على مالك بنِ عوف النَّصْرى أَمالِ بنَ عَوْفٍ إنّما الغَزْوُ بيننا ... ثلاثَ لَيالٍ غيرُ مَغْزاةِ أشْهُرِ يقول: إنما الغَزْو بيننا ثلاثَ لَيالٍ. يقول: ليس بيننا وبينكم ما يقيم. (¬1) قال: ولا يَنصِب أحدٌ "غَيْر". متى تَنْزِعوا من بَطْنِ لِيّةَ تُصبحوا ... بقرْنٍ ولم يَضْمُر لكم بطنُ مِحْمَر متى تَنزِعوا، أي متى تخرجوا، يقال: نَزَع إلى مكان كذا وكذا. والِمْحمَر والكَوْدَن واحد، وهو الهجَين من الدّوابّ (¬2). فلا تَتَهدَّدْنا بقحْمِكَ إنّنا ... متى تأتِنا نُنْزِلْك عنه ويُعْقَرِ بقَحْمِك أي بفَرَسِك؛ (¬3) والقَحْمُ والقَحْرُ: المُسِنّ. يُعقَر: جوابُ الجزاء. "قلت (¬4) له، بقومك" قال: لا. فبعضَ الوعيدِ إنّها قد تكشّفتْ ... لأشْياعِها عن فَرْج صَرْماءَ مُذْكِرِ فبعضَ الوعيد أي لا يشتدّ وعيدُك. تكشّفتْ: لَقحتْ. والصَّرْماء: التي لا لبن (¬5) لها؛ والمُذْكِر: [التى] تجئ بالذِّكارة، وهي شَرّ، وهذا مَثَل. ¬

_ (¬1) يقول: إنكم مستضعفون بالنسبة لنا، لا تثبتون أمام قوّتنا، فانتصارنا عليكم لا محاله واقع فى وقت يسير جدا. (¬2) الفرس المحمر: اللئيم الذى يشبه الحمار فى جريه من بطئه. والكودن: البرذون الهجين، وقيل: هو البغل. (¬3) القحم: الكبير من الإبل والناس وغيرهم (السكرى) وفى اللسان أنه يقال: ابغني خادما لا يكون قحما فانيا، ولا صغيرا ضرعا. (¬4) الضمير فى فى قوله: "قلت له" عائد على منشد هذا البيت للشارح. (¬5) الصرماء من الإبل: التى لا أخلاف لها. ومذكر: تلد الذكور، وهو مكروه فى الإبل. يقول: هذه حرب تأتى بما يكرهه الناس (السكرى ملخصا).

وقال أيضا

ألم تر أنّا أهلُ سَوداءَ جَوْنةٍ ... وأهلُ حجِابٍ ذى قِفافٍ مُوَقَّرِ الحجاب: ما ارتفع من الحَرّة (¬1) حتى يصيَر كأنّه جبل. جَوْنة: حَرّة. مُوَقَّر: به آثارٌ فى رأسه قد وَقرَتْه. وقال أيضا فِدًى لبِنِى لِحْيانَ أُمِّى فإنّهمْ ... أطاعوا رئيسا منهمُ غيرَ عُوَّقِ (¬2) أبأْنا بيَوْم العَرْج يوما بِمثلِه ... غَداةَ عُكاظٍ بالخَليط المفرّقِ (¬3) قال: يقول: كان يومُ العَرْج علينا، فأَبأْنا به يوما بمثله، يقول: جزَيْناهم حين لقِيناهم بعُكاظ. فقَتْلَى بقَتْلاهْم وسَبْياً بسَبْيهِمْ ... ومالًا بمالٍ عاهِنٍ لَم يُفرَّقِ العاهن: الحاضر (¬4)، قال أبو سعيد: ولم أَسمَعْ له بفِعْل. فَيْبَرحُ (¬5) منهمْ مُوَثقٌ فى حِبالنِا ... وعَبْرَى متى يُذْكَرْ لها الشَّجْوُ تَشْهَق ¬

_ (¬1) الحرة: أرض ذات حجارة سود نخرات كأنها أحرقت بالنار. (¬2) غير عوّق: لا تحبسه الأمور. يقول: لم يعوّق القوم عن حاجتهم (السكرى). وفى (اللسان) يقال: رجل عوّق: تعتاقه الأمور عن حاجته. (¬3) أبأنا: كافأنا، يقال: أبأت هذا بهذا: قتلته به (السكرى). والعرج: موضع بين مكة والمدينة، وينسب إليه العرجى الشاعر المعروف. (ياقوت) (¬4) المال العاهن: الذى يبيت فى أهله. وضدّه العازب، وهو المتنحى (السكرى). (¬5) فيبرح: أي لا يبرح. وفى السكرى، "فيبرح" أي لا يزال.

وقال أيضا

مكبَّلة قد خَرَّقَ السَّيْفُ حِقْوَها ... وأخرى عليهاِ حِقْوُها (¬1) لَم يُخَرَّقِ قال أبو سعيد: الحَقْوُ هاهنا الزَّوج فيما نَرَى، والحَقْو فى موضع آخر: الإزار. وقال أيضا لإلْدِكَ (¬2) أَصحابِى فلا تَزْدَهِيهمُ ... بِسايَةَ إذ مدّتْ (¬3) عليكَ الَحلائبُ كذا أنشَدَنى "لإلدكِ"، قال لى: هم الصِّغار، ويُروَى "لِوُلْدك". تزدهيهم، يقول: لا تَحقِروا أصحابى فإنّهم إذا جاء الناسُ وكَثُروا دَفَعوا عنّى، "وهى حَلْبَة وحَلائب" (¬4). طَرحْتُ بذى الجَنْبَيْن صُفْنى (¬5) وقِرْبتَى ... وقد أَلَّبوا خَلْفى وقَلَّ المَساربُ (¬6) الصُّفن: واحد، وجماعُته أَصْفان وصُفُون، والصُّفْن: شئٌ يشبِه الزِّنْفِيلَجَة (¬7) يُشْتار فيه العسل، قال أبو سعِيد: وإنّما طَرَحَ صُفْنَه وقِربَتَه لِيَخِفَّ إذا هَرَب. وَقلَّ المَسارب، أي قَلَّ مكانُ أَسُربُ فيه. ¬

_ (¬1) وبكسر الحاء أيضا، وجمعه "حقىّ" بكسر الحاء وضمها مع تشديد الياء. (¬2) في رواية. "أولئك أصحابى" وفى رواية "بودّك أصحابى". وساية: واد. وتزدهيهم: تستخفهم. (¬3) فى رواية "دمّت علينا" (معجم ياقوت). (¬4) الحلائب: الجماعات (السكرى). وفى اللسان: الحلبة الدفعة من الخيل فى الرهان خاصة، والجمع حلائب على غير قياس، ومنه "لبث قليلا يلحق الحلائب"، أي الجماعات. (¬5) في السكرى: "سعنى". مكان "صفنى" والسعن: قدح صغير يحلب فيه. وقال فى لسان العرب: السعن، القدح العظيم: واستشهد بهذا البيت. (¬6) رواية شرح القاموس (مادة سعن) "المذاهب" بدل "المسارب". (¬7) الزنفيلجة: معرّب، وأصله بالفارسية زين بيلة (اللسان).

وكنتُ آمْرَأً فى الوَعْثِ (¬1) مِنّى فُروطَةٌ ... وكلُّ ريُود (¬2) حالِقٍ أنا واثِبُ يقول: إذا كنتُ فى الوعث افترطتُه فمررت مَرا سريعا، وإذا أتيتُ حالِقا له رُيُود وَثَبْتُه. والحالِق: المُشرِف من الجبال. فُروطَةٌ: تَقَدُّمٌ. فما زِلتُ فى خَوْفٍ لَدُنْ أن رأيتُهمْ ... وفى وابلٍ حتى نَهَتْنى المَناقِبُ قوله: لَدُن أنْ رأيتهمْ، قال: رأَى قوما يطلبونه، فهَرَب منهم، وكان فى مِثلِ الوابِل من شِدّةِ عَدْوِه. وقوله: حتّى نَهَتْنى المنَاقب، قال: هي ثَنايَا ذات عِرْق، وكلّ طريقٍ فى جَبلٍ أو غَلْظ فهو مَنقَب. فواللهِ لا أَغْزُو ومُزَيْنةَ بعدَها ... بأرضٍ ولا يَغْزُوهمُ لىَ صاحِبُ أَشُقّ جِوارَ (¬3) البِيدِ والوَعْثِ مُعْرِضا ... كأنّى لما قد أَيْبَس الصَّيْفُ حاطِبُ جِوار البِيد: ما جاوَرَ، وهو الجِوار، ولا واحد له. قوله: معرِضا يقول: لا أبالى ما وَطِئْتُ، أَكْسِر لا أُبالى، كأنّي حاطِب لِما أَيْبَس القَيْظ من الحَطَب. غَيالٌ وأَنْشامٌ وما كان مَقْفِلى ... ولكنْ حَمَى ذاكَ الطَّريقَ المَراقِبُ (¬4) غَيال: شجر. وأَنْشام: جمعُ نَشَم، وهو ضربٌ آخرُ من الشَّجَر. والمَرْقَبة: موضعُ المَخافة. ومَرْقَبة: جمعُه لَمراقِب. ¬

_ (¬1) فى كتب اللغة أن الوعث هو الرمل الذى تسوخ فيه الرجل. (¬2) الريود: جمع ريد، وحرف يندر من الجبل. (اللسان). (¬3) في السكرى: "جواز" مكان "جوار" وفسره فقال: جواز، أراد جوز. وجوز كل شيء وسطه. (¬4) ورد هذا البيت فى السكرى هكذا: غيارا واشماسا وما كان مقفلى ... ولكن حمى ذل الطريق المراهب وشرحه فقال: غيار: يأتى الغور. وإشماس: يصعد فى الجبل يستقبل الشمس. وروى فيه أيضا: "غيال وإشآم" بكسر الغين، وشرح هذه الرواية فقال: غيال: آجام. وإشآم: يأتى الشأم. وذل الطريق: سهلها. والمراهب: المخافات (اهـ ملخصا).

ويمّتُ قاعَ المُستحيرةِ (¬1) إنّنى ... بأنْ يَتلاحَوا آخِرَ اللَّيلِ آربُ يقول: نَجوْتُ منهم وتركتُهم. يتلاحوْا: يَتسابُّوا، يقول بعضُهم لبعض: فَعَلَ اللهُ بنا وفعل بنا، كيف انفَلَتْنا. يقول: فلِى حاجةٌ أنا فى أن أنجوَ ويتلاحَوْا. والإِرْب: الحاجة. جِوارَ شَظِيَّاتٍ وبَيْداءَ (¬2) أَنتَحِى ... شَمارِيخَ شُمًّا بينهنَّ خَبائبُ الخَبائب: الطرائق. جِوار: موضِعُ المُجاورة، يريد شَمَاريخَ شُمًّا بين طرائقَ شَظِيّات. بَيْداء: قَفْرِ. أَنتحِى: أعتمِد. والشَّماريخ: رءوسُ الجبال العُلا المُشرِفة، والواحد شمْراخ. فلا تَجزَعوا، إنا رجالٌ كمِثْلِكمْ ... خُدِعْنا ونَجّتْنا المَنَى والعَواقِبُ (¬3) يقول: نحن رجالٌ خُدِعنا مِثْلَك ووقَعنا، فلمّا وقعْنا نجتْنا المنَى، أي القَدَر. والعواقِب، أي كان عاقِبةً عليكم. يقول: أَوطأْنا عِشْوَةً فيكم: أخطَأْنا الطريقَ وأَخذنا الطريقَ الّذى لا ينبغى أن نأخذَه حتّى وَقعْنا فيكم. كَمْعجِزِكْم يومَ الرَّجيعِ حِسابنَا ... كذَلكم إنّ الخُطوبَ نَوائبُ (¬4) ¬

_ (¬1) قاع المستحيرة: بلدة. يتلاحوا: يلوم بعضهم بعضا فى إفلاتى منهم. وآرب: أي طامع حريص. اهـ ملخصا من السكرى. (¬2) فى السكرى: "جواز شظيات وبيدان أنتحى"، وشرحه فقال: جواز ومجاز وسط. وشظيات: رءوس الجبال. وبيدان: موضع. وأنتحى: أعتمد. (¬3) ضبط السكرى قوله: "خدعنا" بالبناء للفاعل. وضبط قوله: "المنى" بضم الميم، وشرح البيت فقال: نجتنا المنى، أي منيناكم وخدعناكم: والعواقب: أي بقية من عيشنا. يقول: فلا تجزعوا مما أصابكم منا فإنا قد أصبنا منكم. (¬4) فى السكرى "كمعجزكم" بضم الميم وفتح الجيم. وشرح البيت فقال: كمعجزكم، أي كاعجازنا إياكم. وحسابنا، أي كثرتنا. يقول: كما غلبتمونا غلبناكم.

وقال يذكر الوقعة

يقول: كما عَجزْتم يومَ الرَّجيع. يقول: كما كنتمْ يومَ الرجيع كانَ لكُم علينا فلا تَجزَعوا أنْ يكون لنا عليكم يوم. وقولُه: "إنّ الخطوب نوائب" أي لكم وعليكم فلا تجزَعوا. والرَّجِيع: وادٍ لهذيل بين مكّة والمدينة. كأنّ ببَطْنِ الشِّعْب غِرْبانَ غِيلةٍ ... ومِن فَوقِنا منهمْ رِجالٌ عَصائبُ غِيلة: شجرٌ ملتَفّ. والشَّجر: الغِيل. والماء: الغَيْل. كأنّ ببَطْن الشِّعب من كثرتِها غِرْبانا قد اجتمعت. ومِن فوقِنا، أي من فوق الجبل أيضا. رجالٌ عَصائب، أي جماعات. وكان (¬1) لهم فى رأسِ شِعْبٍ رقيبهم ... وهل تُوحِشَنْ مِنَ الرِّجال المرَاقِبُ يقول: لا تَخْلو المَراقب من الرَّجال يترقّبون فيها. وقال يذكر الوقعة لمّا رأيتُ عَدِىَّ (¬2) القوم يَسْلُبهمْ ... طَلْحُ (¬3) الشَّواجنِ والطَّرْفاُء (¬4) والسَّلَمُ (¬5) ¬

_ (¬1) رواية السكرى: "فقلت لهم" مكان "وكان لهم" وفيه أيضا "فى رأس شعف" مكان "فى رأس شعب". (¬2) فى شرح القاموس "مادة عدا": العدىّ كغنىّ جماعة القوم بلغة هذيل يعدون للقتال ونحوه. وقد شرح السكرى هذا البيت فقال: عدى القوم: حاملتهم الذين يعدون على أرجلهم. والشاجنة: مسيل الماء إلى الوادى، وهي شعاب وطرق تكون فجوة فى الجبل تتسع أحيانا وتضيق أحيانا، واحدها شعب، ويسلبهم، لأنهم هزموا فتتعلق ثيابهم بها فيتركونها. قال: لا يزال أحدهم يمرّ بالشجر فيمشقه فيأخذ ثوبه (اهـ ملخصا). (¬3) الطلح: شجرة حجازية جناتها كجناة السمرة، ولها شوك أحجن، ومنابتها بطون الأودية، وهى أعظم العضاه شوكا وأصلبها عودا وأجودها صمغا، وهو المعروف بشجر أم غيلان (اللسان). (¬4) الطرفاء: جماعة الطرفة، والطرفة شجرة معروفة، وبها سمى طرفة بن العبد الشاعر المعروف. (¬5) السلم بفتحتين: شجر من العضاه، وهو صلب العيدان طولا شبه القضبان، وليس له خشب وإن عظم، وله شوك دقاق طوال حادّ إذا أصاب رجل الإنسان، وللسلم برمة صفراء فيها حبسة خضراء طيبة الريح، وفيها شيء من مرارة، وتجد بها الظباء وجدا شديدا (اللسان).

قال أبو سعيد: يقول: اِنهزَموا، فجَعَل الطلحُ والطَّرفاءُ يَمْشُقهمْ وهم يَعْدُون فى الشّجر، يَهرُبون منهزمين، ومِثلُ هذا قولُ الآخَر: وأَحسبُ عُرْفُطَ الزَّوْراءُ يُودى ... علىّ بوَشْكِ رَجْعٍ واستلال (¬1) قال أبو سعيد: هذا الشقِيُّ فَرِق فَحسِبَ أنّ السيفَ يُسَلّ عليه. كَفَّتُّ ثَوبىَ لا ألوِى على أَحَدٍ ... إنِّى شَنِئْتُ الفَتى كالبَكْرِ يُخْتَطَمُ (¬2) شَنِئتُ، أي أَبغَضْتُ. كالبَكْر يُختطم، يقول: إذا فَزع قامَ كما يقوم البَكْر وصيَّره بَكْرا لأنّه أضعَفُ الإبل، ولو أنّه صَيَّره فَحْلا رَفَسَه. وقلتُ مَن يَثْقَفُوه (¬3) تَبْكِ حَنَّتُه (¬4) ... أو يَأْسرُوه يَجُعْ فيهمْ وإن طَعِموا حَنَّتُه: اِمرأتُه. يَجُعْ فيهم وإن طَعموا، قال: يقول: يأكلون ويشربون وهو بمنزلة الكَلْب، إذا فَرَغوا أطَعموه. وزعمَ الحسنُ فى قوله عزّ وجلّ: (مِسْكِينًا ويَتِيماً وأَسِيراً) قال: ما كان أسراهم إلّا المُشْرِكين. ¬

_ (¬1) هذا البيت لحبيب الأعلم الهذليّ. انظر صفحة 85 من القسم الثانى من ديوان الهذليين، طبع دار الكتب المصرية. (¬2) لا ألوى على أحد، أي لا أقف ولا أنتظر. وقد شرح السكرى هذا البيت فقال: كفت: شمرت. ألوى: أرجع وأعطف. شنئت: أبغضت. يختطم: يذل ويؤسر. قال: ضمت ثيابي ومضيت أعدو لا ألوى على أحد اهـ. (¬3) يثقفوه: يظفروا به، ومنه قوله تعالى فى سورة الممحنة: "إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءا". (¬4) حنة الرجل وطلته وربضه وجارته وحاله وعرسه وقعيدته وزوجته وحليلته وامرأته كله بمعنى واحد.

واللهِ ما هِقْلةٌ حَصّاءُ عَنَّ لها ... جَوْنُ السَّراةِ هِزَفٌّ لَحْمُها (¬1) زِيَمُ هِقْلة: نَعامة. والذَّكَر هِقْل. حَصّاء: قد تَحاتَّ عنها الرِّيش، وذلك من كبَرها، فهو أشدُّ لها، وأنشَدَنا "مُعْط الحُلوقِ عن عُرُضٍ": أي يُبارِيها ذَكَر فى العَدْو (¬2). والهِزَفّ والهِجَفّ: واحد، وهو الجافِى. وقولهُ: لَحمُها زِيَم، أي قِطَع على رءوس العِظام، يقول: ليستْ بمَذْمومة، وذلك أشدُّ لها. كانتْ بأَوْدِيَةٍ مَحْلٍ فجادَ لها ... من الرَّبيعِ نِجاءُ نَبْتُه دِيَمُ قال: يريد أصابها نِجاء من المطر، ونبته أيضا: دِيم من المطر، يقول: كانت بأوديةٍ غُبْر فهى بضُرّ، ثم جاد لها بنَبْتِ ما تَأْكل" وهو أشدُّ لها (¬3). فهى شَنُون قد ابتَلّت مَسارِبهُا ... غيُر السَّحوِف ولكنْ عَظْمُها (¬4) زَهِمُ ¬

_ (¬1) لحمها زيم: متعضل متفرّق ليس بمجتمع فى مكان فيبدن (اللسان)، وفى السكرى "تالله" مكان "والله" "وهجف لحمه" مكان "هزف لحمها" وشرحه فقال: الهقلة: أنثى الظليم. والحصاء: التي لا ريش على رأسها. وهجف: ضخم. ويروى "هزف" وهو أجود الروايتين. والهزف: الخفيف. زيم: متقطع ها هنا وها هنا، وذلك لقوّة لحمه وصلابته. وعنّ: اعترض. وجون السراة يعنى ظلما (اهـ ملخصا). (¬2) يباريها ذكر فى العدو: تفسير لقوله فى البيت "عنّ لها ... جون السراة". كأنه يقول: اعترضها هذا الظليم مسابقا لها فى عدوها. (¬3) شرح السكرى هذا البيت فقال: واد محل وأودية محل سواء. ونجاء: جمع نجو، وهو السحاب. وديم: أمطار تدوم أياما، أي بين كل سحابتين ديمة، وهو المطر اللين يدوم اليوم واليومين. (¬4) فى السكرى "لحمها" بدل "عظمها" وفسر البيت فقال: مساربها جوانب بطنها. يقول: قد أخذ الشحم فيها. وشنون: بين السمين والمهزول. والسحوف التى يقشر عن منها الشحم. يقول: ابتدأ فيها السمن وليست بالسحوف. وزهم: سمين. ويقال: مساربها مجارى الشحم فيها. وفى الأصل. "غير" بالباء؛ وهو تصحيف.

غزت بنو كعب بن عمرو من خزاعة بنى لحيان

السَّحوف: الّتى تُسحَف عن ظَهْرِها قطعَةُ شَحْم. وقولُه ابتلّت مَساربُها وهي غَيْرُ السَّحوف، وهو أقوَى لها. وعَظُمها زَهِم، أي فيه مُخّ. والشَّنون: الّذى بين السَّمين والمهزول. بأسرعَ الشَّدّ منّى يومَ لانَيِةٍ (¬1) ... لمّا عَرَفْتُهمُ واهتزّتِ اللِّمَمُ قال أبو سعيد: مِثلُ هذا البيت: يَعْدُو بهمْ قُرزُلٌ ويَلْتَفتُ النا ... سُ إليهمْ وتَخفِق اللِّمَمُ هَجاهمْ وعَيّرهْم بفِرارهم. يقول: إنّهم عَدَوا فتحركتْ لِمَمُهُمْ وهم يَعْدون. وقُرْزل: فرس طُفَيل بنِ مالك. وطُفيل، هو أبو عامر. غَزَتْ بنو كَعب بنِ عَمْرو مِن خُزاعةَ بنى لحيْانَ فقال فى ذلك اليوِم (مالِكٌ) (¬2) ولَم يَشْهَدْه فدًى لِبنى لِحْيانَ أُمِّى وخالتى ... بما ماصَعُوا بالجِزْعِ رَجْلَ بنى كَعْبِ قال أبو سعيد: مُنْثَنَى الوادى يقال له الجِزْع. والخَرَزُ الّذى ينُظَم يقال له: الجَزْع. والمُماصَعة: المُماشَقة (¬3) بالسَّيْف. والرَّجْل: الرَّجّالة. ¬

_ (¬1) نفى "بلا" وترك ما بعدها مجرورا بالإضافة، ومثله قول الشماخ: إذا ما أدلجت وصفت يداها ... لها الإدلاج ليلة لا هجوع وقول رؤية: "لقد عرفت حين لا اعتراف". والنية كعدة: الفترة، من ونى ينى نية: إذا فتر. (¬2) قدم السكرى لهذه القصيدة بما نصه: قال نصران والأصمعي: غزت بنو عمرو بن خزاعة بني لحيان بأسفل ذى دوران، فامتنعت منهم بنو لحيان، فقال مالك ولم يشهد معهم، ورواها ابن حبيب لحذيفة بن أنس "فدى لبنى لحيان" الخ. (¬3) المماصعة: المجالدة بالسيوف.

ولمّا رَأَوْا نَقْرَى (¬1) تَسيلُ إكَامُها ... بأَرْعَنَ جَرّارٍ وحامِلةٍ (¬2) غُلْبِ نَقَرَى: موضعٌ بعَيْنه. وأنشَدَنا أبو سعيد "بالجِزْع مِن نَقَرَى نِجاءُ خَريف (¬3) ". وقوله: تَسيلُ إكامُها، هذا مَثَل، يقول: سالَ الوادى بهم، يريد الكثرة. تَنادَوا فقالوا يالَ لِحْيانَ ماصِعوا ... عن المَجْد حتى تُثْخِنوا القومَ بالضَّرْبِ (¬4) المُماصَعة: المُماشَقة بالسيف. فضارَبَهمْ قومٌ كِرامٌ أعِزّةٌ ... بكلِّ خُفافِ (¬5) النَّصْل ذى رُبَدٍ عَضبِ الخفاف: الخفيف. الربد: آثار سود. والعضب: القاطع من السيوف. فما ذَرَّ قَرْنُ الشّمسِ حتّى كأنّهمْ ... بذاتِ اللَّظَى خُشْبُ تُجَرُّ إلى خُشْبِ ذَرَّ: طَلَع. وقَرْن كلّ شيء: أوْله وما يبدو منه. وذاتُ اللَّظَى: مكان. خُشْب، يقول: قَتْلاهم خُشُبٌ مُصرَّعة، وأَشَدَنا: كأنّ قَتلاهمْ بحيث تَرتَمِى ... كخُشُبِ المَدينةِ المُحْرَنْجِم (¬6) ¬

_ (¬1) نقرى (بالتحريك): موضع، وإنما سكن القاف للشعر. (¬2) فى السكرى: "وحامية" مكان "وحاملة" وشرح قوله "حامية" فقال: هم قوم يحمون. والغلب: الغلاظ الأعناق. (¬3) هذا عجز بيت لعمير بن الجعد الخزاعى قاله فى يوم حشاش، وصدره: "لما رأيتهم كأن نبالهم": وفسر ياقوت هذا البيت فقال: أي كأن نبالهم مطر الخريف، وأورد بعد ذلك أبياتا تكملة لهذا البيت انظرها فى الجزء الرابع صفحة 804، 805 طبع أوربا. (¬4) شرح السكرى هذا البيت فقال: تنادوا وتواصوا فقالوا. ماصعوا: ضاربوا. تثخنوا: تثقلوا. (¬5) الخفاف (بضم الخاء) والخفيف بمعنى واحد: وربد (بضم الراء وفتح الباء): لمع؛ وعن أبى عمرو أنه يريد بالربد: قرند السيف، وهو جوهره. وأورد السكرى بعد هذا البيت بيتا آخر لم يرد فى الأصل، وهذا نصه: أقاموا لهم خيلا تزاور بالقنا ... وخيلا جنوحا أو تعارض بالركب (¬6) المحرنجم: المجمع بعضه إلى بعض.

كأنّ بذى دَوّانَ والِجزْعِ حولهَ ... إلى طَرَف المِقْراةِ أرغِيةَ السَّقْبِ (¬1) قال أبو سعيد: هذا مَثَل، يقول: أصابهم مِثلُ ما أصاب ثمود، وأنشدنا الهُذَلىّ: ورَغَا بهمْ سَقْبُ السَّماءِ وخُنِّقتْ ... مُهَجُ النّفوسِ بِكارِبٍ متزِلِّف (¬2) وأنشدنا لعلقمةَ بنِ عَبَدة: رغا فوقَهمْ سَقْبُ السماءِ فداحِصٌ ... بشِكّتِه لم يُسْتَلَبْ وسَلِيبُ ¬

_ (¬1) روى السكرى وياقوت هذا البيت بما نصه: كأن بذى دوران والجزع حوله ... إلى طرف المقراة راغبة السقب ورواه السكرى أيضا: كأن عليهم حين دارت رحاهم ... إلى طرف ... ... ... الخ وشرحه فقال: أي هلكوا بالقتل كما هلكت ثمود حين رغا سقب الناقة فهمدوا، فكذلك هؤلاء حين قتلوا. "وذو دوّان" لم نجده فيما بين أيدينا من الكتب المؤلفة فى أسماء الأماكن والبلاد. والذى وجدناه فى معجم ياقوت أن ذا دوران واد يأتى من شمنصير وذروة، وبه بئران يقال لإحداهما رحبة وللأخرى سكوبة، وهو لخزاعة. والمقراة: موضع بين إمرة وأسود العين، وهو المذكور فى قول امرئ القيس من معلقته المشهورة: فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمأل (¬2) البيت لأبى كبير الهذلى انظره وشرحه فى صفحتى 108، 109 من القسم الثانى من ديوان الهذليين طبع دار الكتب المصرية

وقال حذيفة بن أنس أحد بنى عامر بن عمرو بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل

وقال حُذَيفة بن أنَس أحدُ بنى عامر بن عَمْرو بنِ الحارث بنِ تميم بنِ سعد بنِ هُذَيل (¬1) ألَا أبْلِغَا جُلَّ السَّوارِى وجابرًا ... وأبلِغْ بنى ذِى السَّهْمِ عنّا ويَعْمَرَا سارية: مِن نُفاثةَ بنِ الدِّيل (¬2). قال أبو سعيد: وهو قول عمر: يا سارية الجَبَل. فيقول: أبلغْ جُلَّ أهل ذلك البيت. وقولُه: "بنى ذى السَّهْم"، قال أبو سعيد: أظنّهم من عَجزُ هَوازِن. ويَعمَر: من بنى لَيث (¬3). وُقولَا لهمْ عنّى مَقالةَ شاعرٍ ... أَلمَّ (¬4) بقَوْلٍ لَم يُحاوِل ليَفْخَرا يقول: قلتُ هذا القولَ ولم أحاولْ أنّى أقول باطلا، إنّما قلت حقّا ليُفخَر به. هذا مِثلُ قولك: أقولُ ذلك ولا فَخْر؛ قال: وإذا هو لم يَفْخَر كان أجْدَر أن يقولَ الحقّ. لعلّكمُ لمّا قَتَلْتمْ ذَكرتمُ ... ولن تتركوا أن تَقْتُلوا مَن تعَمَّرَا ¬

_ (¬1) قدّم السكرى لهذه القصيدة بما نصه: وقال حذيفة بن أنس بن الواقعة -وهي أمه- أخو بنى عمرو ابن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل وبنى عبد بن عدى بن الديل يوم قتل جندب قيسا وسالما بنى عامر بن عريب الكنانيين، وقتل سالم جندبا اختلفا ضربتين ... ... ويرد حذيفة على البريق بن عياض ابن خويلد اللحيانى قوله: لقد لاقيت حين ذهبت تبغى ... بحزم نبايع يوما أمارا أمار: أسال الدماء. فقال حذيفة يجيبه: "ألا أبلغا" الخ. (¬2) هذا قول الشارح. أما السكرى فيقول: السوارى قوم يقال لهم بنو سارية من بنى عبد بن بكر ابن كنانة. (¬3) أما السكرى فقد ذهب إلى أن يعمر قبيلة من بنى نفاثة بن كنانة. (¬4) فى السكرى: "ملم بقول".

قال: يقول: لمّا قتلتمْ ذَكَرتم الذُّحول. قوله: مَن تَعَمَّرا أي من يُنسَب إلى يَعْمَر (¬1)، وأنْشَد: * وقَيس غَيْلانَ ومَن تَقَيَّسا * أي هو منهم بنَسَب. أَلَم تَقْتُلو الِحرْجَين (¬2) إذ أعْوَرَا لكمْ ... يُمِرّان فى الأيْدى اللِّحاءَ المضَفَّرا الحْرجَان، قال: شَبَّههما من بياضهما بوَدَعتين، يقول: قتلوهما وهما فى حُرمةٍ قد أخَذَا من لحاء شجر الحَرَم فضَفَّرَا. قال: ويكون أيضا الِحرْجان رَجلين يقال لهما: الحِرْجان. ويُروَى عَوَّرا لكم أي بدَتْ لكم عَوْرَتُهما. وأَرْبَدَ يومَ الجِزْع لمّا أتاكمُ ... وجارَكُمُ لَم تُنْذروه ليَحْذَرا (¬3) لم تُنذِروه لِيحذر، يقول: سكَتُوا عنه حتّى قُتل. ¬

_ (¬1) فى شرح القاموس (مادة عمر) ما نصه: وبنو عمرو بن الحرث قبيلة، وقد تعمر: انتسب إليه، وبه فسر قول حذيفة بن أنس الهذلى "لعلكم لما قتلتم" الخ. (¬2) الحرجان: رجلان كان أحدهما يقال له حرج. أعورا لكم، أي بدت لكم عورتهما. ويقال أعور الرجل إذا أمكنتك منه الغرة والعورة. وقوله "يمران" أي يقتلان فى أيديهما من لحاء شجر الحرم لتكون لهما بذلك حرمة، كان الرجل فى الجاهلية يأخذ لحاء شجر الحرم فيجعل منه قلادة فى عنقه ويديه فيأمن بذلك، فعيرهم هذا بقتل الحرجين، وقد فعلا ذلك؛ وأصل الحرج: الودعة، شبه الرجلين فى بياضهما ببياض الودعة. ويقال: أعور الرجل إذا انهزم (السكرى ملخصا) وقد أورد اللسان هذا البيت بنصه، وضبط قوله "يمران (بفتح الياء وضم الميم) وشرحه فقال: إنما عنى بالحرجين رجلين أبيضين كالودعة، فإما أن يكون البياض لونهما، وإما أن يكون كنى بذلك عن شرفهما، وكان هذان الرجلان قد قشرا لحاء شجر الكعبة ليتخفرا بذلك. والمضفر: المفتول كالضفيرة. (¬3) رواية السكرى. وأربد يوم الروع لما أتاكم ... وجاركم لم تنذروه فيحذرا وشرحه فقال: أربد بن قيس، هو أخو لبيد بن ربيعة من أمه، يريد واذكروا أربد لما أتاكم. وفى رواية "الروع"، مكان "الجزع".

كَشَفْتُ غِطاءَ الَحْربِ لمّا رأيتُها ... تنَوُءُ (¬1) على صَغْوٍ من الرأس أصْعَرا كَشفتُ غِطاءَ الحَرْب، يقول: كنتُ أستُرها عنهم، فقد كَشفتُ غِطاءَها وأبرَزْتُها اليوم. بقَتْل بن الهادي وقيس بن عامر ... كَشَفتُ لهم وِتْرى وكان مُخَمَّرا (¬2) كشفتُ لهمْ وِتْرِى، يقول: وِتْرا كان مُغَطّى أستُره أن يَعرفَه أحد، فقد كشفُته، والوِتْر: الذَّحْل، والذَّحْل: الأمرُ الذي أَثأَرْتَ به. ونحن جَزَرْنا نَوْفَلاً فكأنّما ... جَزَرْنا حِمارًا يأكلُ الَقِرْفَ (¬3) أَصْحَرا يقول: لم يَفزَع لقَتْله أحد، فكأَنّما قَتَلْنا به حمارا أصَحرَ، والصُّحْرة من اللون: إلى الحرة. وقِرْف الشجر. قِشرُه. جزَرْنا حمارا يأكل القِرْفَ صادِرًا ... تَرَوَّحَ عن رمٍّ (¬4) وأُشْبِعَ غَضْوَرا رِمّ: اسم ماء، وغَضْوَر: أخبَثُ الحشيش (¬5). ¬

_ (¬1) تنوء: تنهض. يقول: حاربتهم على صغو: على ميل، يقال: صغو فلان مع فلان أي ميله. قال: ويروى «على ضغو» والضغو: الجانب. والأصعر: الذي فيه ميل (السكرى ملخصا). (¬2) ذكر السكرى في تفسير قوله: «مخمرا» ما نصه: أي وكان وترى مغطى أستره أن يعرفه أحد فيعيرنى به، فكشفته لما أدركت بثأرى، أي كنت كالرجل المقنع من الحياء حتى قتلت فيهم. وفى الحديث: خمروا آنيتكم أي غطوها. (¬3) قرف الشجر: لحاؤه، والصحرة: بياض في حمرة. ونوفل: سيد بني الديل. والقرف هو لحاء العضاه، وكل شجر له شوك فهو عضاه اهـ ملخصا من السكرى. (¬4) ذكر ياقوت فى الرم (بكسر الراء) أنه بناء بالحجاز فى شعر هذيل، وأورد هذا البيت والذي قبله منسوبين إلى حذيفة بن أنس الهذلى هذا. (¬5) قال في السكرى: رم: موضع. وغضور: شجر يكون بمكة. وروى أبو عمرو وأبو عبد الله: "تروّح عن رم" بفتح الراء. والرم: ما يرتم، أي يأكل ويصيب شيئا بعد شيء. والغضور: شجر يشبه السبط، والسبط: شجر صلب طوال في السماء، دقاق العيدان، تأكله الإبل والغنم، وليس له زهرة ولا شوك وله ورق دقاق على قدر الكراث، واحدته سبطة (بالتحريك) وجمع السبط أسباط.

