ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام

أبو الأصبغ

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [مقدمة المؤلف] وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً قال الفقيه القاضي أبو الأصبغ عيسى بن سهل رحمه الله: الحمد لله الأول الآخر الظاهر العلي الواحد القاهر ذي الطول والإحسان والمنن الحسان الموجود في عدم الزمان الكائن قبل خلق المكان، خلق الإنسان وعلمه البيان أحسن كل شئ خلقاً وأحصى كل شئ عدداً وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين العادل في قضاء يقضيه المقسط في كل قدر يمضيه. نحمده على ما هدانا إليه في طاعته وفقهنا فيه من دينه وشريعته وعلمناه من كتابه وسنة رسوله الذي اصطفاه لوحيه واجتباه لنبوءته وابتعثه لرسالته إلى جميع خلقه وتم به سالف رسله محمد صلى اله عليه وسلم وعلى الله وأزواجه وذريته أتم صلاة وأبقاها وأفضلها وأزكاها وسلم تسليماً. وبعد حمد الله والصلاة على رسوله المصطفى فإني بجميل صنع الله وجليل أفضاله عندي وحسن عونه أيام نظري في القضاء والأحكام ومن تقييدي أحكام غيري في القضاء والحكم جرت على يد نوازل استطلعت فيها رأي من أدركته من الشيوخ والعلماء وانفصلت لدي مسائل كاشفت عنها كبار الفقهاء إذ كانوا من أهل هذا الشأن بأرفع مكان وأعلى منزلة وأعظم رسوخاً وعلماً ودريةً وفهماً منها ما شافهتهم فيه، ومنها ما كاتبتهم في معانيه، وكنت قد علقت ذلك على حسب وقوعه لا على ترتيبه وتنويعه لأتذكر به متى طالعت واستظهر به متى احتججت وإن كانت أصول ذلك ففي تفريعها بيان وزيادات تقييد ما جرى به العمل، وكيفية الاستدلال في الأصول، وكثيراً ما سمعت شيخنا أبا عبد الهل بن عتاب رضي الله عنه يقول الفتيا صنعة، وقد قالها قبله أبو صالح أيوب بن سليمان - رحمه الله - قال الفتيا دربة وحضرت الشورى في مجالس الحكام ما دريت ما أقول في أول مجلس شاورني سليمان بن أسود وأنا أحفظ المدونة والمستخرجة الحفظ المتقن، ومن تفقد هذا المعنى من نفسه ممن جعله الله إماماً لجأ إليه ويعول الناس في مسائلهم عليه وجد ذلك حقاً وألغاه ظاهراً وصدق ووقف عليه عياناً وعلمه خبراً

والتجربة أصل في كل فن، ومعنى مفتقر إليه في العلم. ثم أني رأيت الآن ضم تلك النوازل إلى نظام وجمع تلك المسائل إلى ترسيم والتئام وجمع أشكالها بعضها إلى بعض لتكون فائدتها أمكن وأيسر ومنفعتها أقرب وأيسر وأكثر، وإن كان الذهن كليلاً والنشاط قليلاً والجسم عليلا مما أطلنا مما يشيب الوليد ويذهب الرأي السديد من بلايا ومحن تتوالى إلى الله منها المفزع والشكوى وهو حسبنا وكفى، ولكن رجوت باشتغالي بهذا بعض السكن في أوان يكون فيه الأنس للنفس، وربما ألفت إلى ذلك في شكله وجمعت معه من فرعه وأصله مما يكمل به المعنى وتكون به الفائدة معه أقوى لو لم يفد إلا معرفة نهج الكلام وسنن الكلام والحكام في مشاورة الفقهاء وكيفية المعتاد في ذلك بينهم بقرطبة حيث كان جمهور العلماء والقدوة هم والوقوف على هيبة فتوى المغنين لهم لكان أكبر مستفادًا لمن طلب في تعلمه الازدياد، لأنها طريقة لا تؤخذ إلا عنهم ولا توجد بالإتقان الذي هي عليه إلا عندهم فكيف وقد ظننته مسائل لا توجد إلا فيه ومعانين لا غنى للمستبصر فيها عنه، ولم أخله من رواية تكون حجة، ولا من تنبيه على نكتة أو غفلة بحسب الإمكان، ومعونة الرحمن الذي كل شيء بيده وهو المتفضل بتوفيقه وتسديده والمتطول بأن يجعله لوجهه وفي سبيله لا الله غيره ولا رب سواه ولا حول ولا قوة إلا به وهو حسبنا ونعم الوكيل وكان ابتدائي به يوم السبت لعشر خلون من المحرم سنة اثنين وسبعين وأربع مائة.

باب في القضاء والأحكام وما يتفرد به القضاة دون غيرهم من الحكام

باب في القضاء والأحكام وما يتفرد به القضاة دون غيرهم من الحكام قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجر منكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} (المائدة:8) وقال عز وجل: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتهم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا} (النساء: 58) وقال في غير المسلمين: {فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئًا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين} (المائدة:42). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة حكم جهل فخسر فأهلك أموال الناس وأهلك نفسه ففي النار، وحكم علم فعدل أي فجار فأهلك أموال الناس وأهلك نفسه ففي النار وحكم عدل فأحرز أموال الناس وأحرز نفسه ففي الجنة (¬1). وروي عن حذيفة بن اليمان أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أعتى الناس على الله وأبغض الناس إلى الله وأبعد الناس من الله يوم القيامة رجل ولاه الله من أمة محمد شئيًا ثم لم يعدل فيهم (¬2))). وقال طاووس اليماني: خير الناس منزلة يوم القيامة إمام مقسطٌ، وشر الناس منزلةً يوم القيامة عند الله رجل أشركه الله في حكمه فأدخل عليه الجور في عدله. واعلم أن للحكام الذين تجري على أيديهم الأحكام ست خطط: أولها: القضاء، وجعلها قضاء الجماعة، والشرطة الكبرى، والشرطة الصغرى، وصاحب مظالم، وصاحب رد بما رد إليه من الأحكام، وصاحب مدينة، وصاحب سوق، وهكذا نص عليه بعض ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه الحاكم في مستدركه ج4، ص101برقم 7012، وقال: صحيح إلإسناد ولم يخرجاه، والترمذي ج3، ص613برقم 1322، والبيهقي في الكبرى ج10، ص116، وأبو داود ج3، ص 299 برقم 3573، والنسائي في الكبرى ج3، ص461، برقم 5922، وابن ماجة ج2، ص776 برقم 2315. (¬2) هذا الحديث لم أعثر عليه.

المتأخرين من أهل قرطبة في تأليف له. وتلخيصها: القضاة، والشرطة، والمظالم، والرد والمدينة، والسوق، وإنما كان يحكم صاحب الرد فيما استرابه القضاة وردوه عن أنفسهم، هكذا سمعت من بعض من أدركته، وصاحب السوق كان يعرف صاحب الحسبة لأن أكثر نظره إنما كان فيما يجري في الأسواق من غش وخديعة ودين وتفقد مكيال وميزان وشبهه، وقد سألت بعض من لقيته عن صاحب السوق هل يجوز أن يحكم في عيوب الدور وشبهها وأن يخاطب حكام البلاد ((في الأحكام)) قال: ليس ذلك له إلا أن يجعل إليه تقديمه، وقال بعض الناس خطة القضاء في أعظم الخطط قدرًا وأجلها نظرًا لاسيما إذا جمعت إليه الصلاة، وعلى القاضي مدار الأحكام وإليه النظر في جميع وجوه القضاء. وسألت الشيخ أبا عبد الله بن عتاب عن الحكم يرفع إلى خطة القضاء هل يستأنف ما كان بين يديه من الأحكام لم يكملها بعد بالتسجيل فيها أم يصل نظره فيها بما تقدم منه في ذلك تمام الحكم قال بل يبني على ما قد مضى بين يديه من الحكومة ولا يبتريها من أولها؟ قال: وبذلك أفتيت أبا علي الحسن بن ذكوان حين ارتفع من أحكام الشرطة والسوق إلى أحكام القضاء، قلت له: بلغني أن بعضكم أفتى بابتداء النظر فيما قد جرى بعضه بين يديه في السوق ولم يكن كمل نظره فيه بعد. فقال ل: قاله من لم يحمل بقوله ولا اشتغل بخلافه، ووافقني أبو المطرف بن فرج وغيره على جوابي، وكان ابن القطان لا يستفتي حينئذ لخمول كان أدركه. وفي المدونة في كتاب المديان قلت أرأيت صاحب الشرطة وما أشبهه أيجوز حجره. قلت: فرأيك؟ قال: القاضي أحب إلي، قال مالك: ومن أراد أن يحجر على وليه فليأت السلطان حتى يوقفه ويدار به الأسواق والمواضع والمساجد. قال ابن وهب: وسمعت مالكًا يقول فيمن أراد أن يحجر على وليه فليأت به السلطان حتى يوقفه للناس ويسمع به في مجلسه ويشهد على ذلك فمن باعه أو ابتاع منه فهو مردود (¬1)، وفي هذه المسألة دليل على أن فعل السفيه في بيع وغيره أنفذ عليه قبل الضرب على يديه كما روى ابن كنانة ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج13، ص 250.

وابن نافع وغيرهما في ذلك في نوازل عيسى، وفي كتاب الجدار بخلاف رواية ابن القاسم في سماع سحنون وسيأتي هذا الأصل في بابه إن شاء الله. وفي كتاب القسمة قال ابن القاسم: سمعت مالكًا يقول لا يقسم بين الأصاغر أحد إلا القاضي. وفي الواضحة خلافه. وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى بن أبي زمنين في الأقضية في كتاب المغرب له: وكذلك ما كان من أحكام الأيتام من تسفيه أو إطلاق أو توكيل عليهم للنظر لهم، وكذلك الأحباس المعقبة لا يكون النظر فيها إلا للقضاة، وفي دواوينهم توضع أموال الغيب والوصايا والأنساب، وعلى هذا جرى الأمر عندنا بالأندلس وبه أفتى مشايخنا رحمنا الله وإياهم. وفي أحكام الحبيب أحمد بن محمد بن زياد قاضي الجماعة بقرطبة – رحمه الله – شورى في هذا المعنى خاطب بها الفقهاء فجاوبوه: فهمنا رحمك الله ما استفهمتنا عنه وما احتج به بعض أصحابنا من أن للقاضي حداً للنظر في الأيتام من تسفيه وإطلاق ونظر في أموالهم والتوكيل بجمعها وحرزها، وتدوين أموالهم التي بأيدي وكلائهم وأيدي غيرهم في دواوين القضاة لا يكون لغيرهم وهو تحجير على القاضي في تضييع ذلك فالذي قال به واحتج هو كما احتج هو أن هذا من نظر القضاة حتى قال ابن القاسم في القسم على إليهم وتوضع في دواوينهم والوصايا والأنساب من هذا الباب، وأموال الغيب، ولا يجب للقاضي أن يرفع من عنده نظرًا إلى غيره من السلاطين كما يرفع غيره من السلاطين إليه حدود القضاة في القديم والحديث معروفة لا تعارض فيها ولا تكون إلى غيرهم من الحكام. وللقاضي النظر في القليل والكثير ولا تحديد قال بذلك محمد بن عمر ابن لبابة وقال محمد بن وليد، وقال بذلك خالد بن وهب، وقال بذلك أحمد بي بيطر، وقال بذلك طاهر بن عبد العزيز، وقال بذلك سعيد بن خمي، وقال أحمد بن يحيي بن أبي عيسى: هذه الفتيا صحيحة التي لا يجب غيرها ولا نعرف سواها وإني لأرى مثل ذلك من الجراحات والترميمات وما أشبهها، وقال بذلك كله يحيى بن سليمان، وبه قال أحمد بن بقي بن مخلد. وقال ابن لبابة: الذي أعرف وأقول به وأدركت الناس عليه من ترتيب أحكام القضاة والذي لا ينبغي لغيرهم النظر فيه الوصايا والأحباس والإطلاق والتحجير والقسم

والمواريث والنظر للأيتام. قال القاضي أبو الصبغ أوردت هذه المسألة من أحكام بن زياد وإن كان فيها تكرار لأن ما ذكرناه عن أبي زمنين فيه ما يغني عنها إعلامًا بهذه الأحكام ولاسيما أولئك المفتين وبطريقة مساقيهم في فتياهم، وفي ذلك كله زيادة علم وإفادة فهم، وهذه الأحكام كان القاضي ابن زياد قد جمعها أيام نظره في القضاء وكتب أجوبة الفقهاء فيما سألهم عنه في الحكومات ومسائل الخصماء فاجتمع من ذلك نحو سبعة أجزاء عول عليها كثيرًا ممن أتى بعدهم وإليهم أشار بن أبي زمنين بقوله: جرت الفتيا من مشايخنا وسأذكر في كتابنا هذا إن شاء الله من تلك الأحكام ما يغني عما تركت عنها واختصرت من مسائلها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وفي المدونة قال ابن أبي القاسم في والي الإسكندرية إن قضى أو ولي قاضيًا فقضى جاز إن لم يكن جورًا بينا كقول مالك فيما قضت به ولاة المياه يجوز أن لم يكن جورًا (¬1). وكذلك قال في النكاح في صاحب الشرطة يضرب للعنين أجلاً جاز (¬2)، وإن ضرب صاحب المياه لزوجة المفقود أجلاً وأصاب مضى، وفي الأقضية والحدود في سماع عيسى وغيره وفي الواضحة وعيرها مخاطبة بعض القضاة بعضًا وإنفاذ كتبهم إذا ثبت عند المكتوب إليه وإن انكسر طابع الكتاب أو لم يطبعه المخاطب، وفي سماع يحيي إن لم يكن قاضي الكورة موثوقًا به وفي الكورة رجال يثقهم كتب إليهم سرًا ليسألوا له عمن شهد عنده من أهل تلك الكورة فإن كتب إليهم أنه عندهم مشهورٌ معروفٌ بالصلاح أجاز شهادته وإلا تركها حتى يعدل عنده بمن يرضى. وقال ابن وهب عن مالك لا يجاز كتاب قاض إلى قاض إلا بشاهدين أنه أشهدهما بمافيه. قال ابن القاسم في المجموعة وإن لم يكن فيه خاتمه أو كان فيه خاتمه أو كان طابعه قد انكسر. وقال ابن الماجشون: إن شهد أن هذه كتاب القاضي أمضاه. وقال أشهب: ليس هذا بشيء حتى يشهد أنه أشهدهما ولا يضر إن لم يختمه. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: ولا ينفذ إن شهدا أن هذا كتاب القاضي أمضاه وقال أشهب ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج12، ص146، التاج والإكليل ج4، ص 156، مواهب الجليل ج6، ص137. (¬2) انظر المدونة ج4، ص266.

مطرف وابن الماجشون ولا ينفذ إن شهدا أن الكتاب خط القاضي بيده. وقال فضل وقال ابن القاسم: إن شهدا أن هذا كتاب القاضي جازت شهادتهما ولم يلتفت إلى الطابع وهو معنى المدونة. وقال ابن نافع عن مالك كان من الأمر القديم إجازة الخواتم حتى إن كان القاضي ليكتب للرجل الكتاب إلى القاضي فلا يزيد عن ختمه فيجاز له حتى أحدث عند اتهام الناس شهادة على خاتم القاضي أنه خاتمه. قال في سماع أشهب وابن نافع وأرى أول من أحدثه أمير المؤمنين وأهل بيته. وفي كتاب ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: إذا كان للقاضي في نواحي عمله رجالٌ يكتب إليهم في أمور الرعية بتنفيذ الأقضية وشبهها فلا بأس أن يقبل الكتاب يأتيه عنهم بالشاهد الواحد، وفي الثقة يجعله ذلك إليهم وبمعرفة الخاتم لقرب المسافة واستدراك ما يخشى من التعدي، وإذا افترق العملان فلابد من البينة. وقال أصبغ: ولسحنون نحون في أمنائه بخلاف كتاب قضاة، ورأيت قضاة بشرق الأندلس يجيزون كتب بعضهم إلى بعض في الأحكام بالخاتم ومعرفة الخط، وإن لم يكتب القاضي منه بخط يده إلا العنوان لا غير، وإن كان حامله هو المكتوب له المحكوم في قضيته وينعتون حامله المكتوب له في الكتاب ويسلمونه إليه مختومًا وهو عندي مما لا يجوز العمل به ولا إنفاذه، لاسيما إذا كان حامله صاحب الحكومة. وقد ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم وغيره إذا كان حامل الكتاب صاحب القصة لم يجز فيما هو أخف من هذا في تحمله من عند الأمين أو الفقيه أو شبهه فكيف في نفس الحكومة وفي قاضي بلدة أخرى هذا ما لا يجوز عند أحد والقضاء به مفسوخ والله أعلم. وأما إذا تحمل الكتاب شاهدان وشهد به عند المكتوب إليه وأثنى عليه عندهما بخير وإن لم يكن تعديلا بينا أو زكى أحدهما ولم يزك الآخر أو توسم فيهما صلاح وكان الخط والختم مشهورين معروفين عند المكتوب إليه فإني أستحسن إجازة مثل هذا وانفاذه لتعذر موافقة العدول ولما جرى به العمل في صدر السلف الصالح من إجازة الخاتم والله أعلم بالصواب. ومن هذا الأصل أن محمد بن شماخ قاضي غافق خاطب صاحب الأحكام بقرطبة محمد بن الليث بخطاب أدرج إليه فيه كتاب عيسى بن عتبة فقيه مكناسة وعقد استدعاء

بملك بغل نعت فيه استحقاقه عند ابن عتبة بحصن مكناسة على عين الغل وعين مستحقة، وقال ابن شماخ في خطابه إلى صاحب الأحكام: ثبت عندي كتاب الفقيه بن عتبة مستخلف قاضي الجوف المدرج طي كتابي إليه ولم يسم القاضي الذي استخلفه ولا سمى ابن عتبة ولا كناه ولا أن ثبوته عنده كان على عين البغل ومستحقه وشاور صاحب الأحكام في ذلك: فأفتى ابن عتاب وابن القطان وابن مالك أن أعمال خطاب ابن شماخ هذا واجب وأن الحكم به جائز لفضل ابن شماخ وعلمه وأن ما جرى على يديه نظره فيه محمول على الكمال ولعافية ابن عتبة، وفي اتفاقهم على هذا الجواب نظر عجب وفيه من الضعف ما فيه وقد كانوا يختلفون فيما هو أصح من هذا في النظر وما جوابهم هذا إلا مسامحة والله أعلم بها.

احتلال القاضي بغير عمله

احتلال القاضي بغير عمله في كتاب آداب القضاة لمحمد بن عبد الحكم: وإذا حج القاضي فنزل مصر أو غيرها فأتاه قوم من أهل عمله يسألونه أن يسمع بينتهم على رجل في عمله أو كان قد شهد شهود في عمله فأرادوا منه أن يكتب إلى والي العراق أو يشهد على كتابه بذلك إلى والي مكة أو يحكم لهم بحكم قد شهد عنده عليه قبل ذلك فليس له ذلك، لأنه ليس والي ذلك البلد فليس له أن يسمع من بينته فيها ولا ينظر في بينة أحد ولا يشهد عنده أحد إلا في بلده، وإن كان قد شهد عنده قوم في بلده فأراد أن يسأل عنهم حيث هو فذلك له فإما أن يسمع من بينته أو يشهد على كتابه إلى قاض ببلد آخر، أو يشهد على كتاب إلى قاضي مصر، وقد حج قاضي مصر فرجع إليه بمكة وشهد عليه بذلك شهود فلا أرى أن يقبل الشهادة ببلد غير بلده الذي ولي فيها فيما أرى والله أعلم. ألا ترى: أنه لو ولاه الخليفة ببغداد قضاء مصر وأمره بالخروج إليها لم يكن له أن يسمع من بينة أحد في دعوى على من بمصر حتى يصير إليها. وفي كتاب منهاج القضاة لابن حبيب: وسألت أصبغ عن القاضي يبعثه الإمام إلى بعض الأمصار في شيء نابه من أمر العامة فيأتيه رجل في ذلك المصر ببينة ويسأله أن يسمع منهم ويذكر أن له حقا قبل رجل من أهل عمله وهو غائب بعمله، ويذكر أن شهوده بهذا المصر ويسأله أن يسمع منهم أيجيبه إلى ذلك ولا ترى به بأسًا؟ قال: نعم يسمع من بينته ويرفع شهادتهم ويسأله تعديلهم، وإن شاء سأل قاضي ذلك المصر عنهم فإن أخبره عنهم بعدالة اجتزئ بذلك، لأنهم من أهل عمله، ولو اجتمع الخصمان عنده بذلك المصر فأراد المخاصمة عنده في الشيء الذي يختصمان فيه في بلد ذلك القاضي الغائب عن نظره لم ينظر بينهما لأنهما حين اجتمعا في ذلك المصر قد صار أمرهما إلى قاضيه، ولو كان الحق بعمل ذلك القاضي الغائب عن عمله إلا أن يتراضيا عليه كتراضيهما بقوله من يحكم بينهما، ويلزمهما إن قضى بالحق، وبعض جوانب أصبغ في هذا مخالف لما تقدم عن محمد بن عبد الحكم. ونزلت من هذا المعنى مسألة سألت عنها ابن عتاب شيخنا وذلك أن القاضي يحتل بغير بلده وقد كان ثبت عنده ببلده حق لرجل فسأله الذي له الحق يخاطب له في موضع احتلاله قاضي موضوع مطلوبة بما كان أثبت عنده ببلده، فقال لي: لا يجوز له ذلك.

قلت: فإن فعل. قال: يبطل وقد تقدم السؤال في مسألة محمد بن عبد الحكم إلا أن الجواب عنه غير بين ثم قال لي وليس يبعد أن ينفذ ذلك، قلت: فإن كان الحق الثابت عنده ببلده على من هو بموضع احتلاله فأعلم قاضي ذلك الموضع مشافهة بما ثبت عنده هل يكون لمخاطبته إياه بذلك في بلده؟ فقال: ليس لي مثله، قلت له: وما الفرق؟ فقال لي: هو في إخباره هنا بما كان ثبت عنده طالب فضول وما الذي يدعوه إلى ذلك؟ قلت له: وما يمنع من إخباره به ويشهد عند المخبر بذلك وينفذه كما يشهد عنده بما يجري في مجلسه من إقرار وإنكار ويقضي به، فقال: ليس مثله، ولكن إن أشهد هذا القاضي المخبر بذلك شاهدين في منزله وشهد بذلك عند قاضي الموضع نفذ وجاز. قال القاضي أبو الأصبغ: ورأيت فقهاء طليطلة يجيزون إخبار القاضي المجتاز بذلك البلد قاضي البلد به وينفذ ويرونه كمخاطبته إياه. فصل وقال محمد بن حارث بن أسد الخشني: سميت فصول المقالات المنعقدة عند القضاة قبل السجلات وهي التي يفتتح بها الخصومات محاضر وأحدهما محضر لما لزمها في هذا الاسم عند العلماء المتقدمين، وهو مأخوذ من حضور الخصمين بين يدي القضاي واختلف في اللفظ التي يفتتح بها تلك الفصول فكتب بعضهم حضرني فلان بن فلان، لأن تلك الصحيفة عنده وفي ديوانه فكأنه مخاطب لنفسه ومذكر لها بما كان بين يديه. وكتب بعضهم قال فلان حضرني فلان وهذا كله عندي إذا كتب بخط يده، وأما إن كتب عنه كاتبه فلا يكتب حضرني لأنه يقع حينئذ في الظاهر كناية عن الكاتب. قال ابن الحارث: والذي جرى به رسم قضاة الجماعة بقرطبة أن يكتب الكاتب قال عند القاضي فلان بن فلان قاضي الجماعة بقرطبة فلان بن فلان إذ قام عليه خصمه فلان فادعى عليه كذا فقال فلان إنه لا يعرف شيئاً من ذلك ولا يقر به. قال القاضي أبو الأصبغ: وقد أنكر على بعض شيوخي هذا وكان الصواب عنده قال في مجلس نظر القاضي فلان بن فلان قاضي الجماعة بقرطبة أو بموضع كذا فلان بن فلان إذ وقفه فلان بن فلان على كذا وكذا وقد كتب على فلان بن فلان كذا وكذا دينارًا دراهم أسلفه إياها ودفعها إليه وقبضها فلان منه وصارت عليه حاله، وكان ذلك من مقاله ودعواه بمحضر المطلوب فلان فأنكر ما أدعاه وقال إنه لم يسلفه شيئًا ولا له قبله

حق شهد عليه بذلك من سمعه منهما في شهر كذا في سنة كذا ويكتب من حضر في المجلس من الشهود شهاداتهم ويشهدون بذلك عند القاضي ويعلم على أسمائهم ويجب على القاضي إذا حضره الخصمان أن يسأل المدعي منهما عن دعواه ويفهمهما عنه فإن كانت دعواه لا يجب بها على المدعي عليه حق أعلمه بذلك، ولم يسأل المدعي عليه عن شيء وأمرها بالخروج عنه، وإن نقص من دعواه ما فيه بيان مطلبه ومغزاه أمره بتمامه، وإن أتى بإشكال أمره ببيانه فإذا صحت الدعوى يسأل المطلوب عنها فإن اقر أو أنكر نظر في ذلك بما جيب، وإن أبهم جوابه أمر بتفسيره حتى يرتفع الإشكال عنه وقيد ذلك كله عنهما في كتاب وشهد عليهما من حضر المجلس. قال القاضي أبو الأصبغ: وسأل هذا الذي ذكره ابن حارث إذا كان شيئًا فيه طول والتباس أن ينصه الطالب في كشف مهذب الوضع يبين فيه مطلوبه على وجهه تبيينًا لا إشكال فيه محصور الصفة مستوعب التحديد إن كان ما له حدود فيوقف المطلوب حينئذ ويكشف عنه ويسأل الجواب فيه، فإذا جاوب عنه وأقر بفهمه كتب مقالة على وجهه على ألفاظه ومعانيه وقيد بالبينة على ما تقدم واتصل النظر بعد فيما بينهما على ما يجب فيه وقيد سطر الموثقون في ذلك ما فيه مقنع والكشف مفتاح الطلب والإعراب عن المذهب وفيه رفع الشغب فلا يدع الحكام أخذ الخصوم به إن شاء الله.

باب في المقالات والشهادة والحيازة والوكالات وذكر الأعذار والعقلة والآجال

باب في المقالات والشهادة والحيازة والوكالات وذكر الأعذار والعقلة والآجال إذا انعقد في مجلس القاضي مقال بإقرار أو إنكار، وشهد به عنده على القائل شهود المجلس على ما ذكرنا في الباب قبل هذا أنفذ القاضي تلك المقالة على مذيعها. ولم يعذر إليه بشهادة شهودها لكونها بين يديه وعلمه بها وقطعه بتحقيقها. قال أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم التجيي: وسقوط الأعذار في هذا إجماع من المتقدمين والمتأخرين، وكذلك ذكر أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن العطار في وثائقه. وأنكر ذلك أبو عبد الله محمد بن عمر بن الفخار الحافظ وقال هذا اختلاط. وقد قال معنا: إن الحاكم لا يقطع بعلمه، ولا بما يقر به عنده دون بينة ولا شهادة عدلين وإن كان بين يديه وفي مجلسه وهو يعلم أنهما شهدا عنده بحق. فإن كان هذا هكذا فكيف أن يقضي بشهادتهما من غير أن يعذر فيهما إلى المشهود عليه؟ وقد ينكشف عند الإعذار فيهما أنهما غير عدلين؛ إذ قد يأتي المشهود عليه بما يوجب رد شهادتهما من عداوة أو فسوق وإنما لم يقض بعلمه دون بينة لأن فيه تعريض نفسه للتهم وإيقاعه لها في الظنون وقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال القاضي أبو الأصبغ: وهذا عندي القياس الصحيح المطرد لمن قال: لا يقضي القاضي بعلمه ولا بما سمع في مجلس نظره، لكن الذي قاله ابن إبراهيم وابن العطار جرى به العمل وهو عندي استحسان، ويعضده قول مطرف وابن المجشون وأصبغ في كتاب ابن حبيب أن القاضي يقضي على من أقر عنده في مجلس نظره بما سمع منه وإن لم تحضره بينة. وقال ابن الماجشون في المجموعة، وبه أخذ أبو سعيد سحنون بن سعيد. وقال أصبغ في كتابه وهو ظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما أن بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع منه (¬1)» ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البخاري ج2، ص952 برقك 2534، ومسلم ج3، ص1337 برقم 1713.

وقال ابن القاسم وأشهب: لا يقضي بعلمه ولا بما أقر عنده في مجلس قضائه أو في غيره لا في حد ولا غيره. وكأن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فاقضي له على نحو ما أسثمع عندهما)): إذا شهدا بذلك عندي. وقال محمد بن إبراهيم بن المواز: وليس بين أصحاب مالك في هذا خلاف علمناه وقال مالك: وأحسن محمد في قوله: ليس بين أصحاب مالك فيه خلاف وصدق. إنه لوم يعلم قول ابن الماجشون وغيره، ولم ير أيضًا ما قاله أبو إبراهيم وابن العطار ما في سماع أشهب وابن نافع عن مالك في القوم يشهدون عند القاضي ويعدلونه. قيل لمالك: هل يقول القاضي للذي شهدوا عليه دونها فجرح؟ فقال: إن فيها لتوهينًا للشهادة، ولا أرى ذلك إذا كان عدلاً أو عدل عنده أن يفعل. فهذا مالك قد أسقط الإعذار ههنا فيمن عدل عنده فيكف به فيمن هو عنده عدل وشهد عنده بما سمعه في مجلسه واستوى فيه علم الهود وعلمه، وإن كان هذه القولة لم يصحبها عمل. وقال ابن نافع متصلا بها: بل يمكنه من التجريح. ومثله لابن الماجشون في كتاب ابن حبيب، ولابن القاسم في المدونة، وفي سماع يحيى وقال سحنون في نوازله: وبه جرى العمل. وهو الذي شاهدت القضاء به بإجماع ممن أدركنا من العلماء والحمد لله ولا يجوز العدول عنه إلى سواه. ورأيت في غير كتاب ابن العطار: إن كتب شهود مجلس القاضي شهاداتهم على مقال مقر أو منكر فيه ولم يشهدوا بها عند القاضي في ذلك المجلس ثم أدوها في المجلس نفسه الذي كان فيه المقال وكذلك لو حفظوها ولم يكتبوها ثم أدوها بعد ذلك إذا طلبوا بها وكانوا عدولاً فإنه يعذر فيها إلى من شهدوا عليه بها. قال أبو إبراهيم: لا يعذر القاضي فيمن أعذر به على مشهود عليه من امرأة لا تخرج أو مريض لا يخرج لمرضه وشبهه ولا في الشهيدين اللذين يوجههما لحضور حيازة الشهود لما شهدوا فيه من دار أو عقار. وسألت ابن عتاب عن ذلك فقال: لا إعذار فيمن وجه للإعذار، وأما الموجهان للحيازة فيعذر فيهما. وقد اختلف في ذلك وسيأتي في آخر الكتاب في مسألة أبي الشر الزنديق لعنه الله

وجده في الإعذار وبيان إن شاء الله. وبعد هذا بيان الإعذار في أول السفر الثاني في باب الغائب وإرجاء الحجة للغائب فيما يحكم عليه به من مسائل. ومن هذا المعنى في أحكام ابن زياد: شهد عندنا إسماعيل في أنه يعرف فروة من أهل الأضرار بمحمد والإساءة إليه، وأنه اضطرب الصوت عليه اضطرابًا شديدًا أن زوجة محمد إذا زالت عنه أنها زالت إلى فروة وفي شهادته أن محمدًا اشتكى إليه أن فروة استألفها بجميع نعمته، وفي شهادته أن فروة ممن يسبب الشر غليه ويعرف به. وبمثل الأفعال التي اشتكى بها محمد وهو يعرفه بعينه، وشهدت جماعة بمثل ذلك. فأجابوا: فهمنا وفق الله القاضي وما ذكرت في قبول شاهدين منهم. والذي يجب في ذلك أن يتشدد على هذا المرمى المشهود بالشر بالحبس الطويل والنكال لما شهد عليه من الشر والمدخل القبيح بعد الإعذار إليه. فإن ظهرت زوجة محمد ورد متاعه فنعما، وإن لم يرد شيئًا ومضى على إنكاره حلف في مقطع الحق على أنه لم يأخذ منه شيئًا ولا صار إليه منه شيء بعد طول حبسه والاستبلاغ في نكاله للريبة التى دارت عليه في الشهادات وما اتهم به مما تلصق به التهمة فيه. قال عبد الله بن يحيى، ومحمد بن وليد، وابن لبابة، وأيوب بي سليمان. مسألة أخرى في الأعذار: وشهد عند القاضي ابن زياد محمد بن أيمن وابن فلان بوفاة سعيد بن يحيى وعدته ورثته، وشهد ابن حجاج والحارث وآخر بملك سعيد بن يحيى للدار حتى توفى وأورثها ورثته وحازها. وشاور في ذلك فقال: يجب الإعذار إلى موسى في ذلك فإن جاء بمدفع وجب الحكم عليه لبني سعيد، والإعذار لبني سعيد، والإعذار لبني موسى. قال عبيد الله بن يحيى ومحمد بن عمر بن لبابة، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد، وسعد بن معاذ.

مسألة أخرى في تركة نظر واستئنافه: كان رحمكم الله خالد قد شهد لهشيمة كما قد علمتم في حيازة، ثم أخرج نظرها عنا، ثم صرفه إلينا، فلم يعد خالد الشهادة. فقالت لي هشيمة: إني صادقة فقال لي: قولي للقاضي يبعث إلى بالحائز الثاني ويحضر الحيازة. فهل يجب علينا ما سألته أو لا حتى يأتي خالد ويشهد قرانا وفقك الله. ما كتبت به فإن كان الأمير، أبقاه الله، قد أزال نظرك عنها إلى غيرك فنظر فلم يتم نظره حتى رد النظر إليك فهو كنظر مبتدأ، ولابد من أن يشهد عندك الشاهد على ما شهد، ثم تبعث لحيازة ما يحوز، وإن كان إنما زالت عنك ولم يزلها الأمير فشهادته الأولى تامةٌ، تبعث إليها شاهدًا ثانيًا يحوز معه، ثم تأتي بالحيازة فيشهد عندك. قاله ابن لبابة وغيره. شهد شاهد بالملك وموت المالك وشهد آخر بعدة الورثة: كان أهل طليطلة يكتبون عقد الملك في هذا إذا لم يعرف شهوده الورثة: شهد من يتسمى في هذا الكتاب أنهم يعرفون الدار والأرض التي بموضع كذا أو حدها كذا ملكا لفلان بن فلان لم يفوت شيئا منها بوجه من الوجوه في علمهم إلى أن توفى، وأورث ذلك ورثته ذلك في غير ذلك الكتاب. فأنكرته عليهم وكتبت بذلك إلى شيوخنا في قرطبة في سنة ست وخمسين وأربعمائة هل العقد هكذا صحيح والملك موصول وهم لا يعرفون الورثة إنما شهد بعدتهم غيرهم؟ فكتب إلى أبو عبد الله بن عتاب: إذا لم يعلم شهود الملك الورثة فكيف تسوغ لهم الشهادة بقولهم: وأورث ذلك ورثته ذلك في غير هذا الكتاب؟ هذا محال وحسبهم أن ينتهوا بالشهادة إلى أن توفي وأورثت ورثته فقط. فإن وجد من يشهد لورثته بالسماع فذلك زيادة بيان. وإن لم يوجد من يشهد بغير ما تقدم - أعني: إلى أن توفي وأورثه ورثته فقد كان يختلف في الجواب فيها فيما أحسب. والذي أقوله والله أعلم بحقيقة الصواب: إنها شهادة عاملة موجبة للحكم والمسألة التي شهد فيها ابن أيمن فوق هذا من الأصل وجواب أبو عمر أحمد بن محمد بن القطان: الشهادة تامة ولا يضرهما جهل الشهود بعدة الورثة إذا شهد بذلك غيرهم.

وجواب أبو مروان عبد الله بن محمد بن مالك شهادتهم بالموت وبالملك موصلا إلى موته فقط لأنهم لا يعرفون الورثة مع شهادة آخرين لا يعرفون الموت ويعرفون الورثة شهادة قائمة وأمر تام، إنما يوصل بالملك من يعرف المالك. غير أن العقد الذي نصصت متناقض إذ لا يعرفون الورثة ويقولون أورثه ورثته ذلك في غير ذلك الكتاب فيشيرو إليهم وهم لا يعرفونهم هذا فاسد متناف ليس يعقد هذا لهكذا إنما يقال فيه: وأورثه ن وجب له ميراثه، أو إلى أن توفى فقط، أو: إلى أن توفى ولا يعرفون لمن ميراثه. من جفا على من شهد عليه أو أفتى: في أحكام ابن زياد قال علي بن فلان للشهود ولأهل الفتيا: تشهدون علي وتفتون علي، ما أدري من أكلم وكأنه ذهب مذهب التوبيخ لمن شهد عليه. فأفتوا أن يؤدب أدبا موجعا. قاله محمد بن لبابه ومحمد بن غالب، ومحمد بن وليد، ويحيى بن عبد العزيز. وفي المجموعة قال ابن كنانة: إذا قال للشاهد: شهدت على بالزور وقصد أذى به الشاهد والمشهود له لعنه الإمام بقدر حال الشاهد والمشهود له فإن كان على أن ما شهد به على باطل لم يعاقب. وفي سماع ابن القاسم: إن قال للقاضي: لقد ظلمني والقاضي من أهل الفضل، عاقبه ابن المواز. وكذلك إن أبي ما قضى عليه. قال سحنون: يؤدبه القاضي بنفسه ولا يرفعه إلى الإمام. وفي سماع أشهب: إذا عدل الشهود عدلان وجرحه عدلان فالتجريح أعمل. وقال ابن نافع وسحنون: ورواه ابن القاسم عن مالك في المدينة. ونحوه في سماع يحيى، وفي كتاب ابن حبيب، وفي كتاب السرقة من المختلطة. وبه قال عبيد الله بن يحيى في أحكام بن زياد. وكذا إن شهد عدول في وصي أنه مريض وشهد آخرون أنه مسخوط الحال. قال أبو صالح. وقال مالك في سماع أشهب وابن نافع: ينظر إلى الأعدال من المجروحين للشاهد والمعدلين. قيل له: ألا ترى شهادة المجروحين أثبت لأنهما على ما لم يعلم الآخران؟

قال: له، هذا رجل عدل أيقبل قولهما عليه؟ ولكن يقال لهما بأي شيء تجرحانه؟ فينظر لمعروف مشهود هو، ولعل الذي يجرحانه به قديم. وفي المختصر الكبير مثله. قال القاضي أبو الأصبع: وهذا عندي ضعيف، والأول أصح في النظر، وعليه العمل في المحاضر. قال محمد بن الحارث: أول ما ينبغي للقاضي أن يفعل عند حضور البينة أن يسهل أذنهم ولا يمطلهم بالوصول إليه لأنها قلقت وافترقت لصاحبها بعد أن حضرت واجتمعت وأن يتعسر لمن يشهدها جمعها مرة أخرى، فربما كان سبب لهلاك حقه أو بعضه بالمصالحة عنه لما أدركه من المشقة. ولهذا رأيت بعض من حضرني ممن عني بالعلم عند رسمي لهذا الرسم قال كان فلان ابن فلان ممن امتحن بالخصومة، وكان يقول: نقل الحال أيسر من نقل البينة عنده. فإذا أوصلهم في فهم وبسطهم ثم سألهم عن شهاداتهم فإن كانت تامة قيدها وإن كانت ناقصة سألهم عن بقيتها وإن كانت مجملة كلفهم تفسيرها وإن كانت غير عاملة أعرض عنهم إعراضا جميلا، وأمرهم بالقيام عنه، وأعلم المدعي أنه لم يأت بشيء ينتفع به. من لم يعرف من الشهود إلا واحد فصرف الحكم عن نفسه: في أحكام ابن زياد في امرأة قامت عنده بصداق لم يعرف من شهود الذين يعرفون قالوا إنهم يعرفون عينها غير شاهد واحد، ورأى أن غيرهم لا يتعدلون فصرفا عن نظره. قال لها: اذهبي إلى من شئت من الحكام فلعل غيري يعرف بينتك. فاستحسن الفقهاء وقالوا: رب حق لا يثبت عند حاكم ويثبت عند غيره. فلا أعدم الله القاضي الشديد. وما زال بحمد الله مسددا مجتهدا. وأحق ما اجتهد فيه البينات. قاله محمد بن وليد، وابن لبابة، وأيوب بن سليمان ومحمد بن غالب. قال الشاهد: أشهدت فلانة ولم أعرفها بالعين: قال عبيد الله بن يحيى، وابن لبابة ومحمد بن يحيى، ويحيى بن عبد العزيز في شهادة رجلين شهد على شهادة عبد الرحمن أن فلانة ابنة فلان أشهدتني، ولم يذكر في

شهادته أنه عرفها بالعين والاسم والنسب: إن الشهادة تامة. وقوله: أشهدتني فلانة، معرفة لا محالة. وفي باب الوصايا بعد هذا: إذا قال الشهود لا نعرف عين الموصية ولا اسمها شهد أنها مسكنه أو حيزه. وفي مسائل القاضي أبي بكر محمد بن بيتي بن زرب: إن شهد قوم أنهم يعرفون فلان بن فلان، وأن دار كذا مسكنه. قال القاضي: يستعاد الشهود إن أمكن ويقال لهم: ما أردتم بقولكم مسكنة؟ هل أردتم ملكه أو أنه كان ساكنا فيها؟ فإن قالوا: أردنا ملكه قضى له بها، وإن قالوا: إنما أردنا أنها دار سكناه لم يقض له بملكها. وإن فاتوا بموت أو غيره قضى له بقوله مسكنه، ولو قالوا: هذه دار سكني فلان وفاتوا قبل أن يفسروا شهادتهم لم يقض له بها بخلاف قولهم مسكنه. وفي سماع ابن القاسم: سئل مالك عن شاهدين شهد أحدهما في منزل أنه مسكن هذا، وشهد آخر أنه حيزه. وقال خصمهما قد اختلفت شهادتهما: فقال مالك: حيزه وملكه شهادة واحدة لا تفترق وأراها شهادة واحدة، وربما كانت الشهادة الكلام فيها مختلف والمعنى واحد. وهذا أصل مسألة ابن زرب. وفي كتاب الغصب من المختلطة: إن شهد شاهد في أرض أنها لهذا وشهد آخر أنها حيزه قال مالك: فهي له لأن حيزه أرضه، فأراهما قد اجتمعا على الشهادة. قال سحنون: معنى حيزه حقه وملكه. وقال أبو مروان بن مالك: إن شهدوا في دار إنها ملك فلان لم تكن شهادة. قال: وقد شاهدت الحكم بإسقاط هذه الشهادة. ولهذا يقال في العقود: إنهم يعرفونا له، وفي ملكه ومالا من ماله ونحوه. واحتج بأن الملك لفظه محتمل غير بين وأنشد قول الشاعر: فأصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفر له لأن (أملك) في هذا البيت بمعنى القدرة والاستطاعة والإمساك له لا بمعنى الملك الذي هو الكسب والغنية.

وقال أبو عبد الله بن عتاب: إن كان الشهود لهم وفيهم يقظة ومعرفة بالشهادة فهي شهادة عاملة. وقال أبو المطرف عبد الرحمن بن سلمة بطليطلة: هي شهادة تامة ولا خلاف في هذا. ولهذه المسألة تفريع نظير تركتها لئلا يطول الكتاب؛ وإذ لم نقصد إلا جمع النوازل التي قدمت ذكرها. شهدوا أن هذا كفؤ لهذه اليتيمة: في أحكام ابن زياد في بينة شهدت لرجل أراد نكاح يتيمة أنه كفؤ فهمنا وفق الله القاضي ما كشف عنه من أمر الشهود، هل يسألون من أين علموا مما شهدوا فيه أم لا؟ فليس على القاضي كشف عن علمهم من أين علموه إذا شهدوا له أنه كفؤ، وتمت بشهادتهم ووجب عليه إنكاحها، قاله ابن لبابة. دار فيها نساء ساكنات والإعذار إلى المعنسات: قال ابن لبابة في الإعذار إلى أخوات ولادة الأبكار في الدار التي كنا فيها ساكنات وأرادت ولادة أن تسكن زوجها فيها: تكشف ولاة عن الدار. فإن قالت: هي لي ولأخواتي، فإن وجد القاضي لأخواتها الكبار ناظرًا من وصي أو وكيل قاضي أعذر إليه في ذلك فإن لم يكن عنده في ذلك مدفع من دعوى يثبتها قيل لو كيلهن: إما أن يسكن وتسكن ولادة مع زوجها في حصنها وإما خرجن كلهن حتى تقسم الدار لتنفرد كل واحدة بحصتها. وإن لم يكن لها ناظر وثبت عند القاضي أنهن معنسات في حسن حال أعذر إليهن، ثم كان الحكم على ما تقدم في الوصي. وإن كان في حال من لا يجوز فعلهن وكل القاضي لهم خصمًا يتكلم عنهن على الحسبة أو وكيلاً يقوم مقام الوصي، ويكون الأمر على ما ذكرنا في الوصي. وإذا كن في حال من يجوز لهن الكلام فلابد من أن يقال لهن: إما أن تسكن مع ولادة وزوجها وإما خرجن كلهن حتى يتبين ما يدعين إن ادعين زوال ملك ولادة. وإن لم يدعين زوال ملكها وكل من يقسم الدار بينهن فتسكن كل واحدة في حصتها. وقال في مريضة أنها مثبتة المرض ممنوعة الكلام. بمن أرسل القاضي إليها من البينة:

ينفذ القضية عليها فيما ثبت لديه، وترجى الحجة في ذلك لها. والإعذار المبالغة في العذر. ومنه: قد أعذر من أنذر أي: قد بالغ في العذر من تقدم إليك فأنذرك. ومنه إعذار القاضي إلى من ثبت عليه حق يؤخذ به في الشهود ومن أعذر غليه فادعى مدفعا أحل في إثباته في الديون وشبهها ثمانية أيام سوى اليوم المكتوب فيه الأجل ثم ستة أيام، ثم أربعة أيام، ثم يتلوم عليه ثلاثة أيام. وقيل الأصل في الإعذار قوله تعالى حكاية عن سليمان عليه السلام في الهدهد: {لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين} (النمل: 21). وقيل في التلوم: أصله قوله عز وجل: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب} (هود: من الآية 65). وضرب الآجال مصروف إلى القضاة والحكام: وليس فيها حد لا يتجاوز، وإنما هو الاجتهاد بحسب ما تعطيه الحال، فإذا كان الأجل في الأصول أجل المعذر إليه من طالب أو مطلوب خمسة عشر يوما، ثم ثمانية أيام، ثم أربعة أيام. ثم يتلوم له ثلاثة أيام تتمه ثلاثين يوما في الجميع. ذلك ابن العطار في وثائقه وقد كنا نضرب الآجال في ذلك ثمانية أيام ثم ثمانية أيام ثم ثمانية أيام ثم ستة أيام، والمعنى واحد. وقال أحمد بن سعيد بن إبراهيم الهندي في كتاب الحكام له: يؤجل في ذلك ثمانية أيام ثم ثمانية أيام ثم ستة أيام، والمعنى واحد. وقال أحمد بن سعيد بن إبراهيم الهندي في كتاب الحكام له: يؤجل في ذلك ثمانية أيام ثم ستة، ثم أربعة ثم تلوم ثلاثة أيام، قال: وإن ضرب الأول عشرين يوما تلوم عشرة أيام. وسمعت من يحيى عن القاضي: أن المطرف عبد الرحمن بن أحمد بن بشر قاضي الجماعة بقرطبة أنه كان يضرب الآجال عشرة أيام ثم عشرة أيام. وكان أجل القضاة بها علما ودربة في الأقضية وفتيا الأحكام فسألت عن ذلك أبا عبد الله بن عتاب ومعه كان تفقه وفي كتابته له تدرب، فقال لي: كذلك كان يفعل. وكل يثني عليه كثيرًا، ويفخر بطول صحبته إياه في القضاء وغيره. والطريقة في كتاب الأجل: أن يكتب الحاكم بيده كتب أجلنا، أو أجلت فلان بن فلان في المدفع الذي أدعاه في الشهيدين الذين قد شهدا عليه بما ذلك في العقد الذي أعلى

هذا الكتاب بعد أن أعلمناه أو أعلمته بهما، وبقبولي لهما، وبثبوت ذلك عندي بشهادتهما ثمانية أيام أولهما يوم الأحد لاثنتي عشر لية بقيت من المحرم سنة اثنين وسبعين وأربعمائة فإذا انقضت كتب وتلومنا عليه بعد انصرام الآجال المضروبة التي فوق هذا ثلاثة أيام أولها يوم كذا لكذا وكذا ليلة بقيت من الشهر المذكور وربما كتب في الأجل الثالث وأجلا ثالثاً دخل فيه التلوم من سبعة أيام أولها يوم كذا. وإن كتب عن القاضي كابته كتب: أجل القاضي فلان بن فلان قاضي حاضرة كذا وفقه الله فلان فيما ذهب إليه من حل ما ثبت عنده عليه لفلان في العقد الواقع في بطن هذا الكتاب بعد معرفته بما فيه وبمن ثبت آجلا جامعًا للتلوم وغيره من أحد وعشرين يوما أولها يوم كذا لعشر خلون من شهر كذا من سنة كذا ثم يكتب القاضي بخط يده: هذا صحيح. وإن شاء كتب: هذا الأجل صحيح. وقد يكتب هذا على غير وجه سوى ما قد ذكرنا، ولو نشاء ذكرنا ذلك.

عقد التعجيز والعقلة والإعذار ومقالات الإقرار والإنكار وتقييد الشهادات وأدائها عند القضاء والحكام

عقد التعجيز والعقلة والإعذار ومقالات الإقرار والإنكار وتقييد الشهادات وأدائها عند القضاء والحكام واختلافهم في الاختيارات فيه لطال معه الكتاب والله الموفق للصواب وإذا انقضت الآجال والتلوم ولم يأت المؤجل بشيء يوجب له نظرا عجزه القاضي، وأنفذ القضاء، وسجل وقطع بذلك شغبه عن خصمه في ذلك المطلب ثم لا يسمع منه بعد ذلك حجة إن وقع عليها، ولا تقبل منه بينة إن أتى بها كان هذا المؤجل العاجز طالبًا أو مطلوبًا إلا في ثلاثة أشياء: العتق والطلاق والنسب قال مطرف، وابن وهب وابن القاسم واختاره ابن حبيب وحكى عن ابن الماجشون مثل هذا في الثلاثة. قال: وأما غير ذلك من الدعوى فيختلف إما كل ما ادعاه المدعي على أحد من مال أو غيرها لا يكلف المطلوب منه تحقيقه بنفسه وإنما كلف الطالب فعجز عن إثبات دعواه أو تعديل شهوده يريد وقد أجل في ذلك ولا يسجل عليه وبتركه وتحقيق مطلبه؛ لأنها دعوى لحق متى أحققت أنفذت وأخذ بها متى ظهرت. ولو كان الطالب قد أتى بشيء أوجب على المطلوب عملا مثل إن أثبت أن تلك الدار كانت لأبيه أو لجده وهي اليوم في يد المدعي عليه فيكلف الذي هي بيده البينة كيف صارت إليه. فأتى ببينة شهدت بطول حيازته إياها بحضرت الطالب، فتبقى بيده ويقال للطالب لما تركته يحوز عليها هذا الزمان؟ فإن قال: بإسكان أو كراء كلف البينة، فإن عجز عنها أو أقام بينة لم يعدلها، وضربت الأجل فلم يأت بشيء. عجزه السلطان عن أخذ ذلك، وكان حقا عليه ههنا أن يكتب للمدعي عليه كتابًا، ويسجل له بحكمه، ويقطع حجة المدعي عنه. ثم إن أتى بينة أحق من الأولى وأعدل لم ينظر له في ذلك بعد لا ذلك التحكم ولا من بعده. قال ابن حبيب: وقوله هذا دقيق حسن، من أخذ به لم يخطأ، وقد أعلمت به أصبغ فاستحسنه. وروى القول الآخر عن ابن القاسم وابن وهب، وأشهب أن يعجز في الأموال والحقوق ولا ينظر بعد ذلك للمعجز في بينة، لا هذا الحاكم ولا غيره، إلا في العتاق

والنسب والطلاق. ومذهب سحنون في ترك تعجيز الطالب، وأنه متى أحق حقه قضي له كمذهب ابن الماجشون. وكذلك يقول في المطلوب متى حكم عليه بعد الإعذار واستقصاء الحجج والتسجيل: إنه لا يسمع بعد ذلك منه لا حجة ولا بينة قال: وإذا لم يقطع حجة أحد فلم يضرب له الآجال، ووضع عليه لقطع الحجة. ولا أقول فيه يقول ابن القاسم: يريد قوله الذي رواه عنه في المدونة في موضعين: إن أتى بشيء له وجه قبل منه، وينظر له. مثل أن يأتي أو لا يشاهد عند من لا يرى الشاهد واليمين – فألفى بعد الحكم عليه شاهد آخر. وفي السرقة مثل أن يظفر ببينة لم يعلم بها. وقال في (كتاب الصيرة): أو يجد بينة تجرح من حكم عليه بشهادتهم، فإنه يسمع منه ذلك، الحاكم وغيره بعد، إن كان قد أدعى ذلك عند الأول وينظر له. وبه قال: ابن لبابة وأبو صالح، وابن زرب. وقال ابن المواز: إنما يسمع منه ذلك وينظر له الحاكم الذي حكم عليه وسحل بتعجيزه. وأما إن قام بذلك عند من ولي بعده فلا يسمع منه؛ لأنه ليس له أن يعترض قضاء غيره قبله ولا ينقصه إلا أن يكون خطأ به. والذي في سماع يحيى نحوه. وفي سماع أصبغ عن ابن القاسم: فيمن أدعى نكاح امرأة فأنكرته وادعى بينة بعيدة قال: لا تؤمر بالانتظار إلا إن كانت قريبة لا يضر ذلك بالمرأة، ويرى الإمام لدعواه وجها وإن عجزه ثم جاء ببينة بعد ذلك وقد نكحت أو لم تنكح فقد مضى الحكم. وهذه الرواية نحو روايته عنه في كتاب ابن حبيب، وخلاف المدونة وسماع يحيى لأنه لم يسمع منه بعد التعجيز وأبان فيها أن النكاح بخلاف الطلاق والعتاق والنسب والحبس وطريق العامة، وشبهه من منافعهم ليس عجز طالب والقائم عندهم فيه يوجب منعه أو منع غيره في النظر له إن أتى بوجه. وقد شاهدت الحكم بذلك والفتوى في الحبس، وفي بعض النسخ في آخر (كتاب الاستحقاق) من (العتيبة) وأراها من سماع أصبغ، أرأيت القاضي إذا قضى بشيء للعامة، كالطريق أو المخاصمة، أو الموردة ونحوها، من يشهد عليه؟ قال عدول من العامة. قلت: وكيف تجوز شهادتهم ولهم في ذلك سهم؟ قال: هذا ما لابد منه؛ لأنه لا يوجد أحد ليس

له فيه سهم يشهد عليه قال لي: وليس هذا سهمًا أيضًا، ولو كان سهمًا ما قطع من سرق من بيت المال، ولا حد من زنى بخادم من الغنم، وهذا مثله. وقد قال مالك في القوم تعرض لهم اللصوص فيأخذهم القوم فيأتون بهم الإمام ويشهدون أنهم عرضوا لنا وتلصصوا: إن للإمام أن يحكم بشهادتهم، قال مالك: ومن يشهد عليهم إلا هم؟ وهذا مثله. قلت: فإذا قام رجل يطلب شيئًا للعامة وقضى به لخصم العامة فكيف يكتب الحكم؟ أعلى العامة أم على القائم عنها وحده؟. قال: عليه وحده ويذكر فيه أنه قام يطلب للعامة كذا فلم أرى له حقا وحكمت عليه. فإن قام آخر بعد ذلك يريد مخاصمة المفضي له سمع القاضي من قوله وحجته. فإن كان كقول المقضي عليه وحجته، حكم عليه وألحقه به. وإن جاء بغير ذلك نظر له فيه. وكذلك قال مالك في أحد الشركاء في الشيء يقضي عليه ثم أخذ شركائه يريد المخاصمة فيه أيضا. وهذه المسألة أصل لما ذكرناه في الحبس وأنه لا يعجز فيه كالنسب وما ذلك معه. قال القاضي أبو الأصبغ: والحجة لابن القاسم ومن وافقه على ابن الماجشون ومن تبعه في أن الطالب يسجل عليه بعجزه، ويحكم عليه بقطع مطلبه فيما قام به في رسالة القضاء لعمر بن الخطاب رضي الله عنه. ورأيت إثباتها هنا إذ هي الأصل فيما تضمنته من فصول القضاء ومعاني الأحكام وعليها احتذى قضاة الإسلام. وقد ذكرها كثير من العلماء وصدروا بها في كتبهم. منهم عبد الملك بن حبيب قال: حدثني إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه قال: إن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح وهو بالشام وإلى أبي موسى الأشعري وهو بالعراق: أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك، وأنفذ إذا تبين لك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له. آس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا ييأس الضعيف من عدلك، ولا يطمع الشريف في حيفك. البينة على من ادعى واليمين على من أنكر. والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالا.

لا يمعنك قضاء قضيته ثم راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق؛ فإن الحق مراجعته خير من الباطل والتمادي فيه الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسنة، أعرف الأمثال والأشباه، وقس الأمور في ذلك، واعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى. واجعل للمدعي أجلا ينتهي إليه، فإن احضر بينة آخذ بحقه وإلا وجهت القضاء عليه؛ فإن ذلك أجلى للعمى، وأبلغ في العذر والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودًا في حد أو مجربًا عليه شهادة زور، أو ظنينًا في ولاء أو قرابة فإن الله تبارك وتعالى يتولى منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات. ثم إياكم والقلق والضجر، والتأذي بين الناس، والتنكر للخصوم في مواضع الحق التي يوجب الله بها الأجر، ويحسن بها الذكر؛ فإن من يصلح بينه وبين الله ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس، ومن يزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك شأنه الله. فما ظنها غير الله بثواب عاجل وخزائن رحمته والسلام (¬1). قال ابن حبيب: وحدثنيها على بن سعيد الهذلي عن أبي المليح الهذلي وحدثنيها أصبغ عن الشعبي عن أبي المليح. وقال محمد بن عبد الحكم في كتابه: روى عيسى بن يونس الشعبي عن عبد الله بن أبي حميد عن أبي المليح الهذلي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد وساقها إلى قوله: «يشينه الله». ورواها ابن لبابة عن العتبي عن الصمادحي عن محمد بن فضيل الضبي عن السري ابن إسماعيل عن الشعبي قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري، سلام الله عليك، فإني أتحمد الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فإن هذا القضاء ...»، وذكرها إلى آخرها، كما ذلك ابن حبيب إلى: «السلام». فقد قال عمر في هذه الرسالة: «أجعل للمدعي أجل ينتهي إليه، فإن أحضر بينة ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البيهقي في الكبرى ج 10، ص 135، والدارقطني في سننه ج 10، ص 150، والخطيب في تاريخ بغداد ج 10، ص 449، وأنظر كشف الخفاء للعجلوني ج 2، ص 272، الدراية ج 2، ص 171.

أخذ بحقه وإلا وجهت القضاء عليه» وفيه حجة ابن القاسم وغيره على ابن الماجشون. وفي هذه الرسالة قوله: «المسلمون عدول بعضهم على بعض». وفي الموطأ: قال ربيعة: قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجل من أهل العراق فقال لقد جئتك لأمر ما له رأس ولا ذنب، فقال عمر: ما هو؟ قال: شهادات الزور ظهرت بأرضنا، فقال: عمر: أوقد كان ذلك؟ قال: نعم قال عمر: والله لا يؤسر رجل في الإسلام بغير العدول (¬1). وهذا يدل على رجوعه عما في رسالته إلى أبي موسى. وكذلك ذلك محمد بن عبد الحكم في كتابه عن أبي الزناد أن عمر بلغه الكتاب الذي كتب الشهداء في أنه كان بالعراق شهادة الزور فقال: على رجلي وفي سلطاني؟ لا يكون هذا أبدًا، لا يقبل من الشهداء إلا العدول. ههنا حيث ذلك، وروي أن الحسن كان يذهب إلى ما في رسالة أبي موسى فكان يقبل شهادة كل مسلم على ظاهر دينه ويقول للمشهود عليه دنك بجرح إن وجدت من يشهد لك فقد قبلتهم وقاله الليث، والأكثر على خلافه وهو دليل قوله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} (الطلاق: من الآية 2). وقوله: {ممن ترضون من الشهداء} (البقرة: من الآية 282). وأما العقلة: ففي «المغرب» إذا شهدت البينة العادلة في الأصول شهادة قاطعة وحازت ما شهدت به وجب ضرب الأجل على المشهد عليه فيما ينتفع به من مدفع أو غيره. فالذي عليه الفتوى أن الدعوى إن كانت في دار اعتقلت بالقفل، وإن كانت في أرض منع من حرثها بعد التوقف، وإن كانت في حانوت وشبهه مما لخ خراج وقف الخراج، وإن كانت في حصة في ارض أو دار اعتقلت الدار كلها أو الأرض وجميع الكراء فيما له كراء، وقد قيل: يوقف من الكراء ما يقع للحصة المدعي فيها، ويدفع سائره للمدعي عليه. قال: والأول أولى عندي بالصواب. قال ابن لبابة في أحكام ابن زياد: لا يجب التوقف على الاعتقال وبعده يكون ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه الإمام مالك في موطئه ج2، ص 720، برقم 1402، البيهقي في الكبرى ج1، ص 166.

الإعذار، وعند الإعذار تكون الحجة والنظر. وقالوا في اعتقال حانوتين: اعتقل رحمك الله الحانوتين، وأجل عبيدون في المدفع، فإن دفع بشيء نظرت له إلا أن يكون بقي عليك في شهادات الشهود تثبت فتقف حتى يثبت عند ما ارتبت فيه هذا وجه الحكم إن شاء الله. ولتكن العقلة في الخراج، قال بذلك عبيد الله بن يحيى ومحمد بن لبابة، ومحمد بن وليد، ومحمد بن يحيى وأيوب بن سليمان، ومحمد بن غالب. وكان سحنون إذا كان ما يعقله بمدينة القيروان أمر احد أعوانه بذلك. فإن سأله المعقود عليه تأخره أياما لإخراج ما له في الدار أخره اليومين أو الثلاثة وإن سأله أن يترك فيها ما يقل عليه إخراجه فعل ذلك به ثم يعقلها ويطبع عليها، ويكون المفتاح عنده. وكذلك الحانوت وما فيه يعلقه وتكون المفاتيح عنده حتى ينظر بينهما. وإن كان في غير الحاضرة بعث أمينا يعقلها. واختلف في العقلة بشاهد واحد وفي "أحكام ابن زياد": قولنا رحمك الله إن العقل يجب بشاهد واحد، وهو في الدور بالأقفال لها، كما يكون في الأرض بالمنع من حرثها. ويضرب للطالب أجلا في إتمام ما قام به. فإن أتى بتمام حقه وإلا حلف المطلوب أنه ما يعلم ما ادعى الطالب حقا وحللت الاعتقال عنه. وهذا لمن لا يقضي باليمين مع الشاهد. فأما من يقضي به فإنه يكلف الطالب شاهدًا ثانيًا فإن أعياه أحلفه مع شاهده وقضى له بحق. قاله عبيد الله بن يحيى، وأيوب بن سليمان بن بطال عن ابن لبابة أنه لا يحب العقلة إلا بشاهدين. وقال سمعان: هو قول ابن القاسم. قال: وكان عبيد الله بن يحيى وكثير من أصحابه يرون العقل بالفعل مع الشاهد. ولابن العطار في وثائقه: لا تجب العقلة بشاهد واحد، ولكنه يمنع المطلوب بذلك أن يحدث في العقار بنيانًا، أو بيعًا، أو هبةً، أو ما أشبه ذلك بالقول وبالتقدم إليه ولا يخرج عن يده. وفي شهادات المدونة: اختصم إلى مالك في أرض حفر فيها عين فادعى فيها رجل دعوى واختصموا إلى صاحب المياه فأوقهم حتى يرتفعوا إلى المدينة، فشكى حافر العين إلى مالك فقال مالك:

قد أحسن حين أوقفها، وأراه قد أصاب. فقال صاحب الأرض: اترك عمالي يعملون فاني استحق الأرض فليهدم. قال مالك: لا أرى ذلك وأرى أن يوقف، فإن استحق حقه وإلا بنيت. قال ابن القاسم: هذا إن كان لدعواه وجه وإلا فلا (¬1). وعن سحنون في كتاب ابنه: كان إذا شهد عنده شاهد عدل من شهود المدعي وزكي أو عرفه بالعدالة علق على المدعي عليه ما شهد به شهود المدعي الذين ثبت بضعهم حتى يكشف عمن بقي ويستقصي منافع المدعي عليه وربما تثاقل عن العقل بعد الشاهد العدل فإذا اتجه له العقل أمر كاتبه وكتب إلى أمينه كتابا يذكر يه دعوى المدعي، واسمه واسم المدعي فيه، وحده وموضعه وإقليمه، وأمره بجمع الخصمين، وعدول ويعقل الأرض، ويشهدهم على ذلك. وفي أول باب من كتاب الأحكام ممن كتاب ابن حبيب: وفي كتاب الجدار من هذاالمعنى، وفي سماع عيسى عن ابن القاسم فيمن ادعى زيتونًا قبل رجل أن له أصل وثمرته، وأثبت شاهدًا واحدًا، وطلب أن يجعل له وكيلا على الثمرة يحوزها في الجني والعصر حتى يستحق حقه وطلب الذي هي بيده أن يقدم عليها لبيعها وجل الناس هناك لا يبيعون، إنما يعصرون؟. قال: إذا كان الشاهد عدلا انبغى للوالي أن يحلفه عليها، ويدفع إليه الثمرة. وإذا كان ممن لا يقضي باليمين مع الشاهد: نظر إلى ما فيه النماء في بيعه أو عصره فوكل به من يثق به من عنده ووفقه. فإن أثبت شاهدًا آخر دفعه إليه وإلا أحلفه بالله ما يعلم له فيه حقا ثم يدفعه إلى المدعي عليه، فإن نكل حلف الطالب وأخذه. وفي مسائل انب زرب قال: إنما أوجب العقلة في هذه المسألة خوف فساد الثمرة وتفويت المطلوب لها، وكذلك يوقف كل ما يغلب عليه من العروض وغيرها شاهد عدل، وذلك خلال الأصول لا تعتقل إلا بعدلين وحيازتهما، غلا أن الشاهد العدل إذا شهد في الأصول تقدم الحكم إلى المطلوب، وأمره ألا يحدث في الأصل بيعًا ولا شيئًا يفوته، ويشهد على انه أمره بذلك. فإن أحدث فيه شيئًا بعد تقدمه إليه لم ينفذ. وفي موضع آخر عنه من مسائله قال في صغر سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة اختلف ¬

_ (¬1) أنظر المدونة ج 12، ص 143.

أهل العلم في توقيف ما يقوم الطلب فيه من العقار إذا أثبت شاهدًا عدلا. فرأى بعضهم العقلة به واجبة. وحجتهم قول ابن القاسم في مسألة الزيتون التي فوق هذا. ورأى بعضهم ألا تكون العقلة إلا عد شهادة شاهدي عدل وحيازتهما. وهذا الذي يجري به القضاء ببلدنا، والحجة فيه أن الغلة إنما تكون بالضمان، فهي للمطلوب حتى يقضي عليه، وضمانها منه قبل ذلك. ولا تكون للطالب إلا إذا كان الضمان منه، ولا يكون الضمان منه إلا بعد شهادة شاهدي عدل وحيازتهما إن شاء الله عز وجل هذا كله من كلام القاضي ابن زرب وإملائه. وكان بعض من أدركت يقول في غلة المستحق لمن تكون ثلاث أقوال: أحدهما: قوله في مسأةل الزيتون إنها للمدعي إذا شهد له شاهد عدل، على ما ذكرنا فيها. والثاني: في المدونة قول مالك: الغلة للذي كانت في يده حتى يقضي بها للطالب؛ لأنها لو هلكت كان ضمانها من المطلوب. والقول الثالث في الموطأ: وما أغتلت الأرض من غلة فهي للمشتري الأول إلى يوم يثبت حق الآخر؛ لأنه قد كان ضمنها. ويتصل بهذا الأصل معان لو تتبعتها لطال الكتاب معها. ونزلت من معنى العقلة بشاهد واحد مسألة بقرطبة وكان بيننا فيها تنازل: وهي أن ابن عدوس قام في دار محبة مفصلة على دور بكتاب تحبيس أبيه إياها عليه وعلى غيره من عقبه، وأثبت كتاب تحبيسها عند الوزير صاحب الشركة والسوق أبي بكر بن حريش بالشهادة على الخط، وشهدت جماعة بحدودها، ولم يستوعب حيازتها من جميع أقطارها إلا شاهد واحد، ولم يكمل فيها لحكم حتى عزل الحكم. ثم شهد فيها أيضًا عند صاحب المظالم أبي بكر بن أدم بمثل ما تقدم في الأصل على الخط، وشهد قوم بمعرفتها، ثم لم يستوعب منهم حيازتها إلا شاهد واحد، واجتمع منهم اثنان فصاعدًا على حيازتها في جميع نواحيها إلا الناحية التي انفرد بها الواحد وأظنها الناحية الغربية. وشاورنا في ذلك: فأفتيت أنا بوجوب عقلتها وإخراج المطلوبين منها – وهم بنو انب الخطي، والإعذار إليهم في الذين ثبت بهم التحبس، وفي الحائزين. فإن أتى المطلوبون

مما يبطل ذلك من تجريح الشهود أو غيره، ولم يكن عند القائم مدفع قضى لهم وطل قيام القائم. وإن لم يأت المقوم عليهم المعذر إليهم بما يبطل ما أثبته خلف القائم في مقطع الحق أن حد تلك الناحية تنتهي إلى حيث حده ذلك الشاهد، ويحكم بالتحبيس، ويعدي المطلوبون بثمن الدار على من كان ابتاعها أبوهم منه. واحتججت في ذلك بدلائل الواضحة والمدونة وغيرها وبما تقدم ذكرنا له في اختلاف قول سحنون، واختلاف أهل العلم في وجوب العلة بشاهد واحد، وبأن هذه قد حيز أكثرها بشهود فهو أقوى من القول بالعقد بشاهد واحد. ويقول بعض المتأخرين في أحكامه: والعقلة في الدار بالقفل الجامع يوجه الحكم ذوي عدل بحضرة الحائزين، ويقفلان ما حيز بحضرتهما إلى أن يأتي النظر عليه. قال: والحيازة كلها واحدة، ولكن ربما اختلف علم الشهود فيها. والدار أقل اختلافًا من الأرض؛ لأن الأرض فيها يقع الاختلاف: يحوز رجل جهة من الحقل، ورجل جهة أخرى، ولا يقضي إلا يجتمع فيها ذوا عدل. قلت: الدار أعلامها ظاهرة بما أحدق بها من الجدران، وبهذا كان حكم. وكان بعض أصحابنا قد اختلف في ذلك وقال: لا تجوز العقلة بشاهد واحد. واحتج بما كتبته قبل هذا من "المغرب" وقال: إنه لم يقل أحد أنه يعقل بشاهد واحد. وجهل جميع ما قدمناه من قول سحنون، وابن زرب وغيرهما، والله الموفق للصواب. ولابن حارث في المحاضر: وإن سأل الحضر وأحدهما في أول مجلس تقدما إليه فيه أن يوكل كل واحد منهم من يتكلم عنده عنه في الدعوى والإقرار والإنكار ففيه اختلاف في رأي الفقهاء وعمل القضاة. فمنهم من يرى ذلك لهما أو لأحدهما. ومنهم من لا يرى ذلك إلا بعد أن ينعقد بين المدعي والمدعي عليه ما يكون من كل واحد منهما من الدعوى والإقرار والإنكار، ثم يوكل بعد من يشاء منهما من شاء من الخصوم. وذكر ابن العطار أن له أن يوكل قبل المجاوبة إذا كان الوكيل بالحضرة. والصحيح عندي ألا يمكن من ذلك؛ لأن اللدد فيه ظاهر، والمراد منه أن يحدث عنه كلامًا يكون فيه شغب على صاحبه. وقد كان سحنون لا يبيح للمطلوب التوكيل.

والعمل بأن ذلك لمن يشاء من طالب أو مطلوب وإذا أراد التوكيل بعد صدر من المخاطبة وبعد ثلاث مجالس فأزيد لم يكن له ذلك إلا لعذر من سفر يريده وشبه ذلك من مرض أو مشاتم ما لم يكن له ذلك. وإن كان إضرار بخصمه لم يمكن من ذلك وهذا معنى ما في المدونة. قال ابن العطار: ولا يجوز له أن يوكل وكيلين، إنما له أن يوكل وكيلا واحدًا، ثم ليس له عزله إذا كان قد قاعد خصمه مجالس ثلاثة أو أكثر، إلا إن ظهر منه غش أو تدخيل في خصومه وميل مع المخاصم له. قال: وإن سقط من توكيله الإقرار علي والإنكار عنه كان توكيلا ناقصًا، ولزم الموكل إتمامه على ذلك. وأما توكيل الوصي على المخاصمة عن يتيمة فليس إليه أن يجعل له الإقرار عليه. وقد شاهدت بعض القضاة ينكر عقد ذلك في توكيل الوصي عن يتيمة، ورأيت بعض قضاة قرطبة يخاطب قضاة غيرها بثبوت مثل هذه الوكالة خالية من ذلك الإقرار، وشافهت أبا مروان بن مالك في ذلك فقال لي: هذا الذي رأيته يعمل منذ خمس وعشرين سنة، وهو الذي أفتى به أن إقرار الوصي لا يجوز على يتيمة. قلت له: قد ذلك انب الهندي في مثل هذه الوكالة الإقرار. قال: كذلك هو، وهو خلاف. وتكلمت في ذلك مع أبي عبد الله بن عتاب فقال لي: هو خطأ من ابن الهندي. وفي أحكام ابن زياد: أحببت – وفقك الله – أن تعلم ما يجب لابن حوثرة وعليه، فيما يدعيه من الدفع في يالبينة، التي شهدت لخصم فلانة بالوكالة، ولم نر أحدًا من القضاة ولا من غيرهم من السلاطين ضرب أحد أجلاً وإنما السيرة عند القضاة أن يثبت التوكيل عندهم ثم يوضع النظر على أصل المطلب، فإذا قد نزع إلى أن يؤجل في المدفع فأجله ثلاثة أيام أو نحوها، وتكون المرأة في نظرها لنفسها وتكلمها بحجتها كالمطلقة من الآن. وقول ابن حوثرة أنها ممن لا يجوز لها توكيل فلا أكثر من شهادة شهيدين فقيهين من خيار الناس أنها جائزة الأمر، فهي بشهادتهما على الجواز/ ولا يكشف مثل هؤلاء من أن كانت كذلك، والحجة لابن حوثرة فيه، والحجة عليه أن أهل العلم قد قالوا في العدل المبرز لا توضع فيه الجرحة.

قال بذلك محمد بن غالب، وعبيد الله بن يحيى، ومحمد بن لبابة، ومحمد بن وليد، ويحيى بن عبد العزيز، وغيرهم. وقال ابن الهندي في كتابه: والإعذار إلى الموكل من تمام الوكالة، وإن لم يعذر جاز. وتكلمت فيه مع ابن عتاب فقال لي: كان الشأن في القديم والإعذار ثم ترك. قال ويعذر أيضًا في الموت والوراثة. ورأيته في أحكام ابن زياد ولا يطول الأجل في الإعذار في ذلك. وقال لي عن القاضي أبي المطرف بن بشر أنه قال: إنما ترك الإعذار في الوكالة والموت لأنه لابد أن يعذر إليه عند إرادة الحكم له أو عليه في آخر الأمر فأغنى عنه أولا. وهذه نكتة حسنة إذ لابد للقاضي أن يقول للمتحاكمين آخرًا: أبقي لكما حاجة؟ فإن قالا: لا، قضى عليهما. وهو قول مالك في "المدونة" في الأقضية وغيرها. وقال ابن مالك: لابد من الإعذار في الوكالة؛ لأن الوكيل يقر عن موكله. وينكر، ويصالح، إن كان جعل إليه ذلك ويلزم الموكل، فيكيف لا يعذر فيه؟. وفي أحكام ابن زياد: فهمنا – وفق الله القاضي – ما كشف عنه في مقاعدة أحد الخصمين صاحبه قد يقع بينهما فيه التناكر، ثم يريد أحدهما بعد قعدة أو قعدتين أن يوكل من يقوم مقامه؟ فالذي ذهب إليه أصبغ بن الفرج ورأيت الحكام يستعملونه أنه إذا قاعده مقاعدة نفع فيه الحجج وفشتا بينهما المكالمة فلا يوكل غيره إلا من عذر يظهر من مرض ثبت، أو سفر حضر. وإن قاعدة المرة والمرتين ولم تقع حجج وبينات فله أن يوكل غيره. قال بذلك محمد بن عمر بن لبابة. والذي قال الخصم من أن يوقف له خمسه على إقرار أو إنكار ثم يوكل بعد ذلك إن شاء فليس بسنة، وللمطلوب أن يوكل، فإذا وكل قام وكيله مقامه في الإقرار والإنكار. وقال ذلك محمدبن وليد. وقال: من ظهر لدده وتعنيته يمنع من التوكيل. وقال عبيد الله بن يحيى. وقال محمد بن لبابة: كل من ظهر عند القاضي –وفقه الله – منه لدد أو تشغيب

في خصومه فلا ينبغي له أن يقبله في وكالة، ولا يحل إدخال اللدد على المسلمين. وقد أعلمني العتبي أن سحنون بن سعيد كتب إلى القاضي محمد بن زيد والذي رحمه الله كتابًا وقع إلى العتبي نسخته وفيه ألا يقبل الخصوم الوكلاء لما فيه من اللدد، والتشغيب، والإدخال، وإبطال حقوق الناس. والذي ذهب الناس إليه في القديم والحديث قبول الوكلاء إلا من ظهر منه تشغيب لدد فذلك يجب على القاضي - وفقه الله - إبعاده، وألا يقبل منه توكيلاً على أحد. وقد تقدم معنى هذا كله من "المدونةن" وغيرها. ورأيت فقهاء طليطلة يقولون: إن من وكل على طلب حقوقه، والمخاصمة عنه فيها وفيما طولب به، وعلى الإقرار عليه والإنكار عنه، على ما في وثائق التوكيل بإقرار الوكيل أن موكله وهب داره لزيد، أو قال لفلان: على هذا الذي وكلني مائة دينار أن ذلك لازم لموكله (¬1). وأنكر ذلك ابن عتاب وقال: إنما يلزمه إقرار فيما كان من معنى المخاصمة التي وكل عليها، وإما أن يقر عليها بما يخرجه من أملاكه فلا يقبل منه. وهذا الصحيح عندي. وفي الشفعة من "المدونة": قال ابن القاسم: من وكل على قبض شفعته فأقر أن موكله قد سلمها فهو شاهد، يحلف المشتري معه، وتبطل الشفعة (¬2). وفي بعض مختراتها: ولو كان مع إقرار الوكيل شاهد آخر وكانا عدلين بطلت الشفعة إلا أن يكون الشهود عليه الشفيع غائبًا غيبة يتهم وكيله على الانتفاع بالمال في ذلك - وللمال بال - فلا تبطل الشفعة بشهادته. وفي كتاب الشهادات: من وكل رجلاً على قبض ماله على فلان فجده فلان فقدمه وأحلفه ثم لقيه صاحب الحق لم يكن له أن يستخلفه لأن وكيله قد استخلفه. يريد أن جعل إليه استخلافه أو كان مفوضًا إليه. والله أعلم. قال حبيب بن نصر: سألت سحنونًا عمن وكل على مخاصمته رجلاً فلم يقم الوكيل ¬

_ (¬1) انظر مواهب الجليل ج 5، ص 189. (¬2) انظر مواهب الجليل ج 5، ص 189.

بذلك إلا بعد سنتين إما أنشب الخصومة قبل ذلك ثم يأتي بالبينة، أو لم ينشب خصومه، ولم يعرض في شيء حتى مرت السنتان ثم قام بعدها يطلب بتلك الوكالة القديمة، أله ذلكام يجدد الوكالة؟. فقال: يبعث الحاكم إلى الموكل يسأله أهو على وكالته أم خلعه عنها. فإن كان غائبًا قالوا كيل على وكالته. قال القاضي أبو الأصبغ: رأيت بعض شيوخنا يستنكر إمساكه من الخصومة ستة أشهر أو نحوها، ويرى تجديد الوكالة إن أراد الخصومة.

باب في مسائل أداء الشهادات، ونقلها، والإشهاد عليها، والشهادة على الخط، ومن سأل أن يدفع له نسخ ما يشهد به عليه، أو سأل القاضي أن يعطيه المشورة التي شاور بها

باب في مسائل أداء الشهادات، ونقلها، والإشهاد عليها، والشهادة على الخط، ومن سأل أن يدفع له نسخ ما يشهد به عليه، أو سأل القاضي أن يعطيه المشورة التي شاور بها قال محمد بن عبد الحكم في كتابه: إذا شهد شاهدان أن لفلان على فلان مائة دينار ولم يقولا: أقر بذلك، ولا غيره، إنما أطلقا الشهادة هكذا، لم أر شهادتهما تحقق شيئًا لن شهادتهما كأنهما حاكيان حتى يبينا ذلك فيقولا: أسلفه، أو أقر عندنا، أو ما يثبتان به ما شهدا فيه قد يجد من الناس من يحل يبيع النبيذ المسكر ويجعل له ثمنا أو غير ذلك. ولو قالا: نشهد أن له عليه مائة دينار من ثمن سلعة اشتراها منه لم أقبل ذلك ولم ألزمه الشيء حتى قولا: وقبض السلعة. وكذلك لو قالا: باعه سلعة بمائة دينار لم يقض بذلك عليه؛ لأنه ليس في شهادتهما ما يوجب أنه بقض لسلع. وفي كتاب إن خرجت من هذا الدار في أمتى قرئ عليه كتابٌ فقال: اشهدوا علي بما فيه. وهو لا يصف شيئًا مما فيه حتى يقرأ عليه. قال ابن القاسم: شهادته جائزة، وليس كل الناس يسوق ما أشهد عليه، وإن كان يكبت حتى يقرأ الكتاب، فإذا أقرته عرف شهادته وحفظها. فإن كان عدولا وأثبت ما أشهد عليه جازت شهادته. وقال سحنون: من رأى خطه في الكتاب لا يشك فيه ولا يذكر كل ما فيه، فقد اختلف أصحابنا في ذلك. والذي أقول به: أنه إذا لم يرى في الكتاب محوًا، ولا لحقًا، ولا شيئًا ينكره ورآه خطًا وحدًا فأرى له أن يشهد بما فيه ويقول: شهد بما فيه، ولا يستطيع أحد أن يذكر جميع ما في الكتاب. وكذلك إن لم يذكر من الكتاب شيئًا إلا أنه عرف خط الشهادة ولم يشك أنه بيده. وفي سماع أبي زيد: قلت لابن القاسم: كنت قاعدًا عند ضمام فجائني رجل فأشهدني على شهادة ضمام، فكتب شهادتي. ثم جاءني الرجل بعد حين بكتاب فيه شهادتي، وعرفت خطي، وأثبت أن ضمامًا أشهدني على شهادته في أمر دار، أذكر ذلك، غير أني

لا أحفظ أن هذا الكتاب الذي فيه شهادتي قرئ علي، ولا أحفظ أنه أشهدني على هذه الدار التي في هذا الكتاب؟ قال: إن لم تثبت شهادتك بما في هذا الكتاب حرفً برف فلا تشهد. وهكذا في "المدونة" فيمن عرف خط ولا يذكر الشهادة لا يشهد بها حتى يستيقنها ويذكرها. وقال في سماع أشهب: يرفعها إلى السلطان على وجهها ويقول: أرى كتابًا يشبه كتابين، وأظنه إياه، ولست أذكر شهادتي، ولا يقل هذه شهادتي بخط يدي. وقال عنه ابن نافع في المجموعة: قد أثبت غير مرة بخط يدي، ولم أثبت الشهادة، فلم أشهد، يقول الله سبحانه: {وما شهدنا إلا بما علمنا} (يوسف: من الآية 81). وفي مسائل ابن زرب: قال: إذا كانت الوثيقة منعقدة على الشهادة المشهدين لهم كالابتياع والصدقة ونحو ذلك فلا ينبغي أن يؤخذ الشهود بحفظ ما في الوثيقة، وحسبهم أن يقولوا أن شهادتهم فيها حق، وأنهم يعرفون المشهدين لهم. وإذا كانت الوثيقة مبنية على معرفة الشهود كعقود الاستدعاء: يشهد المسمون في هذا الكتاب من الشهداء أنهم يعرفون كذا وكذا، ورأى الحكم ريبة توجب الاستثبات فينبغي أن يقول لهم: ما تشهدون به؟ فإذا نصوا شهادتهم بألسنتهم على ما في الوثيقة نفذت إلا ردها، ولست في كل موضع ينبغي له أن يفعل هذا، ولا بكل الشهود، وإنما ينبغي أن يفعله ممن يخشى عليه الخديعة من الشهود. قال: وربما فعلته. وفي باب الأقضية في الثاني مسائل من الشهادات والرجوع فيها فتأملها. وقال محمد بن عبد الحكم: ينبغي للحاكم أن يكتب شهادات الشهود بين يديه، ولا يلقن الشاهد، ويترك على ما عنده من العلم. ولا بأس أن يسأله عن تارخ شيء إن احتاج إليه، ولا يسأله عما يخاف أن يزيد في شهادته ولا ينقص منها. وقال سحنون في المجموعة: إذا كتب الشهادة فيختمها ويضعها بموضع يثق به حتى ينفذ قضاؤه، وكذلك في كتاب ابن المواز. وقال ابن حبيب: سمعت مطرفًا وابن الماجشون يقولان: ينبغي للقاضي أن يمكن

الناس من إيقاع شهاداتهم بأيديهم، ثم يرفعونها ليه موقعة. وهو فعل النسا عندنا بالمدينة في القديم والحديث؛ لأن الشاهد ربما أخجله مجلس القاضي فلا يقوم بشهادته. قال أشهب في المجموعة مثله إلا أن يتهم القاضي أحد الشهود إذا كان للتهمة أهلا، فيكون له إيقاع شهادتهم عنده، ولا يقبلها منه موقعة في رقعة، ويكشفه لذلك عن تلك الشهادة، ويختبره بكل ما استطاع حتى يقف منه على حقيقة أمر أو يردها. قال مطرف وابن الماجشون: وإن تولى القاضي أو كاتبة إيقاع شهادات النساس فلا بأس، وينظرها إذا أوقعها كاتبه. وينبغي للقاضي إذا شهد الشاهد عنده أن يكتب شهادته واسمه وقبيلته ونعته، ومسكنه، ومسجده الذي يصلى فيه، والشهر الذي شهد فيه، والسنة. ثم يوقع ذلك في صك عنده ثم يجعله ديوانه لئلا يسقط للمشهود له شهادته، فيزيد فيها الشاهد أو ينقص. وفي الخامس من كتاب المشتمل في الوثائق لابن أبي زمنين في تسجيل القاضي ببراءة في بتنفيذ وصيفة بعد ذكره انتساخ كتاب الوصية. وأتى الوصي فلان إلى القاضي فلان بفلان ابن فلان فشهد عنده أن الذي في كتاب الوصية المنتسخ في هذا الكتاب من شهادته حق على حسب وقوعها فيه، وأنه لا يعلم الموصى بدل عهد هذا بغيره إلى أن توفي، فأحاط بميراثه في علمهم ينوه يقول فلان وفلانة، وأتاه بفلان بن فلان وفلان بن فلان فذكر له أن بن فلان عليل الجسم، مثبت العلة، لا يقدر على أداء الشهادة بنفسه، وأنه سألهم أن ينقلا عنه شهادته إلى القاضي، فنقلا عنه إليه مثل شهادة فلان بن فلان. قال القاضي أبو الأصبغ: وسألت الشيخ أبا عبد الله بن عتاب عن تقييد نقل شهادة المريض إلى القاضي كيف هو؟ فقال: الذي كان يعمل في ذلك شهدعند القاضي فلان بن فلان زيد بن فلان وبكر بن فلان أن فلان بن زيد بن فلان وبكر بن فلان أن فلان الفلاني أشهدهما لمرضه المانع له من الخروج أن شهادته الواقعة في هذا الكتاب حق حسب وقوعها فيه، قال: وما يكتب اليوم وسألهما نقله جهل لا يجب عمله. وأشهدني بحضرته في عقد له أبو محمد المغيطي، وأبو محمد الدباغ على شهادتهما،

وكان تاريخ العقد بعيدًا عن وقت إشهادهما لي، فقلت له: إن تاريخه بعيد. قال: لا ير ذلك، ولا يحتاج من أشهداه إلى ذلك تاريخ إشهادهما إياه. وكنت عند أبي عمر بن القطان فجرى ذلك عنده فقال مثل ذلك. وبه رأيت العمل بقرطبة لا يزيدون على كتب: وشهد على إشهادهما على شهادتهما بذلك. ورأيت أهل أشبيلية يؤرخون وقت إشهاد الشهود على شهادتهم. والأمر عندي فيه واسع. وقلت لابن عتاب: فما تختار لمن أشهد في عقد تاريخه غير وقت الإشهاد لأن بعض الناس يكتب وفلان بن فلان لفلاني: وكتب في شهر كذا من السنة المؤرخة أو من سنة كذا. فقال لي: كان الناس يكتبون: وكتب في شهر كذا من سنة كذا. وانتقد ذلك صاحب المظالم أبو عبد الله بن عبد الرءوف فقال: أصحيح أن يكتب أشهده المتبايعان، أو المتبايعون، أو فلان، وفلان بما في هذا الكتاب عنهما في شهر كذا من سنة كذا. يردي ويقول: ومما بالحالة الموصوفة فيه، أو وهما بحال الصحة والجواز. قال ابن عتاب: والصواب ما ذهب إليه ابن عبد الرءوف. قلت له: فلو كتسب الشاهد شهادته ولم يرخها؟ قال: لا يفعل ذلك. قال بعض من حضر: لأنه كذب؟ قال: هو كذب. قال: وقد يقع في المشهد فيه تخاصم ونزاع يضطر فيه إلى تاريخ الشهادات، فلابد من تقييد شهادته بتاريخ وقت الإشهاد. قال: وإنما استحب أكثرهم ترك تقييد وقت الإشهاد فيما أشهد فيه القاضاة والحكام من تسجيلهم وتقييدهم لأنه يؤمن فيه ما يخاف في الأول. ورأيت في عقد تاريخه مستهل ربيع الآخر سنة خمسين وأربعمائة شهادة أبي مروان ابن مالك بخط يده، وعبيد الله بن محمد بن مالك، وذلك في ربيع الآخر المؤرخ فيه وكتب وهو عندي حسن جدًا والمعنى وعبد الله بن محمد بن مالك أشهده الموصي وذلك في ربيع الآخر. قال: وقلت لابن عتاب: فمن نقل شهادته من الكتاب الذي أشهد فيه إلى كتاب انتسخ منه؟ فقال: لابد أن يذكر في شهادته ذلك؛ لئلا يكون الحق الذي فيه حقوقًا

كثيرة، فقلت له: إن المعمول به في ذلك بطليطلة أن يصل المستنسخ له بتاريخ العقد والكتاب منتسخ من الأصل للحاجة إليه، ثم يكتب الشهود شهاداتهم. فقال لي: ليس هذا بشيء؛ لأنه لا يفهم مثل هذا أهؤلاء شهود الأصل أم غيرهم. وهو كما قال. الذي كنا نكتبه ورأيت من يعمله: فلان بن فلان الفلاني نقل شهادته من الكتاب الذي نسخته هذا حرفًا بحرف، وذلك في شهر كذا من سنة كذا. وهذه كلها معان حسان لا يستغني عنها من رغب الازدياد في العلم والتوسع في القهم. الشهادة على الخط في حبس: ونزلت بقرطبة مسألة في حبس ثبت بالشهادة على خط شهوده إذ كانوا قد ماتوا، وكانت الدار المحبسة قد بيعت، فلما أعذر إلى مبتاعها في شهود تحبيسها وحائزيها استظهر بعقد أشهد فيه المحبس أنه متى حبس تلك الدار أو غيرها من أصوله فإنه إنما يفعله تقية لمن يخشى ظزلمه، وأنه متى أمكنه إبطال الحبس فإنه راجع فيه غير ممض له. وشوورنا في ذلك فاختلفنا فيه. ورأيت إثباتها هنا لأنه حسنة مشتملة على معان، وكان الناظر فيها آخرًا صاحب المظالم عبيد الله بن أدهم. فخاطبنا: يا سيدتي وأوليائي، نفذ إلي – أعزكم الله – توقيع المعتمد على الله، المؤيد بنصر الله، أبقاه الله، بالنظر في أمر الدار التي قام فيها بالتحبيس محمد بن سعيد على محمد ابن هشام، وهي الدار المعروفة بدار القلنية. فحضر محمد بن هشام وصيره عبد الملك وكيل زوجته تقية بنت محمد بن هشام الثابت توكيلها عندي في مجلس نظري، وحضر معهما أحمد بن عثمان وكيل محمد بن سعيد المذكور بعد أن أثبت عندي من توكيله له على الخصام عنه، وله بوكالة التفويض التامة ما جاز له به الخصام عنه. وأظهروا إلي نسختين متقدمتين في قطعتين، وهما تحت ختم عبد العزيز بن سوار ففضضتهما فرأيت إحداهما قد تضمنت عقد التحبيس الذي قام به محمد بن سعيد وحيازة الدار المذكورة فيه، وموت سعيد بن يوسف وورثته، وغير ذك مما تقيد فيه. وتضمنت الأخرى عقد التقية التي أظهرها محمد بن هشام وصهره عبد الملك وكيل لزوجته، وابتياع محمد بن عبد الله بن ذكوان للدار المذكورة من سعيد بن يوسف

وحيازتها، وغير ذلك مما تقيد فيها من الشهادات وغيرها. وألفيت حكم عبد الرحمن بن سوار قد انتهى إلى الأمر باعتقال الدار المذكورة والختم عليها، وإلى الإعذار وغيره مما ترونة. وشهد عندي بحكمه المذكور من قبلت شهادته. والعقد بذلك في طرة كل نسخة منهما. ثبت عندي على نصه، وثبت عندي بثبوته جميع ما حكم به ابن سوار إلى أن انتهى إلى اعتقال الدار وإلى الإعذار على ما تقدم. وتصفحت ذلك كله فوجدته قد أعذر منه إلى محمد بن سعيد فيما أثبته محمد بن هشام وصهره عبد الملك وكيل زوجه من ابتياع محمد بن ذكوان للدار المذكورة المتصيرة إلى محمد بن هشام دون أن يكلف إثبات ما يجب عليهما. فكلفتهما إثبات موت محمد بن عبد الله بن ذكوان مبتاع الدار المذكورة من سيعد بن يوسف وعدة ورثته وأن الدار جميعًا تصيرت إلى محمد بن هشام بالابتياع من الورثة ذلك فأثبتا ذلك كله عندي بمن قبلت شهادته، وأمر بحيازة الدار فحيزت، وثبت عندي حيازتها، وأمرت بعقلتها، وثبت عندي بالحيازة المذكورة أنها الدار التي جرى فيها حكم ابن سوار إلى أن أمرتها باعتقالها، وشهد فيها عندي في النسختين المذكورتين، وأعذرت في ذلك كله إلى أحمد بن عثمان وكيل محمد بن يوسف، وعرفته بثبوته عندي وبمن ثبت فدعا إلى انتساخ ما ثبت من ذلك كله والوقوف عليه، وقال إن عنده ما يحل به ما شهد به، فدفعت إليه نسخة تضمنت ذلك كله، وأجلته فيما ادعاه من ذلك على ماضي العمل في التأجيل، وأعذرت إلى محمد بن هشام وعبد الملك وكيل بقية فيما ثبت عندي لمحمد المذكور من ذلك، وعرفتهما بثبوت ذلك عندي، وبمن ثبت، وأجلتهما في ذلك بمثل ما أجلت به أحمد بن عثمان وكيل محمد بن سعيد. فحضرا مجلس نظري، وقالا: لا مدفع عندنا إلا بما قمت به عن موكلي في التحبس المذكور وسائر العقود أظهرتها وأثبت ذلك عندك، وأنفذ ما توجبه السنة. وثبت عندي قول كل واحد منهم على نصه بمن قبلت وأجزت، وقد أدرجت إليكم طي كتابي هذا النسختين المذكورتين أولا في قطعتي الرق، ونسخة تضمنت ما ثبت عندي من موت محمد بن ذكوان، وعدة ورثته، وعقد ابتياع محمد بن هشام للحصة التي

كمل بها جميع الدار المذكورة وحيازتها، فتأملوا ذلك وجاوبوني عنه مشكورين والسلام. فجاوب أبو عبد الله محمد بن فرج مولى الطلاع سيدي وولي، تصفحت خطابك وما أدركته فيه، فرأيت نظرًا حسنًا مستقصى، فزاد الله في توفيقك. وثبت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (¬1) " والحبس الذي عقده سعد بن يوسف قد تبين بما عقده من التقية المتقدمة تاريخ الحبس أنه لم يرد به التقرب إلى الله تعالى، ولا التزام الحبس، وإنما أراد دفع من خافه على داره وأملاكه. وقديمًا فعل ذلك الناس، لا سيما أهل الخدمة. فلسعيد بن يوسف شرطه ألا يلزمه الحبس؛ لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "المسلمون عند شروطهم (¬2) "، وقد أخذ بشرط وباع الدار من ابن ذكوان، وابتاعها محمد بن هشام من ورثة ابن ذكوان على حسب ما ثبت عندك، وذلك كله جائز نافذ صحيح. ولا حجة لمحمد بن سعيد بن يوسف بأن التقية لم تثبت إلا بالهادة على الخط، لأن الأصل في الشهادة على الخطوط من قول مالك وأكثر أصحابه أنها تجوز في الحقوق، والطلاق، والأحباس وغيرها، إلا أن الذي جرى به العمل من الشيوخ أن يجوز في الأحباس وما تعلق بها، قد حكم القاضي ابن زرب في جائحة في الأحباس مات شهود الجائحة، وشهد على خطوطهم فأجاز ذلك وقضى بالجائحة. وهذه التقية قد رأيتها ورأيت أصل الحبس هما جميعًا بخط ابن اسمح المعافري وشهادته فيهما جميعًا وشهادة غيره أيضًا، وذلك دليل بينٌ على صحة التقية، فلا يجوز الحكم بما فيه شك، فاستخر الله تعالى وحل العقلة عن الدار وأرددها إلى محمد بن هشام وسجل بأعمال التقية وإبطال الحبس إذْ لم يعتقده الذي عقده موفقًا إن شاء الله. وجاوبت أنا بعد سيدي وولي: المسلمون مجموعون على أن قضاء القاضي وحكم الحاكم إنما هو بالظاهر، وإن كان لا يقطع بصحة مغيبة لا بالباطن الذي علم حقيقته ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البخاري ج 1، ص 30 برقم 54، ومسلم ج 3، ص 15159 برقم 1907. (¬2) الحديث أخرجه البخار معلقًا ج2، 794، وابن الجارود في المتقى ج 1، ص 161 برقم 637، والحاكم في مستدكه ج 2، ص 57 برقم 2309، والترمذي ج 3، ص 634 برقم 1352، والبيهقي في الكبرى ج 6، ص 79 برقم 11211، والدارقطني في سننه ج 3، ص 27 برقم 96، وأبو داود ج3، ص 304 برقم 3594.

مصروف إلى عليم السرائر المجازي على النبات والضمائر، وهو دليل كتابي تعالى وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)، قال الله تعالى: {ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وتُدْلُوا بِهَا إلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإثْمِ وأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 188). وثبت من حديث مالك وغيره بالإسناد الصحيح المتصل أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحق بحجته من نبعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت لهب شيء من ق أخيه فلا يأخذ منه شيئًا، فإنما أقطع له قطعة من النار (¬1) ". فدلت الآية وهذا الحديث على أن الحكم قد يقع في ظاهره مما ألحق في باطنه، وأن الحاكم لم يتعمد بتعرف الباطن؛ إذ هو تكليف ما لا يطاق. {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة: من الآية 286). واليقين قد حصل بصحة الحبس بالوجه الذي أجمع الشيوخ على تجويزه في الأحباس، وبيع المحبس إياه ونقله إلى ممتلك سواه غير مقطوع على صحته، وإن كان باع لأنه باع ما حبس. وبيع الحبس لا يجوز، وإذا بيع فالبيع يه مفسوخ، ولا خلاف في هذا عندنا. ورأيت شهود عقد الاسترعاء في بيع الدار المحبسة من ابن ذكوان قد قطعوا شهادتهم عما تضمنه العقد، وقيدوها على حسب ما شهدوا به عندك، وكانت الشهادة على نص العقد أقوى. وبهذا صار التبايع غير متيقن على الوجه الذي يجب به الحكم. وما خاطبنا به مدار الكلام فيه على فصلين: هذا أحدهما، وقد أشرنا بما يغني مثلك عن شرحه وبسط معانية. والفصل الثاني: الشهادة على الخط: وهي تنقسم على وجوه، منها: الشهادة على خط المقر على نفسه بحق من مال أو طلاق أو عتاق أو وصية وشبهها. وشهادة الشاهد على خط يده في شهادته وهو لا يذكرها. والشهادة على خط القاضي في خطاب أو حكم. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البخاري ج 2، ص 867 برقم 2326، ومسلم ج 3، ص 1337 برقم 1713.

والشهادة على خط الشهود، وهي التي يلزم الجواب عنها والتكلم فيها؛ إذ هي نفس هذه النازلة، وعين هذه القضية، وسائر الوجوه نحن في غنى عن ذكرها إلا ما جرى في تضاعيف الكلام منها. ولمالك وأصحابه في الشهادة على خط الشاهد قولان، وروى مطرف عن مالك أنها جائزة على خط الميت أو الغائب إذا لم يستنكر شيء، ورواه ابن وهب عنه أيضًا. ذكره فضل، وقاله أصبغ وغيره. واختلف في حد المغيب الذي تجوز فيه الشهادة على خط الغائب، فقال ابن الماجون في يديوانه: ما نقصر فيه الصلاة، ونحوه عنه في المجموعة. وقال ابن سحنون عن أبيه: الغيبة البعيدة من غير تحديد. وقال ابن مزين في كتبه الخمسة عن أصبغ: مثل أفريقية من مصر، ومكة من العراق. ولابن وهب عن مالك في نوازل سحنون جواز شهادة العدلين على كتاب كاتب الحق إذا كان علادً مع يمين صاحب الحق. ونحوه في سماع عيسى. وذكر فصل أن ابن أبي جعفر روي عن مالك أن شهادة الشهود على خط الغائب أو الميت لا تجوز. وقال ابن المواز: أما الشهادة على خط المقر فلم يختلف قول مالك فيها. يريد في إعمالها على المقر. قال: وأما على خط الشهادة فما علمت من حكم به، وهما لو سمعا الشاهد ينص شهادته لم يجز أن ينقلاها حتى يقولا لهما: اشهدا بذلك. قال: والذي أخذ به لا تجوز الشهادة على الخط إلا خط من كتب شهادته على نفسه فهو كالإقرار. وقاله ابن القاسم، ورواه عن مالك. وقال محمد بن عبد الحكم: لا أرى أن يقضي في دهرنا بالشهادة على الخط لما أحدث الناس من الهجوم والضرب على الخط، وقد كان فيما مضى يجيزون الشهادة على طابع القاضي، ورأي مالك: ألا يجوز. وقال ابن الماجشون في غير الواضحة: الشهادة على الخط باطل، وما قتل عثمان ابن عفان (رضي الله عنه) وهو خير هذه الأمة بعد نبينا عليه السلام وبعد أبي بكر وعمر رضي الله

عنهما؛ إلا على الخط وما دهى به منه وكتب عليه. قال أرى أن يشهد على الخط ولا يشهد الرجل إلا بما يعرف على من يعرف وبعلمه فيمن يعلم. أما سمعت الله تعالى يقول: {وما شهدنا إلا بما علمنا} (يوسف من الآية 81) {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} (الزخرف: من الآية 86). وقال مطرف مثله. وقال: ممن ضعف أمر الخط وضعف الشهادة به أن رجلا لو قال وهو قائم صحيح: هذا خطي، ولست أذكر القصة، ولا أحظ المعنى الذي كتبت خطي فيه، لما كانت شهادةولا جازت جواز العلم والقول، فكيف يأتي رجل إلى خط غيره يشهد عليه، ويقطع أنه كتابه وعلمه فيمضي ذلك وينفذ. وهذا هو الصحيح عندي الذي لا أقول بغيره، ولا اعتقد سواء، وهو دليل المدونة وغيرها. قال بن القاسم: قال مالك: من رأى شهادته بخطه في كتاب ولم يذكرها فلا يشهد بها حتى يستقينها، ولكن يؤديها هذا كما قد علم. قلت: أتنفع هذه الشهادة إذا أداها هكذا؟ قال: لا (¬1). وقيل لمالك في سماع أشهب: أيقول هذه شهادتي بخط يدي إلا أني لا أذكر من الشهادة شيئًا؟ قال: لا، بل يقول: أرى كتابًا يشبه كتابي وأظنه إياه ولست أذكر شهادتي ولا أني ولا حتى كتبتها برفعها على وجهها إن لم يكن في الكتاب محو. وقال عنه ابن نافع: لا يشهد، وقال: قد أثبت غير مرة بخط يدي ولم أثبت على الشهادة فلم أشهد، وقاله ابن القاسم وأصبغ، قال ابن حبيب: وهذا أحوط، وإذا كان هذا قولهم في شهادة الشاهد على خط نفسه، فكيف يصح القول بشهادة شهود على خط شاهد أو شهود، لكني أذهب إلى جواز ذلك في الأحباس خاصة على ما أتفق عليه شيوخنا رحمهم الله اتباعًا لهم واستحسانًا لما درجت عليه جماعاتهم وقضى به قاضئهم وانعقدت سجلاتهم، وإن كان ابن لبابة قد قاد أصله ألا تجوز في حبس ولا غيره، وقد ذهب إلى ذلك غيره، ممن لا يلتفت إليه والجمهور أولى بالاتباع، وقد قال كثير منهم نظير هذا مما لم يكن عنده في النظر قويًا. وحسب المجتهد منا اتباع السلف وقد أجازوا غير ما شيء على الاستحسان فأخذوا فيه ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج 12، ص 145.

بالتخفيف، وما أجمعوا على ذلك في الأحباس إلا حيطة عليها وتحصينًا لها من أن تحال عن أحوالها أو تغير عن سبيلها واتباعًا لمالك وأصحابه في المنع من بيعها والمناقلة بها والمعارضة فيها وإن خرجت وذهب الانتفاع بها، واحتج ببقائها بالمدينة خرابًا لا تحال عن وجوها التي سبيلت فهيا. وظاهر اختيارهم هذا يمنع من تجويز الشهادة على الخط في التقية وشبهها مما فيه توهينها ونقضها، فلا يجوز العمل به، ولا يسوغ القول بذلك إلا لمن اعتقد جواز الشهادة على الخط في كل شيء، ولم يخص شيئًا من شيء لا حبسًا ولا غيره، وخالف ما اتفق عليه الشيوخ وجرى به العمل، وأما من ذهب مذهبهم بتخصيص الأحباس بهذا فلا يصح له القول بذلك في التقية ولا في غيرها، والله المستعان. وقد شافهت في ذلك بعض من لقيت من العلماء فأخبرني أن اختياره إبطال التقية، وأنه شاهد القضاء بذلك وفي ذلك أدام الله توفيقك ما جرى فيه من القول عن القاضي ابن بكر بن منظور رحمه الله بمحضر جميعنا، وقول أبي المطرف أنها نزلت، وأفى بذلك فيها الفقيهان ابن عتاب وابن القطان رحمهما الله تعالى، وهو الذي لا يجوز سواه. وقد كان هذا مذهبك حينئذ فاستخر الله تعالى في الحكم والتنفيذ له، وليس كون شهود التقية شهود الحبس بموجب تسوية القول فيها بالإجازة أو الرد؛ فقد قال مالك رحمه الله. كل شيء وسنته، ومن مضى أعلم ممن بقى، ولو لزم هذا للزم الشيوخ في إجماعهم على هذا في الأحباس أن يجيزوه في غيرها إذا كان الشهود سواء. وهذا مالك لم يختلف قوله في الشهادة على خط المقر في المال أنها عاملة جائزة على ما في سماع ابن القاسم، وفي آخر رسم نقدها، وفي سماعه في التفليس وفي الواضحة والموازية، وأصحابه على ذلك وردها أكثرهم في الشهادة على خط في الطلاق وغيره، والقياس يوجب سوية ذلك، وقال مالك في كتاب عرض من سماع ابن القاسم في وصية الميت توجد في بيته بخط يده ورجلان يشهدان أنه كتاب -: لا تجوز، وعسى أن يكون لم يعزم عليها. وشهادة النساء تجوز في شيء دون شيء، وكذلك الصبيان، ولا يوج تجويزها في موضع تجويزها في كل موضع، والرجال كذلك تجوز شهادة العدلين في الأموال العظام والقتل وإن شهدا في الزنا بطلت شهادتهما وحدًا، وهذا كله بين والحمد لله، ولكل شيء

وجه، وجميعه يشهد بصحة ما ذهبنا إليه. مع أنه لم ينص على التقية ولا سمي المتقي ولا ضمن العقد معرفة الشهود لها، ولو كان ثبت بشهادة شهوده لكان ماضيًا مع ذلك على ما ذكره بعضهم، وإذا حكمت بإمضاء الحبس وفسخ البيع وجب للمبتاع محمد الرجوع بما ابتاعه به على بائعه منه إن كانوا أحياء، أو من مات منهم عن مال رجع به في ماله إن وجده بعينه، وإلا فعلى من صار إليه ذلك المال من ورثته، ثم يرجع المرجوع عليهم على من باع منهم أو من مورثهم حتى ينتهي التراجع إلى البائع المحبس، فإذا انتهى إليه وثبت مبلغ الثمن الذي باع به وقبضه إياه رجع به فيما تخلفه من مال مطلق، وإن لم يثبت عدده ولا وقف شهوده على مبلغه استنزلوا فيه قليلاً حتى يقفوا منه على عدد لا يرتابون فيه؛ فيؤخذ من مال المحبس مثال هذا قول ابن القاسم ومطرف وابن كنانة وبه أقول، وروي أشهب عن مالك خلافه. وإن لم يتحقق الشهود منه شيئًا بطل، وكذلك يبطل إن لم يوجد له مال مطلق يؤخذ منه، وإن شهد بقبضة ومبلغه وشرط المحبس في كتاب التحبيس أنه إن انقرض عقبه في حياته رجع المحبس إليه ملكًا لا يوهن الحبس؛ إذْ قد ثبت بقاء عقبة من بعده، وكذلك استثناه، وسكن الدار حياته لا يوهنه لتفاهتها في جملة الحبس على ما تضمنته شهادة شهوده، وبه جرى العمل، وبإرجاء الحجة جرى العمل أيضًا لمن غاب من عقب المحبس فضمنه كتاب حكمك معصومًا موفقًا إن شاء الله. وكان القائم بالحبس ولد المحبس قد كتب مسألته إلى فقهاء أشبيلية إلى أبي عبد الله بن منظور وولد محمد بن زريق وغيرهما؛ فأفتى جميعهم بأن عقد التقية عامل وأهنه باطل، وكذلك أفتى أبو المطرف عبد الرحمن بن مسلمة فقيه طليطلة، وحجة أبي عبد الله بن فرح في جوابه بحكم ابن زرب في جائحة ثمرة حبس بالشهادة على خطوط شهود الجائحة، وقياسه التقية عليها ضعيفة غير قوية، وقيمة غير صحيحة؛ لأن ذلك ليس فيه إبطال الحبس ونقضه وصرف أصله عما سبل فيه، كما في إعمال التقية إبطاله، ولو ساغ هذا لساغ إبطال الحبس بدين قديم على المحبس قبل التحبيس، ولا يثبت إلا بالشهادة على خط شهود الدين إذا كان المحبس لا مال له حين التحبيس إلا الحبس، وهذا لا يقوله أحد. ومن الحجة البينة لنا – وإن كنا لم نضمنه جوابنًا – أن المقوم عليه المبتاع للدار قد

أقر بتحبيسها باحتجاجه بالتقية في عقد الحبس فيها، وبقتي التقية لم تثبت بوجه قاطع يوجب الحكم بها، والله يوف للصواب من يشاء؛ فقد ذلك بعض من تأخر من الشيوخ: أن اختيارهم لتجويز الشهادات على الخط في الأحباس؛ إنما كان لأنها لابد أن يقترن بها سماع التحبيس وفشوه عند الناس؛ فقويت بذلك الشهادة على الخط فيها وهو معنى معدوم في غيرها في الأغلب. وسئل ابن زرب عمن كتب وصيته وأشهد عليها، ثم كتب في أسفلها بخط يده: هذه الوصية قد أبطلتها إلا كذا وكذا منها فيخرج عني، وشهدت بينة أنه خطه. فقال: لا ترد بهذا وصيته التي أشهد عليها، وهو كمن كتب وصيته بخط يده، ولم يشهد عليها حتى مات. وشهد على خط فيها؛ فلا تنفذ. وفي أحكام ابن زياد في رجل تردد على القاضي مشتكيًا برجلين عدلين حينًا، ثم قام على المشتكي به ما رجل يدعوى فسأله القاضي بينه على دعواه فقال: يشهد لي شاهدان وسمي ذينك الرجلين اللذين شكاهما المطلوب وتظلم منهما، وقال القاضي: هل لك غيرهما؟ فقا: لا، فاستراب القاضي ذلك، وسأل الفقهاء الجواب في ذلك، فقالوا: التثبت – حفظ الله القاضي – فيالشهود من أولى الأشياء وأحقها لما ظهر في كثير من الناس من الشهادة بغير الحق، والذي استرابه القاضي – وفقه الله -، إلا في العدول المبرزين المعروفين بالفض والخير واستقامة الطريقة على طول الأيام ومرور المدد، فإن شهادة مثل هؤلاء لا يسقطها إلا التجريح بالعداوة، قال بذلك محمد بن وليد وابن لبابة وسعد بن معاد، وأيوب بن سليمان. ولأصبغ في نوازله فيمن شهد عند القاضي لرجل على رجل قائم يسمع شهادته، فلما فرغ منها تحول إلى المشهور عليه، فقال له – والقاضي يسمع -: إنكم تشتمين، وتشبهني بالمجانين، وتهددني: أن القاضي لا يطرح عنه شهادته لهذا الكلام وشبهه إلا أن يثبت بينهما عداوة قديمة فليطرح عنه شهادته. وفي الثانية فيمن شهد عند القاضي فلما وضع شهادته عنده قال: بلغين – رحمن الله – أن هذا – يريد المشهود عليه – يهددني وشتمني ويرميني بالمكروه، قال ابن الماجشون: قد أبطل شهادته ولا أرى للحكم أن يقبل؛ هذا بخير أنه عدوه فكيف يشهد عليه وفي أدنى من هذا الكلام طرح شهادته؟

وقال أصبغ: إن قاله على وجه الشكوى والإشهار في الأذى، ولم يكن على طلب خصومه لذلك ولا سمي الشتيمة فلا أراه شيئًا. وإن سمي الشتيمة، وفيها إن قام بها مطالبة أو مخاصمة أو كان على وجه الخصومة وإن لم يسمها ساعته؛ فشهادته ساقطة. والأحسن أن يشهد الشهود عند الحكم بمحضر المطلوب إن كان حاضر البلد أو قريب الغيبة، فإن شهدوا ولم يحضر ولم يستدعهم ولكن يعلمه بهم، فإن كانت له حجة وإلا حكم عليه. هكذا في المدونة، وفي سماع أصبغ مثله. قال أصبغ: وهذا محضر القضاء. ولسحنون في العتبية إن قسر الحاكم في إحضاره عند الشهادة، ثم سأله إعادتها، فأرى أن يعيدها إلا أن لم يقدر على ذلك لمغيبتهم، فيدفع شهادتهم بما يقدر عليه، ويصير كالبعيد الغيبة. وفي كتاب ابن حبيب: قال ابن الماجشون: العمل عندنا أن يسمع القاضي في بينة الخصم حضر خصمه أو لم يحضر، فإذا حضر قرأ عليه الشهادة وأسماء الشهود، فإن كان له مدفع أطرده ذلك، وإلا لزمه القضاء، إلا أن يستريب القاضي في ذلك ويرى اجتماعهما أبدًا، فلا يوقع الشهادة إلا بمحضرهما. وفي كتاب ابن المواز: إن كان قريبًا فليحضر حتى يشهدوا عليه أو يحضر وكيله، وقد يذكرهم أمرًا ينفعه، فإن لم يفعل جاز، ثم إذا حضر أخبره بشهادتهم، ولي له أن يقول: يحضرون حتى يشهدوا بمحضري، وإن شاء أن ينسخ له شهادتهم فذلك له. وقال محمد ابن عبد الحكم نحوه. وفي أحكام ابن زياد: إن تغيب عن الحضور مع الطالب عند القاضي، فمن حق الطالب السماع في بينته والنظر له إذا تبين له تورك المطلوب وتنحيه. قال ابن لبابة، ويحيى بن عبد العزيز، ومحمد بن يحيى، وعبيد الله بن يحيى، وسعيد بن معاذ، ومحمد بن غالب، وأحمد بن يحيى، ومحمد بن وليد. والذي شاهدت العمل به إذا كملت الشهادة أن يدفع إلى المشهود عليه نسخ جميع ذلك، ويعلم له على من قبل في البينات، أولا يكتب في النسخ سواهم، وينظر في ذلك اليوم واليومين والثلاثة، ثم يعود إلى القاضي فإن ادعى مدفعًا ابتدأ بضرب ألآجال من

حينئذ، وإن قال: لا مدفع عندي، كتب مقالته وثبت عند القاضي وشاور حينئذ. وإن تشاح الطالب والمطلوب في القرطاس الذي تكتب فيه النسخ ليعذر إلى المطلوب فيها؛ ففيه بين الشيوخ تنازع: سألت أبا عبد الله بن عتاب عن ذلك، فقال لي: كان الحكام والفقهاء يختلفون فيه، وأراه على الطالب: ووسمعت من يذكر ذلك عن أبي محمد بن دحون أنه على الطالب. وأفتى أبو عمر بن القطان أن على الذي يغدو إليه القيام بالقرطا الذي تكتب فيه نسخ ما يغدو إليه فيه. وهو أحب إلي، والأول ليس ببعيد في النظر، والله أعلم بالصواب. وفي أحكام ابن زياد في طالب من القاضي أن يعطيه الشورى التي شاور له بها، قال ابن لبابة: الشورى – رضي الله عنك – إنما هي للقضاء وليس للخصوم، فلست تخرج من عندك، ولكن إن طلب نسخة منها فأعطه، ويكون الأصل عندك، وما عليك فيه درك ولا نقيصة. والله أعلم بالصواب واليقين وهو حسبنا ونعم المعين.

باب في الاستئمان والخلطة وكشف القضاة عما يستريبونه من الأمور بمن يرسلونه ممن يثقون به

باب في الاستئمان والخلطة وكشف القضاة عما يستريبونه من الأمور بمن يرسلونه ممن يثقون به في أحكام ابن زياد يبعث القاضي وفقه الله رجلين عدلين إلى أمشاقة يجتمع أهلها ويقفوا على الأرض التي حلف عيها ابن الحرافي أنها هي التي أقر بها المنصور، وتقوم على قيمتها عندهم، فإذا عرف قيمة القفيز فيها أخذ الحرافي قيمة أربعة أقفزة، وفيها يستبرئ القاضي - رضي الله - عنه أمر التابوت الذي قالت أم الوليد أنه وديعة ويستبحث خبره فإذا تظاهر له أنه كما قالت أمر بإخراجه من العقلة ويبعث في ذلك من يثق بصدقه وأمانته ومن لا يظن به أنه رسول القاضي. فإذا تبين ذلك أمضاه بالوديعة، ولا يطلب في ذلكالعدول لأنها أسباب لا يقدر على العدول فها وإنما يعمل فيها على ما يرجى به البلوغ إلى فهمه عند الكشف والبحث، وما كان فيه من غير ذلك مما عقد فيه إقرار أم الولد وزوجها بقولهما فهو ما عقد عليهما، فإن رجعا عن ذلك إلى دعوى غيرهما فهما فهما مبطلان. قال بذلك محمد ابن لبابة وأيوب بن سليمان وممد بن وليد. وقال محمد بن غالب: الذي عقد الزوج على نفسه في قوله لا حق لي في الدار ولا في شيء منها موجب ما فيها لولد الميت، إلا ما صح لغيره بوديعة، وقد أفتى أصحابنا وللقاضي أن يأخذ بالأسهل ولا يحلم فيه ما يحمل في الدعويات من البينة العدلة، وكل ذلك حسن إن شاء الله وبه أقول؛ لأنه قد تبين له عند الامتحان ما يظهر له به الحق في دعوى مدعي الوديعة فيسقط العقل كما قالوا، ويكون صوابًا إن شاء الله. وقال بذلك عبيد الله بن يحيى وسعيد بن معاذ وأحمد بن يحيى ومحمد بن وليد. واعلم أن الخلطة أصل في مذهب مال وأصحابه وبه جرى العمل بالمدينة، ذكر مالك في الموطأ أن عمر بن عبد العزيز كان لا يحلف المدعي عليه لمدعي حتى تكون بينهما مخالطة. قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا، فإن نكل المطلوب عن اليمين حلف الطالب وأخذ حقه، وهو قو جماعة أهل المدينة: المشيخة السبعة وغيرهم. وكان المشيخة السبعة يقولون: لا تعلق اليمين على كل من ادعى عليه، ولا تعلق اليمين إلا بالشبهة أو باللطخ أو بالخلطة بين الرجلين. هذا قولهم في كتابهم. وهو أكمل من الذي ذلك عنهم في كتاب الشهادات (أ - 16) من المدونة.

وقال القاسم بن محمد: إذا ادعى الفاجر على الصالح شيئًا يعلم الله أنه كاذب، ولم يعلم بينهما أخذ ولا إعطاء؛ لم يستحلف ذكره إسماعيل وهو حسن من القول، صواب من النظر. وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وابن راهوية: من ادعى حقًا على غيره ولا بينة له؛ استحلف له المطلوب في الحقوق كلها، وحجتهم حديث حبيب ابن مليكة عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لو أعطى قوم بدعواهم لا دعى قوم دماء آخرين وأموالهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه" وليس فيه ولا غير من الآثار ذلك خلطه. وفي المدونة في رجلين ابتاعا سلعة من رجل فق4ضى أحدهما نصف الحق، ثم لقي الآخر فقال له: اقض ما عليك، فقال: قد فدته إلى صاحبي الذي اشترى معي، ثم سافر هذا المطلوب وبقي الطالب وهذا الباقي، فقال له: ادفع إلي ما دفع إليك فلان فقال: ما دفع إلي شيئًا، قال: قال: فاحلف لي، فأتيا مالكًا وسألاه، فاقل: لا أرى هذا خلطة ولا أرى عليه اليمين. وقاس ابن القاسم عليها من ادعى على رجل كفالة ولا خلطة بينهما، فقال: أيمين عليه؟، قال: ومن ادعى عليه دين أو استهلاك متاع أو غصب نظر السلطانن فإن كانت بينهما مخالطة في دين أو تهمة فيما ادعى، فإما أحلفه وإما أخذ له كفيلا حتى يأتي ببينة، وعنه في كتاب الكفالة في أخذ الكفيل خلاف. هذا وفي سماع أصبغ عن ابن القاسم في المخالطة التي تستوجب بها ليمني قال: يسالفه ويبيعه ويشتري منه، وليس أن يشتري منه ويقبض السلعة ويدفع الثمن ويتفاضلا حتى يكون قد باعه مرة ومرة مرارا، فتكون مخالطة وإن تناجز في ذلك كله وفاضلا. وقال أصبغ: وقال سحنون: ولا تكون المخالطة إلا في البيع والاشتراء بينهما، ولو ادعى أهل السوق بعضهم على بع لم تكن مخالطة حتى يتبايعها ولا كونهما أهل منزل واحد ومسجد واحد مخالطة. وقال في كتاب ابنه: وإن كان الرجل متهمًا ليس مأمونًا فيما ادعى عليه، علقت به اليمين كالخلطة. وقال يحيى بن عمر: أما الصناع فعليهم اليمين لمن ادعى في صناعتهم وإن لم يأت

بخلطة، لأنهم منصوبون للناس. قال ابن أبي زمين: قال أصبغ: خمسة تجب عليهم الأيمان بلا خلطة: الصانع، والمتهم بالسرقة، والقاتل عند موته: لي على فلان دين، والذي يمرض في الرفعة فيدعي أنه بري بماله إلى رجال وإن كان المدعي عليه عدلا غير متهم، وكذلك الغريب ينزل مدينة فيدعي أنه استودع رجلا مالاً. وقال مطرف: من اتهم بسرقة وهو ممن يرضى بعارها حلف، وإن أبى سجن حتى يرى السلطان فيه رأيه، وإن كان ممن لا يرضى بعارها لا يرع في أخذ مال غيره إذا قدر فلا يميني عليه في دعوى السرقة. قال أبو عبد الله بن أبي زمنين: من ادعى عليه استهلاك متاع بغصب أو جناية أو أمر اتهم فيه، فاليمن لا تجب في هذا بالخلط، وإنما تجب بكون المدعي عليه معروفا بالغصب أو ينسب إليه وإن لم يثبت عليه، وإذا لم يحقق المدعي دعواه عليه وإنما اتهمه بجناية وشبهها ولم يقطع عليه بها؛ فلا تجب أيضًا في مثل هذا، إلا أن يكون ممن يتهم في دينا باستحلال ما لا يحل، ويمين التهمة لا ترد، ويرى السلطان في ذلك رأيه أن نكل المدعي عليه عنها. وبهذا جت الفتوى، وقد وقع في المدونة ما يد على هذا، وقد جاء لمالك وابن القاسم في ذلك خلاف تركت اجتنابه كراهة التطويل، وكذلك أفعل في كثير من المسائل التي أورد من الأمهات؛ أترك ما فيه تمامها وبه كمالها تخفيفًا واختصارًا إذ الغرض ذلك ما تفقهته عن الشيوخ، مما فيه تميم لما في الأصول أو تفريع له وبسط لمعاينة، وقد فعلت ذلك فيما تقدم – أعني ترك استقصاء ما أورده – والله تعالى يمن بفضله على ما يقرب منه. وقال ابن المواز في كتابه: من أقام بالخلط شاهدًا واحدًا أحلف معه وثبتت الخلطة، ثم يحلف المطلوب حينئذ، وقاله ابن نافع وابن كنانة. وفي سماع أصبغ فيمن أقام شاهدًا واحدًا أن فلانًا خليط له هل يستحل أو حتى يقوم له شاهدان أنه خليط، قال ابن القاسم: شاهد في هذا أو امرأة واحدة توجب اليمين بين الرجلين أنه خليط، وقاله ابن كنانة في المجموعة. وقال غير واحد من المتأخرين: إنما تداعى الخلط (ب – 16) فيما يعلق بالذمة في الحقوق، وأما الأشياء المعينة يقع التداعي فيما بينهما فاليمين لاحقة فيها من غير خلطة،

واحتجوا بمسائل الشفعة وغيرها، وقيل: لا تجب اليمين إلا بخلطة في الأشياء المعينة وغيرها، قال عبد الحق: وهذا أبين عندي؛ لأن الخلطة غنما رآها العلماء للمضرة الداخلة لو سمع من كل مدع. وادعت امرأة أن محمد بن إسماعيل بن المقريطي صار في دارها وهدمها وأخذ بعض أنقاضها، وقيمة ما أخذ كذا، وأنه قلع أسسها، وزرعها مدة من خمس أوام، وأنكر ابن المقربطي دعواه. فجاوب أبو محمد عبد الله بن دحون: لا يخفى مثل هذه الحال من النقض والزراعة على الجيران، فإن شبهت في دعواها بشبهة وجبت اليمين على محمد المقربطي. وجاوب أبو المطرف بن جرح: قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" فإن أقامت المرأة البينة على ما ادعت وإلا حلف محمد بن المقربطي على إنكار دعواها. وقال الشيخ أبو عبد الله بن عتاب: مذهب مالك رحمه الله فيمن ادعى عليه بمال من مبايعة أو غيرها: االيمين لا تجب عليه إلا بخلطة وملابسة، ومن ادعى عليه غصب أو سرقة لم تجب عليه اليمين إلا أن يكون متهمًا بذلك، وإن ادعى عليه أنه قذفه لم تجب عليه اليمين إلا أن تشهد بينة بمنازعة كانت بينهما وتشاجر فتحب اليمين حينئذ. وإذا ادعت المرأة الطلاق أو العبد العتق لم يحلف الزوج ولا السيد، إلا أن يقيما شاهدًا واحدًا، وأمثال هذا كثير، هذا مذهبه ومذهب أصحابه. وقد أوجب بعضهم اليمين بنفس الدعوى ومجردها، وذلك قليل، منه قوله في القاتل يدعي أن ولي المقتول عفا عنه قالك يحلف وأنكره أشهب، وقال: أرايت إن حلف فلما قرب للقتل قال: قد عفا عني ثانية [ترى أن يحلف له] قال ابن عتاب في جواب له: آخر مذهب مالك أن كل دعوى لا تلحق اليمين فيها بمجردها حتى يقارنها سبب، فإذا قارنها سبب لحقت اليمين، والأسباب تختلف وبعضها أقوى من بعض. هذا تحصيل المذهب، وفي بعض فروع هذه المسألة اختلاف بين أصحاب مالك. وما روى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "البينة على المدعي واليمني على من أنكر" فقد زاد فيه بعض الناقلين له من أهل المدينة "إذا كانت بينهما خلطة" وهذه الزيادة مقوية

لمذهب مالك، لكن هذا الحديث مع هذه الزيادة دونها لا يثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) على هذا اللفظ، والثابت عنه (صلى الله عليه وسلم) قوله لأشعث بن قيس وقد خاصم إليه رجلاً: "شاهداك أو يمنه"، وفي رواية أخرى "بينتك أو يمينه" وهذه الرواية تثبت عند بعض أصحابنا، وأما أهل الحديث فيثبتونه جميعًا. وأجمع أهل العلم على أن قوله: "البينة على المدعي" هو على العموم، وأن على كل مدع إقامة البينة إلا أشياء يسيرة لم يكن فيها إلى البينة سبيل فحكم فيها [بالدليل] كاللقطة يأخذها طالبها إذا عرف عفاصها ووكاءها، وكالستر يرخى بين الزوجين ثم يطلق وينكر الوطء وتدعيه المرأة فتحلف وتأخذ جميع الصداق، وغير ذلك. قال: واختلفوا في قوله: "واليمين على من أنكر" فقالت طائفة: هذا عام في جميع الأشياء، وقالت طائفة أخرى – وهذا مذهبنا -: أن ذلك على الخصوص، ودليلهم على مخالفيهم لو ادعى نكاح امرأة أو ادعت المرأة على الرجل ولا بينة على الدعوى: أنه لا يمين على المنكر؛ إذ لا يقضي فيها بالنكول، وأن لا ينعقد النكاح بالأيمان. وسئل عمن وجبت عليه يمين فردها على طالبه بها بمحضره، فسكت الذي ردت عليه حينئذ ومضى زمانًا، ثم ذهب أن يحلف فقال الراد: ى أمكنك الآن من اليمين وأنا أحلف على إنكار دعواك، وإنما ملكتك حينئذ فإذا لم تحلف وطال الزمان فاليمين إنما تعينت على لا عليك. فجاوب: إذا رد اليمين فلا رجوع له فيها طال الزمان أو قصر. ويحلف الذي ردت عليه، ويستحق بيمينه ما يحلف عليه، وهو قول مالك رحمه الله عامة أصحابه، ولا أعلم بينهم فيه اختلافًا. قال القاضي: هذا الذي جاوب به الشيخ هو في سماع أصبغ في الدعوى وفي التفليس، وفي رسم الجواب في سماع عيسى، وفي ديات المختلطة، وفي كتاب ابن سحنون: من قال فلان على مائة درهم إن حلف أو إذا حلف أو متى حلف أو حي يحلف أو مع يمينه؛ فحلف يمينًا على ذلك نكل المقر، وقال: ما ظننت أنه يحلف، فلا يؤخذ بذلك المقر في إجماعنا، ولمحمد بن عبد الحكم نحوه. فتدبره. وفي أحكام ابن زياد: تقرأ رحمك الله هذه الشهادات المدرجة في كتابي، ولست أعرف أحدًا من الشهود، وهل تجب اليمين بشهادة الذين لا أعرف أم لا؟

فجاوب عبد الله بن يحيى: زاد الله في توفيقك، وأكمل نعتك، لست أعرف أن اليمين تجب عند مالك وأصحابه حتى تثبت الخلطة، والخلطة لا تثبت إلا بشهادة أهل العدل، وأسهل ما يعرف في هذا عند أصحابنا أن يحلف مع الشاهد العدل واللفيف، وأسأل الله توفيقك وحسن عونك. وقال محمد بن الوليد: جواب عبيد الله بن يحيى الذي أجاب به في هذه المسألة هو جوابي، وقولي في ذلك مثل قوله حبطة واجتهادًا، والله أسأله التوفيق لك فيما يحب ويرضى. وقال أيوب بن سليمان بمثل ذلك، ثم قال للذي قاله ربيعة. تحدث للنا أقشية بما يحدثون، وقد أحدثت أشياء أوجبت القول بهذا والاجتهاد به. وقال محمد بن وليد: [وجواب] اليمين مع ثبوت الخلطة إجماع، وقال أحمد بن يحيى بن أبي عيسى: إذا ثبت الخلطة وجبت الأيمان. وقال محمد بن عمر بن لبابة: مذهب مالك والذي روي عن عمر بن عبد العزيز: أنه لا يمين إلا بخلطة. وهو الذي جرى في بلدنا وحكمت به القضاة، ورأيتك تستعمله منذ وليت. والذي أذهب أنا إليه في خاصتي وأفتي به من قلدني: اليمين بالدعوى لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "اليمين على المدعى عليه" وقال عبيد الله بن يحيى ومحمد بن وليد وابن لبابة: الإقرار بالخلطة يوجب الحلف في أهل المخالطة في أسباب المعاملات والأخذ والإعطاء، فإذا كانت الدعوى في تعد ينسبه أحدهما إلى صاحبه فإن اليمين لا تجب، في هذا بالخلطة، وإنما تجب في مثله إذا كان المدعي عليه بالتعدي ممن يتهم بذلك وينسب إليه ويكون معروفًا به. زاد ابن بابة: فيمن نسب إليه الغصب وكان معروفًا به، ثبت الغصب عليه أو لم يثبت، إلا أنه ادعى عليه. وفي فصل آخر في اليمين في تهمة الذي ذهبنا إليه في الفتيا أنه إن كان عند القاضي – وفقه الله – من أهل الريب وسوء الدعة، عليه اليمين [في التهمة] فكذلك يقول مالك وأصحابه، وإن لم يكن عند القاضي من أهل الريب والتهم، فلا يمين عليه، واعتلال صاحبه بأن قال: قد أنكر صداق ابنتي وأثبته بعد ذلك، فإن لم يكن من زلته غير هذا فليست بزلة يبلغ بها الريب التي تلزمه اليمين بالتهمة. قال بذلك محمد بن عمر بن لبابة. وإن كان القاضي لا يعرف فليكشف عنه سرًا وجهرًا حتى يصح عنده حاله. وقال عبيد الله بن يحيى: إن كان عند القاضي من أهل التهم، فاليمين عليه واجبة، وإن لم يكن

من أهل التهم، فما أرى عليه يمينًا. وقال يحيى بن عبد العزيز ومحمد بن وليد يمثل قول ابن لبابة، وقالوا في مريض وجبت عليه يمين: يحلف هاشم بن الغليظ في بيته – إذ مثله لا يحتمل أن يخرج به إلى مقطع الحق - بالله الذي لا إله إلا هو: لقد كتبت بيني وبين بنات خالد كتاب مراضاة، قطعنا فه كل علقة وكل طلبة كانت بيننا، ولست أحفظ نص المراضاة فإذا حلف معًا، ثم حل بنات خالد بالله الذي لا إله إلا هو في مقطع الحق: ما عقدنا هذا الكتاب الذي كتب هاشم أنا تراضينا فيه، ولا جرى بيننا تراض قاطع لطلبات بعضنا بعضًا، فإذا حلفن عادوا إلى الخصومة في جميع تداعيهم، قاله ابن لبابة وأيوب بن سليمان ومحمد بن وليد. وقالوا ثلاثتهم في مسألة أخرى: فهمنا وفق الله القاضي ما طلب عبد الوهاب بن عبد الله بن يسيل من يمين أخته عائشة فيما ادعاه عليها من تركه أبيها من ناض ومال، وما قال القاضي حفظه الله من أنه ثبتت عنده موت أبيها وعدة ورثته بشهادة سعيد بن عثمان وأحمد بن بيطير، فالذي نقول في ذلك: إن عليها اليمين في ذلك واجبة، إلا أن تأتي بما يسقطها من براءة جرت بينهم، أو تفاضل ثبت. وقال ابن لبابة في مسألة أخرى: فهمنا وفق الله القاضي ما أمر به من استخراج اليمين كيف يكون، وقد فسرناها وفسرها أبو صالح في جوابه، وذلك أن تحلف بالله: لقد حلفت في مقطع الحق لسقط مني الكتاب الذي كان فيه ذلك الرهن، وأنه لم يكن فيه رهن غير ما أقررت به من ارتهان الحقلين اللذين وجهت لحيازتهما، ووافقت البينة عليهما، ولقد حلفت في الخمسة والخمسين دينار (ب – 17)، فإذا حلف سقط عن فلان ما طلب به من الرهن، وصارا في تداعيهما إلى ما قد وفقا عليه. وقال ابن لبابة وأيوب ومحمد بن وليد فيمن حلف لخصمه قبل أن يكلفه ذلك: فهمنا – وفق الله القاضي – ما أدعاه ابن غالب رملة من أن يمينها أن عمها هشامًا سكن الدار لها ست عشرة سنة، كان برضا عممها هشام وإحلافه إياها على سكنى ست عشرة سنة، فليكشف الشهيدان فإن قالا: إن عمها أحلفها على ذلك وجب لها عليه ما حلفت عليه، ثم تحلف له أنه ما أسلفها شيئًا إن لمتكن له بينة على السلف ولا كافأهما، إلا أن تكون له بينة على المكافأة، وإن قالا: إنها بدرت باليمين بغير رضا عما ولا إحلافه إياهما على ست عشرة سنة ولا رضي بذلك بعد أن حلفت؛ وجب لها كراء عشر سنين كل

سنة بمثقال إن كان يشبه ذلك كراء الدار، وإلا فيمين هشام على ما ادعاه من الكراء عشرة دراهم كل سنة، إن كان يشبه ذلك كراء مثلها. فإن لم يشبه أيضًا ردت إلى كراء مثلها في موضعها ونفاقها وكسادها. قال القاضي: انظر قولهم: إن كانت بدرت باليمني بغير رضا عمها على الست عشرة سنة، وجب لها كراء عشرة سنين كل سنة بمثقال إن أشبه كراء الدار، والمعنى: أنها ادعت ذلك، وإلا فمين هشام على ما ادعاه عشرة دراهم في السنة، فبدوءا المدعية بالتصديق، ولم يذكروا أنها تحلف، وإنما وجه الحكم في هذا إذا اختلفا في عدد الكراء أن يكون القول قول الساكن في الكراء، إذا كان أمد الكراء قد انقضى، وأشبه ما ادعى مع يمينه على هذا. ولا أعلم خلافا في ذلك، وقد نص عليه في الواضحة، وكتاب الوقار وغيرهما، وهو معنى ما في المدونة، وهو كاختلاف المبايعين في مبلغ الثمن، وقد قبض السلعة مشتريها وفاتت عنده، في يقول مالك الذي أخذ به ابن القاسم، وقد روي هو وابن وهب عنه أن القول قول المشتري إذا قبض السلعة المشتراه، وإن لم تفت عنده. وأما على ظاهر قولهم: إنها تعطي كراء عشر سنين كل سنة بمثقالن وإلا فيمين هشام على ما ادعاه عشرة دراهم في السنة؛ فيدل على اختلافهما في النوع، وإذا اختلفا في نوع الكراء ولم يكن عرف صدق أحدهما وكان أمد الكراء قد مضى بعضه أو انقضى – ففيه قولان: أحدهما: أن يرد إلى كراء المثلا بعد أيمانهم وهو الأظهر في المذهب والأصح إن شاء الله، وهو مطرد في البيوع وغيرها، والقول الآخر: أن القول قول الساكن مع يمينه إن أشبه ما قال، ويؤدي ما حلف عليه، أو يجب منه لما سكن إن كان الأمر لم ينقض بعد، ويتفاسخان فيما بقي، ذكره ابن حبيب وغيره عن ابن القاسم. وهذا كله خلاف ما في هذه المسألة في أحكام ابن زياد على ما نقلناه والله الموفق للصواب الهادي إلى سبيل الرشاد، وما ذكروه خطا إلا أن كان ما ادعت رملة من الكراء بالذهب، كان العرف عندهم حينئذ في أكرية الدور وأفتوا على ذلك، فجوابهم عليه صحيح إلا أنهم لم يذكروا ذلك ولا أنها تحلف وهو تقصير. والذهب والدراهم في هذا الأصل نوعان كالقمح والشعير في الاختلاف في السلم، وكذلك الرواية في ذلك. وقال عبيد الله بن يحيى في نزاع بين ورثة: فهمنا – وفق الله القاضي – ما سأله

ابن بهلول من إحلاف من شركة في وراثة زوجة عائشة وبريهة بمثل ما حلفتاه به، فنرى أن ذلك له فإن اليمين عليهما بمثل ما كان لهما عليه، فمن نكل منهما عنها لم يقطع به مما اتهمنا فيه؛ حلفتاه على ذلك، فإن نكلتا شدد القاضي عليهما بما رواه الحيس وغيره، وقال ابن لبابة وأيوب بن سليمان ومحمد بن وليد، وفي قولهم إن الثياب المعتقلة يؤدي من ثمنها في الكفن إذا ثبت ما بقي كان على يد أمين حتى يفض بينهم، لأنه لا يؤمن على الثياب أن تستأنس، فبيعها من النظر إن شاء الله تعالى. وقالوا في دعوى وتهمة بسبب ميراث: فهمنا ما ذكره القاضي – وفقه الله – أنه ثبت عنه موت عائشة وعدة ورثتها وأن أخاها منهم ادعى عندك على محمد أن عنده لعياشة ثيابًا نوعها، وأنكر محمد أن يكون عنده شيء لعائشة أو يكون خليطًا لها في أخد أو إعطاء وشهد لأحمد جماعة بأن محمدًا خليط لعائشة في الأخذ والإعطاء. وقال القاضي [إنه] قبل من الشهود واحدًا وطلب أحمد يمين محمد فيما ادعاه عنه لعائشة، وأحب القاضي – وفق الله – أن يعرف إن كانت تجب اليمين على محمد فالذي نقول في ذلك إن كان أحمد ادعى الثياب عند محمد من بيع أو وديعة أو عارية؛ فاليمين تجب عليه له وله ردها إذا وصف المدعي الثياب ونعتها، وإن ادعاها من طريق غصب وعداء، فإن كان المدعى عليه من أهل العداء والتهم لزمته اليمين، وإلا فلا يمين عليه، قال بذلك محمد بن وليد، وقال محمد بن لبابة بمثل ذلك، وقال: ليس محمد بمن يحلف بالتهمة، ولكن اليمين عليه في الدعوى للمعاملة أو يردها، وقال أيوب ابن سليمان بمثل قول ابن وليد كله، وقال عبيد الله بن يحيى بمثل قول ابن وليد. وقالوا في هذا المعنى: اليمين واجبة لجشم بن نمر الجهني على ختنه عمر وعلي زوجته حزمة فيما ادعاه قبلهما من وثائق ابنتهما كندة التي كانت زوجته وتوفيت عنه، وفي صداقها الذي كان على زوجها المتقدم قبله في مقاطع الحقوق – بالله الذي لا إله إلا هو: أن تلك الوثائق وذلك الصداق ليست عندهما ولا أودعاه، ولا يعرفان لها موضعًان ولا عاملا فيها أحد بشيء، قاله ابن لبابة وأيوب بن سليمان، إلا أن يريد عمر رد اليمين على جشم عما في الوثائق التي يدعيها عند عمر، وكان الذي ينص من ذلك تحت يد عمر وزوجته: وجب لهما رد اليمين عليه في ذلك، فإن حلف وجب له الدخول بحقه في ذلك المنصوص، وإن نكل فلا شيء له، قال بجميع هذه الفتيا عبيد الله بن يحيى ومحمد بن عمر

بن لبابة وأيوب بن سليمان ومحمد بن يحيى بن أبي عيسى. وفي دعوى وتهمة في وثائق وغيرها ورد يمين على الأب: يحلف ابن مسونة وزوجته في مقطع الحق بالله الذي لا إله إلا هو ما أخذ لمسونة التي ذلك أنها زالت عنه، ولا فتحا لها تابوتا ولا استعار منها رداءًا، ولا أسلفا مثاقيل، ولمحمد بن مسونة أن يرد اليمين على أبيه في الرداء والمثاقيل أو فيما شاء منها، وأما الوثائق فإن حلفا فيها وإلا حبسا، ومن حلف منهما برئ قاله ابن لبابة وأيوب بن سليمان ومحمد بن وليد ومحمد بن أيمن. وفي المدونة قال مالك: ومن وجبت عليه يمين أو له في شيء له بال فإنما يحلف فيه في المسجد الجامع. قيل له: عند المبر، قال: لا أعرف المبر إلا منبر النبي عليه السلام، فأما مساجد الآفاق فلا أعرف المبر فها، لكن يحلف في أعظم موضع منها، ولا يستحلف في المدينة عندنا عند المنبر إلا في ربع دينار فصاعدًا، ويستحلف في القسامة في المساجد في دبر الصلوات وعلى رءوس الناس، وفي اللعان في المسجد أيضًا وعند الإمام. وقال في الموطأ: لا يحلف على المبر في اقل من ربع دينار وذلك ثلاثة دراهم، وجملة مذهبه أن اليمين لا تكون عند المبر من كل جامع إلا في هذا المقدار الذي ذلك، وما كان دون ذلك حلف فيه في مجلس الحاكم أو سوق أو غيره. قال ابن القاسم: وليس عليه أن يستقبل القبلة. وفي سماعه: ويحلف قائمًا. وفي كتاب ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك: يحلف في كل أمر له بال أو بلغ ربع دينار فصاعدًا مستقبل القبلة في المدينة عند منبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وفي غيرها من البلدان في مسجدهم الأعظم حيث يعظمون منه [عند منيرهم] أو تلقاء قبلتهم، والرجال والنساء في ذلك سواء. قالا عنه: ويحلف الحالف بالله الذي لا إله إلا هو، لا يؤمر بأكثر منه في الحقوق والدماء واللعان، وكل ما يقع فيه اليمين على المسلمين والنصارى أو اليهود أو المجوس، غير أن هؤلاء غنما يحلفون حيث يعظمون من كنائسهم ومواضع عباداتهم، ويرسل القاضي رسولاً من المسلمين يجلفهم، وهكذا سمعنا مالكًا يقول في ذلك ومشايخنا بالمدينة. قال ابن حبيب وابن عبد الحكم وأصبغ عن ابن وهب، وابن القاسم وأشهب عن مالك مثل ذلك كله. وفي أقضية المدونة وغيرها قال مالك: يستحلف من وبجت عليه يمني بالله الذي لا

الله إلا هو ولا يزيد على هذا، وبه مضى أمر الناس، وفي هذا عنه وعن أصحابه تنازع يطول الكتاب باجتلابه. وفي أقضية كتاب ابن المواز: ويمين العبد [والحر] والنصراني في الحقوق سواء، ويحلف النصراني مع شاهده العدل كان حقه على مسلم أو نصراني (ب – 18). وكذلك المسلم وغيره، ويحلف المسلم الحر والعبد مع شاهده في المسجد الجامع في ربع دينار فأكثر، فأما ما قل فيحلف في مقامه ولا يحلف في مساجد القبائل في قليل ولا كثير. وروى ابن القاسم عن مالك في الموازية وكتاب ابن سحنون فيمن باع ثوبًا فرد عليه بعيب، فادعى أنه بينة له فأنكره، فأراد يمينه عند المبر – قال: إنا لنقول لا يستحلفه عند المبر إلا في ربع دينار فصاعدًا قال ابن المواز عن أصبغ: فإن كان نقصان الخرق أكثر من ربع دينار لم يحلف إلا في الجامع. قال القاضي: ذكرت هذه المسائل في الأصول بينًا أن اليمين لا تكون عند المبر إلا في ربع دينار فصاعدًا، إذا كان بعض من يفتي معنا بقرطبة يرى اليمين عند المبر فيما له بال واء لم يبلغ ربع دينار طيب. وقد سألت ابن عتاب وابن مالك عن الحلف عند المبر في ربع دينار من الذهب القرمونية، وكان فيها من الذهب نحو السبع، فقالا: لا يحلف فيه عند المبر، وسألت عنه ابن القطان فقال: بمثله، وقال إنما هو الذهب الطيب. وقال ابن أبي أويس عن مالك: لا يحلف في القسامة واللعان وفي ثلاث دراهم فصاعدًا عند منبر إلا منبر النبي عليه السلام، وأما سائر المساجد فيحفون فيها ولا يحفون عند منابرها. وفي سماع ابن وهب نحوه. قال مالك: ويحلف عند منبر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالله الذي لا إله إلا هو، ورب هذا المنبر. قلت: ويقول: ورب هذا المنبر، قال: نعم. قال: ويحلف عنده قائمًا إلا أن يكون ضعيفًا، ورأيت بمكنة يحلفون عند الركن. وذكر الجرجاني وغيره عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن: أنه لا تجب اليمين عند منبر النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولا بين الركن والمقام في قسامة ولا في شيء من الأشياء، لكن الحكام يحلفون من لزمته يمين في مجالسهم. وقال مالك: من أبى أن يحلف عند المنبر فهو كالناكل عن اليمين، ومذهب الشافعي ألا يحلف في المدينة عند منبرها ولا بمكة بين الركن والمقام، إلا في قسامة أو لعان أو في

عشرين دينارًا فصاعدًا، وكذلك عنده في سائر البلدان عند منابرها، ولأشهب في يالنوادر: إن حلف والذي لا إله إلا هو أو والله فقط لم يجزه ذلك: ودليلنا على ذلك أن يربع دينار قد تعلق به القطع في السرقة كالعشرين دينارًا. وفي مسائل القاضي ابن زرب: سأله أبو الأصبغ عمن طلب بدين فقال للطالب: قد وصل إليك وأدفع إليك حقك على سبيل المكافأة فأراد أن يحلفه بعد ذلك بالله تعالى. ففكر ساعة ثم قال: إن طلب يمينه بالله عند يمينه بالطلاق فله ذلك، وإن كان بعد ذلك وبعد نفوذ يمينه بالطلاق ورضاه بها بعد نفوذها، فلا قيام له ولا سبيل إلى تحليفه لأنه بعد ذلك منه رضى والتزامًا، كمن قال: إن شهد على فلان بكذا فأنا ألتزمه، فشهد عليه فلان، فإن أنكر ذلك حين شهد أو رجع عن رضاه قبل أن يشهد كان ذلك له، وإن شهد عليه فرضى وسكت ثم أراد بعد ذلك أن يرجع عنه؛ لم يكن له ذلك، وهذا الأصل في كل من التزم مالا يلزم بحكم. وفي الأحكام لابن حبيب: من ادعى حفًا من بيع على من بينه وبينه خلطة فلزمته اليمين قبلي فقال: أحلف أنه لا حق لك قبلي، فقال مالك: بل يحلف ما يعتني ذلك ولا لك حق منه قبلي، وقال: هذا يريد أن يورك، أي يلغز ويحرف، وكأنه يريد ابتعت منك وقضيتك الثمن، ويخاف إذا ذلك هذا ألا يصدق في دفع الثمن وأن يحلف البائع ويأخذه. وفي شهادات المدونة مثله. وروى ابن القاسم عن مالك في كتاب سر فيمن جحد رجلاً حقًا له، وأراد طلب الحق أن يستحلف: ما أسلفته [شيئًا] وقال الآخر: أحف مالك على شيء. قال: أرى أن يحلف مالك عندي شيء، وما الذي ادعيت على إلا باطل، فإن أبى أن يحلف حلف صاحب الحق واستحق حقه، وقال: هذا يورك. وقال أصبغ: حضرت ابن القاسم وقد حكم بأن يحلف ما أسلفه شيئًا. والله أعلم بالصواب. باب وفي أحكام ابن زياد في امرأة وكلت على خصامها وسألها طالبها أن تأتيه بحميل لئلا تتغيب إن لزمتها يمين. قال أبو صالح: فهمت ما ذكره القاضي أكرمه الله أن امرأة وجبت عليها يمين على التنحي، وسأل خصمها أن يتخذ عليها حميلاً، ولم يثبت ما يريده من اليمين ولا وجبت عليها بعدولها وكيل، فما بال حميل يؤخذ منها، فإذا خاف الطالب توركها وتغيبها عنه عند وجوب اليمين عليها وجاء من ذلك ما لا يؤمن من فعل المتورك؛ وجب (أ – 19) عليها حميل، وليس الوكيل المتكلم عنها بجميل إلا أن يتحمل

ويشهد، فإن أبت في اتخاذ جميل عليها فاحبس حميل من لا حميل له، وقال محمد بن غالب: وقال لبابة ألا حبس عليها لعجزها عن الحميل، إلا أن يأتي بسبب طاهر. وقالوا فيمن حلف وسأل القاضي أن يشهد له بثبوت يمينه عنده: فهمنا – وفق الله القاضي – ما أراد عبد العزيز بن حريش القنوى من إشهاد القاضي حفظه الله على ثبوت يمينه عنده، وقرأنا الكتاب الذي نسخة القاضي في ذلك ونسخ فيه نسخة كتاب يمينه الذي حلف بها: أنه ما أخ ... من جميع ما هلكت عنه زينب بنت حريش وتركته ميراثًا لورثتها قليلا ولا كثيرًا، ولا أحال منه عليها، ولا حال بين ورثتها وبين شيء من تركتها، ولا يعلم لها موضعًاز وذلك بحضور عروة بن شعيب عاصب زينب، وبمحضر حفص بن عبد الله بن مرزبان وكيل زوجة أمة الرحمن أخت زينب، وشهد على جميع ذلك أحمد بن زيد الغافقي وأحمد بن بيطير. وأعذر القاضي إلى من وجب الإعذار إليه بما وجب أن يعر به. فرأينا نسخة تامة صحيحة يجب إشهاد القاضي له عليها، قال بذلك محمد بن عمر بن لبابة ومحمد بن وليد وعبيد الله بن يحيى وأيوب بن سليمان ومحمد بن غالب. وقالوا فيمن أراد أن يحلف أمه: فهمنا – وفق الله القاضي – ما طلبه ابن عبيدون من يمين أمه بعد أن أقام بينة على كينونته عندها وعند زوجها ابن عفان، وهذا – وفق الله القاضي – أمر مختلف فيه، ونرى أن اليمين واجبة له عليها لأنها حقوق تلزم فيما بينهم. وقال بعض المدينين: إنه عقوق إن أحلفها، قال بذلك محمد بن عمر بن لبابة، وكذلك تجب اليمين على ربيبة ابن عفان إذا وصف دعواه عليه وعلى أمه؛ إذ قد أقام البينة على كينونته عنده وعند أمه. وقال يحيى بن عبد العزيز وسعيد بن معاذ ومحمد بن وليد، وقال عبيد الله بن يحيى: قد اختلف في هذا؛ فأما مالك فإنه يرى ألا يحلف الأب ولا الأم للولد لأنه عقوق، وغيره من أهل العلمي يرى أنه يحلف. وفي كتاب المدينان في المدونة: قال ابن القاسم: لا يحبس الأب في دين الابن ولا يظلم له الابن، وإنما رأيت ألا يحبس الأبوان له لأن مالكًا قال: فما بلغني في الابن يريد أن يستحلف أباه في الشيء – قال: لا أرى أن يحلف. فإذا لم يحلف له فالحلف أيسر من السجن. وفي سماع ابن القاسم: سئل مالك عن رجل بينه وبين أبيه خصومة فأراد أن يحلفه،

فكره ذلك. ونحوه في ديات المختلطة. وف سماع أصبغ: عن ابن القاسم، فيمن يقضي له على أبيه باستحلافه أو الحد يقع له عليه فيريد أخذه، فيقال له: إن ذلك عقوق فيستحلفه أو يحده. قال: لا تجوز شهادته وإن كان جاهلاً؛ لأنه عقوق ولا يعذر في ذلك بجهالة. وفي النوادر قال ابن القاسم: إن شح الابن في يمين أبيه أحلف، وكانت جرحه في الابن. وكذلك في كتاب ابن حبيب، وهو معنى رواية أصبغ، وهو معنى ما في المختلطة وسماع ابن القاسم. ولابن الماجشون في سادس الثمانية: له أن يحلف أباه في الحقوق، وليس هذا من العقوق. قال القاضي: أخرجت هذه الروايات من الأصول وذكرت مواضعها ليستدل بها على قلة علم المفتي في المسألة فوق هذا بمواضع المسائل وقائلها، وإلا فلم قالوا: قال بعض المدنيين هو عقوق، وتركوا حكاية ذلك عن ابن القاسم وهو مصري، وابن الماجشون قال: ليس بعقوق وهو مدني، فقبوا ذلك، وإن كان قد قال بعض المدنيين: هو عقوق، وكانت حكايتهم ذلك عن ابن القاسم أولى لتعديلهم في فتواهم عليه، ولتكرر قوله في العتبية. وقول عبيد الله: اختلف فيه فمالك يرى ألا يحلف الأبوان لابن، وغيره يرى أن يحلف له. كان يلزمه أن يبين أن غيره ابن القاسم، وهو دليل روايته عن مالك في سماعه وفي الديات، وابن الماجشون إذ هو من أصحابه. ولو قال: اختلف فيه قول مالك؛ لكان أدل على علمه، أو قال: اختلف فيه رواية ابن القاسم وقوله؛ كان شاهدًا على فهمه. والله ولي التوفيق برحمته.

وقال ابن حبيب: حدثني ابن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن يونس بن يزيد عنس ليمان بن قيس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) استشار جبريل عليه السلام في القضاء باليمين مع المشاهد، فأمره الله بذلك. وعن علي بن أبي طالب أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قضى به في الحقوق، وقضى بذلك علي وشريح. وقال مالك: مضت السنة بحلف الطالب مع شاهده، ويستحق حقه، فإن نكل حلف المطلوب، وإلا غرم. وذلك في الأموال خاصة، لا في الحدود ولا في النكاح والطلاق والعتاقة والسرقة والفرية. وأجمع عليه مذهب الشافعي وأصحابه وابن حنبل وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود. قال مالك: يقضي به في كل بلد ويحملون عليه وليس للمالكيين في خلاف حيث كانوا، إلا يحيى بن يحيى بالأندلس فإنه تركه وزعم أنه لم ير الليث يقول به. وقد افتى جماعة من جلة علماء العراق باليمين اتباعًا لسنة، وقضى به ريح ويحيى بن يعمر وغيرهما. وقالت جماعة منهم – وهو مذهب أبي حنيفة -: لا يقضي به، وقد روي عن الزهري عن اختلاف عنه فيه. وقال محمد بن الحسن: يفسخ القاضي ما حكم فيه بالميمين مع الشاهد لأنه خلاف القران. وهذا جهل وعناد للسنة، وليس بخلاف للقرآن، لكنه زيادة بيان كالمنع من نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها، مع قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} ومثله كثير. وفي أحكام ابن زياد: الذي كشفنا عنه القاضي وفقه الله من الحكم في اليمين مع الشاهد؛ فالذي نقول به: اليمين مع الشاهد مما اختلف فيه أهل العلم، فأما مالك فإنه كان يرى ذلك، وأما الليث فإنه كان يرى أن كل حق لم يشهد فيه عدلان فلم يرد الله إتمامه. قال عبيد الله بن يحيى: وكان أبي رحمه يجنح إلى قول الليث، ويحكي عن محمد بن بشير أنه لم يحكم في ولايته جميعًا باليمين مع الشاهد إلا حكمًا واحدًا، وأنا – رحمك الله – لست أؤثر على ما تخبره أبي شيئًان إلا أني كنت أعرفه كان يذهب إلى التخيير إلى القاضي، إن كان الذي يشهد فيه الشاهد المبرز في الأمور التي لا يمكن أن يكون الإشهاد عليها مباحًا، مثل أن يكون في الأمور التي لا يوصل إلى الإكثار فيها من الشهداء، وكان ذلك الأمر الذي شهد فيه الشاهد مشهورًا عند الناس إن كان كتابًا قديمًا قد مات

شهود إلا هذا؛ فكان يرى أن يحكم باليمني مع الشاهد وإنما هذا إلى اختيار الحاكم. وقال محمد بن عمر بن لبابة: قد علم القاضي – وفقه الله – اختلاف أهل العلم، وما ذهب إليه مالك وأصحابه من اليمين مع الشاهد، وما ذهب إليه قضاة بلدنا منذ دخلته العرب من أنهم لا يرون اليمين مع الشاهد ولا يقضون به، فليتخير القاضي ما أراه الله، وإني لمتوقف عن الاختيار في هذا؛ لما ظهر من فيساد الناس وقلة الدعة في الشهادة، فإن انتقل القاضي – وفقه الله – إلى اليمين مع الشاهد فليكن قضاؤه بذلك عامًا في الناس ماضيًا في أحكامه. وقال محمد بن وليد مثل ذلك. وقال محمد بن غالب: اليمين مع الشاهد سنة قائمة وأمر معمول به. وقال أيوب ابن سليمان: القضاء باليمين مع الشاهد ما لا يصح خلافه ولا يجوز تركه لأنه سنة من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

باب اليمين مع الشاهد

باب اليمين مع الشاهد في الموطأ: مالك عن جفعر بن محمد عن أبيه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قضى باليمن [ب - 19 مع) مع الشاهد. هكذا هو مرسل عند جميع رواه الموطأ، ومالك وأصحابه يقولون بالمرسل كقولهم بالمسند، وهو عندهم أصل يرجع إليه ويعول عليه، وهو مذهب الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وقد أسند هذا الحديث ثقات: منهم عبيد الله بن عمر وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وغيرهما عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر عن النبي (صلى الله عليه وسلم). وقد رو عن ابن عباس أن سول الله (صلى الله عليه وسلم) قضى باليمين مع الشاهد، وهو حديث صحيح رواه ثقات وخرجه مسلم، وروي أيضًا من حديث أبي هريرة وغيره. وفي الواضحة: قال ابن حبيب: حدثنا مطرف وابن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قضى باليمين مع الشاهد. وقد ذكره إسماعيل بن إسحاق القاضي وأدخله سحنون في المدونة، وهو إسناد صحيح. وروي عن جماعة من الصحابة أنهم قضوا به، ولم يرو عن أحد منهم أنه أنكمره، وبه قال الفقهاء السبعة وغيرهم من أهل المدينة، ولم يختلف فيه عن مالك وأصحابه، واليه القائلون باليمين مع الشاهد، من الحجازيين وغيرهم، أنه لايقضي به إلا في الأموال: الديون وغيرها. وقاله عمرو بن دينار، وهو روى حديث ابن عباس، عن الني (صلى الله عليه وسلم) في ذلك، وقال ابن حبيب عن مالك: يجوز اليمين مع الشاهد في الحقوق والجراجات؛ عمدها وخطئها، وفي المشاتمة، ما عدا الحدود، من الفرية ولاسرقة والشرب والطلاق، قالك وروى أصبغ بن الفرج عن ابن وهب عن أبي الزناد عن أبيه أن عمر ابن عبد العزيز كاني قضي به في المشاتمة وفي الجراح العمل والخطأ، ولا يجيزه في الفرية والطلاق والعتاق وأشباهه. وفي المدونة من قتل عبده عمدًا أو خطأ وأتى بشاهد واحد، حلف معه يمينًا واحدة واستحق العبد القاتل، ولا يقتله. وكذلك من شهد له شاهد واحد بسرقة حلف معه، واستحق ما سرق له ولم يقطع السارق. وكل جرح لا قصاص فيه، كالمأمومة والجائفة، فهو ما لا يجوز فيه شاهد واحد ويمين. وكل جرح فيه قصاص فإنه يقتص منه بشاهد ويمين المجروح فإن نكل المجروح عن اليمين، حلف الجارح وبرئ؛ فإن نكل، حبس حتى يحلف. قال ابن أبي زمنين: وفي رواية عيسى: إن نكل اقتص منه.

وقال ابن المواز: لا قصاص بيع العبيد بشاهد ويمين في جراح ولا قتل، ولأصبغ خلافه في الجراح. ومسائل هذا الباب كثيرة والمراد منه الإعلام بالمذهب في الشاهد واليمين، وما جرى به العمل بالأندلس، وقد ذكرناه، ومن صح نظره في أحوال الناس اليوم والمعرفة باحتلال الشهادات لم تطلب نفسه على القضاء به إلا مع شاهد مبرز في العدالة والنباهة. والله الموفق للصواب.

باب في مسائل المحجوز

باب في مسائل المحجوز قد تقدم في كتابنا هذا أن الحجر على السفيه ورشده مما ينفرد به القاضي دون غيره من الحكام. وفي المدونة: قال ابن القاسم: المحجور عليه من الأحرار الذي لا يحرز ماله؛ يبذره من السرف والفسق والشراب قد عرف ذلك منه، فهذا يحجر عليه، وأما إذا أحرز ماله وهو فاسق إلا أنه لا يبذره، فإن هذا لا يحجر عليه، وإن كان له مال عند وصي أبيه أخذه منه. وقال مالك: يحجر على السفيه وإن كان شيخًا. وفي موضع آخر: وإن خضب بالحناء - والمعنى واحد - ما لم يؤنس منه رشده، ولا يجوز له في سفهه بيع ولا شراء ولا هبة ولا صدقة ولا عتق، وما فعل من ذلك كله قبل أن يؤنس منه الرشد مردود، والصبي ما لم يبلغ، والبكر ما لم تعنس كالسفيه الكبير المولى عليه؛ أفعالهم واحدة. قال محمد: يمين واحد تجزيه يجمع ذلك فيها وهذه بينة في بيان الاختلاف في جمع الدعاوى في اليمين الواحدة. وفي باب من أحكام الواضحة: من ادعى دابة أو عبدًا أو ثوبًا بيد رجل أخيه الغائب أو ابنه أو جاره على وجه الحسبة والحسب عليه وكلهم غائب مكن في مثل هذا من إيقاع البينة لهؤلاء كلهم؛ لأنها أشياء ثبوت وتحول، فإذا أتى الغائب وقد كانت قامت له بينة عادلة حلف بالله لما باع ولا وهب ولا خرج ذلك عن يده بوجه حق، فجعل عليه يمينين هنا وهو من قول مطرف وأصبغ، وفي السمألة طول وذكرت منها ههنا ما احتجنا إليه، وفي رسم الرهون من رهون العتيبة نحو هذا في تفريق اليمين. والذي جرى به العمل جمع الدعاوى في اليمين الواحدة. وكان شيخنا أبو عبد الله ابن عتاب رحمه الله يقول: من وجبت عليه يمين في دعوى وردت عليه يمين أنه لا يجمع ذلك في يمين واحدة ولابد من يمينين مفترقتين. قال: ووقع مثل هذا عند أبي بكر بن ذكوان، أيام نظره في أحكام القضاء، فعقد اليمين من لا يستغرب خطؤه، وجعلها يمينًا واحدة، فلما تأملتها قلت: هذا غير صحيح، وإنما يجب أن يبدأ الحالف باليمين الواحدة، فيقول: بالله الذي لا إله إلا هو، فإذا انقضت قال: وبالله الذي لا إله غلا هو، حتى تنقضي

اليمين الأخرى. وكنت حفظت هذا عن القاضي أبي المطرف شيخنا - رحمه الله - وعقدت عنده مثل هذا فخالفني جميع من حضر، وأكثروا في ذلك القول، وعجبوا، وكان زعيمهم في ذلك أبا عمر بن القطان وأبدا في ذلك وأعاد. وكنت كرهت حضور ذلك الملجلس، فوجدت السبيل إلى الانقطاع منه، وقلت لأبي بكر: إنما ينكر هذا من لم يشاهد الحكم والتكلم عليه؛ إذ لم يجالس من يتعلم منه. ولاذي قلت في ذلك مسطور في كتبنا معلوم عند من وفق عليه. قال ابن عتاب: وهي لمالك في الموطأ وكتاب محمد وبه أفتى الشيوخ عندنا ووقعت في أحكام ابن زياد. قال القاضي أبو الأصبغ: هذا ما أعلمتك من جري العمل بجمع الدعاوى في اليمين الواحدة إلا يمين الرد فلا تجمع مع غيرها، على ما ذهب إليه الشيخ ابن عتاب وحكاه عن شيخه أبي المطرف وعن الشيوخ. ولست تجد هذه المسألة لأحد في مثل هذا البيان وهذا الجمع الذي نظمنا به شملها المفترق. وبالله التفويق.

جمع الدعاوي في اليمين الواحد

جمع الدعاوي في اليمين الواحد قال عبد الله بن العطار في وثائقه: إذا كان في شرط الزوجة في الغيبة أن القول قولها في المنقضي من ذلك بعد أن تحلف في بيتها بالله الذي لا إله إلا هو ما رجع إليها زوجها منذ غياب عنها سرًا ولا جهرًا ولا أسقطت عنه شرطها المذكور ولا كان من شوكتها وتلومها تركًا منها له. قال أبو عبد الله بن الفخار: هذا غلط؛ لأن الزوج إنما شرط لها الحلف في بيتها في المنقضى من أجلها فقط، فكيف تحلف في بيتها أنه لم يقدم إليها سرًا ولا جهرًا، ولا أسقطت عنه شرطها، ولا كان سكوتها وتلومها تركًا منها لشرطها، ولم تقع هذه الأشياء في شرطها، وأن تحلف في بيتها لكان وجه الصواب في ذلك وبالله التوفيق. إن الدعاوى وإن كثرت فتجمعها يمين واحدة عندنا كما تجمع دعوى واحدة فتخير المرأة بين يمينها في الجامع في جميع ذلك، وإن شاءت حلفت في بيتها في المنقضى من أجلها ثم خرجت إلى الجامع وحلفت في سائر ذلك. هذا وجه الصواب لأن الناس قد تنازعوا إذا كثرت الدعاوى هل تجمعها يمين واحدة أم لا. قال القاضي أبو الأصبغ: وفي كتاب الأيمان بالطلاق في رسم المتاع والحيوان عمن كان بينه وبين ارمأته منازعة في بيت، وكانت هي بنت عمه فحلف بطلاقها البتة ما لها فيها حق، فجاءت بالبينة أنه لجدها، وجاء الرجل بالبينة أن أباه كان يجوزه دون إخوته ويسكنه، وجاء بشاهد واحد يشهد أنه كان استخصه من إخوته. قال مالك: أرى أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو أن حق لحق، وما لها فيه حق، وأن الذي حلفت عليه من الطلاق لحق. ويخلى بينه وبينها وهذه من قول مالك أبين في جمع أشياء في يمين واحد من التي ذكرها ابن الفخار. وفي كتاب ابن المواز: إذا فارقت المملكة المجلس ولم تقض، فقالت: نويت الفراق في المجلس لم ينفعها ذلك، إلا أن تفعل ما يشبه جواب الفراق وتقولك إياه أردت مثل أن تقوم مكانها فتنقل متاعها أو تخمر رأسها فتصدق فيما نوت. وقاله مالك في التي قالت: أعطوني شقتي، فأخذتها وخرجت ولم تتكلم وسافر هو. قال محمد: إذا قال: أرادت الفراق ووصته بكلامه، فهو كالجواب، وهي واحدة،

وله الرجعة إن لم يكن معه فداء. وإن قالت: الآن نويت بفعلي الثلاث فذلك لها، وله أن يناكرها بنية كانت له وقت (ب – 20) القول، أو يحلف. وقاله عبد الملك. قال أصبغ: يحلف يمينين أنه ما علم أن ما فعلته البتة ولا رضيه ويمينًا أنه مردودة حتى يحتلم الغلام، وتدخل البكر بيتها، ويعرف من حالها، أو تعنس. وفي التعنيس اختلاف يطول الكتاب بذكره باستقصاء مسائل المحجورين وهي مبسوطة في الدواوين، وما ذكرنا منها فإنما هو لتعلق نوازلها بها. ومذهب المدنيين وابن كنانة ومطرف وابن الماجشون وغيرهم: أن المحجور إذا أونس منه حسن النظر لنفسه، في ماله، وإصابة البيع والابتياع، والحيطة في الأخذ والإعطاء، إلا أنه يشرب المسكر، نبيذًا كان أو خمرًا: أنه لا يستوجب بذلك رشدًا ولا إخراجًا من الولاية التي لحقته. قالوا: وليس برشيد من يشرب الخمر. ذكره ابن حبيب. ونحوه في كتاب ابن مزين. قال ابن حبيب: وأما ابن القاسم وأصبغ فقالا: إذا أنس منه حسن النظر لنفسه في ماله خرج من الولاية وإن شرب الخمر، وقول المدنيين أحب إلي، وقال ابن مزين عن أصبغ: إذا كان مشوبًا فيه بعض الإصلاح من دينه والاستهتار، وكان حسن النظر في ماله حسن التدبير له، خرج من الولاية وملك ماله، وإن كان ظاهر الفسوق والفساد والمروق لم أر أن يملك ماله، ولا تقطع عنه الولاية. قال ابن مزين: هذا أحسنه عندي وأكثره. وقد قال أكثر أهل التفسير أن الرشد: العقل، وما باعه السفيه من ماله قبل أن يولي عليه فيه ثلاثة أقوال: أحدهما: قول ابن القاسم في المدونة والواضحة والعتبية وغيرها: أنه مردود بمنزلة الذي قد أولى عليه. والثاني: قول ابن كنانة وابن نافع وغيرهما: أنه جائز وما فعل بعدها مردود، وهو قول مالك وأكثر أصحابه. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون: إن لم يزل منذ بلغ الحلم سفيهًا لم يؤنس منه حال رشد، فبيعه مردود بمنزلة ما باعه قبل بلوغه، وأما من خرج ببلوغه الحلم من حد الولاية بما أونس منه من الرشد، وظهر من حسن نظره لنفسه، وما يرى من

تماديه عليه حتى خالطه الناس وابتاع وباع، ثم حدثت له حالة سفه في رأيه ونظره لنفسه، فباع فيها وابتاع ومضى على ما كان عليه من خلطة الناس حتى رفع أمره إلى السلطان، فأولى عليه، فبيع مثل هذا قبل الولاية جائز ما لم يكن بيع سفه وخديعة بينه؛ مثل أن يبيع ثمن ألف دينار بمائة دينار وشبهه، فيرد مثل هذا، وإن كان قد أفسد الثمن لم يكن عيه منه شيء ولا في ماله؛ وما كان غبته متقاربًا فهو ماض؛ لأنه كان من أهل إجازة البيع ببلوغه الحلم وما أونس منه من الرشد، وقد كان خرج بذلك من حد الولاية، فلا يكون من أهلها إلا بإعادة السلطان إياه فيها، قال ابن حبيب: وهذا أحسن ما سمعت فيه. وفي أحكام ابن زياد في بيع المولى عليه: نظرنا – أكرمك الله – في بيع المولى عليه في شهادة الشهود في ذلك الحق على عبد الله بن عمرو بن أبي عبدة المولى عليه وإن ذلك كان قبل أن يولى عليه، وهذا – وفق الله القاضي – يختلف فيه العملاء الماضون رحمهم الله، والذي حضرنا القضاة يحكمون به في ذلك بإجماعها على فتيانا إياهم بذلك أن بياعات المولى عليه – التي كانت قبل أن يولى عليه – تامة جائزة يؤخذ بها المولى عليه بعد أن يعذر إلى وكيله في ذلك وبعد يمين الطالب على أنه لم يقبض وأن خفه باق عليه إلى وقت يمينه، قال بذلك محمد بن عمر بن لبابة. وفي بيع مولى عليها أيضًا: فهمنا ما قام به ابن عفان في الاشتراء من أمه الرحيم بنت أحمد بن محمد بن عبيدون لملكها بقرية قيريلش التي بصفح جبل قرطبة، وفي الكتاب أن ذلك بمحضر أخيها محمد، وربيبتها كنزة، وزوجها محمد ابن قاسم، وتجويزهم بيعها وفعلها وما عقدته على نفسها من ذلك، وما طعن فيه محمد بن أحمد بن يزيد زوج أختها الوارثة لها مع من شاركها في وراثتها من أن البيع لا يجوز من أجل أنها مولى عليها وباعت عقارًا بثمن بخس ولم يكن ذلك للوصيين إلا عن نظر. فالذي نقول في ذلك والله الموفق للصواب: إذا ثبت عند القاضي – حفظه الله – ولايتها كما ذلك ابن يزيد، أمر بامتحان هذا البيع، فإن كان بيع سداد أو ثمنًا مرغوبًا فيه وقت التبايع مضى البيع ولم يعرض فيه، وإن لم يكن كذلك فسخ البيع، قال بذلك ابن لبابة وأيوب بن سليمان ومحمد بن وليد. قال القاضي: انظر قولهم في جوابهم هذا البيع سداد وقت التبايع، فإن في أحكام الواضحة عن مطرف وابن الماجشون فيما باعه المولى عليه من متاعه وانتقد ثمنه، ثم عثر

عليه أنه يرد متاعه إليه ولا يكون عليه من الثمن شيء إلا أن يدرك قائمًا بيده، فيرد إلى صاحبه أو يكون قد أدخله في مصالحة ووفر به من ماله ما لم يكن له يد في أنفاق مثله فيه، فينظر لهن فإن رأى أنفاذ بيعه خيرًا له لزم المتاع حبسه وأخذ منه تمام قيمته اليوم إن كان في قيمته فضل عن الثمن، وهذا خلاف جواب الشيوخ فوق هذا. وقال ابن حبيب عن مطرف وأصبغ في الم تبيع على صغار ولدها ما لهم وهي غير وصي ولا خليفة عليهم (ب – 21) إلا أنها باعت في مصالحهم، قالا: هي كغيرها من الأباعد لا يجوز بيعها، وينظر السلطان لهم، فإن كان إمضاؤه بذلك الثمن خيرًا لهم اليوم أمضاه، وإن كان يرده إليهم خيرًا لهم رده إليهم، ولا ينظر إلى حاله يومئذ. وفي الباب تفسير عن أصبغ في المحجور والبكر والصغير يبيع أحدهم الجارية فتعتق أو تحمل من مشتريها أو من زوج، أو يبيع أحدهم الغنم فتناسل، أو الدواب فتناتج، ثم ينر فيه، قال: كل ذلك مردود وولده إلا الجارية، فإن كان ولدها من مشتريها لم ترد، وكانت أم ولده، وعليه قيمتها اليوم أو يوم ابتاعها، أي ذلك كان أكثر، ولا يحاسب المشتري بشيء من الثمن الأول، وهو ساقط إلا إن كان قائمًا أو ضعه في مصلحة لم يكن منها بد. وفي آخر عاشر البيوع من الواضحة في الوصي يشتري من تركة من أوصى إليه شيئًا أن السلطان عليه بالخيار فيه – إذا رفع إليه – إن رأى فيه فضلاً لأيتام الميت أو للثلث كان أوصى فيه بالثلث أخذه منه وباعه، وإن لم ير فيه فضلا ألزمه إياه بالثمن، وإن أصابته مصيبة ألزمه إياه بالقيمة يوم أخذه إن كانت القيمة أكثر من الثمن الذي أعطي به، وكذلك إن فوته بوجه من وجوه الفوت، وإن باعه بربح، فالربح للأيتام أو للثلث، إلا أن تكون القيمة أكثر. وفي آخر كتاب الأرضين من المدونة قال مالك: إن اشترى الوصي من مال اليتيم شيئًا لنفسه أعيد في السوق، فإن زاده باعوه، وإلا لزم الوصي بالذي اشتراه، قال ابن القاسم: وكذلك إن اكترى شيئًا من أرضه، إلا أن فاتت أيام الكراء فيسأل أهل المعرفة، فإن كان فيها فضل عرفه الوصي، وإلا فما به اكترى. وفي مسائل ابن زرب: قال ابن القاسم: الوصي كالأب إلا أن جرى عندنا أن الأب إذا باع شيئًا من ابنه أو ابتاع شيئًا من ماله لم يعترض وأمره على التمام إلا أن يثبت الغبن، وإذا باع الوصي من اليتيم أو ابتاع من ماله، لنفسه، فالبيع مفسوخ، إلا أن يثبت

السداد فيه، وإذا باع من أجنبي حمل على السداد حتى يثبت غيره، قال: واستحسن إذا اشترى من مال يتيمه، أنه إذا كان سدادًا وقت عقده البيع نفذ، وهو قول سحنون. قال القاضي: وابن القاسم يقول: يعاد إلى السوق، وهو يحتمل وجهي: أن يعاد إلى السوق بحدثان شرائه، وأن يعاد هو إلى السوق متى عثر عليه. وقالوا فيما باعه السفيه قبل أن يضرب على يده: الذي أرى أن يفتى به في بلدنا هذا بأن يرد فعله، لأن الحكم أمير المؤمنين رحمه الله استحسن هذا المذهب، وحمل الناس عليه، وسجل القاضي محمد بن السليم رحمه الله به. فمن هذه الجهة رأيت أن يفتي بهذا المذهب؛ لأن إمام المالك حمل أهل بلده عليه وتقدم لايهم فيه وسجل به قاضيهم، فهو أمر حمل عليه هذا البلد، وقيل له: إن الذي حملهم على ذلك قد مات – يعنون الحكم -، فقال: وإن كان قد مات فقد حملهم عليه وهو حي، فيجب أن ينفذ ذلك. ونزلت هذه المسألة بقرطبة بإنسان يعرف بابن الصباغ، باع جنة مشتركة بينه وبين بنيه، ثم ثبت سفهه عند القاضي محمد بن أحمد بن بقي في عقد استرعاه أملاه أبو عمر بن القطان فشاور ابن بقي في ذلك الفقهاء، فأفتى أبو عبد الله بن عتاب بأن بيعه على نفسه نافذ، وأن أفعاله في خاصته لازمة له، وأن ما باعه على بنيه مردود غير ماض، واحت بالتي لأصبغ في تفليس العتبية عن ابن القاسم فيمن باع أرضًا أو دارًا لولده، قال: إن كان الأب ليس فيهًا ولا مولى عليه، جاز بيعه، ولم يكن للابن رده وإن كبر، إذا كان نظرًا له، ويتبع أباه بثمن ما باع من ماله، ولأبيه أن يحاسبه بما أنفق عليه إن شاء من يوم باع. وإن كان الأب سفيهًا مثله يولى عليه، لم يجز عليه بيعه، وإن لم يكن له ولي لأنه لو باع لنفسه لم يجز له بيع، وبقي في المسألة ما تركناه، لأن معناه فيما ذكرناه، وإنما الحجة لابن عتاب منها في رد بيع السفيه على ولده، وأما بيعه على نفسه، فكان مذهبه فيه وجوابه على مذهب أصحاب مالك غير ابن القاسم، وقد ذكرنا أقوالهم قبل هذا. وأفتى ابن القطان في مسألة ابن الصباغ هذه: برد أفعاله ونقض بيعه على نفسه وعلى بنيه، وأفتى أبو مروان بن مالك بالإعذار فيما ثبت من سفهه إلى المبايعين منه، فإن كان عندهم فيه مدفع، وأتوا بما يوجب لهم حكمًا أنفذ لهم. وليس في جوابه هذا بيان

مذهبه في إجازة فعل السفيه الذي لم يولى عليه أو رده إلا أنه اخبرني أن مذهبه في ذلك على مذهب ابن القاسم، وأنه يفتي بنقض بيوعه ورد أفعاله. وقال لي عن ابن عتاب: أنه يفتى بجواز أفعاله على مذهب ابن كنانة وغيره من أصحاب مالك، وقد أنبأنا عنه بذلك في المسألة فوق هذا، وقد سمعت منه، وكان يحتج فيه بما جرى به العمل قديمًا، ولا يرى ما ذكره ابن زرب من الأخذ برد أفعاله لأمر الحكم أمير المؤمنين. وكذلك في وثائق ابن العطار أن العمل كان عندهم بقول مالك وأصحابه في جواز أفعاله قبل أن يولي عليه إلى أن أمر الحكم المتنصر بالله أمير المؤمنين رضي الله عنه عبد صدر من خلافته، محمد بن السليم، وهو قاضي الجماعة بقرطبة يؤمئذ أن يحمل الناس على قول مطرف وابن الماجشون في فسخ فعل السفيه الذي لم يول عليه ولم يقض به، فمضت الفتوى بذلك في خلافته، وترك قول مالك ومن تابعه من أصحابه، وهذا مثل ما ذكره ابن زرب سواء، إلا أن ابن العطار زاد أن قول مطرف كقول ابن القاسم، وقد ذكرنا قول مطرف بخلاف ذلك، والله أعلم. وكتب إلى ابن عتاب من بياسة سفيهة صغيرة باعت ملكها ثمن نكحت وأقامت مع الزوج عشرة أعوام، ثم قامت تطالب نقض بيعها، فكتبت إليه: لا يسقط قيامها بمرور الأعوام التي ذكرت لا سيما إن كان لها عذر يعلم، ولا يسقط حقها إلا الأمر البين. وفي سماع يحيى سألت ابن القاسم عن امرأة وإخوتها ورثوا عن أبيهم فباع احد إخواتها المنزل كله – وهو غير وصي – باعه دالة على إخوته وأخواته، وتعدى عليهم، فأقام المنزل في يد مشتريه زمانًا أو مات، وبقي في أيد ورثته، وأخت البائع يوم باع أخوها المنزل بكر، فتزوجت بع وأقامت بعد تزويجها زمانًا أو كانت بيوم البيع متزوجة، والمنزل في جوارها، أو على أميال بيسيرة الثلاثة ونحوها، فادعت حقها في المنزل بعد عشر سنين أو خمس عشرة سنة أو أكثر، وزعمت أنها لم تعلم ببيع حظها، أو أقرت أنها علمت به ولم تجد من يتوكل لها بطلب حقها، وادعت أن زوجها ممن لم يكن يدخل على عياله أحدًا لشرفه وشدة غيرته، أتقدر في ذلك بتركها طلب نصيبها؟ قال: أما التي ادعت وهي بكر أو غير بكر أنها لا علم لها أن حقها بيع، فإنها تحلف على ما ادعت من ذلك إلا إذا جاءت بأمر يستدل به على صدق قولها، ثم تكون أحق

بنصيبها، إلا أن يشهد للمشتري على علمها ببيع أخيها حظها، وبطول سكوتها عن طلب حقها زمانًا طويلاً وهي قادرة على الطلب والتوكيل، ليست في حجاج من يمنعها من توكيل من يطلب لهه، فإذا كانت بهذه الحال وطال تركها لطلب حقها فلا شيء لها إلا أن يكون سكتها زمانًا يسيرًا. قلت: أترى العشر سنين ونحوها للتي لا عذر لها طولا؟ قال: نعم لا عذر لها انظر قد جعل ابن القاسم العشر سنين طولاً قطع به عذرها، وأسقط معه قيامها، وهو كلام صحيح، وهذا وغيره كذا، كان البائع لحظها ونحوه من قول مالك في مساع أشهب وابن نافع في كتاب الاستحقاق فيمن باع أبوها وزوجها دارها، وقامت بعد أربع عشرة سنة وزعمت أنها لم تعلم بفعلهما. قال: فإن لم تكن سفيهة ولا شهد عليها أنها وكلتهما بالبيع حلفت بالله ما علمت ولا رضيت بذلك، ورد البيع، وهاتان المسألتان تردان جواب ابن عتاب التي كتبت بها إليه أن لها أن تقوم بعد عشرة أعوام، وليس يسوغ لها فيها أن تدعي أنها لم تعلم، لأنها هي التي باعت، فإذا أقامت مع الزوج العامين ونحوهما، صار أمرها محمولا على الرشد، بهذا جرى العم على ما ذكره ابن أبي زمنين في المغرب. وأما ابن الماشجون فهي عنده رشيدة بعد العام، فقد أقامت رشيدة حائزة الأمر ثمانية أعوام أو تسعة لا تطلب ما باعت، وفي مثل هذه المدة تكون الحيازة على الحاضر العالم فيما يعرف ملكه له من الأصول حتى لا يكون له قيام بعدها، على ما لابن القاسم في كتاب ابن حبيب وسماع عيسى (ب - 22). فكيف بهذه الساكتة في هذه المدة وهي البائعة، والصحيح عندنا ألا قيام لها في ذلك، ولا تسمع منها دعوى في مثل هذا، ولا بعد ثلاثة أعوام بعد رشدها. وفي وثائق ابن الهندي فيمن له دار مشتركة بينه وبين أخيه، فباع أخوه جميعها ممن يعلم اشتراكهما فيها، وله سلطان ومقدرة، خاف ضرورة إن تكلم في ذلك، فاستدعى أن سكوته عن الكلام في نصيبه وفي الشفعة في نصيب أخيه، لما يتوقعه من تحامل المشتري عليه، وإضراره به لمقدرته، وأنه غير تارك لمطلبه متى أمكنه. ثم قال في فقه هذه الوثيقة: فإذا ذهبت التقية وقام في فورها بهذه الوثيقة وأثبتها، وأثبت الملك والاشتراك، وأعذر إلى أخيه والمشتري، فإن لم يكن عندهما مدفع قضى له

بحصته وبالشفعة، وإن ترك القيام بعد ذهاب التقية عشرة أعوام أو نحوها، فلا قيام له فهيا، وإن أحالها المبتاع بالزيادة والنقصان بعد زوال التقية بأقل من عشرة أعوام حيازة تمنعه القيام، وهذا أيضًا عند ضعيف؛ لأن سكوته الأعوام وتركه القيام بعد ارتفاع التقية يدل على رضاه بالبيع. ولا أرى له اعتراضًا، وإن لم يسكت إلا العامين والثلاثة ونحوها، بعد زوال ما كان يتقيه، لأن متى زال، فكأن البيع وقع حينئذ، ومن بيع ماله بمحضره ولم ينكر ولا تكلم حينئذ، ثم قام بعد ذلك بأيام، فليس له في البيع كلام، وإنما له الثمن فأخذه من البائع، وهذا قول ابن القاسم وغيره، فكيف يبلغ من يبيع ملكه بعلمه وبمحضره في الحيازة عليه عشرة أعوام أو نصفها؟ هاذ لا يجوز بحال، والله أعلم، لأن متى حيزت عليه العامين أو الأعوام الخمسة ونحوها دار وهو حاضر عالم، له أن يدعي أنه أكراها، أو أنه أسكنه إياها، وشبه ذلك مما لا يزال ملكة عنها، ولا يقطع حقه منها، وأما من باع أو بيع عليه بعلمه وارتفع عذره في السكوت عن طلب حقه، فالظاهر من أمره الرضا بما كان فعله أو فعل غيره. وكان في حاشية كتاب بمكي بن أبي طالب المقري - رحمه الله - على التي في سماع يحيى التي كتبناها فوق هذا، في التي باع أخوها منزلاً بينه وبينها، إذا كانت حاضرة وقت البيع عالمة به ولا عذر لها في حجاب ولا بكورة ولا غيرها، فالبيع لازم لها إذا لم تتكلم، ولو قامت بعد يوم. وإذا تركت القيام بعذر ثم زال العذر فلها القيام. وإن سكتت بعده شهرًا أو شهرين، بخلاف التي رأت البيع وسكتت لغير عذر؛ لأن هذه تحتج بفوات الأمر وطوله، وتقول: تربصت لعذر انظر في أمري وأوكل من يخاصم عني، وأتعرف ما يلزمني أو يلزمني وأنا امرأة لا معرفة لي بالخصومة، فتربصت متعرفة لذلك، فإن طال تربصها السنة ونحوها بعد زوال عذرها لم يكن لها قيام والله أعلم. هكذا في الحشاية، وأظنه في إملاء أبي عبد الله، محمد بن دحون، وهو كلام صحيح، قائم في النظر، والله أعلم. ويؤيد صح ما ذهبنا إليه، ما رواه أشهب وابن نافع عن مالك في امرأة تصدقت على أبيها وأمها بصدقة، ثم تزوجت، فطلبت ذلك، فقال: ليس ذلك بشيء من المرأة المولاة، وذلك رد عليها.

قال ابن نافع: ولو تزوجها ودخل بها زوجها وأقامت عنده سنتين أو أكثر من ذلك، ثم قامت بذلك وقالت: لم أكن أعلم أن ذلك يلزمني، رأيت ذلك لها وتحلف. ففي قول مالك: تزوجت فطلبت ذلك؛ فعطف بالفاء، وهي تعطي في اللسان أن الثاني بعد الأول متصلاً به، فجعل طلبها متصلا بزواجها، وفي قول ابن نافع: قامت بعد سنتين أو أكثر، فلم يمثل قيامها بخمس سنين أو ست، فكيف بعشر. وقوله: أو أكثر يحتمل أنه يريد أكثر بشهر أو شهرين أو أشهر إلى السنة وأكثر ذلك، وألزمها اليمين على دعواها أنها لم تعلم أن ذلك يلزمها، فحملها محمل الرشيدة بعد سنتين، وهي ذات أب، والمسألة تدل على أنها كانت بكرًا، والذي جرى به العمل في البكر ذات الأب تنكح ويبني بها زوجها، أنها من ستة أعوام أو سبعة فأزيد ن وقت البناء، محمولة على الرشد إن لم يظهر منها سفه، وفعلها قبل ذلك مردود، ذكره ابن أبي زمنين. وقال غيره: إنها بعد خمسة أعوام محمول على الرشد، وقبل ذلك في السنتين والثلاث والأربع هي سفيهة مردودة الفعل، ومن كان فعله مردودًا لم يحلف، وهو يصل بالحكم إلى استرجاع ماله ونقض ما ع قد فيه على نفسه. فقول (أ – 24) ابن نافع هذا إنما يخرج على قول مطرف وابن الماجشون وأصبغ أنها متى قضت بعد السنة في بناء زوجها في مالها فهو نافذ ماض، ومن أراد رد فعليها فعليه البينة بسفهها. قال ابن الماجشون: إذا كانت البكر بنت ثلاثين سنة فصاعدًا أو كانت رشيدة الأمر حسنة النظر مرضية الحال ولا ولي عليها، فقضاؤها بوجه الصواب من بيع أو شراء أو أخذ أو إعطاء أو عتق أو تدبير جائز عليها، وأما التي هي في ولاية ولي ينظر لها؛ من أب أو وصي أو خليفة سلطان، فلا أرى شيئًا من أمرها يجوز، وإن كانت في السن والحال على ما وصفنا حتى تعنس أو تنكح، وأول التعنيس عندنا بلوغ الأربعين فصاعدًا، قال ابن حبيب: وهذا أحسن ما فيه عندي، وبه كان ابن وهب يقول وغيره ممن ارتضى. وعلى هذا كله – أي قول ابن نافع في يمينها أنها ما علمت أن ذلك يلزمها، ولابن نافع قول آخر خلاف هذا في المدينة، وسئل عمن زوج ابنته فحين بنا بها زوجها أحدثت في مالها صدقة أو غيرها، فأراد أبوها رد ذلك، وقال زوجها: ليس ذلك لك لأنك لم تبرأ

إليها بمالها إلا وقد رضيت حالها. قال ابن نافع: يرد ذلك أبوها ولا تخرج من ولايته أبدًا حتى يقيم زوجها البينة أن مثلها لا يولي عليها في حبس حالها وعقلتها فقوله هذا لا شبه قوله في العتيبة بوجه. وفي النوادر قال مالك: وللبكر أن ترد ما صنعت قبل أن تصير إلى زوجها، ولو أجاز ما تصدقت به قبل بنائه بها لم يجز، ولو ماتت ولم يرد وليها ما صنعت أو لم يعلم فورثتها رده، كما كان يكون لها لو وليت بنفسها ما لم تتركه بعد أن تلي نفسها بما يعلم أنه رضي، فقول مالك: ما لم تترك بعد تلي نفسها ما يعلم أنه رضي يدل على صحة ما قلناه من ضعف مسألة ابن الهندي وجواب الشيخ أبي عبد الله في تركنا – مما فيه الحجة – قول ابن عبد الحكوم في بيع البكر، وقول سحنون في أفعالها، إذ في بعض ما أوردناه بيان ما أردناه، والله تعالى يعصمنا بهذه بهداه. وقول مالك: إذا ماتت فورثتها رد صنيعها، فذكر ابن حبيب مثله عن مطرف وابن الماجشون كالسفيه ينكح فلا يعلم به وليه إلا بعد موته، فله رد النكاح ولا ميراث لامرأته ولا صداق، قال مطرف: وهكذا سمعت ابن أبي سلمة وابن أبي حازم يقولان، ولا أعلم لمالك خلافه. قال ابن حبيب: فسألت عنه أصبغ فقال: سمعت ابن القاسم يقول في ذلك أنه ماض جائز لا يرد منه شيء، لأن أمر قد فات موضع النظر فيه، ومضى الذي به كانت الولاية، وله كان يحبس المال، فلا كلام فيه للورثة لأنهم إنما يرثون ما كان له يوم مات، وأمره عنده على الجواز حتى يرده الولي، وهو عند الأولين على الرد حتى يجيزه الولي، وقد رجع أصبغ إلى الأخذ، وبه أقول. وفي أحكام ابن زياد في يتيم طلب إخراج ماله عن يد وصيه: كشفنا القاضي – وفقه الله وسدده – عن يتيم له وصى من قبل أبيه من أهل العدل والرضى والملأ سأل اليتيم أن يخرج ماله عن يد وصيه ويوضع على يد غيره من أهل العدل، وأحب القاضي (رضي الله عنه) أن يعرف الواجب فيما سأله اليتيم. فالذ نقول به في ذلك أنه لا يجب إخراج المال عن الوصي إذا كان من أهل العدل، فكيف بالعدل والملأ لأن أخراج عنه وهو بهذه الحالة تبديل لعهد الميت، وقد قال

الله تعالى: {فمن بدل بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبلدونه}. فهذا الذي عندنا فيما سأل عنه القاضي – وفقه الله – وهو قول مالك وجماعة أصحابه، وبه عملت القضاة قبلك، قال بذلك محمد بن وليد، ومحمد بن عمر بن لبابة، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن غالب، وسعيد بن معاذ. وقالوا في بيع دار يتيم لقربهم من دور اليهود، وحيث تباع الخمر ومجتمع أهل الفساد والشر. سأل وكيل اليتيم القاضي – وفقه الله – أن يسمع من بنيته على أن بيعه للدار نظر، وأن الثمن الذي باعها به سداد، فالذي نقول به في ذلك: إن ذلك ن حق الناظر لليتيم، وإن إخراج اليتيم من مجتمع اليهود إلى مجتمع الإسلام من النظر. قال محمد بن وليد: وقال بان كنانة: كلما نظر به وإلي اليتيم لليتيم من بيع ما بيعه نظرًا له وعودًا عليه فهو جائز، وإشهاد القاضي على ما ثبت عنده من النظر قال بذلك عبيد الله بن يحيى، وأيوب (ب – 23) ابن سليمان، ومحمد بن غالب. وفي أيتام طلبوا بيع نقض بنيان لا يحتاجون إليه: فهمنا – وفق الله القاضي – ما سأل منذ زمن نقض فضول بنيانه التي يستغنى عنها ويبتاع له، حصص أخواته من المنية، والذي دعا إليه خير من النظر، لأن ابتياع ما يظهر نفعه ويجتمع له به من المنية ما يتسع به أراد من فضول بنيان لا يحتاجون إليه إلا على التنزه، فإذا كان ما ادعى إليه ظاهرًا فهو من النظر الذي لا ينبغي لناظره أن يغفل عنه وعن جمعه له بنقض الفضول التي لا يضطر إليها ولا ترد عله منفعة. قاله ابن لبابة وجماعتهم. وفي يتيم قام في دار بيعت وجحد وكيله: فهمنا – رضي الله عن القاضي – ما شهد به الشهود للمولى عليه من أن الدار التي حازها الشهود ملك له، وثبوت لك عنده وإعذاره إلى من وجب أن يعذر إليه بما وجب أن يعذر به، فالذي يجب أن يعدي عليه فيما ثبت من الدار ويكون في يد من يله، ويقال لمن شركه في الدار: إما أن تقسم الدار بينكما أو يسمكن المولي عليه معك فيها. والذي ذلك من أن موسى بن زياد إذا كان قاضيًا بقرطبة وكل على ابن نصرون وكيلاً، وأن هذا الوكيل أنكر أن يكون قبل الوكالة أو نظر له، فالقول قول الوكيل، إلا

أن يثبت أنه قبل ونظر، فإن لم يثبت نظر القاضي للمولى عليه بما ينظره لأيتام المسلمين، ويجب أن يكشف الشهود الذي شهدوا على توكيل موسى هل قبل أم لا، فإن قالوا قبل. لزمه النظر، وإن قالوا: لم يقبل. لم يلزمه شيء قال بذلك محمد بن لبابة، ومحمد بن وليدن ويحيى بن عبد العزيز. محجوران اعتقلت بسببهما دار بنظر القاضي، ثم انطلقا من الولاية، فطلب بعض ورثته من كانت له حل العقلة واستئناف المناظرة مع المرشدين: سألت – وفقك الله وسددك – عن الواجب عليك الآن فيما كان نظرك تقدم فيه لابني مرهف اللذين ألفيتهما في الولاية، من اعتقال دار ابن مرهف الثابت ملكه لها عندك إلى أن مات بعد أن شاورت في ذلك مرة بعد مرة، وأخذا منك بالحيطة لنفسك، ولمن نظرت له، فكانت في العقلة عندك إلى أن ثبت عندك رشد هذين المحجورين، فأطلقتهما بثبوت الرشد لهما، وطلب طالب من ورثة ابن مرهف حل العقلة ثم يبتدئون الخصومة عندك، فما وجب لكل فريق نظرت له به. فنقول – والله نسأل التوفيق -: إنك نظرت مجتهدًا فاعتقلت بحق أنفذته وإطلاقهما في الولاية حالة بسقط العقل، ويوجب حله وترد الدار على ما كانت عليه إذا لم يطلب المطلقان عقهما، ولعلهما من شركهما يصيرون إلى حالة غير ما جرى به الأمر عندك، فضع العقل – وفقك الله – وأعد الدار إلى الإنطلاق حتى تأتي حالة توجب ذلك بقيامها، ولب ذلك، فإذا كان قيامهما عندك فهمنا المذهب منها، ثم أشرنا عليك بما تراه على ما يؤديه لفظهما وقيامها. قال بذلك كله محمد ابن غالب، ومحمد بن وليد. وكيل قاض باع نقض دار يتيم فذكر وليه أن بيعه غير سداد: فهمنا – وفق الله القاضي – وسدده – ما ذكره عبد الله بن مؤمن بن فلوس وعائشة بنت أخي محمد بن فلوس أن الدار باعها محمد بن عبد الله بن يحيى في أداء ديون محمد بن فلوس، فأمر محمد بن سلمة إذ كان قاضيًا بقرطبة بيعت بغير سداد من الثمن، وأنه كان بيع بخسم، فالذي يجب في ذلك أن يبيع وكيل قاضي أو وصي ميت على السداد والنظر حتى يثبت أنه غير سداد ولا نظر. فعلى عبد الله بن مؤمن عاصب محمد وعائشة طالبة عمها بالدين إثبات ما ذكراه من البخس، فإذا أثبتاه، ولم يكن للناظر في بيع الدار فيه مدفع، وجب فسخ بيع الدار،

وإن لم يأتيا ببينة على ما ذكراه من ذلك؛ مضى بيع الناظر، فإنه على السداد والنظر. قال بذلك ابن لبابة، ومحمد بن وليد، وغيرهما. وفي قولهم: أن يمتحن القاضي – وفقه الله – أموال محمد بن فلوس الباقية، فإن كان فيها وفاء بدين عائشة بنت أخيه، لم يعترض شيئًا مما مضى، وإن لم يكن فيها وفاء قضيت عائشة ما وجدت بما بقي لها على ما يصير لها في المحاصة على من اقتضى ثم تحاصوا أجمعون. وفي امرأة باعت على أيتام أصاغر (أ – 24): ينظر القاضي – وفقه الله – فيما باعته المرأة على الأطفال، فإن ثبت عنه أنه بيع نظر أمضاه، وإن لم يثبت عنده أنه بيع نظر فسخ عن الصبيان وأخذت البائعة بالثمن الذي قبضت لهم، ويرد على المشتري. قاله ابن لبابة، وبان وليد، وأيوب بن سليمان. قال القاضي: جوابهم على هذا محذوف مختصر، وقد تقدم لهم مثله في الاختصار الذي هو كالتقصير في مسألة ابن عفان وأمه الرحيم، وتمامه فيما قاله أصبغ بن الفرج في نوازله في البكر تحتاج فتبيع بعض عروضها، وتنفق على نفسها وتصنع في البيع والإنفاق على نفسها ما كان يصنعه السلطان، أو تبيع ذلك عليها أمها أو أحد أقاربها، وهو غير وصي، ولو أراد متولي ذلك رفعه إلى السلطان ولم يقدر وخاف ضيعتها، أو كان على ذلك قادرًا، فلم يفعل إلا أنه نظر في ذلك أو نظرت بما كان السلطان ينظر لها مع الاستقصاء وحسن البيع. قال: نرى إن كان الذي باعت أو بيع عليها شيئًا بال وقدره، مثل العقار الصالح والأمر الكثير من غيره، فهو مردود على كل حال أصله لا يجوز، ولا يجاز وهو بيع سفه وسفيه، ومال يتيم لم يبلغ فلا يباع، إلا بالوالي أو السلطان الناظر بعد الناظر والحاجة والاستقصاء، فهو مردود أصله لا يجوز، فإذا رد نظره، فإن كان الثمن حول في نفقة لابد له منها ولا غني عنها حسب للمشتري، ذلك ولم يبطل، وإنما الذي يبطل من بيع السفيه مالا مخرج لثمنه إذا قبضه مما يبدره ويضع فيه لشهواته، فهذا يكون هدرًا وما ادخله فيما لا غنى عنه من مصالحه أو الثمن يوجد قائمًا بعينه لم يتلف له، فهو رد إلى دافعه. وإن كان الذي باعت أو بيع عنها لا قدر له كالدويرة الصغيرة والعلقة أو البيت

الخرب والأمر اليسير لنفقتها أو مصالحها، التي لابد منها، فهو نافذ، وبيع ما باعه جائز، ولا يرد إذا جعل في نفقة اليتيم ومصلحته، وانتفع به في حينه، ولم يكن له غيره ونحوه، وقد تقدم لأصبغ هذا الباب من هذا من كتاب ابن حبيب، ولمطرف وقد يلزم ابن لبابة وأصحابه ايفتوا فلا يقتصروا عليه ما به جاوبوه حتى قصروا. وهذا أصل ما نصه المؤلفون؛ ابن العطار وغيره في جواز بيع الحاضن أو الحاضنة وليًا كان أو أجنبيًا على من في حضانتهم من بكر أو يتيم صغير، إذا كان المبيع حقيرًا أو بيع لحاجتهم كان بالبد قاضي أو لم يكن، لأن القاضي لو رفع ذلك إليه لم يجز له بيعه إلا بعد ثبوت ملكه وحيازته والحاجة وغير ذلك، وفيه ضيعتهم وربما هلاكهم. قال أبو عبد الله بن العطار: والعشرون دينارًا دراهم للواحد فيما دونها أو فوقها بيسير تافه حقير فيما يبيعه الحاضن على البكر والصغير، وقال ابن الهندي في وثائقه: رأيت لبعض المفتيين من السلف الماضي تحديدًا فيما أجيز للأم بيعه إذا كانت حاضنة، فقال: إذا كان ثمن المبيع عشرة دنانير ونحوها. ولا تباع أصول الأيتام إلا لوجوه يأتي ذكرها إن شاء الله. وإذا سأل يتيم أن تباع له ضيعة من ناضة وكانت الضيعة أعود عليه وأنفع، أمر القاضي وليه بذلك. قاله عبيد الله بن يحيى، وابن لبابة، وأيوب بن سليمان، وسعيد بن معاذ، ومحمد بن وليد. وفي بيع عقد على يتيمة وابتياع عقارًا في ثمنه: ألقى – رحمكم الله – في تركة داود عقد لؤلؤ، فذهب أخوه وأخته المحيطان بميراثه مع ابنته الصغيرة التي قدمت للنظر لها من وثقت به إلى بيع العقد، وقالوا: إن بيعه مجتمعًا أجلب للثمن، وأعود في البيع، وقد أردت أن أبتاع لها عقارًا بناض صح لها، فإن كنتم ترون أن بيع نصيبها في العقد مع سائر الورثة ليضم ما نض من ثمنه إلى ناضها لابتياع عقار لها فيه فاكتبوا لنا بخطوط أيدكم بذلك لنأمر من ينفذ البيع، وإن رأيتم أن يقسم العقد فيوقف نصيبها، أمرنا بذلك إن شاء الله. فهمنا ما ذكره القاضي – وفقه الله – من بيع العقد وابتياع عقار للصبية، وإنما في هذا الاجتهاد والنظر، فإن كان بيعه مجتمعًا، أو مقطعًا بيع مقطعًا، يكشف عن هذا أهل البصرة بالجوهر والتجارة، وأما ابتياع عقار للصبية فإنه لا شك أعود عليها وأنفع لها، لأن

العقار يغل والأصل قائم، والجوهر حجر موضوع لا يغل، فهذا قولنا في هذا. قال بذلك أيوب بن سليمان (ب – 24) وقال عبيد الله بن يحيى: يسال من يثق به من أهل المعرفة بالجوهر، فإن رأى بيع العقد مجتمعًا أنفع لها بيع مجتمعًا، وضم سهمها منه إلى ناضها، وتأمر بابتياع ضيعة لها، فهو أعود عليها من الجوهر، وقال ابن لبابة: إنما ينظر المصيبة بما هو أعود عليها، وبيع الجوهر واشتراء الأرض أنفع لها وأرد عليها، ويسأل أهل البصر بالجوهر عن وجه بيعه فيعمل بذلك، إما مجتمعًا أو مقطعًا. وفي دعوى على مولى عليه: حفظكم الله وأبقاكم، قام عندي محمد بن عياض فادعى أنه كان رهن زكريا بن الحشاية عقدًا نفيسًا بعدة من مال، وذكر أن العقد صار عند عزيزة أخت زكرياء بعد وفاة زكرياء، وشهد له عندي على أنه رهن زكريا عقدًا من لؤلؤ، وفي شهادة الشهود أن محمدًا لم يزل يطالب زكرياء بالعقد إلى أن توفى زكرياء. وطلب محمد إحلاف عزيزة أخت زكرياء أن العقد ليس عندها، ولم تلفه في تركة أخيها، ولا أخرجته من عندها إلى أحد، فأوصيت إليها من يعرفها بدعواه عيها، فأتاني من وجهته إليها، فقال عنها، فإنها لم تأخذ العقد ولم ترعف له موضعًا، وقالت: لم أكن أساكنه، غنما كنت ساكنة في غير مسكنه، وكان أخيى وصيي إلى أن مات، وأثبت عندك أيها القاضي بعدول البينات أني من أهل الحالة الحسنة في نفسي وضابطة لما وصل إلي من مالي فأطلقتني من الولاية إذا وجبت لي ذلك السنة، فكيف تجب علي اليمين مع ما شهد لي به من حسن الحال؟ وأحببت – رحمكم الله – معرفة الواجب في ذلك إن كان تجب عليها اليمين أم لا؟ فهمنا – وفق الله القاضي – ما ادعاه ابن عياض على ابنة الحاشية وما دفعته به عن نفسها من أنها كانت في ولاية فأطلقتها منها بثبوت رشدها عندك، فالذي أرى أن المولى عليه لا يحلف فيما ادعى عليه، وهذه كانت مولى عليها وقت وفاة أخيها ووقت دعوى ابن عياض عليها أنها قبضت فلا يمين عليها في ذلك، والله الموفق للصواب. قاله ابن لبابة، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد. وفي قولهم أن للوكيل المقدم للنظر على الصغير ابن الحاشية أن يصالح عنه في الرهن.

الذي قيم فيه عند القاضي – وفقه الله – على اجتهاد خوفًا من أن يثبت فيكون أضر بالصبي. وفي شهادات المدونة وأقضية المختلطة: قلت: أرايت النساء العواتق وغيرهم والإماء وأمهات الأولاد والمدبرات والمكاتبات، أيحلفن في المساجد؟ قال: إنما سألت مالكًا عن النساء أين يحلفن؟ قال: أما كل شيء له بال فإنهن يحلفن في المسجد الجامع. قال محمد بن عمر بن لبابة في منتخبه: العواتق الأبكار لا يمين على من لم يطلق منهن من الولاية إلا في شيء يكون لهن بشاهد واحد، فإنهن يحلفن فيه كما يحلف السفيه، وفي مثل ادعائهن على الأزواج الوطء بعد البناء. وفي كتاب ابن حبيب: سمعت مرطرفًا يقول في المولى عليه يقوم له شاهد واحد على حق له قبل رجل ورثه عن أبيه، أو كان له بوجه حق: أنه يقضي له باليمين مع الشاهد، فإن حلف أخذ حقه، وكان في يد وصية، وإن نكل لم يبطل ذلك حقه، ويقال للمطلوب: احلف أنك برئ من هذا الحق، فإن حلف أخر حتى يبلغ المولى عليه الرشد، فيحلفن ويقضي له بحقه، وإن نكل لم يكن له شيء، ولم تعد اليمين على المطلوب، وإن نكل المطلوب أولا عن اليمين أخذ منه الحق بنكوله إلى أن يبلغ المولى عليه الرشد، فإن حلف مضى له، وإن نكل رده. وقال مطرف: وكذلك لو كان صغيرًا لم يبلغ الحلم، فقام له شاهد على حق أحلف المطلوب، وبرئ إلى بلوغ الصغير، وإن نكل أخذ منه الحق إلى بلوغه. قال ابن حبيب: وهكذا كان ابن كنانة يقول أيضًا في المولى عليه، وكان ابن القاسم وأصبغ يجعلان المولى عليه كالكبير والرشيد إن حلف مع شاهده استحق حقه، وإن نكل بطل حقه، يريد إن حلف المطلوب وكانا لا يجعلانه كالصغير، وقول ابن كنانة ومطرف أحب إلي وبه أقول. وذكر ابن سحنون عن ابن القاسم أن السفيه إن نكل وحلف المطلوب برئ، ولا يمين للسفيه إذا رشد، وكذلك المولى عليها تنكل عن اليمين مع شاهدها فاليمين لها بعد أن ترضى حالها، وذكر عن ابن كنانة مثل ما ذكره ابن حبيب. وبه قال عيسى (أ – 25) ابن دينار، وفي العتبية عن الأصبغ عن ابن القاسم مثل ما ذكر ابن حبيب. قال أصبغ: والسفيه كالعبد والنصراني وهما يحلفان في حقوقهما، والحقوق تقع عليهما، وهذه السنة

الثانية. وأفتى أبو عبد الله بن عتاب فيمن توفي عن زوجة مولى عليها وبنين منها، وطلبت عند القاضي كالتها وأثبتها أنها تستحق، ويقضي لها به، وليس عليها اليمين التي على من أثبت حقًا على ميت أو غائب أنه ما قبضه ولا وهبه، ولا أحال أحدًا عيه فيه، ولا استحال على أحد به، وأنه لباق عليه إلى حين يمينه. قال لي: وترجأ هذه اليمين حتى ترشد فتحلفها حينئذ، فإن نكلت صرفت ما قبضت إلا قدر ميراثها منه. وقول ابن عتاب في هذه بإرجاء اليمين عليها حتى ترشد فتحلفها، وقول مطرف وابن كنانة بغرجاء يمين السفيه ينكل عنها مع شاهده حتى يرشد فيحلف ويأخذ؛ يدلان على ضعف جواب الشيوخ في مسألة عزيزة؛ بأن لا يميني عليها في العقد الذي ادعى ابن عياض أنه عندها، واحتجوا بأنها كانت مولى عليها وقت وفاة أخيها، ووقت دعواها عليها لأنها قبضته. وحجتهم هذه ضعيفة لا معنى لها؛ لأنه مدع لبقاء العقد عندها إلى الآن، وقد رشدت، فيما يمنع من إحلافها على ما يدعي أنه بيدها من ماله غير مستهلك ولا فائت؟، وهل ذلك إذا ادعاه بيدها وأخذها إياها وكونه عندها إلا بمنزلة ما لو ادعى أنها الآن أخذته وغابت عليه؟ ولو احتجوا بما ذكره القاضي عنها من احتجاجها بإثباتها عنده أنها من أهل الحالة الحسنة في نفسها والضبط لما لها؛ لكان أولى مما احتجوا به، وقد تقدم أن اليمين لا تلحق في مثل هذا إلا بعد ثبوت الظنة وظهور التهمة، ولو قالوا: فإن شهد لهذه المرأة بالفضل البين والصلاح الظاهر، فلا يمين عليها؛ لأن ما شهد لها به من الحالة الحسنة غير بين في إسقاط مثل هذه الدعوى عنها؛ لأنه كلام محتمل – لأصابوا الصواب وأحكموا الجواب. ويدل على صحة هذا الذي ذهبنا إليه ونبهنا عليه ما قدمناه: أنه قد رويناه في مسائل انتقدها أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي عن أصحابنا بالأندلس، حدثنا بها أبو القاسم حاتم بن محمد، عن أب القاسم المهلب بن أبي صفرة قال بعد تقدم بعضها؛ ومنها إسقاط اليمين عن المولى عليه، وتركهم لإجماع المسلمين فيه، واعتلالهم لأن في ذلك إذا نكل عن اليمين سببْا منه لإتلاف ماله -: وهذا خطأ من الاعتلال؛ لانكسار طرد اعتلالهم

في المسائل التي أجمع الناس عليها، وفي أن المدعي لا يستحق بنكول السفيه عن اليمين شيئًا، وإنما يستحق بيمينه. فأما انكسار اعتلالهم فففي عدم الخلاف في وجوب اليمين على المدين الذي غرق في الدين، وأنه إن نكل حلف المدعي عليه واستحق ما ادعاه عيه، وفي نكوله إتلاف أموال المديان، وهذا أولى على ما أصلوه ألا تلحقه يمين. وأيضًا، فإن المرأة ذات الزوج المالكة لأمرها ليس لها أن تقطع من مالها إلا الثلث فأدنى، ومع ذلك فإن ادعى عليها مدع بمال هو أكثر من الثلث، وتعلقت اليمين عليها فنكلت عنها، حلف طالبها واستحق ما ادعاه قبلها، وفي ذلك سبب لإتلاف مالها الذي قد وجب للزوج الاعتراض فيه عيها، ثم اليمين لازمة لها عندهم، بخلاف المولى عليه. فهذا أبو محمد عبد الله الأصيلي قد رأى أن اليمين تلحق المحجور في حال حجره، وإن نكل عنها حلف طالبه واستحق دعواه، فكيف بقولهم في دعوى ابن عياض على عزيزة المتصلة برشدها في عقد يدعي أنه الآن بيدها: اليمين هنا لاحقة لها، واجبة عندي عليها، وما يتوجه فيه خلاف، والله تعالى أعلم بالصواب. وإن كنت احتججت بما ذهب إليه أبو محمد في الدعوى على السفيه، فعلى ما يفعله أصحابنا كثيرًا من مراعاة الخلاف الذي لا يقولون به فيما يذهبون إليه مما ينازعون فيهن لا لأني أعتقد الأخذ به أو العمل عليه، بل الصواب عندي فيما جرى به العمل من المنع من تعليق اليمين به؛ لأن إقراره بما بيده أو بمال في ذمته إذا لم يلزمه؛ فسقوط اليمين عنه أولى، وألا يلزمه أجدر، وهو بين في النظر، صحيح على الصول إن شاء الله، وقد بينت الوجه الذي رأيت لأجله اليمين على عزيزة في دعوى ابن عياض، وبالله التوفيق. وقال ابن الهنيدي في وثائقه: روي اليمين التي تجب على المحجور أنها ترجا عليه إلى انطلاقه، وكذلك البكر غير المعنس ولا أب له ولا مقدم عليها، وهو نحو ما ذكرته عن ابن عاب. وقال ابن الهنيدي: إن ادعى المولى عليه حقًا على رجل، ولم يقم له شاهد [- 25) فرد اليمين عليه؛ لم يحلف المولى عليه، وإنما حلفه مع الشاهد العدل من جهة إحياء السنة، ويلزم المدعي عليه الغرم بنكوله، وترجأ له اليمين على لمحجور إلى حين رشده. وفي هذا عندي نظر، والصحيح أن يحلف ويأخذ إذا رد المطلوب اليمين عليه، كما

يحلف مع شاهده ويأخذ، ولا وجه لإرجاء هذه اليمين عليه إلى رشده، وقد رضي المطلوب منه بها بنكوله عنها. وسيأتي في هذا المعنى مسائل إن شاء الله. وفي أحكام ابن زياد في شهادات على يتيم بالحجر: قرأنا – وفق الله القاضي – شهادة الرجلين لابنه هشام أنها في ولاية، فقال أحدهما: إنها كانت في ولاية ابن تمام بتوكيل عامر بن معاوية – إذ كان قاضيًا بقرطبة – إياه على ذلك، وقال الثاني: أعرف محمد بن تمام؛ يجري عليها النفقة، ويذكر أنها في ولايته، فرأينا شهادة هذا بقول ابن تمام أنها في ولايته غير تامة، وشهادة الأول تامة، فإن أتت ابنة هشام بشاهد آخر يشهد على توكيل عامر بن معاوية وقبلتهما؛ تمت الشهادة وصحت الولاية، ووجب الإعذار إلى الذين تطلبهم المرأة بيمين لها. قال ابن لبابة، ومحمد بن وليد، وأيوب بن سليمان. وفي نظر القاضي لمن لا وصي له: الذي يجب – وفق الله القاضي – فيما رفع إليك عن رقية بنت عبد الله بن أبي عيش: أن تبعث رجلين يعرفانها بكتابك الذي رفع إليك عنها، فتكشف عن الكتاب فإذا أقرت به، وثبت عندك موت أبيها، وأنها لا ناظر لها بوصية من أب ولا بولاية من قاضي، وأنها بحال بكورة؛ وكلت لها من يقوم بأمورها وأقمته مقام وصي، وأخرجتها إلى موضع مأمون للحالة التي اشتكت إليك. قال بذلك محمد بن عمر بن أبي لبابة، ومحمد بن وليد وسعيد بن معاذ، ومحمد بن غالب، وعبيد الله بن يحيى. وفي امرأة رشد ولدها فذكرت أنه مبذر لماله: قرأ القاضي – وفقه الله – بطاقة امرأة وزعمت أن ولدها رشد، وأنه غير شيد، وأنه قد أتلف ما أخذ من الناظر له، وسألت امتحان ذلك، ومن شأن القضاة إذا رفع إليهم مثل هذا أن يكشفوا عن ذلك، فإن ظهر لهم فساد بين أولى عليه، وإن ظهر له تثمير أو إمساك أعرض عنه. فنرى – والله [نسأله التوفيق] – أن يكشف هذا الغلام والمرشد عن عدة ما قبض، فإذا سماها قال له القاضي: قد رفع الينا أن هذا قد زال عن يدك، فأين لنا ما صنعت فيما أخذت لينقطع عني ما أتخوفه في أمرك، فإن أظهر نظرًا خلى سبيله، وإن بان التلف أعيد في الولاية، إن شاء الله. قاله محمد بن غالب، وابن لبابة، ومحمد بن وليد.

فيمن لزمته ولاية هل يخرجه عنها موت وصية؟ وكيف العمل فيما باع بعد موت الوصي: تقرءون أكرمكم الله – هذا الكتاب، أشهد موسى بن زياد إذ كان قاضيًا بقرطبة، وإشهادي على ما ثبت عندي من إشهاد موسى، وهل يجب في ذلك أن يكون الغلام في ولاية وألا يخرج منها إلا بترشيده قاض، فإن هذا الغلام باع حصته الباقية هل في الجنان المذكورة في الكتاب الذي أشهد عليه موسى، وذكر الذي زعم أنه اتباع من الغلام أن فتحًا إذا مات ولم يوكل له مكانه وكيلاً؛ أنه بذل خارج من الولاية، وقد تردد على الغلام يسألني أن أقيم له مكان فتح من بيبيع عليه ما لا غنى به عنه، فوكلت له. فهمنا – وفق الله القاضي – ما كشفت عنه في هذا الكتاب، ومن أخذته الولاية لم يخرج عنها بموت ناظر ولا غفلة سلطان عن التوكيل عليه، وهو ملى عليه، حتى يثبت رشده، ويشهد العدول على إصلاح أمره، وحسن تدبيره لماله وضبطه له، فإذا ثبت ذلك وجب إطلاقه على ماله والنظر فيه لنفسه، وما باع قبل ثبوت رشده فمردود عنه، ويرد إليه ما باع، ولا يلزمه من ثمن ما باع قليل ولا كثير، إلا أن يثبت عندك أنه دخل في مصالحة وما لا غنى به عنه من قوام عيشه، فإذا ثبت ذلك، وثبت أن بيعه كان بيع استقصاء مضى بيعه وأخذ بثمنه، إذا ثبت أنه دخل في مصالحة، وما لم يثبت ذلك لم يؤخذ بالثمن، ورد إليه ما باع من ماله. قاله ابن لبابة، وقال به أيوب بن سليمان. ولا يرد الثمن إلى المبتاع إلا بأحدى حالتين: إما أن يوجد الثمن بعينه أو ما اشترى به بعينه؛ فيرد على المبتاع. أو يثبت أنه دخل في مصالحة، وما لو نظر ناظر فعل مثل ذلك، فيرد الثمن أيضًا إلى المبتاع من مال المولى عليه. وأما الولاية فثابتة، لا يخرجه منها إلا ثبوت رشده، وبالله التوفيق. وقال عبيد الله بن يحيى مثل قول أبي صالح (أ – 26)، وقال يحيى بمثل قول أبيه، وفي قولهم أجمعين أن الجنان تعقل حتى ينظر في ذلك، ويبيع الثمرة وتحبس الثمن حتى يصح النظر فيها بما يجب إن شاء الله. وقال بذلك سعيد بن معاذ، وأحمد بن بيطي. قال القاضي: قولهم في هذه المسألة: إن ثبت أن بيعه كان بيع استقصاء، مضى بيعه وأخذ بثمنه، إذا ثبت أنه دخل في مصالحه، كلام غير محصل فقف عيه؛ لأنه إذا مضى البيع كيف يؤخذ

بثمنه وإن كان المراد نقض بيعه وجعل في موضعه مضى بيعه، فما معنى: في شرطهم، إن ثبت أن بيعه كان بيع استقصاء وهو وغير الاستقصاء سواء في نقض بيعه ورد الثمن إلى مبتاعه، فتدبره. وتكلمت مع أبي عبد الله بن عتاب في حال المحجور بعد موت الناظر له من وصي أو مقدم من قاضي، ومبايعته في هذه الحال، وغير ذلك من أفعاله، وقلت له: أهي نافذة أم ردودة؟ فقال لي: مردودة حتى يطلق بحكم، وقلت له: إن فقهاء طليطلة يقولون: هو على مذهب ابن القاسم؛ إن ظهر منه حسن النظر [كان جائز الأفعال] بعد موت وصية، وإن لم يحكم بإطلاقه كما هو عنده في سفهه مردود الفعل، دون حكم بالتحجير عليه، والضرب على يده، وأما على مذهب غيره من أصحابه، فلا يخرج من الولاية التي لزمته إلا بحكم، كما أنها لا تلزمه عندهم إلا بحكم، فقال لي: هو كما يقولون. وسألت ابن مالك عن ذلك، فقال لي نحوه، إنما يراعى ابن القاسم حاله، فإن كان سفيهًا كان مردود الأفعال؛ كان له ناظرًا أو لم يكن، وإذا كان رشيدًا نفذت أفعاله؛ كان وصية حيًا أو ميتًا، واستدل بالتي في سماع عيسى عن ابن القاسم، قال: وأما على مذهب غيره من أصحاب مالك، فهو باق في الولاية حتى يطلق منها بحكم. والتي في سماع عيسى: وسئل ابن القاسم عن يتيم له وصي، واليتيم مصلح وقد بلغ الحلم، ومثله لو طلب ماله لصلاحه أعطيه، تزوج من غير إذن وليه، ثم فسد وقبحت حاله بعد ذلك النكاح، وقبل أن يدخل بها، فسفه وصار ممن تجوز عليه الولاية، فطلقها في سفهه، ثم صالح أختانه على أن يأخذ منهم أقل من نصف ما ساق إليها، وذلك بعلم الوصي. قال: لا يجوز لهم أن يضع عنهم شيئًا من نصف الصداق، وإن أذن بذلك الوصي قيل: فإن زعم ختنه أنه قد دفع إليه أكثر من نصف الصداق فأنكره هو ذلك، قال: يغرم ختنه نصف الصداق كاملاً إلى وصيه، ولو أقر له السفيه أنه قد اقتضاه كله لم يبرئه ذلك، وكان عليه غرمه مرة أخرى لأنه لم يكن يجوز له أن يعطيه شيئًا. وأما نكاحه على ما ذكرت من صلاحه من غير إذن وليه فهو جائز، وهو مثل لو أذن له إذا كان يوم تزوج على ما ذكرت من حسن حاله. قال أبو عبد الله بن أبي زمنين في أقضية المغرب: بهذه المسألة يستدل على أن المولى

عليه إذا رشد وحسنت حاله وشهد بذلك، فما فعل في هذا الحال من بيع أو ابتياع، أو غيره مما ينظر فيه لنفسه؛ فهو جائز ماض، وإن لم يشهد على إطلاقه من الحجران قاض ولا وصي، وبهذا كان يفتي بعض من أدركته من الشيوخ. وقد كان بعض من أدرته أيضًا يقول: من لزمته ولاية لم يخرج منها إلا بأن يشهد على إطلاقه منها قاضي أو وصي. قال أبو عبد الله: وهذا قول ضعيف، وبديل على صحة الأول ما رواه أشهب عن مالك في المولى عليه أن شهادته جائزة إذا كان عدلاً مزكي، وإن لم يدفع إليه ماله. وفي غير المغرب: روي انب عبد الحكم مثله. وقال أشهب: لا تجوز شهادته، وإن كان لو طلب ماله أخذه، واختاره ابن المواز. وفي سماع سحنون عن ابن القاسم فيمن مات أبوه ولم يوص عليه؛ ما يؤيد ما ذكرناه من سماع عيسى، ومن قول ابن القاسم عن مالك وفقهاء طليطلة. وهي مسألة حسنة تركت نقلها لئلا يطول الكتاب بها، وفيها قلت: فإن كان لا يعرف بالشر ولا بالخير ولا بالتدبير، إلا أنه يشرب الخمر، وهو في ذلك ربما أحسن النظر في ماله أترى بيعه جائزًا؟ قال/ أرى مثل هذا جائز الأمر إذا وقع لعله لا يرد إذا لم يكن مولى عليه. قال ابن أبي زمنين: الذي كانت تجري عليه فتيا من أدركتا من الشيوخ أن المولى عليه إذا مات وصيه، ولم يوص به إلى أحد – حكمه في أفعاله كحكم من وصيه باق، حتى يظهر منه حال الرشد. وذكر لي عن أبي عمر بن القطان أن القاضي ابن بشر قال لمن حضره من الفقهاء: ما تقولون فيمن أوصى على ابنه، وشرط أنه إذا بلغ عشرين سنة فهو مطلق؛ فمات الموصي وبلغ الموصي عليه هذه المدة، ثم تصرف بعد ذلك في بيع وغيره، وهو مجهول الحال، لم يظهر منه سفه، ولا خبر منه رشد ([- 26)؛ هل تكون أفعاله جائزة دون إطلاق الوصي له من الولاية؟ فقال أبو محمد بن دحون، وأبو محمد بن الشقاق: لا يجوز له بيع ولا غيره؛ إلا بعد ترشيده لأنه مولى عليه. فأخرج القاضي إليهم جواب أبي عمر أحمد بن عبد الملك الأشبيلي بأنه منطلق بذلك الشرط، جائز الفعل. قال القاضي: وبهذا أقول، وهو الصواب.

قال ابن القطان: وبه أقول، وإياه أختار. فيمن مات وترك ابنً كبيرًا وآخر صغيرًا ولم يوص عليه، فقدم القاضي من يقاسم على الصغير، وضمن الوكيل القسمة لا غير، فقام الصغير بعد بلوغه يريد فسخ القسمة، قال: إنه لم يلحقه بذلك التوكيل ولاية. قال أبو عمر الأشبيلي: لا تلزمه الولاية بتوكيل القاضي من يقاسم عنه خاصة صغيرًا كان أو كبيرًا، وأما القسمة فجائزة عليه إن كانت في حال صغيره، وإن كانت في حال بلوغه وثبت عند القاضي أنه ممن يجب أن يولي عليه فلا اعتراض فيها، وإن لم يتعرف القاضي هذا، إلا أنه حين رفع إليه من يريد القسمة أجابه إلى ذلك ولم يكشف عن حالته؛ فلا تلزمه القسمة ويجب فسخها، ثم يقاسم شريكه إن كان رشيدًا، وإن كان سفيهاً قدم القاضي من ينظر عليه ويقاسم عنه [إن شاء الله] وقال ابن دحون: أما القسمة فلا اعتراض لأحد في فسخها، وأما تقديمه للمقاسمة عليه، فإن كان تقديمه ذلك بعد بلوغ الصغير، فلا يخرج من ولاية القاضي إلا بإطلاقه؛ لأن تقديمه للمقاسمة عليه بعد بلوغه يدل على أنه قد ثبت عنده أنه ممن يولى عليه، وأما قبل بلوغه فلا تلزمه بذلك ولاية بعد البلوغ إن شاء الله. وقال أب الشقاق: إذا قدم عليه من يقاسم عنه قبل البلوغ فالقسمة ماضية، وهو بذلك داخل في ولاية القاضي، ولا يخرج منها إلا بعد إطلاقه عنها، وإذا كان بعد البلوغ فلا تلزمه قسمة ولا غيرها؛ لأن والده لو أوصى به إلى رجل بعد بلوغه لم يلزمه ذلك، إلا أن يكون جدد سفهه في حياته؛ لأن أمره على الرشد عند جل أصحاب مالك حتى يثبت خلافه، ليس للقاضي أن يقدم من يقاسم عنه، ولا يدخل بما فعله من المقاسمة في ولايته؛ إذا كان يجب عليه إحضاره وتوقيفه على ما يطلبه أخوه، والكشف عن حاله كلها، والله أعلم. وسألت ابن عتاب عن هذه المسألة، وقلت له: أرأيت الصغير إذا قدم له القاضي من يقاسم عليه شركاء في أصول أو غيرها، هل يلزمه بذلك الولاية حتى لا يخرج منها بعد بلوغه إلا بإطلاق؟ فقال: لا يلزمه ذلك التقديم إلا في ذلك خاصة، وحاله في غيره كحال من لم يقدم عليه، وهذا كله قول الأشبيلي وابن دحون، وهو الصواب.

قلت لابن عتاب: أرأيت السفيه المولى عليه بتقديم القاضي، من ينظر له إذا كان له بنون صغار ذكور وإناث، ولم يذكروا في التقديم: هل لهذا المقدم عليه النظر عليه في بيع وشراء وغيره ذلك، دون تقديم عليهم. فقال لي: ذلك دليل الروايات أن ينظر عليهم ولهم، وأما الذي جرى به العمل عند القضاة فنظره غير جائز لهم، وفعله غير نافذ عليهم حتى يقدم لذلك. وسألت عن ذلك أبا عمر ابن القطان فقال: جرى العمل ألا ينظر لهم إلا بتقديم مستأنف، ويدل قول مالك على أن ينظر لهم، وذكرها في مساع ابن القاسم عن مالك فيمن حلف في رقيق لابنه ألا يبيعهم بثمن سماه، وللحالف أب. قال مالك: أسفيه هو؟ - يريد الحالف، فقال: لا أرى أن يبيعهم. وسألت ابن مالك عن ذلك، فقال لي: ينظر لهم، وساتشهد بهذه المسألة، ولم يذكر ما جرى به العمل، قلت: أرأيت اليتيم المولى عليه بوصي من قبل أبيه وهو صغير، إذا بلغ، هل يخرجه بلوغ الحلم من ولاء الوصي دون إطلاق، كما يخرجه من ولاية أيه الاحتلام؟ فقال: لا يخرج من حجر الوصي إلا بإطلاق وليس كالأب. قلت: أليس الوصي إنما ينظر له بسبب الأب، فكيف يكون أقوى من الأب في إيقافه في الحجران؟ قال: الذي نقول هو النظر؛ إلا أن العمل جرى ببقاء الولاية عليه، حتى يخرج منها ويسرح عنها. والدليل على هذا الذي قال، ظاهر قول تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم} ودل هذا أيضًا على أنه من لم يؤنس منه رشد فهو باق في التحجير، ولا يدفع إليه ماله، وهو قول مالك وجماعة أهل التفسير، وقال أبو حنيفة: لا يحجر على بالغ، مخالف كتاب الله تعالى وجملة المسلمين (أ – 27)، وكراهة التطويل يمنع من نقل ما فيه في كتاب ابن حبيب وغيره على نصه. وفي كتاب المديات من المدونة: عن يتيم بلغ واحتلم ولم يعلم وليه منه إلا خيرًا، فأعطاه ذهبه ليختبره به في تجارته، ويعرف به من حاله، فداين الناس ورهنه دين، قال مالك: لا أرى أن يعدى عليه بشيء، لا في ماله ولا فيما بيده، وقال غيره: يلحقه الدين في ذلك المال الذي بيده واختبر به.

وهذه المسألة أيضًا تدل على أنه باق في الحجر حتى يرشد ويطلق والله أعلم. وقد تكلم في ذلك مع أي المطرف ابن سلمة بطليطلة فقال لي: لا يكون الوصي في هذا أقوى من نظر الأب، وإذا احتلم اليتيم ومضى له نحو العام، ولم يظهر عليه سفه، جازت أفعاله. وفي كتاب الصدقة، قال مالك: يجوز الأب لابنته وإن طمثت ما تصدق به. قال ابن القاسم: وإن تزوجت وصلحت حالها في بيت زوجها، ولم تقبض صدقتها حتى مات أبوها، فلا شيء لها، وإن كانت بحال سفه جاز ذلك لها؛ لأن مالكًا قال: يجوز الأب لابنه الكبير إذا كان سفيهًا، ألا ترى أن الله تعالى قال: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ..} الآية! وبلوغ النكاح الاحتلام والحيض، فقد منعهم الله من أموالهم مع الأوصياء بعد البلوغ إلا بالرشد، فكيف مع الذين هم أملك بهم من الأوصياء! وغنما الأوصياء بسبب الآباء. وهذا من كلام ابن القاسم حجة لما ذهب إليه أبو المطرف بن مسلمة. وسألت عن ذلك أيضًا أبا عمر بن القطان فقال لي: لابد من إطلاقه من الحجر وإلا فهو باقي فيه، بخلاف الأب؛ لأن أمر الوصي كان بالإشهاد فصار أقوى لأنه كالحكم به، قال: وبه جرى العمل. وفي النكاح الأول من المدونة قال مالك: إذا احتلم الابن ذهب حيث شاء. قال ابن القاسم: إلا أن يخاف من ناحيته سفه. واختلف المتأخرون هل قول ابن القاسم خلاف أو تفسير؟ والصواب أنه تفسير لأنه موجود من قول مالك في غير موضع، وإليه كان يذهب ابن مالك، وإذا وجد إلى الاتفاق سبيل فرفع الخلاف أولى. وفي أحكام ابن زياد فيمن عقد على ابنه الولاية: فهمنا – وفق الله القاضي – ما عقده إبراهيم بن بلح، على ابنه أحمد، من الولاية؛ لما اختبر من سفهه وسوء تدبيره وثبوت عقده بذلك عليه عندك، وأراد القاضي معرفة ما بقي من النظر فيه. فالذي يجب في ذلك أن يعذر إلى أحمد فيه، ويقرأ عليه ما عقده أبوه، ومن شهد في ذلك عليه، فإن كان له عنده فيه مدفع، نظر له فيه القاضي، وإن لم يكن عنده فيه مدفع، أشهد القاضي على ثبوت عقد إبراهيم بالولاية على ابنه أحمد، ووكل عليه من ينظر له إن شاء الله. قاله ابن لبابة. وابن وليد، وعبيد الله بن يحيى، وغيرهم.

وقال يحيى بن عبد العزيز مثل ذلك إذا كان ما عقده عليه أبوه قبل البلوغ. وقال ابن العطار في وثائقه: تقديم الأب للنظر له أولى من غيره، وهو كما قال إذا كان سدادًا، وإنما له تجديد السفة عليه بقرب بلوغه، وإذا بعد أزيد من العام لم يكن له ذلك، إلا بينة تشهد بسفهه عند القاضي، ويعذر فيه إلى الابن، وإلى ذلك أشار يحيى بن عبد العزيز إذا كان ما عقده أبوه عليه قبل البلوغ، والله أعلم. قال القاضي: جرى في هذا الباب علم كثير، من مسائل المحجورين، ولو استقصيت مسائلهم في بيوعهم وعتقهم ونكاحهم، وغير ذلك نم أمورهم، لاجتمع منه كتاب كبير، وستأتي لهم مسائل في الوصايا وغيرها إن شاء الله.

باب الوصايا بالأيتام والأموال

باب الوصايا بالأيتام والأموال في مسائل القاضي أبي بكر بن زرب قال في رجل في وصيته وله أولاد صغار: قد جعلت النظر لولدي فلان وفلان إلى فلان بن فلان، وله أولاد غير الذي سمى، فإنهم يدخلون في الإيصاء، وإن لم يسمهم؛ لأنه لما قال: ولدي، دخل جميعهم فيه، قيل له: كيف وقد سمي من أراد أن يولي عليه؟ فقال: لو أراد هذا لم يقل: قد جعلت النظر لولدي فلان وفلان إلى فلان، إنما كان يقول: ممن ولدي. قال: وهذا كمن قال: عبيدي أحرار فلان وفلان، وسكت عن باقيهم؛ فإنهم يعتقون أجمعون؛ من سمي منهم ومن لم يسم، قال له موسى: نزلت هذه المسألة فأفتى فيها بعض الشيوخ: أنه لا يعتق إلا من سمي، ولط فيها، وأخذ بفتياه لشيخه وحكم به. قال القاضي: أعرف وقت نزولها. قال القاضي: وفي سماع أصبغ في كتاب الصدقة، [ما] يشبه مسألة القاضي هذه، فيمن تصدق (ب - 27) [على رجل بميراثه] وقال: أشهدكم أني قد تصدقت على فلان بجميع ميراثي، وهو كذا وكذا، في العين والسفر والكرم. والثياب والدور والبور، إلا الأرض البيضاء فإنها لي، وفي تركة الميت جنان لم ينصها أو غير ذلك، بل له، هل يكون ما نص وما لم ينص للمتصدق عليه إلا ما استثنى، إذا كان يعرف في الجنان، داخلة في الصدقة إن كان يعرفها، لأنه إنما استثنى الأرض البيضاء، ولم يستثن الجنان، تدبر هذه المسألة، فلولا استثناء المتصدق الأرض البيضاء لكان كمسألة القاضي سواء. وف أحكام ابن زياد في وكيل يتيم عزله لسخطه، وكشفه عما كان له بيده: وكيف إن امتنع من الجواب؟ نقول - والله الموفق للصواب -، فيما أحب ابنا محمد بن يوسف أن يكشف لهما عنه وكيلهما إسحاق المعزول عنهما: أن ذلك من حقهما، أنه قد ثبت سخطته عند القاضي، فإن رد بإقرار أو إنكار قيد القاضي ذلك، وإن أبى من الرد بإقرار أو إنكار، فإن المروي عن مالك رحمه الله أن يحمل السوط على المدعي عليه حتى يقر أو ينكر. وقال أصبغ: إذا أبى من الإقرار والإنكار، قيل له: إما أن تقر أو تنكر، وإلا قضينا لصاحبك عليك بما يدعيه مع يمينه، والقاضي مخير في أن يأخذ بأي القولين رآه سدادًا.

ويجب على القاضي؛ إذ قد عزل إسحاق لما ثبت عنده من سخطته، أن يمتحن ما باعه على الأيتام، الذين كانوا إلى نظره؛ فما ألفاه من ريع مرغوب فيه، باعه عليهم بغير ما يجب له أن يبيعه من إجزال الثمن فيه، فسخ بيعه، ورد الأيتام في المال المبيع عليهم، وأعدى المشتري على البائع في الثمن، وما ألفاه من الأرض التافهة باعها عليهم، ولا كبير خطر لها، وباعها لحاجة الأيتام، وثبت لها السداد في ذلك، مضى فعله فيه. ويجب أن يؤخذ بما تحت يديه من أموال اليتامى الذين كانوا يلي النظر لهم فيها وفي غلاتهم، ويقبض ذلك من وكله القاضي لهم ناظرًا. وإن لم يكن عند إسحاق في شهادة من شهد لليتيم مدفع، إن كان قبلهم أو اثنين منهم؛ نظر القاضي بما يجب فيه، وإذا لزم إسحاق غرم شيء من ذلك فألد به، ولم يعد جميعًا إلى وقت يضرب لهل فيه، حبس حتى يغرم ذلك من الحبس إن شاء الله. قال بجميع ذلك ابن لبابة، ومحمد بن وليد، وخالد بن وهب، وسعد بن معاد، وسعيد بن خمير، وأحمد ببين بيطير، وأحمد بن بقي، ويحيى بن عبد العزيز، وعبيد الله بن يحيى، ويحيى بن عبد الله، ومحمد بن إبراهيم، ومحمد بن عبد الملك بن أيمن، وعمر بن يحيى بن لبابة، ومحمد بن إبراهيم بن عيسى، ومحمد بن غالب. قال القاضي: قولهم فيما باعه من ربع مرغوب فيه بغير جزيل من الثمن: ينقص بيعه ويعدي بالثمن عليه؛ المعنى: ويرجع هو به في مال الأيتام، إن ثبت أنه أدخله في مصالحهم التي لا بد لهم منها، ولا غنى بهم عنها، وإن لم يريدوا هذا، وإلا فهو خطأ من قولهم؛ لأنه لا يكون أسوأ حالا ولا أضعف من بيعهم لأنفسهم، وهم يرجع عليهم بثمن ما باعوه إن كان قائمًا أو ثبت إدخالهم في مصالحهم التي لا يستغنون عنها. وقد تقدم بيانه في الباب الذي قبل هذا الباب، والله الموفق للصواب. وفي الشريك مع الوصي إذا ثبتت سخطته من كان في الإيصاء معه: فهمنا – وفق الله القاضي – ما كشفنا عنه من أمور وصية محمد بعد أن ثبت عنده إشهاد سلميان بن أسود؛ إذ كان قاضيًا بقرطبة، على ثبوتها عنده. وذكر القاضي أنه جعل النظر لابنته ويضعها إلى وليد وعبيدة ابنة محمد، وقال في وصيته: فمن مات منهما أو غاب؛ فالنظر للباقي منهما. وثبت عند القاضي سخطة عبيدة، وإن مثلها لا تلي النظر بيتيم، وأنها جعلت ألا

تكلم ابنتها هذه أم الأصبغ تبيع منها بعض أرض اشتريت لأم الأصبغ، وأعذر القاضي إلى عبده في جميع ذلك، فأنكرت أن تكون هي عبدة التي أوصى إليها وزوجها محمد، والتي شهد عليها بالسخطة. وقول القاضي: هل لي أن أشرك مع وليد غيره مكان عبدة، في النظر لأم الأصبغ إذا لم يفرد أبوها وليدًا بالنظر لها حتى شرك معه عبدة؟ فالذي نقول والله الموفق للصواب: أن الشريك (أ – 28) معه في النظر لها مما يجب نظر القاضي به؛ لأنا وجدنا محمدًا قد قال [في وصيته]: فإن مات أحدهما أو غاب، فالنظر إلى الباقي منهما، وألفينا عبيدة لم تمت ولم تغب وهي حاضرة، وأن الذين أعذر بهم القاضي إليها فيما أعلمنا القاضي – وفقه الله – وقرأنا شهادتهما قالا: إنا نعرفها بالعين والاسم والنسب، وإنها هي التي أنكرت أن تكون عبدة، وإنما أخرجها عن النظر مع وليد سخطة حالها، فالحالة التي سقطت بها، ليست من ناحية موت ولا معيب، فيجب أن تشرك معه في النظر لها، ويوكل القاضي ناظرًا مأمونًا حازمًا مع وليد. قاله ابن لبابة. وعبيد الله بن يحيى، ومحمد بن وليد. وقال أيوب بن سليمان: ما بالتشريك بأس، ولا يقود إلا إلى خير وحياطة، فليفعله القاضي إن شاء الله. وقال بذلك ابن بيطير. وقالوا في سؤال آخر في هذه القصة: يجب أن تعزل عبدة عن النظر، ويبقى المشرك معها إلى أن ينظر القاضي في أمر الجارية أم الأصبغ بنت محمد بن موسى الموصي بما يجب؛ إذا سقط الإعذار إليها بما ثبت من إنكارها لأن تكون عبدة، ومعرفة المعذر بهم إليها أنها هي بعينها. وفي التشريك مع الوصي نصفه أو غيره، روايات مستوعبة بعد هذا، في مسألة ابن الصديني إن شاء الله تعالى. في وكيل باع على يتيم أمواله وأفسدها عليه: قام عندي – رحمكم الله – [عبيد الله] بن الحارث الذي قدمته على النظر لخالد بن نصرون، بعد أن عزلت إسحاق بن إبراهيم بن هلال، سلسخطته التي ثبتت عليه، فذكر أنه مضى مع القسام إلى قرية اليتيم، فكشف أهل القرية عما اشتكاه اليتيم، وما أحدثه اسحقا بن إبراهيم في ماله، وأتلفه عليه. فاجتمع أهل القرية في مسجدهم فكشفهم اليتيم بمحضر القسام، فقالوا بإجماعهم: أما الدار فإنه نقضها وحمل نقضها إلى قريته، وقالوا: إن مال اليتيم عدته اثنى عشر مديًا.

بالتكسير، فضيع الأرض وبورها، وأخذ لنفسه الزريعة، ثم بدا بالبيع في أرضه، فطاف القاسم عليها وغيرهم فألقوها لنجوا المدي ونصف، وفعل في داره وكرومه كفعله في القرية، وشهد عندي بذلكمن عرفته، فاكتبوا لي في ذلك لأنظر بواجب الحق وسبيل العدل إن شاء الله. قرأنا – وفق الله القاضي وسدده – ما سألتنا عنه فرأينا أمرًا مستشنعًا عجيبًا يجب على القاضي كرمه الله البحث عنه والامتحان له وكشف المشترين عما ذلك أنهم اشتروه، وأمرهم بإحضار وثائقهم، فإن صح ابتياعهم وجب فسخ البيع، ورد اليتيم، إلى ماله، وإعداء المشترين على البائع بالثمن، وما أدخل البائع من ثمن ما باعه في مصالح اليتيم وثبت ذلك والسداد فيه، أدى في مال اليتيم؛ لأن بيع الدور والأرضين على الأيتام عند مالك رضي الله عنه، ليس من النظر لهم إلا فيما قل خطره، ولم يكن باليتيم غنى عن بيعه عليه لمعاشه أو لمرغوب من الثمن، وما جاز بيعه على اليتيم وجب على بائعه إثبات السداد في بيعه، وإثبات النفقة منه على اليتيم، وأنها سداد أيضًا. ويجب على القاضي – وفقه الله – أن يأخذ المعزول عن اليتيم بما تحت يده اليتيم، وصرف إلى من وكله له، فإن ألد المعزول وخاف عليه الزوال، حبسه حتى يؤدي من الحبس إن شاء الله. قاله محمد بن الوليد، وأيوب بن سليمان. وقال سعد بن معاد: الجواب صحيح وبه يقول أصحابنا ولا أعلم بينهم في ذلك اختلافا، ولا عند مشايخنا الماضيين رحمهم الله، وقال به خالد بن وهب، ومحمد بن لبابة وجميعهم. قال القاضي: أغفل الشيوخ رحمهم الله في جوابهم بهذا الجواب، عن الواجب على الوكيل المعزول في نقص دار اليتيم وحمه لنقضها إلى قريته، وفي أخذ الزريعة وتبوير أرض اليتيم وكرومه، وهو كان أولى بالجواب مما جاوبوا عنه، لظهور تعديه فيه واحتمال بياعاته أن تكون سدادًا ونظرًا، حتى ينكشف غير ذلك. والجواب في [نقض الدار] يؤمرك بإحضار ما انتقل من نقضها، فإذا أحضر ألزم قيمة الهدم يوم هدمها؛ يقال: ما قيمة الدار قائمة على هيئتا التي كانت عليها؟ فيقال: مائة دينا، ويقال: ما قيمتها منقوضة مع نقضها الحاضر المقلوع؟ فيقال: خمسون دينارًا،

فالذي نقضها فعله خمسون دينارًا عليه أداؤها إلى المقدم مكانه. ويتشدد بالحكم عليه بالسجن، فإن أحضره وإلا حلف على ما يديعه من تلف أو بيع (ب – 28)، ثم أدى قيمته مع قيمة الهدم، إلا أن زعم أنه باعه، فيؤخذ بالأكثر من الثمن الذي باع به أو من قيمته، وإن أدخله في بناء وهو قائم، ففي هدم بنائه وصرفه إلى مكانه اختلاف، فقيل: يترك ويؤدي قيمته، وهذا قول ربيعة. وقال مالك في المدونة: يقلع [من مكانه، ويلزم] البنيان الذي بين عليه، ويصرفه إلى ربه. قاله في الغاصب وهذا مثله متعد. قال في المغرب والمختصر: وعلى القاضي القلع والهدم، وهذا كله على الأشهر من نالمذهب، ويجوز أن يحكم على هذا الوصي ببناء ما هدم، وصرفه على حاله يوم هدم، وينفق في ذلك من ماله حتى يعود ما كان. وفي مختصر ابن أبي زيد من رواية أشهب عن مالك: من هدم جدار الرجل كلف أن يبنيه، أحب إلى من أن أغرمه ما نقص البيت. قال أبو محمد: وهذا غير قول ابن القاسم. وفي سماع ابن القاسم: قال مالك، في خليج لرجل يجري تحت جدار، فجرى السيل فيه فهدمه، فقال صاحب الحائط لصاحب الخليج: ابن لي حائطي، وقال الآخر: لا أبنيه؛ قال مالك: أرأيتك لو أراد صاحبت الحائط أن يسقي به، أكان يدعه؟ قال: لا، قال: فإني أرى أن يقضي بينهما، أنه على صاحب الخليج الذي أفد حائط الرجل، وهذا من رواية ابن القاسم، مثل رواية أشهب، ونظيره في روايته أيضًا قول مالك فيمن باع شاة واستثنى. جلدها فاستحياها مشتريها أن عليه قيمة جلده أو شراؤه – أي مثله. وفي النوادر: قال ابن كنانة: ولا ينقضي بنيان الحبس ولا يبني منه حوانيت للغلة، وهذا ذريعة إلى تغيير الحبس، ومن كسر خشبة من أهل الحبس أو غيره، فعليه أن يرد البنيان كما كان خوفًا أن تؤخذ منه القيمة، فتحول الدار عما كان جنسها عليه، ولا بأس أن يصلحوها إذا خربت. أردنا من هذه المسألة قوله: ومن كسر من خشب الحبس أعاد بنيانه كما كان ولا تؤخذ منه القيمة، وقول الشهود في مسألة الوكيل المعزول: أنه بور أرض اليتيم وأخذ لنفسه الزريعة، إن شهدوا عيه بمبلغها أخذ بمثلها، إلا أن كان صرفها في نفقات اليتيم

ومصالحه، وإن لم يعلموا كيلها صدق مع يمنه في مبلغها. وإن أنكر شهادتهم وقال: لم أخذ زريعة، وهم لا يقفون عي كيلها، كلف الإقرار على كل حال، وضيق عليه بالسجن والتشديد والأدب الموجع الشديد حتى يفر، فإن أبى إلا الإنكار، ولم يحقق الشهود قليلا ولا كثيرًا من كيل الزرعية، أحلف ما أخذ من ذلك شيئًا، وأن ما شهدوا به لباطل، وخلي سبيله، وإن استنزل الشهود في ذلك قليلا قليلاً حتى يقطعوا بكيل لا يشكون فيه، قضى عليه بما حققوه، وحلف أن لم يكن أزيد. والله أعلم. وقد تقدم هذا المعنى. والأصل في التشديد عليه إذا أنكر ما شهدوا به، رواية أصبغ عن ابن القاسم فيمن غصب أرضًا، وشهدت بينة بها لربها إلا أنها لربها إلا أنهم لا يعرفون حدودها، قال: يسجن المشهود عليه ويضيق عليه مع هذه الشهادة، حتى يبين له حقه، فإن بين له شيئًا، وقال: هذا حقه، حلف عليه. قال: وإن لم يبين واستبرئ بحبس وتشديد فأنكر الجميع، أحلف وترك. وهذه المسألة فيها تنازع يطول الكتاب بذكره، وإن كان هذا الوكيل ترك جنات المحجور وكرومه، وأهمل عمارتها حتى تبور ويبست، فعليه ما نقص منها بتضييعه إياها، كمن دفعت إليه دابة وعلقها وقيل له: اعلفها واسقها حتى تقضي سفرك، فتركها بلا علف حتى ماتت، فعليه قيمتها، والأدب عليه بكل حال في نقضه الدار، وهو الجواب في كل متعد ومفسد. وشاهدت الفقية أبا عبد الله بن عتاب رحمه الله قد أفتى في وصي باع على يتيمه قمحًا، ثم تخلى عن النظر له، وقدم غيره مكانه، وأشهد المقدم أنه قبض من المنعزل ما كان عنده لليتيم، فقام على المنعزل محتسب على اليتيم، وقال له: كان مبلغ القمح الذي بعث عليه كذا، وبعته بغير وجه يوجب بيعه، وقال الوصي: إنما بعته لأني خفت فساده إذ كان السوس قد أشرع فيه، ولا أقف على مبلغ كيله. فأفتى بوجوب اليمين على الوصي أن مبلغ الطعام كان كذا، وإنما بعته لتسويسه بثمن كذا، فراجعه الوصي بمحضري، وقال: لا أقف على مبلغ كيله فكيف أحلف عليه؟ فقال له: تذكر واحلف ما توقن به، قلت: فإن أبى أن يحلف قال: [يشدد] عليه بالسجن، فإن أبى أن يحلف بعد السجن أطلق.

وفي أحكام ابن زياد فيما أنفقه الوصي على يتيمه (أ – 29). استجمعنا كلنا، أن من الأشياء التي ليها الوصي أو الوكيل، ما يصدق فيه من النفقة في إصلاح مال اليتيم، والاستئجار له في حصاد زرع وبنيان واشتراء دواب وغيرها، مما يكثر ذكره، فاستثقل أن يقول أن الوصي دفع كذا وكذا، وذكر كذا فأراه منه. فجعل هذا اللفظ أنه نظر في ذلك نظرًا أوجب إبراءه، وكان لفظه تجمع لتصديقه، فنظر في ذلك وأبرأته منه، وهو إن شاء الله حسن متخلص قاله جميعهم. وإذا ثبتت الحضانة، وعرف وقتها وكم شهر [كلفته] الناظرة له، أسقط عنها ما يرى أنه نفقة مثله، ومن الكسوة ما يثبت السداد فيه، وما زعمت أنها برئت به إلى فلان بأمر صاحب المدينة، وثبت ذلك عندك، وسعك التوقف عنه وما زعمت أنها أوصلته إلى المناصب] فيمتحن بإقراره أو إنكاره، هذا الذي يجب في ذلك إن شاء الله. والمال الذي أحضره ورثة مروان، وكان بيده موقوفًا لليتيم، هو المذكور في ديوان القضاة، وسألوا قبض ما حضر منه، حتى يجتمع باقي المال وإباهيم مما حض، وأمر القاضي من وكله لليتيم يقبض ذلك، وثبت عنده قبض الوكيل له، وأراد الوكيل شراء ضيعة لليتيم بذلك الذي استرق، حوزًا للمال ويكون أعود عليه فالذي نقول به: أن ابتياع ضيعة لهذا اليتيم بهذا المال الذي استرقه من النظر له والرشد والحرز، مما يأجر الله عز وجل عليه القاضي إن شاء الله. قاله عبيد الله، وابن لبابة، وأيوب، وابن وليد، ومحمد بن غالب، وخالد بن وهب؛ وقال: اعرض آمن من العين. وفي التفليس من نوازل سحنون: من أتى بيتيمة قد بلغت، أو يتيم قد بلغ، إلى القاضي وقال: إن أبا هذه أو هذا أوصى به وبماله إلى، وقد بلغ مبلغ الرضى، وأنا أبرأ إليه بماله فاكتب لي منه براءة، قال: يكتب له منه براءة وإن لم يعرف أنه وصيه إلا بقوله. ويكتب في البراءة [إنني فلان بمن) صفته كذا، وزعم أنه سمى فلانًا، أو بأمرأة صفتها كذا، وزعم أنها تسمى فلانة، وأنا أباها أوصي إليه وبمالها، وأنها قد بلغت مبلغ الأخذ لنفسها والإعطاء منها. وسألنا أن نأمره بدفع مالها، وأن نكتب لها البراءة منها، فأمرنا بذلك فدفعه إليه عندنا، وهو كذا وكذا، وقد اشهدنا على براءته منه المسميين في هذا الكتاب، قيل له: ولا يجوز له أن يكتب له البراءة إلا هكذا، قال: نعم لا يجوز إلا هكذا.

وفي أحكام ابن زياد في نظيره: كشفنا وفقك الله وأعانك على ما قلدك من تركه، قدم بها قادم من بعاد البربر، وزعم أن الذي قدم به ثلث ما توفي عنه فلان المتوفي بذلك الموضع، وأنه عهد بثلث ذلك أن يفرق عنه في المساكين، وحكي ذلك كله عن صاحب المال وهو دافع المال إليه، وأعلمتنا أنه ثبت عندك عدة ورثة المتوفي وأنهم أجازوا الثلث، ما خاف فلانًا الغائب منهم، فلم يثبت عندك إجازته، فأشرنا عليه: بالإيقاف لنصيبه من الثلث، وتنفذ أنصباء المجيزين منه، فوقفت نصيب الغائب على يد من وثقت به، حتى تعرف رأي الغائب في إجازته أو رده، فيصير إلى من يجوز له قبضه بتوكيله على ذلك، ووقفت أيضًا أنصباء المجيزين إلى أن ينظر في تنفيذها. وأحببت أن تعرف ما عندنا في ذلك لتعمل به، والله الموفق للصواب، وأن جميع ما نظرت في التوقيف، وقد تقدم ذكره، نظر صحيح وأمر موعب، ولم يبق عليك سبب يوقفك عن تنفيذ أنصباء المجيزين؛ لأنك قد أعذرت إليهم بما وجب أن تعذر به، وأقوعت ذلك في الكتاب الجامع، الذي فيه عقدك فيما نظرت به في هذا الثلث، فأمر بتنفيذ ذلك يما وجه له وسبل فيه، فإنك مأجور ومثاب فيه إن شاء الله، واكتب للذي وقفت هذا المال بيده براءة منه، وكذلك يجب عليك لكل من أخذ بأمرك مالاً وقع عليه به إشهاده، ثم أخرجته عن يده حالة أوجبت ذلك في تنفيذ أو غيره، فإذا أوعبت النظر هكذا فقد أتيت الواجب، وينالك فيه جزيل الأجر. قاله محمد ابن غالب، ومحمد بن لبابة، ومحمد بن وليد. وفي كتاب ابن سحنون: كتاب شجرة إلى سحنون، فيمن أتى الحكم فقال: إن فلانًا دفع إلي أو بعث إلي دنانير، ذلك أنها لورثة فلان، وأن أدفعها بأمر (ب – 29) الحكم، كيف يجري أمر الحكم في هذا؟ فكتب إليه: إذا ثبت عنده الوراثة وأقر هذا أن الغائب أمره بدفعها إليهم، كتب له الحاكم أنك ذكرت أن فلانًا أمرك بدفع ذلك إلى ورثة فلان بأمري، وإني أمرتك أن تدفعها إليهم، بعد أن ثبت عندي أنهم ورثة فلان. وفي أحكام ابن زياد في تنفيذ وصية في دار: فهمنا وفق الله القاضي إقرار محمد بن غالب وكيل عمرو بن سعيد، بالتبري من الدار، وأنه لا حق له في شيء منها، فيجب أن تعذر إلى عمرة أخي عمرو، فيما، عندك من إيصاء أخيهما بذلك، فإن ثبت عندك من قوة مثل قول أخيه وتبرئة، وجب أن تطلق

يد الوصي على تنفيذ وصية عثمان. قاله عبيد الله بن يحيى، وابن لبابة، ومحمد بن وليد. وقال أيوب بن سليمان: إذا كان فيما تقدم من دعواهما، أن الدار كانت لأبيهم، وقاله سعد بن معاد، ويحيى بن عبد العزيز. وسألت ابن عتاب عمن أوصى ببيع داره وإعطاء ثمنها لزيد، وأوصى بتنفيذ ذلك إلى رجل، فلما توفي وأراد الوصي تنفيذ البيع في الدار، قال زيد الموصي له بثمنها: أنا أتولى البيع، وقبض ثمنها، أو قال: أنا آخذ الدار، إذ قد أوصى لي بثمنها ولي تباع، فقال: الصواب تنفيذ عهد الموصي على وجهه، وأن يبيعها الوصي ويعطي ثمنها الموصى له؛ لأنه إن أخذها أو تولى لنفسه ببيعها وقبض ثمنها، كان تغييرًا للوصية وعزلا للوصي. وكنت شاهدت ابن القطان سئل عن ذلك، فقال مثله، فقال مثله، فقال له السائل: قد نزلت وأفتى فيها بخلاف هذا؛ أن الموصى له البيع، فاقل له: الرواية كما قلت لك. قال القاضي: ويدل عندي على صحة ما قالاه: قول أصبغ في نوازله؛ فيمن قال: بيعوا عبدي فلانًا، وأعطوا ثمنه ابنه فلانًا، أو قال: أعطوا ثمن عبدي فلان لابنه فلان، وقبل الابن ذلك، قال: الوصية له لجائزة، ويباع ويدفع ثمنه إليه، ولا يعتق عليه، بخلاف لو أوصى له بكتابه أبيه أو ابنه، وهو مكاتب للموصي، إن قبل الموصى له ذلك أعتق عليه، ولم يود الكتابة إليه، لأنه إذا أوصى له بالكتابة أو أعطاه إياها، فقد نزل منزلة الذي كاتبه؛ إن أدى عتق وإن عجز رق لمن يعتق عليه، فملك الكتابة كملك الرقبة. وأما إذا قال أعطوه الثمن، فإنما يصير ل الثمن بعد بيعه، وليس بيعه في يدي ابنه ولا رقبته، وإنما له ثمنه، فلا أرى عليه فيه عتقًا، وهذا بين. وقال ابن المواز: ومن أوصى في أمة له أن يعطي ثمنها لابن لها حر، فليس ذلك بملك ولا عتق، وهي وصية بمال، وهو مثل ما تقدم. وفي ولي سفيه دفع ماله قراضًا وطاع العامل بالضمان: أخبرنا الفقيه أبو عبد الله أن القاضي أبا المطرف بن بشر شيخه، أملى دفع الوصي مال السفيه قراضًا إلى رجل، على جزء معلوم، وأملى فيه أن العامل اع بالتزام الضمان للمال وغرمه، وأنه اعترض في ذلك وأنكر عليه، وقيل: هو غير جائز في التزامه هذا، والمال قائم لم يشغله في شيء اشترى به، فقلت له: هو كما اعترض المعترض. وفي سماع ابن القاسم ما يشهد بصحة الاعتراض عليه، فقال لي: لم يحفل القاضي

بذلك، وقد احتج لمذهبه ونصره بحجج بسطها ومسائل استشهد بها. قال: وأنا أقول بقوله، وأراه صوابًا. ذكر لنا ذلك في شعبان سنة ستين وأربعمائة. والذي أردته في سماع ابن القاسم، قول مالك فيمن دفع إلى رجل مالا قراضًا، فلما أراد أن يخرج إلى سفره قال لصاحبه: إني أريد أن أخرج بمالي معي أتجر فيه، وإني لست أحمل على مالك نفقة، وأنا أنفق من مالي وأتحمل ذلك، قال: لا يعجبني ذلك، وهو عندي كما لو قال عند دفعه إياه، ولكن ليعمل فيهما، والنفقة على المالين وسواء قال له ذلك عند خروجه، أو عندما يدفعه إليه، وفيه تفسير، قال عيسى بن دينار: وتفسيره إن كان قال له ذلك في حين يجوز له منعه من الخروج به، لم يكن فيه خير، وإن كان ذلك في يحين لا يجوز له منعه من الخروج به، لم يكن في خير، وإن كان ذلك في حين لا يجوز له منعه، وذلك بعد أن يتجهز ويشتري، فلا بأس به، وهذا بين في الاعتراض على القاضي. وفي كتاب الجواب في سماع عيسى عن ابن القاسم في رجلين اشتركا في الحرث على النصف أو الثلث؛ لأحدهما الأرض والآخر يعمل بيده وزوجه، فقال أحدهما لصاحبه: اجعل الزريعة كلها وعلى ثلثها أو نصفها أردها عليك، وعملا على ذلك وصلح الزرع، وكيف إن قال: أسلفني زريعة يعد عقدهما (أ - 30) الشركة؟ قال: الشركة فاسدة إذا اشتركا على ذلك، فإن وقع عملا فالزرع بينهما على الجزاء الذي اشتركا عليه، والمصيبة بينهما على قدره إن هلك الزرع، ويرجع المسلف على الآخر بسلفه متى شاء، وينظر إلى قيمة كراء الأرض وإلى قيمة عمل الآخر بيده وزوجه، فمن كان له فض رجع به دارهم أو دنانير لا في الزرع، وإن كان إنما سأله السلف بعد عقد الشركة ففعل، فليس به بأسن، والشركة جائزة حلال، ورواها أصبغ. فقد أجاز ابن القاسم الطوع بسلف بالزريعة بعد العقد، ومذهبه في شركة الزرع أن لكل واحد منهما الخروج منها وتركها متى شاء ما لم يبذرا، فإذا بذرا لم يكن ذلك لمن أراده منهما، ولزمه العمل أحب أو كره، وكذلك رواه أصبغ عنه؛ فقد أجاز الطوع بالسلف في وقت لهما فيه ترك ما عقداه من الشركة، وفي هذه حجة للقاضي، ولعله بها احتج والله أعلم. شوري في مال يتيم، كان أبوه قد دفعه قراضًا إلى رجل، ثم مات وأوصى بابنه إلى ذلك المقارض وغيره، ثم عزل وقدم مكانه غيره، بعد أن استعفى الثاني فأعفى، فطالب

المقدم المعزول بذلك المال. ونزلت بقرطبة وأفتينا فيها، وفرأيت إثباتها هنا، وكان الناظر فيها ابن أدهم: يا سادتي وأوليائي، ومن أبقاهم الله وسلمهم، قام عندي أكرمكم الله بطاعته جعفر بن أحمد، بتقديم عبد الرحمن بن سوار إياه على النظر له، بعد أن أثبت عندي التقديم على محمد المذكور، طالبًا لأحمد بن عبد الله الذي كان وصي اليتيم محمد المذكور، مع محمد بن أحمد بن عافية قبله. فذكر أنه استقر لليتيم محمد عنده من قراض، كان أبوه أحمد قارضه فيه ألفا مثقال؛ اثنان من ذهب قرمونية وأظهر إلي بذلك عقدًا تاريخه عقب المحرم سنة ثمان وخمسين وأربعمائة. وسألني توقيف أحمد بن عبد الله على ما ذكره، وحضر مجلس نظري أحمد المذكور، فأقر به على حسب نصه، وتقيد إقراره بذلك عندي في أسفل العقد المذكور، وقال إنه دفع في ذلك دفعًا إلى محمد بن عافية؛ إذ كان ناظرين لمحمد المذكور وأنفق منه نفقات تقيدت له. وسألني أن أبيح له إثبات ما دفع وأنفق منه، فأبحت له ذلك، فأظهر إلي عقودًا خمسة ثبتت عندي على حس نصها، تجمل له فيها ألف مثقال ومائتا مثقال؛ اثنتان وثمانية وعشرون مثقالا من الصفة المذكورة، وأعذرت فيما ثبت من ذلك إلى جعفر بن أحمد الناظر لليتيم المذكور، فلم يكن عنده مدفع فهي، ووقفه جعفر على السبعمائة والاثنين والسبعين مثقالا الباقية قبله من الألفين القراض. فقال: إنهما تلفت بالخسارة في التجارة، وتقيد بقوله هذا، فعمل في طرة عقد القراض، ثبت عندي على نصه، وزعم أنه يبين ما ادعاه من ذلك، فأجلته أجالاً أظهر إلي في خلالها عقودًا ثبت عندي، بشهادة من قبلته وأعذرت فيها إلى جعفر، فقال: عنده ما يدفع به ما أثبته أحمد بن عبد الله، ويثبت عليه باقي مال القراض. وأظهر إلي عقدين ثبتا عندي بشهادة شهدائهما، وأعذرت فيهما إلى المطلوب أحمد، فجاوب مما ترونه، وانقضت الآجال بينهما، ولم يكن لواحد منهما حجة غير ما أظهر إلي وأثبته عندي. وقد أدرجت إليكم طي كتابين، تضمن نسخ جميع مقالهما وعقودهما، وما وق في

خلاله من تأجيل وغيره، فجاوبوني مأجورين والسلام. فجاوب محمد بن فرج [سيدي] وولي من أيده الله بطاعته، تصفحت كتابك وما أدرجت طيه، والقراض عند أهل العلم على الأمانة، والمقارض مصدق فيما بدعيه من تلف أو خسارة ما لم يظهر كذبه، وبينه المقارض التي شهدت بنقصان المتاجر، واستحالة الصرف والخسارة في الأصبغة بسبب الفتنة – قطع الله مدتها – هي العاملة؛ إذ الحال تشهد لها ولا يلتفت إلى البينة التي ضادتها. ولا يضر قوله عند ابن منظور رحمه الله إن عندي سلعًا يبيعها إذا ادعى الخسارة (ب – 30) والنقصان، لأنه قد يكون للتاجر سلعًا يقدر أن يبعها بثمن ما، ثم لا يبيعها بنصف ذلك أو تتلف من عنده، فالذي أراه أن يحلف المقارض أحمد، في مقطع الحق بالله الذي لا إله إلا هو، ما أكل من مال اليتيم الذي كان عنده قراضًا شيئًا، ولا تعدى فيه، ولقد تلف بالخسارة وكساد الأسواق، من غير تضييع، ولا تفريط ولا خيانة، وتسقط عنه السبعمائة والاثنان وسبعون مثقالا، فإن نكل غرمها وإن أمكن قطع هذه المسألة بالصلح فهو الصواب. حملنا الله على الصواب. وجاوبت أنا سيدي ووليي قد نص مالك وأصحابه في غير ما موضع من أمهات كتبنا أن العامل في القراض أمين مصدق، في ضياعه وتلفه والخسارة. فيه، وفي صرفه، وفي صرفه إلى ربه، إن كان قبضه بغير بينة، مع يمينه على ذلك إن كان متهمًا، إلا في صرفه إلى ربه فإنه يحلف وإن كان غير منهم. وقد روي عن مالك أيضًا أنه يحلف في دعوى الضياع، وإن كان أمينًا ثقة غير متهم، وهو كالوديعة في هذه الوجوه، وقد قال مالك أنه يصدق إذا ادعى أنه أنفق من مال نفسه في سفره مائة درهم ليرجع بها في القراض، وله ذلك وإن لم يكن في المال ربح، وإذا كان الأمر فيه عندهم على هذا، فالعامل أحمد مصدق مع يمينه في مقطع الحق، على ما زعم في الوضيعة في تجارته بهذا المال، وأنه ما خان اليتيم في شيء منه، ويبرأ في ذلك الناقص من رأس المال، إذ لم يشهد عليه بما يوقن به أنه اختان هذا الناقص ولم يوضح فيه، ولو كانت الشهادة متظاهرة قاطعة، بأنه لم يوضع أحد في صناعته ومتجره ذلك مثل تلك الوضيعة التي ادعى هو أنه وضع فيه، لوجب الغرم عليه. هكذا ذكره بعض الشيوخ، وينبغي ألا يحلف اليمين المذكورة إلا بعد الإعذار إلى

محمد بين عافية فيها، أو في بعضها، فربما تكررت عليه اليمين في ذلك مرة أخرى، أو يأتي محمد بن عافية بما يجب عليه فيه الغرم. وإذا حلف أحمد هذه اليمين واقتضاها طالبه جعفر، وثبت ذلك، سجت بجميعه سجلاً يكون على نسخ، ليكون بيد الحالف منه نسخة ويد الطالب أخرى، سوى التي تكون في الديون إن شاء الله. ومن أحكام ابن زياد في شهادات مختلفة في وصية: فهمنا وفق الله القاضي ما أردت، من معرفة رأينا في الشهادات التي وقعت على وصية سيدة، وقرأناها، [فرأيت] شهادة لا تثبت بها الصوية، لقول الشاهد الواحد إنه لا يعرف هذه المشهدة له؛ لا بعينها ولا باسمها ولا رآها قبل ذلك في علمه، وانتهى إليه أنها توفيت، وشهد الشاهدان بمثل ذلك إلا أنهما عرفاها يومئذ بمن عرفهما بها، ممن لم يشكا في صدقه، وكشف القاضي إياهما عمن عرفهما بها، إذ لزمه كشفهما، فقالا: لا نذكر من عرفنا بها، وقول أحد الشاهدين إني لم أشك في ذلك الوقت في صدق من عرفني بها، وإنها توفت، فإن لم تشهد بغير هذه الشهادات لم تثبت الوصية، ولم تصح. قاله أيوب بن سليمان. وقال محمد بن غالب بمثله وقال: أنا أحد الشهود ومثل شهادتي لا يثبت بها شيء؛ لجهلي بالمرأة حين كتبت شهادتي، ولو ذكرت ن عرفني بها لكن في الشهادة رد على كل حال. وقال بمثله سعد بن معاذ، وعبيد الله بن يحيى؛ قال: والشهادات غير تامة لغير وجه. وقال به محمد بن لبابة. وصي سأل إخلاء دار عن حصة الوصي [ليبيعها]: فهمنا وفق الله القاضي ما سأله محمد بن غالب، القائم على وصية ابن هارون، من إخراج أحمد بن هارون، عن الحصة التي أرزت محمد بن هارون، من الدر التي كانت مشتركة بينه وبين إخوانه، إذ ذكر ابن غالب الحصة التي متى أحب المبتاع النظر إليها حيل بينه وبين ذلك، فيدخل بذلك الضرر، فالذي نراه أن يخرج عنها، وتخلى للمعترضين والسوام بها، وتوضع على يدي من يعرضها، وهو الناظر في ذلك. قاله عبيد الله بن يحيى بن لبابة، وابن وليد.

وفي دين ووصية ووراثة وتعمير: ثبت وفقك الله دين شهد به على الموصية به، بشهادة نم قبلت، وثبت موت أسمونية وأنه ورثها أخوان: أحدهما حاضر قائم عندكن الثاني غائب لم يحضر ولا وكل على طلبه، وورث المصوية بدين أسمونية. من يثبت عند غيبته، بحيث (أ – 31) لا يبلغه الإعذار. وثبت للموصية بالدين دار حدها الشهود، وثبت يمين ابن مسور أخي أسمونية احد وارثيها، في مقطع الحق بما وجب أن يحلف به، فلم يبق إلا الفصل بالقضاء له بنصيبه، ثم التوكيل على بيع الدار وأن يقضي الوكيل هذا القائم نصيبه من الدين. فإن أمكن أن يباع من الدار قطيع لدين هذا القائم الحضار فهو أحسن من بيع الجميع؛ فقد يكون في ثمن الجميع أكثر من دينهما، فيقول الغائب إذ قدم: ما أطلب ما طلب أخي ولا لي في ذلك حق، فيكون القاضي قد باع دارًا على غائب في غير ما وجب عليه في البيع. وإن لم يمكمن أن يباع منها قطيع لضيقها، بيع الجميع فقضي القائم بالدين نصيبه، فإن قدم الغائب فادعى ذلك الموقف حلف وصير إليه، وإن أنكره رجع ميراثًا عن أسمونية، ولابد من إرجاء الحجة للغائب وإرث عائشة. هذا الذي نقول به ونراه حقًا إن شاء الله، إلا أن تقوم الأخت للأب وتدعي أن أخاها الغائب توفي، أو مضي من عمره ما لا يعيش مثلها، ويثبت عينها فتصير هي الوارثة، إذا ثبت لها ذلك. قاله محمد بن غالب، وعبيد الله بن يحيى، وأبو صالح، وابن لبابة، وابن وليد وأحمد بن يحيى. وقال غيره: اكشف رحمك الله ابن السمح ومثله من الشهود، فإن قالا: إن الغائب غائب بعد موت أخيه، فقد حجب الأخت للأب، وإن قالا قبل ذلك فاسألهما منذ كم غاب وابن كم غاب؟ فإن اجتمع في العددين ما ينقضي به التعمير في الوقت الذي ماتت فيه الأخت، فقد صارت هذه الحاضرة وارثة في كتاب الله عز وجل. قال القاضي: "وقع في هذه المسألة: إن قدم الغائب ولم يدع ما وقف له من الدين، رجع ميراثًا عن أمونية، ونبه في الحاشية عليه أنه كذلك كان في الأصل، وهو غلط، وإنما صوابه رجع ميراثًا عن المقرة به؛ وهي الموصية الأسمونية بدينها، ولم يذكروا في أخوي أسمونية؛ هل هما شقيقان، أم لأب وأم؟ فإن كان الشهود إنما شهدوا أن أخويها فانا والغائب ورثها، ولم يثبتوا كيفية الأخوة، فهي شهادة ناقصة".

وفي كتاب القضاء لمحمد بن عبد الحكم في هذا مسألة حسنة استوفاها، تركنا نقلها اختصارًا كراهة طول الكتاب، وكذلك تركنا ذكر التعمير الذي أبهمه أحدهم، وربما أتى ذكره في الكتاب إن شاء الله. وفي بيع الوصي الأرض مساومة أو مناداة: - وفق الله القاضي – ما قال وكيله على بيع ثلث دار القريشي، وإنه أدخل ذلك المناداة وتردد بالهتف عليها في الأسواق وعند باب الجامع، ومنذ ستة أشهر، فبلغ ذلك عند من شرك الثلاث في الدار مائة مثقال، فالذي نقول به: إنه قد استنقص لينفذ ذلك فيما عهد لتنفيذه فيه. قاله عبيد الله، وأيوب بن سليمان، وابن لبابة. وقال ابن بابة: سئل ابن القاسم عن بيع الأرض على يدي وصي مناداة أو مساومة، فقال: كل ذلك جائز إذا كان بيع سداد والشهادة بالسداد من الاجتهاد الذي ليس على البائع أكثر منه. قال القاضي: هذه المسألة إنما هي من قول مالك، إلا أنها من رواية ابن القاسم عنه، فلو نسبها إليه لكان أولى بالصواب. في نظر الوصي في صدقة على يتيم: فهمنا – وفق الله القاضي – ما أراد معرفته، مما يطالب به محمد بن عبيد عن محجوره عبد الملك بن محمد، ومحمد بن عبد الحرمن عن زوجة بتوكيلها إياه، في مال محمد المتوفي بقرية شحة، وما أثبت ابن عبيد من صدقة محمد عي ابنة عبد الملك، وما طلب من العقلة، فإن كانت بجميع مال محمد على ابنه فقد تمت الصدقة ولا حيازة عليه. وإن كانت بأحقال بأعيانها فلابد لابن عبيد من إثبات حيازتها، والمال موروث عن محمد حتى تحوز البينة الأحقال المتصدق بها، ويعتقل المال حتى تثبت الأحقال، أو يعجز؛ فيقسم المال، وكذلك يوقف ابن عبيد ما اغتل، حتى يثبت العين المتصدق بها من الأحقال، وتوكيل ابن عبيد أم الغلام على الخصوم جائز. قاله ابن لبابة. وقال أيوب بن سليمان: إن كان في كتاب الصدقة دليل على أنه بقي للمتصدق في القرية مال، وجبت الحيازة على ابن عبيد، وإن لم يكن فيه دليل فليس عليه حيازة.

وقال سعد بن معاذ: لا يوقف شيء من المال حتى تقوم البينة على الحيازة، لأنه قد يمكن أن يتصدق ببعض ماله ويبقى بعضه، والبينة في ذلك على صاحب الصدقة أنه جميع المال، إلا أن يكون (ب – 31) في كتاب الصدقة ما يدل على خلاف أنه لم يبق للمتصدق مال. وقال ابن وليد وعبيد الله بمثل قول أيوب. وقال يحيى بن عبد العزيز بمثل قول ابن لبابة، ظهور الحق فيه عندي، والمال أبدًا مال الميت حتى تثبت الصدقة والأحقال بأعيانها وحيازتها، إلا أن تكون الصدقة بجميع ملك المتصدق؛ فلا حيازة حينئذ، والعقلة واجبة تلزمه حتى يثبت الصدقة والحيازة. وقال محمد بن غالب بمثل قول ابن لبابة.

وصية بفداء من لا طالب له

وصية بفداء من لا طالب له سألت - وفقك الله - عن وصية عهد فيها الميت أن يفدي عنه من أسرى أهل الحرب من لا طالب له. فكان ذلك معضلاً وأحببت أن تعلم وجه النظر فيه، وكيف يتوصل إلى تنفيذ هذه الوصية، وهذا باب لا يتوصل إليه إلا بأن يكشف جماعة أهل السبي، الذين قد عرفت بهم أنهم ممن يختلف إلى أرض الحرب. فإذا اجتمعت جماعتهم وكان منهم من رضيت هديه، ووقع في نفسك أنه يعلم ما شهد به فسموا لكل أقوامًا قد طال زمانهم في الأسر، بسبب فقدان الطالبين عنهم، عملت في تخليص هؤلاء، والله يكسبك ثوابهم، وينفلك الأجر فيهم، من غير أن ينقص ذلك من أجر الموصي، وإن تعذر هذا وعرفت في هذه الثغور من نثق به، عملت على إيصال ذلك إلى من يتولى النظر فيه إن شاء الله. وفي مسائل القاضي ابن زرب: من طاع بمال أخرجه في فداء قوم معينين، فانطلقوا في جملة من انطلق قبل أن ينفذ المال في فدائهم، سأل القاضي من حضره عن ذلك؛ فقال بعضهم: ينفذه في فكاك غيرهم، كمن أخرج كسوة لمسكين يقف ببابه، فيخرج فيجد المسكين قد ذهب، يستحب له أن يعطي غيره، قال القاضي: ليس مثله ينصرف مال الفداء إلى صاحبه، إنما أخرجه لفداء قوم بأعيانهم، فلما استغنى عن ذلك رجع إليه. قال القاضي: الدليل على صحة ما قاله القاضي رحمه الله، ما في سماع أصبغ من الجنائز: سمعت ابن القاسم يقول عن مالك، فيمن هلك فلم يكن له كفن، فطلب له في الناس فجمع له عشرون درهمًا، فكفنه رجل من عنده، وبقيت الدراهم فأراد غرماؤه أخذها أو ورثته، قال: ليس لهم ذلك وترد الدراهم إلى أهلها، قاله ابن القاسم، إلا أن يسلموها لورثته وأحب إلى لأصحابها أن يفعلوا. وفي سماع ابن زيد عن ابن القاسم مثله. ومسألة المسكين في كتاب الصدقة والجامع والعارية لمالك كما تقدم، يعطيه غيره من المساكين، وما أراه عليه بواجب. أوصى بثلثه في وجوه نصها فنفذت وبقيت منها وإذا نسي الشهود الوجوه التي أوصى بثلثه فيها. قال القاضي أبو بكر بن زرب: من أوصى بثلثه أن يخرج عنه وينفذ ذلك في وجوه نصها، فنفذت وبقيت بعد ذلك من الثلث بقية، فإن تلك البقية تصرف على المساكين،

قال: وبلغني أن ابن أيمن كان يقول: تنصرف البقية ميراثًا، وقاله أيضًا غيره من شيوخ هذا البلد. قال: ولو شهد أن رجلاً أوصى بثلثه في وجوه نسوها، إلا أنهم لا يشكون في إيصائه بثلثه لبطلت الوصية، ورجع الثلث ميراثًا إذا لم ينصوها، قال: ولو سجل قاض بثبوت وصية رجل عنده بثلثه في وجوه سماها الشهود، وأغفلها القاضي فلم يذكرها في سجله، ووقف الثلث ولم يوجد بعد ذلك من يحفظ الوجوه، فإنه يتأنى بالثل ما رجي بمعرفة تلك الوجوه، فإن أيس من معرفتها فرق في المساكين وفرق بين هذا الوجه والوجه الأول. وسئل في المحرم سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة عن رجل أوصى أن تعتق مملوكته وتعطي ثيابًا لها بأعيانها، ويعطي باقي ثلثه لبني ابنه، وينصرف ذلك ميراثًا، ثم ينفذ باقي ثلثه لبني ابنه وكان قد سئل عنها أبو عمر أ؛ مد بن عبد الملك الأشبيلي، فأفتى أن يخرج ثلثه لبني ابنه، ولا يخرج منه قيمة المملوكة ولا قيمة الثياب. وعد بحجة على أجرة وفداء تسمة إلى أجل يبلغه: قام عندي – رحمكم الله – رجل تسمى بحكم على رجل تسمى محمد، وادعى عليه أنه أوجب له حجة بعدة معلومة، يحج بها عن رجل أوصى إلى محمد، على أن يعطيه، حكم ضامنًا بالعدة التي أوجبها (أ – 32) له، على ما يجب في السنة أن يؤخذ به الضامن وقال إنه عجز عن ضامن يحضره، فلما بان له عجزه رد الحجة إلى غيره، وقال: حكم أوجب لي الحجة على أن أحج عن الذي استأجرني للحج عنه إلى أجل مسمى، على أن أرهنه داري، وثيقة لما يلحقني في تلك الأجرة، [في واجب] السنة. موإني لما كسرت متاعي وتأهبت للخروج إلى الحج، وسألت محمدًا أن يأخذ الرهن، فقال: دفعت الحجة إلى غيرك؛ لأنه لم يكن في الدار كفاف للعدة التي أوجبتها لكل، وعجزت عن تمام وثيقة برهن تام أو حميل، وأنكر حكم أن يكون عجز عن إتمام الوثيقة. فهمنا – وفقك الله – ما تنازع فيه الرجلان في الحجة وفي قول حكم أنه أوجب له الحجة على ما يجب في السنة، وهذا مختلف؛ لأن استئجار الحج على ثلاث أنواع: أجرة على البلاغ، وأجرة على غير ضمان، وأجرة مضمونة، وكل سنة. فإذا لم تكن الحجة معقودة على نوع من هذه الأنواع، وإنما قال أوجب لي على ما

يجب؛ فلا تجوز هذه الأجرة وتفسخ. قاله ابن لبابة وجماعتهم. وقالوا في الفداء: فهمنا – وفقك الله – الكتاب الذي فيه ضمان عبد الملك بن غيث عن قاسم بن حزم، للبغلة التي برئ بها إليها سلمة بن علي عن فدية سبية من سبايا المسلمين بدار الحرب وانقضاء الأجل لابن غيث في فديها، وقول ابن غيث أنها فديت، والواجب فيه أن على ابن غيث إثبات فدائها عندك، فإنه أثبته سقط الضمان، وإن لم يثبته أخذ به، ويضر له في ذلك أجل على قرب الموضع، وقال عبيد الله، وابن لبابة، ويحيى بن عبد العزيز، ومحمد بن وليد. وفي مسائل ابن زرب: سئل عن السير يعامل الرجل على أنه يفتكه، كيف يعقد هذا؟ قال: يدفع إليه على أن يفتكه ويخرجه إلى أرض الإسلام، أو كيفما اشترط. قيل له: وكيف يجوز؟ أهو تسليف في فكاك، أم وكله ودفع إليه الدراهم ليفتك فيها الأسير؟ قال: ليس شيئًا من هذا، وهو شيء على حياله أجيز للضرورة. وأما استئجار الحج، وذكر فيه أنه دفع إلى الذي استؤجر فيه لذلك ثلاثون دينارًا في بدنه سمينة؛ ليخرجها عن الموصي في الموسم الذي يقضي فيه احجة وكان انعقد أن يقضيها في سنة ثمانين، وإن قضاها في سنة تسع وسبعين فذلك قضاء عنه. قيل له: أليس التسليف في البدنة مدخولاً إذ قلت أنه ينحرها في الموسم السنة التي يقضي فيها الحجة؟ فقال: ليس يحمل هذا محمل التسليف، وليس يقدر في هذه الأمور أكثر مما ترى وهي ضرورات. وقال أبو عبد الله بن أبي زمنين في وثائقه بعد وثيقة استئجار الوصي للحج عن الميت: رأيت بعض الموثقين إذا كتب مثل هذه الوثيقة، يقول في آخر ما يكتب فيها: فإذا استكمل فلان هذه الحجة بجميع شرائعها ومناسكها، فالمال الذي دفع إليه سائغ له لا شرط عليه فيه، وإن عاقه عنها عائق، ففلان ضامن لما دفع إليه من المال، حتى يرده إلى أهله ليستأجروا به غيره، فيحج عن الميت من الموضع الذي أوصى به فيه. قال: ورأيت بعضهم يكتب في مثل هذه الوثيقة: وإن حدث بفلان حدث منعه من الحج، فله أن يستأجر من يحج عنه ويقضي عنه تمام ما يبقي على فلان، وإن غفل عن ذلك أو لم يجد، فله في ذلك ما توجبه السنة.

ورأيت بعضهم إذا كتب مثل هذا قال فيه: فإذا استكمل فلان الحجة والعمرة، فقد قضى ما ضمن من ذلك والتزمه، ولا يقول: وإن عاقه عائق لزمه صرف المال، ولا له أن يستأجر من يحج عن الميت، ولا يقول: إن الوصي طاع له أنه إن لم يدرك الحج فقضاه بعد ذلك فهو قضاء عنه، على ما رسمته في الوثيقة. والذي رسمه دفع فلان إلى فلان من مال الموصي فلان كذا وكذا دينارًا دراهم، على ما عهد به الموصي من إخراج هذه العدة، فيستأجر له بها من قد حج عن نفسه، يحج عنه حجة الفريضة، ثم يعتمر عنه عبد انقضاء الحجة، وقبض فلان هذه العدة من الموصي فلان، وأبرأه منها، ووجب بذلك عليه أن يحج عن فلان، من موضع كذا لحجة مفردة تامة من ذي الحليفة في موسم سنة كذا، ثم يعتمر عنه بعد انقضائها من الحل، وبعد خروج أيام التشريق كلها، عمرة كاملة بسنتها. ذلك لازم لفلان مضمون عليه في ماله، يفع له فيه فعل الحاج المجتهد، فإذا تمت الحجة وكملت العمرة، فقد قضى فلان ما ضمن من ذلك واستؤجر له، وإن عاقه عن هذه الحجة والعمرة عائق، فلم يدركها في الموسم الثاني، حملا في ذلك على ما توجبه السنة إن شاء الله (ب 32). قال: وهذا الذي رسمته فها كذلك كان أكثر مشايخنا بالأندلس يكتبونه. وقال ابن الهندي في وثائقه: وفسخ له بعد انعقاد الإجارة وكمالها إن قضاها في موسم سنة كذا لعام قبل العام المذكور، فذلك قضاء عنه، قال: وهذا هو الجائز وإن قال إنه إن قضاها في موسم سنة كذا لعام بعدهن لم يجز لأنه فسخ دين في دين، وهو نحو ما تقدم عن القاضي ابن زرب، وكذلك في وثائق ابن العطار، وهو خلاف ما عقده ابن أبي زمنين، وقال: وكذلك كان أكثر مشايخنا يكتبونه. وفي كتاب الشروط لابن حارث عقد في ذلك عن أبي سلمة فضل بن سلمة، عامل فلان بن فلان، وصى فلان فلانًا على حجة الفرض عن الموصي فلان، حجة مضمونة على فلان، عاش أو مات ذلك مضمون عليه في ذمته، وماله، وأكمل العقد. ثم قال في فقه الاستئجار: على ثلاثة أوجه: إن جعلته مضمونًا على قابض الذهب عاش أو مات، لم يصلح أن يقول استأجره على أن يحج هو نفسه عن الميت؛ لأنه لا يكون عمل مضمون على رجل بعينه، وهو

مذهب أصحاب مالك. ثم قال سلمة بعد كلام اختصرته: وإن شئت قلت في الوثيقة قبل هذا: ومما طاع به الوصي على وجه النظر منه لمن عهد إليه، بعد عقد الوصية المذكورة في هذا الكتاب، من الحجة المخلصة والعمرة، إن عاق من إنشاء هذه الحجة عن فلان عائق في السنة المشتركة، إن أباح له الحج في السنة التي تليها، على ما قد وقعت المعاملة؛ كمن سلف في شيء معلوم إلى أجل مسمى، ثم طاع له بعد تمام العقد أن دفعته إلى عام ثان إن أعسرت جاز، ولو كان في العقد لم يجز؛ لأنه خطر. ثم قال: وأما الاستئجار إذا لم يكن مضمونًا، فنقول في الوثيقة: دفع فلان وصي فلان من ماله إلى فلان كذا وكذا مثقالاً، برئ بها إليها على أن يحج عن فلان بنفسه، حجة مفردة في سنة كذا، وأكمل العقد، وذكر فقها اختصرًا أيضًا. ثم قال: إن الوجه الثالث في الاستئجار في الحج البلاغ ووصفه. وهذا الذي حكاه ابن حارث عن سلمة بن فضل، هو نحو الذي ذكر ابن أبي زمنين، وشرح مقاصدهم والتنبيه على ألفاظهم يطول، وحسبنا الإشارة إلى ذلك ومن أراد استيعاب المعاني تأملها في الأصول. وقال ابن العطار: أمور الاستئجار في الحج وعقوده شاذة خارجة عن الأصول، وقد قيل: الاستئجار في الحج على وجهين، وإليه ذهب ابن حبيب في الواضحة، وهي الإجارة والبلاغ، وذهب بعض المتأخرين إلى أنه معنى ما في المدونة، وقيل: يتخرج منها أنه على ثلاثة أوجه، والوجه الثالث: الحج المضمون، وهو الصحيح عندي، وقد تقدم مثله. مسالة وصية ابن الصديني، نزلت بقرطبة واختلفت فيها شيوخنا وهي تشتمل على معان وعلم كثير، والعلم نور تحويه الصدور، عهد ابن الصديني أن تخرج عنه ثلثه، فيفرق بعضه على أعيان، وباقيه لأم ولده سوان، يجعل لها ذلك في دار سكناه التي يداخل مدينة قرطبة. وأقر لرجل بمائتي مثقال، وعهد أن يصدق فيها وتدفع إليه، دون يمين تلزمه، وجعل النظر فيه إلى أم ولده سلوان، وإلى الفقيه محمد بن أبي زعيل، وشرط عليهما مشورة الوزير محمد ابن جهور، وأن لا يفصلا في شيء من ذلك، إلا عن رأيه، وورثته ابنته وأخته عائشة.

فنظر الوصيان في ذلك، ونفذ الثلث، وأظهر بالتنفيذ عقدًا لم يجر للوزير ابن جمهور فيه تبؤ ولا غيره، ونفذت سلوان بقية الثلث في الدار المذكورة، لنفسها مع شريكها في النظر، ودفعها إلى المقر له المائتي مثقال دون يمين، ودون أن يصالح بشيء. فقدم وكيل الأخت فاعترض في ذلك كله ودعا إلى ما توجبه السنة، وسال أن يسمى له ممن بيعت التركة، إذ قال: إن سلوان والابنة ضمتا أكثرها بما أحبتا، واعترض في المائتي مثقال المدفوعتين بغير يمين، وكشفت الابنة وسلوان بكشوف، وكشفت الابنة وكيل الأخت بكشوف، وانعقدت بينهما مقالات، وادعت سلوان أنها باعت ثيابًا في جملة التنفيذ، على الجهل منها بذلك. فاشور فيها أبو علي حسن ابن ذكوان القاضي القهاء. فأجاب محمد بن عتاب: تصفحت أكرمك الله وإيانا ما خاطبتنا به، وإنفاذ الأمور على حقائقها وواجبها (أ – 33) متعذر، فإن أمكن حسم هذا الأمر بصلح، فذلك حسن إن شاء الله، وإن كان لابد من بلوغ حقيقة الأمر في ذلك، فيجب إكمال ما بقي من النظر في ذلك؛ بأن يوقف وكيل سلوان والفقيه، وإن كان التنفيذ نفذ عن مشورة الوزير المشترط مشورته؛ إذ لم يذكر في التنفيذ أن ذلك عن إذنه ورأيه. ولا يصلح الجواب إلا بعد الوقوف على ما يقوله الوكيل، وثبته أن ادعاه، فما ثبت في ذلك أعدت الشورى ونفذ الجواب، بتوفيق الله على حسب ذلك، وهذا ما يقي من أحكام المسألة وتخليصها إن شاء الله قاله محمد بن عتاب. ثم أعاد القاضي أبو علي الشورى في ذلك، وذكر أنه ثبت عنده بشهادة رجلين سماهما، أن الوزير أشهدهما في تاريخ إعادة الشورى، أنه كان تبرا من المشورة حين وفاة الموصي. فأجابه ابن عتاب بجواب نسخته بعد الصدر: إذ قد ثبت عندك التبري المذكور، فتنظر في ذلك بحسب اجتهادك، فإن رأيت التقديم للمشورة قدمت، وإن رأيت إسقاطها عن الناظرين في العهد أسقطت، ثم تستأنف النظر في العهد؛ إذ لا يصلح شيء مما فعلاه قبل ذلك، وذلك كله مردود غير نافذ، وما كان من بيع وغيره، إلا ما نفذ للمساكين أو الأعيان. ولا ينفذ لسلوان ما نفذته لنفسها مع من شكرها في النظر، ولا يكون ذلك كله إلا

بعد استئناف نظر وتقديم، ولا يجب لها سكنى الدار، وتوقيفها واجب إلى أن ينفذ النظر، ومن أقر له المريض بدين، فلا يقبضه إلا بعد أن يحلف بما يجب عليه، وإن صدقه الموصي، فلا ينتفع بذلك ولا يصدق، وسلوان فيما زعمت أنها باعت من ثيابها على الجهل بها مدعية، ولا تعذر بذلك. وكشف من صار إليه شيء من التركة لازم ليوقف بذلك على بقائه عنده أو فوته، وما ذهبت إليه سلوان وابنتها بالتزام أصل المتوفي، بالعدد الذي ذكره عنهما في المائتي مثقال المدفوعتين بغير يمين، وكشفت الابنة وسلوان بكشوف، وكشفت الابنة وكيل الأخت بكشوف، وانعقدت بينهما مقالات وادعت سلوان أنها باعت ثيابًا من ثيابها في جملة التنفيذ، على الجهل منها بذلك. فاشور فيها أبو علي حسن ابن ذكوان القاضي القهاء. فأجاب محمد بن عتاب: تصفحت أكرمك الله وإيانا ما خاطبتنا به، وإنفاذ الأمور على حقائقها وواجبها (أ – 33) متعذر، فإن أمكن حسم هذا الأمر [بصلح، فذلك] حسن إن شاء الله، وإن كان لابد من بلوغ حقيقة الأمر في ذلك، فيجب إكمال ما بقي من النظر في ذلك؛ بأن يوقف وكيل سلوان والفقيه، إن كان التنفيذ نفذ عن مشورة الوزير المشترط مشورته؛ إذ لم يذكر في التنفيذ أن ذلك عن إذنه ورأيه. ولا يصلح الجواب إلا بعد الوقوف على ما يقوله الوكيل، وثبته أن ادعاه، فما ثبت في ذلك أعدت الشورى ونفذ الجواب، بتوفيق الله على حسب ذلك، وهذا ما يقي من أحكام المسألة وتخليصها إن شاء الله. قاله محمد بن عتاب. ثم أعاد القاضي أبو علي الشورى في ذلك، وذكر أنه ثبت عنده بشهادة رجلين سماهما، أن الوزير أشهدهما في تاريخ إعادة الشورى، أنه كان تبرا من المشورة حين وفاة الموصي. فأجابه ابن عتاب بجواب نسخته بعد الصدر: إذ قد ثبت عندك التبري المذكور، فتنظر في ذلك بحسب اجتهادك، فإن رأيت التقديم للمشورة قدمت، وإن رأيت إسقاطها عن الناظرين في العهد أسقطت، ثم تستأنف النظر في العهد؛ إذ لا يصلح شيء مما فعلاه قبل ذلك، وذلك كله مردود غير نافذ، وما كان من بيع وغيره، إلا ما نفذ للمساكين أو الأعيان.

ولا ينفذ لسلوان ما نفذته لنفسها مع من شكرها في النظر، ولا يكون ذلك كله إلا بعد استئناف نظر وتقديم، ولا يجب لها سكنى الدار، وتوقيفها واجب إلى أن ينفذ النظر، ومن أقر له المريض بدين، فلا يقبضه إلا بعد أن يحلف بما يجب عليه، وإن صدقه الموصي، فلا ينتفع بذلك ولا يصدق، وسلوان فيما زعمت أنها باعت من ثيابها على الجهل بها مدعية، ولا تعذر بذلك. وكشف من صار إليه شيء من التركة لازم ليوقف بذلك على بقائه عنده أو فوته، وما ذهبت إليه سلوان وابنتها بالتزام أصل المتوفي، بالعدد الذي ذكره عنهما في المائتي مثقال المدفوعتين بغير يمين، وكشفت الابنة وسلوان بكشوف، وكشفت الابنة وكيل الأخت بكشوف، وانعقدت بينهما مقالات وادعت سلوان أنها باعت ثيابًا من ثيابها في جملة التنفيذ، على الجهل منها بذلك. فقد أحكمت السنة أن البينة على المدعي واليمين على المدعي عليه؛ فمن أقام منهما بينة قضى له بها بعد الإعذار، فإن لم تكن بينة لزمت اليمين المدعى عليه، وله صرفها أن أحب. وهذا قول أئمتنا المتقدمين، لا أعلم بينهم فيه خلافًا، قاله محمد بن عتاب. وجاوب أبو بكر يحيى بن القاضي أبي بكر محمد بن بقي بن زرب بإثر هذا الجواب: هذا الجواب صحيح وبه أقول وهو الحق إن شاء اللهز قاله ابن زرب. وجاوب أحمد بن محمد بن القطان: قرأت – أكرمك الله – ما خاطبتنا به ووقفت عليه، وعلى مادعي إليه أحمد بن سعيد وكيل عائشة، في البطاقة المدرجة إلينا. فأما ما ذكرته من أمر المشورة في كتاب العهد، الذي، لم يشهد بشرط العاهد فيها إلا شاهد واحد، وثبت ذلك عندك نم قول الوزير في ذلك، فانفراد من أوصى ليه في العهد جائز، على ما قاله مالك في رواية أشهب عنه في المستخرجة. ذكر ذلك في وصيين، عزل أحدهما لحالة أوجبت ذلك، فسئل مالك: هل يدخل مع الباقي أحد؟ فقال: نعم، إن مكان أمر يخاف ألا يقوى عليه وحده، وإن كان أمرًا يقوي عليه وحده لم يدخل عليه أحد. وفي كتاب ابن المواز: قال مالك: وإذا مات أحد الوصيين عن غير وصية فأراد القاضي أن يجعل مع الباقي غيره، إما لحاج إلى معين لكثرة ما يلي، وإما لأنه ليس بالبين

في العدالة، فعل، وإلا لم أر أن يجعل له معه أحدًا في موضع الغابر. وفي موضع آخر قال مالك: إذا عزل أحد الوصيين لخيانة، فلا يجعل مع الآخر غيره إلا أن يضعف، وروي علي بن زياد عن مالك أن القاضي يجعل مع الباقي غيره، ومال إليه سحنون، ورواية علي عندي محتملة، والذي تقدم نم قول مالك: المتكرر مكشوف، أنه لا يقدم مع الباقي غيره إلا على الشرط المذكور، ولا يحتاج مع ذلك إلى تأويل. ووقع في أحكام ابن زياد ما يدل على الأخذ بقول مالك، الذي قال في المستخرجة وكتاب ابن المواز، وإن قال الوزير وفقعه الله أنه تبرا من المشورة التي عل إليه أحمد بن رباعة عند وفاته فهو المصدق في ذلك، وهو محمول على التبري الذي ذكره؛ إذ لو قال إن ذلك كان عن رأيه وإجازته؛ لكان ذلك ما جلبت، من قول مالك المذكور المكشوف عن ما وصفت. وأما أمر التصديق، الذي ذكره الموصي في كتاب عهده دون يمين، فوقع في سماع عيسى عن مالك، في الرجل (ب – 33) يوصي بدين عليه، فيقول: كنت أداين فلانًا وفلانًا، فما ادعوا قبلي، فهم مصدقون أن ذلك لهم بلا يمين على ما ادعوا. والمسالة التي شاورت فيها أبعد إيجاب اليمين؛ لأن الميت قد حد الدين فيها، ولم يحد في المسألة التي وقعت في سماع عيسى، وأما ما دفع من دين عن المتوفي ولم يثبت الدين، أو ثبت ولم يحلف ربه ولم يشترط تصديقه، فالدافع ضامن لذلك إلا أن يجيز ذلك بعض الورثة أن شاء الله، قاله أحمد بن محمد. ثم عزل القاضي أبو علي قبل أن يحكم في ذلك، وولي بعده أحكام القضاء أبو بكر يحي بن زرب، فأعاد السؤال في ذلك علي ابن عتاب، فكتب إليه: - أكرمك الله ووفقك – عن الذي أعتقده فيما تقدم من جوابي، إن كنت إنما خاطبت به غيرك، والذي جاوبت به وقلته هو الحق الذي لاشك فيه، ولا سبيل إلى العدول عنه؛ إذ هو قول الأئمة السالفين، ومنهاج القضاة الماضيين. ولم أنفذ جوابي إلا بعد وقوفي – بحمد الله وفضله – على ما قاله في ذلك السلف، واتبعهم عليه الخلف رضي الله عنهم، وعلى استنباطه من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى ما وقع في كتبنا العتيبة والموازية وغيرهما، والذي وقع فيها هو الذي جاوبت به.

قال في كتاب ابن المواز: ومن أوصى إلى رجلين فمات أحدهما عن غير وصية، فالقاضي ينظر في ذلك، فتأمل هذا اللفظ وقف عليه، فهو نص ما جاوبت به، ثم قال في تمام المسألة: فإن رأي التشريك معه فعل، وإن رأى أن يفرده أفرده، وهذا هو الذي قلته. وسبب المشاورة في الوصية كسب الوصي أو أقوى منه. وفي أثر هذه المسألة قال مالك في أحد الوصيين تتبين منه خيانة: أنه يطرح الخائن منهما ويخرج من الوصية، ولا يدخل على الآخر في الوصية معه أحد سواه، إلا أن يكون يضعف عنها يجعل معه غيره مكان الذي طرح، هذا نص المسألة، وهو إذا طرح الخائن ولم يجعل معه غيره فقد أفرد الباقي لا محالة؛ إذ لا جائز أن يطرده فيبقى نظره. وفي المستخرجة: سئل مالك عن يتيم له وصيان قبل أحدهما له ثلاثون دينارًا قد تقاس بها وأمكن عن نفسه، وقال: اسجنوني، فاعترض السائل بمسألة عن كراء منزل لليتيم، فأجاب مالك عنه. ثم رجع إلى السؤال الأول فقال: أرأيت المقتطع لهذه الثلاثين دينارًا يخرج من الوصية؟ قال: نعم أرى أن يخرج منها إذا وجد من يدخله مكانه من أهل الثقة، مع الوصي الباقي. فقيل: أرأيت إن كان الوصي الباقي ثقة يدخلون معه؟ قال: نعم إن كان أمرًا يخاف ألا يقدر عليه وحده، وإن كان أمرًا يقوى عليه ولم يدخل عليه أحد. هذا نص هذه المسائل في الأمهات، وبنصها يوقف عليها، وأنشد صاحب كتاب العين: ونص الحديث على أهله فإن الوثيقة في نصه فهذا مذهب مالك في هذه الكتب، وقال في المجموعة: إن القاضي يجعل مكان الباقي غيره. وجميع هذه النصوص إنما عرف مالك فيها القاضي ما يفعله وما ينظر؛ مما يصح به النظر لمن يفرده أو يشرك معه، وليس في شيء منها أنه لا يحتاج الباقي من الوصيين أن يدفع ذلك إلى القاضي، وإلا أن نظره وحده نظر جائز نافذ، وبهذا كانت تقوم الحجة لو كان ذلك فيها. لقد أعاذ الله مالكًا من ذلك وعصمه. بل له في غير هذه الكتب. قال: لا يجوز لأحد الوصيين أن يبيع شيئًا من مال الميت ولا يزوج بناته دون صاحبه، وهذا نص من قوله في المسألة بعينها يغني عن كل تأويل فيها.

وقال ابن القاسم في الوصيين؛ يكون بين الميت وبين رجل خصومه: لا يجوز أن يخاصمه أحدهما إلا بإذن صاحبه، وهذا أيضًا نص لابن القاسم، وما قلته في التصديق هو الذي جرى به العمل عندنا، وجاءت به الرواية منصوصة في كتبنا، من ذلك ما قاله ابن لبابة في منتخبه. قال ابن القاسم: من عهد فقال: داينت فلانًا وفلانًا وفلانًا فما ادعوا على فهم مصدقون، إن ذلك هلم بلا يمين يستحلفون بها، قال محمد: وقد قال إن الحق لغير الميت فاليمين عليهم، وبهذه الرواية (أ – 34) الأخيرة جرى العمل وهو الصحيح؛ لأن الميت أراد إسقاط اليمين التي توجبها السنة، وأن يلزم الورثة ما لم يلزمهم في مال قد انتقل ملكه إليهم، وزال عن المتوفي ملكه والتصرف فيه. وقد اختلف قول مالك في شرط التصديق الذي يلزم نفسه التصديق، فله في ذلكأقول، منها: أن الشرط ساقط، فهو إذا أسقطه في الذي يوجبه على نفسه ويلزمه إياها، فهو أولى بالسقوط فيمن يريد أن يلزمه ورثته. ومسالة ابن القاسم المتقدمة محتملة أن تكون من غير هذا الأصل، وأن يكون الميت كانت بينه وبين من أوصى بتصديقه ملابسة لا يقف على مبلغها، فأراد التنحي منها بتصديقهم فيها، وهذا أصل ثاني اختلف فيه أصحاب مالك، فاعلمه. ومن الأدب المأمور به، والإنصاف اللازم لمن أخذ به، أن احتج بقول قد اختلفت فيه الرواية عن مالك وعن أصحابه؛ فاحتج بأحديهما؛ أن يذكر الأخرى؛ لئلا يوهم من سمع الواحدة أنه لا اختلاف فيها، ولا سميا ما يخاطب به الحكام، إلا أن يكون لم يعلم بها فيعذر بجهالته. والله أسأله أني سلك بنا سبيل الإنصاف، وأن يحبب إلينا الائتلاف، ويكره إلينا الاختلاف، بمنه وفضله. قاله ابن عتاب. فنفذ القاضي ابن زرب الحكم بهذا، ثم سأل الشيخ أبا عبد الله بعض أصحابه عن بيان ما ذكره في جوابه عن موضع استنباطه، فأملى: سألتم – أرشدكم الله إلى التمسك بكتابه وسنة نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم)، والاعتصام بحبله – عن بيان ما ذكرته في جوابي وموضع استباطه من كتاب الله عز وجل، والذي قلته أنه لا ينفذ فعل أحد الوصيين دون صاحبه أو دون مشاورة إن كان ثم مشاور، هو قول مالك جاءت به الرواية عنه، على ما ذكرته

في جوابي المتقدم. وأحفظ لمالك مثل ذلك في مسألة لم يحضرني ذكرها في حين جوابي، ولا قول القائل مع نص الرواية، ولو لم يأت بذلك رواية، ما توجه الاختلاف فيها على مذهب مالك وأصحابه هو له؛ لأن في قوله المشهور ومذهبه المعروف، أن من فوض إلى رجلين أمرًا، فإنه لا يصح فعل أحدهما منفردًا إلا باجتماعهما. من ذلك ما في المدونة: قال مالك في رجلين فوض إليهما رجل أمر امرأته فقال: قد جعلت أمر امرأتي بأيديكما تطالقاها، فطلقها أحدهما دون صاحبه، قال مالك: لا يلزمه ذلك. قيل لابن القاسم: أرأيت إن جعل عتق جاريته بيد رجلين، فأعتق أحدهما دون صاحبه؟ قال: إن كان ملكهما جميعًا فلا يجوز، وإن كانا رسولين جاز ذلك عند مالك. قال سحنون: وكذلك قال أشهب وغيره من كبار أصحاب مالك، في تمليك العتق إذا ملكها أمرها فيه أو في الطلاق ورجلا معها، أو ملك رجلين سواها في العتق، فأعتق أحدهما وأبى الآخر أن يعتق، فلا عتق لها حتى يجتمعا جميعًا عليه؛ لأن إلى كل واحد منهما ما إلى صاحبه، فكذلك هي إذا كانت بينهما، فهذا قول مالك وأصحابه. والدليل على صحة قولهم: قول الله تبارك وتعالى في الحكمين: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا} فأجمع الجميع أنه لا ينفذ فعل واحد منهما مع انفراده إلا باجتماعهما، قال تعالى: {يحكم به ذوا عدل منكم}، وأجمعوا أنه لا يصح في ذلك حكم لأحدهما دون الآخر. وهذا من النص الجلي. وإذا لم يصح حكم المنفرد منهما فكذلك الوصيان أو الأوصياء أو الوكيلان أو الوكلاء وما كان في معناه، فلا فرق في ذلك والدلالة من السنة قول النبي (صلى الله عليه وسلم) لمعاذ وأبي موسى حين بعهما إلى اليمن "يسرا ولا تعسرا ويبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تخلفا"، وفي هذا دليل لمن تأمله. ورسم البخاري في كتابه: أمر الوالي إذا وجه أمرين أن يتطاوعا ولا يتعاصيا، وفي هذا الخبر في بعض رواياته: أن معاذًا سار إلى أبي موسى فوجده وقد اجتمع إليه الناس، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه، فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس، ما إثم هذا؟ قال: هذا رجل كفر بعد إسلامه فقال: لا أنزل حتى يقتل، فقال: إنما جيء به ليقتل،

فأنزل، قال: ما أنزل حتى يقتل، فأمر به فقتل، ثمن نزل. من صحيح مسلم. ويدل على ذلك من إجماع الصحابة أن علي بن أبي طالب ومعاوية رضي الله عنهما، لما حكما فاختلف الحكمان بقي الأمر بعد اختلافهما على ما كان عليه قبل ذلك، فأجمع من كان مع الفريقين من الصحابة ومن غاب عنهما منهم على ذلك، وهذا من أين دليل. وما ذكرت أنه من فعل القضاة السالفين؛ فإنهم لم يزالوا (ب - 34) يشترطون في التقديم على المحجور واليتيم ألا يبيع المقدم لهم شيئًا من أصولهم إلا عن رأي قاضي موضع كذا، ولم يحفظ عن أحد من الفقهاء أنه فرض هذا الشرط، وقال إنه غير لازم، وأن للمقدم البيع دون مشورة المشترط مشورته، وإن كان المشترط مشورته قد مات أو عزل، في بعض ما ذكرنا ما يزغ من خالف في ذلك، وذهب إلى غير رواية ولا حجة لازمة، وأنشد ابن الأعرابي: وتدبر الأمر الذي تفتي بهذ ... لا خير في فقه بغير تدبر ذهب الرجل المقتدي بفالهم ... والمنكرون لكل أمر منكر وكتب بها إلى أبي عمر أحمد بن رشيق فقيه المريه مختبرًا، وكلفته ذكر الروايات لاستدل بذلك على حفظه، فجاوب: إذا أقر الذي ذكر الميت أن عليه مائتي دينار دينًا أنه قبضها أو قامت عليه بينة، فلا يضر ترك مشورة المشرف، ولا يمين على المقر له بالمائتين، ويكون من رأس المال، إذا لم يتهم في إقراره، ولم تصح ريبة في ذلك عليه. وأما ما نفذوا من الوصية عن غير أمر المشرف، فإذا كان الموصي لهم معينين، وأقروا بقبض ذلك أو قامت عليهم به بينة، فلا تباعة على الأوصياء، وإن كانت الوصية على المساكين ولم يوجد السبيل إلى ردها فهم ضامنون؛ أعني الأوصياء لما نفذوا من ذلك، وسواء التزم المشرف الإشراف أو لم يلتزم. وما سألتني أن أنسب القول إلى قائله فلست أتلزم ذلك ولا أقوله، وإنما أفتي بما يصح في نظري، وما تقوم عليه حجتي، إن دفعني عنه دافع إن شاء الله. قاله أحمد بن رشيق.

قال القاضي: هذا الجواب ناقص، وكذلك جواب أبي عمر بن القطان ناقص عما تضمنه السؤال، والشيخ أبو عبد الله، قد فاز فيه بفضيلة الصواب، وحاز فيه قصب السبق في الاستيعاب. وتفريق ابن رشيق بين المعينين والمساكين لا معنى له، وجوابه يعطي أن الوصية إن كانت للمساكين ضمن الأوصياء وإن قامت بينة على تنفيذ الوصية فيهم، وهذا من لحن الفقه وخطئه، ولو اختلف حكم المعينين والمساكين المجهولين في ذلك، لكان الصواب في عكس الجواب أن يضن الأوصياء في المعينين ولا يضمنوا في المجهولين؛ لأن مالكًا قال في كتاب الشهادات وغيره من المدونة فيمن بعث بمال إلى رجل بعينه صلة أو هبة أو صدقة، فقال: المبعوث معه بالمال قد دفعته إلى المبعوث إليه وكذبه المبعوث على الرسول البينة وإلا غرم. قال ابن القاسم: ولو قال له: تصدق بها على المساكين، زاد في كتاب الوديعة: ويحلف؛ يريد إن كان متهمًا فالغرم إنما يلزم المأمور عند مالك في المعينين إذا أنكروا ولم تقم بينه، وأما في المجهولين فلا غرم عليه فيهم. والصواب في مسألة الأوصياء إذا ثبت التنفيذ لا شيء عليهم، وإن تركوا مشاورة المشترط مشاورته كانت الوصية لمعينين أو مجهولين. وكذلك في جواب أبي عبد الله وقول ابن رشيق: إن كانت الوصية لمساكين ولم يمكن ردها فالوصياء ضامنون، مقال غير معقول وكلام لم يصحبه تحصيل، وهو أدخل في الهذيان منه في البيان. وما ذنب المساكين إذا كانت الوصية لهم في أخذها منهم، وقد أعطوا واجبهم، وليس يمكن ردها منهم ووجب إلا بأحد وجهيهن؛ إما بينة تشهد عليهم بقبضها أو بإقرارهم بأخذها وإذا كان أحد هذين الوجهين تسقط التبعة عن الأوصياء ولم يكن سبيل إلى تغريمهم إياها لوصولها إلى أهلها ومستحقها، إلا أنه في الإقرار يشهد عليهم بإقرارهم وتنفيذ ذلك لهم، والله أعلم. ووقع في كتاب الشيخ أبي عبد الله الإشارة إلى روايات لم ينصها ولا ذلك مواضعها، فرأيت ذكرها واكتتابها هنا، إذ هو من كمال هذه المسالة وتمامها فأما المسألة

التي احتج بها أبو عمر في إعمال التصديق بلا يمين في المقر له بالدين والموصي بتصديقه فيه، فهي في رسم البز من سماع ابن القاسم في كتاب الوصايا، و [في سماعه] في سم تأخير العشاء. من كتاب التفليس: سئل مالك عن رجل أوصى في مرضه أن لفلان عليه أربعين دينارًا وأوصى مع ذلك أنه مصدق فيما قال، فادعى الرجل أن له عليه خمسين دينارًا، قال: أرى أن يحلف ويأخذ خمسين دينارًا. وفي هذا الكتاب في سماع عيسى قال ابن القاسم: سألت مالكًا عمن يوصي بوصايا، ويقول: من جاء يدعي قبلي من دينار إلى عشرين دينارًا فاقضوه بغير بينة، قال: تكون العشرون من رأس المال ولا يزاد من ماله على عشرين دينارًا لمن جاء يدعي قبله بأكثر منها. ولكن لو ادعى رجل عشرة وآخر خمسة عشر، وادعى قبله من نحو هذا العدد حتى بلغت أكثر من مائة، تحاصوا في العشرين دينارًا على قدر ما ادعى كل واحد منهم أدنى من عشرين دينارًا. قال ابن القاسم: ومن ادعى أكثر من عشرين فلا شيء له، والدين الذي تكون عليه بينة مبدي على العشرين دينارًا. قال مالك: ولا يعجل في أمر العشرين حتى يستقصى أمر المدعين ويستتر بهذا الأمر ولا يشاع. وفي سماع محمد بن خالد عن ابن القاسم عن مالك فيمن حضرته الوفاة فقال عند موته: إني قد كنت لابست الناس ووقعت بيني وبينهم ديون، فمن جاءكم يدعي قبلي من دينار إلى خمسة وعشرين فاقضوه، أنه إن جاء أحد يطلب كما ذلك، صدق مع يمينه وصار ذلك من رأس ماله. وفي سماع أصبغ: قيل لابن القاسم فإن أوصى فقال: قد كانت بيني وبين فلان معاملة؛ فما ادعى من شيء فأعطوه وهو فيه مصدق، فقال: إن ادعى ما يشبه معاملة مثله لمثله أعطوه، وأحسبه رواه عن مالك. قال ابن القاسم: ويكون ذلك من رأس المال، وليس كل الناس في قلة الأموال وكثرتها سواء، قال: وإن ادعى ما لا يشبه بطل ذلك، ولم يكن في رأس المال ولا ثلث. قال أصبغ: وإنما يبطل عند ذلك الزيادة على ما يشبه ولا يبطل كل شيء أعطى ما

يشبه مما لا يتبين فيه كذبه ويحمل محمل الشهادة له وعليه. وفي سماع عيسى في كتاب الشهادات: عن ابن القاسم فيمن حضره الموت، فقال: ما يشهد به ابني علي من دين أو ابنتي، فهو صدق من دينار إلى مائة دينار ولم يوقت عددًا، ثم مات فشهد ابنه ذلك لقوم بديون، وشهد أيضًا لبعض الورثة بدين، فقال: لا يثبت ذلك عندي إلا بيمين، إن كان عدلاً، ومذهبه عندي مذهب القضاء، وإن لم يكن عدلاً أو نكل المشهود له عن اليمين، لزم الشاهد قدر ميراثه من هذا الدين، وإن كان سفيهًا لم يجز إقراره في ميراثه، ولم يحلف طالب الحق، وهو قول مالك في إقرار السفيه أنه لا يلزمه. وفي كتاب ابن حبيب قلت لأصبغ: من قال عند موته: علي ديون وفلان مولاي أو ابني يعلم أهلها، فمن زعم أن له علي شيئًا فأعطوه، فإن غيرنا قال عن ابن القاسم: أنه كالشاهد إن كان عدلاً حلف معه المدعي وأخذ، قال: ما هذا بشيء ولا أعرفه من قوله، ولكن يدق من جعل الميت التصديق إليه كان عدلاً أو غير عدل، كقول مالك عدلاً من غير عدل، وذلك سواء لما لم يسم من يتهم عليه تهمة بينه من أقاربه ممن هو كنفسه. في رواية ابن حبيب هذه إنكار أصبغ ما رواه عيسى عن ابن القاسم، وليس من علم حجة على من جهل، وعيسى بن دينار فقيه ثقة فيما نقل وغاب ذلك عن علم أصبغ، كما غاب عنه قول احتج بها من الوصية وقال: لم يستثن مالك عدلاً من غير عدل وذلك سواء، ومالك قد استثنى فيها العدل من غيره، وقاله ابن القاسم. ونص المسألة: وسئل عن رجل حضرته الوفاة فقيل له: أوص فقال: قد أوصيت وكتبت وصيتي ووضعتها على يدي فلان فأنفذوا ما فيها، فتوفي الرجل وأخرج الذي قال المتوفي أنه وضع على يديه الوصية وليس فيها شهود إلا ما شهد على قوله من ذلك، أن قال: قد وضعتها على يد فلان فأنفذوا ما فيها. قال مالك: أرى إن كان الرجل الذي ذلك أنها عنده عدلاً أن ينفذ ما فيها، قال ابن القاسم: وذلك رأيي، قال سحنون: الوصية جائزة عدلاً كان أو غير عدل. إلى هنا انتهت في العتبية ووصل بها في منتخب ابن لبابة، وفي الأول من وصايا النوادر، قال يحيى بن يحيى: قال ابن القاسم: هو كما لو قال: أوصيت بوصايا أعلمت بها فلانًا فأنفذوا ما قال، أنه ينفذ، ولو قال: كنت أعامل فلانًا وفلانًا (ب-35) فأنفذوا ما قالا، أنه نفذ، ولو قال: كنت أعامل فلانًا وفلانًا فما أدعو فصدقوهم، قال: فليعطوا ما

ادعوا بلا يمين، إلى هنا انتهت في النوادر. وقال ابن لبابة: هي في التفسير الأول ليحيى فاستثنى العدل في المسألة فوق هذا مالك وابن القاسم، ولم يبلغ ذلك أصبغ ولم يذكره حين سألته ابن حبيب عن ذلك، والإحاطة في البشر معدومة وأصبغ جليل في العلم والفضل؛ قد قال عنه ابن الماجشون: ما أخرجت مصر مثل أصبغ. قيل له: ولا ابن القاسم قال: ولا ابن القاسم. وقد سقط ذلك العدل من هذه المسألة في الزيادة اليت زادها يحيى عن ابن القاسم، والمسألة أيضًا في الوصايا الأول من المدونة، ولم يذكر العدل فيها، وكذلك في الموازية والمجموعة أنه مصدق ولم يذكر عدلاً. وروى ابن وهب عن مالك في المجموعة في الوصية الواحدة على ما أشهدهم: ما أرى إلا شاهدًا واحدًا وأراه يجوز في الوصايا دون العتق، ثم قال بعد ذلك: أراها نافذة. وقال أشهب، وهو في المدونة، وقال غيره: يقبل قول الوصي الذي قال الميت صدقوه. وقال مالك في الموازية والمجموعة والعتبية: وأبين من ذلك لو كتب وصيتين وجعل بيد كل رجل واحدة، فإذا أخرجاهما جازتا إن اتفقتا، ولا شك أن هذه الروايات التي أسقط منها ذلك العدل هي التي روي أصبغ. والله أعلم. وقد ذكرنا من الروايات الدالة على اختلاف قول مالك في تصديق الموي بتصديقه بيمين وغير يمين ما فيه كفاية، واحتجاج ابن عتاب على صحة القول باليمين باختلاف قول مالك في مشترط سقوطها عنه في دعوى القضاء احتجاج صحي، لأنه إذا ألزمته إياها وقد التزم الذي هي له إسقاطها كان أجدر بإلزامها لمن أسقطها عنه من ليس له الحق وهو الميت الموصي بذلك، وأنا ذاكر الاختلاف في ذلك من الأصول إن شاء الله. وفي كتاب سلعة سماها وفي سماع ابن القاسم في كتاب التفليس: وسئل عن رجل صالح رجلاً على دراهم كانت له عليه، على أن يدفع إليه خمسة دراهم كل شهر، وليس للذي عليه الحق أن يستحلف طالب الحق إذا ادعى أنه دفع إليه شيئًا لم يأتي عليه ببينة. قال مالك: هذا الشرط غير جائز إن أقيم عليه حلف، ولا ينفعه ما كتب في شرطه. وروي ابن وهب في موطئه عن مالك، فيمن باع جارية واشترط أنه لا يمين عليه فيما وجد بها من عيب أراه شرطًا جائزًا، لأن اليمين تتقي، وقد يضع الرجل من الثمن

لئلا تكون عليه يمين. وفي سماع أشهب في كتاب السلطان وغيره: أرأيت الرجل يبيع العبد بالبراءة على ألا يمين عليه ثم يجد المشتري بالعبد عيبًا قبيحًا فيريد أن يحلف البائع: ما علم هذاالعيب؟ فقال مالك: ما أرى ذلك عليه لأنه قد اشترط ألا يمين عليه. وفي سماع ابن القاسم في كتاب البضائع: وسئل عمن وكل ببيع سلعة فيبيعها على ألا يمين عليه، ثم يوجد بها عيب، أترى أن يستحلف؟ قال: لولا أني أخشى في ذلك قطع السنة لرأيت ذلك، قد استحلف عثمان عبدالله بن عمر. قال مالك: فأما الوصي الذي يقول: لا أحب أن أحلف، والرجل المأمون الذي يعرف بالحالة الحسنة، فإني أرى ذلك؛ فإن الوصي يقول في مثل هذا: لا أحب أن أحلف لقوم آخرين، والرجل المأمون يكره موقف ذلك، فأرى ذلك لهما، فأما غيرهما فلا، ولوا كراهية قطع السنة وأن السنة في ذلك اليمين، لرأيت ذلك، ولكن إذا كان على ما ذكرت فإني أرى ذلك وأرى أن يرد اليمين إذا كان ممن يستحلف فلا يحلف. وفي كتاب الأحكام لابن حبيب: سمعت مطرفًا يقول: قال مالك: من أبضع مع رجل بضاعة وأمره بدفعها إلى رجل، إن لم يشهد المأمور على الدفع ضمن، أشهد الآمر عليه أو لم يشهد، إذا أنكر القابض أنه قبض منه شيئًا أو كان ميتًا. قال ابن حبيب: قلت لمطرف: فإن اشترط المأمور أنه لا إشهاد عليه عند دفع البضاعة فأعطاه على ذلك إذا أنكر القابض أو كان ميتًا، قلت: فلو اشترط أيضًا ألا يمين عليه قال: لا تسقط عنه، والشرط بإسقاطها باطل لأن الأحداث تحدث والتهم تقع، وكل من وضع يمينًا قبل أن تجب له فهي غير موضوعة. قال: وسألت ابن الماجشون عن ذلك كله فقال: القول قول المأمور كانت البضاعة (أ-36) دينًا أو صلة ولا إشهاد عليه عند قبضها. وإن أنكر القابض أن يكون قبض شيئًا إلا إن كان الآمر قال له: اقض عني هذا فهو ضامن إن لم يشهد؛ لأنه وكل إليه القضاء ووليه ونصب له، فينبغي أن يقضي بوجه ما

يكون به القضاء وهو الإشهاد، وليس كن لم يوكل إليه القضاء ولا أمر به، وإنما جعل رسولاً، وإن كان قد أعلم أنه دين وقيل له: أبلغ إليه هذا. قلت: فإن اشترط المأمور بالقضاء بالإشهاد عليه ولا يمين. قال: ينفعه شرط ترك الإشهاد، وأما شرطه سقوط اليمين عنه فباطل واليمين عليه، لأن التهم تقع، ومن وضع يمينًا قبل أن تجب له فهي غير موضوعة. اختصرت بعض ألفاظها رغبة في التخفيف وترك التطويل، وكذلك تركت مناظرة فضل بن سلمة لمحمد بن عمر في هذا الفصل وإنكار فضل ما يكتبه الناس بقرطبة في لك الحقوق؛ من إسقاط اليمين إن ادعى أنه قضاه بعد أن عرف باختلاف أهل العلم فيه فرضي بالأخذ بقول من يقول بإسقاطها، وفيها طول، وفي هذه الجملة ما أشار إليه ابن عتاب ولا مزيد فيها والحمد لله. وأما ما ذلك من سقوط فعل أحد الوصيين دون إذن الآخر فهو قول مالك في المدونة في الوصايا الأول، وفي الرهون وغيرهما وتمليك الرجلين عتق عبده في العتق الأول، وفيه قول أشهب وغيره من كبار أصحاب مالك في ذلك، وقول مالك فيه إذا فوض أمر امرأته إلى رجلين أو إلى رجل، وتكرر في كتاب التمليك وكمل ما شرطناه من التنبيه على مواضع المسائل وبيناه، والحمد لله على توفيقه وهداه. وفي أحكام ابن زياد في باقي وصية ابن معدان: فهمنا - وفق الله القاضي - ما قام به وارث ابن معدان وطلبه من المال الموقوف على يدي القضاة، وذكر في الديوان من قول الذي أوتي به إلى القاضي أنه من وصية ابن معدان وما قام به المنفذ لوصيته من أنه نفذها، وألفى في الوصية مكتوبًا: أن ما بقي من ثلثه بعد ما سمي من وصاياه يجعله فرج الوصي حيث يراه، وما قاله فرج من أنه لم يبق بقية من الثلث؛ بل عالت تسمية الوصايا على ثلثه. فالذي نقول به والله الموفق للصواب: بعد أن قرأنا كتاب التنفيذ الذي وكل للقاضي على تنفيذ ما فيه من وصايا ابن معدان وكيلاً مع محمد بن أحمد الذي كان أتى بالمال المذكور في الديوان، لأنه من وصية ابن معدان، وثبت عند القاضي بعد توكيله هذا، وبعد أن أمره بقبض هذا المال الذي ذلك أنه من وصية ابن معدان، فرأينا أن إشهاده على ثبوت التنفيذ دليل على أن هذا المال الباقي لوارث ابن معدان؛ إذ قد ثبت تنفيذ وصاياه

بعد قول الآتي بالمال أنه من وصية مفضل. قال ابن لبابة، وأيوب بن سليمان. أوصى للمرضى والقطع فأشكل على الناظر فيها: ثبت عندي رحمكم الله وصية رجل من أهل البادية كان يسمى سليم بن سعيد، وموته وعدة ورثته وأوعيت جميع ما وجب إنفاذه في وصيته، ووكلت لتنفيذها من وثقت به، فلما وقفت على التنفيذ أشكل علي لفظ في الوصية أردت معرفة رأيكم فيه. قال في وصيته: يعطي الجذامي والقطع بحاضرة قرطبة أربعة أمداء، فهل يجب أكرمكم الله أن يفرق على الجذامى الذين بعدوة نهر قرطبة أم يفرق بحاضرة قرطبة كما قال؟ فاكتبوا إلي في ذلك إن شاء الله. قال محمد بن غالب: تفرق الوصية على المرضي الذين بعدوه نهر قرطبة وهذا وجه ما أراد الموصي، والله أسأله التوفيق، وقال ابن لبابة، وأيوب، وابن الوليد. وصية عثمان بن سعيد القرشي بثلثه وعلى بنيه وإطلاق القاضي بعضهم، واستعفاء الوصي والتوكيل على تنفيذ ما في الوصية وبيع ثلث داره لها: ثبت عندي - رحكم الله - شهادة ابن السمح والمعارفي عن موسى ابن محمد إذ كان قاضيًا بقرطبة، أنه ثبت عنده بشهادة عبيد الله بن يحيى وعبدالله بن أبي طالب وغيرهما، موت عثمان بن سعيد القرشي ووصيته بثلثه وعدة ورثته، وإيضاؤه عليهم وبثلثه إلى من لم يعرفه موسى بعدالة، فوكل على النظر لبنيه ولتنفيذ وصيته مع ذلك الوصي ابن أبي طالب. وأنه أتاني يسألني أن أعفيه مما ذكر أنه بقي عليه تنفيذه، فكشفته عما بقي وعما نفذ، فقال: بعت أنا والمنطلقون من ورثة عثمان منزلاً من منازله (ب-36) فأخذت ثلث الثمن واستأجرت منه بمائة دينار دراهم من دخل عشرة من يحج عن عثمان، ونفذت رقبة بعد إنفاذ الحجة وأتاني ابن أبي طالب ببراءة من موسى إذ كان قاضيًا، أبرأه فيها من الحجة والرقبة. وثبتت البراءة عندي عن موسى بشهادة ابن السمح وغيره، وثبت عندي بشهادتهم إطلاق موسى لبعض ورثة عثمان وموت من مات منهم، وأنه لم يبق في الولاية منهم غير عبدالعزيز، فوكلت عند ذلك إسحاق على النظر لعبد العزيز وتنفيذ ما بقي تنفيذه من وصية عثمان، بعد أن أعذرت إلى البالغين المنطلقين من ورثة عثمان في ذلك كله، فلم

يكن عندهم فيه مدفع، وأرجأت الحجة للغائب منهم والأصاغر من ورثة الميت من ورثة عثمان. وثبت عندي لعثمان ملك دار بحاضرة قرطبة، بمن قرطبة وأجزت من البنية وأحب الذي وكلته علي تنفيذ ما يجب تنفيذه من وصية عثمان أن يبيع ثلث تلك الدار مشاعًا، وينفذ ذلك على الفقراء والمساكين، فإنه ليس في وصية عثمان إلا الحجة والرقبة، ويتصدق بباقي الثلث على الضعفاء والمساكين، ولم يلف لعثمان رفيق. فإن كان الذي أراده إسحاق من الواجب أن يفعله فاكتبوا إلي بخطوط أيديكم، فنأمره بتنفيذه إن شاء الله؛ إذ ثبت عندي موت الذي كان أوصى إليه وشرك معه ابن أبي طالب في النظر. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: حفظ الله القضاي بما حفظ به أولياءه المتقين، وحبس أيامه المباركة على عامة المسلمين. الذي نقول به فيما سأله إسحاق أن ذلك من الواجب فيأمره القاضي ببيع ثلث الدار مشاعًا، ثم ينفذ الثمن فيما يجب تنفيذه إن شاء الله. قال محمد بن وليد، ومحمد بن لبابة، وقال: إلا أن يدعو الورثة إلى القسمة، فإن دعوا إيها قسم الثلث وبيع مقسومًا، وإن لم يدعوا إلى القسمة باع الوصي ذلك مشاعًا. وقال أيوب بن سليمان: بيع الناظر في ذلك كيف شاء مقسومًا أو مشاعًا مما يكون أكثر وأزيد في الثمن، وبالله التوفيق. وقال عبيد الله بمثل قول ابن لبابة وابن الوليد. في عزل الوصي وإطلاقه المحجور والإيصاء عليه وإليه وتخلي الوصي عن الإيصاء في حياته إلى غيره: وفي المدونة: من قال فلان وصيي ولم يزد على ذلك، قال ابن القاسم: فهو وية في جميع الأشياء؛ وفي بضع بناته، وفي إنكاح بنيه الصغار، وإن كان لهم أولياء حضور. وإن قال: فلان وصيي على قضاء ديني وتقاضيه، وفلان وصيي على مال، وفلان وصيي على بضع بناتي، جاز. وقد سئل مالك عمن أوصى إلى رجل بتقاضي دينه وبيع تركته الله تزويج بناته؟ قال: إن فعل رجوت أن يكون جائزًا، وأحب إلى أن يرفعه إلى السلطات فينظر فيه. قال أشهب: له أن يزوج ولا يرفع. من كتاب محمد: وإن قال: فلان وصيي حتى يقدم فلان، فإذا قدم فهو وصيي، جاز.

قال مالك: ومن أوصى إلى غير عدل لم تجز وصيته إليه، وترجح على هذه المسألة في المدونة في عزل الوصي عن الوصية إذا كان خبيثًا. قال ابن القاسم: والذمي أحرى ألا تجوز الوصية إليه من المسخوط. وفي سماع عيسى عن ابن القاسم في كتاب النكاح: إلا أن يرى السلطان لذلك وجهًا في وصايا الواضحة نحوه. قال في الموازية: فإن رآه فلا يلي عقدة نكاح البنات وليوكل لذلك مسلمًا. قال ابن المواز وابن عبدوس: قال أشهب: ولا يجوز أن يوصي إلى صبي أو ضعيف أو معتوه. قال في المجموعة: أو مأبون، ولا يجوز ذلك من النصارى إلى بعضهم إذا كانوا بهذه الأحوال. وفي المدونة: إن أوصى إلى عبد نفسه أو مكاتبه جاز، وفي سماع أشهب نحوه. وقال في الموازنة والمجموعة: إن أوصى بولده إلى عبده جاز إن كان جميعهم يولي عليهم. قاله مالك وأصحابه. وفي المدونة وغيرها: وللوصي أن يوصي إلى غيره ويكون وصي الوصي كالوصي. قال عيسى في نوازله في البضائع: وله أن يوكل في حياته وعند مماته، بخلاف الوكيل لا يوكل غيره في حياته ولا بعد مماته، وكذلك في السلم الثاني من المدونة في الوكيل على تسليف في طعام إن وكل غيره لم يجز. وفي سماع يحيى قال ابن القاسم: إن كان مثله لا يتولى مثل ذلك لنفسه ويعرف ذلك الذي وكله؛ فلا ضمان عليه، وإن لم يعلم ذلك الذي وكله؛ ضمن. وقال به سنحون: من أوصى إلى رجلين فمات أحدهما وأوصى بما كان إليه من ذلك إلى غيره؛ لم يجز ولا ينظر الباقي إلا بنظر السلطان. وفي المدونة: قال يحيى بن سعيد: إن أوصى بما كان إليه من الوصية إلى غير شريكه فيها؛ جاز ذلك له، ولسنا نقول بذلك إلا أنه يزعم من يزعم أن الوصي لا يوصي بما أوصى به إليه. قال ابن لبابة في منتخبه: يمكن أن يكون هذا اللفظ لمالك وهو الأقرب، ويمكن أن يكون لسحنون. وفي النوادر: وإذا كان وصيين؛ فأوصى أحدهما بما غليه من ذلك إلى أجنبي؛ جاز

عند يحيى بن سعيد وأشهب، وأباه سنحون. وفي مسائل ابن زرب: سأله أبو محمد ابن دحون عن الموصي إليه بتخلي عن النظر إلى رجل آخر؟ فقال القاضي: ذلك جائز وينزل منزلته. قيل له: فلو أراد العودة إلى نظرة؟ فقال: ليس له ذلك، وقد تخلى منه إلى الذي وكله. وفي سماع ابن القاسم: عن مالك في كتاب سلعة سماها، سئل عن الرجل يدفع إليه السلطان مال الغلام المولى عليه فتحسن حاله فيدفعه إليه، أترى أن ذلك بمنزلة الوصي إذا رأى من حال وليه ما يرضاه، فيدفع ماله إليه؟ قال: إن ذلك عندي لمختلف؛ أما كل من تبين أمره في سنه وفضله فلا أرى عليه شيئًا وأراه يشبه الوصي في ذلك، وأما كل من كان فيه شك؛ فلا أراه مثله وكأنه يراه في هذا ضامنًا إلا أن يكون ممن لا شك فيه، فلا أرى عليه شيئًا وأراه كالوصي. وفي سماع أصبغ عن ابن القاسم، قال أصبغ: وسمعته يقول في اليتيم إذا تبين منه الرشد أيدفع إليه ماله وصيه بغير إذن الإمام؟ قال: إذا كان أمرًا قد تبين للناس فنعم ولا ضمان عليه، وإلا فلا إلا بأمر الإمام، فإن تعدى ذلك فهو ضامن إذا كان يشك في أمره. وسئل ابن القاضي زرب: عن مقدم القاضي هل يجوز له إطلاق يتيمه؟ قا: لا. قيل له: فإن أطلقه، أينفذ أم يرد؟ قال: بل يرد ولا ينفذ إلا عن إذن القاضي، ثم احتج وقال: إن وصي الأب قد اختلف فيه؟ فقيل: إنه لا ينفذ ذلك إلا بأمر القاضي، فكيف بمن يقدمه القاضي؟! وقال ابن المواز: قال: مالك: إذا احتلم ولا يعلم منه وصيه إلا خيرًا وآنس منه الرشد وليه دفع إليه ماله، إلا فلا، وإن كان سفيهًا في دينه وحاله حسن النظر في ماله دفع إليه ماله. هذا في الأول من وصايا النوادر متصل براوية أصبغ المتقدمة. وفي كتاب ابن المواز: تجوز شهادة رجلين فقط في ترشيد السفيه حتى يكون ذلك فاشيًا، قاله أصبغ، ويجوز في إفشاء ذلك شهادة النساء، وقد اختلف في شهادتهن. وفي الأحكام لابن حبيب: سمعت أصبغ يقول: لا أرى أن يخرج المولى عليه من ولايته، ولا يجوز للبكر جواز في مالها، وإن عنست إلا بشهادة رجلين عدلين على أن

نظرها في مالها حسن، ويكون ذلك مع شهادتهما فاشيًا غالبًا، فإن لم تكن كذلك فلا أرى أن يدفع إليهما مالهما بشهادتهما، غير أن شهادتهما في تجويز ما فعلاه من عتق وغيره قاطعة ماضية. وفي تفسير ابن مزين: قال عيسى بن دينار: قال مالك: ليس للبكر جواز في مالها حتى تدخل بيتها ويعرف من حالها هو أن يشهد العدول من أهل الاختيار لها أنها صحيحة العقل حسنة النظر في مالها مصلحة له حابسة على نفسها، ولا يكون هذا بشهيدين حتى يشهد لها ملأ من الناس، ويعرف ذلك منها ويشتهر، فإذا كان كذلك جاز أمرها، وإن كانت حديثة السن ولا ينتظر بها سنة بعد البناء وإذا كانت غير ذات زوج وهي بكر بالغ وقد شهد لها بمثل ذلك تربص بها أن ترتفع في السن عن الحداثة، ويدفع إليها مالها، ولا أحب للقاضي أن يدفع إليها ولا إلى المولى عليها مالها، ولا يخرجهما من ولاية من ينظر لهما، حتى يشهد عنده على ما وصفناه من أمرهما جماعة من الرجال والنساء والرجال دون النساء، ويكون أمرهما فاشيًا، ولا تقبل فيه شهادة النساء دون الرجال، ولا يكتفي فيه برجلين حتى يكون معهما صلاح وسماع فاش يعرف به حسن حالهما ورأيهما في أنفسهما وإصلاحهما لمالهما، وروي يحيى عن ابن نافع مثله. قال ابن مزين: قال لي مطرف في الشهيدين مثله، قال مطرف: ولا يجوز في هذه إلا شهادة الأقارب والجيران ومن يرى أن يعلم ذلك فيه، كانت تعمل قضاتنا بالمدينة. قال ابن مزين: وقال لي أصبغ تجوز فيه شهادة الأباعد إذا لم يقم الأقارب بخلافه (ب-37). قال أصبغ: وإن عجز السفيه عن أكثر من شهيدين لم أر أن يمنع أخذ ماله، وهذا خلاف ما ذكره ابن حبيب عنه. وقال ابن أبي زمنين في كتاب المهذب في تفسير ابن مزين: قول أصبغ هذا أخبرني به أحمد بن مطرف عن الأعماقي عن ابن مزين عن أصبغ، فدل إثباته بالسند في قوله أنه ساقط في بعض الروايات، والله أعلم. مسألة جامعة لوجوه من الوصايا: شاور بعض قضاة قرطبة في عهد امرأة أقرت فيه بدين لقوم، وأوصت أن يعطوه دون يمين وأن يخرج من دار عينتها، وأن يضرب خباء على قبرها ويقرأ القرآن على قبرها بأجرة ذكرتها، ويبيع بعض مالها لكفنها.

فجاوب ابن عتاب: تصفحت العهد المدرج طي كتابك وفهمته، وإقرار الوصية بالدين جائز نافذ لمن أقرت له به وما عهدت به من تصديق المقر لهم، فقول ابن القاسم: إن ذلك كما عهدت يصدقون بلا يمين. وقال غيره: الحق فيها لغير الميت، فلابد من اليمين. وما ذكرت من بيع دار سكناها والحمام واللاحق بها وإخراج دينها من ثمنها؛ فللورثة الامتناع منه إن كان لها مال غيرهما يؤخذ الثمن منه، وحسبها قضاء دينها وإنفاذ عهدها، وهو قول كثير من أصحاب مالك. وإن دعا الأولياء إلى ذلك فلا يكون بيع شيء من الأصول إلا بنظرك، ولابد من إثبات ملكها وحيازة ذلك، وكذلك ما عهدت ببيعه لكفنها أن يبيع بنظرك، فلابد من إثبات موتها ووراثتها وملكها للدار إلى أن توفيت، وحيازتها وما عهدت به من أمر كفنها وضرب القبة على قبرها، فهذا مما لا يحتاج إلى الجواب فيه إذ قد نفذ ذلك. لكن قول مالك وأصحابه في ذلك: أن من أوصى أن يكفن في سرف من الكفن فلا يوز له منه إلا كفن مثله في غناه وفقرة، واختلف في ضرب القبة على القبر؛ فكرهه بعضهم وأجازه بعضهم وفعله، ورأيي إنفاذ الوصية به لاختلاف أهل العلم فيه، وهو عندي مخالف لما رواه عيسى عن ابن القاسم فيمن أوصى أن يقام بنائحه على ميت: أن ذلك لا يجوز لافتراق ما بينهما. وما عهدت به لقارئ يقرأ على قبرها فهو نافذ كالاستئجار للحج، وهو رأي شيوخنا، وذلك بخلاف ما لو أوصت بمال لمن يصلي عليها أو يصوم لوجه أوبج ذلك أنت واقف عليه، وإنما يكون هذا وما أوصت به من القبة في ثلثها إن حمله الثلث، وما عهدت به من إخراج ثلثها وتنفيذه فهو كما عهدت، وما أوصته بتبرئته بريء، وما لم توص بتبرئته بريء منه، وما يوجب الحكم بتبرئته، وما أوصت به في الحج فهو نافذ إن حمله الثلث. والمملوكة المعتقة لقبل موتها بشرين؛ قد اختلف قول ابن القاسم وأشهب في ذلك؛ فقال ابن القاسم: هي حرة من رأس المال، وقال: ينظر إلى الأجل الي ذكرت، فإن حل وهي مريضة عتقت المملوكة من الثلث لا أجرة لها في ذلك الأجل، وإن حل وهي صحيحة عتقت المملوكة من رأس المال، وبهذا العمل عندنا، وقلوه تفسير وعمل

اختصرته. وقال أشهب: هي من الثلث على كل حال، وله قول آخر مخالف لجميع ما تقدم، وبالله التوفيق. موت ووراثة وتنازع فيها: وفي أحكام ابن زياد كشفنا القاضي - وفقه الله - عن رجل، يقال له سعيد بن إبراهيم من أهل قرية كذا من إقليم أبي مريم ثبت عنده موته، وأنه لم يترك غير زوجة وابنة بكر في علم البنية، ولم يلف القاضي للبكر وصيًا من أبيها ولا وكيلاً من قاضي، فوكل لها من ينظر عليها، وذكر القاضي أن قومًا ادعوا أنهم عصبة الميت؛ بنو عمه لأبيه، ورفع إليه أن للميت بني عم للأب بالمشرق خرجوا إلى الحج. فالذي نقول به في ذلك: أن أحدًا لا يعطي بدعواه ولا يستحق حقًا بشهادة غير العدول، وأقل ذلك شهادة عدلين فليدع القاضي - وفقه الله - هؤلاء الحضور بالبينة على ما ادعوا فإن أثبتوه نظر لهم، وإن عجزوا عنه عجزهم بعجزهم، ووقف ما بقي من التركة بعد نصيب الزوجة والابنة حتى يثبت عنده أمر الغائبين، ثم ينظر في ذلك عند انكشاف الأمر له بما يجب الحق إن شاء الله. قاله محمد بن وليد، وسعد بن معاد، ويحيى بن عبدالعزيز، وخالد بن وهب، وابن لبابة، وعبيد الله (أ-38). شورى في مولاة ورثها حفيدًا معتقها وذكرت أن لها زوجًا غائبًا بجيان: شاورنا في ذلك بقرطبة عبيد الله بن أدهم، وضاحب المظالم: يا سادتي وأوليائي، قام عندي أحمد بن خلف طالبًا عن نفسه وأمه ذونه عن ابنها الصغير حامي أخي المذكور شقيقه الذي في كفالتها وحضانتها، وذكر أن معتقه لحامد جد أحمد وحامد، وتسمى يعلى توفيت، وإنما أحق الناس بولائها ووراثتها. وسألني أحمد وأمه ذونه الطالبان إن أبيح لهما إثبات ما يجب في ذلك، فأبحته له ما فأظهرا إلي عقدًا فيه عتق حامد بن بكر جد أحمد وحامد ذلك للمتوفاة على المسماة، وإنكاحه إياها من نفسها. وثبت عندي على نصه، وثبت عندي موت حامد بن بكر معتق علي وأنه لم يترك أحدًا يستوجب ميراث على حاشًا ابنه خلف بالولاء في علم من شهد بذلك، وأن خلفًا

ابنه هذا مات وترك ابنيه أحمد وحامدًا لا يعملون له وارثًا يتوجب الولاء المذكور غيرهما. وثبت عندي موت علي وإقرارها بأن لها زوجًا غائبًا بجيان، وأن أهل الإحاطة بميراثها أحمد وحامد حفيدًا معتقها، وأنها عهدت بثلثها في كتاب عهدها الثابت عندي، وأنها لم تنسخه بغيره في علم شهدائه. إلى أن توفيت لمحمد وفاطمة ابني مفرج اللذين في ولاية ملك بن أغلب، بتقديم محمد بن أحمد بن بقي، إذ كان يلي أحكام القضاء بقرطبة إياه عليها. وثبت عنيد هذا التقديم، وثبت عنيد صغر حامد ويتمه وحضانة أمه ذونه له وأنه لا مال له بما وجب أن يثبت، وأعذرت إلى أحمد وذونه في عهد المتوفاة علي وفي قولها: إن لها زوجًا بجيان، فقالا: لا مدفع عندنا في عهدها، ولا نعلم ما زعمت من الزوج، وشهد عندي أن علي تركت ثيابًا ودويرة، وكل ذلك حقير الثمن. وطلب القائمان أحمد والحاضنة لحامد أن أعيدهما على تركة علي بما يجب لهما، فوجهت مشاروتكم في ذلك، وقد أدرجت إليكم عقد العتق والنكاح المذكور، وعقد موت علي وإقرارها بالزوج وكتاب عهدها على حسب ما ترونه، وقد تأنيت منذ نحو ثلاثين يومًا رجاء أن يظهر إلي في أمر الزوج المقر به شيء يوجب نظرًا فلم يظهر، فتأملوا بفضكم فصول خطابي وجاوبوني بالذي ترونه موفقين مشكورين، والسلام. فجاوب محمد بن فرج: سيدي ووليي، تصفحت خطابك وما أدرجت طيه، وإذ قد ثبت عندك أن أهل الإحاطة بميراث علي حفيدًا معتقها أحمد وحامد، وثبت عندك صغر حامد ويتمه وكفالة أمه له ونزاره ما يصير له. فللأم بيع ذلك عليه وقبض ثمنه، وهكذا الرواية فيه، ويقبض أحمد أخوه لنفسه ويبيع الوصي مالك وشريكه في الإيصاء محمد بن خلف الثلث الذي عهدت علي، ويقبض الثلث ملك ليتيمه. وإقرار علي بأن لها زوجًا غائبًا بجيان لا يثبت به ميراثه منها إلا ببينة على أصل النكاح أو على السماع إذ النكاح على علمك، مما يشهد فيه على السماع. إلا أن الواجب أن يقوم من يقبض ميراث الزوج الغائب ويتوقف عنده بأمرك

لقرب جيان؛ لعله يقدم أو يظهر عندك ما يصح به النكاح، فإن طال الأمر، ولم يثبت عندك شيء؛ أطلقت أيدي الورثة على الذي وقفته للزوج واقتسموه إن شاء الله عز وجل. وجاوبت أنا: سيدي ووليي، ومن أدام الله عصمته، وأسبغ عليه نعمته، ما انتهى إليه نظرك مما خاطبتنا به كامل، وما ثبت عندك مما ذكرته عامل، والتلوم الذي تلومته للزوج المقر به كاف، وجيان، وإن كانت المسافة إليها قريبة؛ فالبغية في التوصل إلى معرفة أمر ذلك الزوج غير ممكنة، وهي بذلك كالمرية بل كإفريقية؛ فلا ينبغي منع من له حق في تركه من حقه لما ذكره من زوجة لم يثبت، ولا شهد بها شاهد، ولا سمت له رجلاً معروفًا. ومما يشبه ذلك ما في شهادات العتبية في سماع أشهب وابن نافع من ذلك في شاهدين، شهدا أحدهما أ، هذا وارث فلان لا أعلم له وارثًا غيره، وشهد الآخر أنه وارثة لا أعلم له وارثًا غيره وغير زوجة له؟ قال مالك: هذا جائز ويوقف له المال كله حتى يكتب إلى ذلك البلد ويتبين من ذلك. قال ابن القاسم: فإن طال ذلك أعطى الوارث المال كله. وقال أشهب: الوارث بالخيار: إن شاء حلف مع شاهده الذي لم يذكر الزوجة وأخذ المال، وإن لم يحلف عزل نصيبها وأخذ هو ما بقي من المال بغير يمين (ب-38). فهذا أشهب قد رأى للوارث أخذ جميع المال مع يمينه، ولم يراع شهادة الشاهد بالزوجة، ولا رأى حبس حق الوارث من أجله ولا التلوم بسببه، فكيف توقف تركة على بقولها إن لها زوجًا؟! وابن القاسم قد قال: إن طال أعطى الوارث المال، ولا يمين إلا أن شهادة الشاهد أعمل من قولها وأقوى؛ لأن إقرار من له ورثة معروفون بوارث غير مقبول إلا في ثلاثة أوجه مع اختلافهم في إقرار من لا وارث له بوارث. وذكر ابن حبيب رواية أشهب عن مالك على نحو ما ذكرها العتبى؛ قال ابن حبيب: وسألت أصبغ عمن شهد له شاهدان أنه وارث لا يعلمان له وارثًا غيره، وشهد شاهد واحد أن لذلك الهالك وارثًا بمصر، أو بالمدينة، والتداعي عند بعض حكام الأندلس؟

فقال لي: يحلف المشهود له بالله: ما يعلم للميت وارثًا سواه، ثم يدفع إليه جميع الميراث، ولا يوقف منه شيء في مثل هذا البعد. قلت: ولم أحلفته مع شهادة شاهديه؟ قال: لشهادة الشاهد الذي شهد أن معه وارثًا غيره، فأوجب أصبغ اليمين هنا من أجل هذا الشاهد. ففي كثير من المسائل ما يدل على أنه لا يمين عليه، ولهذا سأل ابن حبيب عن اليمين، وإذا كان في الأصول ألا يراعي الشاهد مع الشاهدين؛ كان ترك مراعاة قول المتوفاة أولى، ولو قدم من جيان رجل فادعى أنه الزوج الذي أقفرب به لم يكن له بذلك ميراث. قال ابن القاسم في سماع يحيى في امرأة ادعت على رجل قد مات أنه زوجها، وأقامت بينه بإقراره في صحته أنها امرأته، ولم يشهد بأصل النكاح وكانت نائية عنه منقطعة في مسكنها منه: إنها لا ميراث لها ولا صداق إذا لم تقم بما كانت تدعيه إلا بعد موته؛ لأنها لو ماتت هي وهو حي لم يرثها بذلك الإقرار الذي كان منه قبل موتها حتى يعرف إقرارها بنكاحه الذي كان يدعيه مع إشهار ذلك وإعلانه [ويقدم إذاعته] منهما. وفي موضوع آخر من قوله أنه لم ير ذلك نكاحًا حتى يثبت أصله بالبينة؛ لقول عمر - رضي الله عنه: لا نكاح إلا بولي وصداق وشاهدين عدل. وقال أشهب نحوه. وفي هذا كله دليل واضح على إسقاط قول علي؛ إذ لم يقترن بإقرارها شيء من هذا، ولثبوت وراثتها بشاهدي عدل لم يذكر واحد منهما زوجًا. وأما بيع الحاضن أو الحاضنة ما قل ثمنه من مال المحضون لحاجته إلى ذلك فنافذ عليه لازم له. قال أصبغ في كتاب ابن حبيب، وفي التفليس من العتبية وبه جرى العمل، وهو في مسألتنا أقوى لاقتران فعل الحاضنة بنظرك الذي ثبتت به حضانتها للمبيع عليه ويتمه وصغره، فأطلقها وأحمد والصيين على اقتسام تركة على وبيع ما لابد لهم من بيعه، أعانك الله على ما قلدك وتخلصك مما عصب بك بعزته والسلام.

باب مسائل العتق وادعاء الحرية في عبد بين ثلاثة؛ أعتق أحدهم نصيبه في وصية، واشتكى بأحد سيديه

باب مسائل العتق وادعاء الحرية في عبد بين ثلاثة؛ أعتق أحدهم نصيبه في وصية، واشتكى بأحد سيديه في أحكام ابن زياد: إذا ثبت ما قاله المملوك أو ترددت شكيته بذلك، أمر ببيع نصيبه منه، ولا يحل له أذاه، وإن ظهر منه استصلاح إليه ورجوع ما كان عليه من أذاه له أقر عنده. قال ابن لبابة، ويحيى بن عبدالعزيز، وغيرهما. وفي المدونة في عبد بين ثلاثة أعتق أحدهم نصيبه ثم أعتق الثاني نصيبه، فتقديم نصيب الثالث على الأول لا على الثاني، وكذلك لو كان الأول معسرًا، وكان الثاني موسرًا، لم يقوم عليه؛ لأنه لم يبتدأ فيه فسادًا، ولو أعتق اثنان معًا لزم عليهما، فإن كان أحدهما معسرًا قوم جميع نصيب الثالث على الموسر. وقال ابن حبيب: لا يلزمه إلا ما كان يلزمه لو كانا موسرين، ومن أعتق نصيبه من عبد وهو صحيح، فلم يقوم عليه حتى مرض، قوم عليه في الثلث قال ابن القاسم: وإن لم يعلم إلا بعد موته لم يقوم عليه شيء. وفي سماع أهب في العتبية: إن مات بحدثان ذلك قوم عليه في رأس ماله، بخلاف معتق لبعض عبده فلم يستتم عليه حتى مات. هذا لا يتم عليه، وقال مالك في كتاب ابن حبيب وابن المواز وابن سحنون: من أوصى بعتق نصيبه من عبد لم يقوم عليه نصيب شريكه، وفي آخر رسم نقدها قال مالك: إن أوصى بعتق نصيبه من عبد وإن يعتق عنه نصيب صاحبه، لزم ذلك شريكه وإن أبى. وفي مسائل ابن حبيب: عن سحنون: من اشترى وصيفًا صغيرًا فقيل له: ما تريده وهو صغير لا منفعة فيه. فقال: هو ولد وهو حر. ثم قال: لم أر بهذا الكلام شيئًا ولا كانت لي فيه نية. وفي كتاب السلطان: في أول سماع أصبغ قال أشهب، في العبد يستبيع من سيده لضرورته به: إن كان ضررًا قد عرف وكثر بيع عليه، وإن كان إنما هي الزلة والفلتة من سيده كف عنه ونهي، قال: حسبته مرة بعد مرة، فإن عاد بيع عليه. ونحوه لمالك في سماع ابن القاسم، وفي موضع آخر منه سئل مالك عن عجوز

أكلت لحم جاريتها فأثرت بجلدها أثرًا شديدًا، فأمر صاحب الشرطة أن يبيعها عليه ولم ير في ذلك عتقًا. وقال أشهب في غير العتبية: ولو يثبتها لم تعتق. وفي مسائل ابن زرب: قال: من أعتق نصيبه من عبد، فلما طلبه شريكه بقيمة نصيبه قال: يقوم علي أنه سارق آبق؛ لأنه كذلك. وقال شريكه: بل هو سالم من ذلك، وعلى السلامة يقوم، فعلى مدعي السلامة اليمين؛ لأنه مال يريد أن يأخذه بغير حق فيما يزعم المطلوب؛ لأن قيمته بعيوبه قد لا تكون مثل نصف قيمته سالمًا. فيقول: أنت تريد أن تأخذ مني نصف القيمة بغير حق. قال القاضي أبوالأصبع: هذه المسألة في رسم العتق من سماع أشهب وابن نافع عن مالك: يسأل الذي لم يعتق عما ذكره المعتق، فإن أقر له به فكذلك، وإن أنكر ذلك لم أر عليه يمينًا، وقوم صحيحًا سليمًا، وفي سماع أبي زيد عن ابن القاسم مثله، إلا أن يأتي المعتق ببينة. وفي أصل ابن زرب في سماع عيسى رجع ابن القاسم وقال: يحلف، وإن أبي حلف المعتق، وقوم العبد آبقًا سارقًا، فكره أيوب وأراه قد وقع في الرهون لعيسى، كذا في مستخرجه ابن زرب، وكذلك في كتاب ابن حبيب من رواية أصبغ عن ابن القاسم أنه يقوم سليمًا، ولا يحلف إلا أن يقيم شاهدًا، ثم رجع فقال: بل يحلف له. قال أصبغ: وبه آخذ. قال ابن حبيب: والأول أحب إلي. وفي النوادر قال أشهب: إن أقام شاهدًا واحدًا حلف معه، فإن نكل حلف الآخر ما علمته سارقًا ولا آبقًا، وإن لم يكن عدلاً لم يحلف معه وحلف المتمسك على العلم. قال محمد: لا يوجب عليه غير العدل يمينًا. ولابن حبيب عن ابن الماجشون مثل قول أشهب، وقاله ابن عبدالحكم. وفي مسائل ابن زرب: سأله أبو الأصبغ الحشا عن امرأة جاهلة انعقدت عليها وثيقة ذلك فيها في مملوكة لها: مولاتها، فقامت المملوكة عيها بهذه اللفظة تزعم أنها حرة، فزعمت السيدة أنها لم تعرف الفرق بين المولاة والمملوكة، وظنت أن المولاة هي المملوكة، فهل تخرج حرة بهذه اللفظة؟ فقال القاضي: نزلت هذه المسألة عندنا، فأفتى فيها أبوإبراهيم واللؤلؤي بأنها

تخرج حرة، قيل له: فما تقول أنت؟. فقال: بقولهما أقول، ومن قال في مملوكته: مولاتي، أو في مملوكة: مولاي، وانعقد ذلك عليه ببينة في وثيقة أو غيرها فإن المقول له ذلك يخرج حرًا، وكان أهل المجلس قد خاضوا فيها واختلفوا، فقال القاضي بالحرية في ذلك ولم يعذر الجاهل في ذلك يجهله. ويدل على ما ذهب إليه القاضي - أن المولى لا يقع إلا على حر - ما في سماع عيسى عن ابن القاسم عن مالك فيمن قال في مرضه: ثلثي لموالي. وفيهم المدبر والمكاتب والمعتق إلى سنة. قال مالك: أما المدبرون فلا وصية لهم حتى يعتقوا في ثلث الميت، فأفضل منه عن عتقهم دخل فيه هؤلاء المدبرون، ومواليه الذين كانوا في حياته، والمعتقون إلى أجل، والمكاتبون يقسم باقي الثلث بينهم بالسوية، ويوقف ما صار للمكاتبين والمعتقين إلى أجل، فإذا أعتقوا دفع إليهم، وإن عجز المكاتبون ومات المعتقون إلى أجل، قبل الأجل، رجع حقهم إلى ما بقي من الموالي، قال: ولو كان له ولاء أنصاف عبيد، وأنصاف مدبرين دخلوا مع الموالي بأنصاف ذلك الولاء، فأعطوا بقدر ذلك، قد بين في هذه المسألة أن المولى لا يقع إلا على المعتق، وفي المجموعة لابن وهب عن مالك: تدخل أمهات أولاده فيما أوصى به لمواليه أو تصدق به عليهم. قال ابن الماجشون: والموصي بعتقه بعد موته. وقال ابن زرب: من استرعى في عتق أو طلاق فقال: متى عقدت لعبدي فلان عتقًا فإني إنما أفعله خوفًا من أن أكره على بيعه من حيث لا أستطيع أن أمتنع وإنما أفعله لوجه يذكره مثل هذا وشبهه وأنا غير ملتزم لعتقه، فإن أعتقه بعد الاسترعاء لم يلزمه العتق، وكذلك إن قال: إن طلقت امرأتي فلانة فإني إنما أفعله خوفًا أن تؤخذ عني من جهة السلطان بأشياء أطلب بها، وأنا غير ملتزم طلاقها، ثم طلقها بعد ذلك لم يلزمه الطلاق. قال القاضي: أصل هذا أن كل من استرعى في شيء تطوع لا يضم إليه كالعتق والطلاق وشبهه؛ يريد كالحبس نفعه الاسترعاء ولم يلزمه، ونحوه في وثائق ابن العطار قال: ويصدق المسترعي فيما يذكره من المتوقع وإن لم يعرف شهود الاسترعاء ذلك. قال: وإنما يجوز الاسترعاء في الحبس، وشبهه؛ لأنه تبرع بالحبس، ولو شاء لم يفعل، ولا يجوز الاسترعاء في البيوع إنه إنما يبيع لأمر يتوقعه، وإنه راجع فيه لأنه حق للمبتاع وقد أخذ البائع فيه ثمنًا إلا

أن عرف الشهود فيه الإكراه والإخافة أو التوقع فيكون له ذلك. قال: وإن استرعى في العتق أنه متى عقد لملوكه فكان عتقًا بتلاً أو مؤجلاً، فإنه إنما يفعله لتخلقه عيه مسترضيًا له، مستجلبًا لاستقامته، فيفسخ العتق بهذا الاسترعاء، وإن لم يعرف الشهود التخلق الذي ذكره. والأصل في ذلك ما في سماع ابن القاسم فيمن فر عبده إلى العدو، وغزى المسلمون تلك الدار، فرآه سيده فقال له: أخرج إلي وأنت حر، فإن كان قد قال ذلك لشهود قبل أن يقول هذا للعبد أنه إنما يفعله استجلابًا له؛ نفعه وإلا فهو حر ولا يصدق في قوله، فإن قيد الاسترعاء في العتق نفع؛ لأن سببه ظاهر معروف وهو فراره إلى العدو، والحبس بخلافه، لأن السبب فيه لا يعرف فالجواب: إن من المحال أن يلزم ما قد أشهد على نفسه أنه لا يلزمه متى فعله وقد أجمع عليه الشيوخ. وفي أحكام ابن زياد في امرأة ادعت الحرية: كشفتنا - وفقك الله - في امرأة ألفيت بيد رجل فادعت أنها حرة من موضع سمته بجيان وإن متغلبًا في ذلك الجانب أغار عليهم فسباها فيمن سبي وهي حرة، وذكر الذي ألفيت بيده أنه ابتاعها في ذلك الجانب الذي زعمت أنها من أهله، فالذي نقول به في ذلك: أن يكون إثبات الرق على من ادعاه لتصديقه إياها على ذلك الناحية التي ادعتها، وللذي فشى من فساد تلك الناحية، وقد قال سحنون بهذا، وقد قال ربيعة: تحدث للناس أقضية لما يحدثون، فنرى أن تؤجله، فإن أتى بما يحق رقها لمن باعها بأصل حق ثبت له وإن لم يأت بشيء من ذلك أطلقها حرة إن شاء الله. قال محمد ابن وليد، وقال بذلك يحيى بن عبدالعزيز، إلا أن فيه اختلافًا؛ لأنها قد أقرت بالرق فعليها البينة. والذي نختاره من ذلك الذي قاله المتقدم بالجواب في هذا الكتاب؛ لفساد البلد والناحية التي ابتاعها بها والذي يقول ابن لبابة: إن البينة على مدعي الحرية إذ هي في ملك الرجل ومعروفة بالرق. ومسألة أخرى في معناها: إذا وجب أهل العلم حمل البينة على ابن عسلون أنها ملك يده، فحملته البينة وأجلته آجالاً وسعت عليه فيها فقد كان لك أن تنظر إن شاء الله للمرأة وتطلق سبيلها بالحرية؛ لأنهم إنما رأوا البينة على ابن عسلون من قبل إقراره بابتياعها بموضع الفتنة،

وحيث تتابع الأحرار ولا يقدرون على الامتناع فأطلق سبيلها وأقطع علق ملك ابن علسون عنها إذا يثبته فإنك في ذلك مثاب، ما له وأشار به ورآه صوابًا من النظر محمد بن غالب، وعبيد الله بين يحيى، وأيوب بن سليمان، ويحيى بن عبدالعزيز، وسعد بن معاذ، ومحمد بن وليد، وأحمد بن يحيى ابن أبي عيسى، وقال ابن لبابة: كان عبدالأعلى يفتي بما قال أصحابنا لفساد الزمان. قال: أو لست تراه وكل من كان بيده شيء فهو له. وفي مسائل ابن زرب في ذلك: عبد بين رجلين زعم أنه حر، وعلم أنه قد كان بيع في بلده، وبيع الأحرار فيها فاش معلوم. قال القاضي: يخرج المملوك عن يد الذي هو بيده حتى يقيم البينة أنه ابتاعه ممن كان له ملكًا وجعل الإثبات على السيد وقال: قد أفتيت بهذا فيما بيع في بلد الحسن؛ إذ كان الغالب فيه بيع الأحرار، وبذلك كان شيوخ بلدنا يفتون فيما بيع في بلد ابن حفصون، كانوا يكلفون السيد إقامة البينة على صحة ابتياعه، وأن المملوك كان ملكًا لبائعه، وقد ذلك لنا ابن عتاب مثل هذه من اتفاق الشيوخ على ذلك إذا كثر بيع الأحرار في فتنة ابن حفصون. قال: ونزلت بابن عبدالرؤوف صاحب المظالم بقرطبة أبي عبدالله مسألة: ادعت مملوكة أنها حرة الأصل، وأنها من باجرة ولها بها أهل، فوقفت أيامًا ثم رجعت عن دعواها وقالت: كذبت ما أنا إلا مملوكة، فشاور في ذلك فقالت طائفة: لا يسمع رجوعها عن دعواها؛ لأنها قد استحقت حريتها بدعواها فليس لها أن ترق نفسها، وقالت طائفة: يسمع منها وتبقى مملوكة لسيدها قال: وهو رأيي وبه أفتيت واختاره القاضي ابن بشير. قال: وهو في أحكام ابن زياد على هذا الاختلاف. والذي ألفيت أنا في هذه الأحكام من هذا المعنى: أتتنا رحكمه الله وإيانا امرأة تزعم أنها حرة، وادعى رقبتها رجل، فوضعتها على يدي أمين حتى أنظر في أمرها، ثم أتاني الرجل بعد أيام فذكر أنها مقرة بالرق الذي كانت أنكرته. فقالوا: الذي يجب في ذلك أنها إن كانت مجهولة الأصل فإقرارها بالرق له لازم لها وجائز عليها وترد إليه بعد الإعذار إليها في إقرارها بمملكته لهذا، قاله ابن لبابة وغيره. هذا الذي في أحكام ابن زياد، ولم يذكروا فيها خلافًا، ولم يذكر لنا ابن عتاب إذ ذلك ذلك ما فيسماع ابن لاقاسم من ذلك من قول مالك أنه يسمع نزوعها إلا أن يخاف أنها نزعت شيء خافته وأرادت ذكره فاستجيب منه وخفت أن يقال لي: ليست

كالتي أنفق الشيوخ عليها قال لنا: وقلت في جوابي: وإن أمكنك الكشف عن أمرها وكتبك إلى جهتها التي سمتها بقصتها كان حسنًا، وربما حقت عندك دعواها. وكان ابن حفصون المذكورة قد ثار في بر بشير في أيام الأمين منذر بن محمد بن عبدالرحمن بن الحكم، وكانت وفاة المنذر في سنة خمس وسبعين ومائتين، وولي بعده أخوه عبدالله بن محمد، ثم ولي بعدها أخوهما عبدالرحمن بن محمد الناصر لدين الله أمير المؤمنين رضي الله عنهم جميعهم. ونزلت من هذا المعنى مسألة بقرطبة: قامت امرأة متملكة عند إبراهيم بن يحيى المعروف بابن السقا تدعي الحرية، وأنها ابنة فلان من سبته، وشهد لها عنده شاهدان على عينها أنهما يعرفانها بسبتة منذ سبعة أعوام أو نحوها تتصرف تصرف الحرائر، زاد أحدهما: أنها حرة، وقال الآخر: وأعرف لزيد الذي ذكرت ابنة إلا أني لا أعلم أهي هذه أم لا؟ وقيل شهادتهما، وأعذر إلى مالكها فلم يكن عنده مدفع وحكم بحريتها وإطلاقها. وذكر في كتاب حكمة أنه شاور في ذلك أهل العلم فأفتوه بالحكم لها بذلك، وخاطب للمحكوم عليه قاضي طليلطلة أبا زيد بن الحشا ليعديه على بائع امرأة منه إذا كان ساكنًا بها، وثبت عند أبي زيد الخطاب والحكم وأعدى المحكوم عليه على البائع منه وسجل بذلك وكتب السجل، وانتسخ فيه حكم ابن السقا، وسأل المحكوم عليه بطليطلة أن يخاطب له قاضي بطليوس، وقال: إن بائعها منه بها فكتب له إلى قاضيها يومئذ أبي عبدالملك مروان بن محمد، فوصل إليه الكتاب والمكتوب له وقد هلك ابن السقا، فامتنع القاضي من إعدائه وقال: أحكام ابن السقا غير جائزة عندي، وانصرف الطليطلي دون شيء أخبرنا بذلك بطليطلة. ثم صرت أنا إلى قرطبة وبلغني أن أبا زيد شاور فقهاء طليطلة في أحكام ابن السقا هل هي نافذة أم مردودة؟ فأفتوا أنها جايزة، وخاطب بذلك قاضي بطليوس للمحكوم عليه المذكور فاعترض بعض فقهائنا في شهادة الشهيدين للمرأة عند ابن السقا؛ لأن أحدهما كان شهد أنه يعرفها حرة تتصرف تصرف الحرائر الأمد المذكور. وقال الآخر: أعرفها تتصرف تصرف الحرائر هذه المدة، ولا أعرف أهي ابنة فلان أم لا. فقال أبومحمد بن الخزاز منهم وآخر معه: شهادتهما مختلفة فلا يجوز الحكم بها فكتب قاضي بطليوس

أبوعبدالملك إلى قرطبة يستفتي عن ذلك. فجاوب ابن عتاب: الشهادة عاملة وحرية المرأة ماضية والحكم لها بذلك نافذ غير مردود. وجاوب ابن القطان: أحكام ابن السقا وغيره مردودة لا يجوز إمضاؤها، ويجب ردها ونقضها؛ لأنه كان من أهل الجور والاعتداء وأن الشهادة ناقصة غير تامة إذا لم يشهد بأنها حرة. وجاوب ابن مالك: إن الشهادة المشهود بها للمرأة غير عاملة؛ لقولهما يعرفانها تتصرف تصرف الحرائر، ولم يقولا جميعًا: إنها حرة تتصرف تصرف الحرائر، وقال لي: إذا تكلمت معه فيها: والآبق يتصرف تصرف الحرائر قلت: له فإن شهدا أنها حرة ولم قال لي: هي شهادة جائزة إذا لم يسميا المعتق، ولو سمياه لوجب الإعذار إليه إن كان حيًا، أو إلى ورثته إن كان ميتًا بعد ثبوت الملك والموت والوراثة. ثم قال: شاهدت عد أبي بكر بن ذكوان أن القاضي قد شاور في عقد حبس كان أبوعمرو الشاطبي كتبه، وفيه يعرفون الدار التي بموضع كذا حبسًا من تحبيس فإن وأنها تحرم بحرمة الإحباء وتحاز بما تحاز به الإحباس، قال ابن عتاب لابن ذكوان: ليس هذا العقد بشيء، ولا يجوز به حكم إلا بعد ثبوت ملك المحبس وموته وعدة ورثته والإعذار في ذلك قال لي: وكان أبوعمور بالحضرة فقال لابن عتاب: كيف لا يكون العقد شيئًا وقد شهد شهوده بأنها تحرم بحرمة الإحباس، فقال له: اسكت إنما عليك أن تسمع ولا تعترض، قلت له: فهل الشهادة بأنها يعرفونها حرة كاملة دون أن يقولوا حرة ولا بنت حرين، قال لي: نعم. وكتب إلى ابن عتاب: في سنة ثلاث وأربعين وأربع مائة يعقد استرعاء في إثبات حرية، نصه: يشهد من يتسمى في هذا الكتاب من الشهداء أنهم يعرفون فلان ابن فلان بعينه واسمه ونعته كذا حرًا ابن حرين لم يجر لأحد من الناس عيه ملك ولا شعبة رق في علمهم إلى حين شهادتهم هذه وتاريخه كذا. وسألته عن فوائد قول الموثق: حرًا ابن حرين، وهو لو كانت أمه حرة وأبوه عبدًا لكان حرًا، وعن قوله في العقد في علمهم هل يوهن العقد، وكتب أي بخط يده العقد عامل فيما قصد به إليه من إثبات الحرية ولا علة في قوله: ابن حرين؛ لأنه وصفه بحرية

أنبوبة وأراد التعريف بأنه ليس ابن عيد من حرة ولو قال ابن حرة اكتفى. وقوله: في عملهم، يرجع على قوله: لم يجر عليه ملك لأحد على آخر الكلام، وهو الذي يجب أن يقال فيه؛ إذا تقدم القطع على المعرفة بالحرية في صدر العقد بقوله يعرفونه حرًا ابن حرين وهذا لا يكون إلا على البت، ولو كان على العلم لم تكن شهادة توجب حكمًا وبالله التوفيق. وفي دعوى الحرية في كتاب الجدار لعيسى بن دينار أن قاضي الجزيرة كتب إليه يسأله عن عبد ادعى حرية، وسأله أني رفع إلى قرطبة لمنفعة يرجوها بها، فكتب إليه أن سبب العبد عندك سببًا في دعواه كالشاهد العدل يقيمه عندك والشهود غير العدول فارفعه على حيث يرجو منفعته وإثبات حريته. وإن لم يسبب شيئًا مما أعلمتك به فنرى أن يتخذ على صاحبه حميلاً ليلاً يبرح به ثم يسأل العبد عن موضعه الذي رجي فيه شهوده ومنفعته، فيكتب كتابًا إلى قاضي ذلك العبد أنه حر، وزعم أن بينته ومن يعرف حريته بناحيتك وقد وقفناه حتى يأتينا كتابك فانظر في أموره واكشف عن حريته ثم اكتب بلك إلينا لننظر فيه إن شاء الله تعالى. والكتابة جائزة محضوض عليها ولا يجبر السيد عليها وإن طلبها العبد وهي بما يتراضيان عليه من قليل أو كثير منجم على المكاتب، والتدبير إيجاب وإلزام وهو قول مالك لعبده: أنت مدبر، أو قد دبرتك، أو أنت حر عن دبر مني أو إذا مت فأنت بالتدبير حر، وهو يخرج من الثلث. ومن تسرى أمة فحملت منه حملاً ووضعته أو أسقطته فهي به أم ولد ولا يجوز بيعها ولا إجارتها ولا إسلامها في جناية إن جنتها، وإنما له فيها الاستمتاع وخفيف الخدمة وغذا مات خرجت من رأس ماله. وغاب إنسان من قرطبة عن أم ولده وقامت بعدم النفقة عند القاضي محمد بن أحمد بن بقي وذكرت أنه غاب عنها مدة أزيد من ثلاثة أعوم بجهة المشرق وأنها بحال ضيقة ليس لها شيء تنفقه على نفسها، وأثبتت ذلك كله عنده، وشاور في ذلك. فأفتى ابن عتاب: تصفحت خطابك وما ثبت عندك، ووجه العمل في ذلك أن تكشف عمن أسند الغائب إليه أمر أم ولده، فإن عثرت عليه أو على أحد من قرابته أو

غيرها ورجوت التوسع منهم لها إن كانوا مياسير، يسلف ما ينفق عليها مدة يسيرة فذلك حسن، وما أراد تجد أحدًا يجيب إلى ذلك لضيق الوقت وشدة الحال. فإن لم تجد أحدًا أو جدت تلومت شهرًا أو أزيد منه، واستخرت الله تعالى وأنفذت عتقها على الغائب عتقًا تلحق به بأحرار المسلمات فيما لهن وعليهن، وتقيد ذلك من نظرك وتشهد عليه ولا يكون عليها بعد ذلك سبيل غير سبيل الولاء إلا أنك تذكر في نظرك أنك لم تقطع له حجة لما جرى به العمل قديمًا في هذا المعنى. ومن أصحاب مالك من يرى في هذه القصة ولا في غيرها أعني ما يكتب أنه أرجى الحجة للغائب ولم يقطعها وطول مدة المغيب وأنها أزيد من ثلاثة أعوام يسقط عنها اليمين أنه لم يتخلف عندها ما تنفقه. هذا الواجب في ذلك والله أعلم، وإليه أرغب في التوفيق والهداية لما فيه النجاة برحمته، ثم زاد في جوابه بعد قوله في آخر الجواب، قاله محمد بن عتاب. وعن رواية صحيحة واقعة في ديوان معلوم قاله: ونص الرواية: قال أشهب: إذ عجز الرجل عن نفقة أمهات أولاده استحسنا أنها بمنزلة أزواجه إذا لم يقم بأمرهن ولم يكن شيء مثله يستعمل فيه مثلهن ما يكفيهن، ورأيت أن يضرب له أجر الشهر ونحوه فإن وجد لهن ما وصفت لك من أدنى ما يكفي ويعيش وإلا عتقن عليه فيسكبن على أنفسهم فيما أحل الله من نكاح الأيامى، وما يشبه ذلك من أسباب الرزق لأنهن إذا تركن بلا إنفاق عليهن متن جوعًا فهذا نص الرواية، والله أسأل التوفيق برحمته. وأخبرت أن أبا عمر بن القطان أفتى أنها لا تعتق وأنها تبقى حتى ينصرف سيدها أو يصح موته أو ينقضي تعميره فتخرج حينئذ حرة. وقال: هذا الذي أراه على أصول ابن القاسم، وقد نزلت وأفتى أبومحمد بن الشقاق فيها بذلك، قال: وقال لي ابن الشقاق: فيها رواية لعلي بن زياد أنها تعتق ولم يأخذ في جوابه بهذه الرواية. وأخبرني أبوبكر محمد بن منظور القاضي عن القرشي اليتمي أنه أفتى بإشبيليه أنها تعتق، قال: وخولف في ذلك، والصواب عندي ما أفتى به ابن عتاب والتيمي من تعجيل عتقها عليها ذكره ابن عتاب عن أشهب وابن الشقاق عن علي بن زياد وإن كان ابن العطار قد قال في وثائقه إنها لا تعتق وتسعى في إقامة معاشها، ولم أرد أحدًا من الفريقين ذلك قول ابن العطار هذا، ولا شك أنه غاب عن ذكرهم والله أعلم.

قلت لابن عتاب: هل عليها عدة إذا حكم بعتقها؟ قال: نعم، تعتد بحيضة، قلت له: وهل عليها يمين أن سيدها لم يتخلف عندها شيئًا ولا أرسل إليها بشيء، كما تلزم زوجة الغائب إذا طلقت نفسها بعدم النفقة؟ فقال لي: لا يمين عليها وبذلك أفتيت لطول أمد المغيب وهي لخلاف الحرة في هذا، لابد للحرة من أن تحلف.

باب النكاح

باب النكاح قال بعض المتأخرين: فرائض النكاح ثلاث: الولي والصداق وشاهدًا عدل، وسنة ثلاث: إظهاره والوليمة والدخلة. والنكاح مندوب إليه لمن قوى عليه، ولا يكون إلا بولي ذكر، وصداق ولا حد أكثره، وأقله محدود وهو ربع دينار ذهب، أو ثلاثة دراهم كيلا، أو ما قيمة أحدهما، ولا يبني بها حتى يقدمه إذا كان هذا المقدار، فإن كان أكثر وقدم منه هذا المقدار جاز البناء. وإن اختلف الزوجان فيه قبل البناء، تحالفًا وتفاسخًا وبدئت المرأة باليمين كالبائع كان الاختلاف في عدده أو نوعه، وإن كان الاختلاف في عدده، وإن كان في نوعه تحالفًا وكان لها صداق مثلها، وقيل غير هذا. وفي أحكام ابن زياد في الدعوى في نكاح: قام عندي - وفقك الله - رجل ذكر أن رجلاً أنكحه أخته وعقد له عليها، ثم أنكره ذلك، ونزع إلى أن الجارية راضية وأن الأخر برجوعه عاضل، فالذي نراه امتحان الجارية بمن يعرفها. فإذا قالت: قد رضيت به زوجًا، وبما بذل لها صداقًا، وثبتت الكفاءة في حالة ومالله، وقف الولي على العقد، أو إقامة الحجة في إباءته التي أوجبت التوقف، فإن لم يأت بذلك وثبت العضل وكل القاضي من يزوجها. قاله محمد بن غالب، ومحمد بن وليد، وأحمد بن بيطي، وعبيد الله بن يحيى، وسعد بن معاذ. قال القاضي أبو الأصبغ: الصواب عندي - والله أعلم - أن يوقف الأخ أولاً على ما ذكره الزوج، فإن وافقه على الامتناع من العقد عليها، كشف عن وجه إقائته، فإن ذلك ما يوجبه وبأن صوابه؛ تركه وذلك، وإن كذبه في الامتناع وقالك نعقد له؛ تركه أيضًا وذلك. وإن امتنع من العقد عليها، ولم يأت بوجه يبين في امتناعه صوابه، كان حينئذ ما قالوه من ثبوت رضاها، والكفاءة، وأنها خلو من زوج، وفي غير عدة منه، ووكل القضاي من ينكحها منه، والله الموفق للصواب. وفي سماع ابن القاسم في كتاب البر: سئل مالك عن جارية بنت عشر سنين، زوجها أخوها وأمها وابن عم لها، فأقام الزوج معهم يحوز مال زوجته ويقوم فيه، ثم ماتت الأم، فطلب الزوج الدخول بالجارية، فقال الأخ: لا زوجة لك، لم تكن أختي

رضيت ولا أعلمناها، وأنكرت الجارية. قال: إن قامت له بينة على رضاها وإلا حلفت الجارية وأخوها على ذلك؛ وكان القول قولها، وفرق بينهما. وقال أبوصالح: لا يمين عليها ويفسخ النكاح؛ لأنها زوجت صغيرة، وتدبر قوله: أحلفت الجارية وأخوها، لأي شيء يحلف أخوها؟! أرأيت إن نكل وحلفت هي، أليس يكون النكاح غير لازم لها؟ وقول أبي صالح حسن لها. وفي سؤال حبيب بن نصر لسحنون فيمن أنكح وليته قبل بلوغها، وبني بها زوجها، ورفع إلى الحاكم أمرها وهي حامل، قال: يفسخ نكاحها وتبقى حتى تضع، فإن أراد ارتجاعها ونكاحها ذلك له، وإن أراد تزويجها بعد الفسخ وقبل الوضع لم يجز، لأنه لا يجوز له صب مائه الصحيح على مائه الفاسد، والفسخ بغير طلاق، ولا أقول بقول ابن القاسم إن ما اختلفت فيه بفسخه بطلاق. وروي أشهب وابن نافع عن مالك في جارية أنكحها أخوها، ثم مات الزوج قبل البناء، فقال الورثة: أقيموا البينة أنها قد اكانت رضيت، قال: تسأل عن ذلك إن كانت رضيت، فإن قالت: نعم، قيل: أتسأل؟ قال: نعم. وفي كتاب ابن المواز فإن قالت: نعم، فذلك لها. وفي دعوى نكاح بين محمد بن نصر وابنة ابن العين: فهمنا - وفقك الله - ما سألت ابنة العين، من النظر لها فيما ادعاه محمد بن نصر من نكاحها، وما ضربت لها من الآجال، وضربك له أجلاً قاطعًا، كل ذلك لم يأت بشيء، فالذي نقول: إن النكاح ليس بضرب فيه من الآجال ما يضرب في الحقوق، لما في عقد الفروج من الضرر الذي ليس في الأموال. فإذا كنت قد أعذرت إليه مرارًا كما ذكرت، ثم ضربت له أجلاً قاطعًا فلم يأت بشيء، فاشهد لابنه ابن العين بتعجيز ابن نصر، وقطعك طلبه عنها في النكاح. قال بذلك ابن لبابة، وابن وليد، وعبيد الله، ومحمد بن غالب، ويحيى بن عبدالعزيز، وايوب بن سليمان، وأحمد بن يحيى. وفي سماع أصبغ عن ابن القاسم فيمن ادعى نكاح امرأة وأنكرته وادعى بينة بعيدة، لم تؤمر بالانتظار إلا أن تكون بينة قريبة لا يضر ذلك بالمرأة، ويرى الإمام لدعواه

وجهًا، فإن عجزه ثم جاء ببينة، فقد مضى الحكم، نكحت أم لم تنكح، وهذا الأصل لجوابهم. وفي تداعي نكاح أيضًا: قام عندي - رحمكم الله - منذر، فذكر أن عبدالله زوجه ابنته أسماء، فقال عبدالله: نعم زوجتكها وهي بكر في حجري وولاية نظري، بنقد خمسين وكاليء مثلها إلى أجل معلوم، وابنتيت بها ثم طلقها. وقال منذر: لم أطلقها والنقد والكالئ خمسون، وقد قضيتكما كلها ولم أبتن بها، وحلت بيني وبينها، وبقرطبة زوجتنيها. وقال عبدالله: بل بجيان. كشفنا من حضرنا من أهل العلم، عما تنازع فيه منذر وعبدالله، فقالوا: يجب أن يحلف عبدالله أبوأسماء؛ بالله الذي لا إله إلا هو، ما أنكح ابنته أسماء من منذر، إلا بصداق مائة دينار نقد وكالئًا، وما اقتضى من النقد والكالئ شيئًا، ولا عنده كتاب صداق ولا غيبة. فإذا حلف، قيل للزوج: قد للزوج: قد لزمك ما حلف عليه أبوأسماء، إلا أن تدفع ذلك بيمينك بالله الذي لا إله إلا هو ما نكحت أسماء إلا بصداق؛ خمسين نقدًا وكالئًا، ولا ابتنيت بأسماء. فإذا حلف كذلك، تفاسخًا النكاح، إلا أ، يشاء الأب قبل إيمانهما هذه أو بعدها أن يمضي النكاح بصداق خمسين، أو يشاء الزوج أن يكمل المائة نقدًا وكالئًا، فيتم النكاح حينئذ، وتبقى اليمين على عبدالله أنه ما انتقد معجل صداق ابنته أسماء ولا مؤجلة. قاله محمد بن لبابة وأهل العلم. وفي الواضحة قال ابن حبيب: إذا اختلف الزوجان في الصداق، فالقول قول المرأة قبل البناء مع يمينها إن كانت ثيبًا، أو قول أبيها مع يمينه إن كانت بكرًا، ثم الزوج مخير بعد أن يحلف على تكذيب المرأة أو تكذيب أبيها؛ فإن شاء تقدم على ما حلفت عليه المرأة أو أبوها، وإن شاء ترك النكاح ولم يلزمه شيء من الصداق، وهو المعنى الذي أفتى به الشيوخ فوق هذا. ونقل بعض المختصرين قول ابن حبيب على غير هذا المعنى؛ قال: قال ابن حبيب في اختلاف الزوجين: تحلف قبل البناء الثيب، فإن كانت بكرًا حلف الأب، ثم للزوج الرضي بذلك، أو يحلف ويفسخ النكاح. وقال عبدالحق في كتابه عن بعض شيوخه: إذا اختلف الزوجان قبل البناء فتحالفًا،

فبعد التحالف وقبل فسخ النكاح، رضي الزوج بما ادعت المرأة، أو رضيت المرأة بما ادعى الزوج، ليس ذلك لمن أراده، ويفسخ نكاحهما، وليس ذلك كالبيوع، على مذهب ابن القاسم؛ لأن النكاح باب ينبغي فيه الحوطة، وهما - فيما وصفنا - كاللعان: بتمام التحالف يفسخ. وكان ذلك المختصر الناقل لكلام ابن حبيب على غير ما في الأصل نحا هذا النحو، والصواب قول مالك وأصحابه؛ ما قاله ابن حبيب وأفتى به ابن لبابة وغيره، وكفى بقول مالك: أشبه شيء بالبيوع النكاح، حجة في ذلك، مع قوله وقول أصحابه - ابن القاسم وغيره - فيمن نكح بمائة نقدًا ومائة مؤخرة لم يضب لها أجل، أنه يفسخ قبل البناء، إلا أن يرضى الزوج بتعجيلها مع النقد. وهذا يشبه ما ذهبنا إلى تبيينه، من قول ابن خبيب وصحته، وفتوى الشيوخ في رضي الزوج بالتزام النكاح، فما ادعت المرأة وأبوها بعد الإيمان، وكذلك قال أصبغ وغيره، في النكاح ينعقد بربع دينار أو أزيد وبعبد آبق، فترضى المرأة بإسقاط الضرر: أن النكاح يلزم الزوج. ونقل هذه المسائل على نصوصها مستوعبة يطول به الكتاب، ولذلك نذكر منها ما يحصل معه التنبيه عليها، ونترك باقيها اكتفاء بالمذكور منها إن شاء الله، إلا أن قول ابن لبابة ومن وافقه: وتبقى اليمين على عبدالله أنه ما انتقد معجل صداق ابنته أسماء ولا مؤجله، لا معنى له، إذ قد حلف على ذلك في يمينه المتقدمة والله أعلم. في نكاح تدعى أم الزوجة أنها ناظرة لها مع آخر يشركها في النظر له قام عندي - أكرمكم الله - محمد بن عبيد الله بن هاشم، فذكر أن أم الأصبغ خطبها إلى نفسه، وأصدقها سبع مائة دينار، عرض منها عرضًا، عرفته بوصف من وصفه لها بماتتي دينار، وأخر نقدها خمس مائة دينار، والكالئ سبع مائة دينار إلى خمس سنين، وشروط أخذها في كتاب أثبته عندي، وأنها رضيت به زوجًا وبما بذل لها صداقًا، وفوضت عقد نكاحها إلي، وثبت جميع ذلك عندي بشهادة ابن لبابة وغيره، وذكر الزوج أن لها وليًا، إلا أن أمها عبدة تدعي أنها وصية. وشهد عندي أبوعبدالله بن لبابة وغيره: أنها غير مستحقة لنظر - إن كانت وصية كما ذكرت -؛ لسوء حالها، وأنها أرادت ابتياع مال لابنتها منها، وحلفت ألا تكلمها

حتى تصير إيها، وذكرت أن ابن لبيب شريكها في النظر لأم الأصبغ، وسأل محمد بن عبدالله النظر له فيما رفع إلي، فخذوا لنا - رحمكم الله - وجه النظر لنعمل به ونحتذى عليه إن شاء الله. فهمنا - وفقك الله - ما ذكرته، والذي نجيب في ذلك: أن تبعث في وليد بن لبيب، وتعلمه بما ثبت عندك، وما انتهى إليك من أنه ناظر لأم الأصبغ، فإن أقر بذلك كلف البينة وإن أنكره كتب إنكاره. وترسل إلى عبدة وتكشف، فإن أقرت بالنظر، أعلمت بما ثبت من سوء سيرتها، فإن كان عندها مدفع؛ نظر القاضي فيه، وإن أنركته؛ كتب إنكارها، ثم أعلم القاضي الولي بما ثبت عنده، ويأمره بعقد نكاحها، فإن فعل وغلا وكل القاضي على عقد نكاحها منه. قاله ابن لبابة وعبيد الله بن وليد، وايوب بن سليمان، ويحيى ابن سليمان. امرأة طلبت زوجها بالإقرار بصداقها: قال أبوصالح: لابد للمسؤول عنه بأن يقول فيه: نعم أو لا. وأما في الإباحة، فإن قولنا: إن كان الزوجان غريبين، وتقارا، قبل قولهما، وإن كانا من أهل البلد، لم يقض القاضي بينهما بقولهما إنهما زوجان إلا عن إثبات أصل النكاح. جارية تزعم عمتها أن ابنها يخطبها: قال ابن لبابة وابن وليد: توقف الجارية: فإن قالت: لا أرضى؛ تركت، وإن قالت: أرضى به زوجًا وأفوض نكاحي إلى القاضي إن كره أعمامي، أمرت الغلام والعمة أن يثبتا عندك أنه كفؤ لها، فإن أثبت ذلك أمرت العم بتزويجها، إلا أن يكون له مدفع في البينة، فإن لم يكن عنده مدفع وأبي من إنكاحها، أمرت بإنكاحها من ابن عمتها. نكاح طلبه ابن عمار لولده وزعم أنه في ولايته: فهمت - وفقك الله - ما أمرتني أن أشرحه لك من خبر طلب ابن عمار نكاح ابنه، وقوله أنه في ولايته، والولد - وفقك الله - في ولاية أبيه، وإن بلغ، حتى يظهر رشده، ويشهد العدول على صلاح أمره، ولكن لابد من حضوره حتى يكون تعجيزك لابنه بمحضره، وتذكر له أن أباه خاصم عنه؛ إذ ذلك أنه في ولايته، فإن صدقه؛ تمت قضيتك عليه بتعجيزك لابنه، وإن لم يكن على ما قاله الأب، حملته البينة على أنه مطلق رشيد، فإن ثبت رشده أجلته وأوقعت عليه القضية بالتعجيز في مطلبه.

وأما دخول ابن عمار على الجارية فإذا كان ولده في ولايته، أوقفته: هل يعرفها؟ فإن ذكر معرفتها؛ دخل مع رسولك الأمناء، فإذا قال: هي التي أطلب، وقفت الجارية، فإن أنركت ما ادعاه من تزويجه منها، وقالت: الذي قام به أخي من إنكاره ودفعه بأمري كان، وعن إذني خاصم؛ لزمه التأجيل الذي أجلته وعجزته بتعجيزه ولده. وإن قال: لا أعرفها وليس هذا الشخص الذي زوجت ابني منه، أشهدت على إنكاره الشخص، وقطعت عن هذا الشخص حجته، وقلت له: أثبت شخصًا غيره وأوقع طلبتك عليه، هذا وجه المأخذ في طلبتك عليه. هذا وجه المأخذ في طلبه قول الأولياء: لم يدخل لنا ابن عمار على امرأة ولا رأي هذه الجارية، وقال هو: نعم أعرفها ورأيتها، أوجب إيقافه على الشخص، إلا أن يوجد شاهدان يعرفانها ساكنة معه، فيستغني حينئذ عن إدخاله عليها. وإنما دخوله عليها على الضرورة إذا لم يوجد من يعرفها، فلم يكن بد من يبصر الشخص ليوجد السبيل إلى تعجيزه، وإقرار عثمان بن أحمد بن عمار، أنه أدخله على رقية ابنة عبدالله عمر بن مرزبان، ورجل ثان؛ ذلك أنه رجع عن شهادته لتوقفه عني فيها. وقد يمكنك مع ثان إذا لم تجد من يدخل عليها، أن تعجز ابن عمار فيما ادعى في عقد ابن أبي الحارث نكاح أخته لابن عمار لأن الولي يقول: أنا منكر لدعواه، فإذا عجز عن إثبات دعواه على عجزته في دعواه. وأما المرأة إذا جهل شخصها ولم يوجد من يعرفها؛ فإنه يقال له: هذا شخص لا يعرف من يعرفه فأثبت أنه العين وما تطلبها به، فإن عجزت لم نعرض لك ولم نعجزك في عين لم تثبت عندنا، ولكن نقول إن أثبت عندنا شيئًا نظرنا وإلا لم نعجزك لمن يطلب ذلك عندنا ولا عرفناه، فيكون أيضًا مقالاً صحيحًا. قال بجميعه ابن لبابة. قال القاضي: في بعض هذا الجواب هذا الجواب عندي نظر في تسفيه الابن وغيره، وقد مر معى التسفيه والترشيد كاملاً والحمد لله. وفي سماع ابن الحسن عن ابن القاسم فيمن أنكح ابنته البكر وليس له غيرها، فمات فادعت أنها ليست ابنته، وأنها كانت يتيمة عنده، وانتفت عن الميراث، ولا بينة للزوج أنها هي بعينها، إلا ما سمع من الأب أن له ابنة بكرًا، وفشا ذلك في الناس. قال: لا يلتفت إلى قولها، وقول أبيها يلزمها، أحبت أو كرهت في نكاحها

وميراثها، ولحوق نسبها وجميع أمرها. وكتب إلى سحنون فيمن اقام بينة أن عمه فلانًا زوجه ابنته فلانة، لا يعلمون له ابنة غيرها، وهي بكر في حجره، بصداق ذكروه ورضيا به، فأنكرت الآن وتغيبت. فكتب: إن أقام البينة بما ذكرت، وأنه لا ابنة لأبيها غيرها، وكانوا عارفين بشخصها يوم النكاح، أو كان غيرهم يعرف عينها، وهم يشهدون على ما ذكرت، فقد لزمها أن تخرج لتقع البينة على شخصها، أو توكل إن أنكرت. فإن ثبت ذلك وخيف عليها الهرب توثق منها، وإن لم يخف ذلك منها وسألت تعجيل النقد أمهل الزوج على قدر ما يرى ألا يضر بها، فإن كان عنده فأحب أن تعجلي وإلا فارقها ولا يضر بها، والمسائل في هذا المعنى كثيرة، وجوابه في تعجيل النقد واستعجال البناء محتمل يحتاج إلى بسط يبين به، تركناه لئلا يطول الكتاب والله ولي التوفيق. وفي نكاح شهد فيه أن النكاح كفؤًا والأعذار فيه: فهمنا - وفق الله القاضي ما كشفنا عنه، وشهادة من شهد ابن أبي الحفاظ بالكفاءة، وهل يعذر في ذلك للأولياء؟ فالذي نرى والله الموفق للصواب أن الإعذار إلى الأولياء وإلى الوكيل. أما الأولياء فلما لهم فيه من المقال أن تزوج ممن لعلهم أن يسقطوا عن أنفسهم من يكرهون دخوله عليهم وتزويجه لكراهتهم. وأما الوكيل فلأن إليه تزويجها بإقامة القاضي إياه مقام الوصي، فالوصي أولى بإنكاحه من الأولياء. قال بذلك محمد بن عمر بن لبابة. وقال محمد بن وليد: أما الوكيل؛ فنعم لأنه الناظر لها دون الولي، ولا كلام في عقد نكاحها للولي مع الوكيل في قول مالك، وما يعرف الإعذار فيمن له وكيل إلا إلى وكيله دون أوليائه. وقال أيوب بن سليمان: لا يعرف الإعذار إلا إلى الوصي أو الوكيل في قول مالك وأصحابه، وقال محمد بن غالب: كل من كان له في إنكاحها سبب قائم يجوز له به الذب عن ذلك النكاح فإنه يعذر إليه، والولي أولى بالعقد عندنا من الوصي فإليه يعذر ثم تمضي الأمور على ما تراه إن شاء الله، وقال عبيد الله بن يحيى: الإعذار أولاً إلى الوصي أو إلى الوكيل في قول مالك.

وفي الواضحة قال ابن حبيب: السنة أن الوصي يقوم مقام الأب في تزويجه الصغير من بينه، ولا يقوم مقامه في تزويجه الصغيرة من بناته قبل بلوغها، ولا بعد بلوغها دون مؤامرتها وأخذ رضاها بذلك؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "اليتيمة تستأمر في نفسها" (¬1) إلى أن الوصي ينزل فيها منزلته في أنه أولى بعقد نكاحها من الإخوة والأعمام والعصبة والسلطان بكرًا كانت أو ثيبًا، وهو أولى بإنكاح موليات الموصي من ولده وجميع أوليائه، وكذلك كل من كانت ولاية تزويجه إلى الموصي من البنات والأخوات وذوات القرابات أبكارًا كن أوثيبًا؛ فقد نزل الوصي في ذلك منزلته. وهكذا أوضح لي في ذلك كله مطرف وابن الماجشون وابن عبدالحكم وأصبغ بن الفرج، وهو قول مالك وأصحابه المدنيين والمصريين لم يختلفوا فيه، وحكي مثله عن ربيعة وابن هرمز ويحيى بن سعيد وشريح: أن الوصي أولى من الولي قال: وقال مالك: ليس للولي قاضاء مع الوصي، وفي المدونة قال ابن القاسم: قال مالك: لا إنكاح للأولياء مع الوصي ووصى الوصي أولى من الأولياء، وإن رضيت الجارية والأولياء وأنكر الوصي فلا نكاح لهم إلا به، فإن اختلفوا نظر السلطان فيما بينهم (¬2). قال ابن حبيب: وجائز تزويج الوصي الصغير، كما يجوز له البيع عليه والاشتراء له، وجوز ذلك أهل العلم للسلطان وخليفته عليه أن يزوجه أيضًا في صغره إذا لم يكن له وصي، وأنزلوا السطلان وخليفته في الصغيرة منزلة الوصي في أنه أحق بتزويجها من أخيها وعمها وأوليائها كما يكون الوصي أحق بذلك منهم. هذه النصوص في الأمهات وعليها المعول وإليها المفزع عند التنازع فيها لم يوجد نص في الكتاب والسنة. وأما تنفيذ المتأخرين فالحجة في الأمهات أقوى، وعلى ما فيها لا يحتاج إلى الإعذار ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه الترمذي ج3، ص417 برقم 1109، والدارقطني في سننه ج3، ص239، وابن أبي شيبة في مصصنفه ج3، ص460، والطحاوي في شرح معاني الآثار ج4 ص364، وابن الجعد في مسنده ج1، ص110 برقم 649. وانظر التلخيص الحبير ج2، ص189. (¬2) انظر المدونة ج4، ص166 - 167.

إلى الأولياء مع الأوصياء من قبل الآباء، وإن كان ابن العطار قد قال في وثائقه عن ابن الماجشون: إن الولي أحق النكاح من الوصي. فإن صح فالذي حكاه ابن حبيب عنه وأصحابه من قوله وروايتهم عن مالك أقوى وبه جرى العمل، وأما لسلطان وخلفة السلطان فقد قال ابن حبيب كما كتبناه عنه فوق هذا: إن الأولياء أحق منهما بذلك وإذا كان هذا هكذا فالإعذار إليهم لأن الوكيل الذي قدمه القاضي نظرًا لها. وفي كتاب الشروط لابن حارث: وإن كان العاقد على المنكحة وصيًا لأبيها أو موكلاً من قبل قاض عليها؛ كان إليهما العقد والقبض والإبراء. هذا قول أصحابنا في الوصي وموكل القاضي، وغيرهم يقولون: لا يعقد الوصي ولا وكيل القاضي مع الأولياء، وإلى الأولياء، العقد دوهما. فعلى ما حكاه ابن حارث عن أصحابنا أن الوصي ووكيل القاضي أولى من الأولياء بالعقد وغيره إنما يعذر إلى الوصي والوكيل لا إلى الولي، ونزلت بقرطبة وأفتى ابن عتاب بما ذلك ابن حارث أن مقدم القاضي أولى من الولي، وأفتى ابن القطان بما ذكر ابن حبيب أن الولي أولى من السلطان وخليفته. وقال ابن حارث: ولم يختلفوا أن القاضي ليس له أن يزوج مع الولي حتى يعضل الولي فيعزله العضل ويكون للسلطان حينئذ النظر. فإن كانت هذه منزلة السلطان مع الولي فكيف يكون لوكيل السلطان ما ليس للسلطان، وهذا من احتجاج ابن حارث يوهن ما ذكره في الوكيل ويبين صحة ما في الواضحة من ذلك. وقول ابن حارث: هذا قول أصحابنا إنما اشار إلى فقهاء عصره والله أعلم، وهم اليوخ المفتون فوق هذا ابن لبابة وأقرانه، وجمع ابن لبابة في الإعذار في هذه المسألة بين الولي والوكيل عيف لا وجه له، وأما قول ابن غالب فلا شيء وهو خلاف الجميع. في رجلين ادعيا نكاح امرأة: فهمنا - وفقك الله - ما كشفتنا عنه من أمر المرأة التي ادعى نكاحها رجلان كل واحد منهما يدعي أنها زوجته، وأتى كل واحد منهما ببينة لم يعرفها القاضي. فالذي يجب في ذلك أن توقف المرأة على النكاح وتضرب لهذين أجلاً لثبوت ما ذكراه. فإن أثبتاه جميعًا فسخ النكاح وإن عجزا عن البينة فسخ أيضًا وقيل لها تزوجي من

شئت منهما أو من غيرهما، وإن أثبته أحدهما وعجز الثاني فهي زوجة الذي أثبته وتنقطع عنها دعوى الثاني، وإن ثبتت نكاحهما وكان أحدهما أقدم نكاحًا فهي للأقدم. قاله ابن لبابة وابن وليد وابن غالب. قال القاضي: يريدون إلا أن يدخل بها الثاني فتبقى زوجة له ويفسخ نكاح الأول على ما في المدونة والواضحة في التي ينكحها أولياؤها من رجلين وقد وكلتهما على إنكاحهما. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون: هي عندنا في هذا كالتي تطلقها فيبلغها ثم يرتجعها ولا تبلغها الرجعة، فتنكح بعد العدة ويدخل بها نكاحها فإنها تبقى في عصمته ويبطل ارتجاع الأول. قال ابن حبيب: قلت لأصبغ: أرأيت إذا لم يدخل بها واحد منهما، ولم يعرف الأول منهما، وأقرت المرأة لأحدهما أنه الأول، أو أقر به أبوها أو الوكيل؟ قال: سمعت أشهب يقول: يؤخذ في ذلك بالإقرار، ولست أقوله لحرمة النكاح واشتباه الأمر، ولكن يفسخ النكاح إذا جهل أولهما ولم تفت ببناء من أحدهما، ولا يتحالف الزوجان على أيهما أولا كما يتحالف المشتريان إذا وقع في بيعهما مثل هذا قال ابن حبيب: وبه أقول. وفي أحكام ابن زياد أيضًا قام عندي - رحمكم الله - رجلان كل واحد منهما يدعي نكاح امرأة، وهي مقرة أحدهما، وهي من أهل البادية. فأمرت أن تكون في جوار رجل صالح مع أخيها وأمها دعوتهما بالبينة، فسأل أحدهما أن تجعل المرأة عند امرأة صالحة إن خاف أن تغيب فقالت المرأة وأخوها وأمها: لا تخرج وليتها عن دار سكناها ومنزلها في جوار رجل صالح وتدعي المرأة أنها اشترت الدار بعد أن نزلتها وهي ثبت، هذا أمر لاحمالة تجوز فيه إن كان نكاحًا فالواجب على المرأة المدعي نكاحها أن تكون عند امرأة صالحة تتحفظ بها وإلا فالحبس حتى يحق نكاحها لمن حق له. قاله أيوب بن سليمان وغيره. قال بن لبابة: لا أقول بشيء من ذلك، ولا حبس عليها أصلاً وفي كتاب أن أمكنتني كتب إلى ابن القاسم صاحب الشرطة يسأله عن امرأة تعلق بها رجلان كلاهما يدعي أنها امرأته، وهي تزعم أنهما جميعًا زوجاها؛ كان أحدهما زوجها فزعمت أنه

أجاعها وأضربها فهربت من عنده وظنت أن ذلك فرقة، وزعمت أن الآخر تزوجها، إلا أنه طلقها. قال ابن القاسم: يسأل الأول: فإن كانت له بينة بأنها امرأته فارددها إليه بعد أن يحلف بالله ما طلقها، ولا يطؤها حتى يستبرئ رحمها بثلاث حيض؛ فلا يقبل قوله ولا إقرارها بأنها امرأته، وفرق بينهما فإنها ليست له بامرأة، واسأل الآخر البينة على نكاحه، فإن ثبتت له بينة فارددها إليه، واستحلفه بالله الذي لا إله إلا هو ما طلقها ولا صالحها إذا قامت له بينة على أصل النكاح، وإن لم تكن له بينة فرق بينهما، ولتكن أولى بنفسها تنكح من أحبت. من زعم أنه أولى بعقد نكاح قد عقده غيره: قام عندي - رحمكم الله - قائم ذلك أنه ابن عم عبدة بنت سعيد بن أحمد المرادي وأنه أقعد بإنكاحها من عامر بن وليد المرادي، وأنها بكر لا وصي عليها من أبيها ولا وكيل من قاضي، وزعم أن عامرًا عقد نكاحها مع علقمة بن تمام في هذا النهار للنهار الذي دخل فيه علي وقال: إن علقمة مسخوط الحال وسأل امتحان ذلك قبل مبادرة علقمة بالدخول عليها. فبعثت في علقمة وعامر فأتيا إلى مجلس حكومتي بالجامع بأعلمتها بما رفع إلي عنهما، وسميت الرافع لهما وهو خالد بن عبدالله، فأقرا بالنكاح وأنه كان في ذلك النهار، فاشهدت على إقرارهما ووقفت علقمة عن الدخول على اليتمة البكر حتى أتحقق ما ذكر لي من سخطته، وأنظر لليتيمة بما يجب، وتقدمت إلى أمها بمثل ذلك، وحضرني قوم فشدوا على علقمة بشهادات كتبتها عنهم لأنظر فيها بواجب الحق إن شاء الله. ودعوت علقمة بإثبات ما ادعاه من نكاح عبدة إذ لا يجب النكاح بالتقار، وشهدت لخالد عندي بينة أنه أقعد بإنكاحها من عامر، وثبت عندي موت سعيد والدها ولم يثبت عندي أن لها وصيًا أو وكيلاً، وأجلت علقمة أجلاً بعد أجل في البينة على ما ادعاه من نكاح عبدة، وقام عندي عبدالعزيز المخاصم بالحسبة من عبدة البكر يريد إثبات نكاحها من علقمة، وجاءني بنسخة صداق ذلك أنه المنعقد بين علقمة وبعدة الذي عقده عامر، فأبحت له القيام عنها ودعوته بالبينة على ذلك، فأتاني برجلين فشهدا عندي أن عبدة أشهدتهما على الرضي بما في نسخة الصداق على ما وقع به الذكر عنهما فيه.

ولم أعرف الرجلين معرفة يجب على قبولهما، فأمرت عبدالعزيز بتعريفي بهما. فهذا ما انتهى إليه نظري في أمر عبدة وعلقمة فأشيروا علي بما استكمل به النظر في أمرهما إن شاء الله، وهل يجب علي أن لم يعدل الرجلان لعلقمة فيما ادعى من نكاح هذه اليتيمة ألا أبيحها له إلا بعقد يتم ويصلح وإن ثبت عندي أن العقد الذي كان ادعاه انتقض. ولم يكن عند علقمة مدفع في السخطة التي شهد بها عليه عندي، أيجب أن يتم لمسخوط النكاح ببكر يتيمة وقد أدرك النكاح قبل بنائه بها أم لا؟. نظرنا وفق الله القاضي فيما ذكره من نظره المجتلب في هذا الكتاب فرأينا نظرًا حسنًا واستبلاغًا فيما وجب أن يستبلغ فيه، والذي يجب في نكاح علقمة أن يثبت عندك بشاهدين عدلين وبأن ترسل إلى الجارية من يكتشفها ممن يعرفه عن رضاها. فإذا قالت: عن رضاي عقد النكاح؛ استغنى بلك عن إثبات العقدة التي ادعاها علقمة ثم تعذر فيما شهد به عليه في سخطته وأنه غير كفؤ لها، فإن كان عنده مدفع يسقط ذلك نظرت له وإلا عجزته بعجزه وقضيت بفسخ نكاحه. قال بذلك محمد بن لبابة، وابن وليد وعبيد الله وسعد بن معاذ وأيوب وأحمد بن يحيى بن أبي عيسى ويحيى بن عبدالعزيز وابن غالب وقال: قرأت - وفق الله القاضي - ما كان من نظرك المجتلب في هذا الكتاب فرأيت لك كله صوابًا ونظرًا مستقصيًا، وفهمت ما جاوب به الفقهاء الذين شاورتهم فرأيت جوابًا صحيحًا تامًا وبه أقول، وما أبقيت لابن تمام ولا للجارية البكر شيئًا من الحق إلا وقد أخذت لها به فنسأل الله عونك، وقال بجميع ذلك خالد بن وهب. قال القاضي: تكلف القاضي في هذه المسألة ما لا يلزم وعني غيره في تكلف ما لا يجب عليه وقصر المفتون في الجواب وحسنوا له ما ليس بصواب، فالذي كلفه وكلفه غيره وكان يصل إلى الحق دونه أنه تكلف أمر الناكح والمحتسب بإثبات النكاح، وكان يكتفي من ذلك كله بتعرف ما عند الزجة، فإن أقرت بالرضي وأنه لم يعقد عليها إلا بإذنها كان النكاح بذلك ثابتًا؛ إذ قد أقر به الناكح والنكح والمنكحة، وكلف الناكح والمحتسب إثبات ذلك، وكلف المحتسب أيًا تزكية الشاهدين في نسخة الصداق، وكله عناء وكان يستغنى عنه بما ذكرنا.

وقال إنه شهد على الناكح علقمة بشهادات كتبتها لأنظر فيها فلا هو نصها ولا ذكر أنه قبلها وأفتوا هم بالإعذار إليه فيما شهد به عليه، فإن كان الشهود غير مقوبلين فكيف يعذر إليه فيما لم يثبت عليه؟! وحكي أنه ثبت عنده يتمها، وأنه لا ناظر لها، ولم يذكر أنه ثبت عنده أنها بكر بالغ خلو من زوج في غير عدة منه وهو أصل فيما يثبت عند القضاء في هذا النكاح، وزاد فضل ويثبت أنها حرة، وقال أصبغ في كتاب القضاء: إنها لا تصدق في ذلك حتى تثبت هذه الوجوه كلها ولأشهب نحوه في الميراث تطلبه من زوج، ولا أفتوه هم أن النكاح إن لم تثبت السخطة لا يسوغ إمضاؤه إلا بعد ثبوت هذا وأنه كفؤ لها في الحال والمال. وذكر أن القائم خالدًا شهدت له بينة بأنه أقعد بإنكاحها من عامر ثم لم يشتغل به بعد ولا قالوا يعذر إليه إن ثبت للنكاح ما يوجب إمضاء نكاحه وقد تقدم من جوابهم أنه يعذر إلى الولي والوكيل في مثل هذا، وسكتوا عن ذلك هنا وليس ثم وكيل ولا وصي. وقد ثبت أن أقعد أوليائها قد تقدم اعتراضه في ذلك فكيف يلغي ويطرح على ما في مسألتهم عن الاختلاف؟ فقد قال ابن حبيب في الواضحة: وإذا اختلف قعود الأولياء فسبق إلا بعد ما نكح دون الأقعد، فإمضاء ذلك أو فسخة بيد الأقعد؛ لأنه حق له دونه أوجبه له الحكم وقدمه فيه عليه فليس له أن يتنزه منه ويليه دونه، وإن كان فوقه في السن والحال، إلا إن كان الأقعد حضر ذلك منه فلم يغيره عليه ولم يتكلم فيه يحمل ذلك منه محمل الرضا منه به والتسليم له. وأما إن لم يحضر ذلك ولم يعلمه وهو حاضر البلد أو غائب عنه غيبة قريبة لا يجوز له في مثلها أن يخلفه في عقد ذلك بعده، فإليه حين علم أو إذا قدم إمضاؤه أو فسخة ما لم يبتن بها، فإذا ابتنى بها واطلع على عروتها لم يفسخ ذلك؛ لأنه فوت ولم يخرج النكاح من ولي إلا إلى ولي. فأما إذا عقده غير ولي فهو مفسوخ أبدًا وإن دخل وليس إلى الولي إجازته، لأنه لم يكن نكاحًا، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد رده حين قال: "لا نكاح لامرأة بغير إذن وليها، فإن نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" (¬1) ردد ذلك ثلاث مرات، ثم قال: "فإن أصابها ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه ابن الجارود في المنتقى ج1، ص175 برقم700، وابن حبان في صحيح ج9، ص384 برقم4074، والحاكم في مستدركه ج2، ص182 برقم2706، وصححه على شرط الشيخين، والترمذي ج3، ص407 برقم1102، والدارقطني في سننه ج3، ص221، والبيهقي في الكبرى ج7، ص105، والإمام الشافعي في مسنده ج1، ص290، والطحاوي في شرح معاني الآثار ج3، ص7.

فلها مهرها بما أصاب منها". وهكذا أوضح لي ابن الماجشون في هذا كله إذا عقده ولي دون ولي أو عقده غير ولي، ورواه عن مالك، وقاله مع ابن الماجشون غيره من أصحابه إلا ابن القاسم فإنه كان يقول: إذا زوجها غير ولي فلوليها أن يجيزه أو يفسخه إن شاء، وقوله هذا معارض للحديث وهو مردود أبدًا وإن دخل وولدت ما لم يتطاول جدًا. وكذلك روي ابن الماجشون وغيره من أصحاب مالك عن مالك يعاقب فيه الناكح والمنكح والقوم الذي حضروا. ورواه ابن القاسم وغيره عنه، قال: وكان ابن القاسم يفارق قوله في هذا الباب في وجه آخر كان يقول: إن أنكحها غلا بعد مضي ولم يكن للأقعد الرد. وهو نقض لقوله الاقعد أولى بالعقد. وعن ابن القاسم في المدونة: إذا زوجها الأبعد فذلك جائز على الأولياء عند مالك قال: وقال مالك: إن أنكحها ذو الراي من أهلها وإن كانت من العرب فإنكاحه إياها جائز وإن كان ثم من هو أقعد منه إذا كان له الفضل والصلاح وأصاب وجه النكاح، قال سحنون: أكثر الرواة يقولون: لا يزوجها ولي وثم أولى منه حار، فإن فعل وزوج نظر السلطان في ذلك. وقال سحنون في غير المدونة: هذا أعدل إذا كانت من ذوي القدر. وفي المدونة: وقال آخرون: للأقرب أن يجيز أو يرد إلا أن يتطاول وتلد منه الأولاد فيمضي؛ لأنه قد وليه ولي، وقال علي بن زياد: قال مالك في الأخ يزوج أخته لأبيه وثم أخوها لأبيها وأمها: إن إنكاحه إياها جائز إلا أن يكون أبوها أوصى بها إلى شقيقها فلا نكاح لها إلا برضاه، وإنما الذي لا ينبغي أن يكون غير أخيها فينكحها الأبعد والأقعد حاضر (¬1). ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج4، ص162.

فلم يراع المفتون في المسألة المتقدمة شيئًا من هذا كله ولا ذكروه والاستحسان مثلها عندي أن يباح للاقعد نقضة ولا يتكلف فيها غير ذلك لقيامه فيه واعتراضه يوم عقده على ما ذكره من سخطه الناكح وشهد به منها، والله ولي التوفيق. وفي المدونة عن ابن القاسم عن مالك في التي ينكحها غير ولي، أنه وقف فيها، وقال ابن القاسم: إن أجازه الولي جاز، وإن أراد فسخه فله ذلك ما لم تطل إقامته معها وتلد منه أولادًا فيمضي إن كان صوابًا، وكذلك قال مالك وقال غيره: وإن أجازه الولي لم يجز لأنه عقده غير ولي وقد قال غير واحد من الرواة كقول ابن القاسم. [هنا تم السفر الأول في التجزئة] في عضل الولي وليته عن النكاح وغير ذلك من مسائلهم: وفي أحكام ابن زياد فهمنا وفقك الله ما أردت معرفته فيما ثبت لأم عثمان من كفاءة من خطبها، وثبوت عضل أوليائها لها، وعجز من أعذرت إليه منهم عن الدفع، وتغيبهم عند إرسالك فيهم، وقول وكيلهم يمضي القاضي ما ثبت عنده، والوجه في هذا إذا قد بلغت هذا الاستقصاء أن توكل من يعقد نكاحها معه إن شاء الله. قاله ابن لبابة وابن وليد. وفي مسألة أخرى: إذا ثبت عندك رضاها بهذا الزوج فليحضر الولي أو يعلم برضي أخته به، وبما بذلك لها من الصداق، وتأمره بعقد نكاحها معه، فإن ذهب إلى أنه غير كفؤ، حمل الناكح على أنه كفؤ، فإن أثبتها أعذرت إلى الولي في ذلك، فإن جاء بدفع نظرت فيه وإلا قلت له: إما إن تزوج إلا وكلت من يزوجها، فإن زوج مضى ذلك، وإن أبى وظهر عضلة وكلت من يعقد نكاحها لهذا الزوج. قال بذلك عبيد الله وابن لبابة وابن وليد وغيرهم. وفي ولي ذلك أن وليته زوجها ولي سفيه من غير كفؤ: كشفتنا - رضي الله عنك - عن أمر تمام بن علقمة وتزويجه ابنة سعيد بن عمار وما رفع إليك من أنه تزوجها وهو غير كفؤ لها زوجها ولي سفيه، فيجب في ذلك أن نكاحًا قد عقد لا يفسخ حتى يثبت القائم فيه ما ذكر، فإذا ثبت عندك نظرت في فسخه والله يوفقك إن شاء الله، قاله ابن لبابة وأيوب وعبيد الله وابن وليد، وتوقف الناكح عن الدخول حتى يتم نظرك بما يجب إن شاء الله.

قال القاضي: وفي سماع أصبغ عن أشهب: لا ينكح السفيه أخته إلا أن يكون ذا رأي غير مولى عليه. وف يالمغرب قال مالك في الأشراف: لا ينكح المرأة إلا من كان وليدًا مرشدًا، ولابن وهب في النوادر: ينكح بنات السفيه وإماءه وله ولا أمر له فيهن ويستحضر ولا تضره غيبته فإن عقده السفينه كان وليه إجازته أورده. يتيمة رغبت نكاح رجل: شهد عندي قوم عرفتهم أن فلانًا كفؤ لفلانة في حالة وماله وجميع أسبابه، وهي يتيمة رفعت أمرها إلى وسألتني أن آمر بعقد نكاحها من هذا الرجل، وفي شهادتهم أيضًا أن هذه اليتيمة خل من زوج في علمهم، وأنهم لا يعلمون لها وصيًا من أب، لا وكيلاً من قاضي، ولا وليًا غير السلطان، وسموا نقدًا وكالتها معروفين، والأجل مؤقت قريب المدة. أيجب علي أن آمر بعقد نكاحها منه، أم حتى أكشف البينة من أين علموا أنه كفؤ لها؟ اكتب إلي - رحمك الله - بما عندك في هذا لأعمل على حسبه إن شاء الله. قال عبيد الله بن يحيى: وجب - أعزك الله - بما شهد به القوم إذ قد عرفتهم وأجزت علمهم أن تأمر بإنكاحها، وليس عليك كشفهم من أين علموا أنها لها كفؤ، وإذا شهد الشاهد أنه كفؤ لها تمت شهادته، وأسأل الله الزيادة في توفيقك وتوفيقنا، وقال ابن لبابة مثله فنقص في هذه المسألة ثبوت أن اليتيمة بالغ في سنها، وأنها في غير عدة من زوج وذلك مما يجب ثبوته فاعلم. نكاح عقده مولى وأراد فسخه: فهمنا - وفقك الله - ما كشفتنا عنه فيما قيم فيه عندك من صداق ذونه وقرأنا الصداق وما فيه من ذكر عاقده بالولاء فرأينا ذلك تامًا إلا أن يقوم ولي يكون أولى من العاقد، فإن أثبت شيئًا يوجب نظرًا نظرت له ولا تلتفت إلى ما قامت به الأمر وذكرته، وقد شهدنا إقرار الجارية بانعقاد النكاح بينها وبين طالب نكاحها الذي عقده مولاها فلان فلا يعرض في أمرها بشيء إلا أن يقوم ولي يجب له النظر. قاله ابن لبابة وأيوب بن سليمان وابن وليد. عبد نكح حرة بغير إذن سيده: قال ابن لبابة لزبيدة الخيار في أن تقيم معه أو تفسخ نكاحها إذا ثبت أنه عبد، إلا

أن تكون قد علمت أنه عبد ورضيت ورضي سيده بالنكاح فيمضي؛ لأن العبد لا ينكح إلا بإذن سيده، وإلا فسيده بالخيار في فسخه وإجازته وبيعه ومعارضته وتجارته إن كان مأذونًا له في التجارة مضي ذلك، وإن كان غير مأذون له فسيده بالخيار في إجازة ما فعل ورده، ولا يمكن القاضي أن يحكم بقضية للعبد حتى يشاور سيده فيجيز ذلك أو لا يجيزه، وقاله أيوب وعبيد الله وابن وليد وسعد بن معاذ وابن حمير وجماعتهم. من غاب غيبة منقطعة عن ابنته البكر فذكر ذلك أخوها للقاضي: فهمنا - وفقك الله - ما رفعه الرافع من أن له أختًا بكرًا غاب عنها أبوها منذ سنين غيبة منقطعة لا يعلم له مستقرًا، وقد احتاجت أخته، وصارت في ضيعة، وخطبها كفؤ لها من يمونها ويسترها، فيجب في ذلك أن تحمله البينة على ما ذكر من غيبة الأب وحاجة الأخت وكفاءة الزوج، فإذا أثبت ذلك ورضاها به أمرت من يزوجها من هذا الذي خطبها، قاله ابن لبابة وابن وليد. قال القاضي أبوالأصبغ: وفي النكاح الأول من المدونة قال ابن القاسم: من غاب عن ابنته البكر غيبة منقطعة؛ مثل من يخرج في المغازي فيقيم بالأندلس وأفريقية وطنجة، فلترفع أمرها إلى السلطان فينظر لها وزوجها. ورواه علي بن زياد عن مالك (¬1). قال ابن القاسم: وأما من خرج تاجرًا وليس يريد المقام بتلك البلاد، فلا يهجم السلطان على ابنته البكر، وليس لأحد من الأولياء أن يزوجها؛ لأن مالكًا لم يوسع في أن تزوج ابنة الرجل إلا أن يغيب غيبة منطقعة. وقال ابن حبيب من قول مالك: إن قربت غيبة الولي كتب إليه الإمام، وإن سافر انتظره، وإن بعدت غيبته زوجها الإمام إلا الأب فلا يزوجها إلا أن يغيب أبوها وتطول غيبته جدًا أو تكون ثيبًا، وأما البكر لا إلا أن ينطقع بالسكنى في بلد منقطع بعيد قد يئس من رجعته وطال ثواؤه فيه الثلاثين سنة والشعرين فيزوجها، ولا يفلع ذلك أحد من الأولياء. فإن زوجها ولي لها دون السلطان في الغيبة البعيدة أو جهل الولي أو السلطان في الغيبة القريبة لم يجز وفسخ إذا جاء الأب، وإن أجازه لم يجز. وقاله ابن القاسم. ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج4، ص163.

وفي سماع يحيى لابن وهب: إن كان أبوها يرسل إليها شيئًا وقطع ذلك عنها وأطال غيبته، فإن نكاح الولي والإمام إياها برضاها جائز ثم لا يكون للأب فسخه، وقال أشهب عن مالك: يزوجها الأخ إذا انقطع خبره وطلب وضربت فيه الآجال فلم يعلم له مكان. في إنكار الولي إنكاح وليته: أتاني - رحمكم الله - ابن عمار فذكر أنه زوج ولده من رقية بنت عبدالله، وذكر أن أخاها محمدًا أنكحها بنقد وكالئ معروفين إلى أجل معروف، وشروط تراضوا عليها، وحضر الأخ وأنكر جميع ما ذكره ابن عمار، وقال محمد: يحضر ولده فيقاولني، وقال ابن عمار: هو في حجري وأنا أتكلم عنه ولي بينة بعقدك النكاح له، فسأل الأخ تأجيل ابن عمار في إثبات ما ادعاه وقال إن أخته منكرة فهل يجب امتحانها؟ وهل يجوز لابن عمار الكلام دون توكيل ابنه؟ قال ابن لبابة: فهمت - وفقك الله - ما سألت عنه، وكنا قد تكلمنا فيه عندك إذ أتى ابن عمار بكتاب ذكر أنه كتابها، وقلنا تبعث إليها من تثق به ممن يعرفها تمتحن قولها، فإذا دعي أخوها إلى هذا فهو حسن جميل، وقول ابن عمار: إن ابني في ولايتي فإن كان في ولايته فله الكلام عنه وذلك أن يكون برقب بلوغه ولم يبين برشد ظاهر فهو في ولايته، وما طلبه الأخ من ضرب الأجل لابن عمار في إثبات ما ادعى واجب؛ لقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - اضرب للطالب أمدًا ينتهي إليه فإن أحق حقًا وإلا وجهت القضاء عليه فإن ذلك أجلي للعمي، وقد قضيت أنت بذلك بين ابن العين ومحمد بن نصر وأسأل الله التوفيق للقاضي وعونه على ما قلده. قال القاضي: انظر قول ابن لبابة: إن كان الابن في ولاية أبيه فله الكلام عنه، إنما يأتي على ما رواه عيسى عن ابن القاسم في السفيه البالغ أنه كالصبي في إنكاحه وجميع أمره وقد يدل على مثله بعض مسائل المدونة. وقاله ابن حبيب. وقال ابن الماجشون: ولا ينكح إلا برضاه، وروي عن ابن القاسم مثله وهو دليل ما في خلع المدونة وعلى هذا ليس للأب أن يتكلم عنه حتى يثبت رضاه بذلك النكاح ويوكل على طلبه إياه، وبالله التوفيق. محجورة أنكحها الولي دون وكيلها: قرأنا - وفقك الله - بطاقة الأمير أعزه الله الرقية، وما أمرك من النظر لها بواجب الحق وفهمنا ما قاله عنها من أنه زوجها من هذا الذي رغب في بطاقته إلى الأمير أعزه

الله أن يزوجها، وسألك عنها أن تمتحن فعله إذ هي في ولايتك وإذا لم يكن له تزويجها لقرابته منها؛ لإيلائك عليها؛ وتوكيلك ناظرًا لها؛ إذ ثبت عندك شهادة محمد بن عمر بن لبابة ومحمد بن وليد أنهما لا يعلمان لها وصيًا من أب ولا وكيلا من قاض. فنرى - وفقك الله - أنه لم يكن لأحد عقد نكاحها إلا بأمرك، فإذا قد عقد عليها عبيد الله عمها فالواجب عليك أن تمتحن فعله فإن يكن نظرًا لليتيمة رقية وغبطة أشهدت على إمضائه، وإن ألفيته على غير ذلك فسخته، وأشهدت على فسخه. واعتراض الأخ في هذا ليس بشيء؛ لأن النظر لها إلى وكيل القاضي عليها دون أوليائها، والإنكاح دونهم، وقيام العم الباقي في ذلك أقل منزلة من الأخ وكل لاحق لهم في ذلك، مع نظر القاضي؛ إذ هي ولايته، وأما ما اشتكيت في بطاقتها من تغلب العم على مالها، فهو مما يجب على وكيلها الذي قدمته لها أن يطلبه ويخاصم عنها لنفسه، أو بتوكيل غيره للمخاصمة عنها دونه إن رأى ذلك. قاله أجمع محمد بن عمر بن لبابة وعبيد الله بن يحيى ويحيى بن يحيى بن عبدالله ومحمد بن غالب. قال القاضي: قد تقدم لابن لبابة في مسألة ابن أبي الحفاظ وجوب الإعذار إلى الأولياء وإلى الناظر لليتيمة فيما شهد به لابن أبي الحفاظ من أنه كفؤ لها، ولم يذكر هنا الإعذار إليهم، بل قال: اعتراض الأخ في هذا ليس بشيء؛ لأن النظر إلى وكيل القاضي عليها. وقال ابن غالب مثل قول ابن لبابة، وقد قال في مسألة ابن أبي الحفاظ المذكورة: كل من كان له في إنكاحها سبب قائم يجوز له الذب عن ذلك النكاح فإنه يعذر إليه، والولي أولى بالعقد من الوصي فإليه يعذر، وهذا اختلاط وقد بيناه هناك وما فيه من الواضحة وأما عبيد الله فقاد أصله ولازم قوله والله، ولي التوفيق. وأسقطوا هنا ذكر الإعذار إلى الزوج إن ثبت ما يوجب فسخ نكاحه وذلك تقصير وهو حق. من شهد له أنه كفؤ لامرأة خطبها وأبوه وليها: فهمنا وفق الله القاضي الشهادات التي شهد بها عندك لفلان، وما ذكرته من ثبوت ما شهدوا به بمن قبلت منهم وسؤال أم الأصبغ أن تأمر وكيلها بعقد النكاح عليها لولده أحمد، وأحببت معرفة الواجب فيه، وهل يجوز أن تأمر الوكيل أن يزوج هذه اليتيمة من ولده وهي ممن كنت أدخلتها في ولايته؟

والذي نقول به أنه جائز أن يعقد لولده، وإنكاحه إياها من ولده ومن غيره سواء إ قد ثبت عندك رضي اليتيمة به، والسداد في صداقها، وأنه كفؤ لها في جميع أحواله، وذلك بعد أن يفهم الوكيل الصداق والأرض التي عرضها أحمد. قال بذلك محمد بن وليد وأيوب بن سليمان. وقال عبيد الله بن يحيى: إن عقده إذا وكله القاضي جائز ولو وكل غيره على العقد كان أحب إليه، وقال ابن لبابة: عقد الوكيل إذا قد ثبت ما ذكرت من الكفاءة والرضي والسداد في الصداق جائز لازم لا كلام فيه، وقاله محمد بن غالب. قال القاضي: هذا الصواب، وقول عبيد الله: لا معنى له؛ لأن الذي ذكره نكاح الوصي من بنات من أوصى إليه اللائي في حجره عن غبنها وحطيطتها في صداقها أو حالها قد ثبت فيه في هذه المسألة عند القاضي ما ارتفع به الاعتراض بذلك، فصار الوكيل هنا لو نكحها أو ولده كأجنبي لا نظر له عليها. وفي سماع عيسى وقد زوج عروة بن الزبير بنت أخيه وهي صبية ابنه والناس متوافرون وعروة من هو يعني في العلم والخبر. وسئل ابن القاسم عن الرجل يكون في حجره يتيم له فيريد أن يزوجه ابنته، قال: إن كانت ابنة لا مال لها وإنما رغب في مال اليتيم فهو نكاح غير جائز، وإن كان لابنته من المال مثل الذي لليتيم وهما سواء ومثلها كانت له جاز ذلك. وفي المدونة لابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت ابن قسيط واستفتى في غلام كان في حجر رجل فأنكحه ابنته أيجوز إنكاح وليه؟ قال: نعم وهما يتوارثان. وقاله نافع مولى ابن عمر، وقاله ابن شهاب: وإن كرهه الغلام إذا احتلم. وفي الواضحة: كره مالك للوصي أن يزوج يتيمته من نفسه حتى يخطبها إلى وليها سواه، ويلي ذلك الولي عقد نكاحها منه، قال مالك: ولا يزوجها من ابنه، فإن وقع نظر فيه، فإن كان صوابًا مضى وإلا فسخ ما لم يفت بالبناء. فقد أبان هنا الوجه الذي كره له وذلك الوجه مرتفع في مسألة عبيد الله لما قد ثبت فيها عند القاضي ما أسقطه وقد تقدم المعنى من ابتياعه من مال يتيمه والحكم فيه إذا وقع موعبًا والحمد لله كثيرًا.

مسألة الهدية ونفقة العرس: قال القاضي: سألت الشيخ أبا عبدالله بن عتاب عن الهدية التي يرسل بها الأزواج إلى الزوجات قبل البناء كالخفين والجوربين ونحوهما هل يقضي على الزوج بها إن امتنع منها وطلب بها؟ فقال لي: يقضي عليه بها على قدره وقدرها وقدر صداقها وليس عليها أن تثيبه إلا أن تشاء، فإن أبت أو أبى أبوها إن كانت بكرًا لم يقض عليها بذلك. قلت: فهل يقضي عليه بالعرس والأجرة المتعارفة عندهم؟ فقال لي: لا يقضي عليه بذلك إن امتنع ويؤمر به ولا يجبر. والصواب عندي أن يقضي عليه بالوليمة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم: "أولم ولو بشاة" (¬1) مع العمل به عند الخاصة والعامة، بخلاف ما تعطي الماشطة على الجلوة لا يقضي به عندي إن امتنع منه ولا بأجرة ضاربة دف ولا كبر. وفي سماع ابن القاسم: سئل مالك عن الناكح يلزمه أهل المرأة هدية العرس، وجل الناس يعمل به عندنا حتى إنه لتكون فيه الخصومة، أترى أن يقضي به؟ قال: إذا كان ذلك قد عرف من شأنهم وهو عملهم، لم أر أن يطرح ذلك عنهم إلا أن يتقدم فيه السلطان لأني أراه أمرًا قد جروا عليه. وفي كتاب عيسى قال ابن القاسم: قد قال مالك قبل ذلك: لا أرى أن يقضي به وهو أحب إلي كان مما جروا عليه أو لم يكن، وفي سماع عيسى في رسم لم يدرك قال ابن القاسم: سألنا مالكًا عمن تزوج امرأة فأصدقها صداقًا فنطب منه نفقة العرس هل ذلك عليه؟ قال: ما أرى ذلك عليه، وما هو بصداق، ولا شيء ثابت، ولا هو لها إن مات، ولا نصفه إن طلق فردد عليه. وقيل له: يا أبا عبدالله، إنه شيء قد أجروه بينهم وهي سنتهم، فقال: إن كان ذلك شأنه فأرى أن يفرض عليهم، قال ابن القاسم: وإن تشاحوا لم يكن ذلك لهم إلا أن يشاءوا. وفي سماع أصبغ: أن أهدى لها هدية ثم طلقها قبل الدخول فلا شيء له في الهدية، ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البخاري ج2، ص722 برقم1943، ومسلم ج2، ص1042 برقم1427.

وإن كانت قائمة، وإن كان النكاح فاسدًا يفسخ قبل الناء، فإن أدركهديته بعينها أخذها كلها. قال أصبغ: وإن كان نكاحه مما يفسخ بعد البناء فبنى بها وفسخ بعد ذلك فلا شيء له فيها، وإن أدركها بعينها؛ لأن الذي أهدى إليه قد وصل إليه وتم له بالدخول، ولو كان إنما أعطاها ذلك بعد البناء تم فسخ نكاحهما بحدثان ذلك فله أخذ ما أعطاها؛ لأنه إنما أعطى على الثبات لنكاحه والجمال له وحسن العشرة بينهما فيه. وإن كان الفسخ بعد طول زمان سنتين أو سنين فلا أرى فيها شيئًا وإن وجدها بعينها، كالخادم وشبهها؛ لأن الذي أعطى قد رسخ وانتفع به، فالفسخ كطلاق حادث منه، وهذا رأيي ولم اسمعه وتمام هذا في الواضحة وما كتبته على بابه من حاشية كتاب ابن فحلون. في الصدقات والكوالئ والتداعي في ذلك: في صداق محيي بعضه من كتاب ابن زياد: فهمنا وفق الله القاضي الصداق الذي قام به الحفار وفيه رجل سطر ممحو كتب فيه ذكر الرحيل عن قرطبة وعن موضع من المواضع فرأينا الكتاب يصح كله غير هذا الشرط، فإنه يسقط إذ محي، إلا أن تثبته البينة، فإن لم يشهد عليه حلف الزوج بالله ما أعرف هذا الشرط ولا شرطته على نفسي لزوجي، فإذ حلف سار بزوجته ورحلها حيث شاء. وللزوجة على زوجها النفقة على قدره من قدرها فإن قام بالفرض مضي على ذلك، وإن عجز فرق بينهما. قال محمد بن لبابة وابن وليد. قال القاضي: من هذا المعنى في العتبية مسألة في سماع أشهب وفي المجموعة وغيرها تركناها اختصارًا. وفي امرأة قامت بصداق لم تثبته فحلف الزوج ودعي إلى قطعه: نظرت أكرمك الله فيما سألك مرزوق من حبس الصداق الذي أنكره وحلف عليه ولا تعطاه البنت القائمة به فأشك علي فيه الفتيا ثم تبين أن ذلك له؛ لأن من حجته أنه قد سقط عنه بيمينه إذا انتفى منه وإذا سقط عنه فلتقطع عنه الكتاب، وقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه: اجعل للطالب أمدًا ينتهي إليه، فإن أحق حقًا قضي له به وإن لم يحق حقًا وجهت القضاء عليه. وإليه ذهب ابن القاسم أن يحكم على الطالب بالتعجيز.

وأما قول المرأة كيف تردني إلى رجل جحدني ثم أقر بي وإقراره لا ينفعه بعد جحوده حتى يثبت عقد النكاح بشاهدين فهو أكرمك الله كما قالت المرأة لا ترد إليه ويرفع عنها حتى يثبت عقد النكاح بالبينة. قاله ابن لبابة. قال القاضي: تدبر هذه المسألة ففيها نظر، وفي النوادر لأصبغ عن أشهب: من أقام بينه أن هذه امرأته فأنكرته، وأقامت بينه أن فلانًا زوجها، وفلان منكر، ولم يوفنا تاريخًا وهم عدول، فسخ النكاحان ولا ينظر إلى التكافؤ في العدالة. وقال أصبغ: ما لم يقع الدخول بأحدهما، وذلك لأنه أقرت له المرأة وهو منكر. قال أصبغ عنه في الواضحة: فإذا دخل بها أحدهما قبل الفسخ كانت زوجته، وقيل للآخر أقم البينة أنك الأول. قال القاضي: أردنا من هذه المسألة أنه قد يحتمل أن يكون الداخل بها المنكر لنكاحها فلم إنكاره طلاقًا؛ لأنه لو كان طلاقًا وقد كان الإنكار قبل الدخول لم يسغ له البقاء معها إلا باستئناف مراجعة. وفي النكاح الأول من المدونة قال ابن القاسم: ومن أنكح ابنه بنت رجل والابن ساكت حتى فرغ الأب من النكاح، ثم أنكر قال: لم آمره بتزيج ولا أرضى ما صنع وصمت لعلمي أنه لا يزمني، حلف وكان القول قوله. قال عبدالحق: عن ابن أبي زيد: إن نكل الابن عن اليمين لم يلزمه شيء. وإنما كلف اليمين رجاء أن يقر بصنيع أبيه فيؤخذ بإقراره بعد إنكاره، فلم ير الإنكار طلاقًا. وقال غيره: إذا نكل أدى نصف الصداق ولا يلزمه النكاح؛ لأنه لا يقر به. وقال غيرهما: إنما تلزمه اليمين إذا ادعى أنه والد الصبي أنه أمر والده بتزويجه لمخبر أخبره أو نحوه، فإن حلف بريء، وإن نكل حلف والد الزوجة على ذلك وثبت النكاح، إلا أن يشاء الزوج أن يطلق فيلزمه نصف الصداق، وهذا بين في الإنكار ليس بطلاق. وفي مسائل ابن زرب في وصي أنكح يتيمته من رجل ثم أنكر الناكح ذلك، فقال له القاضي: طلقها، فقال: وكيف أطلق مالم أنكح. فقال له: لعلك قد فعلت فطلاقها خير لك ولها. فلم ير الإنكار طلاقًا.

وجرت هذه المسألة في رسم العرية من سماع عيسى من رواية أصبغ عن ابن القاسم فيمن قال في جارية في بديه: اشتريتها. وقال ربها: بل زوجتهكا. أنهما يتحالفان ويتفاسخان، ولا تكون زوجة ولا أم ولد وترجع الأمة إلى سيدها؛ لأن المشتري يقر بأنها ليست له بزوجة فهو كالمطلق ويدعي أنها أمته ولا بينة فلا يصدق، وترجع الأمة إلى ربها. قال القاضي: قوله فهو كالمطلق ليس على اصوله وليس إنكاره لها طلاقًا قال القاضي: وأنا أقول: أنه لا اعتراض على ابن القاسم في ذلك؛ لأنه لم يقل: إنكاره طلاق، وإنما أراد بقوله: فهو كالمطلق. أنه قد أقر أنها لا تحل له بزوجية؛ لأنها ليست زوجته وأنها إنما تحل له بالملك لأنها أمته، وهو لا يصدق في ذلك. ومسألة ابن لبابة أيضًا تدل على ذلك لقوله: لا ينتفع بالإقرار بالزوجية بعد إنكاره إلا أن يقيم شاهدين على أصل النكاح؛ لأنه لو كان الإنكار طلاقًا عنده لم يبحها له إلا بالارتجاع لا بثبوت أصل النكاح. وموضع انتظر في جوابه في إحلافه إياه، وهو لا يخلو تحليفه إياه من أن يكون حينئذ نكاحهما عنده ثابتًا معلومًا أو غير ثابت. فإن كان غير ثابت فلم أحلفه، ولا يمين في دعوى النكاح إلا بعد شاهد عدل على تنازع فيه، وإن كان نكاحهما ثابتًا معلومًا فلم أوجب عليه شاهدين على أصل النكاح إذا رجع إلى الإقرار به، والذي رجع إليه ثابت معلوم ثابت. وأما قطع الصداق فروي ابن حبيب عن مطرف فيمن مات فقامت امرأته بكتاب مهرها فأخذت به باقيه فأراد الورثة قطعه، أن لهم ذلك، وإن قالت به أدافع بعد اليوم من دافعني عما أخذه. وقال الأصبغ: لا يؤخذ منها ولا يقطع فيه ثبت نكاحها وتأخذ ميراثها وتدفع بعد اليوم من دافعها عما ورثت، ولو قامت بباقي المهر في كتاب في غير كتاب نكاحها فأخذت به بقيتها أخذ منها وقطع عن الورثة، وإن أخذت به أرضًا أو عقارًا من عقاره لم يؤخذ ذلك منها؛ لأن به تدفع بعد اليوم من دافعها عن ذلك وما يشبهه مما تلتبس التوثق به، وعلى الورثة أن يستوثقوا لأنفسهم بالإشهاد ويذكر الكتاب الذي بيدها ابن حبيب، وبه أقول وهو أحب ما فيه إلي. وقال محمد بن عبدالحكم: من قضى دينًا عليه بصك، وأراد أخذ ذلك، وأبى الطالب لم يجبر على إعطائه وجبر على أن يكتب له براءة كتابًا في الموضع الذي فيه

الشهود عليه أو غيره. وفي امرأة قامت على زوجها بصداق وميراث: فهمنا - وفقك الله - ما قام به ابن عفان عن زوجته كنزة ابنة المعين، وطلبه لها بتوكيلها إياه ميراثها من زوجها مروان بن عبيدون، ومن زوجها أحمد بن عبيدون، وما أثبت من موتهما وعدة ورثتهما وأموالهما وحيازتهما، فيجب في ذلك أن تستعاد البينة في معرفتها عين ورثة زوجة ابن عمر وابن عبيدون ويعذر إلى ورثة من مات من ورثتهما ومن معرفة المال، فإن لم يكن عندهم في ذلك مدفع أمرهم القاضي بحيازة ما شهدوا في من أموالهما على ما فرضه الله لها. قال بذلك ابن لبابة وأيوب بن سليمان. ومن هذا المعنى فهمنا وفقك الله صداق أم الأصبغ وما ادعاه الوارث من وضعها كالتها عن زوجها وأنها أخذت كتاب الوضع وصار عندها، وما أقامت أم الأصبغ عليه البينة من دعواها على الوارث، فالواجب في ذلك بعد ثبوت موت زوجها وعدة ورثته أن تحلف أم الأصبغ أنها وضعت كالتها المذكور في صداقها عن زوجها، ولا كتبت به كاتبًا ولا أخذت الكتاب ولا هو عندها، وإن صداقها، باق لها عن زوجها محمد إلى وقت يمينها هذه، ثم تأخذ كلاتها وتأخذ من الوارث ما أثبتت عليه ولم يكن عنده فيه مدفع. قاله أيوب بن سليمان وابن لبابة وابن وليد وسعد بن معاذ. قال القاضي: وسئل أبوإبراهيم إسحاق بن إبراهيم عمن أنكح ابنته بنقد وكالئ مسمى، وسكن الناكح مع الزوجة وأبيها أعوامًا كثيرة في دار واحدة حتى هلكت الجارية، ثم نكح الرجل أختها، ثم سكن كذلك معها ومع أبيها زمنًا حتى هلكت، وغاب الزوج غيبة منقطعة، وتوفي أبو الجاريتين، فقام الآن ورثته مع أم الجاريتين يطلبون مهر الزوجتين في مال الغائب من نقد وكالئ، وزعم وكيل الغائب أن النقد ساقط عنه لطول مكثه مع الزوجتين في دار واحدة ما الواجب في ذلك، ولا يعلم بناؤه بهما إلا ما كان من طول السكنى؟ فقال: إن ثبت تأهله بهما في دار أبيهما كما يتأهل الناس مع أهليهم فهو دخول، والقول قوله في معجل حقها، وإن لم يثبت ذلك حلف ورثتهما في جميع حقها معجلة ومؤخرة وبالله التوفق. وفي هذا المعنى أيضًا إذا قامت بصداقها بعد سنين تكلمنا رضي الله عنك في

الصداق الذي قامت به أمة الرحيم وتسمت فيه زوجة، وقلنا في تركها القيام مقالة توقفنا عن إقامة عذرها بما زعمت أن صادقها حبس عليها حتى مضت نحو عشر سنين أو أكثر، فقالت أم الرحيم: أنا أرضى بيمين أولادي المطلقين أنهم لا يعلمون قيامي وطلبي وترددي في ذلك إلى غيبة كتابي عني، فمن حلف فقد قضت له على نفسي بيمينه، فرأينا أن ذلك يجاب لها عليهم إن شاء الله. قاله عبيد الله وابن لبابة وغيرهم. قال القاضي: هذا الجواب عندي محتمل، والصواب: إن كانت أمسكت علي طلب ما في صداقها في المدة التي ذكروها، وما تخلفه الميت بحالة لم يقسم ولا فوت، فلها القيام بذلك ويقضي لها به ولا يضرها سكونها، وتحلف إن كان في الورثة بنون لها صغار أو واحد منهم صغير أنها ما قبضته ولا وهبته ولا استحالت به، وإنه لباق لها إلى حين يمينها هذه، وإن كان الورثة كلهم كبارًا وهم بنوها هذا يمين عليها في ذلك، إذ يحلف لبنيه، هذا كله إن ثبت ما تدعيه من الكالئ وشبهه وشهد عدول عليه. والدليل على صحة ما قلناه ما في نوازل عيسى فيمن له ذكر حق على رجل فمات الذي هو عليه فاقتسم ورثته ماله وهو حاضر ينظر، ثم قام بعد ذلك بكر الحق، قال: فلا شيء له إلا أن يكون له عذر في تركه القيام أو كان لهم سلطان يتقون منهم أو نحو هذا مما يذعر به، فهو على حقه أبدًا وإن طال زمانه إذا كان له عذر؛ لقوله عليه السلام: "لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم" (¬1)، هكذا كان يجب أن يكون جوابهم، ولا يبهموه حتى رضيت المرأة بيمينهم وبالله التوفيق. وقال ابن لبابة وابن وليد فيما أثبته رقية من صداقها على زوجها المقتول وطلبت إشهاد القاضي عليه؛ إذا أعذرت إلى ورثة المقتول، فلم يكن عندهم مدفع أشهدت لها على ثبوته عندك، فإن طلبت الإعداء بكالئتها وأثبتت له مالاًا وجبت عليها اليمين؛ أنها ما قبضت من ذلك الكالئ شيئًا؛ لا من زوجها ولا من أحد عنه، وإنه لباق لها عليه إلى وقت يمينها هذه ثم تعديها به. وقالا هما وأيوب: فهمنا وفقك الله ما قامت به عندك أم الأصبغ في صداقها وأثبتته من كالتها فيه على زوجها هرثمة، فوجبت عليها اليمين فيه أنها ما قبضته ولا وهبته ولا ¬

_ (¬1) هذا الحديث لم أعثر عليه.

استحالت ولا أحالت، وإنه لباق عليه إلى وقت قيامها هذا، وأحبت جمع دعوى من ناظرها في تركة زوجها لتكون يمينها في الكالئ والدعوى واحدة. واعتل من ناظرها أن له بينة على دعواه يرجو إثباته مما لا يرجوه، فإذا بين ذلك وفصل بعضه من بعضن حلفت على الكالئ، وعلى ما لا يرجى إثباته يمنًا واحدة، ويثبت لها كالتها، وتسقط عنها الدعوى التي لم يرج إثباتها، وكلف مناظرها إثبات ما ادعى إثباته، وإن زعم مناظرها أن له بينة على جميع دعواه، حلفت على الكالئ وحده، وأمرت مناظرهم بالإثبات قبلها. قال القاضي: ونزلت هذه المسألة عند محمد بن يحيى إذ كان على الشرطة، فيمن قام بدعاوى وزعم أن له بينة على بعضها، ودعي إلى اليمين المطلوب في بعضها، فأفتى من شرور فيها يومئذ: أن الطالب يخير في يمين المطلوب الآن على أنه إن عجز عن إثبات ما ادعى أن له فيه بينة من دعاويه، ولم يكن له على المطلوب يمين أخرى فذلك له، وإن أبى إلا إحلافه أيضًا فيما عجز عن إثباته توقف عن إحلافه الآن فيما زعم إلا ببينة له به حتى يعلم أيثبت له ما رجي إثباته أو لا يثبت فتكون اليمين، وهذه مسألة مختلف فيها؛ أعني جمع الدعاوى في يمين واحدة أو تفريقها، وإفراد كل دعوى بيمين، وقد تقدمت كاملة بينة - والحمد لله- في موضعها، وليس هذا موضع ذكرها. ولابن زرب في مسائله في المرأة يكون نقدها أصلا أنها لا يلزمها أن تبيعه وتتجهز به إليه، وكذلك إن نقدها عبدًا لها أن تخرج به إلى زوجها ولا يلزمها بيعه والتجهز بثمنه، قيل له: فلو أصدقها ثوبًا قيمته مائة دينار هل يلزمها بيعه، والتجهز بثمنه؟ فقال: لا يلزمها بيعه وعليها أن تخرج به وتتزين به. وسئل عمن نكح بنقد معلوم وكالئ إلى ما يكلئ الناس إليه فقال: لا يجوز لأن الناس يختلفون في تأجيل الكالئ منهم من يجعله إلى خمسة وأقل وأكثر.

قال القاضي: وفي مسائل حبيب عن سحنون: وسألته عن المهر متى يجب؟ فقال: لا يجب قبل الدخول ولا بعده أيضًا إلا على قدر ما يرى الحاكم؛ فقد ينقد الرجل عشرة دنانير ويكون مهره مائة دينار، ولو قيل له: نأخذك بها، ما رضي بسدسها، وإنما يكون حلوله إذا رأى الحاكم ذلك، ولا يؤخذ قبل الدخول على حال وإن كان في الكتاب مهرًا حالاً لها عليه، ألا ترى أنه يكتب على المكاتب، فإن عجز عن نجم من نجومه رد في الرق ثم لا يكون عجزه يرد به في الرق حتى يتلوم له القاضي قدر ما يرى. قيل له فقول مالك الدخول يبطل الصداق إذا قال: قد دفعته، وليس يكتب الناس في الصدقات البراءات، فقال: جواب مالك على أن كله عاجل ولم يكن فيه مهر والمهر عند الناس مؤخر، ألا ترى أن الشاميين يقولون: المهر إلى موت أو فراق، وهو أيضًا كان رأي المصريين. وفي أحكام ابن زياد فيمن قام عن ابنته في كالتها وغيره وقد مضى لبنائها سنون هل له الكلام في ذلك بغير وكالة؟ كشفنا محمد بن عمر بن لبابة عن رجل قام عن ابنته في كالتها على زوجها وغيره من حقوقها، وقد مضى لها مع زوجها ثمان سنين فقال الزوج: لا يجب لك التكلم إلا بتوكيلها لك، فقال هذه مسألة قال ابن القاسم فيها: إنها في ولاية أبيها حتى يطول الزمان، وعلى من أراد ترشيدها إثبات ذلك. ونزلت عندنا في أيام سليمان بن أسود القاضي، في رجل اسمه أصبغ قام عن ابنته في كالتها على زوجها، فقال القاضي: كم لك منذ زوجتها؟ فقال: منذ سبع سنين، فقال له: قم، قال: وكان أصبغ بن خليل يفتي بذلك، ونزلت هذه المسألة عند القاضي محمد بن سلمة في رجل قام عن ابنته على زوجها والزوج يقول: إن زوجتي لا تطلبني، فقلنا له يومئذ: لا يجوز لك التكلم إلا بوكالة، وكان لبنائها ثمان سنين. وهذا الذي أذهب إليه وأفتى به؛ أنه إذا مضى له امثل هذه المدة خرجت عن نظر أبيها إلا أن يتصل سفهها وسوء حالها وتبذيرها لمالها. قاله ابن لبابة، وقد تقدم هذا المعنى في بابا المحجور. وأما من ادعى العدم بالكالئ وشهد له بذلك فقالت الزوجة: يحلف على هذا العدم وأسقط عنه تعديل بينته، فلها ذلك، ويحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما يجد لما ثبت عليه قضاء في عرض ولا فرض ولئن وجد قضاء ليقضين، فإذا ثبتت يمينه بذلك صار في نظرة

الله عز وجل حيث قال: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) (البقرة: الآية 280). قال به محمد بن غالب وابن لبابة. في رجل جحد صداق أمه: فهمنا وفقك الله شهادة الشاهد في صداق أم الفتح، فإظهار ابنها له عنده وجحد ابنها ذلك، والذي يجب فيه أن يشدد على ابنها في إظهار الصداق، والتضيق عليه فيه بالسجن، فإن طال ذلك حلفته عليه وأطلقته إلا أن يأتي القائم بأظهر من هذا فينظر له على ما يظهر. قاله ابن لبابة وابن وليد وسعد بن معاذ، وقال محمد بن غالب بمثله إلا أنه قال: أرى أن يحبس حتى يظهر الصداق؛ لأنه قطع في الشهادة أنه عنده، فما ينبغي أن يزول عن الحبس. وقاله عبيد الله بن حيى. في امرأة قامت في كالئ أمها على ورثة زوجها: فهمنا وفقك الله ما قام به ابن أبي الحفاظ عن زوجة رقية وما أثبتت من دين أمها عائشة قبل زوجها عبيد الله، وعدة ورثته وعدة ورثة عائشة، وإحلاف رقية في مقطع الحق أنها ما علمت أمها عائشة قبضت من ذلك الكالئ شيئًا، ولا أحالت ولا زالت عن شيء منه حتى فارقت الدنيا. وسألك بن أبي الحفاظ وكيل رقية وأحمد عن نفسه وعن أختيه البكرين تعجيل ما وجبه له في كالئ عائشة، في المال الموقف على يدي محمد وعبد الرحمن من مال عبد الله زوج عائشة لطلب أحمد بن عنتر، الذي نرى، إذا أثبتت رقية ومن شركها في ميراث عائشة ما أثبتوه لها من الكالئ على زوجها عبد الله، وأعذرت إلى عمه أحمد وضرت له آجالاً فلم يأت ببيان على أصل الوراثة ولا قام عندك غيره، وطال زمان ذلك نحو عشرين سنة، أن تقضي رقية ومن شركها في ميراث أمها حقوقهم من هذا المال الموقف على يدي القضاة، وليس على القاضي طلب من لم يقم عنده. قاله ابن لبابة وأيوب وغيرهما. إشهاد القاضي على ثبوت صداق ويمين غيره: فهمنا وفقك الله ما طلبت كنزة من الإشهاد لها على ما ثبت من صداقها على محمد بن امرئ القيس الغائب، وأن أجلها في الإعذار إليه قد انصرمت آجالاً ثلاثة؛ وذكر وكيله أنه غاب غازيًا مع الأمير أعزه الله، وأنه قد أدخل بينة في داخل الآجال، فسئل عن البينة فقال: إن الكتاب عند هذا الغائب.

فيجب وفقك الله الإشهاد لها على ما ثبت وليس بعد الآجال كلام، ولا يجوز انتظاره بعد الآجال إذا غاب عدها، وقول خصمه لدد؛ لأنه لم يظهر منه شيء فينظر فيه وهذا للدد ظاهر. قاله ابن لبابة وأيوب وابن وليد. وفهمنا ما قام به عمر بن أحمد الزهري عن ابنته سيدة التي في ولاية نره، بعد أن أثبت ذلك عندك من طلب إثبات صداقها الذي عقده على نفسه لها زوجها أيوب بن سليمان، وما أثبته من موته وعدة ورثته، والصداق الذي قام به وسأل الاشهاد لابنته عليه، فيجب أن تشهد لها على ثبوته وتكشف في إشهادك البينة التي بهم ثبت جميع ذلك وترجي الحجة في شهاداتهم للصغير. فإن سألت الإعداء في مال أيوب زوجها بما ثبت لها من الكالئ، وجب إحلاف أبيها إذا ثبت عندك أنها في ولايته؛ أنه ما قبض لها من زوجها أيوب في حياته ولا من أحد عنه بعد مماته من كالئ ابنته سيدة شيئًا، وإنه لباق عليه إلى وقت يمينه، فإذا ثبت يمينه على ذلك أعديته على ما ثبت من مال الميت، وإن تأخر الإشهاد على ثبوت الصداق عنده إلى أن تقيم للصغير وكيلاً، ينظر له نظر الوصي، أعذرت إليه حينئذ فيما شهد به الشهود، فإن لم تكن عنده حجة أنفذت القضية واستغنى عن تسمية الشهود. قاله ابن لبابة ومحمد بن وليد. تقييد القاضي بما يثبت لامرأة من كالتها ومن صدقة على زوجها: يجب وفقك الله أن تشهد لرقية زوجة ابن أبي الحفاظ على ما ثبت لها عندك من صدقة عمها أحمد على ولده قاسم المقتول الذي كان زوجها، وثبت لها عندك كالئ مهرها على قاسم؛ إذ قد أعذرت إلى أحمد فيما ادعاه من التحبيس، ولم يأت إلا بشاهد واحد وطالت المدة في شاهد ثان، وتأمر أحمد بإحضار الكتاب الذي فيه شهادة الشاهد الذي أتى به؛ ليقع في كتابك الذي تشهد فيه على الصدقة إن شاء الله. فإن دعا أحمد إلى يمين أخيه المحبوس ورقية على أنهما لا يعلمان أن هذا المال الذي بأيديكما بسبب أبيهما، وجبت له اليمين عليهما، فإن نكلا حلف أحمد وبيع ذلك بدينه الثابت له على أخيه إلا أن يكون في ذلك المال الذي أقر أحمد فيه أنه محبس، وأقام عليه شاهدًا واحدًا، فلا يجب له على أخيه، وتشهد لرقية على الكتاب الذي أثبت على أحمد أبي زوجها يقر له لغسان. قال بذلك ابن لبابة وأيوب وابن وليد وابن غالب.

من أنكر حدود الدار في صداق زوجته: نظرنا وفقك الله فيما قاله سليمان بن أصبغ حين كشف عن الحدود المذكورة في كتاب الصداق الذي قام به عبد الله عن كنزة بنت محمد بن هشام القرشي، وما كانت من انتفائه أن يكون له في داخل هذه الحدود المذكورة في الكتاب ملك، فنقول: إن نتوجه إلى الدار برجلين يعرفان الحدود من الشهود الذين شهدوا أو من غيرهم، فإن ألفيا في الدار سليمان أخرجاه عنها، وإن ألفيا فيه غيره -يدفع عنها- رفع إليك لتنظر فيه بما يجب إن شاء الله. قاله عبيد الله وابن لبابة ومحمد بن غالب وأحمد بن يحيى ومحمد بن عبد الملك. فيمن أنكر الدار: فهمنا -وفقك الله- ما طلبه محمد بن غالب؛ وكيل بثينة عنها قبل زوجها ابن زياد، من إبراز الدار التي أصدقها إياها، ووقع وصفها في كتاب صداقها، وأقر وكيله عبد الله عندك في مجلس حكومتك بالصداق، وقال: إن ابن زياد ابتنى بزوجة بثينة، وإنها فيها ساكنة، ثم قال: إنها تجمعها مع دار أخرى في باب أسطوان. فنرى أن يوقف رجال من أهل العدل على الدار بمحضر الزوج، ويحضر كتاب الصداق، وتحاز الدار بمحضرهم على الحدود الواقعة في الصداق، وينظرون إلى كونها بيدها وفي قبضها، فإن ألفى فيها عندها وجب إخراجها إلا أن يدعي فيها بدعوى فتسمع دعواه، قال بذلك عبيد الله وابن لبابة وابن وليد. وكتب إلى ابن عتاب من غرناطة في جمادى الأولى من سنة إحدى وستين وأربعمائة فيمن كانت له داران متصلتان في صف واحد؛ إحداهما بقبلي الأخرى، ولكل دار منهما باب إلى ناحية واحدة، فساق أحدهما إلى زوجة في صداقها، وقال فيه: وساق إليها جميع الدار التي بقرية كذا، وحدها في القبلة كذا، وفي الجوف كذا، وفي الشرق كذا، وفي الغرب الطريق وإليها يشرع بابها. وبنى بزوجته وأقام معها سنة وأزيد، ثم ماتت وبقيت الدار بيد الزوج، فطلب ورثتها ميراثهم فيما تخلفته في الدار المسوقة وقالوا: ميراثنا في الدارين؛ لأن الحدود مشتملة عليهما، ولو كانت المسوفة حديهما لكان حدها في الجوف الدار الأخرى ولم يكن أرض فلان، والزوج يقول: إنه لم سق إلا الواحدة التي بقبلي الأخرى.

قال القاضي: وتكلمت فيها معه، وسألته عما أفتى به فيها فقال ثم يكن السؤال بينا فأشرت فيها بالصلح إن أمكن، وإلا فالصواب فيها إن لم يأت الزوج بشيء بين؛ أن السياقة إنما كانت في الدار الواحدة أن تكون الداران موروثتين لاشتمال الحدود عليهما، وهو أقوى من تسميتهما دارًا واحدة وهي داران. قال القاضي: وهذا الذي قاله هو الفقه عندي فيها إن حقق ورثة المرأة أن الدارين مسوقتان. وأما إن قالوا: لا علم لنا بذلك إلا ما تضمنه الصداق من التحديد، وطلبوا ذلك، والزوج منكر محقق لدعواه؛ أنه لم يسق إلا الواحدة، فالقول قوله مع يمينه والله أعلم. وقال لنا أبو عبد الله عند التكلم في هذه المسألة: سئل إسماعيل القاضي إذا قيل في التحديد: حدها في الشرق الشجرة، هل تدخل في المبيع؟ قال: فوقف عن الجواب، ثم قال بعد ذلك للسائل: قرأت باب كذا من كتاب سيبويه فدلني على أنها تدخل في المبيع، هكذا-أغلب ظني- حكي لنا، وفيه نظر فتدبره. في امتحان القاضي اختلاف الرجل مع زوج ابنته في إجهازها بنقدها: فهمنا-وفقك الله- ما قام به ختن مؤمن على مؤمن، في الثلاثمائة دينار التي نقدها ابنته وقضها مؤمن منه ولم يجهزها بها، وقال مؤمن: إنه جهزها، ووصف كل ما جهزها به في كتاب، والذي يجب في ذلك أن تأمر بامتحان ذلك حتى تفهم به صدق مؤمن من كذبه، ثم تعمل على حساب ذلك إن شاء الله قاله عبيد الله وابن لبابة وابن وليد ويحيى بن عبد العزيز وأحمد بن يحيى. وقال محمد بن غالب: وجه الامتحان أن يبعث القاضي- وفقه الله- شهيدي عدل إلى بيت الرجل الذي ابتنى فيه، فيخرج الجهاز، فإذا تصادقا فيه قومه أهل المعرفة بالقيم فإن كانت القيمة كفاف معجل الصداق برئ الأب، وإن لم يكن في ذلك كفاف النقد أخذ الأب بالباقي. وإن اختلفا فعلى الأب البينة فيما أورد من الجهاز، فإن ثبت له أنه أورد مقدار النقد برئ أيضًا، وإن لم يأت بالبينة وزعم أن الزوج نظر إلى ذلك كله في بيت زوجته، وحيث أبتنى بها وهو كفاف نقده، وأنكر الزوج ذلك، حلف ما أورد عليه إلا ما ظهر، وكان على الأب الوفاء به، وقاله محمد بن وليد وقاله ابن لبابة؛ إذا كان بقرب الابتناء قبل

أن يتغير الحال وإن طال ذلك كان القول قول الأب. مشورة أخرى في هذه القضية: فهمنا-وفقك الله- ما ذكرت من إحضار شورة ابنة مؤمن التي أقر مؤمن من أنها بنقدها، وأنها قومت بمائتي دينار وثمانية وستين وابتاعه بزعمه من نقدها الثلاث مائة دينار وقول زوجها: إن بعض هذا الجهاز هو من نحلة أمها لها، فالذي يجب فيه أنه يحلف الأب مؤمن- إذا لم تكن له بينة- أن جميع هذا الجهاز من نقدها، وأنه ليس فيه من غير نقدها شيء، فإذا حلف برئ من نقدها. وتحلف الأم على النحلة التي ادعاها أنها نحلتها وقت نكاحها، فإن نكلت امرأة مؤمن، حلف الختن وأخذت بما يحلف عليه، وكذلك إن نكل مؤمن حلف ختنه على دعواه واستحقه لزوجه، ويؤمر مؤمن أن يرد إلى ابنته من شورتها ما يصلح بيتها، قاله ابن لبابة وأيوب وعبيد الله وابن معاذ وغيرهم. قال القاضي: انظر قولهم إذا حلف الأب برئ من نقدها، والجهاز تنقص قيمته عن مبلغ النقد باثنين وثلاثين يدنارًا إلا إن كان التقويم بعد إخلاق بعضه أو كان الابتياع مما يتغابن فيه بمثله فربما، وقد كان في تمام جوابهم بيانه، وأما إن بان في هذا النقصان كذبه، فينبغي أن يوفيه ولا يصدق فيه، وأصل هذه المسألة بين في نكاح الواضحة وبالله التوفيق. ونزلت بقرطبة من هذا المعنى مسألة: كتب المخاطب للفقهاء بها عن الحكم الناظر فيها قام عند الوزير صاحب الشرطة والسوق بقرطبة أبي بكر بن الليث بن حريش العبدري عبد الله بن محمد المعروف بالقبالة على ابنته فاطمة؛ التي أنكحها بكرًا عقب سنة سبع وخمسين وأربعمائة من أحمد الخياط، يريد استرجاع ما جهزها به إليه، وزعم أنه عارية أعاره إياه لا هبه، وناكرته ابنته وزوجه ومنعاه منه، وتخاصموا فيه، ووقف عند بعض الفقهاء. ثم أظهر الزوج عن زوجته عقد استدعاء مؤرخًا لشعر خلون من صفر سنة ثمان وخمسين، تضمن إقرار الأب لها بما نص فيه من الثياب والمتاع، ومن جملة ذلك بساط ومنار، وقيدت بشهادة شهود في آخره أنهم سمعوا إقرار لابنته هذه بما في العقد من الثياب منذ عشرين يومًا بمحضر الثياب، وكانت شهادتهم لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر. وثبت ذلك عنده وقام عنده في كتاب الخصام خلف ابن فتوح مدعيًا في البساط

والمنار من جملة الموقف، وقال إنه أعارها عبد الله حين زفافه ابنته فاطمة إلى أحمد، وشهدت له بينة على عين البساط أنه ملكه وماله، وأنه سوقه للبيع بمحضرهم، في عقب ذي القعدة سنة سبع وخمسين، ولم يبتل البيع فيه، ولا يعلمون ملكه زال عنه إلى تاريخ شهادتهم، وهو النصف من صفر المذكور. وثبتت ذلك وشهدت له بينة في المنار على عينه أنه ابتاعه بمحضرهم في عقب ذي القعدة المذكور، ولا يعلمون ماله زال عنه إلى حين شهادتهم في النصف من صفر، وشهد شاهد واحد أن خلفا رهن المنار عنده في حق كان له عليه وقبضه منه، وبقي عنده إلى قبل عيد الأضحى من سنة سبع وخمسين، وأنه افتكه منه ولا يعلم ملكه زال عنه حين شهادته في نصف صفر، وقبيل هذا الشاهد وسائر الشهود. وأعذر إلى عبد الله في ذلك، فقال: إنه لا مدافع عنده فيه وأنه حق، وإنه استعار البساط والمنار من خلف في ذي الحجة ولا حق له فيه ولا لابنته، وأعذر إليه أيضًا فيما ثبت عليه من إقراره بالثياب لابنته، فأنكر شهادة الشهود عليه بذلك، وعجز عن المدفع في ذلك فيها، وقال: إن جميع الثياب له إلا البساط والمنار فإنهما لخلف استعارهما منه وشاور الفقهاء في ذلك، وإن على خلف اليمين في المنار والبساط. فجاوب أبو عبد الله بن عتاب: سيدي وولي تصفحت خطابك وما أدرجت طيه، وإذ قد ثبت عندك إقرار عبد الله بالثياب لابنته على ما قيده وأعذرت إليه فيه، ولم يكن عنده مدفع، فالقضاء بما شهد به من إقراره واجب، وهو عليه نافذ ما عدا المنار والبساط المشهود فيهما لخلف بما تقيد عندك. فإن ما شهد به له فيهما يوجب له أخذهما دون القضاء له بملكه للمنار، إذ الشهادة فيه إنما هي بالابتياع والرهن؛ وذلك لا يوجب الملك ولكن يوجب اليد، وعلى خلف اليمين أنه ما باع ولا وهب ولا خرج عن ملكه ويده إلا بعاريته لعبد الله. وإن كان الأب مأمونًا على الثياب له ذمة فهو أحق بضبطها، بعد أن يسلم منها إلى ابنته بقدر نقدها وزايدًا ما تتحمل به مع زوجها على التوسط في ذلك، ويشهد عليه بما يتوقف لابنته عنده، وإن كانت أحواله غير مرضية وضعتها على يد من تراه ممن ترتضيه بإشهاد إن شاء الله تعالى.