ألا يا فتىً ما نازَلَ القومَ واحداً ... بنَعْمَانَ لم يُخْلَق ضَعيفًا مُثَبَّرا المثبرّ: الهالك، وليس هو عن الأصمعىّ (¬1). أخو الحربِ إنْ عَضّت به الحربُ عَضَّها ... وإن شَمَّرتْ (¬2) عن ساقِها الحربُ شَمَّرا يقول هو: الحَرْب قد زاوَلهَا وعالجَهَا، فإنّ عضّته عضّها، وإن غمزتْه غَمَزَها هو. ويمشى إذا [ما] (¬3) الموتُ كان أمامَه ... لِقَا المَوْتِ يَحمِى الأنفَ أن يتأخّرا قال أبو حفص الأصفَهانىّ: أَرْوِيه عن بُنْدار: "قِدَى الرُّمْح" مكان "لِقَا الموت" ولم يُثبت أبو إسحاقَ هذا البيت، وأنكَره، قال: قَصَر اللِّقاء. فلو أَسمَعَ القوم الصُّراخ لقُورِبَتْ ... مصارِعُهمْ ببن الدَّخول وعَرْعَرا (¬4) لقُورِبَتْ مَصارِعُهم، يقول: لقُتِل بعضُهم إلى جَنْب بعض. ¬

_ (¬1) أورد السكرى في تفسير هذا البيت ما نصه: «ألا يا فتى ما نازل القوم»، يتعجب. «وما» زائدة وقوله «مثبرا» قال: سألت الأصمعى عن تفسيره فلم يفسره، وحدثنى بحديث فيه قال: قال عمر رضي الله عنه: يا أنس، ما ثبر الناس؟ قال: عجلت لهم الدنيا وأخرت لهم الآخرة. ويروى «منترا» أي ضعيفا لا خير فيه، من النتر. وقول الله تعالى (وإنى لأظنك يا فرعون مثبورا) أي مدفوعا عن الخير محدودا. وقول عمر: ما ثبر الناس أي ما دفعهم عن الخير وأبطأ بهم عنه، (اهـ ملخصا من السكرى). (¬2) شمرت: قلصت ولقحت واشتدّ أمرها، يريد إن غمزته لم يقر لغمزها، وإن جدّ أمرها واشتدّ جدّ واشتدّ كذلك (السكرى ملخصا). (¬3) في الأصل: «إذا الموت»؛ وهو على هذا غير مستقيم الوزن، والصواب ما أثبتنا نقلا عن السكرى الذي أورد هذا البيت فقال: ويمشى إذا ما الموت كان أمامه ... لدى الموت يحمى الأنف أن يتأخرا وشرحه فقال: أي يحمى أنفه، يأنف من التأخر؛ يقول: لا يهرب. (¬4) الدخول: موضع. وعرعر: واد بأرض هذيل. ويقول السكرى في شرح هذا البيت ما نصه: لو استمعوا الصراخ لقتلوا هناك. وقوربت: قاربت.

وأَدْرَكهْم شُعثُ النّواصى كأنهمْ ... سَوابقُ حُجّاجٍ تُوافِى المُجَمَّرا (¬1) أي وأدرَكَهم شُعْث، أي وأدركهمْ قومٌ غُزَاةٌ شُعثُ الرءوس، فكأنّهم قومٌ مُحرِمون. هَمُ ضَرَبوا سعدَ بنَ ليَثٍ وجُنْدُعًا ... وكَلْبا (¬2) غَداةَ الِجزْع ضَرْبا مُذَكَّرا ضَربًا مذكَّرا: لا تأنيث (¬3) فيه. والجِزْع: مُنْثَنىَ الوادى. نجا سالمٌ والنفسُ منه بشدْقِه (¬4) ... ولمَ يَنْجُ إلاّ جفنَ سَيْفٍ ومِئْزَرا قال: يريد ولم ينج إلاَّ بجَفْن سَيْف ومئزَر، فلمّا حذفَ حرف الجرّ نَصبَه. وطابَ عن اللَّعّاب نفسًا ورَبِّه ... وغادرَ قيسا في المَكَرِّ وعَفْزَرا (¬5) قال أبو سعيد: كان اللَّعّاب لعُمارة بن الوليد، وكان استودَعَه إيَّاه، فلمَّا غُشِىَ ركبَه. ¬

_ (¬1) شرح السكرى هذا البيت فقال: شعث النواصى، أي قوم غزاة قد شعثت رءوسهم من الغزو، وشبههم في شعثهم بشعث الحجاج المحرمين. وفي اللسان: الجمار: الحصيات التي يرمى بها في مكة واحدتها جمرة. والمجمر: موضع رمى الجمار هنالك، واستشهد ببيت حذيفة هذا. (¬2) يريد كلب بن عوف، وهم من بني ليث، وهم أشدّاء. السكرى. (¬3) شرح السكرى هذه العبارة فقال: ضربا مذكرا أي لا تأنيث فيه ولا استرخاء. (¬4) قال السكرى في شرح قوله «والنفس منه بشدقه» ما نصه: «أي كادت تخرج فبلغت شدقه». وقال: قال سيبويه: كأنه قال: «نجا ولم ينج» كما تقول: "تكلم ولم يتكلم" إذا كان كلامه ضعيفا. ونصب جفن سيف على الاستثناء المنقطع. (¬5) اللعاب: من أفراس العرب. وعفزر: اسم فرس سالم بن عامر بن عريب الكنانى أخى قيس وله ذكر في ديوان هذيل (تاج العروس).

وقال أيضا

وقال أيضًا عَجَبتُ لقَيسٍ والحوادثُ تُعْجِبُ ... وأصحابِ قَيْسٍ حين سارُوا وَقنَّبوا يقول: يوم صارُوا مقْنَبا؛ والمِقنْبَ: الجماعة. قال أبو حفص: هو ما بين الثلاثين إلى الأربعين. وعَمَّى عليه الموتُ يأتى طريقَه ... سِنانٌ كعَسْراء العُقاب ومِنْهَبُ قال أبو سعيد: عَسْراء العُقاب، رِيشةٌ بيضاءُ تكون في جناحها. والسِّنان: بدلٌ من الموت. يقول: أصابْته طعنةٌ عَمّت عليه مَذاهبَه حين غشيتْه وغَشيَه الدّم. ومِنهَب. فرسٌ كان عندهم لقريش: وكان لهْم في أهل نَعمانَ بُغْيةٌ ... وهَمُّكَ ما لم تُمضِه لك مُنْصِبُ فكانت على العَبْسِىِّ أوّلَ شَدَّةٍ ... وآبُوا عليه ثم صَدُّوا وجَنَّبوا آبوا: رجَعوا. وجَنَّبوا: عَدَوْا وقَرَّبوا. فَأدبَرَ يَحْدو الضَّأنَ بالمَتْن (¬1) مُصْعِدا ... فلاقَاهُما بين القُتائِد جُنْدَبُ ¬

_ (¬1) المتن: ما ارتفع عن الأرض واستوى.

قال: كانا رجلَين فَأدْبر أحدهما، فلاقاهما جُنْدَب، يعنى الرجلين. بين القُتائد، قال أبو سعيد: قُتادات: نابتات بمَوْضع (¬1) بعَرفة. فأَلَزَمَ قيسًا رَمْيَةً ذاتَ عانِدٍ ... وسَلَّ وسَلَّا يَضْرِبان ويَضْرِب فأَلزَمَ قيسًا رَمْيَةً أي أَثْبتَ فيه سهما. والعاند: الدمُ يأخذ معترِضا ليس بقاصد. وأَفلَتَ منه سالمٌ بعد كُرْبَةٍ ... وفي ثَوْب حَقْوَيْه دَمٌ يتصبَّبُ الإزار يسمَّى (¬2). قال أبو سعيد: ماتَ بعضُ بناتِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَلْقَى حَقْوا فقال، أشْعِرنَها إيَّاه: أي إزارا. والزَّوْج يسمَّى الحَقْو (¬3)، يريد في ثوبه دم. فيا لَهْفَ أمِّ العاذلات وهذه ... سَفاةٌ ولكنّى إلى الشَّفْع أرْغَبُ إلى الشَّفْع أرْغَب، يقول: أَشتهِى أن يكونوا شَفَعوهمْ بِمثْله، وهذه سَفاة، يقول: لأمنيّة (¬4) سفاة. ¬

_ (¬1) لم نجد قتادات فيما بين أيدينا من المظان. والذي وجدناه قتائد بضم القاف وقتائدة وهما اسمان لموضع معروف، قال الأديبى: أو هّو اسم لثنية مشهورة: وأنشد في ذلك قول عبد مناف بن ربع الهذلى حتى إذا أسلكوهم في قتائدة ... شلا كما تطرد الجمالة الشردا ثم قال: وقتائدات كأنه جمع الذي قبله، أي جمع قتائدة، جمع في الشعر على قاعدة العرب في أمثال له لإقامة الوزن. ثم قال: وهو جبل. وقيل: إن قتائدات نخيل بين المنصرف والروحاء. (¬2) الإزار يسمى، أي يمسى حقوا. (¬3) هذا على المجاز، ومنه قوله تعالى: "هنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ". (¬4) يقول: إن الأمنية التي عدّها أمنية هنا لا تجزئ، فهى سفاة. والسفاة: التراب.

كأنّ بنى عَمْرٍو (¬1) يُراد بدارهم ... بنَعمانَ راعٍ في أُدَيْمَةَ مُعْرِبُ كأنّ في عمرو، يَعجَب منهم، يقول: جاءوا إليهمْ كأنّما يريدون راعيا مُعزِبا. وأُدَيمة: جَبَل، يقول: قد اجترأوا عليهم حين أَتَوْهم كأنَّهم أَتَواْ راعِيا. وكنّا أُناسا أنطَقَتْنا سُيوفُنا ... لنا في لِقاء الموت حَدٌّ وكَوْكَبُ حدّ: بأس. وكَوكَب كلّ شيء: مُعظَمه. بنو الحَرْب أُرْضعْنا بها مُقْمَطِرَّةً ... فمن يُلقَ منَّا يلُقَ سِيدٌ مُدَرَّبُ قال أبو سعيد: المُقْمَطِرّة: الكالحة الشنيعة. ويقال: اقْمَطَرَّ السَّبعُ، واقْمَطَرّت الناقة: إذا لَقِحَت. يقول: أُرضِعْنا بها وقد تهيّأتْ للشرّ. قال؛ والمُدَرَّب: الضارى. والسِّيد في كلام هُذَيل: الأسد. فُرافِرةٌ أظفارُه مِثْلُ نابه ... وإن يُشْوِ نابُ اللَّيْث لا يُشْوِ مِخْلَبُ فُرافِرة: يفرفر كلَّ شيء. وإن يُشْوِ نابُ اللَّيث لا يُشْوِ مخِلْبَ. يقول: إن كان نابُه يُشوِى لا ضيَر (¬2) فإنّ مخِلبهَ لا يُشوِى، أي هو قاتِل، يقال: أَشْواه إذا أصابَ منه الأمرَ الهيّن، وأصلُه من الشَّوَى، وهي القوائم. والقوائم غيرُ مَقْتَل ثم كثُر على ألسنتهم حتى قالوا: أَشْواه إذا لم يَقْتُله؛ وإن هو أصابه في غير الشَّوَى؛ ويقال: لم يُشوِه، إذا أصاب المَقْتَل. ¬

_ (¬1) يريد عمرو بن الحارث المتقدم ذكره في مقدمة القصيدة السابقة لهذه. (¬2) في الأصل: "لا خير" بالخاء، وهو تصحيف.

وقال أيضا

وقال أيضاً (¬1) غَلَتْ حَرْبُ بَكْر واستطارَ أَديمُها ... ولو أنّها إذا شُبّت الحَرْبُ بَرّتِ (¬2) ¬

_ (¬1) قدم السكرى لهذه القصيدة بما نصه: قال أبو عمرو والجمحى: كان من حديث حذيفة بن أنس أنه خرج هو ورجلان من قومه يطلبون نفرا من بني عبد بن عدى بن الديل بن بكر، وخرج الآخرون فارّين حتى أتوا مرّا وعلافا، وأقبل حذيفة وأصحابه حتى استطلعوا من محمر، قرية بين علاف ومرّ، فلم ير إلا القوم يسيرون على كر علاف، والكر: الحسي، والجمع كرار، وأنشد: * بها قلب عادية وكرار *، فأبصرهم حذيفة حين صدروا، فرصدهم حتى مرّ عوف بن مالك وابنا أخيه في بلد، فلم يزالوا يسيرون حتى قالوا تحت أراك بالعرض الذي حذيفة بصدده؛ والقوم مغترون، فلم يزل يختلهم وهم في الأراك حتى وثب عليهم فقتلهم واستاق شاءهم هو وأصحابه حتى أصبحوا الغد بجنب عرنة، وقال وهم يسوقون الغنم: "نحن رعاء الصفحة المغبون" المغبون: الذي لا يسقون إلا غبا، فلما برز لأهله تبشروا بثلته، وخذله ابن عمه، ثم إن بنى عبد بن عدى بن الديل خرجوا بعد ذلك حتى حلوا الحضر، ثم وجدوا بعرس غلامين من بنى عمرو بن الحارث يرميان الصيد، فقتلوا أحدهما، وأعجزهم الآخر، وهو أبو البراء، ثم مر بنو عبد ابن عدى، وسمعتهم أم حذيفة وهم يذكرون أنهم قتلوا أحد الغلامين، فأخبرت حذيفة، فذهب يستصرخ عليهم طوائف هذيل، ولم يشعر العبديون حتى أخبرتهم أمه أنه قد سمع ما قالوا، فخرجوا يبتغونه في البيت فوجدوه قد ذهب، فظعنوا حتى أصبحوا نحو مر، وخرجت دار من بنى سعد بن ليث حتى حلوا في دار العبديين في رباعهم، فخرج حذيفة بالقوم فطالع أهل الدار من قلة السلام، فرأهم في رباعهم، فقال: اجتنبوا بيت أمي، وأراهم مكان البيت، وأمسى لا يحسبهم إلا بنى عبد بن عدى، فوقعوا في الدار آخر الليل، فجعلوا يستلونهم، ويقول حذيفة: لكأنى أطعن في بطون بنى سعد بن ليث، وقتل ابن امرأة منهم وأباها وأخاها فقالت: يا لسعد بن ليث، ما رأيت مثل هذه الليلة قط، قال: ارفعوا عنهم، فقال حذيفة بن أنس في ذلك، رواها الأصمعى. وقال ابن الأعرابي: بل خرجت بنو عمرو بن الحرث بن تميم ابن سعد بن هذيل مغيرين يريدون بنى عبد بن عدى بن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وقد كانوا عهدوهم في منزل، فظعنت بنو عبد بن عدى. من ذلك المنزل، ونزله بنو سعد بن ليث بن بكر، فبيتهم القوم وهم يظنون أنهم بنو عبد بن عدى، فأصابوا فيهم، وقتلوا منهم ناسا، وقتلوا غلاما كان فيهم مسترضعا، وهو ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وهو الذى وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح، فقال في ذلك حذيفة بن أنس أخو بنى عمرو بن الحارث، وهو ابن الواقعه: "غلت حرب بكر" الخ. (¬2) قال السكرى في شرح هذا البيت ما نصه: غلت: ارتفعت. واستطار: تشقق. وأديمها جلدها، وإنما هذا مثل، أي تشتت أمرها وتشقق الشر فيما بينهم. وشبت: أوقدت. وبرت: وفت، من البر، وفي هذا اليوم وضع النبي صلى الله عليه وسلم دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب في حجة الوداع.

قال أبو سعيد: قوله: واستطار أديمُها، هذا مَثَل، يقول: تشقّقتْ، وكل ما تشقّق فقد استطار، وإنما يريد أنّ الشرّ تَشقَّق فيما بين هؤلاء القوم. وأخْطَأَ عَبْدًا ليلةَ الِجزْعِ عَدْوَتى ... وإيّاهمُ لولا وُقُوها (¬1) تَحَرَّتِ قال هو عَبْد بن عَدِىّ بنِ الدِّيل؛ عَدْوتى: حَمْلتى. يقول أَصبْنا قوما لم نُرِدْهم لولا أنهم وُقُوها. أَصبْنا الّذين لم نُرِد أن نصيبَهمْ ... فساءتْ كَثيرا من هُذَيلٍ وسَرّتِ (¬2) أسائلُ عن سعدِ بنِ ليثٍ لعلّهم ... سِواهم وقد صابَتْ بهم فاستحرّت أسائل عن سعد، يقول: أقول: لعل الذين وقعَ بهم الأمرُ وقع بسواهم، وقد صابتْ بهم أي كان مُعظمُها (¬3) بهم. وقوله: فاستحرّت، يقال: استحرّ الأمرُ ببنى فلان إذا اشتد. وكانت كداء البَطْنِ حِلْسُ ويَعْمَرٌ (¬4) ... إذا اقتَربَتْ دَلّت عليهم وغَّرت قوله: كداء البطن، يقول: كانت غائلتها تخفى كما يَخْفَى داءٌ لا يُدْرَى كيف يؤُتَى له. ¬

_ (¬1) وقوها: أي وقاهم الله، من الوقاية. وتحرت: عمدت وقصدت اليهم. وعدوتى وعادتى وغارتى واحد (السكرى ملخصا). (¬2) روى السكرى هذا البيت بعد البيت الآتى، وشرحه فقال: "أصبا الذين". ويروى "أصبنا الأولاء لم نرد أن نصيهم". (¬3) شرح السكرى قوله: "صابت بهم" فقال: أوقعت بهم. (¬4) حلس ويعمر: قبيلتان من بني الديل، أي تدل علينا من أراد غزونا فنطمئن إليهم (اهـ ملخصا من السكرى).

يقول: فهؤلاء كداء البطن، لا خَير عندهم. وغَرّت، يقول: تغُرّهم فيطمئنون فَيَنزِل عليهم من يريد غِرّتَهمْ. وتُوعِدُنا كلبُ بنُ عوفٍ بخَيْلِها ... عليها الخسَارُ حيث شَدّتْ وكَرّت (¬1) يقول: عليها الخسار، يدعو عليهم، كقولك: عليه لعنةُ الله. فلا تُوعِدونا بالِجياد فإِنّنا ... لكْمُ مُضْغةٌ ما لُجلِجَتْ فأَمَرّت (¬2) يقول: يريدوننا فلا يَقدِرون علينا. قال: ومثلُه قولُ زهير: تُلْجلجُ مُضْغةً فيها أَنِيضٌ ... أَصَلَّتَّ فهي تحتَ الكَشْحِ داء (¬3) ¬

_ (¬1) في السكرى "حيث شدّت وكرت" بالبناء للمجهول، وشرح قوله "شدّت وكرت" فقال: شدّت وكرت"، أي أرسلت الخيل. وكلب بن عوف من كنانة. (¬2) في السكرى "قد لجلجت" مكان "ما لجلجت" ولجلجت: رددت في الفم، أي لا تسيغوننا ولا تقدرون علينا. أمرت: صارت مرّة. وفي رواية: فلا توعدونا بالهياج فإننا ... لكم أكلة قد لجلجت فأمرت ولجلجت: مضغت. اهـ ملخصا من السكرى. (¬3) ورد هذا البيت في شرح ديوان زهير بن أبي سلمى المطبوع في دار الكتب المصرية ص 82 وهو من قصيدتة الهمزية المشهورة التى أوّلها: عفا من آل فاطمة الجواء ... فيمن فالقوادم فالحساء وقد ورد فيها قبل هذا البيت قوله: فأبرئ موضحات الرأس منه ... وقد يشفى من الجرب الهناء وشرح البيت الذي نحن بصدده بما نصه: "يقول: أخذت هذا المال فأنت لا تأخده ولا تردّه، كما يلجلج الرجل المضغة فلا يبتلعها ولا يلقيها. والأنيض: اللحم الذي لم ينضج. فيريد أنت تريد أن تسيغ شيئا ليس يدخل حلقك، أي تظلم ولا تترك الظلم، وأنشد: "مثل النوى لجلجه العواجم" وأصلت: أنتنت، فهى مثل هذا الذي أخذت، فإن حبسته فقد انطويت على داء. ويقال: صل اللحم وأصل وفيه صلول. والكشح: الجنب. وورد بعد هذا البيت مباشرة قوله: غصصت بنيئها فبشمت عنها ... وعندك لو أردت لها دواء

نشَأْنا بنى حَرْبٍ تَربَّت صِغارُنا ... إذا هي تُمْرَى بالسَّواعد كَرّتِ (¬1) نشأْنا، يقول: نشأْنا عليها ثم نَغْتَبِقُها (¬2) إذا هي تُمْرَى بالسواعد، يقول إذا هي تُمْرىَ في سواعدها، والسواعد: مَجارِى اللّبن في عروق الضَّرْع، يقول: إذا مَرَينْاها لنَحلُبها دَرّت. وكَرّت: عادت. ونَحمِل في الأبطال (¬3) بِيضًا صَوارِماً ... إذا هي صابتْ بالطَّوائف تَرّتِ صابت: نَزلتْ وقَصَدَتْ، أي كما يَصُوب الغَيْث، أي يَنحدِر. والطوائف: النَّواحى، يريد الأيْدى والأرْجُل. تَرّت: قَطَعتْ. في الأبطال: أي مع الأبطال. وما نحن (¬4) إلاَّ أهلُ دارٍ مقيمةٍ ... بنَعْمانَ من عادتْ من النّاس ضرَّت ¬

_ (¬1) ورد هذا البيت في السكرى هكذا: وكنا بني حرب تربت صغارنا ... إذا هي تمرى بالأسنة عرت وشرحه فقال: عرتهم بشر. وتمرى: تحرك. (¬2) الغبق والتغبق والاغتباق: شرب العشىّ. (اللسان). (¬3) رواية السكرى "في الآباط منا" مكان "في الأبطال بيضا" وشرح البيت فقال: الصوارم المواضى، يعنى سيوفا. وصابت: وقعت. وترت: طنت، أي طنت الطوائف، قال طرفة: «تقول وقد تر الوظيف وساقها» أي طن. وأورد بعد هذا البيت بيتا آخر لم يرد في الأصل، وهو: وقد هربت منا مخافة شرنا ... جذيمة من ذات الشباك فمرت وجذيمة: من كنانة (اهـ ملخصا). (¬4) في السكرى "وهل نحن" مكان "وما نحن".

وفي هذه الحرب يقول جُنادةُ (¬1) بنُ عامر أحد بني الدَّرْعاء، والدَّرْعاء (¬2): حيٌّ من عَدْوان ابن فهم بنِ عَمْرو بن قيس عيلان، واسم عَدْوان الحارث، وخلفهم في بنى سَهْم بن معاوية فيِ تميم بن سعد بن هُذَيل: لعَمْرُكَ ماونَى ابنُ أبى أُنَيْسٍ ... وما خامَ القِتالَ وما أَضاعَا قال أبو سعيد: قولهُ: خامَ القتال، أي عَدَل عنه. رَمىَ بقِرانِها حتّى إذا ما ... أتاه قِرْنُه بَذَلْ المِصاعا قوله: رَمَى بقِرانها، يعني نَبْلا. والقِران: المستوية. يقول: لمّا أنفَدها قاتَلَ بَسيْفِه. والمِصاع: القتال بالسيف. بذى رُبَدٍ تَخالُ الأَثْرَ فيه ... طريقَ غرانِقٍ خاضت نِقاعا رُبَد: آثارٌ فيه تَلمَع سَوادا، وإنّما يصف سيفا. وأَثْرهُ: فِرِنْدُه، وهو الّذي تراه كأنّه مَدَبّ نَمْل. فيقول: تَحسَب هذا الأَثْرَ الّذي في مَتْن هذا السيف طَريق غَرانِق، وهي طيرٌ. خاضت نِقاعا. يقول: كأنها خاضتْ في طينٍ فتُرَى أثارُ أرجُلِها. فشبّه فِرِنْدَ السيف بآثارها. وواحدُ الغَرانِق غُرْنَيْق (¬3). ¬

_ (¬1) لم يرد في السكرى ولا في البقية ذكر لجنادة بن عامر هذا. (¬2) في الأصل "الدرغاء" بالغين المعجمة، وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا نقلا عن شرح القاموس فقد ورد فيه عن ابن دريد أن في الدرعاء بالفتح مع المد قبيلة من العرب، وتبعه ابن سيده في (المحكم) وهم حيّ من عدوان بن عمرو، وهم حلفاء في بني سهم من بنى هذيل. وقال ابن منظور: رأيت في حاشية نسخة من حواشى ابن بري الموثوق بها ما صورته: الذي فى النسخة الصحيحة من أشعار الهذليين الذرعاء على وزن فعلاء، وكذلك حكاه ابن التولمية في المقصور والممدود بذال معجمة في أوّله. قال صاحب التاج: وأظن ابن سيده تبع في ذكره هنا ابن دريد (اهـ ملخصا). (¬3) الغرنيق (بضم الغين وفتح النون): طائر أبيض، وقيل: هو طائر أسود من طير الماء طويل العنق.

إذا مَسَّ الضريبةَ شَفْرَتاه ... كفاكَ من الضّريبة ما استَطاعا ما استطاعا، أي ما وَجَد مَذْهبا. فإنْ أكُ نائياً عنه فإِنّى ... سُرِرتُ بأنّه غَبَنَ البِياعا غَبَن البِياع، أي ظَفِر بأصحابهم. وغَبَنَهم، أي خَدَعَهم. قال: ويريد بالبِياع المُبَايَعة. وأَفلتَ سالمٌ منه جَريضًا ... وقد كَلمَ الذُّؤابةَ والذِّراعا يقال للرجل إذا أفلَتَ بآخِر رَمَق: أفلَتَ جَريضا. كَلَم الذُّؤابَة والذِّراعا، يقول: أصاب ذُؤابَته وذِراعَه. ويريد بالذُؤابة الرأسَ. وذؤابة كلِّ شئٍ أعلاه. ولو سَلِمتْ له يمُنَى يَدَيْه ... لعَمْرُ أبِيك أطعَمَه السِّباعا يقول: قتَلَه فصار طُعْمَةً للسِّباع. كأنّ محرَّبا من أُسْدِ تَرْجٍ (¬1) ... يُسَافِعُ فارِسَىْ عَبدٍ سِفاعَا (¬2) ¬

_ (¬1) ترج: مأسدة بناحية الغور؛ ويقال في المثل "هو أجرأ من الماشى بترج" لأنها مأسدة (اللسان). (¬2) يسافع: يضرب, من قولهم سفعه بالعصا: إذا ضربه، كما يقال: سافع قرنه مسافعة وسفاعا إذا قاتله. وروى هذا البيت في اللسان "كان مجربا" بالجيم، ونسبه إلى خالد بن عامر. واستدرك مصححه هذا فيكتب على هامشه ما نصه: في شرح القاموس: جنادة بن عامر، ويروى لأبى ذؤيب.

وقال أبو قلابة

وقال أبو قلابة أمِنَ القَتولِ مَنازِلٌ ومعرَّسُ ... كالوَشْم فى ضاحِى الذِّراع يُكرَّسُ قال أبو سعيد: يكَّرس، يُجْعل كِرْسا، وكلُّ نِظام فهو كرْس من اللُّؤْلؤ والشَّذْر. والقَتول: امرأةٌ هامَ بها. يا حِبُّ، ما حُبُّ القَتولِ؟ وحُبُّها ... فَلَسٌ فلا يُنْصِبْكَ حُبٌّ مُفْلِسُ فَلسَ: لا نَيْلَ معه. يقول: ليس يُبْذَل منه شيء. خَوْدٌ ثَقالٌ فى المَنامِ (¬1) كَرمْلةٍ ... دَمثٍ يُضئُ لها الظلامُ الحِنْدِسُ الدَّمث: السَّهْل الليّن. والِحنْدِس: الشديد السواد. رَدْعُ العَبيرِ (¬2) بجِلْدِها فكأنّه ... رَيْطٌ عِتاقٌ فى المَصان (¬3) مُضَّرسُ ردع العبير: أثَرهُ. والعَبير: ضَربٌ من الطِّيب يُجمَع بزعفران. والمصَان: التَّخْت. مضرَّس: ضربٌ من الوشى. هل تُنْسَيَنْ حُبَّ القَتولِ مَطاردٌ ... وأفَلُّ يَخْتضِم الفَقارَ مُسَلَّسُ ¬

_ (¬1) في بقية أشعار الهذليين طبع أوربا "في القيام"؛ وهذا أجود في رأينا. (¬2) في البقية "الخلوق" مكان "العبير". وورد فيها قوله: "يا حب ما حب القتول" بعد هذا البيت مباشرة. وزاد فيها بعد بيتين آخرين لم يردا في الأصل، وهما: يا برق يخفى للقتول كأنه ... غاب تشيمه حريق يبس تزجى له تحت الظلام أكفة ... مجنوبة نفيانها متنكس (¬3) في رواية "في الصوان" مكان "في المصان" (بقية أشعار الهذليين ص 15 طبع أوربا).

مَطارد: هي الّتى يُشبه بعضُها بعضا: وأفلّ: سيفٌ به فُلول ممّا قد قُورع به وقُورع به مرارا، أي به آثار. يَختضم، أي يَقطع، ويقال: سيف لا يَمُرّ بشيءٍ "إلا بشيء" (¬1) إلّا خَضَمه خَضما. والفَقار: مانَبَا من الظَّهر، والواحد فَقارة. عَضْبٌ (¬2) حُسامٌ لا يليقُ ضَرِيبةً ... في مَتْنِه دَخَنٌ وأَثْرٌ أخْلَسُ العَضب: القاطع. والحُسام: الّذى يحسم الدمَ من سُرعته. لا يليق: لا يَدَع شيئاً إلّا مرَّ به. ودَخَنٌ: سَوادٌ. والأَخْلس: الذّى في وَسَطه لونٌ يُخالِف لوَنه. ويقال: شاةٌ خَلْساء، إذا كانت كذلك. ويقال: يَليق ويُليق. وإنّما أُخِذ من لِقْتُ الدَّواةَ وأَلَقْتُها، وهو إذا لاءمْتَ بين الصُّوف والأَنْقاس. وشِريجةٌ جَشّاءُ ذاتُ أزامِلٍ ... يُخْظِى الشِّمالَ بها مُمَرٌّ أَمْلَسُ شَريجة: شُقّة، يعني قَوْسا. والجَشّاء: التي في صوتها بَحّة وليست بصافية الصوت. والأزْمَل: الصوت المختلط، وأزامِل: جمعُ أَزْمَل. يُخْظى الشِّمال: يبْعَجُه (¬3) من قولهم: خاظِي البَضيع، إذا نَزَع بوَتَرِه. مُمَرّ: وَتَرٌ شديد الفَتْل. ¬

_ (¬1) كذا فى الأصل. (¬2) فى البقية "لين" مكان "عضب". (¬3) في الأصل: "ينعجه" بالنون، ولا معنى له. ويبعجه بالباء، من قولهم: بعجه الأمر: إذا حزبه وضغطه؛ وهو أقرب إلى المراد في تفسير البيت فيما نرى. فإنه يقول: إن هذه القوس المكتنزة الغليظة الصلبة تبهظ شمال حاملها لغلظها وصلابتها. والخاظى: الغليظ الصلب، قال الشاعر: بأيديهم صوارم مرهفات ... وكل مجرد خاظى الكعوب وقول الهذلى أيضا: خاظ كعرق السدر يسـ ... ـبق غارة الخوص النجائب وأراد بالخاظى في البيتين الغلظة والصلابة.

وقال أيضا

بَزٌّ به أَحمِى المُضافَ إذا دعا ... وبَدَا لهْم يومٌ ذَنُوبٌ أَحْمَسُ (¬1) بَزّ: سلاح. والمضاف: المُلْجَأ. يومٌ ذَنوب، أي طويل لا يكاد ينقضى كأنه يجرّ ذَيْلا وذَنَبَا طويلاً. ويقال: يوم أَبْتَر ويومٌ أجَذّ: إذا كان ناقصا. واستَجْمَعُوا نَفْرًا ورَادَ جَبَانَهمْ (¬2) ... رَجُلٌ بصَفْحَتِه دَبُوبٌ تَقْلِسُ نَفْرا، أي ذَعْرا. دَبوب: تَدِبّ بالدم، أي يَسيل منها. يقول: رادَ جنابَهم رجُلٌ به طَعْنَةٌ تَقْلِس وتَمور (¬3). نَفْرا ونُفُور وَنَفِيرا، ويقال يومُ النَّفْر والنُّفور والنَّفير، وأما النِّفار، فعَيْب يكون في الدوابّ. وقال أيضا (¬4) فيأسُكَ (¬5) من صديِقك ثم يَأْسى ... ضُحَى يوِم الأَحَثِّ (¬6) مِن الإياب قال: يريد يَأْسُك (¬7) من الإياب. يصاحُ بكاهِلٍ حَوْلِى وعَمْرٍو ... وهمْ كالضّاريات مِن الكلابِ كاهِل وعَمرو: حَيّان من هُذَيل. ¬

_ (¬1) في الأصل: "أجمس" بالجيم؛ ولا معني له هنا، والصواب ما أثبتنا كما في البقية. والأحمس: الشديد. (¬2) راد جبانهم، أي طلب جبانهم رجل، أو هو من قولهم: راد الرجل رودانا إذا دار وذهب وجاء في طلب شيء. اهـ ملخصا من اللسان. (¬3) في الأصل: "تحور" بالحاء؛ وهو تصحيف. وتمور، من قولهم: مار الدمع والدم، أي سأل (اللسان). (¬4) لم ترد هذه القصيدة في شرح السكرى ولا في البقية، فليلاحظ. (¬5) في الأصل: "ناسك من صديقك ثم ناسى، وهو تصحيف لا معنى له. (¬6) الأحث: موضع من بلاد هذيل كما في ياقوت، وأورد هذا البيت فيه كما أثبتنا. وفي شرح القاموس: الأحث: موضع في بلاد هذيل، ولهم فيه يوم مشهور، واستشهد ببيت أبى قلابة هذا. (¬7) في الأصل: "ناسك" بالنون؛ وهو تصحيف.

يُسَامُون الصَّباحَ بذى مُراخٍ ... وأُخْرَى القَومِ تَحتَ حَرِيقِ غابِ (¬1) يُسامُون، هذا مثل، يقول: يُسْقَون ما لا يَشتهون (¬2) أي ما يَكرهون. وقوله: تحتَ حريقِ غاب، أي تحتَ ضِراب وطِعانٍ كأنّه حَريق. فمنّا عُصْبةٌ (¬3) لا هَمْ حمُاةٌ ... ولا همْ فائِتُونا في الذَّهابِ لا هُم حُماة، يقول: لا هُم يَحْموننا, ولا هم يُجِيدون العَدْو، فنحن نُقاتِل عنهمْ لأنّهم لا يَقدِرون أن يذهبوا. ومِنّا عُصْبةٌ (¬4) أخرى حُماةٌ ... كغَلْيِ النارِ حُشَّتَ بالثِّقابِ يقول: ومنّا عُصْبَةٌ حُمَاةٌ يحَمونَنا، كما تُحَشُّ نارُ القِدْرِ بالحَطَب، وتُحَشّ: تُوقَد يقال: قد حَشَّ القِدر، إذا أَوْقَدَ النارَ تَحتَها. ومنّا عُصْبةٌ أخرى سِراعٌ ... زَفَتْها الرِّيح كالسَّنَن (¬5) الطِّرابِ يقول: ومنّا آخرونَ هرّابون كأنّهم (¬6) إِبلٌ قد طَرِبَتْ إلى أوْطانها. زَفَتْها: اِستخَفَّتها. ¬

_ (¬1) أورد ياقوت هذا البيت هكذا: يسامون الصبوح بذى مراخ ... وأخرى القوم تحت حريق غاب والصبوح من اللبن ما حلب بالغداة، أو ما شرب بالغداة فيما دون القائلة، والفعل منه الاصطباح. أما الصباح فلم يرد فى كتب اللغة التى بين أيدينا بمعنى الصبوح، ولم يتعرض الشارح لتفسيره. (¬2) قوله: "يسقون ما لا يشتهون" الخ هم الذين وصفهم الشاعر بقوله "وأخرى القوم تحت حريق غاب" يقول: إن بعض القوم ينعمون ويتلذذون في حين أن غيرهم من القوم تحت الضراب والطعان كأنه في حريق. (¬3) هذه العصبة هي التى وصفها الشاعر في الشطر الأوّل من البيت السابق بقوله: "يسامون الصبوح بذى مراخ". (¬4) وتلك هي التى وصفها الشاعر فى الشطر الثانى من البيت السابق بقوله: "وأخرى القوم تحت حريق غاب". (¬5) لعله أراد: بالسنن الشوط، من قولهم جاء سنن من الخيل أي شوط. (¬6) كأنهم إبل أي كأنهم شوط من الإبل طربت أي حنت إلى أوطانها فألحت في العدو مسرعة إليها.