وكان أبو عمر بن القطان قد حلف في ذلك الوقت ألا يفتي أمر وقع له، ثم رجع إلى الفتوى وعدد إمساك هذه الشورى عنه، فأرسل الوزير أبو الوليد بن جهور رحمه الله إلى الحكم فيها، ووجه إليه بها وإلى من يتلوه. فجاوب: قرأت ما خاطبتني به ووقفت عليه، فأما ما ذكرته من إقرار عبد الله بالثياب على ما تقيد عندك، فلازم له في الثياب خاصة على ما رفع به الشهود؛ إذ لم يشهدوا إلا بذلك. وما شهد به لخلف في البساط يوجب له القضاء به بعد يمينه في مقطع الحق بما يجب الحلف به، على ما وقع الحلف به فيه، وأما شهد له به في المنار فلا يوجب له ذلك حكمًا به إلا أن في ذلك حكمًا والسلام. وجاوب أبو محمد موسى بن هذيل بن أبي عبد الصمد: ما ثبت من إقراره بالثياب لابنته لازم له؛ إذ لم يكن عنده مدفع فيه، ويترك لها من الجهاز بقدر نقدها ويوقف لها سائر ذلك عند رضي لا عند أبيها؛ إذ قد ظهر منه استرجاعه لنفسه. والشهادة لخلف في البساطة تامة، ويقضي له به إن كان قد حلف اليمين المدرجة طي خطابها والشهادة التي شهد له بها في المنار ضعيفة لا يصح له بها ملك. ويجب توقيف المنار، فإن أتى خلف بن فتوح فيه بأثبت مما أتى به نظرت له فيه على حسب ذلك، وإن لم يأت فيه بغير ما أظهره بقي المنار لفاطمة باليد التي كانت لها عليه إذ كان فيما جهزت به، ولا ينتفع خلف بإقرار عبد الله أنه استعاره منه؛ إذ قد شهد عليه بخلاف ذلك. وجاوب أبو مروان ابن مالك: سيدي ووليي ومن وفقه الله وسدده ولقاه أرشد فيما اعتمده، إن هذا القائم عندك عبد الله قد ثبت عليه عندك في صفر إقراره في المحرم لابنته فاطمة بالثياب الموصوفة في الاسترعاء بصفر، فيقضي عليه بذلك؛ إذ قد أعذرت إليه فلم يأت بمدفع، ويخزن من الثياب للطالب خلف البساط الذي ثبت له وحلف عليه، إن كانت اليمين اللائحة إلينا فيما أدرجته قد ثبتت عندك: فإنك لم تضمن ذلك خطابك. وأما المنار فلم يثبت فيه لخلف ملك ولا يد إن لم يكن إلا ما أظهرت إلينا، ولا يسمع إقرار الأب له في خصامه للابنة والصهر بعد ما طلب الكل لنفسه، ولا أيضًا ثبت على الأب إقرار بالمنار للابنة؛ لأن العاقد للإقرار إنما ذلك الثياب، والمنار ليس من الثياب

فأرى أن تعمل فيه بما قاله أبو محمد -أكرمه الله. ولو قال الشهود بابتياع خلف المنار أنه قبضه بالابتياع أو ابتاعه ممن كان حين العقد بيده لكان ذلك يدًا، كذلك الرواية والرهن لم يشهد به إلا شاهد واحد، فمن ثم قلت لك: إن خلفًا لم يثبت له في المنار ملك ولا يد. وقولهم في شهادة ابتياعه ولا يعلمونه خرج عن ملكه ولا يوجب شيئًا من ذلك ملكًا ولا يداه، حملنا الله وإياك على الصواب برحمته والسلام. قال القاضي: تكلمت مع أبي مروان بعد ذلك في جوابه وقال: إن الرواية التي عني في كتاب السرقة: من ابتاع رجل سلعة، ففلس المبتاع، قيل لابن القاسم: أيسع الشهود أن يشهدوا أن هذا متاع البائع؟ قال: يشهدون أن هذه السلعة بعينها اشتراها هذا المفلس من هذا الرجل، ولا يشهدون إلا بما عاينوا وعلموا. قال القاضي: زاد ابن أبي زيد فيها: وإنها كانت بيد بائعها، والحجة له إنما هي في هذه الزيادة لا في المسألة التي في الأصل؛ بل المسألة حجة عليه في ظاهرها وهي أقوى من تلك المسألة التي كتبناها؛ لأن حق الغرماء قد تعين في هذه السلعة التي ألفيت بيد المفلس فلا يزيلها عن ذلك إلا بشهادة بينة. ويد فاطمة في تلك الثياب، والمنار ضعيفة؛ لأنه قد علم أن أصل مصير ذلك إليها من قبل أبيها، وقد كان مصدقًا في أنها عارية إذا لم تطل فيها المدة لولا الشهادة عليه بإقراره بها لابنته. وما شهد به لخلف من المنار من الابتياع والرهن يد أقوى من يدها، مع روجوع أبيها عن الإقرار لها إلى الإقرار له. وكان الصواب في الجواب أن يقال تستعاد بينة خلف في المنار، فإن بينوا م شهادتهم أنه كان بيد بائعه حين ابتياع خلف له تمت على ما زاده ابن أبي وزيد، وإن غابوا أو ماتوا عملت شهادتهم للمبتاع وبما تقيد منها يكتفي؛ لأنهم قالوا فيها: ابتاع بمحضرهم هذا المنار زيد، ولو لم يكن بيد بائعه وكان غائبًا، لم يشهدوا على عينه ولا عرفوه، وما جاوب به فيه ابن عتاب أجدر بالصواب والله تعالى أعلم.

فيمن ساق إلى زوجة نصف أملاكه مشاعًا ثم باع جزءًا من أملاكه مشاعًا ثم طلبت المرأة بعد مدة سيقاتها كاملة: كتبت بها إلى ابن عتاب وغيره وكان قيام المرأة بعد خمسة عشرة عامًا من وقت البيع، فجاوب ابن عتاب: لها سياقتها فإن كان باع زوجها النصف الباقي على ملكه أو أقل منه كان لها الأخ ... الشفعة إن كانت لم تعلم بالبيع، وإن علمت فلا شفعة لها لطول المدة، وتكون الأملاك مشتركة بينهما وبين المبتاع للنصف. وإن كان ابتاع منه أقل من النصف فالزوج أيضًا شريكهما بقدر ما بقي له، وإن كان باع أكثر من النصف وثبت أن المرأة علمت بذلك؛ مثل أن يبيع ثلاثة أرباع الأملاك، فهو رضي منها ببيع حصتها فيكون لها من الثمن ثلثه ويبقى لها نصف سياقتها وهو ربع الأملاك. وإن لم يثبت أنها علمت حلفت أنها ما علمت ببيعه ولا رضيت به بعد علمها ولا أذنت له فيها وانتقص البيع فيما كان باعه من حصتها، وإن باع الملك كله فالجواب فيه على نحو هذا. وإن كان المبتاع حاز ما ابتاعه ولم تغير ولا أنكرت سقط قيامها وطلبت الزوج بالثمن الذي باع به. وما اغتله الزوج من السياقة فعلية غرمه للزوجة، وما ابتاعه من عرض أو غيره بما اغتله فلا شيء للزوجة فيه. وجاوب ابن القطان: البيع شائع في الجميع، وليس للمرأة إلا ثمن نصف المبيع إذا لم يكن لها عذر يمنعها من القيام المدة المذكورة، وما تجر به الزوج مما اغتله فالربح له إذا فعل ذلك لنفسه، وعليه لها ما اغتل من حصتها. قال القاضي: في بعض جوابه اعتراض، وأصل جوابهما في هذه المسألة ما وقع في المختلطة فيمن ابتاع عبدًا فباع نصفه من يومه، ثم استحق رجل ربع جميع العبد، قال ابن القاسم: الربع شائع، ويأخذ المستحق الربع، ويرجع المبتاع على بائع النصف منه بقدر ما استحق من حصته من العبد إن شاء أو يرد إن شاء، وجواب ابن القطان مبني على هذا. وقال سحنون: هذه خطأ ولا يقع الاستحقاق إلا على ما بقي بيد البائع دون ما باع، وعلى هذا أتى جواب ابن عتاب في مسألة السياقة وهو الصواب فيها. وأما مسألة العبد فالصواب فيها قول ابن القاسم: إن الاستحقاق شائع في الجميع؛

لأن البائع فيه غير متعد في المبيع؛ لأنه باع ما كان يملكه ثم طرأ الاستحقاق عليهما، وهما شريكان في العبد فليس لأحدهما أن يوقفه منفردًا على شريكه، وهو ظاهر صوابه. وأما بائع جزء من الأملاك المسوق نصفها أو بعضها فلا حجة له في أن يجعل المبيع بينه وبين زوجه؛ لأنه في بيع شيء من حظها متعد عليها إذا باع بغير إذنها، وكأنه نادم في إخراج المبتاع في بعض المبيع إلى ما يمنع منه ويدفع عنه، وهذا فرق بين لا خفاء به والحمد له. مسألة: من ساق من ماله إلى كنته سياقتين إحداهما بعض الأخرى ثم باع أملاكه بالقرية: كتبت إلى ابن عتاب فيمن ساق من أملاكه بقرية كذا إلى كنته ربعها، ثم ساق إلى كنة أخرى ربع أملاكه بالقرية، ثم انعقد عليه بعد ذلك لإنسان ابتاع فلان من فلان جميع أملاكه بقرية كذا، واعتمر المبتاع الملك بمحضر المرأتين، وكان زوج أحدهما يعتمر معه. ثم قام هذا المعتمر بعد عشرين سنة عن امرأتين بتوكيلهما يطلب السياقتين، وقال المبتاع: قد ابتعت من البائع جميع أملاكه واعتمرتها بمحضرك ومحضر المرأتين وكنت مناصفي فهيا، وقال الوكيل: ما نت أعتمر لهما إلا سياقتيهما. قال القاضي: إن ثبت أنهما علمنا بالاعتماد المدة المذكورة فقيامها ضعيف، وإلا حلفنا أنهما ما علمتا ذلك إلا الآن وأخذتا ما سيق إليهما، وإذا كان في السياقة الآخرة أنه ساق إليها ربع أملاكه، فإنما لها الربع بعد إخراج الربع الأول، لا ربع الجميع إلا ببيان وكشف، وبالله التوفيق. وكتب إلى أبي عمر الإشبيلي فيمن ساق إلى زوجته جميع ملكه بقرية كذا لم يزد على هذا، ثم قال: مع جميع الدار التي بموضع كذا وحدها كذا، مع نصف جميع ملكه بقرية كذا غير القرية الأولى ثم قال بإثر ذلك: في الدور والدمن والأفنية لم يزد على هذا، فوجد للسائق رحي بالقرية التي ساق جميع ملكه بها، وقال: إنما الرحى لي، وقالت الزوجة: هي لي، وقولك: في الدور والدمن والأفنية، إنما وقع على القرية التي سقت لي منها نصف جميع ملكك وبإثرها وقعت الصفة. فكتب بخط يده: القول قول السائق وإن لم يدخل بها تفاسخا بعد أيمانهما إن شاء الله، وتأمل الذي علقت بعد هذا في البيوع لابن القطان والتي مرت لابن زرب في

الوصايا. وفي صداق اخترق على القاضي: اقرءوا رحمنا الله وإياكم الصداق حتى تأتوا على آخره، واكتبوا إلي بما يجب على الزوج والمرأة والشهيدين؛ فإنه جاءني من قام بالحسبة بهذا الصداق الذي اخترق، وقيل: إني أمرت به علي ما في الكتاب. فأجاب أبو صالح: قرأت وفقك الله الصداق من أوله إلى آخره، فرأيته قد بني على أن القاضي قدم لعقده وأبرز لإتمامه، فإذا صح عند القاضي - أكرمه الله- أنه مخترق مفتعل وجب فسخه وتأديب عادقه وشاهديه والناكح أدبًا بليغًا، يكون شرادًا غيرهم ومقمعة لمن سمع بهم منأمثالهم، وهذا قول مالك في التأديب إن كان دخل بها، وإن لم يدخل رأى القاضي رأيه في الحمل عليهم ما يكون زاجرًا لهم وواعظًا عن فعلهم إن شاء الله. وقال ابن لبابة: يعاقب الشاهدان عقوبة شاهد الزور ويطاف بهما كما يفعل بأهل الزور؛ لأنهما قد أقرا بأنهما شهدا على ما لم يسمعا، وهذه شهادة زور؛ إذ شهد على ما لم يشهد عليه، ويعاقب المنكح على ما افتأت على القاضي، وأما الناكح فهو أعذر، لعله يقول: لما شهد الشاهدان وعقد العاقد ظننت أنهم قالوا الحق؛ فهو عندي أعذر، والشاهدان والعاقد لا عذر لهم في افتئاتهم إن شاء الله. في دعويات في صداق ودار بين الزوجين: فهمنا -وفقك الله- ما تنازع فيه يحيى زوج أم الأصبغ وصفوان، في الدار المحدود في كتاب الصداق الذي تقارا به جميعًا، وقال صفوان ليحيى زوج بنته: ادفع لي سدس الواجب لي في هذه الدار، وقال يحيى: الدار بيدك أيها الأب لأني أقبضتكها يوم بنيت بابنتك، وقال الأب: لم تكن دفعت إلى الدار ولا قبضتها، ولكنك سكنت فيها معها، وقال الزوج: قد كانت زوجتي ردت إلى الدار إلا أني لم أقبضها. فالذي نقول به: إن اليمين على الزوج: لقد أقبض الدار إياها، وكذلك ابتنى بزوجته وما قبضها يوم ردتها وأشهد مثله بإرجاعها إليه ووضع الكالئ عنه، وإن الدار التي فيها ساكن ليست الدار المذكورة في الصداق. فإذا حلفت على هذا فلا حق له في الدار التي بيد الزوج إلا أن يأتي الأب بالبينة، قبل حلف الزوج أنها هي الدار التي في كتاب الصداق، وللزوج رد اليمين على الأب. قاله ابن لبابة، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد، وسعد بن معاذ.

قال القاضي في هذا الجواب نظر لأنهم حملوا الدار في تصديق الزوج في دفع الدار المسوقة إلى الأب محمل ما يدعي دفعه، من النقد العين والعرض الذي قد ينقل ويغاب عليه، إذا كان ذلك بعد البناء، والدار لا تغيب ولا يغاب عليها. فما المانع من أن يقال للزوج: عين لنا الدار التي أعطيت الزوجة في صداقها وأرناها، فإن عين دارًا، لا اعتراض لأحد فيها، ولا مانع دونها، حلف حينئذ وصدق، وإن امتنع من تعيين الدار وتشخيصها بالوقوف إليها بأن كذبه؛ إذ لا يعاب عليها ولا تنقل عن موضعها، وصدق الأب حينئذ في الدار التي يدعيها، وحلف وكانت لابنته. وإنما جواب مالك وأصحاب في تصديقه في دفع النقد بعد البناء لأنه متعارف، وقد قال القاضي إسماعيل بن إسحاق وغيره: إنما قال مالك هذا بالمدينة لأن عادتهم جرت بدفع الصداق قبل الدخول، فأما سائر الأمصار فالقول قول المرأة مع يمينها قبل الدخول وبعده؛ لأنه أقر بالصداق وادعى البراءة منه. وفي سماع أبي زيد: إذا كان في صداقها خادم فطلته بها بعد الدخول فقال: قد صالحتني عليها بدنانير دفعتها إليها، قال ابن القاسم: لا يصدق، ولو أقرت بالصلح صدق في الدفع. فلم يصدقه هنا لإدعائه ما خرج عن المتعارف، ولا أبعد عن المتعارف به عن المعقول من ادعى دفع دارًا لا تجد بأقطار ولا يوقع بها على آثار، ومن ادعى المحال لا يسمع له. فقال: وهذا بين الصواب إن شاء الله عز وجل، وقد تقدم من قولهم مسألة بثينة وابن زياد، وفي مسألة كنزة وابن أصبغ ما هو الصواب فيه، الشاهد لصحة اعتراضي عليهم في هذه، والحمد لله. فيمن أقر بالنقد وأنكر الشروط: فهمنا- وفقك الله- إنكار العريف الصداق الذي وقف عليه لزوجته كنزة، وقال إنه لم يشهد بما فيه ولا يعرفه، وإنها زوجته، ويعرف النقد وحده، وقبلت شاهدين من شهوده وأعذرت إلى وكيله بمحضره، ثم غاب غازيًا وتمت الآجال على وكيله فلم يكن عنده مدفع، فيجب في ذلك أن تشهد لكنزه على كتاب صداقها، وتقع الشهادات تحت النسخة وعلى إعذارك وغيره من نظرك إن شاء الله. قاله ابن لبابة، وابن وليد، وعبيد الله، وابن معاذ، وغيرهم.

فيمن أقر بالصداق وشروطه غير شرط الرحلة: فهمنا- وفقك الله- إقرار يوسف بن عياض بصداق زوجته عيشونة وفيها أنها مصدقة في جميع شروطها بعد أن تحلف في بيتها على ذلك، وقال: أشهدت على نفسي بما فيه إلا أني لم أفهم شرط الرحلة من دارها، والذي نرى أن إقراره بالصدق قد لزمه ولا ينفعه قوله: لم أفهم شرط الرحلة؛ لأنه مدع فيما ذلك، ولعيشونة أخذه بشروطه المذكورة في كتاب صداقها، قاله ابن لبابة، وابن معاذ، وأحمد بن يحيى. في امرأة طلبت الأخذ بشروطها: نظرنا- وفقك الله- في الصداق الذي شهد فيه عندك الشاهدان فإذا قبلتهما سئلت المرأة عما تطلبه من صداقها، فإن طلبت طلاق نفسها لغيبة زوجها التي هي مصدقة فيها في كتاب صداقها، وجب عليها أن تحلف بمحضر رجلين عدلين في مقطع الحق بالله لقد غاب عنها، ثم تسمى موضع الغيبة ووقتها الموقت لتلك الغيبة، ثم تطلق نفسها بما شاءت من الطلاق. ثم تشهد لها - وفقك الله- بثبوت صداقها ويمينها وطلاقها نفسها وترجئ الحجة لزوجها- إن كانت عنده حجة- فيما ثبت لها في كتاب صداقها - قاله أيوب، وابن لبابة، وعبيد الله. في صداق من أنكر الزوج بعض شروطه: قرأت - وفقك الله- الصداق وإقرار المنكح بما فيه. وقوله: ظننت بالناكح خيرًا فأشهدت له بالقبض وإقرار الناكح بما في الصداق إلا شرط التصديق فوجبت اليمين على الناكح لقد قضي كما ذكر في الكتاب لحداثة عهد عقده، وجب على المنكح إثبات الصداق ليثبت به الشرط، فإن لم يثبت الصداق حلف أبو الجارية أنه ما أنكحه إلا بجميع ما في الكتاب من الشروط وغيرها فإذا حلف قيل للناكح: إما أن ترضى بذلك وإلا فالحلف أنك ما أنكحت على هذا الشرط، فإن حلف انفسخ النكاح، وإن نكل لزمه الشرط، وإن ادعى أبو الجارية أن له بينة بإقرار الناكح أنه لم يقبضه ضربت له الآجال في البينة، فإن أتى بها وإلا حلف على ما ذكرنا في الكتاب. قاله أيوب بن سليمان وجماعتهم. وقال ابن لبابة: هذه الفتيا إذا كان قبل الدخول لأنه لا تحالف إلا قبل الفوت،

والبناء هو الفوت. قال القاضي: إيجابهم اليمين على الناكح: لقد دفع بعد إشهاد المنكح بالقبض لهم بعد هذا، مثله في البيوع في مسألة ابن عبدوس ومسألة البنا، وهو خلاف لما ذكره ابن حبيب عن مالك في مثل ذلك؛ قال عنه: إذ تشاهد المتبايعان بعد دفع الثمن ثم طلب البائع الثمن، وقال: إنما أشهدت لك بقبضه ثقة بك، وأراد إحلافه لم يكن له ذلك. وهذا نص لا يجوز خلافه رواية ونظرًا؛ أما الرواية فقد ذكرناها، وأما النظر فإن الله تبارك وتعالى لم يأمر بالإشهاد عند التبايع وغيره إلا لرفع هذا وشبهه من التنازع بين المتبايعين، وقد برأ ذمته مما كانت مشغولة من حقه فلا بسبيل له إلى العودة لشغلها به، ولو سومح في هذا وشبهه لارتفعت الحقائق وانحلت العقود، وذلك الضلال البعيد. وقال أبو عبيد الله بن العطار في وثائقه: إذا انعقد في عقد التبايع أن الثمن كان طيبًا مقلبًا جيدًا، وأتى البائع بدراهم رديئة يزعم أنها من دراهم المبتاع وأنكرها المبتاع، فلا يمين عليه في ذلك لإقرار البائع بقبضها طيبة جيادًا، ولو سقط هذا الفصل من العقد لوجبت على المبتاع اليمين أنه ما يعرفها من دراهمه ولا أعطاه إلا جيادًا في علمه. هكذا في كتابه وذكر معه نظائر له، وهو الصواب الذي لا يصح خلافه. والذي حمل الشيوخ على ذلك ما رواه أصبغ عن ابن القاسم فيمن باع سلعة ثم أتى يقتضي الثمن، فقال المشتري: لم أقبض السلعة، وقال البائع: قد قبضتها، قال: إن كان أشهد له بالثمن فقد قبض السلعة وعليه غرم الثمن. قال أصبغ: ويحلف له البائع إن كان بحرارة البيع والإشهاد، لأن هذا من أفعال الناس، فأما أن يكف حتى إذا حل الأجل قال: لم أكن قبضت السلعة فلا قول له ولا يمين له على البائع. وليست هذه المسألة كالتي أفتوا باليمين لأن هذه ليس فيها إشهادها بقبض السلعة، ثم قال: لم أقبضها، ولو كان ذلك فيها لكان جوابها جواب مالك في الثمن: إنه ليس عليه بعد الإشهاد يمين، ولما سكتا في مسألة أصبغ عن ذلك السلعة كان محتملاً لبقائهما عند بائعها، وإن كان تشاهدا على ثمنها فأرى اليمين في حرازة البيع والإشهاد. وأما التي أفتوا فيها فقد أشهد المنكح بقبض النقد من الناكح وأبرأه منه، فلا سبيل له إلى طلبه به ولا إلى تحليفه عليه، كما قال مالك في البيع، والله الموفق للصواب.

وإيجابهم أيضًا باليمين على الأب في شرط التصديق الذي أنكره الزوج، إذا لم يثبت فيه عندي نظر تركت شرحه لطوله، إلا إن كان شر التصديق في هذا لنفسه لا لبينته، وفي هذا أيضًا ما يطول الكتاب بذكره. مسألة في قيام المرأة بشرط المغيب على زوجها الغائب: أظهر إلى الوزير أبي بكر ابن حريش عن عاتكة بنت علي عقد استرعاء في مغيب زوجها عنها، نسخته من أوله إلى آخره: يشهد من يتسمى في هذا الكتاب من الشهداء أنهم يعرفون مسعود بن أحمد بعينه واسمه، ويعرفونه قد غاب عن زوجه عاتكة بنت علي منذ عام أو نحوه متقدم لتاريخ هذا الكتاب، بحيث لا يعلمون. وكان قد أشهدهم على نفسه حين كتاب صداقها معه منذ خمس عشر متقدمة لتاريخ هذا الكتاب: أنه طاع لها ألا يغيب عنها غيبة متصلة يقيم فيها أكثر من ستة أشهر، إلا في أداء فريضة الحج عن نفسه، فإن له في ذلك مغيب ثلاثة أعوام، فإن زاد على هذين الأجلين أو أحدهما فأمرها بيدها. والقول قولها عند المنقضي من أجليهما أو أحدهما بعد أن تحلف بالله لغاب عنها أكثر مما شرطه لها، ثم تقضي في نفسها ما أحبت، ولها التلوم عليه ما شاءت لا يقطع تلومها شرطها. ويعرفون أن غيبة مسعود هذا في غير سبيل الحج، ويعرفون عصمة النكاح بينهما باقية إلى تاريخ هذا الكتاب؛ وهو رمضان سنة سبع وخمسين وأربعمائة. وكتب ابن الأسعد، وفطيس بن محمد، شهادتهما على نصه. وكتب أبو محمد المعيطي، وعبد الله بن محمد كامل مرسي فقرة 242 الأموي، يعرف مغيب مسعود عن زوجة هـ عاتكة المذكورة ولا يعلم أنه انصرف إليها إلى تاريخ شهادته هذه؛ وذلك في شوال من العام المؤرخ، وشهد عنده الشهيدان بنصفه وعرفا عاتكة ومسعودًا حين شهادتهما هذه. وشهد المعيطي بما قيده في شهادته، ووصل بها أنه يعرف مغيب مسعود بإشبيلية، وثبت عنده من قولها إنها تريد الأخذ بشرطها، وأعلمها بقبوله الشهود فلم يكن عندها مدفع. وحلفت في بيتها لعذر منعها من الخروج: إن زوجها مسعودًا لم يؤب إليها منذ غاب عنها ولا كان في سكوتها المدة المذكورة إلا تلومًا عليه لا إسقاطًا لشروطها، وثبتت

عنده يمينها وشاور في ذلك الفقهاء وأدرج إليهم العقد المذكور. فجاوب أبو عبد الله بن عتاب: سيدي وليي، تصفحت خطابك وما أدرجت طيه، وإذا قد ثبت عندك ما ذكرته على حسب ما وصفته فقد كان القاضي أبو المطرف رحمه يمرض شهادة الشاهد بحيث لا يعلم ويضعفها، لاسيما إذا طالت مدة المغيب. ولقد شهدت له مجلسًا وقد حضره الفقيه القاضي أبوك -رحمه الله- وجرى في هذه الشهادة بينهما مناظرة؛ إذ كان أبوك يذهب إلى إعمالها وإجازتها، ولكن زاد الفقيه أبو محمد في شهادته عندك أن مغيب الغائب إلى أشبيلية موجب للإعذار إليه إن كان لا يتعذر الإعذار إليه. فإن تعذر فالعقد مفتقر إلى تصحيحه، إذ فيه تناقض لما قيل في صدره إنه غائب بحيث لا يعلمون، ثم قيل في آخره إنهم يعرفون مغيبه في غير سبيل الحج، وإذا لم يعلم حيث مغيبه فكيف يسوغ لهم أن يقولوا إنه في غير سبيل الحج؟! وهذا لا يجتمع ولا يتفق؛ أنهم عالمون وغير عالمين في حال واحدة. فإذا صح العقد يرفع هذا وأحكامه نفذت القضاء بالطلاق وأرجأت الحجة للغائب إذا تعذر الإعذار وتقيد ذلك من نرك موفقًا إن شاء الله. وجاوب أبو عمر بن القطان: قرأت ما خاطبت به، وقد تقدم في بعض أجوبتي إليك في مثل هذا المغيب أن الشهادة فيه ناقصة حتى يكون الشهود قد قطعوا أن عصمة النكاح باقية بين الزوجين إلى تاريخ شهادتهم وبالمغيب أنه في سبيل الحج، والشهادة في هذا بقطع لا تنبغي، وإنما يشهد في هذا على العلم، وقول الشهود إنهم يعرفون إنما يعطى القطع؛ فلا يجوز مثل هذه الشهادة ولا يبنى (أ-53) عليها، ولا يكون بمثلها تسجيل. وذكرت أن المرأة حلفت أن سكوتها في المدة المذكورة وتلومها لم يكن إسقاطًا منها لشرطها، وهذه زيادة في اليمين لم تكن تنبغي ولم يكن ذلك عليها؛ إذ شهدت البينة أن الزوج أشهدهم أن لها التلوم عليه ما أحبت؛ لا يقطع تلومها شرطها، ولا يجب أن يحكم الحاكم إلا بما لابد منه، فتحفظ من مثل هذا وشبهه، فعلى ما جاوبك به الشيوخ المتقدمون وبه كان يفتون حكام المسلمون، عصمنا الله أجمعين.

وأما شهادة عبد الله بن محمد فلا توجب حكمًا، إذ لم يشهد غيره بمثل شهادته أكثر من الاستثبات في أمر الغائب والتأني فيه. وأما ما ذكرت من يمين عاتكة في بيتها لعذر ولم تبينه في خطابك فغير مجزئة عنها، فإن ذكرت العذر وقع الجواب عليه، وإلا فاليمين واجبة في مقطع الحق إذا صحت الشهادة، فإن كانت المرأة ممن لا تخرج نهارًا خرجت ليلاً، وحلفت بما يجب به الحلف، وبذلك يتم الحكم ويقع التسجيل، وأسأل الله لنا ولك خلاصًا جميلاً وعونًا على طاعته وتأييدًا إن شاء الله، والسلام. قال القاضي: الزيادة التي زادتها المرأة في يمينها أنها إنما سكتت متلومة لا إسقاطًا لشرطها، كل ذلك ذكرها أبو عبد اله بن العطار، وأسقطها أبو عمر بن الهندي واحتجاج أبيه عمر بن القطان على أن الصحيح إسقاطها، بأن الشهود قد شهدوا بها غير بين؛ لأنها قد تقول في يمينها: لقد غاب عنها أكثر مما شرطه لها وما انصرف إليها، وقد شهد لها بذلك. وكذلك تحلف إذا أرادت تطليق نفسها منه بعدم النفقة: أنه ما ترك عندها شيئًا ولا أرسل إليها بشيء وقد شهد لها به الشهود، وكذلك يحلف مستحق الحيوان وشبهه- في مقطع الحق- ما باع ولا وهب ولا خرج عن ملكه، بعد أن تشهد له بذلك بينة وكذلك من شهد له بحق على ميت أو غائب. وكذلك نص عليه أبو عبد الله بن أبي زمنين في يمينها في سجل القضاء لها الأخذ بشرطها في المغيب بعد أن أثبتت مغيبه. قال: وشاور القاضي فلان من وثق به من أهل العلم فيما ثبت لفلانة فأشاروا عليه أن تحلف في مقطع الحق -احتياطًا للغائب- بالله الذي لا إله إلا هو، لقد غاب عنها زوجها فلان- في غير سبيل الحج- الغيبة التي شهد لها بها ما قدم عليه، وأكمل اليمين. فهذا نص في ذلك ممن هو حجة، مع موافقة ابن العطار له فيما ذهبنا إلى بيانه، والله يعصمنا بهدايته، ولو انتقد أبو عمر على نفسه في جوابه أن الشهادة ناقصة، حتى يقولوا إن المغيب بعيد بحيث لا يعلمون لكان به أولى، لأنه كلام لهم ينقله غيره ولا يصح في النظر معناه؛ كيف يكلف من يقول: إنه غائب بحيث لا يعلمون أن يزيد غاب بعيدة بحيث لا يعلمون. وكيف يصح الجمع بين اللفظين وهما معنيان متنافيان لأنه إذا قال: بحيث لا يعلم؛

فهو لا يعلم قرب المغيب من بعده، وإذا قال: غيبة بعيدة؛ فقد علم المكان بمقتضى كلامه، فكيف يصح قوله: بحيث لا يعلمون؟ وهذا بين لمن تأمله وقد سمعت من ينكره، وسيأتي في جواب لهم آخر في مسألة غائب. وكذلك لو حصل قوله: وأسأل الله لنا ولك خلاصًا جميلاً إن شاء الله، لم يقله؛ لأنه كلام كقوله: خلصنا الله وإياك إن شاء الله، وهذا لا يجوز لأنه نفس ما نهى عنه النبي في قوله: "لا يقل أحدكم إذا دعا: اللهم اغفر لي إن شئت. اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإنه لا مكره له" (¬1). وجاوب أبو مروان في ذلك: سيدي ووليي ومن وفقه الله وأرشده وأراه الصواب وأيده، أمثل ما في هذا عندي: إذا لم يفت الشهود بما في الاسترعاء بعده أن تستعيد منهم الشاهدات بالنص، فنكتب عنها شهادتهما على وجه الكتاب وسياق الصواب. فإن اليقين الحاصل بأن الداخلة إنما دخلت من العاقد، واليمين في بيتها لا تجزئ؛ إذ ليس ذلك في شروطها المضمن عقد الاسترعاء الظاهر إليك، إلا لعذر تقوم عليه بينة، فإن تقيدت الشهادة على وجهها، بلفظ يصلح للمعنى المفهوم من المراد بالاسترعاء المذكور، نفذ الحكم على الغائب، وأرجأت له الحجة. فإن كونه بأشبيلية لم يقم عليه إلا شاهد واحد ولا ثبت ذلك بواحد، وإن كان على ما هو من علو الحال، حمنا الله وإياك على الصواب، والسلام. وفي مسائل ابن زرب: سأله ابن دحون عن حكم ثبت عنده مغيب رجل مدة، كان قد شرط لزوجته إن غاب عنها فأمرها بيدها، وأنها طلقت نفسها على سنة المبارأة، وأشهد الحكم على ذلك، وكان الشرط على الطوع، فقال القاضي: يس يلزمه إلا طلقة له فيها الرجعة ما لم تنقض العدة، وليس إشهاد الحكم على ثبوت تطليقها نفسها طلقة مباراة مما يمنعها من ارتجاعها في العدة. وسئل ابن عتاب عمن جهز ابنته إلى زوجها وهي بكر بجهاز، وأخرج لها شورة، وأقامت مع الزوج أربعة أعوام، ثم قام يزعم أن تلك الشورة إنما أخرجها على ¬

(¬1) الحديث أخرجه أبو داود ج2، ص77 برقم 1483.

وجه التزين لها والإصلاح عيها؛ أعارها إياها لا على أنها مالها. فأجاب: إذا مضت المدة التي ذكرت فالأب غير مصدق فيما ادعاه من ذلك إن شاء الله عز وجل. قال القاضي: وكذلك الرواية عن مالك وابن القاسم وغيرهما في هذا في الواضحة والعتيبة وغيرهما، ولا خلاف أعلمه فيهما، وسئل ابن القطان عنها فجاوب: أن الأب مصدق فيما زاد على قدر النقد من الشورة، وهو خطأ من القول. من شرط لزوجه ألا يتسري عليها: في سماع يحيى عن ابن القاسم فيمن اشترطت على زوجها أن كل جارية يتسررعليها فهي حرة، وله يوم اشترطت هذا أمهات أولاد فوطئهن بعد الشرط، حنث فيهن وخرجت حرائر؛ لأن مسيسة إياهن بعد اليمين تسرر، وقاله أبو زيد وأصبغ. وقال سحنون: لا شيء عليه في أمهات أولاد اللائي كن عنده قبل النكاح، وإنما يلزمه الشرط فيما يستقبل. قال ابن لبابة: وقول سحنون جيد. وقال أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم: حجة مخالفيه أقوى، واختاره أبو بكر بن زرب في مسائل ولم ير قول سحنون شيئًا، واحتج فقال: التسرر هو الوطئ، فإن وطئ لزمته اليمين. قيل له: فلو اشترط ألا يتسري عليها فنكح عليها، هل يمنع منذلك؟ قال: قال قيل له: ولم لا يمنع والتسرر وإذا تزوج وطئ؟ فقال: التسرر إنما يقع على وطئ الإماء، وليس هذا من هذا. وقال أبو عبيد الله ابن أبي زمنين في المغرب: رأيت لبعض العلماء أنه سئل عن الذي يشترط لزوجته ألا يتزوج عليها ولا يتسرى بعد بنائه بها، فإن فعل فالداخلة طالق والسرية حرة، فتزوج قبل البناء وتسري، فقال: له أن يقيم على التي تزوج ولا يلزم فيهما شيء، وليس له أن يقم على وطء التي تسرر. وفرق بين ذلك أن النكاح فعل واحد، والتسرر فعل بعد فعل، قال أبو عبد الله: وقوله هذا كله جيد وغير خارج عن أصولهم إن شاء الله. قال القاضي: هذا كله يرد قول سحنون، والصحيح ما قالوه ابن القاسم ومن وافقه، والله أعلم.

فيمن حلف ألا يرحلها من دارها ما يطلب بكراء: سأل ابن دحون القاضي ابن زرب، في ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وثلاث مائة، عمن شرط لزوجته في صداقها ألا يرحلها من دارها ما لم يطلب بكرائها، فإن طالب به فله أن يرحلها. فقال القاضي: ذلك: جائز فقال: وإن طلب بكرائها فيما مضى، قال: ليس يلزمه إن كانت الزوجة مالكة نفسها عالمة بالشرط، فإن كانت مولى عليها أخذ بكراء ما مضى، ولم ينفعه ما عقد في سقوط الكراء عنه. قال له ابن دحون: فإذا كانت ذات أب فهي في ولايته وأباح له سكنى الدار، لأي شيء لا يضمن الأب الكراء ويحمل محمل الهبة منه له، ولا يكون على الزوج شيء؟ فقال: ليس هبة، والكراء على الزوج، ولا شيء على الأب، ووقف على هذا؛ يريد وليس للأب أن يهب مال وله أو ابنته. تزوج أمه فأنف بعض أهله من ذلك، أو تزوج المرأة غير شاكلة فأراد أهلها التفريق بينهما، ومن تزوج على أن يقيم لها دارًا. قال ابن زرب: من تزوج أمة فأنف بعض أهله من ذلك، وقال له: طلقها وأنا أكتب لك كتابًا بمائة دينار في نكاح امرأة إذا بدا لك النكاح فطلقها، وكتب عليه كتابًا وأقام نحو ثلاثة أعوام لا يتزوج، ثم أعتقت وتزوجت ثم طلقت، وأراد الأول ردها، وقد مات الذي ضمن ذلك، فلا شيء له في مال الضامن لطول المدة، فلما طالت رأى أنه تارك النكاح. وسئل في صفر سنة سبع وسبعين وثلاث مائة عن وليه لقوم؛ نكحها رجل طارئ مكفوف من أهل الشر والفساد، فأنكر ذلك عليها أولياؤها وذهبوا إلى فسخ النكاح، وكان قد بنى بها، فقال: لا سبيل إلى حل النكاح إن كان قد دخل بها، قيل له: فلو لم يدخل فوقف فقال: الذي لا أشك فيه أنه إذا دخل لم يفسخ النكاح. قال أصبغ في النوادر: إذا زوج الأب البكر من رجل سكير فاسق لا يؤمن عليها، لم يجز، وليرده الإمام وإن رضيت هي به، وفي الوصي نحوه في آخر نوازله. وقال ابن زرب في نوازله فيمن تزوج امرأة على دار يقيمها في قرية: إن كانت أرض يقيمها فيه جاز النكاح وبنى لها دارًا متوسطة، وإن كان لا أرض له لم ينفذ النكاح.

قيل له: ولم لا يجوز ويشتري أرضًا يبنيها فيها كالخادم يتزوج عليها وليست معه ثم يبتاعها لها فينفذ النكاح؟ فقال: ليست مثلها، والفرق بينهما أن التسليف لا يجوز في الدور ويجوز في الخدم. مسائل النحلة التي ينعقد عليها النكاح والتنازع فيها: قال أبو عبد الله بن أبي زمنين في كتاب الأحكام له: من تزوج وهو كبير مالك لنفسه، ونحله أبوه نحلة انعقد عليها النكاح، ثم مات الأب قبل أن يقبض الابن نحلته؟ فقال: قال بعض العلماء: إنها نحلة تامة، وإن لم يقبضها الابن. قال: ومن هذا الأصل ما رواه ابن حبيب عن مطرف فيمن قال لامرأة له نصرانية: أسلمي، وأعطيك داري هذه، لدار له هو فيها ساكن، فأسلمت ثم مات الزوج قبل أن تقبضها المرأة؟ قال: الدار لها، والإشهاد يجزئها من الحيازة؛ لأنها ثمن إسلامها وليس باب العطية. قال ابن حبيب: وقال أصبغ: ما أراه إلا كالعطية وعليها الحيازة، وإلا فلا شيء لها. قال ابن حبيب: ويقول مطرف أقول. وقال أبو عبد الله بن العطار في كتابه: جرى العمل في النحلة التي ينعقد عليها النكاح: إنها جائزة، وإن لم تجز. قال: وقيل: إنه لا يستغنى عن الحيازة فيها، وليس عليه اعمل وذكر لنا ابن عتاب هذا القول عن فضل بن سلمة. وأما ابن الهندي فذهب إلى هذا في النسخة الوسطى من وثائقه وهو في النسخة الكبرى عل ىالجواز وإن لم يكن احتياز، على ما ذكره ابن أبي زمنين وابن العطار وهو الذي رأيت العمل به دون اختلاف فيه: أن النحلة في النكاح تنفذ وإن لم تحز، وشاهدت شيوخًا يكتبون: نحلة النكاح إذا كانت دنانير حالة في ذمة الناحل حتى يؤديها. وقال ابن العطار: إن كان المنحول مالكًا لنفسه؛ فلابد في عقد النحلة أن يقال: وقبل المنحول فلان هذه النحلة. وبذلك تتم، وإن سقط من العقد بطلت النحلة إن لم تحز في صحة الناحل. ونزلت عندنا بجهة جيان وكتبناها إلى ابن عتاب، فأفتى أن النحلة نافذة إذا انعقد عليها النكاح، وإن لم يذكر في العقد قبول الناكح لها ولا حيزت. قال: وقد سمعت شيخنا القاضي أبا المطرف بن بشر مرارًا ينكر قول ابن العطار هذا، ويقول: هو ضعيف؛ أنها إن كانت من شرط صحتها الحيازة؛ لم يعن هذا القول

شيئًا، وإن لم يكن شرط صحتها الحيازة؛ لم يضر سقوطها ذلك القبول وبذلك افتى فيها حسون فقيه مالقة أنه لاكم ضعيف، ذكره بعض الموثقين ولم يسمه. وأخبرني بعض أصحابنا عن أبي محمد بن دحون عن أبي عمر الإشبيلي أنه كان يقول في الرجل يأتي بوثيقة فيها: أن الدار التي يسكنها مع ابنته فلانة كان قد نحلها إياها عند انعقاد نكاحها مع زوجها: إن ذلك جائز نافذ، ولا يحتاج إلى حيازة في ذلك. قال: وكان القاضي أبو بكر بن زرب يقول: هذا تحيل لإسقاط الحيازة ولبقائه في الدار، فلا يجوز ذلك ولا ينفذ إلا بحيازة. قال القاضي: الصواب عندي ما قاله ابن زرب، وإذا اختلفت في وجوب الحيازة فيها ابتداء وكان الخلاف فيها ضعيفًا؛ قوي في هذا الوجه الذي هو فرع فيها. وقال أبو محمد: قدم ابن زرب إلى الشورى قبل أبي عمر بست سنين، وسئل أبو محمد ونزت: عن امرأة نحلت ابنتها عند عقد نكاحها مع زوجها دارًا واستثنت منها غرفة تسكنها حياتها، فإذا توفيت لحقت الغرفة بالدار. والغرفة أقل من ثلث الدار؟. فقال: هذه نحلة فاسدة؛ لأن فيها غررًا ولا يجوز؛ لأن النحل إذا انعقد عليها النكاح تجري مجرى البيوع في الاستحقاق وسقوط الحيازة وغير ذلك، وسواء كان المستثنى قليلاً أو كثيرًا، وترد النحلة إلى صاحبتها، ويفسخ النكاح بها قبل الدخول ويثبت بعده بصداق المثل. وفي هذا عندي نظر. فهمنا-وفقك الله- ما قام به موسى بن صدقة علي قاسم بن أصبغ في النحلة التي نحلها قاسم ابنته رحمة إذ زوجها من موسى، وقول قاسم: إنه تسلف لها لمصاحها ستة عشر دينارًا وقت جهازها إلى زوجها موسى، وإقراره بالنحلة، فيجب أن يؤخذ بها؛ لأن الزوج على ذلك بذل. وينظر إلى جهازه فإن كان فيه مثل نقدها وزيادة، صدق عليها فيما ذكر أنه تسلفها لها وحلف على ذلك وحوسب بما اغتله في هذه النحلة، فإن كان وصل إليه من غلتها مثل السلف برئت منه، وإن بقي له شيء أخذه من مالها. وإن لم يكن ف يجهازها فضل عن نقدها لم يقبل قوله، إلا أن يكون زمان إخراجها إلى زوجها قد تطاول حتى خلقت ثيابها، ولم يتوصل إلى معرفة ذلك، فيصدق الأب حينئذ

قال بذلك ابن لبابة. ويؤمر الأب بإيقاف بينة عدل إلى هذه النحلة إذا أبرزها حتى يفهم صدق إخراجها وإظهارها. وقاله أيوب وابن معاذ وغيرهم. ومن إدعاء أن ختنه نحلت ابنتها زوجته نحلة فيما بينها وبينه فله إحلافها، ولها رد اليمين عليه. قاله ابن لبابة وأيوب ومحمد بن وليد. وقالوا في نحلة أنكرها الناحل: يتوجه الشاهدون للكرم والدار المنحولة ويسير معهم من يحضر حيازتهم، وتعدي المنحولة على ما حيز لها وتؤخذ أمها بغلةالنخلة التي أغتلتها من يوم نحلتها إلا أن يكون لها في ذلك حجة. فإن عارض أحد فيما حازه الشهود رفع إلى القاضي ونظر فيها بما يجب. ويأتي بعد هذا في مسائل الصدقات والأحباس مسألة حسنة من مسائل النحل اعتقبتها فكتبتها هناك: إذا نحل ثلث ماله وعليه دين.

باب في الحضانة والنفقات واختلاف الزوجين في متاع البيت

باب في الحضانة والنفقات واختلاف الزوجين في متاع البيت إذا كان طلاق من زوج أو موت فحضانته البنين إلى احتلام الذكران والبنات الإناث منهم للأم، فإن ماتت أو نكحت فلأمها، وإن لم تكن فلأختها خالة المحضون، فإن لم تكن لأخت المحضون، فإن لم تكن فلأخت المحضون، فإن لم تكن فلعمته، فإن لم تكن فلأبنة الأخ ثم للعصبة. وقال الفقيه الحافظ أبو عبد الله، محمد بن عمر بن النجار: الذي تقرر عليه المذهب أربع منازل قبل الأب وأربع بعده، وهي على ما مثلنا، والله أعلم. وفي بعض ذلك اختلاف في الواضحة وغيرها. ومن ذلك في أحكام ابن زياد: فهمنا-وفقك الله- ما طلبت عمة اليتيمة أمة الرحيم من حضانتها، لها وذلك لها إذا ثبتت، وهي أولى الأولياء إذا تزوجت الأم والخالة لها ولا جدة. إلا أن يثبت عندك سخطة حالتها وأنها في غير كفاية ولا حرز، فإن ثبت ذلك سقطت حضانتها وصارت إلى الأولياء، وسألت -وفقك الله- هل تسقط حضانتها ولد لها بالغ أو مقارب؟ فهذا لا يسقط حضانتها ولكن يتقدم إليها في التحفظ بها وإلا تفردها معه. قاله ابن لبابة، وأيوب، ويحيى بن عبد العزيز، ومحمد بن وليد. ومثله وصى نازع في حضانة اليتيم إخوته: فهمنا-وفقك الله- ما تنازع فيه وصي عبد الرحمن بن حاطب وأولاده في حضانته ابنة عبد الرحمن، وقول أخيها إنه أولى بحضانتها، وقال الوصي: هي عندي وأنا أولى بها. والذي يجب فيه ما قاله أهل العلم أن الوصي أولى بالأيتام من العصبة، وإنما الحضانة للجدات والخالات والعمات، فإن عدمن فالوصي أولى من الولي إذا كان مأمونًا- قاله ابن لبابة، وأيوب، وعبيد الله، ومحمد بن وليد، وغيرهم. وقال أصبغ في سماعه: إذا تزوجت أم الصبيان، فالوصي أولى بحضانتهم منها؛ جواري كانوا أو غلمانًا، وإن كان الجواري قد بلغن أبكارًا فالوصي أولى بالحضانة من إخوتهم من عمومتهم وإن كانوا أرضى، وإن انتقل إلى بلد آخر فله حمل الجواري والغلمان وليس لإخوتهم وعمومتهم أخذهم لأنه كالأب، وهذا نحو ما أفتى به الشيوخ. ومالك في الموازية: وللجد أخذ الصبية إذا نكحت أمها، وأما الوصي فليس بينه

وبينها محرك وكونها (أ-55) مع وزج أمها أحب إلي لأنه ذو محرم منها، إلا أن يخاف عليها عنده فالوصي أحق. وفي أحكام ابن زياد: فهمنا-وفقك الله- ما كشفت عنه في أمر الصبيتين المسلمتين اللتين توفيت أمهما وتركت أما نصرانية وللصبيتين جدة لأب نصرانية، فالذي يجب فيه: أن الحضانة للجدة للأم النصرانية وهي أحق من الجدة للأب وإن كانت مسلمة. قاله ابن لبابة، وأيوب، وابن وليد. وقال القاضي: هذا مذهب المدونة وهو قول سحنون في سماع عيسى، وقال ابن الحارث في كتابه: روي البرقي عن أشهب أن الجدة للأب أولى من الجدة النصرانية. قال: وكذلك يقول ابن القاسم. وقال سحنون: الجدة أولى. ولابن القاسم في سماع عيسى: إذا تزوجت الأم فالأب ألوى ببنيه من خالتهم وإن كانت مسلمة. وليس على هذا العمل. ومن تزوج امرأة ولها ولد صغير أو له: ابن زرب في مسائله: إذا تزوج امرأة وله ولد صغير من غيرها فأراد إمساكه بعد البناء وأبت من ذلك، قال: إن كان له من يدفعه إليه من أهل يحضنه له ويكفله؛ أجبر على إخراجه عنها، وإن كان لا أهل له لم يكلف إخراجه وأجبرت هي على البقاء معه، ولو بنى بها والصبي معه ثم أرادت بعد ذلك إخراجه عن نفسها لم يكن ذلك لها لدخولها عليه. وكذلك الزوجة إذا كان لها ولد صغير مع الزوج على هذا حرفًا بحرف. وفي سماع سحنون: عن ابن القاسم: ليس للرجل أن يسكن أولاده مع امرأة له أخرى في بيت واحد ولا مسكن واحد يجمعهم إلا أن ترضى بذلك. وفي سماع ابن القاسم، إن أسكن امرأته مع أبيه وأمه وأهله فشكت الضرر في ذلك؛ قال مالك: ليس له أن يسكنها معهم، فإن احتج بأن أباه أعمى نظر في ذلك فإن رئي ضرر حلوها عن حالها. والنفقة واجبة للزوجة على زوجها إذا بنى بها أو دعي إلى البناء بها شريفة كانت أو وضيعة غنية أو فقيرة، ولا حد لها إلا على قدره وقدرها مع اجتهاد السلطان عند نزول الأمر، وعلى حال الزمان، فإذا لم يتفقا في ذلك على شيء وطلبت المرأة من

السلطان أن يفرض لها عليه فرض لها من المعاش قفيز قمح في الشهر، بالكيل القرطبي وهو فيها وسط من القوت، وهو بالمد أربعة وأربعون مدًا. هكذا قال ابن حبيب في ذلك كله، ويريد بهذا المد مد النبي عليه الصلاة والسلام، الذي هو رطل وثلث قال ابن حبيب: وقال ابن القاسم: يعرض لاه في مثل بلدنا، ويعني مصر ما بين الويبتين إلى الثلاث، والويبة: مقدار نصف قفيز بالقرطبي لأن في الويبة اثنين وعشرين مدًا. وسئل مالك عن ذلك كله فقال: يفرض لها ببلدنا هذا مد كل يوم، بالمد الهاشمي، وهو مد وثلث بمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهذه في الشهر أربعون مدًا بمد النبي -صلى الله عليه وسلم. وفي المدونة: أن مد هشام مدان إلا ثلثا بمد النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن حبيب: والفرض لها من الإدام: الزيت والخل على اجتهاده وعلى حال البلد، وأرى أن يفرض في بلدنا ربع خل، ونصف ربع زيت في الشهر؛ لأنهما الإدامان اللذان يدور عليهما المعاش كله، من السخن والبارد مع الاستسراج من الزيت، ويفرض لها اللحم المرة بعد المرة، لا في كل ليلة. والوسط في الجمعة يومًا وليلة، وأرى أن يفرض لها مع اللحم درهم في كل جمعة إذا كان زوجها موسرًا ولصرف في الشهر لنوائبها من ماء وطحن وخبز ودهن وغسل ثياب درهمان أو ثلاثة في الشهر، ويفرض لها من الحطب الحملان في الشهر، ولا يفرض لها سمن ولا عسل والقطنية ولا صير ولا جبن ولا غيره إلا إن كان منها في ذلك. وأما الكسوة فتنصرف إن كانت حديثة عهد بالبناء وشورتها من صداقها عندها فليس لها غيرها، لا في ملبس ولا في مفرش وملحف، بله الاستمتاع بذلك معها، والكلام لها فيها، بذلك مضت سنة الإسلام وحكم الحكام. يريد إلا إن كان صداقها يسيرًا كما ذكرت فعليه ما لا غنى عنه بها، وذلك في الوسط (ب-55) فراش ومرافقة ولحاف وإزار وليد تفرشه على فراشها في الشتاء، وسرير يكون عليه فراشها إن كان لا يستغنى عنه لعقارب تخاف أو حيات أو فأر أو براغيث، وإلا فلا سرير عليه، وعليه من الحصر ما يكون عليه الفراش حصير حلفًا وحصيرتين أو بردي. ولباسها قميص وفرو عليه لشتائها، من لباس مثلها من قرفاة أو قنليات وقميص يواري الفرد ولفافة سابغة برأسها أو مقنعة سابغة فوق اللفاة تجمع بها رأسها وصدرها، فإن لم يكن خمار فإزار تقذفه على رأسها وتجمع به ثيابها، وخفان وجوربان يكون الخفان والفرو لسنتين ثم يجدد ذلك لها، ويكون عنده مما وصفنا السنة ثم يجدد ذلك لها، ويكون

عنده مما وصفنا السنة ثم يجدد ذلك والحكم مخير، إن شاء أخذ هذا كله لها باسمه، كما وصفنا، وإن شاء أخذه بأثمانها ثم دفع ذلك إليها ما كان منه لشهر فمشاهرة، وما كان على السنة فسنة سنة، وما كان لسنتين فكذلك ما فعل منه فهو صواب. وإذا عجز عن ذلك ووجد ما يرد به مخمصتها من الخبز وحده ولو يومًا بيوم، وما يواري به عريتها ولو بثوب واحد، وإن كانت من ذوات اشرف لم يفرق بينها، فإن عجز عن هذا أو عند أحدها فرق بينهما إن طلبت ذلك بطلقة واحدة، له فيها الرجعة إن أيسر في العدة بعد أن يتلوم عليه في ذلك الشهر أو الشهرين، ولا يفرق بينهما للعجز عن إخدامها. قال فضل: رأيت مذهب ابن المواز ألا يكسوها إلا ما يشبه مثلها، وإن عجز عن ذلك فرق بينهما وليس له أن يكسوها إلا ما يشبه مثلها، وإن عجز عن ذلك فرق بينهما وليس له أن يكسوها ثوب صوف، وإن لم يجد سعة، إذا لم يشبه مثلها وحكاه عن أشهب. وفي سماع عيسى عن ابن القاسم: إن عجز إلا عن الطعام وغليظ كسوة القطن أو الكتان لم يفرق بينهما. وهو نحو ما ذكره ابن حبيب. وكذلك عن القاسم في سماع يحيى: إن لم يجد إلا قوتًا في غليظ العيش كالشعير أو السلت أو القمح غير المأدوم وشبهه، والفسطاطي، فلا يفق بينهما. وإن لم يجد نفقة خادمها وإن كان بلدهم لا يتجاوزون فيه الشعير ولا يستخف بحال، فليس له أن يخصها بذلك. وفيه عن ابن وهب: إذا وجد ما يرد به جوعها من الخبز، ويواري جسدها من العري، ما سوى الشمال والعباء إذا كان ما يسكوها شبيهًا بالفسطاط ونحوه: أجزأه إلا إذا لم يجد غيره. وإن عجز عن أحدهما طلق عليه. وكله نحو ما في الواضحة. وذكرته توطئة لما تذكره من فرض المتأخرين، فيكون أبين من طالعه من المفتين والمسلمين وبالله تعالى نستعين. في أحكام ابن زياد في امرأة طلبت زوجها بالنفقة: طالبت عندي-رحمك الله- امرأة رجلاً بالإنفاق عليها، وادعت أنه زوجها وأقر بذلك، وقال: إنه قد بني بها وأنكرت هي البناء، وقالت: إنه أحبلها وكان يختلف إليها غير اختلاف بناء، فقالت: صداقي قبله فليعطيني إياه وليبن وليحر من الآن النفقة علي. فقال

ابن لبابة: القضاء-أكرمك الله- ألا يحكم بالنكاح إلا بثبات الأصل، فإن أرادا أن يثبتا النكاح فليثبتا عقد النكاح، والذي ذكرت من الصداق إذا تقارا بالحمل إنه منه فقد تقارا بالمسيس، وبالمسيس يسقط عن الزوج النقد بعد يمينه؛ لأنه بينهما كشاهد عدل مع يمينه، ثم يسقط عنه. وأما النفقة فإذا ثبت النكاح وجبت النفقة، وإن اختلفا فيها فلابد من فرضها إن شاء الله. قال القاضي: إن كان هذا الجواب في طارئين في البلد كان جوابًا صحيحًا، وكذلك إن كانا من أهل البلد وكان نكاحهما فاشيًا معروفًا بموضعهما وعند جيرانهما، فإن لم يكن شيء من ذلك ولا قامت بينة على أصله فهما زانيان، إن أقر هو بمسيسها، وإن أنكر ذلك وأنكر نكاحها كانت هي الزانية دونه، وإن طلبها بقذفها إياه حكم له عليها. وقال في الواضحة من قول مالك وأصحابه في النكاح بغير شهود: إن انتبها لذلك قبل البناء أشهد لما يستقبلان، وإن لم يشهدا حتى ابتنى بها ووقع المسيس فرق بينهما، ولم يصدقا، فإن كان أمرهما فاشيا درئ الحد عنهما، عالمين كانا أو جاهلين، وإن لم يكن أمرهما فاشيًا حدا عالمين (أ-56) أو جاهلين، هكذا أوضح لي ابن الماجشون وأصبغ فيه، وهو أحسن ما سمعت. وقال ابن القاسم: إن لم يعذرا بالجهالة حدًا وإن كان أمرهما فاشيًا، ولست أقول به ولا وجدت عالمًا يقوله غيره، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "ادرءوا الحدود الشبهات" وقد كان ابن لبابة يلزمه أن يشير إلى هذا المعنى في جوابه وينبه عليه. امرأة طلبت زوجها بإنفاقها عليه والشهادة بعدمه ودعاوى: قال ابن لبابة: فهمت-وفقك الله- ما ذكره ابن عبد السلام وابن سهل إذا وقفاني بما معهما من الكتب، فنظرت في ذلك فأول ما أخرجا نفقة ابنة الجملي على زوجها، وذكر أن الزوج أثبت عدمه وسألا النفقة على العدم، ويجب في ذلك أن يحلف الزوج في مقطع الحق ما له مال عرض ولا ناض، فإذا حلف فرض عليه على قدره، وقد فرضنا بمحضره ورضي وطبعت عليه.

وأما ابن ثعلبة وصاحبه فقابلا كتابين بيده ابن ثعلبة كتاب مقرط، وبيد صاحبه كتاب مثله، فوجدناها حرفًا بحرف، وقد جاوبنا فيه إن شاء الله: إن الإنزال يجب إلا أن يقيموا البينة على الإنزال فإن عجزوا حلف صاحبهم أنه لم ينزل فلابد من الإنزال. وأما اليهودي، فإن زعم من يملك نفسه من ورثة ابن علاء أنه بيع من اليهودي والثمن عنده لزم اليهودي البينة، فإن عجز حلف البائع من ورثة ابن علاء أن الثمن الذي بيع به باق عند اليهودي ما علمه دفعه إليه، ويؤخذ بما أقر به اليهودي من الثمن بعد أن يحلف أنه الذي قضى فيه وما كان ابتاعه منه. وقال محمد بن غالب وغيره في الشهادة لابن قعنب في العدم، وما شهد به لامرأته من أنه موفر الحال قائم الوجه إلى وقت شهاداتهم، وأنه باع دارًا منذ قريب: الوجه في ذلك أن من زاد في شهادته، أنه علم ما لم يعلم غيره أولى؛ لأن شهادة العدم قالت: نعلم، وشهادة اليسار قالت بقيام الوجه فيها، يؤخذ حتى يأتي ابن قعنب ببينة أنه أعدم هذه الأيام بجائحة أصابته، ويجب الحبس عليه بشهادة الشهود أنه قائم الوجه حتى يصح عندك خلافه. امرأة ادعى عليها التزام نفقة ولدها خمس عشرة سنة، وقالت: إنها أنفقت على ولدها لترجع به على زوجها بار بن مصعب زوجة فاطمة: وله منها ولد، على أن تحمل والدها طيب نفقة الولد خمس عشرة سنة ومؤنته، والصبي ابن ثلاث سنين، وتشاجر أبوها وزوجها في هذه النفقة، فقالت الزوجة: أنفق على ولدك حتى يثبت لك ما تدعيه على أبي. قال أيوب بن سليمان ومحمد بن وليد وعبيد الله بن يحيى: ينفق أبوه عليه الآن إلى أن ينظر بينه وبين جد الصبي المتحمل النفقة بما يجب، فإذا ثبت الشرط على طيب نظر فيه بما يراه أهل العلم ويجمعون عليه إن شاء الله. دوقال ابن لبابة: إن أقر طيب بما ذلك من احتمال النفقة، وذكر أنه كان عن ضرورة، وذكر أن له بينة بذلك، والنفقة ساقطة عن الأب لازمة للجد حتى يثبت الضرر، فإذا أثبته ولم يكن الزوج في ذلك مدفع رجعت النفقة على الزوج أبي الصبي، ورجع طيب عن ابنته على الزوج بكل ما افتدت به وأسقطته عنه، ويرد على طيب كتاب الصداق والنحلة. وقاله ابن وليد.

قال القاضي: جوابهم هذا على خلاف قول ابن القاسم في المدونة: إنه لا يجوز من شرط النفقة على الصبي في المبارة إلى حول الرضاع لا غير، وما زاد فهو ساقط. وجوابهم على مذهب المخزومي وغيره، وهو قول سحنون نصًا في سماع ابن القاسم: يلزمها الإنفاق، ولو اشترط عليها الإنفاق خمس عشرة سنة لكان ذلك لازمًا لها. والمسألة: سئل مالك عمن صالح امرأته على أن ترضع ابنه سنتين وتكلفه أربع سنين تمام ست سنين، فإن ماتت قبل ذلك فأبوها ضامن لنفقة الصبي إلى ست سنين، واشترط إن لم يكن هذا الشرط جائزًا فله الرجعة، قال مالك: هذا الشرط باطل، ولا يجوز في صلح أكثر من الرضاع، فإن وقع فما زاد على الرضاع ثابت على الأب ينفق على ولده، وإنما الصلح (ب-56) إلى الفطام، وهذا على نحو ما في المدونة. وقال سحنون: ما تقدم. وعلى قول سحنون ومن وافقه، وجواب الشيوخ العمل في جواز المبأراة على التزام الزوجة أو غيرها النفقة على الولد أعوامًا تزيد على عامي الرضاع، وعليه وضع المتقدمون وثائقهم، وقولهم إن أثبت طيب الضرر الذي كان التزام النفقة من أجله سقطت عنه ولزمت الأب. وفي وثائق أبي عبد الله بن العطار خلافه. قال: إذا انعقدت المباراة بضمان الأم أو غيرها، للزوج ما لحقه من درك شيء من أسباب المباراة، فيثبت عليها ولاية أو غيرها مما يسقط عنها الالتزام لزم ذلك الضامن وقضي به للزوج، وإذا كانت المبارة بغير حميل، وثبت عدم المرأة أو ما يسقط عنها ما التزمته من ثبوت ضرر أو غيره، رجعت على الزوج. وجواب الشيوخ في مسألة طيب ظاهرة خاف هذا؛ لأنه لم يلتزم ذلك في الأغلب إلا على سبيل الضمان عن ابنته، وقد أنكر أبو عبد الله بن الفخار في ذلك قول ابن العطار وقال: إذا سقط الالتزام عن المضمون عنها بثبوت ضرر سقط عن الضامن، إذا لم يرتبط بذمتها حق لأنه قد ثبت ما أسقطه عنها، وكذلك الضامن لأنه إنما ضمن ما ظنه لازمًا للمضمون عنها، وإذا سقط الأصل فالفرغ أولا بالسقوط. وقد كتب إلى بعض فقهاء بطليوس في هذه المسألة في جملة مسائل في عشر الخمسين وأربع مائة وأعلمته في جوابي بالاختلاف بين ابن العطار وابن الفخار، وأن

الاختلاف في هذا الأصل موجود لكبار أصحاب مالك، وتركت هنا ذكره اختصارًا وقد نبهنا عليه. وقالوا في التي أنفقت على ولدها: فهمنا-وفقك الله- ما قام به وكيل أمة الرحمن عنها من طلبتها النفقة التي ثبتت لها عندك على ولدها ويمينها التي أحلفها عليها؛ إذ كان ادعى عن أبي رباعة أنه كان قد دفع إلى أمهم نفقتهم من وقت كذا، إلى وقت كذا فحلفت أنها لم تقبض منه نفقة ولده منها، وإنما هي أنفقت عليهم من مالها لترجع به، فالذي يجب في ذلك أن يثبت عندك الوقت الذي قبضتهم فيه من العمة وخاصمت أباهم في النفقة. قاله عبيد الله، وابن لبابة، وابن وليد، وأيوب بن سليمان، ويحيى بن عبد العزيز. قال القاضي: قولهم: يجب أن يثبت عندك الوقت الذي قبضتهم من العمة؛ يدل على أنها مطلقة وإذا كان كذلك فالقول قولها مع يمينها في النفقة من يوم صاروا في حضانتها لا من يوم خاصمت أباهم فيه، كما قالوا، إلا أن كان خصامها فيها يوم قبضها لولدها وأقرت بقبض ما أنفقت قبل الخصام. في فرض على مولى عليه: فهمنا ما طلبه ابن خالد من الفرض له في النفقة والكسوة والإخدام، فرأينا له ذلك ويفرض له نفقة واسعة لسعة حاله، وذلك قفيز قمح مطحون، ومن الزيت نصف ربع الموقيد والإدام، وحمل حطب، وصرف سبعة دراهم لكل شهر، وإن اشتريت لها خادم فرض لها قفيز مطحون، ودخلت في هذا الصرف، ويشتري له طهارة وغلالة وسراويل لصيف مما يشبه مثله، ورداء وكسوة الشتاء فرو ومحشو وزوج أمواق وجوارب وخفان بلبودهما مما يصلح لمثله في سعة ماله. قاله محمد بن لبابة، ومحمد بن وليد، وأيوب بن سليمان. وكانت فاطمة بنت خيرة إلى نظر أخويها عبد الملك وعبد الرحمن بإيصاء أبيهم بها إليهما على أن من عاقه منهما فالباقي منفرد بالنظر لها، وسكنت مع عبد الملك منهما من أول سنة سبع وأربعين وأربع مائة إلى أن توفي في عقب شعبان سنة تسع وخمسين، وأوصى عبد الملك بالنظر على صغار بنيه إلى زوجة أمهم عائشة.

ووكلت عائشة عن نفسها وعن صغار بنيها ابنها حزب الله، ووكله أيضًا كبار إخوته على طلب حقوقهم كلها والمخاصمة عنهم فيها والإقرار والإنكار، توكيلاً (أ-57) تامًا مفوضًا، فقام حزب الله على عمه عبد الرحمن الناظر مع أبيه عبد الملك لعمته فاطمة، وطلبه بإنفاق أبيه من ماله على فاطمة هذه المدة المذكورة على سبيل السلف في مطعمها ومشربها وكسوتها للباسها ورقادها. وأثبت عند الوزير صاحب الأحكام ابن حريش موت أبيه وعدة ورثته، وتوكيل إخوته الكبار له وسكنى عمته فاطمة مع أبيه عبد الملك في دار واحدة المدة المذكورة، وأنه أشهد مرارا على نفسه في خلال تلك المدة أنه إنما ينفق من ماله عليها ليرجع به في مالها إذا بيع أصل من أصولها، وأن فاطمة أقرت بذلك أيضًا على نفسها بعد وفاته وأنه اق له عليها لم يتأد إليه عنها. وأثبت عنده ملكها للدار التي بداخل مدينة قرطبة بحومة مسجد البلنسي برحية أبان، وأن لها أيضًا ثلث دار بهذه الحومة وباقيها لأخيها عبد الرحمن، وسكنى عبد الرحمن لهاتين الدارين المدة المذكورة، وحيزت الداران وثبتت حيازتهما عند صاحب الأحكام. وحضر مجلس نصره عبد الرحمن، واعذر إليه في جميع ما ثبت عنده ما تقدم ذكره، فقال: إنه لا مدفع عنده في ذلك، إلا أن أخاه عبد الملك المتوفى إنما أنفق على أختهما فاطمة من مائتي مثقال أثنتين ذهبًا قرطبية نصفية كان أبوهم خيرة وهبهما لها وأعطاها عبد الملك ليجهزها منها وينفق عليها بعضها، إلا أنه لا بينة له على هذا. وثبت ذلك من قوله عند صاحب الأحكام، وشاور في ذلك كله أهل العلم ابن عتاب وغيره، فقالوا: الكراء لازم لعبد الرحمن في سكناه دار فاطمة المدة المذكورة، وفي سكناه أيضًا حظها من الدار الثانية على ما يقومه أهل البصر في تلك الأعوام، وإن إعداء ورثة عبد الملك بما أنفقه أبوهم على فاطمة في هذا الكراء وفي ثمن ما ثبت لها من الأصول بها واجب بعد يمين من يملك نفسه منهم: أنه ما يعلم موروثة عبد الملك قبض من ذلك شيئًا ولا وهب منه قليلًا ولا كثيرًا، وأنه لباق عليها إلى حين يمينه هذه، ولا نعلم ما ادعاه عبد الرحمن من المائتين مثال التي زعم أن أباها وهبها لا. وأخذ بذلك من قولهم، ووجه من وثق بدينه ومعرفته إلى تقويم كراء الدارين، وقومت كل واحدة نهما عامًا بعامًا؛ فتحمل في ذلك مائة مثال وأربعة وأربعون مثقالا

ونصف مثال وأحضرها ودفعها إلى الورثة وقبضوها وخاصهم بها في بعض ما وجب لهم من إنفاق أبيهم على فاطمة عمتهم، وبقي سائره حتى يباع فيه من الدار والثلث الثابتين ما ينتصفون منه وفرض لها بعض الفقهاء في نفقتها في تلك الأعوام وكانت هذه المحجورة امرأة كبيرة -ربعي دقيق قمح، وثمني زيت، ونصف حمل متوسط من حطب، وثلاثين درهمًا في صرف، وفي غلاء السعر ربعًا ونصفا مندقيق وثمنا ونصفا من زيت، وللباسها في العامين قميصين وسروالين وخفا ومقنعًا من كتان، وفي زمان البرد محشوًا وفروا لثلاثة أعوام، ولرقادها ملحفة ومرفعة لثلاثة أعوام وكساء فرقسيًا وفراشًا مملوءًا بصوف لأكثر من هذه المدة على حسب ما يرى، وكان أخوها عبد الرحمن وصيًا قد أراد أن يضمها إلى داره لتسكن معه وأبت هي إلا السكنى مع بني أخيها، فأفتى بعض الفقهاء أن لها السكنى حيث شاءت. وفرض غيره بغير قرطبة لرضيع قميصين ومحشوًا وبنيقتين وفسقيتين من كتان ولفافتي كتان ولفافتي صوف وشويزكة في مهد، وقطعة نطع للشويزكة ومخدة مملوءة صوفًا ونصف ملحفة ولحيف كتان محشو قطنًا، ولنفقته في الشهر ربع ربع دقيق وثمني زيت طيب للأكل وثمنًا واحدًا للوقيد، وربعًا ونصف من فحم، وأجرة الرضاع، وكراء ومسكن له. وفرض غيره لابن ستة أعوام فقصر في بعض وأفرط في بعض، قال: في الشهر ربعًا وربع ربع من الدقيق الطيب، ومن الزيت العذب ثمنًا، ومثله للوقيد، ومن الحطب الجزل حملاً من أربع حزم، ومن الصرف نصف مثال يدخل فيه أجرة الفران ومعلم القرآن والحمام والحجام، وله كراء بويت من المسكن الذي يسكنه مع أمه ويخدمه من يوقم بجميع أموره، ويكسى في العام للباسه قميصين من كتان لين ومحشو (ب-57) كتان رقيق أو ملحم صفيق وزوجي سراويلات من كتان، وله من الأخفاف الجراد ثلاثة أزواج، وفي البرد فرو خرفان وجوارث صوف وكبيلة من خز وغفارة برارية، وللرقاد مربعة كتان ملونة ومخدة من كتان بيضاء مملوءتين صوفًا ونطعًا جديدًا، وملحفة كتان جديدة لينة ولحافًا جديدًا من كتان محشوًا بالقطن، وللبيت الذي يسكن فيه مع غيره حصير حلفا ومقعد صوف مبطنًا بجلد ووسائد صوف لزمن الشتاء ونمرقة جلد لزمن الصيف وما يحتاج إليه من أواني الفخار للعجين والاستقاء والشرب وغربال الدقيق وحبل البئر. فهذا

ما حضرني في ذلك بعد الاجتهاد والتقصي. قال القاضي: كتبت هذا الفرض على نص ما أفتى المفتي ليقف متأملة على نقصائه وما زخرفه من هذيانه، وعلى جهله وقصر علمه وعقله كذكره الحجام والحمام وكبيلة خز، ومالك رضي الله عنه يكره دخول الحمام ولباس الخز، وهو يفرضه، وأدخل في الصرف بعد أن حده الفران ومعلم القرآن، ولعل ذلك مما يستغرق المسمى للصرف فيبقى المفروض له دون صرف، وغير ذلك مما هو لغو وهو أدخل في الهذيان منه في التفسير والبيان، والله المستعان. وليس كل من يفتي يدري أيفتي أم يهذي، وما كل من أجرى يقال له مجري، وقد كنت علقت فصلا لغير هذا المفتي في فرض أيضًا يشبه هذا في الاحتفال والتكثير والخطل والفتور، ورأيت ترك الاشتغال به أولى بنا وأجمل بكتابنا. وسألت ابن عتاب عن المطلقة المرضع والحامل: هل لها خدمة على الزوج إن كانت عنده مخدومة قبل الطلاق؟ فقال: لا خدمة لها؛ لأن المرضع إنما لها أجرة الرضاع فهي مؤاجرة بنفسها وكذلك الحامل لا خدمة عليها وعليها خدمة نفسها. قال: ويحتمل أن تزاد المرضع في الأجرة لاشتغالها بذلك وما يتكلف من مؤنته. وفي المدنة في كتاب إرخاء الستور في باب ما جاء في نفقة الحامل والمحضونين، خلاف ما ذكر. وقد روي عن ابن القاسم في غير هذا أنه ليس على والد المحضون إلا النفقة، وليس عليه له كراؤه، وقال ابن وهب: لا خدمة عليه له ولا سكنى. وهو مثل ما قال ابن عتاب في الإخدام وبه جرى العمل عندهم ولم يكن ممن يخفى عليه مثل هذا. وسألت ابن مالك عن ذلك فقال: الذي لم يزل يفتي به أن تزاد الحاضنة المرضع في الأجرة للخدمة إذا كان المولود له موسرًا، وإذا كانت المطلقة حاملاً مرضعًا فلمالك في سماع أشهب: لها نفقة الحمل ونفقة الرضاع جميعًا، ودليل المدونة أنها ليس لها إلا نفقة الحمل وحدها وهو الأظهر في النظر. مسألة يوسف بن هارون في مغيبه عن زوجته ابنة عمر: نكح يوسف هذه المرأة بكرًا، أنكحه إياها أبوها ثم غاب عنها قبل بنائه بها غيبة طويلة إلى الثيروان، فقام أبوها عندي يريد تطليقها عليه لعدم النفقة، وقال: إنه لا يريد الإنفاق عليها وأثبت عندي مغيب الزوج وأنه لم يتخلف لها شيئًا ولا أرسل إليها بشيء

ولا رجع من مغيبه، وتلومت عليه شهرين وكتبت بذلك إلى قرطبة وغيرها. فأفتى أبو عبد الله بن عتاب: إن قام الأب عنها بتوكيلها إياه على ذلك فإنما تحلف فيه الزوجة لا الأب، فإذا حلفت طلقت بنفسها وليس للأب قيام بذلك إلا بتوكيلها؛ إذ لها أن تتربص على زوجها وتنظره، وينفق عليها من مالها وعمل يدها. وأفتى أبو عمر بن القطان: لا يمين عليها ولا على الأب في ذلك، ولها أن تطلق نفسها، وأفتى أبو عمر بن رشيق فقيه المرية: إذا ثبت المغيب وسأل النفقة لابنته بتوكيلها إياه على ذلك فلها النفقة من حين قامت، ويضرب السلطان للغائب أجل شهرين، فإذا انقضى حلفت الزوجة: أنه ما ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئًا تمون به نفسها ولا تعلم له ما لا ترجع فيه، ولا أن الزوجية انقطعت بينهما، وتثبت هذه اليمين عند الحكم، ويكون لها أن تطلق نفسها (أ-58) من زوجها طلقة واحدة وتتزوج ساعتئذ ولا عدة عليها إذا لم يبن بها. قال القاضي: قوله في يمينها: ولا أن الزوجية انقطعت بينهما لا اعلمه لغيره. وقول ابن القطان لا يمين عليها ولا على الأب في ذلك- لا وجه له، وقد تقدم من قول ابن القاسم وغيره أن السفيه يحلفه في حقه. وفي سماع ابن القاسم عن مالك في بكر: أنها تحلف في موضع ثان والأصل في ذلك واحد، وانظر في المرأة تمرض فيقل أكلها وتطلب من الزوج فرضًا كاملاً أو تكون قليلة الأكل يكفيها اليسير وتطلب فرضًا كاملاً هل يقضي لها بذلك أم بقدر حاجتها وما يكفيها؟ وفي كتاب أبي بكر الوقار: وإذا مرضت المرأة فعلى زوجها النفقة عليها ولا يلزمه أن يجاوز ما يلزمه في صحتها، ليس عليه دواء ولا أجر طبيب ولا علاج إلا أن يتطوع بذلك. وقال ابن زرب في مسائله فيمن التزم الإنفاق على رجل فأبى أن يكسوه: نزلت عندي في هذه المسألة فشغلت بالي مدة ثم ظهرت لي وكان وقال الملتزم: إنما أردت الإنفاق لا الكسوة وطلب الملتزم له ذلك الكسوة مع النفقة فلزمته أن ينفق عليه ويكسوه،

والحجة لذلك قول الله تعالى: (وإن كن أولات حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن)، فأجمع أهل العلم على أنه ينفق عليها ويكسوها فالكسوة داخلة في الإنفاق. قال القاضي: في هذا نظر وإنما هذا في كل نفقة يحكم عليه بها وإن لم يطع بها كنفقة الزوجات والآباء والأمهات والبنين والبنات والعبيد والإماء ونفقة العامل في القراض إذا كان المال كثيرًا والسفر بعيدًا، وأما من التزم الإنفاق على أحد ممن لم يقض له به عليه بل طاع له بذلك إحسانًا إليه وقال: إنما أردت المطعم لا الكسوة، وقال الآخر: قد التم إنفاقًا مجملاً فاكسني كما تطعمني، فهذا شيء لا يلزمه عندي بدليل ما في المدونة في كتاب الرواحل والدواب، قال مالك: فيمن تكارى إلى الحج ذاهبًا وراجعًا أو إلى بلد كذا على أن على الجمال طعامه؛ فلا بأس به ولا يصف النفقة كالمتزوج لا يجد نفقة وهو لا بأس به، وكذلك العبد يستأجر السنة على أن على الذي استأجره نفقته وكذلك لو كان حرًا. قال: فقلنا لمالك: فلو اشترط الكسوة، قال: لا بأس بذلك، فقلنا له: فلو استأجره بكسوة وصفها وبطعام قط. قال: لا بأس به. وكذلك إن كان مع الكسوة واطعام دنانير أو دراهم أو عرض بعينه لم يكن به بأس. وفي كتاب الجعل والظئير نحوه، إلا أن مسألة العبد هنا أبين لفظًا، فقوله: فلو اشترط الكسوة بعد قوله: استأجره على أن عليه نفقته؛ يدل على أن النفقة لا تقتضي الكسوة في مثل هذا، ولو كانت عنده مقتضية لها لقال له إذ سأله عنها: لفظ النفقة يقتضيها فهو في غنى عنها. وفي الواضحة قال ابن حبيب: لا بأس أن يسترجع الرجل المرضع لولده السنة والسنتين بشيء مسمى على أن نفقتها في طعامها وكسوتها على أبي الصبي؛ ذلك جائز، سمي النفقة والكسوة أو لم يسمها؛ لأن قدرها معروف وهذا بين في خروج الكسوة عن النفقة في هذا وشبهه، وله في موضع آخر في كتابه نحوه. ويؤيد ما ذهبنا إليه أنه لو التزم الإنفاق على إنسان فأنفق عليه شهرًا أو سنة ثم قال: هذا الذي أردت ولا أزيد على ذلك، وطلبه الآخر بالإنفاق عليه حياته، لصدق الملتزم وما لزمه أكثر مما يذكر أنه أراده ولا يجوز غير ذلك، فكذلك إذا قال، إنما أردت المطعم لا الملبس. وفي كتاب الصدقة من المدونة: فيمن تصدق بحائطه على رجل وفيه ثمرة قد طابت

أو أبرت، وقال: إنما تصدقت بالأصل لا بالثمر، قال مالك: هو مصدق. قال ابن القاسم: ولا يمين عليه، وكذلك روي أشهب عن مالك في كتاب ابن المواز: أنه مصدق ولا يمين عليه في ذلك ويتخرج من بعض مسائل هذا المعنى أنه يحلف، من سماع أصبغ وغيره. وفي كتاب ابن سحنون: من قال لك: في داري جزء، صدق فيما يسميه مما هو جزء، وكذلك في قوله: شخص أو طائفة أو سهم أو حق أو نصيب في قول أصحابنا، ويحلف. قال سحنون: وإن قال: لك في ثوبي حق ثم قال: هو رهن عنده، أو قال: لك فيه شرك بدرهم من ثمنه صدق. وفي هذا كله دليل على تصديق من تطوع بشيء فيما يذكر أنه أراده إلا أن يأتي (ب-58) بمحال أو ما يبعده عرف وشبهه. ومن هذا الباب من حلف ليتصدقن أو ليصومن ولم ينو شيئًا ولا سماه؛ صام من شاء وتصدق بالدرهم والنصف والربع على ما في نوازل سحنون، وكأنه استقل الفلس والفلسين. ولمالك في سماع أشهب من ذلك: ومن استرعى أنه متى أعتق عبده فلانا أو متى حبس داره التي بموضع كذا ثم أعتق أو حبس لم يلزمه شيء، وإن من يعرف التقية وصدق فيما يدعيه ويذكره. وقد مر في كتابي هذا كلام ابن زرب أن كل متطوع مصدق ولو ذهبت إلى نقل ما يدل على صحة ما ذهبنا إليه في ملتزم النفقة أنه يصدق إن قال: لم أرد الكسوة، مما يحضرني الآن ذكره لاجتمعت منه ورقات والحمد لله. وأما إن قال ملتزم الإنفاق: لم تكن لي نية ي مطعم ولا ملبس فيقال له: قم بهما جميعًا، والله تعالى أعلم بالصواب. وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت فما كان يعرف للرجل فهو له مع يمينه، وما كان يعرف للنساء فهو لها مع يمينها، على ما في الواضحة. وقال فضل: هو مذهب المدونة وقاله المشيخة السبعة. وقال سحنون: هو لمن عرف أنه من متاعه دون يمين. وما كان مما يشبه أن يكون لهما فهو للرجل مع يمينه. قاله مالك في سماع يحيى، وكذلك في المدونة، وقال ابن وهب وغيره: يقسم بينهما بعد أيمانهما، وقاله المغيرة، وقد روي عن ابن القاسم مثله. وفي أحكام ابن زياد من ذلك ويتصل به كلام في دعوى ورضاع: أقرأنا القاضي -وفقه اله- كتابًا فيه فتيا أهل العلم فيما ألفى في دار المتوفي ابن وهب من الرقيق والدواب أنه للرجل إلا ما أقامت المرأة البينة عليه أنه لها بابتياع أو غيره مما يحق الملك

لمدعيه، وذلك صواب من الفتيا وحق لا يجب لأحد اعتراضه إن شاء الله في فتيا أصحاب مالك رحمه الله. ثم قال ابن سهل حين أشرنا عليك بتوقيف الخادم: إن الصبي يحتاج إلى من يخدمه، ودعا إلى كون الخادم بيدها، فلولا دعوى المرأة فيها لكان توقيفها لخدمته مما يجب للصبي. وزعم أنه يثبت صداق سيدة زوجة ابن وهب فإن كان ذلك قريبًا كان التوقيف للخادم فيما يعرف حسنًا وإن ادعى طولاً أمضيت النظر على ما أفتى به أهل العلم، فإن صح للمرأة شيء أخذت لها به إن شاء الله. ولابد من معرفة عين الخادم أنها هي التي شهد بها للمرأة من يشهد من قبل أنهم قالوا ما في الكتاب من شهادتنا حق ولابد من معرفة عين سيده وأنها هي التي لها الصداق فإذا اوعبت نظرك على ابن سهل بتصحيح هذه المعاني وقف وكي الصبي على مدفع إن كان عنده ثم تأتي الفتيا حينئذ على ما يدفع به ونرى إخراج الدنانير عن يد الزوجة وإن طالت المدة في إثبات الصداق ووضعها على يدي وصي الصبي، وإن برئت المرأة برضاع الصبي ودعت إلى أجرة تجرى لها فذلك سواء، إلا أن يجد الوصي من يرضعه بلا ثمن فيقال لها: أنت بالخيار إن شئت أن ترضعيه بلا ثمن أو تبرأ منه قاله. محمد بن غالب، ومحمد بن وليد، وغيرهما. وقال ابن زرب في مسائله: بيت الزوجين أصله للزوج وما كان فيه من شيء كأن يكون القول فيه قول الزوج لولا أن المتعارف أن الزوجة يكون لها فيه أشياء، فما ادعت من شيء يشبه أن يكون ها وادعته لنفسها صدقت فيه مع يمينها وإن ادعت أن ذلك الشيء لغيرها ولغير زوجها لم تصدق وكان القول قول الزوج، واحتج عليه ابن دحون، وقال له: أرأيت رجلا له فدان فيه زرع قال هذا الزرع لفلان؛ لا شيء له فيه، وقام آخر يدعي أن الزرع له، أليس يكون الزرع للذي أقر له به صاحب الفدان فقال القاضي: بلى. وبين هذه المسألة ومسألة الزوجة التي تقر بمتاع في البيت لغيرها فرق: وهو أن البيت أصله للزوج كما أن الفدان أصله لمقر له وما في الفدان على القياس فإذا نفاه عن ملكه وأقر به لرجل فكأنه شيء بيده وأقر به لربه وأعطاه إياه فعلى غيره مما ادعاه البينة على دعواه.

قال القاضي: اعتراض ابن دحون غير مطابق لما بسطه ابن زرب من معنى اختلاف الزوجين في متاع البيت وإنما كان يوافق اعتراضه ما أصله ابن زرب لو قال له فإذا كان البيت بيت الرجل وكان القياس أن يكون (أ-59) له ما فيه إلا ما أخرجه اعرف عنه، أرأيت إن كان في البيت درع أو سيف أو غيره مما هو معروف للرجل فقالت المرأة: هي لي، وقال الرجل: ليس لك ولا لي إنما هو لفلان أودعه عندي، هل يكون لفلان الذي أقر له الزوج به، أم يكون للمرأة التي تحتج بيدها عليه وكونه معها في مسكنها؛ فتدبر كيف يكون الجواب في هذا وستأتي مسألة الفدان وزرعه، في موضعه في باب الدعوى إن شاء الله عز وجل. والطعام إذا تنازع فيه الزوجان وهو في مسكنهما هو للرجل مع يمينه وكذلك الذهب والدراهم إلا إن كانت المرأة حديثة عهد ببيع دارًا أو غيرها مما يشبه أن يكون المتنازع فيه ثمنها، فيكون لها ذلك مع يمينها. ونزلت عند القاضي بقرطبة أبي بكر ابن منظور مسألة وهي: رجل كان يعرف بابن الصابوني كان ساكنا بغرة، ورحل إلى قرطبة فأودع عند إنسان بغرة بسطًا ومصليات صوف ثم مات بقرطبة، ونازع بنوه زوجه في تلك المصليات المودعة، وقالوا: هي لأبينا ولنا ميراثنا منها، وقالت الزوجة: بل هي متاعي ولي، وقال المودع: إن المتوفي جعلها عنده، فكنت أفتيت أنا فيها: أنها تورث عن الميت بعد يمين بنية أنها له، ووافقني كثير على هذا وخالف بعضنا، وقال: إنها للمرأة كما لو كانت في بيتها تحلف وتأخذها وهو عندنا خطأ من القول، والله ولي التوفيق.

باب الطلاق وأسبابه

باب الطلاق وأسبابه قال القاضي أبو بكر بن زرب في مسألة نزلت بقرطبة؛ مسألة تخيير، وهي: رجل قال لزوجه: قد خيرتك فقالت: قد اخترت الطلاق، فقال لها: أواحدة أو اثنتين أو ثلاثًا، فقالت: لم أنو شيئًا؛ فتوقف عنها قوم وأفتى آخرون، وتأملتها وتثبت فيها، فأفتيت لها مثلا في سماع عيسى عن ابن القاسم إذا حلف من عليه حق بالطلاق ولصاحبه ليوفينه إلى أجل يسميه فيحنث فيقول صاحب الحق: أردت البتة إذا أحلفتك وقال الحالف: لم أحلف إلا ونيتي واحدة، فقال ابن القاسم: القول قول صاحب الحق، وروي زونان عن ابن وهب أن القول قول الغريم الذي عليه الحق. ففي قول ابن القاسم دليل على أن الطلاق هكذا ليس يقع على جميع الطلاق؛ إذ جعل القول قول صاحب الحق، ودل قوله إن صاحب الحق لو قال: أردت واحدة لكان ما قاله. وقول ابن وهب أظهر في التبيين إذ جعل القول قول الحالف باليمين إنه ما أراد إلا واحدة؛ وفي القولتين بيان أن لفظ الطلاق لا يقتضي جميعه لما قاله ابن القاسم بتنوية صاحب الحق، ولما صدق ابن وهب الحالف وبيان ذلك في كتاب الله عز وجل قوله تعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، فقد عرفنا الله تعالى أن الطلاق واحدة ثم ثانية والتسريح هي الثالثة. قال القاضي: هكذا وقعت في كتاب مسائله جمع أبي بكر عبد الرحمن بن محمد التجيي المعروف بابن حربيل ولم يعط فيها جوابًا بينًا في مسألة التخيير التي ذكر نزولها إلا أنها جرت عند أبي عبد الله بن عتاب في موضع سماعنا عليه بجامع قرطبة في أول زيادة الحكم في الجهة الغربية منه يوم الجمعة منسلخ رجب سنة أربعين وأربع ومائة، فقال لنا: سألنا عنها أبو محمد بن الشقاق منذ خمسة وعشرين عامًا في ذلك الموضع وأشار لنا إلى ناحية القبلة مما يلي المغرب فتعاييت له فيها وكان قد أخبرني بها أبو بكر التجيي وقلت له: ما ترى أنت فقال: نزلت واختلف فيها أبو بكر ابن زرب وأبو عمر الأشبيلي فرأى ابن زرب أنها ثلاث، ورأى الأشبيلي أنها واحدة ثم لا تلزم. وكأن أبا عبد الله مرض هذا، أعني جواب الأشبيلي وهكذا كتبتها عنه حينئذ. والصواب عندي أن تطلق منه بثلاث لأنها فيها خيرت أو في المقام فإذا اختارت

الطلاق وأبهمته وقالت إنها لم تكن لها نية بلغ به أقصاه وألزمت منتهاه ويؤيده قول أصبغ: إنها إذا قالت في التخيير أو التمليك: اخترت أمري فذلك فراق لأنه عندي جواب له وجوابهن في مثله وغيره على الفراغ، فلا أرى أن تسأل هذه عما أرادت (ب-59) ولا تصدق إن ادعت عنده، ولا تحل له إلا بعد زوج في هذا قالت بعد الخيار أردت صلحًا أو تقله. وقال ابن المواز: قول عبد الملك أحب إلي أنها إن قالت أردت دون الثلاث قبل منها في التمليك، ويسقط الطلاق في الخيار ولو تورع الزوج في التي يشبه أن تكون عارفة بالفراق بين اخترت أمري واخترت نفسي لكان أحب إلي، فقد لزمه أصبغ في هذه الثلاث بعد قولها اخترت أمري وادعائها أنها أرادت طلاق صلح أو أقل من ثلاث؛ فكيف في مسألة ابن زرب وقد صرحت باختيار الثلاث وانتفت من النية؟ وقد قال أصبغ: لا تسأل عما أرادت في قولها: اخترت أمري، ولا تصدق فيما ادعت من غيره. ولو استدل ابن زرب من هذه لكان أولى بالصواب وأقرب إلى الحق، لأن التي استدل منها التي في سماع عيسى وسماع ابن الحسن: الحالف والمحلوف له، كل واحد منهما يدعي نية قصدها باليمين، ومسألة التخيير: اختارت الطلاق ولم تدع نية. وفي المدونة لمالك في التي كانت تكثير الخروج إلى الحمام فقال لها زوجها: اختاريني أو اختاري الحمام. إن أراد به الطلاق فهو الطلاق. قال ابن المواز: هنا لا ينوي في الطلاق لأنه خيار، ومسألة ابن زرب مثلها. وفي المدونة: إذا خيرت فقالت: قد طلقت نفسي. سئلت فإن قالت: أردت واحدة أو اثنتين لم يكن شيئًا، وإن قالت: أردت ثلاثًا لزمهما ولم يكن له مناكرتها. وفي غير المدونة روي عن ابن القاسم: أنها لا تسأل وهي في التمليك طلقة، وفي الخيار تسأل في المجلس، فإن قالت: أردت واحدة سقط خيارها. قال ابن المواز: أحب إلي أن تكون طلقة في التمليك ولا تسأل في الخيار بعد جوابها؛ لأنه هو الجواب. يريد وتلزمها ثلاث، وهذا كقول أصبغ في: اخترت أمري وهذا كله تدعي فيه نية وإرادة، ومسألة ابن زرب قد اختارت الطلاق ووقفت عن نفسها اعتقاد نية في ذلك وقد قال ابن القاسم في هذه الرواية: لا تسأل في التمليك وهي طلقة وظاهر ألفاظهم في هذه المسائل أنه إن عري قوله من نية أن الثلاث تلزمها في الخيار، كما في

المدونة إذا خيرها وهي مدخول بها فقالت: قد خليت سبيلك، ولا نية لها فهي ثلاث البتة، كما إذا قال هو لها بعد الدخول: خليت سبيلك ولا نية لها كانت ثلاثًا، وهذا يؤيد أن الثلاث تلزم في التي خيرت فاختارت الطلاق، ولا نية لها. ولسحنون في كتاب ابنه: إن قال لغير مدخول بها: أنت مخيرة، فقالت: قد خليت سبيلك، سئلت فإن أرادت ثلاثًا أو لم تنو شيئًا ولا نية للزوج فهي ثلاث، وهذا نص في ذلك، وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله. وسئل ابن عتاب عمن خير امرأته فاختارت طلقة وقد كان طلقها قبل ذلك طلقتين فقال: قد بانت منه بالبتة ولا تحل له إلا بعد زوج، وفي كتاب ابن المواز ما يدل على ذلك. وهذا عندي جواب صحيح ولا يتوجه فيه خلاف والله أعلم. وفي أحكام ابن زياد في امرأة أخذت بشرطها في الضرر واختارت نفسها فهمنا -وفقك الله- ما ذكره محمد بن غالب وكيل أحمد بن طوريل عنه أن أحمد بن العاصي كان قد أنكح ابنته أحمد بن طوريل وأنه لم يبن بها حتى زعم أنها اختارت نفسها بشرط اضرر، فالذي نرى في ذلك أن على أحمد إثبات ما ذكره من اختيار ابنته وأن زوجها قد كان بنى بها فإن أثبت ذلك نفذ الطلاق بينهما على ما تثبته من اختيارها بواحدة أو أكثر من ذلك وإذ قد دعاه الزوج ابن طوريل إلى إخراج صداق ابنته فذلك يوجب أن يؤخذ به حتى يثبت ما ادعى من اختيارها بشرطها بثبوت الصداق. قاله ابن لبابة، وأيوب بن سليمان، وابن وليد، ويحيى بن سليمان وغيرهم. قال القاضي: إن كانت مصدقة في الضرر وهو منكر لهذا الشرط فالجواب صحيح إذا ثبت الصداق الذي فيه الشرط وأعذر إلى الزوج أو وكيله فلم يكن عنده مدفع، وأما إن لم تكن مصدقة (أ-60) فلابد من إثبات الضرر على ما يجب وإثبات الشرط فيه ثم يعذر إلى الزوج في ذلك كله إن أنكره أو فيما ينكره منه. فإن لم يكن عنده مدفع أخذت حينئذ بشرطها وطلقت نفسها بواحدة أو أكثر وله مناكرتها إن كان طاع لها بشرطها ذلك ولم ينكره إذا طلب به وإن كان الشرط في العقد أو أنكره أولا ثم ثبت عليه فلا مناكرة له فيما قضت به من الزيادة على طلقة، ولم يبين في المسألة إن كان بني بالزوجة وثبت ذلك أولا وبه تمام المسألة أيضًا وفي شرحه طول وحسبنا الله ونعم الوكيل.

ومن هذا المعنى: وقف بي-أكرم الله القاضي- رجلان بيبد أحدهما كتاب صداق وكتاب اختيار، وبيد الثاني وهو الزوج شهادات وذكر أنك امرتهما بالوقوف بي لأنظر في كتبهما وأعلمك بالواجب فيها، فقرأت الصداق والشهادات الواقعة على الزوج بعد إنكار الزوج الصداق والإعذار إليه فلم يكن عنده مدفع، فوجب انتساخ الصداق وإشهادك على ثبوته عندك. ونظرت في الاختيار فرأيت اختيار الأمر، ورأيت بيد أبي المرأة كتابًا فيه وقت مغيبة وكتاب الاختيار فيه وقت اختيارها، وشهادة قوم على أنهم وجدوا الزوج بحرارة لتاريخ ذكروه سائرًا إلى مكة ثم رجعوا من مكة فوجدوا بالقيروان وهو في فاقة وقلة ذات يد، ووجدت اختيارها بعد وجودهم إياه بحراوة إلى شهر فإذا قبلت من شهوده أنه كان بالمشرق كما ذلك شاهديه، وجب كشف شهود المرأة باختيارها، فإن قالوا: كان اختيارها في مغيب زوجها بالأندلس لم يخرج عنها في علمهم، حتى اختارت كانت أولى لأنهم شهدوا على حكم قد حكم به من الاختيار. وإن قالوا: لا ندري اتصل مغيبة بالأندلس أم لم يتصل، كانت شهادة الذين وجدوه بحراوة أولى وسقط اختيارها لأنه ظهر كذبها بالبينة إلا أن يكون في شهادتهم مدفع، وإذ قد ثبت عندك عدمه فلابد من إحلافه أنه ما له عرض ولا ناض ولئن رزقه الله ليؤدين؛ قاله ابن لبابة. وقال محمد بن وليد: الذي أقول به أنك إن قبلت الشاهدين أنه كان بحراوة في الحين الذي وقع فيه اختيار المرأة وهي قد قالت: إنه كان حينئذ بالأندلس سقط اختيارها؛ لأنه لم يكن لها ذلك في حين لا يجب لها؛ لأن شهود حراوة مكذبون لها في قولها إنه كان حينئذ بالأندلس إلا إن كان لها فيهم مدفع وإن لم تقبل شهود الزوج وثبت الشرط عنده واختيار المرأة لزم ذلك الزوج. في مبارأة أخذت نفقة ولدها ثم ماتت: بارأ محمد بن عيسى زوجة هند بنت أحمد بن غالب، وقبضت لابنها سعيد الصغير نفقة من أبيه لثماني سنين بعد رضاع الحوين، ثم ماتت وثبت موتها وعدة ورثتها، وطب أبوه من مالها ما بقي من نفقة السنين. فالذي نقول: إن ذلك من حق الصبي بعد الإعذار إلى من شركة في وراثة أمه في

ذلك وما ذكره حامد الرعيني في شهادته: أن المرأة كانت عن ضرر ولا يعرف ممن كان الضرر، أمنها أم من الزوج، فشهادة ناقصة لا توجب ضررًا يحل به شيء مما في المبرأة، ويؤخذ من مالها ما بقي من النفقة التي ثبت قبضها لها إلى إنقضاء الثماني سنين. قاله عبيد الله بن يحيى، وابن لبابة، وسعد بن معاذ، وابن وليد، وأحمد بن يحيى، ومحمد بن أيمن. وفي مبارأة ودعويات: بارأ عبد الله بن محمد بن عبد ربه زوجه سيدة بنت هود، وأمها آمنة حاضرة راضية وأنكرتا ذلك: وشهد أيوب بن سليمان وأحمد بن محمد بن يزيد بذلك، وطعن خصم سيدة وآمنة في الشهادة بأنهما لم يشهدا على معرفة تامة لقولهما في شهادتهما: أنهما يعرفانهما. وهذا-وفقك الله- محمول على التمام لمعنيين: أحدهما أنهما قد سميا آمنة وسيدة وقالا نعرفهما وهذه شهادة تامة، وقول آمنة وسيدة: لسنا مسماتين بهذين الاسمين، والأسماء (ب-60) تتشاكل غير نافع، ويقال لهما: أنتما هما حتى يثبت أنكما غير هاتين، فإن أثبتما نظر القاضي حينئذ بأن يوقف الشاهدين عليهما فإن قالا: هما هاتان العينان لزمهما ولم يضر عبد الله شهادة من شهد هما بخلاف الشاهدين أثبتا العين أو لم يثبتا. قاله ابن لبابة، وأيوب، وعبيد الله بن يحيى، وغيرهم. وفي إيقاع لفظ الطلاق في عدم النفقة أو غيره ممن يكون، أمن المرأة أم من الحاكم: شاورني في ذلك بعض حكام قرطبة: وقفت على ما راجعتموني به عما خاطبتكم فيه مما أدرته طي كتابي هذا من المغيب الثابت عندي وأنا أكرر مخاطبتكم فيه إذ وردين من قبلكم خلاف في أمر الطلاق؛ فمنكم من يشير بإباحته للقائمة وتطلق نفسها، ومنكم من يشير بأن يكون ذلك من قبل الحاكم، وفريق منكم يضرب عن شرح رأيه في ذلك ولا يبين الحقيقة في جوابه فراجعتكم في أني شرح كل واحد منكم رأيه فيه والحجة عليه وإيجاب الجواب عنه إن شاء الله. فجاوب القاضي أبو القاسم بن سراج وكان أحد المشاورين: الذي عيه كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أن الطلاق للرجال والعدة للنساء، إلا ما وقع فيه تخيير أو تمليك فذلك بيد المرأة بما جعله الزوج إليها ووضعه بيدها، وما سوى ذلك مما فيه حكم الحاكم فالطلاق إليه، قال الله جل ذكره: (فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها) فالطلاق إليهما وقال تبارك اسمه (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) فالطلاق إليه عند

الوقف وعدم النفقة مثله وغير ذلك مما فيه حكم الحاكم إن شاء الله تعالى. وجاوب أبو عبد الله بن عتاب: سيدي ووليي: تصفحت خطابك، وهذا الذي سألت عنه قدر تكرر جوابي عليه بشرحه وتفصيله وأنه إذا ثبت عندك أصل الزوجية ومغيب الزوج بحيث لا يعذر إليه وضربت الآجال وحلفت المرأة؛ فتكتب في العقد: أباح لها فلان أن تطلق نفسها طلقة واحدة بملك الغائب فيها رجعتها إن قدم مؤسرًا في عدتها وثبت ذلك عنده من طلاقها وأمرها بالاعتداء من هذه الطلقة، وأشهدوا على ذلك، وكتب بعضهم: وطلقت فلانه نفسها .. إلى آخر الكلام، وهما واحد. وهذا الذي عقده المتقدمون وسلك سبيلهم فيه المتأخرون، وشاهدت عقده ورسمه أبو عبد الله بن العطار في وثائقه وهو الموثق الذي أشار إليه بعض من خاطبك محذرًا عن اتباعه بقوله في كتابه إليك: ولا تلتفت إلى ما قاله بعض الموثقين، ومحل أبي عبد الله في العلم معروف وهو به موصوف، ولقد كان فقيهًا موثقًا حسنًا لم يحفظ عنه أنه أخذ عليها أجرًا إذ أخذ من لا يحسن إحسانه ولا يقوم مقامه، ولا عيب على الأخذ إذا تحرى الصواب والصداق وقصد الحق وأحكم العقد وكتب بالعدل، ولكن التارك أفضل بإجماع من الأئمة لقول الله تعالى: (ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق). وأنت أرشدك الله في صحة منيرك وثاقب فهمك كما خالف مخالف يريد به ما الله به عالم توقفت، فلو صرت ما قال ذلك الموثق في موافقته لترجع ذلك القول على ما قاله من خالفه إذ في الاتباع والاقتداء لمن تقدم أعظم الحجج ولاسيما لمن ذكرته ولا مخالف له فيما أعلم، كيف والحجة فيه قائمة باهرة والسنة فيه ظاهرة وهي الحديث الثابت الذي لم يختلف في ثبوته، ذكره مالك وغيره أن رسول الله صىل الله عليه وسلم خير بريرة في زوجها، وأجمع العلماء على القول به إذا كان الزوج عبدًا فعتقت. ووقع صفة تخيير النبي صلى الله عليه وسلم في المدونة قالت عائشة رضي الله عنها قال له رسول اله صلى الله عليه وسلم "أنت أمك بنفسك إن شئت أقمت مع زوجك وإن شئت فارقت" والمعنى الذي ذكرته مأخوذ من هذا، وراجع إليه مستنبط منه أن الحكم يقول لها بعد كمال نظره بما يجب: إن شئت أن تطلقي نفسك وإن شئت التربص عليه، فإن طلقت أشهد على

ذلك. وأما أمرها (أ-61) بالعدة فلما روي ابن عباس في هذا الخبر فقال: كان عبدًا أسود فخيرها يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد. وهذا ما ذكرته وهو واضح بين الأمر إلا من عاند السنة وخالف الأئمة. وفي هذا الحديث معنى كبير دل على فقه كثير منه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الفراق إلى المرأة وفارقت فإن زعم زاعم أن خبر بريرة مخالف؛ لزمه بيان زعمه وتصحيح قوله بنص مثل ما ذكرناه. وفي المدونة قيل لابن القاسم لم جعل مالك خيار الأمة تطليقة بائنة وهو لا يعرف بائنة؟ قال: لأن كونها فرقة من قبل السلطان فهي تطليقة بائنة عند مالك وإن لم يؤخذ عليها مالك ألا ترى أن الزوج إذا لم يستطع وطء امرأته فضرت له أجل سنة ففرق بينهما أنها تطليقة بائنة؟ والمعنى المقصود إليه من هذه المسألة أن المرأة هي المفارقة وأضافه إلى السلطان ونظر ذلك بالتعريض عن امرأته فدل ذلك على اتفاقهما في الحكم. ومن هذا المعنى: الحر يتزوج الأمة على الحرة، والعنين يضرب له الأجل، وإنما جاوبتك فيما سألت عنه من عدم النفقة والمغيب فأشاركه في المعنى، فله حكمه وما خرج من ذلك سلك فيه طريقة وسأذكر الحكم في المولى بعد هذا إن شاء الله. وجملة القول فيما تقدم أن الحق إذا كان للمرأة خالصًا فإنفاذ الطلاق إليها مع إباحة الحكم فيما على ما جاء في خبر بريرة وينسب ذلك الطلاق إليه إذ هو منفذه والحاكم به، فيقال فرق السلطان بينهما كما يقال قطع الأمير يد السارق ورجم وجلد؛ وهو لم يفعل ذلك وإنما أمر به، وما جاء في كتبنا من تفريق السلطان وشبهه فهو على ما ذكرناه وقد تقدم في غير هذا الخطاب أن السلطان لو أراد إنفاذ الطلاق في ذلك وفي العنين وفي الأمة تعتق وفي الحر يتزوج الأمة وقالت المرأة أنا أقيم ولا أريد الفراق كان ذلك لها. وقد روي أبو زيد عن ابن القاسم فيمن اعترض عن امرأته بأجل سنة فما انقضت قالت: لا تطلقوني وأنا أتركه إلى أجل آخر، قال: ذلك لها ثم تطلق متى شائت بغير أشهر قيل له: فرق وإلا طلقنا عليك، فتقول امرأته: أنا أنظره شهرين أو ثلاثة، قال: فذلك لها،

ثم تطلق متى شائت بغير أمر السلطان. وهذه الرواية ظاهرة أن المرأة تطلق نفسها ولا اعتراض له بما في السؤال من قول المرأة لا تطلقوني لأنها جهلت أن ذلك لها ولأنه في السؤال ثم أعقبه البيان بأنها هي المطلقة بعد التأخير فكذلك تكون هي المطلقة أولا إن أحببت، وكذلك قوله وإلا طلقنا عليك، معناه: أن تجعل ذلك للمرأة وتنفذ هي طلاقها إن طلقت. وقد شاهدت من يحتج لما ذكرته بما رواه أشهب قال: سئل مالك عن الرجل يولي من امرأته فيوقف بعد انقضاء الأربعة الأشهر ليفي أو يطلق، فيقول: أنا أفي فيخلي بينه وبينها ولا تطلق عليه، ويقال له: اذهب قف، فيقيم معها ما شاء الله، ثم تأتي فتقول لم يف ويقول أجل سأفعل، أترى لذلك حدًا ينتهي إليه أم إذا جاءت العام الثانية فرق السلطان بينهما أو كلفه أن يفارق هو بنفسه؛ لأنه قد ترك الفيئة وهو يقدر عليها؟ فقال: أرى أنه إن لم يف حتى تنقض عدتها من يوم وقف على أن يفي أو يطلق، أن تطلق عليه. وسأل عن الرواية كيف هي في اللفظة الأخرى أتطلق أو يطلق عليه؟ ولا أتقلد أنا فيها رواية إذا لم أوقف شيوخنا على ذلك فإن كانت الرواية بالتاء فذلك راجع إلى المرأة وإن كانت بالياء فذلك راجع إلى ما وصفنا وفي المسألة طول تركتها لذلك. والطلاق على المولي ينقسم على وجهين: وجه على ما ذكرنا إذا لحق فيه للمرأة، ووجه آخر يطلق السلطان عليه، فما ورد من مسائل الإيلاء صرف كل وجه إلى شكله، فهنا مسألة أذكرها لك اجتمع فيها الوجهان وهي في المدونة في الرجل يقول لامرأته: إن وطئت فأنت طالق البتة. قال ابن القاسم: ففعله فيها وبره فيها لا يكون إلا حنثًا، فرأى مالك أنه مول وكان من حجته أو من حجة من احتج عنه، وأنا أشك في قوله؛ أرأيت إن رضيت بالإقامة أكنت أطلقها. وفي هذه المسألة أربعة أقوال: أحدها: أن الطلاق يكون إلى المرأة إن أحببت وهو الوجه الذي نصصته عن ابن القاسم، ألا ترى إلى قوله: أرأيت إن رضيت بالإقامة أكنت أطلقها؟ والمعنى كنت ألزمه الطلاق وأجبرها عليه وما دخل في هذا المعنى من الأقوال (ب-61) الأربعة فالحكم فيه ما

ذكرته، وما فارق منها هذا المعنى قال السلطان الطلاق في ذلك لمعنى أوجبه، والطلاق في الإيلاء طلقة واحدة يملك الزوج رجعتها إن فاء في العدة، وكذلك الطلاق في عدم النفقة. وأما أمر الحكمين فليس الحق للمرأة وحدها ولا للزوج وحده، بل الحق لهما جميعًا؛ لأن كل واحد منهما يزعم أن صاحبه هو المضر به المشاق له، فيجعل الحاكم الأمر إلى الحكمين فيفرقان بينهما على حسب اجتهادهما في ذلك بما رأياه وينسب ذلك إيهما وأن الحاكم الموجه لهما. فإن اصطلحا قبل الفرقة، أو فعلا أمرًا يدل على اتفاقهما، فلا مدخل للحكمين في ذلك ولا نظر لهما فيه، وهذا المعنى يروى عن ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهما وبالله التوفيق. قال القاضي: سمعت أبا مروان بن مالك يستحسن هذه المسألة للشيخ أبي عبد الله بن عتاب ويقول: لو كانت لأحد المتقدمين لعدت في فضائله، أو كلامًا هذا معناه، رحمنا الله وإياه. وفي سماع عيسى عن ابن القاسم فيمن تزوج حرة على أنه حر فإذا هو عبد قال لها أن تختار قبل أن ترفع ذلك إلى السلطان فما طلقت به نفسها جاز عليه، وأما الذي يجز فلا خيار لها حتى ترفع ذلك إلى السلطان إذا كرهته وأرادت فراقه أن يفرق بواحدة إذا يئس من برئه وكذلك المجنون إلا أنه يضرب له أجل سنة كان موسوسًا أو يغيب مرة ويفيق أخرى. وهذه بينة في المعنى الذي قصد إليه أبو عبد الله من تقسيم الطلاق المحكوم به أن قسمًامنه إلى المرأة خاصة توقعه دون الحكم، وقسمًا منه آخر ينفذه الحاكم إذا طلبته. وأظن الشيخ لو ذكرها حينئذ لأتى بها في جوابه. وفي تفسير ابن مزين عن أصبغ بن الفرج، قال: ورأيي في الإمام إن طلق في الإيلاء والنفقة والإضرار والجنون والجذام بأكثر من واحدة؛ ألا يلزم منه إلا واحدة لأنه ليس بمحكم في التطليق دون غيره؛ لأن المرأة لو شاءت في جميع هذا ألا تطلق ما طلق فإنما هو شيء يكون إليه بتفويض المرأة فليس بمحكم. شكوى ابنة تمام الوزير بزوجها أحمد بن غانم ومسائل الحكمين: شكت ابنة تمام بزوجها ابن غانم وأرسل القاضي إليها من عرفها وسألها عن

شكواها بزوجها فأقرت به، ووكلت على مطالبته وعاودت الشكوى فيجب في هذا -وفقك الله- ما قد أنزله الله عز وجل في محكم كتابه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها) وعملت الخلفاء به بعد النبي صلى الله عليه وسلم. ولقد سئل مالك عن الحكمين إذا لم يوجد في أهل الزوجين من يرضى التحكيم بينهما، فقال: يبعث السلطان برجلين من صالحي المسلمين، ووجه التحكم أن ينظر الحكمان بينهما فمن رأياه منهما ظالمًا حملا عليه ورجعاه عن ظلمه، وإن رأيا الفرق بينهما إذا أشكل أمرهما عليه كذا بأن يأخذ للزوج منها أو يضعا عنه من حقوقها ما يريانه فذلك إليهما، ثم يلزمهما ما حكما به من فراق على ما أحبا أو كرها؛ هذا وجه النظر بينهما إن شاء الله قاله ابن لبابة ومحمد بن وليد. وقال عبيد الله بن يحيى: إلا أني أرى أن يكون ذلك بعد تلوم واستقصاء نظر فإن الخبر عندنا من الجيران أنها الناشزة الراغبة في الفراق من غير ضرر وصل إليها. والله أسأل توفيق القاضي وجزل الثواب له، وهكذا في أحكام ابن زياد. وفيها أيضًا: إذا أشكل على القاضي أمر الزوجين حتى لا يتوصل إلى معرفة المضار منهما؛ أرسل الحكمين: حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها، فإن لم يكن في أهلهما؛ بعث من يثق به من خيار المسلمين فيحكمان بما يريانه من تفريق بفدية من مالها على ما يريان. قال ابن لبابة: وإن رأيا من ضرره أكثر من ضررها ورأيا التفرقة بغير فدية فذلك إليهما، وإن تكافيا في الشكوى عندها وفرقا بينهما فلابد أني أخذ له منهما. وقاله أيوب وابن وليد. وفيها أيضًا ترددت على شكية ابنة تمام بإضرار زوجها إليها وأذاه لها، فهل ترون أن أرسل حكمين إليها أم أخرجها إلى دار أمين حتى أقيم، كما كانت القضاة تفعل، فهمنا ما سأل القاضي عنه زاد الله في توفيقه (أ-62) والذي نراه أن يرسل إليهما حكمين كما قال الله عز وجل في محكم كتابه لا يجوز غير ذلك؛ لقول الله عز وجل: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) وآية الحكمين محكمة لا نعلم لها ناسخًا فالعمل بها أمر فرض واجب وأمر لازم. قال بجميعه محمد بن وليد.

وقال أيوب بن سليمان: قول أهل العلم في هذا أن يكشف الحاكم أهل الخبرة بهما والجوار لهما من أهل الثقة والأمانة فإذا أشكل الأمر واشتبه الخبر ولم يجد له بيانًا ولا معرفة ظالم من مظلوم؛ أرسل الحكمين، وإن انكشف الظالم منهما رد عن ظلمه وأخذ للمظلوم بحقه منه إن شاء الله، مع أني قد حضرت لهذين الزوجين مقاولة فما رأيتهما اختلفا إلا في دعوى يسرة قريبة وبالله التوفيق. وقال محمد بن لبابة: لا يجوز لأحد الحكم بغير الحكمين لقول الله عز وجل. وقد فعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون بعدهم إلى مالك إلى هلم جرا. وفيها أيضًا في الحكمين: كتب لي عبيد الله بن يحيى: قلت لي رحمك الله: إن أبي وعمي لم يحكما بإرسال الحكمين في أيامهما وإنه لم يجر العمل ههنا بذلك، وإنما كان الذي ينظر به القضاة إخراج الرجل وامرأته إذا اشتكت ضررًا إلى دار أمين حتى يفهم به الحال، فما رأيك رضي اله عنك، أترى أن أمضي على الحكمين أو بما كانت القضاة تفعله من إخراجهما إلى دار أمين؟ قال عبيد الله بن يحي: أما أمر الحكمين فلا أراه؛ لأنك تنفرد بحكم لم يحكم به من كان قبلك من أئمة العدول مثل والدك وعمك رضي الله عنهما، وأما إخراجهما إلى دار أمين أو إسكان أمين معهما فهذا الأمر لم تزل القضاة تعمل به. قال ابن لبابة: لست أقول بهذا، والقول بالحكمين مما لا يجوز الحكم بغيره عندي؛ لأن الله تعالى حكم به وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والعلماء إلى مالك هلم جرا. قال القاضي: أجوبتهم في هذه المسألة مختلفة غير محصلة، ومضطربة غير متفقة؛ هذا عبيد الله في جوابه هذا قد أنكر أمر الحكمين جملة، وقال للقاضي الذي سأله: لا أرى أمر الحكمين لانفرادك بحكم لم يحكم به من كان قبلك من أئمة العدل مثل والدك وعمك. ونسي قوله بهما في مسألة ابن تمام وقد مرت. وقال هنا: إنه لم يره لانفرادك بحكم لم يحكم به من كان قبله من أئمة العدل، وجهل أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكم بذلك على ما حكاه ابن حبيب رحمه الله وأن عثمان بن عفان رضي الله عنه بعث في حكمين؛ علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم جميعهم كذلك رواه ابن وهب عن ربيعة وهو في المدونة وأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

حكم بذلك في خلافته. قال عبيدة: شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجاءته امرأة وزوجها مع كل واحد منهما فئام من الناس فأخرج هؤلاء حكمًا الحديث وهو ثابت عنه ذكره عبد الرازق بإسناد وذكره مالك في الموطأ عنه مختصرًا. فغاب عن عبيد الله هذا كله وأتى بمنكر من القول هبك لم يحكم به قبله حاكم أذلك يوجب ترك العمل بآية من كتاب الله عز وجل محكمة قبل وقوعها فلم يتقدم حكم بها. من ذلك أن الله تعالى حد في شهادة الزنا أربعة شهداء ولم يؤثر لنا أن حكم بهم على أحد، ونزلت في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خبر المغيرة بن شعبة فلم يتموا الشهادة كلهم فحد الذي أتموها حد القذف، فلو نزل في وقت عبيد الله بن يحيى وشهد الأربعة العدول بالزنا علىأحد وأدوا شهادتهم على ما ينبغي أكان يحل مسلم أن يقول: أن يحكم بهم، ولا يحد الزاني بشهادتهم لأنه لم يتقدم به حكم لإمام عدل فكيف والحكمان قد حكم بهما الخلفاء المرضيون وأجمع عليه المسلمون. ولو اعتبر سؤال الذي سأله وتدبره وأتقن فهمه لم يحتج إلى إنكاره ما لا يجوز إنكاره لأنه سئل عن امرأة اشتكت ضررًا لا غير، ليس في السؤال إلا هذا فكان جوابه أن يقول: آمرها بإثبات ما ذكرته وإقامة البينة على ما ادعته بعد تبيينها الضرر ما هو، وكيف هو، فلعل الضرر كان عندها منعها من الحمامات وتأديبها على تعطيل الصلوات. فإذا أثبت ضررًا ألا يجوز فعله بها؛ وقف عليه زوجها فربما أقر به (ب-62) فأسقط كلفة الإثبات عنها، وإن أنكر دعواها أمرها حينئذ بإحضار بينة إن كانت معها، فإن عجزت عنها وكررت شكواها كشف القاضي عن أمرها حينئذ جيرانها إن كان فيهم عدول، فإن لم يكن فيهم عدول بأمر القاضي زوجها بإسكانها في موضع حوله الجيران العدول، فإن بان له من ضررها ما يوجب تأديبها زوجها عليه أدبه ونهاه عن العودة إلى مثله، وإن كان لها شرط في الضرر أباح لها الأخذ به وإن عمي عليه خبرها ورأى إسكانها مع ثقة يعتقد أمرها أو إسكان ثقة معهما فعل. هذا جواب ما سئل عنه وهو معنى ما ذكره ابن حبيب عن مطرف وأصبغ. وفي كتاب الجوار لعيسى بن دينار ما يقرب منه، وإنما الحكمان إذا اشتكى الزوجان بعضهما ببعض وادعى كل واحد منهما أن صاحبه يضر به وانتفى هو من

الإضرار بالآخر وتكرر ذلك من شكيهما على الحكم ولم يبن إليه أمرهما وخاف شقاقًا بينهما؛ فحينئذ يبعث حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها وهو معنى ما رواه عن مالك في المدونة. وقد روى ابن سحنون عن أبيه في المرأة تأتي إلى الحكم فتدعي الضرر من زوجها ويدعي الزوج إضرارها به وسوء صحبتها ولا يعلم ذلك إلا بقولهما؛ فقال: إذا لم يظهر ما ادعيا اختبر ذلك الحكم بأن يجعل معهما أو يجعلهما مع من يفسر له أمرهما ثم يعمل على ذلك فيما يتبين له. وهذا كله قريب بعضه من بعض ويؤيد بعضه بعضًا أن الحكمين إنما يبعثان عند إشكال أمر الزوجين فيما يدعيانه من إضرار كل واحد منهما بصاحبه وبعد طول شكايتهما والكشف عن أمورهما. وأما أن يسألوا عن المرأة تشتكي بزوجها فيفتى واحد بإرسال الحكمين ويفتي آخر بألا يحكم بحكمين لأنهما لم يحكم بهما فذلك كله جهل وجواب عن غير تدبر ولا نظر. والله ولي التوفيق. وما أشبه هذا وشبهه بقول ابن عباس: ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة حتى تحيى البدع وتموت السنن. وقال ابن مسعود: كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يشيب فيها الصغير ويهرم الكبير وتتخذ سنة يجري عليها الناس فإذا غير منها شيء قيل غيرت السنة؟ وقول ابن لبابة وغيره في الحكمين: إن رأيا من ضرر الزوج أكثر من ضررها ورأيا التفرقة بغير فدية فذلك إليهما، كلام غير مهذب، وقولهم بعد ذلك: وإن تكافيا في الشكوى عندهما وفرقا بينهما فلابد من أن يأخذ له منها؛ خطأ. والصواب ما قاله ابن المواز: وإذا وجداهما كلاهما يسيء الدعة فيما أمره الله عز وجل من الصحبة لصاحبه فرقا بينهما على بعض ما كان أصدقها وإن كرهت، ولا يؤمن أحدهما على صاحبه بعد ذلك، وإن ألفياه ظالمًا فرقا بينهما بغير شيء، وإن كانت هي الظالمة دون أقراها عنده وأئتمناه عليها، قاله محمد وحكى مثله عن أشهب ونحوه لربيعة في المدونة فأوجب ابن المواز، ومن ذكرنا معه، الفراق إذا وجد الحكمان كل واحد من الزوجين يسيء صحبة الآخر ولم يجعلوا سبيلا إلى إبقاء العصمة بينهما مع اليقين بإضرار كل منهما بالآخر وأفتوهما بأخذ البعض للزوج منها إذا لم ينفرد بالإضرار وحده.

قال ابن لبابه وأصحابه: إن تكافأ في الشكوى عندهما فلابد من الأخذ منهما فصحفوا الروايات لأن تكافؤهما في الشكوى لا يعطي ثبوت الإضرار عندها الموجب للأخذ له منها؛ لأنهما قد يكونان مبطلين في التشكي، فإن أراد محتج لهم حمل ذلك على أن الضرر منهما قد تحقق عند الحكمين، قيل له: إن كان كذلك فالخطأ فيه من وجه آخر وهو قولهن: وفرقا بينهم. وهو كلام يعطي أنهما إن رأيا ترك الفراق بينهما بعد ثبوت الإضرار منهما، كان ذلك لهما، وهذا لا يجوز؛ لأنه قد قال في الرواية: ولا يؤمن أحدهما على صاحبه بعد ذلك ولم يجعلوا لهما سبيلا إلى إبقاء العصمة وقول أيوب بن سليمان أشبه بما في الأصول مما قد ذكرناه، وإن كان ليس فيه تعرف ما عند الزوج ولا في السؤال عن الزوج أنه ادعى أيضًا ضررًا ليس فيه أكثر من تردد ابنة تمام بالشكوى، وقد بينا وجه الحكم في ذلك موعبًا والحمد لله. وقد أسرف أيضًا أبو عبد الله بن العطار في الوجه الذي ذهب إليه عبيد الله بن يحيى فقال: ولا يقضي بما تقوله العامة عندنا من إسكان (أ-63) أمينة معها يتعرف بها الضرر وليس ذلك في كتاب ولا سنة. وقد أشار بذلك سحنون في مسألته التي كتبناها عنه فوق هذا ونحو في كتاب الجدار وهو حسن إذا طمع بذلك الوقوف على حقيقة ما يتشكيانه فإن لم يرتفع الإشكال وتماديا في التداعي للإضرار على الإضرار رجع إلى التحكم حينئذ إن شاء الله تعالى. مسألة ابن الغاسل في الحكم عليه لزوجته بطلاق الأخرى تزوجها عليها في غير موضعها وقد كان بارًا هذه القائمة بشرطها والمحكوم لها: نزت بطليطلة، وكمل الحكم بها في سنة خمس وخمسين وأربع ومائة. تزوج محمد بن يوسف بن الغاسل بطليطلة امرأة اسمها عيزة وشرط لها في صداقها أن أمر الداخلة عليها بنكاح تطلقها إن شاءت، وكان ينظر في أحباس قلعة رباح وبينها وبين طليطلة ستون ميلاً فكان يسير إليها ويقيم بها مدة ثم ينصرف إلى طليطلة فباري عزيزة في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وأربع مائة وكتب بذلك عقدًا كتمها إياه ثم نهض إلى قلعة رباح ونكح بها امرأة اسمها شمس في نصف المحرم سنة ثلاث وخمسين وأربع مائة فبلغ ذلك التي بطليطلة فقامت عند قاضيها أبي زيد ابن الحشا وأثبتت عنده صداقها

بالشروط المذكورة ثم طلقت على زوجها التي نكح بقلعة رباح ثلاثًا. وخاطب بذلك أبو زيد قاضي قلعة رباح محمد بن بكير ففرق بين ابن الغاسل وشمس التي نكحها بقلعة رباح بما ورد عليه من خطاب ابن الحشا من أخذ عزيزة بشرطها وتطليق هذه عليه ثلاثًا بعد أن أعذر إليه. فاعترض الزوج عنده بمبرأته التي بارأ بها القائمة بشرطها ثم أتى إلى طليلطلة وأثبتت المبارأة عند قاضيها أبي زيد، وشاور الفقهاء فيها. ومضت في ذلك مدة وأفتى بعضهم أنه يحلف ما راجع تلك المباراة بعد مبارأته إياها على سبيل الاستظهار وحلف الزوج عن أمر القاضي في انسلاخ جمادى الأخيرة سنة ثلاث وخمسين وثبتت يمينه عنده، وبقي بطليطلة بعد يمينه نحو شهرين فقامت شمس بقلعة رباح عند قاضيها ابن بكير بعقد استرعاء أنه شرط لها متى غاب عنها طائعًا أو مكرهًا أكثر من ستة أشهر فأمرها بيدها تطلق نفسها بأي الطلاق شاءت وأنه غاب عنها من المحرم المذكور وأثبتت ذلك عنده وأخذت بشرطها وطلقت نفسها ثلاثًا. وخاطب ابن بكير بذلك قاضي طليطلة وأعذر إلى الزوج فقال إنه لم يلتزم لها الشرط المذكور في طلاقها على هذه الصفة الواقعة في عقد الاسترعاء ولا فيه طائعًا أو مكرهًا ولا أن تطلق نفسها بأي الطلاق شاءت، وأظهر الصداق على ما قال، وزعم أن مغيبه عنها لم يكن إلا لمنع ابن بكير إياه منها بتطليق الطليطلة إياها عليه إلى أن أثبت المبارأة وحلف، ووكلت شمس عند قاضي طليطلة وكيلاً على الإقرار والإنكار وغير ذلك وأقر عنده بصداقها الذي أظهره ابن الغاسل وزوجها وطلب منه الزوج صرف شمس هذه عليه فكلفه إثبات مغيبه عنها أنها إنما كان للفراق المذكور مدة الخصام في ذلك إذا كان القاضي قد نسي ما جرى عنده من ذلك فكتب الزوج استرعاء بصورة الحال الموصوفة من تردده في الخصام بطليطلة وغيره من تفريق قاضي قلعة رباح بينه وبينها بما خاطبه وتماديه في ذلك إلى حين اليمين. وشهد عند أبي زيد في هذا العقد محمد بن قاسم بن مسعود ثم لم يأت بشاهد آخر حتى انصرمت الآجال المضروبة عليه في ذلك وعجز، ثم ألفى شاهدًا آخر بعد التعجيز وشهد بعقد الاسترعاء الموصوف، وشرور في ذلك فقهاء طليطلة فأفتى أبو جعفر ابن مغيث بأن لا يسمع من شاهده وبإمضاء ما حكم به عليه للتي تزوج بقلعة رباح، وأفتى أبو

مطرف ابن سلمة بالسماع من هذا الشاهد بعد التعجيز ويبطل ما أخذت به شمس من شرطها في المغيب وكتب إلى الفقهاء بقرطبة. فجاوب أبو عبد الله بن عتاب: أما ما نظر به القاضي أبو زيد فيما أثبته عنده محمد بن الغاسل عن مبارأته لعزيزة بنت يحيى قبل نكاحه لشمس (ب-63) واستحلافه إياه ما ذهب إليه من إمساك شمس فقد كان يوجب له ذلك النظر المذكور لكن ما أوقعت شمس من الطلاق للمغيب الذي غابه عنها يمنع من ذلك على ما أذكره بعد هذا. وتأملت عقد الاسترعاء الذي قامت به شمس في شرط المغيب أنهم يعرفون الناكح محمد قد شرط لزوجه في عقد نكاحها معه ألا يغيب عنها فلم يبين الشهود كيفية علمهم والواجب في ذلك أن يقولوا إن عمهم له بإشهاد الناكح لهم عليه إلا أن يكونوا من أهل التبريز والعدالة البينة واليقظة والعلم. وإثبات الصداق كان أولى ليثبت به الشرط والنكاح. ومن المغمز أيضًا أن اليمين كانت على شمس ولم يذكر أنها حلفت بما يجب به احلف عليها، فإن ثبت فقد بانت بالثلاث التي أوقعتها، ولا سبيل له إليها إلا بعد زوج، هذا إن كان العقد في الصداق بعد أن تحلف لغاب عنها أكثر مما شرطه لها. وإن كان لم ينعقد-أعني أكثر مما شرطه لها- فأمرها بيدها، وكان ما قضت به وأوقعته من الطلاق عند انقضاء الأجل وفوره فالطلاق نافذ وإن كانت لم تحلف، ولا دخول للإكراه فيها ولا مكره، وهذا نص الرواية فيه وما شهد به الفقيه محمد بن قاسم بن مسعود ولو شهد به معه عشرة، وسائر القصة لا يحتاج إليه وفضل مستغنى عنه لا يلتفت إليه ولا نشتغل بالجواب عنه لذلك. وجاوب أبو عمر بن القطان: إذ قد طلقت شمس نفسها بشرطها الذي ذكرت وأعذرت حسبما وصفت، فذلك نافذ على محمد بن يوسف ولازم له ولا يسمع منه ولا من شهوده المذكورين ما ذكرت عنهم ولا يخل بشيء مما ذكرت ووصفت في سؤالك بالطلاق المذكور ولا يبطله. ولما كان غرضك معرفة الجواب فيما سألت عنه ونفذ الأمر كما وصفت تركت الكلام فيما سوى ذلك لطوله. ورأيت بخط يده في سؤال آخر في هذه المسألة ولم يكن يجب للقاضي الذي ذكرت

أن يكلف الطالب المذكور ما ذكرت؛ إذ لم يكن في إثبات منتفع؛ كان في الشرط ذكر إكراه أو لم يكن. وكتبت إليهم فيمن قال لزوجته: أنت طالق ثلاثًا إن كنت لي بزوجة قبل زوج أو بعد زوج هل تحرم للأبد وكيف إن طلقت عليه ثلاثًا فتزوجها بعد زوج؟ فكتب ابن عتاب: لا تحرم عليه للأبد، وله نكاحها بعد زوج إن شاء إلا من يكون أراد بقوله: أو بعد زوج؛ إن تزوجها بعد زوج فهي طالق ثلاثًا، فإن أراد هذا وعقد عليه قوله وحلفه فلا سبيل له إليها والله الموفق للصواب. وقال ابن القطان: هي طلقت منه بالبتة فلا تحرم عليه إن تزوجها بعد زوج وله ذلك إن شاء الله عز وجل، وقال ابن مالك: إذا طلقت الزوجة بعد زوج ثلاثًا ثم تزوجها بقيت له زوجة إن شاء الله تعالى. شورى في رجل طلق في عشية اعترته: شاور الوزير صاحب الأحكام بقرطبة ابن حريش في رجل حضر مجلس نظره وتسمى بأحمد بن عبادة، وذكر أنه تعتريه غشيات يفارق فيها عقله، ويزول عنه بها حسه، حتى لا يعلم ما يأتيه ولا يعقل ما يقع فيه وأنه لما أفاق من بعضها أنبأه من حضره فيها أنه طلق امرأته التي في عصمته ثلاثًا وزعم أنه لم يعلم بذلك وأظهر عقدًا تضمن معرفة شهدائه أنه يغيب أحيانًا على عقله أنهم سمعوه عندما اعتراه هذا قد طلق زوجته ثلاثًا في نسق واحد، وثبت عنده العقد وأعذر إلى الزوجة فصدقت زوجها فيما حكاه من تطليقه إياها في الحالة التي غشي عليه فيها وثبت ذلك عنه من قولها. فجاوب ابن عتاب: يلزم أحمد بن عبادة اليمين أنه لم يكن عالمًا بالطلاق الذي أعلم به بعد تفوهه ولا نواه ولا قصده ولا أراده إن كان الأمر كما حكى له، وأنه كان في ذلك الوقت في غمرة من ذهاب عقله من العلة التي تطيف به وتقدم لتقاضي يمينه من تراه ثم يبقى مع زوجته على ما كان عليه. هذا نص الرواية. وجاوب ابن القطان بما وافق ذلك في المعنى إلا أنه لم يذكر تقديم مقتضى اليمين. وجاوب ابن مالك: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (أ-64) سيدي ووليي من وفقه الله وعصمه ولقاه الرشد

فيما ألهمه: قال ابن القاسم عن مالك أرى أن يحلف ما كان يعقل الذي صنع ولا كان يع لم منه شيئًا ويخلي بينه وبين أهله. قال عنه زياد: هذا إن شك الشهود أنه كان حينئذ يعقل، حملنا الله وإياك على الصواب برحمته. قال القاضي: رواية ابن القاسم هذه التي ذكر في سماعه في كتاب طلاق السنة وغيره، وفي التفسير ليحيى بن يحيى قلت لابن القاسم: أيريد مالك أنه يصدق مع يمينه وإن لم يعرف منه تغيير عقل، فقال: لا إنما أراد إذا عرف العدول أنه كان يهذي ويتخبل عليه عقله فإن شهدوا أنه لم يستنكر منه شيء في صحة عقله لم يقبل قوله ومضى طلاقه، وفي سماع عيسى من وسوسته نفسه في الطلاق فلا شيء عليه ونحوه في المدونة. امرأة قامت على زوجها في امرأة أخرى: في عصمته وقالت: إنه كان قد التزم أنه متى راجعها فهي طالق البتة وأنكر هو أن تكون هذه تلك وشاورهم أيضًا ابن حريش فقالت: قامت عندي مريم بنت محمد بن أصبغ وذكرت أنها تدعى أيضًا سلوة وأن أباها يكنى أبا الوليد، وأظهرت الآن كتاب صداقها مع علي بن طاهر وتاريخه صفر سنة سبع وخمسين وأربع مائة وعلى ظهره عقد مراجعته إياها من طلقة بارأها بها وتاريخه مستهل ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين. وفيه إشهاد المراجع على أنه متى راجع عزيزة بنت نعم الخلف التي كانت زوجته وفارقها فهي طالق البتة، وزعمت مريم أنه راجع عزيزة هذه وأنها في عصمته وحضر مجلس نظري علي وأقر بما في عقد المراجعة عنه، وقال: إن عزيزة بنت نعم الخلف المذكورة فيه ليست التي في عصمته وإنما هي امرأة كانت له بطليطلة وتقيد ذلك عندي من قوله وقول مريم في فصل متصل بعقد المراجعة وأظهر إلى عقد مبارأته لعزيزة بنت أصبغ بن قلسال التي هي الآن في عصمته وتاريخه لثلاث خلون لجمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وثبت عندي إقراره وأظهر إلى كتاب مراجعته إياها وتاريخه جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وثبت عندي. وفيه أنه أشهد أن سلوة بنت أبي الوليد طالق منه ثلاثًا البتة وأقر به عندي، وقال: إن سلوة بنت أبي الوليد المسماة فيه هي مريم بنت محمد القائمة عليه وصدقته هي في ذلك وتقيد ذلك عنهما وثبت عندي واحتج بما في عقد مبارأة عزيزة بنت أصبغ وعقد مراجعته

إياها من إضافتها إلى أبيها أصبغ أنها ليست عزيزة بنت نعم الخلف التي التزم فيها لمريم بنت محمد الطلاق الموصوف وقد أدرجت إليكم في كتاب صداق مريم ومبارأة عزيزة ومراجعتها راغبًا جوابكم في ذلك بما يلزم الزوج علي بن طاهر، وهل يصدق في دعواه الموصوفة؟ فجاوب ابن عتاب: تصفحت ما خاطبت به وقد تسارع كثير من الناس إلى الاستخفاف بحدود الله وترك إقامتها بالتخييل وتزخرف الأباطيل وما احتج به المحتج عندك فحجته داحئة لا يلتفت إليها ولا تعارض حدود الله بالاحتجاج والاحتمال ولا يحكم فيها إلا بالأمور الثابتة الواضحة فأنفذ عليه ما التزم في المراجعة المذكورة ولا يصدق فيما قاله وزخرفه. هذا اعتقادي الذي أرجو به الخلاص، والله أعلم بحقيقة الصواب. وما قلته بعد ذلك فبعد وقوفي على ما جاء في هذا مما رواه أصبغ عن أشهب وما قاله غيره: ولا حاجة بنا إلى استحلابه. والله أسأل التوفيق برحمته. وجاوب ابن القطان: قرأت ما خطبتنا به ووقفت عليه، وما ادعت مريم فعليها إثباته إذ هي المدعية، وعلى المنكر، وعليها أن تبين ذلك ببينة تبين أن المرتجعة هي المحلوف بطلاقها لا أعلم في دلالة قول مالك وأصحابه اختلافًا في ذلك إلا أني أرى على علي اليمين في مقطع الحق أن التي تحته ليست المذكورة في كتاب المراجعة، ثم يقلد ما تقلد، والله تعالى حسبه. وهذا على المذهب الذي يؤخذ به بطلاق المحلوف بطلاقها إن تزوجت، وهو مذهب المدونة، وقد روي عن ابن القاسم في هذه المسألة ونزلت أنها لا تطلق عليه وإن عينت، وروي هذا عن عدد من الصحابة والتابعين، فهذا، وإن كان القضاء عندنا بغيره فهو (ب-65) يقوي ما قلته؛ لأن من أصلنا مراعاة الخلاف، وأما مريم المتسمية سلوة فمطلقة بالبتة. وجاوب ابن مالك: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سيدي ووليي ومن وفقه الله وسدده: هذا رجل قد لبس على الحكام وأدخل الإشكال في الدين فالله الله في عقابه وردع مثله عن هذا وضربه ثم يحلف على زعمه، ويحمل من ذلك ما تحمل والله على كل شيء رقيب، تخلصنا الله وإياك

برحمته والسلام على سيدي ورحمة الله وبركاته. قال القاضي: مسألة أصبغ عن أشهب التي أشار إليها ابن عتاب في جوابه في نكاح العتبية في سماع أصبغ قال: قلت لأشهب: من تزوج امرأة وله امرأتان سواها قد عرفت إحداهما فيشترط لها أن امرأته طالق ثم قال: أردت بإحداهما فلانة لغير التي تعرف، قال: ذلك له، ويحف أنه إنما أراد الأخرى، يعني التي لم تعرفها، ويكون القول قوله، وقاله أصبغ. ولقد قلت له وجرى بيني وبينه الكلام فيها. هذا الذي ذكرته عن أشهب وأصبغ قد رواه أشهب وابن نافع عن مالك فكأنه عز عليه. والتي في سماع أشهب: سئل مالك عمن خطب امرأة وله امرأة كانت أم ولد له، فسألوه أن يطلقها فأبى وأبوا إلا ذلك فتركهم وأضرب عنهم ثم تزوج امرأة أخرى فصارت له امرأتان ثم رجع إليهم فخطبها فقالت: لا أتزوجك إلا أن تطلق عني امرأتك، تعني الأولى التي كانت سألته طلاقها، فقال لها: فأنا أفعل، فلما قعدوا للطلاق قال: اشهدوا أن ارمأتي طالق البتة إذا ملكت عقد نكاح هذه، وهو ينوي بذلك المرأة التي نكح آخرًا، ولا يظنون هم إلا الأولى التي كانوا سألوا طلاقها، فلما بلغ القوم أنه لم يطلق عنهم التي سألوه، وإنما طلق التي كان آخرًا تزوجها ناكروه ذلك. فقال مالك: أما النكاح فلا أرى أن يفسخ ولا أرى ما أراد إلا على ما أراد وأرى عليه اليمين بالله الذي لا إله إلا هو ما طلق إلا هذه الآخرة، الناس ينوون في مثل هذا، وإنما مثل هذه مثل رجل كانت له امرأة ليس له غيرها قد علم ذلك قوم ثم تزوج أخرى، ولم يعلموا بها فسألوه طلاق امرأته ولا يعلمون له إلا الأولى فقال امرأتي طالق البتة فهو ما أراد وهذا لا مرية عندي فيه؛ كانت أولى بأن يشير الشيخ إليها لبيان معناها وبسط ألفاظها، وإذ هي من قول مالك رضي الله عنه وهو الأصل وإن كانت المسألتان سواء والجوابان واحدًا، وقد يغلب النسيان على الإنسان فيما هو في علمه حاصل وعند تذكره حاضر لو بذل مجهوده وشحذ ذهنه. والله ولي التوفيق. وفي الواضحة في كتاب النذور وغيره: قال ابن حبيب: سألت مطرفًا عن رجل عوتب في امرأة فقيل له: لم فعلت بفلانة كذا؟ فقال: امرأته طالق ورقيقه أحرار إن كنت فعلت بها شيئًا، وهو يريد بقوله هذا امرأة

أخرى، هل تنفع نيته فيما بينه وبين الله تعالى، فقال لي: لا تنفعه نيته ولو قال: إن كنت فعلت بفلانه شيئًا فسمي اسمها وهو يريد امرأة أخرى سمية التي عوتب فيها نفعته نيته فيما بينه وبين الله. وكذلك قال مالك فيمن قال: فلانة طالق وزعم أنه إنما نوى امرأة أخرى سمية امرأته له نيته فيما بينه وبين الله عز وجل ولو قال: امرأته طالق فزعم أنه إنما نوى امرأة له أخرى قد ماتت أو طلقها لم تنفعه نيته لا فيما بينه وبين الله ولا في الحكم عليه. قال ابن حبيب: وسألت عن ذلك أصبغ فقال لي مثل قول مطرف. وهذا خلاف التي ذكرنا من سماع أشهب ومن سماع أصبغ، وبما في الواضحة أفتى ابن عتاب، وقد ذكر قول أشهب وأصبغ فوقف على القولين وإن كان لم يصرح عن القولة التي مال إليها وعول في جوابه واختياره عليها. وأما ابن القطان: فسقط عن ذكره ما في الواضحة وغيرها من الخلاف، وقال: القول قول الزوج ويحلف، فجاء بما في سماع أشهب وسماع أصبغ في العتبية، ثم قال: لا أعلم في دلالة قول مالك وأصحابه اختلافًا في ذلك والخلاف فيه ظاهر صريح غني ببيانه عن الأيضاح، وصار في المسألة قولتان ولأصبغ كذلك قولان. وفي سماع سحنون: سئل أشهب عمن حلف لرجل بالطلاق فقال: غزيل طالق إن لم أقضك حقك، وامرأته غزيل ونوى غزيلا أخرى لجارية له ثم لا يقضيه (أ-65) قال: هو حانث ولا تنفعه نيته، وهذا ظاهره خلاف قوله الذي رواه عنه أصبغ وجعل فيمن سأله رجل أن يحلف له بالطلاق، فقال: الحلال على حرام وحاشا امرأته: أنه لا شيء عليه، وفي رواية أصبغ أنها البتة وفي الواضحة فيها تفريق وهذا كله اختلاف من القول. وفي كتاب التخيير من المدونة: قلت: أرأيت لو أن رجلا قال: حكمة طالق، وامرأته تسمى حكمة، وله جارية يقال لها حكمة، فقال: إياها أردت لا زوجتي، قال: سألنا مالكًا عمن حلف للسلطان طائًا فقال: امرأتي طالق إن كان كذا لأمر يكون فيه ثم أتى مستفتيًا، وقال: أردت بذلك امرأة كانت لي قبل ذلك وألغزت عليه، قال مالك: لا أرى ذلك ينفعه وإن أتى مستفتيًا،

وامرأته طالق، فأما مسألتك فإن أتى مستفتيًا صدق؛ لأنه قال: حكمة وأراد جاريته وليست عليه بينة، ولم يقل: امرأتي. فقول مالك في الحالف للسلطان: امرأتي طالق لا ينوي، وقد طلقت عليه كقوله ابن الماجشون وأصبغ في الواضحة، وكرواية مطرف فيها عن مالك وهي جواب ابن عتاب، وذلك خلاف ما في سماع أشهب واصبغ الذي قال ابن قطان فيه: إنه لا خلاف له في قول مالك وأصحابه، ولولا كراهة التطويل لأوردت أضعاف هذا من الدليل والتمثيل، وأما ما أوردناه فخلاف لائح، والحمد لله رب العالمين. وقولي في الحجة التي احتج لقوله بها: وهذا على المذهب الذي يؤخذ به بطلاق المحلوف بطلاقها إن تزوجت وهو مذهب المدونة فأوقف ذلك على المدونة وهو معروف المذهب، ومشهور في المدونة والواضحة والموازية وفي العتبية وغيرها، فوقف ذلك على المدونة غير صحيح لأنه يوهم أن في غيرها خلاف ما فيها. وليس كذلك بل في كل كتاب مؤلف على المذهب مثل ما فيها إلا ما رواه أبو زيد عن ابن القاسم ألا يفرق بينهما إذا وقع نكاحها، وهو خلاف شاذ لا يلتفت إليه ولا يعمل به، أعني عند جماعة المالكيين، والله الموفق المعين. وأما ابن مالك فلا اعتراض عليه في جوابه لأنه أفتى باختيار لأحد القولين، ولم يحتج إلى ذكر الروايتين. جميع ما أملك حرام: كتب من أشبيلية إلى القيروان، الجواب رحمك الله في رجل قال: جميع ما أملك فعلي حرام. هل يكون كقوله الحلال على حرام وتدخل الزوجة في التحريم إلا أن يحاشيها بلسانه أو نيته على الاختلاف في ذلك إذا قامت بينة أو لم تقم أو يكون قوله جميع ما أملك كقوله الحل على حرام لا تدخل الزوجة فيه فقد اختلف فيها عندنا ولم توجد رواية فأفتنا -رحمك الله- في ذلك. فجاوب أبو بكر بن عبد الرحمن: الجواب عندي- والله الموفق للصواب برحمته: أن قوله: جميع ما أملك علي حرام لا تدخل الزوجة في ذلك إلا أن يدخلها ابنيه أو قول وقد قال ابن القاسم في الذي قال: الحلال علي حرام إن الزوجة لا تدخل في ذلك. وقال ابن المواز: إن نوى عموم الأشياء دخلت الزوجة فيها كالقائل الحلال علي

حرام، وبالله التوفيق. وجاوب ابو عمران الفاسي: الزوجة ليست ملكًا للأزواج، وإنما الأملاك: الأموال، والإماء من الأملاك، وأما قوله: الحلال علي حرام فلو قال في ذلك من جميع ما أملك لم يكن عليه شيء، وإذا قال الحلال علي حرام سرى التحريم إلى الزوجة إذا لم يعزلهن بنيته، وأما الذي لفظ بتحريم ما يملك فلم تدخل في يمينه الزوجات اللاتي لا يملكن فاستغنى عن أن يستثنيهن بالنية. وصي أنكح يتيمة من ابنته وله ابنتان فخرجت إحديهما حاملاً: الجواب رحمك الله في رجل في حجرة يتيم فزوجه بعد بلوغه من ابنته، وعينها وسماها وأشهد على ذلك، وله ابنة أخرى، فلما كان بعد مدة خرجت الصغرى منهما حاملا، فقال المحجور: هي زوجتي ومنها وزوجتني - وكان ساكنا مع الوصي في داره وحضانته قال الأب: ما زوجته إلا من الكبرى واسم الكبرى واسم الصغرى سواء. فسئل الشهود عن ذلك، فقالوا: إنما أشهدنا الأب على تزويج ابنته فاطمة، ولم يعرف إن كانت الصغرى أو الكبرى ولا عرفا إن كانت له ابنتان ولم يعينا الزوجة منهم ولم يدخل الزوج بالزوجة دون ابنتيها وإنما وطئها لما زوجه منها، وبسبب سكناه معها، فما يلوم لهذه التي أقر بوطئها على أنها (ب-65) زوجته وهو يعينها والأب يناكره فهل يلزمه الصداق المسمى أم الأكثر منه، أو من المثل؟ وهل يثبت النكاح أو يفسخ؟ وهل يرتفع الحد عنه للشبهة؟ وهل يلزمه الولد باللعان، وهل يكون فيه اللعان والزوجة لم تثبت؟ فبين لنا هذه الفضول أو هل يكون في روايات إذ قد وجدنا في بعضها رواية؟ فجاوب أبو بكر بن عبد الرحمن: لا حد على الزوج للشبهة التي قامت له وعليه الأكثر من المسمى أو صداق المثل، ويلزمه الولد وليس فيه لعان، ويفسخ نكاحه ويثبت له ذلك على الكبرى. وقد اختلف أصحابنا في عقد الوصي على الكبير البالغ إذا كان سفيهًا بغير أمره فوق في كتاب الخلع من المدونة وما يدل على أنه لا يزوجه إلا برضاه ووقع في كتاب الجنايات من العتبية أن له أن يزوجه بغير مؤامرته وأنه بمنزلة الصغير، وكذلك ذكر ابن المواز في كتاب الإقرار الثاني أن له أن يزوجه ويخالع عنه. وقال ابن الماجشون: إنه لا يجوز له أن يزوجه إلا بإذنه، ذكره ابن حبيب عنه

فيجوز أن يثبت نكاح الكبرى عند من يكرهه على النكاح، وبالله التوفيق. قال القاضي: قد مر هذا المعنى في باب المحجور مستوفي، وتقدم بعض فصول هذه المسألة في آخر باب النكاح، والحمد لله. وجاوب أبو عمران: أما النكاح فهو غير منعقد ويفسخ، وأما الوطء ففيه للزوج شبهة يدرأ بها عنه الحد وعليه الصداق المسمى إذا كانت الموطوءة ظنت ما ظنه الزوج من أنه زوجها، فأما إن لم تظن ذلك وأكرهها، فهذا موضع الأكثر من صداق المثل أو المسمى، والولد لا حق إذ درئ الحد، فإن أقر بالوطء لو يقع فيه اللعان عندنا وإن كان لا يقام عليه. من تحمل بنفقة حمل إن ظهر فإذا هي قد ولدت وأنكر الزوج الولد: الجواب-وفقك الله- في رجل طلق زوجته وأراد السفر فقال له والدها: هي حامل فاجعل النفقة لها أو أقم بها حميلا حتى يظهر الحمل، فقال رجل حاضر: أنا الحميل بها إن ظهر حمل، فوجدت المرأة قد وضعت فأنكر الزوج أن يكون منه، فاحتج عليه القاضي بتطوع الضامن بالنفقة عن الحمل بحضرته وسكوته هو عن إنكاره حينئذ ورضاه بالحمالة. فهل ترى الحمل له لازما مع الحد؟ ويكون رضاه بالحمالة إقرارًا منه بالحمل أم لا يكون إقرارا ويلاعن الآن ولا فرض عليه؟ فقد أفتى بعض من عندنا أن الولد يلزمه ولا حد عليه لقوله عليه الصلاة والسلام: "ادرءوا الحدود بالشبهات" فهل هذا من جوابه صواب أم لا؟ وهل استشهاده ههنا بالحديث في موضعه أم لا؟ فجاوب أبو بكر بن عبد الرحمن: الولد له لازم لأنه لم ينفه عندما ادعته الزوجة فهو ولده، وإذا لزمه وهو ينكره فالحد يلزمه هذا هو القياس بعينه، فإن استحسن أحد دراءة الحد لهذه الشبهة فما هو ببعيد وبالله التوفيق. وجاوب أبو عمران إذا رضي بحمالة الحميل بنفقة ما يظهر من الحمل فظهر حمل يمكن أن يكون من وطء قبل الحمالة بأقرب الأوقات التي يمكن فيها الوطء لزمه الحمل وحد بإنكاره الولد وليس هذا الموضع مما تدرأ فيه الحدود بالشبهات لأن هذا حد قد وجب للمرأة طلبه، فأي شبهة فيه للزوج لأنه إن لم يكن الولد منه فهي زانية، وهذا قذف بين وصريح القذف والتعريض عندنا سواء في وجوب الحد.

شوري في نفي حمل قامت عند ابن حريش بقرطبة فاطمة بنت الزبير تطلب زوجها عبد الرحمن بن محمد بنفقة حملها منه بعد مبارأته وشهدت عند الحكم امرأتان على عينها أنها حامل حملا متحركًا ظاهرًا في صدر رجب من سنة سبع وخمسين وأربع مائة. وحضر مجلس نظره الزوج عبد الرحمن مع فاطمة، وقال إنه بارأها بطلقة واحدة لثلاث عشرة ليلة بقيت لربيع الأول سنة تسع وخمسين بعد طلقة تقدمت له فيها وصدقته فاطمة ذلك وطلبته بنفقة حملها وأنكر هو أن يكون الحمل منه، وقال إنه اعتزلها قبل تطليقه إياها بنحو سبعة أشهر إلا أنه لا يدري هل حاضت بعد اعتزاله إياها أم لم تحض. وثبت مقالة هذا عند الحكم ثم قال إن اعتزاله إياها كان وهي (أ-66) في حيضتها ثم لم يطأها بعد ذلك في المدة المذكورة، وأنه استبرأها قبل هذه الحيضة بثلاث حيض لم يطأها بعد وثبت ذلك من مقالة وثبت عنده نكاحها منذ خمسة أعوام أو نحوها وبناؤه ومقامه معها إلى أن بارأها وشاور في ذلك الفقهاء. فجاوب ابن عتاب: قول عبد الرحمن في مقاله الأول إنه اعتزلها قبل المبارأة بنحو سبعة أشهر قد حصل به نافيا للحمل غير مدع للاستبراء، وما استدركه في مقاله الثاني فلم يكن على الظاهر إلا عن تلقين أراد به بيان الاعتزال، وأصحاب مالك مختلفون فيمن نفي الحمل ولم يدع استبراء. فقال المخزومي وابن دينار وابن القاسم: يحد ويلحق به الولد، وقال ابن القاسم أيضًا: من قذف أو نفي حملا لاعن ولم يكشف عن شيء. قاله ابن نافع. إلا أن قول عبد الرحمن في المدة التي ذكر اعتزاله إياها فيها واستبرأها لابد أن يتعرف معه ما تقوله فاطمة إن كانت لها بينة أنه إذا علم بحملها لم ينكره، فإن ثبت لها هذا ألحق به الولد وإلا تلاعنا. وصفته- على ما ذكره ابن المواز في كتابه عن ابن القاسم، إذ هو أكمل مما في المدونة، أن يحلف عبد الرحمن في الجامع إثر صلاة، واستحب أن تكون إثر صلاة العصر، يقول: أشهد بالله إنه لمن الصادقين ما هذا الحمل مني، ويشير إليه وإني اعتزلتها في المدة التي ذكرت واستبرأتها فيها بثلاث حيض، قال أصبغ: وأحب إلي أن يزيد في يمينه لزنت، وهو لابن القاسم في المدونة، ثم يثني ويثلث ويربع كذلك. ويقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين في شيء من ذلك، قال ابن

القاسم: وتقول هي إنكار الحمل: اشهد بالله إنه لمن الكاذبين وما زنيت، هكذا في الأربع، وتقول في الخامسة: غضب الله عليها إن كان من الصادقين ثم تقع الفرقة بينهما ولا تحل له أبدًا، ولها السكنى إلى أن تضع حملها، ولا نفقة لها. والذي قاله ابن القاسم في نفيه الحمل: أشهد بالله لزنت، وتقول هي: أشهد بالله ما زنيت، وقال عنه سحنون في غير المدونة: يقول: أشهد بالله ما هذا الحمل مني. قال سحنون: وهو أحب إلي فهذا ما في كتاب ابن المواز والمدونة وغيرهما؛ وأنا استحب أن يزيد أشهد بالله الذي لا إله إلا هو إني لمن الصادقين، في الأيمان كلها، وكذلك المرأة وإنما قلت يتعرف هل للمرأة بينة بعلمه أو بإقراره به إذ قد تحمل المرأة ذلك وبالله التوفيق. قال القاضي هذا الذي استحسنه أبو عبد الله أن يزاد في اليمين مروي عن مالك وابن القاسم في الموازية وغيرها، وروي ابن كنانة عن مالك أنه يحلف في اللعان والقسامة وفيما بلغ من الحقوق ربع دينار فأكثر عند المنبر بالله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم وما وردت فيه الإيمان رددت، هكذا ذكره ابن سحنون في كتابه، وقد ذكرت له هذا أنه رواية في مسألة قسامة يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى إذا ذكر استحبابه لهذه الزيادة، ولم يذكرها رواية لأنها لم تقع في كتاب اللعان وإنما أدخلها ابن أبي زيد في كتاب الأحكام. وجاوب ابن القطان الذي قاله أولاً لازم له وقد أسقط به الاستبراء، والذي قاله أكثر أصحاب مالك مع مالك أنه لا يمكن من اللعان والولد لازم له ولا يسمع منه مقاله آخرًا من دعوى الاستبراء. هكذا كتب بخط الاستبراء. هكذا كتب بخط يده، وهو غير صواب عند أرباب الإعراب؛ لأنه من الممدود فمحال نصره بكل حال. وقال ابن أبي عبد الصمد: أي القولين قادك الاجتهاد إليه وأخذت به بعد الاستخارة كان لك الحكم به سائغًا، وهذه المسألة هي مسألة عبد الرحمن بن محمد مع زوجة فاطمة، والله ولي التوفيق والإرشاد. وجاوب ابن مالك: سيدي ووليي، ومن وفقه الله وسدده: قال الله عز وجل (والذين يرمون أزواجهم) الآية. وقال: (والذين يرمون المحصنات) الآية فما كان به الأجنبي في هذه الآية راميًا كان به الزوج في هذه الآية الأخرى لزوجته راميًا. قال أبو عبيد: ونفي الحمل أشد الرمي ومن أبلغ القذف، فاللعان في هذه القصة واجب وإن ألقينا

دعواه الاستبراء، وهذا بين في كتاب الله عز وجل لما ذكرت لك من تساوي الرمي في الآيتين. وكل ما كان به راميًا لها فقد أفتانا فيه القرآن وكفى فيه النظر وهذا (ب-66) أحسن [قول] مالك وابن القاسم، ولقد كان من يصغي إلى قوله من سلف هذه الأمة يقولون: إنه ينفي اللد عنه باللعان متى شاء وإن كان قد أقر به قبل ذلك، وإن كنا لا نقوله ولكن نراعي الخلاف، فهذا يؤكد وجوب اللعان في مسألتك حملنا الله وإياك على الصواب منه والسلام. قال القاضي: أبو حنيفة يقول إذا ولدته فنفاه يوم يولد أو بعد يومين لا يلزمه وإن انتفى الولد، وإن لم ينفه إلا بعد سنتين لاعن ولزمه الولد. وقال أبو يوسف: إن قدم من مغيب فله نفيه ما بينه وبين مقدار النفاس أربعين ليلة من يوم قدم ما كان في الحولين فإن قدم بعد الحولين لم ينتف أبدًا عنه. وقال شريح ومجاهد: ينتفي الرجل ولده متى شاء، وقال الحسن: إذا أقر به ثم نفاه لاعن ما دامت أمه عنده وانتفى عنه، وكذلك قال قتادة. وإلى هؤلاء أشار ابن مالك في جوابه. وقال الشعبي وعمر بن عبد العزيز والنخعي: إذا أقر به فليس له أن ينفيه، وهو قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي وأبي ثور. وفي كتاب ابن المواز: ومن عرض لامرأته بما يحد به للأجنبية فقد قيل يحد ولا يلاعن إلا في صريح القذف أو في تعريض يشبه القذف، فأما في قوله وجدتها مع رجل في حاف عريانين أو وجدتها تحته ونحوه فلا يلاعن في هذا ويؤدب، ولو قاله لأجنبية لحد إلا في قوله: رأيتها تقبل رجلاً. وفي أحكام ابن زياد في اللعان قال محمد بن عمر بن لبابة: يحلف عند المنبر في المسجد الجامع بالله الذي لا إله إلا هو قد زنت سماجة التي كانت زوجتي، وفارقها، وأما الولد الذي ولدته بعد طلاقها منه إذا استبرأها أربع مرات ما زنت وأن الولد منه ثم يخمس بأن يقول لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تحلف سماجة أربع مرات ما زنت وأن

الولد منه ثم تخمس بأن تقول غضب الله عليها إن كان من الصادقين. وعدة الملاعنة كعدة المطلقة ثلاث حيض. ولا تجب الملاعنة إذا كان الزوج والمرأة من أهل المصر إلا بع ثبوت الزوجية، وإن لم تثبت الزوجية لزم الحد الزوج وإن لم يكونا من أهل المضر وجبت الملاعنة وإن لم تثبت الزوجية. وقال ابن لبابة فيمن قال لامرأته: إن هذا الحمل الظاهر لها ليس مني، ثم قال: إن كانت حاملا فليس مني: ليس يضره هذا الاختلاف لأنه في كلا القولين منتف من حملها ويلاعن إن شاء الله، ومن طلق فزعمت أنها حبلى وقال هو: استبرأتها قبل طلاقها أمر القاضي بالنظر إليها فإن ثبت حملها وجب اللعان بينهما، وإن لم يتبين أخرت إلى أن يتبين، ولا نفقة لها حتى يتبين فإن لاعن برئ من النفقة والولد، وإن لم يلاعن أنفق. قاله أيوب بن سليمان وغيره. وفي مسألة أخرى: فهمنا ما قاله قاسم بن طالب من أنه رأى زوجة سعدونة بنت سعيد تزني فقام إذ رآها يريد ملاعنتها، وذكر أنه قد استبرأها قبل ذلك، واعتزلها منذ أربعة أشهر فالذي يجب أن تدعي المرأة، فإن أقرت بما قال زوجها رجمت وإن أنكرت ذلك لاعتها. قاله ابن لبابة وابن وليد وسعد بن معاذ.

باب الحلف بالأيمان اللازمة والحنث فيها

باب الحلف بالأيمان اللازمة والحنث فيها قام عبد العزيز صاحب الأحكام بقرطبة محمد بن الليث بن حريش محتسب على أحمد بن علي بن دلهاث في حلفه بالأيمان اللازمة على أخي زوجته ألا يدخل داره، وقال هو مقر بيمينه هذه وبحنثه فيها بدخول صهره في الدار المحلوف عليها، وأظهر إليه عقد بذلك (استرعاه) تاريخه أول ذي الحجة سنة سبع وخمسين وأربع مائة تتضمن ما يقدم من إقراره باليمين وأن شهوده سمعوا منه إقراره بها وعاينوا دخول المحلوف عليه وثبت عنده العقد وزكى عنده الشهود، وأعذر إلى الحالف وأجله في (الدفع) الذي ادعاه آجلا ادعى عند انقضائها أن الذين شهدوا عليه (علموا) ببقائه مع زوجته بعد حنثه الذي شهدوا به عليه إلى صدر صفر سنة ثمان (1 - 67) وخمسين وأفتى بعض الفقهاء بأن يؤجل في إثبات هذه الدعوى خمس عشرة يوما وانصرمت (الآجال) قد غاب عن قرطبة مع زوجته إلى (نماسه) وشاور في ذلك كله. فجاوب عبد الله بن عتاب: إذ قد ثبت عندك ما ذكرت وأعذت حسبما وصفت؛ فالقضاء بإنفاذ ما شهد به عليه واجب وإلزامه الطلاق بالسنة عليه لازم (وعتق) من يملك العبد (والإماء) وتأمره يريد إذا حضر من غير أن يقضي بالصدقة ثلث ماله والمشي (إليه) في حج أو عمرة وكفارة يمين بالله تعالى، وهو مخير في عتق رقبة فيها أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم يجد (فصيام ثلاة أيام) ويجب الإعذار إلى الزوجة إن أمكنك ذلك، وإن تعذرت انفذت نظرت وأرجأت الحجة على مذهب من يرى من أصحابنا أنه لا يقطع حجة غائب ومن يرى منهم أنه لا ترجأ له الحجة لم يرجئها له، فأنفذ من ذلك ماتعتقده وقيده من نظرك موفقًا للصواب إن شاء الله (عز وجل) وتأمر الزوجة بالعدة بعد إنفاذ القضاء الواجب فيه والله أعمل بحقيقة الصواب في ذلك، (والسلام). وجاوب (أب عمر) ابن القطان: قرأت ما خاطبتنا به وما أدرجته، و (ذكرت) في خطابك أن الشهود زكوا عندك وأنك أعذرت فيما ثبت عندك إلى الحالف، ولم تذرك (فيما أعذرت في المزكين واجب إذا كانت التزكية في الظاهر لقوم معروفين، فإن كان الأمر كذلك وأعذرت في جميعه فأنفذ الحكم عليه بالطلاق والعتق إن كان له ما يعتق عليه، وإن كانت

لم تعذر في المزكين وكانوا معروفين ولم يكن تعديلهم عندك يشكف من كشف لك عنهم؛ فأعذر إليهم بذلك يتم الحكم على الحالف إن شاء الله. وقال القاضي: قوله: فاعذر إليهم، صوابه: إليه، إن كان أراد الحالف وهو الظاهر؛ لأنه لم يتقدم في الإعذار (ذكر) لغيره، وإن كان أراد الزوج (والزوجة) فالبين: فأعذر إليهما، والأغلب أنه على الوهم جرى والله أعلم. (وأفتى) أبو محمد بن أبي عبد الصمد بنحو ما تقدم، وقال: يحكم عليه بعتق من كان يملكه في حين اليمين المذكورة. وجاوب (أبو مروان) ابن مالك: (سيدي) وولي من وفقه الله وتولى إرشاده ووالي من إمداده؛ وقفت على سؤالك وما جاوبت به ولن تجد مني خلافا في ذلك (رحمك الله) على الصواب برحمته (والسلام عليك يا سيدي ورحمة الله وبركاته). قال القاضي: قول أبي عبد الله (في جوابه): وتأمر الزوجة بعد إنفاذ القضاء بالعدة فيه نظر، والصحيح عندي أن تكون العدة من يوم الحنث؛ لأنها من ذلك اليوم بانت وطلقت وانقطعت العصمة إلا إن كان ذهب إلى ما في الشورى من بقاء الزوج مع الزوجة ولم يعتزلها، فإن كان ذهب إليه فهو الصحيح. كما ذكر (إنها) يجب أن تكون عدتها ثلاثة قروء من يوم القضاء هذا أيضًا إن كانا حاضرين، أعني الزوجين يوم القضاء، وأما إن كانا حيث نفاذه غائبين كما في السؤال أنهما غابا إلى بياسة، فالعدة ثلاثة قروء من يوم يؤمران بالافتراق مشاهدة لاتصال بقائهما وخلوتهما على ما كان عليه من الزوجية، وإن كانت العدة من (يوم) الحكم عليها بالطلاق قد انصرمت فلابد من استئناف ثلاثة قروء من الآن استبراء للزوج من الوطأ الفاسد، وذلك بين، والله الموفق إلى الصواب. وفي سماع بن القاسم: قال مالك: من حلف في طلاق امرأته فشك في يمينه يريد في الحنث فيها، (فوقف) (ويسأل) ويستفتي ثم يتبين له حنثه. قال مالك: تعتد من حين وقف عنها (وليس من حيث تبين له). (قيل لابن القاسم: فإن مات قبل ذلك أيتوارثان؟ قال: ينظر في يمينه، فإن كان

يحنث فيها لم ترثه وإلا ورثته) (فجعل مالك العدة فيها من يوم وقف عنها)؛ لأن وقوفه عنها معناه اعتزاله إياها، وهو الذي ذهبنا إليه في تأويل جواب الشيخ أبي عبد الله في مسألة الإيمان اللازمة المسطورة فوق هذا. وفي آخر الإيمان بالطلاق من المدونة: قال ربيعة في نفر ثلاثة شهدوا على رجل بثلاث تطليقات، شهد كل (رج) منهم على واحدة ليس معه صاحبه، فأمر أن يحلف أو يفارق، فأبى وقال: إن كانت على شهادة قاطعة فأنفذها، قال أرى أن يفرق بينه وبينها، (وأن) تعتد عدتها من يوم أن يفرق بينهما؛ لأني لا أدري عن أي شهادات النفي نكل، فتعتد من اليوم الذي نكل فيه. وقال الفقيه أبو عبد الله بن أبي زمنين في المغرب هذه العدة إنما هي احتياط لتحل بذلك للأزواج، إذ لم يعرف اليوم الذي طلقها فيه وثبتت الشهادة، وأما العدة التي بانقضائها تنقطع عصمة النكاح فإنما هي من يوم طلقها الزوج، فتدبر ذلك فهو خفي (جيد)، وغير خارج عن أصولهم، وقد فسرها بن أبي زيد أيضًا بما لا يخرج عن الاعتبار عن هذا المعنى (إن شاء الله) (عز وجل). وكان قد كتبنا سؤالا عن هذه اليمين وما يجب على الحانث قبل (اجتماع شيوخ) قرطبة فأتى جواب ابن عتاب بمثل ما تقدم، وكان زاد حينئذ في جوابه: أن بعض الشيوخ كان يفتي بأن تلزمه مع الخمسة الأشياء المذكورة الظهار، ولم أر غيره ذكره، وأما الوجوه الخمسة فكانوا عليها متفقين وبها قائلين، وقد رأيت لبعض من لقيت في جوابه أن الحالف بهذا اليمين يؤدب، وهو صحيح. وقد ذكر ابن حبيب في كتابه أن هشام بن عبد الملك كتب أن يضرب من حلف بطلاق أو عتاق عشرة أسواط، واستحسن مالك ذلك، وكذلك الحالف بالمشي إلى بيت الله، ومن تكرر حلفه بذلك وعرف (كان) جرحه في شهادته وأن يرفأ حلفه بها. ورأيت معلقًا في كتاب (ابن) الباجي علي بن محمد كتب إليه بهذه اليمين في سنة إحدى وثلاثين، فجاوب: أن على (الحالف بها) الحانث فيها طلاق الثلاث في نسائه وعتق ما يملك من رقيقه، والمشي إلى بيت الله يؤمر به، وكذلك يؤمر بصدقة ثلث ماله وبكفارة يمين الله. وسئل عنها القرشي أبو مروان بن الأصبغ فأفتى فيها بمثل ذلك، وقال القرشي

التيمي: هذه اليمين ليست في كتبنا، وإنما في كتبنا) من حلف بأشد ما حمل أحد (عن أحد (فحنث)، ومن قول ابن القاسم فيها: أنه يلزمه الطلاق ثلاث وعتق رقيقه والصدقة بثلث ماله والمشي إلى مكة وكفارة يمين والأيمان اللازمة عندي أولى أن يلزمه فيها، فهذا هكذا وجدته للتيمي فتدبره. قال: وسألت عنها الفقيه أبا عبد الله بن العطار وقت مناظرتنا عليه فقال لي: هي يمين لم تعرف بالمشرق ولم تصل إلينا فيها رواية، إلا أن الشيوخ كانوا يشبهونها بما رواه عيسى عن ابن القاسم في نذور العتبة، فيمن قال: على عهد الله وغليظ ميثاقه وكفالته وأشهد ما (أخذ) أحد، على أحد، وقد ذكرت لنا هذه الرواية بعد هذا وبيانها. قال: سألت عنها الفقيه (أبا بكر) ابن عبد الرحمن فقال: إن شيوخنا بالأندلس أفتوا فيها بالطلاق وبالعتق والمشي إلى مكة وبصدقة ثلث ماله وكفارة اليمين بالله، قياسًا على ما رواه عيسى عن ابن القاسم، (وذكر الرواية). قال القاضي: هذه اليمين (محدثة) كما ذكروا؛ ولذلك لا يوجد الجواب عن متقدم، إلا أن أصل جواب الشيوخ فيها موجود، وهو ظاهر على المذهب، ولا يجوز لمن نصح نفسه واحتاط لها أن يتعدى فيها جوابهم ولا أن يترخص في شيء من وجوهها، فقد كان بعض فقهاء طليطلة يفتي أن الذي يلزم الحالف بها إذا حنث فيها في زوجته طلقة مبارأة لا ثلاث، ولا أعلم لهذا القول وجها؛ لأن الطلقة البائنة لا تكون إلا في حكم أو وجوه معروفة أوجبها النظر، كالأمة تختار فراق زوجها العبد إذا أعتقت وفراق العنين وشبهه. ورأيت (أن) أبا بكر زرت كان يفتي بها بالطلاق واحدة وباقي الوجوه على ما ذكرت، وقد سكن طليطلة، فلعل المفتي بطلقة مبارأة إنما أخذ ذلك عنه، وكان بعض فقهاء طليطلة أيضًا ينكر هذا على من أفتى به، ويرى الصواب فيما قاله الشيوخ بقرطبة، وقد ذاكرت فيها أبا المطرف عبد الرحمن بن سلمة، وقال الصواب أن تلزمه ثلاث تطليقات في (زوجه) ولا تحل له إلا بعد زوج (لأنه من باب من طلق امرأته فلم يدرك كم طلقها: أو واحدة أو اثنين أو ثلاث؟ قال مالك: لا تحل له إلا بعد زوج). وفي المدونة: قال ابن القاسم: بلغنا عن مالك فيمن حلف فحنث ولم يدر بما حلف أبصدقة أم

بطلاق أم بعتق أم بمشي: أنه يطلق امرأته وبعتق عبده ويتصدق بثلث ماله ويمشي إلى بيت الله وقول مالك هذا أصل للزوم ذلك الحالف بالأيمان اللازمة إذا ألزمه ذلك حال شكه كان أجدر (بأن) يلزمه في حال يقينه إياها وعند جمعه إياها في) يمينه وعقده لها على نفسه، قال الله (عز وجل) (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود). قال ابن العباس والسدي وغيرهما: هي العهود. وكذلك قال تعالى: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم). وقال الحسن: العقود عقود الدين وكلها طاعة الله تعالى: (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) (فعقدها) أن يحلف ألا يفعل فيفعل (فيحنث فتجب عليه الكفارة أو يحلف ليفعلن ثم لا يفعل. وقال أصحاب المعاني: (معنى) العقد الجمع بين الشيئين بما يعسر انفصال أحدهما من الآخر، وأصله الشد كعقد الحبل بالحبل، ونقضه حله. والعقد الذي يجب به الوفاء كل ما كان لله طاعة مما عقده الإنسان على نفسه امتدح الله تعالى في عبر ما موضع من كتابه من أوفى بنذره فقال عز وجل: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا). وقال: (رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم). ومعنى الوفاء: إتمام العقد بفعل ما عقد عليه، ونقبض الوفاء: الغدر، فدل هذا كله أن من عقد على نفسه عقدا، أو عهد الله عهدا، أو نذر نذرا فعليه الوفاء به: وسواء كان في يمين أو في غير يمين واليمين أوكد، وقال الله (عز وجل): (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) وأخبر تعالى أنه يؤاخذ بعقد الأيمان. وإذا قال القائل: امرأته طالق ثلاث، أو قال: واحدة إن دخلت هذه الدار. فدخل لزمه الطلاق بالحنث. وكذلك إن قال: إن دخلتها فغلامي حر، أو قال: إن كلمت زيدا فعلي المشي إلى مكة، أو قال فمالي للمساكين صدقة، فلزمته اليمين في هذه الوجوه بانفرادها إذا حنث فيها. وكذلك لو قال: إن أكلت هذا الخبز فمالي صدقة أو امرأته طالق وجاريتي حرة وعلي المشي إلى مكة فحنث بأكل الخبز؛ لزمه ذلك كله. (فكذلك) إذا قال: هذه الأيمان لي لازمة إن أكلت هذا الخبز فأكله لزمته الأيمان كلها التي جمعها في عقده والتزمها (بلفظه) كما لزمته إذا فرقها ولفظ بها وجها وجهًا، ولا فرق بين ذلك (كله) عند من أنعم الله عليه بهداه ومن عليه بتقواه ولم يتخذ إلهه هواء ولا جعل الخلاف هجراه. وهو أبين من أن يحتاج فيه إلى هذا البيان لكن أطلت فيه الكلام. لما حدث في الإسلام من انحلال النظام. حتى أبدى خلاف السلف من لم ير لهم

حق من الخلف. وقال في هذه اليمين ... بما لم يسبق إليه من أئمة المسلمين وفقنا الله أجمعين. ومن الشاهد لصحة ما أجمع عليه شيوخنا وشيوخهم فيها مما تقدم وصفنا له: ما رواه عيسى عن ابن القاسم فيمن قال: على عهد الله وغليظ ميثاقه (وكفالته) وأشد ما اتخذه أحد على أحد إن فعل كذا ففعله فإن كان لم يرد العتاق ولا الطلاق وعزله عن ذلك فليكفر ثلاث كفارات لا غير في قوله: عهد الله كفارة وغليظ ميثاقه كفارة، (وفي قوله) أشد ما أتخذ أحد على أحد كفارة، وإن لم تكن له نية حين حلف فليكفر كفارتين في قوله: عهد الله وغليظ ميثاقه وبعتق رقيقه وليطلق نساءه ويمشي إلى بيت الله ويتصدق بثلث ماله في أشد ما اتخذه أحد على أحد. وهذا كالنص من قول ابن القاسم في وجوه تلك الأوجه في الأيمان اللازمة؛ لأنه أوجبها عليه مجتمعة لقوله: وأشد ما اتخذ أحد على أحد، وهو لفظ محتمل إذ قد يراد به ما أفتى به ابن القاسم من جمعها على الحالف الأشياء التي (جرى) على (ألسنة الناس) وفي متعارفهم الحلف بها، ويكون الغرض أن يحلف بواحد من الأشياء المحلوف بها يكون من أشدها من طلاق أو عتاق أو شبهه لا (بجميعه) كان الظاهر الذي لا خفاء (به) فيمن حلف بالأيمان اللازمة جمعها عليه لجمعه إياها على نفسه بلفظ لا يجوز تأويله على غير ذلك، ولا حمله على سواه؛ لأن لفظة الأيمان لا يجوز في اللسان حملها على يمين واحدة، وهي موضوعة للجميع، كما لا يجوز أن يحمل تقوله نسائي (طوالق) أو عبيدي أحرار على أنه أراد واحدة من نسائه أو واحدا من عبيده، وإن ادعى أنه أراد ذلك لم يقبل ولا أصغي إليه بما يلزم في الجمع عليه. وإن اعترض (معترض في ذلك) ممن لم يعن النظر بقول ابن وهب في سماع ابن الحسن: في أشد ما (أخذ) أحد على أحد كفارة يمين، وقال: يجب على هذا أن يكون في الأيمان اللازمة (كذلك كفارة يمين. قيل له) هذا لا يسوغ فيها لا على قول ابن وهب ولا غيره؛ لأن الأيمان جمع يمين، وقد التزم الجميع وعقد على نفسه الكل مؤكد الحلف؛ فلا يجوز إسقاط شيء منها عنه ولا رده إلى واحد منها بغير دليل عليه وقد قال الله تعالى (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان)، وقال (عز من قائل): (وأوفوا بالعقود)، وقال: (يوفون بالنذر) وقال النبي صلى الله عليه وسلم "من نذر أن يطيع الله فليطعه"، وهذا كله يؤكد أن

الحالف بها (يريد) جميعها لا بعضها، مع قول مالك الذي ذكرناه من المدونة وقول ابن القاسم الذي رواه عنه عيسى. وأما إذا حلف بأشد ما حمله أحد على أحد فلم يأت بلفظ يقطع به على (أنه) أراد الجميع بل هو أقرب في عرف اللسان وبساط البيان إلى أن المراد به الواحد الشديد من جملة ما يحلف به؛ لأنه لو قيل لعربي: ما أشد الأيمان المحلوف بها (أجاب) ... (يقول: الطلاق أو العتاق أو غيرهما مما هو أشدها عنده (وأثبتها) عليه ولم يكن جوابه) الطلاق والعتاق واليمين بالله وكذا وكذا فيأتي بجميعها؛ لأن هذا إنما هو واجب من قيل له: ما الأيمان كما أن من قيل له: ما الأعمال الزاكية؟ جوابه: الصلاة والزكاة والحج وكذا وكذا، ولو قيل (له): ما أفضلها؟ لسمي واحد منها (لا جميعها) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: "الصلاة". لم يأتي بجميعها وكذلك من قال: ما الأعمال الشاقة؟ فجوابه: نحت الحجارة والعمل (بالزواريق)، ونزول الآبار، وكذا وكذا. ولو قال: ما أشد الأعمال؟ (لقيل له): نحت الحجارة أو كذا، إنما يسمى له واحد منها؛ لأنه عن ذلك سأل. هذا المتعارف في لسان العرب، ولذلك لم يلزمه ابن وهب في قوله: وأشد ما حمل أحد على أحد إلا كفارة يمين؛ لأن اليمين بالله هي اليمين المأمور بالحلف بها المأخوذ على المرء ألا يحلف بغيرها وهي اليمين الشديدة المعظمة بتعظيم المحلوف به فيها، وهو الله الذي لا إله إلا هو الكبير المتعالي. وجعل ابن وهب رحمه الله شدتها في قصد الكذب فيها والمخادعة بها والتقصير في تعظيمها لا فيما يلزم (الحانث) فيها من كفارتها، ألا ترى قول عمر رضي الله عنه: اليمين الغموس (تترك) الديار بلاقع. يريد الحلف بالله كذبًا. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "م حلف (بالله) كاذبًا ليقتطع بيمينه مال أخيه (المسلم) لقي الله وهو عليه غضبان". ورأى ابن القاسم رحمه الله، أن قصد الحالف بأشد ما اتخذه أحد على أحد إنما هو إلى ما يلزمه بالحنث في يمينه من المشقة فيما يخرج عنه من مال وغيره، فجمع لذلك تلك الأوجه (عليه) إذ قد يتخذها المستحلف على المستحلف تحريجا عليه لما يخاف من مخادعته إياه ومكره به فيما يحلف له به، وأما الأيمان اللازمة فلا يسوغ لأحد إخراجها عن معناها

ولا تأويلها على غير ظاهرها؛ لأنه باطنها. وإنما أطلت الكلام في ذلك لأني قد رأيت من يشير إلى أن في قول ابن وهب بعض التخفيف في الأيمان اللازمة، وإن كان هذا المشير إليه لم يصرح بذلك، والذي بينهما ظاهر الافتراق، والله تعالى ولي التوفيق. مسألة أخرى في الأيمان اللازمة نزلت ببياسة: كان رجل قد عهد من زوجته أنها أخفت بعض ثيابها باعتها أو أعطتها أحد أبويها، فلم ينكر ذلك عليها ثم أخبر بعد ذلك بمدة وهو في بعض أشغاله خارجا عن داره أن بعض ثياب امرأته سرق فوقع ظنه على إخفائها لها كما عهد منها، فقال: الأيمان كلها لازمة وهي طالق. إن كانت لي بامرأة إلا أن تصرف الثياب أو عوضها، فلم توجد الثياب وكتب بها إلى قرطبة وغيرها. فجاوب أبو عبد الله بن عتاب: إن صرفت المرأة الثياب في قرب ذلك وفوره؛ كقيامها فيها إلى بيت أخرى، أو إلى دار جارة لها في ذلك الموضع، أو تلك القرية أو سيرها إلى السوق في ذلك الحين لشراء العوض إن كانت تلفت، وفعلت ذلك دون توان أو تربص، فلذلك مخرج له من حنثه ووقع الطلاق عليه. وكذلك إن كانت في قرية أخرى فخرجت أو أرسلت فيها؛ فإن تربصت أو امتنعت من صرفها؛ وقع الحنث على الحالف في ذلك الحين دون تلوم أو ضرب أجل، إلا ما ذكرت لك، والطلاق في ذلك هو البتات. وأما الحالف بالأيمان اللازمة أن لا تكون له بامرأة؛ فإن بارها، أو خالعها أو صالحها في ذلك الحين؛ ملكت بذلك أمر نفسها وخرجت من عصمته؛ لم يقع عليه الحنث، وإن لم يفعل ذلك حنث، والمشي واجب لحنثه في ذلك الوقت مع إمكان الصحابة والوقت، فإن أخر لم يحكم عليه بالخروج لذلك، والله حسيبه ويحكم عليه بالعتق والطلاق، والله (عز وجل) أسأله التوفيق. وجاوب (أبو مروان) ابن مالك: أول منازل مسألتك في هذه اليمين أنه إن كان نوى بها أن زوجه غيبت الثياب، وخرجت (يمينه) على ذلك، ثم تبين له أنها لم تغيبها فاليمين غير لازمة له. وكذلك في سماع

ابن القاسم. وإن لم تكن يمينه هكذا؛ نظرت: فإن كان أقام (بعدها) مع الزوجة على هينتها قبل اليمين، ولم يعتزلها قبل صرف الثياب أو عوضها؛ فقد حنث وإن كان (تخلى) من ذلك واعتزلها من حين حلف؛ عصمه من الحنث أن تبتاع من الثياب. وتصرفها إن كان عوضا كاملا وافيا لا يقصر فيه عن الثياب المحلوف عليها، أو يتلوم لها في ذلك إن امتنعت منه أو تأخرت عنه وهما في التلوم معتزلان بحال بينهما إن لم يكن رجل ثقة مأمونا؛ فإن كان مأمونا (بقي معها) على أن لا ينظر إلى شعرها، فكيف سوى ذلك؟! هذا قول ابن القاسم في مثل هذا وقدر التلوم عنده في ذلك قدر ما يرى أنه أراده في ناحية يمينه. كذلك في المدونة وكذلك روى عن عيسى في المستخرجة وروى عنه في ناحية يمينه. كذلك في المدونة وكذلك روى عن عيسى في المستخرجة وروى عنه في موضع آخر منها أنه يؤجل في ذلك أربعة أشهر، وهذا إذا وعدت بصرفها أو (عوضها) وإن وقفت وقالت: لا أرد شيئًا لزمه الحنث مكانه، على ما في المدونة. قال ابن القاسم في رواية عيسى: وإن كان قد مضى من المدة قبل أن يرافعها قدر التلوم؛ لم يتلوم له، ومن حنث بالمشي إلى مكة خرج لذلك إذا أمكنه كذلك في رواية أشهب عن مالك هذا جواب مسألتك عن اليمين. (وقال) أبو عمر بن رشيق (بالمرية): الجواب أن يمنع (الزوج) عن وطئها؛ فإذا أجابت إلى رد الثياب أو عوضها إن لم توجد تلوم عليها في ذلك قدر ما يرى السلطان من قدرتها عليه. فإن أتت بها أو بالعوض، إن لم تجدها سقطت اليمين عنه. وإن أبت عن رد أحد الأمرين، ولم تجب إليه، فإن طلقها عند ذلك بالفور طلقة مبارأة برئ في يمينه، وله أن يتراجعا نكاحا جديدا إن أحبا، فإن لم يفعل وبقيت في عصمته لزمته الثلاث ولم تحل له إلا بعد زوج. قال القاضي: قول أبي عبد الله في جوابه إن صرفت المرأة الثياب أو (عوضه) بفور اليمين وقربها؛ بر وأخرجه ذلك من الحنث فيها، وإن امتنعت أو تأخرت واقعه الحنث وطلقت منه (بالثلاث) يخرج على أحد وجهين: أن يكون ذهب إلى أن يمينه إنما وقعت على (تعجيل) صرف الثياب أو عوضها، (وأن) التلوم في ذلك الساعة ونحوها إذا مضى وقع الحنث

حينئذ، على ما رواه عيسى عن ابن القاسم في كتاب الأيمان بالطلاق، وإليه أشار ابن مالك في جوابه في هذا الفصل. وكذلك الطلاق من الواضحة، أن يكون رآها من شرح ما في المدونة من قول ابن القاسم فيمن قال لامرأته: أنت طلاق إن لم أطلقك: (أن الطلاق يقع عليه) مكانه، وقد قال: لا يطلق عليه إلا بعد رفع السلطان وتوقيف. والقول الأول (احتج)، وأنه بخلاف قوله: أنت طالق إن لم أدخل الدار، إن وقع ذلك كان موليا، وإن دخل سقط عنه الطلاق. وهذا لابد له إلا بالطلاق على كل وجه، وكذلك عنه في الواضحة. وقال أصبغ: لا يعجل عليه الطلاق حتى يحكم عليه السلطان، واختاره ابن حبيب، ووجه الجمع بين هذه والذي أفتى فيها ابن عتاب؛ لأن قوله: الأيمان كلها لازمة إن كانت لي بامرأة لم تصرفها؛ فقد جمع فيها الطلاق. وقوله: إن (كانت) لي بامرأة في معنى (إلا) فارقتها؛ فصار كقولك: أنت طالق إن لم أطلقك، فرأى تعجيل الطلاق عليه إن لم تعجل بصرف الثياب أو عوضها. وأما ابن مالك فإنما جعلها من باب حلف بالطلاق على غيره ليفعلن فعلا كقوله: (امرأته) طالق لتقضين حقي الذي لي عليك، أو لتهبني دينارا، أو قال: لتدخلن الدار. والجواب المشهور فيها في المدونة والواضحة والموازية والعتبية: أنه يتلوم له في ذلك بقدر ما أراد بيمينه منه ما يكون ساعة، ومنه ما يكون شهرا أو أزيد أو أقل. هذا إن وعد المحلوف عليه بفعل ذلك، لا أفعل ما حلف علي أن أفعله؛ عجل على الحالف بالطلاق، هكذا في العتق (الأول) من المدونة وفي النذور من الواضحة في هذا الأصل خلاف لابن الماجشون، وقال: من حلف بالطلاق على فعل غيره (كمن) حلف به على فعل نفسه في جميع وجوهه، كذلك سمعت مالكا وغيره من علماء المدينة يقولون: يريد أن يكون موليا. قال ابن حبيب: وهو أحب إلي وأقوى عندي، وبه أقول ولابن القاسم في رسم حمل صبيا على دابة مثله، وقاله عيسى بن دينار، وقد روى عنه التفريق بينهما على ما في المدونة وغيرها وهو الأكثر والأشهر، وقد أشار ابن مالك في جوابه إلى هذا الخلاف الذي ذكرناه.

وأما قوله: أول منازل مسألتك في اليمين أنه إن كان نوى بها أن (زوجه) غيبت الثياب، وخرجت يمينه على ذلك، ثم تبين له أنها (لم) تغيبها؛ فاليمين غير لازمة له. كذلك في سماع ابن القاسم يريد ما رواه عن مالك في رسم طلق بن حبيب من كتاب الإيمان بالطلاق، فيمن كان له سوط وغاب عن أهله شهرًا ثم قدم فعتب على غلام له فأراد ضربه فسألهم (السوط أن يعطوه) فقالوا: ما نعلم مكانه فظن أنهم خبوه عنه كراهة ضرب الغلام فقال: حرم علي ما أحل لي إن لم تأتوني به فطلبوه فلم يجدوه ووجدوا سوطًا آخر فأتوا به، وقالت وغيرها من أهل البيت: هو هو ولم يعرفوه وأنكروا أن يكون (هذا). فقال مالك: إن لم يكن عرفه فقد (لزمه) الطلاق، ولو كانت له نية نويته، يريد أن يقول: لم أرده، إنما أحلفت على أني أظن أنهم غيبوه، فإذا كانت تلك نيته؛ فلا شيء عليه، كمن قال لجاريته: أنت حرة إن لم أبعك، فإذا هي حامل منه ولم يعلم فهي حرة إلا إن أراد أن تكون حاملا. ولهذه المسائل نظائر يطول الكتاب بذكرها، وكذلك تركت أيضا ذكر ما في سماع أشهب وغيره في تأخير المشي لمن حنث في الحلف به أو في الأيمان اللازمة. مسألة ثالثة في الأيمان اللازمة: شاور بعض القضاة في قرطبة في رجل حضر مجلس نظره فدعا إلى أنه يزال ربيبتاه عنه، فقيل له: لا تفعل. فقال: لزمتني يمين (ألا تبقيا عندي. فقيل له: تكفر يمينك. فقال: هي يميني) لا تكفر. فقيل له: عرفنا بها. فقال: لا كفارة لها، ولا يحل لي دخول الدار التي أسكنها (معها). فقيل له: متى حلفت؟ فقال منذ خمسة عشر يومًا. فقيل: هل أدخلت الدار بعد ذلك؟ فقال: دخلت. فلما قيل له قد حنثت. فقال: إنما حلفت أني إذا حضرت مجلس نظر القاضي فلا تكون معي بعد ذلك. واستفتي عن اليمين، فقال: كانت بالأيمان اللازمة، وكان بين قوله: لا يحل لي دخول الدار؛ مهلة صالحة. فجاوب بن عتاب: تصفحت رحمنا الله وإياك. خطابك، (وإذ) قد أقر الحالف أن يمينه التي ذكر وادعي ما ادعي؛ الحكم عليه العقوبة مع ذلك لحلفه ما حلف، وأفلا يصدق

في ذلك ولا ينوي فيه، والقضاء عليه بالطلاق والبتات واجب، وكذلك إن كان في ملكه من يعتق عليه بالقضاء ولله أسأل التوفيق. مسألة رابعة في الأيمان اللازمة من مسائل أبي بكر بن زرب: سأله ابن ديحون عمن قال لزوجته: الأيمان له لازمة إن دخلت دار فلان إن كنت لي زوجة، (فدخل) الدار، ثم بارأها فهل يجوز له بعد ذلك ردها وهل مبارأته إياها مما يخرجه من يمينه. قال ابن دحون: نزلت فتحير فيها أهل بلدنا فقال القاضي: إذا بارأها فقد (بر في يمينه) وله أن يردها بعد ذلك ولا حنث عليه، وهو بمنزلة الرجل يحلف فيقول لزوجته: أنت طالق إن لم أطلقك (بر) في يمينه. فقال له أبو الأصبغ الحشا وغيره: ليست هذه مثلها لأنه قال: لا (كانت) ومني (صار) فقد صارت له زوجة ويلزمه الحنث. فقال القاضي: هي عندي مثلها، ولا حنث عليه (إذا) بارأها إلا أن ينوي لا كانت لي بزوجة أبدًا، فإذا كانت هذه نيته لزمه الحنث فيها متى تزوجها. وما لم تكن هذه نيته فلا حنث عليه إذا تزوجها بعد مبارأته. وقال بعض في المجلس: إن بعض فقهاء بلدنا أفتى فيها أنه يلزمه الطلاق (البتات) فيها، ولا تنفعه المبارأة (ثم) لا يجوز له أن يتزوجها بعد زوج. وقال ابن محسن: نزلت هذه المسألة بقرطبة، وكتب فيها إلى ابن أبي زيد فقيه القيروان، وأفتى فيها: يفتي القاضي. فقال (له) القاضي: أكتب بها إليه؟ فقال: نعم، منذ أربعة أعوام أو نحوها. فقال ابن دحون: نزلت عندنا هذه الجمعة، واختلف فيها الفقهاء. مسألة خامسة في الأيمان اللازمة: سئل أبو محمد بن دحون بمسجد الوليد في محضر نكاح شهد عقده عن رجل بارأ زوجته فقيل له: ارتجعها وكرر عليه ذلك فقال: الأيمان (له) لازمة إن راجعتها أبدًا. فأفتى له أن يراجعها ولا يلزمه الحنث إلا فيمن (يملك) عصمته وفيمن ملك حينئذ لا فيما أفاد بعد ذلك، وذلك في مثل الزوجات يكن عنده، والمشي إلى مكة وصدقة ثلث ماله، وعتق عبيده. فراجعه أبو الخيار (الشتزيني)، وكان بالحضرة، فقال له: ما نكح من الزوجات وأفاد من المال يلزمه الحنث (فيها ويكون) عليها واقعًا. واستشهد بالمسألة التي في التمليك فيمن حلف ألا يتزوج، ولم يسم بلدا بعينه، ولا

قبيلة بعينها: أن له أن يتزوج إن شاء الله، والله المستعان. كذا كانت هذه المسألة عندي- أعني التي سئل ابن دحون عنها، وأجاب فيها في نفس كتاب مسائل ابن زرب متصلة بمسألة ابن زرب بأجزائها، إلا أنها لم تكن في كتاب أبي عبد الله الذي قوبل كتابي به، فضرب (عليه) في كتابه إلا أن جواب ابن دحون فيها صحيح، وله تفسير لم أجد نشاطًا لبسطه، والله تعالى يعيننا على طاعته برحمته. وقد سئل منذ أعوام كثيرة عن رجل قال: الأيمان له لازمة إن لم أبار زوجتي، فكتب مبارأتها فحضر قبل إشهاده فيها على إمساك زوجته وترك إمضاء مبارأتها. فقال: الأيمان له لازمة، إن كانت (له) بزوجة أبدًا ولم يتقدم لي فيها جواب فأثبته هنا غير أني قد أوردت في كتابي هذا في الأيمان اللازمة ما لم يذكره ولا رأيته مجموعا لسواي مما فيه مقنع لمن أنصف، ولم يهن بما لا يعرف، ولا اتخذ الدين لعبا، وكلام الأئمة باطلا (لا) عاملا وساقطا لا لازما، وهذه عصابة قد (شاب سلها) الاستخفاف وهجيرها التعطيل إذا رأت الناس سدى والإسلام مهملا لا وازع له ولا حامي لحرزته من قاضي يرعاه أو إمام يتقواه، وفقنا الله لرضاه لما يحبه منا ويرضاه. ولو لم يكن في هذه اليمين ما يعتمد عليه فيها إلا قول الشيخ لكان يجب، لمن نصح لنفسه، وحرص على الترقي في دينه- أن يوافقهم فيما اتفقوا عليه، وينتهي فيها إلى ما انتهوا إليه، فكيف وأصلها لمالك وأصحابه موجود، والكتاب والسنة (بصحبة) ذلك شهيد، لكن الإزراء على المتقدمين، وإرادة الظهور على المتأخرين، يحمل على الخلاف، وترك الإنصاف، وقلة الائتلاف، والله يوفق بفضله من شاء هداه من خلقه كما يخذل من أراد منهم بعدله. وذكر بعض من ألف بعض أخبار فقهاء الأندلس أن أبا بكر محمد ابن أحمد اللؤلؤي شيخ القاضي أبي بكر بن زرب والفقيه بن أبي زمنين وغيرهما كان له حقل يجاوره حقل جار له وكان حريصًا أن يضيف حقل جاره إلى حقله، فاحتال عليه في ذلك بكل حيلة واستعمل فيها كل وسيلة، فأبى صاحبه عليه ولم يجبه إليه إلى أن اعتل فعاده اللؤلؤي (مستطلعا) له متحفيا به، فأظهر له الرجل من السرور لعيادته والشكر على (مشاركته) ما أطمع اللؤلؤي في قضائه بحاجته في ذلك الحقل، فكلمه فيه ورغب إليه في تصييره له بما رسم من (ثمن) أو معارضة فأظهر له الإسعاف لما رأى منه من الإلحاف، وقال له: أشهد

علي بذلك وجماعة بعده من الفقهاء أصحابه وأدخلهم عليه فإذا به قد أظهر انهداد (قواه)، وضعف منطقه ودني الفقيه منه، فقال له: يا أبا فلان، أشهد الفقهاء- حفظهم الله- على بيعك مني. فقال له: أشهدكم أن الفقيه اللؤلؤي هذا قابلي متعمدًا لقتلي، وأنه الأخوذ بدمي، فإذا حدث بي حدث الموت استقيد منه لي فبعنقه دمي، وأنتم رهناء بالصدق عني، فدهش الفقيه ومن معه وأقبل على الرجل يتثبت ذهنه ويذكره ما جرى بينه وبينه ويخوفه الله ويعظه وسلك أصحابه في ذلك سبيله، فلم يرجع عن ذلك فخرجوا عنه. وسألهم اللؤلؤي أن يتوفقوا عليه ساعة بالباب ليخلوا به؛ ففعلوا وتفرد به وعزله وقال له: تعصي الله في أمري وتدمي في غير حق علي؟ فقال له: وهل قلت إلا ما فعلت، دخلت علي وأنا أحسبك عائدًا مشفقا، فسررت بذلك وإذا بك باغي فرصة فلما مستني في سويداء قلبي في أمر هذا الحقل المشئوم فما تعلم كرهه إلي فزعتني وأتيت علي، فهل أردت إلا قتلي إذا طلبت أخذ كريمة مالي؟ فاعتذر إليه اللؤلؤي، وقال: إنه تائب معترف بخطئي، فأبقي الله في فبعد لأي ما أجابه إلى ذلك. وقال له: أما وقد صرت إلى هذه الإنابة، فاحلف بالأيمان اللازمة أنك لا تلتمس هذا الحقل في حياتي ولا بعد مماتي، ولا تسعى لملكه ولا تصييره إليك ببيع ولا غيره وأن تحرمه على نفسك ولو صار إليك بميراث أغيره وأنك لا تهم لي تعد ذلك بمساءة، ولا تحقد بعد (ذلك) على ذريتي، فحلف له بذلك كله، وتوثق منه فيه، وعند ذلك أذن له بإدخال الفقهاء عليه فلما دخولا أشهدهم أنه قد عفا عنه الله تعالى وأسقط عنه تبعة دمه. فقال له اللؤلؤي: إنما أريد أن يكذب نفسك وتعود (لشأنك)، هذا هو الحق فإن أقنعك عفوي عنك وإلا فإني على ما عقدته عليك. فرضي منه اللؤلؤي بذلك وتوثق من الإشهاد به عليه، واتخذ حديثه معه موعظة اعتقد بها ألا يفتي في تدمية بعدها. وتوفى اللؤلؤي سنة خمسين وثلاث مائة، وقيل سنة إحدى وخمسين بعدها أول دولة الحكم رحمه الله، وأدخلت حكايته هذه لما فيها من استحلاف الرجل له بالأيمان اللازمة، ولست أعرف لها ذكرا في أبعد من وقت هذه الحكاية، وفيها دليل على إلزام الحالف فيها ما قد ذكرناه من وجوهها، وإنما لم تكن عندهم كل شيء، كما يذكر عن بعض المستخفين من المتسمين بالعلم من (معاصرينا) منحنا الله بفضله هداه وألهمنا تقواه وما (تجود) به رضاه.

باب في البيوع

باب في البيوع (قال القاضي): البيع على أربعة (أوجه): بيع حاضر مرئي. وبيع (معين) غائب موصوف أو معروف العين، برؤية تقدمت لهما فيه. وبيع غائب موصوف في الذمة، وهو السلم إلى أجل معلوم في صفة معلومة من طعام أو غيره محصور المقدار بعدد أو كيل، أو وزن ويعجل فيه رأس المال. وبيع السلفة وهو في بعض وجوهه كالسلم وذلك أن تدفع إلى (صاحب الرطب) دينارا في ربعين أو ثلاثة من رطب طيب مستناهي النضج والطيب ويعطيط كل يوم منه نصف ربع، أو أربعة أرطال (إعطاء) متصلا حتى ينفد. وكذلك إن دفعت إلى الخباز ربع دينار، أو نصف دينار في ثلاثين قرصا من خبز قمح حسن العمل والطبخ، كل قرص من رطل دقيق على أن تأخذ كل يوم قرصا أو قرصين، حتى يتم العدد الذي تواجبه عليه. وكذلك إذا أعطيت لبانا عشرين (درهما) في أثمان لبن (الحليب) طيب، وتذكر (الأثمان عدة) ولبن بقر أو غنم أو غيرهما وتأخذ كل يوم من ذلك ما تتفقان عليه، وكذلك ابتياع اللحم من القصاب، ويجوز في هذا النوع تأخير رأس المال بخلاف السلم. وقد قيل البيوع ثلاثة أضرب وأسقط منها ذكر السلفة والتقسيم الأول أصح، والله الموفق (للصواب). أخبرني أبو مروان (عبد الله) (بن محمد) بن مالك: أن إنسانا من أهل تاكرنة استسلف مالا وأخذ سلما، وقال: أؤدي إليك من مالي بتاكرنة فمنع من (ماله)، وحيل بينه (وبينه)، وقام المسلم يطلبه بدينه فأفتى صاحب المظالم؛ أبو عبد الله بن عبد الرؤوف، وأبو محمد (عبد الله) بن الشقاق، وأبو محمد بن دحون وغيرهم: أنه (يلزمهم) أداء دينه، وإن حيل بينه وبين ماله الذي ذكره. وأفتى القاضي (أبو المطرف) عبد الرحمن بن بشر أنه لا يلزمه أداء دينه إلا من ماله بتاكرنة قال لي: فعرض جوابه هذا على الفقهاء المذكورين، فرأوه صوابا، ورجعوا إليه

وتركوا جوابهم الأول، واحتج لجوابه لما رواه أشهب وابن نافع عن مالك، في الرجل يتعين عطاؤه فيحسن العطاء وله مال فيه وفاء بما عليه من تلك العينة. قيل لمالك: أو يأخذ ذلك من ماله؟ قال: لا أرى ذلك. وذكرت هذه النازلة لأبي عبد الله بن عتاب، فقال لي: لست أذكر أنها جرت عندنا، وينبغي ألا تجوز، كما قال ابن القاسم فيمن ابتاع سلعة بدنانير له معينة غائبة، يريد أنه قبض السلعة، ولم يشترط خلف الدنانير إن ضاعت، على ما في كتاب الرواحل من المدونة. وفي سماع عيسى (من العتبية) قال لي: وليست مسألة العطاء من ذلك، لأن العطاء كان مأمونًا ولا يخاف (تواه) في الأغلب، وذكر ابن حبيب في كتابه عن أشهب، قال: سئل مالك عمن باع رزقه الذي يخرج له بالجار سنتين ثم مات، فقام الغريم على الورثة في ذلك، أيكون ذلك له عليه حالا، قال: نعم، ذلك لهم عليهم حالا، يعطونه قمحًا مثل القمح الذي باعه من رزقه، وعلى صفته، وكذلك الذي بيبع عطاءه ثم يموت، يؤخذ ذلك من ميراثه، وقال فضل: هذا يدل على أنه إن قطعه السلطان منه بعد ما باعه، فعلى البائع أن يحضر ممثله عند الأجل. قال (القاضي): وفي المدونة في كتاب البيوع الفاسدة؛ عن نافع عن ابنعمر (أنه كان يبتاع البيع ويشترط على (صاحبه)، أن (يعطيه) إذا خرجت غلته أو إلى إعطائه. من ابتاع أرضًا أو دارًا فيها شجر قد أبرت ثمرته أو طابت: قال أبو عبد الله بن عتاب: شاهدت أبا عبد الله محمد بن عمر بن الفخار، (رحمه) الله في سنة أربع مائة، استفتى في رجل باع ملكا بقرية، وفي الملك شجر زيتون قد طاب ثمرها، ولم يشترط المبتاع الثمر، إلا أن في الوثيقة اشترى فلان من فلان جميع ما حوته أملاكه في الأرض والشجر، على نحو ما يجري في العقود، ولم يذكر الثمرة فأراد المبتاع أخذها. فأفتى أبو عبد الله بن الفخار: بأنها له، واحتج على ذلك بأن الشجر نفسه لو لم يذكر في الابتياع لدخل فيه، وكان تبعا للأرض، فإذا دخلت (الأصول) في الشراء، فالثمرة المتولدة (فيها) هي فرع منها، أحق بالدخول فيه. قال ابن عتاب: ولم يذكر أبو عبد الله هل جوابه عن رواية، ولم يسأل عن ذلك إذا كان لا يجترئ عليه بالسؤال عنه،

لاسيما من صغرت سنه، وكان ابتداء طلبي، ثم انتقل عن قرطبة سنة ثلاث وأربع مائة ولم يمكني استفهام (عنه) فاعتقدت ذلك من فتواه، وكان حافظا ذاكرا للروايات، ولم أزل أطلب ذلك إن كان عن رواية. فلما امتحنا بالفتوى نزلت هذه المسألة في دار بيعت وفيها نخلة مزهية، فأفتيت فيها بما كنت ضبطه عنه وحفظته منه، إذ حقق ذلك عندي النظر وصحة الخبر في الحجة التي احتج بها؛ أن الأصل تابع للأرض (فثمرته تابعة له) وخولفت في ذلك ولم أزل أطلبها أواصل البحث عنها، وأذاكر أهل الحفظ بها، فمن مستغرب لها مصوب، ومنكر مشعب. إلى أن ظفرت بها سنة سبع وثلاثن وأربع مائة، لمحمد بن عبد الحكم في كتاب الشروط من تأليفه، قال محمد بن (عبد الحكم): من الناس من يقول (إذا) اشترى دارا بما فيها، وفيها نخل، فالثمرة للمشتري طابت أو لم تطب. فأما نحن فنجعل ذلك للبائع إذا أبرأ، إلا أن يشترطه المبتاع اتباعا للسنة فيه الآثار والذي أقوله في ذلك، ما شاهدت الفتيا به، وبه نفذ الحكم، وبالله التوفيق. مسألة بيع الحرير التي هي من زي الرجال والذهب المغزول: سئل ابن عتاب عمن صناعته عمل الحرير، وهل هو في سعة من عمل عمائم منه وشبهها مما لا يلبسه إلا الرجال، وهل بيعها مباح له؟ فقال: لا بأس بيعها وعملها، وإن كانت مما (يلبسه) الرجال؛ لأنه قد يشتريها من لا يلبسها، ومن يصرفها في غير الملبس. وفي ثمانية أبي زيد هذا المعنى، قال أبو زيد سئل عبد الملك عن بيع ثياب الحرير من الوشي وغيره ممن يلبسها ولا يتحرج لباسها من المسلمين، كقلانس (وشي) الحرير، وجباب الحرير من الوشي، وغير ذلك، هل ترى على بائعه شيئًا؟ قال: لا شيء عليه، وليس هذا مما ينهي من بيعه، قد يشتريه من يلبسه، ومن لا يلبسه، وليس هذا بشيء، (ورأيته) ضعف ذلك. قال: وقال الأصبغ مثله. وسألت أبا المرطف بن سلمة: عن بيع الذهب المغزول المحمل على الجلد، هل يجوز بيعه بالذهب؟ فقال: لا يجوز لأنه التفاضل بين الذهبين، ويجوز بيعه بالفضة يدًا بيد (إن شاء الله).

قال القاضي: وهذا عندي صواب وكان قد حكى لي عن أبي عمران بن القطان فيها شيء لم أتحققه، وبالله التوفيق. باع دارا أو أسطوان دار، وشرط على المبتاع ألا يجعل فيها طاحونة: ابتاع رجل أسطوان دار، وعقد الوثيقة في ذلك أبو محمد بن الشقاق، فكتب اشترى فلان بن فلان من دراه التي بحاضرة قرطبة، بحومة مسجد كذا وحدها كذا، جمع أسطوان هذا الدار (المكشوف إلا على بقاعة هذا الأسطوان)، وحيطانه (المحدقة به) من جهاته الأربع، مع باب الدار، والعتبة، وما تبقى من حوائز الغرفة التي كانت عليه، والمدخل إلى ذلك كله، والمخرج منه إلى باب الدار، على أن يقلع البائع باب الفصيل الذي كان يفضي منه إلى الدار المحددة، ويبني البائع باب الفصيل بنيانا حسنًا بالطوب، بعد أن يجعل لها أساسًا مما يصلح له. وشرط البائع على المبتاع؛ ألا يجعل في هذا الأسطوان طاحونة يطحن عليها كما يطحن على المطحونات، وعلى ذلك انعقدت صفقة التبايع، ثم إن المبتاع جعل في الأسطوان طاحونة، فقام عليه البائع في ذلك عند صاحب السوق فشاور فيه. وجاوب ابن طاحون وأبو على المسيلي: البيع جائز والشرط ساقط، وللمبتاع إقامتها. زاد المسيلي: ويمنع من الضرر. وجاوب أبو المطرف (عبد الرحمن) بن جرح: البيع جائز، والشرط جائز، ويقضي على المبتاع بقطع الطاحونة. وجاوب أبو عبد الله بن عتاب: قرأت ما خاطبتنا به، وفحصته، والعقود المنعقدة في البيوع بالشروط في مددها تنقسم إلى أربعة أقسام: قسم منها: يصبح فيه البيع والشرط، وقسم ثان: يصبح البيع فيه ويبطل الشرط، وقسم ثالث: يبطل البيع فيه والشرط، ويغلبان على فسخ ذلك. وما خاطبتنا به ليس من هذه الأقسام الثلاثة ولا من بابها، وهو من القسم الرابع: الذي الشروط فيه مكروهة، فإن وقع البيع بها؛ خير مشترطها إن كان المبيع لم يفت في إسقاطها، ويصح البيع وينفذ، أو التمسك بها ويفسخ البيع بها، وإن فات المبيع سقط

الشرط ووجبت القيمة في ذلك، فإن كان الأسطوان على حاله يوم التبايع فالبائع مخير، إن أحب إسقاط الشرط نفذ البيع وجاز وإن لم يسقط فسخ البيع فيه، وإن كان الأسوان قد فات بما تفوت به الأصول من الهدم والبناء سقط الشرط ولزم المبتاع في القيمة، إلا أن تكون أقل من الثمن الذي ابتاع به، فلا ينقضي منه؛ لأنه قد رضي بذلك الثمن من الشرط الذي التزمه، فإذا سقط عنه الشرط لم تكن له حجة، فإن أثبت البائع عندك ضررًا بطاحونة نظرت له في ذلك إن شاء الله عز وجل. ابتاع كرم بثمن مؤجل على أن ينفقه في تحصين الكرم وعمارته: ابتاع فرج من رجل اسمه سليمان نصف كرم، وعقد البيع بينهما أبو محمد بن دحون فلما بلغ موضع ذلك الثمن، قال بعد معرفتهما بقدر ما تبايعاه ومبلغه بخمسة عشر مثقالا عيونًا ذهبًا: صارت هذه العدة لسليمان قبل فرج ذمته وماله منجمة عليه في ثلاثة أعوام. أولها تاريخ هذا الكتاب، ويضيف إليها من ماله مثلها، ويتولى إنفاق الجميع في تحصين هذا الكرم المحدود، واعتماد جميعه في الثلاث الأعوام المذكورة، وذلك في استقبال أول عام منها مثقالان في قطع الشعراء منه، ثم في أبان الزبر والحفر من هذا العام الأول يحفره ويزبره بثمانية مثاقيل من العدة المجتمعة، ثم في استقبال العام الثاني تحصين جميعه بحائط يحدقه به، ينفق فيه من العدة المجتمعة عشرة مثاقيل، وينفق فيه في هذا العام الثاني لزبره وحفره، مع ما يستزف من غلته في زبر جميعه وحفره في العام الثالث تتمة للعدة المذكورة. ويكون المبتاع وفرج المذكور متولي النظر في ذلك كله، والتعاهد به في المدة المذكورة، وكله على ذلك يليان توكيلا أقامه فيه مقام نفسه، وقبل فرج ذلك من توكيله والتزمه، وخلص للمبتاع فرج بهذا الابتياع ملك النصف المبيع من الكرم المحدود، وصار جميعهما مشتركا بينهما بالسوية لا فضل لواحد منهما في شيء منه على صاحبه، بيعًا صحيحًا تامًا عرفًا قدره، وبلغ المؤمنة في العمل المذكور، وتواصفاه صفة عرفاها ووقفا عليها وأكمل العقد. فقال البائع سليمان عند الوزير صاحب السوق أبي علي حسن بن ذكوان فشاور في ذلك، فاختلف فيه.

جاوب ابن جرح: تصفحت ما خاطبتنا به، والعقد الذي انعقد بين فرج وسليمان في ابتياع نصف الكرم على الشروط التي تضمنها كتاب الابتياع فاسد من وجوه وعلل كثيرة منها أن فرجا ابتاع نصف الكرم خمسة عشر مثقالا على أن يعتمر جميع الكرم بها وبمثلها من ماله في ثلاثة أعوام، أولها تاريخ الابتياع، فصار لا يمتلك النصف الذي ابتاع إلا بعد مرور الأعوام التي اشترط اعتمار الكرم فيها، ومثل هذا البيع لا يجوز عند مالك، روى ذلك عنه ابن القاسم وأشهب، ومالهما من مخالف عن أصحابهما. قال مالك فيمن ابتاع من رجل نصف سلعة على أن يبيع المبتاع النصف الثاني لصاحبه في غير البلد الذي باع منه النصف، لا يعجبني هذا البيع. وقال ابن القاسم: لا يجوز هذا البيع، وكذلك لو قال: أبيعك نصف هذه الأشياء على أن تبيع لي النصف الآخر في موضع كذا لبلد آخر. وقال أشهب: أنه إن ضرب أجلا لبيعه في البلد الذي ابتاع فيه، فلا يجوز وهو أحرم له. ومن علل هذا البيع، أنه لم يشترط خلف الخمسة عشر مثقالا نصف ثمن الكرم، ولم يشترط في العقدة خلفها إن تلفت، والذي أقوله أن يقضي بفسخ هذا البيع بينهما، ويكون على فرج قيمة نصف الكرم على هيئة يوم قبضه؛ لأن البيع الفاسد إذا فات لزمت المبتاع قيمة ما ابتاع يوم قبضه. وجاوب ابن دحون: بأن البيع جائز ماض على حسب ما وقع، وقال المسيلي: قول في هذه المسألة على قول الشيخ يريد ابن دحون. فله سابقة ورسوخ، وهو كما قال الأول: إذا ما جرى للمسجد والقوم خلفه تناول أقصى جهدهم وهو وداع. وجاوب ابن الشقاق: لم يحضرني في هذا جواب أرتضيه، وقد جاوب الفقيه أبو محمد بما تراه، والله يحملك على الصواب. وجاوب أبو عبد الله بن عتاب: سيدي ووليي، قرأت ما خاطبتنا به وتصفحت عقد ابتياع ابن فرج لنصف الكرم

الذي ابتاعه، فرأيت فيه عللا ووجوها من الفساد، منها: ما ذكر فيه أنه اشترى من سليمان يصف الكرم بخمسة عشر مثقالا، صارت هذه العدة لسليمان قبل فرج في ذمته وماله، منجمة عليه في ثلاثة أعوام، وهذا دين لازم لفرج. ثم ذكر في العقد أن المبتاع يضيف إليها من ماله مثلها، ويتولى إنفاق الجميع، مع ما يغل الكرم في الأعوام الثلاثة في الوجوه التي ذكرها، وفيه أن سليمان وكل فرجا على الإنفاق المذكور، ثم أعقب هذا اللفظ بما ينقضه، وذلك قوله بيعًا صحيحًا، عرفًا قدره ومبلغه ومبلغ المؤمنة فيه، وتواصفا العمل الموصوف صفة عرفاها ووقفا عليها، ففسخا العدة التي صارت في ذمة فرج المنجمة عليه في ثلاثة أعوام، مع ما يضيف إليها ومع غلة الكرم في الأعوام الثلاثة في عمل تواصفاه ووقف عليه، لا يتعجل البائع سليمان قبضه. وهذا والله أعلم داخل في حكم الدين بالدين الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي بالدين عند مالك إنما هو في المضمون جميعًا، قد حكم مالك بما أشبهه، ودخل في معناه بحكم الدين بالدين، وجعله من بابه، كما جعل الذمة بالذمة من وجه الدين بالدين، وحكم لها بحكمه. ومن وجوه فساد هذا العقد، قوله فيه: أن يضيف فرج إلى الثمن مثله وينفق الجميع في الكرم، فاستجد البائع- بما يضيفه المبتاع من ماله ونفع مال غيره، وقد يحط البائع من الثمن لذلك، وقد كره مالك ما يشبهه، ووقع في كتاب القراض؛ قال مالك: لا يصلح أن تقول: أقارضك بألف أن تخرج من عندك ألفًا، وتعمل بها جميعًا. قال ابن القاسم: وإنما كررهه الاستغزار الشراء، ولأنه يجز إلى نفسه منفعة مال غيره. ومما يفسده أيضًا؛ التزامهما لنفقة غلة الكرم في الأعوام الثلاثة، فصار فرج لا يمتلك نصفه ملكًا تامًا، ولا يتصرف في اغتلاله إلا بمرور هذه الأعوام، ولهذا من مسائل مالك يطول ذكرها. وذكر في العقد أن سليمان وكل فرجًا على نفقة الخمسة عشر مثقالا التي صارت في ذمته في الكرم المذكور، وإنما يصح هذا ويسلم من المكروه فيه؛ إن كان البائع حاضرًا وقت النفقة، وأما إن لم يكن حاضرًا؛ فقد كره مالك ذلك. قال في كتاب الوكالات، فيمن له على رجل ألف درهم، فيقول: اشتر لي بها سلعة

أو دابة أو جارية، قال: إن كان الأمر صاحب الدين حاضرًا، حيث يشتريها له المأمور الذي عليه الدين، لم أر بذلك بأسا، وإن كان غير حاضر، لم يعجبني فهذه الوجوه مما تفسد البيع. وحكم البيع الفاسد إذا لم يكن حرام بينًا؛ الفسخ، إلا أن يفوت، فإن فات وجبت فيه القيمة يوم القبض، واختلف فيما تفوت به الدور والأرضون في البيع الفاسد. فقال ابن القاسم: لا تفوت إلا ببيع، أو بناء، أو هدم، أو غرس، ولا تفوت بحوالة أسواق، أو طول أزمان. وقال أصبغ في ثمانية أبي زيد: إن اختلاف الأسواق في البيع الحرام، فوت في الدور والأرضين وكل شيء، فإن كان المبتاع قد فوت النصف بالغرس والعمارة؛ لزمته قيمته يوم قبضه ما بلغت القيمة، وله الغلة، وأما ما أنفقه فرج في نصف سليمان؛ فقد اختلف قول ابن القاسم فيما يشبه هذا، فقال: له ما أنفق، وقال قيمة ما أنفق. والذي أرى في المسألة: أن له ما أنفق؛ إذا كانت نفقته سدادا؛ لأنه أنفق لسليمان وبإذنه، فيرجع به عليه، ولسليمان النماء، وعليه النقصان، ولأن بنفقة فرج كثرت الغلة، وقد استغل سليمان نصفه. ومن شبه هذه المسألة بقول مالك فيمن باع بدنانير على أن يأخذ فيها دارهم، فقد شبهها بما لا يشبهها، إذ البيع في مسألة مالك إنما وقع بالدراهم، وبها يرجع إن كان استحقاقا، وإياها يرد إن رد بعيب، ولم يجب عليه قط دنانير لا يستطيع البائع أن يأخذها أبدًا في هذه المسألة، وبها احتج ابن القاسم في جوازها. وفي مسألة بيع نصف الكرم، إنما وجب للبائع في ذمة المبتاع دنانير يصرفها في عمل، وكذلك تشبيه بقول مالك فيمن اكترى دارًا على أن عليه مرمتها من الكراء، أن ذلك جائز، وهذه المسألة لم يذكر فيها أن الكراء وقع بنقد أو دين، ولا يكف عرف أهل البلد في الكراء، وإذا لم يذكر ذلك فيها؛ فكيف يصح له الاحتجاج بها؟ والبيع بتمام عقده يجب على المبتاع دفع الثمن، وعلى البائع إسلام ما باعه، والكراء مخالف له، ليس يجب على المكتري بتمام عقد الكراء إذا لم يكن عرف، ولا شرط في تعجيل دفع الكراء، وإنما يجب عليه بالسكنى. فالذي وجب على مكتري الدار، واشترط مرمتها، وتعلق بذمته دنانير، لا ما يواها من المرمة، وفي هذا بيان لمن أنصف. ومن جعل من علل العقد الذي شاورت فيه؛ ترك اشتراط خلف ثمن نصف الكرم

إن تلف، وشبه ذلك بمسألة مالك في الذي يبيع السلعة على أن يتجز له بثمنها سنة، أنه إن لم يشترط الحلف فيها لم يجز. فشبه شيئًا بما لا يشبهه، وكيف رأى اشتراط خلف ثمن نصف الكرم وهو في ذمة المبتاع، أم كيف يخاف تلف ما في الذمة إلا بعدم يصحبها إلى الموت، فتلف الدين بتلفها، وإنما يحسن اشتراط الخلف في مسألة مالك، لأن الدنانير إذا صرفها في التجر قد يخسر فيها، وينقص بذلك عددها، حتى تتلف السلع المشتريات فيها، لذلك رأى اشتراط خلفها. وفي مسألة مالك معنى لطيف، ليس هذا موضع ذكره، إذ ليس من المعني الذي شاورت فيه، وبالله التوفيق. قال القاضي: الذي أشار إليه ابن عتاب بقوله هذا، والله أعلم، أن في المدونة، في مسألة: من باع سلعة بمائة دينار على أن يتجر بها المشتري للبائع سنة، جاز، إن اشترط إن ضاع المال أخلفه البائع، فإن ضاع ولم يرد أن يخلفه، قيل له: اذهب بسلام ولا شيء على المشتري، فدل قوله في اشتراط خلف المائة على البائع، أن ضمانها منه إن تلفت، وأنه في أمانة المشتري لا في ذمته، وإنما يصح ذلك بأن يخرج المشتري المائة ويحضرها، وحينئذ يتجر بها في المستقبل، لتنتقل من ذمته إلى أمانته. فما كان فيها من ربح أو وضيعة، كان من البائع، فإن استحقت السلعة المبيعة من يد المشتري، لم يكن له على البائع إلا المائة دون ربحها، مع أجرة مثله في تجارته بها. وهذا الذي أراد ابن عتاب والله أعلم. ولهذا بسط وبيان تركته كراهة التطويل، وكذلك في تهذيب أجوبتهم كلام طويل، لاعتراضات فيها، واختلال في بعض معانيها، وأبين ما في ذلك العقد عندي من الفساد؛ أنه باع نصف كرمه بثمن وأجرة مجهولة، لاشتراطه على المتاع-فرج- عمارة الكرم وتحصينه بالثمن، ومثله معه، وبما يأخذ في الأعوام الثلاثة من غلة، والحاصل في الغلة مجهول، وكذلك التصرف في إنفاقه مجهول. لأن الاشتغال بإنفاق مائة دينار، أكثر من الاشتغال بإنفاق عشرة دنانير أو عشرين في إصلاحه وقد لا يغل، وليس في المخاطرة والغرر أبين من هذا، وكأنه قال له: أبيع منك نصف هذا الكرم بخمسة عشر منجمة في ثلاثة أعوام، على أن تنفقها ومثلها من عندك،

وما بغلة الكرم في هذه الأعوام. في مصالح الكرم وعمارته، وإن لم يغل شيئاً، نظرت في إنفاق الثمن ومثله معه لا غير. وأين هذا من قوله، وعرف قدر المؤنة فيه. وروى عيسى عن ابن القاسم، فيمن قال استأجرك شهرًا بعشرة دراهم، على أن تبيع لي ما جائني، فإن لم يجني شيئًا فلك إجارتك كما هي؛ أنه لا خير فيه، ولا يصح حتى يكون شيئًا ثابتًا، يقول: أستأجرك على أن تبيع لي، فإن جاءه ما يبيع له، باع، وإلا أجره في مثله لا خير فيه، يكون هكذا وراءه من الغرر إذا كان على غير شرط، هذا نص الرواية في العتبية، وهي نفس مسألة الكرم وبالله التوفيق. وسحنون لا يجيز البيع والأجرة إذا كانت الإجازة في البيع نفسه، فعلى مذهبه لا تجوز مسألة الكرم أيضًا، لأن النظر والإصلاح في المبيع نفسه، وهو الكرم، وهو يجيز مسألة بيع السلعة بمائة، على أن يتجز المشتري بها سنة، وإن لم يشترط خلفها، وكذلك يأتي على مذهب ابن حبيب في هذا الأصل. السلم وشبهه في الدار المبيعة لمن يكن: سألت ابن عتاب: عمن باع دارًا فيها مطاحن لم تذكر في التبايع، فأراد البائع أخذها، ومنعه المبتاع منها. فقال: إن كانت مبنية فهي للمبتاع، وكذلك الدرج المبني، وإنك كانت غير مبنية فهي للبائع، وكذلك السلم الذي ينقل من موضع إلى موضع. وقال بعض من حضر: اختلف في الحجر الأعلى من المطاحن، وفي وثائق ابن العطار؛ في الحجر الأعلى؛ أنه للبائع، وفي الأسفل أنه للمبتاع، لأنه مبني، فهو كسائر الدار، وقال في السلم، هو للمبتاغع، بخلاف ما قال ابن عتاب. وقال القاضي أبو بكر بن زرب في مسائله: مما يؤكد أن السلم يكون في الدار، أنه لمبتاعها؛ ما ينعقد في وثائق أشرية الدور بجميع منافعها ومرافقها، فالسلم من المنافع، ولا يوصل إلى الغرفة إلا به. قال له ابن محسن: قد رأيت لابن حبيب ما ذهبت إليه، أن السلم يدخل في البيع. فقال: ما رأيته، ولكن جئني به لأراه، فقال: نعم، آتيك به إن شاء الله، فقال بعض أصحابه: ينبغي على هذا القول أن يدخل الدلو والحبل والبقرة في البيع، إذ لا يوصل إلى الانتفاع بالبئر إلا

بذلك، كما لا يوصل إلى الغرفة إلا بالسلم، فقال: ليس هذا مثله، والسلم خلاف ما ذكرت، والسلم عندي من منانفع الدار، وهو داخل في البيع، وليس للبائع أخذه هذا مذهبي. قال القاضي: يؤيد ما ذهب إليه القاضي وابن العطار في السلم، وما في سماع عيسى عن ابن القاسم فيمن اكترى منازل سنة، وفيها علي ليس له سلم، فقال لصاحب المنازل: اجعل للعول سلمًا، ولم ينتفع به المكاري، حتى انقضت السنة قال: ينظر إلى ما يصيب ذلك العلي من الكراء، فيطرح على المكاري. ابتاع دارًا يتصل بها حانوت أو جنة، وادعى دخول ذلك في ابتياعه: كتبت إلى شيوخنا في قرطبة في سنة أربع وخمسين وأربعمائة، فيمن باع داراً ينتظم بها حانوت، له باب يفضي منه إلى الدار، وباب آخر ينجز عليه، وعقد العقد وقيل فيه، بمنافعها، أو لم يعقد. وآخر باع دارًا تتصل بها جنة، محدق عليها، وليس لها باب ولا طرق إلا على الدار، وادعى المبتاع دخولها في صفقته، وخالفه البائع. فجاوب ابن عتاب: أما الدار والجنة، فإن حدود المبيع في عقد التبايع، دخل في البيع ما اشتملت عليه الحدود، فإن اشتملت عليه جميعًا، نفذ البيع فيهما، وإلا لم يدخل فيه ما خرج عنهما، وهذا ما ذكرت أنه لا مدخل لها إلا على الدار، والحانوت مخالف للجنة عندي، إذ له باب آخر، ولا يصح الجواب فيه إلا بعد الوقوف على ما يقوله المتبايعان. وقد يمكن أن يستدل على هذه القصة بما في الواضحة لابن حبيب، في تأويل الحديث الذي وقع أيضًا في المستخرجة من جامع البيوع، أن مروان اشترى من إبراهيم بن نعيم بن النحام نخلاً له، فقال إبراهيم: إنما بعتك النخل وحدها، وقال مروان إنما اشتريت النخل والبقعة. ولا أتقلد الجواب إلا بعد البيان، ولا أحسبها نازلة فتركت الاشتغال بها، ونبهت على موضع الاستدلال لها، والله أسأل التوفيق. وجاوب أبو عمر أحمد بن محمد بن القطان: أما الحانوت فلا يدخل في بيع الدار، وإن كان له إليها باب مفتوح، إلا أن تحد وتشتمل عليها الحدود، وإلا فالحانوت غير الدار، وكذلك الجنة، إذا لم يقع تحديد لأنها

غير الدار. وجاوب ابن مالك: إذا كان المتبايعان حد الدار، فيحسب المتبايعان والوقوف عند ذلك، وإن كان لم يحداها ويعرفانها؛ فالحانوت لا يقال له دار في المتعارف، فلا يدخل في البيع والجنة أيضًا لا تدخل في البيع، ولعله يمكنه مدخل يوما ما. قال القاضي: الذي نبه عليه أبو عبد الله بن عتاب من خبر بن النحام، ذكره ابن حبيب من آخر العاشر من بيوع الواضحة، عن أبي معاوية المزني عن يزيد بن عياض: أن مروان بن الحكم اشترى من إبراهيم بن نعيم بن عبد الله بن النحام نخلال له، كانت في موضع دار مروان أو في بعضها، فقال إبراهيم إنما بعتك النخل دون البقعة، وقال مروان بل اشتريت النخل والبقعة، فنكل عن اليمين، فسلم المبيع لمروان مع يمينه. قال ابن حبيب: وتفسيره أن يقول البائع: إنما بعتك النخل وحدها، نصصت ذلك وبينته، ويقول المبتاع: إنما بعتني النخل والأرض جميعًا، نصصته نصًا، فيكون القول قول البائع مع يمينه إن كان انتقد الثمن، فإن نكل؛ حلف المبتاع، وصدق، ولا يتحالفان ويتفاسخان، فأما إن تقارا أن البائع قال: أبيعك هذه الحديقة وهذا الحائز؛ فالأرض والشجر جميعًا يجمعهما البيع، وكذلك إن قال: أبيعك أرضي هذه، أو الأرض التي لي بموضع كذا وفيها شجر، والشجر تبع لها، كما الأرض تبع للشجر، على ما ذكرنا. وهكذا، أوضح لي مطرف، وابن الماجشون، وابن عبد الحكم، وأصبغ، وقال لي أصبغ: وهو قول ابن القاسم أيضًا. قال القاضي: تركت كثيرًا من هذه المسألة اختصارًا، ووقع خبر ابن النحام في نوازل سحنون على ما ذكره ابن حبيب، ولو كان البائع لم ينقد الثمن، وقال: إنما بعت النخل وحدها، وادعى المبتاع أنه اشتراها جميعًا، وبين ذلك؛ تحالفًا وتفاسخا. وكذلك في مسألة الدار والحانوت والجنة، إن ادعيا البيان واختلفا، تحالفا وتفاسخًا. وبهذا الوجه يتم جوابها، وإنما وقع جواب الشيوخ فيها على أنهما لم يبينا، ووقع التبايع منهما بينهما، وكذلك في هذا الفصل من كتاب القسمة بينهما من المختلطة، ابتاع

من هذا التسعة الأثواب بدينار، وقال المبتاع: وهذا الثوب العاشر معهما أنهما يتحالفان ويتفاسخان، والله تعالى أعلم بالصواب وهو الهادي إليه بفضله لا شريك له. وسئل أبو عمر بن القطان: عمن باع جميع أملاكه بقرية كذا، وقال في عقد الابتياع في الدور والدمن والأفنية والزيتون والكرم، ولم يزد في الوثيقة على هذا، وللبائع في القرية أرجاء لم تذكر في الوثيقة، وما لم أذكر -وهو الأرجاء- لم يدخل في المبيع فكتب بخطه: الأرجاء للمبتاع، وجميع ما بالقرية من العقار. قال القاضي: هذا الجواب يوافق ما في سماع أصبغ في كتاب الصدقة، ويخالف قول قاسم بن محمد، هكذا ألفيت هذه المسألة في بعض الكتب، وقد مرت نظيرتها من جواب ابن زرب في الوصايا. البيع بثمن يحل في شهر كذا: في مسائل ابن زرب، قال القاضي فيمن باع بيعًا، واشترط محل الحق عليه وكان ابن لبابة يقول: هو أجل مجهول، إلا أن يقول أول الشهر أو آخره أو وسطه، قال: ولست أقول بهذا، وقد رأيت لمالك في المبسوط: أنه أجل معلوم ويكون محل الأجل في وسط الشهر إذا قال في شهر كذا، وفي وسط السنة إذا قال في سنة كذا، واستحسن القاضي هذا، وقال: أليس البيع إلى الجذاذ أو الحصاد جائز، وهذا حق بالجواز. قال القاضي: ولمالك في كتاب شك في طوافه نحو ما جاء عنه في المبسوط، سئل عن رجل صالح في دم، على أن يعطي في كل سنة كذا وكذا وكان شرطه أن يعطاها جملة، وقال الذي عليه الإبل: آتيك بها رسلا رسلا يتبع بعضها بعضًا، وقال الذي له الإبل: وأنا على شرطي، ولا آخذا إلا جملة واحدة، قال مالك: ما أرى بأسًا أن يأخذا رسلا رسلاً، فردد عليه، فرأى ذلك أن يعمل به، فقيل له: إنما اشترط عليه في سنة، ولم يسمها في شيء من السنة قال: أرى أن يعطى في وسطها يعني السنة. قال القاضي: وسألت أبا عمر ابن القطان عن العقد يؤرخ لصدر شهر كذا من سنة كذا، كم

الصدر؟ فقال لي: الثلثان والنصف: واحتج بما في سماع ابن القاسم عن مالك: فيمن له على رجل حق، فقال لغريمه: إن لم يقبض صدرًا من حقي يوم كذا وكذا؛ فعلي المشي إلى بيت الله إن لم ألزمك بحقي كله، قال مالك: إن الصدر ثلثا، ولو قيل النصف، لكان قولا، ولكن الثلثين أحب إلي، إلا أن يكون حين حلف قد أجمع على شيء من أمره؛ فهو على ما أجمع. وسألت ابن مالك عن ذلك فقال: اليمين يتقي فيها دخول الحنث؛ إن لم يستوف ما حلف عليه، وذهب إلى أن الصدر في العقد أقل من ذلك، وهو الأشبه فيه عندي أن يكون ثلث الشهر أو ما قارب منه، وقد قال ابن حبيب فيمن حلف ليرضين غريمه إلى أجل سماه، فلما حل الأجل أحاله به على غريمه، أو أعطاه به عرضًا، أو رهنًا، أو قضاه منه صدرًا مثل الثلث فما فوقه، أو جميلا أو أرضاه بذلك كله، بره. قاله مالك. ورواه ابن وهب وغيره، وقاله ابن القاسم وغيره من أصحاب مالك، لم أعلمهم اختلفوا فيه، فقد أطلق في هذه المسألة صدر على الثلث فأزيد، والله أعلم بالصواب. بيع أنقاض الحصاد المبنية في أفنية السلطان وفي الأرض المحبسة: في كتاب الشفعة من المختلطة: من أذن لرجلين أن يبنيا عرضة له فبنياها، فباع أحدهما حصته من النقض؛ فلشريكه الشفعة فيه؛ إن لم يرد رب البقعة أخذه بالقيمة، وفي غيرها عن أشهب وسحنون: أن بيعه لا يجوز؛ لأن رب العرصة له أخذه، فتارة يشتريه بناء، وتارة نقضًا. وسئل مالك عن قوم حبست عليهم دار، فبنوا فيها، ثم مات أحدهم، فأراد بعض ورثته أن يبيع نصيبه من ذلك البنيان، هل لإخوته شفعة؟ فقال: إذا نزل مثل هذا؛ فلهم فيه الشفعة. قال ابن عبدوس: قال سحنون: هو يقول ما بني في المحبس فليس له أخذه، ولا بيعه، ويكون محبسًا، قيل له: فلعله أراد حبس عمري، قال: فبيع النقض إذاً لا يجوز، وينقض، ولا شفعة فيه؛ لأنه بيع فاسد، وهو قول أشهب. وقال: لا يجوز بيعه إلا لضرورة في دين وشبهه فيجوز، وقال: هو كالشريك يبيع حصته من العبد بعد عتق شريكه، فلذلك غير جائز. وفي العتبة، في سماع أشهب عن مالك، فيمن ابتاع قصبًا وأبوابًا وكل بنيان في الدار، إلا أن البقعة قطيعة من أمير المؤمنين، على أن أتباعه في كل ما اشترى على البائع إلا

البقعة، لحق المشتري في شيء مما اشترى سوى البقعة، فهو على البائع قال: هذا البيع ليس بجائز، ولا حسن. وفي كتاب ابن المواز: ومن ابتنى في أرض من أرض السلطان، ويؤدي إليه الكراء، فبيع الباقي النقض قائمًا، وربما زاد عليهم السلطان في الكراء، فإذا باع النقض ولم يشترك كراء مسمى ولا يقول: أحول اسمك مكان اسمي، جاز. قال محمد: إنما هذا في أرض السلطان التي لا تنزع ممن بني فيها، فأما لغيره فلا يجوز للباقي بيع النقض ولا شيئًا منه على حال. قال القاضي: يريد: لأن رب الأرض مقدم في دفع قيمته منقوضًا. وفي وثائق ابن العطار: ولا يجوز بيع حوانيت الحصى، التي قاعتها للسلطان، منالموت وشبهها من المباني المحدثة في الموات، وبطون الأودية المجاورة للعمران، على أن يبقى بنيانها قائما فيها على حسبه وقت التبايع، إذ القاعدة لغير البائع. ولا يدري كم يترك بنيانها فيها فيدخله الغرور والفساد وإن وقع هذا؛ فسخ البيع ورد المبيع إلى بائعه، وإن فات بهدم وشبهه؛ فعلى المتاع قيمته منقوضًا. وإن باعه على أن ينقضه المبتاع، ووقف على ما فيه من صخر وغيره؛ جاز إن لم يضمر بقاءه قائمًا على حاله، فإن أضمرا ذلك وشرطاه؛ لم يحل، وإن أظهر في العقد أمرًا صحيحًا لأنه يزيد في الثمن لذلك، وهو لا يدري متى يخرجه السلطان، أو يأخذه بقيمته، ويفسد أيضًا من وجه آخر إن شرط إبقاءه، ويؤدي عن القاعة خراجها شهرًا فشهرًا إلى السلطان، فيكون قد أكراه إلى غير مدة معلومة، يخرجه السلطان عنها إن شاء، ولا يمكنه من الانحلال عنها إذا أراد، وإن مات اتبع السلطان ورثته بخراجها، فصار كالمغارم التي يتبرأ بها عن الأملاك المبيعة. وفي مسائل القاضي أبي بكر بن زرب قال: لا يجوز بيع أنقاض الحوانيت التي تقام في أفنية السلطان بالحصاة والحساس ونحوها، فإن انعقد البيع فيها دون الأصل لم يجز، إذ المعلوم فيها لولا رجاؤه بتركه فيها لم يعط صاحبها ذلك الثمن بها، قال له ابن دحون: فلو باع هذا النقض صاحبه، واشترط على المبتاع قلعة، فتبسم وقال: هذه حيلة لو سمعها الناس لاحتالوا بها.