وقال أيضا

وقال أيضا (¬1) يا دارُ أَعرِفُها وَحْشا منَازِلهاُ ... بين القَوائم مِن رَهْطٍ فأَلْبانِ ¬

_ (¬1) لم ترد هذه القصيدة في شرح السكرى، ولكنها وردت في كتاب البقية، وقد قدم لها بمقدمة طويلة نثبتها هنا لما فيها من أماكن وأعلام يوضحان شرحها، وهذه هي المقدمة بنصها (يوم الأحث) حدثنا أبو سعيد "قال: قال عبد الله بن إبراهيم الجمحىَّ: كان من شأن بني لحيان من هذيل أنها كانت؛ شوكة من هذيل ومنعة وبغيا، وكانوا أهل الهزوم وزحمة وألبان وعرق، وكانت لهم مياه كساب، ثم إنه كان لهم جار، فقدم له أن يأخذ رجل من بنى خزيمة بن صاهلة بن كاهل، فباعه، فغضبت في ذلك بنو لحيان وكانوا بضجن القصائرة، وأما بنو كاهل فبين ظر إلى رأس دفاق، وأما بنو عمرو بن الحارث فأهل نعمان، فقال أبو قلابة سيد بن لحيان: انطلقوا لنكلم بني عمنا فى جارنا الذي أخذوا، ونحن لعمر الله نخشى جهلهم، ولكن أظعنوا بالبيوت، وليذهب القوم فليسألوا فى جارهم الرضا، فإن أرضوا فالحال هين، وإن طارت بيننا حرب وجهنا الطعن إلى كساب وذى مراخ نحو الحرم، فخرجوا حتى قدموا لبنى خزيمة وسيدهم وبرة بن ربيعة، فنادوهم من بعيد ولم يقدموا لهم، وقالوا: يا بنى خزيمة، ردوا علينا جارنا، قالوا: لا نفعل ولا نعمة العين، ففزعت لذلك بنو لحيان وتواعدوهم، ورمى غلام من بنى خزيمة نحو بنى لحيان، قال رجل من بنى لحيان أرونى سيد القوم، فأشاروا إلى وبرة بن ربيعة أحد بنى عاترة، فنزع له اللحيانى بسهم فعقى به نحو وبرة فلم يخطئ قلب وبرة، فقتله، وتصارخ الناس عمرو وكاهل من كل أوب، فأدركوهم بصعيد الأحث، فاتبعوهم يقتلونهم، وقد جعلت بنى لحيان حامية لهم دون الظعن، فغضبت بنو لحيان وقالوا: اطلبوا خفركم: فقال أبو قلابة، لا يدلكم ببنى الحارث بن تميم، ولكن مروا الظعن تظعن، ثم اغدوا على القوم فاطلبوا خفركم، فإن رد عليكم فالخطب أيسر والحال هين، وإن كان بينكم قتال كنتم قد وجهتم ظعنكم موجها، فأبى القوم كلهم عليه، فخرجوا ومعهم أبو قلابة حتى قدموا لبنى عاترة وأدرك رجل من القوم من حلفاء بنى كاهل يقال له عمار أحد بني رايش، فأدرك أبا قلابة اللحيانى والرجل من عدوان وهو حليف لبنى صاهلة بن كاهل بن الحرث بن التميم، فقال: استأسر يا أبا قلابة فإنا خير من أخذك. قال الأصمعى. وكان أبو قلابة قد ثقل وضعف وهو في أخرى القوم، فقال أبو قلابة: انكشف عني لا أبا لك فإن وراءك رجلا خيرا منك من بنى المقعد، أو من بنى المحرث بن زبيد أو بني المعترض، وأسرع أبو قلابة ثم أدركه الثانية فقال: استسلم يا أبا قلابة فما لي بد من أخذك. قال=

يقول: سَكَنَها من بعدِ أهلِها الوَحْش. والقَوائم (¬1): جبالٌ منتصِبة. ورَهْط وأَلْبان: بلدان (¬2). فدمْنَةٍ برُحَيّات (¬3) الأَحَثِّ إلى ... ضَوْجَىْ (¬4) دُفاقٍ كسَحْق المَلْبَس الفانِى ويُروَى كسَحْق الدِّمْنة (¬5) الفانى: عن الأَحْوال. السَّحْق: الخَلَق، وهذه كلُّها أماكن. والدِّمنهَ: آثارُ الناس وما سَوَّدوا بالرَّماد ودَمَّنوا. ما اِنْ رأيتُ وصَرْفُ الدَّهرِ ذُو عَجَبٍ ... كاليوِم هزّةَ أجْمالٍ وأَظْعانِ هِزّة أَظْعان، أي سَيْرَ أَظْعان. وأصلُ الهِزّة الحَرَكة، يقال: مَرَّ المَوْكِب له هِزّة؛ إذا مرّ يهتزّ. ¬

_ =فادن دونك. فدنا، فقنعه أبو قلابة بالسيف فقتله، ثم أدكهم بنو الحرث بن تميم، فلم يزالوا يقتلونهم حتى غيبهم الليل منهم بذى مراخ -واد من بطن كساب- وقد أكثروا فيهم القتل، فانتقلت بنو لحيان من ذلك اليوم إلى غران وفيدة، فقال أبو قلابة الطابخى أخو بنى لحيان في ذلك اليوم، وأبو قلابة هو عم المتنخل الهذلى: يا دار أعرفها وحشا منازلها ... بين القوائم من رهط فالبان راجع صفحتى 13، 14 من كتاب البقية طبع أوربا المحفوظ بدار الكتب المصرية تحت رقم 1781 أدب (¬1) القوائم: جمع قائمة، وهي جبال لأبي بكر بن كلاب، منها قرن النعم (ياقوت)، وأنشد هذا البيت. (¬2) رهط وألبان من منازل بني لحيان (ياقوت). (¬3) رحبات: موضع مذكور فى قول امرئ القيس: خرجنا نريد الوحش بين ثعالة ... وبين رحيات إلى فج أخرب (ياقوت). (¬4) الضوج: منعطف الوادى (اللسان). ودفاق: موضع قرب مكة. (ياقوت). (¬5) في الأصل: "اليمنة" وهو تحريف لا معنى له؛ والصواب ما أثبتنا.

صَفًّا جَوَانَح بين التَّوْءَماتِ كما ... صَفَّ الوُقُوع حمَامَ المَشْرَب الحانِى يقول: صَفَفْن وقوعَهنّ، جعلنَه مستويًا كما يستوى صفّ الحمام، وكلّ جانحٍ مُصْغٍ، وأنشَد: تُصغى إذا شَدَّها بالرَّحْلِ جانِحةً ... حتى إذا ما استَوَى في غَرْزِها تَثبُ (¬1) والحانِي: الذي قد حنِي ليشَرَب. وَيحَك (¬2) يا عَمرو لِم تَدْعو لتقتلَنى ... وقد أجبتَ إذَا يدعوكَ أقْرانى القومُ أعَلمُ هل أرمِي وراءَهم ... إذ لا يقاتِل منهم غيرُ خِصّان (¬3) إذ عارتِ النَّبْل والتَفَّ اللُّفوفُ وإذ ... سَلُّوا السيوفَ عُراةً بعد إشْحانِ (¬4) ¬

_ (¬1) الغرز: ركاب الرحل، ويكون من جلود مخروزة، فإذا كان من حديد أو خشب فهو ركاب. والبيت لذى الرمة، وروايته "بالكور" بدل "بالرحل" وشرحه فقال: تصغى أي تميل كأنها تسمع إلى حركة من يريد أن يشدّ عليها الرحل. وقوله: "جانحة" أي مائلة لاصقة. والغرز سير الركاب توضع فيه الرجل عند الركوب، والوثوب: القيام بسرعة، وصفها بالفطانة وسرعة الحركة. انظر صفحة 9 من ديوان ذى الرمة طبع أوربا المحفوظة منه نسخة بدار الكتب المصرية تحت رقم 3269 أدب. (¬2) في البقية "ياويك عمار" مكان "ويحك يا عمرو". (¬3) الخصان بكسر الخاء. وضمها: كالخاصة، ومنه قولهم: إنما يفعل ذلك خصان الناس، أي خواص منهم. "اللسان". (¬4) كذا في البقية واللسان. والذي في الأصل "أشجان" بالجيم، ولا معنى له، وهذا البيت أورده ابن برى في أماليه متمما لما أورده الجوهرى، ونسبه لأبى قلابة الهذلى، ورواه هكذا: إذ عارت النبل والتف اللفوف وإذ ... سلوا السيوف وقد همت باشحان اهـ ملخصا من اللسان.

عارَتِ النَّبْل: أَخذتْ كذا وكذا على غير القَصْد (¬1). واللُّفوف: الجماعات والواحد لِفٌّ. والإشحان (¬2): التهيّؤ للبكاء، وجعَلَه ها هنا للقتال. عُراة: قد تجَرّدوا للحرب، وأنْشَدَنا: تَجرَّدَ فى السِّربال أبيضُ حازمٌ ... مُبينٌ لعَينِ الناظرِ المتوسِّمِ إذ لا يقارِع أطرافَ الظُّبات إذا اسـ ... ـتَوْقَدْن إلاَّ كُماةً غْيَر أَجْبانِ قوله: أطرافَ الظُّبات، أي حدّ السيوف. والكُماة: الأبطال، والواحد كمِىّ. إنّ الرّشادَ وإنّ الغَىَّ في قَرَنٍ ... بكلّ ذلك يأتيكَ الجَديدانِ الجديدان والأجَدّان والعَصْران والقَرْنان والمَلَوان: الليل والنهار. لا تأمنَنّ وإن (¬3) أصبحتَ فى حَرَمٍ ... إنّ المَنايا بَجْنبَىْ كلِّ إنسانِ يقول: لا تأمَننّ أن تأتيَك منيّتُك وإن كنتَ بالحرم حيث تأمن الطير. ولا تقولَنْ لشئٍ سَوْفَ أفعَلُه ... حتى تَبَيّنَ ما يَمنِي لك المانِى قوله: يمني لك المانى، أىُ يُقَدِّرُ لك المقدِّر. ¬

_ (¬1) هذا من قولهم: "سهم عائر" أي لا يدرى من رماه، ومنه قول الشاعر: إذا انتسأوا فوت الرماح أتتهم ... عوائر نبل كالجراد نطيرها أي جماعة من السهام المتفرّقة لا يدرى من أين أتت. (¬2) فى الأصل "والأشجان" بالجيم، وهو تصحيف؛ والصواب ما أثبتنا. (¬3) في البقية: "لا تأمنن ولو" مكان، "لا تأمنن وإن" وأورد فيه بعد هذا البيت بيتا آخر لم يرد في الأصل، وهو: ولا تهابن إن يممت مهلكة ... إن المزحزح عنه يومه دانى

وقال المعطل

وقال المعطَّل أحدُ بني رُهْم (¬1) بنِ سعد بنِ هُذَيل يَرثِى عَمْرَو بنَ خُوَيلد، وكان غَزَا عَضَلَ بنَ الدِّيش وهم من الفارّة، فقَتَلوه، ولم يقتلوا من أصحابه أحدا. لعَمْرِى لقد نادى المنادِى فراعَنِى ... غَداةَ البُوَيْن (¬2) من بَعيدٍ فأَسْمَعا لعمرِى لقد أعلنْتَ خِرقًا مبرَّأً ... من التَّغْبِ جَوّاب المَهالِكٍ أَرْوَعا ¬

_ (¬1) لم ترد هذه القصيدة في البقية، وقد أوردها السكرى وقدّم لها بمقدّمة آثرنا إثباتها هنا لمكان الفائدة منها في تفهم أبيات هذه القصيدة، وهي: حدّثنا الحلوانى قال: حدّثنا أبو سعيد قال: قال الجمحىّ: كان من حديث عمرو بن خويلد بن واثلة بن مطحل الهذلى ثم السهمى أنه خرج في نفر من قومه يريدون بنى عضل بن ديش وهم بالمرخة القصوى اليمانية، حتى قدم لأهل دار من بنى قريم بن صاهلة بالمرخة الشامية، فسألهم عن بنى عضل، فأخبروه بمكانهم، ونهوه عنهم، وقالوا: ما نراك إلا في سبعة نفر أو ثمانية فأرجع إلى أهلك، فقال: إنما نهيتمونى عنهم للذى بينكم وبينهم من الجوار والقسامة وعند القريميين رجل من بنى عضل وأخت له تحت رجل من القوم، فسمع قولهم، فخرج إلى قومه فأخبرهم الخبر، وظلّ عمرو وأصحابه يصنع لهم، حتى إذا أمسوا وردوا وقيل لهم: ارجعوا طريقكم، فخرجوا حتى إذا جاءوهم وبلغوا بين الوترين من المرخة قالوا: ما أخمر هذا المكان، والله لو قعدنا ها هنا شهرا ما رآنا هؤلاء. ولا هؤلاء، فسمع رجل من بنى عضل، فأخبر قومه، فتغاوث عليهم أكثر من مائة رجل، فارتموا الليل حتى أصبحوا ولم تشعر بهم بنو قريم حتى ارتفع النهار، فإذا هم بالطير أسفل منهم بوكف، فسمى وكف الرماء بارتمائهم يومئذ، فوجدوا قد احتبسهم القوم بالنبل، وقتل عمرو بن خويلد بن واثلة، وتحرف أبو كتيمة -رجل من بنى قريم- فقتل سعد بن أسعد سيد بني عضل، فقال في ذلك المعطل أخو بنى رهم بن سعد بن هذيل يرثى عمرو بن خويلد بن واثلة، ويقال: بل رثاه أخوه معقل بن خويلد، ومن رواها للمعطل أكثر، وهو أصح: "لعمرى لقد نادى المنادى فراعني" الخ انظر صفحتى 275، 276 من شرح السكرى طبع أوربا وهي النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 165 أدب. (¬2) البوين: ماء لبنى قشير، ويذكره بئر بن عمرو بن مرثد فيقول: هذا ابن جعدة بالبوين مغربا ... وبنو خفاجة يقترون الثعلبا

قال: يقول: مبرّأ من القبيح. والتَّغْب: الهلاك والفساد، ويقال: فلانٌ صاحبُ تَغَبات، والواحد تَغْبة. وجوّاب: دَخّال (¬1). جَوادًا إِذا ما الناسُ قَلَّ جَوادُهمْ ... وِسُفًّا إذا ما صَرَّحَ الموتُ أَقْرَعَا (¬2) السُّفّ: الحيّة. أَقْرعَ، هو من صفة السِّف وهو أخبث ما يكون. فأظلَم ليلِى بعد ما كنتُ مُظْهِرا ... وفاضت دُموعى لا يُهِبْنَ بأَضْرَعا (¬3) المُظهر: الذي قد جاء به الظُّهْر. وقوله لا يُهِبْنَ بأَضْرَعا، أي يَدْعون ضارِعا ذَلِيلاً. وقولُه: مُظهِرَا أَراهُم الشمسَ ظُهْرًا، مثل قولِه: أظلمَ لَيلِى، أي أظلَمَ علىّ النهار وهو مضئ، ومثلُ أراه الكواكبَ ظُهْرًا. ¬

_ (¬1) شرح السكرى هذا البيت فقال: أعلنت: أظهرت موته. والخرق: السخى الكريم. والتغب: القبيح والريبة، واحدها تغبة. وأروع: ذكى القلب شهمه. جواب: قطاع. والمهالك: الفلوات التي يهلك الإنسان فيها. والتغب أيضا: العيب (¬2) رواية اللسان: لعمرى لقد أعلنت خرقا مبرأ ... وسفا إذا ما صرح الموت أروعا ونسبه للداخل بن حرام الهذلى، وشرحه فقال: أراد رجلاً مثل السف، والسف (بضم السين وكسرها): حية تطير في الهواء. ويشرح السكرى هذا البيت فيقول: السف: ضرب من الحيات خبيث، يقال: هو الشجاع، ويقال: هو الحية الذكر. ورواه أبو عمرو: "إذا ما صارخ الموت أفزعا". (¬3) شرح السكرى هذا البيت فقال: كنت في ضوء فأظلم عليّ حين قتل. ورواه أيضاً: "وأظلم ليلى" وفسره فقال: لم أر للقمر نورا، وهو مثل قوله: شهابى الذي أعشو الطريق بضوئه ... ودرعى فليل الناس بعدك أسود ويقال: أهاب به إذا دعاه. بأضرع: برجل ضعيف. ويروى: "بعد ما كنت مبصرا" ويروى "ما ونين بأضرعا" ماونين أي ما فترن.

فقلت لهذا الموتِ (¬1) إن كنتَ تارِكي ... لخيرٍ فدعْ عَمْرًا وإخوتهَ معَا إن كنتَ تاركى لخير، أي إن كنتَ ترد بي خيرا. لعمرُك ما غَزَّوْتُ (¬2) دِيشَ بنَ غالبٍ ... لوِتْر ولكنْ إنّما كنتُ مُوزَعا قال: الموُزَع المُولَع بالشيء. كأنّهمُ يَخْشَون منك محرَّباً (¬3) ... بِحَلْيَةَ، مَشْبُوحَ الذِّراعين مِهْزَعا محرَّب: مَغيظ قد غِيظ وهيج، يعني أَسدا. حَلْية: موضع فيه الأُسْد والغِيل. والمَشبوح، قال: هو العريض الذراع. يقول: هو عريض الذراعين. والمهزَع: المِدَقّ، ويقال: تهزّعتْ عظامُه، إذا اندقّت وتكسرتْ. له أَيْكَةٌ لا يأمن الناسُ غَيبَها ... حَمَى رَفْرَفاً منها سِباطًا وخِرْوَعا قال أبو سعيد: لا أَدرى، ما الرَّفْرَف بثَبَت، ولم يعرف السّباط، ولم يَدرِ كيف ينشد هذا البيت (¬4). له أيْكة أي غَيْضة، لا يأمن الناسُ غيْبَها، أي لا يأمنون أن يكون فيها ما يَكرَهون. والرفرَف: شيءٌ مسترخٍ. وكل أخضَر ناعم فهو خِرْوَع. ¬

_ (¬1) في السكرى: "لهذا الدهر". (¬2) يقال: غزاه (بتشديد الزاى) تغزية، وأغزاه إغزاء: إذا بعثه إلى العدوّ ليغزوه وجهزه للغزو وحمله على الغزو. وفي السكرى عند شرح قوله: "غزوت ديش بن غالب" يقول: كنت آمرك بغزوهم ولم يكن بينك وبينهم وتر. وديش بن غالب: حىّ من كنانة. (¬3) في السكرى: "مدرّبا". بدل قوله "محربا". ومدرّب: معوّد. (¬4) في شرح السكري ما يفيد أن الرفرف شجر مسترسل ينبت باليمن، سباط طوال، ليس بالكز الجعد. والخروع: كل نبت لين. وغيبها: ما استتر منها.

وقال أيضا

فمن يبقَ منكم يبقَ أهلَ مَضِنّةٍ ... أَشافَ على غُنْمٍ (¬1) وجُنِّب مقْذَعا أشاف: أَشرَف. والمقْذَع: القول القَبيح. مَضِنّة مَضْنُونٌ بها. فما لمتُ نفسى في دواءِ خُوَيلِدٍ ... ولكن أخُو العَلْداةِ (¬2) ضاعَ وَضُيِّعَا يقول: لم ألُمْ نفسى على نَهي إيّاه، ولكنّ القَدَر غَلبَنى عليه، وكان أَتَى به مكّةَ فداواه وعالجَه بها. وقال أيضاً (¬3) لِظَمْياء دارٌ كالكِتابِ بغَرْزةٍ (¬4) ... قِفارٌ وبالمنْحاةِ منها مَساكِنُ قال أبو سعيد: لا أدرى أهو بالمَنْحاة أو بالمَنْجاة، وهو موضع. ومَساكنُ: منازل. وما ذِكره إحدَى الزُّليفاتِ دارُها الـ ... ـمَحاضِرُ (¬5) إلاَّ أنّ من حان (¬6) حائنُ الزُّليفات، يريد بني زُلَيفة، وهو فَخِذٌ من هُذَيل. ¬

_ (¬1) في السكرى: "أشاف على مجد" وروى فيه أيضاً "مقدعا" بالدال. والمقدع: من القدع، وهو الرد. يقول: وجنب ما يقدع من الأشياء، أي يردّ، وأشاف وأشفى وأشرف وأوفى على كذا وكذا بمعنى واحد. (¬2) العلداة: جبل مات به خويلد هذا، أو هو بلد (السكرى). (¬3) لم ترد هذه القصيدة في شرح السكرى ولا في البقية. (¬4) في معجم ياقوت أن هذا البيت لمالك بن خالد الهذلى، ورواه "لميثاء" مكان "لظمياء" وقال: غرزة والمنجاة: موضعان في بلاد هذيل. (¬5) المحاضر: جمع محضر، والمحضر: المرجع إلى المياه. والحاضرون: الذين يرجعون إلى المحاضر فى القيظ وينزلون على الماء العدّ ولا يفارقونه إلى أن يقع ربيع بالأرض يملأ الغدران فينتجعونه. (¬6) يقال: حان الرجل إذا هلك؛ وحان الشيء إذا قرب.

فإنِّى على ما قد تَجشّمتُ هَجرَها ... لمِا ضَمَّنْتنِى أُمُّ سَكْنٍ لضَامِنُ تجشَّمتُ: تَكلَّفْتُ ذاك على مَشقّةٍ. أمّ سَكْن: امرأة. فإِن يُمسِ أَهلِى بالرَّجِيع ودُونَنا ... جِبالُ السَّراةِ مَهوَرٌ فعُواهِنُ قال: الرَّجيع (¬1) موضع. ومَهْورَ. وعُواهِن: جَبَلٌ وأماكن. يوافِيكَ منها طارقٌ كلَّ ليلةٍ ... حَثِيثُ كما وافَى الغَريَم المُدايِنُ فَهيهاتَ ناسٌ من أُناسٍ دِيارُهُمْ ... دُفاقٌ ودُورُ الآخَرين الأوَايِنُ (¬2) فهيات، يقول: ما أبعدَ هؤلاء. وهذه أماكن. فإِنْ تَرَنى قصْدا قَريبًا فإِنّه ... بعيدٌ على المَرءِ الحجِازىِّ آيِنُ يقول: قَصْدِى بعيد على الرجل الحجازىّ. بعيدٌ على ذى حاجةٍ ولو انّنى ... إذا نَفَجَتْ (¬3) يوما بها الدارُ آمِنُ نَفَجَتْ: رَمَت بها يوماً الدار قِبَلَنا. أنا محارب، فهىّ وإن دنتْ فإنِّنى لا أرجوها لأنّى مُحارِب. ¬

_ (¬1) الرجيع: موضع غدرت فيه عضل والقارة بالسبعة نفر الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم، منهم عاصر بن ثابت حمىَّ الدبر، وخبيب بن عديّ، ومرثد بن أبي مرثد الغنوى، وهو ماء لهذيل قرب الهدءة بين مكة والطائف. اهـ ياقوت. (¬2) الأواين: جمع آين، وهو الرافه الوداع. (أقرب).والأون: الدعة والسكينة والرفق، ويقال: ثلاث ليال أواين، أي روافه، وعشر ليال آينات، أي وادعات (اهـ ملخصا من تاج العروس واللسان). (¬3) في الأصل "نفخت" بالحاء؛ والصواب ما أثبتنا، إذ أنه يقال: نفجت بهم الطريق إذا رمت بهم فجأة.

يقول الّذى أَمسَى إلى الْحِرزِ (¬1) أهلُه ... بأىِّ الحَشَا أَمْسَى الخليطُ المُبايِنُ بأىِّ الحَشا، أي بأىّ الناحية. ويقال: بأى الحَشا أهلكُ. ويقال: فلانٌ في حَشَا بني فلان، أي في ناحيتهم. سؤالَ الغَنِّيِ أخيه كأنّه ... بِذكْرَتِه وَسْنَانُ أو مُتواسِنُ سؤالَ الغنىّ، أي يسأل عن صديقِه كأنّه بِذِكْره نائم أو مُتناوِم. فأيُّ هُذَيل وهي ذاتُ طَوائفٍ ... يوازن من أعْدائها ما نُوازِنُ ذاتُ طوائف: أي ذاتُ نَواحٍ. يُوازن، أي يكون بحِذائهم. يقول: يكونون بحِذاءِ أعدائهم. يقال: بنو فلان يُوازنَّ ذاكَ: إذا كانوا بحِذائه. وفهمُ بنُ عَمْرٍو يَعْلكون (¬2) ضَرِيسَهمْ ... كما صَرَفَتْ (¬3) فوقَ الجِذاذِ المَساحنُ (¬4) الجِذاذ: حِجارةُ الذَّهب تُكْسَر ثم تُسَحل (¬5) على حجارةٍ تُسمَّى المَساحِن حتى يَخرج ما فيها من الذهب. والرَّحى يقال لها: المِسْحَنة. ¬

_ (¬1) الحرز: الموضع الحصين. ورواية اللسان "الحزن" بفتح الحاء مكان "الحرز". والحزن: ما غلظ من الأرض، وجمعه حزون. (¬2) يعلكون: يمضغون، من قولهم: علك الشيء يعلكه (بكسر اللام وضمها) علكا: مضغه ولجلجه. والضريس: الحجارة التي هي كالأضراس، أو هي الشيء الخشن الذي يمضغ ولا يكاد يبتلع لخشونته. (¬3) صرفت: صوّتت، من الصريف، وهو الصوت؛ وفي اللسان "كما انصرفت" مكان "كما صرفت". والجذاذ بالضم: حجارة الذهب لأنها تكسر وتسحل، وأيضا قطع الفضة الصغار. (اللسان). (¬4) المساحن: حجارة تدق بها حجارة الذهب والفضة، واحدها مسحنة كمكنسة (كما في اللسان والتاج). (¬5) تسحل أي يحك بعضها ببعض، وما سقط منها يقال له: السحالة (بضم السين) وهي ما تسقط من الذهب والفضة. والسحل: القشر والكشط.

إذا ما جَلَسْنا لا تَزالُ تَزُورُنا ... سُلَيْمٌ لَدَى أبياتِنا وهَوازِنُ جَلَسْنا: أَنْجدْنا، يقول أتَيْنا نَجْدا. وأنَشَدَنا أبو سعيد: إذا أمُّ سرْياحٍ غَدَت في ظَعائنٍ ... جَوالسَ نَجْدًا فاضت العينُ تَدْمَعُ (¬1) وأنشدنا: شمالَ مَنْ غارَبه مُفرعًا (¬2) ... وعن يمين الجالسِ المُنْجِدِ رُوَيْدَ علِيًّا جُدَّ ما ثَدْىُ أُمِّهمْ ... إلينا ولكنْ وُدُّهْم مُتَاينُ (¬3) جُدَّ: قُطِع. يقول: يكونون بانقِطاعِ لبنَ، وذلك أن يصيبَ الضرعَ شيءٌ فينقطع، وهو يدعو عليهم، وهذا مَثل. متمايِن: كَذوب. ويقال: كَذَب ومَانَ. والَمْين: الكَذب. ¬

_ (¬1) هذا البيت لبعض أمراء مكة، وقيل: هو لدرّاج بن زرعة، والسرياح من الرجال الطويل. وأم سرياح: امرأة، مشتق منه. والجالس: الآتى نجدا (اهـ ملخصا من لسان العرب). وفى شرح الشواهد للسيرافى جـ 9 ص 198 من النسخة الفوتوغرافية المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 4625 أدب أن أم سرياح ها هنا امرأة. وقوله: "في ظعائن" أراد مع ظعائن قاصدات نجدا. "فاضت العين" بالدمع لفراقها. (¬2) ورد هذا البيت في شرح الشواهد للسيرافى ج 9 ص 198 للعرجىّ، وشرحه فقال ما نصه: ذكر قبل هذا البيت مكانا، ثم قال: هو على شمال الذي يأتى الغور. والمفرع: المنحدر، وإذا خرج الخارج من الغور إلى نجد كان هذا المكان على يمينه والغور ينحدر. وجلس: عال، والذي يأتى الغور ينحدر، وهو المفرع، والذي يأتى نجدا مصعد. وشمال ها هنا ظرف. الخ وفي كتب اللغة ما يفيد أن قوله: "مفرعا"؛ من قولهم: "أفرع من الجبل" إذا انحدر، ومنه قول الشاعر: * لا يدركنك إفراعي وتصعيدى * (¬3) رواه ابن كيسان "ولكن بعضهم متيامن" وفسره بأنه الذاهب إلى اليمن قال: "وهذا أحبّ إلىّ من "متماين" (اللسان).

فأىُّ أْناسٍ نالَنا سَوْمُ غَزْوِهْمِ ... إذا عَلِقُوا أَدْيانَنَا لا نُدايِنُ يقول: إذا كان لهم عندنا دَيْن لا نُدايِنهم إلاَّ بهذه السيوف. سَوْمُه: إتيانُه. ويقال: سامَت الإبلُ إذا ذهبتْ في الأرض تَسُوم سَوْما. أَبَيْنا الدِّيانَ غيرَ بِيضٍ كأنّها ... فُضولُ رِجاعٍ رَفْرَفَتهْا السَّنائنُ (¬1) الرِّجاع: الغُدْوان. رَفْرَفَتْها: حرَّكَتْها. السَّنائن: ريحٌ تَسَنَّنُ أي تمُرُّ، واحدها سَنِين. والرِّجاع: جمعُ رَجْع. فإِنْ تَنْتقصْ منّا الحروبُ نُقاصةً ... فأيَّ طِعانٍ فى الحُروبِ نطاعِنُ يقول: إن تنتقِص الحُروبُ شيئا مِن رِجالنا، فانظر كيف مُطاعنتنا لأعدائنا في الحروب. تَبِينُ صُلاُة الحَرْب مِنّا ومِنهمُ ... إذا ما النَقَيْنا والمسالم بادنُ تَبِين، أي تَستَبين من كان يصلَى الحَرْبَ مِنَّا، ومن كان لا يَصْلَاها وجدتَه بادِنًا لا يَهزُله شيء. أُناسٌ تُرَبِّينا الحُروبُ كأنّنا ... جِذالُ حِكاكٍ لوّحَتْها الدَّواجْنُ ¬

_ (¬1) الديان ككتاب: المداينة والمحاكمة. يقول: إننا نأبى مداينتهم بغير السيوف البيض، أي نأبى أن نقاتلهم إلا بهذه السيوف التي كأن صفائحها تشبه في تموجاتها ولمعانها بقايا مياه الغدران عندما تمرّ عليها فتحرّكها تلك الرياح السنائن.

قال الشيخ: بالخطّ المَقْروء على (التَّوَّزِىّ) (¬1) بالجيم، فغُيِّر عند القراءة "على الأحوال" بالخاء. ووقع سماعى بالخاء، ولم يُنسَب فيه. يقول: تُربِّينا الحروبُ حتى استَنْشِئْنا جِذالَ حِكاكٍ، واحدُها جِدْل، وهي خَشَبةٌ تنصَب للجَرْبَي تحتكّ بها. والدواجِن والدواخِن واحد، يقال: قد دَجَن ودَخَن. ويَبرَح منّا سَلفَعٌ متلبِّبٌ ... جريءٌ على الضَّرّاء والغَزْوِ مارِنُ ويَبرَح، يقول: لا يَبرحَ. سَلْفَع: جريءٌ الصَّدْر. متلبِّب: متحزِّم، ومنه قول الشاعر: واستَلْأَموا وتَلبَّبوا ... إنّ التَّلبُّبَ للمُغير والضراء: الشدّة. مارِن: قد مَرَن على الغَزاةِ، هو مُرَدَّدٌ مدرَّبٌ. مُطِلٌّ كأَشْلاء اللِّجاِم أَكَلَّه الـ ... ـغِوارُ ولمّا تُكْسَ منه الجَناجِنُ مُطِلّ: مُشِرف. أكلَّه: مِن الكَلال. والغِوار: المُغاوَرة. والجنَاجِن: عِظامُ الصَّدر تَنْدُر عند الهُزال، واحدها جنْجن، يقول: أضمرتْه الحربُ حتّى صار كأنّه بقيّة لجامٍ. ¬

_ (¬1) هو عبد الله بن محمد بن هارون التوّزى اللغوى المشهور، أخذ عن أبي عبيدة والأصمعى وأبى زيد، وقرأ على أبى عمر الجرمى كتاب سيبويه وكان في طبقته، ومات في سنة 238 والتوّزىّ: نسبة إلى توّز، وهي بلدة بفارس قريبة من كازرون شديدة الحرّ، لأنها في غور من الأرض، بينها وبين شيراز اثنان وثلاثون فرسخا، ويعمل فيها ثياب كان تنسب إليها، ويقال فيها أيضا "توّج" بالجيم (1) ملخصا من معجم البلدان لياقوت).

وقال أيضا

له إلْدُةٌ (¬1) سُفْعُ الوُجوِه كأنّهمْ ... يصفِّقُهمْ وَعْكٌ من المُومِ (¬2) ماهِنُ السُّفْعة: حمُرة شديدةٌ تضِرب إلى السواد. قال: يصفِّقهم: يقلِّبهم، أراد أنّهم مَهازِيل. والوَعك: الحمَّى نفسُها. وقال أيضا ألا أَصبحتْ ظَمْياءُ قد نزَحَتْ بها ... نَوًى خَيْتَعُورٌ طَرْحُها وشَتاتُها نَزحَتْ: بعدتْ بها هذه النِّية. خَيتْعور: باطل، يقول: عَهْدُ هذه المرأة خَيتَعور، وهو كأنّه باطل. وشَتاتُها: تفرّقُها، فهىَ في هذه المَواعيد. (¬3) وقال (¬4) تعَلَّمْ أَنّ ما بَيْنَ سايةٍ ... وبين دُفاقٍ رَوْحَةٌ وغَداتُها قال: رَوْحة، يومٌ أو غُدوَته. هذا يريد. وقد دخل الشهرُ الحرامُ وخُلِّيتْ ... تِهامةُ تَهْوِى بادِيًا لهَوَاتُها (¬5) دخل الشهر الحرام وخرج أهلُها حاجِّينِ فصارَت لا أحدَ فيها. ¬

_ (¬1) له إلدة أي أولاد. والولد بكسر الواو وضمها: ما ولد أيا كان، وهو يقع على الواحد والجميع والذكر والأنثى، وقد جمعوا فقالوا: أولاد وولدة وإلدة. (¬2) قال في اللسان: الموم الحمى مع البرسام. وقيل: الموم البرسام. (¬3) شرح السكرى هذا البيت فقال: نزحت بها: باعدتها. وخيتعور: غدارة روّاغة لا تثبت على وجه، يقال: داهية خيتعور إذا كانت شديدة فجوعا. وطرحها: بعدها. قال: أراد الغدر. وشتاتها: تفرّقها (اهـ ملخصا). (¬4) في السكرى "وقالت تعلم" ويشرح هذا البيت فيقول: أي وقالت ظمياء. اعلم أن ما بين ساية ودفاق -وهما بلدان- مسيرة يوم، إن لم يبعد عليك الموضع فإن شئت فزر. وروحة وغداتها: مسيرة يوم إلى الليل. (¬5) فسر السكرى هذا البيت بما ملخصه: تهوى، أي يهوى الناس إليها. بادبا لهواتها: فاتحة فاها لا تمنع أحدا يدخلها، أي قد دخل الشهر الحرام وخرج أهلها إلى الحج وهي فاتحة فاها لمن أرادها. (اهـ ملخصا).

[ودارٍ (¬1) من] الأعداء ذاتِ زَوائدٍ ... طرقْنا ولم يَكْبُرْ علينا بَياتُها ذات زَوائد، يقول: هو حيٌّ له فُضولٌ كثيرة، أي بيّتناها بياتا ولم يَكبر ذلك علينا. تَواصَوْا بألّا تُقْرَبَنَّ فأُشْعلتْ ... عليهمْ غَواشيها (¬2) فضَلّت وَصاتُها أُشعِلتْ: تفرّقتْ عليهم وانتشرت. غَواشيها: ما غشِيَهم منها. ضَمَمْنا عليهمْ جانِبَيْهِمْ بحَلْبةٍ ... من النَّبْلِ يَغْشىَ فَرّهُمْ غَبيَاتُها (¬3) قال: يقال: حَلبَت السماءُ حَلبْةً فجعل النبلُ مِثلَ مَطْرةٍ مَطَرَتْ. فَرّهُمْ: ما فَرَّ منهم. غَبَياتها: جمع غَبْية، وهي الدَّفْعة من المطر، وهذا مَثَل. فأُبْنا لنا مَجْدُ العَلاءِ (¬4) وذِكرُه ... وآبُوا عليهمْ فَلُّها وشَماتُها ¬

_ (¬1) هذه التكملة التي بين مربعين لم ترد في الأصل. وقد أثبتناها عن شرح السكرى الذى يشرح البيت فيقول: ذات زوائد: ذات حى له فضول كثيرة. ويقال: الزوائد أفواه الطرق. يقول: إن لم يعظم فى صدورنا أتيناهم ليلا، والطروق لا يكون إلا ليلا. (اهـ ملخصا). (¬2) في السكرى "غواشينا" بالنون، وفسره فقال: أي ما عشيهم منا من الرجال، يريد أن أهل الدار تواصوا فلم تغن وصاتها شيئا، لأنهم تواصوا بأن يحترسوا لئلا يؤتوا فانتشرت عليهم غواشينا، فضاع ما تواصوا به. (¬3) فى السكرى "بصائب" مكان "بحلبة" ويشرح البيت فيقول: ضممنا: أحطنا. بجانبيهم: جانبي الجبل وضيقناه عليهم. وصائب: قاصد. وفرّهم: جمع فارّهم. والغبية: الدفعة الغزيرة من من المطر، فضربه مثلا لوقع النبل. ويروى: "جمعنا عليهم حافتيهم" كما روى "فلهم" مكان "فرّهم". يقول: غشيهم منا مثل المطر (اهـ ملخصا). (¬4) في السكرى (ريح الكلاء) قال: ويروى "مجد الحياة". وفيه "وشتاتها" مكان "شماتها". ويفسره فيقول: أبنا: رجعنا. والفل: الهزيمة والشمات. وآب عليهم: رجع عليهم. وشناتها: تفرّقها.