وذهب إلى أن ذلك جائز إذا اشترط أنه بقلعه، قال له ابن دحون: فلو أوصى رجل ببيع نقض حانوت له في هذه المواضع، وأن يفرق ثمنه على المساكين فقال القاضي: أما أنا فما كنت أبيعه، وإذا نزل في مثل هذا، لم أعقد البيع فيه، وقلت لموصي أذهب عني وافعل ما ظهر لك، فيتولى الوصي بيعه، فأفتى بقرطبة ابن عتاب وابن القطان وابن مالك: بنقض بيع الأنقاض المقامة في الأرض المحبسة، وإن كتب في العقد أنه إنما ابتاعها ليهدمها وينقضها، وأنه يعرف قدر المؤنة في قلها ونقضها. قال القاضي: وشاهدت الحكم في ذلك بقولهم: هذا إذا كان المعروف من فعلهم إبقاء الأنقاض في مواضعها، وإن اشترطوا قلعها، فقال لي ابن عتاب: فإن فات ذلك بهدم المشتري الأنقاض وقلعها؛ مضى البيع فيها بالثمن ولم يفسخ ولا رد إلى قيمته. وقال ابن مالك مثله، وصوبه إذا أعلمته به، وقال: لأنه إنما فسخ لاتهامها بإضمار إبقائها، إذا هو المتعارف من فعلهم، فإذا هدما ونقضها؛ ارتفعت التهمة عنهما، وصدق فعلهما قولهما، ووجب إمضاء البيع بينهما إن شاء الله عز وجل. قال القاضي: وهذه مسألة قد جمعت مفترقها، ونظمت مشتبهها، وذكرت قول مالك ومن بعده فيها؛ واجتمع من ذلك؛ أن ما تضمنته المدونة منها لم يجر به عمل، ولا أفتى به المتأخرون، والصحيح فيها ما ذهب إليه سحنون وأشهب، وما احتال به المتأخرون من ابتياعه بشرط القلع؛ غير سالم من الاعتراض، إذ لرب البقعة أخذ النقض بقيمته مقلوعًا، ومنع مشتريه من قلعه. وقد أشار أبو عبد الله بن أبي زمنين إلى السلامة من هذا في وثائقه، فذكر فيمن أعار رجلا بقعة ليبني فيها، فبنى المعار فيها بنيانا، ثم أراد بيعه من غير صاحب؛ أنه جائز عند ابن القاسم؛ ثم لرب البقعة أن يعطي المشتري الأقل من قيمة نقضه، أو الثمن الذي اشتراه به، قال: وقد ذهب غير ابن القاسم إلى أن ذلك غير جائز إلا أن يباع في دين لحق صاحب النقض، فيجوز حينئذ لضرورة الدين. قال: فإن بيع في دين، لفوجهه عقد الوثيقة في ذلك أن تقول: اشترى فلان من فلان جميع النقض والبنيان الذي بناه في بقعة، الحانوت الذي بموضع كذا، وحدوده كذا، وكان

فلان بن فلان قد أذن لفلان أن يبني في هذه البقعة حانوتًا على صفة كذا، فلما بناه فلان وأكمله، لحقه دين لم يجد له قضاء إلا ببيع هذا البنيان والنقض، فعرض جميعه على فلان صاحب البقعة، وخيره بين أن يعطيه قيمته، وبين أن يطلق يده على بيعه، فأذن له في بيعه، وأن يصنع فيه ما أحب، فعند ذلك باعه فلان من فلان بكذا وكذا قبضه منه وأرسل إليه جميع المبيع الموصوف، وأنزله فيه، وصار إليه من عمارة هذا الحانوت وسكناه وإسكانه وإكرائه، مثل الذي كان له هو فيه، وصار إليه من عمارة هذا الحانوت وسكناه وإسكانه وإكرائه، مثل الذي كان له هو فيه، إلى أن يريد صاحب البقعة إخراجه فيصير في ذلك إلى ما توجبه السنة ثم أكمل العقد والله ولي التوفيق. اشترى وطاع بالثنيا أو باع وتبرأ من وظيف الملك المبيع: قال ابن في مسائله: منابتاع شيئًا، وذكر في عقد ابتياعه أنه طاع البائع إن أتاه بالثمن إلى عام أو مدة ذكره فالمبيع عليه رد، فانصرمت المدة ولم يأت البائع بالثمن، فأراد المبتاع تملك ذلك، وقطع ما التزمه للبائع؛ إذ ذلك يأتيه بالثمن للمدة، فقال له البيع إنما كان ارتهانًا، وعقدناه بالثنيا، تحيلا في إسقاط الحيازة التي لا يتم الرهن إلا بها. قال القاضي: أرى اليمين على المبتاع أن ابتياعه كان صحيحًا، وإنما طاع بالثنيا بعد العقد، فإن نكل عن اليمين حلف البائع، وأدى إليه الثمن، ورجع فيما باع، قال: ومثل ذلك الذي يبتاع المال الموظف، ويعقد بالوظيف تبرئة يذكر فيها أنه تبرأ إليه بعد انعقاد صفقة التبايع، ثم ادعى أحدهما أنهما علم بالوظيف قبل البيع، ويدعو إلى يمين صاحبه، فإن اليمين واجبة في هذا، وإن قامت بينة على ما أشهد به على أنفسهما من التبري بعد العقد، قال: وإنما وجبت اليمين في هاتين المسألتين للمتعارف بين الناس أنهم يتحيلون في الارتهانبالثنيا، وأن المبتاع لا يبتاع ملكًا حتى يعرف ما عليه من الوظيفة. قيل له: فهل ترى الموثق يطلع على معرفتهما بالوظيف قبل انعقاد البيع، أن يعقد لهما عقد التبايع والتبري؟ فقال: لا ومسألة الثنيا في البيع في كتاب الآجال من المدونة، وفي سماع أشهب وابن نافع في العتبية، وفي سماع ابن خالد، وسماع سحنون، وآخر نوازل أصبغ، وفي أول رسم من سماعه. وقال ابن أبي زمنين: كان فقهاؤنا يقولون: لا يجوز أن تباع الأرض المغرمة، بشرط أن يحتمل المبتاع مغرمها، وأصلهم في ذلك ما رواه سحنون عن ابن القاسم في أصل الصلح، يبيع اتحدهم أرضه ويشترط خراجها على المبتاع، أن ذلك لا يجوز.

وقال أشهب لا بأس أن تشتري أرض الصلح، على أن يتحمل المبتاع مغرمها، فإذا أسلم البائع سقط الخراج عن المبتاع، قال ابن أبي زمنين: وروي ابن وضاح عن سحنون، أنه كان يقول: لا أرى ببيع أرض العشور بأسًا، والعشور على المشتي، قال سحنون: وقد كنت أكرهه ثم رأيته خفيفًا. وفي وثائق ابن العطار وغيره بيان هذا المعنى. وقول ابن القاسم وأشهب في المدونة، في كتاب التجارة إلى أرض الحرب، وقد نبهنا على مواضعها لمن أراد مطالعتها في الأصول، وتركنا اجتلابها كراهة التطويل. وفي أحكم ابن زياد: البيان في العشور بعد الصفقة براءة، ولا تكون حتى يبين قمحه من شعيره، وأين يورد، وعمن، وكيف، فإنه قد يغلق على قليل فتخف المؤمنة، ويغلق على عدد كثير فيكون ضررًا، وذلك عيب الرد، ولا تكون البراءة بعير ما قلناه. فإن قال البائع ذلك كله، وأنكره خصمه، حلف المنكر، إلا أن تقوم عليه بينة، وله رد اليمين، قاله ابن لبابة وغيره. باع نصف غنمه بثمن منجم أعوامًا، والتزم المشتري أنه متى عدي إلى المقاسمة فيها حل الثمن، أو ما نفق منه عليه. كثيرًا ما تنزل هذه المسألة عندنا بقرطبة، وعملها، وتنعقد وثائقهم بذلك، يبيع الرجل نصف غنمه التي عدتها كذا، بثمن مبلغه كذا، منجم على المبتاع في أعوام يذكرونها، يؤدي من ذلك إلى البائع كل نجم كذا حتى يتم الثمن من آخره. ونقول في العقد: وقبض المبتاع فلان جميع الغنم المذكورة، وصارت بيده على أن عليه استئجار رعيها، والنظر فيما يعود من لبنها وصوفها وغير ذلك من مصالحها، ويتبع الراعي الخصب بها في الأعوام المذكورة، وعلى البائع خلف ما ضاع من نصيبه في هذه الغنم، أو مات، وانتزع المبتاع فلان طائعًا من غير شرط للبائع فلان، أنه متى أراد قسمة هذه الغنم، أو دعي إلى ذلك، فالثمن أو ما بقي منه حال عليه حينئذ قبض باقي الثمن، وشاور الحكم في ذلك برسول أرسله معهما. فأفتى ابن عتاب وابن القطان: أن للبائع المقاسمة، ويؤدي المبتاع إليه الثمن معجلا من نصيبه من الغنم، يريد أو من غيرها، فأنكرت ذلك من جوابهما، وتكلمت فيه مع ابن مالك، فقال لي: لا يلزم المبتاع

تعجيل باقي الثمن، ويبقى عليه إلى أجله إذ لم يدع هو إلى قسمة الغنم، وهذا الذي رأيت أنا فيها، ثم وقفت ابن عتاب على جوابه المنقول الذي نقله عن الرسول؛ فأنكره، قوال: لا يلزم المبتاع تعجيل الثمن إلا إن كان هو الذي دعي إلى القسمة على ما كان التزمه، ووقفت أيضًا ابن القطان على جوابه المذكور، فالتزمه وأقر به وثبت عليه والله الموفق للصواب. ابتاع أرضًا وسأل الإنزال فيها: من أحكام ابن زياد: فهمنا وفق الله القاضي. ما ذكره من أن ابن عبدوس قام بكتاب ابتياع عنده لخمسة أمداء من أرض في أحقال بأعيانها، ابتاعها من البهاء بقرية أطرانة، وأن القاضي أشهد على ثبوت ذلك الكتاب عنده، وحكم بما فيه على البهاء بواجب السنة، ثم سأله ابن عبدوس ضم البهاء إلى أن ينزله في تلك الأرض؛ فتكوركت، وأتى ابن عبدوس ببينة إلى القاضي، فشهدوا عنده: أنهم يعرفون الأحقال المذكورة في كتاب الابتياع؛ لملكًا للبهاء، ويحوزونها ولا يعلمون ملك البهاء زال عنها، إلا أن بلغهم أنها باعتها من ابن عبدوس. وأحب القاضي معرفة الواجب في هذه الشهادات، فالواجب فيها إن كان قبل الشهود في معرفة الأحقال، أو رجلين منهم أن يكلف المقبولين حيازتهما. ويرسل معهم عدلين أو أكثر، إن أحب يشهدان الحيازة، فإذا حيزت وثبت عنده الحيازة، أنزل فيها ابن عبدوس إن كان لخمسة أمداء، وإن كانت أقل بشيء يسير دفع إليه ما ألفى فيها، ورجع على البهاء بقدر الناقص من العدة التي باعت عليها، وإن ألفيت أكثر من خسمة أمداء؛ أنزل ابن عبدوس في خمسة أمداء منها، ويقتسم ذلك من يقدمه الاقضي لقسمة، ويقر الباقي على يد رجل للبهاء لثبوت توركها. قال بذلك محمد بن عمر بن لبابة، وعبيد الله بن يحيى ومحمد بن وليد، وجماعتهم. مسألة أخرى من هذا المعنى: قرأنا وفقك الله الكتاب المعقود لمحمد بن عمر على خصمه، فنظرك له، وفيه قول الخصم: أن المال الذي بعته برة ملك له، ولم يقل أنه بيده، فكان على محمد بن عمر أن يقيم البينة على خصمه أن المال الذي ابتاعه من برة بيده، فيقال له: أنزله فيما ثبت له عليك، فأظهر محمد كتابًا بإقرار عبد الله؛ أن الذي باعته أخته برة من محمد بن عمر ما

ذكر في كتاب ابتياعه منها بيده، وفي ملكه، فوجب على محمد بن عمر إثبات ذلك الكتاب، ثم يعذر إلى عبد الله في الشهادات، فإن لم يأت بمدفع؛ وجب عليه إنزاله في هذه الخصومة لثبوت عدة ورثة عبد الملك، وبثبوت ذلك يعلم أن برة باعت ملكها وما وجب لها بالفرض عن أبيها في الذي هلك عنه بهذه القرية إن كان الموروث معلوم العين، إلا أن يجوز عبد الله شيئًا يصدقه فيه محمد بن عمر، فإن أكذبه؛ وجب على محمد حيازة المال. قال بذلك ابن لبابة، ومحمد بن وليد، ومحمد بن غالب، وأيوب بن سليمان. وفي هذا المعنى حضرنا-وفقك الله- قول ابن الرعدي: أن المال الذي ابتاع ابن عمر مصاب أخته بيده، فأوجبت الفتيا عندك، وكتبنا بذلك أن عليه إنزاله في هذه المصابة لثبوت عدة ورثة أبيه عندك وابتياعه من أخيه، فترسل ابن الرعدي، وتأمره بإنزاله في هذه المصابة، وتضمه إلى ذلك بالحق ضمًا، لا تطاول فيه، فقد أنقضت معاذيره إن شاء الله. قال بذلك عبيد الله بن يحيى وابن لبابة ومحمد بن غالب ومحمد بن وليد ويحيى بن عبد العزيز وسعد بن معاذ. وفي وثائق ابن الهندي أحمد بن سعيد عقد بإنزال البائع للمتاع، يشهد المسمون في هذا الكتاب من الشهداء: أنهم حضروا في شهر كذا، من سنة كذا، إنزال فلان بن فلان لفلان بن فلان فيما احتيج إلى وصفه، مما باعه منه، بقرية كذا من أقليم كذا، من عمل موضع كذا، وذلك في دمنة كذا، وحدودها كذا وكذا، فإذا أوعيت ذكر الجميع قلت: ورضي المبتاع فلان بما أنزله فيه البائع فلان مما وصف في هذا الكتاب، وأقر أن ذلك جميع ما كان أراه إياه، مما احتيج إلى وصفه، سوى ما استغنى عن ذكره من أبوار القرية المشتركة بين جميع أهلها ومروجها ومسارحها وشربها وشعرائها ومرافقها، ونزل المبتاع فلان في جمع ما ابتاع، مما وصف وغيره، وأبرأ البائع من دركه الإنزال في ذلك، شهد بذلك من حضره ممن أشهده فلان وفلان على أنفسهما بالمدور فيه عنهما إلى أخر العقد. ثم قال ابن الهندي: وقد مضى العمل بالحكم بالإنزال وإلزامه البائع، والرواية تدل على أنه ليس من الأصول؛ لأنه قد رووا أن ما أصاب المبيع من دار أو أرض، من هدم أو غرق أو غيره، بعد عقد البيع، فهو من المبتاع ولا شيء له على البائع، وهذا مما لم

يلزم الإنزال، وأنه إذا أقر المتاع بأنه عمر أو ثبت ذلك عليه؛ أن الإنزال سقط عن البائع، وإنما في الإنزال من المنفعة للمبتاع؛ لأنه إن استق عليه يومًا ما شيئًا من المبتاع، ولم يكن البائع أنزله فيما باع منه بمحضر بينة عدل، فيحتاج المبتاع عند الرجوع بقيمة ما استحق من يده على البائع إن كان يسيرًا، أو ينقض الصفقة إن كان كثيرًا، أن يثبت أن ذلك مما باع منه البائع إن أنكره أن يكون من المبيع، فتلحقه في ذلك كلفة ومؤنة. وإذا كان قد أنزله بمحضر عدول في معروف محدود، واستحق منه شيء استدل بالحدود، وكان أسهل على المبتاع في الرجوع على البائع، وإن احتاج إلى حيازة ذلك، حازه الشهود الذين حضروا الإنزال أو غيرهم، وإذا حدد المبيع في عقد الابتياع، ووصف قرب من معنى الإنزال، وإنما تتأكد حاجة المبيع إلى الإنزال إذا ابتاع جزافًا غير محدود ولا موصوف. قال القاضي: وهذا الذي علل ابن الهندي به الحكم بالإنزال حسن، لأن المبتاع لا يخلو أن يكون ابتاع ما يعلم، ابتاع ما لا يعلم، فإن كان ابتاع ما قد رآه وعلمه، فلأي شيء يكلف البائع إنزاله فيه، وإن كان ابتاع ما لم يره ولم يعلمه ولا وصف له؛ فابتياعه فاسد مفسوخ ولا يصححه الإنزال، إلا أن يكون ابتاع على أن ينظر إليه ويراه، فيصح ابتياعه إن شاء الله. ولسحنون في نوازله في جامع البيوع، فيمن ابتاع دارًا أو أرضًا أو غيرهما، وقد عرفه المبتاع في يد البائع، فلا حوز عليه، وإن دفعه عما اشترى دافع؛ فتلك مصيبة دخلت على المبتاع، وهذا يؤيد ما بيناه. وقوله: إن دفع عما اشتراه فتلك مصيبة دخلت عليه، فيه تنازع فتأمله في نوازله في

آخر الدعوى، وفي كتاب الاستحقاق في سماع عيسى، وفي استحقاق المقربة والمختصر. وبقرب من هذا المعنى: مسألة كانت جرت بين يدي وحكمت فيها، وهي مسألة الحسن وصلتان ابني تمام بن صلتان، مع ابني بنيدو محمد بن منتيل المعروف بابن الأرملة. ابتاع الحسن وصلتان من ذونة ابنة أبي حميد بن أبي عيسى ومن خلف بن وزير صاحب الأحباش والمواريث ببياسة وعملها، بعقد قاضيها إسماعيل بن محمد بن الفخار إياه على ذلك، أملاكًا بقرية محاطش من قرية بياسة، بثمن قبضه المتبايعان ذونة وخلف بن وزير منهما، واعتمر الملاك نحو أحد عشر عامًا بعد ابتياعهما، بحضرة أحمد وحزم ابني بنيدو، وبحضرة أحمد بن منتيل، لا يغيرون عليهما في هذه المدة شيئًا. ثم تسوروا عليهما فيها ومنعوهما منها وقام بذلك عنذي، وكنت حينئذ حاكم ببياسة والشمنتان وكشطر وأعمالها، بتقديم ابن صمادح صاحب المرية، وثبت عندي عقد استرعاء بابنياعهما للأملاك من ذونة وصاحب المواريث وقبضهما للثمن وإيراد صاحب المواريث خط بيت مال المسلمين منه حيث وجب إيراده، وبتحديد الأملاك شيئًا شيئًا وموضعًا موضعًا، واعتمارها لها بحضرة المذكورين المدة المسماة، وبتسورهم عليها بعد هذه المدة، وأنهما لم يفوتا شيئًا منهما في علم شهداء ذلك إلى حين التسور، وحيزت الأملاك وثبت عندي حيازتهما، واعتذرت إلى أحمد وحرم ومحمد، وأحلت لهم في المدفع الذي أدعوه، فلم يأتوا بشيء، فحكمت لهما وسجلت بذلك ويقطع حجة المتسورين المذكورين، وتاريخ السجل عقب ذي الحجة من سنة ثلاث وأربعين وأربع مائة. ثم غاب المحكوم لهما عين أبناء صلتان- عن بياسة إلى شرق الأندلس؛ للفتنة التي صارت فيها بياسة إلى باديس بن حبوس، وبقيا عنها نحوًا من عشرين عامًا، ورجع المحكوم عليهم في الأملاك في غيبتهما، ومات صلتان منهما، ورجع الحسن إذ صارت بياسة إلى ابن ذي النون، وطلب الأملاك، واستظر بالسجل، وأثبته عند حكمها- عبد بن بحيى بن أبي رجا وكلفه حيازة الملاك فحازها من لم يزل عنده من الشهود، وكان الحوار ذلك في السجل قد ماتوا، وزعم المحكوم عليهم أنهم لم يعذر إليهم، ولا شرور في حكمهم، وجرحوا جواز السجل عند الحكم المذكور، واستفتى في ذلك الفقهاء.

فجاوب فقيه طليطلة وما بعدها: أبو المطرف عبد الرحمن بن سلمة على ظهر نسخة من السجل؛ تصفحت جميع السجل المنتسخ في بطن هذا الكتاب والسؤال الذي على ظهره، قرأيت وبالله التوفيق- أن السجل المذكور عقده صحيح، والحكم به لازم للمحكومين عليهم، ولا يقبل منهم ما يذهبون إليه من تجريح الحائزين ولا غيرهم من الشهداء ولا ما يدعون أنهم لم يعذر إليهم فيه، وقول الحكم مقبول أنه قد أعذر إليهم، والحكم في ذلك عليهم لازم لجميعهم، والوجه في هذا أن يرسل الحكم من يثق به إلى الأملاك المذكورة في السجل، فما وافق حدوده حدود ما في السجل حكم للمحكومين لهم به، فإن أصيبت الحدود وقد غيرت، وثبت أن الأملاك المحكوم عليهم فيها حيث بأيدي المحكومين عليهم فيها؛ وقفت جميع ما بأيديهم حتى يقروا بما حكم عليهم منها، مع إيمانهم أن الذي حازوه هو الذي حكم عليهم به. فإن أبوا عن الإقرار ولجوا في الإنكار قيدت للمحكومين لهم بما حازوا منها لأنفسهم، بعد إيمانهم أن الذي حازوا الذي قضى لهم به، فإن لم يقفوا على حيازة ذلك لتغيرها؛ وجب إيقاف جميع الأملاك إلى أن يفتي جميع المحكومين عليهم بما في أيديهم من ذلك إن شاء الله. قال القاضي: نقلت هذا الجواب، وكان بخط يده على نص ما كتب هو، حرفًا بحرف وكان فيه لحن أعتذر منه، وهو من أهل الفقه إلا أنه غير بصير باللسان. ومما يشكل هذا المعنى: مسألة عبد الرحمن وفطيس ابن عيسى بن عبد الرحمن بن فطيس، أثبتا عند صاحب المظالم بقرطبة أبي بكر بن أدهم رحمه الله عقد استرعاء بملك أبيهما عيسى الأرض بقرية دوس الجبل في أقليم الجنطان من عمل قرطبة حدها كذا وأنه اغترسها كرما ولم يفوت شيئًا من ذلك في علم شهدائه إلى أن توفى، وأنهما تملكاه بعده ولم يفوتاه، وأن عبد الملك ابن جهور تسور عليهما في قطعة منه تعرف بالسهلة ولم يقدما على التحكم في ذلك لتملكه على قرطبة، وأثبت عنده موت أبيهما ووراثته وانفرادهما بالكرم وحيز الكرم والقطيع وثبتت حيازتهما عنده، وأشهد بذلك كله، ولم يبين في تقييده حد القطيع

المغصوب. ثم قاما بما قيد ابن أدهم لهما وأثبتاه عند القاضي محمد بن إبراهيم بن بقي وسألاه إنزالهما في ذلك. فأفتى محمد بن فرج مولى الطلاع: أن إنزالهما فيما غصب لهما واجب والحكم بذلك لازم قال: ووجه الإنزال أن ترسل شاهدين ممن حيز عليهما الكرم المغصوب، والذين وجه للحيازة مع غلام من قبلك مع عبد الرحمن وفطيس إلى الكرم وينزلان فيه بأمرك، وتشهد على ذلك من حكمك. قال القاضي: وأفتيت أنا أن هذا الحكم نافذ لهما لا يحتجان معه إلى ما سألاه من الإنزال، وأيديهما مطلقة على ما نص في تسجيله لهما، ولو لزمك ذلك للزم غيرك بعدك مثله لهما ولا يصل الحكم إلى غير غاية، وهذا أمر لا معنى له ولا سمع به، إلا إن كان منعهما منه مانع ودفعهما عنه دافع؛ فوجه الحكم حينئذ أن يحضر مجلس نظرك ذلك المعترض أو وكيله، وتقيد قوله بتبين اعتراضه ثم يجري الخصام فيه على وجه بحسب العادة فيه، والإنزال أيضًا لا يكون إلا في معين محدود الأقطار والجهات، والقطيع المغصوب الذي جرى فيه الحكم لم يذكر تحديده ولا زرعه ولا في أي جهة من الكرم هو، وفيما يلزمها لو لزمك ذلك وفي أي قطيع ترجى الحجة للغائب حملنا الله وإياك على ما يقرب منه برحمته. قال القاضي: هذه المسألة والتي قبلها كان باب الأقضية والأحكام أليق بهما من هذا الباب، لكنا ذكرناهما هنا لما فيهما من كتاب الإنزال إذ اتصل بذكر الإنزال في الأملاك المبيعة، والله ولي التوفيق. بيع قطيع من دار ظهر فيها ارتهان من أحكام ابن زياد: كشفت -وفقك الله- عما يجب للمرأة القائمة عندك بكتاب ابتياع قطيع من دار زوجها ابن حرب وفي الكتاب حدود الدار وموضعها وما شهد به الشهود عندك في ذلك الكتاب وقبولك لشهادتهم وما ألفيت من تقديم تاريخ الابتياع لتاريخ كتاب الارتهان الذي قام به عندك مرتهن الدار من مروان.

فنقول - ونسأله التوفيق إن التاريخ المتقدم أحق وأولى مما جاء بعده، فإذا جاز الشهود القطيع المبيع قبل الرهن وثبتت حياته عندك كان الرهن في باقي الدار، وكان المبيع من أملاك زوجة ابن حرب مطلقًا من الرهن بعد يمينها أنها ما علمت بارتهان زوجها لجميع الدار، هذا قولنا والله نسأل التوفيق. قال ابن لبابة وابن وليد وابن غالب. اختلاف المتبايعين في المبيع من دار وفي الثمن: وقد مر منه اختلاف المتناكحين ويأتي منه فهمنا -وفقك الله- ما ذكرت ضبيعة أنها باعت نم أصبغ دارًا بحاضرة قرطبة وأنها أقبضته الدار ولم تقبض منه الثمن، وقول أصبغ: إنه إنما ابتاع منها ربع الدار بثلاثة دنانير وستة دراهم منذ أربعة عشر سنة، ولم تجر بينه وبينها في ثلاثة أرباع الدار مبايعة وأن الثلاثة الأرباع لم تزل بيد أصبغ وفي ملكه. فالذي نقول به: إن قبلت البينة التي أقامها أصبغ أخذت له بها بعد الاعتذار وإلا حلفت المرأة أنها إنما باعت منه بستين وكانت أكرت منه قبل ذلك وسكن بالكراء وأنها ما قبضت ثمنًا في الربع الذي أقر بابتياعه. ثم يحلف المبتاع على ما ادعاه من ابتياع الربع بالثمن الذي ذكر ثم يجب التفاسخ بينهما ولها عليه اليمين في ثلاثة أرباع الدار إن عجزت عن إثباتها. قاله ابن لبابة وأيوب بن سليمان ومحمد بن وليد. صبي ابتاع رحى وباعها: نظرنا- وفقك الله- فيما قلت وفهمنا ما أشهد به عليك من القيمة بمحضرنا، وقلنا لا معنى للقيمة وإنما ينظر إلى ما باع به الصبي وما ابتاع به وما دفعه إلى البائع منه: فإن كان الصبي باع بأكثر مما ابتاع به فليس عليه إلا ما كان ابتاع به. وإن كان باع بأقل مما ابتاع كان الفضل للصبي، ونقض فعل الصبي في الرحى وفسخ بيعها وردت إليه رحاه قاله عبيد الله بن يحيى وابن لبابة وأيوب بن سليمان ويحيى بن عبد العزيز وسعد بن معاذ ومحمد بن وليد. قال القاضي: قد قدمنا قبل هذا في باب النكاح ما عليهم من الاعتراض في مثل هذا الجواب من الواضحة وغيرها، فغنينا بذلك عن إعادته، والله الموفق للصواب.

في إنكار البائع لبيع مال مرهون: فهمنا-وفقك الله- ما تنازع فيه ابن مضي والشسي في المال المرهون بيد الشسي وقام به الشسي على ابن مضي فذكر أنه سامه به، ولم ينعقد بينهما زعم الشسي بيع فمد يده ابن مضي واعتمر المال وصار تحت يده. وأنكر ابن مضي أن يكون تحت يده منه شيء، وأنه عرضه عليه فلم يساومه به إذ كان لغيره، وما عاد إليه يحي من يمينه. فالذي نرى أن اليمين تجب على ابن مضي فيما ذكره يحيى فإن حلف برئ من طلبه يحيى، وإن نكل حلف يحيى وأخذ ابن مضي برد الأرض التي وصفها يحيى وحلف عليها، فإذا أبرزها أمر القاضي بعقلها حتى ينظر فيها بما يجب إن شاء الله. قاله عبد الله بن يحيى وابن لبابة، وسعد بن معاذ ويحيى بن عبد العزيز وابن وليد. ابتاع دارًا باسم زوجته ثم أنكر: فهمنا- وفقك الله- ما سألته فاطمة من إيقافها زوجها على الكتاب المشهود يه عندك بابتياعه للدار المحدودة فيه لها وبمالها، هل هذه الدار بيده، فإن قال: نعم؛ وجب عليه الحكم بها لزوجته بعد الاعذار إليه في الشهود الذين شهدوا عليه بالإقرار بابتياعها، وإن أنكر أن تكون بيده: فإن أتتك فاطمة بشاهدين تعرفهما بأن الدار بيد عبد العزيز وجب إخراجه عنها والحكم عليه فيها بعد الاعتذار إليه في البينة، وإن عجزت عن إثبات كونها بيده وجبت عليه اليمين ثم يؤخذ بثمنها المذكور في كتاب الابتياع. قاله عبيد الله بن يحيى، وابن لبابة، وابن وليد، وغيرهم. توكيل وبيع وخلع والتنازع في ذلك واليمين بقرب الابتياع أو على بعد منه: يجب وفقك الله على البهاء بنت تمام إقامة الخلع والبيع أكان في وقت واحد، أم في وقتين شتى متقاربين أو متباعدين، وتعيد البهاء أيضًا البينة التي شهدت على الوكالة المسجلة وتكشف البينة هل كان التوكيل لطلب اليمين قبل ابن عبدوس نصًا أم مجملاً، فإن قالت كان التوكيل لطلب اليمين، وأبانت البهاء أن الخلع والمبيع كانا في وقت واحد أو وقتين شتى متباعدين أو متقاربين نظر حينئذ إلى تاريخ البيع وتاريخ التوكيل، فإن كانا قريبين وجبت اليمين، وإن كانا متباعدين فلا تجب اليمين، وتنزل البينة ما معنى قولها بحدثان ونأي وبقرب.

فإن تنزلت وقطعت أن ذلك كان بأيام يسيرة وجبت اليمين، وإن لم يتبين أكثر مما قالت وتنازع البائع والمبتاع فيما شهد به الشهود من قرب ونأي وحدثان؛ وجبت اليمين على المبتاع إن أجل التوكيل بعيد من تاريخ الشراء أكثر من يومًا أو نحوها. فإن حلف على ذلك سقطت عنه اليمين، في الثمن وإن أبى أن يحلف ورد اليمين على البهاء حلفت أن تاريخ التوكيل على طلب الثمن، كان لأقرب من العشرين يومًا، فإن حلفت استحقت أن اليمين على المبتاع في نقض الثمن، فإن نكل عن ذلك حلف البهاء بالله ما انتقدت ووجب لها الثمن، وإن نكلت فلا شيء لها من الثمن ووجب عليها انزال المبتاع فيما باعت منه. فإن اعترضها- أو كيلها- معترض فيما يزيد إنزال المبتاع فيه؛ رفع المعترض إليك لتكشفه وتعرف خبره وتنظر فيه بما يجب، ولا تنزل هي ولا وكيلها فيما فيه اعتراض، وتنزل فيما لا اعتراض فيه، وترسل -أكرمك الله- في شهود الوكالة فتكشفهم هل كانت الوكالة في طلب الثمن بعينه وفي هذا الخصوم أم مجملا مسجلا؟ فإن قالوا: مجملا لم تكن شهادة، ووجب عليها شهادة ثانية. وإن قالوا في هذا المطلب الذي على عبدوس: كان التوكيل أسألوا عن عدد الأيام، فإن نصوا؛ نظرت في ذلك على ما تقدم، وإن لم ينصوا وتداعى البائع والمبتاع في القرب والبعد فهو على ما ذكرنا، ويكشف الشهود الذين شهدوا على تاريخ البيع هل كان الاشهاد على البيع والخلع معا أو بقربه؟ وأيهما كان قبل صاحبه فتفهمه عنهما أيضًا إن شاء الله. قال بذلك عبيد الله بن يحيى، وأبو صالح أيوب بن سليمان، ومحمد بن الوليد. وقال أحمد بيطير حين كشفه القاضي عن شهادته التي شهد بها عنده في بيع زوجه ابن غانم بنت تمام من ابن عبدوس: هل كان الخلع والبيع واحدًا أو متقاربًا؟ فقال: لست أتكلم في هذا الشيء؛ لأن عندي من هذا الأمر ما لا يجوز لي به التكلم في شيء من هذا الأمر فقد فهمته من الطالبة لابن عبدوس. وقال سعيد بن عثمان حين كشفه القاضي أيضًا عن مثله: ليس عني فيما كشفتني عنه ما يجوز لي التكلم فيه. وقال يحيى بن إسحاق حين كشفه القاضي عن شهادته: هل كانت على أن ابنة تمام أشهدته على أنها وكلت وكيلها المخاصم عنها في سبب ابن عبدوس أو غير ذلك، فقال

إنما شهدتني بحدثان خلع زوجها لها أنها وكلت وكيلها المخاصم عنها على مطالبة ابن عبدوس وأنه لا يجد في ذلك الحدثان حدًا يقف عليه، غير أنه كان بحدثان ذلك وبقربه وبأثره، ومسألة ابن عبدوس أن يستفهمه: أكانت هذه الوكالة في إنزاله أو في طلبه بالمال؟ فقال في طلبه بالمال. وقال عثمان بن عيسى الكتاني بمثل ذلك: يحلف ابن عبدوس بالله الذي لا إله إلا هو: لقد نقدت البهاء بنت تمام الثمن المذكور في كتاب ابتياعي منها الأرض بقرية فلانه وقبضته مني على حسب ما ذكر في كتاب ابتياعي، فإن نكل حلفت البهاء بالله ما قبضت منه من الثمن شيئًا، ويغرم الثمن للبهاء، وإن تكلمت سقطت طلبتها عن ابن عبدوس في الثمن ولزمها إنزاله في المال والاشهاد له على ما ثبت من ذلك عندي إن شاء الله عز وجل. قال به أهل العلم. قال القاضي: هذه المسألة مسألة ابن مضر منثورتان غير منظومتين تكادان لا تؤديان معنى، والعجب من معلقها على هذا المساق. وكيل باع منارًا بتوكيل ثم غاب: فقام ربه بعد ذلك على منيرته، وزعم أنه أمره ببيعه، فشاوره في بيعه بثمانية مثاقيل، فقال: لا أبيعه بذلك، فقال المأمور: أنا أبيعه لك من امرأة باثنى عشر مثقالاً مؤخرة، وأنه رضي بذلك، فقال المشتري لا أدري شيئًا من هذا الذي تدعي، إنما اشتريته منه بثمانية مثاقيل قبضها مني. قال القاضي: سألت ابن عتاب عن هذه المسألة فقال: لا سبيل للبائع إليه. قلت: فهل على المشتري اليمين أنه دفع إلى المأمور الثمن؟ ففكره ثم قال له ذلك. والنظر ألا يمين عليه إلا أن يثبت أن المنار كان له وأنه أمر بذلك الإنسان ببيعه ونحوه. قراض طولب العامل به فادعى مغيب بعضه: طلب بشر بن فلان بخمسمائة مثقال ونيف من ذهب، أغلبيته دفعت إليه قراضًا، وكتب رب المال عليه به عقدًا أشهد به على نفسه، فقرأت العقد عليه، وقلت له: أعندك

هذا المال؟ قال: عندي. قلت له: فأعطه إياه. فقال: منه هنا شيء، ومنه غنم ببطليوس، ينهض معي وأدفع إليه الغنم، وأعطيه الذي هنا. فقيل له: وهذا الذي هنا عندك؟ فقال ثم أشياء. قيل له: ما هي؟ قال: مات كثير من الغنم، وثبت هذا كله من مقاله. فأفتى ابن عتاب: أن عليه حميلا بوجهه حتى يثبت ما ادعاه من موت الغنم، وإن لم يقم حميلا فيلازمه الغلام حتى يثبت ذلك عندك، ودعا رب المال إلى اعتقال فرس هذا المطلوب لئلا يغيبه ويدعي العدم. وأفتى ابن عتاب أيضًا باعتقاله واعتقال جميع ما يوجد في منزله مما يشبه أنه للرجال ويلازمه في ذلك كله الغلام. وأفتى ابن أبي عبد الصمد: لا ضامن عليه، ولا يلازمه غلام؛ لأن مال القراض في الأمانة لا في الذمة. قال القاضي: والصواب في هذه المسألة عندي أن جميع المال قد لزمه إحضاره وألا يقبل منه ما ادعى موته من الغنم، لقوله: المال عندي إذا وقفه عليه وهذا إقرار بجملته، فلا يقبل منه دعواه في مجلسه أن بعضه ذهب بموت ولا غريه؛ لأنه لو قال بعد هذا الإقرار: قد ذهب جميعه وإنما قلت هو عندي طمعًا في تأخيري حتى أنظر في أمري وشبهه من الكلام لم يسمع منه، وقد لزمه، وإذا ألزمه وبان الردة وزوغانه، وجب عليه ضامن به حتى يحضره، والله الموفق للصواب. قراض دفع إلى رجلين وانعقد بينهما وبين رب المال فيه عقد نسخته: دفع عبد الله بن أحمد إلى أحمد ومغيث أربعمائة مثقال ذهبًا نصفيه لتجر بها في صناعة القرافين بسوق قرطبة على سبيل القرض وسنته ويتصرف بها في الصناعة المذكورة خاصة، وقبض أحمد العدد المذكور وصار بيده، وبيده يكون مدة نحوهما به على القراض المذكور، فما أفاء الله به كان بينهما أثلاثًا لعبد الله ثلث الربح بعد قبضه لرأس المال، ولأحمد الثلث، ولمغيث الثلث. ويكون نحو أحمد ومغيث وتصرفهما في المال على السواء وعليهما الاجتهاد في ذلك ما بلغ طاقتهما، وليس لهما أن يصرفا المال المذكور على يد أحمد، وعلى هذا الشرط دفع عبد الله بن أحمد المال، وعليه العقد القراض بينهم شهدا.

فجاوب ابن عتاب حين سئل عنه: تصفحت هذا العقد وتأملته، إذا رغبت ذلك، وهو عقد صحيح وقراض جائز، لا علة فيه تبطله، ولا شبهة توهنه، قد أحكم عقده وأبرم أمره على مسألة لابن القاسم وقعت في المستخرجة وغيرها، لا تعلم مسألة تعارضها ولا قولا لأحد من أصحاب مالك يخالف قوله فيها فصار ذلك كالإجماع منهم عليها، وهي منصوصة غير محتملة لوجوه التأويل مكشوفة في هذا المعنى مشهورة عند أهل العناية بهذا البيان، وهي: قال ابن القاسم في رجل دفع إلى رجلين قراضاً فاختلف في المال عند من يكون نظر في ذلك إلى قول صاحب المال فأتبع قوله، فإن اختلفا في الاشتراء واليبع فرأى هذا الاشتراء أو البيع وقال: هذا لا أراه فلابد لهما أن يجتمعا وإلا رد المال وهذا ما لم يقبض المال فإذا قبض فهو إلى من دفعه ربه عند مقارضتهما إن كان دفعه إليهما جميعًا فجميعًا، وإن كان أحدهما؛ فأحدهما، وليس للآخر بعد كلام ولا مقال إذا كان يعلمه. فتأمل-رحمك الله- نص هذا القول، ونص العقد فإنك لا تجد في أحدهما خلافًا للآخر، والله عز وجل أسأله أن يسلك بنا سبيل الإنصاف، ويوفقنا لما يقرب من رحمته. اكترى دارًا لعشر سنين بدنانير نقدها معلومة ثم أراد ابتياع الدار بعد مضى أمد الكراء، وكتب إلى أبي بكر بن عبد الرحمن وإلى أبي عمران القاسي، اللذين كانا بالقيروان، فيمن اكترى دارًا من رجل لعشر سنين بعدد معلوم دفعه إليه، وسكن الدار شهرًا أو سنة ثم أراد شراءها من ربها أيجوز له ذها؟ بخلاف شراء غيره لها وقد علمت ما في هذا من الاختلاف من قول ابن شهاب وغيره من مخالف مالك، وكيف إن اشتراها المكتري بعد عقد الكراء، ثم انهدمت بعد أمد يسير، ممن مصيبتها وقد انهدمت في مدة الكراء؟ وكيف إن استحقت ثم يرجع المبتاع أبالكراء أم بثمن الشراء أم يرجع بالكراء ولا بثمن الشراء أم يصير الكراء وثمن الشراء شيئًا واحدًا ثمنًا للدار؟ فبين لنا ذلك كله فإن لابن المواز في هذا الأصل بعض ما كتبت به إليك عرفنا بما نراه موفقًا إن شاء الله. فأفتى أبو بكر: الجواب أن شراء المكتري لها عندي جائز وهو فسخ لما تقدم من الكراء، ولو قال:

إنما اشتراه على الكراء باق على ما ذهب إليه ابن شهاب، وقال مالك بمثل قول ابن شهاب ذكره ابن المواز في كتاب الجعل والإجازة من ديوانه، وقد أجاز مالك وغيره شراء العبد المخدم حياة الذي أخدم إذا اشتراه الذي له الخدمة، ورأى ذلك نقضًا للخدمة. ذكره ابن المواز في كتاب الصدقات، وأعرف فيها بعض الاختلاف في العتبية وإذا انهدمت الدار كانت المصيبة على المشتري على قولنا: إن الكراء قد انفسخ، وإذا استحقت الدار رجع بالثمن كله، وإنما عليه من الكراء بقدر ما سكن قبل الشراء. وبالله التوفيق. وجاوب أبو عمران أن شراء المكتري إياها جائز، وينزل ذلك منهما فسخًا لما بقي من مدة الكراء، ويكون بقيمة الكراء، وهو ما ينوب مدة السكنى مضافًا إلى ثمن الدار، فيجعل ذلك كله ثمن للدار، ولا يدخل فيه من من الغرر ما يدخل في شراء غير المكتري؛ لأن غير المكتري لا يقدر على القضاء في الدار ببيع يدفع به إلى مشتريها الآن منه، ولا يقدر على هدمها ولا على البناء فيها. قال القاضي: الجواب الأول أكمل، وإلى الصواب أميل، وقد أخبرني عبد الله بن موسى الشارقي عن أبي دحون وابن الشقاق فيمن اكترى دارًا بعشرة دنانير لأيام أو لشهرين، ثم ابتاعها بعشرين دينارًا على أن الكراء عند محظوظ أن ذلك لا يجوز، قال ابن دحون هذا إن كان الكراء مشترطًا إسقاطه في العقد، وإن وضعه البائع عنه بعد عقد البيع جاز. قال الشارقي: وأجابه ابن جريح وهي خطأ؛ يريد لأنه ابتاع الدار والكراء الذي عليه بالعشرين دينارًا التي دفع فصار ذهبًا وعرضًا يذهب بين الفساد، وجواب هؤلاء يدل على أن الكراء لا يفسخه الشراء، وهو خلاف ما فوقه فتدبره. تنازع في كراء بغلين اكتراهما ابن منتصر من ابن مزين: من أحكام ابن زياد تكشف -رحمك الله- عن البغلين اللذين اكتراهما من أيوب بن مزين إن كان ردهما أم لا؟ فقال ابن منتصر: إني لم أكتر منك بغلين؛ إنما بعثت رسولا ليكتري لي فأكتري لي منك بغلين، لم أتعد الأمد الذي إليه اكتريت، ولا زدت على العدد الذي حد لي الرسول عنك أنك رضيت بحمله على بغلك فعطب البغل الواحد بمزاحمة الدواب على بئر في بعض الطرق، ورددت البغل الآخر إليك كما أمرني الرسول المكتري

لي منك. وقال ابن مزين: إنما جاءني الرسول من ابن منتصر في اكتراء بغلين مني فأكريت البغلين من ابن منتصر بعث الرسول بهما إليه على حمولة سبعة أقفزة على كل بغل وحددت له مبيت ليلة لا غير فبات عني ليلتين. قال ابن لبابة: يحلف المتكري بالله الذي لا إله إلا هو في مقطع الحق، لما زاد علىالحمولة التي شارطه عليها، ولقد عطب البغل بغير تضييع مني ولا تفريط، ولقد رددت إليك الإكفاف والرسن. وقاله محمد بن الوليد. أكترى حانوت لشهرين ثم أكراه من آخر لذلك الأمد، وتنازع في دفع الكراء: أكترى حانوت لشهرين، ثم أكراه من آخر لهذين الشهرين؛ كل شهر بكذا وانقضى الشهران، ومضى من الثالث عشرة أيام، ثم طلب المكتري الأول الكراء من هذا الثاني ما أكراه به للشهرين، فقال: قد دفعت ذلك إليك. فأفتى ابن القطان: إن المكتري الثاني يصدق مع يمينه في دفع الكراء إلى الأول، وإن كان انقضاء أمد الكراء قريبًا لخروج الحانوت عن يد المكتري، وانقطاع سبب ملكه عنه برجوعه إلى ربه، وكأنه قاسه على ذهاب الرهن عن يدي المرتهن ببينة، أو كان مما لا ضمان فيه مما لا يعاب عليه، ثم يختلف الراهن معه في دفع الدين، فالقول قول الراهن إذا لم يبق بيد المرتهن الذي كان في مبلغه كالشاهد له، على ما في سماع يحيى. وفي غير العتبية: وسألت ابن عتاب عن ذلك، فقال: إنما يصدق المكتري في كراء الشهر الأول إذا حلف أنه دفعه، وأما الشهر الثاني؛ فالقول فيه قول المكتري الأول الذي أكرى الحانوت منه مع يمينه؛ لقرب انقضاء أمد الكراء ولا فرق بينهما وبين رب الدار والحانوت لو تنازع مع المكتري في قبض الكراء، وتكلمت مع ابن مالك في ذلك فقال مثله، وقال لي: كما لا يختلف خروج الساكن من الدار وبقاؤه فيها في تنازعهما في دفع الكراء. وهو الصواب والله أعلم. مسألة أخرى فيما يقرب من هذا المعنى في التنازع في الكراء: اكترى رجل دارًا لعشرة أشهر وسكنها ورحل عنها، ثم قام عليه ربها يطلبه بكراء الشهر العاشر بعد أربعة أشهر من خروج المكتري منها، فقال: كنت شرط التقدم لآخر

الشهر فقدمت كراء إليك، وقال ربها لم أشترط ذلك عليك، ولا قبضته منك فأفتى ابن عتاب: إن القول قول بها مع يمينه أنه لم يقبضه منه لا دعاء المكتري تقديمه يردي لإقراره أنه لم يدفعه في محله، كما لو قال: دفعت إليك بعد انقضاء شهرين أو ثلاثة من أنقضاء مدة الكراء. وأفتى ابن القطان وابن مالك: أن الساكن مصدق مع يمينه لطول أمد سكوت ربها عنه بعد خروجه منها يريد أن ولأنه، ولو قال دفعته عند انقضاء أمد الكراء؛ لصدق مع يمينه، فكذلك يصدق في تقديمه، ولأن الذي ادعاه كثيرًا ما يشترطه الناس من تقديم بعض الكراء لآخر أمد السكنى. ويتفرع من هذا: أن يتشاح مع رب الدار في باق الكراء، فقال ربها: ادفع إلي من الكراء في كل شهر ما ينوبه من الجميع، وقال الساكن: إنما أدفع إليك ما ينوبه من باقي الكراء، وتركنا ذكره كراهة التطويل، وبالله التوفيق. في قبض القاضي كراء ارض محبسة على حصن الفهمين وتوفيقه إياه حتى يحتاج إليه: رجل اكترى أرضًا محبسة على حصن الفهمين من حصول طليطلة لسبعة أعوام فأجتمع عليه كراء عامين فأارد القاضي بطليطلة قبض ذلك منه وتوقيفه عندثقة حتى ينفذ في وجهه، فقال فقهاء طليطلة: ليس للقاضي ذلك؛ لأنه يخرجه من ذمة إلى أمانة وذلك تضييع. واحتجوا بما تأوله الشيوخ في مسألة ابتياع عبدًا ابتياعًا فاسدًا، وفات عنده وغاب البائع، وثبت ذلك كله عند الحاكم وألزمه المبتاع القيمة وكانت القيمة أكثر مما نفذ فيه؛ فإن الحاكم يبقى ذلك الفضل في ذمة المشتري حتى يأتي البائع. وقلت أنا لهم: للقاضي قبض ذلك الكراء وتوقيفه حتى ينفذ في سبيله الذي سبل فيه، وكتبت في المسألة إلى قرطبة. فجاوب ابن عتاب: لا أرى توقيفه، ولينفق في الحصن، فإن كان الحصن عنه في غنى وكان المكتري مليًا، ترك في ذمته بعد أن يوثق منه بعد بالإشهاد عليه، حتى يحتاج إليه إن شاء الله. ***

وأفتى ابن القطان: للقاضي إخراجه عن المكتري، وتوقيفه وليس لأحد اعتراضه، ولا حجة علي بإخراجه من ذمة إلى أمانة، وللذي وقع في كتاب العيوب إلى تأويل يخرج على مذهبه إن شاء الله. قال القاضي: هذا الصواب عندي في ذمة والله أعلم. ادعى أنه ابتاع هذه الدار ولم تقم له بينة هل يؤخذ بكرائها إذا أنكر البيع بها: قال القاضي أبو بكر بن زرب في مسألة من ادعى أنه ابتاع دارًا من رجل فأنكر بها ذلك، ولم تقم للمدعي حينئذ: فإنه يؤخذ بخراجه ويقضي بذلك. فقال له ابن دحون: ألي العلة بالضمان؟ فقال: ليس في مثل هذا مقر أن الدار كانت للقائم، ويزعمن أنه ابتاعها، ثم ثبت للقائم ملكها، ولم يرجع عليه بالغلة. قال القاضي: الذي قاله القاضي قد سمعت بعض شيوخنا بقوله، وهو دليل ما في الشفعة من المختلطة. اكترى داراً كل شهر بكذا، فاستحالت السكة، وتمادي في السكنى: كتب إلي من المرية إلى سبعة بهذه المسألة في جملة سؤالات في رجل اكترى دارًا مشاهرة كل شهر بكذا، فحالت تلك السكة إلى سكة أحسن من التي وقع العقد بها، فسكتا جميعًا حتى مضى أمد. قال السائل ما الذي يجب للمكري أمن السكة القديمة أمن من الحديثة؟ فجاوبته: إنما لرب الدار على الساكن وإن أقام ساكنا في الدار أشهرًا بعد حدوث حوالة السكك ما كان أكرى به منه من السكة التي عقدا بها وتعاملا عليها، لا ما حدث بعدها. ولو أراد أحدهما ذلك لفاسخ الثاني وقت استحالة النقد إلى غير ما كان جاريًا يوم العقد؛ إذ كان لهما ذلك؛ لأن الكراء، إذا وقع وقع مشاهرة أو مسانأة جائزة؛ مثل أن يقول: أكريت كل شهر بدينار، أو قال: الشهر بدينار، أو في كل شهر أو في أشهر، وكذلك في السنة إذا بمثل هذه القطعة، وما سكن فهو على هذا العقد وإن سكن أشهرا أو سنين، إلا من شاء منهما ذلك كان له متى شاء وليس لآخر إلزامه؛ أنهما لم يحضرا مدة

السكنى بزمان سمياه، ولا بحين عنياه، لكنهما إذا (أ - 80) سكنا واتصل السكنى على عقيهما، لا يراعى أنتقال النقد إلى غير ما وقع به العقد، كما لا حجة بعضهما على بعض بغلاء أو رخص إن حدث إذا سكتا ولم ينتقلا إلى غير ما كان عليه اتفقا؛ لأنه عقد لازم لهما ما لم ينقضاه. لا يحتمل النظر غير هذا ولا يجوز على الأصول سواء، ولوجاء. أن يقال: إنما لرب الدار ما استحال إليه النقد، للزم أن يحكم عليهما بفسخ الكراء الذي كان عقداه بينهما؛ لأنه كان يؤول سكوتهما إلى فساد عملهما بجهل ما يقضي به في السكنى من الكراء بالسكة الحديثة؛ لأنها لا تخلو أن تحال إلى أجود أو إلى أردأ والمجهول في الكراء لا يجوز، كما لا يجوز في البيع، وهذا بين في النظر، مطرد في القياس لمن اعتبر. وانحال من أراد منهما عن العقد الذي ذكرناه إذا كان على ما بيناه؛ هو مذهب مالك في رواية ابن القاسم عنه في المدونة؛ وذكره ابن حبيب عنه في الواضحة، وقال عن مطرف وابن الماجشون عن مالك؛ لأن الشهر الأول المصتل بعقدهما، ليس لأحدهما نقضه؛ لأنه معين، وكأن معنى ما عقداه على هذه الرواية: أكريك هذا الشهر بدرهم وكل شهر بدرهم، وكذلك السنة الأولى إن كان الكراء مسانأة لازمة لهما. وقال ابن حبيب: هذه الرواية أحب إلي وهو أقوى، وبها أقول، وهذه الرواية قد توجد في بعض نسخ المدونة لو قال: أكريك كل شهر وكل سنة بدرهم ودفع المكتري إليه كراء سنتين أو أكثر أو كراء شهر أو أزيد للزمتهما التي نقده لها؛ لأنهما قد أفاتا التزامهما لها على الروايتين جميعًا ولم يكن حينئذ فيها اختلاف، والله أعلم. وإذا قال: أكري منك سنة بكذا من يوم العقد كقوله: أكري منك هذه السنة بعينها قاله في كتاب المدبر من المدونة. وف سماع عيسى ابن دينار في العتبية عن ابن القاسم عن مالك إذا قال له أؤاجرك داري أو إبي كل سنة أو كل شهر بكذا، فهو كراء لا يلزم واحدًا منهما ولكل واحد منهما ترك ذلك متى شاء إلا أن يقول: أكريك سنة بكذا أو شهرًا بكذا فيلزمهما ما ذكر. قال ابن القاسم: وأنا أرى في الذي قال: أكريك السنة بكذا؛ أنه كقول مالك في وكل - يريد لا

يلزمهما، وكله موافق لما تقدم إلا ما رواه انب حبيب عن شيوخه عن مالك في الشهر الأول أو في السنة الأولى، ورأيت في حاشية كتاب بعض شيوخنا: إن قال: أكريك السنة بكذا بالنصف؛ كان سنة لازمة، وإن قال: أكريك السنة بكذا؛ كان مثل قوله: كل سنة بكذا، على رواية ابن القاسم، وهو إن شاء الله حسن. وفي مسائل حبيب بن نصر عن سحنون فيمن اكترى حانوتًا وترك فيه متاعه شهرًا، وعليه فقله قال: عليه كراؤه لهذه الأشهر، ولو كان دكانًا كدكان الخبازين، فهرب وترك فيه فلا كراء عليه بخلاف الحانوت؛ عليه قفله وغلقه. في رجل فرق بين الأم وابنتها في البيع: من أحكامابن زياد: وقفت إلينا - رحمنا الله وإياكم - امرأة قد تعلقت برجل تقول: إنها اشترى ابنتها، وليس مثلها يفرق عنها، فكشف الرجل عما قالت، فأنكر قمالتها، وقال: لم أشتر ابنتها، فدعوت المرأة الينة فأتت بجماعة من خيار أهل الحوانيت، فشهدوا أنه ابتاع ابنتها، فلما وقعت الشهادات أقر بابتياعها، وقال: قد فاتت إلى أشبيلية. فقلت للمشتري: أحشرها، واجمع الفقهاء؛ فإن قالوا: مثلها يفرق بينه وين أمها، نظرت فيها بواجب الحق إن شاء الله، فأبى من إحضارها، فهددته بالسوط والجن من غير أن يناله ذلك، وأمرته بأن يتخذ عليه حميلا حتى يحضر بها، فهل يجب - رحمكم الله - أن اشتد عليه بأكبر من ذلك حتى يحضرها. فهمنا - وفقك الله - ما كشفت عنه من أمر المرأة وابنتها، فالذي نرى أن يؤخذ بإحضارها ويشتد عليه بالحبس وإن أبى من إحضارها، ويشدد عليه في ذلك إلا أن يقيم البينة أنها أثغرت، فإن أثبت ذلك خلي سبيله، أو يقيم البينة أنه قد باعها وخرج بها إلى أشبيلية، فإن أقامها، وكانت المرأة حرة وأرادت الخروج إلى أشبيلية في طلبها كتبت إلى قاضيها بخبرها وإقرار البائع بذلك مع إقامة البينة عليه، وسئل ذلك القاضي أن يجمع بينهما إلى الإثغار، ثم لا يكون على مشتريها الجمع بينهما، ولكن يؤمر المبتاع أن يعرضها عليها المرة بعد المرة، والله الموفق للصواب، قاله ابن لبابة ومحمد بن وليد. وقال (ب - 80) إن ثبت أنه باعها وهي غير مثغرة وأبت الأمن من الخروج في طلبها فعلى البائع الخروج فيها واسترجاعها إلى موضع الأم، وتكتب لبائع بما ثبت عندك من حبر الصبية، ويذهب بالكتاب إلى قاضي أشبيلية، والإغلاظ في هذا مما يجب لكثرة

الروايات لنهي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن التفرقة بين الأم وولدها. وقال أيوب بن سليمان: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "لا توله والدة عن والدها فعلى الذي ولها وأحزنهما رد الصبية إلى أمها والعناء فيها لأنه الظالم الموله، والمخالف لما أمر به رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وإن أبي من إحضارها إلا بالسوط حمل عليه السوط، ولا ينبغي لمثل هذا أن يفارق الحبس حتى يحضرها، وليس في مثل هذه حمالة، ولكن يؤاجر من يذهب في طلب الصبية بكتابك حتى ترد، لأنه لا يؤمن أن يؤخذ عليه حميل ثم يذهب فلا يرجع، فلا يكون على الحميل شيء، ولكن يستودع الحبس ويمضي رسوله إلا أن يقيم البينة على إثغارها فيبرأ. وقال سعد بن معاذ: إن كانت الأم مملوكة فبيع الصبية مفسوخ، وهو قول مالك، وينبغي لك أن تكتب إلى قاضي أشبيلية بما ثبت عندك. وقال مثل قوله محمد بن وليد. وقال سعد: وكذلك قال محمد بن عبد الحكم في الأمن إذا كانت حرة: قيل لها: اتبعي ابنتك، وإن كانت مملوكة فلا يفرق بينهما، وإن أثغرت الصبية، وتتخذ حميلا على المشتري حتى يبلغ أشبلية بكتابك بما ثبت عندك من إقرار المبتاع، وبأن الأم مملوكة. وقال عبيد الله بن يحيى بمثل قول أيوب بن سليمان: إن على لذي باعها ردها لحديث "لا توله والدة عن ولده". قال القاضي أبو الأصبغ: ذلك ابن حبيب في الواضحة أنه من باع الأمة دون ولدها أو الولد دون الأم، وذلك قبل الإثغار؛ فسخ البيع، ورد حتى يجتمعا في ملك واحد ويضرب البائع والمبتاع ضربًا وجيعًا إن كانا عالمين قاله مالك وأصحابه. وكذلك في المدونة والموازية عن ابن القاسم في نقض البيع، قال ابن القاسم: إلا أن يجمعا بينهما في ملك واحد. قال ابن المواز: أما الفسخ فلا أراه، ولكن إما تقاوما أو باعا، وإنما هو من حقوق الولد وليس بحرام. وفي العتبية في سماع أصبغ: البيع فاسد، من قول ابن القاسم وأصبغ، وقال أصبغ في كتاب المواز: وجدت لأصحابنا إما أن يبيعهاهما أو يبيع أحدهما من الآخر أو يفسخ. قال ابن حبيب قيل لمال أرأيت إن أعتق مالكهما أحدهما، أيجوز له بيع الذي لا عتق فيه؟ قال: نعم، ويشترط على المشتري ألا يرق بينهما، فإن أعتق الأم وباع الولد

اشترط على المشتري أن لا يفرق بينه وبين أمه وبين ابنها ونفقة الأمة على نسها وإن كان الولد هو المعتق، باع الأم اشترط على الشمتري ألا يفرق بينه وبين أمه. قال مالك ونحوه في كتاب ابن المواز، والعجب في هذه القضية من أحكام ابن زياد التي ذكرناها ومن ضعف قضاءه فيها وأجوبة الشيوخ عليها، وسكوت الفريقين عن بائع الصبية، وهو الأول في الخطأ قبل مبتاعها، وإنما كان وجه الحكم فيها إذا رفعت الأم ذلك إيه يسألها أحرة هي أم مملوكة؟ فما ذكرت ذلك فهمه، ثم سألها عن مالكها، إن قالت: إنها مملوكة، أو عن معتقها إن قالت: معتقة. فإذا سمته له أحضره مجلسه وأسمعه قولها وقيد جوابه عن مقالتها، وسأله: هل هو بائع ابنتها؟ فإن أقر بذلك، وبأن المبيعة صغيرة لم تبلغ حد التفرقة، أمر بإحضار مبتاعها منه؛ فإن أقر بذلك كله؛ كلفه وابائع منه إحضار الصبية، فإن أحضراها وكانت الأم مملوكة أمر بالجمع بينهما في ملك واحد، على ما تقدم عند أحدهما أو عند غيرهما، أو نقض البيع بينهما وصرفها إلى مالك أمها، وأدبهما إن كان ممن لا يجهل قبيح ما فعلاه من تفريقهما عن أمها في تبايعهما. وإن كان مبتاعها قد أفاتها بالبيع وحضر مبتاعها منه وأقر بمعرفته بأنها مفرقة عن أمه نقض ابتياعه، وأدب إن لم يكن جاهلا، وإن كانت قد أخرجت عن قرطبة إلى أشبيلية أو غيرها وبان ذلك إلى القاضي أمر المتبايعين بإحضارهم بعد الاشتداد عليهما فيها، أو شهدت بينة بخروجها، كتب حينئذ إلى قاضي موضع خروجها وأمر المتبايعين جميعا (أ - 81) بالخروج فيها لردها إلى أمها، وجمعها معها في ملك واحد. ولهما أن يوكلا على طلبهما من يوم مقامها، ولا حميل عليهما إن كانا ممن يؤمن عليهما التغيب والانتقال عن موضع الحكومة أقامها ووكلا أو خرجا في طلبها والبحث عنها، وإن كانا لا يؤمن عليهما الانتقال واللدد بالتغييب أخذهما القاضي أو من كان منهما بهذه الصفة بحميل الوجه، فإن غابا أو غاب أحدهما كلف الكفيل إحضارهما وطلبهما حتى يبرأ بهما عند القاضي ولم يقم منهما حميلا بوجه سجن ووكل من يقوم مقامه. ولا وجه لقول من لم ير الحمل في ذلك، وهو ضعيف من قوله، هذا كله إذا كانت الأم مملوكة، وأما إذا كانت حرة فوجه القضاء في ذلك حضور المتبايعين وكشفهما عن

تبايعهما هذه المبيعة، فإن أقرا بها وبصغرها، وأن هذه القائمة في أمرها أمها؛ أمرهما بإحضارها، فإن حضرت قيل للمبتاع: لا يفرق بينها وبين أمها ولتكن في مسكن مع أمها، فإن التزم ذلك مضى بيعهما، وإن أبى من ذلك وقال: لا ألتزم هذا، نقض البيع فيها، لأنه كعيب أصابة فيها لم يتبرأ البائع منه إليه، ولأنه فيه تكليف المشتري مؤنة لم يلتزمها لا سيما إن كان لا يعلم بأن لها أمًا. وإن قال مبتاعها: قد فوتها بالبيع وقد أخرجها مشتريها إلى موضع كذا، لم يصدق في ذلك، واشتد القاضي عليه في إحاضرها بالتوكيل عليه في ذلك، فإن لم يكن يقدر عليها، أو ثبت ما زعمه من نهوض مبتاعها بها عن ذلك البلد إلى غيره أو أقرت أمها بما ذلك من حملها إلى بلدة سواها نفذ بيعها، وزال التكليف عن بائعها، وقيل للأم أخرجي إن شئت إليها، ويكتب لك القاضي إلى قاضي موضع استقرارها بما ثبت عنده من أنك أمها وإن يحملك على مبتاعها على ما يجب لكل من زيارتها وتفقدها والتكرر عليه، وهو معنى قول محمد بن عبد الحكم: ولا أرى أن يكلف بائعها الخروج لاسترجاعها في هذا الوجه إذ أمها حرة تسير حيث شاءت وتقيم أين أحبت، فإن تركت الخروج لطلب ذلك فهي تاركة لحقها لا تكلف غير طلبه لها. وفي سماع عيسى بن دينار: قال مالك في العبد: يرد بالزوجة والولد والوالدين، وفي الواضحة: يرد الأبوين، فإذا كان الأبوان - يريد أو أحدهما - عيبًا يرد به العبد، فكذلك الأمة كانت صغيرة أو كبيرة والله أعلم. ويجب إذا ألحقت الأم بموضع الابنة إن لم يرد مبتاعها إمساكها لظهور الأم لها، وكان لم يعم بها أن يمكن في يردها على بائعها، وهذه حقيقة الحكم ووجهه في هذه المسألة أن شاء الله عز وجل، وهو الموفق للصواب برحمته.

باب العيوب

باب العيوب باع أمة فظهر بها حمل وثبت بها كي: أقر عند القاضي - وفقه الله - عبد الله وكيل سكن أن سكنا قال: إن الخادم التي اشترى أحمد من عمر عندنا حبلت، وقال أحمد: لست أعرف إن كان الحبل عندي أو عند البائع، وقال البائع عمر: لم أبع خادمًا حبلى منهم، وشهد على ذلك كله. والجواب: إذا ثبت عيب الكي الذي قام به مشتري الجارية وجب ردها مع رد قيمة الحبل، أو يمسكها ويرجع بقيمة عيب الكي، وإن قال أهل البصر: إن هذا العيب يحدث ويقدم في مثل أمر التبايع؛ حلف البائع بالله: ما أعلم أنه كان عندي، أو يرد اليمين على المشتري فيحلف بالله: ما أعلمه حدث عندي، وقال ذلك أهل العلم. هكذا وقعت في أحكام ابن زياد. وقال ابن حبيب في عاشر بيوع الواضحة: من ابتاع عبدًا فوجد به عيبين: عبيًا قديمًا، وعيبًا مثله؛ يحدث ويقدم؛ فإنه يحلف في العيب الذي يحدث ويقدم بالله: لما يعلمه حدث عنده، إن كان خفيًا، وإلا حلف على البت إن كان ظاهرًا، ثميرده بالعيب القديم، إن شاء الله، ينزل المبتاع في حلفه على العيب الذي مثله يحدث ويقدم، إذا وجد معه عيبًا قديمًا؛ منزلة البائع في حلفه فيه، إذا لم يجد معه عيبًا قديمًا، وكذلك قال مالك فيهما جميعًا. مملوكة ادعت في العهدة أنها حرة: وفي أحكام ابن زياد: نظرنا - وفقك الله - فيما قام به مشتري الجارية من ابن ثعلبة من شهادة بينة في عهدة الثلاث أنها حرة، وقال: الشهادة في العهدة أنها حرة: عيب حادث في العهدة أردها به وأفسخ البيع؟ فالجواب: إنه كما قاله المشتري؛ لأن هذا عيب حادث يفسخ به البيع ويرد الثمن ويمضي النظر فيها، فإن ثبت حريتها حكم لها بها وإلا ردت إلى بائعها، وإن ادعى البائع أن المبتاع وطئها؛ حلف أنه ما وطئها، وإن نكل عن اليمين وقف الثمن حتى تستبرئ ثم يفسخ البيع. قاله ابن لبابة، وعبيد الله بن يحيى، ويحيى بن عبد العزيز، ومحمد بن وليد، ومحمد بن غالب، وأحمد بن أبي عيسى، ومحمد بن عبد الملك بن أيمن.

قال القاضي: هذا الجواب إنما يصح إذا ادعى البائع أو وطئ المبتاع إياها كان قبل دعواها الحرية، وقيل أن تشهد بذلك البينة. وإن كان بين في دعواه أنه إنما وطئها بعد دعوى حريتها والشهادة لها بها ونكل المبتاع عن اليمين - فالجواب حينئذ: أن توقف وينظر في حريتها؛ فإن ثبتت انتقض البيع، وإن لم تثبت صح البع فيها، ولم تكن للمبتاع حجة فيما ادعت من الحرية؛ لأنه قد رضي بذلك لوطئه إياها بعد شهادة البينة بحريتها، ولا فرق بين هذا وبين وطئه إياها، أو تقليبه إياها وتلذذه بها بعد ظهور عيب قديم بها يبطل قيامه بذلك، ولا خلاف في هذا أعلمه. ورأيت في غير أحكام ابن زياد سئل ابن لبابة عن الأمة تدعي الحرية في العهدة؛ فقال: روي ابن كنانة وغيره عن مالك أنه ليس بعيب، ولا ترد، ومن يقبل ذلك منها؛ قال: وقد نزلت فسئل ابن مزين وغيره عن ذلك فرأوه عيبًا ترد به، فردت وأخذ فيها بقولهم قال ابن لبابة: وهو عندي عيب. قال القاضي: وقد شاهدت أنا الحكم بذلك عند بعض القضاة. وفي سماع ابن القاسم عن مالك فيمن ابتاع عبدًا فأبق، ثم وجد من يشهد له أنه كان ىبقًا عند الذي باعه، فقال البائع: لم يأبق منك، ولكنه غيبته أو بعته - قال: يحلف بالله ما بعته، ولقد أبق منني، ثم يأخذ ثمنه من البائع. ولسحنون في المغرب: إن ادعى في العهدة أنه أبق في العهدة حلف، ولم يلزمه شيء، وإن ادعى ذلك بعد انقضاء العهدة. لم يصدق إلا بينة. ابتاع صبية فألفاها مجموعة، وقال: اشتريتها أمس على أنها صحية قال ابن لبابة: تعرض على قابلة يثق القاضي بها؛ فإن ألفتها مجموعة طرية الجمع حلف المشتري ما مسها؛ لأنه قد يمكن أن يفعله غيره وهي في عهدة الثلاث، فإذا حلف ردت؛ وإن كان ذلك باليًا ردت بلا يمين. وفي سماع عيسى: من ابتاع أمة على أنها بكر، فزعم أنه لم يجدها بكرًا؛ نظر النساء إليها، فإن قلن: افتضاضها لمثل ما قبلها المشتري؛ فهي منه، وليس يخفى أثرها وإنما هي فرحة نكتت، وإن قلن: هو شيء قديم قبل التبايع، ردها ولا يمين في ذلك؛ إنما يقطع في هذا النساء.

وفي سماع أشهب وابن نافع عن مالك: إن قلن: هو قديم، حلف المبتاع وردها، وإن قلن: نرى أثرًا طريًا: حلف البائع: ما كان عنه، ولزمت المشتري. قال القاضي: كتب إلي بمسائل منها: رجل ابتاع جارية وشرط أنها ثيب فألفاها بكرًا فأراد ردها، هل في ذلك؟ فأفتيت: إن كان شرطه أنها ثيب لوجه يذكره معروف من يمين عليه لا يملك بكرًا أو لأنه لا يستطيع افتضاض الأبكار، وشبهه ذلك من العذر الظاهر المعروف؛ فله ردها، وإلا فلا رد له كما في الواضحة. وفي رسم الجواب عن ابن القاسم: فيمن ابتاع جارية وشرط أنها نصرانية فوجدها مسلمة؛ فأراد ردها، وذلك معروف من أمره فله ردها. قال أصبغ في رسم الجواب: أو ليمين عليه أنه لا يملك مسلمة. وذكرها ابن المواز عن أصبغ ولم يذكر ابن القاسم. قال ابن حبيب: وكذلك العبد. وهذا أحسن ما سمعت فيه. ومن هذا في كتاب ابن حبيب وابن المواز، وفي المدونة: فيمن ابتاع جارية على أنها من جنس كذا فألفاها من جنس آخر أرفع من شرطه فلا رد له، إلا أن يكون له عذر، وإن خرجت من جنس آخر دون الذي شرطه، فله الرد فتأمله. وقال السائل: إنه أخبرني الذي وجدها برًا أن له أن يردها عن أبي عمر بن القطان. والعمل فيها على ما ذكرناه، والله الموفق للصواب وذلك في سنة أربع وسبعين وأربع ومائة. العيب بوجد بمملوكة تداولها الملك: من أحكام ابن زياد: قام عندي رجل على قوم من النخاسين في خادم باعوها منه، وظهرت بها عيوب، فأمرت من وثقت بها من النساء لتنظر إلى تلك العيوب، فاستبان بشهادة المرأة أن العيب قديم، بمثله ترد، فرددتها إلى النخاسين. ثم قام النخاسون على رجل من الشقاقين فأقر لهم بالبيع منهم، فأمرتهم بقبضها منهم، ورد الثمن إليهم، ثم قام الشقاق على سعيد بن منتيل، فقال سعيد: هذه الخادم إنما

صحيحة، وهي الآن مضروبة الظهر بزعم ابن منتيل والشقاق، وأنكر ابن منتيل أن يكون قبض ثمنها من الشقاق إلى هذا الوقت. قال ابن لبابة: يجب للشقاق القيام على الذي ردها عليه في مرضها، فإذا كان هذا من فعله وحدث عنده عرضت على أهل البصر فقوموها صحيحة، وتقوم بالعيب القديم، ثم تقوم بالعيب الذي بها من مرضها وضربها إذا كان ذلك مفسدًا، ثم يكون الذي ردها على الشقاق بالخيار، إن شاء أمسكها وأخذ من الشقاق قيمة العيب القديم، وإن شاء ردها ورد معها قيمة العيب الذي حدث عنده من المرض. فإن أمسكها وأخذ من الشقاق قيمة العيب القديم رجع الشقاق على سعيد بذلك أيضًا، وإن ردها عليه فالشقاق أيضًا بالخيار في الإمساك والرجوع بقيمة العيب، أو الرد، ورد قيمة العيب المحدث. قال القاضي: انظر قول القاضي في سؤاله فاستبانه بشهادة المرأة أن العيب قدمي، بمثله ترد أعمل قول المرأة الواحدة في العيب وقدمه، ولم يتعرض ابن لبابة فيه وأفتى عليه. وقد سألت أبا عبد الله بن عتاب هل يحكم بقول النساء فيما شهدن به من عيوب الإماء أنه قديم قبل تاريخ التبايع، أم لا يسمع منهن في ذلك ويشهد فيه الحكماء وهذا هو الصحيح. وكذلك قول القاضي أيضًا حكاية عن المرأة: بمثله ترد؛ جهل لا خفاء به صارت المرأة عنده الشاهدة والطيبة والمفتية، ولبس إليها شيء من ذلك على ما بينا إلا إن كانت ماهرة بالطلب على ما قاله أبو عبد الله، فيسمع منها في قدمه وحدوثه. وأما أن تقول هي: يجب، أو لا يجب؛ فلس ذلك إليها، فلا تسأل عنه، وإنما الحكم إذا ثبت العيب وقدمه بشهادة من تحوز شهادته فيه أن يسأل تجار الرقيق هل هو عيب؟ فإذا شهد أهل البصر منهم بأنه عيب يحط من الثمن كثيرًا؛ أفتى الفقهاء حينئذ بالرجوع بالرد، وستأتي إن شاء الله عز وجل مسائل في بيان هذا المعنى.

وقال عن ابن منتيل: إنه قال: إنما صحيحة، ثم ذلك في الجواب أن للشقاق: الرجوع عليه، ولم يذكر لمقاله جوابًا، وفيه غير هذا تركناه والكلام عليه كراهة التطويل. مسألة أخرى في هذا المعنى: فهمنا - وفقك الله - ما ادعاه مبتاع الجارية من الحفر والشقاق والآثار، والذي عندنا في ذلك أن ينظر رجل من أهل الطب إلى ما يجوز أن ينظروا إليه من الحفر والشقاق الذي برجليها، وينظر النساء إلى الآثار الباطنة، فإن قالوا: إنه عيب؛ أعلموا بقوت التبايع وكشفوا أيحدث مثله في مثل هذه الأمد أم لا؟ فإن قالوا: لا يحدث مثله؛ وجب الرد، وإن قالوا: يحدث ويقدم؛ وجبت اليمين على البائع في الظاهر على البت، وفي الباطن على العلم. وقاله ابن لبابة، وأيوب، وعبيد الله وغيرهم. مسألة أخرى في هذا المعنى: قام عندي - رحمكم الله - رجل يسمى عبد الملك، وذكر أنه ابتاع خادمًا من رجل من أهل جراوة، وأقر الجراوي بالبيع منه، وذكر عبد الملك أن بالخادم آثاراً يجب بها ردها لم يبين لها بها، وأقر الجراوي بذلك قوال: لم أعلم بها عيبًا، وشهد عندي الطبيبان يحيى بن اسحقا وسلخ أن الآثار التي بساقيها من مدة سوداء دلت أن ذلك من قروح غليظة قديمة كانت بها منذ سنة أو نحوها، وإنه عيب يجب به الرد في علمهما، وأمرت بردها على الجراوي، وأتاني الجراوي بالبائع منه فأقر أنه باع منه، فأمرته أن يرد على الجراوي ماله، فقال: إن البائع متى غائب، فقلت له: أشاور لكل الفقيه أبا عبد الله - حفظه الله - فما رأى أنه يجب لكل من الوثيقة في الغائب فعلت لك إن شاء الله. قال ابن لبابة: فهمت ما ذكرت مما قيم به عندك في عيب الخادم، وثبوت العيب عندك بشهادة يحيى بن إسحاق وسلخ، وما قاله المتبايعون من أنهم لم يعلموا أنه عيب، وقول البائع منن الجراوي أنه بين له ذلك الآثار، فقال: لم أعلم أنها عيب، ولكني قد عرضتها على الجراوي، فقال الجراوي: نعم عرضها علي، ولم أعلم أنها عيب، فلما قام المشتري وشهد عندك أن بها عيبًا؛ وجب التراد بينهم وترجئ الحجة للغائب، وليس في هذا يمين على واحد منهم؛ لأنهم قد تقاروا أنهم لم يتباينوا بينهم على أن ذلك عيب عندهم، ويجب للبائع من الجراوي أن تكتب كتابًا بما ثبت عندك، وبترادهم الثمن فيما بينهم؛ ليرجع بذلك على بائعه إن

رجع يومًا ما أو أثبت له مالا فتعديه به عليه، وهذه الخادم إذا ردت بيعت على الغائب فيقضي من ثمنها هذا البائع الأول إذا ثبت عندك أنه نقده الثمن وأثبت عدته، وأسأل الله توفيقك وتسديك. قال القاضي: في هذا السؤال من الإغفال مثل ما تقدم لقوله في الطبيبين: إنهما شهدا في الشقاق أنه من مدة سوداء كانت بها منذ سنة، وأنه عيب يجب به الرد في علمهما؛ فصارا هما المفتيين بالرد، وهذا خطأ من العمل. إنما عليهما أن يشهدا بأنه من داء قديم بها لقبل أمد التبايع، ثم يشهد أهل البصر من تجار الرقيق ونخاسيهم بأنه عيب يحط من ثمنها كثيرًا، ثم يفتي الفقيه بعد ذلك بوجوب الرد إذا لم يكن عند المطلوب حجةولا مدفع. والخطأ المعدود في هذا علي ابن لبابة أقبح منه على القاضي، لكن كان عليه أن يرشده وينبه على ذلك، ولا يتعرض له عنه، وقد أنكر ذلك أبو عبد الله بن عتاب من شهادة شهود وصولا به شهاداتهم في عيب حوانيت شهدوا به، وقد أنكرته أنا أيضًا من شهادة شهود شهدواح في عقد حائط وقمطة ادعاه رجلان، فشهدا أنه لفلان منهما، وقلت: ليس ذلك إليهم ولا يسمع فيه منهم، غنما يؤدون الشهادة الحاكم أنهم نظروا إلى الحائط وأراوا عقده من ناحية دار فلان، أو رأوا عليه خشب سقف بيت فلان، ثم يفتي الفقيه على ذلك، كما أنهم إذا شهدوا أنهم يعرفون هذا العبد وهذا البغل ملكًا لفلان ابن فلان، ومن ماله وبيده ولا يعلمونه خرج عن ملكه ببيع ولا غيره إلى حين شهادتهم هذه، لا يجوز لهم أن يقولوا؛ فيجب أن يحلف صاحبه في مقطع الحق أنه ما باعه ولا وهبه ولا خرج عن ملكه بوجه ثم يأخذه. وهذا أبين من أن يحتاج فيه إلى هذا التطويل، لكني رأيت هذا المعنى قد كثر عند الحكام ولا ينكرونه، بل قد بلغني عن بعضهم أنه قال: لم تزل الشهادات تؤدى في هذا المعنى هكذا. والشيوخ متوافرون ولا ينكرون، وقد رأيت في جواب جاهل أهل بالاعتناء للفتوى قد أفتى في قناة ظهرت في دار مبيعة بقرب بئرها، قال: يقال للشهود: هل يجب بذلك الرد؟ فإن قالوا: يجب، ردت فليت شعري ما الذي استفتى هو فيه؛ إذا كان الشهود يسألون هل يجب الرد أم لا؟ وهذا نهاية في الغباوة، وإذا فشت الجهالة في الناس ظنت حقًا

وحسبت سنة. وفي جواب ابن لبابة: في مسألة الخادم من الغفلة والاختلال نحو ما تقدم في الشهادة من المحال؛ لأنه أوجب رد بعض المبايعين لها بعض شهادة الطبيبين للمبتاع الآخر؛ أن للعيب نحو عام، وقد يكون لابتياع الجراوي لها المقوم عليها أزيد من عام، ويكون لابتياع بائعها منه على الغائب عامين؛ فكان من تمام جوابه بيان هذا والكشف عنه حتى يقف على حقيقة من أوقات وقوع البياعات؛ إذ قد يكون قديمًا في بعضها حديثًا في بعضها، وهذا لا خفاء به. وكذلك أسقط ذكر ثبوت مغيب البائع الأول الذي باع الخادم من بائعها من الجراوي، ولم يذكر هل يتلوم له قبل الحكم بالرد عليه أم لا؟ ولا بد من ذلك على ما نص في المدونة وغيرها، وهو مختلف باختلاف قرب الغيبة من بعدها، ولا ذلك أن اليمين على المبتاع من الغائب أنه ما تبرأ إليه من ذلك العيب، ولا أعلمه، ولابد منها، كذلك في الواضحة. وقال فضل بن سلامة استقصاء لحجة الغائب: هذا إن كان الابتياع منه في داخل السنة المشهود فيها، ولا ذكر ما يفعل ببقية ثمن الخادم إن بيعت على الغائب بأكثر مما باع، وقد نص في المدونة أن السلطان يحسب عليه حتى يدفع إذا قدم إليه مثل هذا الجواب ليس بجواب، والله الموفق للصواب. ولولا الرجاء بان يكون في هذا ومثله من تبيننا تنبيه وتعلم لمن طالع هذه المسائل ودرس هذه النوازل لكان الإعراض عنه أولى، والله تعالى ولي الإرشاد والهدى. مسائل من هذا المعنى: نزلت بقرطبة وأفتينا فيها في ضرر ببصر خادم بيعت خاطبنا بها صاحب ابن أدهم ... يا سادتي، وأكابر عددين ومن أبقاهم الله وسلمهم، قام عندي أحمد بن عبد الرحمن بن عيسى فذكر أنه ابتاع خادمًا صفراء من محمد بن الفضل، وأنه ألفى فيها عيوبًا لم يتبرأ محمد منها إليه عند بيعه إياها منه، وسألني النظر له في ذلك. فأبحت له إثبات ما يوجب له النظر، فأظهر لي عقدًا لي عقدًا تاريخه لخمس خلون من رمضان من سنة أربع وستين تضمن ابتياعه لخادم صفراء صفتها كذا، ومعها ولد صغير بثمن كذا قبضه محمد منه، وحضر محمد بن الفضل مجس نظري ووقفته على هذا

العقد فأقر به حاشا تاريخه؛ فإنه قال: في أول سبعين من العام المذكور، وثبت ذلك من أقراره وقوله عندي بمن قبلت من شهدائه، وأعذرت في ذلك إلى عبد الرحمن بن سعيد فزعم أن عنده ما يحل به ما شهد به الأطباء، فأجلته فيما ادعاه من ذلك أجلا قاطعًا من ثمانية أيام، فأتاني في خلالها بحسين بن هشام ومحمد بن خليل وأحمد بن خلف المتطيبين؛ فشهدوا عندي بما ترونه مما قد أدرجته اليكم، وقبلت شهادتهم لمعرفتي بهم، وثبت ذلك عندي، ورأيت استطلاع رأيكم فيه فجاوبوني عنه موفقين مرشدين إن شاء الله. فأفتى محمد بن فرج: سيدي تصفحت ما خاطبتنا، وإذ قد أعذرت إلى الخصم عبد الرحمن وكيل ابن فضيل فقال: إنه لا مدفع عنده في تاريخ العهدة أنها كانت أول شهر رمضان، ولم يحل ما شهد به المطيبون الذين قالوا: إن العيب أقدم من أمد التبايع، وزاد أحدهم إن فيها مع هذا العيب القديم عيبًا آخر مثله يحدث ويقدم؛ فالقضاء برد الخادم بالعيب واجب ولا يمنع من الرد بشهادة أحد المتطببين الآخرين أنه عيب حديث، وقول الآخر: إنه يقدم ويحدث؛ إذا لم يجتمعا على شيء واحد، ولا يضاف إلى شهادة أحدهما شهادة أحمد بن خلف أنه نظر إلى عيني الخادم وقبلها ولم ير فيها عيبًا ولا نكتة ولا أثرًا؛ فإن أمكن إصلاح هذه المسألة وقطعها بالصلح فهو حس؛ وإن تعذر؛ فالرد واجب والسلام. وجاوبت أنا سيد وقع تاريخ تشاهد تبايع المملوكة وابنها لخمس خلون من شهر رمضان من سنة أربع وستين واتصل به، وكان عقد التبايع مستهل شهر رمضان، ولفظ مستهل لا يستعمل إلا في أول ليلة من الشهر؛ كذلك ذكره أرباب البيان وأهل المعرفة بباسان؛ فصار بين تاريخ التبايع وتاريخ التشاهد نحو أربعة أيام، وفي فصل تقييد شهادات الأطباء ابن فتوح وصاحبيه في النكتة التي بعيني المملوكة، وأنها أقدم من تبايعهما الذي تاريخه لست خلون من شهر رمضان، فدل على ما اتصل بالتاريخ في عقد التبايع من قوله: وكان عقد التبايع مستهل شهر رمضان، غاب عن العين أو سقط عن التحصيل. كما أن قوله: في فصل شهادات الأطباء لست خلون وهم؛ إذ ليس في العقد إلا لخمس خلون، وكذلك الخطاب فوق هذا الخمس مصلح، وإنما نحن بشر؛ فينبغي أن يعود الحكماء إليك ويشهدوا بين يديك بأن تلك النكتة أقدم من مستهل شهر رمضان الذي أشهد المتبايعان أحمد ومحمد بوقوع البيع فيه، لابد من هذا، ولا يصح الحكم فيه دونه؛

لاحتمال أن تكون النكتة عندهم مما تحدث بعد المستهل وقبل الخمس الخالية من الشهر. فإن شهدوا عندك بذلك أعذرت فيه إلى أحمد البائع أو وكيله، فإن ادعى مدفعًا أجلته فيه أجل التهم الثلاثة الأيام أو نحوها لا آجالاً مستأنفة، وإذ قد عجز في الأعذار الأول عن حل الشهادة بالأمد الأقل؛ فهو أعجز عن حل الشهادة بالأمد الأطول، فإن أتى بشيء نظرت له وإلا عجزته وقطعت حجته وحكمت عليه بصرف المملوكة وابنها إليه، ويصرف الثمن إلى مبتاعها، ولا يجوز للمبتاع حبس ابنها إذ ذهب إليه بما ينويه من الثمن إذ هو في سن من لا تجوز التفرقة بينه وبين أمه فيه لصغره. هذا قول ابن القاسم وغيره. وقيدت في فصل الإعذار إلى عبد الرحمن وكيل البائع أنك أعذرت إليه بمثل ما أعذرت به إلى أحمد بن عبد الرحمن في الفصل الواقع في أسفل الظهر، ثم لم يظهر إلينا هذا الفصل فيما أدرجته طي خطابك إلينا، ولم يكن ذلك الإعذار لاشك إلى أحمد في شهادة هؤلاء الأطباء؛ لأنهم شهوده وهو القائم بهم؛ فمحال أن يعذر إليه فيهم، وإذا كان هذا هكذا فلا يصح أن يقال إنك أعذرت إلى وكيل البائع بمثل ما أعذرت فيه إلى المبتاع لانفراد كل واحد منهما بالمعنى الذي أعذرت إليه فيه. وإنما يصح أن يكتب مثل هذا في مطلوبين بمطلب واحد، أو طالبين لشيء واحد شهد عليهما بشهادة ينكرانها؛ فيحضر أحدهما فيعذر إليه، ثم يحضر الآخر فيعذر إليه في ذلك المعنى، وفي أولئك الشهود، وأما في معنيين متضادين وشهود مختلفين فلا. وأما شهادة يحيى بن أحمد المتطبب بالإهالة وشهادة ابن خليل بالبشرة، وقول كل واحد منهما: إن ذلك مما يقدم ويحدث؛ فساقطه لا توجب شيئاً؛ لانفراد كل واحد منهما ذلك لم يحدث عنده في علمه، ثم يرد حينئذ بعيب النكتة القديمة، ولم يكن عليه شيء في الإهالة والبثرة، ولنكوله عن هذه اليمين شرح يطول ذكره، وليس يحتاج إليه في هذه المسألة، وكذلك شهادة حسين غير عاملة لانفراده بها، وما شهد به أحمد بن خلف لا معنى له بوجه من الوجوه. وإن قال الشهود عند رجوعهم إليك: إن النكتة التي يعين المملوكة ليست أقدم من مستهل شهر رمضان وإنها مما يحدث بعده؛ لم يكن للمبتاع قيام بذلك، ونفذ البيع بينهما، وإن قالوا: إنها قد تحدث بعد تاريخ الابتياع، الذي هو مستهل شهر رمضان، وقد يكون أقدم منه؛ حلف البائع في مقطع الحق بالله ما كان بها هذا العيب عنده في علمه، إن كان

مما يخفى مثله، وإن كان ظاهرًا أسقط من يمينه في علمه، وحلف على البت ومضى البيع، وإن نكل عن اليمين حلف المبتاع حلف حلف المبتاع ما حدث بها هذا العيب عنده في عمله، ثم ردها على البائع وأخذ ثمنه، وإن نكل أمسكها ولا شيء له. هذا جواب ما سألتنا عنه ملخصًا موعبًا، ولم نورد إلا ما قد تدعوه إليه ضرورة، وبالله التوفيق. مسألة أخرى في مثل هذا المعنى: وفيها تنازع في الاستبراء، وفي قبض بعض ثمنها من أحكام ابن زياد، فهمنا - وفقك الله - ما ذكره القائم عندك بعيب حفر أصابه بجارية ابتاعها من رجل، واقر ذلك الرجل ببيعها منه؛ بتاريخ مذكور في كتاب عهدتهما وأنه قبض الثمن غير دينارين عينًا، وأثبت القائم عندك العيب، وقدمه قبل تاريخ الابتياع، ورضي المبتاع بيمين البائع في الدينارين أنه لم يقبضهما فحلف، وأنه لما حكمت برد الجارية عليه؛ قال: إنما أخرجها المبتاع مستبرأة، وقال المبتاع لم اقضها مستبرأة ولا وطئتها بعد شرائي لها ولا اشتريتها للوطء، ولا هي من جواري المتعة. والجواب في ذلك/ أن المبتاع إذا حلف بالله في مقطع الحق، أنه ما وطئها؛ أوجب له ردها بعيب الحفر وأخذ ثمنها، ولا يجب أن تواضع عليه في الاستبراء قبل أن يوافقها. قاله محمد بن وليد، وأيوب بن سليمان. وقال ابن لبابة: إذا كانت الجارية وخشًا (¬1) من خدم الخدمة؛ لا يجب فيها استبراء، فالقول في ذلك ما قاله أصحابنا، ولا يجب على المشتري يمين في وطئها، إلا أن يكون من أهل التهم ممن لا يدع، فحينئذ تجب اليمين، وإن كانت من عليه الرقيق فلابد من الاستبراء لأنه وإن لم يطأ فقد تحمل من غيره. قال القاضي: الذي قاله ابن لبابة في يمينه في الوطء إن كان متهمًا، هو قول ابن القاسم في سماع عيسى في قائم بعيب برص في جارية ابتاعها وغاب بائعها، ووصل بها في العيوب من العتبية. وسئل عنها سحنون فقال: أخبرني أشهب وابن نافع عن مالك أنه سئل عمن رد ¬

_ (¬1) الوخش: رذالة الناس. انظر لسان العرب ج 6، ص 371 (مادة، وخش).

جارية بعيب على بائعها منه، فأراد أن يستحلفه أنه ما وطئها منذ رأي العيب بها؟. فقال: لا يمين له عليه. قال سحنون: جيدة. فقد اسقط مالك وسحنون اليمين هنا عنه والبائع يدعو إليها باتهامه إياه في الجارية بوطئها، وأما في مسألة ابن لبابة وأصحابه فلا يمين فهيا على حال؛ إذ ليس في مسألتهم أن البائع دعا إلى ذلك، وأظهر اتهام المبتاع بالوطء بعد المعرفة بالعيب، فلمن يحلف إذا لم يطلبه البائع بذلك وهذا بين الصواب. وأما استبراء المردود بالعيب وقد خرجت من الحيضة؛ ففيه روايتان: قال ابن القاسم في المدونة: على البائع الاستبراء، وضمانها من المشتري. وقال أشهب: لا يكون على الرد بالعيب مواضعه خرجت من الحيضة أو لم تخرج؛ لأن الرد بالعيب نقض بيع لا ابتداء بيع. وروي هو وابن نافع مثل ذلك أنها لا مواضعة فيها؛ لكن ينتظر بها الحيضة، وإن كانت رفيعة ليعلم أحامل هي أم لا؟ فإن تلفت في ذلك قبل الحيضة فضمانها من البائع الذي ردت عليه. وفي هذا بيان أشهب في المدونة. ابتاع أمة سوداء فلم تحض، وكان ثمنها مائة مثقال واحدة وستين مثقالاً قرمونية، وقام بعد سبعين يومًا مدعيا أنها لم تحض في شيء من هذه المدة، وكان بها في بطنها عقدة وأراد ردها بارتفاع حيضتها. فأفتى ابن عاب وابن مالك بأن له ذلك مع يمينه أنها ما حضت منذ ابتاعها وأفتى ابن القطان بأن توقف ويتربص بها ليستبين أذلك الامتلاء حمل أم غيره؟ وفي العيوب من المدونة: من اشترى أمة حديثة السن وهو ممن تحيض؛ فرجعتها حيضها شهرين أو ثلاثة، قال مالك: هو عيب إن أحب أن يردها ردها، وإن أراد ردها بعد مضي أيام حيضتها، فالأيام اليسيرة؛ لم يكن له ذلك؛ لأن الحيض يتقدم ويتأخر إلا أن يطول ذلك ويكون عيبًا، وينظر فيه السلطان فإن رأى ضررًا فسخه، ولا أخره ما لم يقع الضرر. ولا ينتفع البائع أن يقول: أقيم البينة أنها حاضت عندي قبل بيعها بيومين أو نحوهما؛ لأنها في ضمان البائع حتى تخرج من الحيضة. فهي وإن حدث بها هذا الداء في الاستبراء فإنها حدث وهي في ضمان البائع، ألا ترى أن ما حدث من العيوب في الاستبراء

إذا كانت بتواضع مثلها؛ فهي من البائع حتى تخرج من الحيضة إلا أن تكون من الجواري اللائي يجوز بيعهن على غير الاستبراء، وتباع على ذلك فتكون من المشتري كما لو كانت بعد استبرائه إياها كانت مصيبتها منه؟ فكذلك ما حدث من العيوب بها. فالذي في المدونة في ارتفاع الحيض إنما هو عيب في المرتفعة التي فيه المواضعة لا في الوخش التي لا مواضعة فيها، وكذلك في المغرب والمختصر واحتججت بذلك على ابن عتاب في جوابه المتقدم، إذا كانت تلك الأمة من الوخش التي لا مواضعة فيها؛ فقال لي: الرواية كما أفتيت به، وبه جرى العمل، واحتج بأن قال: للمبتاع مقال في ذلك بأن يقول ارتفاع حيضتها لا أصبر عليه كما أن الحبل فيها عيب وإن كانت وخشًا، والى هذا ذهب ابن العطار. والله أعلم. وقد رأيت لأصبغ عن ابن القاسم ما قاله أبو عبد الله بن عتاب، قال أصبغ: سئل ابن القاسم عمن اشترى جارية فارهة لا تحيض هل هو عيب؟. فقال: هو عيب في جميع الرقيق إذا علم أنها لا تحيض إذا كانت قد بلغت سن من تحيض ب - 84 عشرين سنة أو نحوها، وقاله أصبغ، وكذلك المستحاضة في الوخش والفارهة جميعًا. وكذلك رأيت لابن عبد الحكم أن الاستحاضة عيب فهيا، وتأمل مسألة الاستحاضة في الواضحة والمدونة والموازية ففيها اختلاف ين هذه الدواوين. مسألة أخرى في هذا المعنى من أحكام ابن زياد: قام عندي رجل فذكر أنه ابتاع جارية من أحمد، وقال لهل: إن حاضت إلى ثلاثة أيام وإلا أنت فيها مصدق، وأنكر أحمد ذلك، وقال: لم أبع هذه الجارية منك، فقال له، المبتاع: فاحلف لي أنك لم تبعها مني، فقال: حتى أنظر إليها، فمضى، مع المشتري حتى نظر إليها، ثم أقبل فأقر عندي أنه نظر إليها. فهمت رحمك الله - ما قال الرجل من زعم المشتري أنه اشتراها من صاحبه بثماينة وعشرين مثقالا ونقده، وقال سألته عن استبرائها، فقال: إلى ثلاثة أيام تأتيها حيضتها، فقال: فانتظرت عشرة أيام، فلما لم تحض رجعت إليه فأعلمته، فقال لي لعله ينزل، فأمسكتها إلى ثلاثين يومًا فلما لم تحض رجعت إليه، فقال: تثبت إلى شهرين، فتثبت إلى هذا الوقت وذلك ثلاثة أشهر.

فلما لم تحض وأنكر صاحبه جميع ذلك، فاليمين تجب على البائع، فإن رد اليمين على المشتري، حلف بالله أنه كما ذكر، ويحلف انهه ما وئها، فإذا حلف؛ ردها على البائع وأخذ منه الثمن. قاله محمد بن عمر بن لبابة وأصحابه. قال القاضي: هذا في ارتفاع الحيضة في الوخش نحو التي قبلها عن شيوخنا، وفيها وفي سؤالها اعتراض تركنا الكلام عليه كراهة تطويل الكتاب، وأفتوا فيها باليمين في الوطء كما تقدم لهم، وقد تكلمنا فيه بما فيه مقنع. ابتاع جارية وادعى أنها تبول في الفراش: قال الشيخ: اشتريت من هذا الفتى صبية بخادم، فبالت في السرير بقرب ابتياعي، فقال ابن لبابة: وقد سألاني منذ يومين عن هذه المسألة فقلت: البول، لا يحدث في هذا القرب، ولكن تضعانها على يدي منن ترضيانه تختبر؛ فإن بالت وجب ردها. فقال الفتى أرضى أن تكون عند ختنته، فقلت الآن للفتى: أما كنت رضيت أن تكون عند ختنته؟ فقال: نعم، ولكنه لم يفعل. فقال الشيخ: الختنة معي ساكنة وقد تركتها عندها، وأن أطلب بذلك، ولكنه زاغ عني، فإذا كان كما قال الشيخ إنها ساكنة معه؛ وقفت الفتى، فإن مضى على الرضي بالختنة، وضعت عندها حتى تختبر، وإن كره ذلك أمرت - حفظك الله - أن توضع على يدي من يرتضي به من الرجال أو من النساء. فإن صح عند الأمين بولها ردت على البائع، وفسخ البيع في الخادم التي أخذها الفتى من الشيخ، إلا أن الفتى قال: قد بعتها، وقال الشيخ: إنما بعتها بعد قيامي، وتراضيا بإيقافها، فيجب أن يحلف الفتى: ما بعتها إلا قبل قيامك على وتراضيا بالمرأة. فإذا حلف؟ وجبت عليه قيمتها يوم قبضها منه، وإن نكل؛ حلف الشيخ: لقد باعها بعد أن وجب إيقاف الصبية لاختبار بولها، فإن حلف؛ خير في قيمتها، أو الثمن الذي باعها به إن كان أكثر، وإن باعها بأقل من القيمة؛ لم يكن بينهما في ذلك أيمان، ووجب له القيمة إلا أن يثبت بعدول من البينة أن بيعه إياها بعد توقيفه الصبية؛ فيفسخ بيعها، وترد إلى الشيخ؛ لأن وقت القيام لم يكن فائتًا لقرب قيام الشيخ من البيع. قال القاضي: في هذا الجواب نظر، وفي سماع أشهب؛ قيل: أفترى البول مما يحدث؟ قال: لا، ويسأل عن ذلك أصحاب الرقيق، وهم أعرف بهذا، وفي الواضحة خلاف، وهناك بيانها لمن أراد تأملها.

كسر في ظهر صبية شهد به الأطباء: شهد عند القاضي أحمد بن بن محمد تلميخ بن أود الناس أنه نظر إلى الصبية الموقفة بين يدي القاضي التي قام فيها محمد على سليمان بعيب، فنظر إليها تلميخ فوجد كسرًا في ظهرها قديمًا، قد انعقد، وأنه عيب ترد به، ومثله لا يحدث في أشهر، وشهد يحيى بن إسحاق بن عبد الله بمثل ذلك. فقال ابن لبابة: وجب رد الصبية بهذا العيب، وقول البائع: إن لي بينة على أني باينته بالعيب أو البراءة من العيوب؛ فإن أتى بالبقينة؛ نظرت في ذلك بما يريك الله من الحق، وقاله ابن وليد. قال القاضي: في هذا التفسير من ذلك قول الطيب أنه يجب به الرد مثل ما تقدم مما قد أنكرناه، وإذا استمر مثل هذا الجهل في ذلك الوقت، وكان بقية من صلاح الزمان، ووفر الفقهاء والأعيان فيما نرتجي في وقتنا هذا، وقد انسلخت تلك البقية، ودرجة تلك الطبقة وحسبنا الله ونعم الوكيل؟! وكان صواب ذلك التقييد أن يكون مسافة شهد عند القاضي فلان بن فلان قاضي الجماعة بقرطبة - وفه الله - تمليخ ابن فلان الطبيب على عين الصبية المبيعة فلانة المنعوتة في عقد التبايع الواقع فوق هذا في يهذا الكتاب أنه نظر إلى ظهرها فألفى به كسرًا قد برئ وتعقد، وقال: إنه أقدم من تاريخ تبايعهما المذكور، وكانت شهادته بذلك عنده في تاريخ كذا، وشهد الطبيب فلان بمثل ذلك. فإن قبل شهادتهما؛ أعذر إلى البائع، فإن لم يكن عنده، مدفع قيد ذلك من قوله وكلف المبتاع أيضًا أن يثبت عنده، أنه عيب يحط من ثمنها كثيرًا بشهادة تجارة الرقي العارفين بذلك، وتقييد ذلك شهد عند القاضي فلان بن فلان قاضي موضع كذا فإن بن فلان وفلان بن فلان أن الكسر الموصوف في التقييد فوق هذا عيب يحط من ثمن المملوكة كثيرًا، وكانت شهادتهما بذلك عنده في تاريخ كذا. ثم يكتب القاضي بخط يده شهدا عندي، وكذلك بعلم متصلا بشهادة الطبيبين، ثم تعذر في ذلك أيضًا إلى البائع أو تجمع الأعذار في شهادة هذين وفي شهادة الطبيبين فتجعله إعذارا واحدًا إلى البائع، فإن لم يكن عنده مدفع شاور حينئذ، ويكون الجواب إذا قد ثبت عندك من عيب المملوكة ما ذكرت، ولم يكن عند بائعها مدفع عند الإعذار إليه كما

وصفت؛ فالحكم بصرفها عليه واجب ورد الثمن إلى مبتاعها لازم، والله تعالى يحملك الصواب، ويجزل لنا ولك جزيل الثواب. قال القاضي: تمثلت هذا رغبة في التعليم وحرصًا على الزيادة في التفهيم ولما خيرت من طموس هذا المعنى، ودروس هذا الفن، والله ولي التوفيق فيما نحاوله برحمته. باع وصيفًا وادعى أنه باعه بالبراءة إذ ظهر به عيب: قام عندي رضي الله عنك - رجل ذلك أنه اشترى وصيفًا خماسيًا من رجل، وقال البائع: بعته بالبراءة، وجردته بين يدي المشتري، وقال المبتاع: إنما عرضت على الطبيب فقال: به غديدة لا تضره، فقال لي البائع: هذه الغديدة إنما صارت من حناء حملها على رأسه، وقال المبتاع: به عيوب غيرها، فملا قيل لي يجب بها الرد عليك، وقد باعه من غيرك فرد عليه بهذا العيب. فاكتب إلي بما يجب في ذلك لأحملها على الحق إن شاء الله. قال ابن لبابة: فهمت - وفقك الله - ما ذكرته، وبيع المسلمين على لعهدة ممن ادعى الابتياع على البراءة فعليه البينة، وإن عجز حلف المشتري وله رد اليمين وعلى المبتاع إثبات العيوب التي ادعاها، فإن كانت قديمة ولم تصح البراءة، وجب الرد، وإن صح بيع البراءة فعلى البائع اليمين أنه ما علم بهذا العيب؛ فإن نكل رد عليه، وإن حلف لزم المشتري، والله الموفق للصواب. ما يجب من الكسوة للخدام المبيعة: فهمنا - وفقك الله - ما ذكره ابن أيمن من السكوة للخادم التي ابتاعها من عائشة بثمانية وعشرين مثقالا، وأخرجتها إليه بغير كسوى إلا قميصين خلقين، والذي نرى في ذلك أن على البائعة أن تكسوها كسوة مثلها من الفرو والقميص والمغنم على نحو ما يكسي به مثلها. قاله ابن لبابة، ومحمد بن وليد. قال القاضي: وفي سماع ابن القاسم عن مالك في الجارية تباع وعليها حلي وثياب: ذلك للبائع، ما يكون لها مما لا تتزين به فهو لها. وقال ابن وهب عنه: إن كانت فارهة وعليها الثوب اليسير وهو نحو بذالتها عند أهلها فلا أرى لبائع قزعة. وقال علي بن زياد عنه: ما عرف من ذلك أنه هيئتها، ولباسها فهو للمشتري. وفي سماع أشهب وابن نافع عن مالك: إن وقفها البائع، وقال: إنما أبيعها عريانة

أنزع عنها هذا الإزار الذي عليها. واشتريت على ذلك؛ فالبيع جائز، ويعطيهم إياها بما يواريها ذلك الإزار الذي عليها. واشتريت على ذلك؛ فالبيع جائز، ويعطيهم إياها بما يواريها ذلك الإزار أو غيره. وإن أبى من ذلك؛ كلفه فإن أبى فالسوط. وإن باعها على أن الثياب التي عليها عارية وأن لها في البيت ثوبين خلقين، فجاء بهما؛ فإذا هما لا يواريانها فالبيع جائز، وليأت بثوب يواريها؛ إزارا أو غيره. قيل: فالقميص؟ قال: لا أرى ذلك عيه، ويكلف أن يواريها غير ذينك. وهذه المسائل في الأصل أكمل، فمن أراد الوقوف عليها تأملها في يمواضعها إن شاء الله تعالى. عيب يحدث في عهدة الثلاث يموت منه بعدها: وفي مسائل القاضي أبي بكر بن زرب، جمع القاضي ابن الصغار أبي الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث: من ابتاع عبدًا فعرض له داء في عهدة الثلاث، ومات منه بعد الثلاث؛ رجع بقيمة ذلك العيب لا بجميع الثمن، وهو كمن باع عبدًا وبه عبيب لم يدلس فيه؛ فمات منه فإنما يرجع بما بين الصحة والداء، لا بجميع الثمن. عيب حسن في رمكة: قال ابن لبابة: فهمنا - وفقك الله - ما قاله سهل بن فهد وخل بن عمر المتبايعان للرمكة الوردة، وما ادعى المبتاع خلف من أنه ألفى بالرمكة حسًّا لم يعلمه البائع به، وقال البائع: إنه باعها صحيحة وأن العيب حدث عند المبتاع، فالواجب في ذلك أن يكشف أهل البصر بعيوب الدواب فإن قالوا: إنه يحدث في مثل هذا الأمد وقبله؛ حلف البائع بالله؛ لما كان العيب عنده، ولقد حدث عند المبتاع، وهذا في العيوب الظاهرة. عيوب في بغلة اختلفت الشهادات فيها: كتب إلى شيوخنا بقرطبة في شعبان سنة ست وخمسين وأربع مائة يرجل اشترى بغلة بطلليطة في ربيع الأول، وسار بها إلى بلنسية، واطلع فيها على عيوب بعد شهرين، وأثبت عند القاضي بها أنها قديمة بالبغلة قبل أمد التبايع، وخاطب بذلك القاضي قاضي طليلطلة مع وكيل المشتري، وصرف البلغة مع نفسه وأعذر إلى بائعها، فأتى بشاهدين من البياطرة حضرا بيعها وشهدا عند القاضي أنها كانت سليمة من هذا العيوب بوم عقد الصفقة، أي الشهادتين أعمل وأولى بالقبول؟.

فجاوب ابن عتاب: تصفحت - رحمنا الله وإياك - سؤالك، وشهادة اللذين شهدا بالسلامة عند البيع أعمل إذا كانا عدلين عالمين بما شهدا به، وفي هذا الأصل اختلاف بين أصحاب مالك رحمهم الله. وجاوب ابن القطان: دليل قول مالك وأصحابه أن فيها مذهبين، إلا أن دليل المدونة أن البينة التي شهدت بالقدم هي العاملة. وجاوب ابن مالك: الشهادة بقدم العيب أولى، وإن كان القائمون بها أقل عدالة من الآخرين، إلا أنهم عدول إذا كانت الشهادتان من باب واحد، يشهد كل فريق بعلمه لمعرفته فيه بالدابة وحالها، ويشهد كل فريق بالدليل، وأما إن شهد فريق بعلم قاطع، والفريق الآخر على الدليل فلا؛ والشهادة بالقطع أولى. شورى في رد فرس بعيوب على غائب: شاور صاحب أحكام الشرطة والسوق بقرطبة أبو بكر بن حريش الفقهاء في رجل قام عنده على بحري بن فلان الظلمي بعيوب في فرس ورد قارح ابتاعه منه على السلامة بأربعة وعشرين مثقالا قرمونية قبضها بحري منه. وأثبت القائم عنده العقد المشتمل على ذلك المنعقد بينهما في التبايع الموصوف، وتاريخه عقب شهر رمضان سنة تسع وخمسين وأربع ومائة، وأثبت عنده بشهيدين أن بالفرس فتلا في ذراعيه وحسوسا في يديه وتقويس ولينًا في رسغية، وأن ذلك له أقدم من أمد التبايع، وأنه عيب يحط من ثمنه كثيرًا، وشهد بذلك عنده على عين الفرس لأربع عشرة ليلة خلت نم ذي القعدة من السنة المذكورة. وشهد عنده شهود أنهم يعرفون بحريا بالظلمى بعينه واسمه وأنه غاب عن قرطبة بحيث لا يعلمون له مستقرًا منذ شهر أو نحوه متقدم لشهادتهم وأنهم لا يعلمون أب إلى حين أدائهم لها لأربع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة المذكورة، وأدرح هذه الثلاثة عقود في خطابهم إليه. فجاوب الشيخ أبو عبد الله ابن عتاب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:- سيدي ووليي

ومن وفقه الله وسدده وأحسن عونه على ما قلده - تصفحت خطابك وما أدرجت طيه، وإذ قد ثبت عندك ما ذكرت على حسب ما وصفت من العيوب والمغيب بحيث لا يعلم الغائب؛ فيحلف القائم عندك بالله عز وجل: ما تبرأ إليه البائع بحري بها ولا بشيء منها ولا رضي بها بعد اطلاعه عليها؛ فإذا حلف أمرت بتسويق الفرس وقدمت بيعه من تراه. فإذا ثبت عندك السداد في يثمهة؛ أمرت المقدم ببيعه وقضاء القائم من ثمنه، فإن قصر ثمنه عن العدد الذي ابتاعه من بحري اتبع بحريًا بما نقصه عند ظفره به، إذ لبحري ما زاد وعليه ما نقص، وإن زاد الثمن وقفته لبحري، وأرجأت الحجة له في ذلك إن شاء الله عز وجل والسلام عليك سيدي ووليي ورحمة الله. وجاوب ابن القطان: سيد ووليي ومن أيده الله بطاعته وعصمه بتوفيقه - قرأت ما خاطبت به ووقفت عليه ورأيت شهود المغيب قد قالوا: إنه غاب عن قرطبة منذ شهر أو نحوه بحيث لا يعلمون له مستقرًا، وقد يكون بهذه الشهادة قريب الغيبة ولا يعلمون حيث هو ولا يحكم على الغائب في قريب الغيبة، وكذلك نص الراوية، وزاد في الرواية أيضًا أنه إن ثبت أنه بعيد الغيبة تلو عليه، وفي التلوم على الغائب البعيد الغيبة، إذا ثبت بعد مغيبة؛ اختلاف في كتبنا فكيف إذا لم يعلم الغائب حيث هو؟! فوجه الحكم في ذلك وتمامه أن تقول: البينة أنه بعيد الغيبة ثم يتلوم عليه ثم يحلف المبتاع بما يجب الحلف به في مقطع الحق ثم يأمر ببيعه، وهذا كله إذا شهد في العيب ومعرفة حط الثمن كثيرًا أهل البصر بمعرفة العيو، وأهل البصر بمعرفة القيم؛ إذ قد يبصر العيوب من لا يبصر القيم. فإذا أكمل هذا كله؛ نفذ البيع وقضي الثمن المبتاع إن كان كفافا وإن بقي على البائع شيء؛ اتبعه المبتاع إذا لقيه إلا أن يجد له شيئًا يباع عليه، وإن كان في فضل وقف للغائب، وترجى له الحجة في ذلك إن شاء الله عز وجل، وأسأل الله لنا ولك خلاصًا جميلا وعونًا على طاعته وتأييدًا، والسلام عليك ورحمة الله. وجاوب أبو محمد موسى بن هذيل بن ماجس البكري المعروف بابن عبد الصمد بنو ما تقدم فاختصرته. وجاوب أبو مروان بن مالك: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سيدي ووليي ومن وفقه الله وسدده وأكثر من التوفيق مدده: إن المدونة وغيرها لتنبيء بأن جهل موضع الغائب

كالمعرفة بتفاحش بعده أو أشد؛ فأرى إذ قد ثبت عندك ما ذكرته أن يحلف القائم عندك ما تبرأ إليه بائعه بشيء من تلك العيوب وتقدم لليمين مقتضيًا، ثم يبيع الفرس المعيبة مأمورك بذلك بما يصح فيه السداد عندك ويقضي القائم من الثمن ما كان ابتاع به، والفضل للغائب توقفه له كما أنه إن نقص فعليه يتبعه القائم، ويكتب بما انبرم من ذلك كتابًا حاويًا للأمر كله يكون منه عندك نسخة وترجى فيه الحجة للغائب، وفقنا الله وإياك وسددك فيما ولاك والسلام عليك ورحمة الله. قال القاضي: في المدونة في كتاب العيوب، قال ابن القاسم عن مالك فيمن ابتاع عبدًا فوجد به عيبًا قديمًا فأتى به السلطان، وقد غاب بائعه: إن كانت غيبته بعيدة وأقام المشتري البينة أنه اشتراه بيع الإسلام وعهدته وتلوم السلطان للبائع، فإن طمع بقدومه وإلا باعه، فقضى الرجل. وساق المسألة إلى آخرها وقد تقدم ذكرها. وقال ابن لبابة: وتؤرخ البينة يوم الشراء لقدم العيب وحدوثه، ابن حبيب: ويحلف أنه لم يبرأ إليه البائع من العيب. وقاله فضل بن سلمة استقصاء للغائب وقد ذكرناه قبل هذا أيضًا، فقال في هذه المسألة: إنه يتلوم للغائب وإن كان بعيد الغيبة. وقال في كتاب التجارة إلى أرض الحرب فيمن أسلم عبده النصراني وهو غائب والسيد الغائب أيضًا نصراني: إن كان قريبًا نظر السلطان فيه وكتب في ذلك، وإن كان بعيدًا بيع عليه ولم ينتظر؛ لأن مالكًا قال في النصرانية تسلم وزوجها غائب: إن كان قريبًا نظر السلطان في ذلك؛ خوفًا أن يكون قد أسلم قبلها، وإن كان بعيدًا وكان لم يدخل بها تزوجت مكانها، ولم ينتظر قدومه، ولا عدة عليها. فأسقط في هاتين المسألتين التلوم في البعيد الغيبة، وإلى هذا الخلاف أشار أبو عمر بن القطان في جوابه في التلوم للبعيد الغيبة. وأما قوله: إن البينة تزيد في شهادتها أنه غاب غيبة بعيدة بحيث لا يعلمون؛ فلا معنى له وهو محال في النظر؛ لأنه لا يجوز أن يكلف من يقول: لا أعلم حيث غاب أن يزيد غاب مغيبًا بعيدًا، فيحصل عالمًا ما قد انتفى من عمله، وهو تناقض!. وكان رحمه الله قد لج في هذا فكان يؤكده في أجوبته، وقد ذكرناه عنه في الحكم بشرط المغيب للزوجة.

والصواب ما قاله أبو مروان في جوابه: إن المجهول المكان في مغيبه كالبعيد الغيبة أو أشد، وعليه تدل المدونة وسواها في مسائل المفقود وغيرها. قال في سماع عيسى في رسم الجواب فيمن تحمل عن ابنه لامرأته بصداقها، أو تحمل به أجنبي فغاب الزوج قبل البناء بها، فطلب أهلها الحميل بصداقها - قال ابن القاسم: إن كانت غيبته قريبة الأيام اليسيرة وشبه ذلك، مما لا ضرر فيه، بعث في الزوج وأتى به، فإن جاء وأعطاها؛ ولا أخذ الحميل، وإن كانت غيبته بعيدة أو لا يدري حيث هو ولا يعرف موضعه أخذ من الحميل صداقها، ولم يضرب له في ذلك أجل، يريد للغائب في انتظاره. وهذا نص في المجهول المكان أنه كالبعيد الغيبة. وفي سماع حسين بن عصام نحو ذلك، وكراهة التطويل منعت من نقل المسألة على وجهها ليستبين المراد منها وموضع الحجة بها. وفي كتاب التفليس في رسم الجواب، قال ابن القاسم فيمن قام عليه غرماؤه وهو غائب: إن كانت غيبته قريبة الأيام اليسيرة ولا يعرف ملاؤه، كتب في ذلك وكشف عنه حتى يفلس، فيأخذ أصحاب السلع سلعهم أولا يفلس. وإن كانت غيبته بعيدة ولا يعرف عدمه فيها ولا ملأه، أو عرف ولا يدري أين هو، ولا يعرف موضعه، فهو بمنزلة التفليس< يأخذ من وجد سلعته بعينها، ويتحاص جميع غرمائه في ماله من حل دينه ومن لم يحل. وهذا نص آخر، وكله يرد ما ذهب إليه أبو عمر في ذلك وقاله؛ فتقدره. وفي عاشر بيوع الواضحة: قال ابن حبيبك من ابتاع عرضًا له حمولة أو ثوبًا أو جارية أو دابة؛ وسار بذلك إلى بلد آخر، وأصاب به عيبًا يرد منه، وإن تكلف صرفه إلى موضع البائع لزم غرم كثير في الكراء والمؤنة؛ فإنه إن وجد هنالك بينة باشترائه إياه شراء الإسلام وعهدته؛ فحق على سلطان ذلك الموضع أن يسمع من بينته ثم يحلف لما تبرأ إليه من ذلك العيب، ثم يأمر ببيعه على البائع فيكون له فضله وعليه نقصانه. وإن لم يجد بينة هنالك لم يكن له وجه إلا الرجوع إلى بائعه ليرده عيه أو الرضى به، فإن ذهب إلى الخروج لرده فلا يلبسه إن كان ثوبًا، ولا يطأ الجارية ولا بأس أن يركب الدابة أو يستخدم العبد حتى يبلغ موضع البائع، فإن بلغه وذلك حاله لم يغيره

السفر؛ رده بالعيب إن شاء، وإن تغير بنقصان في بدنه رجع بقيمة العيب الأول، والمصيبة في ذلك كله منه حتى يرده عليه الحكم. وفي الأول من عيوب المدونة من اشترى عبدًا فسافر به ثم وجد به عيبًا فأشهد عليه ثم باعه ثم خاصم فيه، فإن لم يرفعه إلى السلطان حتى يحكم له برده وبيعه على صاحبه؛ فلا شيء له. قال محمد: ونرى إن كان ببلد لا سلطان فيه، أو فيه سلطان لا يحكم على غائب، أو بعد تناول السلطان فيه؛ أن يشهد على ذلك ويبيع ويرجع ببقية الثمن إن شاء الله. وفي آخر كتاب الرواحل من المدونة وفي النذور يظهر هذا المعنى في الحكم لنفسه، فتأمل ذلك. باع بغلاً بين بعيوبه فظهر به مشش: في أحكام ابن زياد قام ابن حزم بكتاب على مسلمة بستين دينارًا ثمن بغل وفي الكتاب أنه قد بين له جميع العيوب وعرضها عليه عرضًا، وقال المبتاع: به عيوب ليست مما بين له به، وسأل وكيله ابن حزم هذا هل بين له المشش أم لا؟ فقال ابن حزك/ ما علمت به مششًا. الجواب: قوله هذا يدل على أنه لم يبين له المشش، فإن ثبت أن به مششًا كشف أهل البصر عنه؛ فإن قالوا: هو قديم؛ رده، وإن كان حديثًا فهو من المبتاع، وإن كان يحدث ويقدم؛ حلف ابن حزم لباعه وما (أ - 87) علم به هذا العيب إن كان خفيًا، وإن كان ظاهرًا؛ فعلى البت. وقد كان يجب أن يكون القول قول ابن حزم أنه مما بين لولا قوله في المشش أنه لم يعلمه به. قاله ابن لبابة وعبيد الله بن يحيى وابن غالب وأبو وليد. قال القاضي: انظر قولهم: يحلف فيما يحدث ويقدم مما يخفي لباعة وما علم به هذا العيب، فهو نحو ما في المدونة وفي سماع ابن القاسم وغيره، وقال في كتاب ابن المواز: لا يحلف هكذا إنما يحلف أنه ما باعه حين باعه وبه هذا العيب في علمه، وهو الصحيح في المعنى، والصواب في النظر، والله أعلم.

الإعذار فيما ثبت من عيوب مملوكة: من قيم عليه بعيوب قديمة بمملوكة باعها وثبتت؛ أعذر إليه؛ فإن ادعى مدفعًا أجل ثمانية أيام؛ فإن انصرمت زيد في الأجل ثمانية أيام قاطعة، وعليه حميل بالثمن. قاله ابن القطان، وقال: هكذا الرواية. وسألت ابن عتاب عن ذلك فقال مثله أن عليه ضامنًا بالثمن؛ كاعتقال الدار المستحقة في الإعذار إلى المستحق منه، فلما لم يكن في العيوب ما يعتقل على المطلوب توثق منه في الثمن الذي عليه بحميل يعطيه به، وهذا من حسن الفقه. قلت له: أين تكون المملوكة في الأجل المضروب؟ قال: عند مشتريها إلا أن تكون رائعة ولا يكون موثقًا به فها فتخرج عنه إلى غيره. قلت له: هل الأجل في هذا كالأجل في غير ذلك؟ فقيل لي: هو في هذا أقصر مدة. قال لي: وقد يجوز أيضًا أن يكون الضامن المذكور بالوجه، ويعرف بما على المضمون. وسألت ابن مالك: عن الدار يثبت من ابتاعها عيبًا قديمًا كبيرًا؛ يجب ردها به، وحيزت وأعذر إلى بائعها، فادعى مدفعًا، هل يلزمه ضامن بالمال؟ فقال: نعم، عليه حميل بالمال، وتعتقل الدار في مدة الإعذار. وقال ابن عتاب مثله في الحميل، ولا تعتقل الدار ولا يخرج القائم عنها؛ لأنه هو الطالب وله ترك طلبه متى شاء، وإسقاط اتباع البائع بهذه العيوب متى أحب؛ فلا معنى لعقلة ما هذا سبيله، وهو خلاف عقلتها في الاستحقاق ونحوه. ثم أعدت الكلام فيها مع ابن مالك فقال لي: لا عقلة فيها. فقلت له: قد قلت لي قبل هذا: إنها تعتقل؟ فقال لي: يمكن، ولكن هذا الذي أرى الآن أنها لا تعتقل. وأخبرت عن ابن القطان أنه قال: لابد من عقلتها؛ لأن الحكم مترقب فيها ويطلب مبتاعها صرفها. والخروج عنها. اختلاف الشهادة في عيوب دار: قامت عند صاحب الأحكام محمد بن الليث حبور في دار بداخل مدينة قرطبة بحومة مسجد عبادل، ابتاعتها من فاطمة بمائتين وثمانية مثقالاً ذهبًا قرمونية، وقبضت فاطمة من الثمن الثمانين مثقالا، وتبرأت إلى حبو رم قدم البنيان ووهي الأسس، وذكرت حبور أنها اطلعت على تشقق حيطان الدار وتعفنها.

وأقرت عنده فاطمة، فكلفت حبورًا إثبات دعواها فأتته بشاهدين فشهدا عنده أنهما نظرا إلى الدار ورأيا حيطانها رثة جدًا مشققة متهيئة للسقوط، وأن ذلكعيب يحط من ثمن الدار كثيرًا، وأنه أقدم من أد التبايع، وأنه إنما يظهر إلى من نظر الدار من خارجها لا إلى من عاينها من داخلها، وحازا ذلك، وثبتت عنده الحيازة، وأعذر إلى وكيل فاطمة بعد أن ثبتت عنده الوكالة، وأجله فيما ادعاه من حل ذلك آجالا أظهر إليه عند انقضائها عقدًا تضمن معرفة شهدائه أن الدار سالمة، فما ادعته مأمونة السقوط لاعتدال حيطانها وسآمتها في الميل الذي هو سبب الهدم، وأن التشقق غير ظاهر لها مع أنه لا يخفى على من نظر إليها وقبلها، وثبت عنده ذلك. وأشار عليه ابن عتاب بالنهوض بنفسه مع عدول من أهل الميز، فنهض الحكم وجماعة إلى الدار ونظروا إليها من داخلها وخارجها، وشهدوا عنده بتشقق حيطانها وأنها خلقة رثة جدًا مملوحة لا يثبت عليها طر ولا تلبيس، ويتهدم أساسها الغرب من خارجه وأنه والمملوحة عيب كبير يحط من الثمن كثيرًا، وأن المملوحة تخفى على من لا بصر له بعيوب الدور، وأن تهدم الأسس لا يظهر إلا من نظر إليه من خارجه، وأن ذلك كله أقدم من تاريخ ابتياعها، وثبت ذلك كله عنده. وأجل وكيل فاطمة فيما ادعاه من حل ذلك ثلاثة أيام بفتوى ابن عتاب وانصرفت هذه الأيام، ولم يأت بشيء وعجزه ثم شاور في ذلك الفقهاء. فأفتى ابن عتاب: أن القضاء في ذلك بأعدل البينتين مما له بصر بعيوب الدور، قال: وإن أمكن الإصلاح بينهما دون إلحاح عليهما أو ما يشبه الإلزام لهما، فذلك حسن إن شاء الله. وأفتى بن القطان: الذي أثبتته حبور من العيوب المذكورة هو الذي يجب القضاء به على معنى دليل المدونة والمستخرجة: أن البينة التي توجب الحكم إذا قبلت أعمل من التي تنفيه، وفي هذا غير هذا، مع أني رأيت الشهود الذي استنهضتهم معك ممن لا يدفع في ثقتهم لشهرتهم، فلحبور صرف الدار بما ثبت لها إذا لم يكن عند فاطمة مدفع غير ما أظهرته. وأفتى أبو محمد بعده وجه الشأن في مثل هذا تكرير النظر إليه حتى يرتفع الإشكال، وقد أفتى بهذا وحكم به ونفذ الحكم في ذلك بصرف الدار على البائعة.

وأفتى ابن عتاب بتاجيلها شهرين في الثمانية مثالا التي كانت قبضتها لتحضرها، وانعقد ذلك في التسجيل. وتدبر إن حطت المشترية من ذلك المؤجل فيه بعضه قبل انقضاء الشهرين، واستعجلت سائره هل يجوز أم وضع على تعجيل؟ والنظر أنه لا يجوز، لأن التأجيل قد استقر ولزم، وبالله التوفيق. قال القاضي: الذي أشار إليه ابن القطان في جوابه أن دلي المدونة والعتبية أن شهادة من أثبت الحق والحم أولى من شهادة من نفاه؛ إنما أراد من المدونة قوله: في اختلاف المقومين للسرقة إذا قال بعضهم: لا يبلغ قيمتها ثلاثة دراهم، وقال غيرهم: قيمتها ثلاثة دراهم. قال: إذا اجتمع منهم عدلان من أهل البصر قيمتها ثلاثة دراهم قطع، وكذلك قال مالك في سماع عيسى في رسم العرية: إذا اجتمع على القيمة رجلان لم يلتفت إلى من خالفهما، ثم قال في آخر المسألة: فإن دعا أربعة فاجتمع رجلان، قال: ينر إلى أقرب التقويم إلى السداد. وفي الشهادات في نوازل سحنون: فيمن شهد له بدم على رجل أصابه عمدًا، فجاء المشهود عليه بقوم يشهدون أن القاتل كان ببلدة نائية عن موضع القتيل يوم قتل؛ فقال سحنون: إذا حق الحق لأهله؛ فلا يخرج من شهادة الشهود إلا بجرحه. وقال أصبغ مثله: وتكرر ذلك أيضًا في نوازل أصبغ، ومثله لابن الماجشون في المجموعة وغيرها، وحكاه أيضًا أبو الفرج في كتابه عنه، وقال عن إسماعيل القاضي: بل ذلك مانع من قبول شهادتهم. وفي هذا الأصل تفسير غير هذا في كتاب ابن مزين وغيره. وفي كتاب ابن المواز: اختلاف الشهود في العيب، فقال بعضهم: هو قديم، وقال آخرون: هو حديث، أو قال بعضهم: هو عيب يجب به الرد، وقال آخرون: يس بعيب يجب به الرد؛ فذلك تكاذب ولا يرد بالعيب. قال: ومن كان عليه دينار لرجل فأحضره ليقضيه، فقال شاهدان: هو رديء وقال آخرون: هو جيد؛ لم يلزم الذي هو له قبضه إلا أن يشاء حتى يتفق على جودته، ولو

قبضه الذي هو له فلما قلبه ألفاه رديئًا بزعمه، وشهد له بذلك شاهدان وشهد غيرهما أنه جيد؛ لم يجب له رد إلا باتفاق الشهادة على رداءته. اختلاف المتبايعين في عين المبيع: قال القاضي: إذا قال المبتاع: ابتعت منك هذا الثوب، أو هذه الدابة، أو هذا العبد، وأصبت به هذا العيب، فقال البائع: ليس هو الذي بعت منك؛ فالقول قوله، ويحلف، إلا أن قامت للمبتاع بينة على عينه أنه هو. قلت لابن عتاب: أرأيت إن قال البائع: لا أعلم هو الذي بعت منك أو غيره، هل للمشتري رده؟ فقال: له رده إذا لم يحقق البائع إنكاره فيه. قلت له: فإن قال الرجل: ليس عليك عشرة دنانير. فقال المطلوب: لا أدري أعشرة هي أم خمسة. فقال لي: تلزمه العشرة. وسألت ابن مالك عن مسألة الرد بالعيب إذا قال البائع لا أعلم أهو الذي بعت منكم؟ فقال لي: يحلف المشتري ويرد. قال القاضي: هذا أصل مختلف فيه في الواضحة والموازية وغيرها، لم أجتلب مسائله كراهة التطويل. القيام في جنة مبيعة بعفن في شجرها ويبس بعضها وخمج عروقها مع تنازل في ثمنها: شاور ابن حريش الفقهاء فقال: قام عندي عبد العزيز علي على عبد الله ومحمد بن هود في جنة ابتاعها منهما في رمضان في سنة سبع وخمسين وأربع مائة مثقال وأربعين مثقالا ذهبًا قرمونية، والجنة بحاضرة قرطبة بشرقي مدينتها بربض حوانيت الريحاني بحومة مسجد اسلم، وأظهر إلي عقد ابتياعه إياها منهما، وفيه: أنهما قبضا منه الثمن خمسة وتسعين مثقالا، وذكر أنه دفع إليهما باقي الثمن ويمتنعان من الإشهاد له؛ إذ بلغهما أنه يريد القيام عليهما بعيب في الجنة، فأحضرتهما مجلس نظري، وأنكر عبد الله منهما أن يكون قبض هو وأخوه من باقي الثمن شيئًا، فوعظ في ذلك حتى انصرف إلى الإقرار وتقيد إقراره ذلك عندي، وبما في عقد الابتياع، وثبت عندي واقر أخوه بجميع ذلك ولم ينكر منه شيئًا،

وثبت عندي إقراره، ثم اثبت عندي عبد العزيز أن في شجرة الجنة تعفنًا وخمجصا وتسويسًا قديمًا قد يبس كثير منه لذلك، وأنه عيب قديم كبير يحط من الثمن كثيرًا، وقد يعلمه بعض الناس دون بعض، وقال الشاهدان بذلك: أنهما كشفا لهما عن كثير من عروق شجرها ورأياها متعفنة وحازا الجنة. وثبت عندي حيازتهما لهما بمن وجهتهما لحضورها، واعذرت إلى البائعين في ذلك وأجلتهما فيما ادعياه من جله أجلا شهدا عندي في انصرامه شاهد قبلته أنه سمع المبتاع يقول: إنما أريد من البائعين المذكورين أن يشهدا لي بقبض بقية الثمن لا أني أطلبهما بعفن شجر الجنة أو خمجه، وشهد لهما شاهدان قبلت أحدهما أنهما سمعاه يقول: لو أشهد لي البائعان بقبضها لبقية الثمن لم اطلبهما بخمج شجر الجنة التي ابتعتها منهما، وقالا: إنهما كانا مع الشاهد الأول في مجلس واحد إذ قال المبتاع ذلك، ولم يسمعا منه إلا ما شهدا به، وشهدا شاهد رابع قبلته بمثل شهادتهما فيما سمعا من المبتاع، وأعذرت في ذلك إلى المبتاع، فلم يكن عنده مدفع إلا ما توجبه السنة. فأفتى ابن عتاب: إنكار المنكر لما أنكر ثم رجوعه إلى الإقرار، عذر للمبتاع فيما شهد عليه أنه مسقط للقيام بالعيوب التي ثبتت في الجنة بعد أن يحلف بالله عز وجل أنه ما قال ما شهد به عليه إلا من أجل الإنكار، فإن حلف كان له القيام وصرف الجنة بالعيوب الثابتة إن شاء الله عز وجل. وأفتى بان القطان: الذي شهد به للبائعين ألا يبطل قيام عبد العزيز بن محمد فيما تقدم به من أمر العيوب التي أثبتها لوجوه يطول اجتلابها في ترك أعمالها، وإنما القصد معرفة الجواب، حملك الله على الرشاد بمنه. وقال ابن مالك: أمثل ما رأيت في هذا: الوقوف عن الجواب، والله عز وجل برحمته يحملك على الرشد ويقضي لنا ولك بالحسنة بعزته والسلام. القيام بعيب في دار عبد إحداث بناء فيها: ابتاع موفق مولى ابن حزام دارًا بقرطبة وبلط مجلسها بالرخام، وبني فيها غرفة

وركب أبوابا في بعضها وطر بعضها، ثم أصاب فيها عيبًا قام فيه على بائعها منه عند القاضي محمد بن أحمد بن بقي، وأثبت عنده العيب والبناء الموصوف وحيز، وأعذر إلى البائع في العيب وما ثبت، وقال: إنه لا مدفع عنده في ذلك إلا ما توجبه السنة، وكان بائعها من قد ابتاعها من آخر فأعذر إليه، فقال: إن القائم موفقًا إنما بني ما بني في الدار من أنقاض كانت فيها، وأنه هدم منها ما بني بعد معرفته بالعيب وشاور القاضي في ذلك. فأفتى ابن عتاب: إن رفع البائع الأول قبل إكمال الحكم بين الآخر وموفق خطأ من الصل، وإنما كان الواجب أن يحكم بالرد على بائعها من موفق، ثم يقوم هو إن شاء على باشعها منه. قال: وليس بناء موفق فيها ما ذكر مفتيًا لها، وله ردها بالعيب الثابت، ويقال له: أقلع رخامك وخذ أبوابك ونقضك وما فيه منقعة لك، وليس ما أحدثه فيها من ذلك يوجب اشتراكًا له إذا رد، ولا له إمساكها من أجله والرجوع بقيمة العيب. وأفتى ابن القطان: أن اليمين تلزم موفقًا أنه ما علم بالعيب قبل بنائه لادعاء البائع الأول عليه ذلك، فإذا حلف كان مخيرًا في حبس الدار وأخذ قيمة العيب من بائعها منه ويردها ويكون شريكًا بما زاده البنيان. قال: وإن نكل موفق عن اليمين، أعدت السؤال عن ذلك، ولم يكن في خطابك فيلزم الجواب عنه، وأخبرني بعض أصحابي أنه قال: إن نكل موفق؛ لم يكن له رجوع على البائع منه بشيء. وأفتى ابن مالك: أنه اليمين على موفق في دعوى البائع الأول؛ إذ قد قال بائعها منه إذ قد أعذر إليه: أنه لا مدفع عنده فيما أعذر فيه إليه إلا ما توجبه السنة، قال: ولموفق حبس الدار إن شاء والرجوع بقيمة العيب من ثمنها، وإن شاء ردها وأخذ ثمنها وكان شريكًا فيها بما زاد البنيان في قيمتها، إن كان نقصها ذلك واختار ردها بالعيب؛ فعليه قيمة ما نقصها من ذلك يقتطعه البائع من ثمنها ويدفع إليه باقيه. وأصل هذا من ابتاع ثوبًا فصبغه ثم اطلع على عيب فيه. فتأمل في كتاب العيوب من المدونة وغيرها. قال: وإنما لم تلحق موفقًا اليمين لأن خصمه قد برأه منها، كما لو قال: نعم، بني ما ادعى بنيانه، وقال الأول: لم يبين فيها شيئًا.

وتكلمت مع ابن عتاب في جوابه أن ذلك البنيان غير مفيت لها، فاحتج بالتي في كتاب الشفعة فيمن ابتاعا دراً ابتياعًا فسادًا لم يفتها حوالة سوق ولا تغير بناء. قال بن القاسم: وإنما اعرف الفوت فيها الهدم أو يكون المشتري قد بني فيها بنيان البيوت والقصور فهذا فوت أيضًا؛ فلم ير البناء اليسير فوتًا حتى يكون قصورًا أو بيوتًا. ولما ذكره ابن القاسم هنا نظائر في الواضحة والعتبية فتأملها هناك. مقدار العيوب التي ترد بها الدور وغيرها: اعلم أن عيوبها تنقسم ثلاث أقسام: قسم لا ترد به الدار، ولا يرجع المبتاع من أجله بشيء ليسارته. والثاني: عيب لا ترد به الدار، لكنه يرجع على البائع بقيمة العيب، كصدع الحائط ونحوه. والثالث: ما ترد به الدار، كالعيب الكبير وما يخشى منه سقوطها أو سقوط الحائط من الصداع الذي فيه وسألت أبا عبد الله بن عتاب عما يحط ربع قيمتها؛ هل هو عيب يسير أو كثير. فقال لي: بل هو كثير ترد به. قلت: له: فإن كان ماء بئرها زعافًا، أو مرًا؛ هل ترد بذلك. فقال لي: هو عيب ترد به الدار إذا لم يكن مستجازًا لمرارته غير مشروب ولا شريب. قلت له: فإن كان طي البئر قد تهيأ للانكفاء لتعفن المائدة التي يقوم الطي عليها، ولا يوجد إلى إصلاحه سبيل إلا بنقض الطي كله؟ فقال: هو عيب ترد به إذ لا يقوم إلا بمؤنة ونفقة وفي طول مدة، مع أنه لا يؤمن انكفاء جوانبها عند نقض طيها، وربما تضعضع بعض بنيان الدار لذلك إن كان الدار صغيرة، أو كانت البئر من بعض جدرانها قريبة، وللمبتاع أن يحتج بأن هذه مؤنة لا صبر عليها واستئناف مشقة لا تتكلف. قلت له: فإن قدر أهل المعرفة والبصر بذلك؛ لأن النفقة في ذلك تنتهي عشرين مثقالا قرمونية أو نحوها؟ فقال: لا يلتفت هذا ولا يصغي إلى قولهم فيه. وأفتى ابن القطان: إن كانت قيمة عيب الدار المثقالين أو نحوهما؛ فهو عيب يسير لا ترد به ويرجع المبتاع بذلك على البائع، وإن كانت قيمة العيب عشرة مثاقيل فأزيد فله الرد للدار وأخذ

الثمن إن شاء الله. وفي الكتاب الجامع لقول مالك المؤلف للحكم بن عبد الرحمن أمير المؤمنين: روي زياد عن مالك فيمن ابتاع ثوبًا فإذا فيه خرق يسير يخرج في القطع أو نحوه من العيوب لم يرد به، ووضع عنه قدر العيب وكذلك هو في جميع الأشياء. وفي المختصر الكبير: ولا يرد من العيوب إلا من عيب كبير ينقض ثمنه ويخاف عاقبته ولا ينظر في ذلك إلى ما يرده التجار. وفي المدونة: قال ابن القاسم: ما كان عيبًا عند الناس فهو عيب يرد به إذا كان ينقص من الثمن، وقال مالك: قد يكون العيب الخفيف بالعبد أو الجارية؛ كالكي الخفيف؛ لا ينقص من ثمنه فلا يرد به، وإن كان عند النخاسين عيبًا (¬1). ابتاع دارًا فأصاب بها عيوبًا يخفى بعضها ويظهر باقيها: شهد عند أحمد بن محمد بن بقي لرجل في عيوب دار بعضها لا تخفى على مقلب الدار الناظر إليها، وأن بعضها قد يخفى مع التقليب، وأنها كلها قديمة قبل تاريخ الابتياع، وأراد المبتاع الرد وشاور القاضي في ذلك. فأفتى ابن عتاب: ينظر إلى ما يخفى فإن حطت من ثمن الدار ما له بال؛ فللمبتاع صرفها بذلك على بائعها، وإن كان الذي يحطه من ثمن الدار يسيرًا؛ رجع بقيمة ذلك على البائع وأمسك الدار. وأفتى ابن القطان: أن المبتاع يحلف في التي لا تخفى أنه ما رآها إلا عند قيامه بها، ويصرف الدار بذلك على بائعها، واستدل بما ذكره أب حبيب عن مطرف وأصبغ فيمن ابتاع عبدًا أو غيره، وأشهد أنه قد قلبه ورضى، ثم قام بعيب فيه: أنه إن كان مما يخفى عند التقليب؛ حلف أنه لم يره ورده به، وإن كان مما لا يخفى لزمه به. ولو لم يشهد على نفسه بالتقليب والرضى لكان له أن يرد في الوجهين، وبما رواه أبو زيد عن ابن القاسم في النوادر أنه لا يمين على من رد بعيب إلا أن يكون ظاهرًا لا ¬

_ (¬1) انظر المدونة ج 10، ص 330.

يشك فيه كالعمى وقطع اليد والرجل. قال القاضي: جواب ابن عتاب أصح في يالنظر من هذا، وما احتج به ابن القطان هو الحجة لابن عتاب فتدبره. ابتاع حانوتًا فأصاب فيه حفرة مرحاض دار البائع ومنع البائع في تنقيتها: نزلت هذه المسألة بقرطبة سنة سبعين وثلاث مائة؛ باع رجل حانوتًا من رجل، وللبائع دار تلصق هذا الحانوت، وفي الحانوت حفرة مرحاض، ولم يعلم المبتاع بها حين التبايع، فأراد البائع تنقيتها فمنعه المبتاع، وقال: بيعك لحانون بجميع حقوقه ومنافعه يقطع حقك من الحفرة. فأفتى أبو عمر أحمد بن عبد الملك الإشبيلي المعروف بابن المكوي أن المبتاع بالخيار في التزام الحانون بعيبه أو تركه، وقاسها على المسألة التي في كتاب الكفالة في عبد: يكون لسيده عليه دين فيبيعه السيد على أن يتبعه بالدين، فيريد المشتري إسقاطه عنه؟ فقال مالك: الدين له لازم، وللمشتري رد العبد بذلك إن لم يرد أن يتمسك به وأخذ الثمن. وأفتى القاضي ابن زرب وجميع الفقهاء: أن يبيعه للحانوت قاطع حقه في الحفرة، وقاسها القاضي بمسألة أصبغ في جامع البيوت فيمن باع عرصته السفلى وكان يجري عليها ماء عرصته العليا، فلم يبين ذلك فمنعه المشتري؟ فقال أصبغ: ذلك له، ويصرف عنه، ولا يلزمه إلا أن يكون من الأمور الظاهرة التي تعرف ويعرفها المشتري ألا معدل لها وأن الماء منصب إليها لابد له منها، ولا مصرف له على الوجوه كلها بأبابها، وفأراه إذا كان ذلك كذلك كالمشتري عليها وكالشرط وإلا فلا. قال القاضي: جواب القاضي ومن وافقه أصح في النظر، وقيساه على مسالة أصبغ أبين في الاستدلال من التي نظر الإشبيلي جوابه بها من مسألة العبد، والله أعلم. ونقلت مسألة العبد في جوابه على ما ألفيتها فيه، وفيها لفظ لم يقطع في المدونة، ونصها في المدونة: قال مالك في عبده باعه سيده وعلى العبد دين لسيده فأراد سيده أن يتبعه به، فقال المشتري: ليس ذلك لك لأنه دينك وقد بعتنيه فلم تبينه لي: فذلك للبائع،

والدين لازم للعبد. والمشتري مخير في إمساك العبد وعليه الدين، وإن كره رده وأخذ ثمنه. وأدخل فيها في جواب الإشبيلي: فيبيعه السيد على أن يتبعه بالدين ولو كان هذا هكذا؛ لم يكن للمشتري كلام إذا كان شرط عليه، وفي مسالة أصبغ زيادة كلام تركته لطوله. اختلاف الفقهاء في رد الضحية توجد عجفاء: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن موسى الشارقي بطليطلة عن الفقيه الحافظ أبي عبد الله ابن الفخار أنه قال فيمن ابتاع شاه ليضحي بها فألفاها عجفاء لا تنفي: إنه يس له صرفها ولا القيام على بائعها. قال: فإن سمح بائعها بقبضها منه مذبوحة وصرف ثمنها عليه لم يجز؛ لأنه بيع الحيوان باللحم. وحكي لي عن ابن دحون أنه قال: يجوز قبضه إياها منه مذبوحة؛ لأنها شاته (ب - 89) بعينها، وليست بغيرها. والحجة لكل واحد منهما اختلاف قول مالك في سماع أشه وابن نافع فيمن باع ثمر حائطه بمائة وعشرين دينارًا فقضاه المبتاع بخمسة عشرة دينارًا منها رطبًا وتمرًا من حائطه، فما استجدت الثمرة في رؤوس النحل اشتراها البائع منه بسبعين دينارًا مما له عليه ويتبعه بباقي الثمن، فقال له مالك - وهو المبتاع:- اشتريت جزافًا في رؤوس النخل وبعته كذلك تمرًا في رؤوس النخل؟ فقال: نعم. فأطرق فيها طويلاً، ثم قال: لا أرى بذلك بأساً إذا كان التمر الآن قد استجد ويبس، وإلا فلا خير فيه؛ لأنه دين في دين. فهذه القولة حج دحون في جواز أخذ الضحية مذبوحة، ثم قال في المتباع متصلاً بجوابه المذكور: وسأتله عمن باع تمر حائطه رطبًا بعشرين ومائة، فيبس في رؤوس النخل ثم يشتريه منه بسبعين دينارًا مما له عليه؟ فقال: أنا أكرهه؛ لأنه باعه رطبًا وأخذ تمرًا، والرطبة بالتمر لا يصلح. قلت له: إنه لم يأخذ تمرًا ن غر حائطه الذي باعه؛ إنما أخذ من حائطه بعينه تمرًا؟ فسكت وكأنه كرهه، ثم أعادها بالمعنى، وقال: لا خير فيه. واختار ابن المواز، وهذه الرواية لقول ابن الفخار في مسألة الضحية. وأخبرني أبو محمد الشارقي أن أبا محمد المعروف بابن العساري الطليطلي كان يرى رد الضحية بالعجف إذا علم بائعها أنه إنما يشتريها ليضحي بها؛ كالمدلس بعيب في ثوب

يطلع عليه المشتري بعد قطعه يرده ولا شيء عليه في القطع. وفي هذه التنظير نظر؛ لأن بائع الضحية قد لا يكون مدلسًا. وسألت ابن عتاب عن ذلك، وقلت: مبتاع الضحية يجدها عجفاء لا تنفي؟ فقال لي: له القيام بعيب هزالها. اعترضته بالتي في العتبية في سماع أشهب وابن نافع عن مالك فيمن ابتاع شاة فوجد جوفها فاسدًا، فظن أنه من ضربة ضربت الشاة، أترى له أن يردها؟ قال مالك والله ما أظن ذلك، قد يشتري ويقال: هات الثمن؟! ما أرى له عليه شيئًا. قيل له: فيحلف؟ قال: إن جاء بوجه حلف. فلم يأت ابن عتاب على ذلك بحجة، واعلمته بما أعلمني به أبو محمد الشارقي عن ابن الفخار وابن دحون أنهما لم يريا له رجوعًا بقيمة عيبه، ولا ردًا؛ لأنه مما يستوي فيه علم البائع والمشتري من العيوب الباطنة؛ كالسوس في الخشب، والعفن في الجوز، والنارنج والمراة في القشاء، فلم يعطني جوابًا. وتكلمت مع ابن مالك فيها، فقال: له الرجوع؛ لأنه إنما اشترى منه ضحية. قال: وهكذا هي في كتاب ابن شعبان فالتفتها فيه فلم أجدا. وقال لي ابن القطان: يخالف ذلك ويقول لا رجوع له بشيء، واحتج بالتي تقدم ذكرى لها في سماع أشهب وابن نافع، واحتج ابن مالك لقوله في الرجوع على البائع بالتي في كتاب التجارة إلى ارض الحرب، فيمن اشترى شاة لبن في أيام اللبن وشأنها الحلاب، ولم يخبره البائع بحلابها، وهو قد علمه. قال: هو كبائع طعامًا جزافًا، وقد علم كيله فكتمه المشتري، فبيعه مردود إلا أن يرضى المبتاع أن يحبس كالشاة التي ترتفع لمكان لبنها، ولا يبلغ لحمها ولا شحمها ذلك الثمن، وإنما يبلغ ذلك الثمن للبنها. وإن كان البائع لا يعرف حلابها إنما اشتراها فباعها؛ فلا شيء عليه، وإن باعها في غير إبان اللبن فلم يرض المشتري حلابها في إبانه؛ فلا رد له، والبقرة للبن، والناقة في هذا كالشاة. وكتب شجرة إلى سحنون فيمن اشترى ثورًا فألفاه لا يحرث؟ قال: إن شرط حراثًا فله الرد.

ومنن هذا الأصل من اشترى سمنًا فألفاه سمن بقر، فقال: إنما أردت سمن غنم، قال مالك في سماع أشهب في كتاب العيوب: له رده ويعارضها مسألة المصلي التي في سماعه في جامع البيوع، وفي الواضحة من ابتاع عبدًا فألفاه روميًا فكرهه ليس له رده. وقال فضل: هي خلاف مسألة السمن في أول سماع أصبغ في كتاب الضحايا: من أصاب بالضحية عيبًا بع ذبحها أخذ قيمتها وأبدلها إن كانت العيب مما لا يجوز في الضحايا، ويضع بالقيمة ما شاء وإن فاتت أيام الذبح فله الأرش، وهو كمن لم يضح وإن كان عيبًا تجزي به الضحية، تصدق بقيمة العيب؛ لأنه قد أوجبها وسماها ضحية. وفي سماع سحنون في الظهار في عيب هدي التطوع: إنه كعيب العبد المعتق توعًا يصنع به ما شاء. ورواه أشهب عن مالك في الموازية، وهو خلاف ما آخر ثاني الحج من المدونة في عيب هدي التطوع إذ لا يتطوع بهدي معيب، وفي الجهاد في رسم نذر سنة من حمل على فرس في سبيل الله ثم وجد به عيبًا رجع بقميته إن كان قد خرج ومضى به، وإلا فله الرد. وفي سماع أصبغ: إن أبدل فرسًا حبيسًا بفرس حبيس فوجد بأحدهما عيبًا. فتأمله. وقال ابن أبي زمنين في الحادي عشر من المغرب: سئل بعض مشايخنا عمن اشترى شاة فذبحها فوجد بلحمها جدريًا؟ قال: رأى هذا بعض من سمعنا من أهل العلم كالعيوب التي يفهمها الجزارون. وبعض الناس قبل الذبح، وجعلوه قديمًا يرجع فيه بقية العيب بعد الذبح، ويرد به قبل الذبح بخلاف ما هو أصلي مما لا يعلمه أحد إلا بعد الكسر. وقولنا وقول أصحابنا فيه: إنه كالخشبة ويجد فيها العيب بعد قطعها لا قيام له فيه، وهذا الأصل في عاشر بيوع الواضحة، وفي عيوب المدونة، وفي سماع ابن خالد والموازية. ابتاع دارًا فيها بئر ينصب فيه ماء حفرة بقرب الدار: قام المبتاع عند بعض قضاة قرطبة بعقد استرعاء تضمن معرفة شهوده للدار المحدودة بكذا وهو بحومة مسجد كذا، وأنهم يعرفون الحفرة التي في الرحبة المجاورة لها عند نزول الغيث واجتماع الماء في الحفرة يجري الماء منها في بئر هذه الدار، ويشهدون أن ذلك عيب يحط من ثمنها كثيرًا وأثبت عنده هذا العقد وشاور فيه.

فجاوب ابن عتاب: قرأت خطابك ووقفت على عقد الاسترعاء، وهو ضعيف معتل لا يوجب نظرًا؛ لأنه ذلك فيه أنهم يعرفون الدار المحدودة ويعرفونها عند نزول الغيث واجتماع الماء في الحفرة يجري في بئر هذه الدار، وقد تكون هذه المعرفة قديمة ثم أزيل هذا العيب قبل اشتراء المبتاع لها، وزال العيب عنها، وارتفع عنها. وإنما تصح الشهادة بأنهم دخلوا الدار بعد البيع لها وعاينوا ذلك وتكرر عليه المرة بعد المرة وأن الماء الذي يجري فيها لا ينشكون أنه ماء الحفرة لتغيره ورائحته فيعود إليه ممن قبلته من يشهد به وبتاريخ دخولهم للنظر إليه؛ فإذا صحت الشهادة، وتيقن العيب صح الجواب عند ذلك، بتوفيق الله وتسديده. وثيقة في عيب بئر: يشهد من يتسمى في هذا الكتاب من الشهداء أنهم يعرفون فلانًا بعينه واسمه، وأنه أوقفهم في شهر كذا من سنة كذا إلى الدار التي بحومة مسجد كذا، وحدها كذا، ليروها تشكاه في بئر هذه الدار التي ابتاعها فيما ذلك لهم في شهر كذا. فنزلوا البئر المذكورة وقلبوا بنيانها وتعرفوا موضع الوهي منها، فوجدوا المائدة والتابوت اللذين قام عليهما طي البئر المذكورة قد أشرع فيهما التعفن، ووهيت بذلك البر المذكورة، وتداعى طيها للسقوط، ويعرفون بدليل العيان أن هذا أقدم بالبشرة من تاريخ الابتياع الذي ذلك لهم. ويعرفون أن هذا العيب يحط من ثمن هذه الدار؛ إذ لا يمكن إصلاح ذلك إلا بنقض جميع بناء البئر المذكورة وإعادته، شهد بذلك ممن عرفه على حسب نصه، ويحوز موضع العيب المذكورة وأوقع على ذلك شهادته في هذا لكتاب في الشهر المؤرخ فيه. قال القاضي: هذه الوثيقة من وضع أبي مروان بن مالك، ولحسن عقدها أثبتها في هذا الموضع، وهي أيضًا من الباب الذي نحن فيه، وقد تقدم بعضه قبل هذا، والحمد لله. من استأجر طبيبًا ليكويه ثم بدا له، وهل يجوز الكي: سئل ابن عتاب عن رجل شكى إلى طبيب ألمًا بركبته، فقال له الطبيب: أكويك في الركبة وتفيق إن شاء الله، فاتفق معه على أجرة ودفعها إلى الطبيب، وانصرف عنه ليرجع إليه الشاكي ويكويه.

ثم بدا له وسأل الطبيب الأجرة ليردها إليه فأبى من ذلك الطبيب، واحتج الشاكي بأنه الكي لا يجوز. فأجاب: الكي جائز غير ممنوع منه، وقد كوى النبي (صلى الله عليه وسلم) ابن زرارة، واكتوى ابن عمر من اللغوة، ولا يصح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) النهي عنه، وإنما جاء عنه، وقد ذلك العدد الذين يدخلون الجنة من أمته بغير حساب، فقيل له: من هم يا رسول الله؟ قال "هم الذي لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون (¬1) "وليس هذا بنهي، إنما أخبر أنهم أخذوا أنفسهم بأشد الأمور. إلا أن الكي الذي سألت عنه لم تذكر عدده، ولا آلته التي بها يكوى، وقد يكوى بحديد مصنوع، وبمنجل الحصاد، وبعود، فإن كان وصفا الكي وعدده وآلته فالأرة لازمة له، وإن كانا أهملا ذلك ولم يصفاه وهو مختلف الهيئة والصفة فذلك غير جائز، ولا يلزم فيه الأجرة، وبالله التوفيق. اختلاف الطبيب والمداوي في الأجرة: من أحكام ابن زياد كشفنا القاضي (رضي الله عنه) في امرأتين اختفتا في مداوات صبيتين لإحديهما، فقال صاحبة الصبيتين: عاملتك باثنى عشر درهما، وقالت الطبيبة: بأربعة دنانير ولم تبرأ الصبيتان بعد. فالذي عندنا في ذلك: أن تحلف الطبيبة بالله في مقطع الحق، لما جعت عمل يدها إلا بأربعة دنانير، ثم تحلف المرأة الثانية: ما عامتها إلا باثنى عشر درهمًا، ثم تفسخ الإجارة فيما بينهما، ولا شيء للطبيبة فيما عملت؛ لأن الطبيب عندنا لا يجب له شيء إلا بعد البرء إذا كانت المعاملة على البرء. فإن كان الطبيبة أخذت شيئًا؛ ردته، وأيتهما نكلت عن اليمين فالقول قول الحالفة منهما، وإن نكلتا جميعًا انفسخ ما بينهما، وكذلك إن حلفتا جميعًا. قال القاضي: في هذا الجواب عندي نظر فتدبره. مسألة في قبالة حصة من أرحاء الحناء بقرطبة: عقد الفقيه ابن دحون وثيقة قبالة في حصة من أرحاء الحناء على نهر قرطبة، فقال: ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البخاري ج 5، ص 2157 برقم 5378، ومسلم ج 1، ص 198 برقم 218.

تقبل فلان بن فلان من سليمان بن أحمد بن عبد الرحمن الناصر المقبل على نفسه وعلى بنيه الأصاغر في حجرة وولايته؛ فلان وفلانة، جميع حصته وحصتهم من الرحى المنسوبة إلى ملك لعامين: أولهما كذا بكذا وكذا، على أن تطوع المتقبل أحمد بأن يحضر من هذه العدة كذا. وذكر في آخر العقد: وعلم المتقبل أحمد أن هذه الرحى تتعذر في مدة الشتاء، وتمتنع من الطحن وإنما طحنها باستقامة زمن الصيف ومدته فرضى أحمد بذلك والتزمه، فقام المتقبل أحمد عند صاحب السوق أبي علي ابن ذكوان يذهب إلى استغلال أشهر الشتاء لما وقع في هذا الفضل، فشاور في ذلك واختلف الفقهاء فيها. فأفتى القرشي: إن الرحى غير مأمونة، وإن القبالة لا تجوز. وأفتى ابن جريح: إن القالة جائزة، وإن الرحى مأمونة، وللمتقبل استغلال أشهر الشتاء والصيف. وجاوب ابن عتاب: سيدي، ووليي، ومن أدام الله نفعه، قرأت ما خاطبتنا به وفهمته، وتأملت ما وقع في عقد القبالة من أن انعقادها كان على أن تطوع المتقبل أحمد بإحضار العدة المذكورة في العقد المذكورة، فخرج ذلك بهذا اللفظ الواقع في العقد عن حد الطوع إلى حد الشرط المصرح، وصار ذلك شرطًا في نفس العقد. واشتراط تعجيل النقد في قبالة الإرجاء لا يجوز إلا فيما كان منها مأمونًا، وأما غير المأمون، وما يخاف نضوب الماء من أنهارها؛ فلا يجوز لما يدخله من الغرر والكراء والسلف. والذي أقوله: إنه إن أثبت القائم عند أن هذه الأرحى غير مأمونة؛ وجب فسخ الكراء فيما بقي من المدة؛ لاشتراط تعجيل النقد فيما هو غير مأمون، وما لم يثبت ذلك عندك؛ فالكراء جائز، وللمتقبل أحمد استغلال أشهر الشتاء والصيف إلى انقضاء مدة القبالة إن شاء الله. قال القاضي: هذه أجوبة مختلفة، ولها تفسير، والله الموفق للصواب برحمته. مسألة التنازع في ثمن الطعام: في آخر عاشر بيوع الواضحة ما اشترى من الحنطة والزيت واللحم وشبهه مما يبتاع

في السوق من معاش الناس وحوائجهم، واختلف متبايعاه في قبض الثمن؛ فالقول قول البائع ما لم يفترقا مع يمينه. فإن تفرقا وفاز المبتاع بما ابتاع من ذلك؛ فالقول قوله مع يمينه، ولا قول للبائع، وإن جاء يطلب الثمن من يومه، وكذلك الصرف. ولمالك في سماع أشهب وابن نافع في جامع البيوع مثل ذلك أن القول قول البائع مع يمينه أنه لم يقبض الثمن، وإن قبض المبتاع الطعام، ما لم يفارقه. ولابن القاسم في كتاب ابن المواز: القول قول المبتاع إذا كان قد قبض ما ابتاع، وإن لم يفارق البائع. قال أصبغ في كتاب المجالس: وهذا في يسير الطعام، مما وجهه المناقدة، وأما الحمل الكبير وما تعظم فيه الصفقة فليس من ذلك، وهذا لا يبرأ منه المشتري إن ادعى ثمنه وهو كالعروض والأرض والدواب والبزوز - قال: وما دق من بياعات الناس في الأسواق؛ كالسوط، والمهامز، والشراك، والنعال، والخف، وسبيله المناقدة؛ فهو كالأطعمة المصارفة. وقال يحيى بن يحيى عن ابن القاسم: القول قول المشتري في الطعام وإن كثر إذا كان قد بان به. وأباه يحيى بن يحيى وقال: إنما هذا فيما قل. قال ابن حبيب: والقول قول البائع في الرقيق والدواب والدور الرباع والعقار وشبهها، وإن تفرقا ما لم يطل السنة والسنتين ونحوه، فيكون القول قول المبتاع لأنه قد دفع، لأن هذه الأشياء ليس لها أصل في التبايع على الدين والتقاضي، ولو كان ذلك بزًا وتجارات مما يتبايع على التقاضي وإلى الآجال فيصدق البائع أنه لم يتقاض مع يمنه إذا لم يطل سكوته جدًا العشري سنين أو أقل منها، وما لا يجري بين الناس التبايع إلى مثله من الآجال فيصدق المبتاع مع يمينه أنه قد قضاه. وهذا أوضح لي مطرف وابن الماجشون وأخبراني أنه قول مالك لهما، وغير مالك من علماء المدينة لا يعلمان غيره. قال: ولم يكن ابن القاسم يميزه هذا التمييز؛ كان يجعل ما عدا الحنطة والزيت، في الدور والعقار بمنزلة البت والتجارات؛ القول فيه أبدًا قول البائع، ولو بعد عشرين سنة حتى يجوز الوقت الذي لا يجوز التبايع إليه، وهو قول شاذ غير مضبوط ولا متبوع. والأول أحب إلي.

وفي ثاني سلم المدونة: قلت: أرأيت ما اشتريت وانقلبت به من جميع السلع والطعام وغيره من دار أو حيوان فبنت به وزعمت أني قد دفعت الثمن، وقال البائع: لم تدفع إلي الثمن؟ قال مالك: أرى ما كان يبتاع على الانتقاد شبه الصرف كالحنطة والزيت واللحم والخضر، وكلها، وما يشبه هذه الأشياء فهو كالصرف يصدق فيه المشتري ويحلف. وما كان مثل الدور والأرضين والبز والرقيق والعروض؛ فالقول في الثمن قول البائع، ويحلف إن قبضه المبتاع، ولا يخرجه من الثمن قبضه وبينونته به إلا بينة له تقوم له على دفعه، وإلا حلف البائع وأخذ. قال القاضي: كتبت هذه المسألة لنازلة نزلت من معناها وذلك أن إنسانًا طلب بثمن ثلاثة أرباع دقيق باعها منه منذ ثلاثة أعوام متقدمة لتاريخ طلبه، فقال المشتري: قد دفعته إليك عند شرائي الدقيق منك. وأنكره البائع. فكتب السؤال على هذا النص إلى أبي مروان ابن مالك؛ إذ كانا قد نقلا عنه أنه أفتاهما أن القول قول البائع، فجاوبني على السؤال ذلك السائلان الآن عن هذه السمألة أن المبتاع كان غائبًا في هذا الأمد؛ فأجبناهما أن القول قول البائع مع يمينه، وهو الحق إن شاء الله لائحًا في أمهات الفقه لمن تدبر واعتبر، وبالله التوفيق. هذا نص جوابه، ولا أعلم له وجهًا، ولا أراه صوابًا، ولا يزيد الغائب المبتاع مغيبه إلا قوة في تصديقه في دفع الثمن، والله أعلم بالصواب. تم كتاب البيوع بحمد الله وعنه وصلى الله على سيدنا محمد.

كتاب الأقضية

كتاب الأقضية مسألة في كراء أرض محبسة لخمسين عامًا على أن يغرسها المكتري فغرسها، ثم قام السنة المكريات لها على غراسها بعد سبعة أعوام أو نحوها من أمد الكراء، وطلبن الكراء، وكان الحبس لم يثبت إلا بإقراراهن به، وامتنع المكتري الغارس من ذلك، وهو أخو أحد فقهاء بطليوس أبي شاكر ابن المعذل، وبها كانت النازلة. قال القاضي: فكتب إلي بها أبو شاكر وقاضيها أبو الحسن عامر بن خالص بعد تقدم جوابي على بعض فصولها، فجاوبت أبا شاكر عن ذلك، وكان أنكر الجواب بنقض هذا الكراء. سيدي قد علمت أن المعول فيما يفتى به مما جرت الأحكام عليه على قول ابن القاسم رحمه الله لا سيما الواقع منه في المدونة، ثم على ما وقع لغيره فيها، هذا الذي سمعناه قديمًا في مجالس شيوخنا الذين تفقهنا عندهم، وعلة ذي ما جرى به القدر من اعتماد الناس في هذا المغرب في تفقههم ومناظرتهم عليها حتى لا أنست نفوسهم إليها وألفت معانيها واستحكمت عندهم صحة أصولها وفروعها، وما سبق إلى النفس ألفته، فعسير عليها الانفصال منه والصدود عنه، هذا مدرك بالعادة صحيح بالخبرة، ولذلك قل ما ترى المتفقة لمالك المقدم لدرس مذهبه إلا مرتبطًا به لا يريم عنه إلى مذهب غيره، وكذلك الحنفي والشافعي وغيرهما رجوعهم عما تعلقوا به من مذاهبهم وقدموه في دراستهم، وتعمهم قليل لا يكاد يوجد إلا في النادر. وإن كان من أدركنا من شيوخنا الذين كانت الفتيا تدور عليهم بقرطبة - رحمهم الله - ربما امتدوا في الاختيار إلى ما وقع في غيرهما من الواضحة أو سواها، مما يرون من اختلاف أصحاب مالك صحيحًا وأقوى في النظر من غيره، ورمبا فعل ذلك بعضهم ميلاً إلى خلاف من تقدمه من أصحابه، والله يوفق من يشاء. وإذا كان هذا هكذا فالذي في المدونة في كراء الأرضين منها أن عقد الكراء في أرض المطر يجوز لعشر سنين، ولا ينقد فيها إلا لعام واحد بعد إمكانها للحرث. هذا قول ابن القاسم وروايته عن مالك. وقال غيره فيها: لا يجوز أن تكرى إلا لعام واحد قرب الحرث ووقع المطر. قال: وأجازه الرواة ثم لا

يجوز النقد فيها إلا حتى تروي ريا مبلغًا للجميع أو لأكثره مع رجاء لوقوع غيره. وفي كتاب ابن المواز مثل ما تقدم لابن القاسم سواء. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون في النقد فيها كقول ابن القاسم وأن العقد يجوز لعشرين سنة وأزيد. وهذا كله يرد ما جرى في تلك النازلة من العقد لخمسين عامًا وشرط النقد فيهان ويبين فساده، وليس ما حكيناه عن مطرف وابن الماجشون من تجويز العقد فيها لعشرين عامًا أو أكثر دليلاً على جواز الخمسين عامًا؛ إذ لابد لقولهم وأكثر من حد تشهد الأصول بصحته وينتهي إليه ويوقف عليه، وإلا فالقائل بظاهر وأكثر وأن العقد يجوز فهيا المائة عام وأكثر، وهذا لا يقوله أحد. وقد قال في كتاب ابن المواز: تجوز المساقاة لأربعة أعوام وأكثر. وقال في المدونة: أرأيت المساقاة أتجوز لعشرة سنين؟ قال: قال مالك: المساقاة لسنين جائزة، فأما ما يحد إلى عشر سنين أو ثلاثين أو خمسين فلا أدري ما هذا، ولم أسمع من مالك فيه شيئًان وأما ما لم يكثر جدًا فلا أرى به بأسًا. فقد قال ابن القاسم: ما لم يكثر، مع قول مالك في كتاب ابن المواز: وأكثر، فلابد للكثرة من تحديد، ولا يجوز غير هذا في الأصول، كما أن من طلق إلى أجل يبلغه عمره - ثلاثين سنة أو نحوهما - لزمه ذلك وعجل الطلاق عليه، ولو طلق إلى مائة سنة أو ألف سنة لم يلزمه. قال ابن القاسم: في سماع عيسى: لإيقاع ذلك إلى أجل يدركه الموت فيه قبله، وروي عن مالك في أصل السماع أنه لا خير في مساقاة إلى أجل وإن سمي سنين، إنما المساقاة إلى الجداد. وفي كتاب محمد بن يحيى الوقار: لا بأس بكراء الدور السنة والسنتين وما فوق ذلك إلى العشرة والعشرين سنة، ولا يجوز أن يكرى الحبس إلا لسنة واحدة ونحوها. هذا نص ما في كتابه. وظاهره أن العشرين سنة فيها حد لا يتجاوز، وإن كان في كتاب ابن المواز لابن وهب عن مالك: أنه لا بأس بكراء الدار الثلاثين سنة؛ فقد نقل محمد بن حارث في كتاب الشروط له عن يحيى بن أيوب الزهري أنه كان يجوز راءها السنين الشعر والخمس عشرة ما لم يطل جدًا. وهذا نحو ما ذكره الوقار بخلاف رواية ابن وهب عن مالك في كتاب

بن المواز. وليس في هذا كله تجويزه لأربعين عامًا، فكيف إلى خمسين مع شرط النقد في مسألتنا في أرض المطر، وذلك لا يجوز عند أكثرهم والعقد به فاسد عند ابن القاسم ومن وافقه، وكذلك ظاهر هذه النازلة الفساد بدلي ما ذكرنا من المسائل لطول أمده. وأما عند غيره الذي ذكرناه من المدونة فلا يجوز هذا الكراء عنده بوجه، ولو لم يعقد إلا لسنتين فأزيد؛ شرط نقد الكراء أو لم يشترط. ومما يزيد في بيان الفساد فيه لطول الأمد ما وقع في سماع ابن القاسم في كتاب العتق من العتيبة: سئل مالك عن محمد بن سليمان وكان قد أوصى في جواريه أن يحبس سبعين سنة ثم هن أحرار، فقال: أراه غير جائز، وينظر السلطان فيه، فإن رأى أن يعن؛ بعن، وإن رأى أن يعتقن؛ عتقن، وعجل عتقهن ولا يتركهن هكذا. قال ابن القاسم: وهو رأي وقال ابن الماجشون: إن كان الأجل لا تبلغه أعمارهن؛ بعن، وكان بمنزلة من أعتق عبدًا بعد موته. وهذا هو الفقه عندي في هذا، فإذا روعي في العتق طول الأجل هذه المراعاة، وأبطل؛ فهو في المبايعات والأكرية أكثر مراعاة، وفساد العقد به أبين فساد. وهذه المسألة تبطل ما ذكره أبو جعفر بن رزق - سلمه الله - من جواز عقد الكراء إلى سبعين عامًا، ولا سمعته، ولا رأيته، وإنما حكي لي عن المنصور محمد بن أبي عامر أنه اكترى موضعًا حبسًا إلى سبعين عامًا، وهذا لو صح نقله لم يصح أصله، ولا يجوز العمل به لما ذكرناه عن مالك وأصحابه. وقد ذكر ابن العطار في وثائقه أن الذي جرى به العمل في قبلات أرض الأحباس الأربعة أعوام، وهذا الذي شاهدناه نحن بقرطبة، وأما دور الأحباس والحوانيت وشبهها فإنما تكرى عامًا فعاماً، حضرت ذلك عند قضائها بمحضر فقهائنا مرارًا. وقد رأيت مسألة نزلت في يجنة محبسة، سوادها تبع لبياضها قبلت إلى اثنى عشر عامًا، حكم فيها صاحب أحكام قضاء الجماعة بقرطبة أبو بكر يحيى ابن قاضي الجماعة أبي بكر محمد بن بيقي بن زرب، بخصام جرى بين ورثة المقتبل والمقبل في غرس كان غرسه فهيا، وذكر في حكمه أنه شاور في ذلك الفقهاء فاختلفوا في نقض الكراء فيها لطول المدة، قال بعضهم: يفسخ، وقال بعضهم يمضي، وأين هذا مما نحن فيه.؟

وهذا كله واضح بين لائح، لا خفاء فيه، ولا إشكال في صحة معانيه. ويزيد ذلك وضوحًا وبيانًا ما لابن القاسم في سماع أصبغ فيمن باع سلعة بثمن إلى عشرين سنة أو ثلاثين. قال: أما الثلاثين فلا أدري، ولكن عشر وما أشبهه، وكرهه أيضًا إلى العشرين قال: فإن وقع لم أفسخه، ولو كان إلى السبعين فسخته، وكذلك أفسخ النكاح بصداق مؤجل إلى عشرين سنة وأكرهه ابتداء. قال أصبغ: وكذلك إلى الثلاثين فيه وفيه البيع، قال أصبغ: ولا أرى به بأسًا إلى خمسة عشر عامًا وعشرين؛ لأن مالكًا قد سئل عن العبد يؤاجره سيده الخمس عشرة سنة ونحوها فقال: لا بأس به، وهو جائز، والنكاح فيه أبين وآمن. وفي كتاب النكاح من الواضحة قال أصبغ: شهدت ابن القاسم وابن وهب تذاكرا أجل الكالئ، فقال ابن وهب: فيه العشرون وما جاوزها فمفسوخ، قال ابن القاسم: وأنا معك على ذلك ثم رجع ابن القاسم فقال: لا أفسخه إلى العشرين، ولا إلى الثلاثين، ولا إلى الأربعين، وأفسخه فيما فوق ذلك. قال أصبغ: وبه آخذ قال ابن حبيب: إن جاوز ذلك فسخ، وإن كانت الأربعون كثيرًا جدًا. وحكي ابن المواز عن ابن القاسم أنه يفسخ إلى الأربعين فما فوق، وحكي أيضًا أنه يفسخ إلى الخمسين، فقد أجمعوا على فسخ النكاح في الخمسين. وقال أصبغ: النكاح أبين وآمن من البيع والإجارة، وهذه المسائل كلها أوضح في الرخصة في تطويل الأجل من تطويله في عقد الراء، إذ ليس فيه إلا الخروج في العقد عن المعهود، ومثل هذا إذا وقع مردود لقول النبي عليه السلام: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد (¬1) " وكله صريح ببطلان ما ذكر من جواز الكراء إلى السبعين والخمسين والحمد لله رب العالمين. وأما مسألة سحنون التي في نوازله فيمن حبس دارًا له على ولده وولده ولد الأتباع، ولا تورث حبسًا صدقة وهم صغار أو كبار، فأكراها المحبس من رجل خمسين سنة وأكثر، وقبض الكراء ثم مات بعد ذلك بيسير وهو مليء أو عديم، فأراد المحبس عليهم فسخ الكراء. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البخاري ج 2، ص 959 برقم 2550، ومسلم ج 3، ص 1343 برقم 1718.

قال: اما حبسه على الأكابر فغير جائز؛ لأنهم لم يقبضوا حتى أغلق الكراء فيها ومات ولم يقم عليه، وأما الصغار إذا أشهد لهم بالحبس، وأغلقها بالكراء إلى هذا الآمد الذي لا يجوز له؛ فلا يجوز إلى هذا الأمد البعيد، ويفسخ ما فات منه وبعد. ويرجع المكتري بما بقي من نقدهم في مال الأب إن ترك مالا، وإلا فهو دين يطلب به في الآخرة، وإنما يجوز له أن يكري عليهم إلى مقدار بلوغهم. فهي غير بينة في تجويزه الكراء إلى خمسين سنة لأنه لم يقصد فيها إلى الجواب عن هذا المعنى، ولا وقع عنه لا سيما وهو قد قال في جوابه فيها أنه إذا أغلقها فالكراء إلى ألأمد الذي لا يجوز له فسخ ما بعد منه، فالحجة بها ما بيناه وذهبنا إليه أظهر منها في تجويزه لذلك. وفي مساع أشهب وابن نافع من مالك فيمن تصدق بدار على مواليه وأولادهم وأولاد أولادهم، فإذا انقرضوا فمرجعها إلى ولده، فلم تزل كذلك حتى لم يبق منهم إلى رجل واحد فأراها من بعض من له المرجع من ورثة المتصدق إلى عشرين سنة، فأنكر ذلك باقي ورثة المتصدق وقالوا: لا نجيزه، لأنا نخاف أن يموت هذا المولي في هذه المدة فتحتج أنت علينا بحيازتك، فقال إذا مات هذا المولي في المدة انفسخ الكراء، ولقد أكثر هذا في السني فليكتبوا عليه كتابًا بذلك يتوثقون عليه فه، فقد قال مالك في هذه العشرين سنة: لقد أكثر هذا في السنين. ولابن الماجشون في النوادر، وذكره إسماعيل عنه: يجوز كراء ولي الحبس لما يراه يظن السنة والسنتين، وما يجوز مثله للوكيل، وأما بطول فلا يجوز؛ لأنه إنما يليها حيًا نفاذا مات اعرض حكمه. وأما مكري ما مرجع رقبته لآخر بعده، فلا يلزم ما عقد فيه الكراء من مدة يبقى منها بعد موته شيء وإن قل، بخلاف ولي الحبس الذي ذكرنا إنما يلزم ما قل من عقده؛ لأن الذي إلى غيره المرجع ليس له أن يعقد على غيره، وإنما يكري لنفسه، فهو يجوز له أن يكري أربع سنين أو خمس. وقد أكرى مالك منزله عشر سنين وهو صدقة على هذا الحال، واستنكره المغيرة وغيره، فما أبيح له في الوجيبة فيجوز له فيه؛ لأنه إنما يتسلفه لنفسه، وإنما الخطر في كثرة السنين؛ إذ قد نص عمره فرد ما بقي فصار سلفًا، ولا يدخل من الخطر في القرب ما

يدخل في البعد. وقال ابن وهب عن مالك: من أسكن دارًا حياته فله أن يكريها السنة والسنتين وينتقد، ولا يرجع في المدة ولكن يكري قليلا قليلاً. وفي ثاني وصايا المدونة قال ابن القاسم: من أخدم عبدًا حياته فلا يبع خدمته من أجنبي، إلا لمدة قريبة السنة والسنتين والأمر مأمون، ولا يكريه إلى الأجل البعيد. وهو قول مالك. وقال ابن أبي زمنين: يريد إذا انتقد، وكذلك الدار، ولا بأس بتطيول المدة إذا لم ينتقد إلا بما سكن، وهذا كله شاهد لما قلناه، والهدي من الله ولا يوافق له سواه. واختصرت بعض ألفاظ هذه المسألة لقصدنا منها إلى ما استظهرنا به. وأما ما اغترس في الرض المكتراة فرواية ابن القاسم عن مالك في المدونة أنه إذا تمت المدة فلعله المكتري، إلا أن يشاء المكري أخذه بقيمته مقلوعًا فله ذلك، ولا يكون للغارس قلعة حينئذ لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) "لا ضرر ولا ضرار (¬1) ". وكذلك الغارس في أرض منحها ليغرس فيها لمدة سمياها فنقصت أو لغير مدة، وقد مضى ما يرى أنه منحها لمثل ذلك من الأمد، لرب الأرض أخذ الغرس بقيمته مقلوعًا يوم الحكم، وإن لم يشأ ذلك كلف الغارس قلعة، وحجة المكري ليبنيه والإذن أنه إنما يأخذه بقيمته مقلوعًا لأنه يقول: لم آذن لك في الغرس حين أذنت لك وأنا أريد أن أغرم شيئًا، وإنما أذنت لك لترتفق، وقد علم الغارس حين غرس بإذن أو كراء أنه يطلبه يقلع ذلك عند انقضاء المدة، فلم يغرس ولا بني إلا وقد أجمع على القلع لا على الإبقاء. قال ابن القسم: ورددته على مالك غير عام، فقال مثل ذلك. وقال ابن المواز: يأخذه بقيمته مقلوعًا بعد طرح أجر من يقلع ذلك. وهذا خطأ من القول لا معنى له إنما يقوم مقلوعًا فأي أجرة قلع في هذا. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه الحاكم في مستدركه ج2، ص 66 برقم 2345، وقال: صحيح على شرط البخراي ومسلم ولم يخرجاه، والبيهقي في الكبرى ج 6، ص 69 برقم 11166، والدراقطني في سننه ج3، ص 77، والإمام الشافعي في مسنده ج 1، ص 224، وابن ماجه ج 2، ص 784 برقم 2340، والإمام مالك في موطئه ج 2، ص 745 حديث رقم 1429، والطبراني في السوط ج 1،، ص 90 برقم 268، والإمام أحمد في مسنده ج 1، ص 313 برقم 2867.

وذكر ابن حبيب عن المدنيين من أصحاب مالك في هذا وفي كل ما بني أو غرس بشبهة، لا بتعد: أنه إنما يأخذه رب الأرض بقيمته قائمًا، وقد شهدت شيخنا أبا عبد الله بن عتاب رحمه الله يفتي بذلك، وخالفه أبو عمر بن القطان وأفتى بقيمته مقلوعًا على قول ابن القاسم وروايته، وبه العمل. وهو أصح عندي في النظر، غير أنه يتوجه عندي في هذه النازلة أن يكون للغارس قيمة غرسه قائماً. وله تفسير، انظره في الفروق قال: وإن أمضى الراء إلى انقضاء الأمد فله حينئذ أخذه بقيمته مقلوعًا، ومن هذه يستدل على أن لذلك المكتري قيمة ما غرس قائمًا إذا نقض باقي أمر كرائه إن لم يستوف الأمد الذي كان أكرى إليه. وبهذه يستغنى إن شاء الله عن قول سحنون في مبتاع الحبس يبني فيه أو يغرس، وهو معروف لابن القاسم، أن يؤمر يقلع بنيانه وقنضه، وإن كانت الحجة آخرًا لسحنون، ذكرها ابن زيد في النوادر، ومنع سحنون فيها من أن يعطي مستحق الحبس قيمة البنيان للباني. وفي غير النوادر اختلف في تفسير الواجب في ذلك البنيان، فقال سحنون في كتاب الشرح للمسائل لابن عبدوس: يؤمر الباني بقلع بنيانه إذ ليس ثم من يعطيه قيمة. وقال ابن المواز في كتابه: أخبرني أصبغ وغيره عن ابن القاسم، قال: سمعنا مالك يقول فيمن حبس دارًا أو أرضًا على رجل حياته، فبني أو غرس ثم مات المحبس عليه - قال: إن أرضي صاحب الدار ورثة المحبس عليه الباني، وإلا أخذوا نقضهم وغرسهم، إلا أن يعطيهم قيمة ذلك مقلوعًا، فقد أعطاك ذاكر هذا في تأليفه أنه يجوز أن يعطي الباني في الحبس قيمة بنيانه أو غرسه بخلاف قول سحنون. وفي شفعة المختلطة: سئل مالك عن قوم حبست عليهم دارًا فبنوا فيها ثم مات أحدهمن فأراد بعض ورثته أن يبيع نصيبه من ذلك البنيان، فأراد إخوته الأخذ بالشفعة. قال مالك: مال الشفعة إلا في الأرضين والدور، وإن هذا شيء، وأرى لهم فيه الشفعة، ونزلت بالمدينة فاستحسن مالك أن يجعل فيها الشفعة. وقال ابن عبدوس: قال سحنون: هو يقول ما بني في الحبس فليس له أخذه ولا بيعه

وهو حبسن قيل له: لعله أراد حبس عمري، قال: فبيع النقض إذا لا يجوز وينقض، ولا شفعة فيه لأنه بيع فاسد. وهو قول أشهب، وقال: إنه لا يجوز بيعه إلا أن يباع في الضرورة لدين وشبهه، وقال: هو كالشريك يبيع حصته من العبد بعد عتق شريكه، فذلك غير جائز، هكذا في الباب الرابع من شفعة النوادر من قول ابن عبدوس إلى آخره. وفي جنايات المدونة مسألة عتق الشرك نصيبه من عبد وهوموسر: أنه لا يجوز بيع الذي لم يعتق لحظة، لأن مبتاعه لا يدري ما ابتاع أنصف عبد أم قيمته. وفي الحبس من المدونة فيمن حبس داره على ولده وولد ولده، فبني أحدهم في الدار بناء، وأدخل خشية ثم مات ولم يذكر ذلك. قال مالك: لا أرى للورثة فيه شيئًا. قال ابن القاسم: هو عندي سواء كان قليلا أو كثيرًا. قال ابن القاسم: وإن قال خذوه فهو لورثته. وقال ابن القاسم في التفسير الأول من العشرة: هو لورثة الميت قليلا كان أو كثيرًا، ذكره الميت أو لم يذكره. وفي المختصر الكبير عنه مثله، وهو نحو ما في الشفعة. وقال المخزومي في يكتاب الحبس: لا يكون من ذلك محرمًا ولا صدقة إلا اليسير من المبتني وشبهها من الميازيب، وأما البناء الذي له القدر فهو مال من ماله. وقد أوردنا في هذه المسألة من البنيان ما يغني عن تخرص فلان وفلان، والله المستعان، وذكرنا حكم ما يحدث في الحبس من البنيان تعلقه بما كان الفقيه أبو شاكر اعترض به من مسألة مسحنون على الحكم في القرابين الموضوع في الأرض المكراة لخمسين عامًا، وبالله التوفيق. وكان سؤالهم إياي عنها وأنا حينئذ بأشبيلية في سنة ثمان وستين، ونقلت جوابي في هذا الكتاب من المسودة في صدر ذي الحجة في سنة أربع وسبعين بسبتة، والحمد له رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين وسلم تسليمًا. القضاء في مسائل الغائب: من ذلك مملوكة غائب دفعت إلى البائع: غاب محمد بن أحمد الشرقي إلى العدوة عن قرطبة، وتخلف بها مملوكه فقامت بعد مغيبة بمدة عند الوزير صاحب الأحكام أبي بر محمد بن الليث، وذكرت أن سيدها غاب عنها وتركها دون شيء تنفق منه على نفسها، وأنه لم يرسل إليها شيئًا، وسألته النظر لها، فكلفها إثبات

ما يجب إثباته؛ إذ شكت الجوع، ودعن إلى بيعها بمن يموتها وينفق عليها، فأثبتت عنده ملك سيدها إياها ومغيبه عنها وأنه لم يتخلف عندها شيئًا لنقتها، ولا أرسل إليها، وأنها لا مال لها، ولا له مال تعدي فيه بنفقتها. وشاور في ذلك فأفتى ابن عتاب وابن القطان: إذ قد ثبت ما ذكرت، فأمر من يبيعها ويقبض ثمنها للغائب، ويوقفه عنده له أو عنده ثقة غيره، حتى يقدم إن شاء الله، فحكم بذلك، وستأتي مسألة في طلب ويكل الغائب قبض هذا الثمن إياه، وطلب زوجه إياه بحق ذكرته. وارث غائب له شريك في دار موروثه وطلب الورثة قسمة الدار: من أحكام ابن زياد: فهمنا ما ذكره القاضي - وفقه الله - من أن عبد الله بن أصبغ أثبتت عنده موت زوجة عائشة بنت مهنا، وعدةورثتها، وهم: عبد الله زوجها، هذا القائم، وأخواها لأبيها: عبد الملك بن مهنا الغائب الشمرق، وفاطمة الحاضرة، وأثبت للميتة، شركاء في دار مع أخيها الغائب وأختها الحاضرة، وأنها أوصت بثلثها لأختها. وأعذر القاضي في الوصية إلى الحاضرين من ورثة الميتة عائشة بما وجب أن يعذر به، فلم يكن عندهم مدفع. وسأل بعض الورثة قسم الدار التي ثبت حظ الغائب فيها، وثبت عند القاضي أن الذي يصير من الدار لأقلهم نصيبًا منها لا ينتفع به سكنى، بشهادة رجلين عدلين. وسأل عبد الله بن أصبغ القاضي وفقه الله أن يأمر ببيع الدار إذ لا تحتمل القسم، وإذ لابد من بيع نصيب الميتة منها لتنفيذ وصيتها، ولما دعي إليه عبد الله زوج الميتة من بيع نصيبه منها وأن يوكل للغائب من يبيع عليه نصيبه، فأحب القاضي معرفة الواجب في ذلك. فالذي نقول واله الموفق للصواب: إن على القاضي أن يوكل للغائب من يبيع عليه نصيبه من الدار مع من شركه فيها من الحاضرين، ويقبض الوكيل نصيب الغائب له إلى أن يقدم أن شاء الله، وتنفذ وصية المرأة من ثلث مالها، على ما يجب به التنفيذ إن شاء الله. قال بذلك محمد بن لبابة، ومحمد بن وليد. وفي قولهما: إن بيع جميع الدار قد وجب على جميعهم ويضمون إلى ذلك؛ إذ ليس في نصيب أقلهم نصيبًا منفعة لسكنى كما قال الشهود في شهادتهم، وقال بذلك كله

أيوب ابن سليمان، وقالب: ترجأ الحجة للغائب. في وصية أخته مثل قول أبي صالح، وقال أيوب: غنه لا يجب لبعض الورثة أن يسكنها فليخرج من فيها حتى تباع. وقال به محمد بن وليد، وعبيد الله بن يحيى. قال القاضي: في هذه المسألة وجوابها إفال، لم يذكر فيها ثبوتمغيب عبد الملك، إنما ذلك فيها حكاية غيبة الغائب بالمشرق، وكان يجب أن يشهد بمغيبه واتصاله، وأنهم لا يغرفونه رجع من مغيبه إلى حينالشهادة بذلك، ولا بين فيها حظ الميتة كم هومن الدار وإنما قال: وأثبت للميتة شركاء في دار مع أخيها وأختها، ولم يذر نصيبها من نصيبه، ولا ملكها لذلك النصيب، ولا ملك أخيها الباقي في الدار، ولا حيازتها. ولا يجب للقاضي أمر بقيمتها ولا بالبيع على الغائب حتى يثبت ذلك كله، واتصال الملك على ما يجب. ووقع في سؤالها أن الميتة أوصت لأختها بثلثها وهي وارثتها، ولم يذكروا أن الوصية للوارث وهو إجماع إلا أن يجيزها الورثة، وبعضهم هنا غائب، وذكروا أنه أعذروا؛ الإعذار في شيء ناقص لا يفيد شيئًا. وقالوا في جوابهم: وينفذ الوصية وصيها، ولم يذكر من هو، ولا أنه قبل الإيصاء أو امتنع منه، وهذا كله مما كان يلزم عمله واستقصاؤه، وفيه غير هذا. وخصص ابن وليد في جوابه إرجاء الحجة للغائب في وصية أخته، ومن حقه إرجاؤها له في مبلغ نصيبه من الدار، وفي بيعه عليه؛ إذ قد يباع ببخس الثمن وفي الشهادة، فإن الدار تنقسم وإرجاء الحجة للغائب معمول به، ويأتي بيانه بعد هذا إن شاء الله، وقد مر بيان الإعذار في صدر الأول، وبالله التوفيق. فيمن عنده كتب لغائب: فهمنا - وفقك الله - ما قام به ابن أبي الحفاظ عن أخته في كتب، ذلك بأنها عند بن خالد الصابري ولدها المقتول قاسم بن أبي عثمان، لها فيه حق ولكنتها زوجة ابنها قاسم، وسأل عنها أن تأمر ابن خالد بإخراج الكبت لينظر فهيا بالذي يجب في ذلك: إن كانت أخته قامت في ذلك عندك، أو وكلت أخاها على الطلب وثبت توكيلها إياه عندك، أن ترسل إلى ابن خالد ليبعث بالكتب إليك، فتنظر فيها بما يجب إن شاء الله. قال بذلك محمد بن عمر بن لبابة، وابن وليد وسعد بن معاذ، ومحمد بن غالب، وعبيد الله بني يحيى.

قسمة دار الوزير ابن عامر بين ابنيه الحاضر والغائب: أخبرني أبو عبد الله ابن عتاب أن محمد بن أحمد بن بقي شاورهم في قسمة دار ابن عامر المفصلة على دور التي بداخل مدينة قرطبة، وقال: إن ابنه الواحد الحاضر قام عنده وأثبت ملكها إياها وأنها مشتركة بينه وبين أخيه فلان الغائب بأشبيلية بنصفين، وأنها تحتمل القسمة وحيزت وأثبت مغيب أخيه المذكور. قال: فأفتيت أنها فيها بالإعذار إلى الذي بأشبيلية لقرب الموضع، وإمكان ذلك بسلوك الطريق إليها وأمنه. قال: وأفتى ابن القطان بالعهود منه يريد خلافة، قال لي، وقال ابن مالك: الإعذار في هذا وهم لا يحتاج إليه. قال القاضي: وكنت قد ذهبت إلى التكلم فيها مع ابن مالك فتوفي رحمه الله قبل إمكان ذلك، وكانت وفاته سحر يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادي الأول سنة ستين وأربع مائة. وتوفي ابن القطان بقرية فاغة الفنداق المجاورة لقبره، ليلة الاثنين لتسع بقين من ربيع الأخير من سنة ستين المذكورة. وتوفي أبو عبد الله بن عتاب سحر يوم الثلاثاء لعشرة بقين من صفر سنة اثنتين وستين. وتوفي ابن أبي عبد الصمد يوم الجمعة وقت الظهر، لثمان بقين من ربيع الأول من سنة اثنتين وستين وأربع مائة. رحمنا الله وإياهم، وكانوا أربعتهم يشاورون في واحد. غائب طلب بمال وله على حاضر مال: قامت عند ابن الليث ابن حريش مريم على السراج خلف وهو غائب، بعقد تاريخه رمضان سنة ثمان وخمسين وأربع مائة، لها فيه مائتا مثقال وستون مثقالا ذهبًا قرمونية، من ثمن دار كان باعها منها ثم صرفتها عليه بعيوب ثبتت فيها وأثبتت هذا العقد عنده ومغيب

خلف، شهد شاهد بمغيبه إلى ناحية قرمونة وشاهدان بمغيبه حيث لا يعلمان. وقالت: لغريمي خلف علي أحمد بن فلان مائتا وعشرون مثقالا، وأظهرت إليه عقدًا أشهد خلف وأحمد فيه على أنفسهما أن خلفًا كان ابتاع من أحمد دارا كذا وحدها كذا بثمن مبلغه كذا، ثم اطلع فيه على عيب كذا وأثبته، ووجب له الرجوع بالثمن على أحمد وصرف الدار، فصرفها عليه وقبضها أحمد منه، وأنظره خلف بثمنها المذكور إلى أجل كذا، وحل الأجل. وسألت مريم إنصافها من دين غريمها الذي له على أحمد، وحضر أحمد مجلس نظره وأقر بهذا العقد عنده، وأن الثمن باق لخلف عليه، وشاور فيما دعت مريم إليه. فأفتى ابن عتاب: إذ قد ثبت عندك ما ذكرت من المغيب وغيره كما وصفت، فالإقرار الذي حيت لا يكتفي به حتى يثبت عندك العقد الذي أقر به أحمد، فكلف مريم إثباته عندك؛ فإذا ثبت أمرتها بالحلف في مقطع الحق بما يجب عليها أن تحلف به، ويتقاضى يمينها من تقدمه لذلك، فإذا حلفت أمرت احمد بإحضار ما عليه ودفعه إليها، وتقيد ذلك كله من نظرك، وترجأ الحجة للغائب إن لم يمكن الإعذار إليه، والله أسأله التوفيق لجميعنا برحمته. وأفتى ابن القطان: قرأت خطابك ووقفت عليه، فأما ما ذكرت من ثبوت المغيب عندك، فرأيت شاهديه قد شهدا أنهما لا يعلمان مغيبه حيث هو، ومن تمام الشهادة عندي أن يقولا أن الغيبة بعيدة بحيث لا يعلمون؛ لجواز أن تكون غيبة قريبة، فهو كالحاضر، فإذا تمت الشهادة بذلك حلفت القائمة عندك بما يجب الحلف به، وأعديتها على أحمد بما أقر به، وإقراره لازم كاف وحكمت بذلك على الغائب وأرجأت له الحجة إلى قدومه إن شاء الله. وأفتى ابن مالك: شهادة الشهود بالمغيب مختلفة ولم تعرفنا من قبلت منهم، فإن كنت غنما قبلت شهادة عبد العزيز وأحمد فقط، أو كانت الطريق إلى قرمونة ممتنعة بالفتنة، فإنما في هذا عندي ما قد شرح لك في الجواب الأول، أرأيت إن أنكر الغائب ما أقر أحمد به من رد الدار عليه، فكيف يستغني في هذا عن ثبوت العقد الظاهر إليك بين أحمد وخلف وأنت لم

توجه إلينا شيئًا في ثبوت الرد عندك، وغنما نفتي بما جاءنا من عندك لا أزيد. قال القاضي: تكلمت فيها مع ابن عتاب وقلت له: لم لا يستغني بإقرار أحمد لخلف بالدين حتى ثبت، وقد أفتيت في مسألة الشركة إن إقرار ابن صفون للشريك الحاضر بشقق الخز التي أحضرها لازم، ويقضي بالشقق للحاضر الذي هو شريك الغائب. فقال لي: لأن الشركة في هذه قد كانت ثبتت بين الحاضر والغائب اللذين أقر لهما ابن صفوان بالشقق، فكان إقراره بهذا أقوى، ولأن المشهد على نفسه بدين الغائب فيه ضعف حتى يحضر المشهد له، وكأنه أشار إلى التي في سماع يحيى في الشهادات أنه يفعل ذلك لموجب خلطة بينه وبين المقر له، ثم يدعي عليه بأكثر مما أقر له به، فتأملها. ومسألة ابن صفوان ستأتي بعد هذا. قال القاضي: وتكلمت أيضًا مع ابن مالك في جوابه وموافقته لابن عتاب، في أنه لا يكتفي بإقرار أحمد لخلف بالدين حتى يثبت. فقال لي: لابد من ثبوته وإن أحمد قد أقر به؛ لأن منحجة أحمد أن يقول: إنما أقررت بهذا الدين من هذه الدار التي بيدي، وجائز إذا أخذتم الدين مني أن يجحدني الغائب صرفه للدار علي بعيب أو غيره، ويدعي أنها باقية على ملكه، وأني ادعيت فيها أو غصبته إياها، فلابد لكم من الحكم بها فأكون قد بقيت صفر اليدين من الدار والدين، وإذا بقي قبلي الدين الذي أقررت به وجحدني عند قدومه وقضى له بداره؛ لم يكن له علي سبيل في غيرها، وأكون قد أحرت ثمنها لأني إنما أقررت به من سببها. وأصلها في كتاب البضائع في سماع عيسى في سم العشور فيمن قال: ابتعت لك هذه الأمة كما أمرتني، وأنكر الآمر ذلك. قال ابن القاسم: لا يطؤها المأمور وليبعها فإن كان فيها فضل دفعه إليه إلا أن له أن يخرجها إلى السوق ويستقصي في ثمنها، ثم يأخذها لنفسه ويعطيه فضلا إن كان فيها، ثم له أن يطأها. قال: وليس جحده إياها إسلامًا منه لها إليه، فليعطه فضلها، ولو أعتقها وجحده كانت حرة، وإنما جحده ثمنها.

قال لي: وليست كالتي في رسم العتق من هذا السماع في كتاب العتق، إذ قال: بعت هذا العبد منك وأعتقته؛ فأد إلى ثمنه، وحده المدعي عليه، وقال: لم أبتع منك شيئًا. فقال ابن القاسم: العتق ماض ولا شيء على المدعي عليه. والفرق بينهما بين؛ لان هذا لم يقر بشيء وهو بيده فيحتج بإخراجه عنه، إنما ادعى شيئًا يريد أخذه فلا يقبل فيه، والأول إنما أقر بشيء هو بيده عوضًا عن غيره، فلا يخرج عنه حتى يسلم له عوضه. فتدبر ذلك. أقرار ابن صفوان بشقق بيده لشريكين أحدهما غائب بفاس في العدوة: قام عند الوزير صاحب الأحكام محمد بن الليث عبد الله بن خيرة بعقد استرعاء: يشهد من يتسمى في هذا الكتاب من الشهداء أنهم يعرفون محمدًا وعبد الله ابني خيرة بأعيانهما وأسمائهما شريكين متفاوضين في جميع أموالهما وتجارتهما وجميع أمورهما قليلها وكثرها، على هذه الحالة عرفوهما لم يتبدلا بها غيرها في علمهم إلى حين شهادتهم هذه، وتاريخها جمادي الأولى من سنة ثمان وخمسين وأربع مائة. وأثبت عنده هذا العقد على نصه، وأن محمدًا غاب إلى ناحية مدينة فاس التي بالعدوة منذ عام أو نحوه، وحضر مجلس نظر محمد بن الليث مع القائم عبد الله بن محمد بن صوفان وبيده ست شقق مختلفة الألوان مستنعية منكسة الرسوم، وأقر عنده محمد بن أحمد أن عبد الله ذا وأخاه محمدًا الغائب دفعا إليه ذهبًا في استعمال عشر شقق، هذه الست منها، وصدقة عبد الله في ذلك، وثبت عنده إقرارهما ومقالهما، ودعا عبد الله إلى قبض الشقق فوقها الحكم، وشاور في ذلك. فأفتى ابن عتاب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، سيدي، ووليي، ومن وفقه الله وسدده؛ إذ قد ثبت عندك العقد المذكور بالمفاوضة، فشهد بما ثبت عندك منها وتعرف المحضر للشقق بثبوت ذلك عندك، وبتوثق بالإشهاد على دفعها، وإن أحضرها مجلس نظرك ودفعها فيه فهو أتم، وترجئ الحجة للغائب في ذلك، واليمين على عبد الله أن شركتهما لم يحلاها تضعف عندي، ولا أوجبها، والله أعلم بحقيقة الصواب، وإليه أرغب في التوفيق للجميع برحمته، والسلام على سيدي ورحمة الله.

وأفتى ابن القطان: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، سيدي، ووليي، ومن أرشده الله وعصمه؛ تصفحت ما خاطبتنا به، فأما كتاب الاسترعاء بالشركة فإن شهوده قالوا: إنهم يعرفون عبد الله ومحمدًا ابني خيرة، وأنهما شريكان متفاوضان في جميع أموالهما ... إلى آخر العقد، وهذه شهادة ناقصة لا يجب بها قضاء شركة بينهما؛ إذ لم يفسروا معرفتهم بها؛ إن كانت بإشهاد من عبد الله ومحمد أو بإقرار عندهم بذلك، لجواز أن يعرفوا ذلك بسماع يذكر، وهذا غير عامل، فلما جاز أن تكون المعرفة بذلك؛ لم يجز الحكم في هذا بالشركة، إلا بحق لا شك فيه ولا احتمال، ولا سيما إن كان الشهود من غير أهل العلم بهذا، فإن فسر الشهود المذكورون ذلك بالوجه الجائز حكمت بالشركة. وهذه مسألة شاهدت الشورى فيها، وقد نزلت، وقال أبو محمد رحمهما الله بهذا، ونفذ الحكم به. وكان استظهر في ذلك بمثل العقد المذكور. وأما ما ذكرت من حضور محمد بن أحمد بن صفوان، وقوله وإقراره بما ذكرت عنه في المقال المذكور، بمحضر عبد الله بن خيرة، وموافقته له عليه وتصديقه له، فرأيت للقاضي أبي بكر ابن زرب بخطه ورحمه الله، وقال في مسائل ذكره: أنه وقع في الكتاب الثاني من أحكام محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: وإذا كان لرجل على رجل حق فكتب له إلى رجل له عنده مال من دين أو وديعة أن يدفع إليه ماله، فدفع الكتاب إلى الذي عنده المال، فقال: أما الكتاب فإني أعرفه وهو خطة، ولكني لا أدفع إليك شيئًا: فذلك له، ولا يحكم عليه بدفعه، ولا يبرئه دفعه إن دفع إذا جاء صاحب الحق فأنكر الكتاب، وكذلك لو قال: قد أمرني أن ادفع إليك ولكني لا أفعل، فذلك له؛ لأنه لا يبرئه ذلك إن أنكمر الذي له المال أو مات قبل أن يسأل. ورأيت لسحنون غير هذا أنه يقضي عليه بدفع ذلك لإقراره بأمر صاحب المال له. وكل له وجه، فإن قادك الاجتهاد إلى أحد القولين بعد تحصين أمر الشركة؛ فقلد من رأيت. وكتاب ابن زرب رحمه الله إياها يدل على استحسانه لما كبته، وإن أخذت بقول سحنون فأشهد على ذلك من حكمك، والله عز وجل يليهم الجميع إلى الصواب وما فيه الخلاص والنجاة برحمته إن شاء الله عز وجل، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

وأفتى بن مالك: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: سيدي، ووليي، ومن وفقه وسدده وعصمه فيما قلده؛ يحسن أن تسأل اثنين من عدول البينة التي ثبت بها الاسترعاء عندك - عن وجه معرفتهما المفاوضة المذكورة، فإذا فسر لك ذلك أنهما علماء بإعلام المفتاوضين إياهما بذلك؛ أعلمت الشهادة وناب الحاضر منهما عن الغائب، وبدئ الدافع إلى الحاضر من تبعتهما؛ وذلك لأن هذا أمر قريب المأخذ عليك، فهو أتم وأطيب للنفس وأولى بالحسن، والله الموفق لنا ولك برحمته، والسلام على سيدي ورحمة الله وبركاته. قال القاضي: قول ابن مالك في جوابه: "فهو أتم" هو نص ما ذكره ابن العطار في وثائقه؛ لأنه قال في بعض عقودها للأوصياء ممن يعرف الإيصاء المذكور، ثم قال: إن قلت ممن يعرف الإيصاء بإشهاد الموصي إياه عليه فهو أتم، وهذا يدل أن الشهادة عنده تامة، وإن لم يبين الشاهد الوجه الذي علم منه ذلك. وذكر هو وابن أبي زمنين وابن الهندي في مواضع من كتبهم ممن يعرف الإيصاء وممن يعرف التوكيل من غير تبيين. وأخبرني الشيخ أبو عبد الله بن عتاب عن أبي عمر الأشبيلي أنه أفتى في مثل هذا: أن الشهادة تامة معمول بها، قال: ونحوه في أحكام ابن زياد. وفي المدونة: إذا ثبت أنه مفاوضة ولم يشتركم، فكان التعويل على هذا أولى من التعويل على قول أبوي محمد يعني ابن الشقاق وابن دحون الذي حكاه أبو عمر ابن القطان في جوابه مستظهرًا به، ولا فرق بين هذا وبين شهادة الشاهد أنه يعرف هذا الدار وهذه الدابة ملكًا لفلان بن فلان، ولا يبين كيف وصل إلى علم ذلك. وما حكاه عن سحنون فالظاهر عنه خلافه قال ابنه في كتاب كتب إلى شرحبيل - فيمن ثبت عليه دين فلم يوجد له مال، ثم غاب فأقر رجل أنه أودعه جارية أو ناضًا - فكتب إليه سحنون: ما أرى أن يقضي الحكم غرماؤه في المال الذي أقر له هذا به، هكذا في تفليس النوادر، وهو مثل قول محمد بن عبد الحكم، وكذلك قال ابن المواز وابن سحنون في هذا الأصل، ذلك كله عنهم ابن أبي زيد في مواضع من نوادره. وقال في كتاب الوديعة بعد مسألة ابن المواز وابن عبد الحكم: وفيه قول آخر،

وأدخل من قول سحنون كتاب شجرة إلى سحنون يمن أتى الحكم، وقال: إن فلانًا دفع إلي أو بعث إلي دنانير، أنها لورثة فلان، وأن أدفعها بأمر فلان الحاكم كيف يجري أمر الحاكم فيها؟ فكتب إليه: ثبت عندك الورثة، وأقر هذا أن الغائب أمر بدفعها إليهم، كتب له الحاكم أنك ذكرت أن فلانًا أمرك بدفع ذلك إلى ورثة فلان بأمري، وأني أمرتك أن تدفعها إليهم، يريد بعد أن ثبت عندي أنهم ورثة فلان. ووصل بها مسألة ابن عبد الحكم وابن المواز، ولم اكتبها هنا على نصها كراهة التطويل، وما أدري ما الذي عدل به عن ذلك هذا إلى ما رآه في معلقات القاضي أبي بكر بن زرب رحمه الله. وفي التفليس من النوادر أيضًا: قال حبيب: أتاني رجل برجل فقال: إن هذا معه بضاعة لفلان الذي بصقلية، ولي أنا على ذلك دين فأعدني في بضاعته هذه. فقال سحنون: نعم، فأعده إذا جاء بينة على ما ذكره. وهذه رواية محتملة أن تكون كالتي ذلك عنه شرحبيل، ويحتمل أن تكون خلافها. وقول أبي عمر في جوابة: "فإن قادك الاجتهاد إلى أحد القولين بعد تحصين أمر الشركة؛ فقلد من رأيت" إغفال وخطأ في الفقه، وخروج عن عرف اللسان في البيان. فأما الخطأ فإبقاؤه الخلاف في المسألة بعد تحصين أمر الشركة؛ يريد في تبيين الشهود وجه معرفتهم للشركة، كيف كان، وهو إذا حصنها باستعادة عدلين يفسران وجه علمهما بالمفاوضة، وكملت شهادتهما على ما شرطه؛ فالحكم بها واجب، والخلاف عنهما مرتفع. وقد تقدم هذا المعنى في جوابه بينًا من كلامهم، إلا أنه لما أطال الكلام أنسيه وغفل عنه؛ فلم يذكره. وإنما الخلاف إن لم يكن الإقرار الذي بيده المال، ولم تقم بينه بالمفاوضة. وأما الخروج عن عرف اللسان فقوله: إن قادك الاجتهاد إلى احد القولين فقلد من رأيت؛ لأنه يقتضي أمره إياه بالتقليد من رآه تقليده من غر قائلي ذينك القولين. فإن قيل: إنه أراد تقليد من رأيت قوله صوابًا من هذين القولين، فالمعنى متناقض؛ لأنه من قاده اجتهاد إلى اعتقاد شيء، والعمل به لا يسمى مقلدًا، بل يمسى باحثًا مجتهدًا، والتقليد لا

يكون إلا ممن لا اجتهاد له يؤديه إلى علم ما يقلد عالمًا فيه، وكان وجه الكلام وما قادك إليه اجتهادك من هذين القولين فاحكم به وأنفذه، وإن كان الحكم عنده جاهلا مقلدًا فكأن ترتيب الكلام ونظامه: وما تقلدت من هذين القولين فأنفذ القضاء به. وقوله: وكتاب ابن زرب إياها يدل على استحسانه، لما كتب خال عن الفائدة داخل في الحشو الذي لا يخل منه بطائل إذ لا يجهل أحد أن ابن زرب لم يكتبه إلا مستحسنًا له مستزيدًا علمه به. وإن قال إنما أراد باستحسانه لما كتب الأخذ واعتقاد الصواب فيه. قيل له: هذا ظن؛ إذا لم يخبر ابن زرب بذلك من اعتقاده، والظن لا يغني من الحق شيئًا وهو أكذب الحديث، ولا يلزم لحل من كتب خلافًا عن عالم أن يعتقد أنه الحق الذي يجب المصير إليه والعمل به، هذا هو المعروف المشهور في التآليف وأنواع التصاريف. وكلهم أدخل أقوال العلماء المتضادة المختلفة ومذاهبهم المنافية غير المؤتلفة، مستحسين لعلمها والإعلام بها، لا ملتزمين للأخذ بجميعها؛ إذ كان من المحال اعتقاد الحرام والحلال في شيء واحد، لم يغيره حال إلى حال. توقف ميراث غائب من ميت حاضر ثم ثبت موت الغائب قبل الحاضر: غاب علي بن أحمد بن سعيد المعروف بابن الخراز عن قرطبة أعوامًا، وتوفي بعد مغيبة ابن عمه لحا محمد بن علي بن سعيد يوم الاثنين لاثنتين عشر ليلة بقيت من ذي الحجة سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وورثته زوجته وأخته شقيقته وابنا عمه لحا عبد الله بن أحمد ابن سعيد والغائب علي، وثبتت وفاة محمد ووراثته عند القاضي سراج بن عبد الله، ووقف حظ الغائب على عند محمد بن يحيى بن الرفا. وقام عبد الله عند صاحب الأحكام محمد بن الليث فطلب الحظ الموقوف لعلي، وقال: إن عليًا توفي قبل محمد، وأظهر إليه عقدًا تاريخه ذو القعدة سنة ست وخمسين، تضمن معرفة شهوده موت علي بالسماع المستفيض قبل تاريخه بثلاثة أعوام، وأثبته عنده ونصه: يشهد من يتسمى في هذا العقد من الشهداء أنهم يعرفون عليًا بن أحمد بن سعيد بعينه واسمه، وأنه غاب منذ عشرة أعوام عن قرطبة إلى جهة شرق الأندلس، واستوطن فيه، وأنهم سمعوا سماعًا فاشيًا مستفيضًا من أهل العدل وغيرهم منذ ثلاث أعوام متقدمة لهذا التاريخ أنه توفي هناك.

شهد وأقر محمد بين يحيى بما توقف عنده للغائب، وشاور ابن الليث في ذلك وإن كان يلزم ثبوت وراثة لعلي لعذر إلى ورثته. فجاوب ابن عتاب: يجب أن تثبت وراثة علي وتذعر إلى ورثته فيما ثبت عندك، فا، لم يكن عندهم مدفع قضيت لعبد الله بوراثته في محمد بن علي وأعديت على جميع ما توقف بسبب علي، وترجئ الحجة في ذلك لعي المشهود بموته، وتعذر أيضًا إلى كل من بيده شيء من المال الموقف لعلي، ثم تقيد ذلك من نظرك موفقًا للصواب إن شاء الله. وجاوب ابن القطان: إسلام ما وقف بسبب الغائب علي إلى القائم عبد الله واجب بعد الإعذار إلى ورثة علي إن شاء الله قال الذي بعده: وتبرئ الدافع من المتوقف إذا قبض ما كان مستقرًا عنده، وتقيد ذلك من حكمك. وجاوب ابن مالك: سيدي، ووليي، ومن وفقه الله وسدده، وأرشده إلى الصواب فيما قلده، أرى أن تكلف هذا الطالب - عبد الله - أن يثبت عندك علم جميع من ورث عليا، ثم تعذر إلى ورثته في ذلك حضروا أو قربوا، فإن لم يأتك ما يوهن ما قد ثبت عندك قضيت لعبد الله بمطلبه الذي له قام، وأبرأت الذي بيده الوديعة محمد بن يحيى إن شاء الله، والله أرغب في التوفيق لنا أجمعين، حملك الله على الصواب برحمته. أثبت عبد الله أن المحيطين بوراثة علي ابناه فلان الغائب وفلانة المالكة لأمرها، وأعذر إليها، فلم يكن عندها مدفع وقضى له بجميع ما كان توقف. مطاحن ورثتها زوجة وابنان غائبان أحدهما مطلوب ينسج شقق: ثبت عند ابن الليث موت مبارك الصياد، وأن أهل الإحاطة زوجه منجاة وابناه من غيرها مفرج ومحمد، وثبت عنده في عقد آخر أن مفرجًا ومحمد غائبان عن قرطبة منذ ثلاثة أعوام أو نحوها إلى ناحية شرق الأندلس، ولم يؤوبا في علم الشهود، وأقرت عند منجاة: أن المتوفي مبارك تخلف بيدها في دار سكناه معها بحومة باب اليهود في درب ابن عبد الله - أثنى عشر زوج مطاحن يد قائمة في أسرتها، وأنها من حين وفاته منذ عشرة أشهر أجرت وقبضت مكسها، وثبت عنده ذلك من إقرارها.

وقام عنده محمد بن أحمد المستعمل، وأثبت عنده عقدًا تاريخه شعبان سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، فيه أنه دفع إلى مفرج بن مبارك النساج عشرة مثاقيل قديمة طيبة على نسج أربعين شقة خز، كل شقة من ستين بيتًا، سعة كل شقة أربعة أشبار وطولها ست عشرة ذراعًا، عملا تواصفاه لا براءة لمفرج منه إلا بأدائه واتخاذ البراءة لنفسه على أن يشرع فيه، وقال محمد: إن العمل تواصفاه لا براءة لمفرج منه إلا بأدائه واتخاذ البراءة لنفسه على أن يشرع عفيه، وقال محمد: إن العمل باق له على مفرج، وسأله أن يعديه به في حق مفرج من المطاحين، ومن أجرتها التي قبضتها منجاة. وشاور الحكم في وجه الحكم في ذلك، وفيما ادعته منجاة من النفقة في إصلاح المطاحن، وخلال المدة التي استغلتها فيها. فجاوب ابن عتاب: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. سيدي، ووليي، ومن وفقه الله وسدده، وأحسن عونه فيما قلده، قرأت ما خاطبتنا به وما أدرجته طي خطابك، ويجب إحكام الوراثة بأن يعود إليك شاهدان ممن قبلتهما يشهدان عندك أنهما علما وتيقنا حياة مفرد ومحمد ابني بمارك بعد وفاة أبيهما إلى الموضع الذي هما فيه مستقران، فإن شهدا بذلك وكان موضع مغيبهما بحيث يجب الإعذار إليهما؛ أعذر إلى مفرج فيما ثبت عليه من العمل. وإن كان الموضع لا يجب الإعذار في مثله لبعده؛ كلفت القائم عندك إثبات ملك المتوفي للمطاحن، فإذا ثبت ملكه على ما يجب من توصيل الملك إلى حين الشهادة أمرت بجلب القائم عندك بما يجب به الحلف عليه، فإذا حلف أمرت ببيع المطاحن وثبت عندك لسداد في بعها، وتعدي القائم عندك بما يجب لمفرج منها، على واجب الحكم فيمن أثبت عملاً مضمونًا أو عمل رجل بعينه، وتقيد ذلك من نظرك. فإن فضل لمفرج فضل ن الثمن وقفته له على يدي من ترضاه، وترجئ الحجة لمفرج، وكذلك توقف ما وجب لأخيه على يدي من ترضاه، وتشهد عليه. وإن لم تقطع البينة بحياتهما بعد موت أبيهما لم يكن للقائم شيء حتى تحقق الأمر، وحصنت الموت والوراثة بالإشهاد على ذلك، وإن أمكن تأريخ الوفاة باليوم الذي توفي فيه المتوفي أو بالشهر فذلك أتم، وتحصن ذلك بالإشهاد إلى أن يتحقق من أمرهما ما يوجب الحكم.

وكذلك تصنع بالغلة، والمرأة مصدقة فيما تذكره مما استغلته، ولم يعرض شيء من ذلك إلا أن تدعو الزوجة إلى ما يجب لها بالميراث إن شاء الله. قاله محمد بن عتاب. وجاوب ابن القطان: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: سيدي، ووليين ومن عسمه الله وأرشده؛ إذ قد ثبت عندكما ذكرت، فيجب انيثبت عندك إثبات الملك بما يجب للمطاحن، وتوصيل الملك إلى الآن للمطلوب، ثم يحلف بما يجب به الحلف، فإذا تم ذلك قضيت للطالب بحقه الثابت عندك بإدائه في حصة المطلوب وبيع حصته بالواجب قبله، ولا يحتاج إلى أكثر من ذلك على مذهب أهل العلم من أصحاب مالك المروي عنهم، إن شاء الله عز وجل والسلام. قال القاضي: كتبت هذين الجوابين علىنصهما، وف كل واحد منهما اختلال بين ونقصان ظاهر: ففي جواب ابن عتاب قوله: يجب إحكام الوراثة، بأن يعود إليك عدلان فيتشهدان بتيقن حياة ابني مبارك بعد وفاة أبيهما إلى الموضع الذي هما فيه مستقران. وهذا الكلام مختل وصوابه: في الموضع، أي فيشهدان بتيقن حياتهما في ذلك الموضع. وقوله: "فإذا حلف أمرت ببيع المطاحن" وكان الصواب أن يقول: أمرت بقسمتها؛ إذ لا يمتري أن اثني عشر زوجًا منهما منقسمة أثمانًا بالقيمة في الأغلب، فقد يخرج في ثمنها زوج كامل إن ارتفعت قيمته، أو زوجها وإن انخفضت، وتخرج نصيب الغائب ويقع الإعداء، أو كان يقول: أمرت ببيعها أن ثبت عندك أنها لا تنقسم على أقل الأنصباء، وكرر ذلك البيع في آخر الجواب وأكده بقوله، ولم يعرض لبيع شيء من ذلك إلى أن تدعو المرأة إلى ما يجب لها بالميراث. وفي هذا الكلام مع ذلك حذف، وكان الإتيان به أحسن في البيان والمعنى إلا أن تدعو المرأة إلى أخذ ما يجب لها بالميراث فيها، وذكر إرجاء الحجة للغائب فيما يحكم به عليه، أصل معمول به عند الحكام والقضاة لا ينبغي العدول عنه ولا الحكم بغيره؛ إذ هو كالإجماع في المذهب إلا شيئًا ذلك عن سحنون: أنه لا ترجأ له حجة، وهو ضعيف لا يوجد عنه في الأصول، إنما رأيته في حواشي المدونات المسموعة على ابن وضاح أو على روايته، ومنها أدخلها ابن الهندي في وثائقه والله أعلم، وعنه في كتاب ابنه وفي العتبية خلاف ذلك على ما عليه جماعتهم، وجرى به العمل من فتواهم.

ولابن الماجشون في ذلك تنويع في كتاب ابن حبيب، وإرجاء الحجة له مصرح عنه في أصول الواضحة وغيرها، وهو في المدونة في مواضع في ثاني النكاح، وفي الخلع وكتاب الشفعة وغيرها. وقال ابن عتاب في جوابه: والمرأة مصدقة فيما تذكره مما استغلته، ولم يقل بيمين أو بغير يمين، ولابد من يمينها في ذلك، وسكت عن قولها أنها أنفقت في إصلاحها. هل يقبل فيه قولها؟ وجوابه: أنها لا تصدق في ذلك إلا ببينة أو بدليل على قولها من ظهور إصلاح طرأ فيها، ويثبت ذلك الدليل عند الحكم. وفميا ذكره من الشهادة بتيقن حياة الغائبين في تاريخ وفاة أبيهما نظر، وقد سكت عنه المفتي بعده، وقال في مقتضى جوابه: إنه لا يحتاج إليه وقد صرح غيره بخلافه في ذلك، وروى أن الغائب محمول على الحياة حتى تثبت الوفاة في مسألة تأتي بعد هذا في ابن غائب طلبه أبوه بالنفقة، والله أعلم بالصواب. وأما جواب ابن القطان؛ فناقص، منثور الألفاظ، فاسد المساق، ومن ذلك قوله: فيجب أن يثبت القائم عندك إثبات الملك، وهذا خطأ لا معنى له، وإنما أراد - والله أعلم - فيجب أن تكلف القائم عندك إثبات الملك. ثم قال: إثبات الملك بما يجب للمطاحن، ومفهوم هذا أن للمطاحن حقًا يجب، وإنما كان صوابه: إثبات ملك المتوفي للمطاحن. ثم قال: وتوصيل الملك إلى الآن للمطلوب، ويفهم من ظاهر هذا أن المطلوب الغريم مملوك، وكان وجه الكلام: وتوصيل ملك المطلوب لحظة منها إلى الآن. ثم قال: فإذا أتم ذلك، قضيت للطاب بحقه الثابت عندك بإعدائه في حصة المطلوب، وبيع حصته في الواجب قبله؛ فأتى: وبيع حصته، بعد طول الكلام، بحشو قبيح النظام، قليل الفائدة، خال منها، لا يكاد يفهم إلا بفكرة شديدة، وروية بعيدة، وإنما أراد: قضيت للطالب بحقه، وبيع حصة المطلوب فيه، وكان البين أن يقول: أعديت الطالب بحقه في ثمن حصة المطلوب. وقوله: ولا يحتاج إلى أكثر من ذلك، تقصير منه، بل ترك أكثر من الذي ذلك، كان يلزمه أن يقول: إن شهود الملك في المطاحن يشهدون على أعيانها عندك إن كان إحضارها ممكنًان وإلا فيجوزونها ويعينونها لمن توجهه معهم إليها، وهو الأشبه، لأنها كانت

مبينة، فهي كسائر الأصول التي لابد من أ، تحاز. وكان يجب أن يقال: تباع حصة المطلوب مشاعة أو مقسومة، وأن يتلوم في بيعها إياها على ما قاله مالك فيما بيعه القضاة استقصاء للزيادة في ثمن المبيع، وثبوت السداد في ثمنه، وأن يبين الثمن كيف يكون، وما الذي يعدي به الطالب في ثمن الحصة؛ أباعدد الذي دفع إلى المطلوب أم بالعمل؟ وما يلزم الزوجة في ابتياعها المطاحن في المدة المذكورة في الشورى، وعلى أي شيء يحمل العمل المطلوب؛ أعلى المضمون أم على رجل بعينه؟ وهذا كله على مذهب مالك وأصحابه الذي قال هو: إنه لا يحتاج عيه أكثر مما ذلك، ثم قال: على مذهب العلم من أصحاب مالك المروي عنهم، وهذا نظام يغرب تحصيله عن الأفهام، وما صدر عنه هذا الجواب إلا بعد أربعين يومًا أو نحوها، وفقنا الله لما يحب ويرضى. ثم أعيد السؤال بعد ذلك على ابن عتاب فيما يقضي به للطالب على الغائب، فأفتى أن يقضي له بالعدد الذي دفعه إليه، لا بالعمل لأنه من الكالئ المؤجل الذي يؤخر به المستعمل لئلا يخرج من مستأجره إلى غيره، وكان عندهم متعارفًا فأنفذ الحكم. مسألة نعمان في طلب نفقته من مال ابنه الغائب بالقيروان: قام عند محمد بن أحمد بن بقي، وأثبت عنده أنه فقير عديم لا مال له، وأن ابنه فلانا غاب منذ نحو عشرين عامًا إلى العدوة، وأن له خمسة أثمان، الدار التي بحاضرة قرطبة بشر في مدينتها بربض كذا بحومة مسجد كذا وحدها كذا، وأنها مشتركة بينه وبين فلان بن فلان الذي له باقيها، وحيزت وثبتت عنده حيازتها، وأقر عنده الذي له باقيها بالاشتراك مع الغائب فيها، على التجزئة المذكورة وثبت عنده ذلك من قوله وإقراره، ودعا الأب إلى بيع نصيب ابنه منها، والإنفاق منه عليه وعلى زوجه. وشاور ابن بقي في ذلك الفقهاء، وكان ابن القطان وابن مالك قد ماتا. فأفتى بان عتاب: تصفحت ما خاطبتنا به، ولا سبيل إلى بيع هذا الدار بسبب الأب الطالب لنفقة، إذ لا تجب النفقة في شيء من ثمنها، وهذا مما لا اختلاف فيه ين أصحاب مالك، ولا غيرهم، لوجوه أوجبت منع النفقة عليها، لا حاجة بنا إلى شرحها. وكان قد أفتى فها أولا أن عقد الاسترعاء المتضمن معرفة شهوده مغيب المطلوب بالنفقة - ناقص، وقال: يجب أن تستعيد البينة، ويبينوا عدة أعوام مغيبة، وهل هو حي أو

ميت أو منقطع الخبر لا يعلم له مستقر؟ ثم تعاون المشورة في ذلك. فاستعاد ابن بقي البنية، وشهدوا عنده أن الابن غاب غيبة متصلة منذ عشرين عامًا أو نحوها، وأنه بلغهم أنه قد استوطن بالعدوة ونكح بها، وجاوب فيها بما تقدم. وكان غيره قد أفتى فيها قبل استعادة البينة: يجب أن يحلف الأب ما له مال بعلمه، وإنه فقير عديم، وتشاد الداران جميعها للبيع؛ إذ مذهب الشريك الحاضر بيع نصيبه، فإذا انتهت ثمنًا لا مزيد فيه، وثبت عندك أن البيع به سداد؛ وكلت من يبيع على الغائب، ويقبض حصته من الثمن، وينفق منه على الأب وزوجه على قدر حالههما وحال الوقت، سداد من الفعل، وقيدت ذلك كله من نظرك، وأرجأت الحجة فيه للغائب، وقال بعضهم: ويمين الأب في هذا مختلف. قال القاضي: الذي أفتى في هذا باليمين قبلهم هو محمد بن لبابة، ذكره ابن العطار، لاستيراء الحاكم فيه، قال: وكانت الفتيا عندنا بعده بسقوط اليمين عنه؛ إذ لا يحلف والد لولده على ما في المدونة. وقد تقدم هذا. ثم تكلمت مع ابن عتاب في هذا؛ إذ أعدت إليه المسألة بعد تبيين الشهود مدة المغيب، فقال لي: هذه الأجوبة كلها خطأ، ولا نفقة لأب إلا بعد ثبوت حياة الابن وتيقن ذلك؛ إذ قد يكون مدياناً أو ميتًا. قال: ولا حجة فيما في طلاق السنة من إيجابه الإنفاق من مال من فقد عن زوجة وبنيه؛ لأن نفقة هؤلاء قد كانت لزمت المفقود إذ كان حاضرًا؛ فلا ترفع عنه إلا بصحة ما يوجب رفعها، وكذلك لا تلحق الابن الغائب المذكور إلا بعد صحة حياته. قال لنا: ولو باع الحاكم نصيب هذا الابن قبل صحة حياته وتيقنها وأنفق على الأب ثمن ذلك؛ للزمه غرمه؛ لأنه من الخطأ الذي لا يعذر فيه ويرجع به عليه، ولكني أرى إن كان اكترى نصيب الابن في مدة أو سكن، أن يقبض ذلك الكراء ويعطي للأب يرتفق به استحسانًا، وكذلك يكري ذلك النصيب فيما يأتي ويعطاه للأب على سبيل السل، ويحصن ذلك كله بالتسجيل به والإشهاد عليه، ولا يباع حظ الغائب من الدار، وإن دعي شريكه إلى ذلك، ويقسم ويوقف نصيب الغائب إن شاء الله عز وجل.

طلب عمر بن رفاعة الشفعة على ابني أخطل وهما غائبان عن قرطبة: قام عند ابن بقي عمر بن رفاعة فذكر له أنه غاب عن قرطبة مدة طويلة، وأن له حصة في كرمين مبلغها ثلث جميعها على الإشاعة، وأن ابنه أحمد ابتاع باقيها، ثم سلم ثلاثة أرباع مات ابتاع منها إلى أحمد ومحمد ابني عبد الله بن أخطل، وأنه يذهب إلى أخذ ما ابتاعه ابنه، وما صيره إلى أحمد ومحمد بالشفعة الواجبة له، وأثبت ملكه لثلث الكرمين على الإشاعة. وأنه كن غائبا عن قرطبة مدة ثمانية أعوام، وأنه قدم منذ عام أو نحو متقدم لتاريخ قيامه وهو جمادي الأول سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وأظهر إليه عقدًا بابتياع ابنه أحمد لثلثي الكرمين، وأعذر في ذلك كله إلى من وجب بعد الحيازة، وأثبت عنده مغيب أحمد ومحمد ابني عبد الله بن أخطل؛ أحمد منهما بجهة الشرق، ومحمد بشرق الأندلس، ولم يلف لهما وكيلا بقرطبة يعذر إليه، فشاور في ذلك. فجاوب ابن عتاب: تصفحت ما خاطبتنا به، وإذ قد ثبت عندك ما ذكرت وأعذرت فيما قد وجب الإعذار فيه؛ فالقضاء لعمر واجب، واليمين تلحقه: أنه ما ترك القيام في الأخذ بالشفعة؛ فإن كان للغائبين المستشفع منهما وكيل يقبض لهما ما يجب قبضه - أسلم ذلك إليه، وإن لم يكن لهما وكيل؛ وقفت ذلك لهما على يدي ثقة ترضاه، وترجئ الحجة جميع نظرك لهما، ولا تقطعهما، وتقيد ذلك من نظرك، موفقًا للصواب إن شاء الله - عز وجل. وجاوب ابن القطان: قرأت ما خاطبتنا به، ورأيت في خطابك أنه ثبت عندك أن المقضي عليهما أحمد ومحمدًا غائبان الغيبة التي ذكرت، فالذي رواه ابن القاسم عن مالك: أنه لا يحكم على غائب في دار ولا أرض ولا عقار، وقال أصبغ: إلا أن تكون غيبته بعيدة، مثل العدوة من الأندلس، ومكة من أفريقية ومكية، وأشباه ذلك. فأرى أن يحكم عليه إذا كانت غيبة انقطاع، وإن كان إنما خرج غازيًا أو تاجرًا، وهو ينتظر؛ فلا يحكم عليه. وهو معنى ما في المدونة. وقال بعض أصحاب مالك: إنه لا يحكم على غائب في شيء إلا من بعد ضرب الآجال على قدر مسافة البلد الذي هو به، ولا يضرب الأجل حتى تعرف الغيبة ويعرف

أين هو، ويكلف ذلك الخصم الذي يطلبه؛ لأن ذلك من إنجاز ما يطلب. قال: وإن كان أعياه أمره بعد طول الاستثناء وضرب الآجال على أطراف البلدان وأقاصيها، وحيث تكون المطالب التي لها وجه، وليس أن يضرب على الصين ومرور البحار وما هو ناء من الأرض، ومنها ما يطول ويقصر، وكل يوجه الرأي فيه عند حضوره ونزوله. وهذا القائل من أصحاب مالك ممن يرى القضاء على الغائب في الأصول وغيرها بهذا الشرط الذي ذكرت. فهذه أقوال أهل العلم مسطورة مشهورة عنهم في الكتب المعلومة، والله يحمل الكل على الصواب برحمته. قال القاضي: ولما بلغ ابن عتاب خلاف ابن القطان له في ذلك، استصرف الشورى، وزاد في جوابه الذي في الكتب المشهورة المعلومة إيجاب الشفعة، وإن كان الذي يستشفع عليه غائبًا، ولزمني - أيدك الله - البيان عما جاوبت به، ومن أين قلته، والنصيحة في ذلك للجميع من حكم وطالب ومطلوب لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "الدين النصيحة" قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولأئمة المسلمين وعامتهم (¬1) " فلزمني البيان لهذا عما جاوبت به. وهذه المسألة في مختلطة المدونة في مواضع مكشوفة بينه منصوصة، من ذلك ما وقع فيها في باب عهدة الشفيع، وهي مسألة مطولة منع من استجلابها طولها، أوجب في جميعها الشفعة للقائم، وإن كان المستشفع منه غائبًا، وأوجب فيها البيع على الغائب لدار، ثم ختم المسألة فقال: قلت لابن القاسم: فلو أن المشتري غائب، وحضر الشفيع، أيقضى له الشفعة، والمشتري غائب. في قول مالك؟ فقال: نعم: ولا يلتفت إلى مغيب المشتري؛ لأن القضاء على الغائب جائز عند مالك، ويكون الغائب على حجته إذا قدم - وهو المسألة هي التي خوطبنا بعينها، وبها جاوبت. وفي موضع آخر من هذا الكتاب: قلت لابن القاسم: أرأيت إن ادعى أن فلانا وكله على طلب شفعته في هذه الدار، والمشتري غائب، أيجوز ذلك ويمكن منه؟ قال: إذا أقام البينة على الوكالة أمكن من ذلك، ولم يتلفت إلى مغيب المشتري عند مالك. وهذه ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البخاري معلقًا ج 1، ص 30، ومسلم ج 1، ص 74 برقم 55.

المسألة كالتي تقدمت وفي موضع ثالث من هذا الكتاب: قلت لابن القاسم: أرأيت إن اشتريت شقصًا من دار لرجل غائب، أيكون للشفيع أن يأخذه بالشفعة، في قول مالك؟ قال: نعم، له أن يأخذ؛ لأن مالكًا يرى القضاء على الغائب. وهذه المسائل بنصها ولفظها في كتاب المبسوط لإسماعيل القاضي، رواها عن أبي ثابت المدني عن ابن القاسم، وكان أبو ثابت من الفضلاء المتقدمين، والثقات في رواية الحديث والفقه. وفي كتاب ابن المواز: قلت لمحمد بن المواز: فلو أن الشفيع أراد أن يأخذ بشفعته، وأنا غائب ولا وكيل لي حاضر، أكنت ترى ذلك له؟ قال: نعم إن شاء الله، أرى أن يقضي بذلك له. قال: ويوكل السلطان من يقبض الثمن لك. وفي موضع آخر منه: قلت: أفترى للشفيع الشفعة وإن كان المشتري غائبًا؟ قال: نعم، أرى أن يقضي له بها. فهاذ ما في الكتب المشهورة من الروايات المنصوصة، وليس لأحد خلافها والعدول عنها إلى ما ليس من بابها ولا من معناها، ومن فعل ذلك فقد أخطأ، وقصد التشغيب والتلبيس. ومالك رحمه الله وأصحابه يرون القضاء على الغائب في الشفعة، كما ذكرنا ونصصنا، وفي المقاسمة لشركائه في الدور والرباع، ويرون القضاء عليه في الدين والنفقات التي تلزمه وتباع فيها أصوله وعقاره، ولم يختلفوا في ذلك، وإنما الذي قاله ابن القاسم عن مالك أنه لا يقضي على الغائب في الأصول - إنما يريد في استحقاق الأصول خاصة، لا فيما سوى ذلك، وهذا مسطور منصوص في الكتب المشهورة والأمهات المعروفة. من ذلك ما وقع في مختلطة المدونة وهو: قلت لابن القاسم: أرأيت لو أن دارًا في يد رجل غائب ادعى رجل أنه وارث هذه الدار مع الغائب؛ أيقبل القاضي البينة والذي الدار بيده غائب؟ قال: لا أحفظه عن مالك، إلا أني سمعت من يذكر عنه في هذا: أن الدور لا يقضي على أهلها فيها وهم غيب، وهو رأي. قال ابن القاسم: إلا أن تكون غيبة تطول، فينظر السلطان في ذلك، مثل ما يغيب إلى الأندلس وطنجة، فيقم في ذلك الزمان الطويل، فأرى أن ينظر السلطان في ذلك

فقضي به. وقال ابن القاسم: في المدونة: إنه لا يقسم على الغائب إلا القاضي، وفي القسمة عليه قضاء عليه في الدور والعقار. وفيما قدمت بيان لما ذكرت، والعجب كيف حكي المفتي قول أصبغ، وترك قول ابن القاسم في المدونة، والغائبون تختلف أحوال مغيبهم، وتختلف الفتوى بسببها: فمنهم الغائب الذي ذكره ابن القاسم أنه بلغه عن مالك في ترك القضاء عليه، ثم وصفه ابن القسم. ومنهم الغائب يقرب موضعه بحيث يأخذه الإعذار؛ فهذا يعذر إليه القاضي فيما يثبت عليه. ومنهم غائب أبعد مسافة فلا يلزم الإعذار إليه، ويقضي عليه دون إعذار ومحمد بن أخطل مغيبة بالمرية، ومن كان بها أو نحوها فلا يلزم الإعذار إليه، ويقضي دون إعذار عليه. ومنهم غائي يعمى خبره ولا يعرف موضعه؛ فهذا ينظر السلطان فيه ثم يحكم فيه يحكم المفقود. ومنهم الأسير بدار الحرب. ومنهم المفقود في صف المسلمين في قتال العدو. ومنهم الذي يفقد في فتن المسلمين. وكل واحد منهم الحكم عليه جائز على حسب الواجب، ولا يقطع القاضي الحجة لأحد من الغياب ذلك إن قضى عليه، إلا الغائب الذي قد أعذر إليه لقرب موضعه، فهو كالحاضر. ومالك وأصحابه مجمعون على هذا إلا سحنون؛ فإنه قال: إذا كان على حجته فلم يقض عليه، وإنما ينبغي أن يضرب له أج، ويتلوم له الشيء بعد الشيء ولا يكثر على الاجتهاد، فإذا فعل ذلك حكم عليه وقطع الحكم، إذا ثبت ذلك بالبينة العدلة، ثم لا تكون له حجة بعد ذلك. وهذه جملة كافية. فإن سألت عن الفرق بين قول مالك: لا يقضي على الغائب في الأصول، وقوله: يقضي عليه؛ فيما ذكرنا من الدين، والنفقة، ومن الشفعة، والقسمة، وغير ذلك، وبيع أصوله وعروضه فيما ثبت من حق عليه - أتاك ذلك ببيان شاف من كتاب الله عز وجل،

ومن قضاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من حديثه بتوفيق الله وهدياته، ولا يكون إن شاء الله كاحتجاج من احتج لمالك في إجازة الشهادة على الخط وسطر يده، وقال: الدليل على ذلك قول الله عز وجل: {ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم} (الأحقاف: من الآية 4): أن بعض المفسرين قال: هو الخط، فتوهم أن الخط الذي ذكره المفسرون هو خط الكتاب، وهذا جهل منه بالصواب، إنما هو الخلط الذي روي في بعض الآثار أن نبيًا كان يخط، فمن وافق خطه فذلك. هذا معنى الحدث، وهو الخط في التراب، وبالله التوفيق. قال القاضي: شاهدت هذه المسألة وشافهني فيها أبو عبد الله ابن عتاب، وأنا قلت له: كيف تراك ابن القطان ما لابن القاسم في المدونة، وما لأصبغ في العتبية، واستشهد بما حكاه ابن حبيب عن أصبغ، وهذا هو التقصير بعينه. ولقد كنت جالسًا مع ابن مالك في الجامع بقرطبة، في الجامع بقرطبة، فقال لي: ما تقول في الغائب يقام عليه بالشفعة، هل يقضي عليه في ذلك؟ فقلت له: نعم، فقال لي: قال مالك: لا يقضي على الغائب في الأصول، فقلت له: هذا معنى آخر، وهذا قبل أن أعلم بتفوى ابن القطان في ذلك. ثم ورد عليه ذلك المجلس بعض الطلبة فقال له: هل وجدت خلافًا فها؟. يعني في هذه المسألة في الشفعة؟ فقال له: لقد طلبتها في المبسوط فما وجدت خلافًا؛ إنكارًا منه لجواب ابن القطان، وظنوا أنها قوله لقائل. وقول ابن القطان: وقال بعض أصحاب مالك: إنه لا يحكم على غائب في شيء إلى آخر ذلك، هو قول ابن الماجشون في كتاب ابن حبيب في مسالة طويلة، فيها ورقة في كتاب منهاج القضاة، فاختصرت منها ما أورده، ولم يصرح باسمه إخفاء لموضعه وإبهامًا بغرابته، وبدرت هذه المسألة إلى ذكره، وعزبت مسائل الشفعة عن باله ولم تجر على خاطره، فأضل مواضعها، وأخطأ الصواب فيها، ولم يحصل في جوابه على شيء منه، وحاز به إيثار خلاف ابن عتاب، ولو كان إنصاف لأثر الائتلاف على الخلاف. وفي الشفعة من أحكام الواضحة نحو ما في المدونة وفي الموازية وغيرها وفي الشفعة على الغائب، وكذلك في الجدار لعيسى بن دينار، ولولا التطويل لنقلت ذلك على نصه، وفيما ذكره ابن حبيب كفاية، ولا خلاف في هذا موجود وبالله التوفيق والتسديد، وما

ذكره ابن عتاب من قول سحنون في ترك إرجاء الحجة للغائب قد تكلمت عليه قبل هذا، فأغني عن إعادته، وهو قول ضعيف، لم يجر به عمل، ولا عرج عليه في حكم. والحمد لله كثيرًا. مطلوب فقي حق يدعي طالبه أنه حاضر متغيب الدار من أحكام ابن زياد: فهمنا - وفقك الله - ما ادعاه ابن قطيعة من قضاء الطرطوشي لدينه المذكور في الكتاب الذي قام به، فوجهت الحكم بذلك على الطرطوشي، وحضرنا ما ذكره ولد ابن فطيس من غيبة ابنه عن قرطبة مطلعًا لضيعته، وقول الطرطوشي إنه حاضر، وإنما يلزمه بادعائه الغيبة، وزعم ولد ابن فطيس أنه يحضر عشية، وكان ذلك قريبًا، فرأينا تأخير إحلاف الطرطوشي، فإن حضر حلف بمحضر خصمه، وإن مضى على غيبته حلف الطرطوشي، وتثبت يمينه عندك، وتكتب بالإشهاد على ثبوت التوكيل واليمني، إن كان ادعاؤه القضاء أخر ما ادعاه ابن فطيس، قاله محمد بن غالب، وأيوب بن سليمان، وابن لبابة، وعبيد الله بن يحيى، ومحمد ابن وليد، ويحيى بن عبد العزيز، وجماعتهم. اقتضاء كراء الغائب والقسمة عليه، وقد تقدم من هذين المعنيين: فهمنا - وفقك الله - ما سأله محمد بن محمد بن الغائب وارث البياني، من فرج الساكن في طرار البياني بكراء حصة الغائب وإغرام زوجة البياني الساكنة في الدار التي هلك عنها زوجها البيان، لكراء حصة الغائب منها. فالذي نراه: أن ذلك واجب عليهما ولازم لهما، وينظر في الدار والطراز؛ إن كان كل واحد منهما يحتمل القسم قسم، وإلا بيع ما لم يحتمل القسم منهما. قاله محمد بن لبابة، وابن وليد. قال القاضي: لم يبين واحدٌ منهما: هل محمد بن محمد وكيل الغائب أم متكلم عنه لصداقة أو غيرها؟ ولا هل ثبت المغيب قريبًا أو بعيدًا؟ فقالا: يقسم كل واحد منهما إن كان يحتمل القسم، وإلا بيع ما لا يحتمل القسمة منهما. ولم يذكرا على من يقسم، ولا من دعا إلى ذلك، وهل القسمة نظر للغائب أم دعي إليها الحاضرون؟ ولا إن الدار والطراز يجمعان في القسمة، بل أعطيا أن كل واحد منهما يقسم على انفراده، ولا أنه يلزم أن يثبت أنهما لا ينقسمان.

وهذا كله تقصير، وقد نهينا عما يشبهه فيما تتقدم، ولهذا كله بسط يطول معه الكتاب لو ذكرناه، فتركناه لئلا تخرج عن الحد الذي قصدناه من جمع شمل النوازل، وما قرب ضمه إليها من المسائل. أين يكون التحاكم في مال غائب فيه التخاصم؟ في أحكام ابن زياد: كشف القاضي - وفقه الله - عن أمر قد أحاط علمه به تزايدًا من علم غيره إلى علم نفسه، فقال: إذا اجتمع الخصمان عندي فتداعيا مالا غائبًا عن موضعي، هل لي أن أنظر بينهما، والمال في غير بلدي؟ فقلنا: بإجماع. أن ذلك مما يجب على القاضي إن شاء الله، وإنما يتوقف عن النظر والفصل بالقضاء في المال الذي يكون في غير بلده، إذا لم يتقاعد الخصمان عنده لغيبة أحدهما، فيكون الواجب حينئذ، إذا أثبت الحاضر غيبة خصمه - أن يسمع منه جميع ما يدلى إليه، فإذا لم يبق إلا القطع والحكم بالقضية له؛ كتب إلى قاضي البلد الذي به المال بمبلغ نظره، فيكون ذلك القاضي المنفذ لنظر قاضي الجماعة مبتدئ النظر للحاضر القائم عنده هذا الذي مضى عليه فتيا أهل العلم وقولهم إن شاء الله. قال القاضي: في آخر كتاب الجدار لعيسى بن دينار في الرجل من أهل قرطبة تكون له الدار أو القرية أو الحق بجيان، فيدعي ذلك رجل من أهل جيان، ويريد مخاصمة القرطبي عند قاضي جيان حيث الشيء المدعي فيه؛ فقال: لا يدفع القرطبي معه إنما يتحاكمان حيث المدعي عليه. قال: وأخبرني من حضر ابن بشير، حكم به وكتب به إلى بعض قضاته. وروي ابن حبيب عن مطرف بن عبد الله مثله. قال: وكذلك لو كانت الدار في غير موضع المدعي وفي غير موضع المدعي عليه؛ لم يلتفت إلى ذلك، وكان الحكم حيث المدعي عليه. قال ابن حبيب: وسألت عن ذلك ابن الماجشون، فقال لي: إنما يكون النظر حيث المدعي والمدعي فيه ويسمع قاض ذلك الموضع من بينته وحجته، ويضرب لصاحب الدار أجلا على حال ما يصنع بالغائب، وإن كانت الدار بغير موضع المدعي، فحيث تكون، فإذا جاء صاحب الدار في الأجل؛ خرج أو وكل على الدفع عن نفسه والخصومة لها.

قال وسألت أصبغ عن ذلك، فقال لي مثل قول مطرف حرفًا بحرف. قال ابن حبيب: وهو أحب إلي، وأبين لدي، وبه أقول. وقال فضل: مذهب ابن كنانة وسحنون في ذلك كمذهب ابن الماجشون، إلا إن كان أحد القاضيين جائزًا فالخصومة عند الأعدل. ومذهب ابن القاسم في القسمة من المختلطة كمذهب مطرف وأصبغ وعيسى وابن حبيب: أن التحاكم حيث المدعي عليه. قال القاضي: واختصرت بعض هذه المسائل تخفيفًا، وقد ذكرنا ما يحتاج إليه منها، ونبهنا على مواضعها لمن أراد مطالعتها في أمكنتها، فيما أوردناه يكمل جواب الشيوخ فيما قدمناه، والله نسأله توفيقه وهداه. الشهادة في غيبة بهلول أنه عاب منذ حين طويل: من أحكام ابن زياد: نظرنا - وفقك الله - في شهادة من شهد في غيبة بهلول أنه غاب منذ حين، وهذه غيبة لا يجب بها السماع عليه حتى تقطع البينة أنه غاب منذ حين، ولا يدرون أين غاب، فيكون حينئذ كالمفقود، ويجب السماع عليه، أو يقولوا: غاب غيبة منقطعة، أو يسموا بلدًا لا يبلغه الإعذار فيه. قال بذلك ابن لبابة، وعبيد الله بن يحيى، وأيوب بن سليمان، وابن وليد، وغيرهم. قال القاضي: قولهم: حتى يشهدوا أنه غاب منذ حين أين لا يدرون، كلام غير مستبين؛ لأن الحين قد يكون ساعة أو شهرًا أو سنة، فحصره بأمد، أبين وأقوم للشهادة وأحسن. قال مالك في مساع أشهب في جامع العتبية: يقال: حين يعرف، وحين لا يعرف؛ فمن الذي لا يعرف قوله: {ومتاعا إلى حين} (النحل: 80)، وكذلك قوله تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} (الإنسان: 1) يريد ما مضى قبل ذلك من الدهر، وقبل خلق آدم. قال: والحين الذي يعرف قوله تعالى: {تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها} (إبراهيم: 25) أي كل سنة. وقال في النذور من المدونة: الحين سنة، فيمن حلف ألا يكلم رجلاً حينًا. وقاله ابن عباس وربيعة، ورواه ابن وهب عن مالك في الحين والزمان، وشك في الدهر أن يكون سنة.

وقال ابن القاسم: بلغني عنه أنه سنة. وقاله ربيعة. وذكر ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك في الحين والدهر والزمان في اليمين: سنة بسنة، إلا أن مطرفًا قال في روايته عن مالك في الدهر: إنه أكثر من سنة قال: ولا أوقت فيه وقتًا. قال ابن حبيب: وقوله تعالى: {ومتعناهم إلى حين} (يونس: 98) أي إلى آجالهم، ولكل حين معناه. وفي العتبية في طلاق السنة في سماع عيسى: إذا غاب عن زوجة الزمان الطويل إلى مثل طنجة أو أفريقية، وشكت ذلك إلى القاضي؛ كتب إليه، إما أن يقدم إليها أو يحملها إلى نفسه أو يفارقها. وقضى به عمر بن عبد العزيز، قال مالك: وأرى ذلك وآخذ به. قال ابن القاسم: وأما غيبة الحين الأمر القريب؛ السنتين والثلاث، إذا كان يتفق عليها، فلا يقضي عيه بالفراق، إلا أن طال ذلك. فقد أوقع الحين هنا على السنتين والثلاث. وفي كتاب النذور لأبي عبيد عن ابن عباس وعكرمة فيمن حلف لا يفعل كذا إلى حين: هو ستة أشهر. وقال ابن المسيب: الحين ما بين أن تطلع النخل إلى أن تجذ، وما بين أن تجذ إلى أن تطلع. وهو قول أهل العراق. وكذلك إذا قال: زمانًا أو دهرًا. وقال طاوس: إذا قال: زمانًا؛ هو شهران أو ثلاثة. وروي عن ابن عباس أنه قال: قد يكون الحين غدوة أو عشية. قال القاضي: فكيف تصح الشهادة دون تبيين بما في هذا من التنازع ومحتمل هذه المعاني المختلفة، هذا لا تسمع به شهادة إلا بعد إيضاح الأمر، وتبيين العدد. وفي جوابهم هذا ما يعضد اعتراضنا على أبي عمر ابن القطا في جوابه في هذا المعن، وقد تقدم بنا والحمد لله.

باب الأقضية والشهادات

باب الأقضية والشهادات وقد تقدمت منه مسائل متخيرات: دار تنازع فيها مدعوها، واختلف الشهادات تفيها، وتضمنت ذكر رجوع الشاهد، وجرحته بعد الحكم: من أحكام ابن زياد: فهمنها - وفقك الله - ما شهد به ابن عبيد وابن شراحبيل في الدار التي حكمت فيها سيدة ابنة رضوان وسعيدة، اللتين اختصمتا فيها، فادعتها سعيدة لنفسها، وادعتها سيدة لأمها، وأنها توفيت وقد أوصت بثلثها فيها، وثبت عندك أنها لرضوان، وحكمت بها لورثتها ولوصيتها، بعد الإعذار إلى سعيدة في ذلك وتأجيلها آجلاً واسعة. ثم أتت سعيدة بابن عميرة وغيره فشهدوا أنهم يعرفون الدار لسعيدة، ووصفوا حدودها، وكان في شهادة الصدفي وصاحبيه الذين حكمت بهم أن حد الدار التي لرضوان كذا وكذا؛ فودنا في شهادة ابن عبيد وابن شراحبيل أنهما لم يعرفا الحد الجوفي، وفي شهادة رضوان أن الحد الجوفي هو في دار رضوان؛ فلم يكن في شهادة ابن عبيد وصاحبيه ما يدفع به ما شهد به شهود رضوان؛ إذ لم يعرفا الحد وعرفها شهدوها؛ فشهاتهما غير ظائرة لشهود رضوان، ولا يجب بها توقف الحكم. ونظرنا فيما طعن به في شهادة سعيدة فوجدناها غير ظائرة للحكم ولو كان فيما شهد به عليه رجوع عن شهادته لما ضر الحكم ولا وجب التوقف، لأنك قد حكمت بشهادته وشهادة رجلين سواه، ولو لم يكن في الحكم غيره وآخر إليه ثم رجع عن شهادته مضى الحكم وغرم نصف قيمة الدار لسعيدة؛ لأن من حكم بشهادته وآخر إليه ثم رجع عن شهادته نفذ الحكم وغرم الراجع عن شهادته نصف قيمة ما حكم به لو بقي شاهدان سواه لم يغرم شيئًان ولو ثبت عليه سخطه حال لم يغرم شيئًا ومضى الحكم؛ لأن الحاكم قد اجتهد بقول أهل العلم، فكيف وليس فيما قاله ابن مسرور وابن رومان ما يوجب على سعيدة شيئًا. قاله ابن لبابة، وعبيد الله بن يحيى، ومحمد بن وليد. وقال أيوب بن سليمان: أعلم لمن علمه ولا يقضي عليه لمن جهله، والشهود لرضوان قد أثبتوا دار سعيدة، وأنها بقبلي دار رضوان، وأثبتوا دار رضوان أنها بجوفي التي بجوفيها فلا نفع لسعيدة في هذا، لأن شهودها لم يشهدوا لمن الدار التي بجوفي دارها التي

اجتمعت عليها الشهادات، فالدار الجوفية من دار سعيدة ماضية رضوان على ما عرفه فوقه، ولم تزدها البينة التي جاءت بها قليلا ولا كثرة على ما شهدت به البينة الأولى، وأما شهادة سعيدة فماضية إذ قد وقع الحكم بها والله الموفق للصواب. قال القاضي: أكثر كلامهم حشو لا يفيد علمًا ولا يزيد فهمًا، وما زاده أبو صالح أيوب بن سليمان منثور المعاني، وحشي المساق وركيك الألفاظ، بعيد عن البيان أشبه بالهذيان، كقوله: ولا يوقف الحكم ولا ينقض منه حرف فما فوقه، ما الذي أدخل الحرف في الحكم؟ والحروف إنما تضاف إلى الكلام لا إلى الأحكام، ولو قال: لا ينقض منه فصل، ولا يختل منه معنى، لكان بمراده أليق وبمقصده ألصق وأكد تلك الهجنة بقوله: فما فوقه وهذا من فخار قوله، ولم تزدها البينة التي جاءت بها قليلا ولا كثيرًا، ولو قال: لم تزدها بيانًا ولا أوجبت لها حقًا لكان أشبه. وأعادوا الحد الجوفي عارًا من معنى وخير أعرى من جوف العين، وقالوا في الراجع من الشاهدين عن شهادته بعد الحكم بها: يغرم نصف قيمة ما شهدا به قولا مجملا ولم يبنوا هل أقر في رجوعه بتعمد الزور أم ادعى التشبيه والغلط؟، وهو موضع تنازع إن قال: نسيت أوش به علي ونحوه، فأكثر أصحاب مالك يقولون: لا غرم عليه وهو قول ابن الماجشون، وقال: هذا قول جميع أصحابنا بالمدينة؛ المغيرة وابن دينار وابن أبي حازم وغيرهم. قال: قال ابن حبيب: وبه أقول، وهو أقيس، وروي عيسى عن ابن القاسم نحوه، وكذلك عنه في الموازية، وذكره ابن حبيب. وعن مطرف وأشهب وأسبغ أنه يغرم ما أتلف بشهادته، قال: تعمدت أو شبه علي، وهو ظاهر ما في كتاب السرقة من المختلطة. وقولهم: يغرم نصف قيمة ما شهدا به، وهو كلام غير محصل، لأنهما قد يشهدان يما فيه المثل عن عين أو مكيل أو موزون، فإنما يغرم حينئذ المثل، ومسائل الرجوع عن الشهادة كثيرة متفرعة؛ في الدماء، والنكاح، والطلاق، وغير ذلك، واسيعابها في الواضحة، والموازية، وكتاب ابن سحنون وغيرها، والذي في المدونة منها يسير، في الأقضية، والعتق، والرجم، والسرقة. وقولهم: إذا ثبت على الشاهد سخطه بعد الحكم بشهادته مضى الحكم ولا شيء

عليه ولا على الحاكم، نحوه، في كتاب الرجم إذا قضى القاضي بشهادة رجلين لرجل بحق، ثم تبين له أن احدهما عبدًا أو مسخوط حلف المحكوم له مع شهادة الباقي وترك له المال، فإن نكل حلف الآخر ما عليه شيء، ورد المال إليه. وفي غير رواية ابن وضاح قال أشهب: إن كان أحدهما مسخوطًا فالحكم ماض ولا يمين على المحكوم هل، قال ابن القاسم: وإن تبين أنهما مسخوطان أو عبدان ردا الحكم، وقال سحنون: لا يرد في المسخوطين، وفيه خطأ القاضي فتأمله. شهادات في دار وذكر اعتقالها: فهمنا - وفقك الله - ما شهد به لعبد الرحمن وكريا ابني يحيى بن مالكان هما ثلاثة أرباع دار بقرية مساس وريعها لأبيهما، وأن أباهما مات، وورثاه ولداه هذان مع باقي ورثته، وقبولك لشاهد منهم عرفته وطلب ويكيلهما عقل الدار، فالذي يجب أن ربع أبيهما من الدار يجب عقلته حتى يثبت بشاهدين موت أبينهما يحيى وعدة ورثته، ويجب عقل الثلاثة الأرباع التي لهما عقلا يمنع الموجود في الدار من أن يحدث فيها حدثًا إلا أن يأتي خصم الملغي في الدار بما يسقط به العقل. قال بذلك ابن لبابة، وابن وليد. شهادة شاهد واحد بملك وموت ووراثة: قال ابن لبابة: فهمت - وفقك الله - ما تنازع فيه المتكلم عن الصغير والمتعدي وشهادة الشاهد على ملك الدار التي للصغير فكيف يخرج احد عن ذلك بشهادة شاهد واحد؟ وكيف يورث؟ هذا لا يستقيم ولا يعرض لمن في الدار ويخرج حينئذ عنها. فأما يشاهد واحد، فلا يثبت به مال رجل موته وعدة ورثته فكيف ولمن شهد هذا الشاهد على عدة الورثة إنما شهد أنه يعرف من الورثة، وهذا غير معقول، والله أسأله التوفيق. قال القاضي: قد تقدم هذا المعنى في أول الكتاب مستوعبًا متنازعًا فيه. هل يكشف الشهود من أين علموا ما شهدوا به؟ فهمنا - وفقك الله - ما كشفت عنه من أمر الشهود؛ هل يسألون من أين علموا ما شهدوا أم لا؟ وليس عليك - أكرمك الله - كشفهم عن علمهم من أين علموا إذا شهدوا أنه كفؤ تمت شهادتهم، ووجب عليك إنكاحها. قاله ابن لبابة. قال القاضي: قد بينا هذا المعنى في مضي. الله ولي الهدى.

اختلاف الشهادة في الملك والقضاء لأقدمها تاريخاً: فهمنا - وفقك الله - ما سأله عبد العزيز وكيل مروان من النظر لمروان وأخيه يوسف الذي هو في ولايته، وما ذلك من انقراض الآجال التي أجلت لخصمه في المدفع فيما ثبت من ملك المتوفي للملك المنسوب إلى غليب فيما دخله من الإرجاء لحمدون ابن عبد السلام، وما قام به عبد الله وكيل إبراهيم بن حمدون في ذلك من أربة أثبتها في داخل منزل غليب المنسوب إليه. فالذي يجب في ذلك أن تكشف الشهود لمروان عن الوقت الذي يعرفون فيه المال بمنزل غليب ملكا لمروان، ومنذ متى يعرفون ذلك، وتكشف شهود إبراهيم بن حمدون في الأحقال التي ثبت ابتياعه لها من عبد ربه بن أصبغ في داخل المال المنسوب إلى ابن غليب وأنهم يعرفون الأحقال المبيعة ملكًا لبائعها من إبراهيم بن حمدون ولم يوقتوا للملك وقتًا فيكشفون عن ذلك، فإذا انكشفت التواريخ وجبت الملك لأقدم التاريخين، إلا أن يشكو للمشهود عليه في ذلك مدفع. وسائر الأحقال المبيعة من المال المنسوب إلى غليب ترفع يد إبراهيم بن حمدون عن اعتمارها ويد مروان أيضًا بعد أن يحوز المنزل الشهود الذي شهدوا فيه إلى أن يأتي نظرك في ذلك على ما يجب بما يظهر إن شاء الله تعالى. ويعجز إبراهيم بن حمدون عما ادعاه في هذا المنزل من الملك عن قرابته إلا ما أدخل فيه البينة المتعجلة، لأن طول الأعذار مما يوجب قطع الدعوى. قاله عبيد الله ابن يحيى، وإبراهيم وابن لبابة، وسعد بن معاذ، ومحمد بن وليد، وأحمد بن يحيى، ومحمد بن أيمن. شهادات وتقييد القاضي لها: فهمت - وفقك الله - الشهادات، وقول المعارض لا يجب على القاضي تقييد بها من أجل أن يكسنه لم يثبت موتها ولا عدة ورثتها، وتدبرت الكتب الثلاثة فوجدت عبيد الله ابن يحيى لم يشهد إلا في كتاب النكاح؛ لقوله: ويعرف الناكح والمنكح، ولولا قوله هذا لما عرفنا في أي الكتب شهد لأن هذه الشهادة مفرطة من الكتب الثلاثة. ورأيت شهادات سعد بن معاذ وقعت في الكتب الثلاثة، فلم يشهد على موت يكسنه وعدة ورثتها وشهد محمد على كتاب الاشتراء وحده، وكذلك شهادة سلميان وشهادة

محمد في كتاب الاشتراء وموت يكسنه وعدة ورثتها، فم يجب تقييد كتاب النكاح؛ لأنه لا يجوز أن يقوم به غير يكسنه أو ورثتها إذا ثبت موتها، وهو لم يثبت إلا بشهادة واحد. وأما كتاب الاشتراء للغير ابنه أبي ثور فهو يجب أن يقيد، لأنه قد ثبت بشهادة محمد وسعد وسليمان، وقد نسخت في ذلك نسخة على ما أحببت، فلا أعدمك الله العناية بأمور المسلمين، وإدخال النفع عليهم، قاله محمد بن لبابة. قال القاضي: انظر قوله: إذا ثبت موتها، وهو لم يثبت إلا بشاهد واحد، وإنما كان يجب أن يقول: وهو لم يشهد به إلا شاهد واحد، لأنه قد قال: إذا ثبت فأعطي أنه لم يثبت، ثم قال: وهو لم يثبت إلا بشاهد واحد، فأوجب إثباته فصار تناقضًا في المعنى، وهو خطأ في الفقه لأنه لا يثبت إلا بشاهدين. شهادة في عمري دار وبيعها والإعذار فيها: قرأنا - وفقك الله - الشهادات التي شهد بها لسوسة في ملك الدار وعامرها ابنتها وقرأنا الكتاب الذي عارض الشهادات ببيع ابنتها للدار من المعارض للشهادات، فرأينا الشهادات الواقعة لسوسة تامة انظر بها واجب بعد الإعذار إلى ابن فطيس في ذلك، فإن أثبت اشتراءه بعلم سوسة ومحضرها سقط شهادتهم، وإن لم يثبت ذلك أعذرت أيضًا إلى ابنتها فاطمة البائعة. فإن لم يكن عندها مدفع في ذلك، نظرت لسوسة بالحكم لها إن شاء الله واعديت ابن فطيس على ابنتها بالثمن قاله عبيد الله بن يحيى، وابن لبابة، وسعد بن معاذ، وابن وليد، وأحمد بن يحيى، وحمد بن أيمن. شهادات في هبة نصف دار اعترض فيها: نظرت أكرمك الله في كتاب ما وهبت كنزة وقرأت الشهادتين، فرأيتها تامة في الكتاب وفيها لابن محمد بن يوسف مقال بأن قال: إن الهبة التي بها تتم لم تصح بهذه الشهادة، لأن الواهب قال بانقطاع المدخل والمخرج عن نصف عمر وفتح بابا كنزة في نصفها، ولم يكن في هذا شيء فلم تتم الهبة في نصف الدار. فقلت له: إن الأب هو الحائز فقال: هذه دار مشاعة، وبقي إبراز النصف، فلم يبرزه فسقطت الهبة، وأنا أرضى بيمين كنزة في مقطع الحق إن أباها أبز لها هذا النصف

ولم يسكنه طول حياته إلى أن مات، وقد قطعت عنها طلبي، فرأيت أن الذي دعا إليه إنصاف، ثم قال: وإن شاءت أقمت أنا البينة أنه لم يزل ساكنًا فيها جمعًا، فتنظر أنت في ذلك إن شاء الله. وأما ما ذلك أن ضرب الأجل لا يجب إلا بتمام الشهادة فصدق إنما يضرب الجل بعد تمام الشهادة، فأما قبل تمامها الذي به تصح فلا يضرب والله الموفق للصواب برحمته. قاله محمد بن عمر بن لبابة. قال القاضي: هذا الجواب غير مهذب ولا ملخص، ويطول علينا تبين ما يتم به وما ينقص منه وأما هبة المشاع فعلى وجهين: إن وهب الواهب نصيبه من دار باقيها لغيره، وتخلى عن نصيبه واحتازه الموهوب له وحل فيه مع من له باقيها محل الواهب في صحته، فهذا جائز، نافذ ولا خلاف فيه، بين مالك وأصحابه. وأما إن وهب جزءًا من نداره أو مزرعته لأجنبي أو ابنه الصغير في حجره، واستبقى باقي ذلك لنفسه وحاز ما وهب لابنه أو حاز الأجنبي ما وهب له في صحة الواهب، فالهبة جائزة في قول مالك وأكثر أصحابه، وكذلك في المدونة والواضحة والعتبية في مساع ابن القاسم وغيره. وخالف أصبغ فقال: لا يعجبني هذا ولا ينفذ، كمن تصدق بمائة من غنمه ولم يفرزها بعينها ولا وسمها، وهو آخر قول مالك في الغنم، وقد كان يقول إذا تصدق على ابنه بعدة منها غنمه كما هي، إن ذلك جائز. اختلاف الشهادات في سكنى الواهب نصف أملاكه مشاعًا دارًا منها هي أكثر ثلثها حتى مات: وهب رجل لابنه الصغير نصف أملاكه مشاعًا بقرية كذا من عمل طليطلة، في دورها وأرضيها وزرعها، وفي أثوار الحرث بها ودوابه وآلته، وفي القرية دار هي أكثر من ثلث أملاكه، فسكنها الواهب بنفسه ومتاعه حتى توفى فيها، وخرجت منه جنازته، وثبت ذلك عند القاضي بعدول، وشهد أيضًا عدول إنما كان يسكن بطليطلة ويختلف إلى القرية فتوفي فيها ونزلت سنة ستة وخمسين وأربعمائة. وكشف شيوخنا عن أي الشهادتين أعمل؟ وكيف إن طلب الصغير الموهوب له

من تركة أبيه النصف الموهوب من الأثوار والآلة والزرع والدواب، وكانت وفاة الواهب بعد الهبة بأعوام، ولا توجد بينة تشهد له على عين شيء من ذلك، ولا على أن الواهب بعد الهبة بأعوام، ولا توجد بينة تشهد له على عين شيء من ذلك، ولا على أن الواهب عين رسمًا منه؟ وهل يضاف ذلك بالتقدير إلى الأصول حتى يعرف أن الدار المسكونة أكثر من ثل الجميع أم لا يضاف ذلك إلى الأصول، ويلغي ما كان معها من مجهول؟ فجاوب ابن عتاب: يقضي باعدل البينتين؛ هذا في سكنى الأصول، فإن كانتا في العدالة سواء بطلت الشهادتان؛ إذ هو في التهاتر، ثم ينظر، فإن قامت بينة أن الواهب أخلى الدار من نفسه وثقله سنة في الهبة، وإنما عدا إلى سكناها بعد أن أخلاها سنة، فالهبة في الأصول نافذة جائزة على مذهب مالك في رواية ابن القاسم وغيره عنه، وبه أقول. وإن لم تقم بينة بذلك فهي باطل وترجع ميراثًا، ولا شيء للصغير من الزرع والدواب وسائر ما ذكرت في تركة أبيه، ولا ينفذ له منه شيء، إذا لم يعينه الواهب عند الإشهاد وهو ميراث لجميع الورثة، وإنما ينظر في سكنى الواهب إن كان الثلث أو دونه من الأصول، والدور، والأرضين، والثمار دون أن يضاف إليه العروض والماشية، هذا الواجب في ذلك. وقال ابن مالك: أما الإشعاع فليست بعلة توهن الهبة، وبهذا مما قيل في ذلك أقول لحديث البهزي وما شاكله، وأما اختلاف الشهادتين في أمر الدار، فالشهادة بصحة الحوز أعمل لوجوه من النظر يطول شرحها مع موافقة الروايات في مثل ذلك. وأما ما لم يعين من الأشياء الموهوبة بأعيانه بتوقيف الشهود عليها أو يوصف بتحصن به تمييزها؛ فباطل لا ينفذ، وليس هذا بناقض الروايات في مثل ذلك. وأما ما لم يعين من الأشياء الموهوبة بأعيانه بتوقيف الشهود عليها أو يوصف بتحصن به تمييزها؛ فباطل لا ينفذ، وليس هذا بناقض لما قدمت من إجازة هبة المشاع وإن كان لم يكمل تعينه من أجل الإشاعة. فإذا بطلت الهبة في تلك الأشياء فكأنها لم تكن فيها هبة قط ووجب إلغاء ذكرها فلا الموهوب له يتبع بشيء منها ولا يحتاج إلى السؤال عما تضاف إليه في التقدير، وكذلك جعلها ابن القاسم لغوًا كأن لم تكن فيها هبة قط رواه عنه عيسى في كتاب

الحبس والصدقات والهبات من المستخرجة، والله سبحاه أعلم بالصواب وأولى به، وأتى السؤال على بصره بالفقه فلهذا جاء جوابي على هذا السياق. قال القاضي: تشتمل هذه المسألة على ضروب من الفقه وفنون من العلم، أشار إليها المفتيان وأحلا عليها، وإن كانا لم يبيناها ولا أعربا عنها، وأنا أبين ذلك وأبسطه بالاختصار والتجميل مجانبًا للتطويل وحسبنا الله ونعم الوكيل، فأما قول ابن عتاب: يقضي بأعدل البنتين في السكنى فإن تكافأتا سقطتا، فالرواية منصوص كما ذلك في المسألة بعينها. قال أشهب في كتاب ابن عبدوس: من أقام بينة في أمة بيد رجل أنها لأبيه مات وتركها ميراثًا لا يعلمون له وارثًا غيره، وأقام آخر بينة أن أبا هذا الطالب تصدق بها عليه وحازها عنه، فإن قالت بينة ابن الميت أنها لم تزل في يد الميت يختدمها حتى مات قضيت بأعدل البينتين، فإن تكافأتا فهي بينة ابن الميت. قال: ومن أقام بينة أن أباه تصدق عليه بعبد فقبضه وقامت بينة أنه لم يزل في يد الأب حتى مات، قال: إذا فات إيقاف الشهود قضيت بأعدلهما لتكاذبهما وإن لم يفوتا وقفوا، فإن رأى في إحدى الشهادتين ما هو أقوى من الآخر قضى بذلك مثل أن تقول بينة تشهد أنه كان يخدمه في مرضه كما كان يخدمه في صحته، وقالت الأخرى نعلم أنه حاز، ولا نعلم ما قلت هذه، أو تقول بينة الحوز أنه لم يزل في يد المتصدق عليه حتى مات المتصدق، وتقول الأخرى لا علم لنا بهذا، ولكن رأيناه يختدمه، فتكون بينة الحوز أولى. وإن لم تتكافأ في القوة قضيت بأعدلهما، وإن تكافأتا في العدالة فالصدقة باطل، فهذا نص لقول ابن عتاب وله نظائر يطول اجتلابها في المدونة وغيرها. وخالف ابن مالك في ذلك فقال: الشهادة بصحة الحوز أعمل لوجوه في النظائر يريد أن شهادة من أحق الحق وأثبت المطلوب أولى من شهادة من شهد بما يبطلها، ومتى شهد العدل بشيء لم ترد شهادته بأنه ليس كما شهد، إنما ترد بالتجريح بما يسقطها. وقد تقدمت من هذا المعنى مسائل في العيوب، وقوله مع موافقة الروايات في مثل ذلك يريد مثل ما في الموازية في شاهدين في رهن على حيازته، وشهد آخران أنه لم يجزه، قال: شهادة الحوز أولى وكذلك في المجموعة عن المغيرة وابن الماجشون.

وفي كتاب ابن سحنون عن سحنون ونحوه عنه في نوازله في العتبية، وقال ابن المواز: وأحسن ذلك أن يقضي بينة من ذلك يده، وقول ابن عتاب: إن قامت بينة الواهب أحلى الدار من نفسه وثقله سنة بعد الهبة ثم عاد إليها بعد البنية، تقدمت الهبة، فهي زاوية ابن القاسم كما قال في سماعه وسماع عيسى بن دينار، وكذلك عنه. وعن أصبغ في كتاب ابن حبيب، وفيه خلاف لمطرف وابن الماجشون أن الهبة والصدقة تبطل برجوع الواهب إلى سكنى الدار، وإن كان قد أخلاها الزمان الطويل إذا سكنها في رجوع حتى يموت، وبه أخذ ابن حبيب وبالأول جرى العمل. واتفق ابن عتاب وابن مالك في الدار أنها إنما يقدر الثلث فدون من الأصول المعروفة الموهوبة دون أن يضاف إليها ما ذلك معها من حيوان وشبهه مما لم يشهد بعينه ولا بصفته، وهو الصحيح لأنه لم تثبت الهبة فيه ولا حيازته فيبطل، وقول ابن مالك ما لم يوقف الشهود على عينة ولا وصف بما يتحصن به تمييزه باطل، وهو قول أصبغ في سماع عيسى في رسم سلف دينارًا في ثوب. قال ابن القاسم: وسألت مالكًا عن الرجل يتصدق على المرأة بالخادم فتخدمها وتخدمه، هل تراه حوز؟ قال: نعم. والخدمة عند مالك إنما تكون على الزوج إذا لم يكن للمرأة خادم دخلت بها من صداقها، وقاله أصبغ وكذلك الأمتعة والوطاء والثياب وفرش البيت وآنية المنزل في ذلك كله إليها تصدق به على صاحبه يريد من الزوجين فهو حوز وإن أقراه في المنزل بينهما وتواطأه جميعًا وانتفعا به. إذا أعلن الصدقة به أشهاد وبالسداد لها وبالتخلي منه إلى الآخر، وإن لم يعاين الشهود، الدفع والقبض ولا عرفوه بعينه، إذا كان موصوفًا وهذا أمر المسلمين عامة، والحرة وأم الولد في ذلك سواء إذا تصدق عليهما بمتاع البيت من حلي وغيره. قال القاضي: هذا الذي أفتى به ابن مالك في ذلك، وقوله: ليس هذا يناقض لقولي بجويزي هبة المشاع، هو كما قال لأن هذا الذي لم يعين بالنظر إليه ولا بصفة محيطة كالمعدوم المفقود غير الموجودة، فهو كلا شيء، وأما المشاع فمعلوم العين معروف المكان محدود الأقطار، فلا يضره شياع الموهوب فيه عند الأكثر.

وقوله فإذا بطلت الهبة في تلك الأشياء فكأنها لم تكن فيها هبة ووجب إلغاء ذكرها، وكذا جعلها ابن القاسم لغوًا كأن لم تكن فيها هبة، قط إلى آخر كلامهم، إنما عني ما في كتاب أمهات الأولاد من سماع عيسى في كتاب الوصايا فيمن تصدق أو وهب ولم يجز ذلك عنه حتى مات، ولم يذكر ذلك في مرضه وأوصى بوصايا. قال ابن القاسم: فإن الوصايا تدخل في تلك الهبات والعطاي التي لم تحز عنه إذ قد رجعت مالاً من ماله تورث عنه، وكأنه لم يعقد فيها هبة، هذه المسألة التي أراد ابن مالك وفيها طول، قد ذكرنا منها المعنى الذي أراده. ولأصبغ في سماعه في كتاب الصدقة خلافه، قال: تطرح تلك الصدقة التي لم تحز عنه من رأس ماله، وتكون الوصايا في ثلث ما بعدها، وترجع ميراثًا، هذا بيان ما أراده ابن عتاب وابن مالك في جوابهما في هذه المسألة. وإذا تدبرت أجوبة شيوخنا الذين حملنا عنهم وتفقهنا عليهم، وجدتها أدل على العلم وأجمع لمعاني الفقه من أجوبة الشيوخ قبلهم على من تأمل ما أوردناه عن الفريقين في كتابنا هذا وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. شهداء عرفاء البنيان والقسام في عيوب الدور: قال القاضي أبو بكر ابن زرب في مسائله: قد دخل عرفاء البنيان إلى أن يشهدوا في قيمة عيوب الدار، وقد شاورني بعض الحكام فيه فقلت له: وما الذي يمنعهم من الشهادة في هذا؟ فقال: إنما هذا للقسام الذين يعرفون قيمة الدور ويشهد العرفاء بالعيوب، ويقدر القسام ما ينقص العيب من الدار، فقلت له: وإذا كان العرفاء يعرفون قيمة الدار ثم أنكرت أن يشهدوا في مثل هذا أو عدول من غير العرفاء وغير القسام، فقال لي: بلى إذا كانوا عدولاً غير مغفلين جازت شهادتهم في هذا، إلا أن المفتي إذا استفتى في مثل هذا يجب له أن يفتي بأن يقول سئل عن هذا أهل البصر بالعيوب فيتخلص، فإن كان العرفاء أو غيرهم من أهل البصر جازت شهادتهم في ذلك. قلت له: إن العدول من أهل كل ربض أدرى بالسداد من القسام، وشهادتهم أصح وأولى أن تسمع من القاسم؛ إذ المعلوم في القسام أنهم لا يشهدون بالأجرة ما جازت شهادتهم فيه.

مسائل من الرجوع عن الشهادة: في مختصر أبي بكر ابن أبي يحيى: إذا شهد شاهدان على رجل بنكاح امرأة، وشهد عليها آخران بالدخول، ثم رجع الأربعة عن الشهادة فعلى شاهدي النكاح ثلاثة أرباع الصداق، وعلى شاهدي الدخول الربع، وإن شهد اثنان بالنكاح، وشهد آخران بالفراق عنه بالرجم رجع واحد من الشهود، ثم تمادوا في الرجم، فأوضح موضحة، فرجع ثان ثم تمادوا في رجمه حتى قتل فرجع آخر، قال: لو لم يجع هذا الثالث لم يكن على الآخرين من رجوعهما شيء، فعلى الراجع الأول سدس دية العين وعلى الثاني خمس دية الموضحة وسدس دية العين، وعلى الراجح بعد قتله ربع دية انفس فقط؛ لأن دية النفس تأتي على ما قبل ذلك، وفي غير رواية ابن نطرف وقد قيل على الثالث أيضًا خمس الدية وسدس دية العين، والأول أصح. استئناف الشهادة عند حكم ثان إذا لم يشهد الأول بقبولها: فهمنا – وفقك الله – أن شهادات وقعت لابنة ابن مزين فيما تنازعت فيه مع ابن عمها، وأنه لم يكن من القاضي إشهاد في قول تلك الشهادات تقييدًا لها لعلل دخلتها، واختلف أهل العلم فيها من أجل تلك العلل، فبقي الأمر ذلك إلى أن صرف النظر بينهما إلى سلمة بن علي الوزير، وقلت – وفقك الله: إن الوزير سلمة سلمه الله، أوصى بان تبعث إليه بتلك الشهادات، فكشفتنا عن هذا. فالذي نقول به في ذلك على مذهب أصحابنا وقولهم: اء ذلك لا يجب عليك، لأنك لم تكن قيدت الشهادات بقبول أشهدت عليه، وعلى من صار النظر إليه ابتداء النظر فيها، قال بذلك أيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد، وسعد بن معاذ. الشهادة لأبي جميل في وراثة ابن أبي عطيف: فهمنا – وفقك الله – ما شهد به لأبي جميل بأنه المحيط بوراثة ما هلك عنه محمد بن أبي عطيف على ما وقعت به شهاداتهم وشهادة عبد الله بن محمد بن عتيلة، وتعديل محمد بن لبابة ومحمد بن وليد، وقالا فيه إنه عندهما من أهل العدل والرضى، وما شهد به عبيد الله بن يحيى، مما صح عنده كصحة اليقين، أن أبا جميل وارث ابن أبي عطيف إلى ما جاءك عن محمد بن جنادة قاضي أشبيلية في كتابه إليك أنه ثبتت عنده أن أبا جميل وارث ابن أبي عطيف وأنه ابن عمه.

فرأينا شهادات أوجبت لأبي جميل وراثة ابن أبي عطيف لقبول من قبلت من الشهود إلى ما تظاهرت به الشهادات لأبي جميل على ما ثبت له من وراثة ابن أبي عطيف والإعداء له تركته، قال محمد بن لبابة، وعبيد الله بن يحيى، ومحمد بن وليد، وأيوب بن سليمان، وسعد بن معاذ، واحمد بن يحيى، وأحمد بن بيطير، ويحيى بن سليمان. شهادات في موت ووراثة ودعاوى في مال العجلي: تصفحت – أكرمك الله – الشهادات، فوقعت شهاداتي على التراضي الواقع في الكتاب، وعلى معرفة قاسم وزوجة، ووقعت شهادة عمر على مثل ذلك، وعلى موتها وعدة ورثتهما ومعرفة أعيان بعضهم، وشهد ابن بيطير على المراضاة، ومعرفة قاسم وزوجه وموتهما، وعدة ورثة قاسم، ومعرفة عين الصغير، فبقى شاهد يشهد بمثل شهادة عمر وشهادة زكريا، فإنها تامة إذا ثبتت ثبت الوراثات، ووجب الإشهاد على ما ثبت عندك بعد الإعذار إلى عمر بن وليد عن الصغير في المراضاة، لأنه غير وارث زوجة قاسم، ولابد من إعذارك إلى من يليه أو ترجى له الحجة، قاله محمد بن لبابة، ومحمد بن وليد. أتاني – أكرمك الله – فلان بكتاب، فذكر أنك امرأته بالوقوف إلي لإقراره، وأكتب إليك بما يجب إن شاء الله، وعما يطلب العجلي من أخذ نصيبه من دين أمه، فقد شهد ابن بيطير بمثل شهادة عمر، فالذي طلب من ذلك هو من حقه؛ إذ قد ثبت عند الدين وموت العجلي وعدة ورثته وموت امرأته المطلقة صاحبه الدين، وعدة ورثتها. إلا أنه يجب على ابنها أن يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما علم أمه قبضت من أبيه من الدين الذي بذكر أنه باق عليه شيئًا، ولا أحالت به أحدًا ولا استحالت به على أحد في علمه، فإذا حلف أعطى فرضه منه، يؤخذ له مما ثبت من مال أبيه والجارية إن كانت بكرًا فلا يمين عيها، ولها حقها، ولو كانت ثيبًا أو ذات زوجن وكانت غير مولى عليها لحلف في حصتها، فهذا وجه انظر في هذا إن شاء الله تعالى، قاله ابن لبابة. توقف القاضي عن إمضاء الحكم لاعتراض الشهود عليه فيما استحلفته موروثته من عاصب وارث، وفي بيعها في مرضها ولم تعاين البنية دفع الثمن. كشفتني – وفقك الله – عما وقعت الشهادات فيه، واعترض المشهود عليه بما اعترض، وتوقفت عن تقييد الشهادات باعتراضه، لتعلم بالشورى موقع ما اعترض به هل يعلق أم لا؟ وكذلك فعل القاضي – وفقه الله – التوقف عند الشبه، فزاد الله في توفيقه،

وحسن على المسلمين أيامه ونظره. شهد قوم أن المرأة التي كانت زوج محمد بن سلمة أشهدت على كتب فيها بيع بثمن كبير، وعلى أفعال من نحو ذلك مولاة أقرت لها، وقال الشهود في شهاداتهم إنها كانت مريضة مرَا لا تمنع به القاضء في مالها، وأن يكون فعلها في ذلك الوقت كفعل الصحيح، فكان رأينا بإجماع: أن الشاهد العدل مقبول القول لا يدافع فيما قاله. ثم لا سيما إذا كان من أهل العلم، كالذي شهد في هذه العقدة. وكان لها عاصب ثابت النسب أو استحقت عاصبًا بقولها أقرب له بمثل قعدد الثابت إذا كان العاصب قبل أيضًا، إنما ثبت بإقرار متقدم لا إقرارها للآخر. فقلنا في هذا: إن العاصب الذي أقرت به أولا أقعد من الذي أقرت به آخرًا، إذ كان هذا وهذا بإقرار وإن كان الأول ثبت بشهادة فهو الأحق على كل حال، فملا ثبتت شهادة العدل الفقيه أنها في وقت إشهادها ممن يجوز فعلها كان ما أشهدت به ماضيًا، فاعترض العاصب الثابت بان قال إنما أدخلت على من هذا العاصب الثاني مسترابة في جانبي وهاربة بميراثها عني إلى غيري. فإذا كان هذا أوجب أن يكون فعلها وما أقرت به أنها عقدته لهذا العاصب مولجًا إليه، فقلنا له: فما الدليل على قولك هذا؟ وما الظهير الذي ترجو به رد ما وقعت به الشهادات عليها؟ فقال: عدم العاصب، وأنه ممن لا يملك مثل هذا لإقلاله، وغيبة عين الثمن، فلم يظهر عند ذلك البيع، ولا ألفى في تركتها، فيصير وجود الثمن ظهيرًا قائمًا، فرأينا ما احتج به إن ثبت عندك ما قال يوهن ما عقدت، ويدل على أنها ذهبت مذهب الحيف وإزاحة المال عن وارثها، كما رجت أن يكون استحقاقها نقصًا على الغاصب الأول. وقد يمكن أن يكون يحتج محتج فيقول وقد يكون عديمًا فيجد السلف فيبتاع بمال غيره، فيجب أني قال له: إذ قد استبريناك فأثبت الأسباب التي تذهب المريب عنا فيك، والشك في أمرك، وإلا وجب التوقف إن شاء الله تعالى، قال بجميع ذلك أيوب بن سليمان، وعبيد الله بن يحيى، ومحمد بن غالب، ومحمد بن وليد، ويحيى بن عبد العزيز. وقال ابن لبابة: فإن لم يظهر الثمن إذا كان ببيعها في مرض قبل أد الثمن إذا لم يظهر دفعك للثمن أولا أو انحل.

قال القاضي: ما أبعد كلامهم من البيان الصواب، وما أكثر حشوهم في الخطاب رحمنا الله وإياهم وتجاوز عنا وعنهم. من طلب امرأة عند قاض فأنكرته، وأراد صرف نظره إلى غيره من الحكام: قام عندي رجل بكتاب فيه ذلك حق على امرأة، فأنكرت ذلك الحق، فأتى بينة لم أعرفها، فقال الطالب: إن كنت لم تعرفهم ولست أقدر على تعديلهم فدعني أمضي إلى غيرك من الحكام، فقالت المرأة: وكيف بعد أن أنكرت وأتى ببينة لم تقبلهم، وأنا أرجو أن تجره وتقطع طلبه وتعنيته عني، وكيف يخرجني من عدلك إلى من ليس مثلك من الحكام؟ الحواب في هذا إلى اجتهادك، إن كان ما أدخل بينه مشبهة قد يقبلها حاكم ويجعلها آخر، فما بأس أن تكشف عنها، فلعل حق الرجل يصح عند غيرك من غير أن يكون في ذلك قطع بينة، إن كانت بينة ضعيفة، ليس مثلها يرجى قبلها، فلا تخرجها من عندك، واستمر في نظرك كما نظرت في مثل هذا من العجيز، قاله محمد بن عمر بن لبابة. قال القاضي: هذا ألحن الفقه، ولو سوغ الناس هذا وشبهه لكان عونًا على التشعيب وتطويل الخصام على المطلوب، وهم لا يجيزون له التوكيل على الخصام بعد مجالسة المطلوب عند الحاكم، إذا كانت مجاهرته إياهم قد تكررت مجالسة المطلوب عند الحاكم، إذا كانت مجاهرته إياهم قد تكررت مجلسين أو ثلاثة، وانعقدت بينهما مغالات إلا بعذر بين للحكم به، فكيف يسعه ترك النظر في أمره بعد إنكاره مطلوبته وشهادة ببينته؟. هذا مما لا ينبغي أن يقول به أحد، ولا يبيحه حاكم مع ما فيه من إزالة الحكام، والاستخفاف بهم، والتعويض بمسامحة بعضهم. وقد أجازوا تحكيم المتداعيين رجلا يحكم بينهم. قال مالك: وينفذ حكمه عليهما، قال ابن القاسم: وإن قضى بما اختلف فيه، وقال ابن حبيب: قلت لمطرف وابن الماجشون: هل للخصم أن يرجع عن رضاه بتحكيم الحكم قبل الحكم أو بعده؟ فقال لي مطرف: له النزوع عن ذلك في مبتدأ أمرهما، وقبل نظره في شيء بينهما، فأما بعد تشوبهما في الخصومة عنده ونظره في شيء من أمرهما فلا نزوع لواحد منهما، وقد لزمتهما المخاصمة والتمادي فيها، وما جرى من صواب حكمه ورأيه.

وقال لي أصبغ مثله، وشبهه بالخصمين إذا تواضعا الخصومة عند القاضي، فليس لواحد منهما أن يدعها ويوكل مكانه غيرها وكذلك إن وكل فليس له أن يعزله ويوكل غيره مكانه، أو يتولى هو المخاصمة إذا كان قد تواضعا الخصومة والنظر فيها بالمقاعدة وشبهها. وقال لي ابن الماجشون: إذا أشهدا على رضاهما بتحكيم المحكم فلا نزوع لهما لا قبل المواضعة ولا بعدها، ولا قبل الحكم ولا بعده، ولو كان لهما النزوع قبل الواضعة أو قبل الحكم ما لزمهما ذلك بعد المواضعة أو بعد الحكم، ولو كان لهما النزوع قبل المواضعة أو قبل الحكم ما لزمهما ذلك بعد المواضعة أو بعد الحكم، فإذا كان مطلقين منه قبل ذلك، قال ابن حبيب: وهذا أحب إلي، ولا يشبه هذا التوكيل على الخصومة، بل هو كالمولى عليهما في ذلك الأمر بعينه. قال القاضي: فهذا كله يؤيد أنه لا ينبغي للقاضي أن يحل من ابتداء التحاكم عنده رجاء أن يظهر عند غيره، بل يعجزه إن عجز، ويقطع عن المطلوب تعنيته إياه، وكان ينبغي لراغب في مثل هذا أن يختار لنفسه الحكم الذي يظن ظهور حقه عنده، وأما بعد ابتدائه عند حكم يريد العدول عنه إلى آخر فغير سائغ له، وقد كان من ينزل به من الحكام ذلك بقرطبة يوكل بمن بلغه عنه مثل ذلك في الرجوع إليه لإتمام محاكمة إليه وهو الذي لا ينبغي غيره ولا يتسامح في سواه وبالله التوفيق. من مات قبل تمام القضية عليه، وقد كان أعذر به: فهمنا – وفقك الله – ما ذكرت من أنك كنت أعذرت إلى خلف فيما كانت أثبته فاطمة عليه في الجنة التي بالرملة، وأجلته فيما ادعى أجالاً انصرمت وكنت على فصل القضاء عليه لقاطمة، فعجلته المنية. فيجب في ذلك أن تمضي نظرك لفاطمة على ما ثبت لها وتذكر ضرب الآجال على خلف حتى ظهر عجزه، ووجب الحكم عيه فعاجلته المنية، وأن توقف لورثته ثمن الجنان الذي وجب على فاطمة رده إلى ورثة خلف حتى يثبت عندك عدة ورثته وأعيانهم، فتنظر في ذلك بما يجب – إن شاء الله – قال بذلك محمد بن لبابة، وقال تدخل المرأة في الجنان، التي حيزت لها، وثبتت حيازته عندك، وقال بذلك أيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد.

النظر في أسباب مواريث بني البراء بأمر الأمير أعزه الله قرأنا – وفقك الله – ما كتب به الأمير – أعزه الله – من النظر بين بني البراء في مواريثهم، وأن تمسك عن انظر بينهم للمعدم، وأن تسمع من البينة فيه، وذكرت أن بينة شهدت عندك في دار من دور البراء أنها رهن لبعض القوم، وفيهم من يرجى تعديله، وذكر مدخلهم أن عنده من البينة سواهم. وقال: بعض: أن تدخل تلك الدار في الميراث معجلاً. فالذي يجب فيه أن يستأنى في أمر هذا الدار، وتثبت فيها حتى ينكشف لكل حقيقة الأمر، وما يجب به انظر، قال عبيد الله بن يحيى، وأيوب بن سليمان، وقال: ما بيع بيت مال المسلمين من التثبت فيه والاستنابة حتى تنكشف حقيقته وتنضح أسبابه، وقاله ابن وليد، وسعد بن معاذ، وابن لبابة، وغيرهم. رغبة ابن حمدين أن يخرج من السجن لإحضار كتب يراها الفقهاء، وتوكيل على بيع منية مرهونة، وتنفيذ وصية: إن الخصومة – أبقاكم الله – تبين عن كل دقيق، فإذا كثر لفظ قول الخصمين أو أحدهما ظهر المستور، وانتقلت الفتيا وصار نظري إلى التوقف بالحادث من كلام الخصوم، وهو الواجب على أن أتوقف عن الشبهة من الأمور، وقد أجبتموني في أمر ابن حمدين جوابًا عقدته بخطوطكم، وتوركت عليه. فلما خرج ابن حمدين قلت له: إن الكتاب ينطلق بتوكيلهكما المرتهن على بيع الرهن، وأنا إن نظرت فلابد من ثبوت حوز المنية لمعرفة مواقف حدودها، وليكون ما يحتاز منها للوصية معقودًا وتسلط البيع على عين قائمة، فقد كان تنفيذ الوصية إلى حكم الورثة، فقال ابن حمدين: فليمض المرتهن على وكالته في بيع الرهن، فلا يحتاج القاضي إلى موافقة المعضل وهو يجد سبيلاً إلى غيره. ثم ذلك أن بيده كتبًا فيها علل، وهي كثيرة في اللفظ، ولا أخالها عند العيان إلا أكثر اعتياضًا، وطالب الحق يطلب نظري والمحبوس يرغب في الانطلاق، وأنا مقصور على السنة، بحيث تقدمت أو تأخرت صرت، وأنتم الأئمة، وعن رأيكم أصدر، فاكتبوا إلي برأيكم في ذلك؛ لأعمل به إن شاء الله.

وكان فيما طلب ابن حمدين أن أكتب إلى أصحاب الحبس أن يطلقوه فيمضي إلى إخراج ما عنده من الوثائق التي أحببت أن تسمعوها وتجيبوا عليها فإن يكن من حقه فعلت إن شاء الله تعالى. قال محمد بن غالب: قرأنا ما كشف عنه القاضي – وفقه الله – والذي طلب ابن حمدين من الخروج بملطي ليحضر بالكتب من حقه إن شاء الله، إلا أنه إذا أخرج كتبًا بدت فيه معان توجب لبسًا وطولاً في النظر، وامتنع من أجل ذلك بيع الرهن لتحصيل الغلل، ولم يكن له مال غيره، فثبوت ذلك عندك وإطلاقه بالحميل واجب حتى يناظر في الكتب، ويقيم الحجة عن نفسه، وإن كان له مال غير هذا كان محبوسًا حتى يبيع من ماله ما يقضي به عن نفسه، لأن الوثائق تتخذ عدة لمن يكتبها، ليس أن يعني معها ويطول عناؤه، وقاله ابن لبابة. طلب ورثة أبي ريان التجيبي باليمين أنه ما ورث عن أخيه شيئًا: أشرتم علي رحمكم الله بوجوب اليمين على التجيي لورثة أبي ريان. إذا ادعى التجيي أنه لم يرث شيئًا عن أخيه الذي استودعه موسى بن زياد، إذ كان قاضيًا قطيعًا من تركة أبي ريان، فأوصت إلى التجيي بما أشرتم به من وجوب اليمين عيه، فقال عندي: ما أسقطها به عن نفسي، فقلت: وما ذلك؟ فقال: بينة عدل تشهد عندك أن أخي مات فقيرًا. فقال ورثة ريان ليس هذا مما يسقط عنه اليمين، فإن البينة لا تعلم الغيب وإنما تشهد بموته فقيرًا في علمهم، وقد يملك ما لا تعمه البينة؛ من ناض يستتر، وجوهر مما تحويه البيوت، ونحن نقول: إنه هلك عن مالك وصل إلى التجيي، فعرفونا – وفقكم الله – هل يسقط اليمين عن التجيي ما ادعاه من البينة إن شهدت بما قال أم لا؟ فهمنا – وفقك الله – ما ذكرته في ذلك لا تسقط اليمين عن التجيي لو شهد له به عدول أهل قرطبة ألا ترى أن القاضي يحبس المفلس لدين يثبت عليه فيكشف له عدمه وتشهد بذلك بينة على علمها، ولابد من يمينه مع ذلك ما له عوض ولا فرض ولئن رزقه الله ليقضينهن ثم يطلقه القاضي في حبسه، وبذلك قضى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ووجبت اليمين، لأن الشهادة في ذلك على العلم، ولو كانت على البت كانت غموسًا. وكذلك وارث الميت يحلف بالله ما صار إليه من تركته شيء، ولا وجد له مال،

ولا ورثته عنه، وكذلك يحلف التجيي إذا شهدت البينة أنا لا نعلم أنه تخلف مالا، هذا الذي ترى وانتهى إلينا علمه، قاله ابن لبابة. في التعدي على أعوان القاضي والاستخفاف بهم: قرأنا – وفقك الله – الشهادات الواقعة عندك على بني السوسي باستخفافهم وتعديهم، فرأينا شهادات توجب عقوبتهم في انتهاكهم حرمة السلطان واستخفافهم بقضاء المسلمين، وتعديهم على الرسل وعلى الطالب لهم، وإذا لم يحم مثل هذا لمن تأمل أغلظ منه مما يقود إلى فتنة. ونحن أشرنا عليكم أن توقف هؤلاء إن كانوا زرعوا هذه الأرض التي عقلت لقسمتها بين أهلها ونفذت فيها قضاء محمد بن سلمة قبلك عيهم، قاله ابن لبابة، وعبيد الله بن يحيى. وأرى أن تستبلغ في التغيير على بني السوس وتعاقبهم بأبلغ العقوبة. وقال بجميعه محمد بن وليد، وأيوب بن سليمان، وابن معاذ، ويحيى بن عبد العزيز، وطاهر بن عبد العزيز رحمهم الله أجمعين. دعوى خصم ابن حكم المدفع فيما قضى به عليه وهو حاضر: كشفتنا – وفقك الله – عما قام به عندك محمد بن حكم على عبد الله بن محمد وثبوت ذلك الحكم عندك، وشاورتنا بعد ثبوته بالعدول من البينات فيما يجب عليك من النظر في ذلك، فأشرنا بأجمعنا إنك تبيح له المدفع في الشهود الذين شهدوا عندك على إشهاد محمد بن مسلمة إياهم إذا كان قاضيًا بقرطبة على ما ذلك في ذلك الكتاب وما أنفذ فيه القضاء على عبد الله بأبحت ذلك له بمشهدنا. فذكر عبد الله أنه لم يدفع في الشهود الذين حكم بهم محمد بنن مسلمة عليه، وكان ردنا عليك بأجمعنا أن الحكم يظن أن محمد بن سلمة لم يحكم عليه إلا بعد إعذار يستبلغ فيه، فلو كان عنده يومئذ مدفع لحضره به، ولما نفذ القضاء عله يومئذ فتوقف عن اعتراض حكم ابن مسلمة، ونفذت ما اجتمع عيه ملؤنا، وأشهدت على ثبوت حكم ابن مسملة عندك إذا لم يدفع عبد الله في الشهود الذين ثبت بهم عندك نظر ابن مسلمة وحكمه، فكان هذا من النظر الواجب، والأمر اللازم الذي لا يحل غيره. وكان مما أشرنا به عيك حيازة الحبس والأمر بقسمته بين أهله، ورأينا أجمعون أن

مثله ممن قد استربته بإنكار النحلة التي ثبتت عليه مما يجب أن يسقط به نظره لها، فكتب كله وأنفذته بالإشهاد عليه، قاله محمد بن غالب، وعبيد الله بن يحيى وابن لبابة، وأيوب بن سليمان ويحيى بن عبد العزيز، وسعد بن معاذ. قال القاضي: قد تقدمت مسألة ابني صلتان في اعتراض المحكوم عليهم في الحكم لهما وهي من هذا الأصل، وتقدمت مسألة القبلة في إنكار ما جهز به ابنته، وقولهم أشرنا بحيازة الحبس وقسمته بن أهله، يريد قسمة اعتمار وانتفاع لا قسمة تمليك لأبد، وهو وجه فيه تنازع وربما ذكرناه فيما يأتي إن شاء الله تعالى. الشهادات بموت سماك بن محمد وعدة ورثته وملكه لدور بقرية فلان، واعتقال الملك لدعوى ابنه أنه كسبه مما لم يرثه عنه: شهد عند القاضي أحمد بن محمد بن فلان بن فلان الفلاني أنه يعرف سماك بن محمد، توفي فأحاط بوراثته في علمه ولداه محمد وأحمد وزوجة فلانة ابنة فلان، وأنه خمس دور بقرطبة، ويحوزونها بالوقوف إليها ولا يعلم ملكه زال عنها إلى أن توفي، وشهد محمد بن عبيد بمثل ذلك. نظرنا – وفقك الله – الشهادات الواقعة لابني سماك في هذا الكتاب، فرأيناها على عدة ورثة سماك، واختلف في العدة واجتمع شاهدا عدل على عدة ورثة سماك وابنه أحمد، وشهد شاهد عدل على معرفة عين سماك، ومعرفة ملك دوره على اختلاف شهادات في العدد، فيجب إذ قد ثبتت موت سماك وعدة ورثته بشاهدي عدلن وشهد شاهد عدل على ملك سماك بقية فلانة، أن يكلف حوز ملك سماك من القرية فيعتقل إلى أن يستكمل النظر في إثبات الملك لسماك. وفيما ثبت من الورثة بعد الإعذار إلى محمد فيما ثبت عندك، وكذلك في الدور ما ثبت عندك منها يشاهد عدل وجب عقله بعد الإعذار إلى محمد في ذلك، ثم ينظر في استتمام النظر بما يجب، وإن ادعى محمد بن سماك كسبًا غير ميراث أبيه بالقرية، فإن كان مما حازه أحمد بن زيد منع من عمله؛ لأن العقلة أخذته، وإلا فلا يمنع من عمارته ما لم يجز، إلا أن يشهد آخر بمثل شهادة أحمد أنه لا يعلم لمحمد بها مالاً غير وراثة أبيه، فيمنع حينئذ من عمارة الجميع إلا أن يثبت كسبه، قاله عبيد الله بن يحيى، وابن لبابة وغيرهم

قال القاضي: انظر في هذا الجواب العقلة بشاهد واحد عدل، وقد ذكرنا التنازع فيه في أول الكتاب ببيان مقنع إن شاء الله، وفي الحكاية هنا عن شهادات الشهود تخليط، وكذلك قولهم في الجواب ما ثبت عندك منها بشاهد عدل وجب عقله بعد الإعذار إلى محمد؛ لأن الأعذار إنما يكون بعد العقلة ولأن ما شهد به واحد لا يقال فيه ثبتن إنما يثبت إذا انضافت إليه يمين الطالب أو شاهد آخر، وبالله التوفيق. ملك بين منع بعضهم أكثره فلم يوجد من يحوزه، فشهد أنهم لا يعرفون لهم دخوًا في القرية إلا بسبب مورثهم، وفي المسألة التي فوق هذا من هذا المعني. أعلمنا – وفقك الله – أن امرأة قامت عندك فزعمت أن زوجها توفي عن مال بقرية فلانة، وأن لها منه ابنًا وابنة، وأن الذي لزوجها بالقرية هذه أطل عليه من زعم أنه ناظر المال ينظر عليه، وقد بقيت بزعمها هي وابناها، فبقي لابد من نظر قاضي، وأثبتت عندك موت زوجها وعدة ورثته. وقلت: إن هذا المال كان مجملاً كما توفي عنه سماك وهو كثير وافر، وحيازته صعبة على إلا أني أثبت بالبينة أن أبا زوجي هلك عن مالك كثير بهذه القرية، وأن ابنية – أبا شيبة وزوجي – أحاطا بوراثته مع أمهما، وأن ابنيه لا يعلم لهما مال بهذه القرية إلا ما ورثاه عن أبيهما سماك، ودعت إلى كشفنا عما يجب لها مع ثبوت دعواها هذه إن ثبتت لها. فالذي نقول به: إن المنزل إذا عرف للأب، وإنما كان يغشاه الولد بسبب الأب، فهو على الملك الأول حتى يثبت به يبين به كل واحد منهما بنصيبه منه، فإن زعم أحد الفريقين أن له مالاً أحقته البينة ويجب حينئذ إن شاء الله أن يقال لهذا المدعي الإصلاح على الأيتام أن ادعى ذلك؟ لسنا نسألك إلا عن إصلاح من غيره، ولكن ما تقول في المال أجمع هو بينك وبين أخيك؟ فإن قال: نعم، فقد أنصف، وصدق ما قال أنه من أهل الإصلاح عليهم. وإن أدخل حجة وانتقل إلى ادعاء ماله فأمض العقل عليه في الجميع إن حيز أو فيما حيز من ذلك، وامنعه العمل فيما لم يحز حتى يثبت له ما ادعاه، إلا أن يقول إنه يعلمه لغيره على معاملة، فيكشف عن ذلك، وأنت في كشف هذا ومثله عن الصغير ومن لا ناظر له في ثواب وأجر جزيل. قاله ابن غالب.

وقال ابن لبابة: وجه ابتداء النظر في هذا الذي رفعته المرأة أن تأمر بإحضار هذا الأخ فتكشفه عما رفعته، فإن أر به كان كما أفتى أبو عبد الله بن غالب، وإن أنكر جميع ما رفعت كلفت المرأة البينة على ما ذكرت، فإذا ثبت وجب عقل المال وإخراج هذا الأخ عنه والإعذار إليه، فإن جاء بمدفع نظرت فيه بما يجب ويظهر لك، وإن لم يأت بمدفع نظرت لأيتام بما يظهر لك من حقهم إن شاء الله. وقال أيوب بن سليمان بمثل ذلك، وعبيد الله بن يحيى، ويحيى بن عبد العزيز. قال القاضي: أراد ابن لبابة أن يعرب فأعجم، فليته سلم فيسلم فلم يأت بشيء زائد على ما ذكره المفتي قبله، بل أخطأ في قوله وجه ابتداء النظر فيما رفعته أن تأمر بإحضار هذا الأخ. ولا يجب رفعه بإجماع من أئمة علماء المذهب إلا بعد إثبات الموت وعدة الورثة، فإن قيل: إن هذا قد ثبت على ما ذلك في السؤال، قيل: فلم يزد شيئًا على ما تضمنه قبله، وكلاهما قد قصر في الإعراض عن ذلك زوجة سماك إذا لم يلزما القاضي كشفها ولا الإعذار فيما ثبت إليها، وإن كانت منيته فكان ينبغي أن يكتفي بوجوب ثبوت موتها. وكذلك أغفلا أن يشيرا عليه بالتقديم لليتيمين من ينظر لهما، ويتكلم عنهما، وإن كان قد ثبت أن لهما وصايا من أبيهما، فكان يلزم إحضاره وكشفه عما عنده في هذا المطلب، وهذا كله نقصان من وجوه الحكم إلى غير ذلك مما تركنا ذكره لئلا يطول الكتاب. وفي مسائل القاضي أبي بكر ابن زرب: من هذا المعنى قال: هذه مسألة ينبغي لكم أن تحفظوها. الرجل يتخلف ملكًا في قرية فيزعم بعض ورثته أن له ملكًا فيها، ملك ذاك بغير الميراث؛ بابتياع أو غيره، كان القول قوله مع يمينه فيما يقربه من جملة ما في القرية من تركه المتوفي، وإن لم يعلم ذلك وعلم أنه لم يكن له فيها ملك خالص بغير ذلك الميراث، فجميع ذلك موروث إلا أن يقيم البينة على أنه كان له فيها ملك خالص بغير ذلك الميراث، وكذلك الرجل تشهد عليه بينة أنه غصب ملك الرجل بقرية، ولا يعلم أن له بتلك القرية ملكًا غير الذي شهد عليه بغصبه، ويزعم أن له فيها ملكًا فإنه يحال بينه وبين ذلك المال، ويكلف إقامة البينة على أن

له فيها ملكًا غيره، فإن أقام بينة وإلا أخرج عنه، وإن شهدت عله بينة بالغصب، ولم يعرف الملك المغصوب، ولا علم إن كان له في القرية غيره أم لا، فإنه يقال له: أبرز الملك المغصوب المشهود به عليك، واحلف أن لك الباقي، ويكون ذلك لك. سئل القاضي أيضًا عمن هلك وترك بنين وبنات وأرضين وقرى وعقارًا، فتزوج البنون والبنات، وخرج كل واحد إلى داره، وملك البنون جميع العقار، وكانت تحت أيديهم، واكتسبوا أرضًا لأنفسهم وعقارًا غيرها أضافوه إلى ما بأيديهم من أملاك أبيهم، وملكوا ذلك عشرين سنة، وكانوا يعطون البنات مقدار أنصبائهن من غلة مواريثهن عن أبيهن طول هذه المدة، ثم أراد جميعهم قسمة ما تخلفه أبوهم. وقال البنون: بعض هذه الأملاك من كسبنا وقال البنات: بل جميعها موروثة عن أبينا. فقال: إذا كان دخول البنين في القرى بسبب ميراثهم في أبيهم فعليهم إثبات ما يدعونه من الاكتساب الزائد على الموروث، فإن عجزوا عن ذلك حلف البنات على إنكار ذلك أو رددن اليمين على إخوتهم إن شاء الله. دعاوى بني أبي عبدة في قرية أكتسل وثبوت تحبيس فيها، وهي من المعنى الذي فوق هذا: من أحكام ابن زياد فهمنا – وفقك الله – ما تداعى فيه بنو عبد الله بن أبي عبدة من قرية أكتسل، وثبوته كتاب عبد الله بتحبيس ملكه بها على ابنتيه البكرين، ودعوى الكبيرين من بنيه أن المال مالهما من غير سبب أبيهما، وما شهد به عندك من أنه لا يعلم الشهود لبكر وعبد الغافر ملكًا بهذه القرية غير ما ذكره عبد الغافر في شهادة الشاهد، فيجب في ذلك أن تأمر هذين الكبيرين بغثبات ما ادعيا أنهما استفاداه. فإذا أثبتا كانا ا؛ ق ممن شهد أنه لا يعلم لهما بها ملكًا؛ لأن من علم أولى ممن لم يعلم، وإنما وجب عليهما إثبات ما ذكرناه بشهادة الشهود أنهم لا يعلمون لهما بهما ملكًا، فبهذا يدفعون عن القرية إلا بما يجوز به الطعن في تحبيس أبيهما، والمدفع فيه. قاله عبيد الله بن يحيى، وابن لبابة. دعوى ابتياع فيه محاباة وتوليج: قامت عند القاضي – وفقه الله – حجاجة بابتياع من عمه لها لما في الكتاب الذي قامت به، وفيه أن بعض الثمن قصاص من حق أقرت لها به، واقتضاء البعض بمحضر من

شهد ذلك ممن أجزت علمه، فالصفقة تامة في البيوع إن لم تكن فيه محاباة، فإن كانت فيه محاباة كانت في الثلث. ثم إن ثبت عندك من العمة في اللصوق بها، وتباعد ما بين العمة وابن أخيها الوارث، سقط الإقرار في المقاصة، وأخذت حجاجة بتلك العدة من الثمن، وهذا إن كان قد ثبت عندك أن هذا الفعل كان في المرض، ومضى لها المقبوض الثابت قبض العمة له، وقد وقعت عندك شهادات من قبلت في حين كتابنا هذا الجواب بتباعد ما بين أبي أخي كنزة وبينهما، ويتقارب ما بين حجاجة وعمتها، وإنها كانت منها بسبيل خدمة وقيام حتى وجب الاتهام ووقعت الظنة بمثل هذه الحال، فأمض النظر – وفقك الله – لهذه الشهادات بما في صدر جوابنا، فهذا الذي نقول به. قاله ابن لبابة، وابن غالب، ويحيى بن عبد العزيز. رجلان تداعيا غلاماً: سألت – وفقك الله – في المملوك الذي تداعى فيه الرجلان وأتيا به وبثباته، كل واحد منهما يدعي أنه مملوكه، فالذي يجب أن تأمر بإيقافه في الحبس، أو بيد من تثق به حتى يثبته أحدهما فتحكم به لمن اثبته بعد الإعذار إلى صاحبه. قاله عبيد الله، وابن لبابة، ومحمد بن وليد. رجل ادعى خادمًا في ملك ابن حفصون: وقد تقدم هذا المعنى قبل هذا في مسائل العتق: قرأت – وفقك الله – بطاقة ابن أثلة المرفوعة إلى الأمير – أطال الله بقاءه – المصروفة إليك المكتوب في ظهرها أمره إياك بالنظر له بواجب الحق ولازم السنة، وفهمنا دعواه في النصرانية بما نطقت به بطاقته، فألفيناه قال إنه كان يملكها في حصن بياشتر، وأن ابن حفصون أخذها وزوجها، ثم انتقلت إليه بنظر القائد، وصرف فروة لهما إليه مني، وأحببت أن تعلم ما عندنا فيما رفعه ابن أثلة، لتنظر له بنظرك للعامة التي قلدك الله النظر لها من الحق والعدل. فالذي نقول به إن بياشتر وما انضوى إلى المرتد ابن حفصون من الحصون التي تجاوره، أو نأت عنه موضع فساد ودار حرب، ومن ملك هناك مملوكًا أو مملوكة لم يستحكم له الملك كما يستحكم لمن ملك في موضع الطاعنة، وحيث تجوز أحكام ولاة الأمير أكرمه الله، إلا أن ابن أثلة كان من قوله في البطاقة إن هذه النصرانية ليست الآن في

يده، وإنما هي بيد غيره، وذلك أنه قال: إن ابن حفصون أخذها فأزال ملكه عنها وزوجها فأقر بأخذها، وكونها تحت زوج بعد ما ادعاه من كونها بيده، فما ترى له مقالاً فيها بدعوى ملكها، ولو أقرت له بذلك. فإن أثبت بالبينة ملكًا صحيحًا لا ليس فيه وجب الحكم له بها على ما جرت به أحكامك في هذا ومثله، والاستقصاء لمن حكمت له وإن لم يأت بذلك، فما ملكه ابن حصفصون ليس بملك ينعقد، وهي على الحرية والإطلاق لمن علق الملك بالوجهين جميعها. احدهما: أنها ملكت بدار الحرب، وحيث تجري أحكام الشيطان. والثاني: إقرار بان أثلة أنها بيد غيره، وأنها تحت زوج. فلا أرد قوليه هذين بدعواه التي تثبت بالإطلاق واجب، فما أجلته ووسعت عليه في ضرب الآجال له في البينة بما تقدم من فتيانا عندك في هذا غير مرة، وقد حكمت بحمل البينة على كل من ادعى ابتياعاًا في مملوك أو أمة بموضع الفتنة، وحيث لا يتسلط الحق، وحررت بذلك غير واحدة، وكان ذلك فتيانا وما عقدنان لك بخطوطنا، وقد وجب لهذه مثل ذلك، فاطلق سبيلها إلى الحرية التي عليها جميع من ادعى الملك بهذه والأمكنة فإنك إذا فصلت وافقت الحق وقضيت به، وفصلت بعدل وشفعت به نظرك المحمود منك، إن شاء الله تعالى. قاله أيوب بن سليمان، ومحمد بن غالب، وعبيد الله بن يحيى، وابن لبابة، ومحمد بن وليد، ويحيى بن عبد العزيز، وسعد بن معاذ، وأحمد بن يحيى. وقال أيوب بن سليمان: نظرت فيما كشف القاضي وفقه الله عنه في شأن النصرانية، المحكوم لها بالحرية على ابن أثلة في إرجاء الحجة لها إذ كان غائبًا أو اتخاذ حميل عليها إلى حضور ابن أثلة، فالذي نقول به: إن الحكم على الغائب أن ترجأ له الحجة، وليس اتخاذ الحميل على هذه المطلقة بواجب ولا لازم، وقال ابن لبابة، وابن وليد جميعهم. كذا وقعت في الجزء الرابع من أحكام ابن زياد. في امرأة ادعت على رجل أنه غرب ولدها: فهمنا – وفقك الله – ما كان من تظلم امرأة عندك من أهل ترجيلة من رجل أخذ ولدها صغيرًا وغربه عنها، وأقر الرجل بتغريب الصبي، وادعى أنها امرأته تزوجها بقرطبة، وصدقته المرأة في دعوى نكاحها، ولم يثبت عندك التناكح، وقالت المرأة: إنما نحي عنها

الولد لتبيح له نفسها بلا نفقة بقيمها لها ولا عائدة يعود بها عليها، وأمرت بحبسه إلى أن يحضر الصبي إذ لم تأمن زواله فتصير المرأة بذلك إلى اتباعه والخروج معه إلى حيث أحب، والمساعدة له على ما أراد، شفقة على ولدها، وأحببت أن تعلم هل تشردك عليه بالسجن صواب. فالذي نقول به أن الذي فعلته من ذلك واب ورشد، وقد أجمعنا لقاضي أن له أن ينظر باجتهاده نظره بمثل هذا وشبهه، فزاد الله القاضي رشدًا وتوفيقًا. فما نظر إلا بالحق، وقد شهدنا نظره في ذلك، ورأينا من لفظ الترجيلي وتسلطه ما كان يجب به أدبه فضلا عن حبسه. قاله محمد بن وليد، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن لبابة. قال القاضي: ذكروا أن الترجيلي ادعى أن هذه المرأة زوجته، وأنه تزوجها بقطربة، وصدقته امرأة، وقالوا: ولم يثبت عندك التناكح، فليت شعري ما الذي منع منه القاضي ومنعهم من كشفها عن موضع تناكحهما، والولي العاقد له بينهما، والشهود عليهم بذلك، فإن بان له كذبهما، وأقرا بان ذلك الولد منهما، أو به حق له بها، أو وطئه إياها؛ أقام الحد عليهما، على ما في المدونة وغيرها في حامل قالت: استكرهت، لم تصدق وحدث، بخلاف لو كانا طارئين، وهذا مننهم تقصير، وبالله التوفيق. دعوى في دار ثبت نصفها لمصابيح وذكر نحله لم تثبت على العبدي المطلوب بها: فهمنا – وفقك الله – ما أردت معرفته فيما ثبت من نصف الدار التي فيها العبدي لمصابيح، وطلب العبدي عقلة نصف الدار التي تسكنها كنته بزيعة إذ ثبت عندك أنها للعبدي، وقيم عليه بنحلة شطرها، وادعى عليه في النصف الثاني بنحلة لم تثبت، فالذي نرى أن العقل قد وجب في شطري الدار، حتى يبدو لورثة مصابيح قسمة النصف الذي ثبت لها، ويؤجل القائم عن فاطمة في إثبات نحلته إياها الشطر الثاني الذي لم يقر به العبدي. فإن ثبت لها ولم يكن للعبدي مدفع في ذلك أطلقت يد فاطمة في ذلك الشطر، وإن عجزت عن إثبات الخلطة نظرت في ذلك بما يجب إن شاء الله، والدار لم يعتقل نصفها بدعوى النحلة أنها كلها تعتقل بالخروج عنا، من أجل أن العبدي قد ورث في ولادة ابنه ابنه، إلا أن يبدو لورثة ولادة القسم فيقسم بينهما، ولا يجوز القسم في النصف الذي هو

لولادة حتى يخرج منه الثلث الذي عهدت به ولادة في كتاب وصيتها الثابتة عندك إن كان مما يحتمل القسم، ويعطي الورثة قيمة ذلك الثلث من أموالهم فيكون ذلك لهم ويقتسمون النصف، وإن لم يؤامن التقاسم وجب اعتقالها كما قلنا بالخروج عنها، وإن أراد الورثة إعطاء القيمة قومها رجلان من أهل المعرفة بالقيم فيما قوماها به كان ذلك ثمنها، ولا ينظر إلى من يزيد على ذلك. قاله محمد بن لبابة، وعبيد الله بن يحيى، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد، وسعد بن معاذ. دعوى بين ابن الحراني وابن أبي البهلول: فهمنا – وفقك الله – ما أظهره ابن الحراني من الكتاب الذي فيه أن ابن أبي البهلول قال إن الذي في صدر كتابه هو آخر دعواه، فاحتملت هذه اللفظة أن يرد بها آخر حقوقه، وأن يردي آخر دعواه وإن يكون آخر دعواه غير ما نظر فيه من الربعة الأقفزة التي ثبتت عندك بإقرار ابن الحراني بها، فترى أن يحلف ابن أبي البهلول: بالله الذي لا إله إلا هو ما أردت آخر حقوقي في غير ما نظر فيه من الأربعة الأقفزة، فإذا حلف وكلت على ابن الحراني حتى يبرز له أرضًا لأربعة أقفزة، ولابن أبي البهلول: رد اليمين على ابن الحراني، فيحلف أن ردها عليه بالله الذي لا إله إلا هو لقد دخلت هذه الأربعة القفزة فيما قطع عني من دعواه، وأنها داخلة في حدود الأرض، إذ وجدتها قد عورت. فإن حلف هكذا سقطت عنه الأربعة الأقفزة وكراؤها من يوم إقراره عند محمد بن سلمة، إذ كان قاضيًا بقرطبة، وذلك في عقب ربيع الآخر من سنة تسع وثمانين ومائتين السنين التي زرع فيها الأربعة الأقفزة، قاله عبيد الله بن يحيى، وابن لبابة، ومحمد بن وليد، وأيوب بن سليمان. في دعوى بينهما أيضًا: فهمنا – وفقك الله – ما تنازع فيه منصور وابن الحراني من طلبة منصور، وكشف ابن الحراني عن المنزل الذي وصفه في الرق الذي يريد كشف عنه، وقول ابن الحراني سمي طلباته كلها، فالجواب في ذلك أنه إن كان ابن الحراني قال: جميع دعوياتك في المنزل وغيره فليس ذلك، وله أن يكلمه فيما سأله، ولا يضمه إلى الخصومة في غير المال، يطلب من حقوقه ما شاء، ويسكت عما شاء. وإن كان إنما قال له: هل لك في القرية دعوى غير ما ذكرته في الابتياع، وعنه

يكشفني، فذلك له، فإذا قال: جميع دعاوي في هذا المنزل أنه لي بابتياعي ليس لي فيه دعوى غيرها، لزم ابن الحراني الانكشاف فيه بالإقرار والإنكار. قاله ابن لبابة، وعبيد الله بن يحيى، ومحمد بن وليد، ويحيى بن عبد العزيز، وأحمد بن أبي عيسى. دعوى ثالثة بينهما في أرض: فهمنا – وفقك الله – ما تنازع فيه ابن أبي بهلول وابن الحراني، من اليمين التي طلبها ابن الحراني من منصور أنه قد علم بارتهانه، وقول منصور بن أبي بهلول لابن الحراني: فهل قبضت ما ارتهنت؟ فقال ابن الحراني: لا ولكني بعت بتوكيل الراهن لي على البيع، فقال منصور: متى بعت؛ أقبل شرائي أم بعده؟ فقال ابن الحراني: قبل اشترائك وقد علمت أنت ذلك، ولكن احلف لي أنك لم تعلم بارتهاني ووكيل ابن أبي بهلول لي على البيع قبل اشترائك. فالذي نراه – والله الموفق للصواب – أن اليمين تجب على منصوب أنه لم يعلم بالرهن الذي ذكره عمرو، ولا بتوكيل ابن أبي بهلول له على البيع، فإذا حلف سقط عنه ما ادعاه عمرو الحراني، فإن نكل حف عمرو: لقد علم منصور بالارتهان والبيع، فإن حلف صار ما ذلك أنه كان رهنًا بعد أن يظهره ويجوزه، ويكون الأربعة أقفزة أو نحوها لدين عمرو على ابن أبي بهلول، ولغيره ممن ثبت على ابن بهلول دينًا، ولابد من إظهاره هذه الأرض وإبرازها وعقلها، إلى أن يأمر القاضي ببيعها لأهل الدين إن شاء الله، إلا أن يأتي منصوب ببينة أن يبيع عمرو لهذه الأرض من ابن دحون لبعد تاريخ اشتراء منصور هذا من ابن أبي بهلول، فتسقط اليمين عن منصور، قاله ابن لبابة، ومحمد بن وليد، ومحمد بن غالب. دعوى بين هشيمة وابن عمها من بين مزين، في أحقال بقرية شيتمة البربر: فهما –وفقك الله – ما ذكرته هشيمة بنت سعيد بن مزين قامت بعد أن ثبت عندكم موت أبيها وعدة ورثته، فذكرت أن محمدًا ابن عمها جعفر يعترضها في أحقال من أرض أبيها سعيد بقرية شيتمة البربر، وسألته النظر لها وحضرت بمحمد فسمع دعواها وأنكر اعتراضها في يأحقال من مال أبيها، وقال: إنه في نصيبه بهذه القرية من ميراث أبيه جعفر، فقالت له هشيمة: فهل بيدك في هذه القرية أحقال من مال محمد بن سعيد بن مزين، فقال: بيدي أحقال ابتاعها أبي من محمد بن سعيد أخي ودخوله في هذه القرية

وجميع ورثة أبي بسبب ميراثنا له. فهذه الأحقال يجب لجماعتنا فيها الميراث حتى يثبت انفراد محمد بها بما يوجب إثباتها له، وطلبت أن تعتقل الأحقال على محمد بن جعفر، أو يثبت أنها لم تكن مال سعيد أو يثبت أنها صارت لبائعها محمد بن سعيد بغير أبيه سعيد، فقلت: أكرمك الله إنه شهد عندك شاهدان عرفتهما انهما يعرفان بيد سعيد بن مزين مالاً بقرية شيتمة البربر، ويعرفان القرية بعينها، ولا يقفان على حايزة ما كان بيد سعيد منها، ويعرفانه يملكه حتى مات وتركه ميراثًا لورثته. وفي شهادتهما أن جعفر بن يحيى أشهدهما على ابتياع أحقال بهذه القرية من محمد ابن سعيد، وفي شهادتهما أيضًا أن جعفرًا لم يدع في مال سعيد بهذه القرة في علمهما غير الذي ابتاعه من محمد بن سعيد، وشهد عنده خالد بن وهب وغيره في معرفة أرض سعيد، ثم صرف عنك النظر في أمر هشيمة وخصمها نحو ستة عشر شهرًان ثم أعيد إليك، وأمرت بالنظر بنيهما، فسألت هشيمة أن ينفذ لها ما كان شهد به عندك قديمًا في أرهما، فأمرتها بإعادة الشهود، إذ كان نظرك لها مستأنفًا، وأحببت أن تعرف إن كان ما أمرتها به واجبًا عليك أم لا؟ وهل يجب اعتقال تلك الأحقال وتكليف محمد بن جعفر ما طلبت هشيمة أن تكلفه؟ وهل يجب عليه أن يثبت ابتياع أبيه جعفر للأحقال التي ذلك الشهيدان أنه أقر عندهما بابتياعها من محمد ابن سعيد؟ فلم يقم عندك محمد بن سعيد ولا أحد عنه على ولد جعفر بشيء، فالذي نقول به والله الموفق للصواب: أن ما أمرت به هشيمة من إعادة البينة صواب واجب إن شاء الله، ولا يجب أن نكلف ابن جعفر أن يثبت ابتياع أبيه من محمد بن سعيد ما ذلك ابتياعه منه، إذ لم يقم عليه في ذلك محمد بن سعيد ولا أحد عنه، ولا يجب اعتقال الأحقال لقول هشيمة أنها من مال أبيها، إلا أن تثبت عندك أن محمدًا لم يدخل القرية إلا بسبب أبيه سعيد، أو يشهد عندك عدل أنها من مال سعيد ويحوزها الشاهد، فيجب عندك ذلك اعتقال الأحقال بعد الإعذار إلى من وجب أن يعذر إليه فيه. قاله أيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد، وعبيد الله بن يحيى، ومحمد بن لبابة. قال القاضي: قد تقدم من قولنا أن حشو كلامهم كثير، وفي أجوبتهم تقصير، وإن كان لهم تقدم

ومكانه معلومة، وإنما نحن بشر، والنقصان فينا غير ينكر، وهذه المسألة، وما أفتوا به من ذلك المعنى الذي نبهنا عليه وأشرنا إليه، والرغبة في الإعراب عن الصواب تحمل على ذلك سقوطهم في السؤال والجواب، فمن ذلك في هذه المسألة قولهم: فهمنا أن هشيمة قامت بعد أن ثبت عندك مموت أبيها وعدة ورثته، وإنما صوابه أن هشيمة قامت عندك وأثبتت موت أبيها ووراثته ورافقت إليك ابن عمها فلانًا. أو كانوا يقولون أن هشيمة أثبتت عندك موت أبيها ووراثته، وقامت على ابن عمها فلان في كذا أو نحوها، مما يقتضي أن قيامها كان بسببه ثبوت موت أبيها، وأما على ما سطروه فغنما يعطي أنها لم تكلف هي إثبات موت أبيها وعدة ورثته، وإنما أثبته مثبت، ثم قامت هي مازعة لابن عمها دون أن تكلف هي إثبات ذلك، وطريقة الحم التي بها مضى العمل أن على كل من طلب حقًا بسبب ميت أن يكلف إثبات موته وعدة ورثته، وإن كان موته مشهورًا عند الحكم وغيره، وسلكوا هذا السبيل في جوابهم، فقالوا: فيجب عند ذلك اعتقال الأحقال بعد الإعذار، وهذا محال، إنما الإعذار بعد الاعتقال. وقد تقدم لهم نحو هذا المقال، وإنكارنا له هناك أبين ومن ذلك قولهم: ما أمرت به هشيمة من إعادة البينة صواب واجب، بل ذلك تكليف غير واجب، وإلزام غير لازم، إذ لا فائدة في إعادة الشهادة فيما قد شهد به عنده، إذ هو نفس المطلوب عند ذلك القاضي بعينه، وهو باق على خطته لم يعزل عنها، ولا حل سواه فيها، وقد كان يلزمه إذ أمر بترك النظر فيما بينهما ألا يأتمر حتى يعزل إن كان قد بان لها حق قبل خصمها، ولا ينظر في قول الأمير. وهكذا ذكره ابن حبيب عن أصبغ في كتابه، وأما إن كان أمره بالكف عن النظر بينهما قبل أن يلوح الحق لطالبه في مبتدأ أمرهما فله أن يدعهما، وفي هذا الجواب الاعتقال بشاهد واحد، وقد ذكرناه بما فيه من التنازع في أول الكتاب والله الموفق للصواب. مشورة أخرى في أمر بني مزين: فهمنا – وفقك الله – ما تنازع فيه جعفر بن يحيى، وهشيمة ابنة سعيد بن يحيى، ومن إقرار جعفر أنه إذا ثبت ملك سعيد كما ذكت البينة، وادعى أحد ورثة سعيد ملكًا مستفادًا غير ما ورث عن أبيه، فعليه إثبات غير ما ورث مما استفاد، وإلا فالمال للمورث، هذا الذي أدركنا عليه أحكام القضاة ببلدنا. قاله ابن لبابة، ومحمد بن وليد.

وقال يحيى بن عبد العزيز: نظرنا إلى إقرار جعفر أنه لا حق له بهذه القرية إلا ما اشتراه من محمد بن سعيد، فإن كان أحد يقوم عن محمد أو يقوم بنفسه قيل لجعفر أو لورثته: قد أقررت لمحمد فأثبت ما ادعيت عليه، وقد يملك الابن مع أبيه، وقد يشتري من الأجنبيين مما لم يرثه عن أبيه. وقال سعد بن معاذ بمثل قول يحيى بن عبد العزيز، وقال أحمد بن يحيى بمثل قول ابن لبابة، وقال عبيد الله بمثل قول ابن عبد العزيز، وقال بذلك يحيى بن عبيد الله. مشورة أخرى في أمرهم: فهمنا ما شهد به الشهيدان من أنهما يعرفان بيد سعيد بن مزين مالاً بقرية شتيمة ويعرفان القرية بعينها، ولا يفان على حيازة المال الذي كان بيد سعيد منها، ويعرفان ذلك في ملكه حتى مات وتركه ميراثًا لورثته، وفي شهادتهما أن جعفر بن مزين أشهدهما على ابتياع أحقال بهذه القرية من محمد بن سعيد بن مزين، ولم يدع جعفر في شيء من مال ورثة سعيد بهذه القرية غير الذي ابتاعه من محمد ابن أخيه سعيد، وفي شهادتهما أنهما يعرفان ورثة سعيد بن مزين وهم بنوه محمد وهشيمة ورقية وفاطمة لا يعلمان له وارثًا غيرهم، وأنهما يعرفانهم بالعين والاسم والنسب. فالذي يجب في ذلك أن تحمل ولد جعفر إثبات ما زعم أبوه جعفر أنه اشتراه إذا ثبت عندك إقرار جعفر بذلك، وثبت عندك قول ورثة جعفر إنه هو على ميراث بقرية شتيمة عن أبيه فيما زعم أنه لا ملك له غير ميراثه عن أبيه جعفر، وقال جعفر: إني اشتريت من ابين أخي لم يدع غيره، فعليه إثبات اشتارء أبيه وحيازته، فإذا حازه وجب له، إلا أن يكون لمحمد بن سعيد في ذلك مدفع، قاله ابن لبابة وابن وليد، وقال أيوب: شهادة الشهيدين فيما زعما أنهما عرفاه بيد سعيد ساقطة حتى يحوزه غيرهما، لا اختلاف وفي هذا بين أصحابنا. وأما شهادتهما على جعفر بالإقرار بالابتياع من محمد بن سعيد فغير ضائر لورثته جعفر لأنه إنما اقر أنه ابتاع من محمد ولم يقل من محمد بن سعيد ما كان ورثة من أبيه سعيد، وقد يكون للوالد والولد المال في القرية الواحدة وهذا أكثر من أن يحصى. وقد يمكن أن يكون جعفر ابتاع بهذه القرية بعد هذا الإقرار مالا من غير محمد بن سعيد إلا أن يكون أشهدهما أنه مما ورثه عن أبيه سعيد، وليس على ولد جعفر إثبات شيء مما اشتراه أبوه؛ لأن البائع من أبيه لم يدع بشيء، ولأن الشركاء لمحمد بن سعيد لم

يثبتوا أن الذين باع محمد كان من أبيهم. فعلى المدعي فيما بيد ولد جعفر إثبات حيازة مال سعيد، فإذا ثبت فادعى ولد جعفر شيئًا منه، نظر حينئذ بما يجب له وعليه. وقال عبيد الله بن يحيى: فهمت وفقك الله جواب الرجلين في أمر سعيد بن مزين وما ذهبا إليه أن شهادة الشهيدين اللذين شهدا عنك على التوارث يوجب لهما المال بغير حوز، وفي هذا اختلاف بين أهل العلم. وقال: إن ولد سعيد لا يجب له أخذ شيء إلا بأن تحاز له دعواه، فإن كان ثبت عندك أن سعيدًا لم يزل يعتمر الأحقال التي ابتاعها فلا حوز أوضح من هذا، فإن لم يثبت اعتمارًا فيه له فلابد من الحوزة. قال القاضي: بقي من كلام عبد الله نحو سطور، وقع في حاشية الورقة فتشرمت وانقطع لامه لذلك وليته لم يتكل؛ لأنه هذى وظن أنه أجاب وأفتى، قال: فهمت جواب الرجلين في أمر سعيد بن مزين إلى آخر الفصل فإن كان عني بالرحلين؛ ابن لبابة، وابن وليد، فذلك وهم وغلط؛ لأن جوابهما ليس فيه شيء مما ذكره عنهما، إلا أن يكون ترجم عما في نفوسهما، فذلك شيء انفرد به العليم الخبير بذات الصدور لا إله إلا هو السميع البصير. وقال في آخر ذلك الفصل في اختلاف بين أهل العلم: ولا عالم يقول فيما أعلم أن من بيده ملكًا بوجه شبه في ميراث أو ابتياع وشبهة تخرج عنه وتنزع منه بشهادة لا حيازة معها، هذا لو كانت الشهادة بنفس الملك، فكيف وهو لم يقل عن الرجلين إلا أنهما قالا إن شهادة الشاهد بالتوارث توجب لهما المال بغير حوز؟ وهذا كله غير معقول وغير واقع وتحت تحصيل؛ لأن الشهادة بالتوارث لا توجب مالاً بحوز ولا بغير حق والحمد له، وقوله: توجب لهما، هذه التثنية لا معنى لها في شيء من هذه المألة إذ ليس فهيا اثنان مخصوصان بمعنى، فيرجع الضمير إليهما، وإنما أراد والله أعلم لهم يريد الورثة، فأخطأ، وكله خطأ ومنه قوله: وقالا: إن ولد سعيد لا يجب له أخذ شيء غلا بأن تحاز له دعواه، والدعوى لا تحاز؛ لأن الدعوى اسم الادعاء والادعاء فعل، وهو مصدر ادعى يدعي. وإن كان قد يخرج لهذا وجه على ما يجوز في اللسان لو كان قابله من أهله وقصده

ووصله بقوله، فإن كان قد ثبت عندك اعتمار سعيد للأحقال الحقال التي ابتاعها وهذا اختلاط لأنه ليس في المسألة لا في جوابها أن سعيد ابتاع أحقالا إنما في المسألة أن جعفر بن مزين أشهد أنه ابتاع أحقالا بقرية شتيمة من محمد بن سعيد، وأظنه رحمه الله كان في حين هذا الجواب ذاهلاً عنه لأمر شغل بالله وكدر حاله؛ لأنه لو لم يخطئ إلا في الفقه لحمل على الجهل. وأما إحالته لمعنى السؤال وألفاظ المفتيين فليس له تأويل غير عزوب التحصيل بقلبه الذهول، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وبالجملة فإن أبا مروان رحمه الله لم يكن من أهل العلم ولا وصف به، وغنما عول فيما حمل منه على أبيه يحيى بن يحيى لم يعرج على غيرهن فبقى صفر اليدين منه وقد سئل في بعض مجالسه عن النعامة فقال: طير من طيور الماء، وكان بالحضرة عبد الله بن غانم فقال في ذلك: هذب الزمان بفوة العلماء ... وبقيت في ظلماء وفي عمياء وأتى طعام رتع من بعدهم ... لا فرق بينهم وبين الشياء فإذا سألت عن النعام أسدهم ... علمًا يفسره بطير الماء ذلك هذا كله عنه أبو محمد بن عبد البر في تاريخه قال: وتوفي عبد الله بن يحيى في شهر رمضان لعشر مضين منه سنة ثمان وتسعين ومائتين، فلم يزل - بعد الصدر الأول المنتخبين رضي الله عنهم - يتكلم في العلم من لا رسوخ له فيه ولا بصر عنده به. هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن رحمه الله يبكي ويقول حين سئل: أبكاني أنه اتسفتى من لا علم له، وقال لبعض من بقي ههنا أحق بالسجن من السراق وجناية هذا على الأمراء في إشارتهم بذلك إلى من لا فقه له ولا سبقت له عناية على حسب ما يحملهم عليه هواهم وتزينه لهم وزراؤهم اعتناء بالجهال وإزراء بأهل العلم وقد صدق ابن المبارك في قوله: وهل أفسد الدين إلا الملوك ... وأحبار سوء ورهبانها والله تعالى حسيبنا وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولو ذكرت من هذا ما شاهدته وما بلغني لطال معه الكلام، وخرجنا عن الغرض الذي قصدنا فيه، وجواب ابن لبابة وابن وليد في هذه المسألة ليس بشيء، وجواب أبي صالح أيوب بن سليمان جواب صالح، وقوله فيه:

إن من شهد في أصل ولم يحزه حازه شهود آخرون، وهو كلام صحيح لا خلاف فيه كما ذلك. قال يحيى بن يحيى في سماعه في رسم المكاتب من كتاب الاستحقاق عن ابن القاسم وسألته عن الأرض تستحق بالعدول ولا يثبتون حوزها فشهد على حوزها من الجيران غير العدول: أيتم بذلك الحكم لمدعيها مع يمينه؟ فقال: لا يشهد في الحوز وغيره إلا العدول، ولا أرى أن يتم لهم استحقاقهم إلا بالعدول. وعن ابن القاسم في المجموعة مثله، وفي العتبية في الأقضية في رسم تاخير صلاة العشاء عن مالك، فإن كانوا عدولاً ثبتت شهادة شهود املك بهم، وبهذا شاهدت القضاة مرارًا، وأفتى ابن مالك في جنة شهد شهود لرجل بابتياعها إلا أنهم لم يعرفوها، وعرفها غيرهم أن العارفين بها يشهدون عند احكم بمعرفتها ثم يحوزونها، فتهيأ في ذلك عقدان: عقد بمعرفتهم لها، وعقد بحيازتهم إياها، قال لي: وهو حسن وبه رأيت العمل. قال القاضي: وهذا فضل لا يحسنه كثير من القضاة والحكام، ويجهلون كيفية تهذيبه. حيازة في مال ابن مزين: فهمنا – وفقك الله – الشهادات الواقعة من حيازة مال ابن مزين، فرأينا شهادات اجتمعت على أحقال بقطع من الشهادة لسعيد بن مزين، ورأينا شهادات وقعت بأمر ملتبس جعل الحد في بعضها سهام بنات سعيد، فأشكل الأمر إذا لم تقل البينة أنا نعرف هذه الأحقال مالا لبنات سعيد بشيء يصفونه. فرأينا – وفقك الله – أن يكون نظرك ناجزًا فيما لم تختلف فيه البينة، ولم تشك في شيء منه، ويبقى النظر في الملتبس حتى تأتي منه على غاية لقطع الشك فيه، وذلك أن يعذر إلى من يجب الإعذار إليه في الشهادات التي لا لبس فيها، قال بذلك ابن وليد، وأيوب بن سليمان. ورأينا حقلاً منها انفرد فيه حائز واحد، وقال بذلك محمد بن غالب، وقال محمد بن لبابة فيما اجتمع فيه عدلان وما كانت الحيازة على حيازة والد وولد؛ فلا يجوز ذلك، وقاله أبو صالح، وابن غالب، وابن وليد، وقال: إذا قال القاضي إن شهادة الأب كانت قبل الولد عنده؛ سقطت الآخرة، وقال عبيد الله بن يحيى: شهادة الوالد والولد جائزة إذا

لم يجز أحدهما إلى صاحبه في شهادة شيئًا قال القاضي: تنازعهم في شهادة الأب والابن في شيء واحد قد سبقهم إليه أصحاب مالك، ذلك ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون أن شهادة الأب مع ابنه جائزة، ولايتهم أحدهما أن يرد إتمام شهادة الآخر، قال ابن الماجشون: ويجوز نقل الأب شهادة ابنه، ولا يجوز له تعديله. ولأصبغ في العتبية: لا تجوز شهادة أحدهما على شهادة الآخر، فقال: وكل من لا يجوز لكل تعديله فلا يجوز لك أن تشهد على شهادته، وإن كان المشهود على شهادته عدلا، وفي منتخب ابن لبابة عنه في شهادة الأب مع ابنه أنه كرهها، وعن سحنون أنه أجازها. في حيازة ما حكم به قاضي: حكم القاضي محمد بن سلمة بمال الطالب، ثم قام بعد الحكم بن عبد الله يعترض في ذلك، فقال محمد بن غالب: حكم محمد بن سلمة يمضي، ودعوى ابن عبد الله على ختنه بالاعتراض في مالله الذي خلص ملكه له لا يوجب على المال المحكوم فيه بدعواه شيئًا. فإذا جاءت الدعوى منه مبهمة، ولم يقل بتصريح أنه يعترض في المال المحكوم فيه، فإن حكم محمد يتوجه به رجلان بأمر القاضي، ويحضر اللذان بهما تثبت الحايزة، فيحزان ذلك، فإن كانت دعوى هذا القائم في داخل ما حازه فلا مقال له، وإن كان خارجًا عن ذلك ابتداء الخصومة فيه، ومضى القسم على الغائب المتورك ويوقف له نصيبه إلى أن يحر فيأخذه، وقال عبيد الله وسعد بن معاذ أو محمد بن وليد. إذا حازت البينة بعض ما شهدت به فدعا القائم إلى تحليف المطلوب فيما قصرت البينة عن حيازته. فهمنا – وفقك الله – ما سأله ابن سليمان لنفسه ولأخته زهرة من إحلاف يوسف ابن عيسى، وسلمه وسعدونة على ما قصرت عنه حيازة بينتهما التي شهدت على ملك جدها ابن رزق مما وقع وصفه في الكتاب الذي كشفوا عنه، فذكروا أنه لخم وبأيديهم، فحاز الشهود بعض تلك الأحقال ولم يقفوا على حيازة ما بقي، فالذي يجب في ذلك أن يحلفوا بالله الذي لا اله إلا هو أن الأحقال التي ذلك عبد الله أنها من مال رزق، ووصفها

في الكتاب، ملك متصير إليهم بالميراث عن أبيهم ولا يعلمون لعبد الله بن رزق فيها ملكًا ولا لأحد. حيازة وعقله في الأملاك المذكورة في هذه المسألة: فهمنا – وفقك الله – الشهادات الواقعة لعبد الله بن سليمان، الواقع عن نفسه في ميراثه عن أمه – أمة العزيز – فيما ورثته أمه عن أبيها عبد الله بن رزق، وإثباته عدد الورثة، على تناسخ الوراثات عن عبد الله بن رزق، وإثبات ما شهد له به من ملك عبد الله بقرية دجال، من عقل ذلك بعد أن أثبت عينه إلى أن ينظر القاضي فيه بما يجب إن شاء الله تعالى. فالذي يجب أن يوجه الشهود لحيازة ما شهدوا به عليه من مال عبد الله بقرية دحالن فإذا حيز ولم يعارض فيه غير ورثة عبد الله رفع إلى القاضي فنظر فيه بما يجب إن شاء الله قاله ابن لبابة، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد. حيازة ما أقر المطلوب بعد إنكاره بحدوده: فهمنا – وفقك الله – ما طلبته امة الخالق من إيقاف عقبة على حيازة الدار والجنان والكرم الذي طلبته به، وجحدها إياه، ثم رجع إلى الإقرار بحدود خافت أمة الخالق إلى أن ترجع إلى الإنكار ثانية، فلا يوجد من يحوزها لها، فالذي طلبت من ذلك حقها يؤمر بحيازة ذلك بمحضر من العدول يعاينون الحيازة ويكونون شهودًا على عينها، قال ابن لبابة، وسعد بن معاذ، ومحمد بن وليد. قوم ادعو أملاكًا بيد قريب لهم، فاحتج بالاعتمار بمحضرهم، وأثبت ذلك بشهودهم: كتبت بها إلى أبي عبد الله بن عتاب في قوم قاموا على قريب لهم في أرض وشجر بيده، وادعوا ذلك وأثبتوا موت أبيهم ووراثته ومله لثلث تلك الأرض، والشجر، إلى أن توفى وراثهم، ذلك وأنهم لم يفوتوه إلى حين قيامهم، وحيز الملك وأعذر إلى المطلوب. فأثبت عقدًا باعتماره إياه ثمانية عشر عامًا بمحضرهم لا يغيرون ولا ينكرون، شهد له بذلك الشهود الذي ثبتت بهم للقائمين ما ذكرناه، وشهد بعضهم باعتمار أحد عشر عامًا، وفي شهادتهم أن المعتمر غرس بعض تلك الأملاك، وقطع شعراءها، وكسر صخورها، هل شهادتهم للفريقين إسقاط لها؟ فكتب إلى شهادتهم للفريقين جائزة لا يضرها اجتماعها في ها لأنهم شهدوا في

الأمرين بعلمهم، ورأوا اعتمارًا يحتمل أن يكون بابتياع أو إرفاق أو توكيل، وليس يلزمهم الكشف عن ذلك، ولم تبين القرابة، ولو بينت لكان الجواب أوضح، وقطع المعتمر وغرسه بعلم القائمين حيازة في ذلك الشيء بعينه، وليس يلزم المطلوب أن يقول: من أين صارت الأملاك بيده، إلا أن طلبه الطالب بذلك، هل صارت اله بسببه، أو بسب مورثه، فيلزمه الجواب عنه على ما جرى به الاصطلاح عندنا. والله أعلم بحقيقة الصواب. قال القاضي: في هذه المسألة فصول؛ منها:؛ حيازة الأربين بها هل هي كحيازة الأجنبيين فما حازه بعضهم على بعض؟ ومنها: شهادات الشهود لمن حيز عليه ملكه بمحضره، ثم قام بعد مدة هل يسقطها سكوتهم؟ ومنها: كشف المطلوب عن الوجه الذي صارت به هذه الأملاك إليه، ومنها: تفويت بعض الملك هل هو كتفويت للجميع أم لا؟ وهذا كله محتاج إلى شرح وتفصيل وبسط طويل، وفي جميعه تنازع تركت اجتلابه كراهة التطويل. مسألة ابن دهمة في دعوى ورثته بجنة حيزت في مغيبهم وحضوهم على موضعها وهو في موضع خصمهم: رجل ابن دهمة هذا عن بياسة في الفتنة إلى سرقسطة مدة، وتوفي بها هو وبعض بنيه، ثم رجع ابناه عبد الله وأخوه إلى بياسة تاجرين، واقاما بها نحو عشرين عامًان ثم انصرفا إلى بياسة واستوطناها، والجنة بيد إنسان يعتمرها. فقال عبد الله منها يطلبها، وأثبت المغيب والموت والوراثة واتصال الملك في الجنة، وحيزت، وأعذر إلى المطلوب فقال: هي ملكي، وادعى مدفعًا أجل فيه، فأثبت انصراف هذا القائم وأخيه إلى بياسة، وإقامتهما بها الأيام المذكورة وهو يعتمر الجنة، ولم يحركاه فيها. وقال شاهد واحد إنه خاصماه فيها ثمن انصرفا، وأثبت أيضًا وثيقة بسماع مستفيض أنه ابتاعها من القائموأخويه منذ ثلاثين عامًا، وأثبت ايض أن هذا القائم قال بين يدي حكم قبل هذا: هبك بعت أنا وأخي أمنا لم تبعظ وأظهر أيضًا وثيقة الابتياع، وليس فيها إلا شاهد واحد حي، وكتبت بذلك إلى قرطبة، وقلت هل قوله هبك بعت أنا وأخي هل هو إقراظ وكيف إن قالا: نحن نمضي البيع، أعطنا الثمن. فجاوب ابن عتاب: قول القائم هبك بعت أنا وأخي أمنا لم تبع؛ إقرار منه على

نفسه بالبيع، ولا قيام له في ذلك إلا بسبب أمه إن كانت توفيت بعد البيع، ولا يبلط قيامه بسبها انصرافه تاجرًا؛ لأنه كان مسافرًا وليس لهما طلب المطلوب بالثمن لإنكارهما البيع، ويحلف لقد ابتاع منهما ووفاهما الثمن، فإن كان موت أمهما قبل البيع، فما ورثاه عنها داخل في البيع، وإن كان بعده فلهما القيام ورثاه عنها، والله عز وجل أسأله التوفيق. وجاوب ابن القطان: ما أثبته المقوم عليه من الابتياع بالسماع الفاشي يوجب القضاء على القائمين إن لم يكن عندهم مدفع، وقول الطالب: هبك أني وأخي بعتك، ليس بإقرار يقضي به؛ لاحتمال اللفظ، ولا يقضي باحتمال، ولا شيء للقائم من الثمن بعد يمين المطلوب لبعد مدة الابتياع وبالله التوفيق. مطلوب وقف على أملاك بيده من أين صار إليه: فقال عندي بالوجه الذي صارت به إلى وثائق غائبة، ثم طولب عند حكم آخر غير الذي قال عنده هذه المقالة بإحضار تلك الوثائق، فأنكر تلك المقالة، وقال: إنما قالت إنها أملاك وبيدي، وثبتت عليه المقالة الأولى، هل يزلمه إضارها أم لا؟ كتبت إلى ابن القطان فكتب إلي: لي على الموقف إحضار الوثائق؛ إذ لم يكن للحكم أن يسأله من أين صارت له الأملاك؟ إلا أن يكون الموقف معروفًا بالغصب والتسور والاستطالة والقدرة على ذلك، ولا يكل من لم يكن بهذه الصفة أكثر من أن يقول هي ملكي وبيد، وقد تقدم في الورثة قبل هذه في هذه المعنى. دعوى في شركة وإظهار بينة بعد قطع الدعاوى وبين المطلوب: قام عند صاحب السوق بقرطبة رجل، فقال: إن الزرع الذي بقرية فلانة بيني وبين هذا السواء، تشاركنا في زراعته وإقامته، وكانت البقر والدواب التي بها تولينا هذه الزرع بيننا، وأنكر الآخر دعواه وقال: لا حق له فيه، وإنما هو زرعي، فحلف هذا المدعي عليه، وانعقد بينهما كتاب في آخره ممن أشهد كل واحدة منهما أنه لم يبين لواحد منهما قبل صاحبه دعوى، ولا تبعة، ولا علقة يمين بوجه من الوجوه كلها قديمها وحديثها. ثم قام المدعي ببينة شهدت له أنه وذلك المطلوب أقرا عنده المرة بعد المرة أن البقر والزرع الذي بقرية كذا الذي زرعها في السنة كذا مشترك بينهما، وثبت هذا عند الحكم فشاور فيه. فأفتى بان عتاب: هذه المسألة الخلاف فيها مشهور بين التابعين فمن بعدهم،

واختلف قول مالك فيها؛ فروى ابن القاسم عنه أنه إذا أخاف المدعي المدعي عليه، وهو عالم ببينة، فلا قيام له بعد ذلك، وإن حلف هوهو لا يعلم بها فله القيام. قال سحنون: والقول قوله إنه لم يعلم ببينته مع يمينه، وروي أشهب وابن نافع عن مالك في كتابالمذيان والتفليس فيمن قضى رجلا دينًا كان له عليه، وأشهد على ذلك شاهدين، ثم جاءه يتقاضاه الدين فقال: قد قضيتك وأشهدت عليك فلانًا، فقال: ما قضيتنيه، فقال: أتحلف وأعطيك؟ فحلفن فأراد أن يأتي عيه بالشاهدين، أترى ذلك بعد يمينه ورضاه؟ قال مالك: نعم أرى ذلك، فليأت بها، واحتج من ذهب إلى هذه الرواية بما روى عن عمر رضي الله عنه، وعن شريح رحمه الله أنهما قالا: البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة، ومن خالف هذا القول تأول قولهما على غير هذا التأويل، وقال: لما اشترط اليمين الفاجرة، ولم يقولا اليمين فقط دل على أنهما لم يريدا إلا الفاجرة، ولا يوقف على اليمين. وبرواية ابن القاسم أقول: يحلف سعادة بالله ما عرف شهوده حين تحليفه لفرج، فإذا حلف على ذلك؛ وجب الحكم بما اجتمع عليه شهادة الشهيدين إن شاء الله تعالى، ولا يضر سعادة إشهادهما على أنفسهما أنه لميبق لواحد منهما قبل صاحبه دعوى ولا تبعة ولا يمين ولا علقة بوجه من الوجوه قديما وحديثها؛ لأن ظاهر هذا الإشهاد لم يقصدا فيه إلى إسقاط البينة. فإن أدرك اجتهادك إلى الأخذ بتحليف سعادة أنه ما علم ببينته، فعرفه بما يروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "من حلف على يمين كاذبة لقي الله وهو عليه غضبان (¬1) " ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانه ثمنا قليلا} (آل عمران: 77) إلى آخر الآية. رد دعوى ورثة ابن لبيب البيطار على زوجته أنها أخفت بعض تركته: وشاور الفقهاء في يذلك صاحب المدينة بقرطبة محمد بن هشام بن عيسى الحفيد، يا سادتي وأوليائي ومن أحسن الله عنهم الدفاع، وأدام بهم الامتناع: قام محمد وعبد الودود ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البخاري ج2، ص 951 برقم 251، ومسلم ج1، ص 104 برقم 110

ابنا أحمد بن عبد الرحمن بن منهال الجذامي – من ورثة عبد الله بن لبيب البيطار – يدعيان على مسعدة زوجة مورثهم عبد الله بن لبيب؛ أنها أخذت من تركته أشياء تلوح لكمن في استرعاء أدرجته طي خطابي هذا إليكم، مؤرخ بجمادي الآخر سنة تسع وخمسين وأربع مائة. استبدت بها دون سائر الورثة. فكلفتهما إثبات موت عبد الله المذكور ووراثته، فأثبتا ذلك عندي على ما تضمنه عقد الاسترعاء في كتاب مؤرخ بجمادي المذكور أدرجته طي هذا الخطاب، فاستحضرت مسعدة ووقفاها عندي على ما ضمنه عقدة الاسترعاء المذكور، فأنكرت ما فيه، وأن يون استقر بيدها شيء من ذلك، وثبت قولهما بذلك عندي في مجلس النظر، وثبت عندي الاسترعاء بشهادة إبراهيم، وعبيد الله، وعيسى، من شهدائه على عينها، وأعذرت إليها فهم، ولم يكن عندها مدفع، وثبت قولها بذلك عندي. ودعيت إلى الفصل بينهم بالوجب، فلم يسعني إلا مشاورتكم، فخاطبتكم بكتابي هذا مدرجًا طيه كتاب الاسترعاء والوراثة، لتشيروا علي بما أعتمد عليه وأنفذه بينكم موفقين مأجورين إن شاء الله تعالى، والسلام. وكان في عقد الاسترعاء المذكور أن شهوده استوصفوا رضا مولاة لبيب بحضرة مسعدة زوجة عبد الله عما تخلفه من الناس، وحيث استقر بعد وفاته فذكرت أنها أحضرت حينئذ مال ابنه عبد الله قدرًا فيه سبع مائة دينار دراهم قاسمية، وقدرين غير مملوءين فيهما قراريط، وخريطة فيها دراهم ضرب المرية زنتها ستة أرطال، وثلاث صحاف حنثمية فها قراريط قرطبية، وثلاث قديرات صغار مملوء بدراهم قاسمية، غير ما احضرته مع ذلك مما سرقه أخو مسعدة في مال لبيب، وأحضره عند التشدد في مجلس الوزير ابن جهور من الصفة المذكورة، ووضع جميع ذلك، حاشي اقدر المذكور أولا – بأمر عبد الله بن لبيب في تابوت في بيت سكناه مع زوجة مسعدة، واتفق عليه بمحضر مسعدة. وصار القفل بيدها؛ إذا كان عبد الله معتلا، وكان وصف رًا لهذا بحضرة مسعدة لا تنكر عيها شيئًا، فسألها الشهود عن القدر المذكور، فقالت: رأيتها في بيتي، فقلوا لها: فأين ذلك؟ فقالت: لا أدري. فجاوب ابن عتاب: سيد تصفحت خطابك وما أدرجت طيه، فرأيت في عقد

المورث والوراثة أن من جملة الورثة يتيمًا يجب أن يقدم عليه، وأن يها وصية، وهذا إنما هو إلى القضاة أو من إليه النظر في أحكام القضاء لا إلى غيرهم، ووقفت على ما تضمنه الاسترعاء من إنكار مسعدة لما وقفت عليه، وإعذارك إليها، في حالة لا يلزمها فيه إقرار ولا إنكار للمستفيض المتحد عليها به من التوقيف السمج القبيح بالأجعال المؤلمة والنفات الموجعة بالمياومة. وكون المراقبين عليها معا في الدار التي تعتمد فيه، ومداخلين لها فيها، وهذا أمر أحدثه الهالك إبراهيم في أحكام الدين، واخترعه ,أنفذه على المسلمين، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من اتبعه عليها إلى اليوم القيامة لا ينقص ذلك من أجرهم شيئًا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها، ووزر من اتبعه عليها إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا (¬1) ". فبادر إلى إزالة الترقيب والتوكل ساعة تقف على جوابي؛ إذ لا يجوز بقاء ذلك ساعة من نهار، وهذا غير جائز إن يعمل في حيازة الأموال، فكيف في المواريث؟ والاسترعاء الذي أعذرت فيه ضعيف جدًا وغير بين، إذ خلط فيه ما كان في حياته وبعد مماته وغير ذلك، فمن ضعفه: ما حكي شهوده عن أنفسهم فيه أنهم استوصفوا رضا عما تخلفه لبيب وحيث استقر. وليس هذا سبيل الشهود؛ لأنهم إذا كانوا هم الذين استوصفوا وتصرفوا في ذلك فذلك يوهن الشهادة، وذكروا أنه وضع جميع ذلك – حاشي القدر – بأمر عبد الله بن لبيب في تابوت في بيت سكناه مع زوجة مسعدة، وأقل عليه بمحضر مسعدة، ولم يقولوا من فعل ذلك، وصار مفتاح القفل بيدها، إذ كان عبد الله بحال علة، فأثبتوا أولا أن ذلك بأمر عبد الله، ثم ناقضوا آخرًا في مقالهم بأن عبد الله كان عليلا، وقالوا: إن المفتاح صار عند مسعدة، ولم يقولوا من صيره بيدها أعيد الله صيره بيدها أم هم؟ ولم يبينوا على أي وجه صار بيدها؟ ولا أنها أشهدتهم على شيء من ذلك وهذا كله اختلاط من المقال. والعجب من الشهود كيف ذهب عيهم هذا ولم يحرزوا الشهادة فيه، ورأيت أحدهم قد استثنى أمر المفتاح، والأمر في ذلك واحد، والذي يلزم مسعدة اليمين بالله عز ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه مسلم ج 2، ص 704 – 705 برقم 1017.

وجل، أنها ما غابت على شيء من تركة زوجها، ولا عندها شيء من تركته ولا عند غيرها بسببها؛ لا بوديعة منها لذلك ولا بغيرها من الأسباب. وهذه اليمين كانت تلحقها دون الاسترعاء، فبهذا جرت الأحكام قديمًا في هذا وأشباهه، ولا سبيل إلى العدول عنها، ولا الخروج منها، والسلام عليكم ورحمة الله. قاله محمد بن عتاب. وجاوب ابن القطان: سيد قرأت كتابك وما ضمنت خطابك من استرعاء وإنكار، فرأيت في ذلك ريبًا ظاهرًا، وتهمًا بينة مكشوفة، إذ كان ذلك كله وهي آمنة ن غير إكراه ولا ضغط، وعلى ذلك يدل كتاب الاسترعاء؛ لأن شهوده معروفون بالخير والعدالة، وذلك كله موجب للتشدد على الزوجة مسعدة؛ إذ ثبت عليها إنكارها لما وقع، وسكوتها وإقرارها أنها رأت القدر المذكورة في يبيتها، وقولها: لا أدري علامة سوء، يوجب ذلك كله التشدد عليها، وللوارثين ذلك المالكين لأمورهما طلب حقهما. فإذا ظهر شيء قسم ذلك قسم ذلك وقدم حينئذ للصغير من يقسم عليه ويقبض حصته، وليس صغر الصغير ويتمه مما يمنع الوارثين طلب حقهما وإثباته، والذي كان من انتهاب مال لبيب البيطار معلوم، وما شاع من ظهور ماله مشهور غير منكور، ولهذا وشبهه وما أثبت في الاسترعاء وإنكار مسعدة: وجب ما ذكرته، والله عز وجل يبين الحق ويظهر بحسن النية فيه وفي إظهاره، بعزته إن شاء الله تعالى. ولم أتكلم في أمر الترقيب، ولا جاوبت فيه؛ إذ لم أخاط به ولا شاع أن ذلك كان في حال إقرار أو إنكار، ولا يحسن الجواب إلا فيما يجب والسلام. وجاوب ابن مالك: سيدي ووليي، ومن أرشده الله إلى ما يرضاه، وعصمه فيما يتولاه: تدبرت خطابك والاسترعاء المدرج طيه، فأبدا لي ريبة مسعدة، وأنها مسترابة متهمة، واليمني في هذا موضوعه في كتاب الله عز وجل على المريب المتهم، هل أخفى شيئًا من التركة؟ وهذا قوله سبحانه {فيقسمان بالله إن ارتبتم} (المائدة: 106) وقد اختلف عن مالك في هذه الآية هل هي منسوخة أم لا؟ والقول بأنها محكمة أصح، وعليه أكثر الأمة، وإن كان في أحكام إسماعيل: راسخ مذهبنا أنها منسوخة، وهو عندي قول واه، تبدو عليه هجنة؛ لأن قائله يزعم أن ناسخها قوله عز وجل {ممن ترضون من الشهداء} (البقرة: 282) {وأشهد ذوي عدل منكم}

(الطلاق: 2) والمائدة إنما نزت بعد هذا، فكيف يتقدم الناسخ على المنسوخ لولا فتور التحصيل، ولو سلمنا نسخها ما منع من احتجاجنا بها وجوه، منها: أن مالكًا قد احتج في المدونة إذ سئل عن مسألة بآية لم يختلف في نسخها وزوال حكمها، وهذا يطول شرحه وجلبه. والجواب في مسألتك إن تحلف مسعدة ومن اتهم، لا سيما وقد تقصبت واستبرأت، وقد خاب من حمل ظلما وتقد خيانة، فإن نكت عن اليمين؛ فالتشدد بالسجن وغيره، وبذلك أفتى عبيد الله بن يحيى، وابن لبابة، وأبو صالح، ومحمد بن وليد، ولعلماء الأندلس. حملنا الله وإياكم على الصواب، برحمته، والسلام سيدي ورحمة الله وبركاته. قال القاضي: في قوله: وبذلك أفتى عبيد الله، وابن لبابة، ومن ذلك معهما، وقد ذكرنا ذلك عنهم من أحكام ابن زياد، في صدر الكتاب، وفي باب الأيمان، وفي الحقوق والتهم هناك، مستوفي كثير المسائل، وقوله: وقد احتج مالك في المدونة على مسألة بآية منسوخة، يريد قول مالك في يالنصرانية لها أخ مسلم ويخطبها مسلم، وإن كانت من نساء أهل الجزية، فلا يجوز للأخ أن يعقد نكاحها وماله ومالها، قال الله تبارك وتعالى: {ما لكم من ولايتهم من شيء} (الأنفال: 72). وفي الواضحة: هذا إن تشاح أهل دينها في ذلك، وإلا فإن يلي عقد نكاحها مسلم خير من أن يليه كافر، وقال ابن القاسم في سماعه إن كانا معتقين فله أن يلي العقد عليها، وأما الآية فذكر أبو جعفر بن النحاس في كتابه عن قتادة في قوله تعالى: {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} (الأنفال: 72) قال: وكان المسلمون يتوارثون بالهجرة، وكان من أسلم ولم يهاجر لم يرث أخاه، فنسخ ذلك {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} (الأنفال: 75). قال ابن عباس: آخى النبي (صلى الله عليه وسلم) بين أصحابه، فكانوا يتوارثون بذلك حتى نزلت {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} (الأنفال: 75). فتوارثوا بالنسب، قال أبو جعفر: فقال العلماء: إن هذه الآية ناسخة للتي قبلها، وذكر عن عكرمة نحوه. وأما قول ابن مالك في آية الوصية في سورة المائدة: إن قول من قال: إنها منسوخة قول واهٍ

تبدو عليه هجنة، فكان ينبغي له أن يتعداه إلى سواه مما هو أحسن لفظًا وأجمل مقطعًا؛ لجلالة قائله ورسوخهم في العلم. فقد حكى أبو جعفر في كتاب الناسخ والمنسوخ ذك عن زيد بن أسلم ومالك ابن أنس والشافعي وأبي حنيفة، وقال في كتاب المعاني له عن إبراهيم النخعي أيضًا أنه قال: إنها منسوخة نسختها {وأشهدوا ذوي عدل منكم} (الطلاق: 2) وقد ذلك الشيخ فيها أبو بكر محمد بن الحسين في كتاب المشاكل له، وإن كان لم يسم قائله. وما قاله هؤلاء العلماء وأئمة الفقهاء، واتبعهم عليه من الخلف مثل القاضي إسماعيل بن إسحاق وغيره، ليس بطلق فيه القول مثل هذا التهجم، ولا ينكر بأقبح الذكر، إذ توقيرهم علينا واجب، وحقهم لنا لازم، وحسب المنكر له العدول عنه، وترك القول به، إذا كان لذلك أهلا وكان معه من العلم إدراك يميز به صحة ما يختاره ويميل إليه. وإنما يستسهل الإنسان هذا اللفظ وشبهه في المتسمين بالعلم من المتأخرين المتكلفين لما لا يحسنون، وفقنا الله أميع، واستظهار على أحكام الآية بأن الناسخ لا يكون قبل المنسوخ لا يسلم له، فقد نسخ قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} (البقرة 240) الآية، وهي في التلاوة بعد الناسخة، مع أن في الآية خمسة أقوال أحدهما نسخها والثاني قول ابن عباس: إنها محكمة على ظاهرها في السفر. وقاله شريح: تجوز شهادة أهل الكتاب في وصية المسلم في السفر، وقاله ابن المسيب، وسعيد بن جبير، وعبيدة وابن سيرن، وغيرهم. وتركنا ذلك مما قيل فيها لئلا نخرج عن غرضنا في هذا الكتاب وبالله التوفيق. شورى فيما تخلف إبراهيم بن محمد المعروف بابن السقا قيم دولة ابن جمهور بقرطبة. شاور صاحب أحكام قضاء الجماعة بقرطبة سراج بن عبد الله – وفقه الله – من حضرة من أهل العلم أرشدهم الله فيما يذكر بعد هذا من أموال الهالك إبراهيم بن محمد بعد أن ثبت عنده موته، وأن المحيط بميراثه في علم من ثبت ذلك عنده ابنه الصغير محمد. ولم يلف له ناظرًا فقدم لنظر له محمد بن مطرف بن كوثر، وسألهم عن الواجب

في تركته هل تنفذ منها وصيته، ويرث سائرها ورثته أم لا؟ إذ قد ثبت عنده استطالته في الأموال بغير حق، واقتطاعه إياها واستبداده فيها دون واجب، وقلة ذا يده وتفاهة وفرة يوم ولي النظر في أموال المسلمين، وأنه هلك في تولية ذلك، وهو عظيم الوفر واسع الجدة بين الإكثار. وكذلك شاورهم فيمن اتصل بالهالك من قرابته وخاصته، وشاركه في قبض أموال المسلمين وجديها على يديه ممن ثبت عند إقلاله وتفاهة يده يوم تولى ذلك، وثبت عنده عريض غناه وكثرة ذات يده يوم أزيح عن ذلك منهم سالم أخو الهالك إبراهيم، ومحمد بن أخت الهالك إبراهيم، وسهره يحيى بن وهب، وأعلمهم أنه قد ثبت عنده هلاك محمد بن أخت الهالك، وأن المحيطين بميراثه في علم من ثبت بهم ذلك عنده بنوه الأصاغر يحيى وإبراهيم وعبد الملك وأبو يحيى، وأنه لم يلف لأصاغر ذلك ناظرًا من قبل أب ولا قاض. فقدم للنظر لهم جدهم يحيى ويوسف بن أحمد بن عبد العزيز القيسني، وأعذر فيما وجب أن يعذر فيه من جميع ما ذلك في هذا الكتاب إلى من وجب أن يعذر إليه بما وجب، فلم يكن عند من أعذر إليه في ذلك مدفع، وأقر عنده سالم ويحيى المذكوران أن جميع ما بأيديهما من الأموال والرباع والعبيد وما بنياه من المنازل، إنما هو من مال المسلمين، حاشا الدار التي يسكنها يحيى منهما الآن بحاضرة قرطبة بحومة مسجد الغلباطي وحاشا الحانوت التي بيد سالم، وكان لمتجره بسويقة ابن سليمان. وثبت إقرارهما بذلك عنده في مجلس نظره، واستفسر الفقهاء عن الواجب في ذلك كله، فقالوا: نرى والله الموفق للصواب إذ قد ثبت عندك ما ذكرت، وأعذر على حسب ما وجب أن جميع تركة الهالكين إبراهيم ومحمد لمسلمين إلا ما صح ملكه لهما، وأن جميع ما أقر به سالم ويحيى لازم لهما فيما أقرا به. قال بذلك محمد بن عتاب، وأحمد بن محمد، وموسى بن هذيل، وعبيد الله بن مالك. قال القاضي: أخبرني ابن مالك رحمه الله قال: كتبت هذه الشورى عند الوزير ابن جهور وبمحضر القاضي سراج والفقهاء في سنة خمسين وأربعمائة التي قتل فيها إبراهيم بن محمد بن يحيى، وكلهم قد درج رحمنا الله وإياهم.

شورى في دار بين شركاء، بعضهم يسكنها وباقيهم يسأل أخلاءها ليبيعها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا محمد سؤال لصاحب الأحكام بقرطبة: يا ساداتي، لورثة خلف بن سعيد دار بعضهم فهيا وبضعهم خارج عنها، فأراد الخارجون عنها تسويقها وبيعها، وقالوا: لا يمكن تسويقها إلا بإخلائها، ودعا ساكنها إلى عزم كرائها على الإباحة للتسويق، فأبى ذلك الخارجون عنها. فجاوب أبو عبد الله ابن عتاب: سيدي ووليي، الذي أفتى به سيوخنا قديمًا، وحكم به في ذلك/ أن الدار التي لا تحتمل القسمة، وتنازع الورثة فيها – كما ذكرت – تخلي من جميعهم لتسوق خالية، إلا أن يوجد من يكتريها من غير الورثة على شرط التسويق، فتكري منه إذا أمن منه الميل إلى بعض الورثة، ولم يكن من ناحية أحدهم ولا من سببه، وبهذا أقول. وجاوب أبو عمر بن القطان: سيدي ووليي بقاء الدار دون كراء ضرر على من يذهب إلى ارتفاق بنصيبه إن كانت دارًا يكرى مثلها، فوجه العمل أن يقال لهم: إن أنفقتم الآن على التقاوم في الكراء إلى أن ينفذ البيع فيها فتقاوموها، ثم يسكنها من أراد، وإن أبيتم أخليت منكم ثم أشيدت للكراء، كما تشاد الدور للبيع. فإذا بلغ كراؤها ثمنًا ما كان لمن أراد السكنى أن يضم كراء أصحابه بما بلغت ويسكن الدار، إلا أن يزيد عليه من شركة، فالزائد أحق، والإشادة للكراء على شرط التسويق للبيع، إلا أن يثبت في ذلك من الساكن فيها من الورثة ضرر يخل بالبيع، أكريت من غيره، وإن ثبت عندك أن تسويقها للبيع خالية أفضل من مسكونة وأوفر لثمن؛ أخليت إن شاء الله تعالى .. وجواب أبي مروان ابن مالك: سيد، إن كانت هذه الدار لا تحتمل القسمة بينهم لضرر، فلا أجد فيما أظهره الله إلي من العلم على مذهبنا إلا ما قاله الفقيه أبو عمر حفظه الله، أعرف أنه الحاصل في ذلك من مذهبنا، كما يعرف الناس أبناءهم. قال القاضي: هكذا وجدت هذه المسألة على النص من أولها إلى آخرها بخط أبي مروان رحمه الله

في آخر بعض أسفاره من مختصر المدونة وقد تقدم، هذا المعنى على نحو ما أفتى به ابن عتاب، وكان جوابه مقنعًا لو كان إنصاف وائتلاف ولم يكن تناكر واختلاف، واليه يرجع ما أطال أبو عمر الكلام فيه، والله الموفق للصواب. مسألة زوجة الشرقي في قيامها عليه في مغيبة بحق طلبت به وكيله فأقر لها به: قامت عند صاحب الأحكام محمد بن الليث فاطمة التي كانت زوج محمد بن أحمد الشرقي إلى أن طلقت نفسها في مغيبة بشرط المغيب، وادعت أنها كانت دفعت إليه قبل مغيبه مائة مثقال يبتاع بها خادمًا، وأنها كانت أسلفته مدى قمح، ثم رغب منها أن تأخذ منه فيه ثمانية عشر مثالا، ولم يؤدها إليها، ولا ابتاع لها المملوكة. ووقفت على ذلك عند ابن الليث محمد بن أحمد الباغاي إمام الفريضة بعد أن ثبت عنده أنه وكيل الغائب ابن الشرقي على طلب حقوقه كلها وقبضها والإقرار والإنكار وقبض مستغلاته توكيلاً تامًا مفوضًا، أقامه فيه مقام نفسه في يعقد مؤرخ بنصف المحرم سنة تسع وخمسين وأربع مائة. وكان ابتداء العقد: توكل فلان بن فلان على كذا وكذا، ثم قال: شهد على إشهاد المتوكل والموكل على أنفسهما إلى التاريخ، ثم قال: وكان إشهادهما على التوكيل المذكور قبل تاريخه، بعام أو نحوه في علمهم، فأقر الوكيل محمد على الغائب ابن الشرقي للزوجة فاطمة بدعواها. وقال: إنه حق قبل موكله، وتقيد إقراره في أسفل التوقيف وشهد لها بالمائة مثقال شاهدان أهما سمعا الغائب يقر لها بها، فقبل الحكم أحدهما، وطلبت فاطمة أن تنصف من ذلك من ثمن المملوكة المبيعة على الغائب في غيبته، لشكواها الضيقة، وأنها لا نفقة معها، وطلب الوكيل قبض الثمن الموقف عن أمر الحكم على يدي ثقة ارتضاه الحكم لذلك، واحتج الوكيل في طلبه لذلك بما في عقد الوكالة من أنه وكيله على فقبض حقوقه، فشاور ابن الليث في ذلك كله. فأفتى بن عتاب: تصفحت خطابك ونظرك الذي نظرته في يأمر المملوكة، وبيعها صحيح، وما وقفته للغائب، فلا سبيل إلى إخراجه عن من وقفته على يديه إلى بتوكيل الغائب على قبضه توكيلاً ينص فيه على قبضه، وأما بالتوكيل الذي أدرجته فلا، وكذلك لا سبيل إلى قبض

فاطمة ما ادعته، لتوفقك عن قبول أحد شاهديها، فيبقى ثمن المملوكة عند من وقفته بيده إن شاء الله تعالى. وأفتى بن القطان: أما التوكيل المذكور، فللموكل محمد بقض جميع حقوق موكله الغائب بقوله: إنه وكيله على قبض كل ما وجب له من حقوقه، ويبرأ المقبوض منه بقبض الوكيل، وقد نزل مثل هذه المسألة في رجل وكل رجلا على قبض حقوقه، ووقع للموكل بعد ذلك ميراث، فلم يختلف حينئذ أحد من شيوخ الفقهاء، وهم متوافرون أن له قبض ما وجب لموكل، وإذا لم يثبت عندك لفاطمة ما يوجب لها حقا فلا شيء لها في مال الغائب. وأفتى أبو محمد بن أبي عبد الصمد: ما ادعته المرأة فاطمة من المائة مثقال قبل الغائب ليبتاع لها بها خادمًا إنما هو في أمانة الغائب، وليس بدين ثابت في ذمته، ولا يعدي في مال الغائب بما هو في أمانته، وما ادعته من بقاء ثمن القمح الذي كانت سلفته إياه عليه فهو دعوى ما لا يجوز؛ لأنه فسخ دين في دين، ولا يقضي لها بشيء من ذلك في مال الغائب للوجه الذي ذكرنا. وما دعي إليه الوكيل من قبض ثمن المملوكة الموقفة للغائب، فذلك له واجب؛ لأنه من حقوق الغائب أن شاء الله تعالى. وأفتى ابن مالك سيدي ووليي، ومن وفقه الله وسده، أراك إنما اعتمدت فيما ذكرته لنا من مغيب ابن الشرقي على ما ثبت عندك فيه ولا تاريخه، إذا لم تعرفنا به، فإن كان فيما ثبت عندك بعد مغيبة واتصال غيبته وتاريخ الشهادة بمغيبة قريب جدًا، فذلك الذي يبيح العمل بالوكالة. فإن كان إيقاع الشهادة بالمغيب قد بعد عهده فنبغي أن تعاد الشهادة إلي باتصال غيبته، ثم إن الوكالة المدرجة إلينا يبدو فيها أن الموكل ابن الشرقي لم يشهد على نفسه في العقد المدرج إلينا منتسخة، ولا أرى الكتاب، وإنما لقن ما فيه من حفظ الشهود على وجه الاسترعاء إلا بأن ينص لك الشاهد معانيها من حفظه كما يزعم القائم أن من حفظهم كتبت، وأما أن يقول لك: هذه شهادتي أشهد بها عندك، فتعلم له عيها، فلا يجوز لك، ولا يسعك ذلك في مثل هذا، فالله الله في الاهتبال بأمور الناس والنظر لنفسك. فإذا عزم الأمر وحق العمل بالوكالة بتهذيب ما ذكرنا واستبرأته أنصفت فاطمة مما

توقف لغائب، إما بإعمال إقرار وكيله عليه، وإما بأنه شاهد لها فتحلف معه بما يجب، وهذا بين بما في الموطأ وبيانه، ولها شاهد آخر مقبول سوى الموقف عنه، ويقبض الوكيل ما بقي للغائب بعد إكمال ما قلت لك وإحكامه على ما يجب إن شاء الله تعالى. قال القاضي: جواب أبي عبد الصمد في ترك ادعاء فاطمة بما ثبت لها في أمانة زوجها ومن المعاملة الفاسدة جهل لا يلتفت إليه، وأما ابن عتاب فإنما أفتى بأن لا يقبض الوكيل ثمن مملوكة المبيعة على موكله؛ لأنه كان قبل له إن الوكيل غير مأمون عليه، فرأى من النظر إبقاءه في مكانه، وضع ذلك الوكيل من ضعف الوكالة. تداعى ابن الدباغ وعمر في بئر سانية وصهريجها، وفي المقاسمة فيها: اختصم عند صاحب الأحكام بقرطبة ابن الليث محمد بن محمد بن عتبة المعروف بابن الدباغ مع عمر بن محمد بن عمر في بئر سانية وصهريجها في جنة بالرملة. وأظهر أحمد كتاب تقاسم في الجنة عقده أبوه ومحمد والد عمر أن السانية والصهريج بين محمد بن عمر ومحمد بن عتبة بنصفين، وجحد عمر الاشتراك، وادعى أنهما لها خالصان، فأنكر عقد التقاسم، واحتج بكونهما بيده وسفيه لجنته بهما، فأثبت محمد عقد المقاسمة، وحيرت بئر السانية والصهريج، وأجل عمر في المدفع، ثم دعا أحمد إلى تحليف عمر أنه ليس عنده من عقد المقاسمة نسخة إذ كان في الذي أظهره والكتاب نسختان. فأفتى ابن عتاب: أن اليمين لاحقة له أن ما عنده نسخة من المقاسمة واعلم هل بها وخالفه ابن القطان وابن مالك، فقالا لا يمين عليه، إذ قد ثبت الكتاب الذي بيد القائم، ثم اتصل الخصام بينهما، وكان أحمد أثبت عقد المقاسمة بثلاثة شهود، وحازوا القطيع الذي فيه البئر ودورها وصهريجها وأعذر إلى عمر في ذلك، فجرح احد الشهود بعداوة بينهما متصلة، وأنهما لا يتكلمان، وشهد لهم بذلك شهود غير مبرزين، إلا أنهم مقبولون. وبدا من أحد شاهدي المقاسمة الباقيين ما أوجب التوقف في شهادته، وأثبت كتاب استرعاء تضمن معرفة شهوده بالبئر والصهريج في اعتمار محمد بن عمر، وكونهما في ملكه يسقى منها ويتصرف إصلاح آلتها مدة عشرة أعوام اتصل آخرها بوفاته، وصارا في اعتمار المقوم عليه عمر أزيد من اثني عشر عامًا بمحضر القائم ومشاهدته لا بغي عليه؛ إلى

أن بلغهم قيامه يطلب فيها نصيبًا في تاريخ شهادتهم سنة ثمان وخمسين. وأثبت أحمد عقد استرعاء بان البئر والصهريج كانا معطلين مدة خمسة عشر عامًا، وأنهما في ملك محمد بن عتيبة ابنة ومل محمد بن عمر بنصفين، ولم يزد الشهود على هذا، وكان قد تقيد من مقال أحمد أنه أعار ذلك عمر وحيز ذلك، وأعذر فيه إلى كل فريق على ما وجب، فلم يأتيا بشيء غير ما ذلك، وشاور الحكم فيها. فأفتى ابن عتاب: الذي أحاطه العلم وجرى به العمل والحكم في التجريح بالعداوة أنها تكون بشهادة من يزكي من الشهداء، ولا يشترط في أهل التبريز في العدالة من غيرهم، وإنما يطل بالتبريز غير العداوة من وجوه التجريح، ولا أعلم في هذا خلافًا، وذكرت أنه طرأ عيك، وانتهى إليك ما أوجب التوقف باقي شهود المقاسمة، فإذا كان هذا فلا معنى للاشتغال بالسؤال عن الجواب عنها. ورأيت الكتب المدرجة قد عريت من تحديد الجنة التي فيها البئر والصهريج وإنما أشير إليها في كل كتاب إشارة لا تنحصر ولا تنضبط، ولا يتوجه الحكم في ذلك إلا بالتحديد البين والتعريف المعلوم المكشوف، فيجب تحديد ذلك على المعهود من التحديد، ولا يكتفي من ذلك بما في كتاب المقاسمة لما ذكرته في خطابك من توقفك من باقي شهودها. وأما في شهادة الشهداء في الاسترعاء الذي ذكرت أنه لم يكن عندهم من يد فيها، ففي إعمال هذه الشهادة اختلاف؛ فمن الفقهاء من يرى ترك إعمالها مع بقاء الشهود وحيازتهم، وإعمالها عند فقدهم وذهابهم، وعدم السبيل إلى استفسارهم، ولكنهم إذا قالوا عندك لا مزيد فيها عندك فلا يجب إعمالها. والذي يجب في هذه القصة – والله أعلم بحقيقة الصواب – أن يحلف كل واحد على تحقيق ما يدعيه، فإن حلفا كان مشتركًا بينهما على ما قاله مالك رحمه الله فيمن ادعى شيئًا أنه له، وادعى غيره أن له منه نصفه، وما شهد به لعمر في استرعائه، ولأحمد في عقده غير عامل لالتباسها وإشكالها، ولكنهما مدعيان يدا لكل واحد منهما، فإن نكل أحدهما فللحالف ما حلف عليه.

وأفتى ابن القطان: أما كتاب المقاسمة، فلا حجة فيه لمظهره لبطلانه بعد ثبوته، وكذلك عقده بتعطيل البئر والصهريج، والذي أثبته عمر، والذي تقيد من قول أحمد أنه أعاره ذلك؛ يوجبان القضاء لعمر بذلك الأمر حالة؛ لأن الاسترعاء والمقال يوجبان بدًا لعمر إلا لو أثبت ما ذكره في مقاله وما شهد به من الملك لا في القائم ولا في المقوم عليه فلا يتلفت إلى ذلك لنقصانه إن شاء الله. قال القاضي: قول أبي عبد الله في جوابه على ما في السؤال عن شهود الاسترعاء بتعطيل البئر والصهريج خمسة عشر عامًا، وأنها في ملك ابن عتبة وابن عمر بنصفين، ولم ترد شهادتهم على هذا، وفي إعمال هذه الشهادة اختلاف، ذهب إلى ما في المدونة في كتاب الشهادات عن مالك فيمن شهدت له بينته بداية أو غيرها أنه شيئه لا يعلمونه باع ولا وهب أنه يستوجب بهذه الشهادة ذلك، ويحلف ما باع ولا وهب ولا خرج عن يده بوجه ويأخذه. زاد في كتاب العارية عن ابن القاسم: فإن لم يشهدوا أنهم لا يعلمونه باع ولا وهب. حلف أنه ما باع ولا وهب، وقضى له فأمضى ههنا شهادتهم، ولم يقولوا: لا نعلمه باع ولا وهب ولا قال، يعادون ويستفسرون إن كان حضروا. وفي شهادات المغرب عن أشهب: أن هذه الشهادة إنما تمضي إذا لم يوجد سبيل إلى سؤالهم، وأما إن حضروا فسئلوا فأبوا أن يقولوا: لا نعلمه باع ولا وهب فشهادتهم باطل. ومثل هذا شهادتهم في عدة الوراثة؛ لابد أن يزيدوا: لا نعلم له وارثًا غيرهم، ولا يشهدون في هذا ولا الأول على البت ولا وارث له غيرهم ولا أنه شيئه لم يبعه ولا قوته، كذا في المدونة في سماع أشهب في شهادات العتبية، وفيه خلاف في كتاب ابن حبيب وكتاب أبي فرج لبعض أصحاب مالك، أن الشهادة بذلك لا تكون إلا على البت لا على العلم، ولهذا تبيين، وفيه تنوع تركناه لطوله. وجواب ابن القطان في هذه المسألة أظهر من الجواب الثاني، وليس أيضًا يبعد في النظر، والله أعلم بالصواب. ويمين من استحق شيئًا متنوعة متنازع فيها، وأرجو أنها تأتي في غير هذه المسألة فنبينها إن شاء الله تعالى وهو المنعم بالهدى.

من ادعى بيع ثوب من إنسان وقال المدعي عليه: بل أمرني ببيعه: فهمنا – وفقك الله – ما تنازع فيه ورثة ابن علي واليهودي، بأن قال ورثة ابن علي أن ابن علي باع من اليهودي درنكًا (¬1) وشقة، وبقي ثمنها عنده، وقال اليهودي: لم أشترهما منه؛ أنا دلال؛ أبيع لناس، فسألني بيعها، فبعت الدرنوك بثمن والشقة بثمن، وأوردت جميع ذلك عليه، وأخذت أجرتي منه. فالذي يذهب إليه أصحاب مالك وسحنون معهم: أن القول قول اليهودي مع يمينه، وقالوا: كل من أقر بشيء في أمانته فلا يعدو إلى ذمته، ونسأل الله التوفيق، قال بذلك ابن لبابة، ومحمد بن وليد. قال القاضي: الذي نص عن ابن القاسم في هذه المسألة بعينها خلاف ما ذهبوا إليه، وإشارتهم في جوابهم غنما هي إلى ما روي عن مالك وأصحابه في غير هذه المسألة، من ذلك ما في كتاب القرض من المدونة، فيمن له بيد آخر مال، فقال رب المال: هو قرض، وقال الذي هو بيده: إنما هو قراض، قال ابن القاسم: قال مالك: القول قول رب المال. يريد مع يمنه. قال ابن القاسم: لأنه قال: أخذت مني المال على ضمان، وقال العامل: بل أخذته على غير ضمان، فهذا قد أقر له بمال وبدعي لا ضمان عليه فيه، فلا يصدق، فقال ابن حبيب في قراض الواضحة: إلى هذه رجع مالك، وأخذ به مطرف وابن الماجشون وأشهب وابن وهب بعد أن كان يقول: القول قول المقر؛ أنه قراض. وبه أخذ ابن القاسم وأصبغ، قال ابن حبيب: وبالذي رجع إليه مالك أقول، وروي انب وهب عن مالك في المبسوط مثل ما ذلك ابن حبيب عنه؛ أن القول قول رب المال. وفي المدونة في كتاب الوكالات: قال مالك فيمن دفع إلى رجل ألف درهم ليشتري له بها حنطة فاشترى بها تمرًا، وقال: بذلك أمرتني؛ فالقول قوله، ورب المال مدع (¬2). وقال أشهب في نوازل أصبغ في العتبية، قال أصبغ: إلى هذا رجع ابن القاسم بعد أن كان يقول: القول قول رب المال والمأمور مدع، قال أصبغ: وبه أقول. ¬

_ (¬1) الدرنوك: البساط. انظر لسان العرب ج 10، ص 424 (مادة، درنك). (¬2) انظر المدونة ج 10، ص 246.

وقد ظهر بهذا الذي أوردنا أن صاحب المال هو المصدق عند أكثر أصحاب مالك بخلاف ما قال ابن لبابة وصاحبه، وقول سحنون الذي أشار إليه هو مروي عنه فيمن قال لرجل: ادفع لي ثمن جاريتي التي بعتك، وقال المطلوب: بل أودعتنيها وتعديت عليها فوطئتها وأولدتها، وما بعتنيها؛ قال: رب الجارية مدع عليه مالاً ولا يصدق. ومقر أنها أم ولد لهذا المطلوب. فولده منها أحرارا وتوقف هي، فإن ماتت عن مال أخذ منه المدعي ثمنها ويوقف باقيه، فإن رجع الذي أولدها إلى الإقرار بابتياعها يومًا ما أخذه، ويحد إن ثبت على إقراره بالتعدي في وطئها، وروي حسين بن عاصم عن ابن القاسم مثله، وهذه مسألة طويلة متفرعة على وجوه كثيرة في العتبية وكتاب ابن حبيب وغيرهما، تركت كتابها على وجوهها لطولها، ومع هذا فليست بنفس المسألة التي سئلوا عنها. وأما التي سئلوا عنها فوري عيسى بن دينار عن ابن القاسم الذي فيه مسألة سحنون المتقدمة، قال في كتاب البراءة: وسألته عن رجل أتى إلى رجل فقال له: هات ثمن الثوب الذي بعتك، فقال: ما بعنيه، ولكن أمرتني أن أبيعه، فالقول صاحب الثوب، ويحلف أنه باعه منه، يريد لينفي دعواه الوكالة، فإن نكل عن اليمين حلف الآخر ويرئ. قلت: فإن حلف صاحب الثوب أنه باعه منه واختلفا في الصفة، قال: يصف المشتري الثوب، ويحلف على صفته، ثم يقومه أهل البصر، ويغرم قيمته، قلت: فإن نكل، قال: يصفه صاحب الثوب وقومت الصفة وغرم المشتري، قال: وإن أتيا جميعًا بما يستنكر في الصفة ونكلا عن اليمين فالقول قول المشتري، قلت: فإن كانت قيمته أدنى من الثمن الذي باع به، قال: يقال للذي باع الثوب: اتق الله، إن كان أمرك ببيعه كما زعمت فادفع إليه بقة ثمن ثوبه ولا تحبسه، ولا يقض عيه بذلك؛ لأن صاحب الثوب يدعي أنه باعه منه. هذا تفسير مسألة اليهودي وورثة ابن علي، وبها كان يجب أن يفتي إن كانا ذكراها. من ادعى أنه ابتاع وقال المطلوب: بل رهنتنيه: قرأت – وفقك الله – الشهادات الواقعة على مريم وسعيدة وحمدة وعلي ابن الماشطة، وفهمنا ما أدعاه ابن الماشطة من الاشتراط منهن اشتراءً محضًا وقول السناء أنهن

رهنه ولم يبعن منه شيئًا، وضربت لابن المشاطة آجالاً في إثبات ما ادعاه من الاشتراء منهنه، وانصرمت الآجال. فالذي نرى أن يحلف النسوة في مقطع الحق بالله: إنهن ما يعن منه هذه الدار، ولا كتبن له اشتراءً أو إنما رهناها رهنًا، فإذا حلفن غرمن له الثمن الذي يقول إنه اشتراها به إذا كان في قيمة الدار ما يفي بذلك بعد يمينه إن أنكر العدة عليه، فإن نكل عن اليمين في العدة ردت اليمين في العدة على النسوة فحلفن على ما يذكرن من الرهن ويحاسبنه في الدار من الكراء. وإذا لم يكن في قيمة الرهن مثل ما ادعى من الثمن وحلف النسوة على ما يذكرن لم يكن عليهن إلا ما يذكرن إلا أن زادت قيمة الرهن على ما قلن، وهو أقل مما يقول هو، فيحلف أيضًا هو ما ادعى، ويكون له عليهن من الثمن على قدر ما بغت الدار من الثمن، قاله عبيد الله بن يحيى، وابن لبابة، ومحمد بن وليد. دعوى فيما يقرب من هذا المعنى: فهمنا – وفقك الله – ما قام به عبدي الله بن مسور الطرطوشي عندك على موسى بن محمد بن موسى بن فطيس، وأثبت قبله من دين داين به موسى رحيمًا وعبيد الله، وكتب لهما به ذلك حق أقر فيه بدينهما على ما استجلبته وتيقنهما عليه بذلك، وفيه إرهان موسى لهما منيته وجنانه التي بشرقي مدينة قرطبة، وأن موسى قضاهما بعد دينهما وبقيت منه بقية خلصت لعبد الله، وأقر موسى الرهن بيده، وقدمه على بيعه إذا أوجب حقه، وثبت ذلك كله عندك. وأعذرت في ذلك إلى رحيم وموسى، فلم يكن عندهما مدفع غير ما اعتل به موسى من فساد الصفقة، وما ادعاه من القضاء، وكلفته إثبات ما ذلك، وضربت لوكيله فيه آجالاً استبلاغًا في الإعذار إليه، فلم يأت بمدفع، وأحضر بينة شهدت لموسى فيما ادعاه من فساد الصفة لم تعرفهم، فلما طال تلومك فيه وبان لك عجزه عجزته بعجزه. واستظهر فيما ادعاه موسى على عبد الله من فساد الصفقة بأن حلفته بالله في مقطع الحق: لما انعقدت صفقته على موسى على ما ادعاه من فسادها، ولقد انعقدت على الجواز وعلى ما انعقدت به في الظاهر ما دخل في الصفقة ولا بعدها ما يفسدها كما ذلك موسى، ولا قضاه من باقي دينه شيئًا، ونظرنا إلى ما عقدته من الحكم لعبد الله على

موسى. وأردت معرفة رأينا في ذلك، فالذي عقدته – حفظك الله – هو الحق الذي لا يسعك أن تخلي منه شيئًا، والإشهاد به وجه القضاء الذي لا يحل خلافه، قاله ابن لبابة، وابن وليد، ويحيى بن عبد العزيز، وسعد بن معاذ، وأيوب ابن سليمان، ومحمد بن غالب. دعوى في نحو هذا المعنى في دار ابن البراء: فهمنا – وفقك الله – ما تنازع فيه ابن البراء وابن أخيه أحمد في الدار التي كانت ملكًا براء، وذكر ابن أحمد: أن عمته أخذت من أبيه أحمد ثلاث مائة دينار، ورهنت بذلك هذه الدار، وأنكر ذلك ابن البراء وذكر: أن الذي باعت أخته لمغرم السلطان لسبب اعترض فيه، وهذه الدار صيرتها إلى أخيها؛ لأنه شقيقها، وادعى رهنًا لم يصح. فالذي نرى – والله الموفق – أن ابن أحمد قد أقر أنها رهن، والرهن غير بيع فوجب بذلك وعقلته هذه الدار، فإن صح ما قال من أنها رهن، لم يعرض له في حقه، فإما أن يفديها الورثة بالعدة التي رهنت بها ونقسم الدار، وإن عجزوا أمرت بالنداء عليها وبيعها، وقضى ابن أحمد بن البراء ما ثبت له، والعقلة للدار واجبة ثبت ما ذكره ابن البراء أو لم يثبت، لإقراره بالرهن، والرهن غير بيع، وإنما هي وثيقة بحق ادعى فيه، فاستعجل أيها القاضي العقلة لها فهو وجه النظر، ثم من استحق شيئًا قضى له به إن شاء الله. قاله ابن لبابة، وعبيد الله بن يحيى، وسعد بن معاذ، ويحيى بن عبد العزيز، ومحمد بن وليد، وأحمد بن أبي عيسى. قال القاضي: سؤال هذه المسألة غير بين، وجوابهم بالعقلة غير ظاهر، وفي مساع أصبغ عن ابن القاسم: فيمن ادعى في جارية عند رحل أنه رهنها وقال الآخر: اشتريته منك، وشهد لكل واحد على دعواه شاهدان، ولا يدري ما كان أولا؛ البيع أم الرهن؟ قال: الاشتراء أولى وأثبت؛ لأنه قد ثبت به أنها له، إلا أن يشهد للمدعي أنه رهنه إياها بعد الاشتراء، فيعرف أنها قد رجعت إليه. ولسحنون في كتاب ابنه عن ابن القاسم مثله فيه أخذ، وقد قال بعض أصحابنا يقضي بأعدل البينتين، ولو لم تكن بينهما بينة؛ صدق الراهن مع يمينه؛ لأن المشتري قد أقر له بالملك وادعى الشراء، وكذلك في تكاؤ البينتين.

وفي وكلات المدونة: إن قال: رهنتنيها، وقال رهبا: بل أودعتكها، فالقول قول رهبا. وف يالرهون: وكذلك إن قال: أعرتكها. وفي الوديعة: إن قال: سرقتني، وقال الآخر: أودعتني؛ صدق، لأن ربها ادعى عليه بالفجور، وفي الجعل: إن قال: سرقته مني، أو قال: سرق مني، وقال الآخر: استعملتني، تحالفا، وقيل لرب المتاع: أعطه أجرته وخذ متاعك، فإن أبى؛ قيل للآخر: أعطه قيمة متاعه، فإن أبى؛ كانا شريكين، وقال غيره: لا يكونان شريكين والعمل مدع، ونحوه في أحكام الواضحة، ولو قال: أودعتكه، وقال الآخر: استعملتنيه؛ صدق وقيل: العامل مدع. وقال فضل: إن قال: بعتنيه، وقال ربه: بل غصبتنيه، صدق الذي هو بيده، وكذلك إن قال: قارضتني، وقال الآخر: عسبتني، لأن ربه يدعي عليه باب فساد، وقد تقدم قبل هذا بقية هذا المعنى. دعوى بين ابن أبي الحباب وابن القرشي في تبايع وكشف وامتناع من جواب بإقرار أو إنكار: قام عندي – رحمنا الله وإياكم – معاوية بن هشام بكتاب ابتياع من محمد وعبدة ابني أحمد بن طاهر، فسأل أن يكشف إبراهيم زوج عبدة ووكيلها؛ إن كانت باعت من معاوية ما وصف بيعها له في ذلك الكتاب منه أم لا؟ فكشف له محمد بن إبراهيم فقال: ما أرد في الكتاب شيئًا حتى ينسخ لي وأقرأه على صاحبتي، فكتبت اليكم أسألكم: هل يجب له أن ينسخ له الكتاب أم لا؟ فكبتم إلي: إن مثل ذلك الكتاب لا يجب أن ينسخ لمحمد اختصار ما فيه، فقرئ عيه الكتاب، فقال عن زوجته بعد سماعه ما فيه: لا أرد فيه شيئًا حتى يقول وكيل معاوية إن كان ذلك الشراء لنفسه أم لغيره، ودعي محمد إلى شورى أهل العمل في قوله، فأردت معرفة رأيكم في الواجب في ذلك فاكتبوا إلي برأيكم في ذلك إن شاء الله تعالى. قال محمد بن وليد: فقرأت ما كتب به القاضي أكرمه الله، وحبس على المسلمين نظره، وفهمت ما سألت عنه وما ذكره فإنا كتبنا إليه بخطوط أيدينا؛ بأن لا ينسخ شراء معاوية لمحمد بن إبراهيم لاختصار ما فيه، بل يقرأ عليه، فكذلك قلنا وكتبنا به إليك، والذي نقول به في قول محمد: إنه لا يرد عن زوجته في شراء معاوية، أنها باعت منه أو لم تبع؛ حتى يقول معاوية إن الشراء إنما اشترى ما فيه نفسه أو لغيره، أن الرد على محمد

واجب قبل أن يرد عليه معاوية، فيما أحب محمد رد معاوية فيه؛ لأن معاوية هو ابتدأ كشف محمد، فلابد للمكشوف أن يرد فيما سئل عنه بإقرار أو إنكار، ثم يكشف هو عما بدا له، فإن كان لما يكشف عنه معنى؛ يجب على المكشوف عنه الرد فيما رد عليه. وأقول: إن من لزمه الرد بإقرار أو إنكار فلم يرد؛ فالسوط حتى يرد، هذا قول مالك رحمه الله، وما يجب عندي على معاوية أن يرد إن كان ابتاع ذلك لنفسه أو لغيره؛ لأنه يقول: أنا قد اشتريت، فما سؤالك أنت: النفسي اشتريت أم لغيري؟ فإن قام علي قائم يدعي أني اشتريت ذلك له، فعلى ذلك القائم أرد عليك، والله نسأله التوفيق. وقال ابن لبابة مثل ذلك، وهو أبين من أن يحتاج فيه إلى فتيا؛ لأن من كشفه خصمه عن كتاب قام به؛ لابد له من الإقرار والإنكار، وبقي من كلامه شيء غير معقول فتركته. وقال أبو صالح: ليس لمن سئل أولا أن يسأل، حتى يرد فيما سئل عنه، فإذا رد، قيل له: سل عما بداك، وهذا مما لا يحتاج فيه إلى فتيا، وبه قال سعد بن معاذ. دعوى أخرى أيضًا في ذلك بينهما وبين الحاجب سعيد بن السليم: قام عندي – رحمكم الله – محمد بن إبراهيم المعروف وكيل زوجته بنت أحمد بن طاهر عنها، على سعيد بن السليم، في جنان بيد سعيد، وواضح الخصومة عندنا فيها محمد بن إبراهيم، وعبد الله وكيل سعيد، وتقاعد الوكيلان عندي مرارًا في ذلك، ثم إن معاوية بن هشام القرشي قام عندي بكتاب ابتياع للجنان التي فيها: قام محمد بن الحباب على سعيد، فقال معاوية: إني ابتعت هذه الجنان من زوجة ابن الحباب، وأراه قد ادعاها ملكًا لزوجته، وقام يخاصم فيها عنها، وأنا إن سوغته ذلك بعد معرفتي بقيامه وادعائه ذلك ملكًا لها، وهي بشرائي من زوجته، وسألني أن أكشف له محمد بن الحباب: هل باعته زوجة الجنان من معاوية؟ فلما كشف عن ذلك قال: لا أقر ولا أنكر حتى يقول معايوة إن كان ابتاعها لنفسه أم لغيره؟ ثم رجع ابن الحباب فقال: يا قاضي لا يجب أن توقفني عن زوجتي إن كانت باعت هذا الجنان من معاوية مما انتشبت فيه خصومتي عن زوجتي مع وكيل سعيد عندك وعند الناظرين. فقال معاوية: أنا غير سعيد، فإن كنت أنت واضعت فهيا وكيل سعيد الذي أمر

القاضي وصاحباه بالنظر للمشكاة على الأربعة منهم، فأنا لست من الأربعة الذين صرف نظرهم إليه، وأنا واحد من المسلمين في مطلب أطلبه عند قاضي الجماعة، ومطلي عند زوجتك وأنت وكيلها، فرد علي، فإن أقررت عليها بالبيع مني، أشهد لي القاضي على ما ثبت من إقراراك عنها بالبيع وقبض الثمن، ليكون لي وثيقة على سالف الأيام، لأنك – وأنا قائم – تدعي مالي ملكًا لزوجتك بعد بيعها له مني، فاكتبوا لي رحمكم الله وأياكم فيما تحاجا فيه. قال محمد بن وليد: قرأت ما كتب به القاضي – وفقه الله – في كتابه هذا، وتدبرت حجة الرجلين، فالذي أقول به في ذلك – والله أسأله التوفيق -: أن على محمد بن إبراهيم الرد على معاوية عند القاضي وحده فيما كشف عنه معاوية؛ لأن معاوية يقول: أنا غير سعيد، الذي صرف الأمر – أعزه الله – انظر بينه وبين ظلمه إلى القاضي وصاحبه، وفق الله جميعهم. ومن ابتاع ريعًا من رجل، ثم نظر إلى ذلك الرجل بيعه من آخر، ويدعي فيه دعوى، ثم لم ينكر المبتاع على البائع؛ وهن بذلك شراء المبتاع، فتأكد بهذا عندي: أن من حق معاوية أن يرد عيه ابن الحباب – عن زوجته – هل باعت أم لا؟ وهذا أقول. وقال ابن لبابة: يلزم ابن الحباب الرد: هل باعت زوجة الحنان من معاوية أم لا؟ وقول ابن الحباب – حتى يقول معاوية: هل أشترى منها أم لا – عجز سديد، إنما يسأل السائل فيجاب فيما سأل، ثم إن كان للمسئول دعوى سأل عنها، فإما أن يقول المسئول: بل أنت قل هو ابتعت؟ فيصير المسئول سائلا قبل رده، وهذا جهل شديد لابد أن يرد عما سئل ثم يسأل عما شاء، وقال بذلك خالد بن وهب، وسعد بن معاذ. وقال أبو صالح: نظرت – أكرمك الله – في تجاوب معاوية وابن الحباب، فرأيت لكل وجهًا يجوز عليه خافه؛ إذ لا ينكر رجوع الشيء إلى بائعه بعد أن كان باعه، فإن كان الجنان بيد معاوية، فلا تباعه لابن الحباب أن يجيب معاوية فيما سأله عنه، إذ صارت الخصومة بينهما دون سعيد، ولا رد جوابه على معاوية حتى يجب فيما سأله عنه معاوية. فإن أبي أن يجيب قبل له: إما أن تجيب وإما عزناك وقضينا معاوية، فإن أجاب

فوجب له سؤال معاوية: ألنفسه ابتاع أم لسعيد وبماله والحنان بيد معاوية، لم يضر سعيدًا ما أجاب به معاوية من ذلك، وإن كانت الجنان بيد سعيد ومعه ابتياع من معاوية أو لم يكن لم يضره؛ لأن لسعيد أن يقول لمعاوية: ابتعت منك ولم تبتع مني. ولو قال سعيد: نعم ابتاع لي أو قامت بذلك بينة، لم يضر ذلك أيضًا حتى يثبت بينة على أصل غصب، وإن كانت الجنان بيد سعيد وقت النظر قيل لابن الحباب: هل عادت الجنان إلى ملك زوجتك بعد أن باعتها من معاوية، ثم خرجت عن ملكها إلى ملك سعيد أملا؟ فإن قال: لم تعد إلى ملكها بعد أن باعتها من معاوية؛ أثبت ذلك عليه ومضت الجنان معاوية من بعده، حتى تقوم بينة على ابتياع معاوية لسعيد وبينه على أن سعيدًا من أهل الغصب، وإن قال: عادت ملكها بعد البيع من معاوية ثبت عليه أيضًا البيع من معاوية، ووجبت عليه البينة برجوع ملكها إليه بعد البيع من معاوية. قال القاضي: هذه ألفاظ هجينة ومعان ركيكة وتطويل في غير معنى، وأعادوا الرد في موضع الجواب وهو لفظ عام غير مستعمل، وإنما يقابل السؤال الجواب، ويقال عن سئل: أجب سائلك بإقرارك أو إنكار إن كان في تداع أو استخبار. وقالوا في الجواب قبل هذا: إن أبي أن يرد فالسوط. قاله مالك، وإنما المعروف من قوله أنه يجير على الإقرار والإنكار ولا يترك وما أراد. رواه ابن كنانة عنه في سماع أشهب وقال في كتاب ابن المواز: يجبر بالسجن، وكذلك في كتاب محمد بن عبد الحكم، وقاله سحنون في كتاب ابنه. وقال ابن حبي: في كتابه: إن أبي أن يتكلم أو قال لا أخاصمه إليك، قال لي القاضي: تكلم وخاصم، وإلا حلفته على ما ادعى قبلك وحكمت له عليك، فإن لم يتكلم أحلف الطالب وقضى له إن كان يستحق باليمين مع نكول المطلوب، وهذا كله اختصرت مسائله كراهة التطويل. دعوى في مصحف: فهمنا – وفقك الله – مقال المعلم الذي أتاك بالمصحف، وذكر أن محمد بن عبد البر بن لقيط أتى به منذ زمان ليصلحه له فأصلحه، ثم أتى فذكر أن المصحف ضاع وسأله إن وقع إليه أن يوقفه له، وأن امرأة وقفت به عليه فسامها به ثم قال لها: من أين وقع إليك هذا المصحف وأنا أعرفه لابن عبد البر؟ فقالت: إن لابن شهيد وإن وقع أمره إلى محمد

بن يحيى صاحب السوق، وأدخل ابن عبد البر عليه بينة، فلم يفصل فيه بشيء حتى مات. فالذي ترى: أن تأمر بإيقافه وتبعث في ابن عبد البر وفي المرأة فتكشفها عن خبر هذا المصحف وتحملها فيه على ما يصح عندك لمن أثبته قاله ابن لبابة، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن أيمن، وغيرهم. دعوى في بيع غلام وقال المطلوب: أمرني ببيعه: قام عندي محمد بن الشامة فذكر أنه باع عبدًا من ابن عقيل النخاس، ,اقبضه العبد ولم يقبض منه الثمن، وحضر ابن عقيل فقال: قبضت منه مملوكًا أسود لأبيعه له ولم أشتره منه، وقد أبق مني. فالقول – أكرمك الله – قول من منهما، فإنه حضرني بعض أهل العلم، وقال: القول قول صاحب المملوك. وذكر ألفا مروية لعيسى عن ابن القاسم في رجل قال لرجل: ادفع لي ثمن الثوب الذي بعت منك، قال: ما بعته مني، ولكني دفعته إلي لأبيعه لك وقد ضاع مني، فقال ابن القاسم: القول قول رب الثوب الذي زعم أنه باع من الرجل، ويقال للرجل: صف الثوب الذي أقررت أنك قبضته، فإذا وصفه وصدقه رب الثوب قوم الثوب وغرم له قيمته. فما ترى أنت في ذلك. قال أبو صالح: فهمت ما ذكرته من خبرهما وما ذكره الرجل، والرواية كما ذلك لا اختلاف عندنا في ذلك، وهو قولنا ومذهبنا؛ فنفذ القضاء به موفقًا إن شاء الله. وإنما يستوصف قابض العبد إذا لم تكن له بينه على صفته، فأما إن كانت بينة على صفته فهو أحق من الوصف، إلا أن يرضى بترك البينة والرجوع إلى الصفة. قال ابن لبابة: قول أصبغ وروايته عن ابن القاسم أصح من هذه وبه نقول: قال القاضي: قد ذكرت رواية عيسى عن ابن القاسم قبل هذا في مسألة اليهودي ومخاصمته بكمالها، وزادوا فيها ههنا ما لم يقع في الرواية وهو قولهم: وقد ضاع مني. وقول ابن لبابة: رواية أصبغ أصح، لا أعلم بهذه الرواية التي ذلك، وإن كان عني التي في سماع عيسى في رسم العربة: إذ قال رب الجارية: هات ثمن جاريتي هذه. وقد

ولدت. وقال الآخر: ما اشتريت ولكن زوجتنيها، لما وصل بها في هذا الرسم من رواية أصبغ – فليست مثل المسألة التي سئلوا عنها، وقد ذكرت قبل هذا في مسألة اليهودي قول سحنون في هذا. دعوى في خندق بين فدائي رجلين حفر أحدهما فيه ما تشكى الآخر أذاه: قام عندي – رحمه الله – أحمد بن مروان، فذكر أن الخندق الكبير الجاري القديم بقلبقار، وكان حجزًا بين فدان لي وفدان لعبد الرحمن، وأحدث علي فيه حفر مؤديا للخندق القديم، وخندق في فداني. وقال عبد الرحمن لست أعرف مما قال أحمد قليلا ولا كثيرًا والحفير الذي ادعى انه حفر في ماله ليس هو كما قال، إنما حفرت في مالي ومتاعي. فالذي يجب في هذا – والله الموفق – أن أحمد قد أقر أن الخندق فاصل وحاجزين أرضه وأرض عبد الرحمن، ثم ادعى أن عبد الرحمن تعدى عليه وحفر في ماله، فعلى أحمد إقامة البينة على دعواه، وعليك – وفقك الله – إعانته لشهادة البينة، على أن يضعف عن طلب حقه. قاله يحيى بن عبد العزيز، وابن لبابة. وقال أحمد بن بيحيى: يجب عونه وأن ترسل معه عدولا ينظرون إلى ذلك، لظهور ضعفه مع شهادة من شهد أنه ضعيف. وقال أبو صالح: إذا جاء مثل هذا الإشكال من الدعوى أرسل القاضي من يفهمه ويأتيه بالصحيح منه؛ لأنه أمر يدرك ويفهم، وقد ركب عثمان بن عفان (رضي الله عنه) في أمر أشكال، وقد ركب عندنا أيضًا أحمد بن زياد في أمر أشكل. وقال سعد بن معاذ: البينة – أكرمك الله – على أحمد فيما ذلك أن عبد الرحمن حفر في فدانه، إلا أن يكون الحفر حادثًا يفهم بالوقوف إلى الخندق؛ فحينئذ ترسل من ينظر إلى ذلك فتعمل بما تقوم به البينة المرسلة المعاينة. وقال به أيوب بن سليمان، إن ادعيا جميعًا الحفر الطري حتى يثبت لمن هو منهما. قال القاضي: خبر عثمان الذي ذكره أبو صاح وقع في أقضية العتبية في سماع ابن القاسم في رسم تأخير صلاة العشاء. قال مالك: كان بين رجلين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خصومه في

أرض لهما قريبة من المدينة حتى ارتفع الشأن بينهما، فركب عثمان (رضي الله عنه) في زمانه في ذلك، وركب معه رجال، فلما ساروا قال له رجل: إن عمر (رضي الله عنه) قد قضى فيه، فقال عثمان: أنظر في أمر قد قضى فيه عمر ورجع. وهكذا وقع في آخر الزكاة الأول من المدونة، وهو خبر حسن ذكره أبو عمر محمد ابن عبد الواحد الماوردي الزاهد المعروف بالمطرز في كتاب البواقيت له، عن الشعبي قال: أول من جرا جريا أي وكل وكيلا من الصحابة على رضي الله عنه، وكل عبد الله بن جعفر، فقيل له لم وكلت عبد الله وأنت سيد من سادات الناطقين؟ فقال: إن للخصومات فحمًا. قال عبد الله: فنازعني طلحة في ظفير كان بين ضيعتين: ضيعة لعلي وضيعة لطلحة، وكان علي يحب أن يثبت الظفير وكان طلحة يحب أن يزال. قال: فتنازعنا الخصومة بين يدي عثمان وهو خيفة، فقال لنا: إذا كان عدًا ركبنا في الناس معكما حتى أقف على الظفيرا فأحكم بينكما معاينة. قال عبد الله: فركب معنا من المهاجرين والأنصار، وكان معنا معاوية كان جاء زائرًا فتنازعنا الخصومة في الطريق، فقال معاوية: لو كان منكرًا لأزاله عمر. قال: فوالله ما خرج كلامه حسنًا حتى توجه الحكم لي، ثم وقف عثمان والناس معه على الظفير، فقال: يا هؤلاء، أخبرونا أكان هذا أيام عمر؟ قال: قلنا: نعم، قال: فدعونا كما كان أيام عمر. قال: فانصرفنا. قال عبد الله: وجئت من فوري إلى علي، فقصت عليه القصة حتى بلغت إلى كلام معاوية، فضحك ثم قال: أتدري لم أعانك معاوية؟ قال: قلت: لا، قال: أعانك بالمناقية، قم الآن إلى طلحة فقل له: إن الظفير لك فاصنع به ما بدا لك، فأتيته فأخبرته؛ فسر بذلك، ثم دعا بردائه ونعله، وقام معي حتى دخلنا على علي، فرحب به وقال: الظفير لك فاصنع به ما شئت، قال: قد قبلت وإنما جئت شاكرًا ولي حاجة ولابد من قضائها، فقال له علي: سل حتى أقضيها لك، قال طلحة: أحب أن تقبل الضيعة مني مع ما فيها من العلمان والدواب والآلة، فقال علي: قد قبلت. قال: ففرح طلحة، وتعانقا وتفرقنا. قال عبد الملك: فوالله ما أدري أيهما أكرم في ذلك المجلس أعلى إذ جاء بالظفير أم طلحة إذ جاء بالضيعة بعد ضنه لمشاة؟.

وإن كان في هذه الحكاية بعض الخلاف عما حكام ملك، فإن المعنى المقصود منها متفق عليه وهو ركب القاضي مع الثقات في الأمر المشكل، وترك القاضي الاعتراض فيما قضى به غيره قبله. وقولهم في مسألة الخندق: ويجب أن يحسن عون أحمد لضعفه، فذكر ابن حبيب في كتاب منهاج القضاة له عن مظرف وابن الماجشون نحوه. قالا: ولا ينبغي للقاضي أن يلقن أحد الخصمين حجة قد عمي عنها لضعفه، بأن يقول له: قل: كذا وكذا، ولا بأس بأن يحتج بذلك هو عنه ويكلم خصمه ويعتد له به، حتى كأنه هو تكلم بذلك واحتج به. وقال أشهب في غير كتاب ابن حبيب: وللقاضي أن يشتد على عضد أحدهما إذا رأى ضعفه عن صاحبه وخوفه منه، لينبسط أمله في الإنصاف ورجاء العدل، ولا بأس أن يلقنه حجة عمي عنها، وإنما يكره تلقين أحدهما حجة الفجور. وقال روي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "من ثبت عيبا في خصومته حتى يفهمها ثبت الله قدمه يوم تنزل الأقدام" (¬1). وقال محمد بن عبد الحكم: لا بأس أن يلقنه حجة لا يعرفها. وقال سحنون في كتاب ابنه وفي المجموعة: ولا ينبغي أن يشد عضد أحدهما ولا يلقنه حجة. وقول سحنون هذا هو الفقه، وما ذكره ابن حبيب حسن وقول أشهب ومحمد بن عبد الحكم ليس بشيء. والقاضي مأمور بالعدل بين المتحاكمين فيما هو أخف من هذا، في النظر إليهما. والإقبال عليهما، وتسوية المجلس بينهما، ولا حجة لهما في الحديث الذي ذكره أشهب؛ لأنه قد يكون في غير القاضي، والله الموفق للصواب. في امرأة ادعت أنها سبيت: فهنا – وفقك الله – ما ذكره العريف سعيد من جلسه على باب داره وحضوره امرأة معها فارسان فسألها سعيد بمحضرهما عن خبرها، فقالت: إنها سبيت بحصن فلاي ثم سير بها إلى أشبيلية، فأضر بها الذي كانت عنده، فخرجت عنه وأقبلت إلى قرطبة، ¬

_ (¬1) هذا الحديث لم أعثر عليه.

فتقبض عليها هذان الفارسان، وأنهما يريدان بها إلى حصن بطليوس، فلما سمع ذلك الفارسان همزا هاربين وتركاها عنده، فوقفتها أربعة أشهر أو نحوها، فلم يأت لها طالب. فنرى، والله الموفق للصواب، أن تطلق وتذهب حيث شاءت وتقيم حيث أحبت؛ إذ لم يأت لها طالب ولا مدع، وفي أقل من هذا التوقيت، كان يجب إطلاقها وتسريحها. قال أيوب بن سليمان، وابن لبابة، وابن وليد، وأحمد بن يحيى. تداعيا مملوكًا بينهما: كشفنا القاضي – وفقه الله – عن رجلين أتياه ومعهما غلام، كل واحد منهما يدعيه ملكًا، وقال الغلام: كنت مملوكًا لابن نوبة، ونقلتني الأملاك حتى صرت إلى بائعي من ابن الحاسبة. وأحضرت ابن نوبة فأثبت أنه كان مملوكًا له منذ ثلاثة أعوام، وأر بيعه من رجل حضر عندك، وأقر بابتياعه وبيعه من أحد هذين المتداعين فيه، وأعلمته بثبوت ملكه عندك لابن نوبة لثلاثة أعوام مضت، وعرفته بمن شهد في ذلك، وأجرت شهادته، فقال المدعي الثاني: ابتعته من فلان منذ شهرين. وفلان هذا ليس من التداول ملك بعد ابن توبة، وأنه لا حجة عنده ولا مدفع، فوجب ملكه لابن توبة؛ لأنه أقدم تاريخًا ممن ألفى عنده، ولم يبق عليك بعد اتلإعذار إلا إحلاف المالكين له: ابن توبة ومن صار إليه بعده ببينة، فإذا أحلفا وجب القضاء به لمستحقه، وإن تعدى الذي خرج من يده على بائعه منه إذ أقر له بالبيع منه، ثم إن طلب حاجة فأنت من وراء نظرك بتوفيق الله لك. قاله ابن غالب، وعبيد الله بن يحيى، وابن لبابة، وأيوب بن سليمان، وابن وليد. تداع في دابة وإقالة: فهمنا – وفقك الله – ما أدعاه قاسم أنه سرق منه برذون بمتاع له بالبيرة، وتعلق برجل يقال له أصبغ، وذكر أنه وجده عنده. وقال أصبغ: اشتريته من قوم ثم أقلوني، فالذي يجب في ذلك إذا أثبت قاسم فيما ادعاه؛ أن يتخذ على أصبغ حميل بإيقاف البرذون خمسة أيام إلى الجمعة، فإن أتى قاسم بشاهد عدل وجب عقل البرذون حتى يثبت بشاهد ثان، ويكون لأصبغ الموجود بيده البرذون أن يكلم أصحابه في الإقالة، فإن صحت له أعدى عليهم بالمال، وكان الكلام في البرذون بينهم وبين قاسم، وإن لم تثبت الإقالة مضى الكلام بين قاسم وأصبغ قاله ابن لبابة، وابن وليد.

قال القاضي: وكان أبو عبد الله ابن عتاب يقول: لا تجب اليمين لمدعي الإقالة على المدعي عليه فيها، إلا أن يأتي بشبهة تقوى بها دعواه، وشاهدته بفني بذلك، وقال: في ذلك اختلاف. وكذلك كان صاحب ابن قطان يفتي أنه لا يمين في ذلك إلا بشبهة، وأنا أرجح في ذلك، والفقه فيه لحاق اليمين في ذلك إلا أن الناس يبدوا باطلهم في دعوى ذلك إذا طلبوا بثمن المبيع منهم، ويجعلونه باباًا من أبواب اللدد والعدول عن الإنصاف. فإن كان مدعي ذلك ممن يظن به طلب الباطل؛ كلف الشبهة، وإن كان ممن يظن به أنه محقق في دعواه لصلاح حاله وتنزهه عن الباطل؛ فاليمين لاحقة في ذلك إن شاء الله. ومن لم يراع الخلطة في الدعوى ابتداء، وأوجب اليمين دونها؛ فاليمين في دعوى الإقامة على أصله أقوى للمعاملة المتقدمة بينهما التي يدعي الإقالة منها، والله أعلم بالصواب. دعوى في قبالة إرجاء وإقرار وإنكار ويمين في ذلك المعنى: فهمنا – وفقك الله – ما ثبت عندك من إقرار عمر بن سعيد القرشي وأمه بنت عباس القرشي بأنهما قبلا الإرجاء بثلاثمائة دينار من قوم، وأن عامرًا زوج در مولاة عباس التي كانت زوجته وهلك عنها، سألها أن يأخذ الإرجاء على القبالة كما كان قبلاها وأن يتقاضا تحت يده ويبرأ إلى ورثة عباس بباقي الثلاثمائة دينار. وأنكر عامر زوج در أن يكون يعرف شيئًا من ذلك. وضربت لهما في إثبات ما ادعياه من القبالة المذكورة آجالاً، وسعت عليهما فيها، فلم يأتيا بمدفع حتى مضت مدة بعد الأجل يجب في أقل منها التعجيز والحكم للطالب بما ثبت له. فالذي نرى أن الحكم قد وجب للطالب بعد يمين عامر على ما أنكر، ويمين در أنها ما علمت أن زوجها قبض منها شيئًا مما ذكراه، ثم تعدى در بما ثبت لها من ذلك. قاله محمد ابن لبابة، وقال ابن وليد مثله، إلا في عامر فلا يمين عليه إلا بثبوت الخلطة. وقال عبيد الله بن يحيى: لا يمين إلا بخلطة، وقال أيوب بن سليمان: هذا جواب

مفرط من وثيقة ليس بينه وبينها نسب؛ إنما الدعوى بين عامر وزوج در، وبين عمر وأمة الرحمن في قبالة ادعياها عليه فأنكرها فلم يثبتا ما ادعيا، فوجب تعجيزهما عنه، ثم لا يمين على عامر، كقول مالك رحمه الله فيمن شهدت عليه بينه غير عدلة بدعوى، لا يمين عليه؛ لأن غير العدلة كلاشيء هذا قول مال (رضي الله عنه) نصًا. وكذلك در أيضًا لا يمين عليها؛ لأنهما ادعيا أنهما أحلاها على زوجها بشيء، ولا ادعيا عليها أن زوجها قبض لها شيئًا منهما، فقران هذا الصك إلى الوثيقة محال. وإيجاب الإيمان على عامر ودر أحرى وأولى، والى الله أرغب في التوفيق. وقال سعد بن معاذ: الذي قاله أبو صالح من قول مالك في المستخرجة وإليه قصد، وغيره من أصحابنا أوجبوا اليمين بغير بينة، وذهبوا إلى إحلاف زوجها على الحديث الذي جاء. فالقاضي – وفقه الله – مخير في ذلك والله يوفقه وإيانا لصواب، فليتخير من ذلك ما يشاء فكل قد ورويناه، والحكم واجب لدر في المال بعد أن يتخير القاضي أي القولين أحب، قال أبو صالح: قد أجبت بما عندي، وليس أحد من أصحابنا يوجب يمينًا لمن جاء بغير بينة عدلة. قال القاضي: الذي ذكره أبو صالح من قول مالك، وقع في الشهادات في رسم الشجرة، ونصه: وسئل مالك عن الرجل يأتي بشهداء عدول على رجل بحق، فأثبت المشهود عليه أن بينهم وبينه عداوة، فترد شهادتهم عنه، أترى أن يحلف؟ قال: إذا ردت شهادتهم فهو بمنزلة من لم يشهد عليه، وكأنه رأى أن يحلف. قال سحنون مثله. وفي رسم العتق من سماع عيسى مثله، وكذلك في كتاب ابن المواز، وقاله أشهب في تهاتر البينتين، ومنه في سماع حسين بن عاصم مثله، وفي النوادر، قال أبو بكر بن محمد: وقد قيل بحلف. وجواب أبي صالح هذا أدل هذه الأجوبة على العلم. وقولهم في السؤال: وضربت في إثبات ما أدعيا من القبالة آجالا، وسعت عليهما فيها، فلم يأتيا بمدفع؛ قول خلف، وإنما لاصواب: فلم يأتيا بشيء يوجب لهما نظرًا؛ لأنهما

كان طالبين لشيء لم يثبتاه، ومدعين لأمر لم يحققاه، فليس بموضوع مدافع. وكنا نقول: من خطأ الناقل لا من خطتهم لولا أن تكلفهم حكاية ما جرى عند قاضيهم وسؤاله لخم بألفاظ غير مهذبة، ومعان غير منتمة، ومقاطع غير صحيحة ولا مفهومة أشد عليهم من هذه اللفظة وحدها، ولولا أن أبا صالح منهم بين بعض ما في السؤال ما بان مراد من ذلك المقال، وكذلك أكثر مسائلهم، وقد نبهنا على كثير منها والذي تركناه أكثر. وقد كان يكفيهم أن يقولوا فهمنا ما خاطبتنا به، والجواب كذا، وينقل السؤال بتكلف كتاب هذه المسائل الجامع لها أولا وهو القاضي ابن زياد النازلة بين يديه على ما ذكرنا في يصدر كتابنا هذا، والهدى من الله تعالى. دعوى بين ورثة ابن بسيل في مال بقرية غليب، ادعى بعضهم أنه ماله من غير سبب موروثهم، وقد تقدم هذا المعنى فيما كتبنا: فهمنا – وفقك الله – ما قام به مروان على إبراهيم بن حمدون بن بسيل، وكشف القاضي إياه عما بيده من مال حمدون بن بسيل بقرية بني غليب، وبعد أن أثبت موت حمدون، وعدة ورثته، والمعنى الذي حاز بهلمروان أن يكشفه عن ذلك، وما قاله إبراهيم: إن مال أبيه حمدون وليس بيده منه شيء، وإنما هو بأيدي عرفاء أنزلوا عليه، وأن الذي يعتمره بهذه القرية ماله وملكه ليس من مال حمدون ولا بسببه، وما أشهد به الشهود من أنهم لا يعرفون لأحد من ورثة حمدون بقرية غيب ملكًا بغير سبب حمدون. فيجب فيما ادعاه إبراهيم ملكًا أن يثبته؛ لما ثبت أن دخول ورثة حمدون بقرية غليب بسبب حمدون لا بغير سبيه، فإن أثبت شيئًا نظرت فيه، وإن كان كما قال مروان من انصرام الآجال المضروبة على إبراهيم في ذلك وجب إخراج إبراهيم عما بيده من القرية ورده إلى جميع ورثة حمدون إلا أن يدعي بينة قريبة ومدفعًا معجلاً على ما يراه القاضي، وأكثر ذلك أيام الجمعة. قاله ابن لبابة، وأيوب بن سليمان، وغيرهما. دعوى ويمين التهمة في المدعي: قال أبو صالح: قرأت – وفقك الله – ما كشفت عنه عبد الله بن مفرح وأخته وإنكارهما جميعًا الكشف. وفي كشفهما أن أصبغ بن حارث ذلك أن ما في الكشف أخرجته ابنته زينب إلى

دار خالتها فاطمة على العصيان لها منها، وأن لك كان من ماله، ولم يزل ذلك في دار أخته حتى أخرجها عبد الله بن مفرح إلى داره، وحجب أباها عنها حتى ماتت عنده وعند أخته فاطمة. فالجواب: أنه إن كان عبد الله وفاطمة ممن يقع عليه مثل هذا وممن لا يدع عن بسط يده ويأخذ ما ليس له، وممن يجحد حقًا عليه؛ وجبت اليمين عليهما في مقطع الحق. وإن كان بغير هذه الصفة، ممن لا يقع عليهما مثل هذا اللفظ فيهما وصلاح معروف منهما؛ فلا يمين عليهما إلا أن يأتي بوجه يوجب حقًا ويلزم حقًا أو يلزم يمينًا سوى ما في الكشف فيصير إلى ما تبين من ذلك. وقال به ابن لبابة، وسعد بن معاذ، وابن وليد. يهودي ادعى في غلام خدمة على أنه مملوكه: فهمنا – وفقك الله – ما تنازع فيه اليهودي والغلام الذي أسلم وأخرج من عند اليهودي فادعى العلام أنه إنما خدمه على أنه جر ابن حرين، وإنما لما أراد الخروج عنه أمسكه حتى صاح، وأخرجه القاضي من عنده. وقول اليهودي: هو عبدي وابتعته من يهودي من أهل طلبطلة منذ أربع سنين. فيجب في ذلك أن يؤجل الغلام فيما ادعاه من بينته ما رجى له شيء يستأت عليه؛ فإذا ظهر عجزه، وطلب الغلام يمين اليهودي من أنه لم يكن عنده على معنى الخدمة بالحرية، ولكن على معنى المملكة له؛ وجب ذلك له، فإذا حلف؛ أمر القاضي ببيع الغلام ودفع ثمنه إلى اليهودي. قال بذلك: ابن لبابة، وابن غالب، وابن وليد. قال القاضي: في العتق الثاني من المدونة؛ قال ابن القاسم: من كان بيده صبي صغير، وقال: هذا عبدي، فلما بلغ الصغير، قال: أنا حر، وما أنا لكل بعبد؛ لم يقبل قوله، وهو عبد إذا كانت خدمته معروفة وحيازته إياها معلومة. قال: ولو كان الصبي يعرب عن نفسه، فاقل سيده: أنت عبدي، وقال الصبي: بل أنا حر؛ فهو كالأول إن كان قبل ذلك في يده يختدمه وهو في حوزة لم ينفع الصبي قوله وهو عبد. وإن كان إنما هو متعلق به، لا تعلم منه قبل ذلك خدمته له ولا حوزة وإياه؛ فالقول

قول الصبي. على هذا النص كان يجب أن يكون جواب الشيوخ في مسألة اليهودي؛ فيقولوا إن كانت خدمة الغلام معلومة الأعوام التي ذكرها اليهودي صدق اليهودي. وأراهم إنما عموا في تصدق اليهودي على قول الغلام: إنما خدمته على أني حر ابن حرين؛ فأعملوا إقراره له بالخدمة. وكان يلزمهم كشفه عن هذه المدة التي أقر بخدمته فيها فلعلها لم تكن إلا الأيام أو الأشهر، ومثل هذا لا يجب أن يحكم عليه في بالرق، بل يجب أن يكلف البينة مدعى ملكه. وفي كتاب ابن سحنون وغيره: من أجر إنسانًا من آخر، ثم قال الأجير: أنا حر، فهو مصدق؛ لأنه قد تكون له الخدمة عليه فيؤاجره، ألا ترى لو كان يخدمه، فقال: أنا حر صدق! لأن الخدمة ليست إقرارًا بالرق، إلا أن تطول الخدمة حتى يخرج من حد الإجارة. وهذا يبين معنى ما في المدونة أنه إنما ذلك في الخدمة الطويلة والمدة البعيدة، مع أنه لا يكاد يخفي على الجيران المصاقبين ابتياع من جارهم للمملوك ولا لما هو أحقر منه، فإذا لم يستدع ذلك عند جيرانه ولا سمعه أهل موضعه فكذبه في دعواه ظاهر، وكلامه باطل، وكلف إثبات دعواه وإلا سقطت. وإذا أبطلوا إنكار الغلام لدعوى اليهودي وأعملوا دعوى اليهودي في ملكه له، فكان ينبغي أن يكون جوابهم: ألا يسمع قول الغلام حتى يأتي بشبهة أو لطخ في حريته، على ما رواه ابن القاسم عن مالك في سماعه في رسم المناع والحيوان في العبد يدعي الحرية ويذكر بينه غائبة، والجارية تدعي ذلك. قال: لا يقبل قول العبد، إلا أن يأتي ببينه، أو أمر يشبه فيه وجه الحق، فإن أتى بذلك رأيت ذلك له، واستحب في الجارية أن يوقف صاحبها عنها – يريد عن خدمة العبد – وإن كان مأمونًا أمر بالكف عنها، وإن كان غير مأمون وجاءت بأمر أقوى في الشهادة كالشهادة العدل وضعت على يدي ارمأة، وأجل فيه الشهران والثلاثة. وفي كتاب ابن حبيب: قال أشهب: سأل ابن كتانة مالكًا لابن غانم عن عبد ادعى حرية، وأن له بينة بموضع كذا، فطلب السيد منه حميلاً وهو لا يجده؟

قال: إن جاء بلطخ وشبهة فأمكنه ن الخروج يأتي ببينة بعد حميل لسيدة، فإن لم يأت بحميل؛ سحن، ووكل من يقوم بأمره، وكتب إلى الموضوع الذي ذلك، وهذا إذا أثبت السيد ملكه إياه وحوزه له. وإن لم يثبت ذلك؛ حيل بينه وبين لإنكار العبد الرق. قال أصبغ: فإذا الكتاب في أمره بما يستوجب به الرفع رفعه مع سيده، وإن بعد المكان، وكذلك الجارية. وكل هذا خلاف ما أفتوا به في مسألة اليهودي. ومسألة ادعاء العبد الحرية متكررة في مواضع بمعان متقاربة، وتركت اجتلابها عن نصوصها كراهة التطويل. دعوى في فدان غلب صاحبه عليه وحيز أو عين: فهمنا – وفقك الله – ما قام به العطار على النصرانيين في الفدان فحجر بحردة ودعواه الغلبة، وثبوتهما بما شهد به الشهود فيه، وقول النصرانيين: إنهما اشتراه من نصرانيين، وقول وكيلهما: هذا الفدان المعارض فيه ليس الذي شهدت به البينة على الاسترعاء في الإكراه. فيجب في ذلك أن تحوز البينة اليت شهدت في هذا الفدان، أو تقول: إن الفدان الذي وقعت فيه المعارضة هو هذا بعينه، أو يقول الوكيل: إنه هو بعينه، أو يحوز الفدان غير هذه البينة أنه هو المقوم فيه فتسقط حينئذ الحيازة؛ فإن ثبت أنه هو وجب للعطار استرجاعه بما ثبت له من الإكراه إلا أن تكون للنصرانيين حجة عند الإعذار إليهما. قاله ابن لبابة وغيره. مشورة أخرى في هذه القصة: تكشف – وفقك الله – زكريا وعثمان النصرانيين عن الفدان المحدود في كتاب الاسترعاء؛ فإن أقرا أنه الفدان الذي تعارضوا فيه بعينه؛ نظرت في الشهادات الواقعة في الاسترعاء على ما يجب إن شاء الله. وإن أنكراه وذكر أنه غير الذي أوقعت فيه المعارضة ورضى العطار بأيمانهما؛ حلفا في كنيستهما بالله الذي لا إله إلا هو: ما هذا الفدان المحدود في هذا الكتاب بالفدان الذي يطالبهما به، ولا هو الذي وقع في كتاب المراضاة، فإن حلفا برئا من طلب العطار. وإن نكلا؛ فإن كان القاضي ممن يرى اليمين مع الشاهد؛ لم يكن لهما الرد؛ لأن

العطار، عليه وجبت اليمين فردها. وإن كان لا يرى اليمين مع الشاهد؛ فالنصرانيان إذا نكلا؛ رد اليمين على العطار؛ فإن حلف؛ نظرت في هذا بما يجب، وإن نكل؛ سقطت طلبته عنهما. قاله ابن لبابة، وابن وليد. دعوى في زرع: قام عندي – رحمكم الله – خشنة فذكر أنه أفع زرع فدان زوجته الذي بغربي بمحشر الدمشق وأقر له بعد حصاده في أندر ابن معصب. ولما أراد درسه منعه منه محمد بن قاسم، وحضر عندي محمد بن مصعب وأقر ابن مصعب بما ذكره خشنة، وقال: إن محمدًا ادعى فيه إذا أراد خيشنة درسه. وقال محمد: بل أنا أنزلت الزرع في أندر ابن مصعب وهو لي، فكلفته البينة بعد أن أمرت باعتقال ما حصل في الزراع، وضربت له آجالاً واسعة، وتلومت عليه بعدها، قلم يأت بسبب يوجب له الزرع، وطال التأني فيه وسألني خيشنة إطلاق يده عليه. فهمنا – وفقك الله – ما ذكره خيشنة وابن قاسم واتفاقهما أن الزرع في أندر ابن مصعب وإقرار ابن مصعب أن خيشنة أنزله فيه ابن قاس؛ فالذي يجب فيه أن إقرار ابن مصعب بالزرع الذي في أندره لخيشنة يوجب الزرع لخيشنة وإطلاق يده عليه قاله محمد بن وليد، وعبد الله بن يحيى، ومحمد بن لبابة، وسعد ابن معاذ قال القاضي: هذا الجواب صحيح إن كانت المرأة صدقت الزوج فيما ادعاه عنها، وحفت على ذلك، وأما إن أنكرت مقالته وتبرأت من الزرع فإنه لابن قاسم إذ لا مدعي له سواه. وإن كان لم يتعرف ما عندها ولا ثبت توكيلها لزوجها فلا يصح في الزرع حكم، ويوقف حتى تعلم بذلك فتدعيه وتحلف؛ فيكون لها أو تنكل عن اليمين؛ فيحلف ابن قاسم ويأخذه. وفي كتاب الشهادة من المدونة: إذا تداعى رجلان زرعاً في أرض رجل، وأقام أحدهما بينة، ورب الأرض لا يدعي الزرع؛ فإنه يستيرئ ذلك، ويقال لهما: زيدا بينه، فإذا طال زمن الاستثناء وتكافأت البينات؛ حكم لهما به وكان بينهما – يريد بعد أن يحلفا.

وإن نكل أحدهما؛ أخذه الآخر الحالف، وإن كان الزرع في يد واحد منهما كان أولى به إذا أقام البينة. يريد وقد أقام الآخر بينه وتكافأت، وإن لم يقم واحد منهما بينة كان للذي هو بيده. قال ابن القاسم: ولو ادعى رب الأرض الزرع ترك بيده، ولو أقر رب الأرض به لأحدهما وقد استوت حالهما في تداعيهما كان للذي أقر له به رب الأرض مع يمينه؛ لأنه لو ادعاه لنفسه لكان له. وفي كتاب الولاء من المدونة ما يدل على ذلك. ولأشهب في المجموعة، وفي كتاب ابن سحنون تداعيا أرضًا أو دارًا، وقال كل واحد منهما إنها له وفي يده، والدار بيد غيرهما، فأقر أنه اكتراها من أحدهما أو استعارها منه؛ كانت الذي: أقره هذا، إلا أن يقيم الآخر بينه فتكون له، إلا أن يقيم الآخر أيضًا بينة فتكون لأعدلهما، فإن تكافأتا كانت للمقر له بعد أن يحلف، ولا يمين مع المقر؛ إذ لو رجع عن إقراره لم يصدق، وإن كان شاهدًا فالشاهد لا يحلف، وإن تداعيا عبدًا في أيديهما، والعبد لا يتكلم، فمن قامت له بينة منهما به كان له، وإن أقاما جميعًا بينة قضى بأدلهما، وإن تكافأتا كان بينهما بنصفين، وإن كان العبد كبيرًا يتكلم أسأله حتى أسالهما البينة فإن أقاماها كان لأعدلهما، وإن تكافأتا فهو لمن أقر له العبد منهما بالملك. قال القاضي: وتب إلى من مالقة بمسألة من هذا المعنى، في جمال عيه رزق زينب ادعى رجلان كل واحد منهما أن الزق له استأجره على جمله، والحمال ينكرهما ويدعه لنفسه أو أقر لأحدهما أو لهما. فجاوبت في ذلك: إن ادعا الحمال لنفسه كان له بعد أن يحلف لكل واحد منهما على تكذيب دعواه؛ وإن أقر به لأحدهما كان لمقيم له مع يمينه إن لم تقم للآخر بينة، وإن أقر أنهما جميعًا أسلماه إليه واستأجراه عليه على جملة، حلف كل واحد منهما واقتسماه، ومن نكل منهما أخذه الحالف، وسواء كان حامله معروفًا بالحمل على الناس أو غير معروف بذلك؛ إذا ادعاه ملكًا لنفسه فهو أوى مع يمينه لكونه في يديه وحوزة من مدعيه باستئجاره عليه. هذا معنى ما جاوبت به، وكله على الأصل الذي قدمناه من المدونة وغيرها، وعلى ما في أحكام ابن زياد رحمه الله في الزرع، وإن كنت قد رأيت في مسألة الزرع التي في المدونة قد كتب عليهما في حاشية كتاب: أن رب الأرض لو أقر بالزرع لأحد متداعية لم

ينتفع بذلك، وأراه عن أبي عمر الأشبيل أحمد بن عبد الملك، وهو خطأ لا يلتفت إليه. قال في تلكل المعلقة: والزرع، بخلاف لو كان بيده ثبوب فأدعاه رجلان، وقال الذي هو بيده: هو لهذا منهما. هذا كان يكون لمقر له، ولا فرق بين الزرع وما هو ممسكه بيده، والله الموفق للصواب. مسألة أخرى في تداع زرع من أحكام ابن زياد: فهمنا – وفقك الله – ما طلبه خلصة من الزرع الذي في أرض أخته الموروثة، وذكر أن زوجها وههيأ الفتى زرعها بزوج المرأة زوريعتها، فالذي يجب فيه أن تكشف وهيأ عنه فإن أقر أنه زرع بزوج المرأة وزريعتها لنفسه؛ فازرع له ويكون عليه كراء حصته خلصة من الزوج، وكراء الأرض مع حصته من الزريعة، وإن أنكر الزوج والزريعة حلف بالله – أن ذلك ليس لمرأة منه شيء، ويحلف أيضًا أنه ما زرع إلا لنفسه، ثم يكون عليه كراء حصته من الأرض. قاله ابن لبابة، ومحمد بن وليد. قال القاضي: قولهم: ويحلف أيضًا أنه ما زرع إلا لنفسه بعد يمينه أنه لا شيء منه للمرأة؛ ضعيف، لا وجه؛ لأن خصلته لم يذكر ذلك في دعواه، إنما زعم أن وهبًا زرع بزوج المرأة وزريعتها، فإذا حلف أن ذلك لا شيء للمرأة فيه؛ انقطعت دعوى خلصة، ولم يبق له على وهب ما يحلفه عليه في هذا، ولو ادعى خصته أنه إنما زرعه على سبيل المزارعة والشركة بينه وبين المتوفاه، وأنكر وهب أن يكون لها فيه شيء، وحلف على أن الزوج والزريعة لا شيء للمرأة منه لكان كافيًا فيما يلزم أن يحلف، ولم يحتج إلى تلكل الزيادة. ولو ادعى أيضًا خلصة أن ذلك إنما زرعه على أن لها منه انصف أو الثلث لما لزمته يمين في هذا، لأنها عطية لم تشهد المرأة بقبولها، فذلك الوجه الذي زادوه أن يوجد له معنى، ولو كان له معنى ولحقت فيه اليمين لم يكن عليه تكرار اليمين فيه، إنما كان تدخله اليمين الأولى أن الزوج والزريعة له لا شيء منه لها، وما زرع ذلك إلا لنفسه هكذا كانت تكون اليمين ولحقت في ذلك يمين، لأن الدعاوى إذا اجتمعت للطالب على المطلوب، إنما يحلف فيها يمينًا واحدةً لا يمينًا لكل دعوى، فهذا شاهدت العمل به، وفيه تنازع تركت ذكره لطوله.

من قال: إنما اشتريت منك غيره واشترطت خياره: فهمنا – وفقك الله – ما تنازع فيه الغنوى والمشتري منه، وما ادعاه المشتري من اشتراطه عند الابتياع أنه إنما يشتري لغيره وأنه استثنى رضى المشتري له، وأنكر الغنوي لما قال من أنه اشتراه لغيره واشتراط الخيار، فيجب في ذلك أن أثبت المبتاع ما ذكره أخذ به، وإلا حلف الغنوي بالله ما اشترط عليه شيئًا ولا باع منه إلا لنفسه لا لغيره كما ذلك، إلا أن يثبت الغنوي أن المشتري اشترى لنفسه فتسقط اليمين عنه، إلا أن يقول المبتاع إن هذا الشرط كان بينهما لم تطلع عليه بينة، فإن قال ذلك فلابد من اليمين ولا معنى للبينة، لأنه قد يشترط مثل هذا ولا تحضر بينة، فإذا حلف الغنوي وجب له ثمن الثوب على المبتاع، وإن نكل عن اليمين فله ردها على المبتاع، فإن حلف انفسخ ما بينهما إن لم يقبل المبتاع له، وإن نكل لزمت اليمين. قال محمد بن لبابة، ومحمد بن وليد، وأحمد بن يحيى، وعبيد الله بن يحيى، ويحيى بن عبد العزيز، وسعد بن معاذ. قال القاضي: عند آخر تاب العيوب من المدونة: من اشترى سلعة من رجل وقال لفان: اشتريتها لا لنفسي، فعليه إحضار الثمن إن كان نقدًا وهو في النسيئة عليه إلى أجله. قال ابن القاسم: لأن النقد عليه، وإن اشترى لغيره إلا إن قال للبائع: النقد لك على الذي اشترى له ليس لك على منه شيء؛ فيكون حينئذ للبائع على الأمر، فإذا كان النقد على المشتري لغيره – كما قال ابن القاسم – والمبتاع له مسمى والبائع بذلك مقر، فما ألزم هؤلاء الغنوي في يمينه ولا باع منه إلا لنفسه لا لغيره، وهو ينكر والمبتاع له غير مسمى. ثم أكدوا ذلك بأن قالوا: إلا أن يثبت الغنوي أن المشتري اشترى لنفسه، فكلفوه العناء فيما لا يلزمه ولا يستفيد به فائدة، هو يقول: نعم اشتريت لزيد، أد أنت الثمن وصير المبيع لمن شئت فيلزم المشتري أداء الثمن، كما قال ابن القاسم رحمه الله إنما يلزم البائع أن يحلف ما باع منه إلا بإلزام بخيار لا غير، على ما في كتاب الوكلات من المدونة. وقولهم: إلا أن قال المبتاع: كان هذا الشرط بيني وبينك ولم تطلع عليه بينة، فلا بد من اليمين كلا غير صحيح؛ لأن البينة إنما عن شهدت بحضور التساوم ابتداء بينهما والعقد دون خيار، فلا يمين على البائع في ذلك للمبتاع، إلا أن قال المبتاع بعد الافتراق: جعلت إلى الخيار؛ ففي اليمين حينئذ نظر.

دعوى في مبارأة ووضع كالئ وغير ذلك: فهمنا – وفقك الله – ما نازع فيه بن أمية وزوجه عائشة ودعواها أنه بارأها وأخذ لها خادمًا ونصف دار، ووضعت عنه كالئها في المبارأة لضرر ذكرته، ووقع ذكره في كتاب، وأنكر ابن أمية ذلك من دعواها المبرأة، وقال: إنها وضعت كالئها عنه، وأن بذلك عنده نسخة يطلبها، فما ألزم بالنسخة زعم أنه لم يجدها، وزعم أن إقرارها بالوضع يجزئه، فالذيث يجب على يحيى بن أمية أن يحلف بالله ما بارأها كما ذكرت، ولا عنده النسخة التي ذكرت كما ذلك، إلا على معنى المبرأة – فإذا حلفت لم يلزمها الوضع، ولم يلزم الزوج المبرأة إلا أن يقيم البينة عليهما. قال بذلك ابن لبابة، ومحمد بن وليد، وأيوب بن سليمان، ويحيى بن عبد العزيز، وعبد الله بن يحيى. قال القاضي: انظر كيف أفتوا بوجوب اليمين عليه في دعواها المبرأة، وذلك لا يلزم عند مالك وأصحابه إلا بشاهد تقيمه على ذلك، على ما المدونة والموطأ وغيرهما. دعوى ابن عيسى على زوجه وختنته ومصالحتهما له، ووضع كالئ ومبرأة بعد الوضع وادعاء ضرر وجهل: قام الدلال بن عيسى على زوجه وأمها مدعيًا عليهما أنهما أخذتا له سبعين مثقالا ذهبًا قرمونية فأنكرتاه، ثم اصطلحوا عن ذلك بعشرين مثالاً تؤدي كل واحدة نصفها، وعقد عليها بذلك عقدًا، وكتب على الزوجة عقدًا آخر أنها وضعت عنه كالئ صداقها وأسصقطته عنه، ثم بارأها بعد شهر أو نحوه، وطلبها وأمها بالعشرين مثقالا، فادعت الجهل، وقالت الزوجة: إنه أضر بها وأنها إنما التزمت له ذلك لإضراره بها. وكتبت عقدًا بسماع الشهود من النساء أنه كان يضربها ولم يقلع عن ذلك إلى أن باررأها. فأفتى ابن عتاب وابن القطان إن عقدا الضرر ضعيف والذهب لازمه لهما، قال أحدهما: ويؤجلان في إحضار العشرين مثقالا ثلاثة أيام، وأفتى الآخر بخمسة عشر يومًا. قال ابن عتبا: ويحلف الطالب أنه لم يضربها. قال لي: وهذه اليمين استحسان قلت له: ولم لم يبطل عقد الضرر مطلبه قال: لأنها قد رضيت بالصلح والتزمته عن دعواه وأشهدت بذلك، وإنما ينفع الضرر في الطلاق، وقلت له: وما الذي يمنع من نفعه في وضع

الصداق إن كان الوضع قبل الطلاق، قال: لو استزرعت أنها إنما تضعه لإضراره بها غير طيبة بذلك نفسها؛ نفعها ذلك. قلت له: فإذا وضعت على المبرأة ثم أثبتت الضرر أليس ينفعها وإن لم تسترع؟ قال: بلى. قلت: فأي شيء هذا مما تقدم، هذا تناقض! قال: ليس فيه تناقض، وكله يرجع إلى أصل واحد. في امرأة أقرضت زوجها دنانير إلى أجل فطلقها قبل الأجل، فادعت أن ذلك التأخير إنما كان من أجل الزوجية: نزلت هذه المسألة بقرطبة: أسلفت زوجها ثلاثين دينارًا ذهبًا، وأنظرته بها خمسة أعوام أو ثلاثة – الشك مني -، ثم طلقها بعد عام ونصف من تاريخ السلف. فزعمت أنها إنما أسلفته وأنظرته استدامة لعصمتها معه، ورجاء في حسن صحبته لها. وكان التحاكم فيها عند أحمد بن بقي، فشاور في ذلك فأفتى ابن عتاب القول قول المرأة فيما ادعته من ذلك، وتحلف ثم تأخذ حقها منه حالاً، وبذلك أفتى الشيوخ فيها قبل هذا: أن القول قولها مع يمينها؛ إذ هو الظاهر من أمر النساء أنهن يفعلن ذلك، فهو كالعرف الذي يصدق فيه من ادعاه. وقد قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ذكره مال في الموطأ وغيره -: من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه الصدقة لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب، فهو على هبته ويرجع فيها إذا لم يرض منها – فحكم (رضي الله عنه) بما دلت عيه الحال، فكذلك هذه. وكان قد خالفه فيها أبو عمر بن القطان، فجمعت حينئذ مسائل تدل على صحة جواب الشيخ ابي عبد الله فيها، من ذلك في كتاب الوكالات من المدونة: إذا قال المقرض: قرض حال، وقال المستقرض: بل هو إلى أجل كذا. قال ابن القاسم: القول قول المقرض ويأخذه حالا، يريد ويحلف؛ فصدقه لأنه فعل معروفًا، فهو فيه مصدق، بخلاف لو كان الدين من معاملة، وادعى الغريم أجلاً قريبًا، وقال ربه: بل هو حال، فالغريم مصدق مع يمينه، إلا أن يكون لأهل تلك السلعة أمر يتبايعون عليه قد عرف، فالقول قول مدعيه. وكذلك من قول مالك في كتاب الرهون: إذا قال المبتاع – وقد فاتت السلعة -: ابتعتها إلى أجل كذا، وادعى أجلاً قريبًا، صدق، وإن قال ابن القاسم: لا يصدق المبتاع في الأجل ويؤخذ الثمن حالاً.

ففي الذي في كتاب الوكالات دليلان: أحدهما: تصريح الفرق بين القرض وغيره بتصديق المقرض في دعوى حلوله، وكذلك يجب أن تصدق المرأة لأنها مقرضة. والدليل الثاني: أن من ادعى المعروف صدق، ولأن العرف كالشاهد له في دعواه، والمتعارف من أحوال النساء فيما يوسعن به على أزواجهن من أموالهن أنهن إنما يرون بذلك استجلاب مودة الأزواج واستدامة عصمتهن معهم، وتغمر مسرتهم. فإذا وقع الطلاق واستحالت أنفسهن عن ذلك إلى ضده، هذا الذي لا يعرف غيره، وارتفع السبب الموجب لتوسعتهن عليهم، وإذا ارتفع السبب الموجب المعروف فلصاحبه الرجوع فيه، على ما في نوازل سحنون في جامع البيوع في الذي يبتاع البعير فيسرق، أو الرأس فيستغله ويخاف الوضيعة فيه، يذكر ذلك للبائع، فيقول له: لا بأس عيك، قح حط الله عنك من ثمنه خمسة دنانير، ثم يصيب البعير أو بيع الرأس دون وضيعة. قال سحنون: فلا شيء للمشتري من الوضيعة، إن قد عوفي بما خافه، وفي سماع يحيى عن ابن القاسم في كتاب آخر نظيره. كما أنهن أيضًا لما عرف من أحوالهن عند بغضهن لأزواجهن إرادة الفرق لم يضرها دعوى الطلاق في ميراثه عند موته ورآه لها، مع ما ادعته قبل ذلك من طلاقهما، وأعطاها مالا كانت قد تبرأت منه، وسمع منها تكذيبًا لنفسها عند وجوبه لها بموت زوجها، هكذا في سماع سحنون في كتاب طلاق السنة. وكذلك أيضًا صدقها مالك رحمه الله في الدعوى في رسم يشرب خمرًا، إذا ادعت أنها إنما وهبت لزوجها في مرضه ميراثًا منه؛ لأنه توعدها إن لم تفعل ذلك أن يضيق عليها، ولا يدعها تأتي أهلها ولا يأتونها. قال مالك رحمه الله: وليست المرأة في ذلك كغيرها من الوراثة، ولم يكلفها رحمه الله بينة على دعواها؛ إذ هو معروف بين الزوجين أن الزوج يسومها هذا وشبهه، وفي المسألة أشهر عليها بالهبة لميراثها منه، ولم يصرها ذلك عنده. وليس يعارض ما ذكرناه ما فيه سماع أسبغ وسماع سحنون: في التي تضع عن زوجها صداقها على أن لا يطلقها ويقبل ذلك، ثم يطلقها بعد وقت يرى أنه لم يعجل فيه: أن الوضيعة ماضية؛ لأن الوقت في هذه المسألة غير محصور، والزمنان فيه غير محدود، فصار الرجوع فيه إلى اجتهاد المفتي حسبما يراه. وفي مسائلهم كثيرًا لا يرون فيه العام ونحوه طولاً من ذلك، وهو مما يشاكل هذا

الباب – قول مالك في سماع ابن القاسم فيمن غاب عن امرأته إلى موضع يعرف ويبعث إليها بنفقتها وأمرها، وقال: أما الحين فإني أرى أن يحتبس عنها ويبعث بنفقتها إليها. قال ابن القاسم في مساع عيسى: الحين الأمد القريب فيما السنتين والثلاث، وأما إذا تطاول ذلك فأرى أن يقضي لها على له فلم ير السنتين والثلاث في هذه المسألة طولاً، فكيف بسنة ونص؟! ومع ذلك فلا يقع في وهم متوهم منصف أن تكون المرأة تنتظره مدة يطلقها دونها ويعجل فراقها قبلها، ويس قولها: إنما أسلفته استدامة لصحبته وجميل عشرته من باب الحرام، فيقال: القول قول الزوج لأنه مدعي الحلال؛ إذ ليس في دعواها تلك إنما ادعت أنها أنظرته لوجهه فها وجهه، فإذا قد حال بينها وبينه الطلاق فلها الرجوع في الإنطار. وكذل قال ابن عمر في ذكره أقسام السلف، فسلف تسلفه تريد به وجه صاحبك فليس لك إلا وجه صاحبك. وقد يوجد في مسائلنا ما يقيل فيه قول مدعي الحرام إذا كان ما ادعاه معروفًا في البلد، كما أن دعوى المرأة في هذا متعارف، ويس فيه حرام. هذا كله على نصه جمعته حينئذ في ورقة كاغد، وحملتها إلى ابن عتاب، وصارت عنده قبل فصول جوابه في المسألة، ورأيت جوابه بعد ذلك، وقد ذلك فيه التي ذكرتها من رسم بشرب خمرًا. وقال ابن شهاب في آخر السفر الثالث من البخاري فيمن قال لامرأته: هبي لي بعض صداقك أو كله ثم لم يمكث إلا يسيرًا حتى طلقها، فرجعت فيه، قال: يرد إليها إن كان خلبها، وإن كانت أعطته عن طيب نفس منها ليس في شيء من أمره خديعة جاز؛ قال الله عز وجل: (فَإن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) (النساء: 4)، وفي هذا دليل ما قلناه إن شاء الله تعالى. وكان ابن مالك قد وافقه في تعجيل السللف للمرأة، وأخبرني بذلك واستدل على صحته بما في سماع أصبغ عن ابن القاسم فيمن أعطى امرأته عطاء بعد دخوله بمها فألقى النكاح مفسوخًا ففرق بينهما، قال: له الرجوع فيما أعطاها؛ لأنه أعطاها على الثبات والغنى عنه والجمال لنكاحه والعشرية بينهما فيه، فلم يقر عليه، وذلك إذا كان الفسخ بحدثان العطية، فأما إن كان زمان ذلك قد طال السنتين والسنين قبل الفسخ ثم فسخ، فلا أرى له فيه شيئًا، وإن أدركه بعينه كالخادم بعينه والمنزل بعينه؛ لأن الذي أعطى قد

رسخ حتى استمتع منه واستمتع بعطيته فيه، فالفسخ كطلاق حادث منه هاهنا. هذا نص قول ابن القاسم فيها، وهو دليل ظاهر لمسألة القرض. وكذلك يدل على صحة جوابها ما في سماع يحيى عن ابن القاسم فيمن ابنته أمة فأراد سيدها بيعها وتغريبها، فقال الأب لرجل: اشترها وأعينك في ثمنها بمائة دينار، فاشتراها بثمن كبير واستعان بهذا المائة فيه، ثم أراد بيعها بإثر ذلك، فقال الأب: إنما أعنتك بالمائة لما رجوت من حبسك إياها. قال: ينظر فإن راى أنه إنما أعانه لهذا الوجه، فهو كالشرط؛ يرد المائة على الأب؛ وإن كان إنما أعانه على وجه الصلة؛ حلت له الأمة، ولم يرد المائة، وفي هذه المسألة والتي قبلها طول اختصرناه، وأتينا بالدليل فيه؛ والله الموفق للصواب، ومن الحجة لابن القطان: قول النبي عليه السلام: "المسلمون عند شروطهم (¬1) ولم يخص" وقال ربيعة في كتاب الخيار: من أسلف رجلاً سلفًا، فليس له أن يعجله إن سمي له أجلا إلا إلى أجله؛ لأن ذلك معروف. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه ابن الجارود في المنتقي ج 1، ص 161 برقم 673، والبخاري معلقًا ج 2، ص 794، والحاكم في مستدركه ج 3، ص 57 برقم 2309، والترمذي ج 3، ص 634 برقم 1352، وقال: حسن صحيح، والبيهقي في الكبرى ج 6، ص 79 برقم 11211، والدار قضني في سننه ج 3، ص 27، وأبو داود ج 3، ص 304 برقم 3594، والإمام مالك في موطنه ج 2، ص 756 برقم 1442، والطحاوي في شرح معاني الآثار ج 4، ص 90.

باب الإقرار

باب الإقرار مسألة من ابتاع وأقر أن يده عارية في الابتياع: من أحكام ابن زياد: فهمنا - وفقك الله - ما تنازع فيه بنو حفص وابن الأسوار، في الكتاب الذي وقع باسم ابن كليب بابتياعه من ابن الأسوار، وأقر ابن الأسوار فيه بالانتقاد من ابن كليب، وأقر ابن كليب أن الابتياع لحفص وبماله، وأن يده كانت فيه عارية، ثم أقر ابن كليب أنه لم يكن نقد ابن الأسواري شيئًا، كما ذلك في كتاب الشراء وإنما نقده حفص. فالذي يجب في ذلك إذ قد عجز ابن الأسوار فيما أدعاه أن بيعه كان على الإكراه، بعد أن ضربت له آجالا وسع عليه فيها وأعذرت إلى ابن كليب فيما ثبت من إقراره بالابتاع لحفص، فلم يدفع ذلك بشيء، فقد وجب الإشهاد لبني حفص، إذ قد ثبت عندك عدة ورثة حفص على ما ثبت لهم في شراء ابن كليب، وتقطع حجة ابن الأسوار عنهم في المنزل، وتأخذ لابن الأسوار ابن كليب بالثمن الذي أقر أنه لم ينقده وتعديه به عليه. قاله ابن لبابة، وعبيد الله بن يحيى، ومحمد بن وليد، وأيوب بن سليمان. إقرار ابن الأصبغ القرشي بالابتياع لزوجه مصابيح، وإنكار ورثتها ذل وطلبهم إياه بالثمن: فهمنا - وفقك الله وسددك - ما قام به ورثة مصابيح على ابن الأصبغ القرشي زوجها في إقراره بابتياعي الدار التي بداخل مدينة قرطبة بينه وبينها بالسواء، ونقد نصف الثمن من مالها والنصف الثاني من ماله، وطلب ورثتها منه ما قال أنه دفع من مالها، وقالوا: إنهم لم يعلموا أنها علمت بالابتياع ولا كان بأمرها في علمهم، وقول القرشي إنها سكنت معه الدار زمانًا طويلاً وهدمت وباعت النقض، ومثلها لا يخفي عليها ما ابتيع لها إلى ما تركت من الهدم وبيع النقض. فالذي نراه في ذلك - والله الموفق للصواب - أنه إذا لم يثبت رضي مصابيح، وإنما هو كظن لبروزها وملكها؛ لم تجز عليها حكومة برضى، إلا أن يثبت عليها بذلك ورضاها، وأكثر ما كان يلزمها لو كانت باقية اليمين، وكذلك يلزم البائع من ورثتها المالك لنفسه اليمين وورثته وورثتها، لما علم أن مصابيح علمت بهذا الابتياع ولا رضيت به، فإذا حلف وجبت له حصته من الثمن على ابن الأصبغ. قال عبيد الله بن يحيى، ومحمد

ابن لبابة، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد، وسعد بن معاذ. ونرى – وفقك الله – ألا تعجل بما أشرنا به وبجمعنا وتثبت، ثم تنفذ ما يظهر الله لك بعد الاستقصاء والإجماع والمناظرة. قاله ابن لبابة. وقال عبيد الله بن يحيى: ليس مثل مصابيح كان يغيب عنها شيء مما كان ينظر به زوجها، وقال ابن وليد وابن لبابة وأيوب بمثله، وقال سعد بن معاذ بمثل قولهم وفتياهم. قال القاضي: كذا وقع في الأصل الذي كتبته منه وهو اختلاط منهم، وما زاد عبيد الله ليس بشيء، وجوابهم الأول صحيح ليس في الفقه غيره، ولا تعطي الصول سواه. من أقر بمال كان عنده أن صاحبه وهبه له وأنه فرقه في سبيل الخير وأنكر ورثة الرجل دعواه وطلبوا المال: فهمنا – وفقك الله وسددك – ما قام به الرجل بكتاب كتبه رجل قد توفي، وفيه ذكر نفقات أنفقها في سبيل الخير، وأحب القائم بالكتاب إثبات تلك النفقة لعله ذكرها، وفيه أن تلك النفقات أنفقها من مال وهبه إياه رجل سماه، فوق ورثة ذلك الرجل على الكتاب فقالوا: قد كان وقع إلينا خير هذا المال ولم يكن هبة، وإنما كان جعله عندك على وجه لتقوم بحفظه إما وديعة أو قرضًا، وفي الورثة صغار وكبار قد أخذتهم ولاية القاضين وسألك القائم عنهم النظر لهم وأحببت أن تعرف هل يصح في مثل هذا دعوى لأحد، ولم يقر بالهبة على وجه الإقرار، وإنما جاء إقراره في خير مستجلب لغير الهبة وقلت: إنك وقفت الكتاب فإن يجب في مثله نظر أبحت الكتاب، للطالبين، وإلا منعتهم من طلب ما لا يجب لهم. وقد علمت ما قيل فيمن أقر بقبض مال من رجل على وجه الشكر له في ذلك أن إقراراه يسقط إذا لم يقص إلى الإقرار بالمال صراحًا، فإن لم يكن هذا عندك مثله فعرفني رأيك، وهذا لم يجتلب منكرًا، وإنما اجتلب ذلك نفقاته، ووقع ذلك الهبة في المال ليعرف من استنكر إنفاقه ذلك في الوجوه التي ذكرها أنه إنما أنفق من تلك الهبة. الجواب في هذا: وفقك الله – عن مسألة الرجل المقر بهبة المال له وتحديجه العدة له، وذكره عن نفسه ما سلبها فيه، واستهلكها له من طريق الخير ووجوه الاحتساب، وما قام به عليه وطالبه

فيه ورثة الذي ادعى أنه وهبه المال المستهلك فيما زعم أنه وجهه له ووضعه فيه: أن إقرار المقر لما ذكره من ذلك لازم له وواجب عليه مأخوذ به، قد أقر بالقبض وأدعى الهبة، فعلى اليد ما أخذت، وفي الذمة وجوب ما أتلف مدعي الهبة، إذ من يصح بأكثر من قوله، ولم يكن لها ثواب ولا رده، والأصل في هذا حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي رواه سمرة بن جنب عنه عليه السلام، "على اليد رد ما أخذت (¬1) "، فالضمان لازم للمقر. وأما مسألة الشكر فعلى ما ذكره القاضي في كتابه، وهو قول مالك رحمه الله، إذا كان من المقر على جهة الشكر ومعنى الحمد والثناء: أن ذلك ساقط عنه غير واجب عليه، وبه نقول: وليس هذا من معنى ذلك ولا من طريقه، وهذا إقرار ودعوى لا يسقطها إلا طول الزمان وتفاوت الحالات بين الواهب والموهوب له. قال القاضي: في كتاب الوديعة في سماع يحيى من قول ابن وهب فيمن أودع رجلاً دنانير، وعهد إليه فيها ألا يدفعها إلا إلى من أتى بأمارة أعلمه بمها لم يطلع عليها غيره، فأتى رجل بتلك الأمارة فدفع إليه المال، ومات المودع رب المال، فقال ورثته لمودع: ما صنعت بمالنا؟ فقال: صنعت به الذي أمرني أبوكم وليس علي أن أخبركم بما أمرني به – أنه يخلف: لقد فعل به الذي أمره به في المال لم يتعده إلى غيره ويبرأ. قال يحيى: وسألت عنه ابن القاسم فقال مثله، والمعنى أنهم صدقوه في الأمارة، وأن أباهم أمره بذلك، فلذلك حلف أنه فعل ما أمره به وبرئ، وأما لو كذبوه في دعواه كلها وطلبوا مالهم لكان ذلك لهم، وهو نحو الجواب الذي فوق هذا. ولابن القاسم في المدونة: أن أتى المودع من زعم أن ربها أمره بأخذها، فصدقه ودفعها إليه فضاعت؛ ضمن الدفع، ثم له أخذها من القابض. وقال أشهب في كتابه: لربها أخذها ممن شاء منها، ثم لا رجوع لمن أخذها منه على الآخر. ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه ابن الجارود ج 1، ص 256 برقم 1024، والحاكم في مستدركه ج2، ص 559 برقم 2302، والترمذي ج 3، ص 566 برقم 1266، وقال: حسن صحيح، والدرامي ج 2، ص 342 برقم 2596، والبيهقي في الكبرى ج 6، ص 90 برقم 11262 وأبو داود ج 3، ص 2986 برقم 3561، والنسائي في الكبرى، ج 3، ص 411 برقم 5783، وابن ماجه ج 2، ص 802 برقم 2400 والإمام أحمد في مسنده ج 5، ص 9.