قال: يقول: رَجَعوا خائبين وقد فُلُّوا. وقال أيضا لعامرِ بنِ سدوسٍ الخُناعيّ، وكان يُعزَى هو ورَهْطُه إلى خُزاعَة (¬1): أَمنْ جَدِّك الطَّرِيفِ لستَ بلَابِسٍ ... بعاقِبةٍ إِلَّا قَمِيصًا مكفَّفا (¬2) يقول: إذا كان النسبُ طَرِيفًا كانت الآباء أَقْعَد. وكانت العَربُ تَكُفُّ قُمُصَها بالدِّيباج، وأنشَد: * كما لاحَ في جَنْبِ القَميصِ الكَفائِفُ * وكنتَ امرأً أنْزَفْتَ (¬3) من قَعْر قَرْوَةٍ ... فما تأخذُ الأقوامَ إِلَّا تَغَطْرُفا أنَزْفَت، أي انتَفَخْتَ. والَقْروَة: خشبةٌ تُنقَر ويُشَرب فيها. تركتَ سدوسًا وهو سيّد قَوْمِه ... بُمسْتَنِّ سَيْلٍ ذى غَوارِبَ أعْرَفا (¬4) ¬

_ (¬1) قدّم السكرى لهذه القصيدة بما لا يخرج عن كلام الشارح هنا. (¬2) يشرح السكري هذا البيت فيقول: أمن جدك الذي استطرفته بأخرة أنت تفخر علىّ. ومعنى إلا قميصا، يقول: فخرا تفخر علىّ إذا لبسته مكففا تكففه بالديباج. وبعاقبة: في آخر الأمر. (اهـ ملخصا). (¬3) في السكرى: "نزقت" ويشرح البيت فيقول: نزقت: خرجت. وأنزقتك: أخرجنك. والقروة: أصل النخلة ينقر فيشرب فيه. تغطرفا: قسرا، أي شربت فسكرت فأنت تأتى هذا. ابن حبيب: أنزقت: من النزق. وأنزقت: سكرت. وقروة: خابية. وتغطرف: تعسف. أبو عمرو: نزفت: خرجت، وقروة: علبة؛ ويقال لميلغة الكلب قروة. (¬4) شرح السكرى هذا البيت فقال: غوارب: أعال. أعرف: له عرف. وكل ما شخص فهو عرف. والسور: عرف.

قال الزيادىّ: كان الأصمعىّ لا يَعرِف من الرجال إلّا سدُوسا (¬1). سَدَدْتَ عليه الزَّرْبَ ثمّ قَرْيَته ... بُغاثًا أَتاه من أعاجيلَ خُصَّفَا (¬2) قريتَه: أطعمتَه هذا البُغاث. وأَعاجِيل: موضع. والخَصيف (¬3): ذو لونين. أَظُنُّكُم (¬4) منْ اُسْرةٍ قَمَعِيّةٍ ... إذا نَسَكوا لا يَشْهدون المعرَّفا ¬

_ (¬1) الذي في التاج مادة "سدس" أن سدوسا بالضم رجل طائى، وهو سدوس بن أجمع بن أبى عبيد بن ربيعة بن نضر بن سعد بن نبهان. وسدوس بالفتح رجل آحر شيبانى، وهو سدوس بن ثعلبة ابن عكابة بن صعب وآخر وتميمى وهو سدوس بن دارم بن مالك بن حنظلة. قال أبو جعفر محمد بن حبيب كل سدوس فى العرب مفتوح السين إلا سدوس طيّ، وكذلك قاله ابن الكلبىّ، ومثله في المحكم، وقال ابن برى: الذي حكاه الجوهوى عن الأصمعى هو المشهور من قوله. وقال ابن حمزة: هذا من أغلاط الأصمعى المشهورة، وزعم أن الأمر بالعكس مما قال، وهو أن سدوس بالفتح اسم الرجل وبالضم اسم الطيلسان. الخ. (¬2) في السكرى: "من أعاجل أخصفا". ويشرح البيت فيقول: الزرب: حظيرة الغنم. وأعاجل أخصف: موضع. والبغاث: شرار الطير. يقول: أطعمت لحمه الطير. والخصيف: لونان من بياض وسواد، وهو الخصف. أبو عمرو: أعاجل: صغار، واحدها عجل. (¬3) كل لونين اجتمعا يقال لها خصيف (مستدرك التاج). وقد أورد السكرى بعد هذا البيت بيتا آخر لم يرد في الأصل، وهو: وأنت فتاهم غير شك زعمته ... كفى بك ذا بأو بنفسك مزخفا وقال في شرحه: البأو: الفخر والكبر. ومزخف: فخور. تزخف: تفخر. (¬4) في السكرى "إخالكم" مكان "أظنكم" وقد شرح البيت فقال: قمعية: منسوب إلى قمعة ابن خندف، يقال: إن خزاعة من ولده. نسكوا: ذبحوا النسيكة. والمعرف بمنى. يقول: ليسوا على دين العرب. والمعرف: بعرفة، بقول: هم من الحمس لا يقفون. اهـ ملخصا. والحمس: لقب قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم في الجاهلية، سموا بذلك لتحمسهم في دينهم، أو لاعتصامهم بالحمساء أي الكعبة، الواحد أحمس، والنسبة إليهم أحسيّ.

قال أبو سعيد: قَمَعة بُن خِنْدِف (¬1) من خُزاعة، إذا نَسَكوا للحجّ لا يشهدون المعرَّف، يعني عَرَفة. ¬

_ (¬1) في الأصل: "جندب" وهو تصحيف، والتصويب عن تاج العروس (مادة خندف) والسكرى. وخندف: أم قمعة لا أبوه كما يتوهم وهي ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. قال ابن الكلبي: ولد إلياس بن مضر عمرا وهو مدركة، وعامرا وهو طابخة، وعميرا، وهو قمعة، وكان إلياس خرج في نجعة له، فنفرت إبله من أرنب، فخرج إليها عمرو فأدركها، فسمى مدركة، وخرج عامر فتصيدها وطبخها فسمى طابخة، وانقمع عمير في الخباء فسمى قمعة، وخرجت أمهم تسرع، فقال لها إلياس: أين تخندفين، فقالت: ما زلت أخندف في إثركم، فلقبوا مدركة وطابخة وقمعة وخندف اهـ.

وقال البريق

وقال البُرَيق -واسمه عِياض بن خُوَيلد الخُناعىّ- في رجل من بني سُلَيم، ثم من بني رِفاعة، أَسَره فأَطلقَه فلم يُثبه، فقال في ذلك (¬1): واللهِ لا تَنفكّ نفسى تلومُنى ... لدى طَرَفِ الوَعْساءِ فى الرَّجُل الجَعْدِ (¬2) ولمّا ظَننتُ أنّه متعبَّط ... دَعوْتُ بنى زيدٍ وألحفْته جَرْدِى متعبَّط، أي مُقطَّع، يقال: عَبَّطه، أي قَطَّعه إذا اعتبطَهُ بالسيف. وكلُّ ثوب خَلَقٍ جَرْدٌ. وقوله: بني زيد، يقول: قلتُ يا بني فلان، وأَلقيتُ عليه ثوبي لأؤمّنه. فوالله لولا نعمتى وازدرَيْتَها ... لَلاقَيتَ ما لاقَى ابنُ صَفْوان بالنَّجْدِ يقول: ازدريتَ نِعمتى، لم تَرَها شيئا ولم تُثِبْنى. فإِنْ يك ظَنِّى صادِقِى يابنَ شنّةٍ (¬3) ... فليس ثوابى في الجَنادِعِ (¬4) بالنُّكْدِ في الجَنادع، يريد جُنْدُعا. والنُّكْد: المسئلة (¬5). يقول: إنْ لم يكن ظَنِّى صادقا فأَعْطوني ثَوَابي: "ولا تكفوني أنكدكم في الناس" (¬6). ¬

_ (¬1) لم ترد هذه القصيدة في السكرى. وقد وردت في بقية أشعار الهذليين ص 23. (¬2) الوعس: الرمل الذي تسوخ فيه القوائم، وهو أعظم من الوعساء. والجعد هنا: الكريم. قال في تاج العروس مادة جعد: ومن المجاز رجل جعد أي كريم جواد، كناية عن كونه عربيا سخيا، لأن العرب يوصفون بالجعودة. (¬3) الشنة: العجوز البالية على التشبيه عن ابن الأعرابى. (¬4) في البقية ص 23 طبع أوربا "في الجنادات" مكان "في الجنادع". (¬5) كذا في الأصل. والذي وجدناه فيما بين أيدينا من كتب اللغة أن النكد بضم النون وسكون الكاف: قلة العطاء، وألا تهنئه من تعطيه، قال الشاعر: وأعط ما أعطيته طيبا ... لا خير فى المنكود والناكد (¬6) كذا في الأصل. ولعلها "ولا تلفوني" فنأمل.

وقال أيضا

فأىّ فتًى في الناس تُنْقى عِظامُه (¬1) ... يَنالُ رِفاعيًّا فيُطْلِقه بَعْدِى تُنقى عِظامُه، هو من قولهم: إذا لم يكن في الإنسانِ خيرٌ لا يُنْقى، أي هو مَهْزول. وقال أيضا (¬2) وَحىٍّ حُلولٍ لهم سامِرٌ ... شَهِدْتُ وشعبهُمُ مُفْرَمُ (¬3) مُفْرَم: مملوء. قال أبو سعيد: كذلك سمعتُه من أهل ذلك الشِّقّ، ولَم يَعرفه من كان مِن شقِّنا. بشَهْباءَ تَغلِبُ من ذَادها ... لَدَى مَتْنِ وازِعِهما الأَوْرَمِ (¬4) أي خَلْفَ وازعها الأكثَر من الجيش. يقول: هذا الذي خَلفه معظمُ الجيش نَسمَع له ونُطيع. والأَوْرم: الجيشُ الكثير، وأصله من الوَرَم. ونائحة صوتُها رائعٌ ... بَعثتُ إذا طَلَع (¬5) المِرْزَمُ الِمرزمَ: نجمٌ يَطلعُ آخِرَ الليل. ¬

_ (¬1) يقال: أنقى العظم إذا استخرج نفيه بكسر النون وسكون القاف، والنقى كجلد: مخ العظم. (¬2) لم ترد هذه القصيدة في شرح السكرى، وإنما وردت في البقية مع خلاف يسير في رواية بعض أبياتها. (¬3) المفرم: المملوء. هذلية (اللسان). وفي البقية "أولى بهجة" مكان "لهم سامر". وقال في تاج العروس "أفرم الحوض: ملأه" في لغة هذيل، ورواه "وحى حلال" الخ البيت. (¬4) ورد هذا البيت في البقية هكذا: بألب ألوب وحرابة ... لدى متن وازعها الأورم بالرفع في قوله "الأورم" وورد في لسان العرب بالكسر في قوله: "الأورم". قال: وألب ألوب: مجتمع كثير. وفي هذا البيت إقواء لاختلاف حركة حرف الرويّ فيه. (¬5) في البقية: "إذا ارتفع" مكان "إذا طلع".

تَنُوحُ وتَسْبُر قَلّاسةً ... وقد غابت الكفُّ والمِعْصَمُ تَسْبُر: تُدْخل كفَّها ومعْصَمَها في جوفها. قَلّاسة: جَرّاحة، تَقْلِس بالدم تَقْذفه. والمعْصَم: موضع السَّوار. لدَى رجلٍ مائلٍ رأسُه ... تَمُور (¬1) الكلُوُمُ به والدّمُ يقول: قد مال رأسُه من خروج الدم، أو قِتل. والكلُوم: الجِراح أي الِجراح تمَور بالدّمَ. وماءٍ وَردتُ على خِيفةٍ (¬2) ... وقد جنَّه السَّدَفُ الأَدْهَمُ السَّدَف: الظلمة، وربّما جُعل ضوءا. قال أبو سعيد: وإنّما يقال: جَنَّهُ الليلُ وأَجَنَّه، ويقال: هو جَنَّه على خيفةٍ، أي على خَوْفٍ ومحاذَرة. مَعِى صاحبٌ مِثلُ نَصْل السِّنان ... عَنيفٌ على قِرْنِه مِغْشَمُ (¬3) مِن الأَبْلَخِين (¬4) إذا نُوكِروا ... تُضِيف (¬5) إلى صَوْته الغَيْلَمُ تُضيف: تَرجع إلى صوته. والغَيْلم: المرأةُ الحَسْناء. إذا نُوكروا: إذا قُوتِلوا، وأنشَد لأبي شهاب "بنو عَمِّ أُولانا إذا ما تَنَاكروا" والأبْلخَ: المتكبِّر. ¬

_ (¬1) فى البقية: "تفيح" مكان "تمور". (¬2) فى البقية: "قبيل الصباح" مكان "على خيفة". (¬3) فى البقية: "محطم" مكان "مغشم". (¬4) البقية: "من المدعين" مكان "من الأبلخين". (¬5) البقية والمخصص ج 3 ص 159: "تنيف" مكان "تضيف".

يشذِّب بالسَّيف أَقْرانَه ... إذا فَرّ ذو اللِّمة الَفَيْلَمُ (¬1) يشذِّب: يقطِّع أقرانَه بالسّيف كما يشذِّب الرجُل أَغْصان الشَّجرة؛ ويقال: جُمَّةٌ فَيْلَم: إذا كانت ضَخْمة. وبئرٌ فَيلَم: إذا كانت واسعة، قال أبو العباس: لا يقال للبئر، إنما يقال: عَيْلَم إذا كانت غَزِيرة. وقال: الفَيْلَم المُشْط. والفَيْلَم: الجَبَان. أَرُوعُ الّتى لا تَخافُ الطَّلا ... قَ، والمرءَ ذا الخُلُقِ الأَفْقَمِ (¬2) يقول أَرُوعها بالطَّلاق. والأَفْقَم: الأَعْوَج، ومِن ذا "تَفَاقَمَ أمرُ بني فلان" إذا لم يستقِم. فأَتْرُكُها تَبْتَغى قَيِّماً ... وأَقضِى بصاحبِها مَغْرَمِى ¬

_ (¬1) روايته في البقية: يفرق بالميل أوصاله ... كما فرّق اللمة الفيلم وروايته في اللسان: ويحمى المضاف إذا ما دعا ... إذا فرّ ذو اللمة الفيلم كما روى فيه: يفرّق بالسيف أقرانه ... كما فرق اللمة الفيلم والمراد بالفيلم هنا المشط. قال ابن خالويه: يقال رأيت فيلما يسرّح فيلمه بفيلم، أي رأيت رجلا يسرّح حمة كبيرة بالمشط. (اهـ ملخصا). (¬2) لا يخفى ما في هذا البيت والذي بعده من إقواء، لاختلاف حركة حرف الروى فيهما. وفي البقية: أروع التي لا تخاف الطلا ... ق والعبد بالخلق الأفقم

وقال أيضا

وقال أيضا (¬1) ألم تَسْلُ عن لَيلَى وقد نَفِد العُمْرُ (¬2) ... وقد أَقْفرتْ (¬3) منها المَوازِجُ (¬4) فالحَضْرُ (¬5) نَفِد العُمْر: ذهب عُمُرى. والمَوازج والحَضْر: مواضع. وقد هاجنى منها بوَعْساءِ قَرمَدٍ (¬6) ... وأجزاعِ ذى اللَّهْباء (¬7) مَنزِلةٌ قَفْرُ يَظَلّ بها الدّاعى الهَدِيل (¬8) كأنّه ... على الساقِ نَشْوانٌ تَمِيلُ به الخَمْرُ الهَدِيل: الصوت (¬9)، ويَعنِي بالساق ساق شَجَرةٍ. فإنْ تَك (¬10) في رَسْمِ الدِّيار فإِنّها ... دِياْرُ بنى زَيْدٍ وهل عنهمُ صَبْرُ فإن أُمْسِ شَيخاً بالرَّجيع ووِلدةً ... وتُصِبحُ قَومى دون دارِهمُ مصْرُ ¬

_ (¬1) ذكر في البقية ص 42 أن الأصمعى روى هذه القصيدة لعامر بن سدوس. (¬2) في القبة "ذهب العمر". (¬3) في البقية: "أوحشت". (¬4) ذكر ياقوت في الموازج أنه بالزاى والجيم: وهو موضع في قول البريق الهذلى وأنشد "ألم تسل على ليلي" الخ البيت. (¬5) ورد في شرح القاموس أن الحضر (بفتح فسكون): بلد قديم مذكور فى شعر القدماء. (¬6) ذكر ياقوت أن الوعساء رملة. وقرمد: موضع الوادى، ثم أنشد هذا البيت ونسبه لبعض الشعراء. والجزع: منعطف الوادى. وفي البقية "فروع" مكان "قرمد" وفروع: موضع في بلاد هذيل. (ياقوت). (¬7) ذكر ياقوت في اللهباء أنه بفتح فسكون وباء موحدة. وقال: إنه موضع لعله في ديار هذيل، ثم أنشد هذا البيت ونسبه لعامر بن سدوس الخناعي الهذلى. (¬8) في البقية: "داعى هديل". (¬9) وهو أيضا ذكر الحمام؛ وقيل: هو فرخها. (¬10) كذا في الأصل. والذي في البقية "وإن تبك".

الرَّجيع: موضع. يقول: بقيتُ بالرَّجيع مع صِبْيةٍ. وكانوا هاجَروا إلى مصر. والمعنى ومَعِي وِلدةٌ، ولكنّه نصبَها على الحال، وكان أرسلَهم عمرُ بنُ الخطاب. أسائلُ عنهمْ كلَّما جاء راكبٌ ... مقيماً بأَمْلاحٍ كما رُبِط اليَعْرُ اليَعْر: الجَدْى (¬1) الضَّخْم الّذى قد نَبَّ (¬2)، وهو فوق العظيم قليلا. فما كنتُ أَخْشَى أن أُقَيمَ (¬3) خِلافَهُم ... بستّة أبياتٍ كما نَبَتَ العِتْرُ العِتْر: شجرٌ له ورقٌ صِغار مِثْلُ المَرْدَقوش وهو الدهرَ (¬4) قليل. خِلافَهم: بعدَهم. وأملاح: موضع. ¬

_ (¬1) قال في اللسان: اليعر واليعرة: الشاة أو الجدى يشد عند زبية الذئب أو الأسد، قال البريق الهذلي، وكان قد توجه قومه إلى مصر في بعث، فبكي على فقدهم: فإن أمس شيخا بالرجيع وولده ... ويصبح قومى دون أرضهم مصر أسائل عنهم كلما جاء راكب ... مقيما بأملاح كما ربط اليعر والرجيع وأملاح: موضعان؛ جعل نفسه في ضعفه وقلة حيلته كالجدى المربوط في الزبية، وذكر أيضا أن اليعر هو الجدى ربط عند زبية الذئب أو لم يربط، وبه فسر أبو عبيد قول البريق هذا. (¬2) يقال: نب التيس ينب نبا ونبيبا إذا صاح عند الهياج. ولقد قال عمر لوفد أهل الكوفة حين شكوا سعدا: ليكلمني بعضكم، ولا تنبوا عندى نبيب التيوس. (¬3) في البقية "أعيش" مكان "أقيم". (¬4) قال في اللسان: العتر بقلة إذا طالت قطع أصلها فخرج منه اللبن، قال البريق الهذلى: فما كنت أخشى أن أقيم خلافهم ... لستة أبيات كما نبت العتر يقول: هذه الأبيات متفرّفة مع قلتها كتفرّق العتر في منبته. وقال: "لستة أبيات كما نبت" الخ لأنه إذا قطع نبت من حواليه ست أو ثلاث. وقال ابن الأعرابي: هو نبات مُتفرّق، قال: وإنما بكي قومه فقال: ما كنت أخشى أن يموتوا وأبقى بين ستة أبيات مثل نبت العتر. وقال غيره: هذا الشاعر لم يرث قوما ماتوا كما قال ابن الأعرابي، وإنما هاجروا إلى الشام في أيام معاوية، فاستأجرهم هناك الروم، فإنما بكى قوما غيبا متباعدين، ألا ترى أن قبل هذا البيت: فإن أك شيخا بالرجيع وصبية ... ويصبح قومى دون دارهم مصر "فما كنت أخشى" الخ والعتر إنما ينبت منه ست من هنا وست من هنالك، لا يجتمع منه أكثر من ست، فشبه نَفسه في بقائه مع ستة أبيات من أهله بنبات العتر. نقول: ولعل الشارح حين قال: "وهو الدهر قليل" قصد إلى أن الغتر إنما ينبت منه ست من هنا وست من هنالك فلا يجتمع منه أكثر من ذلك، لهذا فهو الدهر قليل.

وقال أيضا يرثي أخاه

بما قد أراهم بين مَرٍّ (¬1) وسَايَةٍ ... بكلِّ مَسيلٍ منهمُ أَنَسٌ عُبْرُ أَنَس: جماعات من الناس. عُبْر: كثير. قال: ومَرّ وسايةَ: موضعان. بشِقّ العهادِ الحُوِّ لم تُرْعَ قَبْلَنا ... لنا الصارِخُ الحُثْحوثُ والنَّعَمُ الكُدْرُ (¬2) الحُثْحوث والحُثْحُث: السريع المتحرِّك (¬3). كُدْر: غُبْر الألوان. لنا الغَوْر الأَعْراض في كلِّ صَيْفةٍ ... فذلك عَصْر قد خَلاها وذا عَصْرُ الغَوْر: التِّهَمَة، والأعْراض: النواحى، واحدها عُرْض. وذا عَصْر أي هذا عَصْر. وقال أيضا يرثِي أخاه وما إن أبو زَيْد برَثٍّ سِلاحُه ... جَبانٍ وما إنْ جِسمُه (¬4) بدَمِيم أي قبيح. وكنتُ إذا الأيّام أحدَثْن هالِكاً ... أقول شَوًى ما لم يُصِبْنَ صَميمِى أَحدَثْن هالكا، أي هَلَاكَ هالِكٍ. شَوًى، أي هَيِّن (¬5). صميمى، أي تَقَع بى. والصَّميم: الخالص. ¬

_ (¬1) رواية البقية: "بين مرّ" بفتح الراء، مشددة. (¬2) في البقية: نشق التلاع الحولم ترع قبلنا ... لنا الصارخ الحثحوث والنعم الدثر (¬3) الحثحوث: الداعى بسرعة. (اللسان). (¬4) في البقية: "وجهه". (¬5) في اللسان: "تالله ما حبى عليا بشوى" أي ليس حبى إياه خطأ. وقال أبو منصور: هذا من إشواء الرامى، وذلك إذا رمى فأصاب الأطراف ولم يصب المقتل، فيوضع الإشواء. موضع الخطأ والشيء الهين، واستشهد ببيت البريق هذا. ثم قال: كل شيء شوى أي هين ما سلم لك دينك.

وقال يرثي أخاه وقومه

اَصبْنَ أبا زَيْدٍ ولا حَىَّ مِثْلَه ... وكان أبو زَيْدٍ أَخِى ونَدِيمى فأصبحتُ لا أَدعو مِن الناس واحدا ... سوى إلْدةٍ فى الدارِ غيرَ مُقيم (¬1) كأنّ عَجوزى لم تَلِدْ غيرَ واحدٍ ... وماتتْ بذاتِ الشّثِّ غيرَ عَقيمِ (¬2) أي كأنّ أمّى لم تَلِد غيرى، أي مات إخْوَتى وتتابَعوا. وقال يَرثِي أخاه (¬3) وقومَه لقد لاقيتَ يومَ ذهبتَ تَبغِى (¬4) ... بَحزْمِ نُبايِعٍ (¬5) يوما أمَارا نُبايع يوماً أَمارا، أي علما وشَيْئا فى الناس مَشْهُورا. مقيماً عند قبرِ أبِي سِباعٍ ... سَرَاة اللَّيلِ عندكَ والنَّهارا ويروى: سراةَ اليومِ، وهو وَسَطُه، كذلك هو من اللّيل. يقول: لاقيت يوما عند قبر أبى سِباع (¬6). ¬

_ (¬1) فى البقية: "سوى ولدة فى الدار غير حكيم". (¬2) رواية البقية: وماتت بذات الشرى وهى عقيم" والشرى بسكون الراء: نبت. وذات الشرى موضع معروف به فى قول البريق الهذلى: "كأن عجوزى" الخ البيت (اهـ ملخصا من ياقوت) والشث: شجر طيب الريح مرّ الطعم يدبغ به، وذكر ياقوت أن الشث موضع بالحجاز؛ فلعل هذا الموضع قد نسب إليه. (¬3) لم ترد هذه القصيدة فى السكرى، وهى مما ورد فى البقية. (¬4) فى البقية: "لقد لاقيت يوم ذهبت أبغى" على صيغة البناء للفاعل. (¬5) الحزم: الغليظ من الأرض، وقيل: المرتفع، وهو أغلظ وأرفع من الحزن. ونبايع بضم النون أو نبايعات الأخير على صيغة الجمع، كأنهم سموا كل بقعة نبايع، كما يقال لوادى الصفراء صفراوات: واد فى بلاد هذيل. وشك فيه الأزهرى فقال: "نبايع" اسم مكان أو جبل أو واد، وفي العباب قال: الدليل على (أن نبايع ونبايعات) واحد قول البريق الهذلي يرثى أخاه: "لقد لاقيت" الخ البيت (اهـ ملخصا من تاج العروس). (¬6) أورد فى البقية بعد هذا البيت بيتا آخر هذا نصه: ذهبت أعوده فوجدت فيها ... أواريا رواس والغبارا

فرفَّعت المصَادِرَ مستقيماً ... فلا عَيْنًا وَجَدْتُ ولا ضمارَا العَيْن: ما عايَنْتَ. والضَّمار: الغائبُ تَتْبَعُ أَثَره (¬1). سَقَى الرحمنُ جِزْعَ نُبايِعاتٍ ... مِن الجَوْزاء أَنْواءً غِزارا بمرتجِزٍ كأنّ على ذُراه ... رِكابَ الشام يَحْمِلْن البُهَارا (¬2) البُهار: مَتاع البَيْت. بمُرْتَجِز: في صوته. وذُراه: أعالِيه. فَحَطَّ العُصْمَ من أَكْنافِ شِعْرٍ (¬3) ... فلَمْ يَتْرك بذِى سَلْعٍ حِمارا العُصْم: الوُعول. وعُصْمَتها بَياضٌ في أَرْساغها. وسَلْع: جَبَل. وهذه مَواضع. وأكنَاف: نَواحٍ. ومَرَّ على القَرائنِ (¬4) من نُمْارٍ (5) ... وكادَ الوَبل لا يَمضِى نُمارا (¬5) ¬

_ (¬1) ورد في البقية بعد هذا البيت قوله: فلا تنسوا أبا زيد لفقد ... إذا الخفرات أجلين الفرارا (¬2) ضبط هذا اللفظ في الأصل بفتح الباء؛ وهو خطأ من الناسخ صوابه ما أثبتنا. فقد جاء في اللسان (مادة بهر) أن البهار بضم الباء هو الحمل، أو هو الشيء الذي يوزن به، وهو ثلاثمائة رطل، واستشهد بهذا البيت، وقال: إنه يصف سحابا ثقيلا. وذكر الأصمعى في قوله: "يحملن البهار": أنهن يحملن الأحمال من متاع البيت. (¬3) ذكر ياقوت أن شعرا بكسر فسكون: جبل بالحمى، وينسب إليه يوم شعر، كان بين بني عامر وغطفان، عطش يومئذ غلام شاب يقال له الحكم بن الطفيل، فخشى أن يؤخذ، فخنق نفسه، فسمى يوم التخانق، وأنشد هذا البيت للبريق الهذلى. وسلع: جبل في ديار هذيل، وأنشد هذا البيت أيضاً. (¬4) قال في تاج العروس (مستدرك مادة قرن): القرائن جبال معروفة. مقترنة، وأنشد هذا البيت لتأبط شرا: وحثحثت مشعوف النجاء وراعنى ... أناس بفيفان فمزت القرائنا (¬5) نمار كغراب: جبل ببلاد هذيل (تاج العروس). وفي البقية: ومر على القرائن من بحار ... وكاد الوبل لا يبقى بحارا وضبط ياقوت (بحار) بضم الباء فقال: كذا رواه السكرى في قول البريق الهذلى، وأنشد هذا البيت.

لا يَمضى نُمارا، يريد أنّ المطر تَحيَّر بنُمار فلا يَمضي. أُوَدِّع صاحبي بالَغْيبِ (¬1) إنِّي ... أَرانى لا أُحِسّ له حِوارا خِوارا، أي رُجوعا. ألا يا عَيْنِ ما فابكِى عُبَيْدا ... وعبدَ اللهِ والنَّفَر الخِيارا "ما": زائدة. قال: يريد النَّفَر الخِيار فابكِى. وعادِيَة تُهَلِّك مَن رآها (¬2) ... إذا بُثَّتْ على فَزَعٍ جِهارَا عادِيَة: حاملة. تُهلِّك من رآها، أي تُساقِطُه. وما إنْ شابِكٌ مِن أُسدِ تَرْجٍ ... أبو شِبْلَينِ قد مَنَع الخِدارا شابِك، أي أَسَد قد اشتَبكَتْ أنيابُه واختَلَفتْ. ويُروَى: شائك أي أسد ذو شَوْك، وهو السِّلاح. وتَرْج (¬3): قِبَل تَبالَة (¬4). والِخدار والِخدْر واحد (¬5). بأجْرَأ جُرْأةً منه وأَدهَى ... إذا ما كارِبُ المَوْت استَدارا كارِب الموت: كَرْبهُ وما يأخذ عندَه. ¬

_ (¬1) في الأصل "بالغيث" بالثاء؛ وهو تصحيف؛ والتصويب عن البقية. (¬2) في البقية: "من يراها". وقد أورد في البقية بعد هذا البيت بيتا آخر لم في الأصل وهو: تكفت إخوتى فيها فادّوا ... على القوم الأسارى والعشارا (¬3) ترج بالفتح ثم السكون: جبل بالحجاز كثير الأسد. (ياقوت). (¬4) تبالة كسحابة: بلد باليمن خصبة، وكان استعمل عليها الحجاج بن يوسف الثقفى من طرف عبد الملك بن مروان، فأتاها فاستحقرها فلم يدخلها، فقيل: "أهون من تبالة على الحجاج" فصارت مثلا. وقيل: إنه قال للدليل لما قرب منها: أين هي؟ قال: تسترها عنك الأكمة، فقال: أهون علىّ بعمل تستره عنى الأكمة، ورجع من مكانه اهـ ملخصا من ياقوت وتاج العروس. (¬5) الخدار كزمام كالخدر يكسر فسكون، وعنى بها الأجمة.

إذا ما الطِّفْلة الحَسْناء أَلْقَتْ ... من الفَزَعِ المَدارِعَ والِخمارا قال: كلُّ ما تدرَّعت به فهو مِدْرع، وهو كلُّ ثوبٍ يُخاط ويُلبسَ. وقال حين أرادتْ بنو لِحْيانَ قَتلَ مَعقِل (¬1) في أمرِ عَمْرٍو ومؤمِّل: رَفعتُ بني حَوّاء إذ مال عرشُهْم ... وذلك مَنٌّ فى صُرَيم مُضلَّلُ جَزَتْنى بنُو لِحْيانَ حَقْنَ دِمائهمْ ... جزاءَ سِنِمّارٍ بما كان يَفْعَل الّذى يُحفَظ من قصّة سِنِمّار أنّه ألقاه من أَعْلى الأُطُم، ويُروَى أنّه الخَوَرنَق المشهور، والله أعلم. وسنِمّار: رجل كان بَنَى لرجلٍ من الأنصار أُطُما، فقال له حين فَرَغ منه: إنِّي لأَعرِف فيه حَجَرا لو قلعته لوَقعَ الأطُم كلّه، وأنه أجمَعَ على قَتْله، فقال له: اِنطلِقْ فأَرِنيه، فأراه إيّاه؛ فضَرَبَ عُنقَه. ألم تَعَلموا أنْ قد تبدَّلْتُ بعدَكمْ ... دِيَافِيّةً (¬2) تَعْلُو الجمَاجِمَ مِنْ عَلُ (¬3) إذا الرَّجُل الشَّبْعان صابتْ قَذالَه ... أَذاعَ به مَجْلوزُها والمقلَّلُ (¬4) ¬

_ (¬1) ورد في البقية ما نصه: قال البريق بن عياض حين صنعت بنو لحيان ما صنعت، وقد كان البريق كلم لمعقل بن خويلد قومه حتى أطلقوا له ابنى عجرة, فقال البريق: "رفعت بنى حواء" الخ. (¬2) قوله: "ديافية" الخ قال في ياقوت: دياف من قرى الشأم. وقيل: من قرى الجزيرة وأهلها نبط الشام، تنسب إليها الإبل والسيوف، وإذا عرضوا برجل أنه نبطى نسبوه إليها. قال الفرزدق: ولكن ديافى أبوه وأمه ... بحوران يعصرن السليط أقاربه وفي أقرب الموارد أن الديافية ضرب من الإبل والسيوف، نسبة إلى قرية بالشام يقال لها دياف. (¬3) رواية البقية: فأعقبكم أكل الشعير سيوفنا ... مطبقة تعلوا الجماجم من على (¬4) يقال: سيف مقلل إذا كانت له قبيعة، وهي التي يدخل القائم فيها، وربما اتخذت من فضة. والمجلوز: من الجلز. وهو عصب العقب. وجلائز القوس: عقب تلوى عليها فى مواضع. والقذال كسحاب: جماع مؤخر الرأس؛ وقيل: ما بين نقرة القفا إلى الأذن؛ وقيل غير ذلك.

وقال معقِل بن خويلِد لعبد الله بنِ عتيبة ذى المِجَنين (¬1)، وهو أحَدُ بني مرمض: أبا مَعقِلٍ إنْ كنتَ أُشِّحْتَ (¬2) حُلّةً ... أبا مَعقِلٍ فانظر بنَبْلك مَنْ تَرمِى أُشِّحت ووُشِّحْت سواء. والحُلّة: ثوبان من جنسٍ واحد. أبا مَعْقلٍ لا تُوطِئَنْكَ بَغاضَتِى ... رُءوسَ الأَفاعِى في مَراصِدِها العُرْمِ (¬3) إذا ما ظَعَنّا فاخلُفوا في دِيارِنا ... بقيّةَ ما أَبقَى التعجُّفُ مِن رُهْمٍ (¬4) ¬

_ (¬1) في الأصل: "ذى الجنبين"، وهو تحريف صوابه ما أثبتنا كما في تاج العروس، فقد ذكر فيه ما نصه: ذو المجنين بكسر الميم لقب عتيبة الهذلى، سمى بذلك لأنه كان يحمل ترسين في الحرب. (¬2) أشحت ووشحت واحد، يريد إن كنت لبست الحلة، وهي ثوبان جديدان فلا تعظم وتكبّر، يهزأ به، أي تبصر من ترمى إن كنت سيدا (السكرى ملخصا). (¬3) في السكرى: "أبا معقل لا توطئنكم بغاضى" وقال في شرحه: بغاضّى بغضى. ومراصدها: طرقها وحيث تكون. والعرم: الرقط. ويروى "لا توطئنك" أي لا يحملنك بغضى على أن تركب الأمر الذي يهلكك كما تهلك الأفاعى من وطىّ رءوسها. (اهـ ملخصا). (¬4) في رواية "بقية من أبقى التعجف من رهم". وقد شرح السكرى هذا البيت فقال: إننا إذا ظعنا فانزلوا بعدنا، يعنى أنهم ضعفاء لا يقدرون أن يحلوا أنف المنزل. والتعجف: زمن الهزال. يقول: لستم تقدرون على ديارنا إذا كنا بها، فإذا ظعنا فانزلوا بها، يهزأ بهم فيقول: يا بقية من أبقى الهزال من رهم. ورهم: حىّ (اهـ ملخصا). وقد ورد في الأصل أمام هذا البيت ما نصه: "تم الجزء السابع، الجزء الثامن من أشعار الهذليين، وهو من غير رواية أبى سعيد عن الأصمعي". وأورد السكرى بعد هذا البيت بيتا آخر لم يرد في الأصل، ونصه: عصيم وعبد الله والمرء جابر ... وحدى حداد شرّ أجنحة الرخم وشرحه فقال: "يقال حدى حداد" إذا رأى ظلما، أي حدّه عنا، اصرفه عنا وردّه، وقال الأصمعى: حدى حداد أي انطقى شيئا، يهزأ منها (اهـ ملخصا).