وفي الإقرار لابن المواز: لو جاءه بكتابه أو بأمارة فدفعها إليه وهو يعرف خطة وأمارته، فصدق كتابه ودفعها إلى الرسول، ثم أنكر ربها، فليحلف: أنه ما أمره ولا كتب بذلك إليه وأنه لا يحق له عليه، ثم يغرم له الدافع، ثم يرجع هو على القابض منه، ولا يمنعه من ذلك تصديقه فيما أتى به ولا معرفته بصحة ما جاء به وشهادته بصدقه. قال محمد: والذي جاءه الكتاب وإن عرف خطه وأمارته له ألا يدفع إليه وديعة الغائب، ولا حقا له عليه. وقال ابن عبدوس: إن دفعها إلى الرسول، ثم اجتمع مع ربها فأعلمه بذلك فسكت ثم طلبه بعد، فإنه يحلف: ما أمر فلانًا بقبضها، وما كان سكوته رضا بقبضه، ثم يغرمه، ولو كان علم بقبضه فجاء إلى الدافع فقال: كلم فلانا القابض يحتال في المال كان رضي بقبضه؛ فليطالبه به والدافع بريء. وأما مسألة الشكر التي ذكرها القاضي والمفتي فهي محذوفة، إنما في شهادات المدونة، ولقد قال مالك في الرجل يقر لقوم أن أباهم كان أسلفه مالاً وأنه قضاه إياه: إنه إن كان الذي ادعى من ذلك أمرًا حديثًا من الزمان والسنين غير متطاول، لم يصدق إلا ببينة قاطعة على القضاء، وإن كان قد تطاول زمان ذلك أحلف المقر وكان القول قوله، وعلى هذا تصح المسألة. وبيانها في كتاب ابن حبيب قال: عن أصبغ عن ابن القاسم: سمعت مالكًا يقول في الإقرار السلف وقضائه على وجه الشكر والثناء: لا يلزم المقر وهو مصدق فيه طال زمانه أو قصر إن كان إقراره لحي، فإن كان إقراره لميت، فإن كان لما قد بعد وطال زمانه فكذلك، وإن كان فيما وقته قريب أخذ بإقراره، وفرق بين الحي والميت في هذا أن الميت لو كان حيًا لعله يكون عنده ما يحق به حقه سوى إراره ذا، والحي قائم بحجته محيي لحقه، سوى إقرار هذا إن كانت بيده من ذلك وثيقة. ألا ترى أن الميت يقول عند موته: لي على فلان كذا وكذا، فلابد من أن يحلف فلان ذلك إن جحد، وإن لم تعرف بينهما مخالطة ولو ادعى ذلك حي لم يحلف له إلا بمخالطة تعرف. وقال: سمعت مطرفًا وابن الماجشون يقولان: كل من أقر بحق عند قوم في مساق حديث بحديثهم أو شكر به أحدًا أو أثنى به عليه، لما قد مضى من سلف وغيره من الحقوق، ثم ادعى المقر له ذلك، وقالك قد أسلفته كما ذلك ولم أقض، وقال الآخر قد

قضيته، وإنما ذكرت إحسانه إلي وأثنيت به عليه؛ فلا يلزم ذلك المقر إذا كان على هذه الجهة، ولا ينبغي للقوم أن يشهدوا بذلك، فإن جهلوا فشهدوا بذلك على جهته، وكما كان ساقه لم يجز للسطان أن يأخذه به، وهكذا سمعنا مالكًا يقول وجميع أصحابنا. قال ابن الماجشون: ولو قال ذلك عند السلطان لم يصدق حتى يأتي بالمخرج، وفرق بين ذلك أنه ما كان من أمر إنما جره الحديث والقصة والخير على حال الشكر والذم، فلا يؤخذ به أحد، ولو ناكره حقه فقاعده عند السلطان فقال: أسلفني وقضيته، كان عليه المخرج لأن هذا إقرار بحق وادعاء بقضاء في موضع الإقرار والدعوى والفصل والبينات. وقال لي مطرف وأصبغ مثل ذلك. وفي سماع سحنون: قال ابن القاسم: من قال كان لفلانة على دينار فتقاضاه مني أسوأ التقاضي، فلا يجزي خيرًا، فقال المقر له: ما تقاضيت شيئًا، قال: الدينار على المقر وليس هذا كالمقر على الشكر، وهذا خلاف ما تقدم من كتاب ابن حبيب. وفي سماع عيسى عن ابن القاسم من لقي رجلا فقال: أشهد أني قبضت من فلان مائة دينار كان لي عليه فجزاه الله خيرًا، فإنه قد أحسن قضائي فلا شيء لي عليه، فأعلم بذلك الشاهد المشهود له بأنه قضى فقال: كذب بل أسلفته إياها، فالقول قوله مع يمينه أنه أسلفه إياها، إلا أن يأتي الآخر بالبينة أنه تقاضها في دينه. قال ابن القاسم: وهي بينة قال أبو حمزة: كذلك قال المخزومي. أقر بعدة وادعى قضاء بعضها، وشك في قضاء بعضها حتى يحاسب عنها: نظرنا – أكرم الله الأمير – فيما أقر به طاهر بن فتوح لقمرة مولاة المنذر رحمه الله وادعائه قضاء عشرين دينارًا منها، وقال في مائة وخمسة وعشرين منها: أظن أني قضيتها إلا شيئًا سأحاسبك بها. فأما ادعاؤه قضاء العشرين فعليه فيها البينة، وإلا حلفت قمر ما اقتضتها منه، ولها رد اليمين عليه فيها، فإن حلف برئ منها، وإن نكل غرمها، وأما المائة وخمسة وعشرون فإنه على المحاسبة، فإذا أتى بها كشفت قمر عنها، فإن أقرت بها وإلا حلفت وغرمها، ولها أيضًا رد اليمين عليها فيها، فإن حلف برئ إن نكل غرم إن وجد حاضرًا، وإن لم يوجد حاضرًا أو حلفت قمرًا على حقها؛ بيع لها الرهن الموضوع، ثم وفيت حقها منه. قال ذلك أجمع وأفتى به: عبيد الله، وابن لبابة، وابن وليد، ويحيى بن عبد العزيز،

وسعد بن معاذ، ومحمد بن أحمد بن يحيى، وأيوب بن سليمان. قال القاضي: انظر قوله: أظن أني قد قضيتها لو اقتصر عليه ولم يصل به لأشياء سأحاسبك بها؛ للزمه غرم هذا العدد دون يمين الطالبة، على ما قاله ابن المواز: إنما اليمين مع تحقيق الدعوى، فلو قال لك رجل: أظن أن لي عليك دينارًا فأحلف لي، وبينهما مخالطة؛ لم تلزمه يمين؛ إذا لم يحقق دعواه، وكذلك لا يمين على من ادعى عليك دعوى صحيحة، إذا لم يحقق البراءة منها، فيغرم حتى ينكر إنكارًا بينًا فيحلف، وقد مر هذا المعنى – وفيه تنازع – وفي كتاب ابن حبيب، وفي موضع آخر من كتاب ابن المواز فتأمله. إقرار مكتري حمام لقوم بالحمام: فهمنا – وفقك الله – ما كشفنا عنه من إقرار متقبل الحمام المنسوب إلى عثمان أنه بيده لأحمد بن محمد ابن وليد ولورثة أخيه، وأنهم هم المدخلون له فيه؛ فيجب أن تكشف هذا المقر كيف هو بينهم: أعلى السواء أم على غير ذلك؟ فما أقر به كان كذلك، إلا أن يدعي المقر لهم غير ما أقر به من هو بيده؛ فيكلف المدعي البينة على دعواه. قال بجميع ذلك ابن لبابة، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد. إقرار باكتراء دار ودعوى سلف: نظرنا – أكرمك الله – في إقرار هشام بن سالم باكترائه الدار التي يربض الرصافة من رملة بنت أخيه، وادعائه أنه قد قضاها جميع كرائها إلى أن خرج عنها، وأن له قبلها عشرة مثاقيل سلفًا، ثم نظرنا في إنكاره الإقرار بالاكتراء وبإشهاده به على نفسه، وادعائه أنه إنما سكنها عشر سنين على سبيل المتعة، وقال: إني كافأتها. فالذي نقول به: إن ثبت عليه إقراره بالاكتراء بعد لين، ولم يكن عنده مدفع فيهما أخذ بجميع الكراء، بعد أن تحلف رملة: أنها ما قبضت منه كراء ولا كافأها بشيء، وما ادعاه من السلف إن شهدت له بينة عدلة ولم يكن فيها مدفع عند رملة؛ أدت ذلك إليه، وإن لم تكن له بينة حلفت رملة ما أسلفها شيئًا مما ادعاه عليها، ولها رد اليمين عليه فيه، وإن أقام بالمتعة بينة؛ لم تقبل منه إذا ثبت عليه الإقرار بالاكتراء لإذابه بينة المتعة، ويؤخذ بكراء العشر سنين، إلا أن تثبت رملة أنه سكنها أكثر من ذلك، فتؤخذ به، وإلا فيمينه فيما ادعته زائدة، ولو رد اليمين عليها في ذلك، ويجب عليه اليمين أن إنكاره لم يكن فيما

أدعاه على رملة من السلف في الإقرار الذي أنكره، وأنه إنما أنكر ما ذلك عنه من الإقرار بالاكتراء. قاله عبيد الله بن يحيى، وابن لبابة، وأيوب بن سليمان، وسعد بن معاذ، ويحيى بن عبد العزيز، ومحمد بن وليد. امرأة أقرت بمال لها ولغيرها: ما أخرجته – وفقك الله - أم ولد ابن علي وثبت عندك أنه خرج عن يدها بوعيد، فلو ادعت جميعه كان لها، وما أطلقت دعواها منه وقالت إنه لغيرها؛ فهو لمن أقرت له به، كما كان ما أدعته لنفسها لها؛ لأن من كان بيده شيء فهو له، وإن أقر به لغيره فهو لمن أقر له. إلا أنا ألقينا هذه كشفت عن أصل أوجبت قضية ثانية، زعمت أن أصل ما أقرت للصبية به كان لجدها، وأنه وهبه لها ووهبت هي ذلك للصبية فوهن الإقرار بوهن الأصل، إلا أن يقيم بينه عدل على أن محمد بن فلان وهبها إياه فيكون إقرارها به حينئذ جائزًا، وما لم يثبت فإنه يرجع ميراثًا لورثة محمد بن علي إن شاء الله تعالى. قاله ابن لبابة، وعبيد الله بن يحيى، وابن غالب، وابن وليد. قال القاضي: قد تقدم من هذا فيم معنى الهبة وما يشبهه في مسألة على وجه الشكر، وتقدمت مسائل الإقرار بما في يده لغيره مستوعبة في مسألة التداعي في الزرع. مريض أقر لبناته بحق ورثته ومعهن عاصب: فهمنا – وفقك الله – الشهادات التي شهد بها على إقرار محمد بن يحيى لبناته في مرضه الذي توفي فيه، وقول عبد العزيز بن يحيى أن ذلك الإقرار ساقط وأن لعاصبه أن يأخذ حصته من المال الذي أقر به لهن، ولنن اليمين على هذا العاصب: أنه ما يعرف هذين الكتابين اللذين قمن بهما. قال بذلك عبيد الله بن يحيى، وابن لبابة، ويجب على القاضي الإشهاد للعاصب على سقوط الكتابين. وقاله أيوب بن سلميان، ويحيى بن عبد العزيز. في إقرار الأب بتصيير مال إلى ابنه عن دين كان له عليه بإقراره: فهمنا – وفقك الله – ما كشفت عنه من إقرار محمد بن العرض الذي ذكره من بيع الكرم بالدين الذي كان لابنه عنده، وإقراره في ذلك الكتاب أنه قبض الكرم لابنه إذا

كان يلي النظر له، وقوله في الكتاب الثاني الذي فيه إقراره أنه تبرأ بالكرم إلى ولده، فلم يأت بها أن يكلف إظهار الكرم، فإن ثبت على ابنه دين بيع لغرمائه، وإن لم يكن عليه دين فهو لورثته، وما فضل منه كان لورثته أن يبيع لغرمائه، وكذلك تسلك في كل شيء أقر أنه أصاره إلى ابنه بالعوض، قاله ابن لبابة، وأيوب بن سليمان، وابن وليد. قال القاضي: وتتم هذه المسألة بما نورده من وجوهها إن شاء الله. قال ابن حبيب: قلت لمطرف وابن الماجشون: من قال: اشهدوا أني قد بعت من ولدي هذا لولد له صغير أو كبير داري هذه بكذا وكذا دينارًا، كانت له في يدي من ميراثه من أمه أو من عطية أعطيها أو من شيء يصفه. فقالا: إذا رشح لذلك وجهًا أو سب له سببًا يعرف؛ فذلك جائز مع يمين الكبير، وإن لم يعرف ما قال ولا رشح له وجهًا ولا سبب له سببًا يعرف، لم يجز ذلك على وجه البيع، وكان بسبيل العطية فيما حيز وفيما لم يحز. قال: وكذلك لو قال: أشهدوا أن لوالدي هذا على مائة دينار دينًا صارت له على من كذا وكذا، وذلك لا يعرف؛ فذلك لا يجوز إلا أني رشح أو يسبب أمرًا يعرف له به مال، فيجوز ذلك للولد مع يمينه، وكذلك لو أقر له بدين لا يعرف لم يجز ذلك، وهو قول علمائنا. وقد سئل أصبغ عن ذلك فقال مثله، وقال فضل بن سلمة: انظر في هذه الرواية حيث يقول، وكان سبيله سبيل العطية فيما حيز وفيما لم يحز. وقال ابن القاسم في المدونة: إقراره في الصحة بدين لوارث جائز، وإنما يتهم في إقراره في المرض إلا في الزوجة إذا كان الذي بينهما متفاقمًا، وله ولد من غيرها. وذك أصبغ في سماعه في غير الزوجة إذا كان ما بينه وبينها متفاقمًا – مثل هذا، وأما إقراره، لوارث في الصحة فرواية أصبغ جوازه كما في المدونة أن إقراره لولده وولد ولده بدين جائز في الصحة، ثم زاد أصبغ إلا أن يقر لولده الرضيع ولا يعرف بكسب ولا فائدة من ميراث دخل عليها صار إلى أبيه، أو سبب ولا هبة من أحد أو شبهها، فهو توليج حينئذ وهدر. وكذلك أن أقر لكبير من المال بما لا يشبه ولا شبه أسباب شيء من هذه الوجوه فيه بطل كله، وكان توليجًا في الحياة لبعد الممات. فإن فضل: فانظر في هذا وفي ورواية ابن حبيب، إن كان أراد هذا المعنى. وفي

الوصايا في سماع اصبغ ونحوه في كتاب ابن المواز: فيمن أقر عند موته أن هذا لابنه مما ورثه عن أمه ولا بينة فيه. قال ابن القاسم: فإن كان يعرف لها مال أو عرض وكان أمرًا بينًا قبل قوله، وإلا لم يجز. وفي الصدقات في أواخر توازل أصبغ فيمن أشهد وهو صحيح أنه اشترى لابنه هذه الدار بألف دينار من مال ابنه في زعمه، ويشهد أنه إنما كريها ويعتلها له وباسمه، ثم يموت على ذلك وهو صغير في حجره، ولا يعلم لابنه مال من وجه من الوجوه، ثم مات الأب؛ فهو توليج وهو ميراث بين الورثة، كمن قال في مرضه: كنت أعتقت عبدي هذا في صحتي، ولا يقول: أنفذوه فهو باطل. وفي سماع حسين بن عاصم: سألت ابن القاسم عمن أشهد في صحته: أني قد بعت منزل هذا من امرأتي أو ابني أو ولد ابني بمال عظيم، ولم ير أحد من الشهود الثمن، ولم تزل الأرض بيد البائع إلى أن مات، قال: لا يجوز هذا، وليس هذا بيعًا، إنما هو توليج وخدعة ووصية لوارث. كذا أدخلها ابن أبي زمنين في كتابه المشتمل. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون، فيمن باع ولده الصغير أو الكبير أو أجنبيًا داره التي يسكنها بثمن خفيف، مثل أن يبيعها بعشرة وهي ثمن مائة ولا تزال في يده حتى يموت – قالا: ليس هذا بيعًا، وهي من باب العطية التي لم تقبض، وهي باطل وترد الدنانيير إلى ربها، وهو في الأجنبي أبعد تهمة إلا أن ذلك كله مردود، ما لم يشبه أن يكون ثمنًا أو مقاربًا أو مشكلاً، فيمضي على وجه البيع. وقاله أصبغ. وفي رسم الشجرة من كتاب الصدقة من رواية عيسى عن ابن القاسم: من باع ابنه اصغير أرضًا بعشرة مثاقيل، وهي ثمن مائة فلا تزال في يد الأب حتى يموت فهي موروثة، وللولد العشرة. وفيه عن مالك فيمن ولي ابنه حائطًا اشتراه منذ زمن بثمن يسير، وثمنه اليوم كثير وله ولد غيره – قال: إن حازه فهو له حائز. وفي رسم ذلك حق: إن اشترى لابنه الصغير في حجره غلامًا وأشهد بذلك، ثم مات الأب بعد بسنة فهو لابن، ولا يدخل فيه الوراثة، وإقراره الصحيح لوراثه بدين في الدعوى في رسم البراءة. وفي التفليس في سماع أشهب، وفي سماع سحنون، وعنه في كتاب ابنه مما كتب به إلى شجرة فيمن باع وربعه من بعض ورثته بمائة دينار، ويقبض خمسة دنانير بمحضر البينة

ويشهد أنه قبض الجميع، أو كان المشتري أجنبيًا فكتب إليه، ينظر الحكم فإن استراب أمرًا، وخاف أن يكون قد عمل على ما لا ينبغي نظر فيه وكشف وسأل، والفعل في امرض أضعف، فإن صح الأمر ولم يكن الريع معروفًا، ولا غرفته البينة، إلا أنه محدو في كتاب الشراء؛ فلا يجوز البيع إلا أن يكون في الكتاب إقرار المشتري بالقبض والمعرفة، فينظر فيه. وكتاب إليه شرحبيل فيمن أقر لابنين له في حجرة بدارين محدودين، وأشهد بذلك فكتب إليه: هذا الإقرار أحدثه الناس، وهو وليجة محملة عندنا محمل الصدقة إذا كانت الداران معروفتين بملك الأب، - يريد ولا يعرف للابنين مال وهو الحائز لهما؛ فذلك جائز، إلا فيما سكن فيه هو مردود من ذلك. رجل صير لامرأته في كالئها نصف دار سكناه معها وسكناها معًا إلى أن مات فيها: كتب بها من بطليوس وذكر في السؤال أنه كان تصييرًا ناجزًا، وكان قد اختلف فيه عندهم، فقال بعضهم: إن التصيير كالصدقة والهبة لا ينفذ، إذا لم يخل المصير الدار من نفسه حتى مات، وقال بعضهم: بل التصيير كالبيع لا يحتاج فيه إلى حيازة ولا إخلاء. فأفتى فيها شيوخنا ابن عتاب وابن القطان وابن مالك بجواز التصيير، وأنه كالبيع لا كالهبة بعد أن كان. قال ابن عتاب منهم لمن حضره من أصحابه: لا يجوز التصيير، ثم قال لي: ما رأيك فيها ولم يعلمني بما تقدم من قوله لأصحابه، فقلت له: رأي فيها أن ذلك نافذ جائز، وليس في القبض أقوى من سكناها في الدار، فأنفذ جوابه بعد ذلك أن التصير جائز نافذ. وتكلمت فيها مع ابن مالك فقال لي: الأمثل فيها عندي جوازه، وهو الصواب والله أعلم، لأن من قول مالك رحمه فيمن وهب أجنبيًا جزءًا من ماله مشاعًا، واعتمر الموهوب له مع الواهب حتى مات أنه جائز، وفيه اختلاف ذكره ابن ابي زمنين في وثائقه، وأعلمني أبو عمر بن القوي أنه كان المفتي بإجازته، وأخبرني غير أن أبا محمد بن الغلاس كان الذي عندهم ببطلان التصيير لسكنى الزوج المصير في الدار حتى مات، وحكي أنه رآه فتوى لابن المكوي. ومن هذا المعنى: رجل أقر في صحته بدين لزوجته وباع به منها دار سكناه معها، ووصل سكناه فيها فلم يخرج عنها إلى أن مات: كتبت بها إلى أبي عمران وأبي بكر بن عبد الرحمن بالقيروان، وقال السائل: هل

يجوز هذا البيع إذا لم تقبض المرأة الدار منه وتنفرد بها دولة، وقد علمت ما نهى عنه من الكالئ بالكالئ، وقد روي ابن القاسم من مالك أن لا يأخذ في دينه دارًا يسكنها أم ترى أن ذلك جائز؛ لأنها دار معينة ولا يدخلها الدين بالدين، على ما قال في بعض الكتب، إنما ذلك في المضمونين جميعًا، وأما إن أخذ سلعة بعينها عن دين وتأخر القبض فيها، فذلك جائز، قاله في كتاب الآجال. وقال كتاب البيوع الفاسدة: ألا خير فيها، وذكر يحيى بن عمران الجواز فيها أحسن، وكذلك روي أحمد بن خالد عن ابن وضاح عن سحنون، وكان بعض شيوخنا يقول: معنى التي في الآجال أن السلعة كانت حاضرة المجلس، والتي في البيوع الفاسدة لم تكن حاضرة المجلس، فاختلف الجواب فيهما لأنهما مسئلتان. بين لنا ذلك مأجورًا إن شاء الله تعالى. فأفتى أبو بكر بن عبد الرحمن: الجواب عندي أن ذلك إذا لم يشترط عليها أن يسكن فيها، إلا أنها لو شاءت أخرجته، وهذا مخالف لمن فسخ دينه في كراء أرض أو مسكن دائرًا أو خدمة عبد، أو في سلعة غائبة؛ لأن هؤلاء لا يقدرون على قبض ما فسخوا فيه حقوقهم؛ والزوجة قد قبضت الدار وإنما أبقت زوجها ليسكن فيها رفقًا به من غير إيجاب وجب له عليها. وقد روي أشهب عن مالك رحمه أن له أن يأخذ بدينه دارًا يسكنها وجعل أوائل السكنى قبضًا لجميعه، ولم يرده من الدين بالدين. وبالله التوفيق. وجاوب أبو عمران: إذا بقي الزوج ساكنًا في الدار إليها بدينها فسد الدفع، كما ودفع الرجل داره إلى غريمه وبقي الدافع ساكنًا فيها؛ كان ذلك دينًا بدين، وهو بمثابة سلعة ممنوعة من قابضها في أن يقبضها إلا بعد أيام. وأما مسألة كتاب الآجال فهي محمولة على حضور السلعة، وأن الذي له الدين كان قادرًا على قبضها قبل دخول بيته فاختار تركها إلى أن يخرج من البيت، ألا تراه قال: ويقبضها إذا خرج، فأما لو كان قبضها إذا خرج يتعذر والرجل الذي دفع الدار لا يتأتى أن تقبض منه امرأته الدار إلا بعد انتقاله، والانتقال عمل، وقد يتعذر عليه موضع ينتقل إليه فيضرب في ذلك أجل، وهذا على مذهب ابن القاسم.

وسكناها مع الزوج ليس قبضًا، كما لو تصدق عليها بدار وهما ساكنا فيها لم يكن سكناها معه لها قبضًا؛ إذ ليس عليها أن تسكنه، فملا بقي ساكنًا لم يتبين الحوز، بل بقيت ساكنة على الملك المقتدم، وسكناها هي فيها على أصل ما كانت تسكن معه قبل ذلك بحق الزوجية دون حق الكفاية، فكذلك أيضًا سكناها مع الزوج في دار قبضتها منه بدين لها عليه، وهو على الوجه المتقدم من وجوب سكناها عليه بحق عصمة الزوجية. وأما تصويب سحنون ويحيى لمسألة الآجال، فمعنى ذلك أنها أفسر وأبين، ومسألة البيوع الفاسدة محمولة على السلعة الغائبة، أو ما قصدا به التراضي وإن حضر المجلس. قال الشاهد: شهد الشهود على إقرار الزوجين بالتقابض في هذا التصيير، ولم يشهدوا بمعينته، وقد قال بعض المفتين: لا يجوز التصيير إلا ببينة إلا ببينة تعاين قبض المرأة للدار وتنفرد بها، كبقبض الرهن والصدقات، لابد من معاينة القبض فيها، ولا ينتفع بالإقرار في ذلك دون معاينة، وخالفه غيره، فقال: إقرارهما جائز: كإقرارهما بالصرف والتناجز فيه، وإن لم يعرف صدق قولهما فهو جائز حتى يعرف خلافه، وقال غيرهما في التصيير: هو جائز لازم لا يضر سكناه معها في الدار، وسكناها معه فيها قبض، وإن كان الزوج انتفع بذلك قبض وهو جائز. فجاوب أبو عمران: إن القول قولهما في التقابض؛ إذ القول قول من يدعي الصحة ما لم يتبين خلافه كالمسلم والمسلم إليه يتقاران فيه بالتناجر، أو يدعي أحدهما التناجز أو قرب الدفع من العقد، ويقول الآخر بعد طول، فلا يقبل قول مدعي الفساد وهو الدين بالدين، فلا يكون سكناها مع الزوج قبضًا، كما لو تصدق عيها بدار وسكنها معه، لم يكن سكناها معه فيها قبضًا؛ إذ ليس عليها هي أن تسكنه، وكرر الكلام بمثل ما تقدم. وجاوب أبو بكر بن عبد الرحمن: قد شرح الجواب عن أخذها للدار من زوجها أنه جائز، ولا يضرها سكنى الزوج فيها، وكذلك ما تقارا عليه من القبض والأخذ، ولا يشبه هذا ما قاله صاحبنا أنه كالرهن والصدقة؛ لأن الرهن شرط الله تعالى فيه القبض، فقال عز من قائل: (فرهان مقبوضة) (البقرة: من الآية 283) وكذلك جاء الحديث عن الفاروق وعلي رضي الله

عنهما: أنه من لم يقبض صدقته فلا صدقة له، وقال الصديق (رضي الله عنه) عائشة رحمهما الله: وكنت حزتيه كان لك. وأمر الزوج إنما جرى على البيع والشراء فيها، ما لم يقع من الزوج شرط يفسد به البيع أو من المشتري أرأيت لو تراضيا بأخذ الدار وأحضرا بينهما بينة، فقام الزوج ليخرج من الدار فانهدمت، أم لم يكن ضمانها من الزوجة أو من تقول هي من الزوج حتى يخرج منها، وهذا مما لا يقوله أحد. قال القاضي: جواب أبي بكر في هذه المسألة كلها أصح من جواب أبي عمران، وقول أبي عمران أنهما في التقابض مصدقان مع وقله: أنه لابد من خروج الزوج من الدار كالصدقة والرهن لا يكون سكناها معه فيها قبضًا متناقض؛ لأنه إذا لم يصح التصير إلا بالإخلاء من الزوج فتقاررهما به ينبغي ألا يكون عاملا إن وقع فيه تنازع بينهما، أو بين ورثتهما، أو بين أحدهما ووراثه الآخر، كادعاء الحوز في الصدقة إذا لم تقم عليه بينة، هذا الظاهر على جوابه، والله أعلم. وفي سقوط الحوز في التصيير رواية سقطت عن ذلك جميع من أفتى في هذه المسألة، وعزيت عن حفظهم فلم يستشهدوا بها؛ إذ لم يذكروها: قال في العتبية في سماع عيس عن القاسم: وسأله عمن تصدق بحظه في قرية بمهمة على أخت له، وقال: إني كنت قد أصبت من مورثها مالاً؛ فسهمي عليها صدقة بما أصبت من مالها، ولا يعلم ما أصاب من مالها، فأراد الشركاء الأخذ بالشفعة، هل يجوز قوله: إني أخذت من مالها أو يجوز لها الصدقة بما أخذ من مالها فيما زعم على غير حوز حتى هلك؟ ز قال ابن القاسم: ذلك لها، ولا أرى لأحد فيها شفعة؛ أن الأصل الثمن لا يعرف؛ أن مالكًا قال لنا: ما طال من الشفعة حتى نسي ثمنه، ولم ير أن صاحبه أخفى ذلك لقطع الشفعة، فلا شفعة فيه إذا أتى من يطلبه، ولا يحوز عليها في ذلك؛ لأن الحظ إنما صار إليها على وجه الاشتراء فلا حوز فيه. هذا نصها في الكتاب، ووصل بها جواب سحنون فيها بنحو ذلك، وقال: الصدقة لها، ولا شفعة لأحد فيها لأنه تمنح لا بيع طلبه المقر له. وقال في النوادر فيها: قول سحنون ورواية عيسى سواء فقد أسقط ابن القاسم

فيها من الحوز مع تسميته إياها صدقة، وهي تصيير في مجهول، فكيف بمسألة المرأة فيما أخذته من كالتها أو دينها، وهما معروفان، وهذا نهاية في البيان والله المستعان. وسقط قول من خالف في ذلك، وبطل نظره، وبالله تعالى التوفيق. الإقرار بوارث أو بوارثين ثم يموت أحدهما في حياة المقر: قام أحمد بن عيسى عند بعض حكام قرطبة بعقدين أثبتهما عنده، نسخة أحدهما: أشهد سعيد بن أحمد بن الأصبغ الأنصاري في صحته وجواز أمره أنه إن حد\ث به حدث الموت أقعد الناس به وأحقهم بوراثته، ما لم يولد له ولد بحيط بميراثه. أحمد بن عيسى الأنصاري ابن ابن عمه للأب، لا وارث له غيره، شهد. ونسخة العقد الثاني يشهد من يتسمى في هذا الكتاب من الشهداء أنهم يعرفون سعيد ابن أحمد بن الأصبغ وأحمد بن عيسى، ويعرفونهما ساكنين بقرية طرسيل منذ أزيد من أربعين عامًا، وهما لا يدعيان بينهما قرابة ولا أهلية ولا سمعوا واحدًا منهما يدعي شيئًا من ذلك، ولا سمعوا أحدًا ينكر أن بينهما قرابة في المدة المذكورة، وكذلك يعرفون أنه لا قربى بينهما ولا أهلية، وأن الذي عقده سعيد، وأشهد به على نفسه أن أحمد بن عيسى المذكور ابن أبي عمه وأحق الناس بميراثه؛ باطل في علمهم. شهد وشاور الحكم في ذلك. فأفتى ابن عتاب: قرأت ما خاطبتني به وأدرجته طي كتابك، وفهمت ذلك كله، والذي أقول – والله أسأله التوفيق – إن إقرار سعيد بن أحمد لأحمد بن عيسى الثابت عندك جائز نافذ له، إذا لم يكن لسعيد وارث معروف، ويستحق أحمد بن عيسى بذلك المال ولا يرث به ولا موالي، إن كان له موالي. وهكذا قال أصبغ في المستخرجة، قال: لو أن رجلاً لا وارث له يعرف من قريب ولا موالي أقر بابن أخ أو ابن عم أو مولى، فإقراره جائز، وللمقر له الميراث مكان في صحة أو مرض، حتى يأتي وارث معروف النسب والولاء، وإنما يعطي المال إذا لم يكن ثم وارث معروف النسب بأن الميت أقر بأنه أولى الناس به، فبهذا يعطاه بلا نسب ثابت. وذكره ابن أبي زيد في النوادر قول أصبغ هذا، وزاد بأثره: وقال سحنون مثله، إلا في قوله: إن لم يكن له وارث معروف، فاختلف فيه قوله، فقال كقول أصبغ، ثم قال: لا ميراث له؛ لأن المسلمين يرثونه، وذلك الوارث المعروف، ولا يبطل عندي – والله أعلم – أقرار سعيد بما ثبت عندك في الوثيقة الثانية التي ذلك شهودها أنهم يعرفون أحمد وسعيد

المدة التي ذكروا، وهما لا يدعيان قرابة ولا أهلية؛ إذ لا يتحقق عليه بهذا الكذب، وإنما احتيج إلى إقرار سعيد لما علم أن ذلك لا يعرف، ولو عرف ذلك شهود وشهدوا به أدوا علمهم لم يحتج إلى الإقرار، واستغنى بالشهادة بالعلم. وكذلك قولهم: الثابت عندك أن الذي أشهد به سعيد على نفسه أن أحمد بن عيسى ابن عمه وأحق الناس بميراثه، باطل في علمهم؛ فهو أيضًا مما لا يضعف الإقرار به؛ إذ لم يبينوا الوجه الذي هو به باطل. ويؤيد هذا ما ذكره ابن القسام عن مالك رحمه الله، وهو: سئل مالك عن الرجل يقول لغلامه: هذا بني، والغلام معروف أنه سندي والرجل فارسي، هل يصير حرًا؟ قال مالك: ما ادعى من ذلك مما يستيقن الناس أنه ليس باينه ولا ولده، فهو غير لاحق به؛ فأبطل مالك رحمه الله قوله إذا تبين كذبه بأنه فارسي والغلام سندين، ورد ذلك على يقين الشهود لا إلى العلم. ويشهد لصحة ما قلته ما قاله مالك رحمه الله فيما يشبه هذه المسألة ويوافقها في الإقرار في الاستلحاق؛ إذ لا يستلحق إلا أب، قوله في المدونة في الرجل يبيع الصبي الصغير ثم يقر أنه ابنه: إن إقراره جائز، ولد عنده أو لم يولد، والقول قوله أبدًا إلا أن يأتي بأمر يستدل به على كذبه. قال ابن القاسم: ومما يستدل به على كذبه: الصبي يولد في أرض الشرك فيؤتي به محمولاً مثل الصقالية والزنج، ويعرف أن المدعي لم يدخل تلك البلاد قط، فبهذا وشبهه يعرف به كذبه. قال: وأما إن لم يعلموا أنه لم يدخل تلك البلاد فإقراره جائز، فإنما أبطل مالك قوله بالكذب الذي لا خفاء به عليه، ولم يبطل قوله بما يكون محتملاً. قيل لابن القاسم في مسألة المقر بالصبي الذي باعه: فإن شهد أن أم هذا الغلام ليم تزل ملكًا لفلان، أو لم تزل زوجة لفلان لرجل غير مدعي الولد حتى هلكت عنده، أيستدل بهذا على كذب المدعي؟ قال: أما الأمة فعله كان زوجها، فلا أدري ما هو؟ وأما الحرة، فإذا شهدوا أنها لم تزل زوجة الأول حتى ماتت، فهي مثل ما وصفت لك مما يولد في أرض العدو. وقوله هذا في الأمة، وقوله: فأما إن لم يعلموا أنه لم يدخل تلك البلاد فإقراره

جائز، مما يدل على ضع الشهادة بأنهم لا يعرفون بينهم قرابة ولا أهلية، ولذلك أجتلبت هذه النظائر، والله أعلم، وهو عز وجل يوفقنا للصواب، ويعيننا على ما فيه النجاة برحمته وعونه. وسئل ابن عتاب أيضًا عن مسألة من هذا المعني: وهو رجل أشهد في صحته أن أحق الناس بوارثته إن توفي عن غير ولد: ابنا عمه دنيا عبد الله ومحمد ابنا فلان، لا وارث له غيرهما، فتوفي عبد الله في حياة المقر، هل يحيط بميراثه؟ فأفتى: مذهب ابن القاسم إن من أقر أن فلانًا ابن عمه لا يثبت نسبه بهذا الإقرار، وإنما له المال بعد التأني، فإن لم يأن له طالب أخذه المقر له مع يمينه. حكي هذا عنه أحمد بن ميسر، وهو مذهبه في المدونة. وقول ابن القاسم: لا يثبت نسبه بهذا الإقرار، هو قول مالك رحمه الله وجماعة أصحابه، وقد حكاه ابن حبيب عن ابن الماجشون وأصبغ أنه لا يلحق نسب أحد من أخ أو ابن عم أو عم ممن استلحقه حتى يكون وارثه وموروثه بذل الاستلحاق، إلا الوالد للولد فقط، كان الإقرار في صحة أو مرض. وحكاه ابن سحنون عن أبيه. وقال أصبح في المستخرجة: إذا لم يكن له وارث معروف فإقراره جائز في صحته أو مرضه، ويكون له ماله، قال: أخي أو عمي، أو ابن عمي، أو وارثي، أن مولاي، أو مولى نعمتي، ولا يثبت له النسب بذلك. وقاله سحنون. ولسحنون قول آخر: أنه لا ميراث لهذا المقر له، وإن لم يكن للمقر وارث معروف لأن ميراثه للمسلمين فهم كوارث معروف، وفي هذه الرواية بيان أنه إنما يكون لمحمد نصف مال المقر؛ لأنه إنما يأخذه بالإقرار لا بالنسب، والمقر إنما أقر له ولأخيه، فقد أقر لكل واحد بنصف ماله، فلم يرث محمد ما لم يجب لعبد الله لموت عبد الله قبل المقر، فبطل إقراره له، وصح لمحمد النصف، ونصف عبد الله لجماعة المسلمين. ويشهد لصحة هذا ما رواه ابن حبيب عن ابن الماجشون وأصبغ فيمن أقر في مرضه أن فلانًا أخوه وفلانًا مولاه، ولا يعرف إلا بقوله: أن ميراثه لمولاه دون أخيه؛ لأن الإقرار بالولاء حق من الحقوق أقر به، والإقرار بالأخ استلحاق، ولا يكون الاستلحاق إلا في الولد خاصة، فغلبا الإقرار بالولاء على الإقرار بالنسب، لما بيناه في ذلك. ومذهب أشهب في ذلك: أنه لا يستحق الميراث إلا من استحق النسب، ويثبت له

بما ثبت به الإنساب، وبهذا كان ابن لبابة يقول:، إذا لم يثبت له نسب، فكيف يستحق المال؟ ومذهب أشهب هذا هو النظر والقياس، إلا أن العمل جرى على قول ابن القاسم، والله أعلم بحقيقة الصواب. قال القاضي: وأخبرني أبو مروان عبيد الله بن مالك أن صاحب المواريث الوزير أبا محمد بن فطيس شاورهم فيمن أقر لرجلين أنهما أخواه أو ابنا عمه الوراثان له؛ فمات أحدهما في حياة المقر، ثم مات المقر، هل للمقر له الباقي جميع الميراث أم نصفه؟ قال: فأفتيت أنا وابن جرج أبو المطرف أن جميع ميراثه للباقي، ووافقنا ابن القطان في ذلك ودليله في ينوازل أصبغ، قال لي: وأفتى أبو عبد الله بن عتاب وأبو عبد الله محمد بن سعيد بن أبي زعبل أنه ليس له إلا نصف ما يخفه المقر. قال ابن أبي زعبل: كما لو أقر لهما بوديعة عنده ليس لكل واحد منهما إلا نصفها، وبه أخذ ابن فطيس. وذكرت ذلك لابن عتاب فقال لي: كذلك كان، وهي مسألة ابن المقربطي، وجوابي هذا هو جواب الشيوخ، قيل: لأنه أقر بمال على أصل ابن القاسم. ونهض ابن مالك مرابطًا إلى جهة بطليوس في سنة ستين وأربع مائة، فقال لي إذا رجع:. سئلت ببطليوس عمن أقر بوارث أخ أو غيره فمات المقر له في حياة المقر وتخلف ولدًا هل يرث ذلك الولد المقر إذا مات؟ قال: وكانت نازلة عندهم فأفتيت أنه لا ميراث له، فسألته: من أين قال هذا؟ فقال: من التي في نوازل أصبغ في الاستلحاق، وهو تناقض من قوله، وخلاف لكلامه الذي حكاه في المقر لهما، وقال لي: أفتي أكثر فقهاء بطليوس أن الولد يرث المقر، وأفتى واحد منهم أنه لا يرث. وذكرت لابن عتاب وقال: لا يرث هذا الولد ذلك المقر يريد لأنه إنما أقر لغيره لا له، وأصله مطرد غير مختلف. وكان ابن مالك يفتي فيمن أقر بوارث سماه ثم مات: أن المقر له يحلف: أن الذي أقر له به الميت من قرابته منه، وأنه وارثه حق. وتكلمت معه في ذلك، فاستدل بما في كتاب الولاء من المدونة فيمن هلك وترك ابنتين، فادعى رجل أنه مولاه، وأنكرت البنتان ذلك. قال ابن القاسم: لا يكون مولاه في قول مالك، إلا أن يقيم بينة. قال: ولو أقرت له ابنتان أنه مولى أبيهما، ولا وارث لأبيهما

معهما بولاء ولا ينسب لحلف هذا معهما إن كانتا عدلتين، واستحق المال. قال ابن المواز بعد التأني: ولا يستحق الولاء كمن هلك وترك ابنًا، فأقر الابن لهذا أنه أخوه، فإنه يرث معه المال، ولا يستحق بذلك نسبًا، وقال غيره: لا يحلف مع الابنتين في الثلث الباقي، لأنهما شهدتا على عتق وشهدتهما في العتق لا تجوز، ولا يثبت المال إلا بثبات الولاء، وشهدتهما فيه لا تجوز، ولو أقرتا له بالولاء أنه مولاهما ورثهما، إذا لم يعرف باطل قولهما. قال محمد: بعد يمينه، وكذلك إن أقر له الواحدة أنه أعتق أباهما وأنه مولاه، وأنكرت الثانية، فلا شيء له في إقرار المقرة؛ لأنه لا يدخل عليها في الثلث الذي صار لها، ولا يثبت له ولاء، فإن ماتت ولم تدع عصبة ولا وارثًا غيره، حلف وورثها، قال محمد: واليمين في هذا ضعيفة. وكان ابن عتاب ينكر فتوى ابن مالك باليمين في ذلك، قال: لم يقل ذلك أحد، ثم شاهدته في امرأة أقرت لأبي عمرو الذهبي أنه ابن عم أبيها وتوفيت، فأظهرت عقد إقرارها إلى صاحب المواريث أبي عبد الله بن العربي، فأرسله به إلى أبي عبد الله ابن عتاب، فقال لأبي عمرو: في العقد علة؛ لأن العاقد لم يرفع نسبك ونسبها حتى يجتمعها في جد واحد، وأرى لك مصالحة صاحب المواريث، وإلا فاليمين عليك وترث. وأفتى غيره بأن الميراث له، ولا يمين عليه في ذلك، قال بعضهم: ولا أقول فيه باليمن كما كان يقول ابن العطار، وكان ابن العطار حينئذ قد مات. إثبات نسب طالب حق: من أحكام ابن زيادة: فهمنا – وفقك الله – ما سأله سليمان من إثبات نسبه من ابن عمه الذي زعم أنه مات بقلعة رباح، يكتب له بذلك إلى من عرفه من أهل الموضع، ليبغ بكتابه إلى حقه، فإن ذلك – وفقك الله – من حقه، إن ثبت عندك مطلبه، ويكتب له بذلك إلى حيث حقه، فيكون له ما ثبت له عند القاضي حجة عند من طلب حقه عنده. قال محمد بن لبابة، وعبيد الله بن يحيى، وأبوب، وابن وليد. قال القاضي: أصل هذا في الولاء من المدونة فيمن أقام بينه أن فلانا أعتقه، وفلان يجحده ما أعرفك، وما كنت لي عبدًا، أو قال: ما أنت لي بمولى.

قال ابن القاسم: هذا عندي كالنسب لو أن رجلا ادعى أنه ابن هذا الرجل، حجد ذلك الرجل أنه ابنه، فأقام البينة عليه؛ فإني أمكنه من ذلك، وأثبت نسبه منه، كذلك إن أنكر مولاك أنك أعتقته وجحده ولاءك؛ لك أن تثبت ذلك، وتمكن من إيقاع البينة عليه كالأنساب. معتقة إلى أجل بيعت: شهد عند القاضي أحمد بن محمد بن عبيد الله بن محمد بن أيمن أنه يعرف عتيقًا خادمًا لقرشية ابنة مفرح، وأنها أعتقها بعد ست سنين وأنها قد انقضت وأبقت عنها في داخل هذه السنين، ثم وجدتها فباعتها بأربع موزنات ورمات وهو يعرفها، وشهد محمد بن معاوية بمثل ذلك. قرأنا وفق الله القاضي – هذه الشهادة، وإذا قبلت منها شاهدين وجب الإعذار إلى من ألفيت بيده هذه الخادم، فإن كان في ذلك مدفع نظرت فيه، وإن لم يكن عنده مدفع حكمت بحريتها، ويتراجع متبايعوها بالأثمان التي تبايعوها بها. قاله ابن لبابة، وأيوب، وابن وليد، ومحمد بن أيمن. قال القاضي: وكذلك ينقض بيع أم المديرة والمكاتبة إذا بيعت واحدة منهن، والخلاف في هذا بين مالك وأصحابه، فإن أعتق أم الولد مشتريها نقص عتقها وردت إلى بائعها وصرف الثمن على مشتريها، ولو ماتت عند المشتري كانت مصيبتها من البائع ويرده الثمن قاله مالك رحمه الله في المدونة في كتاب أمهات الأولاد قال: لأنها حرة من رأس المال، ولا يشبه التدبير لأنه من الثلث – يريد والمعتقة إلى أجل لو أعتقها مشتريها لبطل عتقه. قال مالك في آخر كتاب التدبير في المعتق إلى أجل: هو من رأس المال. وقال في صدر الكتاب: وله أن ينتزع ماله ما لم يقرب الأجل. قال في التفليس: والسنة بعيد. وفي كتاب المدير: إن أعتق المدير مشتريه مضى ثمنه لبائعه، ونفذ عتقه. وفي كتاب المكاتب أنه رجع إلى هذا بعد أن كان يقول يرد عتقه. قال ابن القاسم في المكاتب مثله: إن فات بالعتق لم يرد بيعه. وقال أشهب وبعض الرواة: ينقض عتقه وبيعه ويرد إلى سيده الذي كاتبه؛ لأن عقد الكتابة عقد قوي. وفي العتبية في نوازل أصبغ من كتاب الزكاة: أن قول مالك اختلف فيه

كالاختلاف في المدير، وفي هذا المعنى مسائل كثيرة يطول الكتاب باجتلابها، وإنما ذكرنا هذا، لأن فيه تمام مسألة المبيعة بعد عتقها إلى أجل. شورى في وصي طلب عن يتيمه نصف دار وهبته له عمته: يا سادتي وأوليائي: قام عندي فلان عن يتيمه فلان الذي إلى نظره بتقديم إياه على النظر له بالعقد المذكور فيه هبته؛ فلا يتم لليتيم المذكور ابن أخيها نصف الدار المحدودة فيه، وأثبته بشهادة فلان وفلان وفلان ذلك في ذلك العقد على عين الواهبة، وحيزت الدار وثبتت عندي حيازتها وأعذرت في مجلس نظري إلى فلانه فيما ثبت عندي مما قدمت ذكره بعد أن عرفتها بثبوت ذلك عندي وممن ثبت. فقالت ما وقع ذكره في فصل الإعذار أن بينها وبين الشهود عداوة، وثبت ذلك من قولها عندي، وأجلتها في إثبات ما زعمته أجلاً على ما جرى به العمل، وتلومت عليها فلم تأت بشيء يوجب لها نظرًا، ووجب أن أشاوركم في ذلك؛ فخاطبتكم بكتابي هذا وأدرجت طيه كتابًا أنتسخ فيه جميع ما قدمت ذكره، بعد أن قوبل عندي وصحت مقابلته، وأعملت بصحته فتصفحوا ذلك، وجاوبوني عنه مأجورين، إن شاء الله تعالى، والسلام. فجاوب ابن عتاب: سيدي تصفتحت خطابك والذي أدرجت طيه، ووجه الخلاص في هذا على ما كانت القضاة تفعله اجتهادًا في شبه ذلك أن تكشف في الباطن عما زعمته المرأة من العداوة، فإن انكشف إليك فهيا أمر اجتهدت على ما ينكشف إليك وقابلته بما يجب في ذلك، فقد كانوا رحمهم الله يستعينون بباطن القصة ولا يخرجون في ذلك عن الواجب، وإن لم ينكشف إليك شيء مما زعمته المرأة أنفذت شهادة الشهود، وحكمت بالهبة، وملاك الآمر في ذلك ومداراة أن ذهبت إلى الأخذ بما ذكرت لك على الذي تحمله في ذلك وتوسطه في دينه ويقظته وثقته وحسن تناوله، فعلك بذلك تظفر بالنجاة وتفوز بالسلام، إن شاء الله تعالى. وجاوب ابن القطان: يا سيدي قرأت ما خاطبتنا به، ووقفت عليه، وإذ قد ثبت عندك ما ذكرت وأعذرت إلى الواهبة كما وصفت، فالقضاء يرفع به الواهبة عن الحصة الموهوبة من الدار

المذكورة واجب، والحكم عليها بذلك لازم، دون إنزال منك في الحصة المذكورة، ولا يقال في التسجيل أنك حكمت بالهبة أو قضيت بها، وإنما يقال إنك قضيت عليها برفع يدها وقطع حجتها واعتراضها فيها خاصة؛ إذ لم يثبت عندك في ذلك ملك الواهبة، فإن ذهب القائم إلى الإنزال كلفته إثبات الملك والحيازة، وحكمت حينئذ بالإنزال وقضيت به إن شاء الله تعالى. وجاوب أبو محمد: القضاء بإنقاذ هذه الهبة على فلانة واجب عندي، والله ولي التوفيق لنا ولك برحمته. قال القاضي: أما ما ذهب إليه ابن القطان في جوابه ما في رسم نقدها عن ابن القاسم. في الحاكم يأتيه رجلان فيدعي كل واحد منهما أرضًا بالصحراء، ثم يقرأ أحدهما لصحابه من غير بينة، كيف ينبغي للحاكم أن يشهد أن حكم بهذه الأرض لفلان، وهو لا يدري أهي في يديه أم لا؟ قال: بل يشهد له بأن فلانًا أقر لفلان بهذه الأرض ولا يشهد أنه قضى له بها، وإنما يشهد على إقراره بما أقر له به، ولا يحكم فيها بشيء إلا أن يقيم البينة أنها له. في آخر سماع يحيى نظير هذا، وقد مر منه في صدر الكتاب. شوري في استحقاق نصيب من كرم ثبت ملكه للقائم: يا سادتي، قام عندي رجل يسمى بفلان على فلان، فوقفه عندي في مجلس نظري بتوقيف تاريخه كذا، أدرجته اليكم طي خطابي هذا، فكان من جواب فإن له على ذلك ما تقيد في أسفل التوقيف، وثبت جوابه عندي وقوله به، وتقاضى فلان له عندي في مجلس نظري على حسب ما تقيد في أسفل التوقيف، وأظهر إلى القائم كتاب استرعاء بملكه للجزء المذكور من الكرم المحدود وتاريخه كذا، وثبت عندي بشهادة شهوده الذين شهدوا عندي فيه، بعد أن كشفت عنهم في السر، فانتهى إلى عنهم ما أوجب قبولي لهم، وحيز الكرم بأمري، وثبتت حيازته عندي. وأدرجت إليكم نسخة الاسترعاء ونسخة الحيازة، بعد أن قوبل ذلك عندي وأعلمت عليه بالتصحيح وأعذرت في ذلك إلى المقوم عليه على حسب في ظهر الاسترعاء، فادعى مدفعًا وثبت قوله بذلك عندي، فأحلته فيه على حسب ما جرى به العمل التأجيلي، وانقضى ذلك التلوم ولم يأت بشيء، ووجبت مشاورتكم في ذلك؛

فتأملوا ذلك بفضلكم إن كان كاملا عاملا يوجب القضاء لفلان بالحصة المشهود له بها من الكرم المذكور يه أم لا. وجاوبوني بما ترون في ذلك موقفين، إن شاء الله تعالى. فجاوب ابن عتاب: إذ قد ثبتت عندك ما ذكرت في القضاء فلان بما شهد له به واجب، وإنزاله فيه لازم؛ فأنفذ ذلك من نظرك موفقًا إن شاء الله. وجاوب ابن القطان: الذي تقدم من الجواب بالقضاء للقائم وإنزاله فيما ثبت له وحيز، صحيح، وبذلك أقول، فاستخر الله تعالى وأنقذه موفقًا مأجورًا إن شاء الله تعالى عز وجل. وجاوب ابن مالك: أنه إن كانت الشهادة لهذا القائم عندي على عينة، فقد وجب له القضاء والإنزال، ولم أر فيما وجهت إلينا أن الشهادات كانت على عينة، والسلام عليك ورحمة الله. قاله عبيد الله بن مالك. شوري في بيت متهدم بين دار حسان ودار شنوغة اليهودي: خاطبنا بها صاحب السوق أبو طالب محمد بن مكي رحمه الله، وكان القاضي أبو المطرف بن سوار ابتدأ النظر في ذلك، فمات قبل تمام الحكم فيه. يا ساداتي وأكابر عددي المعظمين عندي، ومن أبقاهم الله تعالى، معتمدين بتوفيقه وتسديده: قام عند حسان بن عبد الله، فذكر أن له دارًا بداخل مدينة قرطبة بحومة مسجد صواب تلاصق دارًا أخرى موقوفة على شنوغة اليهودي، وأنه كان في دار بيت صغير تهدم، وتهدم بتهدمه الجدار الذي كان حاجزًا بينه وبين دار شنوغة، وأغفل بينانه. فلما ذهب إلى إقامته اعترضه إسحاق اليهودي، وقال: إن البيت المتهدم من حقوق دار الشنوغة، وأظهر إلى حسان عقد استرعاء، تاريخه وجب من سنة أو بع وستين تضمن أن البيت المذكور من حقوق دار حسان، وذكر أنه ثبته عند القاضي أبي المطرف ابن سوار رحمه الله، إذ كان يلي قضاء قرطبة، وفي أسفل كتاب الاسترعاء فصل انعقد بالحيازة، فأمره لما شهد عنده فيه شهداء الاسترعاء المذكور، وعلى ظهر كتاب الاسترعاء إعذار القاضي أبي المطرف رحمه الله إلى إسحاق المذكور فيما ثبت عنده في الاسترعاء وفصل الحيازة، وتأجيله فيما ادعاه من الحل لما شبه به عنده من ذلك الآجال المعهودة،

وإشهاد على نفسه عنده بذلك. فكلف حسانًا أن يثبت عندي الإعذار المذكور، والتأجيل بسببه وإشهاده على نفسه بذلك رحمه الله، فأثبت ذلك من قوله عندي وسألني التلوم عليه فتلومت له ثلاثة أيام؛ إذ كان التلوم الذي تلوم عليه القاضي لم يشهد فيه إلا شاهدان، قبلت أنا أحدهما، فانصرم تلومي عليه ولم يأت بشيء يوجب له نظرًا إلى حين خطابي هذا إليكم، ورأيت من التقصي لهذا الأمر والاستبلاغ فيه أن أثبت عندي الاسترعاء والحيازة ذلك، وقد أدرجت طي كتابي هذا اليكم الكتاب المحتوي على ذلك وعلى الإعذار والتأجيل والتلوم؛ لتصفحوه وتجاوبوني منفصلين بما ترونه مأجورين، والسلام عليكم يا سادتي وأكابر عددي ورحمه الله. فجاوب محمد بن فرج: يا سيدي وولي ومن أيده الله بطاعنه، تصفحت خطابك وما أدرجته طيه وإذ لم يثبت اليهودي عند شيئًا ولا حل ما ثبت لحسان وانقضت الآجال والتلوم، فالقضاء لحسان بالبيت واجب الحكم به لازم، فأنفذ ذلك من نظرك موفقًا مؤيدًا والسلام. وكان عقد الاسترعاء المذكور لم يذكر فيه حسان بيتًا، وإنما كان يشهد من يتسمى في هذا الكتاب من الشهداء أنهم يعرفون الدار التي بداخل مدينة قرطبة بحومة مسجد صواب وحدها كذا، ويعرفون من حقوقها البيت المتصل بها من جهة كذا، ولا يعلمونه زال من حقوقها إلى حين شهادتهم هذه، ويجوزون ذلك. شهد. هذا معنى ما كان في عقد الاسترعاء، لم يذكر ملك ذلك البيت الذي كان بهوًا لحسان بالبهو ولا بغيره، لنقصان العقد الذي أظهره وتكلف إثباته وخلائه من المعنى الذي لا يجب له حق إلا به، وما جرى فيه من حيازة وإعذار عندك وعند القاضي أبي المطرف رحمه الله عناء لم يخل منه بطائل كان سببه الغفلة وأصله النسيان، وسبحان من لا يغفل ولا ينسى ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فإن ذهب حسان إلى التمادي في طلبه أمرته باستئناف أمره بعقد يصل به إلى حقه وأعيدت الحيازة بأمرك، إذا ثبت عقده بذلك عندك، ثم تعذر إلى من يعترضه فيه وتشاور بعد ذلك فيما ينتهي إليه نظرك مع ما يعترض به المعترض، ألهمنا الله إلى ما يقرب منه ويزلف لديه بعزته والسلام. وتناظر من كان يفتي بعدي فيها، واجتمع بعضهم ببعض يبحثون عن نقصان

العقد. وذكرت ذلك لابن أحدهم حتى بان لهم وأفتوا على حسان إثبات ملكه للدار وكلفه الحكم ذلك، وأعاد الشورى فيها، ولج محمد في جوابه الأول، وأفتى أن العقد الأول عامل، وأفتيت أنا بنقصانه على ما ثبت عليه أولاً، وجلت فيه روايات كثيرة من المدونة وغيرها، وكان جوابًا حافلا، ولم تبقى منه عندي نسخة فلم أثبته هنا، وقد تقدم كثير من هذا المعنى فتركت إعادته واستيعابه. كراهة التطويل. والله المعين. شورى في ثور استحقه ورثة عن ميتهم: خاطبنا بها صاحب المظالم أبو بكر عبيد الله بن محمد بن أدهم: يا سادتي وأكابر عددي، المعظمين في نفسي وخلدي، ومن أبقاهم الله وسلمهم، وأحسن على طاعته عونهم. قام عندي محمد بن يحيى فذكر أن أباه يحيى توفي مقتولاً، وسف عند قتله ثورًا كان له، وأنه ألفاه في حين قيامه عندي بيد رجل سماه، وسألني النظر له في ذلك بواجب الحق، فأجبته على ذلك، فأظهر إلى عقد استرعاء تاريخه ذو القعدة من سنة أربع وستين وأربع مائة، تضمن ملك أبيه يحيى للثور المنعوت فيه، وأن شهاداءه لا يعلمون أنه فوته بوجه من وجوه التفويت، إلى أن أورثه ورثته، ولا أنه زال عن ملك ورثته إلى حين شهادتهم هذه؛ وأتاني ببعض شهدائه فشهدوا عندي على نصه، وقبل أن يتم ثبوته عندي أتاني محمد المذكور، فذكر أنه صالح الرجل الملفي بيده الثور على شيء دفعه إليه، وأنه قبض الثور المذكور، وصار بيده لنفسه ولسائر ورثة أبيه معه. ثم قام أحمد بن عيشون فقال: إن هذا الثور ملكه وماله، وأنه صاغ له، وسألني النظر له في ذلك بالواجب، وأظهر لي عقد استرعاء تاريخه عشر ذي الحجة من سنة أربع وستين تضمن ملكه لثور المذكور، وأتاني بمن أعلمت على اسمه من شهدائه، فشهدوا عندي على نصه وعلى عين الثور، فثبت عندي هذا العقد بشهادة من زكى عندي من شهدائه. وأتاني محمد بن يحيى، وسألني إثبات عقد الاسترعاء الذي كان شرع في إثباته، فأبحت له ذلك، وأتاني بمن أعلمت على اسمه من شهدائه فشهدوا عندي على نصه وعلى عين الثور، وثبت عندي ما تضمنه بشهادة من زكى أيضًا عند منهم، وكلت إثبات موت أبيه يحيى وعدة ورثته، فأظهر إلي بذلك عقد تاريخه ذو القعدة المذكور، وثبت

عندي بشهيديه، وأثبت عندي توكيل أمه شمس إياه على طلب ما يجب لها طلبه عن نفسها وعمن إلى نظرها من سائر بنيها من يحيى، ذلك في عقد الوراثة بإيصاء أبيهم يحيى بهم إليها في كتاب عهده توكيلاً، أوجب له التكلم عنهم تاريخه عقب ذي القعدة المؤرخ، وتضمن معرفة شهيديه الإيصاء وثبت عندي بهما. وأعذرت إلى محمد بن يحيى فيما ثبت عندي لابن عيشون بعد أن عرفته بثبوته وبمن ثبت عندي، فقال: إن عندي ما يجل به ما شهد به وشهداؤه، فأجلته في ذلك أجلا قاطعًا من ثمانية أيام، ثم عاد إلى قبل انصرام هذا الأجل، وقال: إنه لا مدفع عنده فيما أجل فيه إلا ما أثبت في عقد الاسترعاء على الذي قام به، وثبت ذلك من قوله عندي في مجلس نظري. وأعذرت أيضًا إلى ابن عيشون فيما ثبت عندي في عقد الاسترعاء الذي قام به محمد بن يحيى فقال: إنه لا مدفع عنده فيما ثبت فيه، وثبت ذلك من قوله عندي، ورأيت استطلاع رأيكم الموفق فيما جرى عندي من ذلك كله، وخاطبتكم بكتابي هذا، وأردفت طيه كتاب كاغد يشتمل على جميع ما أثبته عندي، كل واحد منهما بعد المقابلة بها لتلك النسخ، فتصفحوا ذلك بفضلكم، وجاوبوني عنه موفقين مأجورين والسلام. فجاوب محمد بن فرج: سيدي ووليي، ومن وفقه الله بطاعنه، تصفحت خطابك وما أدرجته طيه، وإذا ثبت ملكان لرجلين في شيء واحد كان بيد أحدهما؛ قضى به للذي هو بيده، وكذلك هذه المسألة، القضاء بالثور لورثة يحيى بن أحمد وابج؛ لأن ملكهم أقدم وهو بأيديهم، فاقض لهم به بعد يمين محمد وأمه في مقطع الحق، بالله الذي لا إله إلا هو أن الثور الأبيض الذي يطلبه أحمد بن عيشون ملك ليحيى بن أحمد ومال من ماله، ولم يفوته بوجه من الوجوه في علمهم إلى أن توفي، وأورثه ورثته ولا خرج عن ملك ورثته بوجه من الوجوه كلها، وإن ملك جميعهم لباق عليه إلى حين يمينهم على البت لا يقولون في علمهم في هذا الوجه، وتنقطع حجة أحمد بن عيشون في الثور. فإن نكل محمد وأمه عن اليمين حلف ابن عيشون أن الثور ملكه وماله لم يبعه ولا وهبه، ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه كلها إلى حين يمينه، ويقضي له بحصة المالكين لأنفسهما من الثور، ويبقى الأصاغر فيه على حصصهم ملكًا لهم، إن شاء الله تعالى.

وجاوبت أنا: سيدي ووليي، ومن وصل الله توفيقه وتسديده وعونه وتأييده: ما انتهى إليه نظرك بوجب الحكم لورثة ليحيى بالثور ليس بأن لهم يدًا، لكن أن بينتهم أرخت وقتًا وبينة ابن عيشون لم تحد زمانًا، ومن استحق مثل هذا لم يقض له حتى يحلف في مقطع الحق ما باع ولا وهب، فيحلف محمد بن يحيى في مقطع الحق بالجامع عند المنير بمحضر ابن عيشون: بالله الذي لا إله إلا هو ما أعلم أن أبي باع هذا الثور المنعوت الذي ورثناه عنه، ولا وهبه، ولا فوته بوجه من وجوه التفويت إلى أن تفي وأورثناه، وما فوضت نصيبي منه إلى حين يمين هذه، وتحلف أمه شمس بمثل ذلك، بمحضر ابن عيشون، هكذا يحلفان. والرواية في ذلك كذلك، ولا يكلف أن يزيد في اليمين أن الثور كان ملكًا لموروثهما ولا ملكهما؛ لأن البينة قد شهدت وقطعت به. قال بعض الشيوخ في جوابه لبعض القضاة: وقد أنكر مثل هذا منه، ولا يجب أن يحكم الحاكم إلا بما لا بد منه، فتحفظ في هذا وشبهه، فعلى ما جاوبتك به أدركت الفقهاء المتقدمين، وبه كان يفتون حكام المسلمين، عصمنا الله أجمعين. هذا نص كلامه. وفي استحلاف المستحق لمالك وأصحابه ثلاث روايات: إحداها: ما أفتيت به في هذه المسألة، وبه جرى العمل باتفاق من فقهائنا، فلم نحتج إلى ذلك غيره، ولقولي: ليس لأن لهم يدًا – شرح يطول استجلابه، ولولا أن شهود ورثة محمد أرخت وقتًا لوجب الحكم للأعدل بينة من الفريقين؛ إذ لابد عندي لواحد منهما، مع أني رأيتك قد ذكرت أن قبولك بينات إنما كان بتزكية، فدل على تساويهما في العدالة، ومن نكل ممن وجب عليه الحلف منهما رجعت يمينه على أحمد، وحلف وأخذ نصيبه، واليمين ساقطه عن الصغار في ذلك، والله تعالى يخلصك ويحسن عونك، والسلام. قال القاضي: والروايات التي ذكرت في جوابي هذا إحداهما في شهادات المدونة: أن من ادعى عبدًا أو غيره في يد رجل وشهدت له بينة، أنه شبيه لا يعلمون باع ولا وهب؛ حلف هو ما باع ولا وهب ولا أخرجه عن يده بوجه من الوجوه، ويحلف على البت، وهو الذي جاوبت به فوق هذا. وتكررت المسألة في كتاب العتق الثاني، وهي في سماع ابن القاسم في استحقاق

العتبية في رسم الشريكين. قال مالك رحمه الله فيمن اشترى سلعة فوجدت مسروقة، فأقام الذي اعترف البينة أنه ما باع ولا وهب، وحلف على ذلك وأعطيها: فللذي اعترفت في يده أن يذهب بها إلى بائعها منه يأخذ ثمنها ويضع قيمتها لمستحقها. وأكمل المسألة في كتاب الوكلات والبضائع في نوازل عيسى: يحف على البيت ما باع ولا وهب، وإن كانوا ورثة حلف من بلغ منهم الحلم أنهم ما يعلمون صاحبهم باع ولا وهب. وقال ابن أبي زمنين: أجمع كل من علمت من أصحاب مالك رحمه الله على اليمين فيما استحق من غير الريع والعقار: بأنه لا يتم الحكم لمن استحق شيئًا من ذلك إلا بعد يمينه، واختلف من أدركت من مشايخنا المقتدي بهم في الفتوى فيمن استحق شيئًا من ذلك إلا بعد يمينه، وكان بعضهم يفتي ألا يمين عليه. ورأيت فيما سئل عنه سحنون أنه كان يرى إحلافه في الربع والعقار. قال سحنون: واليمين التي أقول بها في ذلك ليست من قول مالك رحمه الله، ولا يأخذ به كل القضاة. قال القاضي: قد تأول ابن أبي زمنين وغيره أن من قول مالك في مثل ذلك: اليمين على مستحق الرباع وغيرها. وفي النوادر: قال ابن كنانة: ليس على من أقام بينة في أرض أو حيوان أو سلعة يمين، إلا أن يدعي الذي ذلك في يديه عليه أمرًا يظن بصاحبه أنه قد فعله، فيحلف ما فع له ويأخذ حقه، وهذه هي القولة الثالثة: أنه لا يمين على من استحق عقارًا أو غيره إلا بدعوى من المستحق منه تعلق به اليمين، ولم تبلغ ابن أبي زمنين هذه الرواية. وأما قولي: يحكم بالثور لورثة يحيى، ليس لأن لهم يدًا؛ فالمعنى أن اليد التي تراعى عند تكافؤ البينتين هي اليد التي لا تعرف كيفيتها، ولا الوجه الذي صار المدعي فيه إليها، وأما إذا عرف الوجه الذي به دخل ذلك المتنازع فيه في اليد، فلا مزية حينئذ لصاحبها مثل ما في نوازل سحنون في كتاب الشهادات، فيمن أقام بينة في ميت أنه مولاه أعتقه فأخذ ميراثه، ثم شهد لآخر بمثل ذلك، ولو تفوت البينة وقتًا. وقال: إذا كانت البينات سواء فالميراث بينهما سواء بنصفين، وفي ولاء المدونة إن أخذت مال من زعمت أنك وراثه وأنه مولاك، ثم أقام رجل بينة أنه مولاه، وأقمت أنت

بينة مولاك، وتكافأت البينات في العدول، فالمال بينكما. قاله ابن القاسم رحمه الله. قال سحنون: قلت له: ولم، وقد قال مالك: إذا تكافأت البينات فالمال للذي هو بيده؟ قال: قلت: إنما ذلك في مال بيده لا يعرف من أين أصله، فإذا عرف أصله فهو الذي له الأصل، وقد أقام هذان البينة باستحقاقهما لهذا المال من الذي كان له أصله فهو ينهما، وفي الشهادات ذلك اليد مع تكافؤ البينتين، وفي نوازل سحنون في آخر كتاب الدعوى من هذا المعنى، وفي أول باب من كتاب الأحكام لابن حبيب رحمه الله عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ من ذلك فتأمله. وفي مختصره في الذي ادعى ميراث الميت وأخذه، ثم أقام آخر البينة أنه وارثه، وأقام حينئذ الذي بيده المال أنه وارثه، وتكافأت البينات عن غير ابن القاسم أن المال ينبغي لذي هو بيده، وأدخله ابن أبي زيد رحمه الله في النوادر عن ابن الماجشون، وهو خلاف المدونة ونواز سحنون، وفي سماع ابن الحسن لابن وهب نحو ذلك، وكذلك لأشهب في النوادر في مسألة لقيط. قال القاضي: وما وجد بأيدي المحاربين من المال وادعاه رجلان هو من هذا الأصل، وفي شهادات الوضاحة تنازع فيما ترجح به البينة بعضها على بعض من كثرة عدد، وبيان عدالة معدليها على عدالة معدلي البينة الأخرى، واختلف قول ابن القاسم في الشاهدين يقيمهما أحد المتداعيين في الشاهد واليمين، والشاهد أبرز من الشاهدين. فعنه في سماع أصبغ في آخر كتاب الدعوى: الدار لصاحب الشاهدين، وكذلك ذكر ابن حبيب في كتاب الشهادات عن مطرف وابن الماجشون، وإن كان المنفرد أعدل أهل زمانه. وقال أصبغ في سماعه: صاحب الأبرز أحق مع يمينه، وقاله ابن القاسم في سماع أبي زيد، وفي كتاب الشهادات. ولو نقلت هذه المسائل كلها على نصوصها وذكرنا ما يتفرع منها مما فيه تمامها على ما يحضرنا الآن؛ لطالب الكتاب، وخرجنا عن الغرض الذي قصدناه، وفيما ذكرناه مقتنع فيما أردناه، عصمننا الله بهداه وطيبنا بلقياه.

رومكة استحقت بقرمونة وأراد المحكوم عليه طلب حقه بها. قام عند حكم قرمونية رجل على رجل في رمكة بيده كان ابتاعها المقوم عليه بقرطبة، وأثبت القائم بالواجب ما أوجب الحكم له بها، فحكم له بها، وسأل المطلوب المقوم عليه المستحقة من يديه أن يعطاها يطلب بقرطبة حقه بها قبل بائعها، فوضع قيمتها بقرمونة، خاطب له حكمها صاحب أحكام الشرطة بقرطبة محمد ابن الليث بذلك، وذكر في خطابه أنها قومت بخمسة وثلاثين مثالا وضعها النخاس بأمره عند ثقة. وثبت الخطاب عند ابن الليث، ورافع النخاس إليه بائع الرمكة منه، فأقر ببيعها منه وقال: إنه ابتاعها من إنسان بطليطلة قد غاب، ورغب الذهاب بها إليه ليطلبه حقه بها على عينها، فقومت بقرطبة بأربعين مثقالا، ووضع هذه القيمة للنخاس، وأخذ الرمكة وسار إلى طليطلة، وخاطب له بها ابن الليث قاضيها أبا زيد عبد الرحمن بن عيسى الحشا بذلك، ثم رجع الذي نهض بالرمكة إلى طليطلة، وقال: إنه انتصف من صاحبه، وصرف الرمكة إلى النخاس وقبضها منه، ثم هلكت عنده ليوم آخر من قبضة إياها، فقام على الذي صرفها من طليطلة، وقال: إنه تقدم الرفقة بها بيوم وأعنيتها بجد السير وركوبه إياها، واصطلح معه بخمسة عشر مثقالا، ثم قدم مستحق الرمكة من قرمونة، وطلب هذه العدة المصطلح بها. فأفتاهم أبو عبد الله بن عتاب: أنه لا شيء له فيها، وأن له الأربعين مثقالا التي قومت الرمكة بها بقرطبة، وقال المستحق: إنما قومت بقرمونة بخمسة وأربعين مثقالاً، واحتج النخاس بما في كتاب الحكم الذي خاطب به ابن الليث أنها قومت بخمسة وثلاثين مثقالا، فنهض المستحق إلى قرمونة، ورجع بخطاب حكمها إلى ابن الليث، وذكر فيه أنه وهم في خطابه الأول، وأن الرمكة إنما قومت بخمسة وأربعين مثقالا، وثبت الخطاب عنده بناقليه إليه، وشاور في ذلك. فأفتى ابن القطان وابن مالك: أن كلام الحكم مقبول وأنه يحكم للمستحق على النخاس بالخمسة والأربعين مثقالا. قال القاضي: وتكلمت مع الشيخ ابن عتاب في ذلك فقال لي: لا يقبل من الحكم رجوعه، وقد كنت أفنيت أن للمستحق القيمة التي قومت بها بقرطبة، وهي الأربعون مثقالاً فقلت له:

إن هذه القيمة إنما وضعت للنخاس لا لمستحق، فقال لي: الرمكة باقية في ملك المستحق، وإن كان للمستحق منه طلب حقه بها؛ ألا ترى أنها إذا رجعت سامة كانت له، فلو قومت أيضًا بطيطلة بخمسين وأعطيت بعد ذلك، كان للمستحق الخمسون؟ قال: نعم، وقال لي: لو تمت بيد الطالب بها حقه وأراد إمساكها كان ذلك له، كما أن مصيبتها منه، ولم يكن للمستحق إلا القيمة، فاعترضته باختلاف الأسواق وأنه لا يراعى فيها، فقال لي: وكذلك لا يراعى في غر ما شيء، وليس النماء من ذلك. قال القاضي: ونظير هذا في الدعوى في آخر سماع يحيى عن ابن القاسم فيمن ادعى عليه أنه سرق غلامًا فأنكر، ثم اصطلحها على مال غرمه المطلوب للطالب، ثم وجد العبد. قال: هو للمدعي عليه بما غرم في الصلح، ولا يكون للطالب، ويرد ما أخذ لأنه لو وجد العبد أعور أو أقطع أو بعد زمان وقد هرم؛ فأراد المطلوب نقض الصلح وأخذ ما أعطي، لم يكن ذلك له ولا ينقض الصلح بظهور العبد، لأنه وقع بأمر جائز حلال، فهو للمصالح بما غرم، وجد معيبًا أو صحيحًا. وفي المختلطة في الشفعة وكتاب الغصب مثله: فيمن أكترى دابة فتعدى عليها فضلت، فغرم قيمتها، ثم وجدت بحالها فهي لغارم القيمة؛ لأنه بيع قد نفذ بينهما؛ فتدبر هذا. وما ذهب إليه أبو عبد الله في الدابة المستحقة إن رجع بها واضح قيمتها الذاهب بها وقد أورت أو عجفت؛ فهو لها ضامن، والقيمة الموضوعة لمعترف الدابة. وفي الدعوى في رسم يوصي بمكاتبه من سماع عيسى عن ابن القاسم: إن ضاعت القيمة وهلكت الدابة فمصيبتها من الذي خرج بها، ومصيبة الدنانير من الذي وضعت له، وهو مستحق الدابة، وإن ضاعت الدنانير وجاء بالدابة وقد نقصت؛ أخذها صاحبها، ومصيبة الدنانير من الخارج بالدابة. وفي تضمين الصناع من المدونة، وفي كتاب الدعوى من أحكام الواضحة، وفي غير موضع – تمام هذه المسألة – ومنها في سماع ابن القاسم في كتاب الاستحقاق، وفي سماع عبد الملك بن الحسن. وقال ابن الهندي في الجزء السادس عشر من وثائقه: إذ ذهب الذي أبقيت الدابة

بيده إلى أن يطلب بها حقه من بائعها منه في بلدة أخرى؛ وضع قيمتها، وضرب له أجل، وتوجه بها، فإن صرفها للأجل، وغلا قبض المستحق القيمة، ثم إن قدم بها الذاهب وهي على حالها أو أحسن؛ أخذها مستحقها، وصرف القيمة على الذاهب إن شاء الله تعالى. مسألة صلح انعقد بين ورثة عبد الله بن محمد بن أبي زيد نبهت على معنى مكروه فيه فشوور في ذلك الفقهاء فاختلفوا في فسخه: توفي عبد الله هذا فورثته زوجه عائشة وأمه صفية وأخوه شقيقه أحمد، فوكلت عائشة القرشي العمري محمدًا على المصالحة وغيرها، ووكلت صفية ابنها أحمد على المقاسمة والمصالحة وغيرههما، وثبت ذلك كله عند محمد بن أحمد بن بقي، وتخلف المتوفي أثاثًا وثباتًا وكرمين، وباعوا الأثاث والثياب بثلاثمائة دينار، وانتهى الكرمان مائة دينار وعشرة دنانير دراهم أيضًا. وضمها أحمد لأمه صفية وأمضى القرشي ذلك على موكلته عائشة، ودعي إلى قبض أثمان ذلك من كالئها الذي كان لها على المتوفي ومبلغه خمسون مثالا حاكمية، ودعي أحمد إلى يمينها أنها لم تقبضه ولا وهبته وادعى عنها وكيلها أن المتوفي تخلف عند صفية وأحمد أشياء نصها، وذكر أحمد أنه تخف عند عائشة أشياء نصها، ووقف كل واحد منهما الآخر عند ابن بقي. وقال أحمد: من جملة المتوفي عند عائشة خمسون مثقالاً من ثمن غزل سبق من مالقة، وأنكر وكيلها ذلك، وقال: إن ثمن الغزل ملكها ومالها، وأنكر أحمد عن نفسه وعن أمه ما وقفه عليه القرشي، وادعى القرشي محمد أن الفرس الأشقر تخلفه المتوفي ميراثًا، وقال أحمد: إنما هو ملكي ومالي، وقال أيضًا محمد: إن المملوك الأسود لعائشة، فقال أحمد: إن كان ابتاعه منها وهو موروث عنه، وثبت عند ابن بقي ملك عائشة له على ما وجب. ثم أصلح الوكيلان على سبعين مثقالا دفعها أحمد إلى محمد وكيل عائشة على أن يترك المملوك، ويسقط دعاويها عن أحمد وصفية، ويسقط أيضا أحمد عن عائشة مطالبة ومطالب أمه في الغزال وغيرها، وعلى أن يقبض الدراهم المبيع بها الأثاث والكرمان من كالئها، ويبقى لها سائر الكالئ إلى أن يثبت للمتوفي أصل أو مال يتأدى منه، بعد يمين عائشة على تحقيق بقاء الكالي على المتوفي. ورضيا بذلك والتزماه، وقبض محمد الدراهم في تسعة وثلاثين مثقالا من الكالئ،

وأنفرد أحمد وأمه بالسلوك، وتقار الوكيلان أنه لم يبق لموكلتيهما دعوى ولا حجة لبعضهم على بعض، حاشا بقية الكالئ وقطعوا الدعاوى وتشاهدوا على ذلك كله، وأشهد ابن بقي بثبوت ما ذلك ثبوته عنده من الموت والوراثة والتوكيلين، وعقد تاريخ الصلح سنة سبع وخمسين. ثم قامت عائشة عند محمد بن الليث على أحمد وأمه، وادعت عليهما دعاوى في توقيفهما واعترض بما في عقد الصلح، وثبت عند ابن الليث وأعذر فيه إليهما، فلم يكن عندها فيه مدفع إلا ما توجبه السنة، وشاور في ذلك: هل هو لازم عامل أم مفسوخ باطل؟ وأدرج كتاب الصلح إلى الفقهاء. فجواب ابن عتاب: قرأت ما خاطبتنا به، وظاهر عقد الصلح والجواز، وقد انحسمت فيه الدعاوى بين المتنازعين، فأنفذ ذلك بينهم في جميع ما تضمنه الصلح من قطع الدعاوى وبيع الكرمين وغير ذلك، وإن ظهر للمتوفي ما تعدى فيه عائشة أعديت وإثبات ذلك عليها، وقد كان قرب قطع الدعاوي في الكالئ بأن تسط عائشة منه شيئًا ويحضر أحمد باقيه من ماله، لكن من أراد الإفساد والشغب صد عن ذلك، والله تعالى يعلم المفسد من المصلح، فإن أمكن الصلح فيه فهو حسن إن شاء الله. وجاوب ابن القطان: تأملت كتاب الصلح ورأيت عقدًا فاسدًا مفسوخًا لا يحل إمضاؤه، لفساده من وجوه: منها: الصرف المتأخر، وذلك قبض عائشة للدراهم عن بعض كالئها، وإرجاء اليمين عليها حتى تقبض باقيها من مال المتوفي، وقد تنكل عن اليمين، فترد الصرف المذكور بسقوط حقها. ومنها: التفاضل بين الذهبين؛ الذهب التي تركت من كالئها عن الدراهم المقبوضة، وذهب العزل الذب قبضت وهي غير السكة الواجبة في الكالئ؛ لأن عاقد الصلح قال فيه: أن الصلح انعقد على أن يسقط عن عائشة الطلب في جميع ما وقفها عليه أحمد، ومن جملته ذهب الغزل، وأنكرت ذلك عائشة، وعلى أن يقبض الدراهم المتجملة في التركة من الكالئ ويبقى لها سائره إلى أن يثبت للمتوفي ما تقبضه منه بعد يمينها. وعلى هذا كله انعقد الصلح؛ فوجب نقضه لقول العاقد: على وعلي، ووجب

أيضًا نقض البيع في الكرمين وصرف ذلك؛ إذ لا يجوز بيع شيء من تركه الميت المورثة حتى يتأدى الدين. وكذلك قال مالك رحمه الله فيما رواه أشهب عنه فيمن توفي وترك مالاً قيمته ألفا دينار وعليه مائتا دينار دينًا، فباع بعض الورثة بعض الأموال لنفسه. وقال فيما بقي وفاء لما عليه من الدين. قال: لا يجوز ذلك البيع ويفسخ، ولا ميراث لأحد حتى يقضي الدين، ولعل تلك الأموال ستهلك قبل أن تباع ويقضي الدين، وما يقال أنه يبلغ ألف دينار لا يباع إلا بمائة. قلت: أرأيت إن استقام الأمر وجاء على العافية أيجوز ذلك البيع؟ قال: لا أرى ذلك يجوز، وأرى أن يرد البيع. هنا انتهت الرواية وقد ذكرت الدلائل والبراهين والرواية عن مالك، والله تعالى يوفق بفضله للرشاد، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. وجاوب ابن أبي عبد الصمدي: ما وقع في كتاب الصلح المدرج إلينا من بيع ثبات المتوفي وأثاثه والكرمين، فذلك كله عندي بيع صحيح نافذ؛ إذ البيع الواقع إنما كان لاجتماع تركه المتوفي، ولم يكن ليقتسمه الورثة ويتأخر الكالئ، وهو الذي ظهر فعلهم في كتاب الصلح، وسائر ما وقع في كتاب الصلح من الصرف الواقع في بعض كالئ عائشة، وما ذلك فه من أمر المملوك والفرس وقطع الدعاوي؛ فذلك كله مفسوخ منتقض لتأخر الصرف في الكالئ ببقاء اليمين على عائشة فيه، ولغير ذلك من العلل وارتباط بعضه ببعض، وترد عائشة ما قبضت من ذلك عند فسخه، ويرجعون في ذلك على رأس أمرهم. وينفذ فيه الواجب بينهم إن شاء الله تعالى. وجاوب ابن مالك: سيدي ووليي، ومن وفقه الله وعصمه، وأثبت في سبيل الخير قدمه: جواب الفقيه أبي محمد عندي جيد، وإن قادك الاجتهاد بعد الاستخارة إلى إمضاء الصلح وإنفاذ ما انبرم عليهم، فلك في ذلك سلف تصغى إليه ودلائله من الكتاب ووجه من الحجة والله يذهب برحمته عنا وعنك الزلل، ويرشدنا إلى أفضل الرأي والعمل، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. قال القاضي: الصواب في هذا فسخه؛ لأن مكروهة ظاهر، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرّم حلالا، وذكره ابن حبيب وغيره عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وفي سماع أشهب في التفليس فيمن له على رجل عشرة دنانير فجحده إياها وأقام شاهدًا واحدًا فقيل له: احلف مع شاهدك وخذ حقك فكره اليمين وخلا بغريمه، وقال له: إني قد علمت أنه لم يدعك إلى الجحد إلا العسرة فاطرح اليمين عني وأكتبها عليك إلى سنة. قال مالك: ما هذا بحسن؛ أرأيت لو قال له: أعطيك قرضًا، وفي آخر رسم سلعه سماها من هذا. وفي سماع أشهب: إذا جحده حقه فأراد إحلافه فقال: لا تحلفني، وأخرتي بها سنة وأقر لك. قال ابن القاسم: لا خير فيه وهو سلف جر منفعة ويفسخ، ويكون على رأس أمره، ولا يلزمه في الإقرار الأول شيء، وتأمل في الشركة في سماع عيسى في رسم يوصي لمكاتبه. ولابن القاسم في سماع أصبغ في كتاب الدعوى في رجلين اصطلحا فيما يدعيه كل واحد منهما على الآخر على أن رضي كل واحد منهما بيمين صاحبه فيما يدعيه، وطرحا ببنائهما، فمن حلف منهما على دعوى صاحبه سقط عنه، وإن نكل غرم بلا رد يمين أو برد يمين، فإن ادعى بعد ذلك شهادة أحد فلا شهادة لهم؛ قال: ذلك جائز لا بأس به. قيل له: فإن كان في هذا مكتوب فيما ثبت لكل واحد منهما على صاحبه فهو مؤخر به إلى أجل مسمى، فقال: لا خير فيه، ولا يعجبني، إذا كان شرطًا يلزم، وإن كان تطوعًا فلا بأس به. وقاله أصبغ كله، وقال: ولا أفسخ الذي أقر على أن يؤخره، وأمضيه إذا وقع، وأجعل له التأجيل، ولا أجد في حرامه من القوة والتهمة ما أبطله به، وإنما هو أحد وجهين: أن يكون حقًا عليه فهي نظره، أو يكون باطلاً ليس عليه فيتطوع به لأجل كالهبة والفدية والله أعلم. وهذا الذي وجدت الناس على إمضائه ولا أعلمه إلا وقد قاله هو أيضًا، ورجع إليه واختلف فيه قوله. وفي باب الصلح من أحكام الوضاحة: قال ابن حبيب: سألت مطرفًا وابن الماجشون عن الصلح يقع بما لا يجوز به التبايع، مثل أن يدعي على رجل حقًا فينكره

فيصالحه منه على سكنى داره سنة أو خدمة عبد مدة، أو على غلة داره قبل أن تعرف الغلة، أو يدعي قبله شعيرًا؛ فيصالحه به بقمح إلى أجل. فقالا: لا يجوز الصلح بشيء مما ذكرت؛ لأنه حرام صراح، والصلح به مفسوخ، فإن فات صحح على قابضه بالقيمة، كما يصح البيع الحرام، يفوت ثم يرجع على صاحبه في دعواه الأولى، إلا أن يستأنفا صلحًا آخر بما يجوز، وهكذا كل صلح حرام يفسخ أبدًا إلا أن يفوت فيصحح كما ذكرنا، واحتجا بالحديث المتقدم. قال مطرف: وما وقع به الصلح من الأشياء المكروهة التي ليست بحرام صراح، فالصلح بها جائز ماض. وقال ابن الماجشون: يفسخ بحدثانه، وإن طال أمد مضي. وقول مطرف أحب إلي، وقد رأيت أصبغ يجيزه كله؛ حرامه ومكروهه، وإن عثر عليه بحدثان وقوعه، وقال: هو عندي كالهبة، ألا ترى لو صالحه من دعواه بشخص لم تكن فيه شفعة؛ لأنه كالهبة، قال: وهذا في الحكم، وأما فيما بينه وبين الله فلا يحل له أن يأخذ إلا ما يجوز في التبايع. قال في: وقد حدثني سفيان بن عيينة أن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أتى بصلح فقرأه. فقال هو حرام، ولولا أنه صلح لفسخته. قال ابن حبيب: وما قدمت أحب إلى وإلي هذا الخلاف أشار ابن مالك في قوله في جوابه: إن رأيت إمضاء الصلح فلك في ذلك سلف تصغى إلى قوله، ودلالة من الكتاب، ويريد – والله أعلم – عموم قوله تعالى: (والصلح خير) (النساء: من الآية 128) ولم يخص، وكذلك قوله عز وجل: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) (النساء: من الآية 114). وأما رواية أشهب التي ذكرها ابن القطان فيما بيع من التركة قبل أداء الدين أنه يفسخ، وكذلك في الموازية والمجموعة. وقال سحنون في المجموعة: لا يعجبني والبيع تام، إن كان فيما بقي ما يؤدي الدين منه. وقد قال مالك رحمه الله فيمن حلف بحرية رقيقة ليقضين حقًا عليه إلى شهر، فهو من بيعهم ممنوع، فإن باعهم وقضى الدين قبل الأجل مضى بيعه؛ لأن اليمين قد زالت بالقضاء. ووقعت مسألة الحرية في هذا في سماع أصبغ في كتاب العتق، وفي سماع ابن القاسم

في النفس ما يؤدي قول سحنون في إجازة بيع ما باعه الوارث لنفسه من اتركه، فتأمله. دار ادعى فيها على من هي بيده فأنكر معاملة المدعي ثم أظهر ابتياعه إياها منه: من أحكام ابن زياد: فهمنا – وفقك الله – إنكار وليد أن يكون عامل سعدونا وأصبغ ومنذرًا بني فضيل في الدار التي قاموا عليه فيها، أو في شيء منها، وأقر أن الدار له وفي ملكه وهو في داخلها، وإثبات بني فضيل ملك الدار، وقيام وليد بكتاب ابتياع الدار منذر بعد إنكاره أن يكون عاملهم فيها بشيء: فالذي بجب في ذلك أن إنكاره لمعاملتهم يسقط ما قام به من الابتياع من منذر الدار، ويجب أن يخرج وليد عنها وتعقل حتى تستتم النظر إن شاء الله. قاله محمد بن عمر بن لبابة، وعبيد الله بن يحيى، ومحمد بن وليد. قال القاضي: قاسوا هذه المسألة على ما رواه عيسى عن ابن القاسم في المدين إذا أنكر معاملة طالبه من أثبت دفعه إليه وقضاءه إياه؛ لا تقبل بينته بعد إنكاره المعاملة من بيع أو سلف، وأما إن قال: ليس له على شيء، فلما قامت عليه البينة بسلف أو بيع جاء ببراءة من ذلك وشهود؛ فإنه يسقط ذلك الحق عنه. وقد فرق ابن القاسم في رواية عيسى بين الأصول والدين؛ قال في المدينة. سئل ابن كنانة عمن ادعى أرضا بيد رجل، فقال مالك: عندي أرضي ولا علمت لك أرضًا قط، فأقام البينة على أنها أرضه وأثبتها، ثم أقر الذي هي في يديه أنها أرض الطالب، قال: ولكني اشتريتها منك، وأثبت شرائي؛ فقال: تقبل ببينته وتكون له الأرض، ولا يضره إنكاره أولاً؛ لأنه يقول: كان حوزي ينفعني، وأصنع بالأرض ما شئت، ولم أقر، فيكون على العمل، وأعني نفسي - فذلك له، وليس كالدين يدعي عليه فيجحده. قال عيسى بن دينار عن ابن القاسم مثله: إذا كان له عذر في غيبة بينته، أو كان ممن يعذر بالجهالة فلا يضره إنكاره، وتقبل بينته إن كانت حاضرة، فهذا ابن القاسم قد فرق بين الأصل والدين، وكذلك فعل ابن كنانة، وعلى ذلك نقله ابن أبي زمنين في المغرب: أن الحقوق والأصول مختلفان، وكذلك كان يجب أن يكون جوابهم في الدار. ورأيت أن حسين بن عاصم روي عن ابن القاسم: أن الأرض كالدين لا تنفعه البينة إن نفي ملكه عنها، وأن ابن نافع قال: تنفعه البراءة والإثبات فيها، ولا يضره

الإنكار ورواه عنه ابن عصام أيضًا. فرواية حسين عن ابن القاسم تلائم جواب الشيوخ في السمألة، وبقي من أحكام تلك المسألة النازلة إذا قلنا إن إنكاره لا يضره، وأثبت ابتياعه للدار من منذر وحده، وثبتت له ولأخويه سعدون وأصبغ: أن ينظر؛ فإن كان إذ باعها منه قال له: هي داري، فالمبتاع وليد بالخيار في الاستمساك بثلثه أو رده؛ إذ قد استحق من يده أكثر صفقته، فإن استمسك به كان سعدون وأصبغ أخذه بالشفعة، وإن قال: أرد؛ فمذهب ابن القاسم أن لهما الشفعة إن أراداها، ولا يضرهما نقض البيع عن نفسه. وقال سحنون: إذا رد فلا شفعة؛ لأن البيع انتقض، وإن كان قال للمبتاع: الدار لي ولأخوي، وقد وكلاني على البيع، فأنكرا ذلك، فلهما أخذ نصيبهما، ويلزمه هو نصيب البائع منها لأنه على التبعيض خل، ولم يتوثق لنفسه، والله تعالى أعلم بالصواب. دعوى عجم أهل أبطليش على أسماء بنت ابن حيون: فمنها – وفقك الله – ما تظلم به عجم أهل أبطليش في بطاقتهم من امرأة تسمى أسماء بنت ابن حيون، وأمر الأمير – أصلحه الله – إياك بالنظر لهم في ذلك؛ فوجه النظر في ذلك أن تدعوا أولئك العجم الذي رفعوا البطاقة إلى الأمير – أعزه الله – بغحضار أسماء، وأن يتكلموا بمحضرها بما يدعون قبلها، ثم تسألها عما تكلموا به وتظلموا منها فيه، فإن أنكرتهم كلفتهم البينة على ما يدعونهن فإن أثبتوا شيئًا أعذرت إلى أسماء وعرفتها بمن شهد عليها وما شهدوا به، وأنك قبلتهم، فإن كان عندها مدفع نظرت فيه بما يظهر إن شاء الله تعالى، وإن لم تأت بمدفع وجهت القضاء عليها على ما تثبته عندك البينة، هذا وجه النظر بينهم فيما تطالبوا به، يعتدل للقاضي أن ينظر بخلافه. قاله ابن لبابة، وابن وليد. شوري في قصتهم أيضًا وقيام القومس عنهم بغير وكالة: قرأنا – وفقك الله كتاب اشتراه الرهبان من اسماء بنت ابن حيون سعيد المكتوب على ظهره عن الأمير – أعزه الله -: انظر لصاحب هذه الكتب نظرة استبلاغ على الحق والعدل، وسبيلهما الذي نزل يعرفك به، وعجل ذلك إن شاء الله. وأحببت - أكرمك الله – معرفة وجه انظر والمدخل إليه؛ فالمدخل إيه أن يحضر المشترون من أسماء، وتحضر أسماء ثم تكشف عن الاشتراء، فإن أقرت به لهم أخذت به، وإن أنكرت دعوى فالبينة على إثبات هؤلاء المشترين اشتراءهم منها، وإن وكلوا دونها

من يكشف أسماء، وثبت توكيلهم بذلك؛ قام وكيلهم مقامهم. وذكرت أن قومس العجمي قالك إنهم رهبان في أديارهم وأنا ولي القيام عنهم، فأوجدني السبيل إلى إثبات هذا الشراء عنهم من أسماء، وهذا – أكرمك الله – لا يجب في أحكامنا حتى يقدموا بأنفسهم أو وكيلهم عنهم، بعد أن تثبت وكالتهم ومعرفة أعيانهم، ولو قاموا أو وكيلهم وأثبت الابتياع من أسماء ولمن تحرف البينة أعيان المشترين؛ ما وجب لهم بذلك شيء، ولا وجب عليك الإشهاد لهم على أسماء إن لم تعرف البينة أنهم المشترون. قاله ابن لبابة، وابن وليد. قوم دفعوا رجلا عن أرضه وشجره عامًا أو عامين: كتبت بذلك إلى ابن عتاب، فكتب إلي: أن أثبت دفعهم إياه عن عمارتها ومنتهم له منها، ولم يكن سلطان يمنعهم من ذلك؛ فالكراء يلزمهم في الأرض والدور، وقيمة الثمرة إن لم تعرف مكيلتها، والقول قولهم في ذلك مع أيمانهم، إن لم تقع بينة على ذلك، وسواء في هذا زرعوا الأرض، أو لم يزرعوا، وسكنوا الدار أو لم يسكنوا؛ ذلك لازم لهم إذا أثبت منعهم له من ذلك. وأفتى ابن رشيق فقيه المرية: عليهم قيما ما اغتلوا من الثمرة، ولا كراء عليهم في الأرض إن لم يزرعوها، ولا في الدار إن لم ييسكنوها، وأصله وأصل ابن عتاب في هذه المسألة: مسألة من غصب مالاً – أوصلا أو غيرها، وهي مسألة اختلف فيها أصحاب مالك، فروي ابن القاسم عنه في المختلطة أنه إن لم يحرث الأرض ولا سكن الدار ولا أكراها؛ فلا شيء عليه في ذلك، وإن سكن وحرث وأكرى فعليه الكراء. قال: ولا كراء عليه في الحيوان والعبيد، وإن استغلها. وعنه في الحيوان في كتاب الآبق والوديعة نحوه: وفي الاستحقاق وكتاب الجعل خلافه، وفي الواضحة أن أكثر أصحاب مالك رحمه على خلاف ما رواه ابن القاسم، وأنهم يقولون على الغاصب في ذلك كله الكراء، وإن لم يسكن ولا زرع ولا أكرى، وهو الذي أفتى به ابن عتاب، وهو أولى بالصواب والظلم أحق من يجعل عليه. مسألة المنديل: كتبت إلى ابن عتاب فيمن دفع إليه رجلان منديلا وقالا له: يكون عندك حتى يعطيك هذا لأحدهما أربعة دنانير، وتدفعه إليه، فبقي المنديل عنده أزيد من سنة، ثم

أخرجه السلطان عن البلدة، ثم انصرف بعد مدة وطلب منه المنديل فزعم أنه تخلفه فقي داره عند إخراجه، ولا علم له بما حدث فيه، وأقر ابنه بأنه إعطاء الآخر يبيعه، فذهب به ولم يصرفه ولا ثمنه. فكتب إلى: على قابض المنديل قيمته بعد يمينه: ما قوته ولا أمر ابنه بذلك، ويصدق في قيمته إن أتى بما يشبه ويحلف، ثم يرجع الأب على الابن إن أحب، وله رد اليمين على صاحب المنديل في القيمة إن شاء الله – يريد أو في الصفة – وترتيب ذلك إذا حلف قد ضهب أن يصفه؛ فإن تصادقا في الصفة قومها أهل المعرفة وأدى القيمة، وإن اختلفا في الصفة فالقول فيها قول واضعة. وإنما رأى عليه ضمانه لتركه إياه مهملا، وكان ينبغي أن يضعه عند ثقة إذا خرج، وإذا (ب – 131) توجه الغرم عليه لهذا، وأقر ابنه بما تقدم ذكره فله اتباع الأب أو الابن بالقيمة، فإن أغرم الأب فله اتباع ابنه بقيمته يوم تعدى في إعطائه للبيع، واليمين تلحقه أيضًا: أنه ليس عنده، ولا يعلم له موضعًا والله الموفق. وكتب إلي فيمن قال لمطلوبه: أنا أرضي بيمينه يحلف على ما شاء، ثم نزع عن رضاه، وأراد إقامة بينة على مطلوبه. فكتب إلي ليس قوله: أنا أرضي بيمينه إسقاطًا منه لبينته، وله الرجوع عن مقاله، والقيام ببينته حتى يفصح بالترك لها، وإسقاطها، وهو ظاهر المدونة في كتاب الشهادات؛ لأنه قال فيها: إذا أحلفه وهو عالم ببينته تارك لها؛ لم يكن له قيام بها، وكذلك في كتاب آداب القضاة لمحمد بن عبد الحكم. وقد يسقط في بعض المواضع في المدونة وغيرها لفظ اترك، ويقول: إذا أحلفه عالمًا ببينته فهو ترك لها، وسمعت من يقول: هو خاف من قوله. وأفتى ابن رشق في هذه المسألة: إذا رضي بيمينه عالمًا بينة وهي حاضرة؛ لزمه ما ألزم نفسه من ذلك. وقد تقدم تمام في هذا المعنى بينا إن شاء الله. دعوى وإنكار ثم إقرار واعتقال دار: من أحكام ابن زياد: فهمنا – وفقك الله – الكشف الذي كشف عنه عبد الله بن محمد ابن شبطون فيما تخلفه ربيبته مؤمنة زوجة محمد بن شبطون المتوفاة، وتنويع سلمة بن نعيم الكشف في الحرث والأثاث والقرى والدور والأرض، وإنكار عبد الله جميع ذلك أن يكون يعرف منه شيئًا، وأن يكون عنده قيل أو كثير أو تحت يده منه شيء، وقيام عبد

الله بعد هذا الإنكار باشترائه من مؤمنة لجميع ما ورثته عن زوجها. فالذي يجب في ذلك إذ قد أنكر أن يكون يعرف شيئًا بما كشف عنه، وفي الكشف هذا الميراث، أو أن يكون يعرفه أو يكون عنده منه قليل أو كثير أو تحت يده منه شيء، فلا قيام له بعد هذا الإنكار؛ لأن إنكاره تكذيب لاشترئه؛ فإن شركه في هذا الاشتراء أخت كما ذلك الخص، فلها القيام في ذلك وتثبيت اشترائها؛ لأنها لم تنكر. قال بذلك محمد ابن لبابة. ووجب اعتقال الدار التي ادعى ابن شبطون ابتياعها من ربيبته مؤمنة، وما ثبت من الدار والقرية والبلغة للميت الموروث محمد بن شبطون إلى أن يستتم النظر في ذلك؛ إذ قد ثبت عندك موته وعدة ورثته. وقال أيوب بن سليمان: قد أجبت قبل هذا بمثل هذا الجواب في الكتاب الذي فيه الشكف والإنكار: أنه لا ينظر في كتاب اشتراء ابن شبطون، ولا يتلفت إليه بعد ما كان من إنكاره. وقال محمد بن وليد: الذي أجاب به الرجلان محمد بن عمر وأيوب بن سليمان في هذا من أنه لا يسمح من البينة على الاضتراء بعد ما تقدم من إنكار ابن شبطون لمعرفة الدار قولي وفتياي التي اعتقدتها، وأدين الله بها، وإياه فاسأل التوفيق للحق والعمل به. وقال يحيى بن عبد العزيز: قوي كما قال أصحابنا وفقهم الله. وقال عبيد الله بن يحيى بمثل ذلك: لا يلتفت إلى ما ادعى بعد إنكاره للمال أولاً. والله نسأله التوفيق. قال القاضي: اتفاقهم على هذا الجواب وتركهم للتفريق بين الأصول وبين سائر الحقوق؛ يدل على ما قاله ابن كنانة وابن القاسم في المدينة، والله أعلم، وقد ذكرناه قبل هذا في مسألة وليد وبني فضيلن والله الموفق للصواب. كفالة المرأة ذات الزوج بمال كثير وإقراضها الكثير من مالها: في كتاب الكفالة من المدونة: إذا تحملت لأجنبي بأكثر من ثلث مالها، وأنكر ذلك زوجها، فلها رده كما يرد عتقها وصدقتها، إذا كان ذلك أكثر من ثلث مالها بكثير. وأخبرني عبد الله بن موسى الشارقي أن أبا محمد بن الشقاق سئل: إذا أقرضت

أكثر من ثلث مالها، هل لزوجها رد فعلها؟ فقال: ذاك له لأنه من المعروف كالكفالة، ولا فرق ينهما. وقال صاحبه أبو محمد ابن دحون: ليس للزوج رد سلفها، وليس ذلك كالكفالة، لأن الكفالة هي المطلوبة بها، والقرض هي الطابة له. اتخاذ الحميل على من أقر بمال أو ثبت عليه: من أحكام ابن زياد: كشفنا من حضرنا من أهل العلم عما سأله محمد بن مروان ابن المنذر في اتخاذ حميل على بني سعيد بن عبد الوارث في الستة الآلاف، التي ثبت عندنا أنها كراء أرضهم المستحقة لهم بقرية كرتش طرفه، وقالوا: إن حضر بنو سعيد بكتاب ابتياع من القرشيين، وإلا أقاموا حميلاً بخمسة آلاف دينار وخمسمائة دينار؛ إذ قد أقر القرشيون بقبض خمسة مائة دينار منها أو حبسوا إن لم يقيموا حميلا. قاله جميعهم. وقال أبو صالح في فصل آخر: من وجب عليه حميل فلم يقدر عليه، فالحبس حميله، وقح حبس النبي (صلى الله عليه وسلم) رجلا وجب عليه إتمام عتق مملوك بإعتاق حصنه منه، وقال في الحديث: "حتى باع غنيمة له (¬1) ". وقال محمد بن غاب: الذي نراه أن يتخذ عليه حميلا بالمال توقعا في التنحي والهرب؛ فيذهب حق ذي الحق فإن لم يقوم حميلا حبس له، وأهل المشرق يقولون بالملازمة وأن يبارحه، وهذا القول قد رواه محمد بن سحنون عن أبيه، وقال به، وكذلك يجب مع ثبوت الحق بشاهدين إقامة الحميل؛ فإن لم يكن حميل فالحبس. وقال محمد بن وليد مثل ذلك. قال القاضي: وقال ابن العطار في وثائقه في كتاب السجلات: إذا لم يأت المطلوب بحميل ثقة بما ثبت عليه سجن للطالب، إن طلب ذلك، ولا يسجن إذا لم يقم حميلا بالخصومة في أول المطلب، ويقال للطالب: لازمه إن أحببت، وكن معه حيث تصرف. وفي وثائق ابن الهندي في هذا الوجه أن يسجن إن لم يقم حميلا بوجهه. وفي شهادات المدونة فيمن ادعى قبل رجل حقًا أو استهلاك متاع أو غصبًا، قال ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه عبد الرزاق في منصفه ج 9، ص 151.

ابن القاسم: ينظر السلطان فيه، فإن كانت بينهما مخالطة في دين أو تهمة فإما أحلفه، وإما أخذ له كفيلا حتى يأتي ببينة. وقال غيره في كتاب الكفالة: عليه كفيل بنفسه ليوقع البينة على عينه. وقال ابن القاسم فيه: لا كفيل له عليه وليطلب بينته، وهو خلاف قوله في الشهادات. وقال غيره في كتاب الشهادات: إذا طلب منه كفيلا قال له القاضي: هل لك بينة على مخالطة أو ظنة، فإن قال: نعم وقال: هم حضور؛ وكل بالمطلوب حتى يأتي الطالب بالبينة على ما يستحق به اللطخ فيما قرب اليوم وشبهه، فإن أتاه بهم – وغيبة شهوده على الحق بعيدة – استحق به اللطخ فيما قرب اليوم وشبهه، فإن أتاه بهم – وغيبة شهود على الحق بعيدة – استحلفه له ولم يأخذ عليه كفيلا، فإن أتاه بهم – وغيبة شهوده على الحق بعيدة – استحلفه له ولم يأخذ عليه كفيلا، فإن قال شهوده على الحق بعيدة – استحلفه له ولم يأخذ عليه كفيلا، فإن قال شهوده على الحق حضور، أخذ له منه كفيلا بوجهه لا بالمال ما بينه وبين الجمعة؛ فإن كان المطلوب في حيوان أو عروض وقت ذلك في هذه المدة. قال في كتاب الكفالة: قلت: فإن قال: أعطني وكيلاً بالخصومة حتى أقيم بينتي، قال: لا أرى ذلك عليه إذا لم يرد أن يوكل؛ لأنا نقبل بينة الطالب على المطلوب وإن كان غائبًا. قلت: فإن قال: أعطني كفيلا بالحق حتى أقيم بنتي، ولا أريد تعنيتًا قال: لا أرى ذلك إلا أن يقيم شاهدًا فيطلب كفيلاً بذلك له، وأنكرها سحنون؛ لأن الحميل المال لا يجب إلا بعد ثبوته. المطلوب يسأل التأخير لجمع المال: من أحكام ابن زياد: فهمنا – وفقك الله – الكتاب الذي حلف عليه ابن ملون زوجته، وسؤالها أن تأخذ له بما وجب لها، وقول ابن ملون: لست من أهل الناض غير أني أمضي إلى ضيعتي بحيان، وأعالج على بيعها، فيضرب لي القاضي من الأجل ما رآه لجمع هذا المال. والقاضي – وفقك الله – ليس عليه تأخير، إنما عليه الحكم والإعداء، فإن أبى الحبس حتى يثبت أنه لا مال له غير الضيعة بجيان، ويحلف على ذلك أيضًا، ولكن لو طلب إلى المرأة وأعطاها حميلاً لتؤخره إلى أن يبيع فأابته؛ كان حسنًا، فأما ينظرك فلا، إلا ما تخص به أنت الوكيل على الرفق بالرجل والإحسان، والله نسأله التوفيق والتسديد. قال القاضي: قوله: ويحلف على ذلك مختف فيه، أخبرني أبو محمد الشارقي عن أبي محمد ابن

دحون أنه كان يقول: لا يمين عليه إذا قال: أبيع من عروضي وأؤدي ديني، وكان يستدل يقول مالك رحمه في آخره سماع أشهب في كتاب الزكاة: وجل الناس ليس لهم؛ فقد قال الشارقي: وكان أبو علي الحداد يحالف في ذلك، ويقول: لابد له من اليمين أنه لا ناض عنده يؤدي منه دينه. وكان القاضي أبو بكر بن زرب يرى اليمني في هذا على غير التجار، وهو تنويع حسن إن شاء الله. المحبوس في الدين يسأل أن يعطي حميلاً حتى يبيع وكان قد أعطى الطالب رهنًا. نأتي أكرمكم الله – الفتيا بخطوكم فنعتقدها، ثم يأتي من أفتيتم عليه بشيء يسألني معاودتكم المشورة استقصاء له وتشفيعًا، فنرى إجابتهم إلى ذلك لئلا يكون لأخذ علينا حجة، وقد ثبت علي ابن حمدين لإبراهيم بن كثير حق، وبيد إبراهيم رهن مقبوض بحقه، ويزعم إبراهيم أن هذا الرهن لا يستتبع له إلا بكلفة ومؤنة مطالبة، وسأل أن يؤخذ له بحقه من ابن حمدين. فكشفتم عن الواجب في ذلك فأجبتموني أنه يقيم حميلا بالمال، ثم أجل عليه أجلاً أوسع عليه فيه ليبيع الرهن أو ما شاء بيعه من ماله؛ إذ كان من غير أهل الناض، فإن لم يجد حميلا بالمال حبسته حتى يقضي الله عنه ما عليه، فلم يجد حميلاً بالمال فصار محبوسًا منذ شهر، وخرج إلى منذ يومين بملطى يسأل وجهًا من وجهين: إما أن أقبل منه حميلاً بالمال فصار محبوسًا منذ شهر، وخرج إلى منذ يومين بملطي يسأل وجهًا من وجهين: إما أن أقبل منه حميلاً بالوجه، أو أخرجه لملطي في عرض أمواله، فما استباع منها قضى أثمانها عن نفسه، فلما رمت ذلك عند أهل الحبس، زعموا أنهم لا يجدوا ملطيا يثقون به، وابن حمدين يرى أنه ينتقص من حقه إن لم يقض له ما دعا إليه، فإن كان ما طلب حقًا له أنفذت ذلك، وكان الحق أو ما اتبع، في وإن رأيتم صونه في الحبس إلى أني قضى ما عليه الحبس تنفيذًا لقولكم، وقوفًا عند ما تفتون به في ذلك. الجواب: أما ابن حمدين - رضي الله عنه وأرضاك – فإن كثر في غير ما يجب له، ومن لم يجد حميلا فالحبس حميله، حتى يقضي ما عليه، وليس ينفذ الحق إلا هكذا، وأنت – والله نسأله

حياتك – ممن علمنا أنه لا يلين لأحد في الحق؛ فليكن بالحالة التي هو فيها حتى يقيم حميلاً ثقة. قال بذلك محمد بن غالب. وقاله محمد بن وليد، وقال: ليس يلزم المرتهن بيع الرهن على حال إلا أن يشاء، وإنما تؤخذ الرهون وثيقة بالحق من الذي عليه لأداء ما عليه. وقاله ابن لبابة. وقال عبيد الله بن يحيى: الذي رأينا أخذ حميل ثقة على ابن حمدين بالمال، أو يحبس حتى يقضي ويؤخر بيع رهنه، وقضاء ما عليه فإن الدوابي من بيع الرهن أمرت ببيع الرهن، وقضاء صاحب الحق حقه. وقال محمد بن لبابة مثل ذلك: أن تأمر ببيع الرهن؛ لأن في كتاب ارتهان إبراهيم أنهم ألدوا؛ كان لإبراهيم بيع الرهن، فلا لدد أظهر من صار في الحبس ولا يظهر منه نظر. وقال أيوب بن سليمان: الذي نعلمه من قول مالك وأصحابه: أن الراهن إذا لمي قض ما عليه باع السلطان الرهن وقضى المرتهن، فإن باع المرتهن وأصاب وجه البيع، مضى بيعه، ولا نعلم في شيء من قولهم في هذا الرهن حبسًا ولا حميلاً، وهذه أقاويلهم قائمة. وقال سعد بن معاذ: مالك يقول: ليس إلى المرتهن ببيع الرهن إلا بأمر السلطان أو الراهن، فإذا أمرت – رضي الله عنك – بالبيع فلم يبيع وألَلدَّ؛ فالحبس واجب عليه أبدًا، حتى يؤدي؛ إذ هو من أهل الأداء؛ لأن عرضه فيه كفاية. وقد روى ابن القاسم عن مالك: أن المرتهن ليس إليه بيع الرهن دون السلطان، وأنت قد أمرت الراهن بالبيع ولم يفعل، وهو من لدد؛ فالحبس عليه واجب، إلا أن تقوم له بينة بالعجز في البياع، إن كان الرهن بموضع يمتنع من البيع، فيكون ذلك عذرًا، وإن أقام حميلا، فجميع ما عليه أطلق من الحبس. وقال يحيى بن عبد العزيز بمثل قول محمد ابن غالب ومحمد بن وليد. قال القاضي: هذه الأجوبة كلها عند التحصيل غير سليمة من الاعتراض، ومنع من بسطه كراهة التطويل، والمنع في اتفاقهم على سحنه، ولا مانع من الحكم ببيع رهنه، وإنصاف المرتهن من ثمنه، وهو جواب أبي صالح. ولو قالوا: يحضر المرتهن الرهن، ويحضر الراهن، فإن اتفقا على عين الرهن قبل

للراهن: أقض حق المرتهن وافتك رهنك، فإن امتنع وكل به وأخرج الرهن إلى السوق واستقصى في ثمنه وبيع بمحضره، وقضى الراهن دينه، وإن شح ببيع الرهن ووعد بالأداء من غيره أجل في ذلك أجلا ق ريبًا، وأخذ بالحميل إليه، فإن أنصف وإلا بيع الرهن كما ذكرنا، وفي هذا الحميل لابن القاسم وغيره من المتأخرين خلاف. كتبت إلى شيوخنا بقرطبة سنة ست وخمسين وأربع ومائة في المطلوب بمال ثبت عليه يسأل التأخير ينظر فيه وهو ذو أصول مأمونة فيسأله الطلب حميلاً بمال، هل يلزمه ذلك أم بالوجه على ما يفتي به فقهاء طليطلة ملائه، ويحتجون بما رواه أبو زيد عن ابن القاسم في كفالة العتبية، فيمن عليه دين وله مال غائب يعلم غرماؤه ذلك فقالوا: أعطنا حميلاً حتى يقدم مالك – قال: ليس يلزمه ذلك إلا أن يخافوا أن يهرب أو يغيب. فكتب إلى الشيخ أبو عبد الله ابن عتاب: يلزمه إقامة حميل بالمال لا بالوجه – كان ذا أصول أو لم يكن – وبه جرى العمل ورواية أبي زيد ضعيفة خارجة عن الأصول، والمسألة التي قبلها كذلك، وكثير من روايته كذلك. إلى هنا انتهى جوابه. ثم تكلمت معه عند اجتماعي به فقال: يلزمه الحميل، ولو كان قد رهن الطالب رهنًا وقبضه منه، أو كان على يدي عدل، وهذا كان مذهب الشيوخ – يريد ما تقدم من قولهم الذي قلناه من أحكام ابن زياد. وأفتى أبو مروان بن مالك: إذا كان المطلوب معروف العين مشهورًا مع ما ذكرت من ظهور ملائه بين الوفر ظاهره، فلا أرى الحميل بالأمر اللازم، وإنما معنى الحميل التوثق للطالب بحمالة من هو أوثق من مطلوبه، وهو لم لم يثق فأعطى جميع حاله كحال المطلوب في سؤالك؛ لم يكن للطالب إياه، فما معنى الحمالة ههنا؟ وإنما كان سحنون يرى على قاتل الخطأ الحميل لتشهد البينة على عينة في رجل غير مشهور – هذا معناه عندنا. وقولهم في نص الرواية: إن كان الذي يدعي مالا ولا مال للمطلوب ظاهرًا، أعداه القاضي بحميل، كان قد ناشيه الخصومة أولا – يدل على ما ذهبت إليه في جوابي هذا. وبالله التوفيق. هاهنا انتهى جواب ابن مالك رحمه الله. ولسحنون في كتاب ابنه أنه كان يحبسه ما لم يعط حميلا لخصمه إذا وجب عليه

حميل، وكتب إليه في رجل بعث معه بما ليوصله إلى رجل فيتعدى فيه فينفقه، ثم يعترف به عند الحكم ويقول: هذا ريعي أبيعه، فيعرض فلا يجد من يشتريه، فطلب منه الطالب حميلا بوجهه؛ هل ذلك ع ليه؟ وهل يحبس إذا لم يجد حميلاً؟ فكتب: لا حميل على هذا ولا حبس، إذا بدل من نفسه هذا، ولم يتهم، وإنما يحبس المفلس يتهم أن يخفي مالا، قيل له: فإن أعرضه فلم نجد من يشتري، وزعم الطالب أنه يقول للمشترين: لا تشتروا. وأرأيت إن قال للحكم: بع أنت ربعي وادفع إليه؟ قال سحنون: يدعو الحكم إلى ضيعته وينشدها ويستقصي، ثم يبيع بالخيار، عسى أن يزيد زائد، فإن لم يجد إلا ما أعطى باع وأعطى الطالب حقه. هذا من قول سحنون، لو احتج به ابن مالك لكان أبين وأظهر فيما ذهب إليه، وهو نحو رواية أبي زيد، وكله خلاف ما ذهب إليه ابن عتاب والشيوخ قبله. غريم طال سجنه فسأل القاضي أن يطلقه: فهمنا – وفقك الله – من سجن ابن أبي البهلول وما سأل من إطلاقه؛ إذا طال حبسه لامتحانك ملاءة من عدمه، وقلت: إنك امتحنته ببينة عدلة؛ شهدت بعدمه، فالذي يجب إذا صح عندك عدمه أن يطلق من حبسه بعد يمينه بالله: ما له عرض ولا قرض، ولئن رزقه الله تعالى مالاً ليؤدين، ثم يقال لغريمه: إن زعمت أن له مالاً فأثبته تقضي منه دينك؛ في قد وجب إطلاقه، ولا يحل حبسه بعد هذا الامتحان. قال ابن لبابة، وعبيد الله بن يحيى، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد، وسعد بن معاذ، ويحيى بن عبد العزيز قال القاضي: هذا ألصل في كتاب المديان من المدونة، وفي سماع عيسى، وفي سماع أبي زيد، وفي كتاب ابن حبيب، وغيره. في غريم غيب وجهه وسأل طالبه من القاضي رسولاً يعينه في طلبه: فهمنا – وفقك الله – ما ذكرته بما نظرت به لابن أيوب على ابن حامد، وسجلت به عليه من ثبوت دين ابن أيوب، وأن إسحاق بن حامد لما أخذه الحكم غيب وجهة وذكر طالبه ابن أيوب الصانع أن ابن حامد تظاهر ببعض المواضع، وسأل ابن أيوب أن يعطي رسولا يعينه على طلب ابن حامد وجليه إليه. فالذي يجب في ذلك عندنا: أن يعطي ابن أيوب رسولاً يعينه على طلب ابن حامد

وجلية إليك، فإذا قرب إليك طلبته بقضاء دين ابن أيوب معجلا، فإن أبى من غرمه معجلا أمرت بحبسه حتى يؤديه. وهكذا قال مالك في كتاب القضاء في البيوع من موطأ ابن وهب: سمعت مالكًا يقول في الرجل يكون عليه الدين، وهو موسر للقضاء فلا يقضي – قال مالك: يحبسه الإمام حتى يقضي دينه. وابن حامد حسن المركب والملبس ظاهر الماء، وأحد الولاة فإنه ادعى أنه عديم وأنه ليس من أهل الناض، وسأل أن يؤجل بحميل بالوجه أو مال، فلا يقبل منه الحميل ويحبس حتى يقضي ما لزمه لابن أيوب من الدين من الحبس، أو يثبت عدمه عندك من الحبس؛ فتأمر عند ذلك بإحلافه في مقطع الحق: بالله لاذي لا إله إلا هو ما له مال غيبه، ولئن رزقه الله مالاً ليؤدين منه دين ابن أيوب، فإذا حلف أطلق، وإن أثبت أنه ليس من أهل اناض وثبت له ملك دار أو ريع؛ أمرت من يبيع من ذلك بقدر دين ابن أيوب. وفي كتاب أقضية سحنون: سألت سحنونًا عن الرجل يجب عليه الحق بحكم حاكم به عليه، فيقول: أنا فقير، وليس ظاهر فقير، ويأتي بشهود على أنه فقير، لم يزكوا عند الحكم؛ هل ترى أنه يأخذ عليه حميلاً حتى يزكي شهوده؟ أم يحبسه الحكم حتى يزكيهم؟ قال سحنون: بل الحبس في السجن حتى يزكى شهوده. وبما قال مالك وسحنون رحمهما الله في هذا القول، وبه نشير على القاضي أكرمه الله، في ابن حامد وابن أيوب، ونسأل الله تعالى للقاضي العون ما قلده، والتوفيق فيه. قاله محمد بن وليد، وعبيد الله بن يحيى، وابن لبابة. وقال خالد بن وهب: الفتيا المعروفة من مالك وأصحابه: ما قد كتبت به إلى القاضي – وفقه الله – وقال أشهب: وسأل ابن كمنانة مالكًا لان غانم: عن الرجل يتعدى على غريمه في دين له عليه: أيحبس له؟ قال: نعم، اكتب إليه يحبس له بالمعروف، إلا أن يكون معروفًا بأن لا شيء له، فلا يحبس. قال ابن القاسم عن مالك: وإذا تبين الألداد للقاضي من الغريم حبسه، قال سحنون: نعم ويؤديه بالضرب الوجيع. قيل لابن القاسم: ما قول مالك في الألداد؟ قال مالك رحمه الله: إذا كان له مال فاتهمه السلطان أن يكون غيبه؛ فإنه يحبس أبدًا حتى يوفي ما عليه من الدين، أو يتبين

للقاضي أنه لا مال له فيطلقه ويحلفه بالله، على ما تقدمت به الفتيا قبلي ولا حمالة له هنا، إنما يقضي عليه السلطان بالحق معجلا، ثم إن شاء صاحب الحق أن يؤخره أخره، فإن تورك عن أدائه إيه إذا أراد أخذه منه؛ حبسه له السلطان حتى يوفي أو يموت في الحبس. هذا الذي نقول به، والله الموفق للصواب والهادي إليه. وقاله عبيد الله بن يحيى، ومحمد بن وليد، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن لبابة، وغيرهم. قال القاضي: في أول كتاب المديان من المدونة قال مالك: لا يحبس الحر ولا العبد في الدين، إلا إن حبسه ليستبرئ أمره، قدر ما يتلوم من اختباره ومعرفة ماله، أو يأخذ عليه حميلاً، وهذا خلاف ما تقدم من جوابهم: سجن ابن حامد حتى يثبت من السجن عدمه. وسئل سحنون عمن وجب عليه دين فسأل أن يؤخر يومًا أو نحوه، قال: يؤخر ويعطي حميلاً بالمال، فإن لم يحد حميًا بالمال إلى يوم، ولا وجد المال؛ سحن وهذا خلاف قولهم أيضًا: إن أبي من غرمه معجلاً؛ أمرت بسجنه حتى يغرمه. واحتجاجهم بقول مالك في موطأ ابن وهب غير موضعه؛ لأن ظاهر قول مال فيه أنه هو في مليء؛ لأنه قال عن الغريم: هو موسر للقضاء، فلا يقضي، وليس في مسألة ابن حامد مثل ذلك. وكذلك قول سحنون الذي ذكروه في الذي يقول: أنا فقير، وظاهره بخلاف قوله ودعواه – لا يطابق مسألتهم؛ إذ ليس فيها ادعاء فقر، وما ذكرناه عن سحنون في إعطاء الحميل بالمال وتأخيره به اليوم أولى بمسألتهم، وبه جرى العمل والفتيا من شيوخنا ومنا. وقد ذكرنا ذلك عنهم في باب العيوب، وهو قول مالك في تأخير المطلوب بما يطلب به؛ لينظر فيه. قال في كتاب الشفعة من المختلطة، في الشفيع يريد الأخذ بالشفعة، ولا يحظر النقد: قال مالك: رأيت القضاة عندنا يؤخرونه في النقد اليوم اليومين والثلاثة. قال ابن القاسم: ورأيت مالكًا استحسنه، وأخذ به ورآه. وفي تفسير ابن مزين مثله. وقال ابن الماجشون في الثمانية: يؤجل العشرة أيام ونحوها. وقال أصبغ: الخمسة عشر والعشرين بالاجتهاد. وفي سماع ابن القسم عن مالك رحمه الله في المكاتب يقاطع إن

جاء بذلك إلى الآجل، وإلا أخر شهرًا أو نحوه، كما يؤخر الغريم، فإن جاء به، وإلا فلا قطاعة له. وفي مختصر ابن عبد الحكمي: كل مطلوب بحق قد حق عليه يؤخر قدر ما يرى حين ينزل، يؤخر إلى أربعة أيام أو خمسة، وذلك مختلف في كثرة المال وقلته، وهو على قدر اجتهاد من نزل ذلك به. وهذه نصوص من قول مالك رحمه الله وأصحابه في تأخير الغريم بما يطلبه به، وهؤلاء أجمعوا في ابن حامد أن يضطر بالحبس إلى الأداء معجلا، وقالوا في جوابهم قبل هذا في مسألة ابن ملون: ليس على القاضي تأخير، إنما عليه الحكم والإعداء، فإن أبى فالحبس، ومالك وأصحابه قد جعلوا إليه التأخير الاجتهاد فيه، وقد جرى في مساع عيسى وسماع يحيى في الحميل بمال إذا حل أجله، لا يؤخر إلا يرضي صاحب الحق، وهو كالغريم، وهو كلام محتمل للتأويل، والذي قدمناه هو البين. والله أعلم. من رأى مال ميت يباع ثم قام بذكر حق عليه: نظرنا – أكرمك الله – فيما شهد به لبنات رزق على أبيهن، وفي موت زرق وثبوت عدة ورثته، وما ادعاه عبد الله بن سهل وكيل فاطمة بنت رزق أن أخواتها هؤلاء، قد بعن أنصبائهن من الدار التي توفي رزق عنها، وفي قوله: إن رزقًا لم يترك مالا سوى هذه الدار. فالذي نقول به – والله الموفق إنه للميت غير الدار وباع هؤلاء البنات القائمات، وقد علمن بذكر الحق فمن به، فقيامهن باطل ساقط، وإن كان للميت غير هذه الدار، وقلن: إنهن لم يعلمن بالكتاب، أو علمن وقلن: إنما بعنا نصيبنا من الدار؛ إذا علمنا أن فيما سواها من ماله وفاء بحقنا؛ حلفن على ذلك، وأخذن ما وجب لهن فيه على ماضي السنة، في إقرار أبيهن لهن. قال به أيوب بن سليمان، وعبيد الله بن يحيى، ومحمد بن لبابة، وسعد بن معاذ، وابن وليد، ويحيى بن عبد العزيز. قال القاضي: لسحنون في نوازله في كتاب التفيس فيمن مات وعليه دين لقوم شتى، فأثبت بعضهم دينه عند السلطان، وباع ماله لهم وقضاهم حقوقهم، فقام آخرون يريدون الدخول معهم فيما اقتضوا. قال: ذلك لهم يدخلون عليهم فيأخذون منهم قدر حقوقهم، لا يضرهم أن يكونوا

علموا بموت صاحبهم ويبيع ماله لغرمائه، لأنهم يقولون: كنا على حقوقنا وعلمنا أنه لا يبطلها قيام أصحابنا، قيل له: فما الفرق بينه وبين المفلس ببيع السلطان ماله لبعض غرمائه، وبقيتهم حضور ولا يقومون – لم ير لهم الدخول على الذين أثبتوا حقوقهم. وفي هذه المسألة في المدونة قولتان: فقال: إن المفلس له ذمة تتبع، والميت قد انقطعت ذمته؛ فلذلك رأيت لهم الدخول على أصحابهم. هذا سحنون قد رأى لباقي الغرماء الدخول مع من بيعت له تركه الميت، ولم يضرهم عند سكوتهم، ولا قال: إنهم يحلفون. والمسألة تعطي أنه لم يكن للميت مال غير المبيع للغرماء، وكذلك النظر في مسألة رزق، إذا كان للميت دار غير الدار المبيعة ألا يحلف بناته أنهن إنما يغن علمهن أن فيما سوى الدار من ماله وفاء، وألا يسقط قيامهن إذا لم يكن له مال غير الدار؛ لأنهن يقلن بعنا لنحتسب حقوقنا في ثمن ما بعنا، وجوابهم كله خلاف لقول سحنون. وفي سماع عيسى: إذا اقتسم ورثة الميت ماله، والغريم حاضر ينظر، ثم قام بعد يذكر الحق، فلا شيء له، إلا أن يكون له عذر في تركه القيام من سلطان يثقونه به وشبهه؛ فيكون على حقه وإن طال زمانه لقوله (صلى الله عليه وسلم): "لا يبطل حق امرئ مسلم وإن قدم (¬1) " ولست تشبه مسألة بنات رزق هذه؛ لأنهن الوارثات البائعات القائمات بالحق، والله الموفق للصواب. في مال وجد في الديون على محمد بن يحيى: فهمنا – وفقك الله – توقفك عن اعتقال ما هلك عنه محمد بن يحيى للمال الذي عليه في الديون مكتوبًا، وإنما كان لظهرو ملأ محمد بن يحيى، وإذا لم يشك أن في رقاب أمواله أضعاف ما عليه من الديون، وذكرت أنه انكشف على محمد ديون كثيرة، وأحببت أن تعرف وجه المدخل إلى اقتضاء ما عليه، فالمدخل إلى ذلك أن تأمر ابنه البائع وأمه أن يحضراك ما على محمد في الديوان مكتوبًا، وبعد أن تعرفهم به، وما تنقطع الحجة فيه ويجب غرمه من تركته. فإن حضراك بذلك خصمته إلى الديون، وصنعت فيه ما صنع في أموال الديوان، ¬

_ (¬1) هذا الحديث لم أعثر عليه.

وإن لم يحضراك به ولا دفعا فه بما يكون مدفعًا أمرت أن يعتقل من رباعه ما لا يشك أنه إذا بيع قضى من ثمنه كفاف دين محمد الموجود عليه في الديوان، ويوكل القاضي وكيلاً يدخل المال الذي يعقته في المناداة، فإذا انتهى منتهاه باعه، فإن كان كفاف الدين الذي على محمد فذلك، وإلا بيع من ماله ما يتم به ما عليه من الدين، فهذا ما يجب للقاضي فعله، وقد علمنا أنه لم يكن منه تقصير فيما أفاه على محمد بن يحيى في الديوان، ولا عليه فيما نظر به في ذلك درك؛ لأنه نظر فيه نظر استقصاء واجتهاد. قاله ابن وليد، وأيوب بن سليمان، وابن لبابة ويحيى بن عبد العزيز. إقرار ابن مزين بما كان على أخيه في الديوان: نظرك – أكرمك الله – فيما كان من إقرار ابن مزين بالعدة التي ألفيت على أخيه حسن في الديوان فأقر أنها صارت إليه، وأنها تحت يديه يغرمها إذا دعوته بها، وما شهد به عليه من ركوبه لبلغه حسن بسرجها ولجامها، حين أنضاها. فوجه الفتيا في ذلك أن يوقف جعفر على ركوب هذه البغلة التي لأخيه حسن، بأي معنى ووجه، فإن أنكر ذلك أو أقر بركوبها، ولم يذكر أنه ضمنها، وصار ثمنها عنده للمال الذي ذلك إقراره به أنه عنده، المدون عليه في ديوان القضاة، وجب عليه غرم قيمة البغلة بسرجها ولجامها وغرم المال الموجود على أخيه في الديوان بعد الإعذار إلى ورثة حسن في ذلك، إن كان فيهم من يعذر إليه، وإن لم يكن فيهم من يعذر إليه أخذ به وأرجئت الحجة لبني حسن. وإن قال: إنما أخذت البغلة وتضمنتها وحبست ثمنها لهذا المال الموجود عليه في الديوان، ولذلك قلت إنه تحت يدي، ولم يوجد لقوله خلاف يثبت؛ حلف في مقطع الحق بالله على ما ادعاه، فإن كانت قيمة البغلة بسرجها ولجامها أكثر من ذلك؛ أخذ لورثة حسن، إن كانوا صغارًا. قاله ابن لبابه، وابن غالب، وابن وليد. قال القاضي: هذه المسألة كلها ظاهرة الاختلال بينة النقصان، وأول ما كان يجب من النظر فيها أن يثبت عنده موت حسن، وعدة ورثته، ومن منهم كبير وصغير، وهل على الصغير ناظر بإيصاء أم لا؟ فإن كانوا صغارًا أو منهم ولا وصي عليهم، قدم عليهم ناظرًا، ويشهد على ما في الديوان قبل مورثهم، ويعذر في ذلك وفيما أقر به عمهم من تصبير ذلك المال إليه والتزامه للبغلة وثمنها.

فإن كان عند المعذر إليه من ناظر أو وارث مدفع أو شيء يظهر؛ نظر فيه بما يجب، فلعل عند الورثة براء لموروثهم من ذلك المال، ويرجع إليهم طلب الذي أقر به جعفر أنه تصيير إليه، والبغلة التي ركبها بسرجها ولجامها، وإن لم يكن عنده مدفع ولا بأيديهم براءة من ذلك المال، أخذ به جعفر بالبغلة بسرجها ولجامها، ولا بصدق أنه إنما أراد بإقراره أن ذلك المال صار إليه، وتحت يديه لإعداد البغلة لذلك، بل ذلك المال لازم له في مال وذمته ولتعديه في أخذه من التركة. والجواب بعد هذا خطأ؛ لأن قوله: صار ذلك المال إلى وتحت يدي: إقرار بين، لا إشكال فيهن فإن ادعى بعد ذلك غيره من قبضه البغلة؛ ليؤدي ثمنها في ذلك لم يصدق، والله الموفق للصواب لا شريك له. اعتقال مال من مات وعليه في الديوان مال: فهمنا – وفقك الله – ما ذكرته من أنه ثبت عندك في الديوان على مروان بن الحريض مال عظيم، وأنه لما مات مروان لم تأمن تهب ورثته لماله الذي تخلفه من ناقض وطعام وغيره، وأحببت أسعدك الله أن تعرف رأينا في اعتقال ذلك لما ذكرته حتى يأتي نظرك فيه بواجب الحق، إن شاء الله تعالى. فالذي نقول في ذلك: أن اعتقال ماله صواب ونظر وحوطة. قاله محمد بن وليد، وابن لبابة، وأيوب، وابن غالب. ومن هذا المعنى: فهمنا – وفقك الله – ما شاورتنا فيه من جمعك للأموال المودعة عند الأمناء الذين تودعهم إياها وتوديعك إياها عند جماعة من الناس الذي ذهبت إليه من أن ذلك أحزم فيها وأحرز لها؛ فالذي نراه أن توديعها على أمانات الرجال أحرز لها وأحزم نظرًا وتحفظًا. قاله ابن لبابة، وابن وليد. مال وجد على ابن وملون في الديوان ولم توجد له براءة منه: فهمنا – وفقك الله – ما ذكرته من وجودك في الديوان على محمد بن رملون من المال المدون عليه ممن كان من القضاة قبلك، ولم تلف له براءة من شيء منه من واحد منهم. فالذي يجب في ذلك أن يؤخذ من ماله بعد الإعذار إلى ورثته، فإن لم يأتوا ببراءة

من شيء منه يثبت عندك لزمت ماله ذلك؛ لأن من كان عليه في ديوان القضاة مال، لم يسقطه عنه إلا البراءة الثابتة بالبينة العدلة، وكل حبس هو بيده مما هو في ديوان القضاة، وكان صرف إليه النظر فيه؛ فواجب عليك – وفقك الله – ضمه إلى من قدمته على أحباس المسلمين. قاله ابن لبابة، وعبيد الله بن يحيى، وأبوب بن سليمان، وابن وليد. ومن هذا المعنى مسألة أبان: فهمنا ما ذكره القاضي – أكرمه الله – أنه ألقى في الديوان مكتوبًا على محمد بن أحمد ابن أبان عدة من مال وضعها على يديه النظر ابن سلمة، إذ كان قاضيًا بقرطبة لجامع بن عمير، وثبت عندك موت جامع وعدة ورثته وإقرار ابن أبان بالمال على حسب ما ألفيته في الديون، وأعذرت إليه فلم يكن عنده مدفع إلا ما قال: إن نقود النسا تفسد على الإقامة، فلما خشيت فسادها أنفقتها وصارت مضمونة علي، وسألك أن تؤجله آجلاً ببيع من رباعه فيها ما يؤدي منه ذلك المال، وأحببت معرفة ما عندنا فيه. فالذي نقوله: إن من ثبت عليه دين فلم يكن من أهل الناض، أنه يؤجل في بيع ريعه الشهر، وأكثر إلى الشهرين، فهذا ما عندنا. قاله ابن لبابة، وابن وليد. مال مكتوب في الديوان طلبه ورثة ميت: ألغيت – رحمنا الله وإياكم – في الديوان مكتوبًا عنده باسم فتح مولى سليمان، المعروف بابن بيرة، فقام عندي من ادعى أنهم ورثته، وأثبتوا عندي موته وأنهم ورثته. وفي شهادة الشهود. أن المال الذي في الديوان باسم فتح مولى ابن بيرة فتح هذا الميت، الذي شهدوا على معرفة عينة وموته وعدة ورثته ميراثًا؛ فقبلت شهادتهم. فهمنا – وفقك الله – ما سألت عنه من ميراث فتح، وما ذكرت ثبوته عندك من موته وعدة ورثته، وأن المال الموقف في الديوان هو ماله، فالذي يجب في ذلك أن تبرأ به إلى ورثته بعد أن تثبت أعيانهم وعندك، وتكتب لهم بذلك كتابًا بما يثبت لهم، يكون على نسختين؛ نسخة في الديوان، ونسخة بأيدي الورثة. قاله بن لبنابة، وأيوب بن سليمان، وعبيد الله، وابن وليد. من أوقف القاضي عنده مالاً لقضاء دين به إلى قاضي بعده: فهمنا – وفقك الله – الكتاب الذي قام عندك عبد الله بن بسيل، وفيه ذلك بيع دار يوسف بن بسيل بأمر سليمان بن أسود، إذ كان قاضيًا بقرطبة، والأمر بإيقاف ثمنها على

يد ابراهيم بن محبب، لقضاء دين يوسف، وما ذلك عبد العزيز من أن المال صار موقوفًا إلى هذه المدة، وسألك النظر فيه. فيجب أن يثبت الكتاب الذي قام به، وتعذر فيه إلى من وجب، وهم ورثة يوسف بعد ثبوتهم، وثبوت موت ابراهيم بن محبب، وعدة ورثته، ثم تعذر إليهم، فإن كان عندهم فيه مخرج نظرت فيه بما يظهر لك، وإن لم يأتوا بمخرج، وثبت لإبراهيم مال أخذت هذه العدة منه، ووقتها على ما يجب حتى يثبت فيها، وما تستكمل به النظر، إن شاء الله. قاله ابن لبابة، ومحمد بن غالب وأيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد. رجل لزمته قبالة أحباس فاعتلقت داره، وثبت عدمه، وقام رجل وأثبت ابتياعه للدار: وشاور فيها قاضي الجماعة بقرطبة محمد بن يحيى بن برطال خال ابن أبي عارم، وكانت هذه الدار دار سكنى المطلوب، وذكر صاحب الأحباس أن بيع هذه الدار، التي أثبته القائم لم يكن صحيحًا، إنما كان توليجًا بدليل ظهور المحاباة في ثمنها. فأفتى محمد بن أحمد بن عبيد الله بن العطار: يا سيدي وولي، ومن أبقاه الله وسلمه وأدام نفعه: يحلف المسجون في المسجد الجامع عند مقطع الحق فيه: أنه لا مال له ظاهرًا ولا باطنًا يعمله ولئن وجد وفاء ليقضين منه ما يلزمه، ثم تطلقه مأجورًا من سجنك، وتكلف صاحب الأحباس إثبات ما ذكره من المحاباة في البيع، فإن أثبت ذلك كان الدين أولى بالمحاباة، إن كان الدين بعد البيع؛ إذ لم تخرج الدار عن يد بائعها، وإن كان الدين قبل البيع ردت المحاباة، قبضت أو لم تقبض، ويحلف المبتاع في الوجهين جميعًا: أن ابتياعه كان صحيحًا، ولم يكن توليجًا، وأنه دفع الثمن المذكور، وبرئ من دعوى التوليج إن شاء الله تعالى، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. وقال يونس بن عبد الله بن الصفار مثله. وقال يحيى بن واقد: إن أثبت صاحب الأحباس المحاباة في بيع الدار، فالبيع مردود بذلك الثمن، والدين أحق بالزائد على الثمن الذي انعقد التبايع به، كان الدين قبل البيع أو بعده، إذا ثبت عندك سكنى المسجون في الدار إلى حين القيام عليه لأن هبة المديان غير جائزة، إذا أحاط الدين بماله، وان لم يفلس، وكذلك هبة الذي لم يجز عنه حتى فلس، وعلى المبتاع اليمين أن الابتياع للدار، ودفعه الثمن كان صحيحًا لا توليج فيه، فإن حلف المبتاع ولم يثبت

صاحب الأحباس ما ذكره، فالشهادة في عدمه تامة، وعلى المسجون الحلف في مقطع الحق: ما له مال ظاهرًا ولا باطنًا، وأنه متى أيسر قضي، فإذا حلف أمرت بإطلاقه مأجورًا إن شاء الله تعالى. قال القاضي: ولي القضاء محمد بن يحيى بن زكريا التميمي المعروف بابن برطان بعد موت القاضي أبي بكر محمد بن بيقي بن زرب، في شهر رمضان سنة أحدى وثمانين وثلاثمائة، وكان قبل قاضيا بحيان فنقل إلى قضاء الجماعة، ثم ظهر منه اختلال في أحكامه كبر سنة، فعزله ابن أبي عامر عن القضاء، وألحقه بالوزراء في المحرم سنة اثنين وتسعين وثلاث مائة، وتوفي في صدر دولة عبد الملك بن محمد بن أبي عامر في جمادي الآخرة سنة أربع وتسعين، وهو ابن خمس وتسعين سنة. وتوفي أبو عبد الله بن العطار في إمارة محمد بن عبد الجبار في انبعاث الفتنة البربرية سنة تسع وتسعين، ودفن بمقبرة العباس. وكان يونس بن عبد الله مشاورًا، وولي القضاء ببطليوس، ثم الصلاة والخطبة بالزهراء، والحكومة بالشرطة وارد، ثم تقلد قضاء الجماعة بقرطبة والخطبة لجماعتها في هذه الفتنة، وكان من عدد أصحاب القاضي ابن زرب وبرائه، قدم للفتوى وتوفي في رجب سنة تسع وعشرين وأربع مائة، وهو ابن تسعين سنة وأشهر، وكانت تحته أخت ابن العطار. وكان يحيى بن عبد الرحمن ابن واقد اللخمي مقدمًا في أصحاب ابن زرب، وعبت عليه المنصور بن أبي عامر بعد موت ابن زرب، فأسقطه من الشورى، وألزمه داره مدة، ثم صرفه إليها وعاد إلى مرتبته، وقلد الصلاة بجامع الزهراء أيام عبد الملك بن أبي عامر، ثم دعاه وأضح مولى ابن أبي عامر قيم دولة الخليفة إلى ولاية قضاء الجماعة؛ إذ عزل أبو العباس ابن ذكوان قوليها، وكشف وجهه في دفع سليمان بن حكم وحربه أو حرب البربر معه، ثم تغلب معه البربر على قرطبة، فاختفى ابن واقد، وحد الطلب فيه إلى أن ألفى وحمل صاغرًا إلى سليمان بالقصر، وأخرج ميتًا على نعش بعد شهر، وتحاماه الناس أن يتولوا أمره حتى واراه حماد الزاهد ودفن في مقبرة الربض سنة خمس وأربع مائة، وانتقم له من سليمان في أقرب مدة بعده، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

في سجن المفلس وقسمة ماله بين غرمائه: فهمنا – وفقك الله – ما ذكرته من حبس القيم المتقبل لملاحة المرضي الحبة، أو عجزهم عن غرم ما بقي عليه من القبالة، وأنه لم يظهر له مال، ولا يعرف به فيما انكشف لك، وقد حبس أياما فيجب إطلاقه بعد إحلافه في مقطع الحق: مما له عرض ولا قرض، ولئن رزقه الله مالاً ليؤدين. قاله عبيد الله بن يحيى، ومحمد بن لبابة، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن لويد، ويحيى بن عبيد الله، وأحمد بن يحيى. وما أرادته رقية زوجة ابن أبي الحفاظ من قسم المال الموقوف من مال ابن أبي عبدوس على غرمائه، فذلك واجب لمن أثبت حقًا من غرمائه، وحلف. قاله ابن لبابة، وأيوب، وابن وليد، ومحمد بن أيمن. الطالب يزعم أنه في مسكن غريمه ما فيه وفاء بحقه: قال القاضي: شاهدت الفتيا والحكم بطليطلة إذا دعا الطالب إلى تفتيش مسكن المطلوب عند ادعاءه العدم بالحق: أن يفتش مسكنه فما ألقي فيه من متاع الرجال بيع عليه وأنصف الطالب منه؛ لا يختلف فقهاؤهم في ذلك، وأنكرته على أكثرهم، فاستبصروا فيه فلم يرجعوا عنه. وسألت ابن عتاب عنه وأنكره ولم يره. وكذلك أنكره ابن مالك، وقال: أرأيت إن كان الذي يلقى في بتيه ودائع؟ فقلت له: ذلك محمول عندهم على أنه ملكه حتى يتبين خلافه، فقال: يلزم إذًا توقيفه والاستثناء فيه حتى يعلم هل له طالب، أو يأتي بمدفع فيه. وأعلمت ابن القطان بذلك فقال لي: ما يبعد، ولم ينكره. وأنا أراه حسنًا فيمن ظاهره الإلداد والمطل واستسهال الكذب، والله أعلم بالصواب. مسألة من الرهون تشتمل على معان من الرهون: شاهدت الفقيه في شهر رمضان من سنة ثمان وأربعين وأربع مائة، وقد أتاه رسول بعض الحكام بوثيقة في إثبات ارتهان ثياب، وأنها وضعت على يد أمين قبضها، ولم يسم الأمين الموضوع عنده الرهن، فقال: العقد ناقص إذا لم يسم فيه الأمين ولا يد من تسميته. فتكلمنا معه في ذلك وقلنا له: ما الفائدة في تسميته؟ فقال: قد يمكن أن ينكر الأمين ما ذلك عنه من قبضة الرهن، ويدعي عند الإعذار إليه فيه غير معنى الرهن من

وديعه أو غيرها، ثم أخبرنا أنها نزلت قبل ذلك، وكان الأمين أحد الشاهدين اللذين ثبت بهما الرهن، وأنه أفتى أن شهادة الأمين في ذلك ضعيفة. فسألناه عن العلة المضعفة لشهادته فقال: قد يمكن أن يدعي الراهن إذا حضر أنه ليس برهن، وأنه عارية استعارها الأمين منه، وربما لم يوافقه على هذه الثبات التي أحضرها أنها هي العارة وادعى غيرها؛ فيكون الأمين يريد إسقاط هذه الدعوى عن نفسه بشهادته أنه رهن ويصير خصمًا لا شاهدًا. قال القاضي: وفي شهادات العتبية في نوازل سحنون خلاف ما ذهب إليه من ذلك. قال سحنون: شهادة العدول الموضوع على يديه جائزة في الدين والرهن، ويحلف معه صاحب الحق على ذلك كله، ويحق له إن كان شهد بذلك قبل بيع الرهن. ثم قال لنا ابن عتاب: أفتيت بعض الحكام منذ زمان في رهن ثياب، استشارني في بيعها إذ سأله المرتهن ذلك: أنه يأمر ببيعها وأداء حق المرتهن من ثمنها، ولا يلزم في ذلك إلى إثبات مالك الراهن لها. وذكر أن بعض أصحاب مالك خالف في ذلك وأفتى أنه لا يأمر ببيعها إلا بعد إثبات ملك الراهن لها أن يثبت ملك الراهن لها، وردد الرد عليهم في ذلك وشنعه. فقلت له: أرأيت إن كان الرهن دارًا أيحتاج إلى ثبوت ملك الراهن لها قبل أمره ببيعها؟ فقال لي: نعم، لابد من ذلك، والأصول مخالفة لغيرها من المتاع والعروض. [هنا تم الجزء الثالث من أحكام ابن سهل بحمد الله وحسن عونه] ***

باب الشفعة

باب الشفعة سئل الفقيه أبو عبد الله بن عتاب وأنا حاضر سنة ثمان وأربعين وأربع مائة عن الشفيع يطلب الشفعة في الشقص المبيع، فيطلبه المشتري بالأجرة التي أداها عند ابتياعه إياه مع الثمن. فأفتى: أن ذلك لازم للشفيع مع الثمن. ثم سألت أبا عمر ابن القطان عن ذلك، فقال: يلزمه غرم الأجرة فسألته عن العلة، وهل فيه رواية؟ فلم يأتي بما يعتمد عليه، غير أنه قال: بذلك وصل المشتري إلى الشراء، فيلزم الشفيع غرمه. فقلت له: أرأيت إن كان ادعى من الأجرة أكثر من المعهود بين الناس في تلك الأجرة؟ فكأنه ذهب إلى أنه لا يلزمه جميعها إن كانت كثيرة جدًا. قلت: أرأيت إن طلبه أيضًا بأجرة كاتب وثيقة الشراء، فقال: يلزمه ذلك. وسألت ابن مالك عن ذلك، فقال نحوه، وقال: أرأيت ما عمر في الشقص المشتري، أليس يلزم الشفيع غرمه؟ قلت: ليس ذلك مثله، ألا ترى أن أجرة السماسرة في المرابحة لا تحسب، ولا يستحب عليها ريح، بخلاف الصبغ وغيره، مما هو في العرض صنعه قائمة، فثبت على قوله في الشفيع، ولم يأت عليه بحجة ولا رواية، وكان الفتوى بذلك جرت به العادة عندهم فيما أظهر لي من اتفاقهم عليهم. والله أعلم. المشتري يكره الشقص المشتري من دار أو أرض أو حانوت لأعوام ثم يقوم الشفيع بطلبه بالشفعة: أخبرني أبو محمد الشارقي أنها نزلت بطليطلة، وكان المشتري قد أكره الشقص لعشرة أعوام، ثم قام الشفيع فأفتى فقهاؤهم أبو بكر بن مغيث، وأبو جعفر ابن أرفع رأسه، وغيرهما: أنه ليس له فسخ الكراء، وله الأخذ بشفعته ويبقى المكتري إلى مدته أو إسلام الشفعة، إن شاء كعيب حدث بالمشتري، وذهب هو إلى ذلك. ومن الدليل لهم: ما في كتاب الشفعة من المختلطة فيمن ابتاع أرضًا فزرعها، ثم استحق رجل بعضها وأخذ بالشفعة باقيها. قيل لابن القاسم: أللمستحق كراء يها؟ قال: أما حقه الذي استحقه فله كراؤه إن جاء، والبذر ثم يخرج إبانه، وأما الذي يأخذ بالشفعة، فلا كراء له فيه؛ لأنه لم تجب له الأرض إلا بعد ما أخذها، وقد زرعها صاحبها قبل ذلك، والحظ الذي استحقه قد كان وجب له قبل الزرع، فله فيه الكراء على ما

وصفت لك ما لم تفت الزراعة. قال لي أبو محمد: وكتبناها إلى قرطبة. فأفتى ابن عتاب وابن القطان وابن مالك: له الأخذ بالشفعة وأن يفسخ الكراء، وأصلها في ذلك - والله أعلم - ما في كتاب الاستحقاق فيمن اكترى دارًا لسنة، ثم استحقها رجل بعد مضي نصف السنة. قال ابن القاسم: فللمكري كراء الأشهر الماضية، وللمستحق إخراج المكتري ونقض الكراء، وله إمضاء الكراء إن شاء، وإذا أمضاه لم يكن للمكتري أن يأباه. ثم نزلت في صفر سنة ست وخمسين لعبد الله بن أحمد بن حاتم عند القاضي أبي زيد بن الحشا، فكتبت بها إلى قرطبة في صفر المذكور، وقلت في السؤال: وكيف إن أكره المشتري الشقص لعام أو أعوام بيسيرة أو كثيرة، هل للشفيع نقص الكراء. فأجاب ابن القطان وابن مالك له: إن أخذ بالشفعة نقض الكراء إن شاء الله. وجاوب أبو عبد الله بن عتاب: إن أكرى المبتاع الشقص، وهو يعلم أن له فيها شفيعًا لم ينفذ الكراء إلا في المدة اليسيرة كالأشهر، وأما في الوجيبة الطويلة فلا ينفذ الكراء، إلا أن يكون مكتري الأرض قد زرعها، فلابد من بقائه فيها حتى يحص، وإن كان المكتري لم يعلم بالشفيع وإنما استحق مستحق شقصًا من دار أو أرض فأخذ بالشفعة؛ فلا يفسخ الكراء في الوجيبة الطويلة، وأما ما يتعارف الناس من الكراء؟ كالسنة ونحوها، فذلك نافذا؛ لأنه فعل ما كان له جائزًا. وهذه جملة ما سألت عنه، فيها كفاية إن شاء الله، وهي مفتقرة إلى زيادة بيان وشرح في الوجهين، ولا حاجة بنا وبك إلى التكلم في ذلك، والله أسأله التوفيق. قال القاضي: في جوابه هذا يرجع عما حكاه الشارقي لي عنه، وكأنه ذهب في قوله: إن إكراه المشتري عالمًا بالشفيع إلى ما في مسائل ابن زرب فيمن بني حصة ابتاعها وله شفيع، ثم قيم عليه بالشفعة فإنه يعطي قيمة بنيانه منقوصًا؛ لأنه بني في ماله ومال غيره، يريد فصار كالمتعدي في بنيانه فيما علم أنه لغيره. وتفريقه بين المدة اليسيرة والكثيرة ينظر إلى ما في كتاب الجعل من المدونة فيمن أكرى أرض يتيمة لمدة فبلغ اليتيم قبلها، قال: إن أكراها لأربع سنين أو ثلاث، وهو لا

يظن أنه يحتلم في مثلها، وهو ظن الناس فعجل به الاحتلام وأنس منه الرشد؛ فليس له رد صنيع وصيه؛ لأنه صنعه في حال يجوز له ذلك فيها، ولم يتعمد ما لا يجوز له. وقال غيره: لا يلزم ذلك اليتيم إلا فيما قل. قال ابن القاسم: وإن أكراها عليه وهو يعلم أنه يحتلم قبل، لم يجز ذلك عليه، والولد في ذلك الوصي، وأما أن أجره الوصي لثلاث سنين، وهو لا يظنه يحتلم إليها، فاحتلم بعد سنة أو سنتين، فله نقص الإجارة، إلا أن يكون الشيء الخفيف الأيام والشهور وشبهه. فهذه أصل لما ذهب إليه ابن عتاب في مسألة الشفعة. والله أعلم. الشفعة في المال الموظف: سئل القاضي أبو بكر بن زرب عن مذهبه في ذلك فقال: الشفعة كالبيع، ولا يجوز لاشفعة فيه على مذهب ابن القاسم، وهو الذي أخذ به، ومنن ذهب إلى أن فيه الشفعة، فإنما هو على مذهب أشهب في إجازته للبيع فيه، والشفعة مثل ذلك. قيل له: فما كان يأخذ به اللؤلؤي في هذا، فقال: ما أذكر ما كان يأخذ به فيه، وقد تقدم في البيوع هذا المعنى أتم أن شاء الله. الأخذ بالشفعة لبيت المال: قال القاضي أبو بكر بن زرب: نزلت عندنا هذه المسألة: الحصة تقع لبيت مال المسلمين في ملك فأراد صاحب المواريث أن يأخذ بالشفعة. فأفتى بعض الفقهاء عندنا - وأظنه الحجازي -: أن له ذلك، وهذا خطأ من الفتيا؛ لا يجب له أن يأخذ بالشفعة؛ لأنه ليس يتجر للمسلمين، إنما يجمع لهم ما وجب لهم من شيء ويأخذه. ومن هذا ما وقع في آخر شفعة المختلطة في بعض الروايات. قال مالك: من حبس حصته من دار على رجل وولده لا يباع ولا يوهب، فباع شريكه نصيبه الذي لم يحبس فأراد المحبس أخذه بالشفعة، فليس له ذلك؛ لأنه ليس له أصل بأخذها به، إلا إن أراد أخذه ليلحقه بالأول في تحبيسه؛ فله ذلك، وإن أراد المحبس عليهم أخذهن فليس لهم ذلك؛ لأنهم لا أصل لهم. ومثله في سماع ابن القاسم. وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ، أن

أراد المحبس عليهم إلحاقهم بالحبس، فلهم أخذه بالشفعة، لأن الحبس هو اشريك قالوا: وكذلك أن أراد المحبس أخذه وإلحاقه بالحبس. قالوا: وإن كان مرجع الحبس إلى المحبس، فله أيضًا الأخذ بالشفعة، وقد تقدم تصير حصة عن عدة لا يقف عليها متحللا منها أنها لا شفعة فيها من سماع عيسى، وكذلك في مسائل أبو زرب. الشفيع يأخذ بالشفعة لغيره: في سماع أشهب فيمن وجبت له شفعة وهو مفلس، فقال له رجل: خذ بالشفعة وأنا أربحك فيها كذا وكذا، فيفعل ذلك، ثم يعثر عليه ويقر به. فقال مالك: أصل هذا البيع لا يصلح، ولكن من أين يعلم هذا وإقراره إن أقر به ليس بشيء، ولكن لو ثبتت بينة وأمر ثابت رد إلى المشتري؛ لأنه إنما أخذ بالشفعة لغيره، وفي الموازية مثله. وفي مسائل ابن زرب: إن أراد بعد الفسخ الأخذ بالشفعة نفسه، وقال: إن كنتم فسختم أخذي لغيري فأنا الآن أخذ لنفسي، فقال القاضي: لا يجوز له ذلك لأنه لما أخذها لغيره فكأنه قد أسقطها لنفسه. وفي المدونة: إن اسقط الشفعة للمشتري قبل الشراء، وأشهد له بذلك لم يلزمه ذلك. قاله مالك. وله الأخذ بها، وإن كان أعطاه مالاً على تسليمها قبل الشراء رده ولم يحل له، وكان على شفعته. وفي المجموعة لابن وهب عن مالك: إن قال كل واحد من الشريكين للآخر: بع ولا شفعة لي لم يلزمها. وفي كتاب ابن المواز (ب 137) إن أسمها في أيام الخيار في شقص بيع بالخيار بعوض أو غيره لم يلزمه، وهو على شفعته ويرد العوض، وإن رضيا بإمضاء ذلك العوض بعد تمام البيع لم يجز حتى يفسخاه ثم يستأنفها ما أحيا. المشتري يدعي أنه عرض الشفعة على من تجب له: في أحكام ابن زياد: تحلف عزيزة وعائشة وأم القاسم بنات محمد بن آمنة: بالله الذي لا إله إلا هو ما علمنا ابتياع أبان بن عبد الله حظ أختنا آمنة إلى وقت قيامنا هذا عند القاضي، ولا عرض علينا ما ابتاعه كما ذلك، فإذا حلف وجب لهن استشفاع ما ابتاعه خن حصة أختهن على ما يجب أن أحببن ذلك. قاله ابن لبابة.

المبتاع يدعي إلى إثبات ابتياعه ليأخذ الشفيع شفعته: فهمنا - وفقك الله - ما سأله زوج بريهة من إثبات عبد الملك ما أقر بابتياعه من مروان أخيها لجميع أملاك مروان بقرية فشان، ليجد السبيل إلى الاستشفاع لزوجته بربهة عند معرفة الثمن أو المقاسمة. فالذي يجب في ذلك أن الذي دعي إليه من حقه وإن لم يحضر عبد الملك بكتاب الابتياع، وكانت له بينة على الظاهر، نظرت في ذلك بما يجب إن شاء الله. قاله محمد ابن عمر بن لبابة، وأيوب بن سليمان، وابن الوليد. أشرتم علينا - رحمنا الله وإياكم - بما في هذا الكتاب فأجلنا عبد الملك في جلب البينة على مروان لما ذلك من ابتياعه له، فلم يأته على شيء من ذك ببينة، إلا شهادة قد وقعت عندنا، وقد بعثت اليكم بنسختها، فإن كنت ترى تعجيز عبد الملك فاكتب في أسفل هذه المشورة برأيك من التعجيز أو الأناة، إن شاء الله. قال ابن لبابة: فهمنا - وفقك اله - ما أردت معرفته من تعجيز عبد الملك فيما ادعاه من الاشتراء من مروان شريك أخته بربهة، بعد أن ضربت له آجلا انقطعت فيها معاذيره، فلم يأت بشيء، فالذي نرى في ذلك تعجيزه والإشهاد عليه؛ لئلا يكون طول ما يأتي من الأمد قطعًا لشفعة بربهة إن ظهر ابتياعه يومًا. وقال بذلك عبيد الله بن يحيى، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد. دعوى ابتياع وإنكاره وطلب الشفعة واليمين في ذلك: فهمنا - وفقك الله - ما تنازع فيه بنو حفص بن بسيل في الغرصة التي بينهم في المدينة عند السكة، وما دعت إليه أميرة من القسم بينهم، بعد أن ثبت عند موت حفص ووراثته وملكه الغرصة، وأنا أورثها ورثتها، وما ادعت أميرة من اشتراء أمينة لحصة أخيها، وطلبها إياها بالشفعة، وإنكار عبد الحميد وأمينة للتبايع في ذلك. قال بن لبابة: على عبد الحميد اليمين: أنا ما باع حصته من أخته امينة، فإذا حلف وجب القسم وسقطت دعوى الشفعة، وإن نكل لم تجب الشفعة حتى تحلف أمينة أنها لم تشتر، فإذا حلفت سقطت أيضًا الشفعة بينهما، وإن نكلت مع نكول عبد الحميد؛ حلفت أميرة أنهما تبايعا بثمن كذا، فإذا حلفت وجبت الشفعة لها، وإن نكلت سقطت الشفعة. وقال أيوب: لا يمين على عبد الحميد ولا على أمينة؛ لأن المدعي للبيع قال لعبد الحميد: إنك بعت من أمينة، وقال عبد الحميد: لم أبع، ولكن وهبت لله، وقالت أمينة: لم

أبتع ولم أتهب؛ فلا يمين على واحد منهما حتى يأتي بسبب بيع أو هبة فتجب اليمني؛ ولأن المدعي عليهما التبايع قد تنافيا وتناكرا وأدعى عليهما؛ فهذا أبعد في إيجاب اليمني. وقال محمد بن وليد، ومحمد بن عمر بن لبابة، وأحمد بن بيحيى، وعبيد الله بن يحيى. قال القاضي: كذا وقع في الأصل بتكرار اسم ابن لبابة، فإن كان صحيحًا فهو رجوع عن جوابه الأول، وكذلك جوابه الأول خطأن والصواب ما قاله أبو صالح؛ لأن المستشفع منه إذا أنكر الابتياع والهبة، وانتفى من ملكه الشقص المستشفع فيه؛ سقط مطلب الشفيع. مسألة أخرى في هذا المعنى: الذي يلزم عبد الله وكيل ابن مالك وزوجة ابنة حفص: أن يأتي بشاهد ثان على توكيلها إياه، ويضرب له القاضي في ذلك أجل يومين؛ إذ ذلك أن غفلته لدار، وتخاصم ورثة ابن يسيل فيها قد طال منذ ثلاثة أشهر، فإن جاء بشاهد ثان، ضربت له أجلاً في إثبات الابتياع الذي طلب به الشفعة، فإن أثبت ذلك وجبت له الشفعة بعد الإعذار إلى البائع منهم، وإن لم يثبت البيع لزمه قسمة الدار على عدة ورثة حفص، بعد أن يحلف البائع والمشتري: لما تبايعا، ولهما رد اليمين على زوجة ابن مالك. قاله ابن بابة، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد. قال القاضي: ظاهر هذه المسألة: إن جوابها فيها خلاف جوابهم في التي قبلها، إلا إن كان عندهم فيها معنى لم يظهر في حكايتها، أوجب هذا الجواب فيها. والله أعلم. الشفعة للصغير وذكر القسمة: القسم - وفقك الله - الذي طلبه ابن مرين واجب لاحتمال الدار القسم، وثبوت ذلك عندك، واعتراض المرأة أنها تريد الشفعة لولدها معنى يجب به التوقف عن القسم قليلاً، وضرب الآجال لها في ذلك، بعد أن يثبت أن الآخذ لولدها بالشفعة نظر، وأن له مالا يستشفع له به، فإن جاءت بذلك نظر القاضي قبله، وإن لم يأت بشيء قسم على الصغير، وأبيرز نصيبه أن شاء الله. قال محمد بن غالب، وعبيد الله بن يحيى، ومحمد بن لبابة، ومحمد بن وليد، وأبو صالح، وأحمد بن أبي عيسى. وفي المدونة: إن أسلم الأب أو الوصي أو القاضي شفعة الصغير جاز ذلك عليه، 534] ***

وفي موضع آخر في الكتاب: إن وجبت له شفعة فلم يأخذ له أبوه بها، ولا أسلمها حتى بلغ الصغير، وقد مضى لذلك زمان؛ فلا شفعة له؛ لأن أباه بمنزلته لو كان بالغًا فتركها عشر سنين، يريد أو المدة التي تنقطع إليها شفعة الحاضر: السنة والأربعة الأشهر فأزيد، فكان قطعًا للشفعة. زاد ابن أبي زيد في مختصره: قال سحنون: وقيل غير هذا، وهذا أحسن. يريد أن سكوت الأب. واختلف قول أشهب في سكوت الوصي، ذكره ابن أبي زمنين في المغرب. وفي المدة التي تنقطع إليها شفعة الحاضر تنازع في كتاب ابن حبيب وغيره. واعلم أن الشفعة إنما تكون بين الشركاء في الأرض وما يتصل بها من البناء والشجر. قاله مالك في المدونة. قال: وكذل الثمرة. قال: ولا شفعة في دين ولا حيوان ولا سفن، ولا في بز، ولا في سارية أو حجر، ولا في شهب في كتاب الجدار خافة. ولعطاء في كتاب المدونة: الذي عليه الدين أولى به بالثمن، وقد روي فيه أثر في كتاب الجدار، وقال به علي وعثمان وجماعة، وبه أخذ عيسى في كراء المدونة، لا شفعة في الكراء عن مالك. وفي سماع ابن القاسم عنه خلافه، وقال ابن القاسم وسحنون بالأول، وذكر ابن حبيب عنه القولين، وأخذ ابن الماجشون وابن عبد الحكم بأن لا شفعة في ذلك، وقال مطرف وابن القاسم وأصبغ: فيه الشفعة، وأخذ ابن حبيب به. وقاله أشهب في كتابه، قال: وكذلك إن ساقى نصيبه، فلشريكه الشفعة، وإن ساقى نصف حائطه فساقاه المساقي، فلرب الحائط الشفعة. ولابن وهب وأشهب في سماع ابن الحسن. في الأنذر الشفعة. وقال سحنون في نوازله آخر القسمة: لا شفعة فيه، وهو كالبناء. وفي المدونة: قال مالك: في الحمام الشفعة. قال ابن القاسم: لا شفعة فيه. وقال إسماعيل: روي ابن القاسم وابن أبي أويس أن فيه الشفعة. وروي ابن المعد عن ابن الماجشون: قال ابن الماجشون: قال ابن حارث: أخبرني من أثق به أنه جرى العمل فيه عند الشيوخ بقرطبة بإيجاب الشفعة فيه. وفي النوادر: قال ابن المواز: لم يختلف مالك وأصحابه أن فيه الشفعة. وقال ابن الماجشون في غير كتاب ابن المواز: ابن مالك من الشفعة فيه؛ لأنه لا ينقسم إلا بتحويله.

عن أن يكون حمامًا. وقال أشهب: فيه الشفعة وحكي ابن العطار أن محمد ابن إسحاق بن السليم قاضي الجماعة ابتاع، وهو يؤمئذ فقيه، نصيبًا في حمام من أحمد بن سعيد المنتجيلي. فقام الشفيع عند منذر بن سعيد قاضي الجماعة، فاشور الفقهاء فأفتوه بقول ابن القاسم: لا شفعة فيه، فرفع الشفيع أمره إلى أمير المؤمنين عبد الرحمن بن محمد، وقال: حكم على غير قول مالك، فوقع أمير المؤمنين بخط يده إلى القاضي: أن يقضي له بقول مالك، فجمع القاضي الفقهاء وسألهم عن قول مالك، فأعلموه أنه يرى فيه الشفعة فحكم له القاضي بها. فقام أبو عبد الله العطار في وثائقه: هو قول مالك أن الشفعة فيما لا ينقسم إلا بضرر، وقول ابن القاسم: لا شفعة فيه. وكذلك روي يحيى عنه، وعليه يدل الحديث قوله عليه الاصلة والسلام: "الشفعة بين الشركاء ما لم تقع الحدود، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة فيه (¬1) " فدل أنه ما لا ينقسم ولا تقع فيه حدود فلا شفعة فيه. ورواية يحيى في كتاب السداد في مناصب الأرجاء على الأنهار إن كانت تنقسم قسمت، وإن كانت لا تنقسم وباع أحدهما فلا شفعة فيها. وفي المدونة في بيت الرحي وأرضها التي يجري فيها ماؤها الشفعة، إذا بيع، ولا شفعة في الرحي؛ لأنها كحجز ملقي. وفي كتاب الجدار لابن وهب عن مالك: في جميع ذلك الشفعة: قال عيسى به وأخذ، وقاله أشهب وسحنون، ورواية عيسى تؤيده في مسألة الحائط ورقيقه. ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه البخاري ج 2، ص 770 برقم 2099، وابن الجارود في المنتقى ج 1، ص 162 برقم 643، وابن حبان في صحيحه ج 11، ص 588 برقم 5184، والترمذي ج 3، ص 652 برقم 1370،، والبيهقي في الكبرى ج 6، ص 102، حديث رقم 11347، والإمام الشافعي في مسن ج 1، ص 181، وأبو داود ج 3، ص 285، برقم 3514، والنسائي في الكبرى ج4، ص 62 برقم 6303، وابن ماجه ج 2، ص 834 برقم 2496، والإمام مالك في موطئه ج 2، ص 713 حديث رقم 13295، والإمام أحمد في مسنده ج 3، ص 196 برقم 14190.

باب ما ينقسم وما لا ينقسم والاختلاف فيه

باب ما ينقسم وما لا ينقسم والاختلاف فيه مذهب مالك وأصحابه أن يقسم بين الشركاء جميع ما ينقسم من ريع أو عقار أو عروض بلا ضرر، وإن أبي من ذلك بعضهم أجير عليه، وإن لم يدع إلى القسم إلا واحد منهم، وما كان لا ينقسم إلا بضرر بيع واقتسموا ثمنه، ومن أراد منهم أخذه بما بلغه من الثمن فذلك له، فإن تشاجرا فيه تزايدوا حتى يقف على أحد الزائدين فيأخذه ويؤدي إليهم ثمن أنصبائهم. وقال مالك في المختلطقة: لا يقسم الطريق. وقال ابن القاسم في الجدار: إن لم يكن في قسمة ضرر وكان ينقسم قسم، ومثله عنه في المجموعة. وقال أشهب: لا يقسم إلا باجتماعها. وقال مالك: يقسم الحمام إن دعا إلى ذلك أحدهما. قال ابن القاسم: وأنا أرى أن كان في قسمة ضرر ألا يقسم. وروي أشهب عن مالك في الحمام كرواية ابن القاسم أنه يقسم وفيه الشفعة. وقال أشهب: يقسم على كل حال وإن كان فيه ضرر. وروي ابن الماجشون عن مالك أنه لا يقسم؛ لأنه يصير غير حمام، وقال عنه: أنه لا شفعة فيه. قاله: وأنا أرى فيه الشفعة. وقاله هو وأشهب في كتاب ابن المواز، وبعد هذا منه. وقال مال في الثوب والعبد بين النقر: لا يقسم، ومن دعي إلى البيع أجبر عليه من أباه. قال ابن القاسم: وكذلك الشجرة، وإن كانت في أرض قليلة بني أشراك كثيرة لا يصير في حظ أحدهم منها إذا قسمت، إلا ما لا ينتفع به. قال مالك: يقسم بينهم إذا دعا إلى ذلك أحدهم، وكذلك الدكان في السوق ويدعو إلى قسمته أحد الشريكين. قال مالك: وكذلك البيت الصغير يصير في نصيب أحدهما ما لا ينتفع به فيقسم: لقوله تعالى: (مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) (النساء: من الآية 7) ولقليل النصيب من البيت الارتفاق بنصيبه من الساحة، وإن لم يسكن في البيت. قيل لابن القاسم: هل تقسم المواجل؟ قال: نعم في قول مالك، وأما أنا فلا أراه؛ لأن فيه ضررًا إلا أن صار لكل واحد منهما ما جل على حدته فلا بأس به، وأما قسمة

أصل العيون وأصل البئر فلم أسمع أحدًا قال: يقسم، وإنما يقسم على الشرب. قال سحنون في غير المدونة: إن كانت آبارًا كثيرة قسمت. وقال في نوازله في آخر قسمة العتبية في القوم يرثون الأنذر فيريد بعضهم قسمته: لا أرى ذلك إلا برضاهم أجمعين كالفناء، وإن أرادوا كلهم الدرس أقرع بينهم، وإن باع أحدهم فلا شفعة لباقيهم. وفي وثائق ابن الهندي في الجزء السابع عشر في الرحى إن كانت له براري: قسمت، وإلا فلا، وينفقون في حجر الرحى. وفي كتاب السداد في سماع يحيى عن ابن القاسم في مناصب الأرحى على الأنهار إذا انقسمت فصار لكل سهم منتفع وموضع معتمل قسمت. قال ابن حبيب: إن صار لكل واحد حجر في غير درك يبقى له أو عليه قسمت بالقرعة. قال ابن القاسم: أنا أرى أن كل ما لا ينقسم من الدور والمنازل والأرضين والحمامات وغيرها مما في قسمته ضرر، ولا يكون فيما يقسم منه منتفع، يباع ويقتسمون ثمنه على فراض الله؛ لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) "لا ضرر ولا ضرار" قال عيسى بن دينار في كتاب الجدار: أنا آخذ بقول ابن القاسم إذا كان لا يصير في نصيب كل واحد منهم ما ينتفع به، فإن كان في نصيب أحدهم ما ينتفع به لكثرته، وفي نصيب آخر ما لا ينتفع به لقلته؛ قسم بينهم؛ لأن للذي دعا إلى القسمة منفعة في نصيبه، فلا يباع عليه ما له فيه منفعة. وفي الواضحة: قال ابن حبيب: كان مالك يقول في الأرض أو الدار يرثها الورثة فتضيق عليهم؛ لضيقها وكثرتهم: أنها تقسم بينم، قلت أو كثرت، حملت القسم أو لم تحمل، وإن لم يكن إلا قدر مزود؛ لقوله تعالى: (مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا] (النساء: من الآية 7). قال ابن حبيب: وبه كان أبو حنيفة يقول، وهو قول لا أعلم أحدًا قال به من أصحاب مالك إلا ابن كنانة، وأبى غيره في جميع أصحاب مالك المدنيين والمصريين أن يقولوا به، منهم ابن أبي حازم، والمغيرة، وابن دينار، مطرف، وابن الماجشون، وابن نافع، وابن وهب، وابن القاسم، وابن عبد الحكم، وأشهب، وأصبغ، وقالوا: إنما معنى قول الله تعالى عندنا: (مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) (النساء: من الآية 7) أن لخم حقهم منه،

ثم قسمته على السنة. وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا ضرر ولا ضرار (¬1) " فمن أعظم الضرر أن يقسم بينهم ما لا ينتفع به، ولكن يباع ويقتسمون ثمنه. قال ابن حبيب: وقال ابن الماجشون: ولو لم يضق في القسم إلا عن واحد منهم، وإن كان أصغرهم سهمًا فلا يقسم؛ لأنه ضرر، وإن كان في نصيبه اليسير منتفع في بعض وجوه الانتفاع، وإن قل مما لا ضرر فيه، قسم. قال ابن حبيب: وهو قول جماعة أهل العلم، وبه جرى عمل حكام المسلمين بكل بلد: اجتناب قسمة الضرر. قال: ومن قسمة الضرار قسمة ما لا يحمل القسم، وما قسمه يحيل له عن حاله ومفسد على أهله: كالحمام، والفرن، والرحي، والبئر، والعين الساقية، والدكان، والجدار، والطريق، والشجرة الواحدة، والثوب الواحد، والمصراعين، والخفين، والخرج، والغرارتين، وشبههما مما ينقص القسم ثمنه، فلا يحكم السلطان بقسمة شيء من ذلك. في أحكام ابن زياد: كشف القاضي ابن مرهف من قسمة دار أبيهم وليد بن مرهف، وما ذهب إليه بعضهم من البيع، إذ ذلك أن سهمه يضيق عن القسم، وفي قسمته ضرر عليه. وقال غيرهم: إن الدار تحتمل القسم وتكون لأقلهم سهمًا منفعة في سمه وسكنى، وما ذهب إليه من إرسال القاضي إلى الدار من يثق به فأخذ مساحتها وصفة بيوتها حتى ينظر في ذلك ويمتحنه، إن شاء الله، وما كان من إرسال القاضي وأخذاه الوصف وأمره بقراءة الوصف علينا، فوجدنا فيها بيوتًا وعلالي في دارين داخلة وخارجة، نحوًا من سبعين جائزة، أو أكثر منها، وفي السقالي أكثر من أربعين جائزة فاختلفنا عند المناظرة في قسمتها، وأجتمعنا في الفتيا على قسمتها، ثم انتهى إلينا أن بعض أصحابنا طعن في ذلك ورجع عنه، إلى أن القسمة ضرر والبيع أنفى للضرر، وهذا مقال – أبقى الله القاضي – لم نسمعه عن مدني ولا مصري ولا أندلسي، وهذه كتبهم تنطق بما يدل على أن البيع ظلم على من كرهه، والقسمة هي السنة فيها بإجماع. ¬

_ (¬1) ... الحديث تقدم تخريجه.

وقد كتبنا – أكرم الله القاضي – ما قاله أعلام أهل المدينة وأهل مصر، وما اجتمعوا عليه واختلفوا فيه، وفي قول جميعهم ما يدل على ما قلنا من جواز القسمة ونفي البيع، فالذي روي في كتب أسد هي من كلام مالك وابن القاسم كالموطأ. وحدثني العتبي عن سحنون قال: قلت لابن القاسم: ما قول مالك في البيت الصغير؟ وساق ابن لبابة المسألة وقول مالك في الأرض على ما في مختلطة المدونة، واختصرته لأني قد كتبته. ثم قال: عن سحنون عن ابن القاسم: وأنا أرى أن كل ما لا ينقسم من الدور والمنازل والأرضين والحمامات وغيرها مما في قسمة ضرره، ولا يكون فيما يقسم منه منتفع؛ أنه يباع ويقسم ثمنه على الفرائض؛ لأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا ضرر ولا ضرار (¬1) " فهذا ضرار. قال ابن وهب: وسمعت مالكًا يقول في رجال ورثوا من أبيهم منزلاً، ولأبيهم امرأة، فأرادت المرأة أن تبيع ذلك المنزل لتعطي ثمنها من ثمنه – قال: ليس لها ذلك، ولكن لها حظها من ذلك المنزل، يقسم لها فتصنع به ما شاءت، وليس يجبر أحد على بيع ما ورث من بيت، صلح فيه القسم أو لم يصلح، ولكنه يقسم لكل واحد نصيبه من ذلك المنزل أو يتراضون بينهم على ما يريدون. قال سحنون: قلت للأشهب: أرأيت الحمام يقسم إذا دعا أحد الشريكين إلى القسمة؟ قال: نعم، ذلك عليه أن يقاسمه، وقد قال مالك في الحمام وغيره مما هو أعظم ضررًا من الحماك: البيت يقسم بين العشرة حتى يصير لأحدهم ما لا ينتفع به كثيرًا. وقد قال الله تبارك وتعالى: (مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا) (النساء: من الآية 7) وأخبرني مالك أنه عمل بذلك أهل المدينة حتى صار لبعضهم ما لا ينتفع به في قسمة. وروي مطرف بن عبد الله أن مالكا كان يقول في الأرض يرثها الورثة فتضيق عليهم لقلتها وكثرتهم: إنها تقسم بينهم، قلت أو كثرت، حملت القسم أو لم تحمل، وإن لم يكن إلا قدر مزود، ويقول: قال الله تبارك وتعالى: {مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا} (النساء: من الآية 7). ¬

_ (¬1) ... الحديث تقدم تخريجه.

قال مطرف: وكان كثير من أصحابه لا يون ذلك: منهم ابن أبي حازم، والمغيرة، وابن دينار، وغيرهم، وقالوا: إنما معنى قول الله - عندنا: {مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا} (النساء: من الآية 7) أن لهم حقهم من ذلك، ثم قسمت على السنة، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (لا ضرر ولا ضرار (¬1)) فمن الضرر أن يقسم بينهم ما لا ينتفع به، ولكن يباع ويقتسمون ثمنه. قال مطرف: وبهذا كان قضاة المدينة يقضون إلا رجلا واحدًا وهو هشام بن عبد الله المخزومي؛ فإنه كان يقضي فيه بقول مالك. قال مطرف: فالذي أخذ به إذا كان بعضهم ينتفع به لسعة سهمه، ويضيق عن بعض لقلة سهمه، فأرى أن يقسم بينهم كما قال مالك، وإن كان لا ينتفع به واحد منهم لقلة نصيبهم جميعا؛ فبيعه واقتسام ثمنه أعجب إلي. وذهب ابن الماجشون إلى مذهب ابن القاسم فقال: إن كان أصغرهم سهمًا يكون له فيه انتفاع في وجه من وجوه المنافع وإن قل ذلك مما لا ضرر فيه؛ فالقسم فيه قائم. وذهب أصبغ بن الفرج في اختياره - بعد أن حكى قول مالك وابن كنانة أنهما كانا يريان قسمته، وإن لم يكن فيه منتفع - إلى قول ابن القاسم، فقال عن ابن القاسم: إذا لم يضر في نصيب كل واحد منهم ما ينتفع به، فالذي دعا إلى القسمة وكره البيع مضر بأصحابه إذا دعا إلى ما لا منفعة فيه، واحتج بقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا ضرر ولا ضرار" وبحديث رواه عن ابن وهب عن صدين بن موسى مرسلا لا يثبت عند أهل العلم مثله أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا تعضية على أهل الميراث إلا ما حمل القسمة (¬2) " والتعضية: التفرقة؛ فلا يقسم ما لا يحتمل، كان ذلك الضرر على الجميع أو على بعضهم. وخالفه في هذا المعنى عيسى بن دينار في كتاب الجدار، فقال بقول مطرف بن عبد الله حرفًا بحرف. فهذا - حفظ الله القاضي - ما اختلفوا فيه؛ فليمحه ويكشف معانيه، فإنه يدله على أن قول ابن القاسم وأصبغ ومن أخذ مذهبهما يجيزون قسمة دار ابن مرهف؛ لأن في قولهم: ولا يكون فيما يقسم منه منتفع، فأي منتفع أنفع وأوسع من سهام نم ينقسم ¬

_ (¬1) ... الحديث تقدم تخريجه. (¬2) ... أورده ابن أبي حاتم في العلل ج 1، ص 392، والدارقطني في علله ج 1، ص 290.

عليهم دار ابن مرهف إذ بيوت دارية لأكثر من سبعين جائزة أو ما قارب ثمانين، فتصير لأقل السهام من البيوت أكثر من سبع جوائز، ومن المغرب نحو الست جوائز، فلو لم يصر لأقلهم سهمًا إلا ما يصير له من البيوت، لكان فيه منتفع؛ لأن بيتًا فيه أربع جوائز فيه منفعة، فكيف بسبع جوائز؟ وقد قال ابن القاسم: إذا كانت علالي وسفالي، قسمت العلالي والسفالي، فإذا صار لبعضهم في العلالي سهم، كان له أن ينزل على صاحب السفالي، ودار ابن مرهف ترتفع عن هذا إلى أن يصير له من العلو منتفع، ومن السفلى منتفع، فمن صار له في علو ومن سفل أكثر من أحدى عشرة جائزة واثنتي عشرة جائزة، لم يجز أن يقال له: لا منفعة فيه. فإن قال: تضيق الساحة، فقد قال ابن القاسم: إذا ضاقت الساحة فلم يضر لأقلهم سهمًا ما يكون له مدخل ومخجر ومربط دابة، تركت الساحة وقسمت البيوت، وإنما يدل هذا على أنه لم ير الضرر في انكسار الثمن، إنما رآه في النفع، فإذا كان له مدخل ومخرج ومربط دابة، قسمت الساحة مع البنيان، وهذا لا شك أنه إذا قسمت الساحة على المداخل فقط أنه يكسر من ثمنها، وإن لم يكن فيه منفعة لهذا لم يقسم، وكذلك البيوت إذا كانت فيها منفعة لأقلهم سهمًا قسمت، فلا منفعة أظهر ولا أنفع من نصيب يصير فيه من سفل وعلو أكثر من إحدى عشرة جائزة، والكثير النصيب أكثر من اثنتين وعشرين جائزة. وهذا في المعقول – إن نظر القاضي – وفقه الله – إلى وصف دار ابن مرهف وكثرة بيوتها – أوضح من أن يشككه قول مقت أو يقوفه بخلاف، أو يسمع مفتيًا أن يضم من يريد القسم ويكره البيع الخروج عن أصله، وسكنى أبيه إلى البيع عليه؛ لخروجه من قول المفتين بإجماع، إذا تصفح القاضي فتياهم وتدبر مذاهبهم وما دارت عليه ألفاظهم، وأن المنفعة على مذهبهم السكنى وإن قل، لقول ابن القاسم في قسمة الساحة ما قال، فذهب إلى المخرج والمدخل ومربط الدار. وأسأل الله للقاضي التوفيق للإصابة. قال بجميع ذلك وكتبه محمد بن عمر بن لبابة. قال القاضي: إلى هذا المعنى كان يميل شيخنا أبو عبد الله بن عتاب رحمه الله أن يقسم الدار والأرض بين الشركاء إذا صار لكل واحد ما ينتفع به، وإن كان في ذلك ضرر في قيمة

المقسوم. وبالقسمة أفتى في دار ابن أشرس بين ابنيه الوارثين لها، والتي بالربض الشرقي من مدينة قرطبة على نهرها بحومة مسجد ضوء ويغرب حمام أبدون، وهي دار كبيرة ذات مجاس وساحة وغرف. وأفتى غيره إذا قال: القسام لا نتهيأ قسمتها إلا بقسم وأن تباع. واحتج ابن عتاب حينئذ لقوله بمسألة أخرجها إلينا معلقة بخط أبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم التجيي الطليلطي، على ظهر كتاب القسمة في الأسدية، وهي: قال أبو إبراهيم: قلت لمحمد بن عمر بن لبابة: قد علمت قول مالك في قسمة الدار وغيرها أن يقسم قليلها وكثيرها، وإن صار لكل وارث من ذلك لا ينتفع به إلا إذا دعيا إلى القسمة أحدهم، وقول ابن القاسم أنه لا يقسم من ذلك إلا ما لا ضرر فيه، فما الذي تختاره من هذا؟ فقال: قول ابن القاسم هو الذي أختاره، قال: فقلت له: إن ابن القاسم لم يجد فيه حدًا، فقال لي: إن كان ابن القاسم لم يحد فيه حدًا يه غيره: كان محمد بن أحمد العتبي يقول: يقسم ذلك، وإن كان يصير لكل واحدة مقدار جيلة، لأن فيها ما يأكل فيه ويقوم ويقعد ويمتد، فقلت له: وما الجيلة؟ فقال: ما بين جائزتين، قال: فقلت له: قد يكون ذلك مختلفًا بعضه أوسع ن بعض؛ فقال: الأمر متقارب، واختلافه فقيل، وأنا أرى أن يقسم ما يصير منه للواحد مقدار جبلتين. واستحسن ذلك. قال أبو إبراهيم: ورأيته يفتي بذلك ويراه صوابًا. قال القاضي: قرأت هذه المسألة على من حضر من أصحابنا عند الشيخ أبي عبد الله، ورأيت في كتاب القسمة التي كانت هذه المسألة على ظهره من قول مالك: أنه يجوز للرجلين أن يقتسما طعامًا لهما على رجل من سلم قد حل أجله أو لم يحل، وأنه يجوز أن يأخذ أحدهما الثلث والآخر الثلثين، وقال: ذلك هبة من الراضي بالثلث. الشريكان يطلب أحدهما القسمة ويتغيب الآخر: قال ابن لبابة، وابن وليد، وابن غالب: إذا تورك أحد الشركاء عن الحضور للقسمة، وظهر ذلك للقاضي باتصال توركه أو بطول التردد في طلبه لحضوره فلم يحضر، أمر القاضي بالقسم عليه، ووكل له من يقبض نصيبه، فبيعت قاسمًا برضاه، ورجلين يقبل عليهما يحضران القسم، ووكيلاً يوكله للغائب وكالة يشهد له بها، ويجري في ذلك الكتاب

المعنى الذي به وكله في ثبوت التورك عنده، فما حصل للغائب قبضه وكيله، وكان قبضه له بأمر القاضي كقبضه لنفسه لو كان حاضرًا، وقد مر في باب الغائب مسألة قسمة دار ابن عامر التي بقرطبة. دعوى الغبن وغيره في القسمة: قال ابن حبيب في الواضحة إذا اقتسموا في ميراث أو غيره أرضًا أو سواها، ثم ادعى أحدهم غلطا أو غبنا، فإن كانت قسمتهم على التراضي، وكل واحد منهم قد جاز أمره فلا كلام له وإن ظهر ما ادعاه، وذلك كمن باع عرصه مساوية بثمن يسير، يبين فيه غبنه غلطة؛ فلا كلام له ويلزمه. وكذلك لو اشتراها مشتر بأضعاف ثمنها لزمه ولا رجوع له، وقسمة المراضاة من غير مساهمة كذلك، وأما إن كانت قسمتهم بالمساهمة على التعديل وثبت فيه الغلط والغبن على أحدهم بأمرين، فترد القسمة، كبيع المرابحة يدعي فيه وهمًا وغلطًا. قال مالك: لا يقبل منه إلا بينة تشهد على ذلك، أو يأتي من رقم الثوب ما يستدل به على ذلك، فيحلف البائع على ذلك، ويكون القول قوله، وكذلك قسمة المساهمة والتعديل، وتفسخ القسمة وتعاد ثانية، ما لم يفت الذي فيه الغبن ببناء وشبهه، فيرجع بقيمة الغبن مالا. كذلك فسره مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ، وغيرهم، وتأمل تمام المسألة هناك، وفي كتاب فضل وغيره. ولابن زرب في مسائله وفي كتاب الخصال له: السمة على ثلاثة أوجه: وجهان منها يقام يهما بالغبن، وهما قسمة القرعة والتحريز، وقسمة المراضاة بعد التقويم والتحرير، والوجه الثالث: لا يقام فيه بالغبن، وهو كالبيع يريد بيع السماومة، وهو قسمة المراضاة والمهاياة دون تقويم، وأما إذا قيل في القسمة: كتاب قسمة مراضاة ومهاباة واتفاق وتعديل، فمن وجد غبنًا أن يقوم فيه، لأن الغبن وقع في التقويم. وقال: إذا اقتسم الرجلان أرضًا، فقام أحدهما على صاحبه يقول: إنك دخلت علي في نصيبي، فالقول قول المدعي عليه فيما في يده، وعلى الآخر البينة في دعواه، وهذا المعنى في المدونة والواضحة، فتأمله فيهما، وتقسيم القاضي لمسألة الغبن هو معنى ما في الواضحة إن شاء الله ويأتي بعد هذا في ذلك في طب ابن فياض عن زوجة كنزة.

وسئل أبو إبراهيم: عن ورثة اقتسموا أرضًا، وعمر كل واحد نصيبه عشرين سنة أو أزيد، ثم قام أحدهم بغبن في القسمة يوم وقوعها، وشهدت له بينة، وقد فات ما أخذه الباقون أو لم يفت. فجاوب: لو مكن الناس من هذا لم تستقر لهم قسمة، ولا معنى للسؤال عن هذا بعد عام، فكيف بعد المدة التي ذكرت، والمتكلف للجواب فيه أسوأ حالا من السائل عنه، ولو حسن الجواب فيه لم يصح إلا بعد كشف القائم عن تركه القيام بعد عام، فيكيف بعد عشرين عامًا؟، فإن أتى بعذر معلوم نظر له، ولا تعدو القسمة أحد وجهين: مراضاة أو قرعة، ولا قيام في المراضاة بوجه إلا في الاستحقاق فقط، والقرعة لا تكون إلا بتقويم وتعديل؛ فكيف يسمع مع هذا دعوى غبن؟ إلا من معنوه لا يعرف ما له مما عليه، أو كذاب لا يبالي بشين نفسه مع إدراكه بالتعييب من أراده بالتعييب، وشهاداءه بها الكذب والزور، إلا أن يتبين عذره، فينظر له أن شاء الله تعالى. وفي أحكام ابن زياد: فهمنا – وفقك الله – ما شهد به الشهود في دار حفص بن بسيل أن قسمنا سداد لا غبن فيها على المتقاسمين، واعتراض ابن الزجال زوج أميرة أن في بعض السهام آبارًا لم تذكر في القسمة، قد غطاها الردم، ولها قيم تحيل القسم، وسأل كشف الردم ليظهر ما قال. فالذي نرى أن القسم على ظاهره تام كما شهد به الشهود، وإن أثبت المعترض ما اعترضه، فلك فيه نظر، وإن لم يثبته دعا إلى كشفه عنه، وكان ما دعا إليه قريب المأخذ لا ضرر على أهل السهام؛ يمنعه من اعمل في سهمه، والتطويل عليه – ما أمرت بكشف ما ادعاه. وإن كان في تطويل وضرر عليهم، لم يقبل منه، وأطلق كل ذي سهم على سهمه، فإن ظهر ما قال عند البنيان كان فيه حكم الفائت بالعمل، والقريب فيه أن يكشفه من اليوم أو الغد، أو يثبت شراء حفص لعراض فيها صفة آبار وصهاريج، وتعين تلك العراض بالحيازة لمواضعها، فيجب بإثبات ذلك امتحانها، وإن من طول. قاله ابن لبابة، ومحمد بن وليد. وقال ابن غالب: القسم على تمامه، ودعوى من ادعى آبارًا يريد بذلك فسخ القسم

غير مقبول منه، إلا أن يقيم بينة على ما قال، فينظر في ذلك، ومتى ظهر هذا رد القسم؛ لأنه قسم لم يتم. هذا قولنا. وقال عبيد الله بن يحيى مثله. والذي أرى أن يمتحن هذا القسم بأن تكشف الآبار، فإن انكشف من ذلك ما يوجب رد القسم وأمر بقسمها بعد التبيان، وإن لم ينكشف أمضى القسم، وقال – يحيى مثل قول أبيه. وقال أبو صالح: كل دار مستيقنة الآبار كدار أبي عروة، فإنه لا يجوز القسم فيها حتى تمتحن فتظهر، أو تعرف أمكنتها، فيقع القسم عليها أو يأخذها التقويم، وإلا دخله الحظر ومؤنة النظر بعد النظر، وأما الدار لا تعرف لها آبار فتقسم ثم يجد بعض أهل السهام في سهمه بئرًا؛ فإن سحنون بن سعيد قال: البئر لمن وجدها، والى الله أرغب في التوفيق. قال القاضي: ومع قول سحنون هذا في نوازله في كتاب جامع العيوب، قال: وكذلك إن اشترى دارًا فوجد فيها بئرًا عادية يريد ضحرًا أو عمدًا فهي له، وفي القسمة من الواضحة قال ابن حبيب: إذا اقتسموا أرضًا أو دار بتراض أو سهمه أو تعديل. فوجد أحدهم في حظه البئر العادية أو الصحراء أو العمد؛ فهو له وحده، دون غيره، ولا ينتقض القسم، والمشتري في لك كذلك، ولا ينتقض البيع، والورثة وغيرهم فيه سواء، بذلك مضى الأمر في جميعه. وفي آخر سماع عيسى في كتاب القسمة: إذا وجد أحدهما في حظه جبابا لأولين فلشريكه معه في ذلك حق، ويعاوده القسم إن كان لم يفت، فإن فات بنيان فله عليه نصف قيمة ذلك، وهو كبيوت وجدها أسفل بيوت لم يكن علم بها فليس له أن يأخذها دونه، ونحوه في سماعه عن ابن القاسم في كتاب اللقطة. فدان أوصى بتحبيس قطيع منه فقسم على غير اعتدال: شهد عند القاضي أحمد بن محمد قاضي الجماعة بقرطبة بكر بن حامد وصاحبه أنهما نظرا إلى الفدان الذي أمرهما القاضي بالنظر إليه، وبمعرفة اعتدال قسمته، وهذا الفدان بقرية سقندة في السند الذي بقبلي المصلي، فتطوفنا عيه وتبيناه فرأينا مختلفًا، وأن الجانب الغربي أجود من الشرقي في علمهما، وأن هذه الجودة ليست من طريق الزبل، وإنما هي في الأصل الفدان. فهمنا – وفق الله – القاضي ما شهد به القاسمان اللذان بعثتهما لامتحان الفدان الذي

قطع منه الحبس، فرأيناه شهادة توجب إعادة القسم في الفدان، حتى يعدل بالقيمة، ويخرج للحبس – الذي على المسجدين القطيع الذي أمر به المحبس على الاعتدال قاله ابن لبابة وعبيد الله، وأيوب بن سليمان، وابن وليد، وسعد بن معاذ. قال القاضي: هذه الشهادة ناقصة لا توجب حكمًا لأنهما لم يبينا في شهادتهما المقدار الذي به بفضل الجانب الغربي الجانب الشرقي من الدار، ولعله حقير كعشر العشر أو شبهه، ولا ذكروا أن الشهود حازوا ما شهدوا فيه بالجودة والرداء، ولا أنه أعذر إلى المطلوب بذلك الغبن، فتدبر ذلك كله فله بسط، منع من ذلك كراهة التطويل. القسمة بين الصغار والكبار: سألت – رحمك الله – عن وراثة بعضهم أبكار، وباقيهم كبار دعا بعضهم إلى قسمة ما أبيهم، فالذي يجب في ذلك إذا دعا أحدهم إلى القسمة، وأبى بعضهم أن يضم إليها من أباها منهم، بعد أن يثبت عندك ملك المال لهم يمراثًا عن أبيهم، وثبت عندك عدة ورثة ثم تقدم لهم من نثق به من القسام، فيقسم بينهم. فإذا قسم وشهد عندك على القسمة أنها سداد؛ اشهدت في نسخة القسم على ثبوت ذلك عندك، وهذا من نظرك في القسم على أن يكون للورثة كلهم بالغًا أو بعضهم أو كيف ما كان إذا أبى أحدهم؛ وجب عيك الأمر بالقسم على الراضي منهم والآبي، والصغير والكبير، فإذا خلصت الحصص لأهلها؛ ملك كل واحد حصته، وفعل فيها ما أحب؛ من ملك منهم نفسه. ومن احتاج ممن لا يملك نفسه إلى بيع، وثبت ذلك عند من رفع إليه من الحكام؛ جاز له البيع، ثم لا يكون ذلك ولاية؛ لأن الولايات لا يضم إليها إلا القضاة، كما لا يطلق منها إلا القضاة. قاله ابن لبابة، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد، ومحمد بن غالب. قال القاضي: انظر جواز بيع الحاكم غير القاضي مال المحجوز لرورة من حاجة أو قضاء دين فهو حسن، وقد تقدم نحوه من فتوى شيوخنا في ذلك الحاكم بينهما فيه صاحب الشرطة، والسوق ابن الليث، وأفتى به شيوخنا، ولم ينكروه، وكثير من جهال المفتين يتوهم أن

ذلك ليس إلا إلى القاضي. وفي مسألة ابن البيطار لبيب من ذلك في باب القضية، وي كتاب القسمة من الواضحة قال ابن حبيب: ولا يجوز للقاضي إذا سأله الورثة أو بعضهم أن يقسم دارًا وروثها أو قرية أو غيرها أن يامر بقسم ذلك بينهم، حتى يثبت عنده أن ذلك الشيء كان للهالك ملكًا له ومالاً حتى هلك عنه، أو أن الهالك كان ساكنًا في تلك الدار إن كانت دارًا كما سكن الرجل دار نفسه، حتى هلك فيها. وإن كان قرية، فلا يجوز له أن يأمر بقسمها بينهم حتى يأتوه بحوزة ما كان للهالك فيها وصفته وتسميته ومساحته، في كتاب وبينة تشهد على ما وضع فيه أنهم يعرفونه ملكًا للهالك أو في يده وعمارته حتى هلك عنه؛ لا يجوز له أن يقسم ذلك بينهم ولا يشهد لهم عليه بعد القسمة، حتى يثبت عنده هكذا خيفة أن يدخل في قسمتهم، ما ليس لهم من حق غائب أو صغير وشبهه. وهكذا سمعت أهل العلم يقولون. وقال: وهو في المختلطة مقاسمة الأب لبنيه الصغار جائزة عليهم لازمة هم، ووصي الأب لهم في ذلك كالأب، لا مدخل في ذلك للقاضي عليه، فإن لم يكن وصي فالقاضي، ولا يقسم للصغار غير هؤلاء الثلاثة على الدرجات التي وصفت. إلا أن مطرفصا وابن الماجشون أخبروني أن مالكًا وغيره من علمائهم، أجازوا في الصغار يهك أبوهم فتحضنهم أم، أو عم، أو أخ رشيد، أو أجنبي احتسب فيهم وقام بولايتهم واكتنفهم؛ بغير تقديم سلطان، أو إيصاء أب – أن ينفذ لهم عليهم ما يجوز للوصي على من أوصى إليه به، من مقاسمة أو بيع أو ابتياع أو تزويج أو صلح أو إنفاق أو حيازة صدقة منه أو من غيره وشبهه؛ ينزل في جميع ذلك منزلة الوصي. وبه نقول، وأعلمت به أصبغ فاستحسنه، وقال به، ولم يكن ابن القاسم يقوله هكذا مجملاً، إلا أنه قد قاله في مربي اللقيط أن مقاسمته له ما أوصى له به، وحيازته له ما تصدق به عليه جائزة، وإنما جاز ذلك له بولايته إياه، وكفالته له، فكذلك كل من ولي يتيمًا واكتنفه لقرابة أو لحسية هو كالوصي في جميع أمره. قال: وقد روي ابن القاسم عن مالك في صاحب الشرطة العدل في حالة وأحكامه: أنه في القسمة على الصغار كالقاضي، وأما الكبير الغائب فلا يقاسم عليه إلا القاضي لا غير – قاله مالك وأصحابه.

دعوى في تقاسم وعين في توارث: فهمنا – وفقك الله – ما طلبه بن فياض عن زوجة كنزة بنت أصبغ بن خالد من تقاسمهم قرية فنبانش وزير من إقليم وابه، التي هلك عنها أبوهن، وقول محمد بن موسى وكيل زوجته أسماء بنت أصبغ بن خالد: إن القسم قد وقع صحيحًا تامًا، وفسأل ابن فياض إحضار كتاب القسمة التي ذلك، وقال له: قد أظهرته إلى قوم شهدوا بذلك عليك فأظهره ينظر القاضي فيه، ويحملنا على ما يجب. وقال ابن موسى: لي سعندنا بالقسمة كتاب. فيجب في ذلك أن يحلف بالله: ما عنده كتاب فيه ذكر القسم ولا أظهره إلى ابن فياض ولا للشهود الذين شهدوا عيه أنه أخرجه إليهم، ولا نحاة إلى موضع، ولا نعرف له موضعًا، فإذا حلف حملتهم على ما يجب من إثبات رقبة القرية والأمر بمقاسمتها. قال ابن لبابة، وعبيد الله بن يحيى، وأيوب، وابن وليد، وغيرهم. وقالوا في الشهادات الواقعة عند القاضي على إقرار سليمان بأنه قاسم سعيدًا الكرم الذي تنازعا فيه بقرية بلة مالله، وأنه اقتلع من نصيبه أصل زينون بعد القسمة واغترسها في مالله على القسم وحاز كل واحد منهما سهمًا، وادعى أن عليه في نصيبه عبنًا بعد قوله كانت قسمتنا للكرم على المراضاة، وأن هذا التقاسم كان منذ ست سنين واعتمراه على المقاسمة، وأنك أعذرت إلى سليمان فيمن قبلت ممن شهد منهم، وانصرمت الآجال فلم يكن عنده مدفع، وسألك سعيدًا أن تشهد له على ما ثبت عندك من إقرار سليمان له بالمقاسمة، وتمنعه من اعتراض سعيد في سمه من الكرم. فالذي نقول به: إن الذي طلبه سعيد من حقه ومما يجب عيك الإشهاد له عليه.

باب الصدقات والهبات وشبيهها

باب الصدقات والهبات وشبيهها أعلم أن الصدقة والهبة والنحلة، وجميع ما في هذا المعنى من منحة أو إعمار وشبه ذلك؛ لا يصح عن معطيه في صحته، وشهادة البينة بمعاينتها، ولا يكتفي بإقرارهما بذلك، إلا الأب يفعل ذلك لابنه الصغير، في غير دار سكناه، فإنه يكتفي في ذلك بإشهاده اللهبة والصدقة وشبههما، وأنه تولى اجتياز ذلك لابنه الصغير أو ابنته البكر أو بنيه الصغار الذي في حرجه وولاية نظره من نفسه له أو لها أو لهم، حتى يبلغوا مبلغ القبض لأنفسهم أو لنفسه. وإن كانت هبة لهم دار سكناه فلا يد له من إخلائها ومعاينة البينة لذلك، ونظرهم إليها خالية منه ومن متاعه. والأصل في الصدقات والنحل وما في من عناها أنها لا تتم إلا بالحيازة: حديث أبي بكر الصديق رضي الله في نحلته عائشة ابنته أم المؤمنين رضي الله عنها؛ إذا قال لها في مرضه الذي توفي منه: يا بنية، والله ما من أحد من الناس أحب إلى عني بعدي منك وإن كنت نحلتك جاد عرين وسقًا من تمر، فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك وإنما هو اليوم مال الوارث .. الحديث. وهو مذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومذهب مالك وأصحابه، وبه جرى العمل، ومسائل العطايا مبنية على هذا المعنى، إن شاء الله تعالى، وفي حيازة الأب ما وهبه صار بنيه من العين اختلاف من قول مالك، وكذلك اختلف في أصحابه، وكل ذلك مبسوط في أصول الأمهات، والله ولي الهدي التوفيق. والوصي فيما يهبه يتيمه الذي في حجره كالأب في ذلك كله، ولابن وهب في مساع يحيى: أن الأم والجدات والأجداد الحاضتين ليتيم في حيازة ما وهبوا له كالأب والوصي، إن كانوا غير أوصياء، وليس الأخوة والأعمام كذلك. ولابن وهب في آخر سماع زونان في اللقيط: أنه يجوز له الذي هو عنده ما وهبه له، كما لا يجوز ابنه. وقاله سحنون. وروي ابن غاتم عن مالك في كل من ولي يتيمًا لقرابة أو حسبة، مثله في حيازته له ما تصدق به عليه هو أو غيره وجواز مقاسمته له. قال سحنون: رواية ضعيفة. ولابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون نحو رواية ابن غانم، بزيادة بيان؛ فتأمله.

وكله خلاف رواية ابن القاسم، وقوله في سماع يحيى وغيره، وفي صدقة المدونة: وفي النحل والعمرى، والعطية، والهبة، والصدقة، والحبس، بمنزلة واحدة في قول مالك، في القبض. وفي باب آخر فيه: إن منح بن غنمة شهرًا أو أكثر، فقبض الممنوح للغنم حيازة كقبض العبد قبض للخدمة والدار في الإسكان، وتكرر ذلك في كتاب العربة، وقال في العرية: إن مات المعري قبل أن يطلع في النخل شيء وقبل أن يحوز المعري النخل؛ بطلت العربة. قال ابن حبيب: إن مات المعري، وقد حاز المعري النخل ولم يطلع فيها بشيء بطلت العربة، وكذلك إن طلع فيها تمر ولم يجز النخل والمنحة كذلك، بخلاف الخدمة والسكن؛ قبض الرقبة قبض لهما. وقال أشهب: إن مات المعري بعد الإبار، فذلك حوز؛ لأن المعطي يدخل ويخرج ولا يمنع، كمن وهب أرضًا بالصحراء حوزها أن تسلم إليه، وإن مات وبها قبل الإبار بطلب العربة، إلا أن يكون مما تسلم إلى المرعي فتحاز، فإنه إن لم يجزه حتى مات ربه فلا شيء له، وإن حازه جاز ذلك، وإن لم تؤبر. وذكر فضل: أن معنى المدونة مثل ما ذكر ابن حبيب، وبخلاف إذا تصدق عليه بحمل في بطأمه؛ لأن الحمل حين الصدقة، وقد كان قبض الرقبة قبضًا للحمل. قال ابن القاسم في صدقة المدونة. قال: وكذلك هبته ما في بطون غنمهن وكذلك هبة ثمرة نخلة قبل بدو صلاحها، وزرع أرضه قبل قبض الأصل قبض للموهوب. قال: وكذلك إن وهب له ما تلد جاريته عشرين أو ثمرة نخلة عشرين سنة جاز، إن جاز الموهوب له الأصل، أو جعل على يدي من يحوز له. والأشياء التي لا تتم إلا بالحيازة: الحبس، والصدقة، والهبة، والعمري، والعطية، والنخل، والعية، والمنحة، والهدية، والإسكان، والعارية، والإرفاق، والعدة، والإخدام، واصلة، والحباء، والرهن وهو آكدها؛ لأن النص فيه قال تعالى:

فيمن تصدق على ابنته البكر بنصف داره إلى جهة معروفة سماها: من أحكام ابن زياد: قال أبو صالح: نظرت – أبقى الله القاضي – في كتاب الصدقة بنصف الدار إلى جهة المشرق على السواء، فرأيت صدقة تامة، وقد تكلمنا فيها عندك، وكتبنا: إن كانت الدار معروفة بسكنى المتصدق فعليها إقامة البينة؛ أن أباها تخلى بسكناه، فإن أباها جائز عليها، وعلى من ادعى أنها كانت معروفة بسكناه البينة على ذلك. هذا ما قلنا، وبه نقول، وهو قول سلفنا، فإذا ثبت أنها كانت معروفة بسكناه، وجب عليها إثبات نخلية، وإن له يثبت سكناه فحوز أبيها لها حوز، وهو لها ماض تام لا كلام فيه لأحد ولا يضرها، إلا أن يكون فتح باب في نصيبها. وقاله ابن لبابة، وابن وليد. وقال سعد بن معاذ: الصدقة تامة جائزة إذا قام عليها شاهدان حتى يأتي من يشهد أن الأب سكنها، وعلى المعارض لها البينة. وإن لم يكن إلا شاهدًا، حلفت مع شاهدها على الصدقة. وقال بذلك يحيى بن عبد العزيز. مشورة في مثل هذا المعنى: قرأنا – وفق الله القاضي – الكتاب الذي أشهد بثبوته عنده بصدقة ابن حمدون على ابنته أمامه الطفلة في حرجه بقطيع محجوز من داره، التي شهد فيها سعيد ابن حمير وأحمد ابن بيطير، فرأيناه في شهادة ابن خمير ذلك الحيازة ولم يذكرها أحمد، واستجار بأن الآباء يحوزون على الأصاغر، وليس في الشهادات أنها دار سكناه؛ فالصدقة تامة لإقرار الأب بالحيازة، ويجب أن تبعث الشاهدين اللذين حازا القطيع وعرفاه فيحوزانه بمحضر شاهدين وتدفعه إلى أمامه المتصدق عليها. قال ابن لبابة وابن وليد، وأحمد بن يحيى. الشهادة بالصدقة على من أنكرها: فهمنا – وفقك الله – ما تكلم فيه أبناء مسونة من الدار، والجنان، والقرية، وشهادة طاهر بن عبد العزيز على ما شهد به، وشهادة أبي صالح على ابن مسونة: أنه أخرج إليه كتبًا، فيها ذلك صدقات بجنان ودار بناحية باب اليهود، وشهادة ابن معاذ بمثل ذلك، إلا في القرية، فيجب في ذلك أن يحمل طاهر وأبو صاح وابن معاذ حيازة هذا الدار والجنان، فإن اتفقوا في حيازة ذلك؛ لزم ابن مسونة ما شهدوا به عليه من إقراره بالصدقة، والابتياع، وإن اختلفوا في حيازة ذلك نظرت فيه بما يظهر لك، إن شاء الله. قاله ابن لبابة وعبيد الله بن يحيى وابن وليد.

من وهب نصف دار ثم سكنها الواهب والموهوب له: في مسائل ابن زرب: إن سكنا الدار وهي مشاعة لم ينفذ شيء من الهبة؛ إلا إن اقتسما سكناها بشطرين على المراضاة، وإن لم يكن قسمة صحيحة في الأصل فإن الهبة تنفذ في اقتسامها بتراض، إذا كان سكناها إياها على اقتسام. إذا أعمر الموهوب له الواهب دارًا كان وهبها، ثم أراد الرجوع في الإعمار لئلا تبطل الهبة: سأل القاضي ابن زرب ابن دحون: عمن وهبت له دار، ثم أعمرها الواهب بعد اشهر يسيرة لا يكون مثلها حيازة، ثم علم أن ذلك مما يبطل هبته، فأراد إبطال العمرى وقبض الدار، فأطرق القاضي فيها حينًا، ثم قال: إن كان الموهوب له ممن يرى أنه يعلم أن العمرى إبطال للهبة، فقد لزمه ما صنع وبطلت هبته، وإن كان ممن يرى أنه لا يعلم ذلك انفسخت العمرى، ورجع الموهوب إلى الدار وقبضها من الواهب. وذكر أن هذه المسائل إنما هي بالتكرر على درسها، وإنما تنسى مع ترك ادرس. قال: ولقد شهدت اللؤلوي أفتى في امرأة فاسدة أنها تستبرئ نفسها بحيضة ثم تنكح، فقلت له بعد خروج السائل عنه، وذهابه بردة عنه: الحرائر استبرأهن ثلاث حيض، فتذكر الأمر، وأمر بصرف المستفتي ومحا جوابه، وجاوب أن تستبرأ بثلاث حيض. قال: وشهدته أيضًا في علة اعتلها غير التي توفي منها، قد عقد في وصيته خدمة فتى لزوجته، وقال في وصيته: فإن شاحها الورثة في خدمته عجل له العتق، فقلت له: هذا لا يجوز، وأتيته بالرواية فيه فتذكرها، وأصلح ما كان عقده من ذلك. فقال له ابن أخي: إن هذا العجب أن يكون مثل اللؤلؤي على قدره في الفقه يغلط في مثل هذا، فقال له القاضي: لو تركت الدرس عامين لنسيت ما هو أقرب من هذا، فكيف بشيخ قد بعد عهده بالدراسة، وإنما هذه المسائل بأن لا يقلع رأس عن درسها. صدقة الأب على ابنه بدنانير وغيرها، وبيعه منه داره بمال ذلك أنه كان له بيده، وغير ذلك من مسائله، وهبة المشاع: قال القاضي أبو بكر بن زرب في مسائله: إذا تصدق الأب بناض على ابنه الصغير، وأخرجه عن يده إلى من يقبضه له بمعاينة بينه، ثم باع منه بذلك دار سكناه قبل تمام عام فأزيد لحيازة ذلك الناض؛ لم يجز ذلك، وإن كانت غير دار سكناه لم يرد ذلك ونفذ، وإن

لم يجز الناض عنه إلا أقل من عام. قال: وإذا تصدق الأب على الابنه الصغير أو الكبير بصدقة وحازها الأب؛ نفذت الصدقة في حظ الصغير، وبطلت في حظ الكبير إن لم يحزه هو أو وكيله. قال القاضي: هذا الذي ذكره رواية ابن نافع وعلي بن زياد عن مالك في المدونة، ومثله في الصدقة في سماع أشهب وابن نافع عن مالك، وفي سماع ابن الحسن، ورواه ابن حبيب عن مطرف، وابن الماجشون عن مالك، ولو كان حبسًا لبطل جميعه ولم يجز منه حظ الصغير ولا غيره، واختاره ابن حبيب. وحكي عن ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ: أن الصدقة كالحبس لا يجوز منها شيء وكذلك في المدونة، وفي حبس العتبية في مساع عيسى عن ابن القاسم. وتركنا بسط ذلك واستيعاب قائليه كراهة التطويل. وما أظن إلا أن القاضي حين تكلم في ذلك سقط منه مذهب ابن القاسم ومن وافقه في ذلك؛ إذ لم يذكره ولا ذلك أن الذي قاله اختياره من الاختلاف فيه. قال القاضي: ولو أنه حبس دارًا له على ابنه – يريد الصغير في حجره – وعلى السبيل، ثم حاز الجميع لبطلت الحباسة في الكل. قيل: ولم؟ فقال: لأن سبيل الله لا قابض له، وهو خلاف الصدقة على الكبير والصغير. قال القاضي: في سماع أصبغ عن ابن القاسم فيمن تصدق على ابنه الصغير بنصف غنمه أو داره، وترك بقية ذلك ملكًا لنفسه شريكًا له به؛ جاز وهو حوز له، ولو تصدق عليه بنصفها ونصفها في سبيل الله، وحاز الأب الجميع حتى مات وذلك على حاله؛ جازت صدقة الابن، وما كان في سبيل الله من ذلك فليس بشيء، وليس كمن تصدق على ابنه الصغير وابنه الكبير؛ لأن ما كان للسبيل لا يجوزه أحد فهو كلا شيء، وهو كما لو حبسه لنفسه شريكًا به، والابن الكبير والأجنبي يحوز ويقوم به. وفي رسم العرية من سماع عيسى في مسألة الصغير والسبيل مثل ذلك، ومذهب ابن القاسم في صدقته على الصغير والكبير إن لم يجز الكبير الصدقة؛ بطل جميعها، ولم يجز

للصغير ولا للكبير منها شيء. كذلك عنه في المدونة والواضحة وغيرهما، وقد ذكرنا فوق هذا. فإذا قد أجاز ابن القاسم حظ الصغير إذا كانت الصدقة عليه وفي سبيل، وأببطله في الصدقة عليه وعلى الكبير إذا لم يجزه الكبير، فينبغي في مسألة القاضي إذا حبس على الصغير وفي السبيل أن يجوز حظ الصغيرة، كما قال في الصدقة؛ لأنه قد جعل السبيل كلا شيء، بخلاف الصدقة أو الحبس على صغير، وتنظيره للحبس على الصغير وفي السبيل بأنه خلاف الصدقة على الصغير والكبير؛ يدل أن مراده في الصدقة على الصغير وفي السبيل إذا لم يخرج من حيازة الأب: أن الجميع يبطل، وهذا خطأ وخلاف الرواية، وكلامه كله في هذه المسألة من أولها يدل على سقوطها من ذكره، وأنه أدرك فيها ما حكاه عن اللؤلؤي شيخه، والحمد لله على جليل نعمه. وفي المسألة التي ذكرنا من سماع أصبغ جواز هبة المشاع، وإن بقي للواهب سائر الموهوب منه، ومثله لمالك في سماع ابن القاسم من صدقة العتبية، وكذلك في صدقة المدونة لابن القاسم، وفي آخر الشفعة أيضًا، وفيه خلال في كتاب ابن حبيب وفي سماع أصبغ. قال القاضي: ومن تصدق بميراثه في رجل، وهو لا يعرف قدره، جاز ولزمه. قال: وهذا الذي استحسن، وفيه اختلاف. قال القاضي: في أول سماع عيسى عن ابن القاسم في مالك لأمره، تصدق على آخر مثله بميراثه من أبيه إذا مات، وأبوه باق. قال: لا أرى أن يجوز هذا، أو لا أقضى به عليه، وهو أعلم. قال في النوادر بأثرها: وكذلك روي ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم. وذكره ابن المواز، وقال: أما في اليمين فيؤمر به من غير قضاء، ويلزمه في غير اليمين كالعتق. وفي سماع أصبغ: قال ابن القاسم فيمن تصدق على رجل بميراثه من أبيه بعد أن يموت أبوه، وأشهد له وقبل ذلك منه، ثم بدا للمتصدق وقال: فعلت ذلك وأنا لا أدري ما أرث، أنصفًا أم ربعًا؟، ولا عدد ذلك ولا ما سعة ذلك من الأرضين وعدة الأشجار، فلما تبين لي ما أرث مما ترك رأيته كثيرًا، وكنت ظننته دون هذا، وأنا أجيزه إلا أن تبين مما

قال أنه لم يكن يعرف يسر أبيه ولا وفره، لمغيبه عنه – حف ما ظن ذلك وكان القول قوله، وإن كان عارفًا يسر أبيه، وإن لم يع لم قدره، جاز عليه أحب أو كرهه وقال أصبغ. وقال ابن أبي زيد في النوادر بعد هذه المسألة: أعرف لابن القاسم أن هبة المجهول جازئة. وقال محمد بن عبد الحكم، وقال ابن المواز عن أشهب: من وهب مورثه لرجل، ولا يدري كم هو من مال الميت؛ ربعه أو ثلثه؛ جاز إن كان لغير الثواب، وإنما يكره المجهول في البيع، ونحوه في الصدقة. من المدونة، وفي أول كتاب القسمة، وهذا الوجه الذي أراد القاضي، والله أعلم أنه تصدق بميراثه بعد موت موروثه. قال القاضي: من أشهد أنه باع دار سكناه من ابنه الصغير بمال استقر بيده من مال ابنه هذا من هبة أجنبي له، أو غير ذلك؛ جاز وإن لم يعرف السبب الذي منه وجب لا بن المال، وإن قال: إنه هو الذي وهب له المال ثم باع منه به دار سكناه؛ لم يجز إلا بعد أن يعرف أصل الهبة، ويكون قد حيز عنه عامًا فأزيد قبل البيع، وإن كانت غير دار سكناه وأقر أنه باعها منه بمال وهبه؛ جاز ونفذ وإن لم تعرف الهبة، وهو في هذا كأنه وهب له الدار. قال: ومن وهب لابنه هبة وحازها له لصغيره وبقيت بيده حتى مات، والابن حتى موته بالغ، وعرف بالرشد من نوقت بلوغه ولم يقبض الهبة؛ بطلت، وإن كان معروفًا بالسفه نفذت وإن طال تركه لها، وإن كان مشكوكًا فيه لا يقضي برشده ولا بسفهه، فإن مضت سنة بعد موت الأب وهو بالغ؛ بطلت الهبة. كما وقع هذا الفصل الآخر، وفيه نظر. قال: ومن تصدق على ابنه الصغير بصدقة، وعمر منها الثلث فدون؛ جازت الصدقة كلها، وإن عمر منها فوق النصف؛ بطلت كلها وإن عمر منها نصفها أو دون النصف وفوق الثلث؛ بطل ما عمر، ونفذ ما لم يعمر. قال له ابن أخي: هذا شيء لم أسمعه قط منك. وقال له: لو لم تقبل اليوم إلا لهذه المسألة؛ - فقال له ابن أخي: أين وقعت؟ فقال له: في هذا الكتاب في سماع يحيى، وفيه كان يناظر. قال القاضي: هذا التنويع الذي ذكره، وقال هو في سماع يحيى: ليس في هذا السماع بشيء يدل

عليه، وإنما هذا الأصل في سماع عيسى وسماع ابن الحسن، وكان في سماع يحيى في كتاب الحبس إشارة إلى بعض ما ذلك، وهو غير بين، وفي كتاب الرهون من المختلطة من هذا الأصل. فتأمل ذلك كله، ولطول تركناه نقله. قال: ومن تصدق على ابنه الصغير بدنانير له عند رجل، وقال ذلك الرجل: أشهدكم أنها عندي، وأني حزتها للمتصدق عليه، ثم مات الأب، فذلك نافذ لابن إذا علم أن الدنانير كانت عند الرجل للتصدق قبل الصدقة، أو عاين الشهود قبضها وقت الصدقة، وإن كان لم يعلم هل ابنه الصغير بثبات وصفها، وأراها الشهود وحازها لابنه، ثم مات ولم توجد في تركته؛ فلا ضمان عليه ليمتها. قيل له: ولم لا تكون في ضمانه، كالمودع بينة يموت، ولا توجد الوديعة في يالتركة فتؤخذ من ماله فقال: ليست مثلها وهي فعله قبل السنة يبطل الصدقة، قيل له: فلعله لم يبعها إلا بعد سنة، قال: هذا شك ولا أضمنه إلا لو ثبت أنه باعها بعد حوزها سنة، فلو ثبت هذا، ولم توجد في تركته لوجب تضمينه، ولم أشك حينئذ في وجوب ذلك. قال القاضي: جواب القاضي في هذه المسألة ضعيف، واعتراض من اعترض عليه فيه صحيح، والحكم للمتصدق عليه بقيمة الصدقة في مال المتصدق واجب، وقد تقدم في باب الشهادة في هذا المعنى ما يقوى ما ذهبنا إليه، والله تعالى أعلم، وهو الموفق للصواب لا شريك له. قال القاضي: جواب القاضي في هذه المسألة ضعيف، واعتراض من اعترض عليه فيه صحيح، والحكم للمتصدق عليه بقيمة الصدقة في مال المتصدق واجب، وقد تقدم في باب الشهادة في هذا المعنى ما يقوى ما ذهبنا إليه، والله تعالى أعلم، وهو الموفق للصواب لا شريك له. قال القاضي: ومن باع في مرضه من وارثه، وأشهد على البيع وعلى الإقرار بقبض الثمن، ولم يعاين الشهود قبض الثمن؛ فالبيع نافذ، وعلى المبتاع غرم الثمن ثانية، ولا يبرئه إقرار البائع بقبضه، إذا لم تعاينه البينة، كمريض أقر بقبض دين من وارثه؛ لا ينفذ إقراره إلا بمعانية الدفع. قال القاضي: قد تقدم من هذا المعنى في مسائل الشهادات والدعوى، وسأله ابن دحون عمن ابتاع لابن له صغير دارًا بمال وهبه له، ثم بلغ الابن ومات الأب ولم يقبض الابن الدار، هل تنفذ له أم يبطل أمرها؟ فقال: لا يبطل، وقد تمت الحيازة لهبة بالابتياع للدار بها. قال ابن دحون: فلو أن

رجلا أقر بدار لابن له صغير، فقال: محمل هذا الإقرار محمل الهبة إن كانت الدار معروفة وهي مسكنة، فإن خرج عنها وحازها لابنه، نفذ الإقرار وإلا بطل، وإن كانت غير دار سكناه نفذ إقراره. وإن لم يعلم في دار السكنى أو في غيرها ملك الأب لها؛ جاز الإقرار وإن لم يجزها. وقال القاضي: من أقر في مرضه بدين لوارث أو صديق ملاطف وله ابنه لم ينفذ إقراره، والابنة كالعصبة، وإن كان في مكانها أو معها ابن ننفذ إقراره؛ لأنه لا يورث كلالة، فقال له ابن محسن وغيره: روي ابن عبد الحكم عن مالك أن الابنة كالابن، فقال: نعم، ولكن مذهبي أن الابنة كالعصبة، وقد علمت أن فيها اختلافًا. قال القاضي: لم يذكر القاضي ولا ابن محسن ما في المدونة في الابنة. قال ابن القاسم: من ترك ابنه وعصبة يرثونه فأقر لهم مال، لم يتهم أن يقر إلى العصبة دون ابنته، فقد جعل ابن القاسم الابنة كالابن، ولم يرها كلالة كما قال القاضي. وفي الوصايا الأول: إن أقر لصديق ملاطف – يريد في مرضه – بدين وورثة ولده لم يتهم، وجاز ما أقر به للصديق الملاطف، وإن كان ورثته أبويه وزوجته، أو له ولد ولده لم يجز إقراره مع أبويه ويجوز له مع ولد الولد، وهو كالولد. وفي خامس وصيا النوادر: قال أشهب: إذا ورثه بنات فإقراره لوارثه من عصبته أو لصديق ملاطف؛ جائز ولا أتهمه مع البنات أو الأبوين، إلا أن تعرف منه بغضه لولده، وفي الواضحة في الأبوين والأخوة ونحوه، من رواية أصبغ عن ابن القاسم في كتاب الوصايا. وفي كفالة المدونة والمكاتب من هذا الأصل: ولا أرى قول القاضي في الابنة إلا وهما. وفي مسائله قال: ومن أقر بعرض بعينه لرجل ثم مات، وجب لذلك الرجل أخذ ذلك العرض دون يمين، وكذلك كل شيء يعرفه الشهود بعينه. ولو أقر له بدنانير أو دراهم، وما لا يعرف بعينه، وجبت اليمين على المقر له: أنه ما قبض ولا وهب ولا واستحال، وإنه لباقي إلى حين يمينه، وكان السائل له عن ذلك أبو علي الحداد من أصحابه.

من تصدق بدار على زوجته وسكنها معها، وحيازة الولد بالقفل، والأرض بالتطوف، وحيازة أم الولد، وصدقة ذات الزوج: وفي مسائل ابن زرب أيضًا فيمن تصدق على زوجته بدار وقبضتها منه وسكنها معها: أن الحاضرين لمجلس القاضي خاضوا فيها: هل قبضها حايزة وإن سن فيها معها؟ وقال جلهم: هو حيازة، فقال لهم القاضي: كيف يكون حيازة وعليه إسكانها؟ فكأنها لم تخرج عن يده إذا سكنها من يلزمه إسكانه. قيل له: فما تقول فيها؟ فقال: هي مشتبهة، ولم يفصل فيها بشيء. قال القاضي: هكذا وقعت هذه المسألة في مسائل القاضي أبي بكر ابن زرب جمع أبي بكر ابن حربيل التجيي، وفيها أقوى دليل على قلة العلم وتضييع الاجتهاد فيه، لعزوب هذه المسالة عنهم، وهي منصوصة في كتاب الصدقة من العتبية، في سماع عيسى: قال ابن القاسم: من تصدق على امرأته بمسكن وهما فيه؛ فسكنه معها، فليس حوزها حوزًا حتى يخرج منه وتحوزه بما تحاز به الصدقات؛ لأن السكنى عليه فلم تجزه بشيء يعرف، وإن كانت هي المتصدقة عليه فسكنت معه كما كانا؛ فذلك حوز؛ لأن السكنى عليه. وهي منصوصة فكيف خفي مكانها على جميعهم، لكنه كما حكي هو عن شيوخه قبل هذا أن المسائل لا ينبغي أن يغفل عن درسها، ولكن شيء آفة، وآفة العلم النسيان، وقد حكي لنا بعض من لقينا: أن أبا عمر الأشبيلي كان يقول: ليس يبقى مع الدارس الحافظ في آخر عمره إلا معرفة مواضع المسائل، وما هي إلا منزلة كبيرة لمن كان بهذه المنزلة في العلم. ولم يكن كما ذلك لنا بعض الطلبة عن إنسان كان قد ارتسم بالفتوى أنه طلب باب الحضانة في باب طلاق السنة، ولم يزل يقلب أوراقه حتى أتى إلى آخره، فما لم يجد شيئًا رمي بالكتاب إلى محراب مسجده، وهذا هو الموجود في وقتنا هذا، فقهنا الله في الدين، إنه منعم كريم. وذكر بعد هذه المسألة في السماع: إذا تصدقت عليه بخادم أو تصدق عليها بها، ثم استخدمها جميعًا: أن ذلك حوز، ولا تضر خدمة المتصدق منهما. وفي سماع يحيى: من تصدق بدار ودفع مفتاحها إلى المتصدق عليه ليحوزها، فذلك

حوز، وإن لم يسكنها ولا أسكنها قيل للقاضي: هب هذه المسألة صحيحة؟ فقال: هي صحيحة. قيل له: بإسلام حديدة؛ لا يدري أهي مفتاح للدار أم لا، تصح الحيازة؟ قال: نعم، فراجعه جميع من في المجلس، فقال: هو حيازة. ووقف على ذلك. فقيل له في المتصدق عليه أو الموهوب له، يكري الشيء المتصدق به أو الموهوب له أو يعيره ويكون حيازة، وما الفرق بينه وبين قول المتصدق عليه: قد قبضت؛ فلا يكون حيازة؟ قال القاضي: ليست هذه بحجة، وهذا أمر جائز؛ لأنه خروج عن يد المتصدق عليه، وذكر عنده التطوف على الأرض الموهوبة، وقيل له: هل رأيت لأحد من أصحاب مالك أنه حيازة؟ فقال: لا، وإنما هو شيء أجمع الشيوخ عندنا عليه وجعلوه حيازة؛ لأنه كالتخلي. فقال له ابن صاعد: رأيت لبعض أصحاب مالك أن التطوف حيازة وسأريكه، فقال: ما رأيت هذا. قال القاضي: في كتاب ابن حبيب سألت ابن الماجشون عمن تصدق على أجنبي بأرض تزرع وتعتمل، ما وجه حوزها؟ فقال: أن يشهد على الصدقة، ويشيد ذكرها، ويخرج إليها، ويشهر أمرها، ويعلم بذلك جيرانه فيها، وتأخذ كتابًا بأمر القاضي إلى والي ذلك المكان: بأن تلك الصدقة قد حقت لفلان عندي، ونزل فيها منزلة فلان، وهذا وشبهه مما تحقق حوزه لها، وبعض هذا يكفي من بعض، وما كثر من ذلك وتظاهر أحب إلي. وسألت عنه مطرًا فقال نحوه، إلا أنه لم يذكر أخذ كتاب القاضي، ولكن قال: إن حددها للشهود أوقفهم عليها فهو أقوى للحيازة، وإن حددها في كتاب الصدقة ولم يقف الشهود عليها مجملاً من غير تحديد؛ أجزأه أيضًا إذا امتنع منها، ونزل المتصدق عليه منزلته فيها. قال: وسألت عنها أصبغ فقال لي مثل قول مطرف، ما لم يأت إبان عملها، فإن أتى فلمي عملها واحد منهما بطلت الصدقة، إلا أن يع لم أنه منع منها المعطي، فلا يضره حينئذ ترك العمل. قال: وإنما يكون الإشهاد حيازة لما لا يعتمل كالدين والشيء المهمل، ففي قول مطرف وأصبغ أن التطوف حوز، وهو توقيف الشهود على حدودها، وفي سماع يحيى في المدونة نحو ما زاده اصبغ في ترك العمل وقد حضر إبانه. فتأمل.

قال القاضي: وأحب إلي في أم الولد أن تحوزه لنفسها ما يتصدق به عليها سيدها، وهو الذي يفعله الناس عندنا، وإن تولى السيد احتياز ذلك نفذ لها. قال القاضي: في سماع يحيى ابن القاسم: حالها في ذلك كحال الحرة، ودليل المدونة أنه يجوزه له سيدها، ورأيت لأبي عمر الأشبيلي أنه كان يستحب الأخذ برواية يحيى، فإن عمل بدليل المدونة مضى، وهو نحو ما ذهب إليه القاضي. وقال القاضي: إذا تصدقت ذات الزوج بثلث مالها، ثم تصدقت بعد ذلك بثلث مالها، ثم تصدقت بعد ذلك بثلث مالها، إن كان بين الصدقة عام فما فوقه، نفذ ذلك لها.

باب الحبس

باب الحبس ودعوى الساكن فيه دفع غلته إلى مكرية: اعلم أن الحبس من شروط صحته حوزه عن محبسه في صحته، كالصدقة والهبة وغيرهما، مما هو في معنى عطية، وقد تقدم هذا، ولا خلاف فيه بين مالك وأصحابه. وفي أحكام ابن زياد القاضي: كشفنا سعيد الساكن في دار زبلون المحبسة وحوانيته وقرنه عما استقر عنده من خراج ذلك، فقال: قبالته علي للسنة بسبعين دينارًا، وقد انقضت السنة وغرمت إلى صاحب السوق ابن زبلون النجامامات لمحلها، وليس عندي منها شيء. الجواب: فهمنا - رضي الله عنك - إقرار سعيد فرأينا إقراره يجب عليه إثباته، فإن أثبته ولم يكن لورثته زبلون في ذلك مدفع؛ كان القول قول سعيد فيما مضى من النجوم، وما كان منها بقرب إقراره فعليه البينة، على أدائه، وإن لم يثبت الاكتراء لزمه غرم جميع القبالة، إلا أن يكون قبالة مثلها أكثر؛ فيؤخذ بالأكثر. قاله ابن لبابة وابن وليد. حبس في وصيته ضيعة على ضعفاء أهله: كتب بها إلى أبي عبد الله بن عتاب من المرية: الجواب - رضي الله عنك - في رجل حبس في وصيته ضيعة له حبسًا، صدقة على ضعفاء أهله من قبل أبيه وأمه، يبدأ في ذلك أهل الحاجة منهم، على ألصق القرابة منهم إليه، وأقعدهم به، فيعطي كل واحد منهم من ذلك قوته وكسوته. هذا نص ما عقد فيه، وتوفي المحبس وحمل الثلث الحبس، ولهذا الحبس من القرابة بنو خالته أخت أمه، وبنو عمته، وبنو عم أمه، وبنو عم أبي أمه، وبنو بنت عم أمه، ولهؤلاء ذلك بنون صغار وكبار، فتنازع جميع المسلمين وبنوهم في الدخول في هذه الحباسة؛ فبين - رضي الله عنك -: هل يدخل جميعهم فيها أم بعضهم أولى من بعض؟، وفسر الرتبة في ذلك بالواجب، ومن أولى منهم بالمستغل؟ وهل يدخل الأبناء مع الآباء في ذلك وكيف إن جعل الموصي إلى أوصيائه معرفة أعيان المحبس عليهم؟ مأجورًا إن شاء الله تعالى. فجاوب: تصفحت هذه المسألة فرأيت في لفظها التباسًا، تولد من قبل العاقد، والذي يدل عليه عندي ظاهرها - والله أعلم - أن الموصي إنما أراد تبدية الأضعف من قرابته على قدر لصوقه به وقرابته منه، فإن كانوا كلهم محاويج فأقرب القرابة إيه منه ممن

سمت بنو خالته وبنو عمته، يعطي كل واحد منهم ما ذكره الموصي من قوته وكسوته على حسب ما ذلك، فإن فضلت فضلة فأقرب من بقي من قرابته إليه ممن ذكرت بنو عم أمه، ثم بنو عم أبي أمه، وبنو بنت عم أمه بمنزلة سواء، وبنو بني خالته وبنو بني عمته في فعدد واحد مع بني عم أمه، وبنو بين عم أمه مع بني عم أبي أمه وبني بنت عم أمه بمنزلة سواء. وإن كان الموصي جعل إلى الأوصياء معرفة الأعيان المحبس عليهم، فإن ذك يغني الأعيان عن إثبات أعيانهم، أن شاء الله عز وجل. مسألة من وهب لابنته الصغيرة ثيابًا وحليبًا ثم باع منها بذلك دارًان ثم ابتاع الدار لنفسه بثمن نزر، ثم نكحت الابنة، وذهب إلى طلب أبيها بالدور للغبن الظاهر في ابتياعه إياها، وإذا كانت منتزلا فيما أغفلت ذكرها في باب الصدقة والهبة قبل هذا: ما تقول – رحمك الله – فيمن وهب لابنته وهي صغيرة في حجره ثيابًا وجوارهًا وحليًا، وعقد على نفسه بذلك عقدًا ببينة عدل، ثم باع بعد ذلك من ابنته المذكورة دورًا بالحي والجواهر والثياب الموهوب لها، لما رآه من حسن النظر لها والغبطة والسداد، وعقد به وثيقة فيها عدول الشهود، ثم رأى بسوء نظره بيع هذه الدور من نفسه على ابنته بنزر يسير وثمن قليل، وانعقدت عليه بذلك وثيقة أنه باع على نفسه، وكانت الدور يومئذ منتزلا فيها، ثم نكحت الابنة وبني بها زوجها، ورشدت وعرفت قدر المال وزيادته ونقصانه، ووصلت إلى وثيقة الهبة وابتياع الدور، ووقفت على الغبن المحوز عليها، وأحبت القيام فيها، وكان الغبن فيها – يوم بيع أبيها لها – أزيد من ثلثي قيمتها، وكان أيضًا في الهبة ناض يسير احتازه الأب مع جملة الهبة، وهو تبع لها، وطبع عليه مع ذلك الشهود حين أبرزه إليهم مع سائر الهبة، ووقفوا على جميع ذلك، وكانت الدور قد قوموها وقت الابتياع بقيمة الهبة سواء، ورأي الشهود بعضها مساويا لبعض، فهل ترى – وفقك الله – للابنة قيامًا في الدور إن ثبت الغبن أم لا؟ فجاوب ابن عتاب" قرأ – رحمنا الله وإياك – خطابك، وفهمت ما سألت عنه، وذكرت أن في الهبة ناضًا هو أقل الهبة، وأن الأب احتازه مع سائر الهبة بعد ختم الشهود عليه، وقد اختلف فيما لا يعرف من الحلي والجواهر، إذا غيب عليه، ووهبه الأب واحتازه، ولم يخرجه عن يده إلى غيره.

وفي المدونة لابن القاسم رحمه الله ما يدل على جوازهن والاختلاف من أصحاب مالك المدنيين والمصريين في حيازة الناض، إذا ختم عليه الشهود، واستقر بيد الواهب – معلوم، إلا أنه إذا كان أقل الهبة كما ذكرت، فهو جائز نافذ، وبيع الأب الدور من ابنته بالهبة جائز صحيح، إذا كانت الدور التي باعها خالية من سكناه أو ثقله، فإن كانت في سكناه حين البيع فلا يجوز ذلك إن كان البيع بحدثان الهبة وبقربها، حتى تستكمل الحيازة بانقطاع من حين الهبة0 وبهذا كان يفتي كثير من فقهاء بلدنا، وهو قول صحيح على مذهب ابن القاسم، فإذا صحت الحيازة وانقضت السنة؛ جاز التصيير في الدور وصح، ولا خلاف أعلمه إن بيع ما فيه منتزل أو من يمنع مالكه من تملكه؛ لا يجوز، وأن البيع فيه مفسوخ ما كان المبيع بحالة لم يدخله فوت، ويرد إلى ربه. وإن دخله فوت؛ فكان الشيوخ عندنا يختلفون فيه فمنهم: من كان يحمله محمل البيع الفاسد، ومنهم من كان يفسخه على كل حال. والى هذا كان يذهب أحمد بن خالد وغيره، وكان اختلافهم على غير رواية عندهم في ذلك، وكنت أذهب إلى قول أحمد بن خالد لدليل يؤيده، حتى ودت لمالك رحمه الله في بعض الروايات ما أوجب الاختيار له والمصير إليه. وأما بيع الأب على ابنته، وفيه غبن وقت البيع أزيد من الثلثين، فقد قال مالك في المدونة وغيرها: إنما يجوز بيع الب مال ابنه على وجه انظر وابتغاء الفضل، فإذا كان على غير ذلك لم يجز ورد، ولم يحد في ذلك حدًا. وقال في المأمور ببيع السلعة ببيعها بما لا يشبه أو بما لا يتغابن الناس في مثله: إن ذلك لا يجوز على الأمر. قال ابن القاسم: مثل أن يبيع الجارية بخمسة دنانير أو بأربعة، وهي ذات ثمن كثير، أو يبيع الغلام أو الدابة بدينار أو بدينارين؛ فهذا لا يجوز. وفسخ البيع الذي سألت عنه بالغبن الذي ذكرت واجب، وصرف الدور على الابنة لازم، وقد كان بعض أصحابنا البغداديين يحد في الغبن الذي يرد البيع به الثلث، ويذكره عن مالك، وهو حسن في ذلك إن شاء الله عز وجل. وللابنة القيام بالغبن أو بالتنزل، أو بهما جميعًا، فإن ثبت أو ثبت أحدهما؛ وجب الفسخ، على حسب ما ذكرت هذا الواجب فيما سألت عنه، والله الموفق للصواب، وإليه عز وجل ارغب في التوفيق.

نحل ابنه عند نكاحه ثلث اله وعليه دين: كتب إلى شيوخنا بقرطبة سنة اربع وخمسين وأربعمائة: فيمن نحل ابنه نحلة انعقد عليها النكاح، فقال: ثلث مالي له نحلة، وكان ماله ثلاث مائة دينار، وأصولاً قيمتها ذلك، ولعيه دين مائة، ثم مات الناحل، فقال ورثته لمنحول: إنما لك الثلث بعد دينه، وقال المنحول: بل ثلث ماله كله لي، وفي الثلثين متسع لدينه. وكان ذاكرني بها أبو محمد يوسف بن عبد القاهر بن الغلاس البطليوسي، فكتب إلى ابن عتاب: إن كان الدين قبل النحلة فالدين مبدأ واللمنحول ثلث ما يبقى، وإن كان بعد النحلة فله ثلث الجميع، والدين بعدها في الثلثين الباقيين، إلا أن يقصرا عن الدين، فستحسن أن يستتم الدين من ثلث النحلة، لأن الدين فرض واجب، والنحلة وإن كانت قد انعقد عليها النكاح، فقد كان كثير من الفقهاء يقول: لا تصح إلا بحيازة كسائر العطيات، والله أعلم بالصواب. وكتب ابن القطان: إذا كان معلوم المال في وقت عقد النحلة، فثلث ماله لمنحول، ويخرج الدين بعد ذلك؛ لأن المال ماله حتى يخرج الدين، هذا مذهب مالك. وكتب ابن مالك: إنما للمنحول ثلث مال الناحل بعد الدين؛ لأن الدين ليس من ماله. فيمن حبس على ولده وأعقابهم فإن انقرضوا رجع إلى المحبس، وإن كان لهم عقب رجع عليهم: كتب بها إلى القيروان من أشبيلية: الجواب – رحمك الله – فيمن حبس حبسًا على ولده وأعقابهم وأعقاب أعقابهم، فإن ماتوا رجع إلى المحبس إذا لم يكن لهم عقب، وإن كان لهم عقب رجع عليهم؛ هل يجوز هذا الشرط وينفذ الحبس للعقب من رأس المال، وقد حيز في صحة المحبس، ولا يرد هذا الحبس الدين الحديث، أو يكون بمنزلة ما رواه يحيى في الذي يعطي العطية لأخيه، فقال: تكون في الثلث. وعرفني هل الحبس بمنزلة العمري التي ذكرها أشهب عن مالك، فيمن شرط في العمرى إن مات المعمر رجعت إليه، وإن مات هو بقيت للمعمر، وحازها المعمر في صحة المعمر؟ فقال: الشرط جائز، وكذلك سنة العمري، شرط ذلك أو لم يشترط، فهل يكون

الحبس إذا وقع فيه الشرط كما تقدم مثل العمرى ينفذ الحبس من رأس المال للأعقاب، بخلاف العطية يشترط فيها الشرط، ولأي شيء اختلف الجواب في العطية. وأجاز ذلك مالك في العمرى بين لنا ذلك حسنًا، فقد فرق ابن القاسم بين الصدقة والحبس، إذا تصدق على رجل بخادم، واشترط لنفسه خمسة أيام في الشهر، فقال: إن كان ذلك على الحبس، فلا بأس به، وإن كانت الرقبة بتلاً فلا خير فيه، وأجازه ابن كنانة. اكتب إلي بفضلك ما عندك في ذلك. مأجورًا إن شاء الله. فجاوب أبو بكر بن عبد الرحمن: الجواب عندي: أن المحبس على شرطه، ويرجع ذلك إليه، أو إلى ورثته، فيكون مالاً لهم، وترجع فيها الديون، وذلك كالعمرى، وكذلك مسألة أشهب، غير أن مسألة أشهب تكون من ثلث المعمر بعد موته؛ لأنها لم تصح له، إلا بعد موت المعمر، وهذا قول أشهب في غير موضع، ولابن القاسم مثل هذا في غير مسألة من هذا المعنى. وأما الحبس المعقب فمن رأس المال، وأما تفرقة ابن القاسم بين الصدقة والحبس فقال: إذا تصدق على رجل بخادم واشترط عليه لنفسه خمسة أيام من الشهر، فقال: إن كان ذلك على الحبس فلا بأس، وإن كان بتل الرقبة فلا خير فيه. وخالفه ابن كنانة وأجازه؛ فالقول قول ابن القاسم، والفرق بينهما بين، وذلك أنه إذا تصدق وبتل، وشرط لنفسه خمسة أيام من كل شهر؛ فقد منعه من التصرف في صدقته من البيع، والهبة، والسفر، والوطء. ومن تصدق بصدقة وشرط عليه ألا يبيع ولا يهب؛ لم تجز الصدقة عند مالك ولابن القاسم، وقد أبى منها عبد الله بن عمر، فلهذا لم يجر شرطه في الصدقة، وأما الحبس فذلك فيه جائز؛ لأنه لا يباع ولا يوهب ولا يغير عن حالته، فكان مذهب ابن القاسم في هذا أحسن من مذهب ابن كنانة، والله ولي التوفيق. وجاوب أبو عمران الفاسي: الحبس على الولد وعلى أعقابهم إذا حيز في الصحة، ولا يبطله ما شرطه المحبس، إذا لم يكن عقب؛ لأنه كعمري بعد عمري، كما لو قال: هذه الدار يسكنها فلان، ثم فلان ثان، ثم فلان ثالث، فإن مات فلان الثاني وفلان الثالث في حياة فلان الأول، ثم مات فلان الأول رجعت إلي، وكذلك إذا لم يوجد عقب في مسألتك، وأما المسألة التي في سماع يحيى

فإنما هي عمري، شرط المعمر فيها أنه إن مات هو قبل المعمر كانت هبة للمعمر، فصارت هبة الرقبة وصية، لأن المعمر قيد الهبة بصفة موته، فكان مالا ينفذ إلا بموت الواهب فهو وصية. ومسألة سماع أشهب هي عمري محضة ينتفع بها المعمر حياة نفسه فقط، ثم مرجعها إلى ربها، شرط ذلك أم لا؛ لأن قول المعمر أعمرتك حياتك يغني عن قوله، فإذا مت رجعت العمرى إلي؛ لم يجعل للمعمر منها إلا الانتفاع بها حياة المعمر. فخالفت مسألة سماع يحيى المقيدة بوصفين: أحدهما عمري ما لم يمت ربها المعطين فتعود عطية وتبطل العمري، فإذا آل الآمر إلى كونها بموت المعطي عطية لا عمري، لم تصح إلا على وجه الوصية. قال القاضي: كاد لا يكون في جواب هذين المفتيين إلا حكاية السؤال؛ لأن السائل قد ذلك الروايات التي أعادها هما في جوابهما، وإنما الوجه الذي توهمه السائل إبطالاً للحبس، أو يخرج من الثلث كمسألة الإعمال التي في سماع يحيى. وفي رواية أشهب: إذا قال المحبس: هذه الدار أو القرية حبس على فلان وفلان أو بينهما، فإذا انقرضوا من آخرهم، فمرجع ذل المحبس، إن كان حيا، فإن لم يدركه حيًا، فإلى ولده دون سائر ورثته، فهذا إذا وقع لم يكن لولده منه شيء في غيره ميراثه، وكان بين جميع ورثته؛ لأنها وصية لوارث، إلا أن أجاز الورثة ذلك للولد، فيكون له، وإذا لم يجيزوا له شاركوه في الأصل ميراثًا. وإن قال: إن لم يدر كوني حيا رجع إلى ولدي وولد ولدي، أو قال: إلى ولدي، وإلى بني فلان، ولم يجز الورثة ذلك للولد؛ فإنه يقسم بين الولد وولده أو بينه وبين بني فلان بالسواء إذا استوت حاجتهم، فما ناب الولد دخل معه فيه الورثة فانتفعوا به على مواريثهم حياته، فإذا انقرض رجع إلى ولد الولد، أو إلى بني فلان، وخرج الورثة عنه، وإن قال: رجع إلى ولدي ثم من بعده في سبيل الله، أو على المرضى بموضع كذا أو على مسجد كذا، فإن وسعه الثلث دخل الورثة مع الولد في المنافع، لا في الأصل، فانتفعوا به على حسب مواريثهم، ما دام الولد حيًا، فإذا مات صار إلى الوجه الذي سبله فيه من مسجد أو غيره، وإن لم يسبله بعد الولد في وجه، شركة الورثة في أصله واقتسموا ميراثًا

مالاً من مالهم. ولو قال: فإن لم يدركني حيًا رجع حبسًا على ابني فلان، ولا وارث له غيره، ولم يجعل له بعده مرجعًا؛ فإنه يبطل حبسه إذا رجع إلى الابن؛ لأنه ليس للأب أن يوصي بتحبيس ما تخلفه على الابن؛ لأنه لا يجوز أن بحبس على أحد ماله، ولو لم يجز المحبس عليه هذا الحبس حتى مات المحبس، لنفذ للمرجع من الثلث، إذا كان مرجع لغير وارث؛ لأنه وصية، ولم يضره ترك الأول حيازته. والله أعلم. ولو قال: فإن لم يدرك المحبس حيًا، فالمرجع إلى فلان لأجنبي، أو في سبيل الله، فإن لم يدرك المحبس هذا؛ نفذ للأجنبي أو السبيل من ثلث المحبس، وكان وصية علي ما في سماع يحيى وابن الحسن وأصبغ وغيرهم. وكان الأمير عبد الرحمن بن الحكم قد حبس على ابنتيه من أم عبد الله فلانة وفلانة في سنة اثنتين وعشرين ومائتين – جميع أملاكه بقرية فلانة من إقليم كذا، وكلف عقد ذلك يحيى بن يحيى، ومحمد بن خالد، فعقدا حبس الأمير على ابنتيه فلانة وفلانة اللتين في حجره جميع أملاكه بقرية كذا من إقليم كذا، فإن انقرضتا رجعت حبسًا على ابنتيه فلانًا وفلانة، فإن انقرضتا فمرجع ذلك إلى الأمير إن كان حيًا فإن لم يكن حيًا، فإلى ولده دون جميع ورثته من نسائه. ثم عرض الأمير النسخة على عبد الملك بن حبيب بمحضرهما، فأعلمه أن الذي وصفا لا يجوز؛ لأنهما وصية لوارث؛ إذ جعلا المرجع إلى الأمير إن أدركه حيًا فقد صار له بذلك مالاً فليس له أن يجعله بعد موته إلى ولده؛ لأنهما وصية لوارث، فأقرا بما قال، وقالا: هو الحق. ثم قال عبد الملك: فإن أحب الأمير أن يكون المرجع لولده دون نسائه وجدت له السبيل إلى ذلك بطريقة الصواب، فقال، له: وكيف ذلك؟ فقال: بأن تجعل المرجع بعد بنات أم عبد الله إلى ولده أو إلى من أحب حيًا كان الأمير أو ميتًا، ولا يكون إليه من المرجع شيء، فيكون كشيء بتله الآن من ماله في حياته، فيمضي. قال له: فضعه على هذا، فلم أرد غيره، فوضع ابن حبيب عند ذلك نسخة التحبيس، ولولا طول الكتاب لنقلتها بكمالها. ثم دعا الأمير بجميع أحباسه التي حبس على بناته فعرضها على ابن حبيب بمحضر

يحيى وابن خالد، فألفاها كلها لا تجوز؛ إذ كانا قد شرطا فيها المرجع إلى الأمير إن كان حيًا، على ما تقدم، فنسخها، وأمر بصرفها على ما وضع ابن حبيب، وكانت أربعة أحباس: حبس أم المطرف شفاء وولدها، وحبس أم المغيرة اهتزاز وولدها، وحبس أم المنذر موشدة وولدها، وحبس أم عبد الله طروب وولدها، ولأم الأمير الرجلين في خطئهما في وضعهما فقالا: اجتهدنا. وقال ابن حبيب في الوضاحة: سألت مطرفًا عمن حبس شيئًا من ماله مما مرجعه إليه أو مما لا يكون مرجعه إليه، واستثنى أن مرجعه إليه يجعله حيث شاء، فرجع وهو مريض أو لم يرجع، إلا أنه مرض، فجعل مرجعه لوارث فقال: لا يجوز ذلك للوارث لا من الثلث ولا من غيره، إلا أن يجيزه له الورثة؛ لأني سمعت مالكًا قال فيمن أخدم عبده رجلاً حياته، ثم جعله في مرضه لآخره بتلاً بعد مرجعه: إنه من الثلث للمبتول له، فلما جعله مالك من الثلث كان ما جعله في مرضه للوارث باطلاً؛ لأنه مال من ماله بعد المرجع يورث عنه. قال ابن حبيب: وأخبرني أصبغ عن ابن القاسم مثله سواء. قال أصبغ: وأنا أقوله إذا استثنى مرجع رقبة الحبس، كما قال ابن القاسم ومطرف، وأما إن كان استثنى المرجع لتولى إنفاذه على جهة التسبيل، فيما رأى لا مرجع الرقبة، وبين ذلك فرجع في مرضه فسبله فيما رأى على غير وارث، فهو خارج من رأس المال، وإن سبله على وارث كان ميراثًا، إلا أن تمضيه له الورثة. وقال فضل: قول أصبغ على أصل أشهب، لا على أصل قول ابن القاسم، وذكر قول ابن القاسم في مسألة أوردها تركتها اختصارًا. وبهذا كله كان يتم ما سأل عنه ذلك السائل لو أثره به. فعلم. ومسألة ابن القاسم وابن كنانة في مستنثى خمسة أيام من الشهر في سماع أبي زيد، وفي سماع أصبغ يومين في كل جمعة، وأما التي في أول سماع يحيى، ونحوها في سماع ابن الحسن، فأشاروا إليها ولم ينصوها، ولا أبانوا وجه العمل فيها، فرأيت ذكرها وبسط معانيها بما تكلم به بعض شيوخنا عليها. قال يحيى: قال ابن القاسم: من أعطى أخاه منزلاً في صحته، وكتب في عقد عطيته إن مات أخوه المعطي في حياة المعطي، رجع المنزل على المعطي ولا حق فيه لورثة

المعطي، ولا يورث على هذا الشرط أعطاه، فحاز المعطي عطيته في حياة المعطي أو لم يجزه، ثم مات المعطي قبل المعطي؛ فذلك كالوصية تكون للمعطي من الثلث، ألا ترى أنه أنفذ العطية إن مات قبل المعطي، فكأنه إنما أوصى له بها وعجل له قبضها، فهي وصية على كل حال؛ عجل قبضها في صحة المعطي أو ترك. وقال مالك ما يشبه هذا. قال أصبغ: وليس للمعطي فيها بيع ولا تحويل عن حال، فإن مات المعطي رجعت إلى المعطي كالعمري، وإن مات المعطي كانت كالوصية في ثلثه، ولا تكون كالوصية في الرجوع فيها وكذلك مسألته. قال القاضي: نقص من سؤال هذه المسألة ذلك شرط المعطي أنه إن مات قبل المعطي، فالعطية له ماضية، وقد نظرتها في أصل العشرة فودتها ينقص ذلك منها، كما نقلها العتبي في المستخرجة، ووقعت هذه الزيادة في سماع ابن الحسن، ولا غنى بالمسألة عنها فيها، يبين كونها كالوصية، وكأنه قال: هذا المنزل لأخي حياته، عشت أو مت، فعلى هذا ينفذ له، حازه في صحة المعطي أو لم يحزه فاعلم. وقال بعض شيوخنا عليها: إن كان الموصي له قبض المنزل في حياة الموصي، ثم مات الموصي له، رجع المنزل إلى الموصي، وإن مات الموصي قبل، قوم مرجع الدار في ثلثه، وللموصي الرجوع في المرجع، وليس له الرجوع في السكنى حياته، إذا قبضه الموصي له، فإن كان الموصي له لم يقبض المنزل كان للموصي الرجوع في المرجع، وللموصي له أخذ المنزل حياة الموصي، فإن مات الموصي قبل قبض الموصي له المنزل، فله المنزل في الثلث؛ لأنه وصية. وإذا قبض الموصي له المنزل في حياة الموصي ومات الموصي، فإنما يقوم له في الثلث المرجع خاصة، وإذا لم يقبض شيئًا قوم له المنزل كله في الثلث، ومعنى ت قويم المرجع أن يقال: كم يساوي هذا المنزل بعد سكنى له بقية عمره؛ يعمر على الاجتهاد، فتكون تلك القيمة في الثلث؛ لأن السكنى شيء قد قبضه الموصي له في صحة الموصي، فوجب له سكنى بقية عمره من رأس المال، والمرجع من الثلث، وإذا لم يقبض حتى مات الموصي، فيقوم له المنزل كله في الثلث؛ لأنه لم يقبض شيئًا في حياة الموصي، والسكنى أبدًا لا رجوع له فيه، لأنه عطية في الصحة قد قبضها المعطي. والمرجع هو شيء يكون بعد موت الموصي فهو في الثلث، وما كان في الثلث فله

الرجوع فيه غير المدير، وللمعطي قبض المنزل متى شاء في حياة المعطي، فإذا قبضه فقد وجب له سكناه بقية عمره من رأس المال؛ لأنه نفذ في الصحة. وقول أصبغ: كانت كالوصية في ثلثه – يريد المرجع – وقوله: ولا تكون كالوصية في الرجوع فيها – يريد السكنى – لا رجوع له فيها، وله الرجوع في المرجع. قال القاضي: هذا فقه هذه المسألة وبيانها وعلمها وتمامها، والعجيب من الأشبيلي المتكلف لطلب علمها بالقيروان وتركه لطلب ذلك بقرطبة عند أصحاب هذا البيان، ولي سبينه وبينها إلا يومان، والله الموفق وهو المستعان. أوصى بتحسين شيء عنه من أصوله، وشرط إن احتاجت ابنته إلى غلة ذلك رجع إليها، وهي مصدقة فيما تدعيه من الحاجة: كتب أبو عبد الله الباجي من أشبيليه إلى القيروان فيمن حبس موضعًا من ماله مؤبدًا على المساكين في وصيته، وشرط إن احتاجت ابنته إلى غلة الحبس انصرف ذلك الموضع إليها صدقة بتلة، أو أراد على معنى الحبس عليها، وشرط أنها مصدقة فيما ادعت من الحاجة؛ هل ينفذ شرطه في التصديق، وتكون في الصدقة المبتولة وصية لوارث، فيبطل الحبس ولا ينفذ شرطه في التصديق؟ وهل عليها يمين إذا شرط تصديقها؟ وقد علمت ما فيه من الاختلاف، وأرأيت إن كانت ذات زوج مليء هل يسوغ لها دعوى الحاجة؟ ويصرف إليها غلة الحبس أو الصدقة إن جاز ذلك، وهل يكون لجميع الورثة إذا صرف ذلك إليها بمعنى الحبس حتى تموت الابنة، ثم ينصرف الحبس إلى ما سبله. وآخر أوصى بتحبيس أصل على مسجد معين، إلا أن يولد له ذلك أو أنثى أو احتاج أحدهما فيصرف إليه وإن احتاجت الابنة يريد ابنة له أولى فيصرف ذلك إليها، فلم يولد له ولد، هل ينصرف إلى الابنة إذا لم يصرف إليها، إلا أن كان معها أو ينصرف إليها إن كان أراد بمعنى الحبس، ويدخل فيه الورثة، وكيف إن كانت ظاهرة الغنى، وزعمت أنها محتاجة، هل تصدق؟ فجاوب أبو بكر بن عبد الرحمن: الجواب: أن هذه وصية لوارث، ويدخل سائر الورثة معها إن رجع لذلك إليها على وجه التبتيل، أو رجع مرجع الحبس لا يبطل ذلك؛ لأنه من أوصى لوارث بسكنى،

وأوصى بوصايا دخل سائر الورثة في ذلك السكنى، وكذلك الخدمة، وأما ما كان يأخذه بتلاً، فإنه يكون بين سائر الورثة، وهذا إذا كان مع ذلك وصايا وقعت المحاصة، فإن لسائر الورثة الدخول مع الوارث الموصي له، ولو لم تكن وصايا؛ بطل ذلك كله ورجع ميراثًا بين جميع الورثة. وقد قال مالك فيمن حبس على ولده حبسًا وشرط لهم إن احتاجوا باعوا ذلك فلحقهم دين: أن لأصحاب الدين بيع الحبس من أجل ما شرطه المحبس لهم من البيع عند حاجتهم، والذي اشترط أن ولد له ولد واحتاجوا وله ابنة متى صحت حاجتها؛ صرف إليها وإلى من معها من الورثة فيكونون معها فيه؛ كان بمعنى الحبس أو بمعنى الصدقة البتلة. وبالله التوفيق. وجاوب أبو عمران: شرطه في تصديقها نافذ، لأنه ماله شرط فيه ما أحب، والناس عند شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا، ولا يمين على الابنة إذا لم يفهم عن الميت مراد وجوب اليمين، وإذا كانت تحت رجل مليء فليست محتاجة، إلا إن كان الميت قصد حاجتها إلى شيء ولا يلزم الزوج من تجمل يفهم عنه أنه قصده وشبه ذلك، وإذا انصرف الحبس إليها والنفع بها شاركها الورثة فيه، إن لم يجيزوا لها الانفراد به؛ إذ لا تجوز وصية لوارث، فإذا ماتت فاعمل فيه على المفهوم عن الميت. وعن نص الوثيقة: هل قصد الميت إبطال الحبس على المساكين بحاجة ابنته أم قصد نفعها به حياته، ثم يرجع إلى التحبيس أو إلى ورثته هو، فيعمل على ما يفهم من ذلك، وإذا جمع الميت الوصفين ولادة ولد غير ابنته وحاجة ابنته في شرط وما انصرف إلى بعض الورثة اشترك فيه جميع الورثة، وإن لم يجيزوا، وإذا كانت ظاهرة الغنى لم يلتفت إلى دعواها فقرًا يعلم فيه كذبها، حتى يصح دعواها، والله ولي التوفيق. قال القاضي: قول مالك الذي ذكره أبو بكر في جوابه: وأدرك المحبس عليه دني وكان المحبس قد شرط إن شاء باع وإن شاء امسك، وقع في حبس العتبية فيمن حبس على ابنتيه دارًا، وكتب: إن شاءتا باعتا، وإن شاءتا أمسكتا فرهقهما دين كثير داينتا به الناس، فقال الغرماء: نحن نبيع الدار، قد كتب أبوكما في صدقته إن شئتما بعتما. قال مالك: صدقوا، ذلك لهم أن يبيعوها حتى يستوفوا حقوقهم، ويعارض هذه

المسألة قوله في تفليس المدونة: إنه ليس للغرماء أن يجبروا الغريم على انتزاع مال أم ولده أو مال مدبره، ويقضيهم عنه، وكذلك ينبغي أن يكون في مسألة الحبس، فتدبر ذلك. وفي رسم سلعة سماها يمن حبس دارًا حبسًا صدقة على ولده، لا تباع إلا إن احتاجوا، فإن احتاجوا واجتمع ملاءهم على ذلك؛ باعوا واقتسموا ثمنها، ذكرهم وأنثاهم، فهلكوا إلا رجلاً واحدًا فأراد بيعها. قال مالك: له ذلك، إن احتاج: قيل له: ثم امرأة بنت أخت الباقي الذي يريد البيع، وهي من بنات المحبس. قالت: إن بعت أنا آخذ ميراثي من أمي. قال: لا أرى لها شيئًا. قال ابن القاسم: ولو اجتمع ملاؤهم على بيعها قسموا ثمنها على الذكر والأنثى سواء؛ لأنهما صدقة حازوها، وليست ترجع بما يرجع به المواريث إلى عصبة المتصدق. قال في كتاب ابن المواز: ولا حق فيها لولد بنات المتصدق، وإذا باعها الواحد الباقي فله الثمن كله، ولا حق فيه لورثة من قد مات؛ لأن من انقرض سقط حقه، وإن انقرض قبل أن يحتاج؛ فليس لورثته ولا غيرهم فيها حق، ورجعت كما يرجع غيرها من الأحباس. القاضي يأمر بضم دار إلى نظر صاحب الأحباس: القاضي يأمر بضم دار إلى نظر صاحب الأحباس: قرأنا – زاد الله في توفيقك - الشهادات الواقعة عندك في الدار التي ذلك الشهود أنهم يعرفونها ملكًا لمحمد بن زهير، وأنه توفي فورثه ابنه عبد الله وابنته فاطمة، لا يعلمون له وارثًا غيرهما، وأن عبد الله غاب بالمشرق وغابت فاطمة بوادي الحجارة، وشهدوا أن الدار بحاضرة قرطبة بربض باب اليهود في الدروب المنسوب إلى اللباد، وأنهم يحوزونها في شهادتهم أنهم لا يعرفون أن واحدًا منهما باع حصته فيها إلى شهادتهم فيها عند القاضي أحمد بن محمد، في ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين. وفي شهادتهم: أن أمر هذه الدار رفع إلى سليمان بن أسود، إذ كان قاضيًا بقرطبة فضمها إلى الأموال المحبسة، وصارت بيد أصحاب أحباسه موقوفة ويعرفون أصحاب أحباس القضاة يكرونها لا يعلمون أحدًا يدعى فيها بدعوى ولا حجة، وفي شهادتهم أنه إذا أمر الخزان بنقض دار حفص الذي كان يخدم الوزراء، شهد عندهم أنهم لقوم غيب، وإن ذكرها في ديوان القضاة فأمروا بالكف عنها، وفي شهادتهم: أن هذه الدار تسور فيها غلام حفص وزوجته على التعدي.

وذكرت – أكرمك الله – قبلت من البينة رجلين وأحببت معرفة ما يجب به النظر في هذه الدار. فالذي يجب في ذلك: أن تأمر اللذين قبلتهما من شهودهما بحيازتهما، فإذا حازاها أخرجت المشهود عليهما بالتسور فيها بالتعدي ووقفتها على يد الناظر في أحباسك، كما ثبت عند أن من قبلت من القضاة نظر به وفعله فيها، وهذا بعد إعذارك إلى المشهود عليهما بالتعدي فيها، فإذا أعذرت إليهما بما يجب ولم يكن عندهم مدفع، أنفذت عليهما ما قلناه، إن شاء الله تعالى. قاله عبيد الله بن يحيى، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن عمر بن لبابة، ومحمد بن وليد، ويحيى بن عبيد الله. قال القاضي: في هذه المسألة نظر؛ لأن الدار شهد فيها أولاً بالملك لابن زهير وابنته الوارثين له، ثم ألغي ذكرهما. فتدبر ذلك. الشهادة في الحبس القديم على السماع من أحكام ابن زياد: فهمنا – وفقك الله – ما شهد به الشهود في حبس الوليد بن عبد الملك بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن معاوية على سماع فاش لبعد موته؛ فيجب أن يشهد القاضي على هذه الشهادات القائمة بالسماع بعد الإعذار فيها إلى المطلوب. قاله محمد بن غالب، وقال: إن هذه الأحباس من حقوق الله عز وجل، وهو فيما أنعم به، وأحسن فيه أحق من أخذ له بحقه، ولله قبلك نعمة، وأنت بحمد الله ممن يعرف حقها ويشكرها، وقد نفذت جميع أحكامك بحق واضح ونور ساطع؛ فاجعل نظرك هذا من النظر الذي تقدم لك، فإن الله يملك ولا يملك عليه، وأنت إن تلومت حتى يجتمع رضا طالب ومطلوب لم ينفذ لك فصل، فقدم بين يدي نظرك العدل والإنصاف، كما لم تزل تفعله، فإن الله يمنعك من الطالب لك، ويدفع عنك إذا أثرته، وصدعت بالحق له وفيه، إن شاء الله. وقاله محمد بن وليد، ومحمد بن لبابة. ومن هذا المعنى فدان حبس شهد فيه على السماع: فهمنا – وفقك الله – الشهادات في حبس ابن عبد المؤمن قطيعًا في فدان بمقبرة السقايين بغربي حاضرة قرطبة، وشهادة الجوازي على السماع الفاشي أنه حبس للمقبرة، وقوله: إن عتبة الملفي بيده هذا القطيع في العسكر، فيجب أن تأمر هذا الشاهد ومن شهد

معه بحيازة هذا القطيع، ثم تأمرهم أن يأمروا من جاور الفدان ألا يحدث في هذا القطيع حدثًا حتى يستتم النظر فيه بواجب الحقن إن شاء الله. قاله ابن لبابة، ومحمد بن غالب، ومحمد بن وليد. ومثله في السماع الفاشي في الحبس: فهمنا – وفقك الله وسددك – ما قامت هب القرشية من ابتياع نصيب زوجها فلان من المال، الذي قد ثبت عندك تحبيس والد زوجها فلان بن فلان له بشهادة السماع الفاشي، الذي بمثله تثبت الأحباس المتقادم عهدها، والطويل أمدها، فرأيناها قامت بأمر لا يوجب لها حقًا؛ إذ زوجها البائع منها أحد الذين حبس المال عليهم، فلو ثبت بيعه لمصابه منه كان قد باع محرمًا بيعه، وغير حلال ابتياعه، إلا أنها قد رجعت شهادة الشهود إلى القول بأنها لا تطلب في المال المحبس شيئًا، غر أن يجري عليها من نصيب ولدها الذي هو واحد من أهل الحبس نفقة لضعفها، وقلت: هل رأيناك أبقيت لها حقًا في نظرن أو قصرت بها عن الواجب فيما قامت به عندك، فتراجع النظر لها حتى تبلغهما إلى ما يجب لها في الحق والسنة؟. فالذي نقول: - وفقك الله وأرشدك – أنك نظرت لها بالحق الذي يجب النظر به والقصد إليه، وهي سبيلك التي رأيناك منذ قلدك الله عباده إليها قاصدًا، وبها عاملاً ولها مؤثرً، فثبتك الله على ذلك. ونقول:- وفق الله القاضي – إنا نرى أن من خرج إلى الشكية بغير حق كفعل هذه القرشية أن تؤدب، وأقل ذلك الحبس؛ ليندفع بذلك أهل الباطل واللدد عن ذلك من فعلهم. قال محمد بن وليد، ومحمد بن لبابة. قال القاضي: لم يفسر الشيوخ رحمهم الله في هذه المسائل كيفية شهادة السماع، ولا المدة التي تجوز فيها، وتلك عادتهم في أكثر أجوبتهم، ولذلك بسط وبيان به تتم هذه المعاني، فأما كيفية الشهادة به في الأحباس، فأن يشهد الشاهد أنه يعرف الدار التي بم وضع كذا وحدها كذا، وأنه لم يزل يسمع منذ ثلاثين عامًا أو عشرين عامًا متقدمة لتاريخ شهادته هذه سماعًا فاشيًا من أهل العدل وغيرهم: أن هذه الدار أو هذه الملك حبس على مسجد كذا أو على المرضى بحاضرة كذا، أو على فلان وعقبه أو حب لا غير، إن لم يشهدوا بتسبيله، وأنها كانت محترمة بحرمة الأحباس، ويجوزونها بالوقوف إليها والتعيين لها.

بهذا جرى العمل في أداء هذه الشهادة، فإذا أديت هكذا، وكان الشهود بها شاهدين فصاعدًا؛ حكم بها بعد حيازة الشهود بتحبيسه والإعذار إلى من يعترض فيه ويدعيه. قال ابن القاسم في سماع عيسى في حبس العتبية: إذا شهد رجلان أنهما كانا يسمعان أن هذه الدار حبس جازت شهادتهما، وكانت حبسًا على المساكين إن كان لم يسم أحدًا، قيل له: فإذا شهدا وفي القبيل مائة رجل من أسنانهما لا يعرفون ذلك. قال: إذا كان كذلك فلا تقبل شهادتهما إلا بأمر يفشوا أو يشهد به أكثر من اثنين، وإذا شهد شيخان قديمان قد أدركا الناس وباد جيلهما أنهما سمعا أنها حبس؛ جازت شهادتهما. وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب: وأحب إلينا أن يكثر الشهود في السماع، فإن لم يكن إلا شاهدان إن جازا، وقال ابن الماجشون في ثاني الثمانية: لا يقطع في ذلك بأقل من أربعة شهداء؛ لأنه شبه الشهادة على الشهادة، لأن أقل ما يجوز في الزنا أربعة، فاحتيط في شهادة السماع فجعل أقل ما يجوز فيه أربعة شهداء. وفي سماع ابن القاسم في رسم المتاع من هذا، وفي الشهادات في نوازل سحنون: تجوز شهادة السماع في النكاح وفي الموت، وإن لم تحضره وفي النسب وولاية القاضي، ومثله في سماع أبي زيد في النسب، وفي شهادات المدونة في الأشربة المتقادم عهدها فيما كثر من السنين وتطاول من الزمان. قال في كتاب ابن حبيب: مطرف وابن الماجشون وأصبغ: تنفع شهادة السماع في الخمس عشرة سنة ونحوها، لأن الأعمال قد تقاصرت. وروي ابن القاسم عن مالك في الموازية: أن الخمس عشرة سنة ليست بطول تجوز فيه شهادة السماع، وقيل: تجوز في كثرة الوباء في مدة لو لم يكن وباء لم تجز فيها؛ لأن كثرة الوباء كطول السنين واندراس الأمر. في المغرب: أن شهادة السماع جائزة في العدالة والتجريح لمن لم يدركه الشاهد، وفي الإسلام والكفر والحمل والولادة وترشيد السفيه، قال أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم، ومسائل هذا كله مبسوطة في الأصول من أراد الوقوف عليها تأملها في مواضعها.

شهادة سماع أيضًا في دار محبسة بيعت: شهد عند القاضي أحمد بن محمد صالح بن معافي: أنه يعرف الدار التي بقرطبة بربض كذا ويجوزها، وسماع سماعًا فاشيًا من تاريخ سنة خمس وخمسين ومائتين إلى تاريخ سنة اثنتين وتسعين ومائتين من العدول وغيرهم: أنها محبسة على وليد بن موفق، وأم الكنوز بنت موفق، وفلان وفلانة ابنتي حارث، وعلى أبنائهم، وفي شهادته أنه يعرف هؤلاء المحبس عليهم بأعيانهم وأسمائهم، ويعرفهم يسكنون هذه الدار المحدودة في هذا الكتاب بالحبس، إلى أن ماتوا، ويعرف أبنائهم يسكنونها بعدهم باسم الحبس. بعد أن مات وليد بن موفق، فانتقل نصيبه إلى ولده محمد، وماتت أم الكنوز وانتقل نصيبها إلى ابنها حاتم، وهو قت شهادته غائب، وماتت خليدة فصار نصيبها إلى ابنتها أمة الرحيم، وماتت عالية فصار نصيبها إلى ابنها قاسم، ثم مات قاسم فصار نصيبه إلى ولده يبكر، وماتت زين فصار نصيبها إلى ابنها مرثد، ثم مات مرثد فصار نصيبه إلى ولده يحيى، وماتت سميعة فصار نصيبها إلى ولدها هاشم، ثم مات هاشم فصار نصيبها إلى ولده حارث، لا يعرف لواحد من هؤلاء ولدًا يجوز له انتقال نصيبه إليه غير هؤلاء المسمين، وشهد فلان بمثل ذلك. الجواب: إذ قد قبل القاضي – وفقه الله – شهادة الشاهدين في حبس الدار المذكورة في هذه الصورة، وأنه تحبيس معقب، فيجب إحضار متبايعي الدار وكشفهما عن ذلك، فإن ذلك باشعهما أنه ملكه أعلم بثبوت تحبيسها، وأنه معقب، فإن ادعى مدفعًا أجلته فيه، فإن أثبت ما يسقط الحس أسقطته بعد الإعذار إلى المحبس عليهم إن عرفت بهم، وإن لم تعرف بهم نظرت في إسقاط الحبس بما يجب به إسقاطه، وإن عجز عن المدفع فسخت البيع فيها، وأعديت المشتري بالثمن على البائع، ووفقتها للحبس، فمن اثبت عينه أنه من أهل الحبس أدخلته في الحبس. قاله عبيد الله بن يحيى، وابن لبابة، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد، ويحيى بن عبد العزيز، وأحمد بن يحيى بن أبي عيسى. قال القاضي: لم يبين في هذه المسألة أعلم شهود التحبيس ببيع الدار وسكتوا، أو لم يعلموا، أو قاموا بالشهادة حين علموا بالبيع، ولا كلف القاضي طالب الحبس إثبات عدة ورثة من

مات على ما يجب في ذلك، ليعذر إلى من لا حظ له في الحبس من الورثة، ولا هل يقضي على المتبايعين بغلة الحبس، إن لم يكن عندهم مدفع، ولذلك كله تفصيل وشرح يطول. قطيع محبس من جنس باعته بعد التحبيس المحبسة: قام عند القاضي محمد بن أحمد بن بقي محمد بن عبد الله على خلف بن أحمد في قطيع من جنة بيده معين محبس، وأظهر إليه عقدا أشهد به على أنفهسما: أن محمدًا منهما قام على خلف في القطيع، وطلب أخذه بالتحبس، وأثبت عند أبي بكر يحيى بن محمد ابن زرب أن عائشة بنت فلان حبسته على زوجها عبد الله والده، وعلى عقبة وعقب عقبة، ثم على المرضى بقرطبة، وملك المحبسة للقطيع، وموت المحبس عليه عبد الله، وأن المحيطين بميراثه في علم شهوده به زوجته عائشة المحبسة، وابنه القائم محمد، وأعذر إلى عائشة في التحبيس فأقرت به، ولم يكن عندها فيه مدفع. وأعذر إلى المقوم عليه خلف فاستظهر بعقد ابتياعه القطيع من عائشة المحبسة، وأثبتته وأقرت به، ولم تبين تاريخ التحبيس، ثم أكرى محمد القطيع من خلف لاثني عشر عامًا، وأمضى ابن زرب ذلك مختارًا لقول من أجاز عقد الكراء في الحبس لمثل هذه المدة، وغرس المكتري في القطيع شجرًا، وأشهد ابن زرب في هذا الكتاب بما ثبت فيه عنده، وانقضت مدة الكراء، فقام المحبس عليه محمد عند ابن زرب على ورثة خلف، يطلب أخذ القطيع بالتحبيس واثبت عنده موت خلف ووراثته، وأعذر إلى الورثة فلم يكن عندهم مدفع، وشاور الفقهاء في ذلك. فأفتى ابن عتاب: الحكم لمحمد بالحبس واجب، وصرف القطيع إليه لازم، وله كراؤه من ورثة خلف إن شاء، والمدة المستأنفة، وما كان فيه من شجر غرسة المكتري يثبت في أرض أخرى إذا قلع من القطيع، فلهم قلعة، وإلا بقي ولورثته على محمد قيمته قائمًا: وأفتى ابن القطان بنحو ذلك إلا في قمية الغرس، فقال لهم: قيمته مقلوعًا لا قائمًا. وأفتى ابن مالك: أن ما حكم به ابن زرب في ذلك غلط لا يجوز إمضاؤه، ولا يجب للقائم محمد حكم بالحبس لنقصان ما أثبته عما يصل به إلى وجوب أخذه للقطيع، إن شاء الله.

قال القاضي: وتكلم معي في ذلك، وقال: وجه نقصانه أن القائم محمد أثبت موت أبيه المحبس عليه وراثته، ولم يثبت أنه لا عقب له غيره، ومحتمل أن يكون له عقب فيكونوا شركاء هذا القائم في الحبس، فلا غنى به عن إثبات ذلك، كما أثبت وراثته للإعذار إلى الورثة، فكذلك يثبت عقبه ليعلم الحكم الجزء الذي يحكم به للقائم، ألا ترى أن من طلب حقًا وجب له ميراثه له عن موروث أنه لا يصح له حكم حتى يثبت عدد الورثة، وإلا لم يحكم له القاضي بشيء، وهو بين في شهادات المدونة، فكذلك العقب في التحبيس، وهذا هو الصواب إن شاء الله. قلت له: ولم لا يلزم الإعذار إلى المرضي، ومرجع الحبس إليهم؟ فقال: لقول المحبس: ثم على المرضي فإنما يتعين لهم حق في الحبس بعد انقراض العقب، وأما عقب العقب فلهم الدخول مع آبائهم في الحبس، قوله: وعلى عقب عقبه. والواو للاشتراك فاعلم. وقال لي بعد ذلك: إن القاضي كشف عن العقب فألفى منهم من يشرك القائم في الحبس، وكنت أعلمت ابن عتاب بقول ابن مالك في ذلك، فقال لي في هذا شيء مستغني عنه، وما أظن سكوته - أي ابن عتاب - وسكوت ابن القطان عنه إلا إغفالا، والله أعلم. وأفتى ابن القطان في جنة بجهة الزاهرة شرقي قرطبة محبسة على بني برطان تقبلت لثلاثة عشرة عامًا، وكان سوادها تبعًا لبياضها بفسخ القبالة فيها لطول هذه المدة، وطول المدة في كراء الأحباس. فيه تنازع، وقال اصبغ في الثمانية: من حبست عليه دار وعلى ولده من بعده فأكراها المحبس عليه سنة أو سنتين وقبض الكراء، ثم مات بعد أشهر؛ فلولده فسخ الكراء؛ لأنه قد انقضى ما كان لأبيهم من الحبس، وصار لهم، ويرجع المكتري في مال الميت فيأخذ ما بقي له من الكراء، وسواء كان ولده صغارًا أو كبارصا، وهو كمن أكرى داره ثم استحقها مستحق؛ فله فسخ الكراء. وقال ابن الماجشون في النوادر: يجوز كراء ولي الصدقة لما يجوز من النظر والحظ، السنة والسنتين، وما يجوز مثله للوكيل، ولا يجوز له التطويل، لأنه إنما يليها ما دام حيًا، وقد يتعرض حكمه فيها بعد الموت، وإن أمكن ذلك في القليل، فليس مما دخل فيه مدخل

الآخر في الأغلب، ولا يجوز أن يكربها بنقد؛ لأنه قد يضع في ذلك. والكراء لا يقسم عليهم قبل سكنى المكتري؛ لأنه إنما يقسم على من حضر يوم القسم، فمن ولد قبله ثبت حقه، ومن مات قبله سقط، وإن قسم قبل وجوبه بالسكن؛ فقد يموت من أخذ منه قبل أن يجب له ويحرم من جاء ممن يولد، وإن أكرى ما مرجع الرقبة لآخر بعده فلا يلزم ما بقي من المدة بعد موته، وإن قل بخلاف ولي الحبس الذي ذكرنا أنه يلزم ما قل من عقده؛ لأن الذي لغيره المرجع ليس له أن يعقد على غيره، وليس بيده من ولاية الصدقة ما بيد الولي الآخر، وهو إنما يكري لنفسه؛ ليس بولي على غيره، فهو يجوز له أن يعقد كراء مثل الأربع سنين والخمس. وقد أكرى مالك منزله لعشرة سنين وهو صدقة على هذه الحال، واستكثر المغيرة وغيره عشر سنين، فما أبيح له فيه الوجيبة فهو جائز له فيه السلفة؛ لأنه إنما تسلف لنفسه، وإنما الخطر فيه لكثرة السنين لطول عمره، أو قصره، فهو إذا مات يرد ما بقي فصار سلفًا، ولا يدخل من الحظر في القرب ما يدخل في البعد. وهذه المسألة في المبسوط لإسماعيل بن إسحاق القاضي عن عبد الملك بن الماجشون، وفي الصدقة من العتبية، وفي سماع أشهب وابن نافع عن مالك: فيمن تصدق بدار له على مواليه وأولاد أولادهم، فإذا انقرضوا رجعت إلى ولده، فكانت كذلك حتى بقي منهم واحد فأكراها من بعض ولد المحبس عشرين سنة، فأنكر ذلك باقي ولد المتصدق، وقالوا: نخاف أن يموت المولي في العشرين سنة فتقوم علينا بحيازتك. قال مالك: إذا مات هذا المولي انفسخ الكراء، ولقد أكثر في السنين فليكتبوا عيه بذلك كتابًا، ويتوثقوا عليه فيه. وقال ابن العطار في وثائقه:؛ ولا تجوز القبالة عند ابن القاسم في روايتاه عن مالك في الأحباس على قوم بأعيانهم، إلا لعامين ونحوهما، وبه القضاء للغرر الذي فيه بانتقاض قبالة من مات منهم، وقد تستأنف أيضًا لمن ولد منهم ممن له الدخول فيه. قال: واستحسن القضاة عقد قبالة أحباس المرضي والمساكين والمساجد لأربعة أعوام خوفًا أن تدرس الأحباس بطول مكثها بيد متقبليها. ورأى أهل البصر هذه المدة أقصى ما تبقى منفعة الزبل في الأرض، والمتقبل يزيل ويعمر. وبما ذلك ابن العطار شاهدت العمل بقرطبة، إلا قبالة الدور والحوانيت والفنادق.

المحبسة على المساجد وغيرها، فإنها تعقد في كل عام يجتمع لها عند القاضي في ذي الحجة من كل عام بعد عيد الأضحى بثمانية أيام، وينادي عليها ويعقد للعام الداخل. وقد خوطبت من بطليوس وأنا بأشبيلية في أرض ذلك أهها محسبة ولم تحز، وأكراها من كانت بيده وكن نساء لخمسين عامًا، وغرسها المكترون وكانوا جماعة، فلما مضى من الأمد نحو ثمانية أعوام فمن يطلبن فسخ الكراء؛ لأن الأرض محبسة عليهن، وأفتايت بنقض الكراء في الحبس وغيره إذا انعقد لهذه المدة لطولها وخروجها عن المعروف، وذكرت أنه لا حجة لمن جوز هذا في التي في نوازل سحنون، واستشهد على ذلك بالكالئ يؤجل إلى مثل هذا الأجل، وبتأجيل ثمن البيع إلى مثله: أن ذلك مما يفسخ به النكاح والبيع، وعلى ما في الواضحة وغيرها. وتركت نقل ذلك على حسب ما أفيت به كراهة التطويل، وفيما ذكرناه مقنع، وكذلك اختصرت بعض ألفاظ الروايات تخفيفًا دون إخلال بالمعنى الذي قصدناه، وقد تقدم هذا المعنى في باب الشفعة، والله الموفق للصواب. نقل شهادة شاهد لمرضه في حبس: من أحكام ابن زياد: فهمنا - وفقك الله - ما كشفتما عنه من شهادة محمد بن مسور ومحمد بن عبد الملك بن أيمن الناقلين إليكما شهادة إبراهيم بن عيسى، وأنهما قالا في شهادتهما: أن إبراهيم في وقت إشهاده بحال لا يقدر على الخروج لأدائها في الكتاب الذي هو الصك مفرط منه، فرأيناه شهادة تامة، فإذا أشهد بمثل شهادة إبراهيم شاهد آخر ممن تقبله نمت الشهادة، ووجب الحكم لمن شهد له به بعد الإعذار إلى من شهد عليه في الشاهدين، وفيما شهدا به، فإن لم يكن عنده مدفع أمضى عليه الحكم وأشهدتما على ثبوت الكتاب بشهادة الشاهدين بعد ثبوت عدة ورثة المحبس عندكما أيضًا، والإعذار إلى من لم يقم عندكما طالبًا لنفاذ الحبس من الورثة، وإن كان في الورثة من لم يدخل في الحبس، أعذر إليه أيضًا. قال ابن لبابة، وأيو، وعبيد الله، وغيرهم. قال القاضي: وبقي من المسألة يسير كان درس في الكتاب الذي كتبت منه فتركته، وحكم في هذه المسألة حكمان، ولا أعلم من هذا إذا لم يسميا في الكتاب والله أعلم. وقد تقدمت في أول الكتاب مسألة حسنة في الشهادة على الخط في الأحباس.

ثبوت حبس ابنة حيون عند القاضي عمرو بن عبد الله، ونظر القاضي بعده فيه: فالذي يجب في ذلك أن يثبت عندك إشهاد عمرو بن عبد الله على ثبوت الحسن وحوزه عنده، فإذا ثبت أعذرت إلى ورثة أمة الرحمن ابنة حيون في ذلك، فإن أتوا بمدفع نظرت فيه، وإن لم يأتوا بمدفع أشهدت على ثبوت ما ثبت عند عمرو بن عبد الله، ثم تأمر بإحضار سلطان ويقرأ عليها تبرؤها، بعد أن يثبت عندك عينها، فإن أقرت به أشهدت على كتاب إشهادهما على التبرؤ، ثم تأمر ببيع الدار بعد حيازتها، وإن أنكرته وثبت عندك أعذرت إليها، ثم تعمل في ذلك على حسب ما يظهر لك إن شاء الله. قاله ابن لبابة، وأيوب بن سليمان، ويحيى بن عبد العزيز، ومحمد بن وليد. قسمة الحبس للاغتلال إذا طلب أربابه ذلك: فهمنا - وفقك الله - ما سأله عبد الملك بن عبد السلام وكيل هند وعزيزة عنهما، وما سأله عبد الله بن خليفة وابن زيد عن بنيهما من قسمة الحبس الذي ثبت عندك أن محمد ابن سلمة؛ إذ كان قاضيًا أشهد عليه، وما ذلك في ذلك الكتاب من الحبس الثابت عندك، على حسب ما اجتلب فيه، ورأينا الحبس الذي بقرية أوسيناته، وبلاط أم عاصم، محوزة مزرعة بشهادة من قبلهم محمد بن سلمة؛ إذ كان قاضيًا بقرطبة، وثبوت ذلك عندك من إشهاد ابن سلمة عليه ولم نر لقرية سنسانة حوزًا في أرض غير تحبس عبيد الله جميع ملكه بها. فالذي يجب - وفقك الله - أن تأمر المشتركين في الحبس أن يقسموه بينهم قسمة اعتمار واغتلال، إلى أن يحدث من الولادة أو الموت ما يفيد ذلك بزيادة أو نقصان، على ما تجري عليه أحباس المسلمين، ويؤمر عبد الله بن محمد بالخروج عن قرية سنسانة والبراءة بما كان تحت يده منها إلى أولاده المحبس عليهم فيقسمونه، على مثل هذه القسمة، أو إلى غيرهم ممن يحوزه لأولاده ولمن بعدهم، فإن أبي شددت عليه بالحبس وألزم ذلك؛ أحب إلى غيرهم ممن يحوزه لأولاده ولمن بعدهم، فإن أبى شددت عليه بالحبس وألزم ذلك؛ أحب أو كره؛ لأن ذلك ينتقل إلى غير بنيه من بني بنيه، ثم إلى فقراء المسلمين بعد انقراض تسبيله، وإن تمنع أحدًا ممن له في الحبس نصيب من القسم، ألزم ذلك على ما أحب أو

كره. قال بذلك عبيد الله بن يحيى، ومحمد بن لبابة، وأيوب بن سليمان، وابن وليد. قال القاضي: قال لنا الشيخ أبو عبد الله ابن عتاب: في قسمة الحبس اختلاف. وذلك موجود في مسائل المدونة، وغيرها. قال ابن القاسم عن مالك فيمن حبس أو تصدق على بنيه الصغار والكبار، فلم يجز الكبار جميع ذلك حتى مات المحبس أو المتصدق: إنه يبطل ولا يجوز منه شيء. قال ابن القاسم: والهبة كذلك. وروي علي وابن نافع عن مالك: أن الصدقة تجوز منها حظ الصغار؛ لأنها تقسم ويبطل الحبس كله؛ لأنه لا يقسم، فقد صرح هنا أن الحبس لا يقسم. وقد تقدم هذا المعنى أكمل في حيازة الأب لبنيه الصغار. وقال مالك في المدونة وسماع يحيى وسماع عيسى فيمن حبس في مرضه على ولده وولد ولده دارًا ومات: إنها تقسم على الولد، وعلى عدد ولد الولد، فما صار لولد الولد أخذوه، وما صرا للولد دخل فيه سائر الورثة من أم الزوجة وغيرهما، فإن انقرض واحد من ولد الأعيان قسم نصيبه على من بقي من ولد الأعيان، وعلى ولد الولد، وتدخل الأم والزوجة وسائر ورثة الميت الأول فيما صار منه للولد. وفي المسألة طول وغموض واختلاف، تركنا ذلك كله لطوله وإذ هو مبسوط في الأصول: العتبية وغيرها، وقد رأيت لابن أبي زيد فيها كتابًا، وفي المغرب وغيره فيها بيان، وإنما قصدت منها ذلك القسمة الواقع فيها، وهي في حبس. وظاهره خلاف ما قاله أكثر أصحاب مالك في مسألة التي قبلها: أن الحبس لا يقسم. وقال محمد بن يحيى بن عمر بن لبابة في منتخبه: اختلف ابن أيمن وابن الأغبس في قسمة الحبس، فقال ابن أيمن: يقسم، وكانت قد نزلت وكتب بالقسم وثيقة، وقال ابن الأغبس: لا يقسم ويفسخ القسم إن وقع. واحتج برواية علي ومن وافقه في المسألة المتقدمة. قال محمد بن يحيى: وهو خطأ ومن اختلافهما؛ لأن معنى القسمة في مسألة الحبس في مرضه على ولده وولد ولده: إنما هو قسمة انتفاع، لا على أنه قسم يلزم من يأتي، والقسمة الممنوع منها في المسألة الثانية قسمة البنات.

قال القاضي: احتل بقرطبة مرضى من غيرها، وطلبوا الدخول مع مرضاها في أحباسها المحبسة على المرضى بقرطبة، فاختلف بها في الوقت الذي يجب لهم فيه الدخول مع مرضاها فيما يقسم عليه من غلة أحباسهم، وكان رأيي أن ذلك لهم بعد مقام أربعة أيام؛ إذ قالوا أنهم يريدون الاستيطان بها. وذكر لي أبو عبد الله ابن أبي حنين مثل ذلك عن ابن القطان، وكتبت بذلك إلى ابن أبي سلمة، فكتب: إذا ثبت استيطانهم بها، فمن يوم يثبت ذلك يفرض لهم في الأحباس، إن شاء الله، وانظر في حج الاستذكار، وهذا إن شاء الله حسن، وهو مقتضى ما ذكروه، والله أعلم بالصواب. وقول عبيد الله وأصحابه به في جوابهم: ومن أبي القسم منهم ألزمه - فيه نظر عندي؛ فتدبره. دار ادعت التي هي بيدها أنها حبست عليها وعلى فلان، وقال فلان: بل هي لي ابتعتها من التي زعمت تلك أنها حبستها عليهما: قال ابن لبابة: يجب في المرأة التي ألفيت في دار ذكرت أن أمة الوهاب حبستها عليها وعلى عباس، وقال عباس: بل الدار لي باعتها مني أمة الوهاب، وأدخل على ذلك ببينة أن تخرج المرأة من الدار لإقرارها بأنها فيها بسبب الحبس عليها وعلى عباس، وتكذيب عباس لها في ذلك، فإذا خرجت أمر القاضي - حفظه الله - بعقلها إلى أن يثبت اشتراء عباس أو حبس المرأة وموتها وعدة ورثتها، ثم يعذر إليهم فيما ثبت عند القاضي من ذلك، نفذه على ما يظهر له إن شاء الله. وقال محمد بن وليد. دار بيعت وحبست ثم ادعى البائع أنه مولى عليه: كشفنا - وفقك الله - عن حكمك لسمرة على عبد الله بن العاز في دار كان قد باعها منها، وحبستها سمرة بحضرة ذلك على مسكة، ثم على مسجد الغار، وجعلت إلى حجاجة أم عبد الله البائع قبض الحبس لمسكه ولمسجد بعدها، وذلك بعد استقصائك لسمرة ولحبسها، وذكرت أنها اعترضت بإنكار البيع، وادعى البائع أنه في ولاية أمه حجاجة بإيصاء أبيه محمد، وادعت ذلك عندك حجاجة. وشهدت البينة عندك بالبيع وقبض الثمن، وأن بيعه للدار كان بمحضر أمه، وأقرت

عندهم أنه إنما باعها في مصالح نفسه وأموره، وشهدوا عندك بالسداد في البيع، وأوقعت عليه القضاء؛ إذ لم يثبت عندك ولاية عليه بعينه، وقالوا: إنهم لا يعرفون عينه، ولا إن كان أولى عليه وهو صغير أو كبير، وفسحت له ولأمه بضرب الآجال استقصاء لمعاذيرهما، فملا لم يأتياك بشيء يوجب لهما نظرًا؛ أنفذت القضاء عليهما، وكل ذلك من فعلك صواب لم تعد فيه السنة، ولا خرجت فيه عن طريق الواجب، وذلك فلعلك في أحكامك، والقضية التي قرأنا بما أف صحت فيه عن نظرك تامة كاملة، ويجب عليك إمضاؤها. والإشهاد عليها. قاله محمد بن غالب، وابن لبابة، وغيرهما. فدان محبس بيد رجل ادعى أنه قد فرق غلته واضطرب في ذلك قوله: فهمنا - وفقك الله - ما وقف عليه ابن العاني من تحبيس جده للفدان، وإعلامه بما شهد به عليه في ذلك، وقوله: لا مدفع عندي في شهادتهم، ثم قوله: عندي مدفع فيهم، ومرة قال: إني قد فرقت غلة هذا الحبس عامًا بعام، فإذا كان في قوله وإقراره أنه وليه أخذ بإبراده لإقراره أنه تحت يده، ثم يوقفه القاضي حتى يثبت تحبيس جده له وموته، وعدة ورثته وورثة من مات من ورثته. فإذا أثبت؛ أشهد القاضي على ذلك، وسجل به قضاء يأخذ ما عقد من ذلك بعد الإعذار إليه، أن شاء الله، ويؤخذ بما اغتل إذا كانت الغلة أراد للحبس أو الكراء، إن كان الكراء أنفع؛ إذ لم يعاقده عليه من تجوز معاملته، ويوقف مع إيقاف الفدان إلى أن يظهر للقاضي فيه نظر فيمضيه بما يظهر له إن شاء الله. قاله ابن لبابة، وابن وليد، وأحمد بن يحيى، وسعد بن معاذ، ويحيى بن عبد العزيز، وعبيد الله، ومحمد بن غالب، ويحيى بن عبيد الله. المحبس عليه يعمر المحبس ما حبسه عليه: فهمنا - وفقك الله - ما رفع إليك عن عبيد الله بن محمد بن يزيد من دخول ابنتيه هند وعزيزة عليه في مرضه، وقولهما: قد أعمرنا هذا الحبس كان حقًا أو باطلاً، وظهور كذبه في ذلك ما لا يحتاج معه إلى بينة في طلبه، ولثبوت انتقاله من إنكار إلى إنكار حتى أخذته الحكومة، وتبين عجزه ولرده غير ما مرة. فالذي نرى: أن يمضي عليه الحكم بما قد أفتيا، ولا يمين على ابنتيه فيما ادعاه لما انكشف من كذبه غير مرة. قاله ابن لبابة، وعبيد الله، وأيوب، وغيرهم.

دار محسبة على رجلين أكراها أحدهما: وقفت لي - أكرمك الله - رسولك مع مولى الزاهد الصياد ومولاته، واختلفا في الدار التي حبسها عليهما، وذكرت المولاة أن المولى المحبس عليه معها أكراها لنفسه دونها، ولم يعطها نصيبها، وقال المولى: ما أكريت إلا هذه السنة وعام أول. فالذي يجب أن يغرم إليهما نصيبهما من كراء السنتين، بعد أن يحلف بالله: ما قبضت منها شيئًا وتحمل المرأة البينة على السنتين الماضيتين، فإن جاءت بالبينة غرم حصتها من كرائهما، وإن لم يثبت ذلك حلف المولى بالله ما اكتريتها، ولا أخذت لها كراء غير هاتين السنتين التين أقررت بهما، وبالله التوفيق، ثم لا يكريها أحدهما إلا برضاء صاحبه. قاله ابن لبابة. في الحانوتين المحبسين للغساني وفسخ البيع فيهما: فهمنا - وفقك الله - ما شهد به على زوجة الغساني من بيعها للحانوتين اللذين ثبت تحبسهما، ووجب للمشتري الرجوع على البائعة بالثمن، وقالت عند الإعذار إليهما: إنها باعت مكرهة معروضًا عليها السياط، وعندي في ذلك مدفع بهذا الإكراه، فيجب أن تحمل إثبات ما ذكرت، فإن أثبتت أن بيعها كان مكرهًا، وجب الكراء في مال المشتري المكره، ولزمها رد الثمن، إلا أن تثبت لها أنها ردت الثمن وضمت إلى الإشهاد بالقبض، ولم تقبض في علمهم وما اطلعوا عليه. قاله عبيد الله، وابن لبابة، وسعد بن معاذ، ويحيى بن عبد العزيز، وابن وليد، وابن غالب، وأحمد بن يحيى بن أبي عيسى. قال القاضي: وعند آخر حبس الواضحة قال ابن حبيب: سألت مطرفًا عن منزل حبس على المساكين فرفع إلى قاض، فجهل فباعه، وفرق ثمنه على المساكين، ثم رفع إلى غيره بعده فقال: يفسخ البيع، ويرد المنزل حبسًا كما كان. قال: قلت له: فالثمن ممن يأخذه المشتري، وهل هو على السلطان الذي باعه؟ فقال لي: لا أرى عليه شيئًا، وخطأ الإمام في الأموال هدر إذا اجتهد فأخطأ، ويدفع الثمن إلى المشتري من غلة الحبس. وسألته عمن بني مسجدًا في قرية فصلى فيه نحو سنتين، ثم باعه ممن نقضه وبناه بيتًا أو دارًا، أو تصدق به على من فعل هذا به. فقال: يفسخ ما فعل، ويرد إلى ما كان عليه مسجدًا وهو كالحبس لله لا يجوز بيعه ولا تحويله عن حاله، وللباني نقض بنيانه، وإن شاء

فليحتسب في تركه، وإن أراد نقضه فأعطاه محتسب قيمته مقلوعًا ليقره للمسجد أجبر الباني على ذلك إلا ما لا حاجة للمسجد منه، ولابد من نقضه فيترك ذلك .. قلت: فنقض المسجد الأول أيجب على من نقضه أن يعيده كما كان؟ قال: عليه قيمته قائمًا؛ لأنه متعد في ينقضه وهدمه، ثم يبني بتلك القيمة. قال ابن حبيب: وقال لي أصبغ مثله. قال: وقال أصبغ فيمن حبس على بنيه صغار وكبار أو على قوم باعيانهم، ثم هو سبيل بعدهم، فعدا عليه فباعه مغافصة (¬1) لهم. أو بعد طول زمان: طول زمان: هو سواء، والبيع منقوض على كل حال، ويرد الحبس على حاله، ولا ينظر فيه إلى تواني هؤلاء في قبضة لرجوعه من بعدهم إلى المساكين، وإن كان أعدم بالثمن اتبع به بخلاف الصدقة ببيعها بعد علم المتصدق عليه، وهذا أحب ما فيه إلي، ولولا التطويل لذكرت ما في ذلك في المدونة وغيرها. وقال ابن العطار في كتاب السجلات من وثائقه: إذا فسخ بيع الحبس، فالغلة فيما سلف قبل ثبوت تحبيسه للمبتاع، لا يرجع عليه بشيء منها، إذا لم يعلم بالحبس بعد أن يحلف أنه لم يعلم به، وما كان في رؤوس الشجر من الثمرة وقت الاستحقاق، فهو للذين ثبت لهم أصل التحبيس، وأما الزرع فهو لزارعه، وإن ثبت التحبيس حين ثباته، وإن كان في أبان الحرث فعليه كراء الأرض. وإن كان بائع الحبس هو المحبس عليه رجع عليه بالثمن، فإن لم يكن له مال وأثبت عدمه أو حلف، فللمبتاع أخذه من غلة الحبس عامًا بعام، فإن مات المحبس عليه قبل استيفائه الثمن؛ رجع الحبس إلى مرجعه، ولم يكن للمبتاع منه شيء، وإن كان بائع الحبس كبيرًا عالمًا بالتحبيس، عوقب بالأدب والسجن على بيعه وكذا إن لم يكن له عذر. قال القاضي: وينبغي إن كان مالكًا لنفسه مع ذلك ألا يكون له طلب المبتاع بشيء من الغلة، وإن علم - أي المبتاع - حين ابتياعه أنه حبس، وقد نزلت بقرطبة في مسألة القرشية ولادة، فأفتيت فيها بذلك، وكان غيري قد خالفني فيه، وخلافه خطأ بحت، والله الموفق للصواب. وفي مسائل ابن زرب: جمع ابن الصغار يونس بن عبد الله وكان من أصحابه ¬

_ (¬1) ... أي: معازةً. انظر لسان العرب ج 7 ص 60 (مادة، غبص).

فيمن ورث مالا فاستحق بيده حبسًا، قيل للقاضي ابن زرب: هل على هذا الوارث غرم ما اغتل منه؛ إذ لا ضمان عليه فيه؟ قال: أما على قول ابن القاسم فلا خراج عليه، وقد نزلت عندنا بقرطبة فقضى بذلك، وأما على قول سحنون فعليه الخراج. قال القاضي: قول ابن القاسم الذي أشار إليه ابن زرب في هذا الجواب، هو قوله في كتاب الاتسحقاق من المدونة، فمن اشترى جارية بكرًا فافتضها أو ثيبًا فوطئها. ثم استحقت حرة فلا شيء عليه في وطئها، ورواه عن مالك. وكذلك لو استحقها مالك أنها أمته. وقال سحنون: ينبغي أن يكون عليه ما نقصها؛ لأنها منفعة وصلت إليه. وفي سماع عيسى عن ابن القاسم فيمن اشترى عبدًا فخارجه أو كاتبه أو استخدمه، ثم استحق حرًا، أنه لا يرجع على المبتاع بغلة ولا كتابة ولا أجرة خدمة. وفي المسألة طول ولها نظائر في الواضحة، وغيرها. وقال المغيرة في هذا: له الرجوع بما اغتل منه، وقع في النوادر، وهو قول سحنون، ولابن القاسم ما يعارض هذا الأصل في المدونة، وهذا مثل مسألة بيع الحبس مجتمعًا، إذا وقع كيف يكون الحكم فيه. وأجمع مالك وأصحابه على المنع من بيع الأصول المحبسة العامرة، وهو المشهور من قولهم فيها، وإن خربت، واحتجوا في المدونة وغيرها ببقائها خرابًا بالمدينة، فدل على أن بيعها غير مستقيم. وكذلك لمالك في الموازية في المعارضة بها، إلا أنه وقع في كتاب الحاوي لأبي الفرج المالكي: أن قول مالك اختلف في بيع الوقف إذا خرب. وأما غير الأصول كالعبيد والثياب تبلى ويتخلق العبيد أو تضعف الدواب؛ فروي ابن القاسم وابن وهب عن مالك: جواز البيع والاستبدال في ذلك. قال في المدونة: وقد رأى غيره أن ما جعل في سبيل الله من العبيد والثياب لا يباع، ولو بيعت لبيع الربع المحبس إذا خيف عليه الخراب، وإن كان قد روي عن ربيعة خلاف لهذا في الرباع والحيوان إذا رأى الإمام ذلك. وفي موطأ ابن وهب: أن ربيعة أرخص في بيع ربع دثر وتعطل، ويعارض به في ربع نحوه في عمارة، يكون حبسًا.

وفي النوادر: قال مالك: من باع حبسًا فسخ بيعه، إلا أن يغلبه سلطان، فأدخله في موضع ودفع إليه ثمنًا، فيشتروا به دارًا مكانها، من غير أن يقضي به عليهم، وكذلك إن باع وأدخلت في مسجد. وقاله ابن القاسم. وقال ابن الماجشون: يقضي عليه أن يشتري منه مثلها، وأما أن استحق الحبس فأخذ فيه ثمن فليصنع المحبس به ما شاء. وف رسم طلق بن حبيب لابن القاسم عن مالك: لا يقضي عليهم، إلا أن يتطوعوا. وتمام هذا المعنى في كتاب الرطب باليابس. وفي رسم طلق بن حبيب لابن القاسم عن مالك: لا يقضي عليهم، إلا أن أن يتطوعوا. وتمام هذا المعنى في كتاب الرطب باليابس. وفي رسم سن، ونوازل سحنون، وآخر سماع أصبغ، وفي جامع البيوع في سماع أشهب، ولابن الماجشون في آخر كتاب الصدقات من الواضحة: لا يجوز بيع شيء محبس من عبد أو بعير وغيره، وإن فسد، إلا أن يشترط ذلك المحبس. وكتب القاضي أبو بكر ابن السليم إلى القاضي أبي بكر بن زرب في رجل من أهل الثغر على فرس مرسوم فخذه: - حبس الله – رفع إليه، فلما كشف عن ذلك قال: اشتريته ببلاد البربر، فلما أتيت سجلماسة خفت أن أغرم عليه أو ينزع مني فوسمته بهذا رجاء أن يطلق لي. فكتب إليه: إن لم يعرف ملكه لهذا الفرس قبل هذه السمة ولا أقام بينة بما ادعاه، فحل بينه وبينه، وأمضيه في سبيل الله، على ما ظهر من وسمه، ولا يصدق الثغري على هذا، إن شاء الله إلا بينة. بيع نقض الحبس إذا انهدم من أحكام ابن زياد: فهمنا – وفقك الله – ما ذكره صاحب الأحباس من أنه أفي في المال المحبس بقرية قير تجلش المنسوب تحبسه إلى حارث الدباج خربة، ووجد في القرية نقضًا باليا يسيرًا، أقر من وجد عنده أنه من نقض هذه الخربة المحبسة، فأقره عند هذا المقر، ثم اطلع عيه فوجد قد بلي بلاء خاف عليه الذهاب معه على طول المدة وأحب القاضي معرفة جواز بيعه، وإيقاف ثمنه إلى أن يهيء الله بنيان الخربة، فيستعان به فيه. فالذي نرى: أن بيعه من النظر المحبس والحطية له، وخير من أن يترك فيتلف جميعه قاله ابن لبابة، وابن وليد.

ولابن زرب في مسائله: أنه رفع إليه في ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة: أن أبا الوليد ابن أبي عبدة هدم قصبة كانت في داره المحبسة، وباع بعض أنقاضها، فأمر بإخراجه عنها وتسميرها عليه، ثم رغب إلى القاضي أن يعاد إلى الدار، ويوضع النقض في بيت بيني عليه على أن يغطي سقف المجلس الذي كان تحت القصبة. فقال القاضي لمن معه: ما ترى في هذا؟ فقال له المسئول: ليس يبني من هذا شيء على يديه أبدًا لأنه شديد السفه، وارى أن يباع من النقض بعضه، وينفق من ثمنه في بنيان المجلس، ويدخل باقي النقض في البنيان، ثم كذلك تباح له الدار، فقال: هذا حسن، يفعل هذا. فقال له جماعة من أهل المجلس: أو ليس هذا من بيع الحبس؟ فقال: أو لستم تسمعون ما يقول: إنه إن لم يؤخذ هذا المأخذ لم يبن على يدي الذي هدمه؛ ليس هذا من بيع الحبس، هذا إصلاح له. قال أبو علي: فقلت له: قد رايت مساجد تباع حصرها، وقد بلغني أن مسجداًا بيع منه حصر بخمسة وثلاثين دينارًا، فقال: إذا كان يستغني عنها فما يبيعها بأس. قيل له: وكذلك ما يلي من أنقاض المساجد، واستغنى عنه؟ قال: نعم بيعه جائز. وقال له اب دحون: من حبس حبسًا، وشرط أن تنقد غلته في مصالح حصن من حصون المسلمين في وجوه كرها، فتغلب العدو على ذلك الحصن؟ فقال: تنفذ الغلة في مثل تلك الوجوه في حصن غيره، إن شاء الله تعالى. وقال: ما كان الله عز وجل، والمستغنى عنه فجائز أن يستعمل في غير ذلك الوجه، مما هو لله كالدار المحبسة بلصق المسجد، لا بأس أن يوسع بها المسجد الجامع خاصة؛ لأن الجمعة لا تكون إذا في موضع واحد، وغيرها من المساجد قد ينتقل عن المسجد إذا ضاق إلى غيره، ونحوه ما ذكره القاضي واختاره في كتاب ابن حبيب. قال ابن الماجشون عن مالك: أدخل في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دور محبسة كانت حوله هدمت وزيدت قال ابن حبيب: قلت لابن الماجشون: فهل ترى مساجد الأمصار في هذا مثل مسجد العشائر فلا. وقاله مطرف، وابن عبد الحكم، وأصبغ. وقال ابن الماجشون في المقبرة تضيق عن الدفن وينتقل عنها وينتقل عنها إلى غيرها، والى جانبها مسجد قد ضاق بأهله: لا بأس أن يوسع المسجد ببعضها، لأنهما جميعًا المسجد والمقبرة

حبس للمسلمين لصلاتها وتدافنهم؛ فلا بأس أن يستعان ببعض ذلك في بعض. وروي أصبغ عن ابن القاسم فيم مقبرة فبني قوم عليها مسجدًا: لا بأس بذلك، وكذلك ما كان لله لا بأس أن يستعان ببعضه في بعض، وينقل بعضه إلى بعض. وفي حبس العتبية في رسم سن: قال ابن القاسم في اتخاذ المساجد على القبور: إنما أكره من ذلك هذه المساجد تبنى عليها، فإن عفت مقبرة فبني قوم عليها مسجدًا يجتمعون للصلاة فيه فلا أرى به بأسًا. وشاور بعض القضاة بقرطبة في مسجد أراد جيرانه الزيادة فيه من دار حبس مجاورة له، وعقدوا في ذلك عقدًا تضمن معرفة شهدائه أن مما يصلح به المسجد ويتسع به أن تضاف إليه الدار المحبسة التي عليه. فجاوب ابن عتاب: تصفحت عقد الاسترعاء في هذا فرأيته قد حط منه تحديد المسجد بما يلاصقه من الدور، والعقد مفتقر إلى ذلك، لتعرف الدور الملاصقة، ومن أربابها، لا لتعيين المسجد، فتقف بذلك - رحمك الله - على هيئة المسجد، وما يتصل به من حبس أو غير حبس، وهل يشرع بابه، إلى محجة أو درب أو فناء، فقد تلاصقه دار يرغب ربها بيعها، فيكون ذلك أقرب مأخذًا وأسهل تناولاً من أمر الحبس، وما تضمنه عقد الاسترعاء. أن ذلك مما يصلح به المسجد ويتسع به، أن تضاف إليه الدار المحبسة، وليس هذا وجه العقد في ذلك ولا سبيله، ووجهه غير هذا مما علمك محيط به، وربما صلح أمر المسجد مما هو أفضل من هذا وأولى وأسم، وذلك بأن توجه إيه من تثق به من أهل المعرفة بالبنيان، فإن كان بابه يشرع إلى فناء أو محجة واسعة، لا ضرر على أحد من المسلمين في الأخذ من ذلك، ويوسع به المسجد وتلاصقه دار لملك يرغب في بيعها، ويسارع إلى الخروج عنها دون إكراه على ذلك أو أخذها بالقيمة. نظرت في ذلك، واحتسبت الثواب فيهن وإن كان لا يجاور المسجد شيء مما ذكرت، ولا يرغب أحد من مجاوريه بيع داره، ولم يكن غير الدار المحبسة المذكورة، تركت النظر في ذلك، إذ لا سبيل على مذهب الإمام مالك (رضي الله عنه) إلى تغيير شيء من الأحباس لتوسعه مسجد ولا غيره، إلا في المسجد الجامع، أو في طريق للمسلمين، لابد لهم منها، وأما التوسع بها في مسجد من مساجد القبائل فلا، وهكذا نص الرواية.

والفرق بين ذلك واضح بين، لأن الجمعة عنده لا تكون إلا في موضع واحد من المصر، وإن عظم المصر فاستخف ذلك للضرورة في غيره، ولا ضرورة في غيره من المساجد تدعوا إلى ذلك، وإن ضاق المسجد بأهله انتقل إلى غيره أو بنى سواه. وهذا المسجد المذكور في اعقد يقرب منه مساجد، وبنيان مسجد بالحومة التي هو بها ممكن لمن رغب الثواب، ولا أقول بتغيير الحبس بوجه من الوجوه لما بينت ووصفت، وليس لمحتج أن يحتج بما قاله ربيعة في يالمدونة، ولا بما رواه أبو الفرج عن مالك: إذ ليس هو من باب ذلك، ولا من معناه، وقد كان كبير من شيوخ بلدنا يقول: لا سبيل إلى أن يكره الإمام أحدًا على بيع داره وللزيادة في مسجد الجامع، ولا يخرجه عنها إلا بطيب نفسه، ويحتج في ذلك بحديث كان يرويه وقد رأينا، والله عز وجل أسأله توفيقك. قال القاضي: وهذا كان مذهبه رحمه الله في نقض مسجد منهدم ولا جيران له، ولا معه ما ينفق في بنيانه وإعادة نقضه فيه: أن يترك ذلك لانقض ولا ينقل إلى مسجد غيره، ولا يصرف في سواه، وبذلك كان أفتى في أنقاض جامع رشتشان من عمل قرطبة: أن تترك في الجامع حتى تعفن، ولا تزال عن موضعها. ومن الحجة – وإن كنت لم أسمعه يحتج به – ما في سماع أشهب وابن نافع عن مالك فيمن تصدق بنخل بمائها، ثم أصابها الرمال حتى بلغت كرانيعها وغلبت عليها، وفي مائها فضل، قال السائل: وقد أردت بيعها، قال مالك: ما أرى أن تبيعها، وأرى أن تدعها على حالها حتى يغلب عليها الرمال فتستريح منها. قال القاضي: فقد رأى مالك ترك هذه النخل حتى تبطل وتذهب، ولم ير بيعها على حال. وقال ابن وضاح: سألت سحنونًا عن زيت المسجد يكون كثيرًا، أيباع ويدخل في منفعة المسجد؟ قال: تجعل فتائل غلاظ. ولم ير بيعه. قلت: فيوقد في مسجد آخر؟ قال: لا بأس به. قلت: فالخشب كون في المسجد قد عفنت لا يكون فيها كبير منفعة، أتباع ويشتري بثمنها خشب يرم بها المسجد؟ قال: أما أنا فلا أجعل سبيلا إلى بيعها أصلا، إلا أن ثم قولا ضعيفًا. وهذا ما كان يراه أبو عبد الله ابن عتاب في ذلك، وبالله التوفيق.

عرصة محبسة للتدافن فيها أراد رجل فتح باب دار إليها: جوابك – رضي الله عنك – في عرصة ابتاعها رجل بلصق مقبرة للمسلمين، وحبسها ليدفن فهيا من يموت من ولده وأهله، ولرجل يلصق هذه العرصة دار بابها إلى الطريق، فحبس منه قطيعًا وفتح باب هذه الدار إلى تلك العرصة، فمنعه ورثة محبسها، وقد تدافن فيها من مات من أهل المحبس، وقالوا: فتحك بابًا إلى مقبرتنا مما يضرنا فيها بالطريق الذي تحدثه لتختلف عليه من دارك، وقد كان لها باب إلى الطريق وتختلف عليه أيضًا لقبورك أنت ومن له قبر، وتكررك بالدخول والخروج لعيها تبديل للحبس وتغيير له، وليست الطريق مباحة على المقابر. وأفتى بعض الفقهاء: أن الرسول عليه السلام كان يشق المقابر، ولو كان المشي عليها من الضرر ما فعله، وإنما كره ابن حبيب المي على أسنمتها لا بينها، واحتج بهذا محدث الباب إليها. وقال غير هذا المفتي: المشي على المقابر لمن كان له قبر ضرورة، ويؤمر بالتحفظ من المشي عليها لئلا يهدمها، وللضرورة أحكام، وأما من كانت له طريق يمشي عليها فعدل عنها إلى إحداث غيرها، ليسلك إلى مقبرة عليها، ولعلها مع تقادم لاسكنى تنتقل الدار إلى من يعمرها بالخمر وغيرها من المرحمات، فتكون سببًا إلى استعمالها في المقابر، وتصير المقبرة مسلكًا لأهل الشر، ولهذا المعنى يمنع من فتح باب في المسجد للانتفاع به، فعرنا – وفقك الله – بالصواب عندك من هذا، وبالجواب فيه، مأجورًا إن شاء الله. قال القاضي: كتب بهذا أشبيلية إلى القيروان. فجاوب أبو بكر بن عبد الرحمن: الذي يظهر لي من الجواب والله الموفق للصواب – أن لهم منعة من إحداث ذلك عليهم؛ لأن ذلك يضر بهم وبقبورهم، وهو شيء لازمن في كل الأوقات، والمرور في المقابر إلى القبور من نادر الأمور، وبهذا يريد أن يجعله حقًا لازمًا ولمن يسكن الدار معه وبعده من مكتر أو مالك، وقد يتسع ذلك إلى سلوك الدواب وغيرها؛ فيكون ذلك من الضرر، وبالله التوفيق. وجاوب أبو عمران: هذه الوجوه التي احتج بها أهل المقبرة إذا كانت طريقًا باقية بينه ظاهرة، وأما لو

كان التطرف بالمشي على حسب تطرق المجاز قط لجاز؛ إذ لا ضرر فيه، وأما إن سكن الساكن الدار المحدثة بابها إلى المقابر، وخيف أن يكون سكناه سببًا لتطرق الماشية إن اتخذها يومًا، وذريعة إلى إلقاء الأزبال فيها، أو إلى أن يرتفق بسكناها بما يليها من المقبرة، كما يرتفق بالأفنية في وجوه الارتفاق التي قد تؤذي بعضها المقابر بدرس أو تقذير وغيره، فيمنع من ذلك، ويغلق الباب المحدث إلى المقبرة، وحرمة عظام المسلمين موتى كحرمتهم أحياء. وبالله التوفيق. قال القاضي: هذا الذي جاوبا به صحيح ولا يتجه إلى ذلك خلاف بوجه، لو كانت العرصة باقية على ملك صاحبها ولم يحسبها، لكان له منع صاحب الدار من فتح باب إليها، والسلوك عليها، فكيف وقد تحرمت بحرمة الأحباس التي قد تحمي مما هو مباح في غيرها. جنة ابتاعها مسلم من بعض أهل الذمة ثم قام ابن أخي بائعها يدعى أنه قد كان حبسها عليه قبل بيعها: الجواب – ري الله عنك – في مسلم اشترى جنانا من يهوديين، ونزل فيها وحازها عشرة أعوام أو نحوها واعتمرها فيها، ثم حبسها بعد هذه المدة على بنية، فإذا انقرضوا رجعت حبسًا على طلبة العلم، وفي فك الأسرى، وعتق الرقاب، ولتأريخ الحبس ثلاثة عشرة عامًا، وقام الآن يهودي يزعم أن هذه الجنة حبسها عليه عماه، وهما اليهوديان البائعان لها من هذا المسلم، قبل التبايع المذكور، واستظهر بوثيقة تحبيس البائعين لها، قد كتب بخط إسلامي ذلك فيها أن البائعين اليهوديين حبسا الجنة المبيعة على ابن أخيها القائم، وعلى عقبه ما تناسلوا، وذكر يها أن أحد اليهوديين المحبسين حازمًا حبسه من الجنة على ابن أخيه؛ إذ كان صغيرًا. فهل يجوز إحباس اليهودي، وهل بيعهم لما حبسوا جائز أم غير جائز؟ وهل يجوز حيازة أحد المحبسين البائعين للجنة لما حبسه؟ وهل لحكم المسلمين أن ينظر بينهم في أحباسهم؟ وهل ترى أن ينقض حبس المسلم لحبس اليهودي؟ وهل تجوز شهادة المسلم على خطوط شهادة المسلمين في حبس اليهودي. فجاوب ابن عتاب: قرأت – رحمنا الله وإياك – خطابك، وفهمت سؤالك، وأحباس أهل الذمة تخالف

أحباسهم المسلمين – حماهم الله وكفاهم – وتفارقا لوجوه يطول ذكرها: منها أن المسلم لا رجوع له في حبسه، ولا سبيل له إلى فسخه ونقضه، وواجب على القاضي إذا أنهى إليه تحصينه بالإشهاد عليه، والتسجيل فيه، وعلى هذا جرى أمر القضاء رحمهم الله. والذمي إذا حبس ثم أراد الرجوع في فعله بنقضه وبيعه أو بما شاء، لم يعرض له ولا يمنع منه ولا يحل لقاضي النظر في تحصينه وإنفاذه؛ لضعفه، والى نحو هذا ذهب أصبغ بن الفرج، ولرواته معنى ليس موضع بيانه. وقد روى عيسى عن ابن القاسم: أن لأهل الصلح بيع أرض الكنيسة إن أحبوا، وذلك من أحباسهم، وإذا قد باع اليهوديان المحبسان الجنة التي حبساها، فبيعها جائز ونافذ، ولا قيام لهما ولا للمحبس عليه على المبتاع، ولا سبيل لهم إلى الجنان، ولو قام القائم في حين نفوذ البيع وقوعه لم يرد البيع ولا فسخ، فكيف وقد حبس المبتاع ما ابتاع، ومضت المدة التي وصفت. وتحبيس المسلم لذلك جائز نافذ، ويلزم القاضي إنقاذه وإمضاؤه والحكم به، ولا يسعه غير ذلك، ولا يراعى في حبس اليهودي حيازة ولا غيرها، بعد البيع، كانت الحيازة صحيحة أو ضعيفة. وكذلك الشهادة على الخط لا يلتفت إليه فيها، ولا يسمع إقرار اليهودي أنه حاز نصيبه منها؛ إذ لا منفعة فيه، إلا أن لليهودي المقر له بذلك القائم بالحبس مطالبة عميه البائعين لما حبساه عليه، أن أحب، ومحاكمتها إلى حكم أهل دينهم، إن شاء الله تعالى. فدان محبس على مسجد ادعى مدع أنه من مال الجزية: من أحكام ابن زياد: فهمنا – وفقك الله – ما كشفت عنه من الفدان الذي بحسه طريف الفتى على مسجد بقرية طرجيلة، وما كان من قيام من قام عند القومس أنه من أرض الجزية، وما وقع إليك من ذلك. فالذي يجب فيه: بقاء الفدان على ما حبس حتى يثبت عندك بالبينة أنه من مال الجزية، فإذا أثبت ذلك عندك نظرت فيه بما يجب إن شاء الله. قاله ابن لبابة، وأيوب بن سليمان، وابن وليد، وابن غالب. شوري في أحباس البوادي: أتانا – رحمنا الله وإياكم – قوم من قرى شتى يذكرون أن عندهم مساجد خربة،

ولها أحباس عندهم على المساجد، وعلى ضعفاء القرى التي بها، واجتمع عندي الذين ذكروا أن الأحباس بأيديهم وجيرانهم الذين لم يرفع إلينا أن بأيديهم منها شيئًا؛ فأقر من يده من الأحباس شيء بما بيده منها للمساجد، وما منها للفقراء، وشهد غيرهم بمثل ذلك، وفيهم جماعة ظاهرهم الخير إن شاء الله. فأتاني هذه الأيام من يسألني من أهل تلك المواضع إرسال عدلين لحضور تفرقة ما للضعفاء من الطعام المرفوع في البطن المحبسة، فأحببت معرفة رأيكم فيما سألوه ووجه النظر في ذلك، وفي مرمة المساجد وإقامة حصرها وزينتها؛ فعرفوني – رحمكم الله – كيف العمل في هذا إن شاء الله. فجاوبوا: قرأنا – وفق الله القاضي – هذا السؤال وفهمنا، ومن كان بيده شيء فأقر به فإقراره في ذلك لازم، وقد كان فيما سمعنا أن المقرين يكون الحبس في أيديهم ذكروا أن هذه الأحباس أحباسٌ قديمةٌ، وقليل منها حديث، ولم نزل نسلك بغلتها في مساكين هذه القرى، وفي إصلاح مساجدها مسلك الأحباس، وأحببت أن تعرف إن كان يلزمك تنفيذ ما دعي المقرون إلى أن يكون تنفيذه بمحضر من توجهه لذلك: فالذي نراه أن إقرارهم بما تحت أيديهم من هذه الأحباس لازم لهم، ويجب تنفيذ ذلك على ما أقروا به وصنفوه مما جرت به الحباسة فيه، إن شاء الله، وهكذا يجب في كل مجهول الأصول لم يثبت إلا بإقرار من الذي بيده، فالمقر يؤخذ بإقراره، وينفذ ذلك، إن شاء الله. قال بذلك محمد بن وليد، وعبيد الله بن يحيى، وأيوب ابن سليمان، وابن لبابة، وابن معاذ، وغيرهم. من حبس على نسله أو على عقبه أو حبس دارًا لسكنى النساء فتزوجت امرأة ساكنه فيها، أو أوصى ببنيان مسجد في موضع فسبق إلى بنيانه فبناه في ذلك الموضع، وبقيت وصيته حتى مات. في مسائل ابن زرب القاضي: سأله ابن محسن عمن حبس على نسله، فقال: كمن حبس على عقبه، ثم قال لهم القاضي: ما تقولون في رجل أوصى ببنيان مسجد في موضع، ثم إنه بنى المسجد في ذلك الموضع، وبقيت وصيته إلى أن مات؟ فاختلفوا فيها، ثم قالوا له: ما تقول فيها؟ فقال: ما حضرني فيها حتى الساعة جواب.

قال القاضي: شاورنا أصحاب الأحكام والأحباس بقرطبة محمد بن مكي عن امرأة ساكنة في دار محبسة على صالحات النساء أرادت النكاح، أو مراجعة زوج كان طلقها ويسكن معها في تلك الدار. فأفتيت: أنا وأبو الحسن علي بن محمد: أن لها ذلك، إن كان الزوج عديمًا لا يستطيع على إسكانها، ويكون في ذلك تبعًا لها. وأفتى أبو عبد الله ابن فرج، وعبد الله بن أدهم: أنها تخرج من الدار إذا نكحت، ولا يجوز بها السكنى معه فيها، وبلغني أن بعضهم زعم أنها نزلت عند القاضي أبي علي ابن ذكوان. وأفتى ابن عتاب، وابن القطان: بأنها ليس لها ذلك، فرأيت في المنام سحر ليلة الاثنين في أول ليلة من المحرم سنة خمس وستين أني كأني خرجت من دار داخلية أنا وعيسى بن أبي عمر القطان، فكنت أجد في الدار البرانية منها أبا مروان بن مالك رحمه الله جالسًا فجلست إليه وقلت له: كيف أنت؟ وأين غبت؟ ونحو هذا، وقلت له: قد سألت عنك أبا بكر بن الفلجياني وكان يقع في نفسي أنه كان غائبًا، وأن الدار التي خرجت منها له، وأظن أني ذكرت له أني حسبته غائبًا، فكأنه أنكره، فقلت له: كل يوم أتى دارك أناظر فيها، وكان يقع في نفسي أن عيسى بن القطان يقرأ على فيها، فكأنه عز عليه قولي، كل يوم أناظر في دارك. وقلت له – أو قال هو ذلك لي -: ليتنا لو اجتمعنا نقرأ كتابًا واحدًا، وكان يجرى ببالي كتاب الحبس من المدونة، ثم كان يقوم عن موضعه ناهضًا، ويمشي في مكان مجهول لا أعلمه في الدار، يسير وأنا أتبعه، وفي أثري عيسى، فكنت أسأله عن المسألة المتقدمة، فقال لي: ليس يسكن معها زوج في الدار أو نحو هذا. فقلت له: قد أفتيت أنا بأن له أن يسكن معها، فقال لي: وأنا قد اعتراني ذلك، حتى وقفت على السطر الذي هي فيه، ثم كان يقول: الناس على شروطهم في صدقاتهم. فكنت أقول أنا متصلا بكلامه: ويقبل منهم قولهم فيما أعطوا. وكنت أتذكر في ذلك الحين ما في سماع يحيى وعيسى وغيرهما من مسائل من حبس وشرط، أن من تزوج من بناته خرجت من الحبس، فإن ردتها رادة من موت زوج أو

طلاق رجت فيه، وكأنه كان في لسانه شيء؛ إذ قال لي ذلك. وكنت أريد أيضًا أن أسأله عن قول مالك: أنه لا يجوز تولية الطعام الغائب؛ لأنه من الدين بالدين، إلا أني كرهت ذلك لحضور عيسى معي، ثم استيقظت. قال القاضي: وقوله: الناس على شروطهم في صدقاتهم وتتميمي للكلام معناه في الموطأ: قال مالك: قال لي يحيى سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي يسأل القاسم بن محمد عن العمري، وما يقول الناس فيها؟ قال القاسم: ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم، وفيما أعطوا. وأما في سماع عيسى في الوجه الآخر، فإن في رسم أوصى لمكاتبه: قال ابن القاسم: قال مالك في الذي يحبس الحائط على بنيه الذلكور والإناث، فمن تزوج من البنات فلا حق لها، إلا أن تردها رادة، ثم هو بعد ذلك حبس على موالي، فمات البنون كلهم إلا ابنة واحدة متزوجة؛ ما يصنع بالغلة؟ قال: تكون الغلة لموالي حتى ترجع الابنة، ولا تحبس الغلة عليها. وتكرر هذا المعنى في رسم يع، وفي سماع يحيى، وهو في كتاب ابن حبيب وغيره، وهو بين في مسألة المرأة التي تزوجت، وهي ساكنة في دار محبسة على صالحات النساء: أنه لا يسكن معها فيها. ولابن القاسم عن مالك في النوادر في الهلاك في دار محبسة لزوجته السكنى فيها في العدة، وكذلك الساكن في دار في سبيل الله قال: وإن كان أهله وولده أهل حاجة، وهم صغار، فلا يخرجوا، وأنكر قول من قال: إنما حبست في السبيل للرجال دون النساء. وفي هذه دليل لما كنا أفتينا به في تلك، وإن كان الاستدلال بما ذكرنا من سماع عيسى وغيره للمنع من ذلك أبين، وهو الصواب إن شاء الله، وكفى بقول النبي (صلى الله عليه وسلم) حجة: "المسلمون عند شروطهم (¬1) ". من حبس شقصًا من دار لا تنقسم: في مسائل ابن زرب قال: اختلف أهل العلم فيمن له حصة دار لا تنقسم فحبسها، فقال بعضهم: لا ينفذ تحبيسه فيها، وأجازه بعضهم، وبإجازته أقول. ¬

_ (¬1) ... الحديث تقدم تخريجه.

وفي آخر كتاب الصدقات لابن حبيب قال: سألت ابن الماجشون عن رجل له شرك في دور ونخل مع قوم، فتصدق بحصته في ذلك على ولده وغيرهم صدقة محرمة محبسة، وكل ذلك مشاع غير مقسوم، وبعض الشركاء غيب، وبعضها حضور، ومنه ما ينقسم، ومنه ما لا ينقسم؛ كيف العمل فيه؟ فقال: إن كان من الشركاء من يريد القسم، ومنهم غائب، ضرب السلطان للغائب أجلا على قدر المسافة في غيبته؛ فإما وكل، وإما قسم عليه السلطان ويسند حقه مسند، أو ضرب القسمة بين الشركاء جميعًا، فما أصاب المتصدق عليه فهو على التحبيس، وما كان من ذلك لا يقسم؛ بيع فما أصاب المتصدق من الثمن في حصته اشترى به من سرحه ما يكون صدقة مسبلة محبسة، كما سبلها صاحبها.

باب مسائل الاحتساب

باب مسائل الاحتساب من ذلك: محتسب نبه على سوء عمل الخرازين فتألبوا عليه بعد ذلك وأرادوا إحراجه من سوقهم ومنعه من التصرف فيه، وأظهروا عقدًا هم وإضراره بهم وتسلطه عليهم، وأنه أهل أن يخرج من السوق وشاور الوزير صاحب الأحكام ابن الليث - في ذلك - الفقهاء هل يباح لهم ذلك ويسمح بهم منهم فيه؟ فأفتى ابن عتاب: أنه لا سبيل لهم اليه، ولا يباح لهم القيام عليه ولا يسمع منهم فيه، والمعترض له أولى منه بالإخراج من السوق، وأن تخرق أعمالهم الفاسدة لغشهم بها واستحلالهم أموال المسلمون فيها. وأفتى من القطان: ما قاله الفقيه ابو عبد الله أكرمه الله صحيح وبمثله أقول، فاعتمد عليه وأنفذ الحكم به إن شاء الله. وكان الذي رفع ذلك الرافع عنهم ونقم منهم سوء خرازتهم وتشكي الناس: أن ما اشترى من عملهم ينحل سريعًا في أقرب وقت وشاهدت الحكم بشق بالسكين خفًا جديدًا عن عملهم بعد الفتوى بما ذكرنا، وكان ابن القطان قد أفتي قبل ذلك في الملاحم الرديئة النسخ بالإحراق بالنار، وأفتى ابن عتاب فيها بتقطيعها حرقًا وإعطائها إلى المساكين اذا تقدم إلى المستعملين فلم ينتهوا، وكان يقم في الملاحم سعتها وخفة نسجها وألفا سريعة البلى لذلك، قصيرة مدة الانتفاع بها. وأفتى ابن عتاب في الحيز المغشوش والناقص: أن يكسر ويتصدق به على المساكين وأنكر ابن القطان ذلك، وقال: لا يحل ذلك في مال مسلم بغير إذنه وإنما يؤدب فاعل ذلك بالإخراج من السوق. قال القاضي: وهذا اضطراب من جوابه وتناقض في قوله؛ لأن قوله في الملاحم بإحراقها بالنار أشد من إعطاء هذا الخبز المساكين، وابن عتاب أضبط لأصله في ذلك وأتبع لقوله. ومن الحجة لابن القطان في قوله هذا: قول مالك في سماع أشهب وابن نافع، وقد سئل عن إفراغ صاحب السوق البن اذا مزج بماء وإنهابه متاع أصحاب السوق اذا خلفوا أمره، فقال مالك: لا يحل ذلك ولا يبغي أن ينهب مال أحد، ولا يحل ذلك في الإسلام، ولا يحل ذنب من الذنوب مال الإنسان، ما يحل ماله وإن قتل نفسًا وأرى أن يضرب من

أنهب ومن انتهب. وهذه رواية محتملة التأويل؛ والظاهر منها والصحيح في معناها: أن جواب مالك إنما وقع على قول السائل إن صاحب السوق ينهب أمتعة أصحاب السوق اذا خالفوا أمره، ولا يمتري في فساد هذا الفعل؛ لأن النهبة لا تحل في المباح فكيف في المحظور؟ ولا يحل لمن خولف أمره من حكم أو أمير أن يرسل الأيدي على مال العاصي له. فصار جواب مالك إنما وقع على هذا الفعل الممنوع منه المنهي عنه، ولم يقع جوابه على إفراغ اللبن المغشوش في الأرض، وإن كان قد كره في رواية ابن القاسم عنه في كتاب شك في طوافه أن يهراق ورأى أن يتصدق به، ولم يكن ليقول لا يحل ذلك ولا يؤدب فاعله؛ لأن ابن القاسم قد حكى في حرف المدونة أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان يطرح اللبن المغشوش في الأرض أدبًا لصاحبه. ويصير على هذا الترتيب الذي يقتضيه الظاهر أن مالكًا لم يجب في سماع أشهب على طرح اللبن المغشوش في الأرض وأبان في الرواية الأخرى أن المستحسن عنده التصدق به اذ في ذلك عقوبة الغاش بإتلاف عليه وإخراجه عنه ونفع المساكين بإعطائهم إياه، فقال: يهراق ورأى أن يتصدق به على المساكين بغير ثمن اذا كان هو الذي غشه. قيل لمالك: فالزعفران والمسك أتراه مثله؟ فقال: ما أشبه بذلك اذا كان هو الذي غشه فه كاللبن. قال ابن القاسم: هذا في الشيء الخفيف منه وأما اذا كثر ثمنه فلا أرى ذلك، وعلى صاحبه العقوبة؛ لأنه يذهب في بذلك أموال عظام، يريد في الصدقة بكثيرة. وذكر ابن حبيب في تاسع بيوع الواضحة قول مالك وابن القاسم بنحو ما تقدم، وقال: قال ابن القاسم: سمعت مالكًا وسئل عمن اشترى زعفرانًا فوجده مغشوشًا أترى أن يرده؟ فقال: نعم يرده، وليس عن هذا سألني صاحب السوق وإنما سألني أنه إن أراد أن يحرقه لما فيه من الغش فنهيته عن ذلك. وسكت مالك عن تفرقته على المساكين. ثم ذلك ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك في الذي غش اللبن والمخالفين لأمر صاحب السوق مثل ما قدمنا من سماع أشهب وابن نافع عنه. قال ابن حبيب فقلت لهما: فما وجه الصواب عندكما فيمن غش أو نقص من الوزن؟ فقالا: الصواب فيه أن يعاقب بالضرب أو السجن أو الإخراج من السوق إن كان بذلك معروفًا، ولا نرى أن ينهب متاعه ولا يحرق إلا ما خف قدره من اللبن اذا شابه

بذلك والخبر ينقص من وزنه فيفرق على المساكين تأديبًا له مع ما يؤديه من ضرب أو سجن أو إخراج اذا كان معتادً لذلك، وما كثر من اللبن أو بالخبز أو غش في المسلك أو الزعفران فلا نرى أن يفرق ولا يهب. قال ابن حبيب: ولا يرده الإمام اليه وليأمر ثقة بيعه ممن يؤمن أن يغش به، ويكسر الخبز اذا كثر ممن يأكله ويبين له غشه، هكذا العمل في كل ما غش من التجاريات وتجر فيه، وتجر وهو إيضاح من استوضحته ذلك من أصحاب مالك وغيرهم. وهذا كله يبين خطأ ابن القطان في مسألة الخبز وإنكاره قول ابن عتاب فيه: يفرق على المساكين، وقد كان تقدم من قوله في الملاحم الرديئة العمل أن تحرق بالنار، وكان ابن عتاب قد كلفني جمع الروايات في هذا المعنى عند إنكار ابن القطان جوابه في الخبز ليوجه به إلى الوزير أن الوليد بن جمهور – رحم الله جميعهم – فلم أنشط لذلك ورأيت ألا أتكلفه، وأسأل الله العصمة في كل حال وأن يجعل أعمالنا لوجهه. وفي تفسير ابن مزين: قال عيسى بن دينار: قد قال مالك في الرجل يجعل في مكياله زفتًا أيقام من السوق، فإنه أشد عليه، يريد من أدبه بغير ذلك من ضرب أو سجن وكذلك قال في كتاب ابن حبيب: سألني صاحب السوق عن رجل فجر في السوق، فأمرته أن يخرجه منه ولا يتركه فيه، قال مالك: وذلك أشد عليه من الضرب. قال القاضي: وسمعت ابن عتاب وقد ذلك له المحتسب أن صاحب المدينة يذهب إلى نقل صنجة سبعة دراهم إلى أن يزيد فيها ويجعلها من ثمانية دراهم، فقال: لا سبيل إلى ذلك، ولا يغير ما جرى به العمل من زمان عبد الملك بن مروان إلى اليوم، هو أول من أجرى صنجة السبعة دراهم وصنجة العشر الكيل. وقال ابن حبيب في الواضحة: ينبغي أن يكون الكيل في البلد واحدًا: كيل القفيز وكيل القسط ووزن الأرطال؛ فيكون واحدًا معروفًا قد عرفه الناس وقد كان قفيزًا بقرطبة معروفًا عشرة أصبح والوسق ستة أقفزة؛ والخمسة الأوسط التي أوجب النبي (صلى الله عليه وسلم) فيها الزكاة ثلاثون قفيزًا، وهو أذن ما يجب فيه الزكاة حتى تكلف جهال ولاة السوق الزيادة فيه فخلطوا على الناس أمرهم.

مسألة السندروس يعمل من القزدير: قام عند ابن الليث بن جريش بقرطبة محتسب بعقد استرعاء تضمن معرفة شهدائه أن السندروس الذي يلصق بالجلود ويرف في الوطء والسروج وغير ذلك إنما يعمل من الفضة، وبذلك جرت العادة واستمر العرف، وإن عمله من القزدير غش يضرب بالأسواق، وإن عامله إن بين فلا يؤمر مشتريه أن يغش به وخدع من لا يفرق بينه وبين المعمول من الفضة، وثبت عنده هذا العقد بجماعة وشاور في ذلك. فأفتى ابن عتاب: إن عمله من الفضة يجب أن يقطع اذ لا يجوز للرجل استعمالها إلا في الخاتم والسيف والمصحف وغلا يمنع عامله من القزدير من عمله. وافق ابن القطان: يقطع عمله من القزدير اذ هو من الغش الذي لم تجر العادة بجواره، ولا عرفت باستعماله. وافق ابن مالك: المقوم عليه في ذلك بإثبات دعواه أنه لم يزل يعم من القزدير. غرس الشجر في صحن المسجد: كان ابن عتاب رحمه الله لا يرى غرسها في صحون المساجد ولا شيئًا مما يثبت، وكان ينكر ذلك ويمنع منه ويغيره اذا أمكنه، وذكر أحمد بن خالد أنه سأل ابن وضاع عن الشجرة تكون في صحن المسجد. فقال: أحب إلى أن تقطع ولا تترك فيه، ولم أر في مساجد الأمصار شرة لا بالشام ولا بغيرها. فقلت: فإذا كانت هل ترى أن الأكل منها مباح لك؟ فقال: إنما هي المؤذن وشبهة، وما كنت أحب أن آكل منها. وذكر أحمد بن عبد البر في تاريخه في باب صعصعة بن سلام أنه – أعني صعصعة – ولي الصلاة بقرطبة، قال: وفي أيامه غرست الشجرة في الجامع. وهو مذهب الأوزاعي والشاميين ومالك، وأصحابه يكرهونه، وتوفي صحصعة سنة اثنتين وتسعين ومائة. من رغب أن تقصر عقود الوثائق بموضعه عليه: سئل ابن عتاب عن رجل ينتمي إلى الفقه توسل إلى بعض خدمة السلطان راغبًا في أن يقصر عقد الوثائق وكابها عليه خاصة، فأجابه السلطان إلى ذلك وعهد إلى من ببلده ألا يعقد أحد وثيقة إلا هذا المتفقه. فهل تجوز إمامته اذ هو إمام أو شهادته إن هو شهد؟ فجاوب: لا أكثر من أمثال هذا الفقيه؛ اذ طلب ما لا يجوز له ولا يحل، وإذ قد طلب ذلك ورغبة فإمامته غير جائزة وشهادته ساقطة والله ولي التوفيق.

قال القاضي: ولو كان السلطان قصر الناس على ذلك ليصر هذا الإنسان بالعقود وثقته ولتقصير غيره عن إدراكه في ذلك ولم يطلب هو ذلك ولا رغبة لكان حسنًا من فعل السلطان ويمثل هذا أمر من نظر المسلمين في مصالح دينهم ودنياهم، كما ذلك مالك عن عمر بن الخطاب أمور المؤمنين (رضي الله عنه) أنه كتب إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ثم علمهم المستحب من أوقات الصلوات، الحديث لا كما يفعل من محنا بهم من الولاة في هذا الوقت يؤثرون من مالت اليه أهواؤهم وإن كان جاهلاً، ويقضون من انحرفت نفوسهم عنه وإن كان عالمًا؛ فعل من خان الله ورسوله والدين وجماعة المسلمين (وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) (الشعراء من الآية 227) مسألة في الصلاة في الأسواق: كتب إلى ابن عتاب رحمه الله الجواب رحمك الله في حوانيت ابتناها السلطان وأكتراها الناس منه لتجارتهم ويقرب هذه الحوانيت ثلاثة مساجد يها أئمة راتبون وفي بعض هذه الحوانيت رجل ولع بإمامة من حوله في الظهر والعصر، يقف رجل في وسط الحوانيت عند الصلاة ويصيح: الصلاة يرحمكم الله، ثم يتقدم ذلك الرجل ويصلي بأرباب الحوانيت المجاورة له، وبكل من كان فيها ممن جلس إليهم، ويتركون لاسعي إلى تلك المساجد، أترى رحمك الله صلاته وصلاتهم في حوانيتهم جائزة والأرض التي بنيت فيها لا يعرف أربابها، وبعضها يعرف ربه وحيل بينه وبينها؟ أم ترى أن ينهوا عن ذلك ويؤموا بالصلاة في تلك المساجد؟ وكيف إن لم ينتهوا؟ اذا كان كما ذكرت والأصل على ما وصف فالتزامهم لتجر فيها غير جائزة، وشهادتهم بذلك ساقطة، ويؤمروا بالصلاة في المساجد، وينهوا عنها في حوانيتهم. فإذا انتهوا فذلك من توفيق الله تعالى وهدايته إياهم، وأن أبوا وأصروا وذكروا عذرًا يخرجهم إلى ذلك تركوا والله تعالى يعلم المفسد من المصلح، وقد قال تعالى لنبيه عليه السلام: (ولَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) يونس: 99)

وقد كان الناس يصلون في أسواقهم ولكن كانت المساجد تبعد عنهم، وأمر هذه الأسواق على خلاف ما وصفت، والله أسأله التوفيق لجميع برحمته. قال القاضي: في سماع أصبغ: سئل أصبغ من الاكتراء في القيساريات والحوانيت المغصوبة والأبنية بالأموال الحرام، وعن السكنى فيها والتجارة بالبز وغيره فيها. فقال: لا أرى ذلك يحل، وهو مما وصفت لك من كسب الحرام ومن اكتسب فيها شيئًا فهو خبيث قليله وكثيره، وقال: لا أرى القعود عندهم في تلك الحوانيت، ولا يتخذ طريقًا إلا المرة بعد المرة اذا احتاج إلى ذلك ولم يجد منه بدًا. وذكر أن ابن القاسم كان في حوار مسجد بني بمال حرام وكان لا يصلي فيه ويذهب إلى أبعد منه، ولا يراه واسعًا لمن صلى فيه، والصلاة عظم الدين، وهو أحق ما احتيط فيه وأهل الورع يتقون هذا، ودونه هذه المسألة يتم ما قاله ابن عتاب في جوابه. والله المحمود. مسألة في جائحة جنات الأجناس بقرطبة: كانت عادة القضاء بقرطبة فيها الإحسان إلى متقبليها ومتقبلي أرضيها اذا تشكوا وضيعة أو جائحة استلافًا لهم، وإذ كانت قبالاتها تنتمي بتزايدهم فيها فاستظهروا بعقد جائحة في جناتها عند القاضي أبى المطرف عبد الرحمن بن أحمد بن بشر رحمه الله. وقد تقدم ذكره في بعض المسائل. ونسخة العقد في امتحان مبلغ الجائحة فيها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: توجه بأمر القاضي عبد الرحمن بن أحمد من تسمى في هذا الكتاب من الشهداء لامتحان ما تشكاه فتقيوا الأجنة المحبسة المضمون نظرها إلى ديوان القضاء بقرطبة من الجائحة الداخلة عليهم من هذه الأجنة في سنة سبع وأربع مائة، بسبب الخشاش المتولد من الأرض غلبة رطوبة الماء عليها في شهر مارس الكائن في العام المذكور، وبسبب امتناع السقاية في شهر أغشت في العام المذكور لمخافة اللاحقة يتكرر الجيش في المحلة شرقي مدينة قرطبة عند ورود العساكر مع النصارى وبسبب تكرر القبليات على الأوراق الموضوعة فيها وتغلبها عليها. فامتحنوا ذلك وكشفوا ورأوا بما انكشف لهم من ذلك أن يسقط عن متقبلي الجنات برملة قرطبة وما اتصل بها من الجهة الشرقية بسبب جائحة الخشاش وامتناع

السقاية للخوف المذكور ثلث ما عليهم من القبالة في الأرض البيضاء، ويثبت عليهم الثلثان، وأن يسقط عن متقبلي الجنات في الجهة الغربية والجهة الجوفية من مدينة قرطبة بسبب جائحة القلنيات والخشاش في الأرض البيضاء الربع، ويثبت الثلاثة الأرباع وان ذلك من السداد للأحياس المذكورة لما فيه من حق المتقبلين واستئلافهم. فمن الأجنة في الرملة وما اتصل بها من الجهة الشرقية جنان كذا وجنان كذا، ومن الأجنة التي بالجهة الغربية جنان كذا وجنان كذا، ومن الجنة التي بالجهة الجوفية جنان كذا وجنان كذا، شهد بذلك كله من وقف إليها وعاينه ورآه على حسب ما وصف ممن أوقع شهادته بذلك في شهر كذا من سنة كذا. وثبت هذا العقد عند القاضي أبي المطرف ونظر لهم بما شهد به فيه وأجرى المتقبلين على عادة في ذلك أيام قضائه وكان ولاء ذلك على بن حمود اذ تغلب على ملك بني مروان وابتزهم إياه في النصف من صفر سنة سبع وأربع مائة، وكان على الصلاة يونس ابن عبد الله بن مغيث المعروف بابن الصفار، وكان ابن بشر من الراسخين، ومن كبار المشاورين المفتين، بصيرًا ما هو بالعقود والأحكام، لا يجاري في ذلك، ويسلم له ذلك لشغوفه فيه، واتصل قضاة أيام علي. فلما صار الأمر إلى أخيه القاسم بن حمود عزل ابن الصفار عن الصلاة لتنازع قبيح جرى بينه وبين أبي عبد الله بن عبد الرءوف صاحب المظالم، وذلك في ربيع الآخر سنة تسع وأربعمائة وأضاف الصلاة إلى خطة قضاة الجماعة لابن بشر فاستقل بهما إلى انقراض دولة آل حمود سنة تسع عشر وأربع مائة. وولى هشام بن محمد بن عبد الملك المعتمد بالله من بني أمية، فسعى الفقهاء على ابن بشر عنده حتى عزل وولي مكانه يونس بن عبد الله الخطتين: القضاة والصلاة. وتوفي ابن بشر في النصف من شعبان سنة اثنين وعشرين، وصلى عليه القاضي يونس بن عبد الله، وشهد الخليفة هشام ودفن بمقبرة العباس، وهو ابن نحو ثمان وسبعين سنة، فقام متقبلوا الأحباس عند ابن الصفار يونس بنحو ما تقدم يسألون الرفق لهم والإحسان إليهم بالوضع عنهم، وأثبتوا عنه عقدين. وشاور في ذلك الفقهاء: يا سادتي وأوليائي ومن أبقاهم الله، وسلمهم وأدام بركتهم ونفعهم، أدرجت طي

كتابي هذا عقدي استرعاء في أحدهما: ذلك جنات، وفي الثاني: ذلك دارين، وثبت عندي بمن قبلت فصفحوا رضي الله عنكم الكتابين ذلك فعرفوني برأيكم فيهما، وإن كان يجب أن يحط القائمون بهما من العدة التي انعقدت عيهم بها القبالبة في الجنات والدور، بسبب ما ثبت عندي من ذلك مما هو مذكور في الكتابين ذلك، ولما يرغبونه من العادة الجارية في ذلك التي بنيت على تركها فيما استقبل من قبالات الأجناس، ولا يكون انعقادها إلا على توجيه السنة في ذلك أم لا مأجورين موقفين إن شاء الله عز وجل والسلام. فجاوب ابو علي الحسين بن أيوب الحداد: سيدي وولي ومن وصل الله حياته للمسلمين ومدهم في عمره وأيده تعونته، أنت بحمد الله قدوة في العلم وعالم بوجوه الصواب، وهذا العقد الثابت عندك في قاعات الجنات كالبقاء، المهلهل نسجها، والمحبر إفكها، وهي كما قال الوارد على عمر – رحمه الله: أثبتك لأمر لا رأس له ولا قلب، فأمر صاحب الأحباس أن يحضركالفناديق التي انعقدت بها القبلات على المتقبلين، فإن كانت لا شرط فيها بشيء مما شرط في هذا الكتاب الثابت عندك فاطرح هذا الكتاب لو شهد عندك فيه أهل الأرض. وإن كان قد شهد عند ثقات فلم يقصدوا قصد الباطل ولا الزور، ولكنهم نظم لهم يه محالات فلم يتحفظوا من خله والدخول تحت منكره قيل فيه إنهم تقبلوا القبلات على أن يحسن إليهم، ويوهب لهم الكثير، وإن ذلك قد صار كالشرط، وهذا مجهول حرام لا يجوز ولم يقولوا إن الدال أشهدهم على ذلك، ولا أنهم شاهدوا انعقاد القبالات على ذلك، ولا أنهم سمعوا الدال يقول للمتقبلين هذا المقال، وقطعوا على جميع جنات قرطبة وما حواليها أنها باحال التي ذكروا. وبعيدا أن يكونوا قد أحاطوا علمًا بجميع الجنات أو خيبروها، ولم يذكروا في العقد جنات الأحباس، ولا ذكروا أن متقبلي الأحباس قاموا بهذا الكتاب، ولا أنهم أدخلوهم فيها في كل الأوقات أو في أمد معروف ولا سموا عام كذا وهذا جهل عظيم. وقد تكون الجنات بزرع في قاعاتها حناء وزرع وكتاتين وقول وحمص، وغير ذلك مما لم يكسد، وقد يكون الاكتراء والابتياع مرتخصصا وغالبًا، وقد يريح ولا يريح، وقالوا: إن اكتراء المتقبلين افتقروا وافي لهم بعلم ذلك وكل ذلك عيب وغرر، ولست أتقلد أن يوهب لهم للاستئلاف إلا من نصف العشر إلى العشر، هذا أقصى ما خبرته في عمري

وأدركته ببحثي. وكذلك متقبلو الدور لا يوهب لهم إلا للاستئناف على حسب ما ذكرناه، إذ وثيقتهما عليهما لا لهما إذ ذلك فيها أنه منع من عمارة البيوت الخالية وخص الكراء. فأثبت يا وليي على الحق ثبت الله قدمك يوم الحاجة، فست ممن يقعقع له بالشنآن، فالعقد الثابت عندك له جعجعة ولا طحنه، جعلنا من المتبعين الحق والقائلين به والمؤدين له، والسلام عليك يا سيدي ووليي ورحمة الله. قال بذلك الحسن بن أيوب. وجاوب أبو محمد عبد الله بن يحيى بن دحون: سيدي ووليي ومن ايده الله بتوفيقه: قرأت كتابك وما أدرجت فيه من جواب الفقيه أبي علي حفظه الله تعالى وتحليله في علم ما تضمنته الوثيقة الثابتة عندك من كساد الأوراق وذهاب أثمانها وافتقار الجنانين وتلف أموالهم بذلك، وكيف كان عقد القبالات لهم، وهذا قد فشا واستذاع حتى علمته الخاصة والعامة، ويتحدثون به في الأسواق والمجالس، وما كان الدال يشير بذلك. بل كان يقول في مجالسه عند عقد القبالة ويقول فيما يبلغ الأثمان العظيمة: لو حصل من هذا الثلث أو الربع لكان حسنًا. أخبرني بذلك جماعة من الناس لا أحصي عددهم، وخبرته بنفسي، كما علمت منه أنه كما يشترط للمتقبلين من الأحباس في مواضع القفيز عشرة وفي غيرها ثمانية وستة ونحو هذا ثم يشرف على معرفة الأرباح والجوائح بقوم قد اقتصر عيهم، ولا يسمع في ذلك شهادة غيرهم من أهل العدل على حسب ما كان يفعل في تنفيذ الوصايا، وصرفها عمن جعل إليه تنفيذها، وهذه أمور محدثة، والله أعلم بمذهبه فيها. والذي أقوله في عقد القبالات على هذه الأحوال: إنه فسخ فاسد وغرر، ولا يجوز؛ فافسخ ما بقي من مددها وأعد القبالة فيها وما حلت مدته فاصرف المتقبلين فيها إلى القيمة فهو الصواب، والحق الذي يجب اتباعه، واحمل الناس على ما كان عليه السلف في إثبات جوائحهم وتنفيذ وصاياهم، فليس يأتي آخر هذه الأمة بخير ما كان عيه أولها – والله يوفقك للصواب ويعصمنا بفضله من الزلل إن شاء الله عز وجل. وجاوب أبو الوليد الليث بن حريش: سيدي ووليي ومن سلمه وأبقاه، وقفت على كتابي الاسترعاء فرأيت عقدًا لا

يوجب حكمًا، وعلمكم محيط أن القضاة لم يزالوا يرفعون بالمتقبلين إذا شكوا البوار والكساد على وجه الاستئلاف والنظر للأحباس ليكثر حرص الناس على الدخول فيها، وقد اختبرت ذلك ووقفت عليه أيام نظرك في الأحباس وأحكام القضاء. والذي ثبت عندك في الكتابين المدرجين تنظر فيه، وتقف على ما يرغبه المتقبلون من الحظ والإحسان إليهم، وذلك موكول إلى اجتهادك، وما يؤدي إليه حسن نظرم مما يعظم الله تعالى عليه أجرك، ويجزل عليه دخرك فقد جعلك الله أهلاً للاجتهاد فيما قلدك والسلام عليكم سيدي ووليي ورحمة الله. قال بذلك الليث بن حريش. وجاوب أبو محمد عبد الله بن سعيد الشقاق: سيدي ووليي ومن أبقاه الله وسلمه وأجمل تخلصه وأبقى بركته: كان من تقدمك من القضاء رحمهم الله بعلمك يحسنون إلى متقبلي الأحباس، ويرفقون بهم بعد وجوب القبلات عليهم استئلافا لهم ونظرًا للأحباس لما كانوا يرجونه من رغبة الناس في قبالتها، ويسقطون عن متقبليها إذا خشوا أمرًا يخافون الخسارة فيها مما ليس بجائحة فيها. وقد شاهدت الوزير القاضي عبد الرحمن بن محمد – رحمه الله – وقد شكى إليه متقبلوا حمامات الأحباس قلة الموردة عليهم، وتعذر الحرق لتوالي الأمطار، وأسقط عنهم قبالة شهر واحد مما كان التزموه من القبالة بعد أن شاور في ذلك من حضره من أهل العلم، وكذلك ينبغي أن تسلك بهم سبيل من تقدمك من الرفق بهم والإحسان إليهم، وعلى المعهود منك فإن ذلك من النظر للأحباس، وبذلك ترتفع قبالاتها ويتنافس فيها. ورأيت الشهود عندك في كتاب الاسترعاء الذي أدرجته على كتابك، قد قالوا في شهادتهم: إنما كانت تنعقد القبالات في الجنات لمتقبليها على أن يرفق بهم، ويحسن إليهم، ويوضع عنهم الكثير من قبالاتها، ولم يثبتوا الوجه الذي عرفوا به ذلك، فإن عاد إليك رجلان ممن قبلت منهم ممن ليس من المتقبلين، وقالوا: إن معرفتهم لذلك كانت بسماع من المتقبل منهم، وأنهم حضروا العقد فيها على الشرط المذكور إفصاحًا صحت شهادتهم ووجب فسخ كل قبالة عقدت على هذا الشرط، إذ ذلك غير جائز ما لم تفت بالعمل، أوقات أقله فتعاد شهادتها وتعقد فيها عقود صحيحة. وما فات منها بالعمل لزمت المتقبلين لها قيمة كراء الأرض، يوم عقد القبالات فيها على ما يقوم أهل البصر العارفون بذلك، ثم يحط عنهم بسبب ما أثبتوه من الكساد والبوار

في القبول على وجه الاستئلاف لهم ما تراه ويؤديه إليه اجتهادك – إن شاء الله عز وجل – وأحدث يا سيدي المتقبلون للأحباس في مدة نظره أشياء لم يتقدم إليها، ولا عمل بها أحد قبله، منها أنه كان يقبل أرض الأحباس على أن للجنة عشرة، وهذا أمر لا يجوز ولا يحل عقده. ومنها أنه كان يقدم لتنفيذ وصايا المسلمين رجلين قصرها عليها، فمن أحضر غيرهما وبخه وهدده، وربما سجنه، والله أعلم بما كان ينويه في ذلك ويعتقده فهو علام الغيوب، وأحدث غير ذلك مما يكشف مشافهة عند الاجتماع بك، ويقع نظرك في ذلك كله بالواجب، حملنا الله وإياك على الرشاد ووفقنا وإياك لما فيه الخلاص، وجنبنا الهوى، وسلك بنا طريق الاستقامة، فإن ذلك بيده لا شريك له، وتسقط يا سيدي عن متقبل الدار ما تراه على وجه الاستئلاف بسبب ما شهد له من انحطاط الكراء ما تراه على أنه واجب له إن شاء الله عز وجل، والسلام عليكم يا سيدي ووليي ورحمة الله قال بذلك عبد الله بن سعيد. وجاوب أبو علي الحسن بن سلمون المسيلي: سيدي ووليي ومن عصمه الله بتوفيقه، قرأت مخاطبتك، ورأيت هذه المسألة، وهي مسألة من الاجتهاد، وما حكم به القضاء من مسائل الاجتهاد والرأي لا يجوز نقضها عند أحد من العلماء، لكنه يا سيدي يجوز ذلك أن نجتهد فيها ونحطم بعد اجتهادك ما تراه صلاحًا مما يصلح الأحباس ويتنافس فيها، وإنما حبست لمرافق المسلمين وأكثر متقبليها محاويج، وسبل الدور هذه السبيل، ووفقك الله وأعظم أجرك وأصلحنا برحمته، والسلام عليك يا سيدي ورحمة الله، قال بذلك الحسن بن سلمون. قال القاضي: قد قدمنا أن القاضي ابن بشير رحمه الله سعى عليه الفقهاء حتى عزله المعتمد، وكان محسودًا لتبريزه عليهم وانتقاده لأجوابتهم واعتراضهم فيها حتى ينصرفوا إلى ما يختاره من معانيها، وقد كان بعضهم عنده لا يقبل شهادتهم في الباطن ولا يقضي بها إذا انفردت عن غيرهم، فكسبهم ذلك كله عداوته وأضمروا مطالبته حتى أمكنتهم الفرصة بعزلته. وولي ابن الصفار وشاورهم في العقدين المقوم بهما عنده على حسب ما ذكره في شوراره، ونصوا في مجاوبتهم إياه، فعرضوا بابن بشر فيها بل صرحوا إلا ابن حريش

والمسيلي، فسالماه تدينًا أو مصانعةً، وقدره من أقدارهم ظاهر والبون بينه وبينهم لائح، خبرًا وخبرًا، والله يؤتي فضله من يشاء. حسدوا الفتى إذا لم ينالوا سعيه ... فالناس أداء له وخصوم كم بين العقد الذي شاورا فيه والعقد المقوم به عند القاضي ابن بشر المؤرخ سنة سبع وأربع مائة المقتقدم الذلكي لو قيم بهذا الذي أفتوا عليه وشورا فيه عند القاضي ابن بشر لمزقة وما سمع شهادة فيه فساده وبطلانه عن أن يوجب حكمًا وبمشاورتهم فيه بعلم من منح أدنى شعبة من ميزان المشهود عنده فيه لاحظ له من العلم ولا بصر له بالحكم. وإطراؤهم له بأنه قدرة في العلم عالم بوجوه الصواب أدل دليل على المصانعة أو المشابهة له في الغفلة وكلاهما خطة خسف، والدين النصيحة، فإن كانوا قد نظروا بعين الحقيقة من بطلان ما شاورهم فيه فما لهم لم ينصحوه ويصرحوا له بأنه لا يسعه النظر في مثل ذلك، ولا من سماع شهادة فيه ليجتنب أمثاله ويتقي أشباهه. وإن كان قد خفي عليهم منه ما خفي عليه فتلك التي تستك منها المسامع، والوجه الأول أولى بالتأويل عليهم فيه، فقد كانوا مشيخة وقتهم، والمشار إليهم في عصرهم، والتقصير أغلب علينا والتبريز أقل شيء فينا، وفي أجوبتهم من الاختلال والاضطراب في الألفاظ والمعاني ما لو ذهبت إلى تبيينه وكشفه وإظهار الصواب فيه لطال معه الكتاب ووقع الإسهاب، والله يلهمه من شاء من خلقه. ولما انتهى القاضي أبي المطرف بن بشر رحمه الله تعالى جوابهم بفسخ ما كان انعقد من قبالات الأحباس أيام نظره لالتزام المتقبلين لها، راجين في الحطيطة عنهم من العدد الذي يلتزمونه، جارين على عادة من الوضع عنهم، ولدخولهم في ذلك على أن يكون رفعهم فيما يبذرونه في الأرض للحبة عشر أو دون ذلك وضع في ذلك ردًا من نحو ست ورقات ترجمة فسخ فتى من أفتى بالفسخ. أخرجه إلينا أبو عبد الله بن عتاب بخط القاضي واضعه وقرأته عليه بحضرة أصحابنا في أسطوان داره، وقد أثبت هنا صدرًا منه وتركت أكثره إذ لم أجد نشاطًا لنقله، ولا فراغًا لكتبه على نصبه وهو: وقفت أكرمك الله على ما ذكرت، وفهمت ما عنه سألت أنك تقبلت أحباس الديوان جنانًا، وفدانًا، وأنك تكلفت أنت ومن جرى من

المتقبلين مجراك إثبات ما عم وشمل في سنة كذا من فساد البقول وضروب الأوراق المجعولة في الأجنة وبوارها، وانحطاط أثمانها، وعدم المشترين لها حتى إنهم طرحوا أكثرها لفسادها، واعتقال الأرض بطول مكثها، وإن زرع الأرض في سنة كذا استأصله البربر حين محاضرتهم لقرطبة جبرها الله. وحكيت أن من الفقهاء المفتين من لم ير القيام بمثل هذه وأن المتقبلين لما احتجوا بما سلف من عادة القضاء في التخفيف عنهم والرفق بهم، فيما لم يبلغ هذا المبلغ ولا انتهى من الجائحة هذا المنتهى ترغيبًا للناس في قبالات الأحباس، واستئلافًا لهم. واحتجوا بأن القضاة قد جعلوا باجتهادهم للوسط من الرفع مقدرًا يؤتم به ويحتذى عليه عند نزول الجوائح، وقيام المتقبلين لها، فجعلوا مقدار الوسط في رفع ما قرب من قرطبة كمنية العجب وشبهها لتغالي الناس وعظم ما يتمونونه من تزييلها، والاستفراغ في عمارتها للحبة عشر حبات، ومقدار مائتي وبعد للحبة ست حبات، فقال بعض من أفتى بتلك الفتيا أن ذلك لا يجوز وان القبالة من أجل هذا التمثيل تفسد. وسالتني مجاوبتك بما عندي في هذا. فالذي عندي فيه وبالله التوفيق: أما الأجنة فإن القضاء عندنا لم يزالوا على عادة مشهورة من استئلاف المتقبلين والرفق بهم والإحسان إليهم بالوضيعة، والتخفيف عنهم إذا نزل مثل هذا، لا سيما مثل هذه الجائحة التي احتج المتقبلون بها من الكساد وعدم المشترين فإنها جائحة لم يعهد مثلها مع ضعف المتقبلين وذهاب أموالهم، وإن قبالات الأجنة في الأغلب إنما تدور عيهم، وإنهما ليست كالأرضين التي يعاينها أكثر الناس. فإن زعم زاعم أن الوضيعة لا تكون إلا فيما قل وخف. واحتج بما رواه ابن القاسم عن مالك في المقارض يسأله السائل فيعطيه الكسرة أو الثمرات قال: لا بأس بذلك، وبما رواه عنه أشهب أنه خفف له الحجامة والحمام، قيل له: ليس هذا من ذلك، هذا شيء ثان ومعنى آخر ليس ما كان على طريق المعروف، كما سأله النظر والاستئلاف. وروى ابن القاسم عن مالك في الجزء الأول من نكاح المدونة في الرجل يزوج ابنته وهي بكر ثم يحط عن الزوج من الصداق، قال مالك: لا يجوز للأب ذلك إذا لم يطلقها الزوج. قال ابن القاسم: وأرى أن ينظر في ذلك؛ فإن كان ما وضع الأب على وجه انظر مثل أن يكون معسرًا بالمهر فيخفف عنه وينظره، فذلك جائز على البنت، لأنه لو طلقها

ثم وضع الأب النصف الذي وجب لابنته كان ذلك جائزًا على البنت، فأما أن يضع من غير طلاق، ولا على وجه النظر فلا أرى أن يجوز ذلك. وفي الثاني من كتاب النكاح المذكور أيضًا من قول مالك ولا يجوز لأحد أن يعفو عن شيء من صداق التي يزوجها أبوها بكرًا إلا الأب وحده، لا وصي ولا غيره، قال ابن القاسم: إلا أن يكون ذلك من على وجه النظر لها، ويكون ذلك خيرًا لها فيجوز ذلك إذا رضيت، مثل أن يعسر بالمهر فيسأل التخفيف ويخاف الولي الفراق ويرى أن مثله رغبة لها، فإذا كان ذلك جاز. وقال سحنون في غير هذا الكتاب: ولا يجوز لأحد أن يضع من صداقها بعد أن وجب على حال إلا الأب. وفي كتاب المأذون له في التجارة قال ابن القاسم: لا يجوز في قول مالك للعبد أن يصنع طعامًا فيدعو إليه الناس إلا أن يكون عبدًا مأذونًا له في التجارة، فيصنع ذلك ليجتر إليه المشتري منه، فيكون ما صنع إنما يطلب به المنفعة في شرائه وبيعه، فيكون هذا من التجارة. وفي كتاب الديات من المدونة قيل لابن القاسم: أرأيت إذا جرح اليتيم عمدًا أيكون للوصي أن يصالح الجارح على مال، ويجوز ذلك على الصغير في قول مالك: ليس للأب ذلك إلا أن يعوضه من ماله، فإذا لم يكن للأب أن يعفو بغير شيء فليس للوصي أن يعفو إلا على مال، على وجه النظر. قيل: العملد في هذا والخطأ سواء؟ قال: نعم للأب والوصي أن يصالحا في العمد والخطأ ولا يأخذا أقل من أرش الجرح؛ لأنه لو باع لابنه سلعة ثمن ألف دينار بخمسمائة محاباة تعرف لم يجز، فكذلك إذا صالح على أقل من الدية في جراح ابنه إلا أن يكون صالحة على سبيل النظر لولده على أقل من دية الجرح؛ لأن الجارح عديم فرأى أن يأخذ منه أقل من الدية، فأرى أن يجوز هذا ولم أسمعه من مالك. وفي كتاب الشركة من المدونة سئل ابن القاسم عن شريكين متفاوضين باع أحدهما سلعة بدينار إلى أجل، فلما حل الأجل أخره الشريك الآخر، أو أخره الشريك الذي باع هل يجوز تأخير أحدهما على صاحبه؟ قال: قال مالك في الوكيل. يريد المفوض إليه – يكون للرجل في بعض البلاد يبيع له متاعه، ويقتضي له الثمن فيباع بعض متاعه إلى أجل، فلما حل الأجل أخره الوكيل بالثمن على وجه النظر لرب المتاع، ليستألفه في الشراء منه،

لا لمعروف صنعه الوكيل بالمشتري. قال: ذلك جائز لأن في التأخير نظرًا لرب المال، وهو من التجارة، ولو كان لمعروف صنعه الوكيل بالمشتري لم يجز؛ لأنه لا يجوز له أن يصنع المعروف في مال رب المتاع إلا بأمره، وكذلك الشريكان لا يجوز لأحدهما صنيع معروف في مال صاحبه إلا بأمره وما صنعه للتجارة والاستئلاف من تأخير أو وضيعة من رأس المال فذلك جائزة الوكيل فيما وضعه عن المشتري. فهذا كله يدل على تمام نظر القاضي، وجواز أمره فيما وضع على هذا السبيل، مع أن أمر القاضي أعلى ونظره أتم وأقوى، ومما يكشف لهذا المعترض ضعف ما توهم وبطلان ما اعتقده، وظن أن باب أجنة الرملة وغيرها قد جرت عادتهم أن متى ابتاع منهم مبتاع ورقة من أوراق الخضر فخسر فيها خسرانًا كثيرًا خففوا عنه وأحسنوا إليه استئلافًا له واستجلابًا لمتاجرته واستكثارًا من معاملته، والقاضي فإنما يجري فيما يقبله من الأحباس مجرى المدعي في خاصة نفسه في هذا وشبه إذا نزل به. ولست لمفت أن يعترض برأيه فيما ليس من شأنه، وما هو مصروف إلى غيره من أهل المعرفة به، ولو سئل كل ذي جنان يعاني عملها بنفسه أو يقبلها من غيره عن وجه انظر وما يجره إلى معنى النفع وتنمية المال لقال: إن الذي رآه هذا المفتي هو من سوء النظر وإضاعة المال. ثم ذلك هنا اعتراض معترض – إن كان – بأن العادة أن جرت كالشرط، واستدل على بطلان ذلك فاختصرته كراهة التطويل، ثم قال: وأما ما أنكره المفتي من تحديد مقدار الوسط من الرفع وقت القبالة ليحتزي عند نزول الحاجة عليه فإنكار من لم يأخذ نفسه باعتبار المعاني ولا وقف على حقائق أصول المسائل؛ لأن معلومًا عند كل ذي فهم ولب أن كلما وجد السبيل إلى حصر عوارض المسائل، واستقصاء عللها، والوقوف على ما تؤول إليه كان أرفع للجهالة وأنفى لعلل الفساد، وأدعى إلى حصر صفات الجواز. وما أظن قائل هذا القول حصل ما قاله ولا تدبر ما يؤدي إليه؛ لأن قوله هذا يؤدي إلى أنه ازداد الشيء صحة زاد مرصًا، وهذا لا يقوله أحد، وأنا أجتب على هذه المسألة من الشواهد ما فيه كفاية بالغة إن شاء الله عز وجل. فأول ذلك: أن من أصول أهل المدينة، ومذهب جماعتهم: أن الأشياء كلها على

الإباحة والجواز إلا ما ورد الخبر بحظره والمنع منه. ومن أصلهم أيضًا: أن العرف كالشرط. وأيضًا فإن من أصول مذهبنا: أن كل ما أوجبه الحكم فالإفصاح باشتراطه في أصل العقد جائز، فقد بان بما أصلنا أن كل من اكترى أرضًا أو ابتاع من الثمرات شيئًا على أن يحتسب بجاحة إن كانت له، فإنما اشترط من ذلك ما لو سكت عنه لكان الحكم يوجبه فذكره له كسكوته عنه في موجب الحكم، غير أن ذكره أقطع للتنازع، وأرفع للإشكال. فلذلك كانت مقادير الجوائح عند من يلي القبالة معلومة لم يجز له فيها عقد إلا باستواء علمه وعلم المتقبل بها، فإن لم يعلم المتقبل من ذلك مثل الذي علم ولي العقد دخل ذلك الفساد، وكان من باب الغش والتدليس، كبائع الشاة اللبون وقد علم حلابها، والصبرة جزافًا وقد علم كيلها، لا يجوز ذلك عند مالك وأصحابه، حتى يعلم المبتاع من ذلك مثل الذي علم البائع. والأصل في ذلك ما روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم): "لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر (¬1) " فهذا يبين لك أن المتكاريين إذا علم أحدهما من باطن أمر لاشيء المكترى ما لم يعلمه الآخر أن ذلك من التدليس الذي ورد الحديث بالنهي عنه في الشاة. ومن ذلك بيوع المرابحة لا تجوز عند مالك إلا بأن يستوي علم المشتري مع علم البائع في جميع أحوالها، وما جرى عنده من أمرها. روي عنه ابن القاسم في مرابحة: المدونة فيمن اشترى سلعة فحالت أسواقها، وأراد بيعها مرابحة: أنه لا يبيعها مرابحة إلا أن يبين. قال ابن القاسم: وإن حالت أسواقها بزيادة فأعجب إلى ألا يبيع حتى يبين؛ لأن الطري عند التجار ليس كالذي تقادم عهده، هم في الطري أرغب وعليه أحرص. ومن هذا الذي أصله شيء تساهل فيه، ذكرناه وكشفنا عنه لئلا يهتدي المخالف إليه فيلزمنا الوهم به، وهو إجازة مالك إتغلال الحوائط والدور والدواب والرقي ثم يبعها ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه البخاري ج2، ص 755 برقم 2041، وابن حبان في صحيحه ج 11، ص 343 برقم 4970، والبيهقي في الكبرى ج 5، ص 318 برقم 10494، والإمام الشافعي في مسنده ج 1، ص 189، والإمام أحمد في مسنده ج 2، ص 410 برقم 9299.

مرابحة دون تبين، إذا لم يطل ذلك بحوالة أسواق، وإنما أجاز ذلك في هذا الوجه؛ لأن معلومًا عند الناس أن من ملك شيئًا من هذه الأصناف وأغل ذلك عنده غلة أن سبيله في الغلة أن يجوزها وينتفع بها. وإنما تسميه مقادير الجوائح التي قد اتفق عليها، وجرى عمل القضاة به عندنا بمنزلة متعاوضين تعاوضا في سلعتين فقوما كل سلعة منهما بما تساوى يوم العقد تقويمًا تحريا فيه العدل كيما أن استحقت منهما سلعة، أوردت بعيب وقد فاتت السلعة الثانية كان الرجوع بالقيمة التي قومت بها يوم البيع دون اختلاف ولا تدافع يقع بين المتعاوضين فيها. والحجة لهذه العلة ما وقع في كتاب الاستحقاق وكتاب العيوب والعرف وكراء الرواحل من المدونة، فيمن باع سلعة بدينار إلى أجل، فلما حل الجل أخذه من الدينار دراهم فساتحقت السلعة، قال مالك: من باع سلعة بمائة دينار فأخذ فيها دراهم ثم وجد بها عيبًا فردها رجع بالدراهم، فإن أخذ بها عرضًا رجع بالمائة الدينار. قال في سماع ابن القاسم في كتاب جامع البيوع: إلا أن يكون العرض لا يشبه أن يكون ثمنًا قائمًا يكون له قيمته: قال ابن القاسم: يريد إنما أخذه منه على وجه التحاوز، مثل أن يجده معسرًا، أو أخذه منه تخفيفًا فإذا كان لك لم أر له إلا قيمته يوم قبضه. قال في المدونة: ورأيت مالكًا يجعله إذا أخذ العين من العين لا يشبه عنه إذا أخذ عرضًا، وذكر باقي المسألة. قال: وإنما اجتلت هذه المسألة وشبهها من أجل أن العدوى في الاستحقاق وما ضارعه إنما يكون بالذي هو أعدل، فلما رأى الدنانير والدراهم مجراهما أنهما عين مجرى واحدًا أعداه بالعين المأخوذة ولم يلتفت العين التي انعقد البيع بها، ولما كانت السلعة شيئًا آخر أعداه بالعين لأن المثل فيها أصحب وأعدل. ومن هذه الحجة ضارعت هذه المسألة مسألة الكراء، ثم ذلك مسألة النقص يبنيه رجلان في أرض أعارهما إياهما، فباع أحدهما حصته في النقض في الموازية، وفعة المختلطة، ثم مسألة من سماع أشهب في جامع البيوع، ثم أخرى من سماع عيسى في كتاب العتق، وفي كتاب الغصب، ثم قال: والذي هو أبين من هذا وأكتشف في هذا المعنى، وإنما أخرناه لنختم الجواب به نجتلبه بعد هذا إن شاء الله. وذلك ما وقع في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة فيمن اشترى شاة على

أنها تحلب قسطًا: قال ابن القاسم: ذلك جائز في رأيي، وتجرب الشاة، فإن جلبت قسطًا وإلا ردها، وقد جاء الحديث: رد ما لم يشترط فيها أنها تحلب كذا إذا اشتراها وهي مصراة، وهذه أحرى أن يردها إذا اشترط، وفي هذا الباب: قلت: أرأيت إن اشتريت شاة لبن غير مصراة ولا أخبرني البائع بما تحلب إلى الخيار إذا أحلبتها، كمن اشترى مصراة؟ قال: أما الغنم التي شأنها الحلاب وإنما تشتري لذرها في إبان ذرها فأرى إذا باعها، وقد عرف حلابها ولم يبنه للمشتري فالمشتري بالخيار؛ لأن الغنم إنما تشتري لألبانها لا للحومها ولا شحومها، فإذا عرف حلابها وكتمه كان كمن باع طعامًا جزافًا وقد عرف كيله فكتمه. قال القاضي: وهذه المسألة تحشم المفتي المعترض بما قدمنا ذكره؛ لأنه لا فرق عند كل ذي حس بين قوله في الشاة: يجلب منها كذا، وبين قوله في الأرض يصاب فيها في الأغلب من معهود رفعها كذا، وقد كان يجب أن يقتصر عليها، ولا نشغل أنفسنا باجتلاب غيرها، ولكن في هذا ما يستدل به على غفلة المعترض وتضييعه وأنه لم يكن شيء من هذا في ذكره. ومن ذلك مسألة حسنة وقعت في سماع عيسى من رهون العتبية، فيمن رهن رجلاً رهنًا في حق له إلى أجل، فأقاما الرهن بأربعة دنانير وساق المسألة إلى آخرها ثم ذلك اعتراض معترض إن كان ونصه، ثم قال: ومن هذا الباب ما يجري قضاء القضاء والحكام به من قول مالك ما طرد الليل والنهار فيمن استحق شيئًا من الحيوان، فأراد المستحق منه أن يذهب بالشيء المستحق إلى موضع البينة، فإن الشيء المستحق يقومه أهل المعرفة إن جهل المتحاكمان قيمته، وإن علماها هما واتفقا عليها كان ذلك أسهل على الحاكم في نظره واخلص في حكمه. ومن ذلك أيضًا شيء لم يزل أهل العلم عندنا يعتقدونه ويفتون به فيمن اكتسب وثيقة يذكر حق على آخر، وشرط التصديق في دعوى القضاء، وقال إن ملتزم التصديق عرف باختلاف أهل العلم في وجوب اليمين وسقوطها، فأخذ بقول من رأى سقوطها أو قضى على نفسه بذلك، أليس قضاؤه على نفسه باختيار ما تخبره من أقوال العلماء في التصديق أصح في القضاء، وأبرأ لنفس الحاكم؟! هذا ما لا يشك فيه.

وبعد هذا كله فإنا لا نأمن على هذا المفتي أن يركب ردعه ويكابر العيان عندما يظهر عجزه، فإن كان ذلك كذلك ولم يزعه وازع، ولا دفعه بالمواجهة مدافع رجعنا معه إلى ما يرجع إليه من لا حجة له ولا برهان معه ولا عاضد من أهل المذهب يعضده. فنقول: إن ما نتفق نحن وأنت عليه ونجتمع في القول به أن قول مالك رحمه الله تعالى الذي لا نسطيع دفعه أن القاضي إذا قضى بقضاء أداه إليه اجتهاده، ولم يكن في كتاب الله عز وجلا ولا سنة رسول (صلى الله عليه وسلم) ما يخالفه فليس لأحد نقضه، ولا يسوغ لحاكم رده. هذا آخر القول، ومنتهى الجواب، والله الموفق للصواب، والهادي إلى الرشاد، بمنه وفضله وجزيل طوله، ثم قال: إنه ثابت إلى ذكره نظائر للمسائل التي اجتلبها ونقلها في نحو ورقة تركتها اختصارًا، وفيما ذكرنا كفاية إذ هو أكثر جوابه، وأبين من حجاجه. وكان شيخنا أبو عبد الله ابن عتاب معجبًا بجواب القاضي هذا مثنيًا عليه وكان شيخه، وأكثر تفقه معه، وسمعته يقول: كنت أراه في النوم وهو مقبل من ناحية حوانيت مفرج بقرطبة، وأنا ناهض إلى جهتها فكنت أسلم عليه وأسأله عن حاله، فقال لي: نفعني الله بالمدة التي كنت فيها معزولا، ونحو هذا. كانت هذه المدة نحو ثلاثة أعوام رحمنا الله وإياهم. مسألة في الاحتساب على المؤذن أبي الربيع في أذانه بالأسحار وابتهاله بالدعاء: كان هذا سليمان الشقاق متصرفًا بين يدي الواعظ أبي العباس أحمد بن أبي الربيع الألبيري الواعظ بجامع قرطبة فقام على سليمان هذا القائم عند الوزير القاضي أبي علي ابن ذكوان وهو في خطة أحكام السوق بالحسية وذكر أنه يقوم في جوف الليل ويصعد على سقف المسجد الذي يقرب داره ويؤذن على السقف ويبتهل بالدعاء، ويتردد في ذلك إلى أن يصبح، وقال القائم: إن في ذلك ضررًا على الجيران، ووقفه القاضي على لك فأقر به إلا أنه قال: إن قيامه لذلك قدر ساعة، فشاور في ذلك، وقال: قد بلغكم هذا الذي خاطبتكم به فعرفوني بما ترونه موفقين. يا سيدي ووليي ومن أبقاه الله وسلمه، يؤمر هذا المقوم عليه أن يقطع الضرر عن جيرانه، ويجري على ما كان يجري عليه الناس قبله من الأذان المعهود في الليل، وعلى ما كان من أفعال الصالحين والاقتصار عليها، فإن الخلاف شر، وفقنا الله وإياه للعمل الصالح والقول به إن شاء الله عز وجل.

وجوب ابن جريح: يا سيدي ووليي ومن أيده الله بطاعته أحسن ايفعله الناس اتباع السلف الصالح رحمه الله وكل من فعل فعلاً لا يشبه السلف الصالح فممنوع، ومستحب أن يمنع منه، فقد قال مالك: بلغني أن أبا سلمة رأى رجلا قائمًا عند المنبر يدعو يرفع يديه فأنكر ذلك عليه، وقال: لا تقلصوا تقليص اليهود، فقيل له: ما أراد بالتقليص؟ قال: رفع الصوت بالدعاء ورفع اليدين. فهذا أبو سلمة ومالك قد أنكرا ذلك عند المنبر بالنهار فيكيف من يفعل وذلك بالليل، لو سمعا ما يفعله سليمان لكان له أشد إنكارًا، لو دعا سليمان ربه في بيته أو سرًا بمسجده لكان أولى به. وقال مالك: إن تميمًا الداري قال لعمر رضي الله تعالى عنه: دعني أدعو الله وأقص واذكر الناس، فقال عمر: لا، فأعاد عليه، فقال له: أنت تريد أن تقول: أنا تميم الداري فاعرفوني. هذا عمر ينهاه بالنهار فيكيف بالليل. وقد قال مالك: القصص بدعة. وقد سئل ابن وهب عن المؤذن هل هو في سعة أن يؤذن في أين حين شاء من نصف الليل إلى آخر؟ فقال: لا يؤذن المؤذن إلا سحرًا. قلت له: وما السحر عندك؟ قال: فازجر ممنوعًا، متبعًا بذلك السلف الصالح والأئمة المهتدي رضي الله عنهم أجمعين. وجاوب المسيلي: أما بعد، صانك الله بكفايته وتولاك برعايته، وجعلنا من أهل طاعته، فقرأت ما قيم به على سليمان الشقاق، وما أقر به أن يقوم ويدعو ويتردد في ذلك قدر سماعه بزعمه، وسألت عن الواجب في ذلك وهل يباح له ذلك أو يمنع منه؟ وعلمك محيط أن الله سبحانه فرض على نبيه (صلى الله عليه وسلم) قيام الليل، ثم خفضه عنه ونسخه، وقال بعض السلف من المتقدمين: إن قيام الليل فرض على الناس من أطاقه منهم. وصلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى تورمت قدماه، وقال لمن عاتبه: أفلا أكون عبدًا شكورًا. وقال الله تعالى ومدح: {والذاكرين الله كثيرا ولاذاكيران} (الأحزاب: ألآية 35) وقال: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا} (الأحزاب: 41)، وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): "ما رأيت أنجى من عذاب من ذلك الله (¬1) " وقال تعالى {فاذكروني أذكركم} (البقرة: من ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه الحاكم في مستدركه ج1، ص 673 برقم 1825، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه والترمذي ج 5، ص 459 برقم 3377، والإمام مالك في موطئه ج 1، ص 211 برقم 492، والإمام أحمد في مسنده ج5، ص 239 برقم 2232.

الآية 152). فأمر بذكره على كل حال. وكل ما صنعه سليمان فحسن مأمور به مرغب فيه، حسن من الدعاء وقراءة القرآن، وتذلكير الناس وتخويفهم، قديم من فعل الصالحين والمتبتلين والزهاد في أمصار المسلمين. وقد كان بالبصرة عروة بن أذينة، يقوم بالليل فيصيح في الطريق ويخوفهم ويحظهم بقول الله سبحانه {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بيانا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون} (الأعراف: 98). ثم يقبل على صلاته فيصلي حتى يصبح، وإنما على المرء من النوافل ما قدر عليه، ولا يكلف ما لا يطيقه. فقد روى عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قيل له: إن الحولاء بنت تويت لا تنام الليل فكره ذلك، وقال: "إن الله لا يمل حتى تملوا أكلفوا من العمل ما لكم به طاقة (¬1) ". إلا أنه لا يجوز لسليمان ولا لغيره أن يؤذي أحدًا بفعل ولا بقول، ومن فعل ما ذكرته فغير ملوم، وكان الواجب على من قام عليه في هذا ألا ينكر عليه عند السلطان، وقد دون السلطان كفاية ورفع مثل هذا ألا يصلح. فإن كان هذا الذي وصف لا يؤذي الناس، وهذا محال، لا ينكر هذا من قيام الليل منكرًا فاكشف عنه كشفًا شافيًا، ولا يجب أن يمنع هذا. هذه طريقة المجتهدين في القديم والحديث، وإنما يمنع من أدخل على المسلمين في دينهم مضرة أو في دنياهم، والاقتصاد في الأمور حسن أيضًا، وأما الآذان في الليل للنوافل كلها وللصلاة الفائتة والاستسقاء والخسوف وما كان من غيرها من صلاة النوافل كلها فمنع بعض أهل العلم (أ – 161) من الآذان لها، هذا الذي لا يجوز أن يتعدى إلى غيره. والله يوفق الجميع من الطائفتين بمنه وفضله. وجاوب ابن عتاب: يا سيدي ووليي ومن أدام الله توفيقه، ما ذلك هذا القائم بالحسية عن سليمان أنه يقوم في جوف الليل ويؤذن على سقف المسجد ويبتهل في الدعاء ويتردد في ذلك، فليس ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه البخاري ج 11، ص 386 برقم 1100، ومسلم ج 1، ص 540 برقم 782.

في هذا شيء يمنع منه غير الصعود على السقف لما يتوقع من فساده بالصعود إليه، وعلمك محيط بما ذكره الله من الترغيب قال الله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} (النور: من الآية 36). والاحتساب فيما ذكره عن سليمان غير سائغ إذ ذلك ذكر الله، وهو مما تنشرح له صدور أهل الإيمان وتطمئن به قلوبهم {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (الرعد: 28). ومتى عهد من أذن بالأسحار وابتهل في الدعاء والاستغفار يوقف موقف الإقرار والإنكار، أما سمع المحتسب قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} (الأنعام: من الآية 52). وقد حكي مالك رحمه الله أن الناس في الزمان الأول كانوا عند خروجهم لأسفارهم يتواعدون لقيام القراء لقيامهم بالأسحار فتسمع أصواتهم من كل منزل، وثبت عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم (¬1) ". وقال ابن حسيب: ولا بأس أن يؤذن لها بليل طويل، يدل على ذلك هذا الحديث. قال: وأي ساعة أذن لها من الليل بعد أن يخرج وقت العشاء، وهو شطر الليل فذلك واسع والنداء لها في عسعسة الليل أفضل، وعليه مضى العمل. وذكر هذا المحتسب أن في ذلك ضررًا عليهم، فيحتمل أن يريد بهذا الضمير جماعة المسلمين، فإن كان أراد هذا فلا يصح قوله؛ إذ لم يمنع أحد من المسلمين من ذلك ولا سمعناه عن أحد منهم أنه قاله، ويحتمل أن يريد من يجاور المسجد من المسلمين وغيرهم. فإن أراد هذا فعلمك محيط أنه لا يجب له التكلم عنهم إلا بعد توكيلهم إياه، ولو ذهبوا إلى ذلك والله يعصمهم منه، ويوفقهم لما سمع منهم؛ لأن مالكًا قال في الضراب للحديد يكون جار الرجل ملاصقًا، ليس ينهما إلا حائط فيعمل الليل كله والنهار، يضرب الحديد فيتأذى بذلك جاره، ولا يجد راحة من كثرة ضربه. قال مالك: لا يمنع من ذلك، فمالك رحمه الله رأى ألا يمنع ضراب الحديد وهو يؤذي جاره بذلك، فكيف من يقوم للأذان والدعاء؟ والله أسأله لنا ذلك توفيقًا وتسديدًا، والسلام عليك يا سيدي ووليي ورحمة الله. ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه البخاري ج 1، ص 223 برقم 592، ومسلم ج 2، ص 768 برقم 1092.

في المتحلقين للمسائل يوم الجمعة في الجوامع: من أحكام ابن زياد: سألتنا – وفقك الله وأعانك على ما قلدك – عن قوم يحلقون في المسجد الجامع للفتيا ومذاكرة العلم والخوض فيه وذكرت أن رافعًا رفع إليك أن المتحلقين فيه ليسوا ممن يستحق ذلك وأن إقامتهم واجب، إذ المساجد إنما اتخذت للصلاة وتحلقهم فيها مما يضر بالمصلين. فالذي نراه ونقول به في ذلك – والله الموفق – أن المساجد وإن اتخذت للصلاة، فإن الخوص فيها في العلم وضروبه جائزة من فعل الأئمة. وقد جاء عن مالك رحمه الله أنه كان يتحلق يوم الجمعة في مسجد النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى يخرج الإمام، فإذا خرج قطع الفتى واستقبل الإمام. والعلم – أكرمك الله – أفل شيء اجتمع لمذاكرته والتكلم فيه بعد كتاب الله عز وجل، وقد رأيت مساجد الأمصار يتحلق فيها الأئمة ومن دونهم من المتفقهين، ولا ينكر ذلك عليهم، ولا يقام أحد منهم، وترك المتحلقين في الجامع على ما هم عليه واسع إن شاء الله. قال بذلك عبيد الله بن يحيى وابن لبابة ومحمد بن وليد وسعد بن معاذ. قال القاضي: هذا الجواب على الإطلاق في ترك هؤلاء المتحلقين غير صحيح، إنما يباح ذلك إذا كان فيهم من يوثق بفهمه وعلمه ودينه، ويؤمن عليه التكلم فيما لا يحسنه، والفتوى بما لا يعلمه فهو يتكلم معهم فيما يعلم، ويبصر الجاهل ما لا يفهم، فإذا كان هذا أبيح له وللمستمعين التحلق والتعلم في غير أوقات الصلاة خير لا يضرون بالمصلين. وقد ذلك أبو البختري: أن علي بن أبي طالب – (رضي الله عنه) دخل المسجد، فإذا رجل يخوف فقال: ما هذا؟. فقالوا: رجل يذكر الناس، فقال: ليس برجل يذكر الناس، ولكنه يقول: أنا فلان ابن فلان فاعرفوني، فأرسل إليه فقال له: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا قال: فاخرج من مسجدنا ولا تذكر فيه. وروي عن ابن عابس ونحوه، وما حكوه في جوابهم عن مالك مصحف خطأ، وكذلك باقي جوابهم وتركنا شرحه كراهة التطويل.

الاحتساب في إنزال الزرع وغيره في أفنية المساجد: فهمنا – وفق الله القاضي – ما رفع إليك عن مسجد الشفا من إنزال الناس الزرع والحطب والبقول وغيرها، في دكاكين المسجد فتوسخ بذلك المسجد، وينزل أيضًا في القبلة من المسجد في فنائه الأغنام لتجلب ثم يكثر زبولها فيضر غبارها بالمسجد، فالذي يجب في ذلك أن يكشف القاضي ما رفع إليه بمن يثق، فإذا صح عنده ضرر تلك ذلك قطع الضرر عن المسجد ومنع أولئك الذين يحدثونه في أفنية المسجد. قاله ابن لبابة وأصحابه. في ميضأة مسجد عجب ودخول الصبيان عليهم في المسجد: قام عندي – رحمكم الله – رجل من أهل مسجد عجيب، فذكر أن ميضأة المسجد كان بابها خارجًا عن دار المسجد، وأنها كانت قد ردت من داخل الدار، ثم قام أكثر الجيران فقالوا: إنه يدخل الصبيان ومن لا يجب دخوله المسجد إلى الميضأة، فردوا باب الميضأة خارجًا عن المسجد كما كان بابها فيما مضى، واستظهر القائم بالحبسة في ذلك بقوم أتى بهم، وذكر أن بعض الجيران أراد فتح باب الميضأة في داخل المسجد فاكتبوا لي بما عندكم في ذلك مما يجب علينا فعله ولا يحل لنا تركه. فجاوب ابن لبابة: فهمنا – وفقك الله – ما أرادت معرفته من خير هذه الميضأة، وإني أكرمك الله كثيرًا ما أمر بالمسجد، ورأيت باب الميضأة في الشاعر في موضع حسن، وبلغني أنها هكذا كانت في ابتداء ابتنائها حتى رأى بعض من كانن في المسجد رد الباب في داخل المسجد فمضى زمانًا كذلك. فلما ستقبحه وجوه هل المسجد لمن يدخل الميضأة على المسجد، ولا يتحفظ من الصبيان، وينال ضرر ذلك المسجد رد الباب إلى ما كان عليه، فرأيت رده نظرًا للمسجد وحفظًا له، وصوتًا عمن يدخله ولا يتحفظ، وكذلك يجب أن يتحفظ بالمساجد ويقطع عنها كما يدنس قيعانها. وقد أخبرني العتبي عن سحنون بن سعيد أنه كتب إلى قاضي محمد بن زياد، يشير عليه ألا يلعم معلم في المسجد، فهذا المعلم يكره له التعليم في المسجد لما يخاف من قلة تحفظ الصبيان، فكيف بميضأة يختلف إليها على المسجد من لا يتحفظ من النجاسات فصرف باب الميضأة الذي صرف إلى الشارع في الفضاء من النظر، وأسأل الله التوفيق.

وقال ابن وليد نحوه. في ركوب القاضي والفقهاء إلى مسجد الأمير هشام للباب الذي غلق من أبوابه واختلاف الشهادة فيه: ركبنا مع الفقهاء وجماعة من خيار المسلمين والعدول إلى مسجد الأمير هشام، إذ اشتكى قوم من قريش أنه أغلق باب من أبوابه الذي في البلاط الشرقي، وأنه أفيت في إغلاقه على الأمير – أصلحه الله – والحكام بغير أمره ولا رأيهم، وشهد قوم أنهم يعرفون هذا الباب مفتوحًا منذ أكثر من خمسين سنة، فتحه سعيد بن العباس، فعمر إلى هذه الغاية وأنه راحة للمسجد ولا ضرر فيه على أحد. وشهد آخرون أنه ضرر عليهم، ونظر على الباب قد سد، فأشار رجل من الفقهاء علينا أن سده من حكومة سلطان افتئات على الحكام، وأنه ينبغي لنا أن نعيده كما كان ثم ننظر فيما اختلف الشهادة فيه، وفيما يجب أن يؤخذ منها ويحكم بها إن شاء الله وما كان من شهادة عبيد الله بن يحيى أن قال: إني أعرف المسجد وليس فيه هذا الباب الذي أغلق، ثم أعرفه فتح منذ أكثر من خمسين سنة في أول ولاية الأمير محمد – رحمه الله – إلى هذه الغاية. قاله ابن لبابة وعبيد الله. وقال محمد بن غاب مثل ذلك، إلا أنه قال: فتح الباب قضية من القاضي – وفقه الله – فإذا طال زمان عرف هذا المقام، وشهد على ما فعل القاضي، فإن رأى القاضي أن يكتب بذلك كتابًا يشهد عيه أنه فتحه لنظر يستقبله بين الفريقين، وأنه فتحه استرفاعًا للعدا إذا غلق، فرأى عامة لم يتقدمهم فيه قول حكم، وقال فتنة واعتبار، وقاله يحيى بن عبد العزيز وجماعتهم. فتح باب في مسجد مقبرة البرج: شهد عن القاضي أحمد بن محمد بن عبد العزيز الأنصاري أن الباب الذي يريد عبد الملك بن حوثرة فتحه في مسجد مقبرة البرج، على السكة العظمى بجوفي دار عثمان ابن سعيد، يضر فتحه بالمسجد ضررًا بينًا، وشهد محمد بن عبيد بمثل ذلك، وشهد بدر بن إسماعيل أنه يعرف موضع الباب في غلق، والبئر في غلق، ويعرف في موضع الباب حانوتًا بشرقي المسجد مفتوحًا إلى القبلة، ويعرف فيه المؤذن يسكنه ويخيط فيه، وفي شهادته أن يعرف سعيد بن العباس فتح الباب في المسجد وغير الحانوت، وأن هذا الحانون كان

للمسجد. وشهد محمد بن حازم بمثل ذلك، وفي شهادته أن سعيدًا فتح الباب على الغلبة والظلم في علمه، وفي شهادته أن الحانوت المحبس للمسجد، ويعرف فيه بقالان ويؤخذ خرجه للمسجد، وشهد فلان بمثله، وشهد أيوب بن سليمان أن فتح الباب الذي يراد فتحه في هذا المسجد ضرر بالمسجد، وشهد سعيد بن عثمان التجيي بمثل ذلك. قرأنا – وفق الله القاضي – هذه الشهادات، فرأيناها وقعت تامة في الضرر، وفي شهادة قوم أنهم يعرفون بالموضع حانوتًا محبسًا تجري غلته على المسجد، فإذا كان فيهم من تقبله فهذا يوجب إغلاقه ولو لم يكن ضررًا فكيف والقول منا بإجماع أن الضرر الحادث على المسجد يقطع على كل حال. وما رأينا أبقاك الله – هذه الأبواب المفتوحة في أجواف المساجد، ومواضع مصلى الناس تتخذ إلا ليكون مطلاً لمن قعد في المسجد وتروها لا على اللزوم لها ليتخذ في جوف المسجد مسكًا، ولو كان بانيه بديًا فتح هذا الباب في داخل المسجد، ثم اتخذه مختلفًا لقلنا هي أغلقه، فكيف وهو محدث؟ والضرر في حقوق الناس يفني ويرد، فكيف في حقوق الله؟ هي أحق ما ذب عنه ونفي الضرر منه، والله نسأله التوفيق. قأله محمد بن غالب، ومحمد ابن وليد. وفي هذا المعنى في المسجد قال محمد بن غالب: وفق الله القاضي لما يجب شهادتي هذه – أبقى الله القاضي – لم يكن لي يد من تجليبها على وجهها، أما الباب فيما عرفته قديمًا ولا حديثًا من أجل أني كنت لا أخطر بالموضع إلا مارًا على الطريق، لا ألوي على الجانب الذي به الباب، قلما وقعت إلى الموضع، ورأيت الباب مفتوحًا في السقف يدخل منه من أقبل للصلاة، والناس في هذا مختلفون في التحفظ، فمتحفظ يرعى ما يجب عليه من احتراس بدينه وآخر غافل، لا يبالي كيف يدخل ولا كيف وصل. وقد يدخل المسجد من أطانت رجلاه فإن مسحها في داخل المسجد تحت المسقف استهان بالمسجد ولم يعطه بقسطة الواجب له، فظهر لي الضرر الموجب لإغلاقه، وسقط احتجاج المحتج بالقدم فيما ظهر لي من حقوق الله لا يستحق عليه قدم زمان، إذ قد يفعل الناس عن أذى ذلك ورفعه اتكالاً على غيرهم، إذ هو حق على كل أحد أن يؤديه، فيقول

بعضهم عل هذا يرفعه غيري، ومن أجل ذلك لم يستحق مثل هذا من حقوق الله. ولقد شهدت بالموضع حين ركبت إليه ممتحنًا له بالعيان رجلا وهو يشبه هذه الباب بأبواب الجامع في المسقف وهما ضدان؛ لأن الجامع يمنع الناس رهبتهم له من الدخول من ذلك الباب فيه دون تحفظ شديد، فكيف وتلك الأبواب عليها أقفال لا تفتح إلا في أوقات الصلوات، وعليها مع ذلك من عنايتك واهتبالك رقباء يتحفظون بها خوفًا من أن يدخل منها من لا تحفظ عنه. وقد كان هذا الباب فيما يقع عليه الظن الغالب كاليقين ممتنعًا في أيام سعيد وولده من بعده أن يدخله أحد في قدميه دنس أو شيء يحتاج إلى مسحه أو غسله، فلما ذهب القوم وخلف من نسلهم قوم تشغلهم حوائجهم وإصلاح بواديهم صار الباب مطلقًا لمن شاء أن يدخل منه، فبان الضرر وصار وكالحادث ووجب غلقه لا محالة إن شاء الله، فهذه شهادتي وإن كنت خلطتها بالفتى من قبل أن الاختصار لا يؤدي الكل على وجهه. وقال أيوب بن سليمان مثله. ومن هذا المعنى مسجد أم هشام: وقد تقدمت مسألته، استخرجت الله عز وجل ورأيت الركوب معك ومع جميع إخواننا، فإذا اجتمعتم وعاينتم نفذت ذلك إن شاء الله. قال محمد بن عمر بن لبابة: الذي رأيت حسن إن شاء الله ولقد فكرت بعدك في ترك فتح الباب إذا أبطأ نظرك فرأيت أن عليك فيه دركًا، كيف جاز لمن لا نصيب له في المسجد إلا صلاته، والكلام فيه لورثة بانيه فيغلقه بلا رفع إلى سلطان حتى يكون السلطان هو الذي ينظر فيه فيما يظهر له، إذا كان يقوم كل واحد إلى ما كره فيأخذ لنفسه، وإنما التغيير إلى الحكام فهذه جرأة ما سمع بأشنع منها. قال القاضي: هذا كلام مختل غير مهذب وأشنع منه القتل والغصب، وتعمد إحداث الضرر بفتح الكوى والأبواب وإجراء المياه والأقذار وغير ذلك على الجار، والله الموفق للصواب. في مرور العجل والنصارى على المقابر: فهمنا – وفقك الله – ما ذكره القائم بالحسبة من مرور العجل على المقابر بمقبرة متعة، وسلوك العجم بجنائزهم على مقابرنا، وما سأل من النظر في ذلك، فالذي نرى أن

يتقدم إلى العجالين ألا يسلكوا بعجلهم على المقابر، وأن يكون مسلكهم بغريبها في الفناء المتسع الذي لا قبور به، وينهى العجم عن المرور على مقابرنا لوطئهم قبول المسلمين ومشيهم عليها، وقد ينهى المسلمون عن المشي عليها، فكيف بنجاس كفار، ولهم متسع بشرقي المقبرة مع الدور أو في الأزقة الخارجة إلى الخندقة بجوفي المقبرة. قال بذلك محمد بن لبابة، وقاله أيوب بن سليمان، وليكن هذا المنع في جميع المقابر، وقاله ابن وليد. الاحتساب على النواتية من مراكب المراسي: رفع إليك – رضي الله عنك – أن قومًا من النواتية استعدوا المراكب لإجازة الناس على نهر قرطبة في مرسى بالشيء وغيرها من المراسي؛ وأهم أقاموا لأنفسهم في يجملة المراكب حالة لا ؤمن أن يكون سيلا لهلاك الناس، ولا يجد الناس بدًا من إجازة البقرة إلى ضياعهم ومنازلهم، وذلك أنهم جعلوها دولاً، فتوقف المراكب ويفرد مركبًا واحدًا للإجازة، فيحشى حتى يكاد ينكفي إلا أن الله يدفع، وصاروا يركبون غررًا، وكشفتنا عن الذي يجب عيك النظر به في هذا، وأنت بما جعل الله إليك حائط للعامة، وناظرهم في مصالحهم. وقد قال مالك – رحمه الله – للسلطان أن ينظر للناس فيما يصلحهم في دينهم ودنياهم، وهذا من أوجب ما يجب فيه نظرك فامنع – رضي الله عنك – من ذلك منعًا شديدًا حتى تبع المراكب، وينقطع بذلك ما يخاف على المسلمين من ركوب الغدر. فقد جاء فيه خير لعمر بن عبد العزيز حين وصف له ركوب الناس بالبحر، فقال دود على عود، وجاء بكلام غير هذا، كأنه نهي عن ذلك وحذر منه، فامنع عن هذا فإنك مأجور فيه، مثاب عليه إن شاء الله. قال بذلك محمد بن غالب ومحمد بن وليد وعبيد الله ابن يحيى، وقال سعد بن معاذ مثل ذلك، وقال: الحديث لعمر بن الخطاب أيضًا، وقال أحمد بن بقي بمثل قول سعد بن معاذ، وقال بذلك محمد بن عمر بن لبابة وأيوب بن سليمان. قال القاضي: الحديث الذي ذكروا إنما هو لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقع في جامع العتبية في موضعين في سماع ابن القاسم، أحدهما: في أول رسم منه وهو رسم مساجد القبائل، قال مالك: سأل عمر بن الخطاب عمرو بن العاص عن البحر، فقال: خلق قوي يركبه خلق ضعيف، دود على عود، إن ضاعوا هلكوا وإن بقوا فرقوا، فقال: عمر لا أحمل فيه

أحدًا أبدًا. فلما كان بعد عمر حلم فيه فلم يزل يركب حتى كان عمر بن عبد العزيز فاتبع فيه عمر بن الخطاب، وهذا هو الصحيح في الخبر وجعلوه لعمر بن عبد العزيز، وأنه من قوله دود على عود، وقال بعضهم لعمر بن الخطاب والكل مخطئ غير مصيب لان هذا الكلام إنما هو لعمرو بن العاص، وإنما للعمرين النهي عن ركوبه، وقالوا: كأنه نهي عن ذلك، وهما قد نهيا عنه اشد النهي ومنعاه أصلا، وبالله التوفيق. في منع أهل الذمة إحداث الكنائس: فهمنا – وفقك الله تعالى – الشهادات الواقعة في أن الشنوغة محدثة، فرأينا شهادات توجب هدمها بعد الإعذار إلى أهلها، وليس في شرائع الإسلام إحداث أهل الذمة من اليهود والنصارى كنائس لا شنوغات في مدائن المسلمين، وبين ظهرانيهم. قال بذلك عبيد الله بن يحيى ومحمد بن لبابة وابن غالب وابن وليد وسعد بن معاذ ويحيى بن عبد العزيز وأيوب بن سليمان وسعيد بن خمير. قال القاضي: ذلك ابن حبيب في ثالث جهاد الواضحة عن ابن الماجشون عن مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا يرفعن فيكم يهودية ولا نصرانية (¬1) " قال ابن الماجشون: لا تبنى كنيسة في دار الإسلام ولا في حريمه، ولا في عمله، إلا إن كانوا أهل ذمة منقطعين عن دار الإسلام وحريمه، ليس بينهم مسلمون فلا يمنعون من بنيانها بينهم، ولا من إدخال الخمر إليهم ولا من كسب الخنازير. وإن كانوا بين أظهر المسلمين منعوا من ذلك كله ومن رم كنائسهم القديمة التي صالحوا عليها إذا رثت، إلا إن شرطوا ذلك في صلحهم فيوفى لهم ويمنعون من الزيادة فيها؛ كانت الزيادة ظاهرة أو باطنة، وإن شرطوا ألا يمنعوا من إحداث الكنائس وصالحهم الإمام على ذلك عن جهل منه، فنهي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك أولى بالاتباع والانقياد. ويمعنون من ذلك في حريم الإسلام وفي قراهم التي سكنها المسلمون معهم، ولا عهد في معصية الله إلا في رم كنائسهم إن اشترطوا ذلك لا غير، فيوفى لهم به. ¬

_ (¬1) ... هذا الحديث لم أعثر عليه.

قال ابن الماجشون: هذا كله في أهل الصلح من أهل الجزية، وأما أهل العنوة لا يترك لهم عند ضرب الجزية عليهم كنيسة إلا هدمت، ولا يتركون أن يحدثوها وإن كانوا معتزلين عن جماعة المسلمين؛ لأنهم كعبيد المسلمين، وليس لهم عهد يوفي لهم به، وإنما صار لهم عهد حرمت به دماؤهم حين أخذت منهم الجزية. وفي كتاب الجعل من المدونة قال ابن القاسم: عن مالك: لا تتخذ النصارى الكنائس في بلاد الإسلام إلا أن يكون هلم أمر أعطوه، قال ابن القاسم: لا يمنعوا من ذلك في قراهم التي صولحوا عليها لأنها بلادهم يبيعون إن شاءوا أرضهم ودورهم، إلا أن تكون بلاد عنوة فليس لهم أن يحدثوا فيها شيئًا؛ لأنهم ليس لهم أن يبيعوها ولا يورثوها، وهي فيء للمسلمين وإن أسلموا انتزعت منهم. وقال غيره: لا يمنعوا من كنائسهم التي في قراهم التي أقروا فيها بعد افتتاحها عنوة، ولا من أن يتخذوا فيها كنائس؛ لأنهم أقروا فيها على ذمتهم، وعلى ما يجوز لهم فعله وليس عليهم فيها خراج إنما الخراج على الأرض. وفي الكلاب: فهمنا – وفقك الله – ما كشفت عنه من أمر الكلاب المخذة في الحضرة، فإنها ربما أذت وعقرت وأحدثت من جراح الصبيان ما يكون ضررًا، وما شكى إليك من ذلك وكثر به الشكوى ممن ابتلى، فالذي يجب في ذلك – وفقك الله – أن تأمر بقتلها إلا ما كان من كلب صيد أو زرع أو ماشية؛ فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "من اقتنى كلبًا إلا كلب ماشية أو زرع أو صيد أحبط من أجره قيراط (¬1) ". وجاء عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه أمر بقتل الكلاب، فمر رسوله ببيت امرأة عمياء لها كلب فأراد قتله، فاعترضت امرأة فقالت: إني كما ترى عمياء، فهو يطرد عني السباع ويؤذنني بالإذن، فعاد إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فأعلمه أمرها فأمره بقتلها، ولم ير لها عذرًا فيما اعتذرت به. قال بذلك محمد بن عمر بن لبابة ومن حضرنا من أهل اعلم، وفي مسائل حبيب عن سحنون في كلاب أهل المواشي في البوادي يتخذونها في دورهم خوف السرق أنه يقتل، وقال في الكلب لصيد التلذذ لا يحل كسبه، ولا يقتل أيضًا. ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه البخاري ج 2، ص 818 برقم 2198، ومسلم ج 2، ص 1204 برقم 1576.

قال القاضي: كذا هو في الكتاب الذي نقلته منه وأراده: ويقتل أيضًا وهو النظر، والله أعلم. ومن هذا المعنى قال ابن لبابة: إن كان الكلب متخذًا بموضع لا يجوز اتخاذه، فصاحبه ضامن لما نقص الرداء يقوم صحيحًا، ويقوم بالذي أصابه، فما كان من القيمتين ضمنه ويرفوه صاحب الكلب لصاحب الرداء، وإن كان الكلب متخذًا بموضع يجوز اتخاذ فيه فلا شيء عليه. وفي كلب عض صبيًا: قال أبو صالح: فهمت – أكرم الله القاضي – مسألة صاحب الكلب، فأما الكلب فيقتل لأنه متخذ في غير موضع اتخاذ الكلاب، وإن أصاب الصبي شيء ضمنه متخذ الكلب؛ حيث لا يجوز له اتخاذه لتعديه في ذلك بما لم يجز له. قال القاضي: في كتاب الديات من المختلطة: قيل أرأيت الكلب العقور، وما أصاب في الدار وغيرها أيضمنه صاحبه؟ قال: بلغني أن مالكًا قال: إذا تقدم إلى صاحب الكلب العقور ضمن ما عقر، فأنا أرى أنه إذا اتخذه حيث يجوز له اتخاذه ألا ضمان عليه حتى يتقدم إليه، وإن اتخذه بموضع لا يجوز له اتخاذه فيه، مثل أن يجعله في داره وقد عرف أنه عقور. فيدخل الصبي أو الخادم أو الجار الدار فيعقرهم، وقد علم أنه عقور فأراه ضامنًا. وقول مالك في الكتاب العقور إذا تقدم إليه حيث يجوز له اتخاذه لا حيث لا يجوز له اتخاذه كالدور. قال القاضي: تدبر هذا؛ لم يوجب ابن القاسم عليه ضمان ما أصاب العقور إلا بوجهين، أحدهما: أن يتقدم إليه، والآخر اتخاذه بموضع لا يجوز اتخاذه فيهن وقد علم بعقره، وإن لم يتقدم إليه، وأبو صالح ليس في جوابه تقدم إلى رب الكلب، ولا صفة للكلب بأنه عقور وأن ربه علم بعقره فهو خطأ، ولا ضمان على صاحب كلب اتخذه في داره إذا لم يعلم أنه عقور وجرح العجماء جبار كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وفي سماع ابن الحسن زونان: سألت ابن وهب عن الدابة الصئول تعدو على مملوك فتقتله بعد أن تقدم جيرانه إليه فيها، فعدت على الصبي المملوك وهي مربوطة أو فلتت من رباطها أو كان سلطان تقدم

إليه فيها حين شكي جيرانه أمرها، وقال: إن أدت بعد هذا ضمنتك، فقال: الدابة الصئول في هذا مثل الكلب العقور لا ضمان على ربها حتى يتقدم إليه السلطان بعد المعرفة بالصئول والعقر فلم يحبسها عن الناس ولا غربها ضمن ما عقرت، وهو قول مالك في الكلب على ما وصفت لك. فإن كان دون الثلث ففي ماله، وما كان فيه الثلث فصاعدًا حملته العقالة، وهو من الخطأ إن كان المعقور حرًا، وإن كان عبدًا ففي مال رب الدابة والكلب على كل حال. وقال أشهب: لا ضمان على صاحب الدابة على أي وجه كان تقدم إليه سلطان أو استنهى منه الجيران. قال القاضي: انظر قول ابن وهب: إذا تقدم إليه السلطان بعد المعرفة بالصئول والعقر، لم ير ضمانه إلا بعد التقدم والمعرفة بالعقر، وهو مما يؤيد ما نبهنا عليه من غفلة أبي صالح في جوابه. وفي سماع عيسى عن ابن القاسم في رسم لم يدرك في الثور العقور أو الدابة الصئول أو الكلب العقور أو غيره من العجماء إذا عرف بالعداء على الناس أمر صاحبه بذبحه وتقدم إليه، فإن عقر أحدًا بعد ذلك ضمن في ماله، قال: وإن قتل الثور رجلا بعد التقدم إليه وشهد بذلك واحد حلف ورثته معه يمينًا واحدة واستحقوا الدية في ماله خاصة. وروي عنه ابن عبدوس أن الثلث فصاعدا في ذلك على العاقلة، وهو كقول ابن وهب فوق هذا شرط في هذه أيضًا المعرفة بالعقر والتقدم، وقال عيسى في تفسير ابن مزين: إذا اتخذ الكلب العقور بموضع لا يجوز له اتخاذه فيه فهو ضامن وإن لم يتقدم إليه إذا كان عقورًا، وكذلك قال ابن القاسم، فشرط كونه عقورًا كما تقدم، وقال يحيى بن إبراهيم: لا يكون التقدم إلا عند السلطان وإلا فبإشهاد العدول إذا لم يكن سلطان. وقال أصبغ: إذا لم يثبت ما أصاب الكلب العقور أو الثور العقور وشبهه بشاهدين عدلين، وأنكر اليمين في هذا مع الشاهد الواحد، وأما جواب ابن لبابة في مسألة الرداء، فأبين خطأ من جواب أبي صالح، وأردى، ويطول علينا بيان ذلك وبالله التوفيق.

الاحتساب على ابن السليم فيما اقتطعه من المحجة وضمه إلى جنته بمنية المغيرة وأجوبة الفقهاء في ذلك: فهمنا – وفقك الله – الشهادات الواقعة على سعيد بن محمد بن السليم فيما اقتطعته من محجة المسلمين وضمه إلى جنانه اللاصقة بمحجة قرطبة بمنية المغيرة، فرأينا شهادات تامة منعقدة توجب خراب ذلك، ورد المقتطع من المحجة إليها على حسب ما كانت عليه بعد مضي البينة التي شهدت في ذلك إلى الموضع، وحيازتها بما تقطع في ذلك بالهشادة أنه أخذه من المحجة، وبعد أن تعذر إليه في مدفع إن كان عنده فيمن قبلت شهادته في ذلك، قال بذلك أحمد بن يحيى بن أبي عيسى. وقال هذا قضاء قضاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فقد روي ابن كنانة عن مالك ابن أنس قال: هدم عمر بن الخطاب على أبي سفيان أساسا مكان تزيده في طريق المسلمين، فسارع أبو سفيان إلى هدمه، وقال: من أين أهدم يا أمير المؤمنين؟، وحسر عن يده، فقال له عمرك من هنا إلى هاهنا يا أبا سفيان، فهدم أبو سفيان بيده، فرفع عمر يديه إلى السماء وقال: الحمد له الذي حتى الذي لم يمتني حتى رأيت أبا سفيان يطوع لنا هذا الطوع. وحدثني: من أثق به عن عبد الملك بن الحسن، قال: سألت عبد الله بن وهب عن الرجل يتزيد في داره من طريق المسلمين الذراع والذارعين إذا بني وأقام حائطًا وبني بنيانًا، فقام جاره الذي يقابله في الطريق فرافعه إلى السلطان وأحب أن يهدم عليه ما تزيده، وقال: كان لي نفع لمربط دابتي وفنائين وفيما بقي من الطريق ثمانية أذرع أو تسعة، هل له أن يهدم عليه ما زيد؟ فقال ابن وهب: نعم له أن يهدم عليه، قام في ذلك جاره أو من سلك المحجة، وينبغي للإمام أن يتقدم في ذلك لا يترك أحدًا يتزيد من طريق المسلمين. قال ابن وهب: وقد حدثني عثمان بن الحكم عن عبيد الله بن عمر عن أبي حازم أن حدادًا بنى كيرًا في سوق المسلين، فمر به عمر بن الخطاب ورآه، فقال: لقد استعظم سوق المسلمين فهدمه. وقال أشهب بن عبد العزيز: أرى أن يهدم ما اقتطع من طريق المسلمين كان ذلك قليلا أو كثيرا مضرًا أو غير مضر، يهدم ويتقدم الإمام إلى الناس، ولا يترك أحدًا يتزيد من

طريق المسلمين قليلا ولا كثيرًا، وقال بمثل ذلك يحيى بن عبيد الله. قال القاضي: قال محمد بن حارث يحيى بن عبيد الله بن يحيى بن يحيى يكنى أبا عبد الله، شوور مع أبيه في آخر أيامه، وتوفي سنة ثلاث وثلاثون مائة، وأحمد بن يحيى بن يحيى ابن يحيى يكنى أبا القاسم، سمع من عمه عبيد الله ومن ابن وضاح وكان ربما دخل مدخل من شاورهم الأمير عبد الله بن محمد وشاوره ومحمد بن سلمة القاضي في جملة من يشاور كانت وفاته سنة سبع وتسعين ومائتين وهو ابن سبع وأربع سنة. وقال غيره: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر (¬1) " حدثني بذلك إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن سفيان الثوري عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وأن عمر رحمه الله حكم في مثل هذا بالهدم في كير الحداد وما أحدثه في ذلك من سوق المسلمين. وفيما حكم به رحمة الله عليه، على أبي سفيان بن حرب، وأمره بالهدم فيه وتحويل حجازته من مكان إلى مكان، ففعل عمر رحمه الله، وحكمه أولى أن يقتدي به وأن يكون الأسوة فيه إن شاء الله من غيره. وقد حدثني محمد بن أصبغ بن الفرج أن أباه أصبغ رجع عن قوله فيمن اقتطع من أفنية المسلمين شيئًا وأدخله في داره أنه إذا كان واسعًا رحراحًا لا يهدم فرجع عن ذلك وقال بهدمه ورده إلى حالته وقال: الأفنية والطرق كالأحباس للمسلمين لا يجوز لأحد أن يحدث فيها حدثًا إلا من ضرورة واضطرار إلى ذلك. وقال ابن وهب وأشهب: يهدم على كل حال ضيقًا كان أو غير ضيق، قليلا كان أو كثيرًا، أخبرني بذلك يحيى بن عمر عن سحنون عنهما – والذي أقول به وأذهب إليه فعل عمر (رضي الله عنه) وحكمه على أبي سفيان وعلى الحداد، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من اقتطع ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه الحاكم في مستدركه ج 3، ص 79 برقم 4451، والترمذي ج 5، ص 609 برقم 3662، والبيهقي في الكبرى ج 5 من 212 برقم 9836، والإمام أحمد في مسنده ج 5، ص 382 برقم 23293.

شبرًا من أرض بغير حق طوقه من أرضين (¬1) " رواه سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن النبي (صلى الله عليه وسلم). وقال يحيى بن عبد العزيز جمعتنا – وفقك الله – وكشفتنا عن الشهادة الواقعة على سعيد بن السليم على ما اجتبته البينة من اقتطاعه من طريق المسلمين وضمه ذلك إلى جنانه فأعلمناك – وفقك الله – أن في المسألة نظرًا واختلافًا بين العلماء وسألناك جمع جميعنا، لكي نجمع من ذلك على ما يختاره الله لنا فقلت: بل يكتب كل رجل منكم إلي بما عنده في ذلك، وأنا أسأل الله توفيقك، وأنا أحكي لك (رضي الله عنه) ما ألفيناه في كتبنا ورويناه عن شيوخنا رحمهم الله. وهو ما قد سمعته وقرأه عليك أصحابنا من رواية زونان عن ابن وهب وغيره، وما حكوا عن الفاروق – رحمه الله – من وجوب هتك موضع الحداد، وما أشاروا به من هدم الحائط ورد المحجة إلى ما كانت عليه بعد الإعذار إلى سعيد في مدفع إن كان عنده في شهادة من قبلت شهادته، وبعد حيازتهم للزيادة التي اقتطعها من محجة المسلمين وأحكي لك ما في أحد ذينك الكتابين قبل الباب الذي قرئ عليك أو بعده منه ما قرأ من سؤال أصبغ بن الفرج عن أشهب بن عبد العزيز. قال أصبغ: سألت أشهب عن الرجل يهدم داره، وله الفناء الواسع، فيزيد فيها من الفناء يدخله فيها ثم يعلم بذلك؟ قال: لا يعرض له إن كان الفناء واسعًا رحراحًا لا يضر بالطريق. وقد كرهه مالك رضي الله عنه، وأنا أكرهه ولا آمر به ولا أقضي عليه بهدمه إذا كان الطريق واسعًا رحراحًا، لا يضر ذلك بشيء منه، ولا يحتاج إليه ولا يقاربه المشي، وقال أصبغ في الذي يبني دارًا له، فيأخذ من طريق المسلمين شيئًا يتزيده فهيا، كان ذلك مضرًا بطريق المسلمين أو غير مضر أترك ذلك جائزًا؟ وهل يجوز شهادة مثل هذا. قال أصبغ: إذا كان اقتطاعه اقتطاعًا يضر بالطريق والمسلمين أدخله في بنيانه وكان ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه مسلم ج3، ص 1230 برقم 1610، والحاكم في مستدركه ج 4، ص 329 برقم 7807، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والبيهقي في الكبرى ج 6، ص 98 برقم 11312، والشاشي في مسنده ج 1، ص 243 حديث رقم 203، والإمام أحمد في مسنده ج2، ص 432 برقم 9579.

إدخاله فيما يرى بمعرفة لا بجهالة أو وقف عليه فلم يباله، فلا أرى أن تجوز شهادته ويهدم بنيانه إذا أضر جدًا، وإن كانت الطريق واسعة جدًا كثيرًا، وكان الذي أخذ الشيء اليسير جدًا الذي لا يضر، ولا يكون فسادًا في صغر ما أخذ وسعة الطريق وكثرته فلا أرى أن يهدم بنيانه ولا يعرض له. وقد سألت أشهب عنها بعينها، ونزلت عندنا فكان هذا رأي فيها، وسألته عنها فقال مثله، فهذا رحمك الله قولان مختلفان، كفيانا الجواب وحملاه عنا، ولك الأخذ بأحدهما واختيار أحبهما إليك وأوقعهما بقلبك، ولو ركبت إلى الموضع للمعاينة والتشفي بالروية لكان صوابًا إن شاء الله، فقد ركب القضاء قبلك لما فيه من صلاح المسلمين، فأصلح الله بك على يديك، ونفع المسلمين نظرك. قال القاضي: يحيى بن محمد بن عبد العزيز هذا يعرف بابن الحراز، سمع من رجال الأندلس ثم رحل وحد سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وسمع هناك من جماعة مبصر وغيرها كمحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وغيره، ثم رجع وتوفي سنة سبع وسبعين ومائتين، وكان فاضلاً رحمه الله. وقال سعد بن معاذ: يهدم كل ما اقتطع من سكك المسلمين، ولو جاز لأهل جانب السكة التوسع فيها لجاز لأصحاب الجانب الآخر أن يأخذوا مثله، فإذا بسكك المسلمين قد ضاقت بهم، وإنما السكك من جهة الأحباس التي حبسها المسلمون لمنافعهم، وفي حديث عمر (رضي الله عنه) إذا أمر بهدم كثير الحداد، وهو أقل ضررًا من اقتطاع كثير من طريق المسلمين ما تكتفي به. وقد سئل ابن القاسم عن مسرح مواشي أهل قرية نشط إليه بعضهم ليعمره، فكره ذلك ولم يره لهم، ورأى أن يترك المسرح كما هو، فكيف بمحجة المسلمين التي تخرج عليها عساكر المسلمين إلى عدوهم، وهي مجمع رفاق أمصارهم؟ فأرى أن يقدم الشهود الذين شهدوا فيما اقتطع من المحجة فيحوزونه، ثم يهدم ما اجتمعوا عليه من ذلك بعد الإعذار إلى سعيد في البينة. وإن كان لمثل ما أدخل من المحجة له كراء غرمة المقتطع له، وقد قال الله عز وجل: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} (الزمر: من الآية 18) وينبغي للحكام أن يضربوا الأقاويل بعضها ببعض، فيأخذوا فيها بالأوثق مما قاله أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أو ممن كان

بعدهم إن لم يجدوا في ذلك متقدمًا لأصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) وليس يترك قول صاحب لقول من بعدهم في هذه الأمة. وقال أحمد بن بيطير بمثل قول سعد بن معاذ. قال القاضي: سعد بن معاذ بن عثمان من عمل جيان، سكن قرطبة، ورحل فلقي محمد بن عبد الحكم، وتوفي في جمادي سنة ثمان وثلاث مائة، وأحمد بن بيطير مولى للخلفاء، سمع من ابن وضاح وغيره، وتوفي ضحى يوم الخميس ثاني ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثون ومائة. وقال محمد بن عمر بن لبابة: الذي قاله يحيى بن عبد العزيز وحكاه من الرواية فهو كما حكي، وهي روايتنا، والذي رأيت علماءنا؛ العتبي وغيره، يفتون به ويأخذون به من هذه الروايات بقول أصبغ بن الفرج، وبه أقول. قال القاضي: ابن لبابة هذا أبو عبد الله مولى، ولم تكن له رحلة، وكان من الفقهاء، وقال: أدركت بهذا البلد يعني قرطبة ستة وأربعين مفتيًا منهم ستة عشر رجلاً أكابر جلة، كالعتبي محمد بن أحمد وعبد الله بن خالد وغيرهم، وذكر يومًا ذهاب العلم ومن صار في الشورى يتمثل بهذين البيتين: ذهب الرجال الذين يقتدي بفعاللهم ذ ... والمنكرون لكل أمر منكر وبقيت في خلف يزين بعضهم ... بعضًا ليسكت معور عن معور وكانت وفاته سنة أربع وعشرة وثلاث مائة. وقال خالد بن وهب: الذي أقول به - وفقك الله -: أن من تزيد من طريق السملمين شيئًا، ببنيان أو اغتراص أو غيره، مما يريد اقتطاعه دونهم، فإن السلطان يأمر بهدمه وتغييره إذا ثبت ذلك عنده، وبعد الإعذار إلى من شهد عليه فيما شهد به عليه كان ما تزيد، مضرًا أو غير مضر، كان في الطريق سعة أو لم تكن، لا ينبغي لأحد التزيد من طريق المسلمين وينبغي أن يتقدم في ذلك إلى الناس ويستنهي إليهم: ألا يحدث أحد بنيانًا في طريق المسلمين، وقال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لحداد بني كيرًا في طريق المسلمين فقال: لقد استهضمتم سوق

المسلمين ثم أمر بهدمه، قال ابن وهب. قال اصبغ بن الفرج: وكان ابن وهب أعلم أصحاب مالك بالسنن والأثر الماضي، وهو مذهب ابن القاسم وفتياه في النهي عن الضرر بالطريق وما يغيرها عن حالها مما يرى أنه ضرر، وجر إلى فساد طريق العامة، ولا ضرر – وفقك الله – على المسلمين أكثر من اقتطاع طريقهم وانتقاصها، وقاله سحنون بن سعيد، هذا الذي أقول به، والله أسأله توفيقك. قال القاضي: خالد بن وهب أبو الحسن التيمي مولى تيم يعرف بابن الصغير شوور في أيام الأمير محمد بن عبد الله وفي أول أيام عبد الرحمن بن محمد أمير المؤمنين الناصر لدين الله وولي أمير المؤمنين أول يوم من ربيع الأول سنة ثلاث مائة وفي ليلته توفي الأمير عبد الله رحمهم الله. وقال محمد بن غالب: قرأت الأجوبة التي في هذا الكتاب وفهمت ما رواه أصحابنا في ذلك، والروايات صحيحة معلومة قد رويناها من غير طريق إن شاء الله ورأيت بعض أصحابنا قد ذهب إلى اختيار قول أصبغ أنه لا يهدم على المقتطع من طريق المسلمين ما اقتطع إذا كان الطريق واسعًا رحراحًا، فاختار برأيه ما رآه صوابًا. ولاذي نراه – والله نسأله التوفيق – اتباع قول المتقدمين ومن هو إلى التوفيق أقرب إن شاء الله. والعجب من الذي اختار قول أصبغ، كيف فارق قول عمر المعروف منه المأثور عنه وما علمته أرخص في هذا لأحد قط وما أظن به إلا أنه اجتهد والله نسأله التوفيق، ولقد خرجت عن الأندلس وأصبغ بن الفرج عندي أكبر أهل زمانه لما كان شاهدناه من تعظيم شيوخنا له، فلما دخلت مصر وجدت أهل بلده محمد بن عبد الحكم ويونس بن عبد الأعلى وغيرهما لا يعطونه ما أعطاه رجال أهل بلدنا والأئمة عندهم المقتدى بهم ابن وهب وأشهب وابن القاسم، وقول ابن وهب وأشهب يوجب هدمه، وبه آخذ – والله اسأله التوفيق. ورأيت أصحابنا وفقهم الله قالوا بهدم الحائط اتباعًا لفعل عمر، وقول الشيخين ابن وهب وأشهب وحضروا أن يكون ذلك حتى يزرع ما اقتطع، وأنا أقول باجتهادي إن

الحائط مضروب في غير حقه بإجماع من الشهود الذين شهدوا في ذلك، فهدمه واجب إذ صار جسمه أجمع موضوعًا في غير حق ثم يكون النظر في التذريع من بعد ذلك ليضع سعيد بن السليم حائطه من خلف الحد الذي تحدد له البينة، وهذا إذا كان الإعذار إليه قد انقضى. قال القاضي: محمد بن غاب هذا هو ابن الصفار أبو عبد الله روي عن ابن سحنون وغيره، توفي سنة ست وتسعين ومائتين. وقال أيوب بن سليمان: الذي أقول به وأعتمد عليه ما لا يجوز غيره قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا ضرر ولا ضرار. ومن ضار أضر الله به (¬1) " فلينظر فإن كان ما حدده الشاهدان من هذه المحجة مضرًا بها وتضيقًا عليها هدم ما ضيقها وأعيد إليها ما أخذ منها وإن كان غر ضرر ترك والذي حكم به عمر على صاحب الكير، إنما حمله عند أصحابنا أنه كان ابتنى في موضع ضرر وهكذا روى أصبغ عن أشهب، وأصبغ أكبر في أشهب ممن روي عنه غير ما روي أصبغ. وأما ابن عبد الحكم فإن الذي كان بين أبيه وأصبغ معروف مشهور في المباعدة والبغضاء وأما يونس بن عبد الأعلى فصاحب حديث لا يدخل هذا المدخل والذي أخبرونا عن أصبغ بعلمه وفضله أكبر عندنا ممن وقع فيه بما لا يحل له وهذا فتيا أصبغ وروايته، فمن نظر إليها عرف فضله وعلمه إن شاء الله. قال القاضي: أيوب بن سليمان بن صالح بن هشام المعافري القرطبي كان حافظًا فقيهًا مفتيًا دارت الشورى عليه وعلى صاحبه ابن لبابة في أيامهما، سمع من العتبي وغيره ابتداء بطلب العلم سنة ثمان وأربعين ومائتين وتوفي سنة إحدى وثلاث مائة. وقال محمد بن وليد: قرأت ما جاوب به أبو صالح في هذه المسألة، فقد قال عندي بتوفيق الله وتسديده ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه البيهقي في الكبرى ج 10، ص 133، وأبو داود ج 3، ص 315 برقم 3635، وابن ماجه ج 2، ص 785 حديث رقم 2342، والإمام أحمد في مسنده ج 3، ص 453.

إياه وبما قال في جميعها اقول: إنه لا يهدم الحائط إذا كان فيما بقي بعده من الطريق ما يحمل المارة عليها، وهو رأي أصبغ وأشهب وكلاهما إمام في زمانه وعصره، وما لقيت أحدًا من أهل العلم إلا شاهدًا لأصبغ بالحفظ والنظر والتحرير، وقد شاهدت عبد الأعلى بن وهب وشاوره بعض حكام بلدنا في رجل أدخل أذرعًا من المحجة الآخذة من مسجد متعة إلى مسجد مسرور. فأجاب عبد الأعلى: إن كان فيما بقي من المحجة ما يحمل المارة عليها فلا يهدم على الباني؛ لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "لا ضرر ولا ضرار (¬1) "إلا أن في شهادة الشهود ضعفًا لتركهم أداء شهاداتهم ن يوم رأوا ذلك إلى حينهم هذا وأسأل الله التوفيق، وقال ابن لبابة: الذي حكاه ابن وليد عن عبد الأعلى من قوله كما حكي وقد ذكره لنا قبل ذلك. قال القاضي: محمد بن وليد الأموي أبو عبد الله سمع من العتبي وغيره، ولقي بالقيروان محمد بن سحنون، وبمصر محمد بن عبد الحكم وغيرهم، وكان مداهنًا متهمًا بالكذب ووضع الأحاديث، توفي في ذي القعدة سنة تسع وثلاث مائة وصلى عليه ابن لبابة وخرج الشيوخ – رحمهم الله – في هذه المسألة عن عادتهم في أجوبتهم في غيرها من الموافقة والمسألة، ومتابعة بعضهم بعضًا في الأغلب من أجوبتهم، والأكثر من فتياهم، حتى لا تكاد تجد بينهم خلافًا إلا في يسير من المسائل. وتكلفي في هذه المسألة كل واحد منهم نقل ما قد ذكره الآخر، ولم يتعدوا في ذلك كله ما في سماع ابن الحسن، وسماع أصبغ في كتاب السلطان من العتبية، وأكثرهم تكلفًا لذلك تعنيه لنفسه فيه حتى صار مشتغلا بما لا يعنيه؛ يحيى بن عبد العزيز، فإنه حكي لقاضي جمعهم عند نفسه وكشفه إياهم عن ذلك حتى كأن القاضي قد سها عن ذلك، فذكره إياه، ثم قال: وأنا أحكي لك ما ألفيناه في كتبنا، وهو ما قد سمعته وقرأه عليك أصحابنا من رواية زونان، وما حكوا عن الفاروق وأتى بذلك عنهم، ثم قال: وأنا أحكي لك ما في أحد ذينك الكتابين قبل الباب الذي قرئ عيك أو بعده منه ما جرى من سؤال ¬

_ (¬1) ... الحديث تقدم تخريجه.

أصبغ عن أشهب. قال أصبغ: سالت أشهب، وساق المسألة، وهذا كله قد كان كفاه إياه من تقدمه بفتياه، وصار لذلك جوابه من الحشو الذي لا يحتاج إليه، ومن التكرار الذي لا يعول عليه، وكان يحسبه أن يختار أحد القولين أو يحمل القاضي – كما فعل أخيرًا – على اختيار أحد المذهبين إلى ما في كلامه من المحال، وقبيح نظم المقال ك قوله: وهو ما قد سمعته وقرأه عليك أصحابنا من رواية زونان وأصحابه، لم يقرؤه على القاضي، إنما جاوبوه به كتابًا ومخاطبة، فرآه هو مسطورًا من جوابهم، فلم يقرءوه هم عليه ولا سمعه هو منهم، إنما كان وجهه أن يقول: وهو ما قد جاوبك به أصحابنا مما أفتوك به وكتبوا إليك بنصه، أو يقول: وهو ما قد رأيته وقفت عليه من أجوبة أصحابنا أو ما كان في معنى هذا. وقوله: فأحكي لك ما في أحد ذينك الكتابين قبل الباب الذي قرئ عيك أو بعده، وهذا غير معقول ولا يقع عليه تحصيل لأنه ذلك كتابين، وإنما هو كتاب واحد، وهو كتاب السلطان، وفيه سماع أصبغ وسماع زونان، ثم قال: قبل الباب الذي قرئ عليك أو بعده، فأتى باختلاط هو أشبه بالهذيان منه بالبيان. فإن كان أراد أنه يحكي ما في سماع أصبغ، وعني بالكتابين السماعين، فما الذي دعاه إلى الشك في كون ما يحكيه قبل ما جاوب به غيره أو بعده وهو قد نقل ما في سماع أصبغ على نصه من كتابه؟ ألم ير سماع أصبغ بعد سماع ابن الحسن بعينه؟ فما له ولا دخل الشك في لفظه، ولو تتبعت جواب كل واحد منهم بمثل هذا الانتقاد حتى أنزل الألفاظ منازلها، وأطبق المعاني مفاصلها لطال الكتاب وصرنا إلى الإسهاب، وفيما نشير إليه مقتنع لأولي الألباب. وبالجملة فإن علم أكثر القوم قليل، ونظرهم عليل، وقد تقدم كرنا لما استشهد به ابن لبابة منهم إذ ذلك عنده من كان يشاور معه، والتوفيق من الله لا يهدي إليه سواه، وقد كر ابن حبيب رحمه الله هذه المسألة في كتابه بأحسن مساق، وأعذب الألفاظ، وأبين معان مما وقع في العتبية، ولم يذكر ذلك كل واحد منهم ولا خرجوا عما في العتبية، فدل على مغيب ما في كتاب ابن حبيب عنهم وعزوبه عن ذكرهم، ورأيت نقله إذا فيه تتميم لمسألتهم، وبرهان واضح على علو قدر أصبغ ببلده وفي غير بلده، بخلاف ما توهمه فيه من جهل منزلته من هؤلاء المفتين.

قال ابن حبيب: سألت مطرفًا وابن الماجشون عن الرجل يبني أبرجة في الطريق ملصقة بجداره، هل يمنع من ذلك ويؤمر بهدمها إذا فعل؟ فقالا لي: نعم ليس له أن يحدث في الطريق شيئًا ينتقصه به، وإن كان أبقى من الطريق واسعًا لمن سلكه، قلت لهما: فالرفوف والعساكر تظل على الطريق، هل يمنع من ذلك عاملها؟ قالوا: لا لم تزل هذه العساكر والرفوف يتخذها الناس ويظلون بها على الطريق، فلا أرى أن يمنع أحد من ذلك ما لم يضر بأحد. قلت لهما: فالكشف التي تتخذ في الطريق، ويحفرها الرجل في الطريق بلصق جداره ثم يواريها هل يمنع من ذلك؟ قالا: إذا واراها وغطاها، واتقن غطاءها، وساواها بالطريق حتى لا يضر مكانها بأحد فلا أرى أن يمنع، وما كان من ذلك ضررًا بأحد منع. قال ابن حبيب: وسألت أصبغ بن الفرج عن ذلك، فقال لي مثل قولهما في الرفوف والعساكر والكتف. وقال لي في الأبرجة التي تبنى أن ذلك له أيضًا إذا كان ما وراها من الطريق واسعًا، قال لي أصبغ: وذلك أن عمر بن الخطاب قضى بالأفنية لأرباب الدور، قال لي: فالأفنية دور الدور كلها؛ مقبلها ومدبرها، ينتفعون بها ما لم تضيق طريقًا أو تمنع مارة أو تضر بالمسلمين فإذا كان لهم الانتفاع بغير ضرورة حموه إن شاءوا، ومن اخل منهم في بنيانه ما كان له أن يحميه ببروج تشد داره أو حظير حظره وزاده في داره، لم أر أن يعرض له ولا يمنع إذا كانت الطريق وراءه واسعة منبسطة، لا تضر بوجه من الوجوه ولا تضيق. قال: وأكره له أن ابتداء أن يحظره أو يدخله في بنيانه مخافة الإثم عليه فإن فعل لم أعرض له فيه بحكم ولا أمنعه منه وقلدته منه ما تقلد وقد بلغني أن مالكًا كره له البنيان وأنا أكرهه بديا فإذا فات على ما وصفنا لم أر أن يعرض له فيه. قال لي أصبغ: وقد نزل مثل هذا عندنا واستشارني فيه السلطان وسألني النظر إليه يومئذ، فنظرت فرأيت أمرًا واسعًا جدًا، فجًا من الفجوج، وكان له أيضًا في وجه جداره في القنا محط محظر عن الطريق يجلس فيه، ويجتمع فيه الباعة، فكسره وأدخله في بنيانه، فرأيت ذلك كله له واسعًا، وأشرت به على السلطان فحكم به، وسألت عنه أشهب يومئذ فذهب مذهبي، وقال مثل قولي. فأي دليل أدل على علو شأن أصبغ ببلده من هذا أن لي علو على قوله في هذه

النازلة، ويعمل فيها برأيه، ويعتمد سلطانه في ذلك على نظره وشيخه أشهب بحضرته وموافق له وقد دعوى إلى القضاء ببلده مصر، ثم أدركته مطالبة ممن حسده وغض منه بأنه مولى فلم ينفذ ذلك، وساذكر ما حضرني من فضائله بعد إكمال هذه المسألة إن شاء الله. قال ابن حبيب: وقول مطرف وابن الماجشون فيه أحب إلي وبه أقول، ألا يكون له أن ينقص اطريق والفناء ببنيان يشد به جداره، أو يدخله في داره، وإن كانت الطريق وراءه صحراء في سعتها، لأنه حق لجميع المسلمين، ليس لأحد أن ينتقصه كما لو كان حقًا لرجل لم يكن لهذا أن ينتقصه إلا بإذنه ورضاه، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من أخذ شبرًا من الأرض بغير حقه طوقه يوم القيامه من سبع أرضين (¬1) ". وإنما تفسير قضاء عمر بن الخطاب بالأفنية لأرباب الدور الانتفاع للمجالس والمرابط والمصاطب وجلوس الباعة فيها للبيوعات الخفيفة في الأفنية وليس بأن تحاز بالبنيان والتحظير، وكذلك سمعت من أرضى من أهل العلم يقول في تأويل ذلفك، ثم ذلك ابن حبيب خبر عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – في هدم كير الحداد وأثرًا عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في اقتطاع الأفنية أو الطرق أو الوعيد في ذلك. وفي المجموعة روي ابن وهب عن ابن سمعان أن من أدرك من العلماء قالوا في الطريق يريد أهلها بنيان عرصتها: أن الأقربين إليها يقتطعونها بالحصص على قدر ما شرع فيها من رباعهم، فيعطي صاحب الريعة الواسعة بقدر ما شرع فيها من ريعهم، وصاحب الصغير بقديرها ويتركون لطريق المسلمين ثمانية أذرع. قال القاضي: وهذا أشد مما أنكره منكرهم من قول أصبغ؛ لأن أصبغ كرهه ابتداء ورأى أن تركه لمن فعله إذا كان واسعًا رحراحًا فجًا من الفجوج. وقال ابن أبي زيد في نوادره: قال لنا أبو بكر بن محمد: اختف أصحابنا فيمن تزيد في بنيانه من الفناء الواسع أن يضر فيه بأحد، فروي ابن وهب عن مالك أنه ليس له ذلك، وقال عنه ابن القاسم: لا يعجبني ذلك. ولابن وهب عن ربيعة في المجموعة من بني مسجدًا في طائفة من داره فلا يعجبني ذلك. ولابن وهب عن ربيعة في المجموعة من بنى مسجدًا في طائفة من داره فلا ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه ج 7، ص 468 برقم 3195، والبيهقي في الكبرى ج6، ص 98 برقم 11312 والطبراني في الكبير ج 1، ص 153 برقم 355.

يتزيد فيه من الطريق، وقال مالك: لا بأس بذلك إن كان لا يضر بطريق الناس. وفي كتاب ابن سحنون: سأله حبيب عمن أدخل في داره من زقاق المسلمين النافذ شيئًا، فلم يشهد به الجيران إلا بعد عشرين سنة. قال: إذا صحت البينة فليرد ذلك إلى الزقاق ولا تحاز الأزقة وفي موضع آخر: إن كان ضرر ذلك بينًا ولا عذر للبينة في ترك القايم بلك فهي جرحه، وهذا كله لم يقف القوم عليه ولا بلغته مطالعتهم، ولو علموه لنقلوه وآثروا ذكره وسطره على تكرار بعضهم كلام بعض بما لم يحل منه بطائل ولا جيء فيه بمعنى زائد. وقول محمد بن غلاب: والعجب من الذي اختار قول أصبغ كيف فارق عمر وهو أعجب مما تعجب منه؛ لأنه تلم بغير تدبر وأنكر قبل أن يفكر؛ لأن قول أصبغ قد رواه عن أشهب فصار مختار ذلك مختارًا لقولهما، وقد أقر ابن غالب في جوابه ذلك بإمامة أشهب، فقد سلم لمخالفه أنه اختار قول إمام هذا الاحتجاج عليه من كلامه، ولو أنكر إمامه أشهب لم يكدح ذلك في إمامه أشهب، ولا في فقهه ورسوخه وتقدمه، كما لم يكدح قوله في تقدم أصبغ عيه، ومجاراته لشيوخه في العلم وانتقاده عليهم في كثير من المسائل. أعرب أبي غالب بذلك الكلام عن جهل نفسه، وسجل عليها باتابع كله ناعق وبارتفاع الحقيقة عنده في العلم بأصبغ وعلمه وتقدمه، وحصل في الطائفة المذمومة المذكورة في تفسير علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – الناس حيث قال: الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، الحديث. وقول أصبغ وروايته عن أشهب ينضاف إليهما ما ذكره ابن سمعان عمن أدركه من العلماء، ويوشك أن يكونوا من التابعين، مع اختلاف قول مالك في هذا الأصل. ومن استظهر بهذا كله في جوابه لا يشنع عليه مخالفة عمر – رضي الله عنه – لأن هؤلاء كلهم لم يخالفوه إلا إلى أصل، ولا اجتمعوا على القول به إلا عن علم، مع أن حديث عمر وجواب أصبغ ومن وافقه مختلفًا المعنى في الظاهر؛ لأن المعهود في طرق الأسواق وأزقتها الضيق في مساحتها فمنع عن أن ينتقص منها، وهي مجتمع للناس فهم محتاجون إلى حيث يجولون ويتصرفون. وكذلك في حديث عمر أنه قال، حين أمر بهدم الكير: تضيقوا على الناس السوق

والطريق، في مسألة أصبغ كان واسعًا ظاهر الاتساع، غير مضر بالمارة فكان الاستحسان عنده لمن يريد مثل هذا الطريق أن يترك لئلا يفسد عليه ما بني ويذهب إنفاقه باطلاً، ولعله كان مضطرًا إلى ذلك لضيق ساحة داره، وتقصيرها عما يقوم به في مسكنه، فالمختار لقوله على هذا غير مخالف بل مجتهد في النظر واضع للاستحسان في موضعه، والله ولي التوفيق. ولما لم يجد ابن غاب عند نفسه علمًا يورده ولا برهانًا على مخالفة يعضده قام مقام الحصر فهذي وخرج عن ذلك المعنى، كما اعترى مصعب بن مقاتل أخو حيان بن مقاتل، خطب خطبة نكاح فحصر فقال: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فقالت له أم الجارية: الهذا دعوناك؟! عجل الله موتك. وحضر عبد الله بن عامر على منبر البصرة فشق ذلك عليه، فقال له زياد: لا يشق ذلك عليك أيها الأمير، إنك إن أقمت أكثر من ترى عرض لهم ما عرض لك، فقيل لرجل من الوجوه: قم فاصعد على المنبر وتكلم، فلما صعد حصر فقال: الحمد لله الذي يرزق هؤلاء ويكسوهم، وبقي ساكنًا فأنزله، وصعد آخر فلما استوى قائمًا وقابل وجوه الناس وقعت عينه على صلعة رجل، فقال: اللهم العن هذه الصلعة. ومثله كثير. وكذلك ابن غالب سئل عن مسألة لم يكن عنده فيها إلا ما قد جاوب به غيره فعدل إلى الغض من العلماء، وظن أن ما سمعه من محمد بن عبد الحكم، ويونس بن عبد الأعلى في أصبغ بن الفرج – رحمه الله – بعض منه ويكدح يه، وهيهات هيهات من ذلك، ولم يعلم أن ابن وهب قال: لا تجوز شهادة القارئ على القارئ يعني العلماء لأنهم أشد الناس تباغيا وتحاسدا، وقاله الثوري للبغي والمنافسة ومن طريق المحاسدة، قال القطان وابن مهدي: سمعناه يقول: ما أخاف على دمي إلا الفقهاء والقراء. زاد غيرهما: ممن أصحابي. قال القاضي: هكذا نصه في المبسوطة وأين محمد ويونس من أصبغ، وفي أصحاب أصبغ المتفقهين عليه الحالمين عنه المقدمين له مع كبار أصحاب مالك من يساويهما أو يشف عليهما، مثل عبد الملك بن حبيب، ويحيى بن إبراهيم بن مزين، بالأندلس، وابن حبيب عالمها، كما قال ابن لبابة، بل قاله عنه سحنون لمانعي له ابن حبيب قال: مات عالم بالأندلس، بل والله عالم الدنيا. ذكره الزبيدي عنه في كتاب النحويين له وهو يقول في غير مسألة من

الواضحة إذا كان فيها تنازع: قال هذا كبار أصحاب مالك/ المغيرة وابن دينار وأشهب وفلان وفلان وأصبغ فيجعله معهم ويسميه في جملتهم. ومن كبار أصحابه المشهورين محمد بن إبراهيم بن المواز عليه وعنده تفقه على جلالته وتدقيقه للمسائل وتنقيحه، وأبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم الأندلسي صاحب الثمانية معولة فيها عليه وعلى مطرف وابن الماجشون، ولو لم يحمل عنه إلا بعض هؤلاء لكان منقبة لا يخفي سبقه وتقدمه معها وأني للمذكورين مثل هذه الدرجة. اما محمد فإن ابن حبيب وابن المواز قد ساويا بين أبيه وأصبغ في حملهما عنهما وتفقهما عندهما، ومحمد أكثر علمه عن الشافعي محمد بن إدريس، حضه أبوه عبد الله بن عبد الحكم على الاختلاف إليه والأخذ عنه والتعويل عليه ومع ذلك فمحمد بن عبد الله فقيه كبير محسن، وأما يونس بن عبد الأعلى فلا ذلك له في هذا المعنى، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وقال فضل بن سلمة راسخ المذهب في وقته وبعده: أخبرني يوسف بن يحيى المقامي، عن عبيد بن سعيد، قال: قدمت على أصبغ بن الفرج، فلما حان توجهي إلى المدينة كتب معي إلى عبد الملك بن الماجشون يسأله أن يجيز له كتبه، فلما قدمت عليه أعلمته بكتابه إليه وهو يومئذ قد كف بصره، فقال لي: اقرأه فلما قرأته. قال لي: اكتب إليه: أشخص للعلم إن كنت تريده فإنما العلم لمن شخص إليه. قال: فذاكرته حال أصبغ، فقال لي: ما أخرجت مصر مثل أصبغ، قال: قلت له: ولابن القاسم؟ قال: ولا ابن القاسم. قال عبيد بن سعيد: كلفًا من ابن الماجشون بأصبغ. قال فضل: وأخبرني يوسف، عن يحيى بن إبراهيم، قال: لما قدمت على أصبغ سلمت عليه وهو محتب، فأخرج يده من تحت حبوته، وكنت أعرف مروءة أصحابنا بالأندلس، فقلت في نفسي: لقد ضاع سفري إلى هذا الرجل، ثم جلست فلما خاض في العلم، قلت في نفسي: ما يضرك لو أخرجتها على طوقك، يعني يده. وقال يوسف: قال ابن مزين: أو غيره من أشياخنا: مرض أشهب فدخل عليه عواده، وفيهم أصبغ، فلما خرج من عنده قالوا: يا أبا عمرو من لنا بعدك؟ قال: هذا الخارج عنا، وأخبرنا يحيى قال: كان ابن وهب يقول: يا أصبغ، لولا أن يكون بدعة لسورناك كما تسور الملوك فرسانها.

قال القاضي: هذه هي الشهادة القاطعة لتعظيم أصبغ لا قول حاسد باغ، وكله غاب عن تحصيل ابن غالبن ولم يكن في علمه، وقال في جوابه: ورأيت أصحابنا قالوا بهدم الحائط إلا أنهم شرطوا. حتى يذرع ما اقتطع. وأنا أقول باجتهادي: أن الحائط مضروب في غير حقه بإجماع من الشهود، فهدمه واجب إذ صار جسمه أجمع موضوعًا في غير حقه، ثم يكون التذريع من بعد مصحف اللفظ والمعنى. فأما اللفظ فقوله: حظروا الهدم حتى يذرع لأنهم لم يذكروا تذريعًا، إنما قال بعضهم: يهدم بعد سير الشهود إلى الموضع وحيازتهم إياه وهذا هو الفقه بعينه والعمل الذي لا يجوز الحكم بغيره، كما أنه لا يقضي القاضي بما شهد فيه وثبت عنده من الأصول للمشهود له إلا بعد حيازة الشهود لذلك، وبعد الشهادة والحيازة يكون الإعذار وبه جرى العمل، وقد تقدم هذا في صدر الكتاب، والحمد لله، وأصلح هذه الأجوبة جواب أبي صالح، ومن وافقه. ذلك هدم الحائط على الحاجب ابن السليم: إنما تركنا التسجيل في الحائط الذي هدم سعيد بن السليم خروجه به على المحجة، فإن ذلك شيء اختلف فيه أهل العلم علينا، فذهب بعضهم إلى ألا يهدم، وكثر في ذلك بالعلل، فلما اختلفوا كان عند القاضي في علمه أنه قد خرج ولا يعرف القدر، ولمي يجز أن يحكم بعلمه فلما شهد به عنده رجلان يعرفهما إلى علمه، وزادا في معرفة الحيازة رأي إمضاء الهدم. والأخذ في ذلك بقول من رأى هدمه اجتهادًا منه، ورد ما أخذ من الطريق وترك التسجيل لقول من لم يرد الهدم فتوسط أقاويلهم، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "خير الأمور أوسطها (¬1) " وجائز للحكم أن يتوسط فقد جاء عن عمر بن الخطاب أنه أتى بامرأة زنت فكشفها فقالت: زنيت بمرغوش بدرهمين، تستهل بالزنا مع رجل سمته بمرغوش فكشف من حضره، فقال له علي وعبد الرحمن بن عوف: نراها تستهل بالزنا فعليها الرجم، فقال ¬

_ (¬1) ... ضعيف: الحديث أخرجه البيهقي في الكبرى ج 3، ص 273 برقم 5897، وأبو نعيم في الحلية ج 2، ص 286.

لعثمان: ما تقول؟ فقال: قد أفتاك أخواك، فقال له: لتقولن، فجلس على نفسه وكان مضطجعًا فقال: تراها تستهل بالزنا، كأنها لا تعرفه وإنما الحد على من عرفه، فقال عمر: أجل إنما الحد على من عرفه وضربها مائة قاله محمد بن غالب. ركوب القاضي مع الفقهاء إلى معاينة حائط فيه تنازع: وقنا مع القاضي - وفقه الله وسدده - إلى الدارين اللتين فيهما عيسى بن دينار وأمينة وحواء ابنتا إبراهيم بن عيسى في الترس الحاجز بين داريهما بغربي دار المرأتين، وبشرقي دار ابن دينار، فرأينا عضادة في جبهة الترس إلى الجوف على الشارع، وعلى العضادة على الحائط الذي من دار المرأتين على نحو الشير. ورأينا هذه العتبة عتبة موصولة بعضها بالية إلى ناحية دار المرأتين وقد خرجت الجديدة نحو الترس الذي تنازعا فيه على قدر العضاة أو خارج قدر أربع أصابع دون العتبة البالية إلا أنها أخذت عرض الترس، وفي طرف هذا الجديدة الكلب الذي يجب عليه الرف، وسمعنا الشهادات الواقعة للمرأتين بأن الترس من داريهما إلى ما رأينا عيه من رف خارج على الترس نحو الذراع، يدل على أن الترس للمرأتين مع عقد الطابية العليا التي تحت السقف. فيجب - والله الموفق للصواب - أن يترك عتبة ابن دينار الباية كما هي، وينزع الكلب الخارج الذي فيه الترس الذي شهد فيه، ويقطع من العتبة الجديدة بحيال الترس لا يزاد عليه، ويدخل فه مكان الخشب طوب، ولا تمنع المرأتان من الانتفاع بحائطهما في أعلاه وأسفله. ولا يمس من عتبة ابن دينار البالية شيء إلا أن يكون عند ابن دينار في الشهود الذين قطعوا بأن الترس للمرأتين مدفع، فينظر القاضي وفقه الله في ذلك بما يريده من الحق إن شاء الله. فإن كان في مدفعه ما يسقط الشهود ويستحق به الترس لإقامته البينة على ذلك، ولم يكن للمرأتين في ذلك مدفع حكم بالترس لابن دينار، وإن لم يكن في مدفعه ما يستحق به الترس ويسقط به الشهود فإن للمرأتين حجة في الترس بالعقد الظاهر فيجب لهما مع أيمانهما. قال بذلك عبيد الله بن بيحيى، ومحمد بن لبابة، ومحمد بن وليد وسعد بن معاذ، ويحيى بن سليمان، وأحمد بن يحيى.

قلتم أكرمكم الله: أن المرأتين تستحقان الترس بعد أيمانهما، مع العقد الظاهر، ولم يأت ابن دينار بأحد يشهد له على الترس ولا بمدفع إلا ما قد عرفتم في أهل المسجد وشكيته بهم، وقد انصرمت الآجال في أهل المسجد وغيرهم، فهل يجب نزع ما ذكرتم في كتاب المشورة من الكلب ووصل العتبة الجديدة وما عليها من الرف على ما لخصتم في كتاب المشورة لو لم يشهد للمرأتين شهود من غير أهل المسجد مع يمينهما والعقد الظاهر الذي ذكرتم؟ أم لا يجب ذلك إلا بالبينة التي شهدت من غير أهل المسجد؟ أوضح لنا رحمك الله ما أرادته من ذلك. قال محمد بن لبابة: فهمت – أكرم الله القاضي، والشورى صحيحة إن تدبرتها وإنما قلنا: إذا تمت للمرأتين شهادة الشهود الذين شهدوا تم لهما ما قلنا من نزع الكلب في الوصل، وإن سقطت شهادتهم بما شكي من عداوتهم له وتظاهرهم عيه عادت المرأتان في الفتيا إلى ما قاله أهل اعلم أن الترس الذي له العقد، وبقول ابن الماجشون وأشهب: مع أيمانهما. ويترك ما وجد فيه كما وجد لا يقلع، وليكن – أكرمك الله – رأيت من الرف والعتبة دليلا واضحًا ما يثبت به للمرأتين الترس ولا يقلع ما وجد فيه لابن دينار إلا ببينة تقطع، إلا فحسب الفريقين أن يتركوا على أن الترس للمرأتين وفيه لابن دينار خشب، ونسأل الله توفيقك وتسديدك على ما قلدك. من أحد درجًا في داره وبلصق جاره وأدخل فيه خشبًا ومطبخًا يؤذيه دخانه: قام عند الوزير صاحب الأحكام بقرطبة محمد بن الليث بن يحيى بن جعد بن مضح، وهند على إشراق مولاة محمد بن حي وقالا: إنها أحدثت في دارها بلصق الحائط الجوفي من دارهما التي بداخل مدينة قرطبة بالموضع المعروف بالتحيل بحومة مسجد أبي رباح درجًا يصعد عليه إلى غرفة لها وأن ذلك يضر حائطهما، وإنها أدخلت أطراف عتبتين في غراب مجلس دارهما وأطراف فرش غرفة أحدثتها لمطبخ دارها، وقالا: إن دخان هذا المطبخ يؤذي ساكني دارهما. وأنكرت إشراق الأحداث، وأقرت لهما بالحائط، وثبت عنده إقرارهما وأن الغراب من حقوق دارهما وأن ملكهما مع سائر الدار لم يفوتا شيئًا من ذلك في علم شهدائه وحيز ذلك، وشهد عنده ابن الندى أنه يعرف الحائط المذكور منذ نحو عشرين عامًا لا درج

بجوفيه وأن الغراب لمي يكن يتعلق منه فرش غرفة ولا العتبتان، وشهد عنده آخر بمثل ذلك في الفرش والعتبتين وقبلهما، وحازا ما أنفقا عليه وأعذر فيه إلى إشراق فأظهرت عقد استرعاء، فيه أن شهوده يعرفون الدرج والفرش والعتبتين على الهيئة التي هي عليها منذ نحو ثلاثين سنة وشهد به شهيدان، وقبل أحدهما وتوقف الآخر وشاور في ذلك. فجاوب ابن عتاب: قرأت ما خاخبتنا به وأدرجت طيه، وإذ قد ثبت عندك ما ذكرت، ولم يثبت عندك ما أظهره من إيه أعذرت مما ذلك في عقد الاسترعاء الذي شهد عندك فيه شاهداه وعرف أحدهما ولم تعرف الآخر لالقضاء بتغير ما أحدث واجب، وإزالته وإعادة الحال على ما كانت عليه أولا لازم، واليمين تضعف عن يحيى وهند، فأنفذ ذلك من نظرك موفقًا للصواب إن شاء الله عز وجل. وجاوب ابن القطان: يا سيدي، تصفحت خطابك وما أدرجته والجواب المتقدم على ذلك صحيح إلا أن اليمين على القائمين مختلف فيها على ما اختلف فيها أهل العلم في البينة إذا لم تقبلن هل هي شبهة في وجوب اليمني أم لا؟ فالذي رواه ابن القاسم عن مالك، أنه ليس بشبهة، وروى أن ذلك شبهة. وأرى في هذه المسألة أن ذلك شبهة، واليمين واجبة، ثم يغير المحدث والله عز وجل الموفق للصواب، والملهم إلى الرشاد بفضله. وجاوب ابن مالك: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يا سيدي ووليي، ومن وفقه الله وسدده وأرشده فيما تقلده شهادة ابن الندي وصاحبه إذا لم تفد فائدة عندي ولا بأثير لها في رأي بلا شك والاسترعاء الذي يه دافعت إشراق لم يثبت، وقد ثبت الجداران لابني مضم، فالبينة على من أدعى واليمين على من أنكر، والمدعية إشراق تكلف البينة بقدم ذلك الضرر، وقد عجزت عنها، فاليمين على القائمين يحلفان بما ينفي ذلك عنهما ويزاح ذل عن حائطهما ولهما رد اليمني. حملنا الله وإياك على الصواب برحمته والسلام. قال القاضي: تكلمت مع ابن مالك بعد ذلك في وجه سقوط شهادة شاهدي القائمين، فقال:

إنما رأيت سقوط شهادتهما لأنهما شهدا بمدة طويلة من آخر معرفتهما الجدار لا عتبتين ولا فرش فيه، ويحتمل أن يكون الإحداث من حينئذ فكان يستحق بالقدم؛ إذ ليس من الضرر المتزايد كدخان الفرن وضرر الدخان وشبهه إن أثبت القائمين علمًا بذلك في هذه المدة كلها، قلت له: فإن القائم: لا أدي متى أحدث، قال: يحلف على ذلك أنه محدث ولا أدي متى أحدث. وسئل ابن القطان عن اليمين المذكورة في جوابه كيف تكون؟ فقال: يحل القائمان في مقطع الحق: إن ذلك محدث وإن إشراق أحداثته، ثم يهدم عنهما، وسكت عن ذلك الدخان إذ لم يثبته القائمان، وسيأتي الكلام فيه وفي غيره إن شاء الله عز وجل. من ادعى أن هذا بنى على حائط متعديًا: فهمنا – وفقك الله – ما قاله أحمد بن محمد بن الوليد بن غانم، من تعدى أحمد بن قاسم عليه في حائط له، وامتداد أعوانه إلى البنيان على حائط، فالذي نرى أن يأتي هذا القائم أحمد بالبينة أو بشاهد عدل أو شبهه يجب بها عقل هذا الباني حتى يتم عندك إثبات ما ذكره. قال بذلك عبيد الله بن يحيى، وقال: وإن أرسل القاضي لامتحان ذلك بمن يثق به مجس، وقال بذلك ابن لبابة، وسعد بن معاذ، وابن وليد، ويحيى بن سليمان، ويحيى بن عبيد الله، وأحمد بن بيطر، ومحمد بن عبد الملك بن أيمن. قال القاضي: محمد بن عبد الملك بن أيمن من أهل قرطبة، فقيه مشاور، حافظ لمذهب مالك، سمع بالأندلس من ابن وضاح وغيره، ورحل فدخل الأمصار وحمل عن جماعة من علمائها، وقد استغنى به القاضي الحبيب ابن زياد في ولايته الأولى عن ابن لبابة وأبي صالح ودارت الفتى يومئذ عليه، وتوفى في شوال سنة ثلاث وثلاثين وثلاثة مائة وكان مولده مستهل ذ الحجة سنة اثنين وخمسين ومائتين. هدم سعيد بن مجاهد لبيتي محمد بن خالد: شهدت بينة لمحمد بن خالد أنهم حضروه، يقول لسعيد ابن مجاهد: ما دعاك لنقضي بيتي الذي بقرية فلان، وأخذ خشبهما وعتبهما وقرامدهما؟ فقال سعيد أبوك أذن لي في ذلك، ولم يدع شيئًا غير هذا الإذن الذي زعم، وثبت ذلك من قوله عند السلطان وأعلمه بثبوته، فادعى أن عنده مدفعًا لما لم يشهد به عليه، فضرب له آجالاً واسعةً وتلوم عليه

وانصرمت الآجال، ولم يأتي بشيء فعجز. ودعاه الخصم إذ ظهر عجزه إلى رد ما نقض من ذلك وإعادته إلى مثل حالته، وأنصف ما نقص ليقام بتلك الصفة أو يأخذ بقيمة ذلك فنكل عن الصفة وادعى الجهل بها لددًا وتركًا عن الحق، وزعم أنه باعه ولم يحضر نقضه، فدل هذا من قوله أيضًا على باطله ومحكه وهل يبيع الإنسان إلا ما تثبتت معرفته ولا يجهله؟! فهل ترى رحمك الله للسلطان أن يجبره ويشتد عليه في الصفة بالحبس والجلد، ثم يحلفه عليه إذا كان المتعدي عليه جاهلا بالصفة، فقد رأى مالك في الخصم إذا كان ملدًا ظالمًا أنه يجلد، فيكيف وقد ظهر من هذا التعدي واستحق قبله مع لدده لادعائه الجهل لما يعرف أنه يعرفه، ولا يقع اسم الجلد إلا على الظهرز الجواب: في هذا المتعدي الجاهل في صفة ما تعدى فيه واستهلكه أن يقال له: يصح في معقول كل سامع منك ما حكيت من التجاهل أنك لا تنقض إلا ما أحطت به بعيان، وهربك عن الصفة لدد وللملد حكم، قال به أهل العلم من حمل السوط عليه حين تبين لدده فإن وصف صفة وازدجر بالأدب عن التجاهل غرم قيمة ما استهلك. وإن مضى في تجاهله ولم يزعه عن باطله حمل التأديب عليه وكان المتعدي عليه يحيط بمعرفة ما استهلك له وصف ذلك وأغرم هذا قيمة الصفة مع يمينه على الصفة، وإن ادعى أيضًا جهلا في الصفة فهو في ذلك أعذر من المتعدي أقرب عهدًا بما تعدى فيه. ولست أقول أن هذا تعذر لمعنى واحد أرى عليه أدبًا في تجاهله بما يشهد الذهن على معرفته، وأدبًا بما اجترم من التعدي الذي لا يجب أن يسوغه أحد، وإذا تجافى الحكم عن تغيير مثل هذا ذهبت الحقوق، واجترأ الملد على إصراره على اللدد، وإذا جهلت الصفة بتجاهل الفريقين أخذ له أوسط قيمة ما يستدل عليه من وجه لمعاينة الموضع ومعرفة قدر ما كان فيه وإن كانت العين غائبة؛ لأنه إذا أخذ في ذلك بأوسط القيمة فكأن العين قومت إن شاء الله. قال بذلك كله محمد بن غالب، وأيوب بن سليمان، وقال به يحيى بن عبد العزيز إلا ما ذلك من السوط فقد يكون الأدب بالحبس وبما هو دون السوط، وقال عبيد الله بن يحيى إلا أن يتبين للقاضي عن لدده ما يجب ضربه بالسوط، وقال ابن لبابة لا أقول بشيء

في هذه المسألة. قال القاضي: قد تقدم من ذلك الروايات في عقوبة الملد ما فيه كفاية إن شاء الله. فيمن صب ماء جداره على حائط جاره: فهمنا – وفقك الله – ما قاله سليمان وأحمد مما أراده مشتري العرصة التي تجاور جنان نسائهما من رفع حائط على حنان نسائهما وكراهة نسائهما لذلك، وما ذلك عن المشتري من أنه يقول: إن العرضة كانت مبنية، وكان ماء بنيانها ينصب لي الجنان، فالذي يجب أن يمنع المشتري من صب ماء حائطه في هذه الحنان حتى يثبت أن ذلك حق له واجب تشهد به البنية، وذك بعد أن يثبت توكيل نسائهما على المخاصة عنهما يه. قاله ابن لبابة. مسائل في الرفوف: كتبت إلى شيوخنا بقرطبة في شعبان سنة ستة وخمسين وأربع مائة أسألهم عن دارين متجاورتين لرجلين، وبين الدارين حائط لأحد الرجلين، وله على الحائط رف، وقد خرجت أكلبه إلى داره، فأراد صاحب الرف أن يبني على أطرافه الأكلب حائطًا بأجر أو غيره، ويرفعه لحجة أو غرفة يريد ابتناءها فمنعه صاحب الدار، وقال الهواء لي لأنه لإزاء هواء داري، وإنما لكل إخراج الرف إلى ناحيتي لا غير؛ وكيف إن أراد صاحب الرف إزالته ورفع حائطه وإعادة الرف عليه على ما كان، هل له ذلك؟ فكتب إلى ابن عتاب: ليس لصاحب الرف ما أراد من البناء على أطراف الأكلب ويمنع منه، وإنما يملك الهواء من ملك قاعته، وله رفع الحائط وإعادة الرف عليه على نحو ما كان في الخروج. وكتب ابن القطان: لصاحب الرف أن يبني على أطراف أكلبه ما شاء ولا يمنع من ذك ولا من أعلى حائطه من غير ضرر إلا من الريح والضوء وشبهه فليس بضرر. وكتب ابن مالك: يمنع صاحب الرف مما ذهب إليه إلا أن يأذن له معترضه. وكانت جرت بطليطلة بيني وبين موسى بن السقاط قاضي وادي الحجارة،

وجوب ابن القطان عندي أشبه، والله أعلم بالوصواب، وفي كتاب ابن سحنون من سؤال حبيب: وعن رف لحظور خارجة الرجل إلى دار جاره، ولا قصب عليه فأراد أن يضع عليه القصب فمنعه جاره، قال سحنون: ليس له منعه وإنما وضعت الحظور لهذا، وقال فيمن له رف خارج إلى دار جاره فبنى جاره جدار الرف جاره، وأراد أن يعلي بناءه على الرف: ليس له أن يبني فوقه؛ لأن صاحب الرف قد مل سماءه. قال القاضي: وهذه تدل عندي على ما ذهب إليه ابن القطان، وقال سحنون في جواب حبيب، من أراد أن يطر حائطه من دار جاره فمنعه، قال: ليس له منعه أن يدخل داره فيطل حائطه، وكذلك لو قلعت الريح ثوبًا عن كتفي رجل فألقته في دار رجل لم يكن له أن يمنعه من أن يدخل فيأخذه أو يخرجه إليه. تعليق البنيان من حيطان الجوامع والمساجد: كتبت بذلك في شعبان سنة ست وخمسين إلى قرطبة: هل يجوز تعليق حوانيت من حيطان جامع بلدة وكون الحوانيت محبسة عليه أم يترك ما حوله رحابًا؟ وهل لمن جاور مسجدًا أو جامعًا أو يغرز خشبة في جداره قياسًا على جدار جاره؟. فكتب إلى ابن عتابك كان الشيوخ – رحمهم الله – لا يمنعون من العليق من المساجد إذا كان التعليق لا يضر بها واتصلت بالدور والدور بها كان ذلك لدار المسجد أو لتلك الدار ولمن جاورها أن يغرز خشبه فيها إذا لم يضر بها ولا يمنع من ذلك. وأما الجامع فلا تعلق منته جوانب إذا كان ما حوله فناء له لأنه منع للصلاة عند ضيقه أو لإمساك دواب المصلين وفيه تقييد لحاله، وهذا شأن الجوامع، وكان من حجة الشيوخ في ذلك حديث النبي (صلى الله عليه وسلم): "لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره (¬1) " ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه مسلم ج 3، ص 1230 برقم 16099، والترمذي ج 3 من 635 برقم 1335، والبيهقي في الكبرى ج 6، ص 68 برقم 11155، والإمام الشافعي في مسنده ج 1، ص 224، والإمام الشافعي في مسنده ج1، ص 224، وأبو داود ج 3، ص 314، وابن ماجه ج 2، ص 7839 برقم 2335، والإمام أحمد في مسنده ج 2، ص 230، برقم 71545.

الحديث. فحملوا أمر المسجد على ذلك ولو جاور الجامع دار رجل لكان الحكم فيه كذلك، فإذا لم يجاوره أحد فلا يعلق منه شيء، ولم يتكلم الشيوخ في الجامع وإنما ذلك اجتهادي على قولهم والله أسال التوفيق. وقال ابن القطان: منع من غرز الخشب في جدار المسجد إن شاء الله عز وجل. وقال ابن مالك: لا تعلق الحوانيت في جدار المسجد بحال، ولا لمن جاور مسجدًا أن يغرز خشبة في جداره البتة، وذلك بين والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. من ابتاع دارًا أحدث عليها باب أو غيره فأراد مخاصمة محدثه فيه: كتب من يباسة قبل سنة أربع وأربعين وأربع مائة في رجل له دار ظهرها في زقاق لقوم غير نافذ، ففتح الرجل باب داره إلى هذه الزقاق، وبقى كذلك نحو ثلاثة أعوام، ثم باع القوم دورهم فأراد مبتاعها إغلاق هذا الباب المحدثن واحتج بأن ذلك قد كان للبائعين منه القيام به وأنه تدخل محلهم. فجاوب ابن عتاب: ليس للمبتاعين فيه كلام ولا اعتراض وإنما الكلام فيه للبائعين، فإذا لم يفعلوا حتى باعوا فهو رضي منهم إن شاء الله عز وجل. وقال أحمد بن رشيق: فقيه المرية مثله. وقال ابن مالك: روى ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ أنه لا كلام للمشتري في ذلك إلا أن يكون البائعون باعوا، وقد خاصموا في ذلك وعلى أن ليس له ذلك تدل المدونة يوجد ذلك في النكاح الأول منها. قال القاضي: يريد مسألة العبد ينكح بغير إذن سيده، ثم يبيعه ولم يعلم بنكاحه، فيريد مبتاعه فسخ نكاحه. قال ابن القاسم: قد سمعت عن مالك فيه شيئًا ولست أحقه وأرى أنه ليس لمشتريه أن يعترض فيه إلا إنه مخبر في إمساكه كذلك، أو رده على بائعه فإن رده فلبائعه فسخ ذلك النكاح أو إجازته.

وفي العتبة في سماع اشهب وابن نافع عن مالك في كتاب الأفضية ما يدل على خلافه، وكذلك في وثائق المعروف بالملون: أن للمبتاع القيام تعلى محدث الضرر على الدار التي ابتاع وكأنه وكيل للبائع في ذلك. وفي مسائل حبيب بن نصر: سألت سحنون عن الزنقة غير النافذة لأقوام، وفيها أبواب دورهم، ودبر دار رجل إليها وليس له فيها إلا حائط دبر داره وكيف قديم في الزنقة يلصق هذا الحائط، وللكنيف قناة تخرج من هذه الدار التي ليس لها في الزنقة إلا هذه الكنيف، وهو مغطي والقتاة لم تجر فيها شيء منذ زمان، فأراد صاحب الدار فتح هذه القناة إلى الكنيف، ويجري فيها العذرة فمنعه أهل الزنقة، فقال: ليس لهم منعه إلا أن يدعو الكيف فيكشف عن دعواهم. فأما إن لم يدعوه فهو لصاحب الدار بهذه الرسوم والآثار التي تدل على أنه لصاحب هذه الدار، قلت له: فإن كان قد باعها فقام المشتري يطلب كنس الكنيف وعمارته فقال له من ذلك ما كان للبائع صاحب الدار ويقوم مقامه، وهذا مثل ما في الوثائق وقال فضل على مسألة ابن حبيب: انظر هل يجوز هذا البيع على قول غير ابن القاسم على أن يكون على خصومته. إحداث فرن بقرب دار: أثبتت عاتكة عند الوزير القاضي بقرطبة أبي علي حسن بن محمد بن زكوان أن عبد الرحمن أحدث بقرب دارها فرنًا يؤذيها دخانه، وأعذر إليه فعالج ضرر قطع الدخان عنها، وأثبت ذلك عند القاضي، فاعترضت عاتكة بأن كون الفرن بقرب دارها ضرر عليها؛ لأنه يحط من ثمنها، وأثبت ذلك فجمع القاضي الفقهاء إلى مجلسه وشاورهم في ذلك. فأفتى ابن عتاب: بأنه لا كلام لعاتكة فيما ذكرته من حطيطة ثمن دارها لقرب الفرن منها إذ قد ارتفع ضرر الدخان عنها، قال لي ابن مالك: ووافقته على ذلك. وأفتى أبو مطرف بن جرج وغيره: أن ليس لعبد الرحمن أن يحدث على عاتكة ما يعيب دارها، وافقه على ذلك محمد بن سعيد أبي زعبل، فلما افترقوا من عند القاضي كتب إليه أبي زعبل محتجًا لقوله، وقول

ابن جورج ومن وافقهما: سيدي ووليي وعدتي، ومن أدام الله نفعه، وأبقى بركته، جمعت الفقهاء في دارك عمرت بك، وشاورتنا فيما ثبت عندك لعاتكة من ضرر الفرن الذي أحدثه عبد الرحمن متصلا بدار عاتكة، وثبت عندك أن ذلك مضر بدار عاتكة، ثم أثبت عندك عبد الرحمن أنه قطع الضرر عنها. ثم أثبت عندك أيضًا عاتكة عقدًا ثانياً أن الفرن المحدث بلصقها ضرر وعيب كبير لاحق بدارها يحط من ثمنها، لقرب الفرن من دارها ولما يتوقع من وقوع النار في الأفران على العادة المفروفة فيها، وأنها لا تجد إن ذهبت إلى البيع من يبتاع منها الدار إلا بحطاط كثير من ثمنها. فجاوبه فيه الفقهاء أبو المطرف بن جورج – سلمه الله – ومن تبعه على مذهبه: أن ليس لعبد الرحمن أن يحدث على عاتكة ما يعيب دارها، ويوقعها تحت ضرر ما تتوقع في الأفران من النيران على العادة في ذلك، واحتجوا فيه بقول الله تعالى: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} (الأعراف: من الآية 85) وبقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "لقد أوصاني بالجار حتى كاد أن يورثه (¬1) " ومن ذهب إلى أن يحط من ثمن داره بإصلاح ما له فهو غير آخذ بما أمر الله به، وحض الرسول عليه السلام عليه. ومما يبين ما تقاله الفقيه أبو المطرف، ومن تبعه على قوله ما روي عن الرسول عليه السلام من قوله: "لا ضرر ولا ضرار (¬2) " والضرر عند أهل العلم أن تضر نفسك لتضر بغيرك، فكيف بمن أصلح مال نفسه بإفساد مال جاره وقد أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، في حديث طويل في حجة الوداع، إذ جعل حرمة الدماء والأموال سواء، وحرمها وضمنها في العمد والخطأ، فكيف بمن قصد فساد مال أخيه المسلم بإصلاح ماله! ومن هذا وشبهه عن الرسول كثير. وقد روي عن مالك في رجل وضع جرة زيت حذاء باب رجلن ففتح الرجل بابه ولا علم عنده بالجرة، وقد كان مباحًا له وغير ممنوع أن يفتح بابه ويتصرف فيهز فانكسرت الجرة فضمنه مالك من قول الرسول أنه تضمن أموال الناس بالعمد والخطأ، ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه البخاري ج 5 من 2239 برقم 5668، ومسلم ج 4، ص 2025 برقم 2624. (¬2) ... الحديث تقدم تخريجه.