وقال معقل بن خويلد

وقال مَعقِل بنُ خُوَيلِد (¬1) ألا مَن مُبْلِغٌ صُرَداً مَكَرِّى ... على أَنسٍ وصاحبِه خِذامِ (¬2) لَعمرُكَ ما خَشيتُ وقد بَلَغْنا ... جبالَ الجَوْز مِن بلدٍ تهامِ (¬3) صَرِيخًا مُجْلِبًا مِن أهْلِ لِفْتٍ ... لحىٍّ بين أَثْلَةَ والنِّجامِ (¬4) صريخا: مغيثا. ومُجلِبا: له جَلَبة. ¬

_ (¬1) قدّم السكرى لهذه القصيدة بما نصه: حدّثنا الحلوانى قال: حدّثنا أبو سعيد السكرى قال: قال الجمحى وأبو عبد الله: كان من حديث بني سهم بن معاوية أن معقل بن خويلد غزا بهم خزاعة، فأصاب منهم دارا عظيمة بلفت، وأصابوا نعما وسبيا كثيرا، فخرجوا بما هنالك يسوقونه حتى اطلعوا الرجيع وتغاوث بنو كعب، فخرجوا بجمع عظيم حتى أدركوا معقلا وأصحابه ببطن الرجيع، وقد أمنوا واغتروا ووضعوا السلاح، وهم على ماء يغتسلون، فعدت عليهم بنو كعب وهم على تلك الحال مغترون، فقتلوا منهم رجلين يقال لهما العمران، ووثبوا على معقل وهو يغتسل، فواثبهم معقل فقتل منهم ثلاثة إخوة، وكلهم بطل يعانقه هذا ويضربه هذا، ثم يعانقه هذا ويضربه هذا، حتى والى بينهم جميعا في مكان واحد والقوم يقتتلون سوى ذلك، فذلك يوم يقول الخزاعى: يا قوم، أبت السيوف معقلا؛ وعانقه الآخر، فقال: اقتلونى ومعقلا، فارتجعت خزاعة سبيهم وقد أصيب ناس منهم الثلاثة الذين قتلهم معقل، وهم أنس وأنيس وخذام، فقال معقل في ذلك: "ألا هل آتى أبا صرد مكرى" الخ البيت. (¬2) روى السكرى هذا البيت: ألا هل آتى أبا صرد مكرى ... على أنس وصاحبه خذام وشرحه فقال: أنس وخذام: ابنا أبا صرد هذا. (¬3) في رواية "من بلد تهامى" قال في شرح السكري: هذا البيت أوّل القصيدة في رواية عبد الله وأبى عمرو اهـ. وجبال الجوز: أودية تهامة، قالوا ذلك في تفسير قول معقل بن خويلد الهذلى: "لعمرك ما خشيت" الخ البيت (ياقوت). (¬4) في رواية: تريعا محلبا من أهل لفت ... لحيّ بين أثلة والنجام وشرحه السكرى فقال: تريع: غريب، ومحلب: معين، وأصله من الحلب، واستعير في غيره. ولفت وواثلة: بلدان. والنجام: واد. قال ويروى "صريخا محلبا". والصريخ: المغيث. ولفت: عقبة بطريق مكة عن أبى عبد الله، وقال الجمحى: هي ثنية جبل قديد. ويروى "من آل لفت" اهـ ملخصا.

وِلاءً عند جَنْبِهما أُنَيْس ... ولم أَجْزَع مِن الموتِ الزُّؤامِ (¬1) وجاءُوا عارِضا بَرِدًا وجئْنا ... كمَوْجِ البحر يقذف بالجَهامِ (¬2) العارض: السَّحاب فيه بَرَد. كَمَوج البحر، كماءِ البحر، يمر فوقه السحاب. فما جَبُنوا (¬3) ولكنْ واجَهونا ... بسَجْلٍ مِن سِجالِ الموتِ حامِى فما العَمْرَانِ من رَجْلَىْ عَدِىٍّ ... وما العَمْران مِن رَجْلَىْ فِئامِ (¬4) فإنّكما لجَوّابا خُروقٍ ... وشَرّابانِ بالنُّطفِ الدَّوامِى (¬5) ¬

_ (¬1) شرح السكرى هذا البيت فقال: موالاة، أي موالاة، يقول: واليت بين أنس وخذام والى جنبهما أنيس أيضا قتلته. والزؤام: السريع الشديد الموجز. يقال: أزأمته الشيء إذا أكرهته عليه. قال: ويروى: "ولم أهدد" مكان "ولم أجزع". (¬2) في السكرى: "كهيج البحر" مكان "كموج البحر" وشرحه فقال ما نصه: انهم جاءوا كالسحاب الذي فيه البرد وجئنا نحن كما جاء البحر يمر فوقه الجهام يترامى مع السحاب عند الالتقاء (اهـ ملخصا). (¬3) في رواية: "فما جنبوا" وشرحه السكرى فقال: السجل الدلو الملئ. يقول: نالوا منا مثلما نلنا منهم، وهذا مثل. وحام: حار. (اهـ ملخصا). (¬4) شرح السكرى هذا البيت فقال: "ما" الأولى تعجب، كقولك سبحان الله ما هو من رجل. و "ما" الثانية فى معنى "أين" قال الفرزدق: أتفخر أن دقت كليب بنهشل ... وما من كليب نهشل والربائع يريد وأين كليب من نهشل والربائع. وقوله: من رجل عدىّ, قال: رجل، جماعة راجل، أي هما كل واحد منهما رجل، جعله جمعا، كقوله "يرد المياه حضيرة ونفيضة" وعدىّ القوم: حاملتهم، ويروى "فما العمران من حد وجود" كما يروى "من رجلى" بضم الجيم. والفئام: الجماعة (اهـ ملخصا). (¬5) في رواية (الطوامى) بدل (الدوامى) وقد شرح السكرى هذا البيت فقال: جواب: قطاع. والخروق: طرق تخترق من فلاة إلى فلاة. والنطفة: الماء القليل. ثم ظلوا يقولونها حتى سموا البحر نطفة. والطوامى: المرتفعة المملوءة. يقول: هما بطلان يقطعان الفيافى ويردان المياه التي لا تورد.

وقال معقِل بن خُوَيلِد بن واثِلةَ بنِ مطحل، وهو الوافِد على النجاشىّ، وفد عليه في أَسرى كانوا من قومِه، فكلمّهم فيهم، فوهبهمْ له إمّا صَرَمْتِ جديدَ الحبا ... لِ مِنّا وغَيَّركِ الآشِبُ (¬1) وقول العدوّ (¬2) وأىُّ امرئٍ ... مِن الناس ليس له عائبُ فيا رُبَّ حَيْرَى جُماديَّةٍ (¬3) ... تَنزَّلَ فيها ندًى ساكِبُ أراد يارُبَّ ليلةٍ حَيْرَى: قد تحيَّرتْ بظُلمتِها مِن شدّة مَطَرِها وسَوادِها. مَلكتُّ سُراها إلى صُبْحِها ... بشُعْثٍ كأنّهمُ حاصِبُ مَلكتُ: ضَبَطتُ. وشُعْث: رِجال. حاصِب: رِيحٌ جاءت بحَصْباء. لهم عَدْوَةٌ كانقِصافِ الأتِىِّ ... مَدَّ بِه الكَدِر اللّاحِبُ كانقِصاف: كاندِفاع. والقَصْفة: الدَّفْعة. والأتِى: السَّيْل الكثِير. اللاّحب: الذي يَهوِى سِريعا مستقيما في مَرِّه. ¬

_ (¬1) في السكرى أن أبا عبد الله لم يروها لمعقل هذا، وزعم أنها لخويلد أبيه. وفسر البيت فقال: الآشب: العائب. يقال: أشبه بذلك القول، أي عابه، وأصله الذى يخلط الكذب بالحق، يقال: أشبه يأشبه أشبا. (¬2) في رواية "العداة" مكان "العدوّ" (¬3) جمادية: باردة؛ لأن الشتاء يكون في جمادى حينئذ، قال في السكرى: "أي أنها ليلة قد تحيرت بظلمائها لم تكد تنقضى". ونحو من ذلك قول الآخر: "في ليلة من جمادى ذات أندية" الخ.

وسُودٍ جِعادٍ غِلاظِ الرِّقا ... بِ مِثلَهُم يَرْهب الراهبُ يقال: مدّ النهر سُود رِجالٍ: حُبْشانَ (¬1). أَتَيْتُ بأبنائكم مِنهمُ ... وليس معِى منكُم صاحِبُ (¬2) فأبلِغْ كُلَيبا وإِخوانَه ... وكَبْشًا فإنِّى امرؤٌ عاتبُ (¬3) عذيرَ ابنِ حَيّةَ (¬4) إذْ خاننِى ... ليَقْتُلَنى عَجَبٌ عاجِبُ عَجَب عاجِب: تأكيد. ¬

_ (¬1) قال السكرى فى شرح قوله "وسود" يعنى الجبش. وأورد بعد هذا البيت بيتا آخر لم يرد فى الأصل, ونصه: أشاب الرءوس تقدّيهم ... فكلهم رامح ناشب والتقدى: مشى ليس فيه سرعة. يقال فلان جعل فرسه يتقدى به: إذا لم يسرع. (¬2) أورد السكرى بعد هذا البيت بيتين لم يردا فى الأصل, وهما: تروح عشارى على ضيفكم ... وللجار إذ أفزع العازب فذلكم كان سعيى لكم ... وكل أناس لهم كاسب وفسر البيت الذى نحن بصدده فقال: يقول جئت بهم من الحبس, لأنهم كانوا قد أسروا. (¬3) فى رواية "رسولا فإنى امرؤ عاتب" وقد شرح السكرى هذا البيت فقال: عاتب: غضبان. وقد أورد السكرى الشطر الثانى من هذا البيت هكذا: * وكيسا فانى امرؤ عاتب * وقال فى شرحه ما نصه: ويروى وكيسا. قال: وكيس: اسم رجل. اهـ. (¬4) فى الأصل "ابن حنة" بالنون؛ وهو تصحيف؛ والتصويب عن السكرى. وقد شرح هذا البيت فقال: عذير, يريد من يعذرنى منه لأنه أراد قتله. قال: ويروى "عذيرى" أي اعذرنى من ابن حية؛ وقوله: "عجب عاجب" ولم يقل "معجب" هذا مثل قولك: موت مائت, أي شديد وهذا توكيد.

قال الأصمعى

فبئس الثوابُ إذا ما استُثي ... بَ يُعلىَ به الذَّكَرُ القاضِبُ (¬1) فإِنِّى (¬2) كما قال مُمْلِى الكِتا ... بِ في الرَّقّ إذ خَطّه الكاتِبُ يَرَى الشاهد الحاضُر المطمئن ... مِن الأمر ما لا يَرَى الغائبُ (¬3) قال الأصمعى: تحاربت بنو لحيان بنِ هذيل وبنو خُناعة بنِ سعد بنِ هُذَيل، فكانوا لا يزالون متحارِبِين، فإذا أصابت بنو خناعة مِن بنى لِحيان أحدا قَتَلوه، فإذا أصابت بنو لِحيان من بني خُناعَة أحدا باعوه، فأخذتْ بنو خُناعَة عمرا ومؤمِّلا فأسروهما وأرادوا قتلَهُما، فخرج معقِلُ بنُ خويلد بن واثلَة بن مطحل السّهمى في نفرٍ من أشرافِ قومِه فأتىَ بني خُناعة -وكان سيّدا مُطاعا- فلم يزل يكلمّهم في ذلك حتى أَطلقَوهما، وقالوا: يا بني لِحْيان: أثيبوا إخوانَكم وأَحسنوا، فإنّهم قد أطلَقوا لكم إخوانكَم، فبينما مَعقِلٌ على ذلك يلتمس لبنِي خُناعة الثوابَ إذ قيل له: إن بنى لِحْيان يريدون أن يَقْتلوك ومن معك ويَغدِروا، فقال معَقِلٌ فى (¬4) ذلك: ¬

_ (¬1) رواية السكرى "وشر الثواب" مكان "فبئس الثواب" وشرحه فقال: الهاء للثواب. والثواب: السيف. يقول: جئت بأشرافكم فكان حظى أن تقتلونى. وأورد السكرى بعد هذا البيت بيتا لم يرد في الأصل، وهو: كما العبد يطلب فيه النجاح ... والعبد في رده راغب قال: ردّه، أي ردّ النجاح (اهـ ملخصا). (¬2) في السكرى "وإنى". (¬3) شرح السكرى هذا البيت فقال: أراد يرى الشاهد ما لا يرى الغائب، فترجمه، يقول: صنعت شيئاً حين حضرت وغبتم ولم تعلموا، وكنت أنا أعلم بالأمر. (¬4) لم ترد هذه القصيدة في البقية، وقد أوردها السكرى مجرّدة عن القديم لها فليلاحظ.

أَبلِغْ أبا عَمْرٍو وعَمْراً رِسالةً ... وجُلَّ بني دُهْمانَ عنّى الرّسائلا (¬1) نُدافِع قومًا مُغضَبين عليكُم ... فَعَلْتم بهم خَبْلًا من الشّر خابِلا (¬2) خَبْلا: فسادا. دعوتَ بني سَهْمٍ فلَم يَتَلبّثوا ... سَراتُهم تُلقِى عليكَ الكَلا كلا (¬3) وقد عَلمِتْ أبناءُ خِنْدِفَ أنّنا ... إذا بلغَ المَعْروف كنّا مَعاقِلا (¬4) يقول: إذا بلغ المعروف وذهبَ الباطلُ وصارَ الأمرُ إلى الحقِّ كنّا معَاقِل أي حِرزا. بنو عَمِّنا فى كلّ يومِ كَريهةٍ ... ولو قَرّبَ الأَنسابُ عَمْرًا وكاهِلَا (¬5) إذا أَقْسَموا أقسَمْتُ لا أنفَكُّ منهمُ ... ولا منهما حتى نَفُكَّ السَّلاسِلا (¬6) يقول: إذا أَقسَموا هُمْ لا ينفكّون أَقسمتُ أنا أيضاً أنّى لا أَزال من أولئك. ¬

_ (¬1) في رواية "كليهما" مكان "رسالة". والمراسل: مكان "الرسائل". والمراسل: جمع رسالة (السكرى ملخصا). (¬2) في السكرى "من الدهر" مكان "من الشر" ويشرح البيت فيقول: خبل فؤاده إذا أفسده. ورواه الجمحى "حبلا من الدهر حابلا" بالحاء المكسورة في قوله "حبلا" يقال: إنه لحبل أحبال أي داهية، وصل أصلال مثله. (¬3) ألقوا عليه الكلا كل: أي تعطفوا عليه بأنفسهم وتحدّبوا. (¬4) في رواية "أفناء" مكان "أبناء" وفي رواية "المكروه" مكان "المعروف" وشرح السكرى البيت فقال: أفناء الناس: ضروب الناس. بلغ المكروه، أي ذهب الباطل وصار الأمر إلي الحق كنا معاقل من عزنا (اهـ ملخصا). (¬5) شرح السكرى هذا البيت فقال: يريد كنا معاقل لبنى عمنا. والمعقل: الحرز، أي ولو كانوا أقرب إلينا (اهـ ملخصا). (¬6) في السكرى "أنفك" بدون "لا" وشرحه فقال: يقول: إذا أقسموا ألا يفعلوا أقسمت أنا أنّى لا أنفك منهم ولا من أولئك الذين ذكروهم. وقوله: "منهم" يعنى بنى لحيان وبنى خناعة. وقوله: "منها" يعنى ابنى عجرة.

وقال قيس بن عيزارة أخو بني صاهلة يرثى أخاه الحارث بن خويلد

وقال قيس بن عَيزارة أخو بني صاهلةَ يَرثى أخاه الحارث بنَ خُوَيلد (¬1) يا حارِ إنِّى يا ابنَ أمِّ عَمِيدُ ... كَمِدٌ (¬2) كأنّى فى الفُؤاد لَهِيدُ العميد: المُثْبَت المُوجعَ، يقال: ما الذي يعَمِدُك. ولهّيد، أي كأنّ لهَدَةِّ أصابتهْ في فؤاده. واللَّهيد: الذي عَصَره الِحمل حتى انفسَخَ لحُمه. واللهِ يَشْفِى ذاتَ نفسِى حاجِمٌ ... أبدًا ولا ممّا (¬3) إِخاُل لَدُودُ يقول: لا تَشفيه حجِامةٌ ولا لَدود، وهو الوَجور من الدّواء في أحد شِقَّى الفَم. بأبيك (¬4) صاحبُك الذي لمَ تَلْقَه ... بعد المواسِمِ واللِّقاء بعيدُ يقول: هذا ذهب إلى المَوت فلا يجئ، والذي ذهب إلى المَواسم جاء. ¬

_ (¬1) أورد الشارح في الأصل أمام هذا الكلام ما نصه: "قلت: قال الصاغانى في التكملة: وقيس بن العيزارة من شعراء هذيل. والعيزارة أمه، وهو قيس بن خويلد، والعزور: الديوث انتهى منه بحروفه هكذا لفظ العيزارة في الموضعين معرفا بأل في النسخة التي نقلت منها هذا وهي جيدة ومنقولة من خط المؤلف والعلم عند الله تعالى، وكتبه محمد محمود التركزى. وفي السكرى قال: قيس بن عيزارة -وعيزارة أمّه- يرثى أخاه لأبيه وأمه، واسمه الحارث بن خويلد وأصابه حبن بمكة فمات، والحبن إذا استسقى البطن. (¬2) فى السكرى: "دنف" مكان "كمد". (¬3) في السكرى: "ولاءمها" مكان "ولا مما" وفسره فقال: أراد لا يشفى ذات نفسى حاجم. والحاجم: المداوى. ولاءمها: وافقها. واللدود: الذي يسقى فيلدّ في شقّ فمه. قال: يقول: لا يشفى الذي بى حجامة ولا لدود. (¬4) في الأصل "يأتيك"، وهو تصحيف؛ والتصويب عن السكرى الذى شرح هذا البيت فقال: بأبيك كما تقول: بأبى أنت. والمواسم: أسواق العرب تكون في كل سنة مرة، ويروى: لله صاحبك الذي لم تلقه ... بعد المواسم ... ... ... أراد إلى المواسم. فهو منصوب على نزع الخافض. أراد إلى المواسم جاء وهذا لا يجئ.

فسَقَى الغَوادِى (¬1) بطنَ مكّةَ كلّها ... ورسَتْ به كلّ النهار تَجودُ رَسَت: ثَبتتْ. تَجود: كلّ النهار. وأَبيِكَ إنّ الحارثَ بنَ خُوَيلِدٍ ... لأَخُو مُدافَعةٍ له (¬2) مَجْلُودُ أي جَلَد. وإذا تَروّحَت اللَّقاحُ عشِيّةً ... حُدْبَ الظُّهورِ ودَرّهنّ زَهيدُ (¬3) حُدْب الظُّهور من الهُزال. وزَهيد: قليل. فحبِسْنَ فى هَزْمِ الضَّرِيعِ وكلُّها ... حَدْباءُ باديةُ الضُّلوعِ حَرُود (¬4) الهَزْم: ما تكسّر من الضّرِيع، وهو الشِّبْرِق، يعنى الضَّريع. وحَرُود: لا تكاد تدِرّ، ويقال: حارَدَتْ. وإذا جَبانُ القَوم صَدَّق رَوْعه (¬5) ... حَبضُ القِسِىّ وضَرْبَهٌ أُخْدُودُ المعنى أنّ جَبانَ القومُ نفِّر فَفزِع حين رأى القِتالَ فصدّقَ رَوْعَه الحَبضُ فارتاع الارتياع كلَّه. والحَبضُ: وَقْعُ الوَتَر. وأُخدود، كأنه خَدَّ في الأرض أي شَقَّ. ¬

_ (¬1) الغوادى: السحاب تمطر غدوة. ورست: ثبتت به. وتجود: من الجود، وهو مطر شديد؛ وقد أورد السكرى بعد هذا البيت بيتا آخر، وهو: تروى الكرام به وتروى صاحبى ... وأخى جدير بالكرام سعيد (¬2) فى رواية "لنا" مكان "له" ويشرحه السكرى فيقول: له مجلود أي جلد، كما يقال: له معقول، أي عقل. (¬3) فى السكرى: "إذ روّحت بزل اللقاح عشية" الخ البيت. (¬4) فى السكرى ص 254 "جدود" مكان "حرود" وشرح البيت فقال: الضريع يابس المشرق. وقالوا: الشبرق. وهزمه: ما تكسر منه ويبس. فاذا كان رطبا فهو الحلة. وجدود وجرود وحرود التى لا لبن لها. (¬5) في السكرى: "نفره" مكان "روعه" وشرح البيت فقال: المعنى أن جبان القوم نفر ففزع حين رأى القتال؛ وهو نص ما أورده الشارح هنا.

أَلفَيْته يَحمِى المُضافَ كأنّه ... صَبْحاءُ تَحمِى شِبْلَها وتَحِيدُ (¬1) صَبْحاء، يعني لَبُؤَةً تَضْرِب إلى البَياض والحُمرة. صَبْحاءُ مُلْحِمةٌ جَريمةُ واحدٍ ... أَسِدَتْ ونازَعَها اللِّحامَ أُسودُ (¬2) جرِيمة: كاسِبةُ واحد. وأَسِدَتْ: كَلِبَتْ. واللهِ لا يَبْقَى على حَدَثانِه ... بَقَرٌ بناصِفَةِ الجِواءِ (¬3) رُكودُ ظَلّتْ ببَلْقَعة وخَبْتٍ سَمْلَقٍ ... فيه (¬4) يكون مَبيتُها وتَرُودُ الخَبْت والسَّمْلَق: ما استَوَى من الأرض. وترُود: تجيء وتَذْهب. والكَؤُود: العَقَبة الصَّعْبَة (¬5). يوما (¬6) كأنّ مَشاوِذًا رَبعَيّةً ... أو رَيْطَ كَتّانٍ لهنّ جُلودُ ¬

_ (¬1) ألفيته: وجدته. والمضاف: المنهزم. وصبحاء، يريد لبؤة لونها أصبح، أى أغبر إلى الحمرة. وتحيد: موضع الحيدودة، أي تميل، أو تروغ كما يحيد الرجل؛ أي يقاتل فيروغ أحيانا. يصفه بالحزم والثقافة. (اهـ ملخصا من السكرى). (¬2) في الأصل: "اللجام" بالجيم، وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا كما فى شرح السكرى. وملحمة: تطعم اللحم، ولدها يحملها على ذلك. وجريمة: كاسبة واحد. وأسدت: صارت أسدا؛ أو كلبت أو استأسدت؛ ويقال أسد وفهد، أي صار أسدا وفهدا. (السكرى ملخصا). (¬3) في الأصل: "الجوار"؛ والتصويب عن السكرى الذي أورد البيت فقال: والدهر لا يبقى على حدثانه ... بقربنا صفة الحواء ركود وشرحه فقال: الناصفة: مطمأن ينبت الثمام، يتصل بالوادى. وركود: لأنها في دعة وخصب اهـ. وفى كتب اللغة أن الجواء بكسر الجيم: البطن من الأرض والواسع من الأودية. (¬4) في السكرى "فيها" وشرح البيت فقال: البلقعة: التي لا شيء بها. والخبت: ما اطمأن من الأرض كهيئة الوادى. وسملق: لا نبت فيه. مستو أملس. (¬5) قوله: والكؤود العقبة الصعبة، أي هي ضدّ الخبت والسملق. (¬6) في السكرى: "حتى" مكان "يوما".

المَشَاوذ (¬1): العَمائم، الواحد مِشْوَذ، أراد كأنّهنّ من بياضِ جُلودِهنّ عليهن رَيْطُ كَتّان. ورَبَعيّة: منسوبةٌ إلى رَبِيعة. كُتِبَ البياضُ لها وُبورِكَ (¬2) لَوْنُها ... فعيُونُها حتّى الحواجِب سُودُ كُتِب أي خُلِقَتْ بِيضا، أي قُدِّر ذلك لها. حتّى الحواجِب سُود: كلُّ ما عَلا العينَ فهو أسَود. حتّى أُشِبَّ لها أُغَيْبِرُ نابِلٌ ... يُغْرِى ضَوارٍ (¬3) خَلْفَها ويَصيدُ أُشِبَّ لها: أُتِيح لها. أُغَيْبِر: صائد. نابِل: ذو نَبل. ضَوارِى: كلاب. في كلِّ معترَكٍ تُغادِر خَلْفَها ... زَرْقاءَ دامِيةَ اليَديْنِ تَميدُ البَقَر تُغادِر خَلْفَها زَرْقاء: كَلْبَة قد غُشِىَ عليها فهي تَميد من الطَّعْن (¬4). يوما أرادَ لها المَلِيكُ نَفادَها ... ونفادَها بعدَ السَّلامِ يُريدُ (¬5) ¬

_ (¬1) المشاوذ: جمع مشوذ، وكل ثوب شددته على رأسك فهو مشوذ (السكرى). (¬2) في الأصل: "وبويك"؛ وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا نقلا عن السكري الذي أورد البيت وقال في شرحه: كتب البياض لها، أي خلقت بيضا، وجعل في ألوانها البركة، فما ملأ عينيها من حدقتها حتى ينتهى إلى حاجبها أسود, لأن عين البقرة سوداء كلها. (¬3) في السكرى "ضوارى" بفتح الياء، ونقول: وهو أصح إعرابا. (¬4) شرح السكرى هذا البيت فقال ما نصه: معترك: موضع قتال. وزرقاء: كلبة، ويقال: بقرة قد ازرقت عيناها للموت. وتميد: تميل الخ. (¬5) شرح السكرى هذا البيت فقال ما نصه: نفادها: موتها وذهابها. والسلام: السلامة. ونفادها، أي أراد الله بها بعد السلامة. قال: أراد بها المليك، يقول: أصابها هذا في يوم أراد الله بها الهلاك، والله يريد أن ينفدها أي يهلكها.

وقال قيس بن عيزارة حين أسرته فهم وأخذ سلاحه تأبط شرا واسمه ثابت

وقال قيُس بن عَيْزارة حين أسرْته فَهْمٌ وأخَذَ سِلاحَه تأَبّطَ شَرّا واسمهُ ثابت (¬1): لَعَمْرُكَ أَنسَى رَوْعتِى يوم أَقْتُدٍ ... وهل تَترُكَنْ نفسَ الأَسيرِ الرَّوائعُ (¬2) غَداةَ تناجَوا ثم قاموا فأَجمَعوا ... بقَتْلِىَ سُلْكَى ليس فيها (¬3) تَنازُعُ يقول: تناجَوا فيما بينهم أي وَسْوَسوا، ثم استمرّ أمرهم على قَتْلى. وقوله: سُلْكَى، أي أَجمَعوا على أمرٍ ليس فيه اختلاف. وقالوا عَدُوٌّ مُسرِفٌ في دِمائكْم ... وَهاجٍ لأعراضِ العَشيرةِ قاطِعُ (¬4) فسكّنتهمْ بالقَول حتّى كأنّهمْ ... بَواقِرُ جُلْحٌ أَسكَنْتها المَراتِعُ (¬5) جُلْح: بقرٌ لا قُرونَ لها. والمَراتع: مواضع تَرتَع. ¬

_ (¬1) قدّم السكرى لهذه القصيدة بما نصه: حدّثنا الحلوانى قال: حدّثنا أبو سعيد قال: قال قيس ابن العيزارة، وهي أمه، وبها يعرف، وهو قيس بن خويلد أخو بنى صاهلة حين أسرته فهم، فأفلت منهم وأخذ سلاحه ثابت بن جابر بن سفيان، وهو تأبط شرا، "لعمرك" الخ البيت. (¬2) شرح السكرى هذا البيت فقال: أنسى، يريد لا أنسى، وأقتد: ماء؛ ويقال: موضع. والروائع، الواحدة رائعة. يقول: لا تدع نفس الأسير أن تصيبه رائعة، أي ما يروعه. (¬3) في رواية: "ليس فيه" أي ليس فيه تنازع، وقد اجتمعوا عليه سلكى، أي على استقامة؛ ويقال: أمر بنى فلان سلكى إذا تتابعوا عليه. كما يقال أمرهم مخلوجة إذا تخالجوه واختلفوا فيه. وتنادرا: وسوسوا بينهم، ثم استمرّ أمرهم على قتلى (السكرى ملخصا). (¬4) قاطع: أي قاطع للرحم، يقول: فاقتلوه لأنه قاطع للرحم مسرف في دمائكم وهجائكم (السكرى). (¬5) بواقر: جمع باقر، أي كأنهم بقر لا قرون لها سكنت وطابت نفسها في المراتع. وهكذا هم سكنوا بعد ما أرادوا قتلى.

وقلتُ لهمْ شاءٌ رَغيبٌ (¬1) وجامِلٌ ... وكلُّكمُ من ذلك المالِ شابِعُ وقالوا لنا البَلْهاءُ (¬2) أوَّلَ سُؤْلةٍ ... وأعراسُها واللهُ عنّى يُدافعُ يعني الذين أسروه وقالوا لنا البَلْهاء، وهى ناقةٌ عنده. وأعراسُها: ألاّفُها يريد أَخْذَ ما معها من الإبل. أوَّلَ سُؤلَة: أوَّلَ ما سَألنا. وقد أَمَرتْ بى رَبَّتى أمُّ جُنْدَبٍ ... لأُقتَلَ لا يَسْمَعْ بذلك سامِعُ (¬3) رَبَّتى: يعني امرأة (¬4) الذى أَسَره قالت: اُقتُلوه سرًّا لا يسَمَع أحد. تقول اقتُلوا قَيْسا وحُزُّوا لِسانَه ... بِحَسْبِهم أن يَقْطَع الرأسَ قاطِعُ ويأمُر بي شَعْلٌ لأُقْتَل مُقْتَلا ... فقلتُ لشَعْلٍ بئسَما أنتَ شافِعُ (¬5) سَرَا ثابتٌ بَزِّى ذَميما ولم أكُنْ ... سَلَلْتُ عليه شَلَّ مِنّى الأَصابِعُ ¬

_ (¬1) في الأصل: "رغيت" بالتاء، وهو تصحيف صوابه ما أثبتنا نقلا عن السكرى الذي قال في شرح هذا البيت ما نصه: الرغيب: الكثير، يريد فقلت لهم خذوا مالى ودعونى. وجامل: جمع جمال (بكسر الجيم) أي سأعطيكم. (¬2) البلهاء: ناقته، وكانت نجيبة فارهة. وأعراسها: أصحابها وألافها. وسؤلة، أي أوّل ما سألنا. والله عني يدافع، أي والله يدافع عني الأسر. وقال أبو عبد الله: البلهاء أمنية عظيمة لا يقدر عليها. وأعراسها: أولادها. وقال أبو عمرو: ناقة كريمة كانت له فقالوا أوّل ما سألوه: أعطناها. (السكرى ملخصا). (¬3) في رواية: "ليقتل" مكان "لأقتل". وقوله: "لا يسمع بذلك سامع" جزمه على الدعاء، كأنه قال: لا يمكن ذاك. اهـ ملخصا من السكرى. (¬4) يعنى امرأة تأبط شرا الذي كان أسيرا عندها, لأنها هي التي قالت: اقتلوه سرا لا تخبروا بقتله أحدا. (¬5) أراد الشاعر بقوله: "بئسما أنت شافع" أي شافع قولك هذا بتكراره مرة أخرى, لأن امرأته كانت قالت اقتلوه. وشعل: لقب تأبط شرا. ومقتل: مصدر قتلته إذا حملته على أن يقتل، كأن شعلا حمل غيره على أن يقتل قيسا. وفي رواية: ويأمر بى سمع لأقتل مقتلا ... فقلت لسمع بئسما أنت شافع وسمع: رجل (اهـ ملخصا من السكرى).

ثابت، يعني تأبَّطَ شرّا حين أَسرَ قيسَ بنَ عَيزْارة. سَرَا بزِّى: أي سَلبَه. وسَرَوْت عن ذراعى إذا حَسَرْت. وسَرَوْت الجُلَّ عن الفَرَس (¬1). فَويْلُ أمِّ (¬2) بزٍّ جَرَّ شَعْلٌ على الحَصَى ... فُوقِّرَ بَزٌّ ما هُنالِك ضائعُ شَعْل: لَقَبُ تأبَّطَ شرّا، يريد فَوْيل أُمِّ بَزٍّ لهَلكَة شَعْل، وهو تأبّط شرّا وُلقِّب بذلك لأنه لبس سَيْف قيسٍ حين أَسَرَه، فجعل يجرّه على الحصَى. فوُقِّر أي صارت به وَقَرات وهَزَمات في السيف. فإِنّك إذْ تَحْدُوكَ أمُّ عُوَيْمِرٍ (¬3) ... لَذو حاجةٍ حافٍ مع القوِم ظالِعُ قولُه: إذ تَحْدوك، أي تَتْبَعك الضَّبع، وهو مَثَل، أي تَسوقُك الضَّبعُ من ضَعْفِك. وظالِع، أي ضَعيف. يقول: تَسوقُك الضَّبعُ تَطمَع أن تَأكُلَك. وقال نِساءٌ لو قُتِلتَ لساءَنا ... سِواكُنّ ذو الشَّجْوِ الّذى أنا فاجِعُ يقول: ما لكنّ تبكين، يَبْكى عليّ أَهْلى. والفَجْع: نزول المصيبة. ¬

_ (¬1) يقال: سروت الجل عن الفرس، أي نزعته. كما يقال: سروت عن ذراعى أي كشفت وحسرت. وقوله: "ذميما" أي غير محمود. ثم قال: "شل مني الأصابع" دعا على نفسه فقال: شل مني الأصابع ألا أكون سللت عليه السيف فقتلته، كما تقول: ثكلتنى أمي، لم لم أقتله، وقد أورد السكرى بعد هذا البيت بيتا آخر، وهو: فيا حسرتى إذ لم أقاتل ولم أرع ... من القوم حتى شد مني الأشاجع قال: وهذا البيت رواه أبو عمرو وحده. (¬2) شرح السكرى هذا البيت فقال: كان تأبط شرا قصيرا فلبس سيفه، أي سيف قيس، فجرّه على الحصى، فوقره جعل فيه وقرا. وقوله: فويل أم بز، أي فويل لأمه. وبزه: سلاحه، أخذه حين أسره فجعل يجرّه على الحصى، فأحدث هذا الجرّ بالسيف وقرات. (اهـ ملخصا). (¬3) أراد أم عامر، فصغر؛ وقوله: "حاف" كناية عن ضعفه وعدم قدرته على الهرب.

رِجالٌ ونِسْوانٌ بأكناِفِ رايَةٍ ... إلى حُثُنٍ ثَمَّ (¬1) العُيونُ الدَّوامِعُ يَعنِي بَناتَه وأهلَه. وراية: موضع. وأكنافُها: ما حَوْلَها. وحُثُن: موضع. سَقَى اللهُ ذات الغَمْر وَبْلاً ودِيمةً ... وجادتْ عليها البارِقاتُ (¬2) اللَّوامِعُ بما هِى مقْناةٌ أنِيقٌ نَباتُها ... مِرَبٌّ فتَرْعاها (¬3) المخَاضُ النَّوازِعُ قوله بما هي مقناة أنيقٌ، أي سقاها اللهُ نَدًى، يريد ذاتَ الغَمْر. ومقْناة ملزمة، ومنه: اقْنَيْ حيَاءَكِ، أي الزَمِيه. وأَنِيق: مُعجِب. والنَّوازِع: تَنْزع إلى أَوْطانها. والمخَاض: إِبِلٌ حَوامِل. مِرَبّ، أي مُجتمعٌ للنّاس. ومِرَبُّ الإبِل: الموضعُ الّذى ارتبَّتْ به أي أقامتْ. وإن سالَ ذو ماوَيْنِ (¬4) أَمْسَتْ قِلاتهُ ... لها حَدَبٌ تَسْتَنُّ فيه الضَّفادِعُ ¬

_ (¬1) في رواية "تلك" أي هناك في هذا الموضع من يبكى عليّ وتدمع عينة. وأورد السكرى بعد هذا البيت. بيتا آخر لم يرد في الأصل، وهذا نصه: ستنصرنى أفناء عمرو وكاهل ... إذا ما غزا منهم مطىّ وعاوع المطىّ: الرّجالة، واحدهم مطو. ووعاوع: جريئون على السير لا يبالون أليلا ساروا أم نهارا واحدهم وعوع. (¬2) بارقات: سحائب فيها برق. ولوامع: تلمع بالبرق. (¬3) في رواية "فتهواها" وأراد بقوله "مقناة" أنها موافقة لكل من نزلها. ولغة هذيل "مفناة". بالفاء. والمخاض: الإبل الحوامل لستة أشهر، قد تمخض حملها في بطونها، ومرب الإبل: الموضع الذي أربت به أي لزمته (السكرى). (¬4) في رواية "ذو الماوين" وفي رواية: "لها حبب" ويشرح السكرى هذا البيت فيقول: القلات: جمع قلت، وهى مناقع ماء تكون عظيمة أو وقع فيها البختىّ لغرقته. والحبب: بكسر الحاء: طرائق الماء. قال السكرى: "ويروى لها حدب" كما في الأصل. والحدب: منون وقلات في الأرض. وذو الماوين: مكان.

ذو ماوَيْن: موضع. والقِلات: النَّقْرُ في الصَّخْر. ولها حَدَب: للقِلات. إذا صَدرتْ عنه تمشّتْ مخَاضُها ... إلى السِّرّ تَدْعوها إليه الشَّفائعُ (¬1) يقول: إذا صدرت عن ماوَين. والسِّرُّ: بطنُ الوادى وأكرَمُ موضعٍ فيه، ومنه فلانٌ في سِر قومه. تَدْعوها إليه الشَّفائع، كأنّ هذا الموضع شَفيعٌ لها فتأتيه فتَرعىَ به. لها هَجَلاتٌ سَهْلَةٌ ونِجادَةٌ ... دَكادِكُ لا تُوبَى بهنّ المرَاتِع (¬2) الهَجَلات: بطونٌ من الأرض مطمئنّة، واحدُها -هجل. والنِّجاد: ما ارتَفعَ من الأرض. ولا تُوبىَ بهنّ: لا تنقص. يقال: أُوبِيَتْ هذه الأرض: إذا قلَّ نبتهُا. كأنّ يَلَنْجُوجًا ومِسْكًا وعَنْبَرًا ... باشرافِه طلَّت عليه المرَابِع (¬3) طَلّت: من الطَّلّ، وهو النَّدَى، شبهّ طِيبَ النَّبتْ به. المرابع: سحاب تمُطر في الربيع. ¬

_ (¬1) في رواية: "إذا حضرت عنه" ويشرح السكرى هذا البيت فيقول: يقال: حضرنا عن ماء كذا أي تحوّلنا عنه. قال: والسر: مشرب. وقوله: "الشفائع" يقول: كأن في ذلك البيت شيئا يشفع لها إليه، قال الفرزدق: رأت هنيدة اطلاحا أضر بها ... شفاعة النوم للعينين والسهر (اهـ ملخصا). (¬2) في رواية: المراضع. وفسر السكرى هذا البيت فقال: الهجل: بطن من الأرض لين. والنجاد: شرف غليظ يلقاك معترضا. و"دكادك" أي ليس بمرتفع كالجبل. توبي: تنقطع. والعرب تقول: في أرض بنى فلان فلات لا توبي، أي لا ينقطع ماؤها. والمراضع: السحاب. وفي رواية: "تأبى بهن المرابع": والمرابع: الإبل التى لا ترد الماء إلا ربعا، أو هي التى تأكل الربيع (اهـ ملخصا). (¬3) اليلنجوح: العود، شبّه طيب النبت به. وطلّت: نديت. والمرابع: سحائب تمطر في الربيع وهي من الإبل التى تنتج في أوّل النتاج، الواحدة مرباع. (اهـ ملخصا من السكرى).

وقال مالك بن الحارث أخو بنى كاهل بن الحارث ابن تميم بن سعد بن هذيل

وقال مالكُ بنُ الحارث أخو بنى كاهل بن الحارث ابن تَميم بن سعد بن هذُيل (¬1) تقول العاذِلاتُ أكلَّ يَوْمٍ ... لَرِجْلةِ مالِكٍ عُنُقٌ شِحاحٌ (¬2) كذلك يُقتَلون معى ويومًا ... أَءُوب بهمْ وهمْ شُعْثٌ طِلاحُ (¬3) طِلاح: من الإعياء. ويومًا نَقْتُل الأَثْارَ (¬4) شَفْعًا ... فَنتْركُهمْ تَنُوبُهم السِّراحُ الأَثْآر: جمع ثأر، يقال: فلان ثَأرى الذي أَطْلب. والشَّفع: الاثنان. والسِّراح: الذئاب. فلستُ بمُقْصِرٍ ما سافَ مالِى ... ولو عُرِضَتْ بِلَبَّتِىَ الرِّماحُ ¬

_ (¬1) قدّم السكرى لهذه القصيدة بما نصه: قال مالك بن الحارث أخو بنى مالك بن الحارث بن تميم ابن سعد بن هذيل. وقال الجمحىّ: هو أخو بنى كاهل حلفاء هذيل، وكاهل أخو ثقيف. (¬2) في رواية: وقال العاذلات أكل يوم ... بسرية مالك عنق شحاح كما روى "لرجلة مالك" والسرية: الجماعة. والرجلة: الرجالة. وعنق من القوم: أهل شدة وبصر، كأنهم أشحاء على ما في أيديهم. والعنق (محركة): ضرب من السير. (اهـ ملخصا من السكرى). (¬3) في السكرى: فيوما يغنمون معى ويوما ... أؤوب بهم ... ... الخ وفسر البيت فقال: أءوب. أرجع. وطلاح: معيون. (اهـ ملخصا). (¬4) في رواية: "الأبطال" مكان "الأثآر". (السكرى).

أي فلستُ بمُقصِر عن الغَزْو. ما سافَ، أي ما دام مالى يموت، يقال: رجلٌ مُسيف إذا ماتت إبلهُ وذهب مالهُ. والسُّواف: الموت. ومن تَقْلِل حَلُوبَتُه ويَنْكُلْ ... عن الأعداءِ يَغْبُقه القَراحُ (¬1) يكون غَبوقُه ماءً خالصا. فلُوموا ما بدَا (¬2) لكُم فإِنّى ... سأعْتِبكْم إذا انفَسَح المُراحُ يقول لقومِ عاداهم يَهزَأ بهم: إنِّى سأكُفّ عن الغَزْوِ إذا اتسَع المُراح، أي مُراحِي فصِرْتُ صاحبَ إبلٍ كثيرةٍ، ومُراحُه: حيث تَروح إبلُه. رأيتُ مَعاشِرًا يُثنَى عليهمْ ... إذا شَبِعوا وأوجهُهُمْ قِباحُ (¬3) يَظَلُّ المُصْرِمون لهم سُجودًا ... ولو (¬4) لم يُسْقَ عندهمُ ضَياحُ المُصرِمون: الفقراء، أي يعظِّمونهم وإن لم ينالوا منهم شربةَ لَبَن. والضَّياح والضَّيْح: اللبن المخلوط بالماء. ¬

_ (¬1) شرح السكرى هذا البيت فقال: حلوبته: ما يحلب. وينكل: يجبن. يقول: من لا يعز لا يكون له لبن، ويكون غبوقه الماء القراح. (¬2) في رواية "فلوموا ما قصدت لكم فإنى" الخ البيت. (¬3) أي يثنى عليهم إذا كانوا ذوى مال وإن قبحت وجوههم؛ لأن المال يزينهم ويستر عن الناس عيوبهم (اهـ ملخصا من السكرى). (¬4) في السكرى "وإن لم يسق" وقال بعد أن أنشد هذا البيت: هذا آخرها في رواية الجمحىّ وأبي عبد الله.

كَرهتُ (¬1) العَقْرَ عَقر بنى شُلَيْلٍ ... إذا هَبّت لِقارِيها الرِّياحُ العَقْر: مكان، وكَرِهه لأنّه قُوتِل فيه. وشُليل: جدُّ جَرير بنِ عبد الله البَجَلىّ. وقارِيها: وقْتهُا، يقال ذلك للريح إذا هبّت لوقتِها. كرهتُ بنى جَذِيمةَ (¬2) إذ ثَرَوْنا ... قَفَا السَّلَفَين وانتَسَبوا فباحوا ثَرَوْنا: كانوا أكثرَ منّا. قَفَا السَّلَفَين: موضع. وقوله: فباحوا أي كَشفوا عن أنسابهم وكانوا يكتمونها قبلُ، فقالوا: نحن بنو فلان. فأما نِصفُنا فَنَجا جَريضًا ... وأما نِصفُنا الأَوْفَى فطاحُوا الجَرَض: أن يَغَصّ بالرِّيق. والنِّصْفُ الآخَر قُتِل. قال هذا يعتذِر حين هَرَب. وقد خرجتْ قلوبهمُ فماتوا ... على إخوانهمْ وهمُ صِحاحُ يعني الذين أفلتوا خرجتْ نفوسهمْ على إخوانهم من الحُزن وهم صحاح. وصَمَّمَ وسطَهمْ سُفْيانُ لمّا ... ألمّ بهم عن الوِردِ الشِّياحُ (¬3) ¬

_ (¬1) في رواية: "شنئت" مكان "كرهت"، وهما بمعنى واحد. وشليل: من بجيلة (السكرى). (¬2) في رواية "كرهت بنى خزيمة" قال السكرى: وهم من بني صاهلة. (¬3) يشرح السكرى هذا البيت فيقول: صمم: ركب رأسه لما ألم به، أي حين اعتراه الجدّ والقتال الشياح: الجدّ والمضىّ. والورد: ورد القتال، أي عن أن يرد القتال. وفي رواية "عن الوشز السراح" مكان "عن الورد الشياح". والوشز: ما ارتفع من الأرض، وجمعه أوشاز. والسراح: الذئاب, شبه الرجال بها. ورواه ابن الأعرابي "عن الشزن السراح" والشزن: المكان الغليظ. والسراح: الانطلاق. (اهـ ملخصا).

صمّم، أي رَكِب رأسَه لِما اعتراه. عن الورْدِ الشِّياح: الِجدّ، أي اعتراه الِجدُّ والقِتال فشغَلَه عن أن يَرِد. مَجازَ نِجادِ أَنْصَحَ وانتحَوْه ... كما يتكفّت العِلْجُ الوَقاحُ (¬1) نِجاد: جمع نَجْد، وهو ما ارتفع. وأنْصَح: موضع. وانتحَوْه: اعتمدوه. ونصَحْت الثوبَ: خِطْتُه. والعِلْج: الحِمار الغليظ. والتكفّت في العَدْوِ أن يتقبّض ويُسِرع. والوَقاح: الشديد الحافر. لِعادتِه وما قد كان يُبلِي ... إذا ما كَفَّتَ الظُّعنَ الصَّباح (¬2) لِعادتِه، يعنِي الّذى صمّم لعادةٍ كان يتعوّدها مِن شِدّة العَدْو. ويُبلِى مِن الفِعلِ الجمِيل. إذا ما كَفَّت الظعنَ صَباحُ الغارة، تكفّتَ: أَسَرع. إذا خَلّفتَ خاصِرتَىْ سَرارٍ ... وبطنَ هُضاضَ حيث غَدَا صُباحُ (¬3) خلّفتَ: تركتَ. وسَرار: موضع. والخاصِرتان: الناحيتان. وهُضاض: وادٍ. ¬

_ (¬1) روى السكرى هذا البيت هكذا: فألقى غمده وهوى إليهم ... كما يتكفت العلج الوقاح وشرحه فقال: يتكفت في عدوه أي يتقبض. والعلج: الحمار الغليظ. والوقاح: الشديد الحافر. ورواه الجمحى: "مجاز فجاج منصح" قال: فجاج: ما بين جبلين. ومنصح: مكان. (¬2) فى رواية "لعادته التي قد كان يبلي" وهذا البيت لم يروه سلمة ولا الباهلىّ. لعادته، يعنى هذا الذي قد صمم، أي لعادة قد كان يتعوّدها من شدّة الغزو. ويبلى: من الفعل الجميل، إذا ما كفت الظعن صباح الغارة. (السكرى ملخصا). (¬3) في رواية "باطنى سرار" مكان "خاصرتى سرار". (السكرى).

أبو جندب

تركتَ صديقَنا وبلغتَ أرضًا ... بها عُذْوٌ لنَفْسِك (¬1) أو نَجاحُ يقول: إمّا أن تَبلُغ عُذْرا وإمّا أن تُنجح. فلا يَنْجو نَجائى ثَمَّ حَيُّ ... من الحَيَوان (¬2) ليس له جَناحُ أي لا يستطيع أن يَعدُوَ عَدْوِي يومئذ شيءٌ فيه رُوح، أي كلّ شيء ليس بطائرٍ فأنا أَسبِقه. على أنّى غَداةَ لَقِيت قَسْرًا ... لم ارمهِمُ وقد كَمل السِّلاح يقول: نجوتُ هذا النَّجاء، إلاَّ أنّى يوم لقيتُهم لم أَرْمهم، قال هذا يعنِّف نفسَه أي قصّرت في القتال (¬3). قال: وكان أبو جندب بن مرّة القِردىّ اشتكى، وكان له جارٌ من خُزاعَةَ يقال له حاطم، فوقعتْ به بنو لِحيانَ فقتلوه قَبْلَ أن يَستَبِلّ أبو جُنْدَب من شَكاتِه وأخذوا مَاله وقتلوا امرأته، فلما برأ أبو جُنْدَب ¬

_ (¬1) في السكرى "لنفسى" مكان "لنفسك". (¬2) في رواية "من الحيوات"، أي لا ينجو نجائى حىّ فيه روح. ليس له جناح، أي ليس يطير. وفي رواية أخرى "من الأحياء": أي لا يعدو عدوى شيء فيه روح يومئذ. (¬3) زاد السكرى بعد هذه الكلمة قوله: "ومعى سلاحى".

وقال أبو جندب أيضا

خرج حتّى قدِم مَكّة، فاستَلمَ الرُّكن وقد شُقَّ عن اْستِه، فطافَ فعرَف الناسُ أنّه يريد شرّا؛ فقال أبو جُندَب (¬1): إني امرؤٌ أَبكِى على جَاريَّهْ ... أَبْكى على الكَعْبِىِّ والكَعْبِيّهْ ولو هلكتُ بَكيَا عليَّهْ ... كانا مكانَ الثّوب من حِقْوَيَّهْ يعني الرَّجُلَ وامرأتَه. وقال أبو جنْدَب أيضاً (¬2) مَن مْبلغٌ مَلائكِي حُبْشِيّا ... أخَابنِي زُلَيفةَ الصُّبْحِيّا قوله: مَلائكي رَسائلى، من الأَلوكة. وزُليْفة: من هُذَيل، وبنو صُبْح أيضاً. ¬

_ (¬1) قدّم السكري لهذين البيتين بما نصه (هذا يوم العرج)، حدّثنا الحلواني قال: حدّثنا السكرى قال: قال الجمحيّ عبد الله بن إبراهيم: كان أبو جندب اشتكى شكوى شديدة، وكان يقال له "المشئوم" وكان له جار من خزاعة يقال له حاطم بن هاجر بن عبد مناف بن ضاطر، فوقعت به بنو لحيان فقتلوه قبل أن يستبلّ من وجعه، واستاقوا ماله وقتلوا امرأته. قال الأصمعيّ: قتله زهير بن الأغر، وكان أبو جندب يومئذ وجعا مدنفا. قال الجمحى: وقد كان أبو جندب كلم قومه فجمعوا له غنما، فلما أفاق أبو جندب من مرضه خرج من أهله حتى قدم مكة، ثم جاء يمشي حتى استلم الركن وقد شق وكشف عن استه، ثم طاف بالكعبة فعرف من رآه من الناس أنه أتى بشر، ثم صاح وطفق يقول: "إني امرؤ" الخ. وقد شرحهما فقال: يقول: لو هلكت في جرارهما بكيا عليّ وطلبا بثأري لأنهما كريمان. ويقال: عذت بحقوك، يريد أنهما كانا في موضع المعاذ، أي كانا منى مكان من أجرت. ويقول الباهلي: هذا مثل يضرب في الرجل يعوذ بالرجل ويتحرّم به، يقال: أخذ بحقوه، كأنه يأخذ بحقويه، فيقول: هو بمنزلة من عاذ بحقويّ. (¬2) هذه القصيدة رواها الأصمعيّ، ولم يروها ابن الأعرابي ولا أبو عمرو ولا الجمحيّ، وقال السكرى في شرح هذا البيت: ملائكي: رسائلي. وحبشي: اسم رجل. وبنو زليفة: حيّ من هذيل. وصبح: من قوم يقال لهم بنو صبح. ويقول الباهلي: زليفة هو ابن صبح بن كاهل قال: أراد أن يقول "مآلكي" بدل "ملائكي". والألوكة: الرسالة.

أما تَرَوْنِي رَجلاً جُونِيِّا ... حَفَلَّجَ الرِّجْلين أفَلِجيّا (¬1) حَفَلّج: أفحَجَ. والأَفْلَجِي: متباعِدُ السّاقيَن. سَلُوا هُذَيلا وسَلوا عَليَّا ... أما أَسُلُّ الصارمَ البُصْرِيّا (¬2) جتى أموت ماجدًا وَفِيّا ... إذا رأيتُ جارَنَا مَغْشِيّا يقول: إذا عَقدتُ للجار عَقْدا وَفَيتُ به حينَ غُشِيَ ليُقاتَل. فلّما فرغَ من طَوافِه وقَضَى من مكّة حاجَته خرج مع الخُلعاء من بن بكرٍ وخُزاعة، فاستحاشَهمْ على بن لِحيان، فقَتل فيهم وسَبَا من نسائهم وذَراريهم، فقال أبو جُندَب (¬3): ألا ليتَ شِعرِى هل يلومنّ قومُه ... زُهَيْرًا عد ما جَرَّ من كلّ جانبٍ (¬4) زهير، من بني لحيان. جَرَّ: جَنَى علي نفسه جرائرَ من كلّ جانب. ¬

_ (¬1) الجوني: الأسود. والحفلج: الأفحج. ثم جعله كالنسبة له، فقال: "أفلجيا" كما قال أبو ذؤيب "ولا جيدر يا قبيحا" وإنما هو جيدر أى قصير، هذا عن الباهلي. ويقول أبو عبيدة في رجل فلان فلج، أي في أصابعه تباعد. اهـ ملخصا من السكرى. (¬2) عليّ: من كنانهَ. والصارم: الماضي. وبصريّ بضم الباء: سيف عمل ببصرى الشام. (اهـ ملخصا من السكرى). (¬3) ورد في الأصل بعد هذه الكلمة قوله: "ثم استجاش بكر وخزاعة على بن لحيان فقتل فيهم وسبا، فقال أيضاً". وواضح أن هذا الكلام فيه تكرار لا معنى له. فتأمل. (¬4) شرح السكري هذا البيت فقال: جرّ: من الجريرة. وقوله: يلومنّ قومه زهيرا: أضمر قبل أن يذكر مظهرا. قال: زهير من بني لحيان. وجرّ: جنى على نفسه من كل وجه. وقال الباهلي: هل يلومنّ قومه حين وقعت به وكافأته.

وقال أبو جندب أيضا

بكفَّيْ زُهَيْرٍ عُصبةُ العَرْجِ منهمُ ... وَمن يَبغ (¬1) في الرُّكْنَيْن لَخْمٍ وغالبِ العَرْج: بلدٌ أصابهمْ فيه. والعُصْبة: الجماعَة من الناس الّذين هلكوا أي نكفّهم من أولئك الّذين تبَّغوا السّبْي. غالب: (¬2) قُرَيش. وقال أبو جندب أيضا فَفرّ زهَيْرٌ خِيفةً من عِقابِنا ... فليتكَ لم تَفْرِرْ فتُصبِح نادِما (¬3) فلهفَ ابنة المجنون (¬4) ألّا نُصيبهَ ... فنُوفِيَه بالصاع كَيلًا غُذارِما يقال؛ غَذْرَمَ في الكيلِ إذا جازَفَ. وقولُه: فلهفَ ابنة المجنون، يقال ذلك للمرأة إذا أصيبتْ بحميم لها. وتَلقَى قُمَيْرا في المَكَرِّ وحَبْتَرًا ... وجارَهمُ في الفَجْرِ يَدْعُون حاطِما (¬5) حماطم: الذي قُتل ¬

_ (¬1) في رواية "ومن بيع" بكسر الباء. وفتح العين (السكرى). (¬2) شرح السكرى هذا البيت فقال: يقول: زهير قتلهم. قال: العرج بلد أصابهم هذا الأمر به. والعصبة: الجماعة من الناس، أي كان هذا الأمر بكفيه، أي أولئك الذين أهلكوا بيعوا؛ والمعنى السبي الذي بيع. وغالب: من قريش. ولخم: من اليمن. والركنان: لخم وغالب: خفض بالصفة اهـ. (¬3) في رواية: "فرّ زهير رهبة من عقابنا" (السكرى) (¬4) أراد بابنة المجنون هنا: امرأة أبي جندب. (¬5) في رواية "يدعون في الفجر" مكان "في الفجر يدعون". وقمير وحبتر: من خزاعة. وحاطم: هو ابن هاجر بن عبد مناف المقتول. ويقول الباهلي: إنهم ينادون: يا لثارات حاطم.

وما خِلتُنى لابن الأغَرِّ مثمِّرًا ... وما خِلتُنى أَجنِى عليه الجَرائما يقول: فما خِلتُنى أثمِّر المالَ فيجيء فيأخذه. والجَريمة: الأمر يَجرِمه الرجلُ إلى أُناس. على حَنَقٍ صبَّحتهم بمُغِيرةٍ ... كرِجْلِ الدَّبَى الصَّيْفيّ أصبَح سائما يقول صبحتهم على حَنَق بمُغيرة، وهي خيلٌ تُغير. كرِجْل الدَّبَى، يقول: كأنّها قِطعةُ جَراد من كثرتها. وذَكَرُ الجَرادِ في الصَّيْف أسرَعُ خُروجا. وسامَ يسوم في الأرض: مَضَى فيها. بَغيْتُهمُ ما بين حَدّاءَ والحَشَا ... وأورَدتهمْ ماءَ الأُثَيْل فعاصِما (¬1) حَدّاء والحَشا: مكانان. والأُثَيل وعاصم: مكانان. إلى مَلَح الفَيْفَا فقُنّةِ عازِبٍ ... أُجمِّعُ منهمْ جامِلا وأَغانِما (¬2) القُنّة: رأس الجبل أُجمِّع: آخُذُ منهم. الجامِل، هي الإبِل. وأغانم: جمعُ أَغنام. ¬

_ (¬1) شرح السكري هذا البيت فقال: حداء بالحاء: طريق جدة. والحشا: واد. وقال أبو عمرو: الأثيل نبت. ويروى جداء والحشا. وأثيل وعاصم: ماءان. قال الباهلي: هذه كلها مياه اهـ وقال ياقوت: حداء بالحاء واد فيه حصن ونخيل بين مكة وجدّة يسمونه اليوم حدّة بفتح الحاء. وجداء: بنجد، وموضع بالشام أيضا. والحشا: واد بالحجاز. والحشا أيضاً جبل الأبواء بين مكة والمدينة. والأثيل: قرب المدينة. وهناك عين ماء لآل جعفر بن أبى طالب بين بدر ووادى الصفراء لبني جعفر ابن أبي طالب. وعاصم: اسم موضع. قال ياقوت: أظنه في بلاد هذيل. (¬2) الفيفا: موضع. والجامل: الإبل. وأغانم أراد غنما، يقال غنم وأغانم وأغانيم. وقنة عازب: جبل. وملح: موضع (اهـ ملخصا من ياقوت).

وقال أبو جندب أيضا

وقال أبو جندب أيضا لقد أَمسَى (¬1) بنو لِحيانَ مِنّى ... بحَمْد اللهِ في خِزْىٍ مُبينِ جَزيتُهم بما أَخذوا تِلادِى ... بني لِحْيان كَيلَا يَحرَبونِي تَخِذتُ غَرازَ إثرَهمُ دليلًا ... وفَرُّوا في الحِجازِ ليُعْجِزوني (¬2) غراز كقَطامِ وسَحابٍ: موضع هـ قاموس. وفَرّوا في الحِجاز، أي إلى الحِجاز كقوله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}، أي إلى أفواههم. وقد عَصّبتُ أهلَ العَرجِ منهمْ ... بأهلِ صُوائقٍ إذ عَصَّبونِي (¬3) أي لفَفْتُ هؤلاء بهؤلاء. والعَرْج: موضع. ¬

_ (¬1) في السكرى: "لقد أمست" الخ. (¬2) كذا في الأصل والذي في السكرى غران وقد قال في شرح هذا البيت ما نصه: غران واد. وقوله يعجزوني أي يفوتوني ويغلبوني. وقال الباهلي: لزمت هذا الوادى في طلبهم. وقال أبو عمرو تخذت: اتخذت. ولغة هذيل "تخذت" اهـ ملخصا. والذي في ياقوت: غران: واد ضخم بالحجاز بين ساية ومكة. (¬3) شرح السكرى هذا البيت فقال: عصبتهم: صنعت بهم ما صنعوا بي من الشرّ الذي صنعوا بأهل صوائق. وقال أبو عمرو عصبتهم: حرّبتهم أي أخذت أموالهم. قال: لففت هؤلاء بهؤلاء وجمعت بينهم. والعرج: مكان. ويقول الباهلي: يعنى أنه غزا أهل العرج بأهل صوائق. وزاد السكرى بعد هذا البيت بيتا آخر، وهو: تركتهم على الركبات صعرا ... يشيبون الذوائب بالأنين وقال: لم يروه أبو عبد الله ولا أبو نصر ولا الأخفش. ورواه الجمحى وأبو عمرو والأصمعي: "على الركبات جرحي" قال: وصعرا: مائلين.

وقال أبو جندب أيضا

وقال أبو جُنْدَب أيضا لقد عَلمتْ هُذَيلٌ أنّ جارِى ... لَدَى أطرافِ غَيْنَا مِن ثَبيرِ (¬1) أَحُصُّ فلا أُجيرُ ومن أُجِرْه ... فليس كَمن تَدلَّى (¬2) بالغُرور لكم جِيرانُكمْ ومَنعْتُ جارِى ... سَواءً ليس بالقَسْم الأَثيرِ (¬3) وقال أبو جُنْدَب أيضاً ألا أبلِغَا سعدَ بنَ لَيثٍ وجُنْدُعًا ... وكَلْبًا (¬4) أثيبوا المَنَّ غيرَ الكدَّرِ سعد وجُنْدُع: من كنانة، أثيبوا: كانت لهم يدٌ عندهم. ¬

_ (¬1) ورد في الأصل أمام هذا البيت ما نصه: قلت قال الصاغاني في التكملة: وغينا ثبير شجراء في رأسه وكل غيناء فهي خضراء, والصواب بالإعجام. وغيناء: قلة جبل ثبير كهيئة القبة، هذا كلامه بعينه في فصلي العين والغين. وشرح السكرى هذا البيت فقال: رواه الأصمعي: "على أعلى الشواهق من ثبير" وقال: غينا ثبير: قاف وأعلاه. ونقل عن الباهلي أنه يقول غينا ثبير: قلة ثبير التى في أعلاه تسمى غيناء، وهو حجر كأنه قنة، وهو ثبير غينا، وثبير الأعرج، وثبير الأحدث. قال: أظنه الأحدب، وثبير آخر، فهنّ أربعة أثبرة. يقول: فهو في منعة وعز، فكأنه في جبل لا يقدر عليه. ويقول أبو عمرو: هو في الحرم. (¬2) ورد في الأصل أمام هذا البيت ما نصه: "قلت قال الصاغاني في التكملة والذيل والصلة: وفلان يحص إذا كان لا يجير أحدا. قال أبو جندب الهذلي: "أحص فلا أجير" الخ، وأما قول أبي طالب: "بميزان صدق لا يحص شعيرة" الخ فمعناه لا ينقص. انتهى منه بحروفه. أحص: "أمنع الجوار فلا أجير، ومن أجره فليس هو في غررور". وفي السكرى "يدلي" بضم الياء جهول، وشرح البيت فقال: أحص: أمتنع وآبي ذلك. وأحص: أقطع ذاك. قال: أحص أمنع الجوار ولا أجير، ومن أجرته فليس بمغرور، أي لا أجير إلا من أمنع، ومنه يقال: رحم حصاء أي قطعاء لا توصل. وسنة حصاء: شديدة يتخاذل فيها. ويقول الباهلي: كان الرجل إذا لم يجر قيل: فلان يحصّ. (¬3) قال السكرى في شرح هذا البيت: سواء، أي حقا لم أستأثر عليكم، فلكم جيرانكم ومنعت أنا جاري. (¬4) كلب: حي من كنانة، وهؤلاء كلهم من كنانة. وأثيبوا من الثواب فإن لكم لم أكدره، وذلك أنه كانت له يد عندهم، أي، اشكروا على ذلك. والثواب: الشكر بلغة هذيل

فَنهنَهتُ أُولَى القوم عنّى بضَربةٍ ... تَنفَّسَ منهما كلُّ حَشْيَان مُجْحَرِ (¬1) نهنهتُ: كففتُ عنّى هذا الذي مَنّ عليهم به. والحَشْيان: الذي به الرَّبْو، وهو أيضا الذي يَشتكي حَشاه: والمعنى تَنفّس الذي كان لا يتنفس حين ضربتُه. ولا تحسَبنْ جارِى إلى ظِلِّ مَرْخةٍ ... ولا تَحْسبَنْه فَقْعَ قاعٍ بقَرقَر (¬2) المَرْخة: شجرةٌ ليس لها مَنَعة. والفَقْعة: الكَمْأة بالقاع تُوطأ وُتؤْخَذ. والقَرْقَر: ما استوى من الأرض. وكنتُ إذا جارِى دَعَا لَمضُوفَةٍ ... أُشَمِّرِ حتّى يَنصُفَ الساقَ مِئْزرِى (¬3) مَضُوفة، أي أمر ضافَه، أيُّ نَزَل به وشقَّ عليه. والمُضاف: المُلْجَأ. ¬

_ (¬1) في رواية: "ونهنهت أولى القوم عنكم بضربة"، وامرأة حشياء مثل رجل حشيان. ودابة حشية: ممتلئة ربوا. والمجحر: المنهزم. (اهـ ملخصا من السكري). (¬2) في رواية: "فلا تحسبا جارى" وقد شرح السكري هذا البيت فقال: المرخة: شجرة صغيرة لا تمنع من لاذبها. والفقع: ضرب من الكمأة رديء. والقاع: مطأن من الأرض حر الطين. والقرقر: الصلب يكون فيه الفقع، فمن مرّ به اجتناه، قال: لا تحسبنه بمذلة كالكمأة الرديئة التي توطأ وتؤخذ ليس عليها ستر، فلا شيء أذل منها. والقرقر أيضا: ما استوى من الأرض. (¬3) في السكرى: "وكنت إذا جار دعا لمضوفة" وفسر المضوفة فقال: أي همَّ ضافه أو أمر شديد، يقال: لي إليك مضوفة أي حاجة. ضفته: لجأت إليه وأضفته ضممته إلى رحلي. ويقال رجل مضاف: ملجأ. ويقول الباهلي: بمضوفة، بأمر يشقق منه، قال الجعدي: * وكان النكير أن تضيف وتجأرا *

ولكنّنى جَمْرُ الغَضا مِن وَرائه ... يُخَفِّرني سَيْفى إذا لَم أُخَفَّر جَمْر الغَضا، يريد أتحرّق من ورائه غَضَبا. يخفِّرني سَيْفى: يكون خَفِيري إذا لم يكن لي خفير. أبَى الناسُ إلاَّ الشرَّ مني فدَعْهمُ ... وإيّاىَ ما جاءوا إليّ بمُنكَرِ (¬1) إذا مَعشَرٌ يوما بَغَوْني بَغَيْتُهمْ ... بمُسْقِطة الأَحْبال فَقْماءَ قِنْطرِ (¬2) بغَوْني: أرادوني بشرّ. بمُسْقِطة الأحبال، أي بداهيةٍ تسقط النساءُ منها. فَقْماء: ليست بمستِوية، هي على الطريق. وقِنْطِر: داهية. إذا أدركتْ أُولاهمُ أُخْرَيَاتُهمْ ... حَنَوْتُ لهمْ بالسَّنْدرِىِّ (¬3) الموتَّرِ يقول: إذا أَدركتْ أُولاهم أُخراهم فاجتمعوا فصارُوا في مكانٍ واحد. رميتُهمْ حينئذٍ بالسَّنْدَرىّ، وهو ضَرْبٌ من النَّبْل. وحَنَوْتُ: انحرفتُ وتهيأتُ للرّمي. وموتَّر: مفوَّق. فُوِّقَ الوَتَرُ إذا جُعِل في الفُوق. ¬

_ (¬1) في رواية: "أبى الناس إلا الشرّ منهم فذرهم" أي أبى الناس إلا الشرّ فدعهم يريدونه مني (السكري ملخصا). (¬2) في رواية: وكنت إذا قوم بغوني أتيتهم ... بمسقطة الأحبال ... ... الخ أي بغيتهم بداهية تسقط النساء من شدتها. وفقماء: في فمها عوج، أي قبيحة المنظر. وقنظر: داهية. ويقول الباهلي: الأفقم الأمر غير الملتئم. (¬3) نقل السكرى عن الباهلي ما نصه: السندرى ضرب من الخشب تعمل منه القسيّ والنبل. ويقال: قوس سندرية.

وطَعْنٍ كَرمْح الشَّوْلِ أمستْ غَوارِزًا ... جَواذِبُها تأبَى على المتغبِّر (¬1) يقول الشَّولُ إذا رُفِعت اللَّبنَ تأبى على الذي يَطلُب غُبْرَها. والغُبْر بقيّة اللَّبن. والمتغبِّر: الذي يَطلُبه، ويقال: جَذَبتْ: إذا رَفَعتْ لبنَها, وكذلك دَفْع هذه الطَّعْنة بالدّمِ كرَمْح هذه الشَّوْل. مَننتُ على ليثِ بنِ سعدٍ وجُنْدُعٍ ... أَثِيبي بها سعدَ بنَ لَيْثٍ أو اكفُرِى (¬2) يريد أَثيبِى يا سعدُ أي اعرِفي هذا ليكون عندكِ ثَواب. وقلتُ لهمْ قد أَدرَكتْكمْ كَتِيبةٌ ... مُفسِّدةُ الأَدبار ما لَم تُخَفَّرِ (¬3) ويروَى: ما لم تُنفَّر. قوله: "مفسِّدة" يقول: كَتيبةٌ إذا أَدركتْ دبر كتيبةٍ أفسدتْها. ما لم تخفَّر: ما لم تنفذ لها خفارتُها. ¬

_ (¬1) في رواية "بطعن". والشول: الإبل الحوامل التي خفت ألبانها، فإذا أخذ اللبن في النقصان فذلك الجذوب بضم الجيم، يقال: ناقة جاذب. والمتغبر: الذي يطلب الغبر وهو بقية اللبن، أي أن هذه الناقة إذا قل لبنها تأبى عَلى المتغبر؛ ويقال: جذبت الناقة إذا رفعت لبنها؛ فشبه دفعة هذه الطعنة بالدم كرمح هذه الشول، وذلك أنها طلب منها اللبن فأبت على المتغبر، فرمحته ومنعته، فكذلك دفعة هذه الطعنة بالدم .. (اهـ ملخصا من السكرى). (¬2) في رواية: مننت على سعد بن ليث وجندع ... أثيبي بها سعد بن ليث أو اكفر وقال السكرى في شرح هذا البيت: أثيبي يا سعد أي اعرفى ليكون هذا ثوابا، وسعد: قبيلة. (¬3): شرح السكري هذا البيت فقال: مفسدة الأدبار: تطعن في الدبر. ما لم تنفر: تمنع. وقال الجمحي: ما لم تنفر، أي تهزم. ويقول الباهلي: إنها إذا شدّت على قوم قطعت دابرهم.

وقال أبو بثينة

وقال أبو بُثَينة (¬1) ألا أَبلِغْ لدَيْكَ بَني قُرَيْمٍ ... مُغَلغَلَةً يَجيءُ بها الخبَيرُ بنو قُرَيم: من هُذَيل. ومُغَلْغَلة: رسالة تَتَغَلغل كما يتغَلْغَل الماءُ بين الشجر. ألا يا ليتَ أُهْبانَ بنَ لُعْطٍ ... تلفَّتَ (¬2) وَسْطَهم حين استُثِيروا أستثُيروا كما تُستَثَار الغنمُ والعبَيد. ¬

_ (¬1) لم ترد هذه القصيدة في شرح السكرى. وقد وردت في بقية أشعار الهذليين ص 17 طبع أوربا ونسيت فيها لأهان بن لعط بن عروة بن صخر بن يعمر بن نفانة بن عدى بن الديل، والأبيات بنصها هي: ألا أبلغ لديك في قريم ... مغلغلة يجيء بها الخبير فردّوا لي الموالى ثم حلوا ... مرابعكم إذا مطر الوتير فما إن حب غانية عناني ... ولكن رجل راية يوم صبروا وقلت أبا بثينة غير فخر ... شهدت بن بثينة إذ أبيروا غداة جنيدب يحدو رعيلا ... كما أنحى على الجلب الأجير فإنه قصاركم منا لحرب ... تزف الشحط أو عقل ضرير وبعد أن أنشد هذه الأبيات قال: قال أبو بثينة: ألا يا ليت أهبان بن لعط ... تكفت وسطهم حين استثيروا فيقتل أو يرى غبنا مبينا ... وذلك لو دريت به نصور كأن القوم من نبل ابن روح ... لدى القمراء تلفحهم سعير جلبناهم على الوترين شدا ... على أستاههم وشل غزير سنقتلكم على رصف وضر ... إذا لفحت وجوهكم الحرور (¬2) كذلك في الأصل. والذي في البقية: "تكفت" فتأمّل.

وقال رجل من هذيل

فيقتل أو يَرَى غَبْنا مُبينا ... وذَلك -لو علِمت به- نَصُورُ أي ليتَه شَهِد أنِّي نَصُور. كأنّ القومَ مِن نَبْلِ ابنِ رمحٍ (¬1) ... إذا القَمْراء تلفَحُهمْ سَعِيرُ جَلبناهمْ على الوَتَرَين شَدًّا ... على أستاهِهِم وَشَلٌ غَزِيرُ سَعَيتُ لكمْ على رَجْفٍ وَطَرٍّ ... إذا لفَحتْ وجُوهَكمُ الحَرورُ * * * وقال رجل من هُذَيل يا ليتَ شِعرِى عنكِ والأمرُ عَمَمْ ... هل جاء كعباً عنكِ مِن دين النَّسَمْ يقال: أمرٌ عَمَم، إذا عَتم، فيقول: جاء كَعْباً عنك هذا الخبر. ما فَعلَ اليومَ أُوَيْسٌ في الغَنَم ... تاحَ لها في الرِّيح مِرِّيحٌ أَشَمْ أُويْس: تصغير أَوْس، وهو الذِّئب. تاحَ لها: قُدِر لها. مرِّيح: مَرِحٌ رافعٌ رأسَه. أشمّ: مرتفِع متكبِّر. فاعتامَ منها لَجُبَةً غيرَ قَزَمْ ... حاشِكَةَ الدِّرّةِ وَرْهاءَ الرَّخَمْ اعتامَ الذئبُ منها لَجْبة، أي اختار. واللَّجبة: حين خَفّ لبنُها، وهي الّتى أَتَى عليها من نَتاجِها أربعةُ أشهر فخفّ لبنُها. غيرَ قَزَم: غيرَ لئِيمة. حاشكة الدِّرّة. ¬

_ (¬1) في البقية "روح" مكان "رمح".

يقول: محفَّلة وقد وَلَّى لبنُها. وَرْهاء الرَّخَم، أي تَرْأَم وتحِبُّ حبًّا أَوْرَه من شِدّته. والأَورَه: الأحمَق. والرَّخَم: الحُبّ، يقال ألقيت عليه رَخَمتى أي حُبّى وإلفي. أَقبلتُ لَا يشتدّ شَدِّي ذو قَدَمْ ... وفي الشِّمال سَمْحَةٌ من النَّشَمْ سَمْحة: سهلة، يعني قَوْسا. والنَّشَم: شجرٌ تُعمَل منه القسِيّ. ضَفراءُ من أقواسِ شَيْبانَ القُدُمْ ... تَعُجّ في الكَفِّ إذا الرامى اعتزَم تَرنُّمَ الشارفِ في أُخْرَى النَّعَمْ ... فقلتُ خُذْها لا شَوًى ولا شَرَمْ تَعُجّ هذه القوسُ في الكفّ كترنُّم الشارِف، وهي المُسِنّة في أخرى النَّعَم، أي هذه لا تَسير مع النَّعَم لِكبَرها. ولا شَوًى لا أَصبْتَ غيرَ المَقْتَل. ولا شَرَم (¬1)، يقال شَرَم إذا خَرَم (¬2) ولم يَصنَع شيئا. قد كنتُ أقسمتُ فَثنَّيتُ القَسَم ... لئن نأَيْتُ أو رَمَيْتُ مِن أَمَمْ ثَنَّيْت، أي وكَّدتُ اليميَن. مِن أَمَم: من قَصْد، وهو موضعٌ لا قريبٌ ولا بعيد، هو بين ذلك. * لأَخْضِبَنْ بعضَكَ من بعضٍ بدَمْ * ¬

_ (¬1) ورد هذا الشطر في اللسان (مادة شرم) منسوبا إلى عمرو ذى الكلب، وشرحه فقال: إنما أراد ولا شق يسير لا يموت منه، إنما هو شق بالغ يهلكك، وأراد "ولا شرم" بالتسكين، فحرّك للضرورة. (اهـ اللسان). (¬2) وردت هذه الكلمة في الأصل مهملة الحروف من النقط. وقد صوّبناها هكذا عن لسان العرب (مادة شرم) إذ قال ما نصه: يقال للرجل المشقوق الشفة السفلى أفلح. والمشقوق الشفة العليا أعلم. والمشقوق الأنف أخرم؛ والمشقوق الأذن أخرب. والمشقوق الجفن أشتر، ويقال في كله: أشرم.

وقال عمرو بن الداخل

وقال عَمْرو بنُ الداخل (¬1) تذكَّرَ أمَّ عبد اللهِ لمّا ... نأتْه والنوَى منها لجوجُ يقول: إذا نَوَتْ لجّت في المُضِيّ (¬2). وما إن أحوَرُ العينين رَخْصُ الـ ... ـعظامِ تَرُودُه أُمٌّ هَدُوجُ (¬3) تَرودُه: تَرودُ حَوْلَه. والهَدوج: لها هَدْجَةٌ وصَوْت، يعني غَزَالا. ¬

_ (¬1) أورد السكري في مقدّمة هذه القصيدة ما نصه: حدّثنا الحلواني قال: حدّثنا أبو سعيد السكري قال: قال عمرو بن الداخل: هكذا يروى الجمحي وأبو عمرو وأبو عبد الله. وقال الأصمعيّ: هذه القصيدة لرجل من هذيل يقال له الداخل واسمه زهير بن حرام أحد بني سهم بن معاوية "يذكر أم عبد الله" الخ. (¬2) شرح السكرى هذا البيت فقال: نواها: وجهها الذي أخذت فيه إذا انتوت فيه النية لجت في المضيّ، وربما لجت في القيام. نأته: بعدت عنه. لجوج: قد فعلت ذلك مرة بعد مرة. وروى أبو عمرو: ذكرتك أم عبد الله لما ... نأيتم والهوى منا لجوج. (¬3) في رواية "تردّه" وفسر السكرى البيت فقال: تردّه، تتعهده في ذهابها ومجيئها وتطوف عليه. هدوج: لها عليه هدجة أي حنين وتهدّج، أي تقطع صوتها تقطيعا. ويقول الباهلي: الهدجة صوت كأنه تهميم، ويقال: سمعت هدجة الرعد أي صوته. ورخص العظام أي حديث العهد بالنتاج، فعظامه رخصة لينة. ورواه أبو عمرو: وما إن أخطب الخدين طفل ... ترعّى حوله أم هدوج والأخطب: الذي في سواد وبياض، يعني غزالا. وهدوج: متحركة، هدجت تهدج: تحرك إذا مشت. والهدجان: مشي النعام (اهـ ملخصا).

بأحسنَ مُقلةً (¬1) منها وَجِيدًا ... غَداةَ الحجْرِ مَضحكُها بَليج بلَيج: واضح. وهادِيةٍ تَوَجَّسُ كلَّ غَيْبٍ ... لها نَفسٌ إِذا سامَتْ نشيجُ (¬2) هادِية: بقرة. تَوَجَّس: تَسَمَّع. كلَّ غَيْب: يقول: إذا وقعتْ في مكانٍ يواريها توجَّستْ. وسامَت: سَرحَت. ولها نَشيج، من الفَزَع كأنّه يَقلعَ نَفْسَها من جَوفِها قَلعا. تُصيخُ إلى دَوِيِّ الأرضِ تَهْوِى ... بمِسمَعِها كما نَطِفَ (¬3) الشَّجيجُ قوله: تُصيخ، تُصغِي وتَسَمَّع. وقوله: كما نَطِف الشَّجيج، والنَّطِف: أن تَهجُم الشَّجَّةُ على أمّ الدِّماغ، فإذا كان كذلك لم يقدِر أن يرفعَ رأسَه. عَززْناها وكانت في مَصامٍ ... كأنّ سَراتَها سَحْلٌ نَسيجُ ¬

_ (¬1) في السكري "مضحكا"، مكان قوله "مقلة" وشرح البيت فقال: الحجر الذي بالبيت، يريد أنه رآها ثم. وبليج: مشرق واضح. والمضحك: موضع الأسنان التي تبدو إذا ضحكت. (اهـ ملخصا). (¬2) في رواية: "إذا سامت لها نفس نشيج" وشرح السكري هذا البيت فقال: هادية: بقرة تتقدّم كل البقر. توجس: تسمع على ذعر. وسامت: رعت وذهبت وجاءت. نشيج: انتحاب من صدرها يصيبها ذاك من الفزع. والنشيج: صوت شبيه بالنفس. أبو عبيدة: نشجت إذا ردّدت نفسها إلى صدرها. ويروي "إذا سافت" مكان "إذا سامت" وسافت، أي شمت الأرض من الحذر إذا وقعت في غيب أي في مكان يواريها. (¬3) في رواية "كما أصغى" مكان "كما نطف" وقال السكري في شرحه: تصيخ تصغى وتتسمع. تهوى به: تضعه على الأرض. والمسمع: الأذن، يقال أصغى إصغاء أمال لئلا يصيبه الدم. (اهـ ملخصا).

ويُروَى غَرَرْناها، أي أخذْناها على غِرّة. والمَصام: مَكانُها. وسَراتُها: ظَهْرها. والسَّحْل: ثوبٌ أبيضُ. ويُهلك نفسَه إن لَم يَنَلها ... وحُقَّ له سَحِيرٌ أو بَعيجُ هذا الصائد يُهلِك نفسَه إن لم يَنَلْ هذه البقرة. وحُقَّ له سَحير، أي يصيب سَحْرَه ويَبعَج بطنَه، يقال للِّرئة السَّحْر، يقال سَحَرْته وبَعَجْتُه. وأَمهَلَها (¬1) فلمّا وَرَّكَتْه ... شِمالًا وهي مُعْرضَةٌ تَهيجُ ورَّكَتْهْ: جعلتْه حِيالَ ورِكَيْها. وهي مُعْرضة قد أَمكَنَتْه من عُرضِها. تَهيج: تمرّ كالرِّيح الهائجة. أَمهَلها: تركها حتى تقدم. أُتِيحَ لها أُغَيْبِرُ ذو حَشيفٍ ... غَبىٌّ في نَجاشَتِه زَلُوجُ (¬2) لها: للبقرة صائدٌ أغبَر. حَشِيف: ثوبٌ خَلَق. والنَّجْش: حَوش الصَّيد. زَلُوج: يَزْلج يُسْرِع. غبيٌّ في قَناصتِه (¬3)، أي يُخفي شخصَه. دَلَفْتُ لها أوانَئذٍ بسَهْم ... نَحِيضٍ لم تَخَوَّنْه الشُّروجُ (¬4) ¬

_ (¬1) في رواية "ويممها" مكان "وأمهلها" و "وركتني" مكان "وركته" وشرحه السكرى فقال: يممها: قصد إليها، ووركته خلف وركها عن شمالها. معرضة: قد أبدت عن عرضها. تهيج في شدّها: تمرّ كالريح الهائجة. (اهـ ملخصا). (¬2) الأغيبر، هو الداخل أخو بني سهم نفسه. والأغيبر: تصغير أغبر. ويروى "أقيدر". والأقيدر: مقارب الخطو. (¬3) هذه رواية أخرى في البيت فليلاحظ. (¬4) في رواية "خليف" مكان "نحيض" وقال السكرى في شرحه: تخوّنه: تنقصه. والشروج: الشقوق والصدوع، واحدها شرج. وفي رواية "محيض" كما هنا، وشرحه فقال: المحيض الذي قد أرقت شفرته، يقول: لم يأته الخوف من قداحه، كما تقول: خانته أمه. ونحيض أيضاً دقيق. ولم تخوّنه: أي لم تضعفه. (اهـ ملخصا).

دلفْتُ للبقرة. نَحيض: دقيق. لم تَخوَّنْه: لم تضعفه الشُّروج، وهي الشُّقوق. الدُّلوف: سيرٌ فيه بُطءٌ. سَدِيدِ (¬1) العَيْرِ لَم يَدْحضْ عليه الـ ... ـغِرارُ فقِدْحُه زَعِلٌ دَرُوجُ سَدِيد، يعني السَّهْم. لم يَدْحضْ، لم يزلق عليه الغِرار. والغِرار: المِثال الذي يضرب عليه النصل. فيقول. لم يَزْلق أحدُهما على الآخَر، فجاء مِثالٌ سَديدُ العَير، أي قاصد. والعَيرْ: الناتئُ في وَسَطِ الزُّجِّ. وزَعِل: نَشيط. ودرُوج: يدْرُج من خِفّته. عليه من أَباهِرَ لَيِّناتٍ ... يُرِنُّ القِدْح ظُهْرانٌ دَموجُ (¬2) يُرِنّ: من الرَّنّة. وظهْران: ظهرُ الأَبهَر من الرِّيش ليس من القوادم ولا من أقصى الخَوافى. والأَبهَر من القوس: ما دون السِّيَة. وَدَموج: دامج. ظُهْران الرِّيش: القصير من الريش. والبطنُ: الجانب الطويلُ من الرِّيش. كَمتْن الذئبِ لا نِكْسٌ قَصيرٌ ... فأُغرِقه ولا جَلْسٌ عَموجُ ¬

_ (¬1) في السكرى "شديد" مكان "سديد". (¬2) دموج: أي دامج بعضها بعضا، أو هي مشتبهة في الاندماج والصلابة، يريد عليه دموج من أباهر يعني من أقواس لينات أي ذات قذذ لينات. (اهـ ملخصا من السكري).

كمَتن الذئب، يعنِي السهمَ في استوائه. قوله: لا نِكسٌ، النَّكْس: الذي قد انكَسَر نصلُه فقُلِب فجُعِل سِنْخُه نَصلا. ولا جَلْسٌ عَموج، ليس بطويلٍ (¬1). أُغرقُه: إذا شَرَعتُ فيه تحاوَزَ وتَثَنَّى، ومنه تَعَمُّجُ الحيّة أي تلوِّيها (¬2). يقرِّبُها لمُطعَمِها هَتوفٌ ... طِلاعُ الكَفِّ مَعْقِلُها وَثِيجُ الكَثِيف والوَثيج واحد. يقرِّب الوحشيّةَ إلى مُطعَمِها، وهو صائدُها. هَتُوف في صَوْتها، أي قوسٌ. طِلاعُ الكَفّ، ما يَملأ الكفَّ حتى يَفْضُل عنها. ومَعقِلها وَثيج، معقِلُ كلِّ شيء حِرْزُه، فيقول: إذا جُذِبَتْ فالّذى ترجع إليه كَثيفٌ وهو الوَثيج. كأن عِدادَها إرْنانُ ثَكْلَى ... خِلالَ ضُلوعِها وَجْدٌ وَهِيجُ (¬3) عِدادُ القوس: صَوْتُها. خِلالَ الضُّلوع: بينَها. وَهيج: من وَهَج النار. ¬

_ (¬1) قوله: "ليس بطويل" وهذا معنى الجلس. والعموج: الذي يتعمج أي يلتوي ولا يقصد. (¬2) شرح السكري هذا البيت فقال: كمتن الذئب في استوائه. والنكس: الذي جعل أعلاه أسفله. وفوقه: مكان نصله. (اهـ ملخصا). (¬3) عدادها: صوتها تعاوده كلما نبض عنها صوّتت، ومنه أخذ عداد الحميّ. وإرنان ورنين سواء. وخلال ضلوعها أي في قلبها وجد بولدها. وهيج: يتوهج ويلتهب في صدرها. ويروي: "مخالط صدرها". اهـ ملخصا من السكرى.

وبِيضٍ كالسّلاجِمِ مُرهَفاتٍ ... كأنّ ظُباتِها عُقُرٌ بَعيجُ (¬1) بِيض: يعني نَبلا. والمعنى على النِّصال. مُرهفات: مرقفات. والسَّلاجِم: الطِّوالَ. الظُّبات: حَدُّها. عُقر بَعيج: العُقر أصل النَّار. أَحاطَ الناجِشانِ بها فجاءتْ ... مكاناً لا تَروغُ ولا تَعُوجُ (¬2) نَجَشاها فَثارت. والناجِشان: الصائدان، يَنجُشان: يَحُوشان. ومكاناً: إلى مكانٍ لا تستطيع أن تروغ ولا أن تَعُوج، أي وقعتْ بين جبلين لم يزالا يَحُوشانها حتي لجأتْ إلى هذا المكان. فراغتْ فالتمسْتُ به حَشاها ... وخّرَّ (¬3) كأنّه خُوطٌ مَريجُ ¬

_ (¬1) البعج: الشق، يقال: بعج بطنه بالسكين إذا شقها وخضخضها فيه. قال الهذلى: "كأن ظباتها عقر بعيج" شبه ظبات النصال بنار جمر سخى فظهرت حمرته، يقال: اسخ النار أي افتح عينها؛ وقد أورد السكرى هذا البيت وقال في شرحه ما نصه: يريد وبيض سلاجم، والكاف زائدة، يريد النصال، وكان معناه أنها تشبه السلاجم. والسلاجم: الطوال، واحدها سلجم، أي أن هذه النصال على قدر من الطول جيد. والمرهف: المرقق المحدّد. والظبة: حدّ السهم. والعقر: الجمر. والجمرة عقرة، وعقر النار معظمها، وأصلها في لغة أهل الحجاز ونجد؛ وقد جاء في السكرى بعد هذا البيت بيت آخر لم يرد في الأصل وهو: وصفراء البراية فرع نبع ... تضمها الشرائع والنهوج وشرحه فقال: الفرع ما كان من قضيب واحد. والنهوج: مطلع الصخرة الذي طلعت منه. والشرائع: حيث يصلون إليها منه، أو مكان ينبت فيه شجر القسيّ. والبراية ما برى من القوس. (¬2) الناجشان: اللذان يحوشان، وهما صائدان. وتعوج: تعطف. ويروى "أطاف الناجشان". (السكري ملخصا). (¬3) في رواية "فخر". وشرح السكرى هذا البيت فقال: راغت: خنست يعني البقرة، و"به" أي بالسهم الذي وصفه كمتن الذئب. راغت: حادت عنه. والحشا: حشوة الجوف، كأن السهم خوط أي غصن أو قضيب. مريج: قد طرح وترك، ويقال: مريج أي قلق، يقال: مرج الخاتم في يدى. والتمست: قصدت. وخرّ: سقط. (اهـ ملخصا).

راغَت: البقرة. وخَرَّ السهمُ: سقَط. كأنهّ خُوطٌ أي غُصْن. مَريج، أي سَهْل، مَرِج كأنّه يَقلق من سَعةِ مَوضِعه. كأنّ الريشَ والفُوقَيْن منه ... خلافَ النَّصْلِ سِيطَ به مَشِيجُ (¬1) أى كأنّ الريش والفُوقَيْن مِن السهم. خِلافَ النَّصل: بَعدَ النَّصل. سِيطَ به مَشيج، أي خَرجَ قُذَذٌ مِن الرِّيش. ومَشيج: مُختلِط من الدّم والماء. فظَلتُ وظَلَّ أصحابي لديهمْ ... غَرِيضُ اللَّحمِ نيءٌ أو نَضيجُ (¬2) غَريض: طريّ. ¬

_ (¬1) منه أي من السهم. وخلاف: بعد. يقول: كأن هذا السهم سيط بدم أي خلط بدم لما خرج من الرمية. ومشيج، أي دم مختلط بماء. ويروى "والفوقين منها" أي من السهام. يقول: خرج وقد دمي الريش والفوقان؛ يريد أنه نفذ في الرمية حتى أصاب الفوق والريش الدم. وقال أبو عبيدة: أراد فوقا واحدا، فثناه، كما قال: "فنفست عن أنفيه" وإنما هو أنف واحد الخ. (¬2) في رواية: "فظلت وظل بينهم صحابي". أما قوله: "أو نضيج"، "فأو" هنا في معنى الواو، يريد "نيء ونضيج"، وماء السماء يسمى الغريض لحداثته. (السكرى ملخصا).

وقال ساعدة بن العجلان يذكر أخاه مسعودا حين قتله ضمرة بن بكر

وقال ساعدة بنُ العَجْلان يذكر أخاه مسعودا حين قتله ضَمرْة بنُ بكر لمّا رأيتُ عَدِىَّ ضَمرةَ فيهمُ ... وذكرتُ مَسعوداً تَبادَرَ أَدْمُعِي (¬1) عَدِىّ ضَمْرة: حاملة تَعْدو على أرجلهم. ولقد بكيتُكَ يومَ رَجْلِ شُواحِطٍ ... بمعَابِلٍ نُجُفٍ وأبيضَ مِقطعِ (¬2) ويُروَى: يومَ جِزْعِ شُواحِط. قوله: بمَعابل، أي رميتُ الّذين قَتَلوك. نُجُف: عِراض، يعني المعَابل وأَبيَض: سَيْف. شُقَّتْ خَشِيبتَهُ وأُبْرِز أَثْرُه ... في صَفْحَتَيه كالطَّريق المَهْيعِ (¬3) شُقّت خَشِيبتُه، أي عُرَّض طَبعهُ الأَوَّل. وأُبرِز أَثْرُهُ, أي نُقيَّ حتّى ظَهَر أَثْرُه، أي فرِنْدُه. كالطريق المَهْيَع: الطريق البيِّن. ¬

_ (¬1) في رواية: "لما سمعت دعاء ضمرة فيهم". وفي رواية: "تبادرت ادمعي" أي تبادرت سيلانا (السكرى). (¬2) في رواية: "صلع" مكان "نجف". وقد شرح السكرى هذا البيت فقال: شواحط واد. ورجل: رجالة. والمعبلة: سهم عريض النصل. ومقطع: سيف قاطع. ويروى "جزع شواحط" يقول: كان بكائي إياك أن رميت الذين قتلوك. وصلع: براقة. وقال الباهلي: إنه جعل يرميهم وينادى أخاه، فذلك بكاؤه إياه. (اهـ ملخصا). (¬3) قال السكري في شرح هذا البيت: النصل إذا طبع وعرض قبل أن يصقل فقد شقت خشيبته وقد خشب فهو خشيب ومخشوب. والخشيبة: الطبع: وأثره: فرنده. يقول: صقل فظهر فرنده كالطريق المهيع.

يَا رمْيةً ما قد رَمَيْتُ مُرِشّةً ... أَرْطاةَ ثم عَبَأْتُ لابن الأجدَعِ (¬1) أراد يا رَميةً و"ما" حَشْوٌ. ومُرِشّة: بالدم. وأرْطاة: رجل. ثم عبأْتُ: أي هيأتُ له رميَةً أخرى. ورميتُ فوقَ مُلاوَةٍ (¬2) مَحْبوكَةٍ ... وأبَنْتُ للأَشهادِ حَزَّةَ أَدَّعِى يقول: أصابت المِعْبَلةُ حَبْلَ المُلاوَة فلم تَعمل. وأَبَنْت للأشْهاد، أي بيّنْت لمِن حَضَرني. وحَزّةَ أدّعي أي حين (¬3) أدْعو فأقول: أنا فلانُ ابن فلان. بين المصعِّدِ والمصوِّبِ رأسَه ... وأقول شِقّ شِمالهِ كالأضرَعِ (¬4) يقول: رَمَيْتُه فهو بين المُشرِف صدرُه والمُطَأمِنه. والأضرَع: الخاشع. ولَحَفْتُه منها حَليفًا نَصْلُه ... حَدِّى كحَدِّ الرُّمح ليس بِمنْزْعِ (¬5) ¬

_ (¬1) قوله: "يا رمية" كأنه يتعجب من الرمية. "وما" هنا صلة. ومرشة: بالدم. وأرطاة وابن الأجدع: رجلان من كنانة (السكرى). (¬2) في رواية: "ملاءة" مكان "ملاوة"، وفي رواية "ساعة أدعى" مكان "حزة أدعى" ومحبوكة؛ محتزم بها، وحبكته: حجزته. (اهـ ملخصا من السكرى). (¬3) في نسخة: "حيث". (¬4) في رواية: "صدره" مكان "رأسه"، وقال السكرى في شرحه لهذا البيت: الأضرع: الخاشع. يقول: رميت بين المصعد والمصوّب صدره بين ذا وذا. شق شماله؛ لأنه جرح مما يلي فؤاده في شقه الأيسر. قال: رميته وهو بين المشرف صدره والمطأطئ، أي أصابه فخشع، يقول: مال على شقه فهو صريع. وهذا البيت آخر القصيدة في رواية الأصمعي، والباقي عن الجمحي والباهلي ونصران وأبي عمرو. (¬5) في رواية: "ألحفته منها"، وفي رواية: "حدّ" مكان "حدّى" وشرح السكري هذا البيت فقال: ألحفته جعلته له لحافا يلبسه أي ألصقته به. والحليف: الحادّ. ويقال: فلان حليف اللسان أي حديده. والمنزع: الذي لا يمضى أي لم يبلغ إذا رمى به، أي ليس له سنخ من السهام، يعني أنه ليس له حديدة تدخل في العود، فإذا رمى به لم يمض.

وقال ساعدة بن العجلان أيضا

لحَفْته، أي جعلتُ له لِحافا، أي ألصَقْتهُ. والحَليف: النَّصْل الحادّ. ويقال: رجلٌ حليف اللِّسان أي حادُّه. ليس بِمنْزَع، والمِنْزَع: السَّهم الّذى لا يَبْلغُ. فَطلَعْتُ مِن شِمراخِه (¬1) تَيْهورَةً ... شمَّاءَ مُشرِفةً كرأسِ الأَصْلَعِ فطَلَعْتُ من شِمْراخه، أي من رأس الجبل. تيهُورة: أصلُ التَّيهْورة المطمئن من الرمل يَشقّ على الصاعد، فأراد صعبةَ المَصعَد. شَمّاء: مُشِرفة. كرأس الأصلع: لا شيء فيها. أَهوِى على أَشرفِها لا أَتَّقِى ... كذَفِيفِ فتخاءِ القَوادم سَلْفَعِ (¬2) فَتْخاء: عُقابْ في حَناحها فَتَخ, أي استِرْخاء. سَلْفعَ: جريئة. تَغْدُو فتُطعِمُ ناهِضًا (¬3) في عُشِّها ... صُبْحا ويُؤْرِقُها إذا لم يَشبَعِ يُؤْرِقُها: من الأرَق. تَغدُو صُبْحا كما تقول تَغدو غُدْوَة. وقال ساعدة بن العجلان (¬4) أيضاً ألا يا لهفَ أَفْلَتَنِي حُصَيْبٌ ... فقَلبي مِن تذكُّرِه عَمِيدُ (¬5) العَميد: المُثْبتَ الشديدُ الأمرِ من الوَجعَ. ¬

_ (¬1) الشمراخ: قلة الجبل. تيهورة: مشرفة يشرف منها على هول بعيد، والجمع تياهير. كرأس الأصلع، يريد أنها ملساء لا نبت بها مثل رأس الأصلع. قال: وأصل التياهير مطمأنات من الرمال يشق الصعود فيها، أراد أنها صعبة المصعد (اهـ ملخصا من السكرى). (¬2) شرح السكرى هذا البيت فقال: أهوى ألقى نفسي على أشرافها. والذفيف: الطيران. ويقال: عقاب فتخاء للين في جناحها. والسلفع: السوداء الجريئة الماضية. (¬3) الناهض: الفرخ. (¬4) قدم السكري لهذه القصيدة بمقدّمة طويلة عنوانها "هذا يوم العريش" فانظرها في صفحة 70 من النسخة الأوربية المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 165 (أدب) وهو في هذه القصدة يهجو حصيبا الضمري. (¬5) في رواية "بليد" مكان "عميد" والعميد: المثبت الموجع أي الذي أصابه الأرق من شدّة وجعه. (السكري).

فلو أنِّى ثَقِفْتُكَ (¬1) حينَ أَرْمِى ... لآبَكَ مُرْهَفٌ منها حَدِيدُ آبَك: رَجَع إليك. مُرْهَف: حديد. وَقِيعُ الكُلْيَتَيْن له شَفِيفٌ ... يَؤُمُّ بقِدْحه عَيْرٌ سَدِيدُ الوَقيع: الّذى وُقِع بالمِيقَعة، وهى المِطْرَقة. والكُلْيتَان: ناحيتا النَّصْل من مؤخّره. له شَفِيف، أى رقّة يَكاد يُرَى ما وراءَه من رِقّته. يَؤُمُّ: يَقْصِد بِقدْحه. والعَيْرُ: الناشزُ وَسطَ النَّصل كالحَدَر. فما لَكَ إذ مَرَرْتَ على حُنَيْنٍ ... كَظِيماً مِثلَ ما زَفَرَ اللَّهِيدُ يقول: ما لَكَ كظيما، والمَكْظوم: الّذى أُخِذ بنَفسه. والكَظائم: الآبار. وحُنَين: ماءٌ قَريبٌ من مكّة. واللَّهيد: الّذى لَهَدَه الحِمل، أى عَصَره وضَغَطه. وما لَكَ إذ عَرَفْتَ بنى خُثَيمٍ (¬2) ... وإيّاهمْ على عَمْدٍ تَكيدُ خُثَيم: من هُذَيل، أى مالَكَ تَرَكتَهم، وإيّاهم كنتَ تَكِيد، أى تَطلُب وتريد. تركتَهُم وظَلْتَ بِجَرِّ يَعْرٍ (¬3) ... وأنتَ كذاكَ ذو خَبَبٍ مُعيدُ الجَرّ: ما غَلُظ من الحِبال، جرّ يَعْر: حَبل ومُعيد: مُعاِود، قَد جرّب الأمور. ¬

_ (¬1) في رواية: "عرفتك" مكان "ثقفتك". (السكرى). (¬2) في رواية: "ومالك إذ عرفت بني تميم" وفى رواية "بنى خثيم" وشرحه السكرى فقال ما نصه: يقول إياهم كنت تريد، فمالك تركتهم وفررت منهم وقد جئتهم على عمد. (¬3) شرح السكرى هذا البيت فقال: يعر: جبل أو مكان. وجرّه: ما غلظ منه. والمعيد: المعاود لذلك أيضا: أو هو الذى فعل الأصل مرة بعد مرة. يقول: إنك فررت.

أقمتَ به نهارَ الصيفِ حتّى ... رأيتَ ظِلالَ آخِره تَؤُودُ (¬1) أي حتّى تَرَى الظِّلالَ تَؤُود، يقال: آد النهارُ إذا رَجَع. ظِلال آخِره، أي آخر النهار، ويمتدّ الظِّلّ فَيجئ الفَيْء. غَداة شُواحِطٍ فنَجَوْتَ شَدًّا ... وثَوْبُكَ فى عَمَاقِيةٍ هَرِيدُ (¬2) عَماقِيَة: شجرة. هَرِيد: مَشْقوق. يقول: عدوتَ هارِبًا فتعلّق ثوبُك بهذه العَماقيَة، يقال: هَرَدَ ثوبَه وهَرَتَه إذا شقّه. ولولا ذاك لاقَيْتَ المَنايا ... صُراحيَةً (¬3) وما عنها مَحيدُ صُراحية: خالصة، أي لرأيتَ المنَايا مُواجهة. فلا تَعرِض لذِكر بنِى خُثَيم ... فإِنّهمُ لدَى الهَيْجا أُسودُ (¬4) ¬

_ (¬1) آد العشىّ: مال. يقول: عدوت من الفزع حتى تعلق ثوبك في شجرة واختبأت بهذا المكان وتركت أصحابك حتى قتلوا. وهو يهجوه بهذه الأبيات كما لا يخفى. (¬2) في رواية "عباقية" مكان "عماقية". وقال السكرى في شرحه لهذا البيت. شواحط: بلد. وعباقية: شجرة. وهريد: مشقوق. وهريد وهريت واحد. يقول: عدوت هاربا وتعلق ثوبك بهذه الشجرة. (اهـ ملخصا). (¬3) روى هذا البيت في السكرى هكذا: فلولا ذاك آبتك المنايا ... جراهية وما عنها محيد وقال في شرحه: ويروى "مكافحة" كما يروى "صراحية" من قوله في البيت "جراهية". يقول: ولولا ذلك العدو لآبتك أي جاءتك جراهية أي علانية غير سرّ. ومحيد: معدل. (اهـ ملخصا). (¬4) في رواية: "فأقصر عن غزاة بنى خثيم". (السكرى).

هم تركوا صِحابَك بين شاصٍ ... ومُرتفِقٍ على شَزَنٍ يَميدُ (¬1) ومرتفق: متّكئ على ناحية لم يوسَّد، أي لولا ما صنعت من العَدْو. ويَميدُ: يذهب ويَجئ. وهم تركوا الطريقَ وَأسلكُوكمْ ... على شَمّاءَ مَسلَكُهَا بعِيدُ (¬2) ويُروَى مَهواها بعيد، يقول: تركوا الطريقَ لَم يَحمِلوكم عليه وأَسلَكوكمْ على ثَنيّةٍ إذا وقعُتمْ منها تكسّرتم أي حين انهزموا، يقال: سَلكتُه الطريقَ وأسلكتُه إذا أدخلتَه فيه. ولكن حالَ دونَكَ كلُّ طِرْفٍ ... أَبانَ الخيرَ وهو إذٍ وَليدُ (¬3) طِرْف: كريم. ثم أبان الخَير وهو صغير. ¬

_ (¬1) الشاصى: الذي قد انتفخ فارتفعت رجلاه؛ وأصله من شصت القربة شصوا إذا ملئت ما. فارتفعت قوائمها، وكذا الزق إذا ملئ خمرا فارتفعت قوائمه وشالت، قال الفند الزمانى في الحماسة: وطعن كفم الزق ... شصا والزق ملآن وكل ما ارتفع فقد شصا (تاج العروس) ومرتفق: متكئ على ناحية مرفقه وشزن: مكان غليظ؛ أو الناحية. ويميد أي يتحرّك. اهـ ملخصا من السكرى. (¬2) روى السكرى هذا البيت هكذا: وهم منعوا الطريق وأسلكوكم ... على شماء مهواها بعيد وقال في شرحه ما نصه: شماء: عقبة طويلة في الجبل. مهواها: أي ما بين أعلاها إلى الأرض، أي جعلتكم تقعون منها. ويقال: سلكته الطريق وأسلكته الطريق إذا أدخلته فيه (لغتان). (¬3) في رواية "أبان الخير" بكسر الخاء، وقال السكرى في شرحه هذا البيت: الطرف بكسر الطاء وسكون الراء: الرجل الكريم. والخير: الكرم. وطرف هاهنا: رجل كريم. يقول: عرف منه الخير وهو صغير، أي استبان فيه الخير وهو يومئذ صبيّ. (اهـ ملخصا).

وقال رجل من بن ظفر

وقال رجل من بن ظَفَر يَرثيِ من أصابت بنو صاهِلَة مِن قومِه (¬1): ألا يا عَيْن بَكِّى واستجِمِّى ... شُئُونَ الرأسِ رَجْلَ بنى حَبِيبِ مَطاعيمٌ إذا قَحَطَتْ جُمادَى ... ومَسَّاحوا المَغايِظ بالجُنوبِ (¬2) يقال مسح غَيظَه بجَنْبه إذا احتمَلهَ. قال: وخرجتْ بنو صاهلَة من اللَّيل فَأدْرَكَهم الطَّلب وفيهم رجلٌ من بَن ظَفَر يقال له كُليَب (¬3)، فقال كليُبَ: أنا كُلَيْبٌ ومَعِى مِجَنِّى ... بازِلُ عامَين حدِيثُ (¬4) سِنِّ أَضرِبُ رأْسَ البَطَل المِعَنِّ (¬5) ... حتى يُمِيطَ في الخَلَاءَ عنّى (¬6) المِعَنّ: الذى يَدخل فيما لا يَعنيه. ¬

_ (¬1) هذان البيتان لم يردا في شرح السكرى، وقد وردا في كتاب بقية أشعار الهذليين طبع أوربا صفحة 28 في النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (1781) أدب، وقد قدّم لهما في هذه النسخة بما نصه: "قالت راثية بنى حبيب ترثى من قتل من قومها. وقال أبو عمرو: بل هي لرجل من بنى ظفر لم يسمه. "ألا يا عين" الخ. (¬2) في كتب اللغة أنه يقال: مسحت غيظ فلان بجنبي أي لاطفته. (¬3) قال في البقية: هو كليب بن عهمة من بنى ظفر بن الحارث بن بهثة سيد بنى سليم. (¬4) في البقية "خدين السنّ". (¬5) في البقية "المعتن". (¬6) أورد في البقية بعد هذين البيتين ما نصه: فقعد له (أي لهذا الراجز) رجل فرماه بالسهم فقتله ورجع من كان معه من بنى سليم، فقال في ذلك شاعر بنى صاهلة عبد بن حبيب أخو بنى قريم ابن صاهلة، قال الأصمعى: فرماه عبد بن حبيب، وقال في ذلك: ألا أبلغ يمانينا بأنا ... قتلنا أمس رجل بنى حبيب قتلناهم بقتلى أهل عاص ... وقتلى منهم مرد وشيب فأنتجنا الكلاب فوركتنا ... خلال الدار دامية العجوب

العجلان

قال: وكان بين بنى ظَفَر وبين العَجْلان بنِ خُلَيد قَسامة (¬1) فلامه ناسٌ من قومِه، فقال العجلان مَتى لامنى فيها فإِنِّى فعلتُهما ... ولَم آتِها مِن ذِى جَبانٍ ولا سِتْرِ جمعتُ لرَهْطِ العائذِىّ سَرِيّةً ... كما جَمَعَ المعذورُ (¬2) أَشفِيةَ الصدر ¬

_ =تركنا ضبع سمى إذا استباءت ... كأن عجيجهن عجيج نيب كأن القوم إذ دارت رحاهم ... هدوءا تحت أقمر ذى جنوب هدوءا تحت أقمر مستكف ... يضيء علالة القلق الحليب فلم تك ساعة حتى تركنا ... مباءتهم كبلقعة الغريب فلولا أوب ساقى أم عمرو ... لصفت بحرة الأنس الحريب تزحزحنى قوائم صائبات ... خلاف الوقع مجمرة الكعوب كأن زواهق المعزاء خلفى ... زواهق حنظل بلوى غيوب فلا والله لا ينجو نجائى ... غداة الجوز أصحم ذو ندوب وهذه الأبيات جميعها مما انفرد بها كتاب البقية وحده فانظره في ص 28 من النسخة المطبوعة بليدن المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم 781 أدب. (¬1) في البقية عن الأصمعي قال: غزت بنو صاهلة وعليهم غافل بن صخر القرمى فأصابوا نفرا من بنى ظفر وأسروا العائذين عائذا وعويذا، فكان أحدهما في بنى قريم والآخر في بنى مخزوم، فأمرهم العجلان ابن خليد أن يقتلوهما، وكان العجلان دليلهم ليلتئذ، وكان بين قومه وبين بنى سليم قسامة، فغضب من قوله رجل من قومه، وقتلت بنو قريم أسيرهم ولم يفدوه، فقال العجلان بن خليد، ورواها الأصمعى والجمحىّ: جمعت لرهط العائذين سرية ... كما جمع المعذور أشفية الصدر فأوفت قريم صاعها إذ أمرتهم ... بأمرهم وضل في عائذ أمرى فإن تشكوا لن تشكروا لي نعمة ... وإن تكفروا فلا أكلفكم شكرى فمن لامنى فيها فإنى فعلتها ... ولم آتها من ذى جنان وذى ستر فذل بها قوم وبيّضت أوجها ... تحوّلن من طول الكلالة والوتر (¬2) المعذور: الذي أصابه العاذور، وهو داء في الحلق معروف.

عمرو ذو الكلب

أشفِية: جمع شِفاء. العائذيّ، من بنى عائذ. والمعذور: الذى يجِد في حلقِه وجعا. فان تشكرونى تَشكروا لىَ نِعمةً ... وإن تكفرون لا أكلِّفكم شكرِى وقال عَمرو ذو الكَلْب من كاهل، وكان جارًا لهذيل (¬1) ألا قالتْ غَزِيِّةُ إذ رأتْنى ... ألَم تُقتَلْ بأرضِ بنى هِلال (¬2) أَسَرَّكِ لو قُتِلْتُ بأرضِ فَهْمٍ ... وكلٌّ قد أبأتُ إلى ابتهالِ (¬3) وكل قد أبأت إلى ابتهال، ابتهلوا في قتله، أي اجتهدوا. ¬

_ (¬1) قدّم السكرى لهذه القصيدة بما ملخصه: قال عمرو ذو الكلب بن العجلان بن عامر بن يرد بن منبه، وهو أحد في كاهل، وكان جارا لبنى هذيل. قال: منهم من يقول: عمرو ذو الكلب، ومنهم من يقول: عمرو الكلب، سمى بذلك لأنه كان معه كلب لا يفارقه وقال ابن حبيب: إنما سمى ذا الكلب لأنه خرج فى سرية من قومه وفيهم رجل يدعى عمرا، وكان مع عمرو هذا كلب، فسمى ذا الكلب: غزية آذنت قبل الزيال ... وأمسى حبلها رث الوصال وأمست عنك نائية نواها ... بشقة شنأ غر السبال لم يرو هذين البيتين الأصمعى، ورواهما أبو عمرو وأبو عبد الله. وغزية: امرأة. والزيال: المفارفة. والشنأ: الأعداء، واحدهم شانئ وهو المبغض. وغر: بيض، وأنشد لزهير بن جناب: في آل مرة شنأ ... لى قد علمت وآل مرّه سادات قومهم الأولى ... من وائل وأولى بحرّه ولكلهم أعددت تيـ ... ـاحا تمرّ له الأجرّه الأجرّة: جمع جرير. وتياح: فرس سريع. ومرة بن ذهل بن شيبان الخ. (¬2) قال السكرى: هذا البيت أوّلها في رواية الأصمعي. (¬3) روى هذا البيت في السكرى هكذا: أسرّك لو قتلت بأرض فهم ... وهل لك لو قتلت غزىّ مال وفى شرحه قال ما نصه: هكذا روى الأصمعى على الإكفاء. ورواه كذلك أبو عمرو بالرفع في قوله "مالى": تؤمل أن تصار بأرض فهم ... وهل لك لو قتلت غزى مالى أي هل يكون لك مالى. اهـ. ملخصا.

بَجيلة دونَها ورِجالُ فَهْمٍ ... وهل لكِ لو قُتِلتُ غَزِىَّ مالِى (¬1) "وقال بعضُهم: أكفأ ولم يُرِد الإضافةَ إلى نفسه". بَجيلة أي هم وراءها بينى وبينهم. قال الأصمعىّ: قوله هل لكِ مالٌ لو قُتِلتُ يا غَزِيّة، إنّما يرِثُنى أهل. فإِما تَثقَفونى (¬2) فاقتلونى ... وإن أَثقَف فسوف ترَونَ بالِى يقول: إنْ قُدِر لكم أن تصادِفونى فاقتلوني. يقال: ثَقِفْته، أي قُيِّض لي وثقِفْتُه: صادفتُه. ومن أثقف (¬3) أي ومن أثقفه منكم. فأبرَح غازِيا أَهدِى رَعِيلًا ... أَؤُمّ سَوادَ طَوْدٍ ذى نِجالِ (¬4) ¬

_ (¬1) ورد هذا البيت في السكرى هكذا: بجيلة دوننا ورجال فهم ... وكل قد أناب إلى ابتهال وفسره فقال: ابتهال: اجتهاد من غير دعاء. وابتهل في الدعاء اجتهد. وأناب: رجع. ودونها: أراد وراءها. الخ. (¬2) في رواية: "فإن أثقفتمونى". (¬3) هذه رواية أخرى للبيت كما يستفاد من شرح (السكرى) وقال في شرح هذا البيت ما نصه: إن قدّر لكم أن تصادفونى فاقتلوني، يقال: أثقفته أي قيض لي، وثقفنه: صادفته. ويروى: "ومن أثقف" أي من أثففه منكم فسوف أقتله. (¬4) شرح السكرى هذا البيت فقال: فأبرح، يريد فلا أبرح. والرعيل: الجماعة. وأؤم: أقصد. وطود: جبل. والنجال: ما يستنجل من الأرض. أي يخرج منها. ورواه أبو عمرو "ذى نقال" يعنى ثنابا متصلا بعضها ببعض، الواحد نقيل ومنقل، والجمع مناقل، وأورد السكرى بعد هذا البيت بيتا آخر لم يرد في الأصل، وهو: ويبرح واحد واثنان صحبى ... ويوما في أضاميم الرجال وفي شرحه قال: أضاميم: جماعات، واحدها إضمامة، وإضمامة الكتب، وإضبارة الكتب. (اهـ ملخصا).

فأبَرح، يريد لا أزال غازيا أَهدِى رَعيلا، أي أكون أوّلهم، أؤمّ: أقصِد. سَوادَ طَوْد. والطود: الجبل. ذى نِجال، أراد قوما في جبل يَقصِد إليهم، أي فلا أزال أطلبه، والنِّجال: الواحد نَجْل وهو النَّزُّ يجرِى على وجهِ الأرض. بفِتيانٍ عَمارِطَ من هُذَيلٍ ... هم يَنْفُونَ آناسَ الحِلال (¬1) العُمْروط: الذي ليس له شيء. وقوله: يَنْفونَ آناسَ الحِلال، أي أنهم يمرّون بالأَنَس الذين هم حَلّةٌ عظيمة فيَهْرُبون من خوفهم. الحَلَّة: الموضع الذي يُنزَل، والِحلّة: القوم الذين يَنزِلون فيه. وأبرحُ في طَوالِ الدّهرِ حتى ... أقيَم نِساءَ بَجلةَ بالنِّعالِ (¬2) طَوال الدهر: طُول الدهر. وبَجْلة: من بنى سُلَيم، يعني في المأتَم. ¬

_ (¬1) العمارط: الذين لا يتركون شيئا إلا أخذوه، واحدهم عمروط كعصفور. وشرح السكرى هذا البيت فقال: ينفون: يطردون. وآناس: جمع أنس. وحلال: جمع صلة (بكسر الحاء وتشديد اللام) وهي المحلة، أي يغيرون عليهم فيهربون. وتطلق الحلة على الناس أيضا. ورواه أبو عمرو: "يحثون الأنيس من الحلال" وفسره فقال: الحث: القتل. (اهـ ملخصا). (¬2) قوله: "بالنعال" أي يضربن بها صدورهنّ على قتلاهنّ، أي أقتلهم فتنوح نساؤهم ويضربن بالنعال وجوههنّ وصدورهنّ، وهكذا كنّ يلطمن في الجاهلية. وقد تقدّم هذا المعنى فى قول عبد مناف ابن ربع الهذلى: إذا تأوب نوح قامتا معه ... ضربا أليما يسبت يلعج الجلدا انظر القسم الثانى من ديوان الهذليين صفحة 39 طبع دار الكتب المصرية. وزاد السكرى بعد هذا البيت بيتا آخر لم يرد في الأصل، وهو: بجيلة ينذرون دمى وفهم ... فذلك حالهم أبدا وحالى

على أن قد تَمنّانى ابنُ تُزنَى ... فغَيرِي ما تَمَنَّ مِن الرجال (¬1) (ما) صِلة، يريد تَمنّاني من الرجال. ابنُ تُرْنى: لَقبٌ يُلَقَّبُ به. تَمنّانى وأبيضَ مَشرَفِيّا ... أُشاحَ الصَّدرِ أُخْلِص بالصِّقالِ (¬2) يقول: السيف منّى بمَوضع الوِشاح من الصَّدر. وأسَمرَ مُجْنَأً مِن جِلْدِ ثورٍ ... أصَمَّ مُفلِّلا ظُبَةَ النِّبالِ (¬3) أسمَر، يعني تُرسا. مُجْنأ: أحدَب. أصمّ: ليس فيه خِلَل. مفلِّل: يكسِر حَدِّ النبال. ¬

_ (¬1) قال في شرح السكرى: إذا ذمّ الرجل الرجل قال له: يا ابن ترنى ويا ابن فرتنى، وهو شتم للمرأة خاصة. وقوله: "فغيرى ما تمن" أراد فغيرى ممنى و"ما" صلة، وزاد السكرى بعد هذا البيت بيتا آخر، وهو: فلا تتمنى وتمن جلفا ... جراهمة هجفًا كالخيال جراهمة: ضخم. والهجف: الذي لا لب له، كالخيال أي لا غناء عنده. (أهـ ملخصا من السكرى). (¬2) في رواية: "وشاح الصدر" ووشاح وأشاح سواء، يقول: هو مني بمكان وشاحى يعنى سيفي. والمشرف: منسوب إلى المشارف، وهى قرى للعرب تدنو من الريف. وأورد السكرى بد هذا البيت بيتا آخر، وهو: وشجرا كالرماح مسيرات ... كسين دواخل الريش النسال وفسره فقال: شجر: نصال عراض الأوساط، الواحد أشجر. والنسال بضم النون مشّدة: التى قد نسلت رواه أبو عمرو وحده. (¬3) فى رواية: وأسمر مجنأ من جلد ثور ... أصم مفللا ظبة النصال بالرفع قوله "وأسمر مجنأ"، وشرحه السكرى فقال: أسمر يعني ترسا. والمجنأ: المقبب المحدودب. والأصم: الذى لا خلل فيه. والظبة: الحد. ويفللها: يكسرها. والنصال: جمع نصل. يقول: يكسر حد النصال (اهـ ملخصا).

وإيفاقى بسَهْمِى ثم أَرْمِى ... وإلّا فالأباءَة فاشتمِالى (¬1) الإيفاق: أن بضع الوَتَرَ في فُوق السَّهم. وقولُه: وإلّا فالأبامة فاشتمالى، هو أن يَهوِىَ بيَدِه إلى السّيف. والمعنى (¬2) إنما هو رَمْيٌ، فإن لم يكن رَمْيٌ فإنما هو بقَدْر ما أهوِى بيدِى إلى السيف. يقول: إلّا بقَدْر اشتماله على الثّوب. مَنَتْ لكَ أن تُلاقِيَنى المنَايا ... أُحادَ أُحادَ في الشَّهرِ الحَلالِ (¬3) مَنتْ لك: قَدَّرَتْ لك الأقدارُ أن تكون واحدا وأما أكونَ واحدا في الشهر الحَلال. وما لَبْثُ القِتالِ إذا التَقَيْنا ... سِوَى لَفْتِ اليَمينِ على الشمال (¬4) اللَّفت: الَّلىِّ. ¬

_ (¬1) روى هذا البيت فى السكرى هكذا: فإيفاقى بسهم ثم أرمى ... وإلا فالأباءة فاستلالى وشرحه فقال: الإيفاق أن يوضع الفوق في الوتر. والأباءة أن يردّ يده، يقال: أباء يده أي ردّها إلى قائم سيفه ليأخذه، وأصل هذا أن يذهب بيده إلى السيف. والمعنى إنما هو رمى، فإن لم يكن معى رمى فإنما هو يقتدر ما أهوى بيدي إلى السيف، أي أردّ يدى إلى خلفى، وهذه لغة لهم ليست لغيرهم. (اهـ ملخصا). (¬2) ورد فى الأصل فوق هذه الكلمة قوله: "ومعناه" ورسم فوقها "خ". (¬3) قوله: "حلال" أي ليس بحرام، يريد الدعاء، كأنه يدعو أن يقدّر ذلك. ونصب "احاد" على الحال أي واحدا واحدا. ورواه أبو عمرو "احم الله ذلك من لقاء" أي قدّر الله أن ألقاك وحدى ووحدك (أهـ ملخصا من شرح السكرى). (¬4) فى رواية: "سوى رجع اليمين على الشمال".

يَسُلّون السيوفَ ليَقْتلونى ... وقد أَبطنْتُ مُحْدَلةً شِمالى المُحْدَلة: القوس التى عُطِفَتْ سِيَتاها. والرجل مُحْدَل (¬1). أَبطنتهُا: جعلتُها في باطنِ شِمالى. وفي قَعْرِ الكْانةِ (¬2) مُرْهَفاتٌ ... كأنّ ظُباتِها شَوْكُ السِّبالِ مُرهَفات: حِداد (¬3). والسِّبال: شجرٌ له شَوْك. وصَفْراء البُراية فَرْع نَبْعٍ ... مُسَنَّمة على وَرْكٍ حُداِل (¬4) حُدال: مُجَدلة. وقال بعضُهم: يُتورَّك فيها. فهذا ثَمَّ قد علموا مكانى ... إذا اختَضَبَتْ من العَلق العَوالى (¬5) العَلَق: الدم. ¬

_ (¬1) قوله: والرجل محدل، يقال: إنه لتحادل إذا نكس رأسه وانحنى، وإنه لأحدل، وبه حدل. وحدل بفتح الحاء وكسر الدال يحدل بفتحهما حدلا إذا كان منحنيا. (¬2) الكنانة: الجعبة. (¬3) يعنى سهاما حدادا مرققات. (¬4) روى السكرى بعد هذا البيت بيتا آخر يرد في الأصل، وهو: وصفراء البراية عود نبع ... كوقف العاج من ورك حدال وشرحه فقال: وقف: سوار. والعاج: الذبل. في ورك: أي هي من أصل شجرة. حدال أي فيها حدل، يعني فيها طمأنينة من أحد رأسيها. وقال ابن حبيب: الورك الوتر. وفسر الحدال بالمدمج. وقال الأصمعي: وركه أشد موضع فيه. (¬5) في رواية "ثم" بضم الثاء، وفسر السكرى البيت فقال: علق الدم هو ما تكبد منه. ويريد بالعوالى عوالى الرماح، وهي أعاليها.

ومَرْقَبةٍ يَحارُ الطَّرْفُ فيها ... إلى شَمّاءَ (¬1) مُشْرِفِة القَذالِ أقَمتُ بِرَيدِها يومًا طويلا ... ولم أُشرِفْ بهما مثلَ الخيَالِ (¬2) يقول: أَقمتُ مُستَترا لم أُشْرِف؛ لأنه انْ أَشَرفَ فُطِن به. ومَقْعَدِ كُرْبةٍ قد كنتُ فيها ... مكانَ الإصبَعَينِ من القِبالِ يقول: توسّطتُها كما يتوسّط قِبالُ النَّعلِ الأصبَعَين. فلستُ لِحاصِنٍ إن لم تَرَوْنِى ... ببَطنِ صريحةٍ ذاتِ النِّجاِل (¬3) أي فلستُ لأمٍّ حاصِنٍ، والحاصن: العفيفة. ذات النِّجال، أي النَّزّ. صريحة: اسم موضع. وأُمِّى قَيْنةٌ إن لم تَرَوْنى ... بعَوَرَشَ تحتَ (¬4) عَرْعَرِها الطِّوالِ عورَش: اسم موضع. ¬

_ (¬1) الثماء: العالية. وفي رواية: "تزل الطير" مكان "إلى شماء". وشرحه السكرى فقال: ومرقبة: أراد ورب مرقبة، يحار الطرف فيها من بعدها. والقذال: الرأس، يريد رأس المرقبة. (¬2) الريد: الحرف يندر من الجبل. يقول: أقمت منكبا ولم أقم مشرفا؛ لأنه إن أشرف أنذر بأصحابه، وقد أورد السكرى بعد هذا البيت بيتا آخر، ونصه: ولم يشخص بها شرف ولكن ... دنوت تحدر الماء الزلال رواه أبو عبد الله وحده. يقول: لطأت كما يلطأ الحاذق ولم يشخص بها بصرى أي لم أرهب، ولكنى كنت بمنزلة الماء الذي يهتدى لمنحدره. (¬3) في رواية: فأمى قينة إن لم ترونى ... ببطن صريحة ذات النجال (¬4) في السكرى: "وسط" مكان "تحت" وشرح البيت فقال: عورش: مكان. والعرعر: شجر، وكل أمة قينة. وكل عبد قين. والقين: الحداد. والقن (بكسر القاف وتشديد النون): أن يكون آباؤه وأجداده عبيدا، وجمعه أقنان.

جنوب أخته

قال أبو عُبَيدة كان ذو الكَلْب يَغْزُو فَهْما، فوضَعوا له الرَّصَد على الماء، فأخذوه وقتلوه، ثم مَرّوا بأختِه جَنوب، فقالت لهم: ما شأنُكم؟ فقالوا: إنّا طلبْنا أخاكِ عَمْرا. فقالت: لئن طلبتموه لتجِدُنّه مَنِيعا، ولئن أضَفْتموه لتجِدُنّ جَنابَه مَرِيعا، ولئن دعوتموه لتجِدُنّه سريعا. قالوا: فقد أخذناه وقتلْناه، وهذا سَلَبُه، قالت: لئن سلبتموه لا تجِدُنّ ثنّته وافية، ولا حُجْزته جافية، ولا ضالّته كافية، ولرُبّ ثَدْىٍ منكم قد افتَرشَه، ونهبٍ قد احْتَرَشه، وضِبٍّ قد اخْتَرَشه، ثم قالت جَنوبُ تَرثِى أخاها: سألتُ بعَمرٍو أخي صَحْبَه (¬1) ... فأَفظَعنى حين رَدُّوا السُّؤالَا صحبه: أصحابه. فقالوا قنلْناه فى غارةٍ ... بآيِة (¬2) أَنْ قد وَرِثْنا النِّبالا النِّبال: جع نَبْل. فهلّا إذنْ قبلَ رَيْبِ المَنون ... فقد كان رَجلا وكنتمْ رِجالا قوله: رَجْلا يعنى رجُلا. ¬

_ (¬1) في رواية: "أخا صحبة"، وفي رواية: "ردّ"، مكان (ردّوا). (السكرى). (¬2) في السكرى: "بآية ما إن" مكان قوله "بآية أن قد" والآية: العلامة. و"ما" صلة، يريد بآية أن ورثنا.

وقالوا أُتِيحَ له نائمًا ... أَعَزُّ السِّباع عليه أَحالَا (¬1) أُتِيحَ له نَمِرَا أجْبُلٍ ... فنالَا لَعَمْرُكَ منه مَنالا (¬2) جمع جَبل. فأُقِسم (¬3) يا عمرو لو نَبَّهاك ... إِذَنْ نَبَّها منكَ داءً عُضالا الأمر العُضال يعضِل أي يشتدّ. إذنْ نَبَّهما غيَر وِعْدِيدَةٍ ... ولا طائشٍ رَعِشٍ حِين صالا من الصيال. إذنْ نَبَّهَما لَيْثَ عِرِّيسةٍ ... مُفِيدًا مُفِيتا نُفوسًا وَمَالا (¬4) العِرِّيسة: الموضع الّذى يكون به الأسد. إذَنْ نبَّها واسِعًا ذَرعُه ... جميعَ السِّلاحِ جَليدًا بُسالا هِزَبْرًا فَرُوسًا لأقرانِه (¬5) ... أبِيًّا إذا صاوَلَ القِرْن صالا الهِزَبْر: اسم السَّبعُ. والفَرُوس: الّذى يَدُقّ الأعناق. ¬

_ (¬1) أتيح له: قدر له. وأحال، أي حمل عليه فقتله وأكله. (¬2) أورد السكرى بعد هذا البيت بيتا أخر، ونصه: أتيحا لوقت حمام المنون ... فنالا لعمرك منه ونالا (¬3) في السكرى: "فأقسمت" مكان "فأقسم". (¬4) المفيت: مهلك النفوس والمال. (¬5) رواية السكرى: "لأعدائه ... هصورا إذا لقى" مكان قوله: "لأقرانه ... أبيا إذا صاول" وشرحه فقال: الهصر: الجذب والغمز. قال: يفرس القرن أي يدقه. ويقال: هزبره إذا قطعه. ويقال: هصرته أي كسرته. (اهـ ملخصا).

هُمَا مَعْ تَصرُّف رَيْبِ المَنُونْ ... من الأرض رُكْنًا عَزِيزاً أَمالا (¬1) هُمَا يومَ حُمَّ له يومُه ... وقال أخُوفَهْم بُطْلًا وفَالا (¬2) حُمَّ: أي قُدر. وقد عَلِمتْ فَهْمُ عِندَ اللِّقاء ... بأنّهمُ لك كانوا نِفالا (¬3) كأنهمُ لَم يُحِسّوا به ... فيُخْلُو النّساءَ له والحجالا ولمُ ينزِلوا لَزَباتِ (¬4) السِّنين ... به فيكونُوا عليه عيالا اللَّزَبات: الشدائد. وقد عَلمِ الضَّيفُ والمُرْمِلُون (¬5) ... إذا اغبَّر أُفْقٌ وهَبّت شَمالَا أي هبّت الريحُ شَمالا. وخَلّتْ عن اوْلادِها المُرضعات ... فلَم تَرَ عَيْنٌ لمُزْنٍ بِلالا بِلال: بلَلَ. ¬

_ (¬1) فى رواية: "الزمان" مكان "المنون"، وفى رواية: "ثينا" مكان "عزيزا" وريب المنون أو الزمان: أحداثه. والثبيت: الثابت (السكرى ملخصا) وفى الأصل: "فتخلو النساء" بالرفع. (¬2) يقال للرجل إذا أخطأ: قال رأيه. وقول: "هما" يعنى النمرين. (¬3) النفال: الغنائم. والنفل (محركة): الغنيمة. (¬4) في رواية: "ولم ينزلوا بمحول السنين". (¬5) في رواية: "وقد علم الضيف والمجتدون"، والمجتدون: الطالبون الجدا. والجدا: العطية. والأفق: ناحية السماء (السكرى ملخصا).

بأنّك كنتَ الرَّبيع المرَيع (¬1) ... وكنتَ لمِن يَعتَفِيك الثِّمالا المَرِيع: الواسع. وخَرْقٍ تَجاوَزْتَ مَجهولَهُ ... بوَجناءَ حَرْفٍ تَشَكَّى الكَلالا (¬2) وكنتَ النهارَ به شمسُه ... وكنتَ دُجى الليلِ فيه الهلالا وخيلٍ سَرَتْ لك فُرسانُها ... فَولَّوْا ولم يَستقلّوا قبالا القِبال: شِسْع النعل. وحَيٍّ أَبَحْتَ وحَيٍّ صَبَحْتَ ... غَداةَ الهِياجِ مَنايَا عجالا (¬3) الهياج: اللقاء. وعِجال: عَجَلة. وكلّ قبيلٍ وإنْ لم تكن ... أَردتَهمُ منك باتُوا وِجالا (¬4) ¬

_ (¬1) في رواية: بأنك كنت الربيع المغيث ... لمن يعتريك وكنت الثمالا وشرحه السكرى فقال: الثمال الغياث. الخ. (¬2) الخرق: الموضع ينخرق فيمضى في الفلاة. والوجناء: الغليظة. مشتق من الوجين وهو الموضع الغليظ. والحرف: الضامر، يقال: بعير حرف وناقة حرف. (¬3) في رواية: فحيا أبحت وحيا منعت ... غداة اللقاء منايا عجالا (¬4) الرجال: المتخوّفون.

وقالت جنوب أيضا ترثيه

وقالت جَنوبُ أيضا تَرْثيه كلُّ امرئٍ بطواِل العَيْشِ مكذوبُ (¬1) ... وكلُّ مَن غَالبَ الأيّامَ مَغلوبُ طوال العيش: طُوله، أي تقول له نفسه: طال عُمُرك. وكّل حىٍّ وإن طالت سلامتهمْ ... يومًا طرِيقُهم في الشّرّ دُعْبوبُ الدُّعبوب: الطريق الموطوء، أي سَيركَبون طِريقا في الشرّ. وكلُّ مَن غَالبَ الأيّامَ مِن رَجُلٍ ... مُودٍ وتابِعُه الشُبّان والشِّيبُ (¬2) بينَا الفَتَى ناعِمٌ راضٍ بعيشتِه ... سِيقَ له من دَواهِى الدَّهر شُؤْبوب ويُروَى: نَوازِى (¬3). والشُّؤْبوَب: الدَّفْعة من المَطَر. ¬

_ (¬1) شرح السكرى هذا البيت فقال: أي يكذب (للمجهول) أي تكذبه نفسه بالأماني، تقول له: يطول عمرك. اهـ. (¬2) رواية السكرى: وكل من حج بيت الله من رجل ... مود فمدركه الشبان والشيب قال: ويروى "وتابعه" مكان "فمدركه" والهاء للرجل. وقوله "من رجل" يريد من رجال، أي أنهم جميعا يهلكون ويموتون. (أهـ ملخصا). (¬3) في رواية: "نوادى الدهر" وفي رواية: "نوازى الأرض" وفسر السكرى الرواية الأولى فقال: نوادى الدهر: أوائله، وكذلك نوادى كل شيء. وفسر الرواية الثانية فقال: نوازى الأرض: نازية نزت من شر، وأورد بيتا آخر بعد هذا البيت لم يرد في الأصل، وهو: يلوى به كل عام لية قصرا ... فالمنسمان معا دام ومنكوب وشرحه فقال: "ويروى له" مكان "به" و "به" أجود، أي يكون القيد طويلا فيقصر منه، وإنما هذا مثل، أي يقصر له كل عام من قيده. والمنسمان: الظفران. والدامى: الذي يدمى أي ينزل منه الدم. ومنكوب: قد أصابته نكبة. وأراد بقوله "قصرا" أن الأيام تقصر خطوه فكأنه بعير مقيد. وضرب هذا مثلا للبعير؛ لأنه إذا كبر صار هكذا، وكذلك يصير الرجل أيضا عند الكبر.

أَبلِغْ بن كاهلٍ عنِّى مُغلغَلةً ... والقومُ مِن دونهمْ سَعْيا ومَرْكوبُ (¬1) مُغلغَلة: رِسالة تَغلغَلتْ إليهم حتى وَصَلَتْهم. وسَعْيَا ومَركوب: موضعان. أَبلِغْ هُذَيلا وأَبلِغْ من يُبلِّغها ... عنَّى رَسولًا (¬2) وبعضُ القَوْلِ تكذيبُ بأنّ ذا الكَلْبِ عَمْرًا خَيْرهم نَسَباً (¬3) ... ببَطْنِ شَريانَ يَعوِى عنده الذِّبب بَطن شَرْيان: موضعٌ قُتِل فيه. الطاعنُ الطعنةَ النَّجْلَاء يتَبَعها ... مُثْعَتْجِرٌ من دِماءِ الجَوْف أُثْعوبُ (¬4) تَمشِى النُّسورُ إليه وهي لاهِيةٌ ... مَشْىَ العَذَارَى عليهنّ الجَلابِيْبُ (¬5) ¬

_ (¬1) بنو كاهل من هذيل. ومغلغلة: يتغلغل بها إليهم. ورواه أبو عمرو: لا مرحبا بخيال بات يطرقنى ... والقوم دونهم سعيا ومركوب وقد أُورد السكرى بعد هذا البيت بيتا آخر ولم يرد في الأصل وهذا نصه: والقوم من دونهم أين ومسغبة ... وذات ريد بها رضع وأسلوب وفسره السكرى فقال: الأين الإعياء. والمسغبة: الجوع. وذات ريد: يريد الجبل، جعله هضبة شامخة لها حروف نادرة. والرضع: شجر، وفى غير هذا الموضع الرضع أولاد النخل. ويقال: بل هو ها هنا أولاد النخل. والأسلوب: أراد شجر السلب الذي يكون فيه الليف الأبيض، الواحدة سلبة. (¬2) في السكرى "حديثا" مكان "رسولا". (¬3) في السكرى: "خيرهم حسبا". (¬4) في رواية "من نجيع الجوف" وفسره السكرى فقال: نجلاء واسعة. والمثعنجر: السائل الذي يتصبب. والنجيع: الدم. وأثعوب: ينثعب. قال: ويروى "أسكوب" وأسكوب من السكب أي منسكب. (اهـ ملخصا من السكرى). (¬5) شرح السكرى هذا البيت فقال: لاهية أي آمنة لا يذعرها شيء لأنه قد مات، فالنسور يعد موته أصبحت لا تفرق منه. يقول: فهى آمنة تمشى مشى العذارى. وقال ابن حبيب: لاهية، أي تلهو بلحمه لأنه مقتول.

وقالت ترثيه أيضا

المُخرِج الكاعِبَ الحَسْناءَ مُذْعِنةً ... في السَّبْيِ يَنفَحُ من أَرْدانِها الطِّيبُ (¬1) فلم يَرَوْا مِثلَ عَمْرٍو ما خَطَتْ قَدَمٌ ... ولَن يَرَوْا مثلهَ ما حَنَّت النِّيبُ فاجزُوا تأبَّطَ شَرًّا لا أَبَالكمُ ... صاعاً بصاعٍ فإِنّ الذُّلّ مَعْتُوبُ وقالت ترثيه أيضا يا ليتَ عَمْرًا وما لَيْتٌ بنَافِعةٍ ... لم يَغْزُ فَهْمًا ولَمْ يهبِط (¬2) بِواديها شَبَّتْ هُذَيْلٌ وفَهْمٌ بينَنَا إِرَةً ... ما إنْ تَبُوخُ وما يَرتَدُّ صاليِها (¬3) وليلةٍ يَصْطلِى بالفَرْثِ جازرُها ... يختَصُّ بالنَّقَرَى المُثرينَ دَاعِها (¬4) لا يَنْبَحُ الكَلْبُ فيها غيرَ واحدةٍ ... مِن العِشاء ولا تَسْرِى أَفاعِيهْا (¬5) أطعَمْتَ فيها على جُوعٍ ومَسْغبةٍ ... شَحْمَ العِشار إذا ما قامَ باغِيها (¬6) تم ديوان الهذليين بحمد الله وتوفيقه الجميل ¬

_ (¬1) شرح السكرى هذا البيت فقال: أردانها: أكمامها. ومذعنة: مطيعة. والكاعب: التي قد كعب ثدياها. (¬2) ويروى: "ولم يحلل. (¬3) شرح السكرى هذا البيت فقال: شبت: أوقدت. والإرة: موقد النار، تريد نارا. وأراد بالإرة الحرب. وأصل الإرة حفرة يوقد منها. ما تبوخ: ما تسكن. وما يرتد صاليها أي ما ينزع عنها. (¬4) شرح السكرى هذا البيت فقال: من شدّة البرد يصطلى بالفرث أي يدخل يديه ورجليه فى الكرش. والنقرى: أن يدعو واحدا واحدا، أي يدعو الرجل من ها هنا والرجل من هاهنا يخص ولا يعم. وعنى بالمثرين: أهل الثروة والغنى. والجفلى، هي أن يعمّ في دعائه، كقول طرفة: نحن في المشناة ندعو الجفلى ... لا ترى الآدِبَ فينا ينتقر بصف شدّة الزمان. (¬5) يعنى أن الكلب لا يستطع أن ينبح من شدّة البرد. ولا تسرى: لا تجيء: ليلا. والسرى: السير بالليل. (¬6) المسغبة: الجوع. وإذا اختلف اللفظان جيء بهما جميعا، ومثله: "وهند أتى من دونها النأى والبعد" وباغيها، أي الذي يبغى القرى. ويروى: "يا عمرو يوما إذا قام ناغيها".

(ما جاء في آخر ورقة من ديوان الهذليين)

(ما جاء في آخر ورقة من ديوان الهذليين) "فهرس أشعار الهذليين هذه أبو ذؤيب، واسمه خويلد بن خالد. خالد بن زهير. ساعدة بن جؤية. المتنخل، واسمه مالك بن عويمر. عبد مناف بن ربع. صخر الغىّ. حبيب الأعلم أخو صخر الغىّ. أبو كبير، واسمه عامر بن الحليس. أبو خراش، واسمه خويلد ابن مرة. أمية بن أبي عائذ. أسامة بن الحارث. أبو المثلّم. أبو العيال. بدر بن عامر. مالك بن خالد. حذيفة بن أنس. أبو قلابة. المعطل. البريق، واسمه عياض بن خويلد. معقل بن خويلد. قيس بن العيزارة. مالك ابن الحارث. أبو جندب بن مرة. أبو بثينة. رجل من هذيل. عمرو بن الداخل. ساعدة بن العجلان. رجل من بنى ظفر. كليب الظفرى. العجلان. عمرو ذو الكلب. جنوب أخته".

§1/1