فكيف بمن قصد إفساد مال غيره بإصلاح مال نفسه! وحديث الضرر، وحديث حجة الوداع غير منسوخي العمل بهما في جميع الأمصال على ما تقدم من التفسير، فيما فسره أهل العلم. ومحال غير مسموح أن يعارض مثل هذين الحديثين وما قبلهما من القرآن من قوله: {ولا تبخسوا الناس اشياءهم} (الأعراف: من الآية 85) من رأى أحد من الفقهاء أو يتأول عيهم غير ما جرى في كتاب الله وسنة رسول (صلى الله عليه وسلم)، فهم رضي الله عنهم كانوا أعلم بما أراد الرسول بالحديثين، وفسروا معانيهما، ومن تأويل عليهم غير ذلك فهو غير مصيب. وذكر بعض الفقهاء المخالفين لأبي المطرف ومن وافقه أن مالكًا قال فيمن بني جدارًا في داره ورفعه حتى منع جاره الشمس والريح: أن ذلك جائز، وقال: هذا يرد ما قاله من قال: أن ليس لعبد الرحمن أن يبني فرنًا بقرب دار عاتكة إذ يحط ذلك من ثمنها ويعيبها، وليس كما قال لأن غيره أثبت عندك أن العيب لاحق بدارها لقرب الفرن منها ولما يتوقع من النيران. ومن أقام حائطًا في دار الإلب من أمرالحائط السلامة، اللهم إلا إذا كان الحائط غير حصين يحذر تهدمه وإفساد دار جاره، فيجبر على دفع الخوف عن جاره وما يفسد به داره، كما قال مالك في مثل هذا الحائط، وفيمن أراد أن يلقي نارًا في شعراء أرضه، فقال: إن كان غررًا أو خوفًا على أرض جاره منع من ذلك. فأين فرق بين دار وأرض؟ ولولا أن يطول الكتاب لاجتلبت من قول أهل العلم في هذا كثيرًا. ولما ورد هذا الكتاب على القاضي أرسل به إلى الفقيه أبي عبد الله بن عتاب ورأيته عنده في أسطوان داره، فكتب إلى القاضي مجاوبًا عنه مستدلاً لصحة قوله بجواب نسخته: عصم الله القاضي بتقواه، ووافقه لما يحبه ويرضاه، أعلمتنا في مسألة الفرن المحدث الذي قامت به عاتكة عندك فيه، وذكرت أن دخانه يضر بدارها، أنه قد ثبت عندك أن إحداثه كان قبل الشورى بأشهر ستة أو سبعة، فأوجبنا عقله الفرن وقطع عمارته إلى أن يثبت عندك يه، وذكرت أن دخانه يضر بدارها، أنه قد ثبت عندك أن إحداثه كان قبل الشورى بأشهر ستة أو سبعة، فأوجبنا عقلة الفرن وقطع عمارته إلى أن يثبت عندك محدثه ما ذلك من قطع ضرر الدخان. فعرفتنا بذلك أنه ثبت عندك أن ضرر الدخان الذي قيم بسببه قد ذهب عن دار

عاتكة القائمة، وأنك أعذرت إليها في ذلك، فأثبتت عندك أن إحداث الفرن بقرب دارها عيب كبير يحط كثيرًا من ثمنها؛ إذ لا يقدم كثير من الناس على ابتياعها بسبب، ولا يجب – وفق الله القاضي – أن يراعى هذا ولا يتلفت إليه بعد ثبوت انقطاع ضرر الدخان. والضرر فيما أجمعوا عليه من ذلك وما اختلفوا فيه منه مجمعون على أنه إذا قطع الضرر محدثه وزاله فلا يعرض له، ولا أعلمهم نصوا في انحطاط ما يحدث عليه الضرر إذا ارتفع الضرر تكلموا فيه، وفي تركهم النص عليه دليل بين أنه لو كان ذلك مما يجب أن يراعي ومنع بسببه محدثه لبينوه وذكروا، إذ قد تكلموا في معاني الضرر وأقسامه بما سطروه في كتبهم، وفي مسائلهم ما يدل على ذلك مما لا يجب أن يراعي. والذي أقول به وأتقلده من مذهبهم قديمًا: أن جميع الضرر يحب قطعه إلا ما كان من رفع بناء بمنع هبوب الريح وضوء الشمس، أو ما في معناهما فإنه لا يجب قطع ذلك، إلا أن يثبت أن محدثه قصد به الضرر بجاره، وكذلك كل ضرر بؤول إلى انحطاط قيمة ما يجاوره لا يتعدى الضرر المحدث إلى شيء غير انحطاط القيمة الخاصة. والدليل على صحة ما ذكرته من ذلك: ما وقع في كتاب حريم الآبار من المدونة، وهو: قلت: أرأيت الرجل يرفع بنيانه فيمنعني الريح التي كانت تهب في داري والشمس أيكون لي أن أمنعه من أن يرفع بنيانه إذا كان ذلك مضر لي في شيء من هذا الوجوه؟ قال: لا يمنع من هذين، وإنما يمنع إذا أحدث كوًا وأبوابًا يشرف منها، ولم نسمع من مالك في الشمس والريح شيئًا، ولا يمنع من ذلك. وفي كتاب القسمة من المدونة نحو هذا، وزاد قلت أرأيت إن كانت لي عرصة إلى جانب دار قوم فأردت أن اتخذ في تلك العرصة حمامًا أو فرنًا أو موضعًا لرحى، فأبى علي الجيران فقال: إن كان ما تحدث ضرر على الجيران من الدخان وشبهه منعت من ذلك:

قلت: وكذلك إن كان حدادً واتخذ فيها كيرًا أو فرنًا أو رحى تضر بجدران الجيران قال: يمنع من ذلك. فإنما رعى ابن القاسم في ذلك ضرر الدخان وما يضر بالجدر، ومعروف متى رفع به البنيان وقطع به ضوء الشمس أن القيمة تنحط بذلك فيما أحدث عليه الرفع ولو كان انحطاط القيمة يراعي في ذلك لذكره ابن القاسم وبينه، ولم يترك ذكره. هذا موضع الاستدلال بهذه الروايات. وفي المستخرجة: سئل مالك: أترى من قول النبي (صلى الله عليه وسلم): "لا ضرر ولا ضرار" أن يستأذن الرجل جاره في خشبة يغرزها في جداره، فيأذن له ثم يغضبه فيريد نزعها؟ فقال: إذا أذن له فما أرى له نزعها على وجه الضرر؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا ضرر ولا ضرار" فهذا منه. فأما إن كان احتاج إلى جداره لأمر لم يرد به ضررًا، رأيت للرجل أن يبني في جداره ويرفعه ما بدا له، وإن كان في ذلك مضرة على جيرانه، لأن الرجل يعمل في حقه ما أحب. وقال أشهب في موضع آخر: وما احتكره الرحل في ملكه مما بجاره، فليس له ذلك إن كان يجد منه بدًا، ولم يضر ليه، فأما إن كان به ضرورة إليه فله أن يحتفر في حقه، وإن أضر بجاره، لأنه يضر به منعه كما أضر بجاره حفره، فهو أولى أن يمنع جاره أن يضر به في منعه له من الحفر في حقه؛ لأنه ماله. وكذلك قال لي مالك فلم يرد مالك بقوله: إن أضر ذلك بجيرانه، وقول أشهب عنه: وإن أضر حفره بجاره أن ذلك ضرر دخان أو اطلاع؛ لأنه قد نص على المنع من ذلك، وفي مسائله وكتب أصحابه، وإذا لم يرد هذا النوع من الضرر فلا يتوجه قوله هذا إلا إلى ضرر يؤول إلى انحطاط القيمة أو ما يدخل في معناه. وقد كان من فتي الشيوخ عندنا فيمن أراد أن يفتح بابًا في زقاق نافذ: أنه إن كان الزقاق ضيقًا نكب عن باب جاره إن أمكنه التنكيب، وإن لم يمكنه التنكيب لم يمنع من الفتح، وإن كان فيه ضرر على جاره. وفي الواضحة: قال مطرف وابن الماجشون واصغ في الرجل يريد أن يبني وقربه أندر، وهو يحبس بنيانه الريح عن الأندر، فلا يمنع من البنيان في حقه وجد عنده مندوحه أو لم يجد، وإن كان في بنيانه بطلان الأندر لأن الأندر نفعه يصرف إلى غيره، ولو منع

هذا من البنيان في حقه لموضع الأندر لكان قد أضر به ومنع من حقه. وإذا أحدث الأندر إلى جانب الجنان وأضر تبنه بها مع محدثه من هذا؛ لأن هذا بمنزلة الحمام والفرن يحدث في جوار الدار فيضر دخانهما بمن جاورهما، فإنه منع من إحداثهما، وليست من الأفياء التي ليس أحد أن يمنع منها أحد. وفي الثمانية لأبي زيد نحو هذا، قال ابن حبيب في كتاب آخر، وهو كتاب السداد لحسين بن عاصم، نحو ما تقدم، وزاد قال عنه وعن عبد الله بن الحكم: وليس لأحد حجة في حبس ريح أو شمس أو قمر أو ما أشبه ذلك من الأفياء، وإنما الحجة في الأحداث التي أحدثها الناس بأفعالهم، فتكون من المضرة بأعيانهما، مثل مصب ماء أو فتح كوة يطل منها، أو ما أشبه هذا، فتلك الأحداث التي يمنع محدثها من إحداثها، قال عبد الملك وهو قول العامة وبه أقول. ولسحنون في المستخرجة في بعض الروايات مثل هذا، وزاد سحنون كما لا يمنع من رفع بنيانه لمنع جاره من ضوء الشمس وهبوب الريح، واختلف قول سحنون في هذا، وقد اختلف هوله في الأندر اختلافًا كبيرًا، وإنما ذكرت هذه الروايات لقولهم: ولو منع هذا من البنيان لكان قد منع من حقه وأضر به، ولم يمنع الباقي من التصرف في أرضه وإن كان في ذلك مضرة على جاره، إذ ذلك الضرر مما لا يوجب قطعه عندهم. وقد بينوا ذلك في آخر المسالة، وبينوا أن ضرر الحمام والفرن هو الدخان، ولم يذكروا انحطاط قيمة ولا غيرها. فتدبر ذلك وتدبر قوله أيضًا: وإنما الحجة في الأحداث التي أحدثها الناس بأفعالهم، فتكون هي المضرة بأعيانها، في ذلك المعنى الذي وصفته وفي المدينة وغيرها. قال ابن كنانة فيمن له أرض في مجص فأراد أن يبني في هذا، وقال الذين حوله: لا تبن فيها، فإنك تضر بزرعنا. قال لا يمنع أن يبني ما شاء إذا كان له مخرج إلى الطريق في أرضه. فلم يراع أحد ممن تقدم قوله في شيء من هذه المسائل نقصان القيمة. قال فضل: سئل يحيى بن إبراهيم عن الرجل يفتح بابًا في الزقاق النافذ أو غير النافذ فيطل منه على جاره وجدار جاره تصير نحو الحيطين وشبههما، فإن بني خيطًا ثالثًا ثم يطل عليه، فقال يجبر جاره على أن يبني خيطًا ثالثًا، وليس له أن يضر جاره، ولا يمنعه من فتح بابه إذا كان على هذا النحو. فتأمل – وفقك الله – إلى هذه المسألة وقد قال فيها فضل: إنها

جيدة، ولم يمنعه من فتح الباب، وألزمه بنيان ما لم يكن له حاجة إليه. وكان الشيوخ عندنا قديما يختلفون في الرجل يجعل في داره رحى أو شبهه، مما له دوي أو صوت يستضر به، فذهبت طائفة منهم إلى المنع من ذلك، وطائفة لم تمنعنه، ورأيت فيها جوابً لابن عثمان بن عبد ربه ابتدأه بأن قال: قال أبو بكر عبد الرحمن: وإذا اجتمع ضرران اسقط الأصغر للأكبر، ومنع الرجل من الانتفاع بماله وضيعته التي يقوم بها معاشه أكبر ضررًا من الذي يتأذى بدوي الطاحن، فالضرر الأكبر عنده هو منع الرجل من التصرف في ماله، والضرر الأصغر هو اعتراض جاره عليه. وإنما ذكرت هذه الحكاية عن أبي بكر بن عبد الرحمن، وهو أحد المشيخة السبعة، وهو موافق لما رواه أشهب عن مالك، وهذه مسألة قد نزلت قديمًا عندنا ولم نسمع أحدًا من فقهائنا جعل انحطاط قيمة ما يجاور ذلك ضررًا يمنع به من الإحداث، وإنما جعلوا الضرر في ذلك الدخان ومصب المياه وما شبهه. ولم يذكر أحد من الموثقين في وثائقهم القديمة والحديثة وثيقة في معنى انحطاط القيمة، ولو كان ذلك مما يقضي به ويحكم لذكروه كما ذكروا وثائق الضرر؛ إذ ذلك مما يكثر نزوله بين الناس في القديم والحديث. ومما يؤيد ما ذكرته من أن انحطاط القيمة لا تراعى: اتفاق الجميع فيمن أحدث فرنًا على فرن آخر قديم، أو حمامًا على حمام، أو رحى على رحى قديمه، ولا يضر المحدث من ذلك بالقديم في شيء من وجوه الضرر إلا في نقصان الغلة أو قلة العمارة أنه لا يمنع محدث ذلك من إحداثه، وليس لصاحب القديم اعتراض في ذلك، ومعلوم إنه إذا قلت العمارة أو الاستغلال أن القيمة تنحط، بل ربما آل ذلك إلى أن يبطل القديم بسبب ما أحدث عليه. وفيما قدمت ذكره ما يدل على صحة ما قلته فيه واعتقدته ولكل مسألة تقدمت شاهد يؤيدها من الأثر والقياس والنظر، تركت ذلك إذ لم أقصد إلى الاحتجاج إلا الاستدلال أو الرد على من خاف قولي، وإنما قصدت إلى التبيان عنه على سبيل الفتوى، وما جرت به عادة شيوخنا – رحمهم الله – وإن أحب القاضي – وفقه الله – الوقوف على مواضع الحجة ووجوه الأدلة كتبت به إليه، والله عز وجل أسأله حسن العون عليه، والتوفيق لما فيه النجاة لديه برحمته.

قال القاضي: في كلام ابن أبي زعبل تخاذل لمن تدبره، تركته كراهة التطويل، والصواب، فيما ذهب إليه ابن عاب، والله أعلم. قيام ابني ابن المراثي على زوجة العمري في ضرر ذكراه من دارها على دارهما: قاما عند الوزير صاحب الأحكام وذكر أن في دارها غرفة فيها باب يخرج منه إلى سقف بين يديه من دارها ويجلس عليه، ويطلع منه على غرفة في دارهما الملاصقة لدارها بداخل مدينة قرطبة، وبحومة الجامع وأنه قد يصعد من هذا السقف إلى سقف دارهما، لقرب رفوفهما من رف ذلك السقف، ويكشف الصاعد عليها ما في قاعة دارهما. وأثبت في ذلك ضررًا عليهما، وأعذر في ذلك إلى زوجها وكيلها أبي القاسم. فأثبت عنها أنه لا ضرر من ذلك الباب على دارهما إذ لا يقع بصر الناظر منه على شيء من دارهما، لأنه مفتوح إلى غير ناحيتها، وقال: إنه لا يخرج أحد إلى السقف الذي بين يديه وأعذر إلى ابني أبي المراثي فلم يكن عندهما مدفع إلا ما توجبه السنة، وشاور الحكم في ذلك. فأفتى محمد بن فرج: يا سيدي ووليي، تصفحت خطابك وما أدرجت طيه، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا ضرر ولا ضرار" والاطلاع من الضرر الذي يجب قطعه، إلا أن الاطلاع الذي أثبته عندك أخو بكر لا يجب تطميس الباب، ولا قلع عتبته، إذ لا يطلع منه حتى يخرج إلى السقف، وإنما يجب أن تؤمر فاطمة أن تجعل على الباب المذكور شرجبًا وثيقًا عاليًا حتى لا يوصل منه إلى السقف الذي يطلع منه على دار بكر وأخيه. وهذا كان راي القاضي محمد بن بيقي بن زرب، إذ نزلت هذه المسألة بعينها في أيامه فاقتد بالقاضي رحمه الله، فهو أهل من يقتدي به، وأنفذ ذلكعلى قاطمة، ولا منفعة لها في العقد الذي أثبت وكيلها أنه لا ضرر في الباب. ومن أثبت الضرر أعلم ممن نفاه إلا أن يكونوا عندك أعدل وأعرف من الآخرين وأبصر، فيجب حينئذ أن ترسل من قبلك من تثق بعد التهم وبصرهم إلى الدارين جميعًا. فإن اتفقوا على الاطلاع نفذ قطعة بما ذكرناه، وإن اتفقوا على أنه من وقف على السقف المتصل بالباب لم ير من في دار بكر، ولا من في قصبته، ولم يتبين شخصه لبعد ما

بين الموضعين، بقي الباب على حاله وتقدمت إلى قاطمة وزوجها أشد التقدم ألا يصعد أحد على السقف إلا لإصلاحه أو لما لابد منه من سبب ما في عقد أبي بكر وأخيه أنه قد رأى السقف رجال، وكذا نساء، على حالة قبيحة وتغيير. هذا وشبهه واجب وإنكاره لازمن والله تعالى نسأله لنا ولك خلاصًا جميلا برحمته، والسلام عليك يا سيدي ووليي ورحمة الله. وأفتيت أنا: يا سيدي ووليي، ومن أدام الله عصمته، وأجمل فيما قلده عاقبته: شهادة من أثبت شيئًا بشهادته أولى بالقبول من شهادة من نفاه – قاله غير واحد من أصحابنا وبه العمل، وهو دليل المدون والعتبية وغيرهما، فلا يلتفت إلى ما جاء فيه من خلاف لضعفه، وقلة قائله. وقد ثبت لمحمد وبكر ما ذكرته من الضرر على غرفتهما وسقف دارهما، من باب غرفة فاطمة، فأحكم لهما بقطعة عنهما بما ذكره الفقيه أبو عبد الله محمد بن فرج في جوابه في وضع حاجز في الباب الشرقي، يمنع من التطرق منه إلى السقف الضار بدار بكر ومحمد، وقد خصت في ذلك معها في مجلس حكمك ورأيت اختيارك ما ذكره، أبو عبد الله من وضع شرجب في الباب المشتكي منه، فأنفذ ذلك من اختيارك؛ إذ هو اختيار القاضي أبي بكر ابن زرب، رواه عنه القاضي يونس بن عبد الله – رحمهما الله. ونص ما حكاه عنه، قال – يريد ابن زرب -: من فتح بابًا إلى غرفة على دار جاره، لا يطلع عليه منها إلا بكلفة، مثل أن يدخل رأسه وشبهه، فإنه لا يسد ذلك عليه إلا أني أستحسن أن يوضع على الباب شرجب لئلا يدخل رأسه منه، قال يونس: فقلت له: هل رأي هذا لأحد، فقال: لا، إلا أني استحسنه وأفتيت به. هذا نص ما ذكره عنه، وهو إن شاء الله نظر حسن، والله تعالى يحملك على الصواب، وينفلنا جميعًا جزيل الثواب. من سأل القاضي أن يبعث من ينظر إلى ما يدعي أنه أحدث عليه، وقال الآخر لا يبعث إلى مالي أحد: من أحكام ابن زياد: قال قاسم للقاضي: ابعث من يكشف عما أحدثه علي عباس في أندر داخل جنان محدثة، وقال عباس: لا يجب أن تبعث إلى مالي حتى يثبت عندك ما يقوله، فإذا ثبت عندك نظرت بما يجب. قال عبيد الله بن يحيى: أما أنا فإني أرى اتبعث

معه من ينظر إلى الذي أحدث، إذ صار في داخل غلق لا يمكن أن يوقف إليه من يستشهد به، فإن شهد عندك رسلك أن الذي أحدثه مضر به أمرت بصرف الضرر عنه، وإن شهد بغير ذلك حملتهما على ما يجب. وقال ابن لبابة: ليس للخصم مقال فيما احتج به؛ لأن الضرر الذي يدعيه قاسم في غلق ممنوع عنه، فلهذا نرى إرسال القاضي لمعاينة الضرر. وقال بذلك أيوب بن سليمان وقال: قد بعث النبي (صلى الله عليه وسلم) حذيفة بن اليمان مع القوم الذي اختصموا في خصر، فقضي به حذيفة للذين كان القمط من قبلهم ثم أخبر به النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال: "أصبت (¬1) " وهذا الحديث أصلنا في الإرسال وفي معاقد الحيطان. الشهادة في فرن وقناة أحدثا على دار رجل: فهمنا – وفقك الله – الشهادات فرأيناها اجتمعت على إحداث الفرن وإضراره بدار عمرن واختلفت في معرفة القناة، فإذا عرفت من الشهود في القناة شاهدين، وكنت قد أعذرت إلى محدث الفرن في ذلك، فلم يكن عنده مدفع، فقد وجب عليه قطع ضرر الفرن، فإن لم يمكنه قطعه إلا بهدمه وجب هدمه، ولزمك الإشهاد للمقضي له بالحكم بالمقضي عليه وقطع الضرر، ويجري ما السماع في القناة على ما شهدوا به. والله نسأله التوفيق قاله ابن لبابة وأصحابه. الحكم في قناة أنها محدثة وصاحبها يدعي قدمها: قال ابن زمزم في القناة الجارية إلى الجنان: إنه لم يحدثها، وإنها لم تزل جارية على حالها، فالواجب – وفق الله القاضي – أن ينظر إلى هذه القناة رجلان تقبلهما، فإن شهد عليه بقدم، على ما يؤديه العيان، قبل لمن ادعى الإحداث: أقم البينة على ما ادعيت. وإن دل على أنها محدثة منع اضرر. وإن أشكل الأمر فلم تقطع بينة بإحداث ولا بقدم وكان حالهما متوسطة أوجبت التوقف على البينة، قيل لمجريها: أقم البينة أنها جرت بحق وإلا فإن العداء ظاهر حتى يأتي بما ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه البيهقي في الكبرى ج 6، ص 67 برقم 11150، والدراقطني في سننه ج 4، ص 229، وابن ماجه ج 2، ص 785 برقم 2343، والبزار في مسنده ج9، ص 251 برقم 370\ 91، والطبراني في الكبير ج 2، ص 259 حديث رقم 2087.

يسقطه إن شاء الله، وهذا يكون إذا ثبت الجنان لمن يذب عنها ويدفع. قال بذلك عبيد الله بن يحيى، ومحمد بن الوليد، ومحمد بن لبابة. قال القاضي: ولو شهدت البينة بقدم القناة على ما دلهم لعيان عليه، فمن تمام شهادتهم بذلك الشهادة بتحديد أمد القدم، بدليل معرفة لاختلاف أصحابنا في هذا الأصل، وقد قال سحنون في قناة جرت على دار رجل سنة: ذلك قليل والأربع حيازة واستحقاق ذكره حبيب بن نصر في سؤالاته. وقد فرق في ذلك أيضًا بين ما ضرره متزايد وغير متزايد، وذلك كله في الأصول مبسوط لابن حبيب وغيره، وقد ذكرناه بعد هذا في مسألة الشجرة مختصرًا فتأمله. في قنوات مقبرة عامر وركوب القاضي والفقهاء إليها بأمر الأمير وإعلام الأمير بذلك: ركبت – أبقى الله الأمير – إلى مقبرة عامر كما أمرني أعزه الله منع من استركبته مع يمن أهل العلم وغيرهم فنظرت ونظروا إلى قدرات الدور الشارعة إلى الشرع والشارعة إلى الغرب فرأوا قنوات مغطاة تفضي إلى المقبرة ورأوا قناة الحمام مع بنيان دور مع المقبرة متصلة بها، تفضي إلى حفرة في المقبرة، فيها يستنقع ماء القنوات المغطاة والمصخرة وإلى حفرتين غيرهم، ويصب فيها مياه القنوات. فرأى عبيد الله حفرًا تفضي إلى الحفر الكبيرة وقال: إنه لا يعرف ماء الدور منذ ثلاث وستين سنة مقبلاً إليها لم أر مشتكيًا لأذاه، ولا متكلمًا فيه إلى أيامنا هذه، ويعرف ماء الحمام من ذلك الوقت ينساب إلى حفرة ثانية لا يشتكيه أحد ولا يدعي ضرره. وقال محمد بن عمر بن لبابة: قولنا في ذلك ما قد قلناه وكتبنا به إلى الأمير – أكرمه الله – أن القنوات المفدونة التي رأيناها مع القاضي – وفقه الله – يجب ردمها لضررها بالمقبرة وبالطريق وأنها لا مخرج لها فيما رأينا إلا المقبرة، ثم تمضي إلى الحفرة. ورأينا أن تباع القنوات على وجه الأرض فيخرج منها ماء السماء وقت المطر، ويجري في مجاريه التي كان يجري فيها حتى يستقر في الحفر الثلاث، فإنه لا يستحق على المقابر والطريق ضرر إذ ليس للمقابر متكلم، إلا أن يقوم محتسب يرفع ذلك إلى الحاكم فإذا غبيت المجاري كان ضرره ظاهرًا، إذ ليس يستبين إلا بظهوره، ويقطع ضرر قناة الحمام عن المقبرة.

وقال محمد بن وليد: الذي قال ابن لبابة في هذا الحق عندي، وبقوله في ذلك أقول وأسأل الله التوفيق. وقال خالد بن وهب: نظرت إلى القنوات التي بالمقبرة المنسوبة إلى عامر، إذ استركبنا القاضي فقولي قد تقدم في ذلك على ما كتبت به إلى الأمير – أعزه الله – في الكتاب الأول وبه أقول، وأنا عليه أن المقابر مقابر – المسلمين – أحباس المسلمين ليس لأحد أن يحدث فيها شيئًا، ولا ينقصها بما يكون ضرر بها. وأما مجاري دور الساكنين عليها فواسع لهم أن يجروها على وجه الأرض يسيل فيها ماء السماء، لا يمنعون من ذلك الافتراق الماء إذا خرج على وجه الأرض وقلة ضرره، وهو حينئذ كالمطر يسيل عليها، ولا يمنعون من ذلك وأسأل الله التوفيق. وقال سعد بن معاذ: قد تقدم لي فيها إلى الأمير _ أصلحه الله – ما تقدم، وهو مثل ما قاله أصحابنا، وبه أقول. وماء الحمام ظاهر النجاسة، وهو ماء الكنف، وهو جار إلى حفرة المقبرة فينبغي قطع جريه فيها، ولا يترك. قال جميعهم بمثل قول ابن لبابةوابن وليد. وأوصى الأمير إلى القاضي بالكف عن النظر في ذلك، فكتب القاضي: أتاني سعيد المغيلي ن أصحاب الرسائل فأعلمنا أن الأمير – أطال الله بقاءه – يا سيدي بأن أقرط كتابًا أتاني به عليه طابع الأمير – أكرمه الله – ويعلمني أن أكف عما كنت قد شرعت فيه مما أمرني به – أبقاه الله - من النظر في القنوات التي تخرج إلى مقبرة عامر. وكتب الأمير في ذلك إلى عبيد الله بن يحيى ليعلمه بقدم هذه السواقي أو حدثها: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أعلمنا بما عندك في السواقي الشراعة من دور الناس إلى حفرة مقبرة عامر، إن كانت قديمة لا يجب تبديلها عن حالها، أو مستحدثة مما يجب فيها النظر، فقد اختلف أصحابك وغيرهم في أسبابها. وسبب ساقية الحمام المنسوب إلى ابن طملس، فقد أدركت من ذلك بالسن ما لم يدركه غيرك، ومع هذا فليس بين الحمام والحفرة التي إليها يصير ماؤه واساقية الخارجة من دار موسى بن زياد إلا يسير وإخال بعض السواقي التي فيها جاور مسجد منيقلة شارعة إلى حفرة غيرها مقاربة للدور والمساكن، إذ لا يكره من هذا ولا يقل إلا ما امتد وطال وبعد، فإن ضر ذلك إذا كان بين، فقل في هذا بما تستحسنه على ما أدركت منه، ومن قدمه وأوشك ذلك لتأمر فيه إن شاء الله عز وجل والله المستعان.

جواب عبيد الله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أعز الله الأمير وأكرمه وأدام إقامة السنن به، الذي أدركت – أكرم الله سيدي – أني أعرف المقبرة من تاريخ خمس وأربعين ومائتين سنة، منذ ثلاث وستين سنة، على الحال التي هي عليه، تحضر الجنائز بها ما سمعت مخلوقًا تظلم في شيء من مجرى ماء دورها إلى أيامنا هذه. وأعرف الدار التي صارت إلى موسى بن زياد لرجلين من التجار يسمى أحدهما عيسى والآخر منتيل، ولا اشتكى مجرى ماء دورهما إلى هذه الأيام، وأعرف ماء الحمام من هذه المدة وهو في دار خلد النار، وماؤه يجري إلى الحفرة التي فيها مجراه اليوم، هذا الذي عرفت – أكرم الله الأمير – سيدي لم أسمع متكلمًا ولا مستنكرًا لشيء منه إلى الوقت الذي تهيج فيه من تهيج والله أسأل الأمير إطالة البقاء. الشهادة في كوة مفتوحة لمجرى ماء على دار رجل: شهد عندنا أبو صالح أنه دخل دار عمر بن عامر، فنظر إلى كوة لمجرى ماء دار عمر على دار زكريا دل على أنها قديمة، ولم ير في الدار كوة لجري ماء دار عمر سواها، ولا مصب لداره إلا تلك الكوة، وفي شهادته أنه دخل دار زكريا فنظر إلى حفرة الفرن المحدثة قبالة الكوة التي نظر إليها في دار عمر لقرب ما بينهما. وفي شهادته: أن دخان ذلك الفرن المحدث وحره مضر بعمر في داره، وشهد سعد بن معاذ بمثل ذلك. فهمنا – وفق الله القاضي – الشهادتين الواقعتين في هذا الكتاب فرأيناهما اجتمعتا على إحداث الفرن والإضرار بدار عمر، واختلفت في معرفة القناة، فإذا عرفت من الشهود شاهدين مع شهادة أبي صالح أنه نظر إلى كوة لمجرى ماء دار عمر على دار زكريا، ولم ير في الدار كوة مجرى ماء دار عمر سواها، ولا مصب لماء دار عمر إلا تلك الكوة، وشهادة ابن معاذ بمثله. وكنت قد أعذرت إلى محدث الفرن في ذلك ,أجلته آجالاً، فلم يكن عنده مدفع، فقد وجب على المحدث قطع ضرر الفرن، وإن لم يمكنه إلا بهدمه وجب عليه هدمه ولزمك الإشهاد للمقضي له الحكم على المقضي عليه بقطع الضرر وغمضاء القناة يجري ماء السماء على ما شهدوا فيه. قاله ابن لبابة، وعبد الله، وابن غالب، وابن وليد.

إباحة الدخول في دار رجل للنظر إلى قناة له: فهمنا – أكرمك الله – ما تناظر فيه ابن مرزبان عن زوجه وأصبغ عن نفسه، فالواجب على أصبغ أن يبيح الدخول إلى القناة لينظر إليها كيف هي، وقد نزل مثل هذا لمحمد بن سلمة فأشرنا بجمعاتنا عليه بهذا الفعل. قاله أيوب بن سليمان. الشهادة إلى هذه القناة بالنظر إليها تشق بيت أصبغ وداره إلى الخندق: فهمنا – وفقك الله وسددك – ما قامت به أمة الرحيم بنت حريس من أن قناة دارها اليت يربض مسجد أبي الوليد، تخرج بحشوش ما يقع فيها بيت أصبغ المعروفة بابن البقية مدفونة ثم يخرج على بيته وتشق داره حتى تفضي إلى الخندق، وقول أصبغ أن الدار داره، وأنكر أن يكون عليه قناة لدار أمة الرحيم لكنيف أو غيره. فهمنا منا ذكرته من إرسالك إلى معاينة القناة من وثقت به، وشهدوا عندك بمعاينة القناة بشق من دار أمة الرحيم على بيت اصبغ في داره حتى تقع في الخندق، وقالت أمة الرحيم: إن أصبغ سد القناة، فرجع ما كان يجري فيها إلى دارها وأضر بها وسالت عن الواجب في ذلك. فالذي نقول به: إن لم يكن عندك أصبغ مدفع في شهادة الذين وجهتهم لمعاينة ذلك، أن يلزم مرور القناة على بيته على ما كانت تسلك فيه، وينهي عن سدها، ويقطع أذاه عن أمة الرحيم، ويمنع من ذلك. قاله ابن لبابة، وابن وليد وأيوب بن سليمان، وإن دفع أصبغ في الشهود الذين بعثهم القاضي لمعاينة ذلك بدفع يسقط شهادتهم بعث غيرهم أبدًا؛ لأنه أمر حاضر وشيء ظاهر، وقال عبيد الله، وابن غالب. أبراج الحمام وإضرار النحل بها: كشفنا من حضرنا من أهل العلم عما رفعه إلينا بعض أهل البوادي من عمل قرطبة، من أن لهم أبرجة حمام قديمة، أن قومًا من أهل تلك البوادي أحدثوا عليها نحلا اتخذوها يف تلك البوادي، في كشورو وى، وأن ذلك النحل يضر بحمام الأبرجة في مسارحها عند الماء وغيرها حتى بحجر الحمام وربما أضر في القوائل بالماشية عند شربها الماء. فقالوا نرى – والله الموفق للصواب والمعين عليه – لو لم يكن في هذا غير قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) "لا ضرر ولا ضرار" لكان قولاً شافيًا كافيًا مغنيًا عن كل قول وموجبًا عن لقطع الضرر، وأن يمنع متخذ النحل من اتخاذها، فكيف وهو قول أصحابنا، وقد

وقعت هذه المسألة بعنيها في كتاب السلطان من المستخرجة: أنه لي لأحد أن يتخذ نحلاً تضر ببرج حمام قديم، وما أعلم بينهم في ذلك اختلاف، وأسأل الله أن يحضرك التوفيق والرشد والتسديد. قاله ابن لبابة، ومحمد بن وليد، وسعد بن معاذ، ويحيى بن سليمان وغيرهم. مسألة أخرى مثلها: قال أبو عبد الله بن وليد: الذي نقول به أن كل ضرر يحدثه الرجل على جيرانه فهو ممنوع منه؛ لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "لا ضرر ولا ضرار" وليس يكون من الضرر شيء أبين من أن يأتي الرجل فيدخل على أهل القرية ما يهلك حمامهم ويؤذ في صبيانهم، فيجب أن يمنع هؤلاء من إدخال الأجباح في دورهم ويقصروا على ذلك إن شاء الله، ولا يستطاع الاحتراس من النحل والحمام، كما لا يستطاع الاحتراس من البهائمولا ضرر أعظم من اتخاذ ما لا يستطاع الاحتراس من أذاه. وقاله ابن معاذ، وابن لبابة، ويحيى بن سليمان. قال القاضي: قولهم في المسألة التي قبل هذه: وقد وقعت هذه المسألة بعينها في كتاب السلطان من المستخرجة أنه ليس لأحد أن يتخذ نحلا يضر ببرج حمام قديم، وهو خطأ وتصحيف للتي في الكتاب المذكور، وأظنهم كتبوا ذلك في جوابهم متكلين على حفظهم فخانهم الذكر وغلب عليهم النسيان الذي هو آفة علم الإنسان، إنما في كتاب السلطان في بعض الروايات، وهو أيضًا في كتاب الجدار: وسئل عيسى بن دينار: عن الحمام والنحل يضر بشجر القوم إذا نورت وبكرومهم، أيمنع صاحبها من اتخاذا عليهم، ويؤمر بإخراجها؟ قال: نعم، أو ما يشبه ذلك الماشية تعدوا على الكرم والشجر والزرع، وحفظ الزرع ونحوه على ربه؟ قال: لا يشبه النحل الماشية؛ لأن النحل والدجاج الطائر والحمام لا يستطاع الاحتراس منها، كما يحترس من الماشية، ألا ترى أن الماشية الضارية لفساد الزرع تغرب وتخرج، فما أستطيع الاحتراس منه فهو كالماشية لا يؤمر صاحبها بإخراجها عنهم، وقد قيل فيمن له كواء في حائطه أو عرفته تجتمع فيها البراطيل فتؤذي الناس في زروعهم: إنه يؤمر بسدها.

قال القاضي: هذا ما في بعض كتاب روايات السلطان من هذه المسألة، وذكرها ابن حبيب في كتاب البنيان والأشجار والمياه والأنهار. قال: سأل مطرفًا عمن اتخذ نحلاً في قرية تضر شجر القوم أو اتخذ برجًا فيه حمام وكواء للعصافير تأوي إليها، ويأخذ فراخها وهو تؤذي كما يؤذي الحمام في الزرع. قال هذا كله من الضرر، ويمنع من اتخاذ ما يضر الناس في زرعهم وشجرهم. ولا يشبه النحل والحمام الماشية؛ لأن النحل والحمام طائر لا يستطاع الاحتراس منها كما يستطاع ذلك في الماشية، ألا ترى أن مالكًا قال في الدابة الضارية بفساد الزرع التي لا تحترس منها إنها تغرب، وتخرج وتباع على صاحبها، فانحل والحمام أشد وكذلك الدجاج الطائرة والأوز وشبهها مما لا يستطاع الاحتراس منه. قال وسلت أصبغ عن ذلك، فقال لي: النحل والحمام والأوز والدجاج عندنا كالماشية، لا يمنع صاحبها من اتخاذها، وإن أضرت وعلى أهل القرية حفظ زروعهم وشجرهم وهذا أن ابن القاسم يقول. قال ابن حبيب: وليس يعجبني هذا، وقول مطرف في ذك أحب إلي، وبه أقول، وهو الحق إن شاء الله، ولابن كنانة في المجموعة نحو قول أصبغ؛ لأنه لا يمنع قال: وأكره أن يؤذي أحدًا، وقال غيره لا يمنع صاحب البرج من اتخاذ منافعه في جداره وبرجه ولا من اتخاذ الدجاج والأوز وعلى أهل الزرع حفظه بالنهار. قال القاضي: هذا الموجود في كتابنا في هذه المسألة، وأما ألا يتخذ نحلاً على برج حمام قديم، فليس في أمهات كتبنا بمعلوم، وإنما هي النازلة التي جاوبوا عنها وأنكرنا قولهم أنها في كتاب السلطان بعينها، والله ولي التوفيق. في شجرة قديمة مظلة على دار: إذا ثبت به مخلد كتب به على نفسه أنه التزم قطع ما اظل من زيتونه على دار آمنة، ودفع الضرر عنها، قطع إلا أن يعذر بجهالة، وكان مثله يعذر، فإن عذر بجهالة وحلف بالله: ما التزمت ذك إلا وأنا أظن أنه يلزمني، نظر حينئذ في الزيتونة، فإن كانت قديمة

سنين فما فوقها لم يقطع، وإن كانت غير قديمة قطع الضرر عنها. قال بذلك عبيد الله بن يحيى، وابن لبابة، أيوب، وابن وليد. وقال يحيى بن عبد العزيز: يلزمه ما ألزم نفسه، وقال ابن لبابة: العشر السنين في الضرر قليل وهي قوله كانت تروي عن أصبغ بن الفرج، والذي روي عن أصبغ وعرف قوله، وسمعت بعض مشايخنا المفتين يقول: لا يستحق الضرر. قال القاضي: انظر جعلوا الضرر يستحق بحيازته عشرة أعوام فأزيد بمحضر الذي أحدث عليه، وقال ابن لبابة: هي قوله الأصبغ وجعلوه هنا كسائر ما يستحق من الأموال بطول الحيازة بمحضر القديم بعدها، وهذه القولة وقعت لأصبغ في نوازله في كتاب جامع البيوع من العتبية في مسائل ماء من دارك على دار جارك، وتركت نقل المسألة كراهة التطويل. والقول الآخر عنه في كتاب آخر كتاب الاستحقاق فيمن أحدث كوة أو بابًا على دار غيره أو أندرًا على جنانة أو ميازب على حائط وهو حاضر ينظر ولا ينكر ولا يغير قال: لا يستحق هذا في السنين الخمس ولا العشر بعد أن يجعلوا له أنه ما كان عن رضى ولا تسليم إلا أن يطول بالدهور الكثيرة جدًا، يحمل على ذلك أنه حق يستحق بالحبازة، وقال ابن حبيب في شرح قول النبي (صلى الله عليه وسلم): "لا ضرر ولا ضرار": هما كلمتان بمعنى واحد رددتا توكيدًا في المنع مننه، وقد يأخذه تصريف الإعراب فالضرر الاسم والضرار الفعل. وقوله: "لا ضرار" أي لا يدخل على أحد من أحد ضرر وإن لم يتعمده، "ولا ضرار" أي لا يضار أحد بأحد. ووجوه الضرر كثيرة تستبين عند نزول الحكم فيها، منها دخان الحمامات والأفران وغبار الأندار ورش دباغ الدباغين إذا أضر ذك بمن جاوره، قيل لمحدثه: احتل له وإلا فاقطعه، وسواء كان قديمًا أو محدثًا. ولا يستحق الضرر بالقدم إلا أن يكون الضرر أقدمن المتأذي به، ولا تكون الحيازة في أفعال الضرر حيازة تقوى بها حجة محدثة، بل لا يزيده تقادمه إلا ظلمًا وعداء. قال في آخر المسألة: هكذا فسر لي من لقيت من أصحاب مالك عندما كشفتهم عنه، وفي المسألة طول اختصرته.

وفي كتاب السداد: سئل عيسى بن دينا عمن له منصب حيتان صاد فيه أعوامًا، ثم شكى جيرانه أن ذلك يضر بهم، واحتج هو باستحقاقه ذلك عليهم هذه الأعوام، قال: لهم أن يمنعوه. قال القاضي: وهذا نحو ما ذكره ابن حبيب، ونحو أحد قول أصبغ، وقد تقدم لسحنون في مصب ماء على دار جاره أنه يستحقه في الأربعة الأعوام. وقال ابن أبي زمنين: رأيت في مسائل سئل عنها يحيى بن إبراهيم بن مزين، ما كان من الضرر يبقى على حال واحدة لا يزيد، كفتح الباب والكواء يطلع منها وشبه ذلك، فإن محدثه بمحضر ممن أحدثه عليه؛ يستحقه في مثل ما يستحقه به ما يحاز بطول الزمان، وما كان ضرره يتزايد كالكنف؛ فلا يستحقه محدثه بطول حيازة ويقطع عن المستضر به متى قام فيه، وكذلك الدباغ لأنه مما لا يبقى على حالة واحدة، قال: وهذا الذي علمناه ولم نزل نسمعه. قال القاضي: وقول الشيوخ في ملتزم قطع الشجرة: أنه إن قال: جهلت أنه لا يلزمني، وكان ممن يعذر بالجهالة؛ حلفه على ذلك ولم يكن عليه أن يقطع: وهو أصل مختلف فيه. قال ابن القاسم في رسم أمهات أولاده، فمن تصدق على ابنه بدنانير وعمل له فيها فمات وهو في يديه، فانفذها له الورثة ثم أرادوا الرجوع فيها: الناس في هذه مختلفون، أما أنا فأرى أن يحلفوا – أن كانوا معرفين بالجهالة – أنهم إنما انقذوها له، وهم يرون أن ذك عليهم يلزمهم، ويرجعون فيها فيأخذونها، وهذا جواب الشيوخ في مسألة مخلد الشجرة. وفي كتاب الصدقة أيضًا في نوازل سحنون: فيمن تصدق على أخيه بنصف ماله في مرضه مرضًا ليس مندفًا دام به سنين يخرج في حوائجه يقضيها، وقبض أخوه الصدقةوجازها سنين، ثم مات المريض المتصدق، فقام ورثته على المتصدق عليه وقالوا: لا تجوز لك هذه الصدقة لأنها كانت في المرض، وإنما لكل منها الثلث، وقد سالنا عنها الفقهاء، فقالوا هذا؛ فرد إليهم ما زاد على الثلث، ثم علم أن الصدقة كلها جائزة. قال سحنون: ومن يعلم أنك جاهلاً أن جميع الصدقة لك، أنت تدفع مالك

بعد ما حزته ثم تدعي الآن الجهالة؟ ما أرى لك فيما دفعت إليهم حقًا، فقال السائل: أنا أقيم البينة أنهم قالوا لي: لا يجوز لك من الصدقة إلا الثلث، وأن الفقهاء أخبرونا بذلك، فقال لهم: أما إن أقمت البينة على هذا فأرى أن ترجع عليهم بما أخذوا. ونحوه في نوازله في آخر الدعوى فيمن قتل رجلاً له وليان، فصالح أحدهما على نصيبه بألف دينار، ثم صالح الآخر بألف، إذ خاف القتل، ثم أخبر أنه لا قتل عليه فقام على الثاني ليسترجع منه خمس مائة دينار، فقال سحنون: لكل واحد منهما ألفه والصلح جائز إلا أن يثبت عند الحكم أنه إنما صالح الباقي وهو يرى أن له قتله فيرجع حينئذ بخمسمائة دينار. وفي الشهادات في نوازل أصبغ في هذا الأصل إلا رجوع له ولا قول، وكذلك في سماعه في كتاب النكاح، وفي رسم أوصى لمكاتبه في التخبير، وهو أصل مختلف فيه كما قال ابن القاسم. قال أبو عبد الله بن عتاب: سمعت شيخنا القاضي أبو عبد الرحمن بن بشر يقول غير مرة: كان أبو عمر أحمد بن عبد الملك الإشبيلي يقول لنا: سبعة أشياء لا يعذر فيها بالجهالة مدعيها. قال القاضي: وكان لا يذكرها لنا وإذا سألناه عنها لم يشرحها لنا. قال القاضي: فتتبعت ذلك إلى وقتي هذا فلم أجد إلا بعضها، ثم أخرج إلى كتابه الذي علقها فيه فكتبتها من خطه وقرأتها عليه وهي: إذا قام الشفيع أكثر من عام وهو عالم بشفعته ثم أراد الأخذ بها وادعى الجهالة فإنه لا يعذر، وفي كتاب الأخبار إذا علمت الأمة أنها أعتقت فوطئها زوجها ثم أرادت أن تختار نفسها وادعت الجهالة فإنها لا تعذر. وفي كتاب الرجيم: إذا وطء المرتهن الجارية الرهن وادعى الجهالة حد ولم يعذر، وفي كتاب السرقة: من سرق خرقة أو ثوبًا لا يساوي ربع دينار فأكثر أنه إن كان سرق نم ذلك ما يسترفع في مثله قطع ولم يعذر بالجهالة، وفي التخبير في رسم إن خرجت من سماع عيسى، فيمن ملك امرأته أمرها فقضت بالبتة فلم يمكر عليها، وادعى الجهل وظن أن ذك لا يلزمه وإراد أن ينكر عليها حين علم فإنه لا يعذر بالجهالة.

قال ابن عتاب: فتتبعت ذلك فوجدت منه مسائل كثيرة، منها: حديث مرغوس في المقرة جهلا بالزنى، قال لا يعذر أحد فيه اليوم من العجم وغيرهم، وذكر ابن حبيب عن أصبغ أن يدرأ فيه الحد عمن جهل تحريم الزنى ممن يرى أن مثله يجهله كالصبي وشبههم، وفي سماع ابن القاسم: سئل مالك عمن أسلم من العجم فأتى حدًا لا يعذر بالجهالة ويقام عليه الحد. وفي كتاب الصلاة من سماع يحيى عن ابن القاسم فيمن خير امرأته فطلقت نفسها واحدة، فيقول: ليس ذلك لك، فتقول فإذا ليس ذلك لي فأنا طالق البتة، قال: لا أرى ذلك لها من أجل أنها تركت ما جعل بيدها فلم تقضي فيه بما يجوز لها، وإن قالت ما كنت أعلم أن لي بالتخيير إلا واحدة فلما تبين لي طلقت بالبتة، فلا يقبل منها ولا تعذر بما اعدت من الجهالة. وفي المستخرجة في كتاب التخيير من سماع عيسى ع ابن القاسم فيمن ملك امرأته أمرها فقالت: ثم صالحها بعد ذلك قبل أن تسأل ما قبلت أنها تسأل، فإن قالت: كنت طلقت بقولي قد قبلت اثنتين أو ثلاثًا فالقول قولها إلا أن يناكرها فيحلف على ما نوى، قل له أيناكرها، وهي في غير مكله؟ قال: نعم ذلك له. وإن قال: لم أنو شيئًا فالقضاء ما قضت. فإن قالت: كنت طلقت اثنتين فالصلح ثلاث ولا تحل له إلا بعد زوج، وفي البتة لا تحل له أيضًا إلا بعد زوج، وإن قالت: كنت طلقت ثلاثًا فلم يناكرها فليس عليه أن يرد ما أخذ منها لأنها حين صالحت علمت أنها لم تطلق ثلاثًا وإن ادعت الجهل لم تعذر. قال القاضي أبو الأصبغ: اختصرت بعضها وفي كتاب الشهادات في نوازل سحنون، قال أصبغ: قال ابن القاسم: من استحلف اباه في حق له عليه سقطت شهادته وإن جهل أن عقوق، وكذلك قاطع الدنانير جاهلا بكراهيته. وفي سماع أصبغ فيمن استحلف أباه وأخذه بحد فحد له لم تجز شهادته وإن جهل أنه عقوق، وقال: إن عذر بالجهالة في هذا عذر أيضًا في أشياء كثيرة من ارتكاب الحرام وشبهه فلا أرى أن تجوز شهادته، وروي المقامي عن ابن حبيب في غير الواضحة عن أصبغ قال ابن القاسم في الذي يقطع الدنانير والدراهم جاهلا بكراهيته، ويستحلف أباه

في العقوق جاهلاً أنه عقوق: لا تجوز شهادة هذين وإن كان جاهلين. وفي كتاب ابن المواز وابن القاسم أنه لا تجوز شهادة قاطع الدنانير والدراهم إلا أن يعذر بالجهالة. وقال فيمن وقع له على أبيه يمين في حق أنه يحلفه، وكذلك الحد يجب له عليه أنه يحد له إن أحب فإن أحلفه أو حده لم تجز شهادته، وإن عذر بالجهالة يم ينفعه ذلك. وفي كتاب الأكرية من سماع بن حبيب نقلته من أصله بخطه، وقال: وسألت أصبغ هل يجوز للرجل أن يكري الدابة لحمل طاعماه إلى رحى سماها، وحمله من الرحى مطحونًا إلى داره ولا يؤقت وقتًا لحبسه الدابة؟ فقال لي: إذا لم يكن ذلك في إبان حمل الأنهار أو في إبان كثرت الناس واجتماعهم والأوقات التي يكون فيها الحبس على الطحين وطول اللبث على ذلك فلا بأس به، وإن كان ذلك في أبان خوف الحبس واللبث فلا خير فيه إلا مؤقتًا. قال: وإن كان في غر إبان الحبس ثم أتى الحبس من علة رحى أو ما أشبه ذلك فإنه إذا انقضى من الوقت مثل ما كان يعرف قبل ما حدث من العلة والحبس أخذ دابته ولم يكن عليه انتظاره الطحين إلا أن للمكتري أن يكريها راجعه من الرحى على مثل حمل طعامه إلى مثل موضع داره. قلت: فإذا جهل ذلك ورد الدابة، وهو يرجوا أخذها إذا طحن؟ قال لا شيء له، ولا يعذر بالجهالة، فإن اشترط أنه متى طحن أتى لأخذ الدابة، وهو يرجو أخذها إذا طحن؟ قال: لا شيء له ولا يعذر بالجهالة، قلت: فإن اشترط أنه متى طحن أتى لأخذ الدابة، وهو في إبان خوف الحبس واللبث؟ لا يجوز ذلك إلا على الوقت كما فسرت لك. وفي الدمياطية لابن القاسم في المرتهن: يرد الرهن إلى الراهن إن ذلك خروج من الرهن ولا يعذر بالجهالة. وفي الواضحة فيمن باع جارية وقال: كان لها زوج فطلقها أو مات عنها، وقالت له الجارية ذلك؛ لم يجز للمشتري أن يطأها، ولا يزوجها حتى تشهد البينة على الطلاق أو الوفاة، فإن أراد المشتري ردها وادعى أنه ظن أن قول الجارية والبائع في ذلك مقبول: لم يكن له ذلك، وإن كان ممن يجهل معرفة ذلك وقد لزمته بعينها.

وفي سماع ابن حبيب سمعت أصبغ يقول في المظاهر يطأ قبل الكفارة أنه يعاقب؛ جاهلا كان أو عالمًا. ولأشهب في ديوانه فيمن أعتق أم ولده ثم وطئها في العدة وأدعى الجهالة أنه لا يعذر لذلك والحد لازم كما لو زنى رجل وزعم أنه لم يعلم بتحريم الزنى، وفرق أشهب بين المعتق والمطلق ثلاثًا أو البتة يطأ في العدة، فقال في المطلق: لا يجد ويلحقه الولد، وهو موضع شبهة لأهل الجهل وكذلك المطلق قبل الدخول ثم يطأ يلحقه الولد ولا حد عليه ولا عليها، وذكر ابن حبيب عن أصبغ في الموصي إليه يشتريى نصرانية فيعتقها: ثم يجز ويضمن الوصي وإن أخطأ أو جهل. وفي سماع ابن القاسم: سئل مالك عن رجل علي صيام الظهار فصام ذا الحجة، فقال: لما صام وهو يعلم أنه مفطر؟ فقيل له: قد كان ذلك. قال أحب إلى أن يبتدئ الشهرين وإن بنى على صيامه فعسى أن يكون له في ذلك سعة، وما هو بالبين، قال ابن القاسم: أرى أن يبتدئ الشهرين، ولا تنفعه الجهالة؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه: {فصيام شهرين متتابعين} (النساء: من الآية 92): فلا تنفع أحدًا جهالته فيما خالف كتاب الله. وفي الشهادات من سماع ابن حبيب: وسألت مطرفًا عن تارك شهود الجمعة، وهو ممن يجب عليه حضورها، هل يجرح ذلك شهادته؟ فقال لي: سمعت مالكًا يقول: من تركها من غير مرض ولا عذر؛ لم تجز شهادته. قال مطرف: وذلك إذا تركها مرارًا ولم يعرف له عذر في تركها، وشهادته مطروحة حتى يثبت عذره ويظهر ولا يعذر في ذلك بجهالة. وروي عن مالك ابن أبي حبيب قال: قلت رجل وأنا حديث السن: ما على الرجل يقول: على مشي إلى بيت الله ولم يقل: على نذر مشي، فقال لي رجل: هل لكان أعطيك هذا الجرو – لجرو قثاء في يده – وتقول علي المشي إلى بيت الله؟ قال: فقلت: نعم، فقلت وأنا يومئذ حديث السن، ثم مكث ما شاء الله حتى عقلت فقيل لي: إن عليكم مشيًا فجئت سعيد بن المسيب فسألته فقال: عليك مشي، فمشيت. قال مالك: وهذا الأمر عندنا. قال أبو عبد الله: وحكم الجاهل في مسائل الصلاة حكم العامد سواء لا يعذر بالجهل فيها، وكذلك الحج يستوي فيه الجهل والعمد والنسيان

في كثير من وجوهه. قال مالك في الموطأ: من نتف شعرًا من أبطه، أو من أنفه، أو طلي جسده بنورة، أو حلق عن شجه في رأسه لضرورة، أو حلق قفاه لموضع المحاجم وهو محرم؛ ناسيًا أو جاهلاً، فعليه في ذلك كله الفدية إن فعل شيئًا منه، ومن قذف عبدًا فظهر أنه قد كان أعتقه قبل ذلك فالحد يلزم، ولا يعذر بجهل العتق، وكذلك إن لم يعرف العبد بعتقه، فقذف أو شرب مسكرًا أو زنى فحده حد الحر. والمرأة يغيب عنها زوجها فتنفق من ماله ثم يأتي نعيه أنها ترد ما أنفقت من حين توفي وإن كانت جهلت موته. والبيوع الفاسدة حكم الجاهل في ذلك حكم العامد في جميع الوجوه، ومن اشترى أباه أو أحدًا ممن يعتق عليه جاهلاً بذلك لم يعذر بالجهالة وعتق عليه، فإن اشتراه عبده المأذون أو مقارضة فكذلك. قال القاضي: هنا انتهى ما جمعه الشيخ أبو عبد الله بن عتاب رحمه الله مما لا يعذر فيه بالجهل فاعله، وما قصر رحمة الله عليه ورضوانه. التنازع في طريق إلى كرم داخل كروم أو أرض بين أرضين: كان لرجل كرم بين كروم لأناس شتى متلاصقة، وكانت قد تبورت، فكان صاحب الكرم يسير إلى كرمه من حيث شاء لا يمنع ثم عمر أرباب الكروم كرومهم، فمنعوه من الدخول عليها، وكان قبل عمارتهم لها بالغرس قد سلك على الأرض إلى كرمه نحو ستة أعوام، فلما غرس الأرض ربها وأدرك الغرس منعها من السلوك عليه أو سكتت له الأربعة الأعوام أو نحوها بعد الغرس. ونزلت ببياسة فكتبت بها إلى قرطبة قبل سنة أربع وأربعين وأربع مائة قلت: وكيف إن كان في موضع الكرم أرض بيضاء ما العمل في ذلك؟ فكتب إلي ابن عتاب: الأرض البراح مخالفة لما قد حشر عليها وصرف إلى موضع يدخل منه، فإن كان لأهل البلد سنة في الفدادين والأحقال حملوا عليها، وإلا فإن كان صاحب الأرض المجهولة المدخل يعلم أن مثله يجهل ذلك لمغيب أو صغر يكون قد ورث الأرض وهو صغير أو

غائب يجهل أمرها، فيلزم ل من جاوره اليمين أنه لا مدخل له على أرضه، فمن حلف برئ ومن نكل كان عليه المدخل. وإن كان صاحب الأرض ممن يعلم أنه لا يخفى عليه ذلك ولا يجهله قيل له: لا يمين لك على من يجاورك بهذه الدعوى التي لا تحققها، فإن حققت دعواك على أحد لزمته اليمين أو يصرعها عليك فيحق بذلك ما تطلبه وإلا فلا شيء لك فلما وردني جوابه هذا أعدت سؤاله عن الحكم كيف يكون إن حلفوا أجمعوا أو تكلموا أجمعون. فكتب إلي: ليس عندي من الجواب إلا ما جاوبتك به إلا أنه أظهر إلى بعض أصحابنا مسألة كتب فيها إلى يحيى، فأجاب فيها، تشبه مسألتك في اللفظ، وتخالفها في المعنى، وهي كتب عثمان بن غازي إلى يحيى بن يحي بن يحي في رجل كانت له أرض، وقد أحاط بها أرض قوم فغرسها، فكان يختلف أحد الشركاء إليها على أرض من جاوره، فسد القوم أرضهم بالسد، ومنعوه الممر فيما سدوا عليه، فوقف لا يجد ممرًا إلى كرمه، فكتب إليه أن يؤمروا أن يجعلوا له طريقًا إلى كرمه على غير مضرة بهم ولا به ثم يتراد القوم هذا الممر بينهم حتى تكون على جميع من كان يختلف عليه. وكتب ابن القطان إلي. قي مسألتي إذا لم يثبت لصاحب الكرم الداخل طريق على واحد من المانعين له، فلا طريق له عليهم وإنما يقول له الحكم: إن أثبت عندي شيئًا حكمت لك له، إلا أنه إن ادعى أن له طريقًا على أحدهم وحقق دعواه حلف له المدعي عليه، فإن نكل حلف المدعي، وقضي له بما يدعي من الطريق. وأما سلوكه المدة التي ذكرت فلا حجة له في ذلك إن لم يحتج بسكوت المسلوك عليه، وإن قال هو ملكي ومالي وطريقي إلى كرمي؛ فعلى رب الكرم أن يثبت أن الأصل له وأن مروره هذا محدث، فإن أثبته قضي له بدفع محدث الطريق إن شاء الله عز وجل وكان في جوابه إصلاح اعتذر منه كما يعتذر في الوثائق. قال القاضي: ورأيت بعد ذلك في هذا المعنى كتب إلى بكر بن وافد فيمن له أرض فغرسها كرمًا وحوله أرض جيرانه وقرابته غير محظور عليها، فكان يختلف إلى كرمه من حيث أمكنه

عشرين سنة أو نحوها، ثم غرس جيرانه وقرابته أرضهم من كل ناحية، وأغلقوا عليه فمنعوه الاختلاف إلى كرمه من كل ناحية، فأجاب ليس لهم أن يغلقوا ما يقطعون بإغلاقه السلوك إلى أرضه إن شاء الله. وفي كتاب البنيان والأشجار لابن حبيب: وسألت أصبغ عن أرض لرجل في وسط أرضين لقوم كان ينتجعها بالحرث والحصاد على فدان من لم يحرث فدانه تلك السنة، فأراد أن يتخذ بنيانًا في أرضه تلك فمنعه أصحاب الفدادين المحيطة به، وقالوا: تطرق علينا وتضر بنا فداديننا إذا زرعنا. هل يمنع مما أراد من البنيان في أرضه؟ فقال لي: لا يمنع من ذلك وهو يمر إلى أرضه من حيث كان يمر مرة من هذه الأرض إذا لم تزرع ومرة على هذه الأخرى إذا زرعت، ويمنع من أن يضر بالقوم في زروعهم. قلت: فإن أراد كل واحد منهم أن يغلق على أرضه ببنيان أن بحظير البستان كيف يصنع صاحب الأرض المتوسطة؟ قال: يمنعون مما ذكرت حتى يجتمعوا له على ممر يتركونه له من أرض من شاءوا منهم، وذلك على كل من كان هذا المتوسط يختلف على أرضه إلى ارض نفسه. قلت فإن اختلفوا في هذا الممر؟ فقال لهم المتوسط: اتركوا لي ممرًا واسعًا يحملني وماشيتي وجميع حوائجي، وأبى القوم من ذلك. فقال لي يحكم له عليهم بمثل الممر الذي كان له في أرضهم من قبل البنيان منهم، ومنه على حال ما كان يختلف إليها بماشيته. وإن لم يكن يختلف قبل ماشيته لم يكن عليهم أن يتركوا له ممر ماشيته وكذلك إذا أراد هو البنيان وحده. ولم يردوا هم بنيان أرضهم، وتركوها للحرث والزرع كما كانت، فاحتاج من المنافع من دخوله إلى أرضه وخروجه منها إلى أكثر مما كان يحتاج أولاً؛ إذ كان يختلف إليها للحرث فقط فإنه يمنع من البنيان؛ لأنه استحقاق لأكثر من حقه. قال وسئل ابن القاسم عن ذلك فقال مثله. وفي حريم البئر من المدونة: فيمن له بئر يحول بينه وبين أرضه أرض جاره، فمنعه الجار من الممر إلى العين. قال ابن القاسم: سمعت مالكًا يقول فيمن له أرض حوله أرض للناس مزروعة فأراد أن يمر بماشيته إلى أرضه في زروعهم إن كان ذلك يفسد فلهم أن يمنعوه.

وفي المجموعة: سئل سحنون عن طريق الفدادين، فقال: إن كان لهم أمر معروف حملوا عليه وإن نظر، فإن كان أهل الفدادين من سبق منهم إلى حرث فدانه لم يقدر أحد أن يشقه، ودار أصحابه من وراء ذلك فليس لأحد على أحد طريق، وإن كان إذا حرث أحدهم شقوا أرضه وسلكوا في حرثه طريقًا قد عرف ذلك فهو على ما عرفوا ليس لأحد أن يغيره. وفي الأقضية: في نوازل سحنون في أهل منزل يحجز رجل على حق له، وارض يغرسها وكان أهل المنزل يسلكون فيها طريقًا هم وغيرهم فقاموا عليه فقالوا: قطعت طريقنا فأنكر أن يكون طريقًا لهم لازمة، فأتوا هم إلى الحكم ببينة أنهم يعرفونها طريقًا سلكها الناس منذ عشرين سنة، ويأتي رب الأرض ببينة أنها طريق محدثة بلا حق. قال سحنون هذا كثير ما يكون بين المنازل، ويختصر الناس في الأراضي وربما قطعها الحرث، حتى ربما كانت القرية تؤتي من غير طريق، وربما تساهل الناس في أرضهم لاستبعادهم عن ذلك، فإذا ثبت أن هذه الطريق من تلك الأرض فليست بلازمة لرب الأرض إلا أن تكون الطريق الحاملة التي تركب من غير وجه، ويطول ذلك، وتقطع مدة كرية الزرع في اتساعها، وطول زمنها الخمسين والستين سنة فأما الطريق المختصرة فليست بحجة على صاحبها، إذا ثبت ذلك كما ذكرت لك. وفي رسم المكاتب من سماع يحيى: ذكر الأفنية وفي كتاب السلطان في رسم طلق وغيره من هذا الأصل وفي قسمة المدونة مسألة من له نخلة في أرض رجل، تركنا جلب هذا وغيره كراهية التطويل، ويما ذكرناه ونبهنا عليه تبصرة لمن استبصر وتذكرة لمن أراد أن يتذكر. ادعى أن واليا بجيان غصبه منزله فأمر الأمير بالنظر هل: فهمنا – وفق الله القاضي – بطاقة حسنة وتضرعًا لرجل من أهل جيان ملهوف بأمرك الأمير – أصلحه الله – بالنظر لصاحب هذه البطاقة بالحق والسنة وكشفتنا عن وجه النظر فيها، وكانت شكية الرجل صاحب البطاقة بعامر بن أبي عامر وأنه غصبه منزله في أيام ولايته كورة جبان، فوجه النظر أن تحمل هذا القائم إثبات موت عامر بن عامر وعدة ورثته وغصبه إياه هذا المنزل، فإذا أثبت ذلك أعذرت إلى ورثته ثم تنظر بينهم بما

يظهر لك إن شاء الله. قال بذلك محمد بن لبابة، وعبد الله بن يحيى، وأيوب بن سليمان، ومحمد بن وليد. مسألة ابن نيرة وابنه المقتولين من مماليك منية العجب واعتقال أموالهما لينظر فيها: مد الله القاضي في النعمة، وللمسلمين في بقائه ودوام أيامه أنت والله نسأله حياطتك في كشفك عن الواجب عليك في جميع نظرك على أفضل ما كان عليه سلفك رحمه الله أخذًا بالحيطة لنفسك ولمن تنظر له، فحاطك الله وحاط بك الذي أحببت – وفقك الله – معرفته في أمر ابن نيرة المقتول، وابنه المقتول معه، وأنهما في ديوان القضاء على اسم مملكة. وأن من كمان بمينة العجب موقفًا لعمارتها إنما كان في عبيد مسمين قد سميت نساؤهم وأولادهم في كتاب المدون للقضاة، وحجرت على العبيد في نكاح الحرائر، فلم قتل ابن نيرة وابنه أشكل عليه أمرهم، ولم تعلم أهما من أبناء الحرائر أم من أبناء الإماء؟ ورفع رافع أن لابن نيرة مالاً، وقد تخلف ولدًا صغيرًا، ولم يزل الله يحوط بك الصغير والكبير، والحضار والبادي. فالذي يجب عليك اعتقال مال ابن نيرة من وجهين: أحدهما أنه إن كان من أبناء الإماء هو وابنه المقتول والصغير الباقي، فلما له حكم وإن كان في نفسه من أبناء الحرائر انتقل الحكم إلى غير ذلك إن كان ابنه مثله. ولو لم يكن هذا المعنى قائمًا لكان عليك النظر للصغير في جميع ماله كما لم تزل تفعل في مال غيره فمره – وفقك الله – باعتقال ذلك ومعرفة مبلغ المال ثم تجمع أهل شوراك فتفصل بما يجتمع عليه قولهم – إن شاء الله – فقد كان في أيام القاضي ابن سلمة مثل هذه القضية في رجل مات منهم وأنت باستقصائك وموالاتك بالمشاورة لا تعدم التوفيق – إن شاء الله – قال محمد بن غالب وعبيد الله وابن لبابة وأبو صالح ومحمد بن وليد. من لزمه حد ولم تعرف حقيقة بلوغه: قال ابن لبابة إنما يعرف البلوغ بالسنين كما فعل النبي (صلى الله عليه وسلم) إذ رد ابن أربع شعرة سنة ومن جهلت سنوه؛ ففيه للصحابة حكم في المهري اختلفوا فيه بالإسكندرية إن كان بالغًا أو غير بالغ، فأمر أبو بصرة الغفاري بالنظر إليه إن كان أنبت فيحكم له بالبلوغ،

وإن كان لم ينبت لم يحكم له به ولا يفرض له في المغانم، والعمل في الإسلام على هذا إن وجدت من يقطع عل ولادة، وإلا فقد نظرنا إليه لم ينبت وحسبك هذا حكمًا من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم). صبي أسلم وأراد الرجوع إلى دينه: أتاني – رحمك الله – صبي لم يبلغ فأسلم وصار عند رجل فضمه إليه ابتغاء ثواب الله عز وجل فتردد عليه أبواه يريدان رده إلى دينهما، والغلام يأبى، فلما كان البارحة أتاني والده فأعلمني أن ولده يريد الرجوع إلى والديه ودينهما، فاكتبوا غلي بما يجب في ذلك. قال ابن لبابة: فهمت ما ذكره القاضي، فإن كان الغلام قد عقل، مثل أن يكون ابن عشر سنين أو ما زاد فليتشدد عليه ويهدد ويوعد عليه، فإن لج في الرجوع إلى دينه برئ به إلى أبويه ولم يبلغ به القتل ولا يكون هذا معجلا حتى يبلغ، ثم تكون الفتيا على ما مضى في الجواب، وأسأل الله التوفيق. غلام أسلم ثم عاد إلى النصرانية دينه: كتب القاضي إلى عبيد الله بن يحيى – حفظك الله وأبقاك – أتاني – رضي الله عنك – غلام من النصارى يريد الإسلام، فأسلم على يدي وكتبت إسلامه وأشهدت عليه، فلما كان بعد أيام أتاني فذكر أنه بدا له عن الإسلام فامتحنته فوجدته مصرًا على ما قال، فانظر إليه وإلى كتاب إسلامه، وتكتب إلي برأيك فيه مفسرًا إن شاء الله. فجاوبه: أسأل الله أن يديم إقامة السنين بك، وأن يجزل على ذلك ثوابك، الغلام – مد الله في عمرك – في قده مراهق ولا أظنه بلغ، فأرى أن يحمل عليه الوعيد، فإن رجع إلى الإسلام فبتوفيق الله وجميل نظرك/، وإن أصر حبسته أيامًا لعله يراجع أمر الله، فإن أصر تركته في سخط الله عز وجل، فليس بأول من أغواه الشيطان، والله أسال لك أجزل الثواب وأعظم الأجر، والسلام عليك ورحمة الله وقال ابن لبابة مثله. قال القاضي: هذه أجبوة مهلهلة يسلم وهو مشكوك في بلوغه ثم يرتد ولا يجبر على الإسلام إلا بالوعيد وسجن أيام!! هذا جهل من قائله! قال سحنون من أسلم قبل بلوغه ثم عقل

الإسلام فارتد ومات قبل البلوغ، وهو يكره على الإسلام فميراثه لأهله. قال ابن القاسم وأشهب وعبد الملك: ولو لم يمت لم يقتل، وإنما يكره على الإسلام بالضرب وإن بلغ والمغيرة يقتله إن تمادي بعد البلوغ. وأما ن ارتد من أولاد المسلمين فاليؤدب، فإن تمادى حتى بلغ، فأصحابنا مجمعون على أن يقتل إذا بلغ وتمادى، ابن سحنون قال المغيرة: إن أسلم غلام مراهق يعقل الإسلام ثم مات فلا يرثه أبواه الكافران، وقد أجاز عمر وصية غلام يفاع. وإن مات أبواه أوقف ميراثه؛ فإن رجع الغلام إلى دين أبيه قبل الحلم ورثه، وإن لم يرجع لم يرثه. من حدود النوادر. وفي قول المغيرة هذا نظر فتدبره، وفي هذه الجملة بيان خطأ الجواب في مسألة الصبي الذي أغواه التي قبل هذاه. غلام يزعم أنه حر وأنه يكره على اليهودية، وادعى يهودي أنه مملوكه فوقف عند أمين فقال الأمين: إنه أبق منه: فهمنا – وفقك الله – ما ذكرت من رفع الرافع إليك أن غلامًا أقفل عليه في دار يستغيث ويقول: إنه يكره على اليهودية فأرسلت من كشفته بكشف عن ذلك فانصرف ومعه يهودي وغلام بالغ فأعلمنهما بما رفع إليك، فقال اليهودي الغلام عبدي ابتعته منذ أربعة أعوام من يهودي من أهل طليطلة، والغلام حينئذ يهودي وأنكر أن يكون ضربه وأقفل عليه. وقال الغلام: أنا حر ابن حرين مسلم ابن مسلمين من أهل طليطلة، قدمت منها منذ ثلاث أعوام مع رجل من اليهود فنزلنا فندقًا ثم انتقلنا منه إلى هذا اليهودي بخدمته، وإني حين أظهرت الإسلام وأردت الخروج عن خدمته ضربني وأقل علي وكشف الغلام عن ظهره وبه آثار ضرب شدية لا يمكنه فعل ذلك بنفسه، وقال له البينة أنه حر، وادعى اليهودي بينة حاضة يعرفون الغلام، وقال: إن معه عهدة الغلام مكتوبة بالعبرانية. فوقف الغلام على يدي أمين الممتحن أمره ونأخذ رأي أهل العلم فه، وسأل اليهودي أن يحبس الغلام في السجن، ثم قال الأمين: ابق الغلام مني من غير تفريط في الاحتراس به، فقال اليهودي: إنه كان سبب إبقاء الغلام أن الأمين خرج به مع نفسه إلى ضيعة، وكان الغلام في مجلس حكومة القاضي في الوقت الذي ذلك فيه اليهودي أن الغلام

أبق إلى وقت ارتفاع القاضي من نظره، وطلب اليهودي إغرام الأمين قيمة الغلام، فسأله القاضي – وفقه الله – هل يجب على الأمين قيمة الغلام أم لا؟ فالذي نقول به في ذلك، والله الموفق للصواب: إن توقيف القاضي للغلام لاستبراء أمره حزن من النظر وصواب من الفعل، والذي يطلبه اليهودي من إغرام الأمين باطل لا يلزم؛ لأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "ليس على أمين غرم (¬1) ". وقال أهل العلم: إلا أن يتعدى، وقلت: إنه ثبت عندك أن الغلام كان في مجلسك إلى أن ارتفعت عن النظر في اليوم الذي ذلك اليهودي أنه ابق يه الغلامن ولو ثبت خروج الأمين بالغلام ثم ثبت رجوعه به وابق، لم يضمن أيضًا فهذا قولنا فيما سألتنا عنه. قاله ابن وليد. وقال ابن لبابة: ليس على أمين ضمان إلا أن يثبت أنه سار به إلى باديته وأبقى من البادية، فلو ثبت ذلك بالبينة فحينئذ كان يضمن لأنه تعدى بإخراجه عن موضع أمانته، فيكيف وقد رئي في مجلس القضاء يوم إباقه، فهذا تكذيب لما ادعاه اليهودي وإسقاط لدعواه عن الأمين. وقال عبيد بن يحيى: لا ضمان على الأمين إلا أن يكون أبق عنه من منزله، فأما إن كان رجع به فأبق من داره بعد أن ظهر في مجلس القاضي فلا ضمان عليه. وقال أحمد ابن يحيى بن أبي عيسى: لا ضمان على الأمين وساق نحو كلام عبيد الله. وقال محمد بن غالب: خروج الأمين بالغلام محترسًا به لا يوجب ضمانًا حتى يثبت بالبينة العدلة أنه خرج به لمفنعة نفسه، فيكون متعديًا فيضمن، وإن رجع به فلا ضمان عليه أصلاً في كل حال، وقال يحيى بن عبد العزيز مثل ذلك، وقال أيوب مثله، وقال سعد ابن معاذ مثل قول عبيد الله. من تعدى على باب رجل فكسر بابها وضرب ربها وانتهب ما فيها: شهد عند القاضي شهود أنهم قالوا لعمر بن عبد العزيز: لقد ساءنا ما سمعناه عن ولديك من مسيرهما بجماعة من أهل الفساد والشر منهم عبيد الأقطع وابن تمامة النواجه وحارث الجنان، وسعد الذي صار في خدمتك إلى دار يسكنها عبد الله، سكارى، ¬

_ (¬1) ... هذا الحديث لم أعثر عليه.

وكسروا الباب وهجموا على العيال، وانتهبوا ما في الدار، وضربوا عبد الله حتى أشفى على الموت. فقال عبد الملك ومحمد ابنا عمر: نعم فعلنا ذلك وفي شهادتهم أنهم يعرفون الفعلة بأعيانهم وأسمائهم من أهل الفساد والشر وشرب الخمر والعباثة، وشاور في ذلك فقالوا فهمنا – وفقك الله – الشهادات الواقعة، فرأينا شهادات توجب الأدب البليغ والحبس الطويل على الفعلة المسمين في هذا الكتاب المشهود عليهم إن لم يكن عندهم مدفع وإن ذكروا مدفعًا حبسوا وكشوفوا عن مدفعهم وهم في الحبس، فإن مثل هذا شنيع يكون في مجمع وحاضرة فستحقون الأدب البليغ، ومن شهد عليه بشرب الخمر منهم فعليه الحد وزيادة الأدب، لعظيم ما انتهكوا وأظهروا. قاله عبيد الله وابن وليد، وابن لبابة وسعد بن معاذ. قال القاضي: سكتوا في جوابهم هذا عن الحكم على المشهود عليهم بغرم ما انتبهوا من الدار، على ما شهدوا به الشهود، وهو من فصول المسألة التي يجب بيانها. قال ابن حبيب في كتاب الأحكام من أسمعته: سألت كطرفًا وابن الماجشون، عن القوم يعدون على منزل الرجل فيغيرون عليه والناس ينظرون فينتهبونه ويذهبون بما كان فيه من مال أو حلي أو ثياب أو طعام أو ماشية، غير أن الشهود لا يشهدون على معاينة ما يذهبون به إلا أنهم يشهدون على غاراتهم وانتهابهم. فقال لي مطرف: أرى أن يحلف المغرا عليه على ما ادعى مما يشبه أن يكون له وأن مثله يملكه مما لا يستمكر ويصدق فيه، وقال لي ابن الماجشون: لا أرى أن يعطي بقوله ويمينه وإن ادعى ما يشبه، حتى يقيم بينة بدعواه، وسألت عن ذلك أصبغ فأخبرني عن ابن القاسم مثل قول ابن الماجشون، واحتج بقول مالك فيمن انتهب صرة دنانير بحضرة شهود ثم اختلف في عدة ما كان فيها ولا يعرف الشهود – قال مالك: القول قول المنتهب مع يمينه. قال ابن حبيب: وقول مطرف في ذلك أحب إلي وبه أقول. وقال ابن كنانة والظالم، أحق من تحمل عليه قلت لمطرف: فإن أخذ واحد من هؤلاء المغيرين، أيضمن جميع ما أغاروا عليه إذا شهدت به بينة أو حلف المغار عليه مما يشبهه؟

فقال لي: نعم يضمن ذلك من أخذ منهم، لأن بعضهم قوى ببعض، كلاقوم يدخلون حرز الرجل فيسرقون الخشبة التي لم يكن يقوى عليها وثمنها ثلاثة دراهم، فكلهم يقطع وكل واحد منهم يضمن جميع ثمنها إن كان له مال، من قبل أنه كأنه إنما سرقها وحده، ولو لم يضمن إلا ما ينويه وهو أقل من ثلاثة دراهم لما قطع إذن، ولكنه أنز كأنه سرق وحده ذلك جبر كأن بعضهم إنما قوي ببعض، فكذلك المغيرون على الرجل. قال لي مطرف: وكذلك اللصوص المحاربون القاطعون الطريق؛ من أخذ منهم ضمن جيمع ما أخذ هو وأصحابه، وإن أخذوا جميعًا أخذ جميع السراق والمغيرين وهم أغنياء، أخذ من كل واحد ما ينوبه. وقال ابن الماجشون وأصبغ في ضمان ذلك مثل قول مطرف. قال لي مطرف وحد هؤلاء المغيرين في العقوبة كحد المحاربين إذا شهروا السلاك عليه، وفعلوه مكابرة على وجه الغلبة، كان بأصل نايرة أو على وجه الغياثة. قال في جميعهم في والي بلد، يعتب على بعض أهله فيغير عليهم وينسف أموالهم ظلمًا، مثل قولهم في المغيرة. مسألة في أهل الشر: قرأنا – وفقك الله – الشهادات الواقعة عندك، على أحمد وعمر ابني عطاف، بالأذى للناس باللسان واليد والشر والردى والفساد والبسط، والتعدي على الناس، وفهمنا منا ذكرته من قولك لبعضهم، يجب - أكرمك الله – على أحمد وعمر الأدب الموجع والحبس الطويل، فإن الإغلاظ على أهل الشر والقمع لهم والأخذ على أيديهم مما يصلح الله به العباد والبلاد. قال ابن لبابة، وابن وليد بعد الإعذار في ذلك. وقال به يحيى بن عبد العزيز، وابن معاذ وعبيد الله، وأيوب، وخالد بن وهب، وقال: من لم يمنع الناس من الباطل ليم يحملهم على الحق. في امرأة رمت رجلاً أنه افتضها: أتتني – رحمنا الله وإياكم – امرأة فذكرت أن رجلاً اختدعها وافتضها، ونسبت ذلك إلى رجل شهد عندي جماعة من خيار المسلمين ممن أعرفه أنه من أهل الطهارة والحالة الحسنة، وأنهم لا يعلمونه نسب إليه من هذا الشيء، وشهد عندي أن هذه الجارية منسوب إليها الردى، فاكتبوا إلي بما عندكم في ذلك.

الذي عندنا – أكرمك الله – في هذا أنها إذا رمت في ذلك رجلا لا شيبهه ما رمته به ولا ينسب إليه ما شهد به عليها مما نسب إليها، فالحد لعيها واجب للرجل الذي رمته حد الفرية ثمانون سوطًا. قاله أبو صالح. وقال ابن لبابة: وتضرب لإقرارها بالزنا مائة سوط فيكون عليها مائة وثمانون سوطًا، يريد إن أقامت على دعواها، وإن رجعت عن ذلك لم يلزمها إلا حد القذف. قال القاضي: وهذه المسألة إذا ادعت المرأة أن فلانًا استكرهها في المدونة في الخلع وكتاب الشهادة وكتاب الغصب، وكفى الشهادات، وعند آخر كتاب السرقة، وفي سماع أشهب في كتاب الغصب، وفي مساع عيسى في الحدود، وفي أول رسم من سماع يحيى في كتاب الدعوى. وقال ابن المواز: إن جاءت به متعلقة تدمي أو لا تدمي، وهو ممن لا يتهم بذلك، حدت للقذف لا للزنا. قاله ابن القاسم وابن وهب، وقاله مالك، وقال ابن الماجشون: ولا يلزمه صداق ولا أدب، ولا تحد هي لما رمته به، وقالع أصبغ. وإن كان متهمًا فلها عليه صداق المثل. قاله ابن الماجشون وأشهب، وقال ابن القاسم لا صداق لها أن يشهد رجلان أنه احتملها وغاب عليها، فتحلف وتأخذ صداقها إن ادعت أنه أصابها ويوجع هو ضرًا، وقاله مالك. وقال ابن حبيب: سألت مطرفًا عمن سرق متاعه فاتهم من جيرانه رجلاً أو فريبًا لا يعرف حاله؛ أترى للإمام أن يحبسه حتى يعرف يسأل عنه ويتبين حاله؟ فقال لي: نعم، أرى ذلك على الإمام، وأرى ألا يطيل حبسه. قلت له: فإن كان هذه المتهم مأبونًا بالسرقة متهمًا بها؟ قال فذلك أطول لحبسه، وإن وجد عنده بعض متاعه وادعى المتهم أنه اشتراه، ولا بينة له، وهو متهم بالسرقة فلا سبيل للمدعي إلا فيما في يديه وإن كان غير معروف بذلك، فعلى السلطان حبسه والكشف عنه. وإن كان معروفًا بالسرقة مأبونًا في حاله حبس أبدًا حتى يموت في السجن. قال: وسألت عنه ابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ فقالوا مثله، وكتب بذلك عمر بن عبد العزيز.

وقال ابن المواز من ادعى سرقة واتهم بها من هو من أهل التهم، كشف واستقصى عليه بقدر تهمته وشهرته بذلك، وربما كان فيه الضرب، وهذا فول العلماء، وقاله مالك والليث. قال ابن وهب: قال الليث من وجد معه متاع مسروق وقال: اشتريته، فإن كان متهمًا عوقب. وكتب عمر بن عبد العزيز في مثله أن يسجن حتى يموت، وقال أشهب: إذا شهد فيه أنه متهم فإنه يمتحن بقدر ما اتهم فيه، وعلى قدر حاله، ومنهم من يجلد بالسوط مجردًا. وإن كان الولي غير عدل فلا يذهب به إليه ولا يشهد عليه عنده، إلا أن يعرف أنه لا يأخذه بغير حق. ابن المواز، وذكره ابن حبيب عن أصبغ من حال الوالي برجل، فقال: سرق متاعي، فأن كان موصفًا بذلك متهمًا هدد وامتحن وأحلف. قال محمد: قال أشهب: لا يمين عليه. قال ابن حبيب عن ابن الماجشون: من شهدت عليه بينة أنه سارق معروف بالسرقة متهم بها قد سجن فيها غير مرة، إلا أنه لم تكن معه سرقة حين شهدوا عليه، فلا يقطع بذلك لكن يطال سجنه. في الشهادة على ابن حمدون يعصر الخمر وبيعها: شهد عند القاضي أحمد بن محمد قاضي الجماعة بقرطبة محمد بن كليب ومحمد بن زياد وزكريا بن خميس، أنهم يعرفون عبد الله بن حمدون بعصر الخمر وبيعها وبشربها ويدخرها ويجتمع إليه أهل الشر والفساد. فجاوب أبو صالح وابن وليد وعبيد الله: شهد عند القاضي أحمد بن محمد قاضي الجماعة بقرطبة محمد بن كليب ومحمد بن زياد وزكريا بن خميس، أنهم يعرفون عبد الله بن حمدون بعصر الخمر ويبيعها ويشربها ويدخرها ويجتمع إليه أهل الشر والفساد. فجاوب أبو صالح وابن وليد وعبيد الله: قرأت – وفقك الله – الشهادات وفهمتها – إن شاء الله – فإما شرب الخمر ففيه الحد ثمانون سوطًا، وأما عصرها وبيعها فالأدب على قدر ما يزعمه من ذلك وينهاه، وأما جمع أهل الشر والفساد فأكثر من ذلك من الأدب والحبس حتى بظهر منه توبة تعرف بعد الإعذار إليه في شهاداتهم عليه. وقاله محمد بن وليد. اللوث في الدم: كشفتك – رحمك الله – عن اللوث في الدم ما هو عندك وما يؤخذ به في ذلك، فقلت لي مشافهة: هو الرجل العذل، ولو وجدت في الدم أكثر من هذا لأخذت به اجتهادًا وحيطة، فأردت أنه يكتب إلي بخط يده بذلك ليكتب بعدك أصحابك.

فجاب عبيد الله بن يحيى بخط يده: نعم – رحمك الله – كذلك قلت لك، وهو رأيي والذي كنت أعرف والذي رحمه الله يقوله ويشير إليه، وقال ابن لبابة: هذه مسألة فد اختلف فيها، فالذي وضعه مالك في الموطأ أن اللوث البينة غير القاطعة. وروى أشهب عن مالك أن للوث: الشاهد العدل والشاهد غير العدل واللفيف، وروى ابن القاسم عن مالك وقال به أن اللوث الشاهد العدل، وقال به أصبغ. وللقاضي – وفقه الله – التخير على الاجتهاد بما يوفقه الله له من الحق إن شاء الله. وقاله أيوب بن سليمان، وسعد بن معاذ، ومحمد بن وليد ويحيى بن سليمان. قال القاضي: ما أدل هذه المسألة على قلة علم عبيد الله لاقتصاره في جوابه عنها على رأيه ورأي أبيه مما قيل في ذلك – رحمه الله وإياهم – وكذلك كان العلم في أكثر الأوقات عزيزًا قليلاً، فقهنا الله في الدين. وقال ابن حبيب: سألت مطرفًا عن تفسير قول مالك: لا تكون القسامة إلا بأحد وجهين: قول المقتول دمي عن\د فلان أو لوث من بينة غير قاطعة. فقال لي: سألت مالكًا عن اللوث، فقال لي اللطخ، أليس مثل اللفيف من السواد والنساء يحضرون ذلك، والرجلين غير العدلين أو النفر غير العدول يشهدون على ذلك، فتكون القسامة معهم. قال مطرف وقد كان بعض أصحاب مالك يروي عنه أنه قال: لا يكون اللوث إلا الشاهد العذل. وهو وهم من رواه، فاحذر هذا القول لا تقبله، فأظنه أنه قد انتهى إليك أنما قال له ابن أبي حازم ويومًا – ونحن جميعًا معه – يا أبا عبد الله ترى الشاهد العدل لوثًا؟ فقال: نعم، فجعله بعض من سمعه معنى أن تفسير اللوث: الشاهد العدل، وإنما معناه أنه لوث أيضًا، وهو أبين اللوث وأظهره، وإنما اللوث بعينه اللطخ البين، والشاهد الواحد منه اللوث والنفر غير جائزي الشهادة، أو الصبيان أو النساء إذا حضروا ذلك من اللوث أيضًا. وقد قيل بذلك عندنا بالمدينة. واللوث التباس الأمر واختلاطه، تقول: التاث هذا الأمر، فأعرف هذا، وإياك أن تقبل غيره. وسألت عنه ابن الماجشون فقال لي مثل قول مطرف، وأعلمت به أصبغ فاستحسنه، وقال به، ورأى أنه الحق والصواب.

وقال ابن حبيب: وأخبرني أصبغ عن ابن وهب عن الليث عن ربيعة ويحيى بن سعيد في نسوة شهدن عرسًا أو جنازة، فتنازعت امرأتان منهن، فشهدت امرأة كانت معهما أن إحداهما ضربت الأخرى بحجر على فؤادها فقتلتها وجحدت المرأة االقسامة تكون مع شهادتها، وهو من اللطخ والشبهة. قالا: وكذلك كل من شهد فيه النساء أو العبيد أو الصبيان أو ايهود أو النصارى أو المجوس من قتل فجأة أو قتل أو جرح، ولا يحضره غيرهم فإن شهادتهم في مثل هذا لطخ ولوث بين تجب به القسامة. ومثل أن يرى المتهم بحذى المقتول وقربه وإن لم يرده حين أصابه. ولمالك في سماع أشهب أن المرأة لوث، وأن العبد ليس بلوث. وقال ابن حارث: رأيت لسحنون: إنما يقسم مع الشاهد العدل إذا رأى جسد المقتول ميتًا. وقال محمد بن عمر أخو يحيى بن عمر: لا يعجبني هذا وهو خلاف قول المصريين. وقال ابن القاسم عنه في المختلطة: اللوث الشاهد الواحد إذا كان عدلاً، ويرى أنه حاضر الأمر في المجموعة مثل من روايته وقال عنه ابن نافع: ولا يحلف مع شهادة المسخوط ولا النساء ولا العبيد ولا الصبيان. وقال ابن المواز قال عن مالك أصحابه: لا تجب القسامة إلا بأحد أمرين إما أن يقول الميت دمي عند فلان أو بلوث من بينة على القتل وإن لم يكن قاطعة. وأحب إلي أن يكون اللوث شاهد عدل أو امرأتان عدلتان ثم روي أشهب عنه – وهو في العتبية – أنه الشاهد وإن لم يكن عدل، وكذلك المرأة. وقال مرة في غير العدل: أرجو. وقال: ليس شهادة العدل باللوث. قال محمد وذهب أشهب إلى أنه يقسم مع غير العدل ومع المرأة، وأما العبد واصبي والذمي فلم يختلف فيه قول مالك وأصحابه أنه ليس بلوث. قال أشهب ودعوى الميت أقوى في التهمة من شهادة المسخوط. قال ابن عبد الحكم: لا تجوز شهادة النساء في قتل العمد، ولا تكون لطخًا. قال محمد يريد امرأة واحدة، وأما امرأتان عدلان فيقسم مع شهادتهما، ويقتل بذلك. قاله ابن القاسم: وفي المنتخب لمحمد بن يحيى بن عمر بن لبابة: رجع مالك عن قوله يريد في الموطأ – بلوث من بينة، إلى أن قال: اللوث الشاهد العدل. قال: وقال ابن القاسم:

وما كل الناس اجتمع على هذا، فكيف إذا كانت غير قاطعة. قال القاضي: فأين عبيد الله من هذا كله، وفي التفسير الأول ليحيى بن يحيى عن ابن القاسم عن مالك في رجلين شهد أنه حضر بهما ثلاثة رجال يحملون خشبة ومعهم صبي هو ابن لأحدهم، فلما غابوا عنهما سمعا وقع الخشبة في الأرض وبكاء الصبي فأتبعاهم، فوجد اشخبة في الأرض، والصبي في حجر أبيه في الموت، ومات من ساعته: إنها شهادة قاطعة، تجب الدية على عواقهم، وإن لم يشهدا بالمعاينة. قال: قتل هذا وليي ولي وشهد بذلك رجلان ليم يعرفهما القاضي: فهمنا – وفقك الله – ما كشفت عنه عن أمر الذي أتاك برجل فزعم أنه قتل وليه، وأتاك برجلين شهدا أن هذا المرمي قتل ولي هذا، ولم تعرف الرجلين، فحبست المرمي، وأمرت أن يعود إليك الشاهدان إذ كنت على ظهر حتى تكتب شهادتهما، فلم يعودا إليك، ولم يعد الرامي، ولا تعرفه ولا قريته، ولا أتاك بسبب أكثر مما ذكرت وله في حبسك أكثر من خمسة عشر يومًا، وأردت معرفة الواجب فيه. فالواجب إذا لم يأتي الرامي بأكثر مما ذكرت، ولا ثبت نسبه من المقتول ابن عمه، فلا معنى لحبس هذا الرامي، كان متهمًا أو غير متهم، وإنما قال أهل العلم: يحبس المتهم الشهر ونحوه إذا قام بدم المقتول وليه وثبت ذلك، فأما مثل هذا فلا كلام له، ولا يجب به حبس من رماه. قاله ابن لبابة، وأيوب وابن وليد، وعبيد الله، ويحيى بن سليمان، وابن معاذ. زعم فلان ضربه وعفج بطنه وغير ذلك من التدمية: سألتنا – وفقك الله – عن أمر عنيت به من أمور الرعية التي قلدك الله أمرها، وجعلك راعيها عناية منك بها، واهتباك بأسبابها، وذلك أنه يردك من التدميات ما حملك على الكشف عنه، وذلك أن الرجل يأتيك بنفسه، يزعم أن فلان تولى ضربه وعفج بطنه حتى صار ذلك في موقف الموت بزعمه، أو يأتيك وليه عنه بمثل ذلك، ويدعوا إلى السماع من بينة على ذلك، ويطلب القائم بها حبس المدعي عليه، وقد يأتيك آخر ويدعي على رجل وبه جراحات غليطة مخوفة، وآخر عليه جراح سهل قد أسال دمه، وأحببت رضي الله عنك أن تعلم ما يلزمك به النظر في هذا لتنظر به إن شاء الله. فالذي نقول به: إن الزمان قد فسد، وإن هذه الحالة إنما يسرع إليها من لا رقبة له

عنده ولا خشية تمنعه من ركوب الباطل لاستخراج ما بأيد الناس بمثل هذا من الاحتيال، ولكنه مع ذلك تتوسط لهم بنظرك حالة تكون خلاصًا لك إن شاء الله، وأداء لحق ذوي الحقوق القائمين عندكن إن شاء الله. فمن جاءك وعليه جراح مخوفة فاحبس المدمي عليهم حتى يصح المجروح أو تتبين حالة يجب بها إطلاقه، ومن جاءك معافى من الجراح يدعي على رجل ضرًا مؤلمًا قد بلغ منه مبلغ الخوف على نفسه بغير سبب قائم، فادعى القائم بمثل هذه البينة على دعواه، فإن أثبت تعدي المرمي عليه ولم يكن عند المدعي عليه في البينة مدفع فغزرن وإن رأيت حبسه فذلك إليك على ما يظهر لكل من شنعه ما ثبت عليه. ومن جاءك بجرح خفيف وهو ممن يظن به أنه يركب مثل هذا من نفسه فاسلك به سبيل المعافي من الجراح. فإذا نظرت بهذا، كان نظرًا يدفع الله به اليد، ويدرأ به البسط، وينفع به العامة، ويدفع به عن دمائهم وأموالهم إن اء الله، قال بذلك كله محمد بن عمر ابن لبابة، وابن غالبن وابن وليد، وابن معاذ، ويحيى بن سليمان، وأحمد بن يحيى، ويحيى بن عبد العزيز، وعبيد الله بن يحيى. وقال أيوب بن سليمان: إلا في المدعي الضرب المؤلم غير الظاهر أو الجرح الخفيف، فإنه ادعى ذلك على من يشبه ما ادعى عليه من ذلك من دعواه، وإن لم يدعه على من يشبهه ذلك، فكما قال أصحابنا. وقال يحيى بن عبيد الله: قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: مالك يقول في المرأة تتعلق بالرجل الفاضل المبرز بالخير والعدل، وتقول: أكرهني على نفسي؛ قال: الحد عليها. وأنا آخذ بمثل هذا في التدمية، إذا قصد بدمه رجلاً فاضلاً قد عرف بالخير لا يقارف الدماء، فغني أبطل التدمية ولست أقبلها منه. قال محمد: وما عندي بينهما فرق. وصدق إن شاء الله عز وجل. قال القاضي: ترك يحيى بن عبد الله المصير إلى قول ابن القاسم وغيره والوقوف عنده والفتوى به، لأنه تفقه على محمد بن أدريس الشافعي في حياة أبيه وغيره من أصحاب المالكين، وإن كان قد رد على الشافعي في كثير من مسائله، ولا أظن ابن عبيد الله قد غاب عنه ما قاله ابن القاسم وغيره، فإن كان علمه فكان يجب أولاً أن يذكره ويختار قول من رأى الحق.

في قوله، وأما أن يعرض عن ذلك مشهور المذهب ولا يذكره ويعداه إلى غيره؛ فذلك تقصير. في كتاب الديات من المختلطة قال ابن القاسم: قال مالك: من قال دمي عند فلان ففيه القاسمة. ولم يذكر لنا مالك كأن المقتول مسخوط غاو غير مسخوط، وهو سواء وليس كالشاهد؛ لأنه لا يتهم، والمرأة كالرجل في ذلك في العمد والخطأ؛ في ذلك القسامة. قيل أرأيت إن قال المقتول: دمي عند فلان، فسمى رجلاً أروع تلك البلاد ممن لا يتهم في الدماء ولا غيرها، ليس بمأبون في شيء من الشر؟ قال: لم أسمع مالكًا يحاشي أحدًا من أحد، وأرى أنه مصدق في كل من ادعى عليه، وإن رمى بدمه صبيًا، أقسم ورثته وأخذوا الدية من عائلة الصبي، وكذلك إن رمى بدمه ذميًا أو أمة أو عبدًا، أقسم ورثته واستحقوا دمه؛ فإن كان عمدًا قتلوا، وإن كان خطأ قيل لسيد العبد: ادفع أو أفد، وقيل لأهل جزية الذمي: احملوا عقل هذا الرجل. وفي تفسير ابن مزين قال: وسألته يريد عيسى بن دينار عن صفة الضرب الذي إذا ادعاه الرجل أنه ضرب به أو قتمت به بينة؛ وجبت القسامة؟ فقال الضرب كله. فقلت له أمن ذلك اللطخة؟ قال: نعم قال الله تعالى: {فوكزه موسى فقضى عليه} (القصص: 15). قلت: فإن ادعى أن فلانًا ضربه، ومن ضربه يموت، وليس به أثر ضرب من جسده قليل ولا كثر؟ قال: يحمل من ذلك ما تحمل، وتكون فيه القسامة على سنتها. قلت وإن لم تعلم منازعة بين المدعي والمدعي عليه ذلك قبله؟ قال: وإن هو أعلم بما وصل إليه من ذلك. قلت: وإن رمى بذلك صالحًا من الناس لا يتهم بشيء؟ قال: وإن رمى بذلك خير الناس حالاً، فربما حدثت البلايا، وربما كان الضرب الذي يخفي أثره وهو يكيد صاحبه؛ فالقسامة تجب بقوله، ويمضي على سنتها، ويدين من ذلك ما تدين، وأصدق ما يكون المرء إن شاء الله حين ينزل به الموت ويحضره فراق الدنيا. قال ابن مزين: وأخبرني يحيى عن ابن يحيى عن ابن نافع مثله. وقال أصبغ من قال: سقاني فلان سمعًا ومنه أموت فمات، أقسم على قوله ووجب القود. وفي العتبيبة: في آخر سماع عيسى عن ابن قاسم: لا قسامة في مثل هذا إلا في

الضرب المشهود عليه أو الآثار البينة من الجرح وأثر الضرب، وفي سماع أبي زيد عن ابن القاسم فيمن ركض رجلاً برجله البطن، فمكث أيامًا فزعم أنه يجد من الركضة على فؤاده أمرًا شديدًا فمات. قال: ينبغي مثل هذا أن يخوف ويذكر الله، فإن أصرم وقال: والله مازلت منذ ركضني فلان بشر، وما قتلني إلا الركضة؛ رأيت أن يقسموا معه ويستحقوا دمه إذا كان مضجعًا من يوم ركضه حتى مات، وإن لم يضجع إذا رئي به ضرر ذلك وسببه فهو بمنزلة الاضطجاع. وقال ابن حبيب في كتاب إلى أصبغ بن الفرج: فيمن قربت إليه امرأة طعامًا، فما أكله تقيأ أمعاءه، فأمكن بالموت مكانه، فأشهد أن امرأته وخالتها فلانة به؛ هل يقسم على قوله؟ وفي قوله من قال: سقاني فلان سمًا منه أموت، ولا يعلم إلا بقوله ولم يتقيأ منه أمعاءه. وهل هذا كقوله: فلان لطمني ومنه أموت، ولا أثر ضرب به؟ فإنه قد نزل هذا ببلدنا، فاستشرنا فيه الإمام فاختلفنا عليه. فكتب إلي: نعم أرى القاسمة لأولياء هذا الرجل في مسألتكم إن شاء الله، ولا شك فيه عندنا للذي عاجله من الموت وإن لم يقل منه أموت، وهو كالضرب أو الجرح بسيف أو بعصى، فيقول فلان بي فيكتفي به، وإن لم يقل منه أموت، وقد يكتفي بقوله: فلان قتلني، وإن لم يكن به أثر؛ فيقسم عليه ولا يحتاج إلى كشفه كيف قتلني، ولا يمنع ذلك نم القسامة على قوله إن مات. وكذلك قال مالك فيمن قال: فلان قتلني مجردًا هكذا، لم يصف ضرًا ولا غيره، ولا أثر به؛ أنه يقسم بقوله، وليس عليك أن يكشف عن قوله أنه قتله، ولا متى ضربه. أخبرنا إياه ابن وهب عن مالك. وقاله جميع أصحاب مالك، لا اختلاف بينهم فيه: إن من قال: فلان قتلني، أو فلان ضربني، أن القسامة فيه قائمة في العمد والخطأ، وساق جوابه، وفيه طول وبيان اختصرته، وعند آخره: فالقسامة ثابتة في مسألتك في الذي أطعمته زوجته الطعام فتقيأ، إذا ثبت قوله بشاهدين يقسمون عليها أو على خالتها؛ لأنه إنما يقتل بالقسامة واحد؛ سنة ماضية مجتمع عليها من أهل العلم والسلف في زمان الصحابة، وتضرب الأخرى مائة وتسجن سنة. وفي سماع سحنون وسماع أصبغ: لا يثبت قول الميت دمي عند فلان، أو شجني

فلان، أو ضربني فلان إلا بشاهدين، فيقسم أولياؤه حينئذ، وأما بشاهد واحد فلان، فالقسامة تجب بقوله: دمي عند فلان على ما تقدم أو بشاهد على القتل أو على الجرح، على مذهب المدونة، وفي سماع يحيى، حتى يشهد على الجرح شاهدان. وفي أول نوازل سحنون القولتان. من أتى القاضي متعلقًا برجل برمية بدم وليه: كشف القاضي عن رجل يأتيه قد تعلق بآخر برمية بدم وليه، ويزعم أنه أحق الناس بالقيام بدمه، وأنه عمد لقتله، ولم يوضح ما ادعاه ولا سبب سببًا ما الذي يجب في ذلك. فتقول – رضي الله عنك -: إذا جاء مثل هذا المدعي يحتاج إلى أن يثبت أنه ولي هذا الدم، فإذا ثبت له قعدده من المدعي دمه؛ كشفت هل له بينة على دعواه؟ فإن ادعى ثبوت ذلك من يومه أو من الغد أمر القاضي بحبس المرمي، وإن أثبت القعدد ولم يحضره بينة على الدم؛ أطلت له في حبسه على ضربين: إن كان المرمي متهمًا خمسة عشر يومًا إلى الثلاثين في رواية زونان عبد الملك بن الحسن، وإن كان غير متهم؛ فاليومين ونحوهما. فإن أتى طالب الدم في داخل المدة بسبب قوي سقط هذا الحكم، ووجبت الزيادة في حبسه على ما تراه مما يرجى به إحقاق الدعوى أو غير ذلك. هذا الذي يجب النظر به إن شاء الله. قاله ابن لبابة ومحمد بن غالب، ويحيى بن عبد العزيز، ومحمد بن وليد، وسعد بن معاذ، وأحمد بن بقي، وأيوب بن سليمان، وعبيد الله، ويحيى بن سليمان، ويحيى بن عبيد الله. وفي كتاب ابن حبيب: سمعت مطرقًا يقول: من ادعى على رجل أنه شجه أو ضربه ضرًا يخاف منه على نفسه، وقد عرفت العداوة بينهما؛ فلا يحبس المدعي عليه بقول المدعي، إلا أن يأتي بلطه بين وبشبهة قوية، أو يكون المدعي بحالة يخاف عليه فيها الموت، وقد أشرنا بذلك على حكامنا فحموا به. وقال ابن الماجشون، وأصبغ. اختصرتهما. من رمى حجرًا فأصاب امرأة مجهولة فماتت من ساعتها: سألتنا – وفقك الله – عن رجل زعم زكوان أنه معتقه، شهد عليه لوث من بينة لم تعرف منهم أحدًا أنه رمى حجرًا، فمضى الحجر عابرًا حتى واقع امرأة فماتت من ساعتها، ولم ترم واحدًا بدمها، وصارت المرأة مجهولة الموضع لا يعلم لها ولي يقوم بدمها،

فلما رفع إليك أمرها، فما زعم القوم أنهم عاينوه من رميه وحضر المرمي؛ كشفتهم هل عمد لذلك أو كانت رمية لم يقصدها بها؟ فقالوا: ما نقف على أنها كانت رمية عمدًا أو خطأن فأمرت بحبسه منذ شهر ونصف أو نحو ذلك ثم سألت المحبوس النظر في أمره بما يجب له وعليه، وهو منكر للرمية المنسوبة إليه، وأحببت أن تعرف ما يجب عليه في دم المرأة على ما قاله القوم الذي جهلتهم ولم تعرفهم مع فقدان ولي المرأة. فتقول – والله نسأله توفيك – إن اللوث مختلف فيه، فقد قالوا: هو الشاهد العدل، وقالوا: هو اللفيف والجماعة غير العدول، والذي كان منه في حبسه متثبتًا في أمره وطالبًا الولي إن كان صواب. فإذا طال هكذا ولم يأت ولي وجهل، فلم تعلم الرمية عمد لها أم لا؟ كان الصواب عندنا أن يؤخذ بقول من ألغى شهادة غير العدول وأخذ في اللوث بأنه الشاهد العدل، فإذا كان القول هكذا لم يجب على هذا شيء، إلا أن يتعدل من الشهود واحد، فإن تعدل فسبيل الأمر فيه على ما حكينا، وإن كانوا مما لا يرجيى فيهم تعديل رأينا – استحسانًا – إحلافه بالله ما رمى هذه الرمية، ولا كان ما قاله الشهود. قال بذلك محمد بن غالب. وفي قوله: إن أخذت في اللوث باللفيف أقسم عليه، وكانت الديسة على عاقلته إن قام بذلك ثابت النسب، والذي اختار من ذلك أن اللوث الشاهد العدل، وقال ابن وليد مثل ذلك كله. وقال يحيى بن عبد العزيز مثله إلا في اللوث فإنه عنده اللفيف. وقال ابن لبابة: إذا ثبت لها ولي، كان القول ما قاله أبو عبد الله بن غالب، وإن لم يثبت لها ولي، لم يكن فيها شيء؛ لأنه لا تكون قسامة لمن لا ولي له، وإنما يثبت بشهادة عدلين، وبذلك قال ابن القاسم. والذي ذهب إليه من الاستظهار باليمين إن كان أراد يمينًا واحدة فإن الدماء لا تستدفع إلا بخمسين يمينًا، كما لا تثبت إلا بخمسين يمينًا، وهذه إذا لم يثبت لها ولي ولم تكن فيها قسامة، فإذا سقط ردها عمن طلب بها. وقال أيوب بن سليمان: أصل قول مالك في اللوث أنه اللفيف والبينة غير القاطعة، وهو الذي وطأه في كتابه، ولعيه جماعة أصحابه، إلا ما روى ابن القاسم من نقوله بالشاهد العدل، فإن ثبت لهذه المرأة ولي؛ كان هو المحلف لهذا المرمي بدمها، وإن لم يثبت لها ولي، فالمسلمون أولياؤها ووارثوها كما يرثون مالها يرثون دمها؛ لابد لهذا المحبوس أن

يحلف خمسين يمينًا ما رماها عمدًا، ثم تكون ديتها على عاقلته، فإن أبى من اليمني حبس حتى يحلف، ولا يطل دم مسلم. وقد روى يحيى عن ابن القاسم في المسلم يقتل المسلم عمدًا الذي لا ولي له إلا المسلمون، أيجوز للإمام أن يعفو عن القتل؟ فقال: لا ينبغي له أن يهدر دم مسلم، ولكن يستقيد له من لا ولي له إلا المسلمون، فكذلك يستخلف في هذا المحبوس. وقال سعد بن معاذ بمثل قول أيوب بن سليمان. وقال عبيد الله بن يحيى بمثل قول أيوب بن غالب من الاختلاف في اللوث أنه قال بعض أهل العلم وهو ابن القاسم: الشاهد العدل، وقال غيره وهو ابن نافع وغيره من رواة مالك: اللوث الجماعة غير العدول، فأي القولين رأيت الأخذ به، رجوت أن يوفقك الله. فأما اليمين إذا لم يثبت لها ولي، وأخذت بقول من رأى اللوث الشاهد العدل، فما أرى عليه يمينًا. من حبس في دم فشهد له بالطهارة والعافية: شهد فلان بن فلان أنه يعرف ابن فحلون من أهل الطهارة ولزوم العافية واستقامة الطريقة، بعيدًا مما ينسب إليه من مقارفة الدم، ملازمًا للخير وأهله، لا يعلق به عنده مما أضيف إليه من الدم، وأن الذي كان من انتشاب من وشى به إنما كان اغتمازًا في ماله وفي شهادته أنه كلم المرسل به حزم بن أبي العكر في أن يرد عليه ما كان أخذ من ماله؛ فرد عليه تافهاً يسيرًا وحبس سائره، وشهد فلان وفلان بمثل ذلك. فهمنا – وفقك الله – بطاقة المحبوس للدم الذي بعث به ابن أبي العكر، وما على ظهرها مما أمرك الأمير به من كشف أمره كشفًا مستقصى، وأن ترفع إليه بمبلغ نظرك، ورأينا الشهادات الواقعة عندك للمحبوس فرأينا شهادات تامة توجب الإطلاق من الحبس؛ لأن من قول أهل العلم في الرجل يرمي بالدم هل يحبس؟ فقالوا إن كان المرمي غير متهم لم يحبس إلا اليوم واليوم، فإن لم يحق عليه في شيء أطلق، وأما المتهم فيحبس الشهر ونحوه. فهذا ما قالوا من غير بينه تشهد للمرمى بالطهارة والاستقامة، فكيف وقد شهد لهذا بنفي الريبة عنه، وبعده مما ينسب إليه إلى طول ما حبس فيه أكثر من سنتين؛ فترى أن إطلاق هذا المحبوس واجب وحق لازم، لا يحل حبسه ساعة من نهار إن شاء الله. قال

بذلك ابن لبابة، وأيوب ابن سلمان، ومحمد بن وليد. وقال عبيد الله إن كان لم يشهد عليه بشهادة توجب حبسه، فإطلاقه واجب لا يحل حبسه. وقال محمد بن غالب بمثل قول أصحابه المتقدم في الفتوى، ورأى أنه الحق. رماه بقتل أخيه وتعلق به فيه فرماه الآخر بقتل خاله: أشرت – رحمنا اله وإياكم – في حبس الرجل الذي رماه المتعلق به بقتل أخيه ورماه المتعلق به بقتل خاله، فقمتم بحبس المرمي بقتل أخيه ولا يحبس المرمي بقتل خاله، ففعلت وأجلته في جلب البينة على ما ذكره، فلم يأت بينة ولا رأيته بعد ذلك، وقد حبسته منذ أيام بغير سبب ولا معنى ولا بينة ولا شبهة، إلا بما أشرتم به على من التشدد والاحتياط، فإن كنت ترى إطلاقه فاكتب إلي بذلك. فكتب أبو صالح: إذا لم يأت بشيء – أكرم الله القاضي – فقد أخذ له بحقه في حبسه، ثم يؤخذ له بحقه في إطلاقه، إذا لم يأت صاحبه بشيء. وقاله ابن لبابة. سجن ابن بريهة في تدمية وعيثه بالقنباينة: فهمنا – وفق الله القاضي – ما شهد به على ابن بريهة المرمي بالدم الحادث في قنبانية قرطبة بزعم الشهود، ولم تعرف من الشهود أحدًا في سبب الدم، ولا كانت شهادة يجب بها أخذه بدم، ورأينا شهادة محمد بن كليب وما رماه به من العياثة والفساد، فرأينا هذه الشهادة يجب بها خاصة حبس المرمي هشام حبسًا طويلاً، مع تظاهر الشهادات عليه ممن لم يعرف يكون كالتخليد حتى تظهر له توبة. وذكرت أن له في الحبس عامين، وأن جماعة من أهل الحس ذكروا لك أنه من أهل الصلاح والصيام وتلاوة القرآن، وأن حاله حسنت عندهم، وقد كنا أشرنا عليك أن تسمع هذا من أهل المحبس؛ فإذ قد شهدوا عندك بهذا بجماعتهم، وإن لم تكن قاطعة؛ فإنه يستوجب الإطلاق؛ لأنه لم يحبس على ثبوت شيء عليه؛ لأن الشاهد الواحد لا يحكم به على أحد، وقد قامت له بينة تظاهرت بالتوبة، بخلاف التي شهدت بفساده، ولم تعرف منهم أحد يقولون إن توبته ظهرت عندهم فإطلاقه واجب عندنا، والله أعلم. قال بذلك ابن لبابة، ويحيى بن عبد العزيز. محبوس في دم لم يثبت عليه ما رمي به وشهد باستقامته: فهمنا – وفقك الله – ما كشفتنا عنه في أمر المحبوس الذي أمرك الأمير – أبقاه الله -

بكشف أمره ورفعه إليه بما يصح عندك، وكتابك إلى الأمير – أعزه الله – أنه ليم يقم عندك أحد يسبب إليه شيئًا مما رمى به، وأنه شهد عندك رجل عدله عندك رجلان رضى -0 أنه يعرف هذا المحبوس من أهل الطهارة والاستقامة، وشهدت جماعة لم تعرفهم بمثل ذلك، ورد إليك النظر فيه. فوجه الأمر فيه أنه إذا لم يقم عندك به أحد، ولا سبب فيه بسبب، وطال أمره وشهد له بالطهارة والاستقامة، فلا معنى لحبسه وإطلاقه من وجهة السنة، ولو سبب عليه القائم ما رماه به، ثم طال أمره ولم يثبت ذلك بشاهدي عدل لوجب إطلاقه ولم يستقم حبسه بعد كشفه والتأني في أمره، فإطلاقه واجب إن شاء الله قاله عبيد الله وابن لبابة، وأيوب، وابن وليد. تدمية الجهيني على أفلح وختنه: سمعنا – وفقك الله – الشهادات التي وقعت على أفلح وختنه في تدمية الجهيني؛ فرأينا شهادات ليست تقطع شيئًا، ولكن فيها شبهة تستأني بها في حبسها حتى تستقصي شهادات القائم بالدم، فأن أحق بغير هذه الشهادات شيئًا نظرت فيه بما يظهر لكل إن شاء الله، وإن لم يكن غير هذه الشهادات فإنها ضعيفة، ليس يجب بها عليهما شيء، فإن لم يأت الطالب بشيء يحق به ما قام به بينه وبين الشهر أطلقتهما – قال بذلك ابن لبابة، وأيوب بن سليمان – وكان حبس القاضي لهما إلى استيراء أمرهما من الواجب على ما ذكرناه وحددنا. جبس العجم للفوفي في الدم وتشكيهم طول سجنهم: فهمنا – وفقك الله – ما في ظهر الكتاب الذي رفعه العجم المحبوسون إلى الأمير – أبقاه الله – وما فيه من أن التأني في الأمور التي لا وجه لها تفريط، وقد جاوبناك – أكرمك الله – قبل هذا الحين: أنه لو لم يثبت للوفي ما طالبهم به؛ لوجب إطالة سجنهم بما تتابع عليهم من الشهادات، ثم نظرنا فيما كان من حبسهم وما زعموا من طوله؛ فلم نر ما كان من ذلك طولاً في الدم، ونرى أن يزداد في حبسهم ويطال حتى ذلك أدبًا لهم وتشديدًا لمن رام فعلهم، وقد قال تعالى: {فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون} (الأنفال: من الآية 57). ونحن نسأل الله أن نبقى الأمير ويديم عز الإسلام وأهله بنور دولته وأيامه، ويحسن

عيون القاضي ويديم نظره، فيما يزال ينفذ حين وجوب التنفيذ، ويستأني في موضع الاستثناء. قاله محمد بن وليد، وعبيد الله، وابن لبابة، وأيوب بن سليمان، وأحمد بين يحيى. تراموا بدم سجنوا فيه فاصطلحوا في السجن وكذبوا أنفسهم: حفظكم الله وأبقاكم، بعث إلى صاحب المدينة بثلاث نفر، وقال: تنظر بينهم، فكشفتهم فقال أحدهم: إن هذين قتلا ابن عمي، وقال أحد الاثنين: إن هذا قتل ابن عمي، فأمرت بهم إلى الحبس حتى أعرف رأيكم، فلم يأت الليل حتى بعثوا إلي إنا قد اصطلحنا، وإنما كان شرًا وقع بيننا، وقد تهادرنا واصطلحنا، فكرهت إطلاقهم لما عرفتهم من تحفظي وتثبتي إلا بعد مشاورتكم، فاكتبوا إلي - رحمكم الله - برأيكم في ذلك. فكتبوا فهمنا ما ذكرت - وفقك الله - وشاورت فيه، والذي عندنا في أمر الثلاثة نفر أن يطلقوا ويخلى سبيلهم، إذ قد تصالحوا وتعافوا من دعواهم، ورجعوا إلى أن ذلك كان عن شر وقع بينهم، ولم يكن لما ادعوه وجه يظهر ولا يسبب يدل، ولا سبيل إلى حبسهم بعد هذا، والله أسأله لكل التوفيق. قاله أيوب بن سليمان. وقال يحيى بن عبد العزيز: إنما يقضي القاضي بين المدعي والمدعي عليه، فيكلف المدعي إثبات دعواه وينظر بينهم بحق وعدل، فإذا رجع عن دعواه وترك إثبات طلبته، فليس على القضاة إجبار الناس على طلب حقوقهم، والذي أجاب به أبو صالح صحيح صواب والله الموفق، إلا أن يكون القاضي استراب أمرهم بشاهد أعلمه بشيء من شأنهم، فأما إذا لم يكن عنده إلا ما كان من دعواهم فلا سبيل عليهم. وقال ابن لبابة، وعبيد الله، ويحيى بن عبيد الله، وأحمد بن بيطر، وسعد بن معاذ، وابن وليد. سجن بشر بن عبدوس لعقوقه أباه واتهامه بقتل امرأة: فهمنا - وفقك الله - ما ذكرته من حبسك لرجل يقال له: بشر بن عبدوس لشكيه أبيه به إليك أنه غير بار به، وسبب عليه في ذلك ما حبسته من أجله تأديبًا له، وذكرت أنه بعد أن حبسته قيل لك: إنه كان قتل امرأة، ولم يقله أحد من أهل العدل ولا قيم عندك في دمها بسبب من الأسباب، وإنما كان ما جرى من أمرها خبرًا شاذًا ومضى لحبسه نحو عشرة أشهر، وطلب أبوه إليك في إطلاقه، وقال: إن في دون هذا الحبس ما يؤدبه إن شاء الله. ويرجعه إلى البر به، وأحببت أن تعرف ما عندنا في ذلك. فالذي نقوله - والله الموفق للصواب - إن إطلاقه واجب، وإن في بعض ما سجنه

أدبًا له إن شاء الله. قاله ابن وليد، وابن لبابة، وأيوب، وعبيد الله، وسعد، ويحيى بن عبد العزيز. رجلان قتلا أختهما وشهدا بذلك عليهما، وكشف القاضي عن أمرهما، فلم يختلف أنهما قتلاها لريبة اتهماها بها: قرأنا – وفقك الله – الشهادات وما ذكرت في أنك أتيت بالمشهود عليهما، بعد أن كنت قد أرسلت من وثقت بهم للكشف عن أمر هذه البينة وخبرها في القرى المجاورة، فأدى إليك الذين أرسلتهم لكشف ذلك أنهم لم يختلف عليهم أن أخويها محمد وأحمد قتلاها؛ إذ اتهماها بالمكروه، وأحببت – أسعدك الله – أن تعرف ما يجب عليك فعله بالمشهود عليهما. فالذي يجب عندنا حبسهما بهذه الشهادة، واستجماع القول بما نسب إليهما من قتلها على العداء والظلم من غير مكروه، ثبت لعيها حبسًا طويلاً، لحرمة الدم وما عظم الله من أمره، فإن ثبت عندك قتلهما لها ببينة عدل على معاينة القتل، أو على سماع صوتها إذ طرحت في الغدير من عرف صوتها – أن أخويها يقتلانها واستغاثتها بهذا، وقام بالدم من يجب أن يقوم به؛ نظرت عند ذلك بما يوفقك الله إليه إن شاء الله، مما توجبه السنة في ذلك قاله محمد بن وليد، ومحمد بن غالب، وابن لبابة وأيوب بن سليمان. قال القاضي: في هذا الجواب تفسير فتدبره. رمى العريف بدم أخيه ستة رجال فحبسهم الأمير ثم صرف النظر فيهم إلى القاضي: أعلمنا القاضي – وفقه الله – أن الأمير – أصلحه الله – صرف النظر إليه فيس ستة رجال من حبسه، كانوا حبسوا من سبب رمي محمد بن يوسف بن العريف الحجازي إباهم بدم أخيه عبد الرحمن، وأمره أن ينظر بينهم بالحق، وأن القاضي احضر المرميين والرامي، فكشف محمد بن يوسف عما رماهم به، فقال عن أخي عبد الرحمن كان مارًا بهم فنزل لهم بالمبيت بقريتهم بطرفس؛ فأصبح مقتولاً وذكر أن الذين قتلوه من هؤلاء الستة: خليع وإسماعيل وعمر وقريش، وقال إني لا أعرفهم بأعيانهم، وأقر ألأربعة أنهم المسمون بهذه الأسماء، إلا خليعا فقال إنما يسمى خليلاً، وانتفوا أجمعون من قتل عبد الرحمن بن يوسف أخي هذا الرامي. وقال محمد بن يوسف إن الاثنين من هؤلاء الستة، وهما شريف وسعد الله بريئان

من دم أخيه، وقال ذلك بمحضرهما ولم يعرفهما بأعيانهما حتى تسميا له، وأنه صح عنده أنهما بريئان من دم أخيه، وقال المرميون: حبسنا منذ عشرين شهرًا، وقال محمد: إنما حبسوا له منذ سنة أو ما قاربها، وقال المرمي: استغار محمد بن يوسف على ماشيتي بعد أن ضربت، وحضر ذلك أهل القرى، وقال عمر بن أحمد أخذ لنا عشرة أثوار. وكشف القاضي – وفقه الله – عن وجه النظر في ذلك، فالذي يجب في ذلك إذا لم يأت القائم يدم أخيه بالبينة، أو بلوث يجب به الدم مع القسامة، حتى مضت المدة التي أقر محمد أنهم حبسوا فيها أكثر من سنة، وقال المحبسون منذ عشرين شهرًا؛ فلا معنى لحبسهم، ولا يحل حبس مرمي بدم هذه المدة، وإنما قال أهل العلم: إن كان المرمي بالدم متهمًا حبس الشهر ونحوه، فإن لم يؤت عليه بينة في داخل الشهر أطلق، وهؤلاء حبسوا أكثر من ذلك مما لا يجوز حبسهم له. وفي دون ذلك ما كان فيه استبراء لطلبة الدم، فإذا لم يحق قبلهم حقًا إلى هذه الغاية فلا يحل حبسهم؛ لأن الطالب قد قال: لست أعرفهم بأعيانهم وإنما بلغني أنهم أربعة من هؤلاء الستة، وإبراء اثنين منهم وهو لا يعرفهما حتى تسميا له فأبراهما، فأي شيء – أكرم الله القاضي – أضعف من هذه الطلب. وفي إطلاق هؤلاء ممن لم تقم عليهم شبهة ولا سبب يوجب حبسًا؛ من ثواب الله، ما نسأل الله أن يوفق الأمير للأخذ به، فإن السجن مقرون بالعذاب الأليم، فواجب على القاضي إنهاء ذلك إلى الأمير لاستعجال إدخال الثواب عليه إن شاء الله. قال بذلك ابن لبابة، وعبيد الله، وأيوب بن سليمان، ويحيى بن عبد العزيز، وابن وليد، ومحمد بن غالب. مسألة الطبني الذي أصبح في داره بقرطبة مقتولاً: أصبح الحاج أبو مروان عبد الملك بن زيادة الله بن مضر التميمي الطبني مقتولاً على فراشه، في داره بالربض الشرقي بحاضرة قرطبة بحضرة مسجد الأمير، في آخر ربيع شهر من سنة سبع وخمسين وأربع مائة، ومشى ابنه مبيضًا منذرًا لجنازته للصلاة عليه لهجًا بأنه طرق ليلاً وقتل. فاستنكر ذلك الوزير أبو الوليد بن جمهور، وأمر صاحب المدينة محمد بن هشام المعروف بالحفيد فنهض إليها ودخلها، وألفى المقتول مذبوحًا، فيه نيف على ستين ضربة بسكين، وتتبع في الدار أثر نزول فيها أو خروج عنها فلم يقع على أثر من ذلك، وألفى

ثيابه مخبأة في بعض أركان الدار وسكين أقلامه في غرفة فيها دم، وفي سراويل بعض نسائه نضح دم، واستنطقهن فقالت واحدة منهن عن أخرى: هذه قتلته وأعناها نحن، وقالت: كان حقيقًا بالقتل منذ عام. وكان ابناه ساكنين معه في الدار: المنذر لجنازته وهو الأكبر، وآخر ضعيف الأعضاء قد ضربته ريح، وقال هذا الضعيف: طرقه لصوص فقتلوه، ثم رجع إلى أن قال: إنما قتلته النساء، وإن أخاه الكبير كان واقفًا خلف باب البيت، وثبت موته وورثته، وأن ابني أخيه أحق الناس بالقيام بدمه مع ابنه المضعوف، وشاور في ذلك صاحب المدينة. فأفتى ابن عتاب: أنه لا قتل على من كان معه في الدار من نسائه وابنيه، إلا أن على كل واحدمهم القسامة أنه ما قتلهن ولا مالاً عليه، ولا شارك فيه ثم يطال سجنهم. واحتج في ذلك بمسألة قضى فيها القاضي أبو بكر بن زرب، وقال: في هذا المعنى مسألة تشبهها وتؤيده البينة والحجة، إلا أنه لم يجز بها عمل. قال: ولما كان قول المرأة عن الأخرى: هذه قتلته وأعناها نحن – قولاً محتملاً أن تعني أنها أعانت بقول أو فعل؛ لم يكن عاملاً في قتلها، ولأنها لم تقل هذا إلا بعد البحث عليهن بالشرط وغيره وفزعهن من ذلك في المسألة التي عنى أبو عبد الله بن عتاب بقوله. وفي هذا المعنى مسألة تشبهها، إلا أنه لم يجز بها عمل هي التي كتبناها قبل هذا من العشر. وذكرها ابن لبابة محمد بن يحيى في منتخبه فيمن خرج من دار، فدخل فيها قوم أثر ذلك فوجدوا فيها قتيلاً يسيل دمه. ونحوه في كتاب التفريع لأبي القاسم ابن الجلاب قال: وإذا وجد مقتولاً بقرية رجل معه سيف، وفي يده شيء من آلة القتل أو شيء من دم المقتول ولعيه آثار القتل؛ فذلك لوث يوجب القسامة لولاته، إلا أن ابن عتاب لما وجد ابن زرب قد قضى فيما يشبه مسألة الطبني بخلاف هذا وصار إليه واتبع العمل فيه. ويسوغ أن يحتج له بما في سماع ابن القاسم في رسم تأخير صلات العشاء: في امرأة نزل بها رجل فمات فجأة، فاتهمت به، وسأل وليه مالكًا عن ذلك، وقال: أتهمها به من وجه لا أستطيع بثه. قال مالك: يكشف أمرها فإن كانت غير متهمة لم أر أن تحبس يومًا واحدًا وأرى أن يخلى سبيلها. قيل له: أفتهدد؟ قال: لا أرى ذلك إذا كانت غير متهمة. قال ابن القاسم: فإن كانت متهمة حبست ولم يعجل تسريحها لعلها تعين عليها

شيء فإن لم يوجد شيء وطال حبسها استحلفت خمسين يميناً وخلى سبيلها. وأفتى ابن القطان وابن مالك: في مسألة الطبني أن لابنه الضعيف القيام بالدم. وفي هذا نظر؛ لقوله أولاً: طرقه لصوص وقتلوه. فجمع الوزير أبو الوليد بن جمهور الفقهاء والحكام والناس في مسجد ابن عتاب المعروف بمسجد غانم، وأرسل في ابن القطان وغيره من المشاورين، فأنوا من إيثار ابن عتاب عليهم بجمعهم في مسجد عند باب داره؛ فتغيبوا فقال الوزير للرسول: هم وما اختاروا، ونزل الويزر في المسجد مع الناس، وأمر بإحضار ابني المقتول وبني عمهما، وقرئت الشورى، وأمر الوزير بالأخذ بجواب ابن عتاب ونفذ القضاء به، وأقسم الابن الكبير وأم ولده وأم المقتول في داخل المقصورة بالجامع عند مقطع الحق فيه عافى الله في الدنيا والآخرة. شروى كتبتها في قتل ابن فطيس زوجة رحيمة ابنة عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ابن شهيد: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، استحضر الحاجب سراج الدولة أبو عمر عباد بن المعتمد على الله المؤيد بنصر الله – أعزه الله – الوزير صاحب المدينة بقرطبة: محمد بن زياد – وفقه الله والفقهاء – سلمهم الله – وشاروهم عنده – أبقاه الله – الوزير صاحب المدينة فيما جرى بين يديه وثبت لديه، في أمر فطيس بن عيسى بن فطيس المتهم بذلك زوجته رحيمة بنت عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن شهيد، وأعلمهم أن الوزير مغيث بن محمد بن يونس بن عبد الله جدها للأم قام عنده وحضر مجلس نظره، وذكر أن حفيدته رحيمة هذه ذبحها فطيس بن عيسى وسأله النظر في ذلك. وأثبت عنده أن سراج بن عبد الله في أيام توليه لأحكام القضاء بقرطبة – رحمه الله – قدمه للنظر على رحيمة وأخيها شقيقها عبد الرحمن بن عبد الرحمن تقديمًا، أقامه لهما به مقام الوصي، ,أثبت عنده أيضًا حمدة له على القيام عنها في طلب دم المقتولة ابنتها، وأن ينوب في ذلك منابها توكيلاً مفوضاً، أقامته به مقام نفسها. وأتى إليه بمن قبل وأجاز من الشهداء، وشهدوا عنده على عين فطيس في شهر رمضان سنة اثنتين وستين وأربع مائة: أنهم يعرفون ساكنًا مع زوجة رحيمة بنت عبد الرحمن عبد الله بن خالد بن شهيد في داره بشرقي مدينة قرطبة – منفردين لا يسكن معهما أحد لا خادم ولا غيرهما، منذ نحو أربعة أشهر متقدمة لتاريخ شهادتهم المذكورة،

وأنهما لم يداخلهما أحد – في علمهم – إلى أن دخلوا عليها يوم الجمعة لثلاث عشر ليلة خلت من شهر رمضان في الدار المذكورة؛ فوجدوا مكتوفة مذبوحة ولم يروا في الدار أثر لدخول أحد فيها من جهة من جهاتها ولا نزول من سقف ولا غيره فيها، ويعرفون فطيسًا ملازمًا لسكني هذه الدار وللمبيت فيها مع زوجته رحيمة هذه، ولا يعلمونه غاب من الدار إلى أن وجدوا رحيمة هذه مذبوحة فيها. وأنهم يعرفون أن المحيطين بميراثها في علمهم: أمها حميدة بنت الوزير مغيث بن محمد ابن يونس بن عبد الله وأخوها شقيقها عبد الرحمن بن عبد الرحمن الصغير، وأختاه للأم أمة عبد الرحمن وأمة العزيز بنت محمد بن حسين بن أحمد التميمي، وزوجها فطيس بن عيسى المتهم بذبحها. وأعذر فيما ثبت عنده من ذلك إلى فطيس، وأعلمه بثبوته عنده وبمن ثبت، فقال: إنه لا مدفع عنده فيه، وأنه لم يقتل زوجه رحيمة، وثبت عنده قوله هذا بمن قيل وأجاز من الشهداء، وثبت عنده أن أولى الناس بطلب دمهم والقيام به مع أمها حميدة وأخيها عبد الرحمن الصغير ابنا عم أبيها للأب محمد بن أحمد بن حكم بن شهيد، ومحمد بن هشام بن شهيد. وحضر مجلس نظره وقال فيه محمد بن أحمد منهما: إنه لا يقسم في ذلك إن وجبت لهم القسامة، وذهب محمد بن هشام إلى أن يقسم إذا وجب وثبت عنده ذلك من قولها. وسأل الوزير صاحب المدينة الفقهاء الجواب في ذلك كله، وكيف وجه الحكم فيه، وأظهر المتهم ما ثبت عنده مما تقدم وصفه، وإقرارهم إياه على نصه. فقالوا: نرى – والله الموفق للصواب – إطالة حبس فطيس بن عيسى موثقًا في الكبل مضيقًا عليه في الحبس زمانًا طويلاً، حسما يؤديك إليه اجتهادك، رجاء أن يقوى في خلال ذلك لطخ الدم به، فإن طال حبسه ولم تقو ريبته وظنته، وبقى على حال أمره؛ قال بعضهم: فيقسم حينئذ في مقطع الحق بالجامع خمسين يمينًا: أنه ما قتلها ولا شارك في دمها، ثم يصرح ويخلى سبيله، والله تعالى حسيبه. وقال بعضهم: بل يقسم بعد طول الحبس – وليها محمد بن هشام ورجل أو رجال من عصبتها، في مقط الحق بمحضرك ومحضر ملأ من المسلمين، إن كان أخاها غير بالغ في ذلك الوقت على عين فطيس وبمحضره: بالله الذي لا إله إلا هو، لقد قتلها عمدًا يكررون

اليمين بذلك خمسين مرة. وإن كان أخوها قد بلغ الحلم؛ أقسم مع محمد بن هشام على فطيس أنه قتلها، واقتص منه. وإن لم يكن مع محمد بن هشام من يقسم معه من عصبتها، بقى فطيس في السجن حتى يبلغ أخوها، وأقسم هو وأخوها شهيد، وقتل فطيس إن شاء الله عز وجل. قال بالقول الأول عبد الله بن محمد بن عباس، وعبد الرحمن بن سوار، وعلى بن محمد. وقال بالقول الآخر محمد بن فرج، وعبيد الله بن محمد، واحتج محمد بن فرج لقوله بحيدث مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري أن سهل بن أبي حثمة تدثه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قضى بالقسامة في عبد الله بن سهل الأنصاري ثم الحرثي، يوم قتل بخيبر وبدأ ولاته باليمين، ثم وداه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمائة من الإبل، كذا اختصره ابن حبيب في الواضحة. وتمامة عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبار قومه أن عبد الله ومحيصه خرجا الىخيبر من جهد أصابهم فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير عين، فأتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه فأقبل حتى قدم على قومه، فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأهوه حويصة، وهو أكبر منه وعبد الرحمن، فذهب محيطصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "كبر كبر" يريد السن فتكلم حويصة، ثم تكلم محيصة فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "إما أن تدوا صاحبكم (¬1) ". الحديث ورواه مالك أيضًا عن يحيى بن سعد عن بشير بن يسار أنه أخبره أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا في حوائجهما، فقتل عبد الله بن سهل الحديث. وإن أمر ابن فطيس بمصالحته بعدة من الذهب أداها وخلى عنه. وقال ابن حبيب: أخبرني ابن الماجشون، عن إبراهيم عن ابن سعد عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار ورجال من الأنصار من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية. ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه البخاري معلقًا ج 6، ص 2618 – باب الشهادة على الخط المختوم، والنسائي في الكبرى ج 3، ص 483 برقم 5988.

نصرانية زعمت أن عيسى هو الله تعالى، وقالت: كذب محمد فيما ادعاه من نبوته عليه السلام: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يشهد المسلمون في هذا الكتاب أنهم حضروا في مجلس القاضي أحمد بن محمد قاضي الجمعة في قرطبة، فدخلت عليهم امرأة تسمت بزيجة زعمت أنها نصرانية، فاستهلت بنفي الربوبية عن الله عز وجل وتكذيبها محمد صلى الله عليه وسلم؛ فلان فلان. فهمنا – وفقك الله – ما قالت المرأة الملعونة المتسمية بزيجة، وما شهد به عليها من نفيها الربوبية عن الله عز وجل وقولها: إن عيسى هو الله، وتكذيبها بنبوة محمد (صلى الله عليه وسلم)، فالذي نراه أن قد وجب عليها القتل وتجيلها إلى النار الحامية، عليها لعنة الله. قال بذلك عبيد الله بن يحيى، ومحمد بن لبابة، وسعد بن معاذ، ومحمد بن وليد، وأحمد بن يحيى. قال القاضي: في سماعه عيسى، في رسم يدير ماله، إذا قال الذمي؛ اليهودي أو النصراني: لم يرسل إلينا محمد وإنما أرسل إليكم، وإنما نبينا موسى وعيسى وما أشبه ذلك. وأما إن قال: ليس بنبي، ولم يرسل ولم ينزل عليه قرآن، وإنما هو شيء تقوله فالقتل عليه لا شك فيه، وإن نال المسلم من النبي عليه السلام شبه ذلك قتل أيضًا. وفي رسم شهد قال ابن القاسم: إذا قال النصراني ديننا خير من دينكم، إنما دينكم دين الحمير، عوقب عقوبة موجعة، وإن شتم النبي عليه السلام شتمًا يعرف، قال مالك: ضربت عنقه. فقال لي غير مرة إلا أن يسلم، ولم يقل لي يستتاب. ومحمل قوله عندي: إن أسلم طائعًا. ولقد سألناه عن نصراني كان بمصر، شهد عليه أنه قال: مسكين محمد يخبركم أنه في الجنة هو الآن ما له لم ينفع نفسه؛ إذ كانت الكلاب تأكل ساقية، لو كانوا قتلوه استراح الناس منه. فلما قرأناها عليه صمت، وقال: حتى أنظر فيها، ثم قال بعد المجلس أين كتاب الرجل، لقد كدت ألا أتكلم فيها بشيء، ثم تفكرت في ذلك فإذا أنا لا يسعني الصمت عنه، اكتبوا إليه يضرب عنقه. قال ابن القاسم عنه: إن شتم النبي عليه السلام قتل ولم يستتب.

وفي كتاب التفريع الله تعالى أو رسوله عليه السلام من مسلم أو كافر: قتل ولا يستتاب. وذكر عبد الوهبا في الذمي روايتين في قبول إسلامه بعد ذلك. عشار قال: أد واشتك إلى النبي وقال: إن كنت سألت أو جهلت، فقد سأل النبي، وجهل (صلى الله عليه وسلم) ولعن العشار: سئل ابن عاب عن رجل عيان يرصد المسلمين بباب المدينة، ويفتش عليهم أحمالهم وأمتعتهم وما يدخلون به في أسفارهم، ففتش على رجل بحضرة جماعة وضيقعليه، فقال له بضعهم: لما هذا التضييق؟ هكاذ كنت تفعل بغرناطة، ثم رأيتك بعد ذلك تسأله، وستكون كذلك إن شاء الله. فقال له العيان: إن كنت سألت فقد سأل النبي، وقال أيضًا: إن كنت جهلت فقد جهل النبي. فشهد عليه بذلك جماعة من المسلمني، وأنكر ما شهدوا به، فعدل عند القاضي عدلان رجلاً من الشهود، وعدل أحدهما رجلاً آخر بعد أن سأله القاضي عنه، وكان تعديلهما بالعدل والرضا، وشهد عليه أيضًا رجل سمعه يقول لرجل كان قد فتش عليهك أد ما عليك واشتك إلى النبي. وأنكر العيان ذلك كله، وأعذر إليه فلم يكن عنده مدفع. فجاوب ابن عتاب: فرأت – رحمنا الله وإياك – خطابك، وفهمت ما سألت عنه، وقد قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ولا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} (الحجرات: من الآية: 2) الآية وقال: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ} (الفتح: من الآية: 9)، وقال {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وعَزَّرُوهُ ونَصَرُوهُ} (الأعراف: من الآية: 157)، وقال: {رَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (الشرح: 4) وقال: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا} (النور: من الآية: 63) {الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} (الأحزاب: من الآية 57)، في آي كثير أمر الله تعالى فيه عباده أن يهاب نبيه (صلى الله عليه وسلم)، وأن عظم ويوقر ويعزز وينصر، وفرض ذلك عليهم إجلالاً وإكرامًا وتفضيلاً، وأوجب ذلك له في حياته وبعد مماته إلى قيام الساعة (صلى الله عليه وسلم) وشرف وكرم. وروي عن بعض أصحابه قال: كان رجل يسب النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: "من يكفيني

عدوى"؟ فقال خالد بن الوليد: أنا، فبثه النبي (صلى الله عليه وسلم) فقتله (¬1). وثبت أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "من لكعب بن الأشرف" فقال محمد ابن مسلمة: أنا، فأتاه محمد بن مسلمة فقتله (¬2). وقال ابن القاسم: من سب النبي (صلى الله عليه وسلم) أو عابه أو تنقصه، فإن كان مسلمًا قتل ولم يستتب، وميراثه للمسلمين. وروى ابن وهب عن مالك أنه قال: إن زر النبي صل وسخ، وأراد به عيبه قتل. وروى ابن وضاح فيمن عبر رجلاً بالفقر، فقال: تعيرني بالفقر والنبي عليه السلام قد رعى الغنم، فقال مالك: قد عرض بذكر النبي عليه السلام في غير موضعه، أرى أن يؤدب. بالكتاب والسنة يوجبان أن من قصده بأذى أو تنقيص معرضًا أو مصرحًا وإن قل؛ فقلت واجب إذا ثبت ذلك ببينة عدلة، وكذلك القول فيما سألت عنه، إلا أن القاضي لا يكتفي في التزكية والتعديل برجل واحد، وإن كان القاضي والسائل عن الشاهد. وقد قال ابن القاسم: قال مالك: ولا أحب أن يسأل القاضي في السر اقل من رجلين ولا يقبل في التعديل أقل من اثنين وقاله جماعة من أصحابه وقال مطرف وابن الماجشون وغيرهما وينبغي للحاكم أن يثتكثر من العدلين على الشاهد ولا يكتفي في ذلك باثنين إلا في التبرز في العدالة والعلم بالتعديل ووجوهه وذكرت في سؤالك أن الشاهد الواحد عدله رجلان وعدل الواحد منهما رجلاً آخر بعد أن سأله القاضي عنه فأن لم يعدله غير الواحد الذي كان فالذي يجب عليه بذلك الأدب الموجع والتنكيل والسجن الطويل حتى تظهر توبته فالشهود فالشهود والمعدلون هم الذين يعول عليهم القاضي وبهم تنقذ الأحكام وقد قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لا يوسر رجل في الإسلام بغير العدول والله أسأله التوفيق والتسديد والخلاص بمنه. ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ج 5، ص 237 برقم 9477، وأبو نعيم في الحلية ج8، ص 45، واعلم أن الحديث فيه أن الزبير (رضي الله عنه) هو الذي خاطب الني (صلى الله عليه وسلم). (¬2) ... الحديث أخرجه البخاري ج 2، ص 887 برقم 2375، ومسلم ج 3، ص 425 برقم 1801.

مسألة ابن حاتم الطليطلي المحكوم عليه بالزندقة كان عبد الله بن أحمد بن حاتم الزدي الطليطي هذا مقبول الشهادة عند قاضي طليطلة أبي زيد عبد الرحمن بن عسى الحشا وشاهدته مرارًا يزكى عنده الشهود ثم قيم عنده علي بن حاتم في سنة سبع وخمسين وأربع مائة وشهد عنده عليه نحو ستين شاهدًا بأنواع من التعطيل والاستخفاف بحق النبي (صلى الله عليه وسلم) وحق عائشة وعمر وعلي رضي الله عنهم فمن دونهم من ذلك أنه كان يقول عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وشرف وكرم قال اليتيم ويتيم قريش، وقال: ختن حيدرة، ولم يرد هذا ختن حيدر. وقال عنه عليه السلام: لو استطاع على رقيق الطعام لم يأكل خشينه، وأن زهده لم يكن عنده قصد، وأن عمر وعلي رضي الله عنهما أجمعين. لعنه الله. وقال: لا يجب في الجنابة غسل، وأنكر القدر وأشياء غير ذلك قبيحة. وتولى كبره والاحتساب عليه فيه محمد بن لبيد المرابط على سبيل الحسبة، وثبت ذلك عند القاضي أبي يزيد، وهو قد تغيب وفر إلى بطليوس. وشاور أبو زيد فقهاء طليطلة، وكانوا حينئذ أربقعة: أبو جعفر أحمد بن سعيد اللورنكي، وابو جعفر أحمد بن غيث الصدفي، وأبو عبد الله محمد بن قاسم مسعود القيسي، وأبو مطرف عبد الرحمن بن سلمة، فاجتمعوا على وجوب قتله بعد الإعذار إليه، وسجل بذلك أبو زيد، وأخذ به من قولهم، وقضى به وحكم ونص في التسجيل أجوبتهم جوابًا جوابًا، كما نص شهادة كل واحد من الشهود وجعل السجل نسخًا كثيرة. وأخذ ابن لبيد منها نسخاً، وخرج إلى دانية ومرسية والمرية وغيرها، وأخذ أجوبة الفقهاء بكل حاضرة، بما يلزم انب حاتم بما شهد به عليه بما تضمنه التسجيل. وراية عنده جواب أبي حفص الهوزني، وكان حينئذ بمرسية، وجواب غيره وورد قرطبة، فأخذ جواب ابن عتاب وغيره في ذلك، وكان في السؤال: إن كان يجب الإعذار إليه؟ أو يكح في شهادة من شهد عليه تركهم القيام بها مدةظ ومن يرث ماله؟ وهل يجب ضمه إلى بيت المال قبل أن يقتل لقراره؟ وهل يجوز لأحد أن يؤويه؟ فحاوب ابن عتاب على ظهر نسخة من التسجيل: تصفحت – رحمنا الله وغياك – السجل المذكور المنعقد في أمر الملحد عبد الله وأجوبة إخواننا الفقهاء. حفظهم الله، فرأيت أجوبة حسنة مجتمعة في الحكم متفقة المعاني، وجواب الفقيه أحمد بن سعيد المنتسخ أولا في

السجل جوابًا موعب مستقصى، لم يترك لقائل مقالاً. وما قاله في الإعذار إليه، فقد نزل مثل هذا في أيام الحكم المستنصر الله – رضي الله عنه – في ملحد كان يكنى بأبي الخيرن ولم يكن به وكمناه الناس بأبي الشر، وكان كذلك، شهد عليه بشهادات تشمل معاني من التعطيل والإلحاد، فشاور الناظر في أمره – وهو صاحب الوثائق – الفقهاء بقرطبة. فأفتى القاضي منذر بن سعيد، وصاحب الصلاة أحمد بن مطوف، وأبو إبراهيم الطليطلي، وغيرهم، بقتله، وترك الإعذار إليه، وأفتى غرهم بالإعذار إليه، وأنهى الناظر في ذلك الأمر إلى الحكم، فا/ر بالأخذ بما أفتى به القاضي ومن وافقه؛ فقد قتله ولم يعذر إليه، وبهذا أقول في هذه القصة، واحتج القاضي منذر وأبو إبراهيم في ذلك بحجج يطول استجلابها. ولا حجة في تأخر الشهود في إقامة الشهادة عليه؛ إذ لم أعذار كثيرة في ترك القيام يعذرون بها. وأما من أجاره وستره ومنع منه، بعد المعرفة بذلك والوقوف على صحة الشهادات عليه، فهو في حرج شديد، ولا يحل له ذلك؛ لقول الله عز وجل: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ ولَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} (المجادلة: من الآية 22) فمن أجاره أو منع منه بعد المعرفة بذلك، فقد حاد الله وشاقه، {ومَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ} (الحشر: من الآية 4). وفي الحديث الثابت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "المدينة حرام فمن أحدث فهيا حدثا أو أوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل (¬1) "، وهذا عام في المدينة وغيرها، ويجب على من أوى هذا الملحد التبري منه لإقامة هذا الحد عليه. وأما ما سألت عنه من أمر ما له فلا سبيل إليه في حياته، واختلف عن مالك في ميراث الزنديق؛ ففي كتاب ابن المواز: قال ابن القاسم: بلغني عن مالك أنه قال: أرى أن يورث الزنديق بوراثة الإسلام. قال ابن القاسم: وإذا شهد عليه بذلك فاتعرف وتاب لم ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه البخاري ج 3، ص 1160 برقم 3008، وابن حبان في صحيحه ج 9، ص 32 برقم 3717، والترمذي ج 4، ص 438 برقم 2127، والبيهقي في الكبرى ج 5 ص 196 برقم 9731، وأبو داود ج 2، ص 216 برقم 2034 والإمام أحمد في مسنده ج1، ص 119 برقم 959.

تقبل توبته وقتل؛ فلا يرثه ورثته، وأما من لم يقر ولم يظهره حتى قتل أو مات، فإنه يورث برواثة الإسلام. ولابن القاسم أيضًا: أنه إذا أعلن ما هو عليه وتمسك به، فلا يرثه ورثته وميراثه للمسلمين كمالمرتد، ولا يجوز له وصية ولا عتق. ولابن القاسم في المدونة وغيرها: أن ميراث الزنديق لورثته. وروى ابن نافع عن مالك في المستخرجة: إن ميراث الزنديق للمسلمين، يسلك بماله مسلك دمه. وجاب أبو عمر بن القطان: يوفق ماله من الآن، ولا يمكن ورثته من شيء منه، ويقتل دون استتابة ولا إعذار إليه يف ذلك، على ما رواه أشهب عن مالك فيما هو أخف من هذا. قال القاضي: يريد في سماعه في كتاب الشهادات: إذا شهد القوم عند القاضي وعدلوا، أيقول للمشهود عليه: دونك جرح؟ فقال مالك: إن فيها لتوهينًا للشهادات، ولا أرى إذا كان عدلاً، أو عدل عنده أن يفعل. قال القاضي: وهذه روياة ضعيفة متروكة لم يجز بها عمل من القضاة والحكام، ولا أعلم ن أصحابنا مفتيًا بها في الأحكام. وقد قال ابن نافع متصلاً بها: بل يمكن المشهود عليه منن التجريح بينة وبين المشهود عليه عداوة. وفي المساع نفسه إذا عدل الشاهد رجلان، وجرحه للمشهود عليه رجلان؛ قال: مالك ينظر في أعدل الشهود. فقد أباح في هذا الجواب للمشهود عليه التجريح في الشهود، وبه القضاء على ما في سماع يحيى ونوازل سحنون؛ في ذلك الكتاب وفي غيره في المدونة والواضحة والموازية وغيرها، وقد تقدم هذا في صدر الكتاب. وإسقاط ابن عتاب وابن القطان الأعذار في مسألة ابن حاتم هذه غير سالم من الغفلة لأن القاضي المسجل عليه أبا زيد قد قال في سجله: إنه أخذ بقول من شاوره من فقهاء موضعه وحكم به، ولم يختلف عليه واحد منهم أنه يعذر إليه؛ فلا يجوز تعدي هذا إلى غيره لقضاء أبي زيد به واختياره إياه وإمضائه له، وصار من باب إذا قضى القاضي بما اختلف أهل العلم فيه، فلا يجوز لمن يأتي بعده أن يعرض له، ولا ينقصه، ولا اختلاف في

هذا في شيء من المذهب. ولعلهما لم يقفا على هذا من السجل، وإن كان وقفا عليه واختار ما أفتيا به فاختيارهما غير موافق للمذاهب، وبهذا أفتيت عند نفوذ الحكم على ابن حاتم وإلى قولي رجع فيه، وبه نفذ القضاء، على ما نذكره بعد هذا في تمام قصته إن شاء الله. وخاطب أبو زيد بنسخة من قضائه بذلك محمد بن بقي، الناظر في الأحكام بقرطبة، وثبت عنده خطابه بذلك، وقيد على ظهر النسخة أو في أسفلها بثبوتها عنده، وبعد أن أخذ ابن لبيد أجوبة الفقهاء بقرطبة سأل أن يخاطب له قاضي بطليموس بثبوت ذلك السجل، فخاطبه ابن بقي بذلك، وتحمل الخطاب ثقات نهض مع ابن لبيد. وكان ابن حاتم قد استقر ببطليوس، واطمأن فيها وظهرت له حال عند رئيسها المظفر أبي بكر، وضمه إلى أن يقرأ الكتب عليه، فملا وصل ابن لبيد إليها، وثبت التسجيل عند قاضيها؛ تبرأ المظفر عن ابن حاتم، وخاف ابن حاتم ظفر ابن لبيد به وإلا يحال بينه وبينه، فاستخفى حتى خرج عنها الىشنترين بالغرب، وكان بها مدة، ثم صار إلى سرقطة، فحفره القضاء إلى موضع منيته قرطبة، ووردها لحيته في عقب ربيع الآخر سنة أربع وستين، وقاضيها أبو بكر محمد بن أحمد بن منظور، فسمعت المحتسبة بوروده فقصدوا محله وموضع نزوله، ولببوه، وسفعوه، وساقوه إلى القاضي شر سوق حافيًا مقرع الرأس، فأمر بسجنه حتى يثبت عنده ذلك التنفيذ، وثبت بذلك عنده تسجيل أبي زيد عليه، واستحضره. وشاورنا: هل يعذر إليه أم يقتل دون إعذار؟ فقال جميع أصحابنا: لا يعذر إليه ويعجل قتله. وقلت له أنا: لا يسعك الإعذار إليه فيما ثبت عليه؛ لأن القاضي المسجل بذلك قد أخذ به، وقضى بفتوى فقهاء طليطلة، ولا يجوز لك خلافه، لأنه نقض لحكمه، فرجعوا إلى ذلك، ورأوه صوابًا وأعذر إليه بمضحرنا فقال: إن أبا زيد كان عدوه في أسباب الدنيا وعرضها. فأجله فاتفاقنا شهرين، أولهما لليلتين بقيتا من ربيع الآخر، وصرف إلى السجن، وكفل. ثم توفى القاضي أبو بكر بن منظور قبل تمام الأجل، وولى مكانه عبد الرحمن بن سوار، واجتمعنا بعد تمام الأجل عند المعتمد على الله، وأحضر في كبله، وسئل: هل أمكنه شيء مما أخر له؟ فقال: لم يمكنني من يسعى لي في ذلك، فاستمرت العزيمة على قتله،

وخرج المعتمد وخرجنا معه إلى رأس القنطرة، وصلب هناك بمحضره وحضرنا، نصف يوم الاثنين، لئر خلون نم رجب، وطعن بالرمح. والحمد لله الذي عافنا مما به ابتلاه، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلاً وصلى لله على محمد وأهله وذريته وسلم تسليماً. قال القاضي: ورأيت من تمام هذه المسألة وصل مسألة أبي الخير بها، التي هي أصلها وشبيهتها في التعطيل والإلحاد. مسألة الزنديق أبي الخير لعنه الله، وصفه الشهادات عليه: شهد عندنا قاسم بن محمد، صاحب أحكام الشركة بقرطبة، وقاضي كورة استجة وقبوة محمد بن عبد الله التجبيي، إذ سمع أبا الخير يسب أصحاب البني (صلى الله عليه وسلم) أبا بكر وعمر وغيرهما، وسمعه أيضًا يقول: إن على بن أبي طالب كان أحق بالنبوة من محمد النبي (صلى الله عليه وسلم)، ويرى الخروج على الأئمة رضي الله تعهم، وسمعه يقول أيضًا: إن الخمر حلال. وأنه أتاه إلى السوق فقال له محمد بن عبدالله: إن السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه كل مظلوم. وقال أبو الخير: ما كان أملي من الدنيا إلا خمسة آلاف فارس أدخل بهم الزهراء وأقتل من بها، وأقوم فيها بدعوةى أبي تميم، وكذلك يكون. فقال له محمد بن عبد الله: ليس أنت من الإسلام في شيء؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "من أظهر علينا السلاح فليس منا (¬1) " ودفعه عن نفسه. وشهد محمد بن أيوب بن سليمان بن ربيع: ا، هـ سمع أبا الخير يقول: إنما الناس كالعشب: رطب ويابس، ثم لا حساب عليهم ولا عقاب. فقال له محمد بن أيوب: أين قول الله عز وجل: {فَإذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} (يس: من الآية 51) وقوله: {فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (الشورى: من الآية 7)، فقال له أبو الخير: بعض القرآن خرافة، وبعضه لا شيء، وإنما لسيف يضم الناس لا الإقرار بها. وسمعه يطعن على أبي بكر وعمر وعثمان ورضي الله عنهم، ويطعن في خلافة أمير المؤمنين الحكم – أعزه الله – ويقول: لو كانت بسعة أسياف لكنت العاشر. وعدد عليه شر الخمر، فقال له أبو الخير: هو أحل من الماء للشرب والطهر. وشهد سهل بن سعيد اللخمي: أنه سمع أبا الخير يقول: أما القرآن النصف الأول ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه البخاري ج 6، ص 2520 برقم 6480 ومسلم ج 1، ص 98 برقم 98.

فلا بأس به، وأما الثاني فخرفات، ولو شئت لقلت قرآنا خيرًا منه، إذ قال: {والعاديات ضبحا} (العاديات: 1) هلا قال: والسابحات سبحان تعالى الله عما قال علوًا كبيراً. وسمعه قبل ذلك يقول: إنه روي عن بعض الصالحين: لا تعبد الله رجاء ما عنده، فيكون كالأجير يخدم ليأخذ، ولا تعبده لخوف عقابه، كالعبد الذي لا يخدم إلا لخوف من مولاه، ولكن أعبده لما هو أهله؛ ثم عطف فقال: ما هو أهله؟ مستزئاً به، عز ذكره وتعالى. وشهد حسان بن محمد أنه سمع أبا الخير يقول: الخمر حلال في كتاب الله، ويحتج بقوله: {تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا} (النحل: من الآية 67) فمن قال غير هذا فهو كاذب، ويعرفه تاركا للصلوات الخمس في المساجد، وتاركا لحضور الجمعة، وشاربا للخمر محللا لها. وسمعه أيضًا يقول في الملائكة: إنهم بنات الله. وشهد على بن عبد الله الحجري: أنه سأل أبا الخير عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقال: دعا فعليها لعنة الله، لقد أنت من شدة احتراقها - وأفصح عن أقبح من هذا القول فيها - ترقد رسول الله حتى يصلي صلاة الصبح في الضحى. واجتمع به في مقبرة متعة فقال له: شهدت علي؟ قال هل: نعم. فقال له أبو الخير متهينًا بشهادته وشهادة من شهد عليه: اسمع ما أشهدك به على نفسي: إني أزني وألوط وأشر بالخمر وأسمع العود، ثم قال له: وقفني على هذه الشهادة متى أحببت، فإني أخبرهم بهذا عن نفسي كما أخبرتك. وشهد أحمد بن سعيد بن بشرى الأموي: أنه يعرف أبا الخير هذا من أهل الطعن على السنن وأهلها، كادحًا فيها، لا يرى إمامه أحد من أئمة المسلمين، هازلا بكتاب الله عز وجل، طاعناً فيه. وشهد سليمان بن منيه بن عبد الملك: أنه يعرف أبا الخير من أهل المروق والتهزي بالدين، وسمعه يقول: الله در قريش، عفر هذه الوجوه المنتنة بالتراب، وسمعه أيضًا يمدح الخمر ويقولك لقد ظلم محمد في تحريمها، ولقد أحل أشياء كانت الخمر ير منها. وسمعه محمد بن عمر بن محمد بن عذرة في انصرافه من تشييع خال له خرج إلى الحج، ولقيه ببلاط مغيث وسأله من أين إقباله فأعلمه، فقال أبو الخير ما أحمق الذين يتعبون أبدانهم، ويخرقون ثيابهم، ويقصدون حجارة صماء.

وشهد مسعود بن عمر خيار الأنصاري: لقد سمع أبا الخير والناس يصلون، وهو يقول: يا لهؤلاء القوم، يرفعون أستاهم ويخفضون رؤسهم بالعجمية. وقلت له: سبحان الله! فقال لي: يا أبا القاسم لا تكن مع الغوغاء، فلو أن غيرك سمعني لنشبت. وسمته يتأول حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) في السواك، يقول في هذا الحديث معنيان: أحدهما ظاهر، والآخر باطن، فأما الظاهر فهو سواك الفم، والثاني فيما ستر الله، يعني الفاحشة. وشهد سليمان بن قاسم بن نعمان: أنه يعرف أبا الخير تاركاً للصلوات الخمس في المساجد، تاركاً لحضور الجمعة، شاربا للخمر محللا لها. وشهد محمد بن يحيى الحضرمي: أنه سمع أبا الخير يقول في النبي (صلى الله عليه وسلم) أن علياً أحق بالنبوة منه، وأن محمدًا غصبه إياها، وأن محاربة بني أمية أحق من محاربة الشرك. وشهد عبد الله بن بشر القشيري: أنه سمع أبا الخير هذا وهو يتكلم مع نصراني في لحم الخنزير، وهو يسأل النصراني أن يأتيه به، فقال: كيف تأكله؟ فقال أبو الخير: لست على دين محمد، ولا أعتقده. وسمعه يسمي بالجامع دار البقر، ويحل الخمر. وشهد نجدة بن السطحي الأموي: أنه سمع أبا الخير يسب الله تعالى بكلام كثير، أعظم نجدة أن يتكلم به، وسمعه يتكلم في الديانة وينتقصها بكلام أعظم – أيضًا – نجده أن يتكلم به. وشهد عمارة بن الفهري: أنه يعرف أبا الخير هذا معطلاً للكتاب والسنة، محللاً للخمر. وشهد هارون بن محمد المتطيب: أنه سمع أبا الخير هذه يهزأ بديانة الإسلام، وسمعه يقول لمحمد بن عبد العزيز: لولا حالة تلتزمها – يريد الشراب – كان ينزل عليك الوحي. وشهد أصبغ بن عيسى القسي: أنه سمع أبا الخير هذا يقول: لو استطعت أن أقلع الكعبة وأترك المسلمين بلا قبلة، لفعلت. وشهد محمد بن أحمد الخزار القروي: أنه يعرف أبا الخير هذا مستهزئاً بديانة الإسلام، يزري على سلف هذه الأمة وخلفهم، ويقول في جملة الصحابة الستة: عليا وعمارًا والمقداد وأنسيت الثلاثة -: أنهم على ضلال وباطل، وأنهم ارتدوا وعادوا كفارًا، وجميع من تبعهم من جملة المسلمين معهم على ضلال وباطل.

ورأيت له كتابًا جاوز فيه حدود الإسلام إلى معاني التعطيل، وذاكرته ما بلغني عنه من ذلك وأشباهه، فأقر بجميعه، ثم أظهر بعد ذلك التنسك في أطمار صوف يطلب الصدقة، ولم يمض به عام أو نحوه حتى اتصل به عنه شرب الخمر والبهتان العظمي، والنفقات وأفعال الفساق، فاجتمعت به في طريق فقلت له: أبا الخير، ما هذا الذي أنت فيه وبلغني عنك؟ أين التوبة، وما كنت تظهر من الزهد؟ فقال: هذا ضلال ومحال وأخبار المجانين. فقلت له: أين ما كنت تظهر من النسك والزهد والتوبة؟ فقال: إنما تبت تقية وخوفًا، ولو أمنت لناظرت على أكثر مما كنت. قلت – ولا قمت الحجة في ذلك فقلت له – ليست هذه ديانة ولا فعل من يؤمن ببعث ولا حساب، فقال لي: هذه الأخبار الباردة، وهذا المحال أخرجك من بلدك، فقلت له: أخرجني الهروب من الكفر وطلب السنن من أهل السنة، فقال لي: الذين خرجت عنهم هم كانوا أهل الحق والسنة، لا الذين أنت معهم؛ لأن أولئك أهل البيت، ولا ينجيك الفرار منهم. وشهد محمد بن نجاح الأموي: أنه سمع أبا الخير يقول: الخمر حلال في كتاب الله، ويحتج: {تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا} (النحل: من الآية 67) فمن قال بغير هذا فهو كاذب. وشهد محمد بن حفص: أنه سمع أبا الخير يقول بتحليل الخمر. وشهد عبد الرحمن بن سعيد الأنصاري: أنه سمع أبا الخير يسب أبا بكر وعمر، ولا يرى خلافه من ولاه الله أمرنا. وشهد عبد الله بن محمد الأموي: أنه سمع أبا الخير يسب أبا بكر وعمر وأصحابهما، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، ويرميها بالبهتان. ولما قدم عبد الله بن محمد هذا من الشرق سأله أبو الخير: من أكثر بالمشرق: العلوية أو العثمانية أو البكرية؟ فقال له: لقد ظهر الآن العلويون، فقال له أبو الخير: هذا الحق، كأنك ترى الألوية خارجة من داري. وشهد أحمد بن حفص الرعيني: أنه سمع أبا الخير يقول: لو كانت تسعة أسياف لكان سيفي العاشر، ثم أضع سيفي من باب القنطرة فلا نبقي أحداً. وشهد إبراهيم بن علي الرعيني: أنه سمع أبا الخير يقول: يحل الكفر واللواط. وشهد إسماعيل بن حفص الرعيني: أنه يعرف أبا الخير هذا معطلا للمساجد، تاركًا لصلاة الجمعة، لا يرى شهودها، محللاً للخمر، كثير الوقوع في الخلافة المباركة، أدامها

الله وأنه خطر به رجل من أهل الحرم، فسمعه إسماعيل يقول: اللهم اقطعنا من أيام، فقال له إسماعيل: لماذا فقال: الذي أعرفه: والله لو قام تسعة أسياف لكان سيفي العاشر. وشهد علي بن حفص الرعيني بمثل ذلك. وشهد أحمد بن عبد الله بن محمد بن بزيع: أنه سمع أبا الخير هذا يقول: اللواط وشرب الخمر حلال. وشهد محمد بن أحمد بن حكم بن مقسم: أنه يعرف أبا الخير من أهل الاستخفاف بالديانة والتلشية لها. وشهد يوسف بن سليمان بن داود الأموي: أنه يعرف أبا الخير هذا من أهل البدع والفساد والطعن على أئمة المسلمين وخلفائهم. وشهد أصبغ بن عبد العزيز: أنه اجمع بأبي الخير هذا بسبته، فمسعه يقول بإنكار الشفاعة، وتخليد المذنبين في النار. وشهد عبد الله بن حزب الله السكسكي: أنه يعرف أبا الخير هذا يتزين. وسمع رجلا استفتاه في جارية عنده رهينة: إن كان يحل له وطؤها فقال: وطؤها حلال، فكذبته. وشهد أحمد بن محمد بن حسان أنه اجتمع بأبي الخير هذا بمقبرة قريش فسمعه يقول: أنا أعلم كيل البحار، ووزن الحبال، وعدد الذر. وشهد يعيش بن داود بن ضابط الأنصاري: أنه عرف أبا الخير هذا يسب أهل السنة والجماعة. وشهد سعيد بن عاصم الحق لأني: أنه يعرف أبا الخير هذا من أهل البدع، محتجًا على أهل السنة بالبدع. وشهد أحمد بن عمر الأموي أنه سمع أبا الخير هذا يطعن في الدين، ويحرف السنن، ويعد نفسه أن يدخل القصر عروسًا، يريد بذلك أن يأتي بخليفة يدخله القصر. وشهد مسعود بن عبد الله الأموي: أنه سمع أبا الخير هذا يحل الخمر، ويقول إذا مت فاغسلوني بها. وكان بلغه قبل ذلك أنه يشرب الخمر، فأنكر ذلك ولم يصدق به، فركب مع أصحابه له ليقف على الحقيقة من أمره، فوجده بقرية طرسيل سركان، وقال له حينئذ هذا المقالة. وشهد معاوية بن سلمة السبئي: أنه سمع أبا الخير هذا يقول بمذهب المشارقة، عليه

لعنة الله وغضبه، ويذهب مذهبهم، وأن الملحد الشيعي أمير المؤمنين، وفخر عنده أن جراية الشيعي عليه وعلى أصحابه جارية. وشهد محمد بن عبد الله بن محمد بن بديع الأموي: أنه سمع أبا الخير هذا يقر بشرب الخمر واللواط، ويقع في الخلافة أعلاها الله، ويقع في الحكام. وشهد عمر بن أحمد البهراني: أنه سمع أبا الخير هذا يقول بتخليد المذنبين من المسلمين في النار ويعتقد هذا، ويرى الخروج على الإمام. وشهد خالد بن عبد الحميد بمثل ذلك، إلا الخروج على الإمام. وشهد نافذ بن عباس: أنه سمع أبا الخير يقول: كسر العظام ككسر الحجارة. وكان نافذ قد نبش قبرًا لقريب له، فدخل في القبر وأخرج منه العظام وأعظم كسرها، فقال أبو الخير عند ذلك ما تقدم، فقال له نافذ: وأين حديث عائشة، فقال: عائشة مثل أمك. وشهد رشيد بن بخت: أنه سمع أبا الخير هذا في بعض المجالس، وقد دارت بينهما مناظرة، فقال له أبو الخير: أين تلزم في السوق؟ وما تجرك؟ فذكر له رشيد موضعه ومتجره، فقال له أبو الخير: للسلطان إليكم سبيل؟ فقال رشيد: بلى، فقال له أبو الخير: أنت ممن يقرأ القرآن؟ فقال له: بلى، فقال له: ألم تسمع الله تعالى يقول: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} (هود: من الآية 113) فرضيت بأن تكون من أهل النار، فرد عليه رشيد في ذلك بما استطاع من الرد، فقال له أبو الخير: ليس هؤلاء من الأئمة الذين تجب إمامتهم ولا معاملتهم، ولو استطعت محرابتهم لجاهدتهم، وكان جهادهم عندي أفضل من جهاد العدو، وكذلك فقهاء هذا الزمان بهذه الصفة عندي. وشهد بدر مولى أحمد بن خيار: أنه سمع أبا الخير إذا خرج من الطبق يقول – قد سمع صياح صبيان -: ما كنت اشتهي إلا أن اخرج بسيفي هذا؛ لا سيف كان معهم، فأقتلهم صغارهم وكبارهم إلى باب القنطرة، وترجع بدر على ما كان من جوهر في أهل فارس، فقال أبو الخير: أما تقرأ القرآن {إذا جاء نصر الله والفتح} (النصر: 1)، فهذا نصر الله قد جاء إلى الغرب، والفتح يأتي بعده. وشهد خيار بن عبيد الله: أنه سمع أبا الخير يقول في سوق البزازين – وقد تزاحم الناس -: ما يستحق هذا الخلق إلا السيف. وشهد عبد الله بن عمر الأموي: أنه سمع أبا الخير يحل الخمر.

وقال القاسم بن محمد صاحب الشرطة: إسحاق بن منذر بن السيلم تثبت في أمر أبي الخير هذا، فإنه أبو الشر، فاتق الله فيه، وأنا شريك في ثوابه، وإن شئت انتفردني في الثواب فافعل، فإذا تولى صلبه بيدي وإثمه في عنفقي، وكانت شهادة جميع الشهود المسمين في هذا الكتاب على عين أبي الخير وبمحضره، وعرفوه حين شهدوا عليه بما ذلك عنهم من شهاداتهم في هذا الكتاب. فقبل قاسم بن محمد صاحب الشركة شهادة ثمانية عشر شاهدًا من هؤلاء الشهود، وأجازها لمعرفته بهم، وثبت بهم عنده ما شهدوا به من ذلك، واستظهر بسائرهم، وشاور من حضره من أهل العلم في بيت الوزراء، فعهد أمير المؤمنين الحكم – أعزه الله تعالى – ابن أمير المؤمنين عبد الرحمن – رحمه الله – بذلك إليهم وإليه، فيما ذلك ثبوته عنده على أبي الخير في هذا الكتاب، بعد أن أعلمهم بقبوله لمن قبل من الشهداء، واستظهراه بمن استظهر به منهم. فقال الفقهاء: قاضي الجماعة منذر بن سعيد، وإسحاق بن إبراهيم، وصاحب صلاة الجماعة أحمد بن مطرف وغيرهم: نرى – والله الموفق للصواب – أنه ملحد كافر، قد وجب قتله بدون ما ثبت عليه من غير أن يعذر إليه فيمن قبلت، بعد أن ينهي ذلك إلى أمير المؤمنين أعزه الله. وأشار عليه بعض من حضر من أهل العلم بأن يعذر إليه في ذلك، فأخذ الناظر في أمره قاسم بن محمد بقول من رأى أن يقتل بغير إعذار إليه؛ إذا كان ذلك رأيه وأيضًا ومذهبه فيه، وأنهى قاسم بن محمد إلى أمير المؤمنين جميع ما نظر به من ذلك. فرأى أمير المؤمنين – أصلحه الله – أن الحق والصواب في قول من أشار بقتله بلا إعذار، لما استفاض من إلحاد هذا الملحد وانتشار ذلك عنه، فأمضى ذلك فيه، وأمر بصلبه عضبًا لله ولكتابه ولرسوله، ليكون شرادًا لمن ذهب إلى مذهب من مذاهب، أو ثبت عليه سبب من اسبابه التي تثبت على أبي الشر هذا، لعنه الله. وكتب أمير المؤمنين – أعزه الله – إلى الوزير عيسى بن فطيس كتابًا نسخته: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يؤخذ برأي القاضي، وإسحاق، وصاحب الصلاة، فجزاهم عن الدين والذب عن السنة خيرًا، وقد صرفت الوثيقة لتكون في البيت، ورأيت هذا الأمر قد كثر، وكان ممنوعًا مطرودًا، فتقدم إلى القاضي والحكام بالأخذ على أيد الناس في هذا، فمن

خالف مذهب مالك بن أنس رحمه الله بالفتوى أو غيره، وبلغني خبره؛ أنزلت به من النكال ما يستحقه وجعلته شردًا، وقد اختبرت فيما رأيت في الكتب أن مذهب مالك وأصحابه أفضل المذاهب، ولم أر في الصحابة ولا فيمن تقلد مذهبه غير السنة والجماعة؛ فليتمسك بهذا ففيه النجاة إن شاء الله. ولما نفذ عهد أمير المؤمنين أعزه الله بصلب أبي اشر هذا، وظهر من سرور العامة والخاصة بذلك ما لم يظهر يهم، إلا أصبحوا إلى خلافته أعلاها الله. كتب إليه إسحاق بن إبراهيم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، سلام على أمير المؤمنين وإمام المسلمين، ورحمة الله وبركاته، والحمد لله الذي لا يزال أمير المؤمنين، سيدي وسيد المسلمين، يمده الله بتوفيقه، ويشد بصائره في الخير بتأييده، والذي من عليه بأن كان أول دم أمر بسفكه في خلافته امتعاضًا له عز وجل ولكتابه ولرسوله (صلى الله عليه وسلم)، وغضبًا على من استخف بعظمته واتخذ آياته ورسوله هزوًا، وذلك من فضل الله عز وجل على أمير المؤمنين، وعلى آبائه المهديين رضي الله عنهم، الذين قفا آثارهم وسار بسبيلهم في غضبهم لله عز ذكره، وشدة انتقامهم له من الملحدين والمارقين والمبتدعين. فلو كان أمير المؤمنين سيدي بمرأى ومسمع من اجتماع رعيته بالأمس، عند ورود الشورى عليهم بما أمر به في الملحد أبي الشرح من استئصاله وقطع شأفته، وسروهم بذلك، واستهلاك جميعهم بالدعاء، والرغبة إلى الله في إعزازه ونصره، وطول بقائه، مع شكرهم له عز وجل على ما اختصم به وفضلهم على جميع أهل الأرض من خلافته، وأطلعهم عليه مما كانت آمالهم قائمة فيه، وراجية منه – لتضاعف سروره – أعزه الله بالحسنة التي تقرب إلى الله بنها في هذا الملحد، وليتبين أن ليس في المسلمين رعية أرغب في إحياء السنة وإتباعها، والحب لإمامها، والشفة عليه والتكلف به – من رعيته. فلقد رأيت الناس – أبقى الله أمير المؤمنين سيدي – يتلاقون بالتهاني بما أطلعهم الله عليه من باطن أمير المؤمنين إمامهم، في الغضب ولكتابه ولرسوله وللسلف الصالح من صحابته، ولشدة بطشه وعزمته في الانتقام ممن طعن في الدين؛ ما عظم به سروري لأمير المؤمنين سيدي، وبجماعة المسلمين، لعلمي بأنها سيتزودها الركبان إلى جميع أمصار المسلمين وبلدانهم، على أفضل ما قد أطلع الله عليه رعية أمير المؤمنين من نيته واجتهاده، مما لو أنه رام أن يجمع قلوبهم بقوة سلطانه على ما اجتمعت عليه من ذاتها، لما بلغته طاقة

إلا إلى أقل من ذلك، ولكن الله عز وجل أوصى إليها ما أوصى فتحقق عندها ما لا يتحقق إلا ما عنده، إلا فيما يظهرهم عليه من غيبة، فتبارك الله رب العالمين. ثم شفع أمير المؤمنين سيدي – أبقاه الله – ما كان تقدم من عهده في هذا الملحد بما جاوب به الوزير عيسى بن فطيس، فيما أنها إليه مما اعترض به من اعتراض في الإعذار فيما ثبت عليه، فبدرت إلى انتساخ ذلك الجواب وأذعته يمن حضرني، فكان سرورهم به كسرورنا وسرورهم بما غدونا عليه من الفرج به غداة خلافته، بل أكثر من ذلكن ثم خرجت بالنسخة إلى من حضرني بالمسجد وقد احتفل من الداعين والمبتهلين والراغبين، فقرأته عليهم، فكلهم دعا بما لا شك أن الله لا يضيعه لهم في أمير المؤمنين إمامهم وكهفهم وحائطهم، ثم تبادر الناس إلى نسخه، فانتشر فيهم كأسرع شيء، فلم تزل طائفة بعد طائفة تنسخه إلى السماء، حتى كأن الله عز وجل إنما استخلفه عيهم تلك الساعة، فهنيئًا لأمير المؤمنين في سيدي ما من الله به عليه وجمعه له، من طاعته لربه، ورسوخ محبته في قلوب رعيته، واستنامتها إلى إمامته. وبعد – أبقى الله أمير المؤمنين سيدي – بأني لم أشك في هذا الملحد وأصحابه: أن الله ينتقدم منهم بك وعلى يدك، مذ اللهممك إلى التذلل له مما تسميت به من استضارك به، فكفى بهذا تسليمًا وخضوعًا لعزته، ثم هو أصحابه في فضض لعنة الله وخزيته التي أوعدهم بها في كتابه وعلى لسان رسوله، فمما أودعهم به قوله تبارك اسمه وتعالى: {إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57) والَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وإثْمًا مُّبِينًا} (الأحزاب: 57 – 58)، وهو منجز لهم ذلك عاجلا وآجلا. ومما أوعدهم به على لسان رسوله قوله (صلى الله عليه وسلم): "دعوا أصحابي لا تتخذونهم غرضًا، فمن أحبهم فبحيبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه الله (¬1) "؛ فمن كان – أبقى ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه الترمذي ج 5، ص 696 برقم 3862، وقال: حديث غريب، والإمام أحمد في مسنده ج4، ص 77 والروياني في مسنده ج 2، ص 92 برقم 882، والبيهقي في الشعب ج 2، ص 191 برقم 1511، والخلال في السنة ج 3، ص 513 – 514 برقم 830، وابن أبي عاصم في السنة ج 2، ص 479 برقم 992.

الله أمير المؤمنين سيدي – الله وكتابه ورسوله يطالبه؛ فهو في فضض لعنته، والكتاب والرسول خصماؤه، فأين يفر من سمائه وأرضه. لم يمنعني – أبقى الله أمير المؤمنين – أن أكون مكان كتابي هذا معينًا له ومشافهًا بدعائي وابتهالي، إلا بمعرفتي برأفته ورغبته في الرفق بي والصون لي من ريح هذا اليوم وبرده، وما نزل من الماء فيه بشكر الله له، ما أعجزه عنه من قضاء حقوقه، وكفاه علي بأفضل ما يحفظه مني آمين آمين، والسلام على أمير المؤمنين سيدي ورحمة الله. فأجابه أمير المؤمنين – أبقاه الله – في ظهر كتابه جوابًا نسخته: إلى اسحقا بن إبراهيم الفقيه، قرأنا كتابك وفهمناه، والحمد لله الموفق لنا، الذي أجرى على أيدنا وفي أيامنا هذه المكرمة، وجزاك الله عن الذب عن الدين خيرًا، فقد وقع من أفضل موقع، وإنما كان ما ألقى من الكلام نزعة من نزعات الشيطان، وألقية ألقاها على أسنتهم، ولولا البدار لدار لدارت أمور وأمور، والحمد لله الذي ألهمنا إلى البدار، وقطع على أيدينا طرفًا من الكفار، وقد بلغني أن جماعة على مذهبه، وأمرت الحكام بالتشديد عليهم وإخافتهم. وبلغني أن قومًا يفتون بغير مذهب مالك بن أنس، وأنهم يرخصون في الطلاق وغيره بمناكير من الفتوى، وكل من زاغ عن مذهب مالك، فإنه ممن رين على قلبه، وزين له سوء عمله، فقد نظرت في أقاويل الفقهاء، ورأيت ما صنف من أخبارهم إلى يومنا هذا؛ فلم أر مذبًا ولا أنقى ولا أبعد من الزيغ من مذهبه، وجل من يعتقد مذهبًا من مذاهب الفقهاء؛ فإن فيهم الجهيمي والرافضي والخارجي، إلا مذهب مالك، فإني ما سمعت أن أحدًا تقلد مذهبه قال بشيء من هذه البدع، فالاستمساك به نجاة إن شاء الله. وقد أحسنت في توقفك، وما أحب إلي ما أحاطك الله به وأصلح من حالك، فقد قلت لمن حضرني يوم السبتي بعد خروجك: لن يزال هذا البلد بخير ما كان فيه هذا الشيخ؛ فكثر الله مثله فهذه بصيرتي فيك. فاعلمه، والسلام عليك. ولما ورد جواب أمير المؤمنين الحكم بن عبد الرحمن – أعزه الله – هذا على اسحقا ابن إبراهيم، اجتمع إليه طلبة العلم فرغبوا إليه في انتساخه، فأباح لهم ذلك، وسألوه أن يشرح لهم أصل هذه الفتوى المذكورة عنه وعمن قال مثل قوله، في قطع الإعذار عن أبي الشر استعدادًا بها، وتخليدًا لها على من ظهر منه أو ثبت عليه شيء مما ثبت على هذا الملحد.

فقال إسحاق بن إبراهيم: لم يجر بيني وبين أصحابي فيما سأتلهم عنه مذاكرة أكثر من اجتماعنا على وجوب قتله بغير إعذار؛ إذ ببعض ما ثبت عليه كان يجب قتله بلا إعذار، فكيف بما اجتمع عليه في الشهادات المشهود بها فيه من ضروب الكفر، التي لم أسمع بإجماعها في أحد ممن شهد عليه بالإلحاد، وعرف به، أو نسب إليه شيء منه، قديمًا ولا حديثًا؟ ولكل ذلك قد قاد أصلا احتمل عليه. فمن أصلي في إسقاط الإعذار إليه فيما تقدم ذكره عني: الاحتمال في ذلك على مذهب مالك (رضي الله عنه) في قطع الإعذار عمن استفاضت عليه الشهادات في الظلم، وعلى مذهبه في السلابة والمغيرين وأشباههم إذا شهد عليهم المسلبون والمنتهبون، بأن تقبل شهادتهم عليه إذا كانوا من أهل القبول، وفي قبولهم عليهم سفك دمائهم مما يحكم به على المحاربين، إذا كان الشهود جماعة، وقد وقف مالك على الجماعة كم هي؟ فقال: أربعة فما زاد. وفي الرجل يتعلق بالرجل وجرحه يدمي، فيصدق عليه، وفي البكر تتعلق بالرجل وهي تدمي فتصدق عليه، وفي التي تتعلق بالرجل بالمكان الخالي وقد فصحت نفسها بإصابتها لها فتصدق عليه بفضيحة نفسها، وفي الذي وجده (رضي الله عنه) عند أحد الحكام وهو يضرب؛ لدعوى صبي قد تعلق به وهو يدمي، فصدقه الحاكم فيما ادعاه عليه من إصابته له، فلم يزل يضرب ومالك جالس عنده، حتى ضرب ثلاث مائة سوط، وهو ساكت لا ينكر ذلك، إلى ما قد كان تقدم له قبل نزوله عليه من الضرب، وقد بلغني أنه انتهى به الضرب إلى ستمائة سوط. وفي أهل حصن من العدو يأتون مسلمين رجالاً ونساء، حوامل وغير حوامل، فيصدقون في أنسابهم ويتوارثون بذلك، إذا كانوا جماعة لهم عدد، إلا أن يكونوا يسيرًا: السبعة والثمانية، قال ابن القاسم: والعشرون عندي جماعة دون عذر. فأين الإعذار من هؤلاء كلهم؟ فإذا كان مالك يرى هذا في أهل الظلم للناس والسلابين والهجامين والمتهبين، وفيمن يلحق بدار الإسلام من المشركين، فالظلم لله عز وجل ولكتابه ولرسوله أحق بان يقطع عنه الإعذار، فيما ثبت عليه من الكفر به والإلحاد والتكذيب لكتابه ولرسوله لو لم يستفض عنه كل ما استفاض، فكيف بما ثبت عليه وانتشر عنه بمن قد شهد في الكتاب الذي انعقد عليه به الشهادات، بمن لم يشهد فيه. ولو لم يستفض ذلك عنه إلا ممن شهد عليه في ذلك الكتاب خاصة؛ لعظمت

الاستفاضة بهم عندي، ولقبلت جميعهم؛ إذ هم أوجلهم من حملة القرآن وطلبة العلم وحجاج ومجاهدون وعمار مساجد، فكيف، وليس بالأندلس بلد إلا وهو يغلي بالشهادات عليه بما أذاع فيهم من هذا الإلحاد. فهذه سبيلي فيه وفي أمثاله التي أقول بها وأدعو إليها على بصيرة مني فيها؛ إذ وقت على جميع ما انعقد عليه من الشهادات فوجدتها تشتمل على الكفر بالله والتكذيب لكتابه ولرسوله مع الطعن على الأئمة المهديين والسلف الصالح من المؤمنين، ومع ما كان يدعو به يظهر العزيمة فيه من الخروج على إمام المسلمين – أعزه الله -، وحمل السيف على رعية المسلمين وسيي ذراريهم وإحالة الملحدين أمثاله عليهم، وإحالة في كثير منها لكل ما حرم الله في تنزيله وعلى لسان رسوله من الفواحش،، حاشا نبذتين أو ثلاث من مذاهب المعتزلة، ومثلها من مذاهب الرافضة اللعينة والشيعة المخزية. ومن تحرج في تعجيل روحه إلى النار فإني متقرب إلى الله عز ذكره بإسقاط التوسعة عليه في طلب المخارج له بالإعذارات، والإسراع به إلى ما أوعد الله به الذين يلحدون في آياته، ولو لم أجد لمالك أصلا فيما تقدم ذكره عنه في هذا الكتاب؛ لنزعت إلى أصله في موطئه للحديث المأثور فيه عن النبي (صلى الله عليه وسلم): "إنما أنا بشر (¬1) " وهو أم القضايا ولا إعذار فيه ولا إقالة من حجة ولا من كلمة، وإلى كتاب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى أبي عبيدة بن الجراح وأبي موسى الأشعري وهما أيضًا ملاذ الحكم والأحكام بعد حديث النبي عليه الصلاة والسلام وليس فيهما إعذار ولا إقالة من حجة ولا من كلمة غير قوله: اضرب للطالب أجلا ينتهي إليه، لم يقل: اضرب لمن ثبت عليه حق أجلا ينتهي إليه. غير أن الإعذار فيما يتحاكم الناس فيه من غير أسباب الديانات استحسان من أئمتنا، وأنا على اتباعهم فيه والأخذ به على بصيرة مستحكمة فيما أوجبوا الإعذار فيه من الحقوق، وألزم التسليم ما استحسنوه؛ إذ هم القدوة والهداة. فأما في الإلحاد والزندقة والتكذيب للقرآن وللرسول وفي إقامة الحدود فلم أسمع به ولم أره لأحد من وصل إلينا علمه في مقبول الشهادات نأخذ به. وقد تدور عند حكامنا شهادات لا إعذار فيها بلا اختلاف بين من أدركنا ولا بين ¬

_ (¬1) ... الحديث أخرجه البخاري ج 2، ص 867 برقم 2326، ومسلم ج 3، ص 1337 برقم 1713.

من مضى من مشايخنا، منها ما ينعقد في مجالس الحكام ممن المقالات والإقرارات والإنكارات بشهادات من يحضرها عندهم من المقبولين في الدماء والفروج والأنساب والنكاحات والطلاقات والأموال وغيرها من صنوف الحقوق وكلها بلا إعذار في شيء من هذه الشهادات بإجماعه من مضى وممن بقي. ومنها شهادات من يعذر بهم الحكام إلى من تحجبه الأحوال المانعة من مشاهدة مجالسهم، فلا يجدون بدًا من الإعذار إليهم، وربما كان الإعذار بواحد وربما كان باثنين أو أكثر على ما يراه الحكم، فلا إعذار في ذلك كله بإجماع من مضى ومن بقي. ومنها شهادات من يوجههم الحكام إلى امتحان ما لا غنى بهم عن امتحانه ممن يثقون به، وإلى حيازة ما شهد فيه عندهم ومما لابد أن يحاز، والى تنفيذ ما لا يمكنهم إنفاذه في مجالسهم، وإلى معاينة شخوص وأعيان في ضروب شتى لا يمكن نقلها إلى مجالسهم لأسباب يطول ذكرها، ولا إعذار في شيء من هذه الشهادات عندهم بإجماع ممن مضى وممن بقي. وربما اكتفى في كثير منها بواحد فهل هذه كلها إلا شهادات؟ وهل بينها وبين غيرها فرق في شيء. ومنها استفاضة الشهادة المشهود بها عند الحكام في الأنساب القديمة والحديثة، وفي الموت القديم والحديث، وفي النكاحات القديمة والحديثة، وتواريخ أقضيتهم ومددها وفي الولاء القديم، وفي الأحباس المتقادمة، وفي الضرورات تكون بين الأزواج في أشياء سوى هذه يطول ذكرها، وفي بعض ما ذكرنا كفاية من بعضها. فهل هذه كلها إلا شهادات كالتي قبلها؟ هذا إلى ما ارجأت ذكره مما مضى به نظر الأئمة المهديين رضي الله عنهم من لدن عمر بن الخطاب فمن بعدهم مما تفردوا بانفراده وأمضوا أحكامهم به على الاستفاضة. بل بدونها في استئصال الشكاك والملحدين والمتهمين بالتعطيل، وتطهير البلاد وإراحة العباد منهم، ولعلمهم بما لهم من ثواب الله في حياطة الديانة وإصلاح الخاصة والعامة ما قد حمدته هم العلماء والفقهاء والصالحون في أزمتهم، وبعدها، إلى يومنا هذا. والذين يعلمون ما أقول ولو ألم أنزع بهذا كله ولم يثبت على هذا الملحد كل ما ثبت عليه إلا ما كان يعد به جلساؤه ومن يستنيم إليه من الخروج على إمام المسلمين -

أعزه الله – ومن حمل السيف على رغيته وسبي ذراريهم لرجوت أن أخطئ بما أشرت به فيه عند الله عز وجل. فقد أخبرني من وثقت به عن قوم من الصالحين سماهم أنه تقرب إليهم بالمناصحة في نسائهم أن يطلقن الجسم ويتخذون الضفائر ويستعددن بها، فغنهن عن قرب يمتحن بالسبي؛ سببي الشيعة لهن، وانه مقدمته إليهن. فكيف بمن له نصحت وعنه عز وجل قلت ما قلت؟ وإني لعلى بينة من ربي فيما به أشرت وكل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا. قال القاضي: ما قضى أبو إبراهيم – رحمه الله – في التبيين والنصح للمسلمين وإن كان في فصول كلامه اعتراض على الأصول وفي بعضها خلاف، وقد تقدم بعضه في صدر الكتاب والله الموفق للصواب، والبين أن من تظاهرت عليه الشهادات في إلحاد وغيره هذا التظاهر، وكثرت البينة العدلة عليه هذه الكثرة، فالإعذار إليه معدومة الفائدة. إذا اليقين حاصل بأنه لا يستطيع على تجريح جميعهم ولا يمكنه الإتيان بما يسقط به شهادتهم. ومن قال بالإعذار قاد أصله المتفق عليه عند العلماء والحكام في لزوم الإعذار في الأموال، ومن اجتهد أصحاب، والله أعلم بالصواب. مسألة في تكفير أهل البدع أم هم كأهل الكبائر: سئل الشيخ أبو عبد الله بن عتاب عن طائفتين في أهل الكبائر والبدع: فقالت إحداهما: أهل الكبائر في المشية وأهل البدع في النار ولم يستثن واحدًا منهم. وقالت الأخرى: أهل البدع أقمن أن يكونوا في المشيئة لأن الذي أتوه تأويلاً أرادوا فيه الصواب فأخطأوا، وأهل المعاصي والكبائر إنما أتوا ذلك تقحمًا وجرأة، قد علموا أن الله قد حرم ذلك فأمنوا مكره وعذابه وقد وصفه الله في كتابه أن عذابه غير مأمون. وقد أجمع المسلمون أن من تمسك بعقد من الإيمان لم يحتم عليه بالنار لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "لا تنزلوا أحدًا من أمتي جنة ولا نار (¬1) " فأيهما أحق بالتبديع لا زلت مؤيدًا. ¬

_ (¬1) ... هذا الحديث لم أعثر عليه.

فجاوب: هذا شيء أكره الخوض والتكلم فيه فإذا قد وقع فأقول والله أعلم إن البدع كلها مذمومة من اعتقد شيئًا منها؛ وبعضها أعظم من بعض – عصمنا الله منها – ولم يقبض الله نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) حتى ترك أمته على الواضحة وأمرهم بالتمسك بالكتاب والسنة. وروي عيسى من ابن القاسم وسئل عن أهل الأهواء هل يعطون من الزكاة؟ فقال: إن نزلت بهم حاجة أعطوا من الزكاة، وهم من المسلمين يرثون يورثون. وقال ابن القاسم في المدونة: رأيت مالكًا إذا قيل له في إعادة الصلاة خلف أهل البدع يقف ولا يجيب. وقال ابن القاسم: أرى عليه الإعادة في الوقت، ورويي ابن وهب عن مالك في موضع آخر من سماعه: قيل لمالك: أرأيت من صلى خلفهم فريضة؟ فقال: ما أحب أن أبلغ ذلك كله، أرأيت لو صلى خلفهم سنين؟ فلم يختلف قول مالك في منع الصلاة ابتداء، فإن صلى فروى عنه التوقف. وروى عنه ألا يعيد وكان سحنون يقول: فإن أعاد فحسن وإن لم يعيد فلا شيء عليه، وكان يضعف الإعادة، ويرى ألا يعيد في وقت ولا غيره. قال: وكان جميع أصحاب مالك يقولون – أشهب والمغيرة وغيرهما -: إنه لا تعاد خلفهم وإنما يعيد من صلى خلف يهودي أو نصراني. وقاله محمد بن سحنون. وممن قال يعيد في الوقت وغيره أصبغ، على خلاف عنه، إذ قد روي عنه الإعادة وروي عن محمد بن عبد الحكم وغيره الإعادة أبدًا وذهب إليه ابن حنبل وغيره. وأما أصحاب الذنوب والكبائر – أجارنا الله من ذلك كله وعصمنا – فإن الله تعالى قال في كتابة {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} (الزمر: من الآية 53) في آي كثيرة: فالمسرف على نفسه ظالم لنفسه، والكبائر مذمومة كلها وبعضها أشد وأعظم من بعض وقد روي عن كثير من أصحاب مالك أنه قال في مسألة: وقد يكون في غير أهل الأهواء من هو أشر من أهل الأهواء. والأمر فيما سألت عنه راجع إلى مشيئة الله تعالى: {وإيه يرجع الأمر كله} (هود: من الآية 123) {فعال لما يريد} (هود: من الآية 107)، عدل في جميع ذلك، لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها ولا يقطع عيهم بنار والله عز وجل أعلم.

قال القاضي: قال بان حبيب في السادس من الواضحة: ومن عرف ببعض الأهواء المخالفة للجماعة مثل الإباضية والمرجئة أو القدرية وأشباههم فلا يصلي خلفهم، ولا يصلي خلف إمام ضال، ومن صلى خلفه فليعد في الوقت وبعده؛ لأن الصلاة رأس الدين، وأولى ما أحيط فيه. وهذا في إمام يصلي بالناس بغير ولاية ولا سلطان؛ لأنه مندوحة من تركه إلى الصلاة خلف غيره؛ وأما إذا كان إماما تؤدي إليه الطاعة أو قاضيه أو صاحب شرطته أو خليفته على الصلاة فلا إعادة على من صلى خلفهم وصلاته جائزة، هكذا فسره لي من لقيته من علماء المدينة؛ مطرف وابن الماجشرون وغيرهما. وفسر لي أيضًا ابن عبد الحكم وأصبغ بن الفرج وهو الذي عليه أهل السنة وابن سحنون من هذا في قوله: جميع أصحاب مالك يقولون: لا يعيد من صلى خلفهم؛ أشهب والمغيرة وغيرهما، وقع هذا عنه في مساع عيسى في كتاب المحاربين وزاد ابن مكنانة وغيرهم، وأما تكفير أهل البدع فقد سئل أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي عن ذلك وقيل له: هل يكفرون؟ ويقطع بتخليدهم في النار؟ وأنهم لا يقبل منهم توبة فإن قومًا يزعمون ذلك ويقولون: من لم يكفرهم فهو كافر؟ فجاوب: اعلم – أرشدك الله – أن أول بدعة حدثت في الإسلام بدعة الخوارج بتحكمهم على الله بأنه لا يكون منه يمن خالفهم إلا تخليدهم في النار إذ كانوا قد كفروا من خالفهم واستحلوا دمه فسمتهم الصحابة وجماعة المسلمين خوارج أي عن سبيل الجماعة وسنة الإسلام لأنهم لم يقطعوا مواريثهم ولا أبانوا نساءهم منهم ولا أفرزوا قبورهم من قبول المسلمين ولا أحكامهم عن أحكامهم. ثم احتمل على ذلك بدهم مالك وأهل بلده والليث بن سعد والأوزاعي وابن أبي سلمة وغيرهم من أهل الحجاز والعراق والشام ومصر، فأما ن قطع كما ذلك على الله بأنه لا يقبل توبة مبتدع فقد خرق إجماع المسلمين ورد على رب العالمين. قال الله سبحانه: {غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب} (غافر: من الآية 3)، وأما تكفيرهم فهي طريقة إخوانهم من الخوارج التي ذكرناها والله يعصمنا وإياك من مضلات الفتن برحمته.

وسئل أبو عمر أحمد بن هشام الأشبيلي: عن ذلك فجاوب، وفقنا الله وإياك لطاعته وعصمنا بما عصم به أولياءه وأهل محبته: البدعاء أمر عظيم عند أهل العلم يخاف عليهم الخلاف فيما يعتقدون، تبغضهم القلوب ويشتد غضب المؤمنين عليهم، ولا يخرجون من الإسلام بذلك. وقد تكلم الناس في هذا وهو الذي وجدنا عليه الفقهاء أهل مدينة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومن اتبعهم، وفقنا الله لما يرضيه منا إن شاء الله والسلام عليك. قال القاضي: الصحيح عندي في أهل البدع أنهم صنفان، وأن البدع نوعان. فالنوع الواحد منهما كفر صراح لاخفاء به، وضلا لائح لا ستر يخفيه، كقول بعض الرافضة – لعنهم الله – إن عليا (رضي الله عنه) الله من دون الله – تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا – وكقول صنف آخر منهم يقال لهم الجمورية: إن عليا – عليه السلام – نبي مبعوث وإن جبريل عيه السلام غلط؛ بعث إليه فأتى محمد (صلى الله عليه وسلم) أفيحل لمسلم يعلم الله وسوله ويؤمن بما أنزله عليه من كتابه أن يقول إن هذا غير كفر وإن معتقده والقائل به غير كافر؟. بل هذا هو الكفر الصراح، والقائل به كعابد وثن كافر مفتر على الله عز وجل مخلد في النار لا يربح رائحة الجنة أبدًا، من قال بغير هذا وارتاب فيه فكافر مثلهم أو شاك قد أضل دينه وأخطأ طريقه. والنوع الثاني من البدع ضلال وزيغ عن الحق وعدول عن السنة والجماعة، لا يطلق عليه كفر ولا على معتقده كافر كقول المختارية من الرافضة: إن عليا إمام؛ من أطاعه فقد أطاع الله، ومن عصاه فقد عصى الله، والأئمة من ولده يقومون مقامه في ذلك، وكقول صنف منهم يفضل عليًا على الناس كلهم، ولا نطعن على أبي بكر وعمر ونطعن على عثمان بأنه غير. وقال لهم: الزيدية. وكقول الشيعة منهم: أبو بكر وعمر أفضل الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على التقديم، وعلى أحب إلينا. فهذه كلها بدع خارجة عن رأي جماعة المسلمين، لا نقول إنها كفر ولا إن معتقدها كافر، ولا يمتري ذو حسن في خفتها في التي قبلها ولا في كونها من غير جنسها. ومثل هذا في التنويع كثير في غير الرافضة من المرجئة والجهمية والقدرية وغيرهم؛

إلا أنا اقتصرنا على هذا التمثيل مجانبة للتطويل وإذ فيه بيان من ذلك التجميل. وحسبنا الله ونعم الوكيل. وقول ابن عتاب في جوابه: قد قال: كبير من أصحاب مالك: قد يكون في غير أهل الأهواء ومن هو أشد من أهل الأهواء. هو قول ابن القاسم في تفسير ابن مزين، حكماه عنه عيسى بن دينار وقال به، وقال يحيى بن إبراهيم بن مزين: في تفسير هذا – يريد ابن القاسم – أعذر ممن ركب شيئًا بعد معرفته وتفحمه وجرأته على ذلك فصاروا شرًا من أهل الأهواء. وفي هذا التأويل عذر لأهل البدع في تحريفهم لكتاب الله عز وجل ومفارقتهم للسنة والجماعة بتأويلهم، ولا خلاف أنهم غير معذورين في مخالفة سبيل المؤمنين. وقد قال أبو الحسن علي بن محمد بن القابسي في كلام ابن مزين: ما أدري ما تفسير ابن مزين هذا، وإنما أراد ابن القاسم أن في غير أهل الأهواء من هو شر من أهل الأهواء وهم الذين يتدينون بالسنة وتكون منهم جهالات من وراء نسك فهم يغرون به من يسقطونه في جهالتهم، وأهل الأهواء الناس لهم منافرون، هذا وجه قوله عندي، والله ولي التوفيق. وكيف يقال لمن يخطئ وجه الصواب في الاعتقادات: أنت أعذر ممن سلم له اعتقاده من الخطأ وزل بالجهالة فيما دون الاعتقادات وأتى ذلك تقحمًا؟ هذا يعيد والله أعلم. هذا كله من كلام أبي الحسن، وهو صحيح حسن، وبالله التوفيق. قال القاضي: قد أتينا – بحمد الله وحسن عونه – على ما رغبناه وذهبنا إليه من جمع شمل النوازل التي كمنا قد علقناها على غير ترتيب وكتبناها في غير ما موضع من كتابنا لتقرب فائدتها، وتكمل منفعتها لمن طالعها. وأضفنا إليها من أنواعها ما فيه تمامها ومن الروايات ما زدنا في بيانها، ولم ننقل ما نقلناه من الأمهات على نصه بل ربما اختصرنا بعض لفظه قصدًا إلى المعنى الذي أردناه فأوردنا وكشفنا لما أردنا بيانه فبيناه. وما رأينا محتاجًا إليه بجملته كتبناه على هيئة ليكون الاستدلال من ألفاظه ومساقه،

وتركنا من النوزال كثيرًا مما كان يضطر إلى تتميم ويحتاج إلى تنويع وتقسيم وعدلنا عما فيه من الاعتراض إلى التسليم لمانع منع أو لضعف قطع وأرجأنا إلى وقت نشاط إن كان مهل ولم يقطع أجل فتعلق عليه ما يحتاج من التنبيه إليه. ومن أضاف كتابنا هذا إلى غيره من الكتب الموضوعة في الأحكام كمنتخب ابن أبي زمنين وغيره أو كثرت دراسته للأصول أحرز علم الأحكام على وجوهها، ومعرفة الأقضية على حقائقها، ووقف على سنن الفتيا وما نهجه الشيوخ فيها وفيه أبواب كثيرة لا توجد في كتاب بإيعابها، فيه ولا غنى بعالم فيها عنه. والحمد لله ثم الحمد لله على ما منحنا من هداه: وفقهنا فيه وعلمنا إياه. والصلاة التامة على رسوله محمد الذي اصطفاه، وختم به الرسول واجتباه. حشرنا الله معه ولا خالف بنا عنه، وجعلنا من العالمين له المريدين وجهه الراغبين فيما عنده، وتجاوز عما كان من زلل أو خطأ في قول وعمل، إنه منعم كريم قريب مجيب، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. وكان تمامه يوم الأحد لتسع بقين من المحرم سنة ثلاث وسبعين وأربع ومائة والحمد لله كثيرًا وصلى الله على سيدنا محمد ولعى الله وصحبه وسلم تسليمًا. تم جمع كتاب الإعلام بنوازل الأحكام بحمد الله الملك العلام وعلى سيدنا ممد أفضل الصلاة والسلام وعلى صحابته الكرام، في يوم الجمعة الرابع شعر من رجب الأصب من عام 12165 ستة عشر ومائتين وألف من الهجرة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام. على يد كاتبه لنفسه ثم لمن شاء الله من بعده من أولاده وعقبه ثم لمن أصله الله من إخوانه وعصيته على بن سعيد بن علي بن أحمد بن عيسى، عرف بابن سيدي عيسى نسبة إلى الشيخ الشهير الوالي الكبير ذي الكرامات الظاهرة والمآثر الباهرة الزاهرة الشيخ سيدي عيسى بن محمد بن محمد رحمه الله وأعاد علينا من بركاته آمين آمين آمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى الله وصحبه وسلم. فلله إلا ما دعوت بنية ... لكاتبه بالعفو فهو مثقل ذله سقطات جمعه غير أنها ... تقل إذ الله الكريم المؤمل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد والله وسلم تسليمًا كثيرًا. مسائل الغيب في آخر الديوان: سئل أبو إبراهيم عمن له حق مؤجل قريب الأجل أو بعيده فزعم أن الذي هو عليه يريد سفرًا، وأنكر المطلوب ذلك فقال: إن أقام الطالب بذلك شبهة بينة وإن لم تكن قاطعة أحلف المطلوب أنه ما يريد سفرًا، فإن حلف لم يكن له عليه شيء، وإن نكل كلف حميلاً غارمًا مليئًا ثقة، ثم يقال له: إن شئت فسافر أو اقعد. وسئل عن الكماد يقطع الثوب وينكر القطع. فقال: يرسل الطالب والكماد إلى أهل البصر فإن قالوا: هو حديث عرض من هذا الكمد، غرم الكماد ما أفسد، وإن قالوا يمكن أن يكون قديمًا أو حديثًا حلف رب الثوب: ما علم بهذا القطع عند نفسه ولا عرض عنده ويضمن الكماد، وإن كان الثوب قد كمد قبل هذا الكمد حلف الكماد ما عرض عنه وبرئ، وإن كان لم يكمد قبل هذا وهو جديد ضمن الكماد لأنه يعلم أنه ما عرض عنده، ولا يمين على رب الثوب للكماد إن شاء الله عز وجل. قال سحنون: من بني على باب جاره دكانًا في الطريق غير مضر بالطريق إلا أنه حضر بباب داره يقابله لقعود الناس معه عليه منع من ذلك ولو فتح باباً لداره قبالة باب دار آخر نكب عن باب تلك الدار بقدر ما يرتفع الضرر معه. قال: ومن أحدث في طريق المسلمين كنيفًا أو قناة حمام ولم يرفع ذلك إلى حكم إلا بعد اثني عشر عامًا لم يكن ذلك للمحدث حيازة؛ لأن طريق المسلمين لا يجاز، بخلاف ما يملكه الناس إلا أن قدم أمر هذا الكنيف الستين سنة أو نحوها فلا يعرض له؛ لأنه لا يعلم بأي وجه وضع ذلك بخلاف العشر سنين. قال: وحكم الدرب غير النافذ حكم الزنقة غير النفاذة إن كان في الدرب زنقة في ناحية منه لرجل في أقصاها باب وأراد أن يقدمه إلى طرف الزنقة، لم يكن له ذلك إلا بإذن أهل الدرب ورضاهم. قال: وما ضاع عند العيد القصار ففي ذمته يبتع به ولا يباع فيه حماره ولا أداته إلا إن أقر سيده أن ذلك للعبد ولا يحكم للعبد به لكونه بيده بخلاف المأذون له في التجارة. قال: ومن اعرف حمارًا للحكم له به ثم حكم للذي كان بيده على بائعه منه ثم حكم لذلك البائع على من باعه منه، وذلك كله في مجلس واحد لإقرارهم به، فأراد

المحكوم عليه آخرًا أن يضع قيمة الحمار لمستحقه ويطلب به حقه من الذي باعه منه، فله ذلك، وليس لمحكوم له به أن يقول: ليس بيني وبينك عمل فلا تذهب به، وإذا لم يشهد لمعترف الشيء بها شاهد واحد فطلب الذي هو بيده حميلا من بائعه لئلا يستحق منه وهو غائب، فليس له ذلك حتى يحكم عليه ويؤخذ منه. قال: ومن اعترف دينار الفضة فقال: ديناره زيادة، أو قال محمد أو قال عباس؛ لم يجب له بذلك حتى يصفه بعلامة فيه من تاب أو غيره. وقال في القصار يخرج الثوب رديئًا أسود: يريده حتى يخرج جيدًا فإن ضيق رده فساد باسترخاء أو خرق لم يرد إلى العمل، ونظر فإن كان إخراجه خروجًا رديئًا أفسده به على صاحبه ضمنه وأدى قيمته؛ وإن كان فساده يسيرًا أعطي أجره مثله من ذلك العمل. وإذا أقر الصانع بدين ولا مال لهم إلا عمل أيديهم ترك لهم من لك قدر قوته وقوت عياله ما بقي فلغرمائه، وإن لم يكن عليه دين، ولعيه فرض لأولاده من مطلقة ترك له أيضًا على قدر قوته وفرض عليه فيما بقي لولده، وإن كانت له زوجة فرض له ولها ثم ما بقي ولده وهي أولى منهم. قال: ومن ادعى عليه غضب أو سرقة وترافعا إلى السلطان ثم صالح المدعي بدنانير وهو منكر وقال للشهود عند دفعه الدنانير: إنما أعطيتها خوف السلطان وضرب السياط وما له عندي حق، ثم أراد الرجوع فيما صالح به، فقال: ليس له ذلك وإلى أن يبتدأ على الناس إلا إلى السلطان، إلا إن كان المدعي معروف الاتصال بذلك السلطان وأنه له منه ناحية فينظر الحكم فيه على قدر ما يرى. قال: ومن ادعى أنه أبضع مع رجل رأسين فقال الرجل: إنما أبضعت معي رأسًا والثاني ابضعته مع غيري، وأمرتين – إذا وصل به أمدًا كذا – بقبضة فمات قبل أن نصل وقبل قبضه إياه، فأتى المدعي بشاهدين أنه أبضع معه الرأسين قال: فهو ضامن للرأس الذي جحد؛ لأنه أخرج نفسه من الأمانة بجحده بذلك. وقال: إذا جرح المشهود عليه الشهود فللمشهود له تجريح المجرحين، ولو كان تجرحهم لشهوده وهو غائب فعلى الحاكم أن يخبره بهم، وإذا قال أحد المجرحين فأحد الشهود: هو كذاب، وقال آخر فيه: هو آكل ربا، فليس بتجريح حتى يجتمعا في شيء

موفق. وإن قال أحدهما: هو خائن، وقال الآخر: يأكل أموال الناس فذلك تجريح؛ لأنه معنى واحد، وقد قال أيضًا: إذا جرحه أحدهما بمعنى، وجرحه الآخر بمعنى آخر، فذلك تجريح؛ لأنهما قد اتفقا على أنه رجل سوء. قال حبيب: وقد سأتله قبل ذلك عن تجريحهما إياه بأنه رجل سوء غير مقبول الشهادة، وقالا: لا تسمى ما جرحته؟ فقال: هي جرحة ولا يكشفوا عن أكثر من هذا. وقال: إذا زكى الشاهد في العلانية، وسأل الحاكم عنه في اسر فقيل فهي: هو رجل صالح، فليس بشيء حتى يقول فيه في السر عدلان: إنه عدل وليس صالح بشيء، وتزكية السر والعلانية سواء. قال: وذاا أتى الشاهد من البادية ليشهد لرجل عند الحكم فنزل عند المشهود له وكان في ضيافته حتى رجع فذلك خفيف ولا تسقط شادته إذا كان عدلاً. ومن له شاهد فعدله عند هذاالحاكم وكتب له إلى الحكم الذي يشهد له عنده يثبوت عدالته عنده، فأنكرها سحنون إنكارًا شديدًا أن يزكي الشاهد قبل أن يشهد وأن يكون القاضي يكتب بمثل هذا، وقال: لا أعرف هذا، قال: وهو إذا شهد عند الحكم فزكي عنده وحكم بشهادته ثم شهد عنده بعد شهر أو نحوه لرجل آخر كلفه تزكيته أيضًا حتى تشتهر عدالته. قال: ومن كان حائطه سترة جاره فانهدم لم يكلف بنيانه عند عبد الرحمن، وقال ابن كنانة: يجبر على بنيانه، قال حبيب: ورأيت مذهبه على قول ابن كنانة، قالا: وإن هدمه للضرر يجاره أجبر على بنيانه عندهما. قال: وإذا حكم على المطلوب بالدين فزعم أنه فقير معدم، وأثبت ذلك عند الحكم ببينة فقال الطالب: عند بينة بأن له دارًا، فقال المطلوب: هي لأمرأته، وهو فيها ساكن معها، فأتى الطالب ببينة بأن تلك الدار لغريمه وأتت الزوجة ببينة أنها لها، فلينظر إلى أعدل البينتين، أن استوتا سقطتا وبقيت الدار للمطلوب وبيعت في دينه لأن سكناه أغلب من سكنى امرأته. ومن طلب غريمًا بدين وقال عند القاضي: هذا ضمنه لي فأنكره الرغيم وأقر الضامن.

قال سحنون: فليأخذ الضامن بدينه، وإن قال: لي بينة على الغريم بذلك لم يكلف إحضارها، ولهذا وشبهه يؤخذ الحمل وللضامن بعد غرمه القيام بتلك البينة على الغيم وأخذ ما غرم منه. قال: ومن ادعى في قاعة بين دور قوم، وأتى بشهود شهدوا أن موضع كذا إلى موضع كذا له، فعرض له بعض أهل تلك الدور وقال: ذلك له ولفلان ولقوم مجهولين، وأقام بذلك بينة فشهادتهم ساقطة؛ لأنهم لم يقطعوا بشيء معروف، والحق حق الأول يحكم له به. وقال: ومن ادعى آبقًا مسجونًا قد كان الحكم سجنه فأقر له العبد بالملك؛ دفع إليه ولم يكلف ببينة؛ إذ لا خصم له يعترض فيه إلا إن أتي طالبه بحدثان سجنه فلا يمكنه منه، وليتلوم له قليلا؛ لئلا يأتي طالب يطلبه، وأما إن كان سجنه قد طال فلا يتلوم له وليدفعه إليه، وقد كان قال قبل ذلك: لا يرفعه إلى طالبه إلا ببينة عدل، وإن كان سجنه قد طال ثم شدد فيه بعد ذلك ورجع إلى ألا يدفع إليه إلا ببينة قال: ولو أراد طالب بيعه وهو في السجن عند قاضي عدل لم يجز له بيعه؛ لأن فيه خصومة. مسألة في اختلاط سيئك بشيء غيرك: في أول وديعة المختلطة: من أودع دراهم فخالطها بدراهمه ثم ضاعت كلها فلا يضمن؛ لأن الوديعة قد ضاعت وأن الدنانير في الدنانير كذلك. وإن خلطت حنطة استودعتها بشعير ضمنت لأنك لا تقدر على تلخيص الحنطة منها ولو خلطتها بمثلها من حنطتك لم تضمن كالدراهم، وإن لم تكن مثلها ضمنت، وإذا ضاع بعض الدنانير فهو منكما، وإن كان يعرف بعضًا من بعض بمصيبة ما ضاع من دنانير كل واحد منكما فيه. وإن خلط صبي ذلك القمح بشعير ضمن مثل القمح ومثل شعيرك؛ لأنه يلزمه ما استهلك، يريد إن قامت عليه بذلك بينة لا بإقراره إلا أن تشاء ترك الصبي وتكونان في المخلوط شريكين أنت بقيمة كيل شعيرك والمودع بقيمة كيل قمحه. وقال عبد الحق عن بعض القرويين: إنما تجوز شريكتها على الكيل لا على قيمة طعام كل واحد منهما؛ لأنه يدخل ذلك الفاضل بين الطعامين، لكن يبيعانه ويتقاسمان ثمنه على قيمة طعام كل واحد منهما وجاز لهما بيعه، وكذل لأنهما لم يخلطاه فيكون من

باب الغش، وإن قال أحدهما للآخر: أنا اغرم لك مثل طعامك وآخذه هذا المختلط لم يحل إلا أن يكون هو خلطه فيجوز؛ لأنه ضامن له. وقال أشهب: وقال أيضًا لا يجوز. سحنون هو الصح أن لا يجوز، وروي أبو زيد أن يبيعاه ثم يقتسمان الثمن على قدر قيمة طعام كل واحد منهم – يريد يوم خلطه الصبي – وقال يحيى: أجاز أشهب أن يعطي لصاحبه مثل طعامه، وقال يحيى: قبل أن يعترفا وإلا لم يجز. ذلك ابن أبي زيد في مختصره، وتأمل فيه وفي النوادر رفيقتها، ومنها في كتاب الغصب وفي غصب العتبية في سماع عيسى، وفي آخر كتاب تضمين الصناع من المدونة: من وقع له رطل زيت في زرق زبيق لرجل فله عليه رطل زيت، فإن أبى أخذ رطله. وقال سحنون: لا أقول بهذا أصله القمح والشعير بختلطان بغير عداء، يضرب صاحب القمح بقمية قمحه معيبًا، وصاحب الشعير بقيمة شعيره غير معيب وقد عاب الزيت الزبيق وسئل عنه، فإن قيل: قد عابه ضرب هذا بقيمة زبيقة معيبًا وهذا بقيمة زينته زبيقة معيبًا، وتأمل باقيها في إقرار النوادر، وقد علقته من آخر تضمين الصناع وفي ثاني عتق النوادر. وقال ابن المواز: من اختلط له عبد بعبيد لرجل ولم يعرفه، فإن أخرج صاحبهم منهم عبدًا وقال: هذا هو؛ حلف إن أنكر صاحبه، وإن قال: لا أعرفه، لم يكن له غيره. قال أشهب: ويحلف صاحب العبيد، قال محمد: لا يمين عليه، إلا أن يكون صاحب العبد أنه عبده فيحلف هاهنا، فإن نكل حلف صاحب العبد وأخذ من يحلف عليه، فإن نكل فلس له غير الأول، وإن أعتق صاحب العبد عبده قبل أن يعرف قيم الرقيق على جزء عدتهم؛ إن كانوا تسعة فهو عاشر فله عشرهم، فإن وقع له أقل من عبد أتم عليه عتقه، وإن وقع له عبد عتق عليه، وإن صار له عبد وبعض آخر؛ عتقا عليه وغرم لصاحب الفضل. ولو أعتقه قبل أن يختلط عتقوا كلهم إلا أن يكون على دين محيط بقيمة عبده ولا مال له فلا يعتق منهم أحد. وجوابه مثل الأول، وتأمل في رسم الدور والمزارع من كتاب الوصايا ما تنظر إلى هذا الأصل. وفي رسم أمهات أولاد من كتاب الضحايا: من ابتاع كبشًا يضحي به فأفلت منه فدخل بعض الأزواد فلا يعرف صاحب الذود ولا مشتريه، قال ابن القاسم: يكون مشتريه

شريكا لصاحب الذود، فإن كانت غنمه مائة أعطي جزءًا من مائة جزء وجزء. ونظيرتها اختلاط دينار لك بمائة دينار لغيرك ثم تضيع منها دينارن في كتاب الوديعة وفي مساع يحيى وفي المدونة وي كتاب الأقضية وغيرها اختلف فيها ابن القاسم ومالك، وهي أيضًا في أحكام الواضحة وفي أول سماع عسى اختلاط. ومن الضحايا في الأفران وفي كتاب البنيان والشجار والمياه، والأنهار، من الوضاحة عن مطرف فيمن اتخذ برجًا للحمام وفيه كوى من خارجه فتأوى الحمام في داخله وخارجه إلى حمام وضعها فيه، إن عرف شيئًا من الحمام بعينه وعرف صاحبها ردها إليه إن استطاع، وإن لم يستطع رد عليه فراخها إذا فرخت. وإن اختلط ذلك كله عليه ولم يعرف شيئًا بعينه ولا استطاع صرفه – وإن عرفه – فلا شيء عليه، وله كل ما أوى إلى برجه وعصافر في داخله وخارجه، وله أن يمنع ذلك من غيره، والنحل كذلك إذا آوت إلى خليته ولم يستطع تمييزها وكلها له لا شركة للآخر فيها. ومثله لابن القاسم من رواية حسين في آخر جامع العتبية في الحمام والنحل وفي آخر كتاب تضمين الصناع منها: قيل لسحنون: أرأيت من أوقعت الريح ثوبه في صبغ سواد رجل والسواد ينقص الثوب؟ قال: لا يضمن بعضها لبعض شيئًا وهي مصيبة دخلت عليهما، ولو سقط من يده في صبغ الصباغ لضمن للصباغ صبغه، زاد في ثوبه أو نقص؛ لأنها جناية منه على نفسه. ولو أسقطته الريح في الصبغ فزاده الصبغ لكانا شريكين في الثوب ويباع؛ فيكون لرب الثوب قيمته أبيض ولرب الصبغ قدر ما زاد الصبغ في الثوب، ولو سقط من يده في الصبغ فزاد فيه فهو ضامن للصبغ؛ لأنها جناية منه. لم يقرأه ابن لبابة وأدخلها ابن أبي زيد في النوادر. وقال ابن عبد الحكم عن أشهب في القصار يعلق الثوب على حبل في العمل فحملته الريح فألقته في قصير به صباغ، فإن زاده ذلك تحاصًا في الثوب، وإن نقصه فعلى القصار ما نقصه ولا شيء على الصباغ. قال بعض أصحابنا: إذا ثبت ذلك ببينة لم يضمن القصار إلا أن يعلقه في ريح شديد غليطة. ومن هذا الشرح ما كتب به الباجي محمد بن أحمد بن عبد الله من أشبيلية إلى

الشيخ أبي عمران الفاسي بالقيروان وإلى الشيخ أبى بكر بن عبد الرحمن كتب إليهما فيمن ابتاع دارًا في بيت منها خوافي كبار فأراد البائع إخراجها منه، فلم يمكنه إلا بهدم البيت وهدم باب الدار، وفي ذلك ضرر كثير على البائع هل يفسخ البيع إن أبى المبتاع من الهدم؟ وكيف يصنعان في ذلك. فجاوب أبو عمران: إذا تصادقا أنهما لم تكن لهما نية في حين التبايع في كيفية ما يعمل في الخرافي، مثل أن ينسى كل واحد منهما أمرها في إخراجها، فلاستحسان عندي أن ينظر؛ فإن كان الهدم لإخراجها يعاد إلى حاله بعد أخراجها ببناء يصلح به، فلبائع إخراجها ولعيه بناء ما هدم بسببها. وإن كان لا يعود الهدم إلى حاله وإن بني ولابد من دخول نقص على المشتري في بيته أو باب داره، وإن بني البائع ذلك له فللمشتري أن يؤدي قيمة الخوافي له إن شاء، وتكون الخوافي له، كمن اشترى خشبة فبني عليها ثم استحقت فعليه قيمتها ولا يهدم بناؤه. وقد قال ابن القاسم في رطل زيت وقع في زبيق لرجل ما قد وقفتم عليه، ولسحنون فيها أن أصلها القمح يختلط بشعير لرجل آخر في غير عداء أحد، وإن كره المبتاع ذلك قيل للبائع: إن شئت أن تخرج خوافيك وتصلح ما تهدم لإخراجها وتؤده قيمة ما تدخله من نقص بعد الإصلاح. قال اب عبدوس في باب سفلى لرجل يعلق عليه الآخر، فلا يمكن الدخول عليه وفوقه علو لغيره: عن صاحب العلو الذي فوقه يرفع بنيانه ويلزم صاحب السفل غرم ما رفع فيه باب لرب العلو، كما قيل في إحدى الروايتين، فيمن انهارت بئره ولجاره بئر فيها فضل: أنه يسقي زرعه بالثمن، فإن امتنع في مسألة الخوافي مما قنلا بقيت الخوافي في مواضعها حتى يصطلحها، وليس على المشتري أداء حصة البيت من الثمن إذا لم يقضه إياه فارغًا مما يشغله، كمن أكترى دارًا في بعض مساكنها متاع له. وأجاب ايض في سنور انفلت من ربه فدخل في حانوت زجاج واستتر فيه، فأراد طلبه وإخراجه من الحانون فمنعه رب الحانون وقال له: إذا فعلت ذلك كسرت علي الزجاج أو تحرك السنور فكسره، وقيل لهما: ذهب أهل العلم عندنا إلى ترك السنور حتى يخرج ويؤخذ من غير ضرر على صاحب الزجاج، والزجاج يأبى أن يترك السنور خوفًا

على زجاجه. فقال: إن رجي خروجه بالقرب تلوم فيه وصبر الزجاج، وأما إن قطن الموضع فها هنا إن اختاره الزجاج أن يؤده قيمة السنور لئلا يبطل عليه زجاجه كان ذلك له، وإن أبى وشاء الآخر أن يؤدي قيمة الزجاج الذي ينكسر لخروجه كان له تنفير السنور وطلبه؛ لأنه في تنفيره إياه كناخس دابة فتحني على إنسان أو يزعرها فترمح فهو ضامن لما جنت، وكذلكما يكسره السور في تحريك صاحب له من الزجاج يضمنه. وربما ضمت الضرورة في نحو هذه المسألة إلى تحرير النظر إذا نزل ما يتشاح فيه من نحو هذا؛ مثل أن تقع جوهرة نفيسة في زجاجة محكمة في مثل هذا فما أداه إليه اجتهاده بعد التأمل وسعة الحكم به والفتية، إن كان أهلا لذلك، وبالله التوفيق. وجاوب أبو بكر بن عبد الرحمن في مسألة الخوافي: إن كان المبتاع قد علم بها ووقع شراؤه على أنها للبائع لزمه إخراجها، وإن هدم عليه بعض الهدم، وإن كان لم يعلم بها فله في ذلك متكلم وحجة، فإن كان الذي يهدم لعيه يسرًا هدم وقيل للبائع: أصلحه ورده على حسب ما كان وإلا يفسخ البيع. وقد روى أشهب فيمن هدم لرجل حائطًا أن عليه أن يعيده على ما كان عليه، وكذلك في السنور، فلذلك قلت: إن يعيده إذا كان يسيرًا، ولأن ذلك ضرورة نزلت، إلا أن يصطلحا على شيء يجوز بينهما، وبالله التوفيق. وقال في مسألة السنور: الذي قاله بعض أصحابنا: من ترك السنور حتى يخرج حسن، إلا أن يجب صاحبه أن يخرجه ويضمن ما أتى علي يديه من ذلك. وقد قال بعض أصحابنا فيمن ركب فرًا فغلبه فلم يقدر عليه أن ضامن لكل ما أهلكه؛ لأن ركب بما لا يقدر على ضبطه، فكذلك هذا يضمن ما أهلكته السنور، وبالله التوفيق. قال القاضي عيسى بن سهيل: جواب أبي عمران فيها أكمل وأنبل وقد رأيت لابن عبد الله بن أبي زمنين في ثور دخل قرناه بين غصني شجرة ولم يستطع على إخراج الثور وإطلاقه من ذلك، أن الغصن يقطع ويؤدي رب الثور قيمته، والله أعلم بالصواب. وفي جنائز العتبية في نوازل سحنون، في ميت دفن وسوى عليه قبره، فادعى رجل

أن الثوب الذي كان على كفنه له، وله بينة أولا بينة له، أو ادعى على أنه سقط منه خاتمه في القبر أو دنانير لها بال وله بينة قال: لا أدي ما قول مالك، اء كان شأن يعرف أقر له بذلك أهل الميت ولم يدعوه لهم ولا للميت، جعل له سبيل استخراج ثوبه، ولم يذكروه، وكذلك الخاتم والدنانير. ومن قول أهل العلم في ميت كفنون وسجي عليه أهله بثوب فنسوه وأنزله في لحده به، ولم يذكروه حتى سوى عليه فإن كان يسير الثمن وهو للميت ترك ولم يكشف عنه، وإن كان كثير الثمن كشفوه وأخرجه، وإن كان لغير الميت وشح به صاحبه كشفوا عنه وأخرجوه؛ كان نفسيًا أو غيره، ففي هذا دليل. ومن سماع عيسى: قال مالك: وإن دفن في ثوب ليس له نبش ونزع عنه إلا أن يطول أو يروح فلا سبيل إليه. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يشهد من يتسمى في هذا الكتاب من يشهد أنهم يعرفون عبد الجبار بن زاهر الصقلي بعينه واسمه، وأنه قبض من عبيد الله بن عبد الله بن الرقي مائة قفيز واحدة وخمسة وستين قفيزًا من قمح بلدي بكيل أشبيلية، وانتقل جميعه من داره بحومة باب الحديد إلى مركبه للسفر به قبل نكبه عدب الله بن الرقيق لستة أشهر أو نحوها، وصار جميع القمح عنده. شهد بذلك كله من علمه على حسب نصه وأقر بذلك عبد الجبار عنده وأوقع عليه شهادته في صفر سنة ست وسبعين وأربعمائة فلان وفلان. ثم طلب ابن الرقيق القمح واختلفا فيه فأثبت العقد عند حكم أشبيلية، وخاطب بها قاضي طنجة إذ كان ابن زاهر قد صار فيها، واستفتى في ذلك فأجبت فيه: إن ثبت العقد على نصه فالقول قول عبيد الله، في الوجه الذي يدعيه في دفع الطعام من سلف أو بضاعة، وإن زعم أنه باع من عبد الجبار وأنكر عبد الجبار، حلف عبد الجبار، وكان الطعام عليه سلفًا إن شاء الله عز وجل. وأفتى ابن سمحون بطنجة: أما توجه الحكم بهذا الاسترعاء وأما توجه بوجه الشأن بعد الاستقصاء، فأن تكون يد عبد الجبار ضامنة لمثل ما قبضت، فإن ادعى هو أو وراثه أن أمين فعلى الطالب اليمين، وإن زعم الطالب أنه بضاعة عرض وزعم المطلوب أن يده فيه يد مقترض، فالقول قول المطلوب خلافًا لمن قال: القول قول عبيد الله إن زعم أنه

بضاعة. وما قلته قال ابن القاسم رحمه الله في المدونة، وفي كتاب محمد، والأصل في هذا أن ظاهر الشهادة توجب على عبد الجبار عدد المكيلة ولاصفة، فمن يجد إلى ما يوجبه الحكم لم يلزمه خلافه إلا بنكوله له عن اليمين، ومن ادعى خلافه من طالب يزعم أن ذلك فيأمانة المطلوب وديعة أو بضاعة أو ما أشبه ذلك، وأنه شغل ذمة المطلوب بثمن ذلك ببيع صحيح، فإن ............. (¬1) المطلوب إلى ما يوجبه الحكم الذي قدمناه، فالقول قوله، ويلزمه المثل. وأما البيع الفاسد فقصاره في الحكم إيجاب رد المثل، ولا ينبغي أن يحمل القول في ادعاء الطالب دون أن يفصل صحيحًا أو فاسدًا، ولولا كراهة الإسهاب لزدنا في الواجب، وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله عز وجل. تمت المسائل بحمد الله بتمام جميع الديوان، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وسلم تسليمًا كثيرًا. تم الكتاب وربنا محمود بمحامد تبقى وليس تبيد، رب يجود على العباد برزقهم، ورب رحيم ماجد معبود، وقضى على من عاش منا بالفناء؛ لا والد يبقى ولا مولود. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى الله وصحبه وسلم تسليمًا عدد ما ذكره الذاكرون، وغفل ن ذكره الغافلون، ورضي الله تعالى عن أصحاب رسول الله أجمعين. يارب العفو من عندك، يارب العفو من عندك، يا رب العفو من عند، فسفينتي غريقة إن لم يكن عفوك. ¬

_ (¬1) ... بياض بالأصل.

تسمية الفقهاء وتاريخ وفاتهم نفعنا الله بهم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى الله وصحبه أجمعين. تسمية الفقهاء وتاريخ وفاتهم نفعنا الله بهم أبو عبد الله محمد بن عتاب بن محسن: كان عالمًا عاملاً، توفي سنة اثنيتن وستين واربعمائة، وصى عليه ابنه عبد الرحمن، وشهد جنازته المعتمد على الله محمد بن عباد، ومشى فيها على قدميه، ومولده سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. أبو إبراهيم اسحقا بن إبراهيم التجيبي: كان من أهل العلم والزهد والدين المتين، ووتوفي سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة. أبو عمر أحمد بن محمد بن عبيسى بن هلال، يعرف بابن القطان: كبير المفتين بقرطبية، قرأ على أبو محمد الشقاق وابن دحون، ثم تفوي بكورة باغة سنة ستين وأربعمائة، مولده سنة تسعين وثلاثمائة. وأبو مروان عبيد الله بن محمد بن مالك: كان حافظًا للمسائل والحديث ومعاني القرآن، متواضعًا كثير الورع، توفي سنة ستين وأربعمائ، ومولده سنة أربعمائة، وهو قرطبي. أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن سلمة الأنصاري: من طليطلة كان حافظًا للمسائل دريًا بالفتوى، وتوفي سنة ثمان وسبعين وأربعمائة ومولده سنة إحدى وأربعمائة. وأبو عمر أحمد بن سعيد بن إبراهيم الهمداني: عرف بابن الهندي القرطبي، روى عن قاسم بن أصبغ، كان حافظًا للفقه وأخبار أهل الأندلس بصيرًا بعقد الوثائق، توفي في رمضان سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، ومولده سنة عشرين وثلثمائة، وصلى عليه القاضي أحمد بن ذكوان. سليمان بن محمد بن بطال البطليوس: له تأليف سماءه المقنع في أسول الأحكام، لا يستغنى عنه الحكام، وكان طالبًا لأبي عبد الله بن أبي زمنين، وقرأ عليه أبو عمر بن عبد البر، تفوي سنة أرعبمائة أو نحوها.

أبو بكر محمد بن بيقي بن زرب

أبو بكر محمد بن بيقي بن زرب: قاضي الجماعة بقرطبة أعلم الناس بالفقه، توفي في رمضان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة. أبو زكريا يحيى بن عبد العزيز: كمان من المشاورين مع عبيد الله بن يحيى بن يحيى، وكان يميل إلى مذهب الشافعي توفي سنة خمس وتسعين ومائتين. وأبو عثمان سعيد ابن حميد بن عبد الرحمن: كان فقيهًا عالمًا وقورًا ورعًا، روى عن يحيى بن مزين، وأخذ عنه محمد بن أحمد، توفي سنة إحدى وثلاثمائة. سعد بن معاذ الشيباني: كان سيخًا حافظًا للسمائل، حج وأدرك محمد ابن عبد الحكم، توفي سنة ثمان وثلاثمائة. أبو عبد الله محمد بن عمر بن لبابة: كان صالحاً متقدمًا في حفظ كتاب الله، لا علم له بالحديث، أدرك يحيى بن مزين، ودرس كتب الرأي ستين سنة، توفي سنة أربع عشرة وثلاثمائة وهو ابن تسع وثمانين سنة، وصلى عليه ابنه أحمد. يحيى بن زكريا بن سليمان: كان صالحًا فقيهًا في المسائل مساورًا مع ابن لبابة، تعظمه لاخاصة والعامة، توفي سنة خمس عشرة وثلثمائة. محمد بن غالب بن الصفار: كان جليل القدر عالمًا بالفقة مقدمًا في الوثائق مشاروًا مع ابن لبابة، توفي سنة خمس وتسعين ومائتين، وصلى عليه ابنه أحمد. محمد بن وليد: كان حافظًا للفقه وعليمًا بالوثائق، من أكبر الناس عند أحمد بن محمد بن زياد القاضي في أيام الأمير عبد الله، توفي سنة تسع وثلاثمائة، وصلى عليه ابن لبابة.

أيوب بن سليمان

أيوب بن سليمان: من جيان، كان فقيهًا عالمًا توفي سنة اثنين وثلاثمائة. ظاهر بن عبد العزيز: قرأ على بقي بن مخلد، كان عرافًا بالحديث رواية له، توفي سنة خمس وثلاثمائة. أحمد بن بيطير: كان حافظًا للفقه، روي عن ابن وضاح، وكان مولى لمحمد بن يوسف بن مطروح، وكان مشاورًا في أيام الأمير عبد الله، توفي سنة ثلاث وثلاثمائة. محمد بن عبد الملك بن أيمن: إليه انتهت رئاسة الأندلس في الفقه، وله نصيب من علم الحديث، توفي سنة ثلاثين وثلثمائة، وصلى عليه ابنه محمد أحمد. أحمد بن بقي بن مخلد: قاضي القضاة بقرطبة، من أعقل أهل زمانه، توفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. أحمد بن يحيى بن يحيى بن يحيى: روى عن عمر عبيد الله، كان حافظًا للمسائل مشاورًا فيها، توفي سنة سبع وتسعين ومائتين. أحمد بن محمد بن زياد: قاضي الجماعة بقرطبة قد عرف في خلافة عبد الرحمن بن محمد سنة سبع وثلاثمائة، وولي القضاء بعده أسلم بن عبد العزيز. وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبيد الله بن سعيد الأموي: عرف بابن العطار، وكان مع علمه في الفقه والوثائق بصيرًا بالأدب وعلم الحساب، قدمه للشورى أبو بكر بن زرب، توفي سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين: شيخ جليل من كبار المحدثين والعلماء الراسخين، توفي سنة ثمان وستين وثلاثمائة. أبو عبد الله محمد بن فرج مولى الطلاع: كان فقيهًا عالمًا بعقد الشروط، مع خير وعفاف، لا تأخذه في الله لومة لائم، توفي سنة سبع وتسعين وأربعمائة.

أبو مروان عبيد الله بن يحيى بن يحيى

أبو مروان عبيد الله بن يحيى بن يحيى: كان شيخًا جليلا معظمًا، لم يرو بالأندلس عن غير والده، وحج، وتوفي سنة ثمان وتسعين ومائتين. أبو محمد عبد الله بن يحيى بن أحمد الأموي: يعرف بابن دحون كان من جملة الفقهاء وكبارهم، توفي سنة إحدى وثمانين وأربعمائة. أبو عبد الله محمد بن عمر الفخار: من كبار أهل العلم المسنجدين، كان يحفظ المدونة توفي سنة تسع عشرة وأربعمائة. أبو الحسن خالد بن وهب التميمي: عرف بابن الصقر، كان فقيهًا في المسائل، شور في أيام الأمير عبد الله وأول أيام عبد الرحمن بن محمد، وتوفي الأمير عبد الله سنة ثلاثمائة. أبو عبد الله محمد بن عبيد الله بن يحيى بن يحيى: كان ستفتي مع أبيه، توفي سنة ثلاث وثلاثمائة. يحيى بن إبراهيم بن مزين: من طليطلة، كان من أحفظ الناس للموطأ، وتوفي سنة تسع وخمسين ومائتين. أبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم: صاحب الثمانية، كان متفننا في الحديث، والأغلب غليه الفقه، وسمع من يحيى بن يحيى، توفي سنة ثمان وخمسين ومائتين. أبو مروان عبد الملك بن حبيب: من اليحرة، كان جماعة العلم، كثير الكتب، توفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين. أبو محمد يحيى بن يحيى: كان أخذ في هيئته بزي مالك بن أنس وقرأ عليه موطأ بالمدينة، وتوفي سنة أربع وثلاثين ومائتين، وصلى عليه ابنه عبيد الله. أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن المواز: كان من الإسكندرية، تفقه بابن الماجشون، واعتمد على أصبغ، ومات سنة إحدى

أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبدروس

وثمانين ومائتين، والمعول بمصر على قوله. أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبدروس: له كتاب كالمدونة سماها المجموعة، مات سنة إحدى وستين ومائتين. محمد بن حارث العروي: انتقل إلى قرطبة كان حافظًا للفقه له تآليف كثيرة فيه وفي غيره، وتوفي سنة أربع وستين وثلاثمائة. الليث بن أحمد بن حريش العرري القرطبي: كان عالما بالرأي وحافظا ووافرًا من علم الحديث واستفتى بالمرية، توفي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة، ومولده سنة خمس وخمسين وثلاثمائة. أبو محمد موسى بن هديل بن محمد بن تاجيد البكر القرطبي: يعرف بان عبد الصمد، روي عن أبوي محمد الشقاق وابن دحون، كان مشاورًا في الأحكام، وعزم عليه محمد بن جهور أن يوليه القضاء بقرطبة، فقال له: أخرني ثمانية أيام حتى نستخير الله، فأخره فعمي في ذلك الأيام، توفي سنة اثنين وستين وأربعمائة. أبو بكر يحيى بن محمد بن بيقي بن زرب: ولاه أبو محمد ابن جهور أحكام القضاء بقرطبة والصلاة والخطبة، ولم يكن له كبير علم، وتوفي سنة سبع وأربعين وأربعمائة. أبو عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام الأشبيلي: عرف بابن المكوي، كبير المفتيين بقرطبة الذي انتهت إليه رئاسة العلم بها، تفقه عند اسحقا بن إبراهيم الفقيه، ودعي إلى قضاء قرطبة فأبى، توفي سنة إحدى وأربعمائة، ومولده سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. أبو عمر أحمد بن رشيق التغلبي: شور في المرية، ونوظر عليه في الفقه، وكان له حافظًا، توفي عام ستة وأربعين وأربعمائة. أبو جعفر أحمد بن مغيث أحمد بن مغيث الصدي: من طليطلة من جلة علمائها، عالم بالحديث، وعقد الشروط، وله يها تأليف حسن سماع المقتنع، توفي سنة تسع وخمسين وأربعمائة، ومولده سنة ستة وأربعمائة.

أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز اللخعي

أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز اللخعي: من أشبيلية، توفي سنة ثلاث وثلاثين وخمسائة. أبو علي حسين بن محمد بن سلمون المسيلي: أصله من العدوة، شور بقرطبة، كان لا يحسن سوى المسائل، توفي سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة. أبو علي الحسن بن أيوب بن محمد بن أيوب الأنصاري: عرف بالحداد، من قرطبة، تفقه عند أبي بكر بن زرب، وكان عالمًا بالمسائل والحديث، مقدمًا في الشورى، توفي سنة خمس وعشرين وأربعمائة، ومولده سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة. أبو القاسم سراج بن عبد الله بن سراج: قاضي الجماعة بقرطبة، وكان مشاورًا بالأحكام من قبل؛ وكان على منهاج السلف المتقدم، توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة وهو ابن ست وثمانين سنة. أبو بكر يحيى بن عبد الرحمن بن واقد اللخعي: قاضي الجماعة بقرطبة، كان فقيهًا بصيرًا بالأحكام مع الورع والفضل والتوضاع والدين، توفي سنة أربع وأربعمائة. أبو الوليد يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث بن عبد الله: قاضي الجماعة بقرطبة وصاحب الصلاة والخطبة، توفي سنة تسع وثمانين وأربعمائة مولده سنة ثمان وثلاثمائة. أبو المطرف عبد الرحمن بن سعيد بن جرح: من البيرة وسكن قرطبة، روى ببلده عن أبي عبد الله بن أبي زمنين، ولي الشورى بقرطبة، كان حافظًا للمسائل، وله حظ في علم النحو، توفي بقرطبة سنة تسع وثلاثين وأربعمائة، ومولده سنة ثمان وستين وثلاثمائة. أبو مروان عبد الملك بن محمد بن عبد الملك بن أصبغ القرشي: كان من أهل العلم له تأليف حسن في الفقيه والسنن، شديد الحفظ مع الفضل والتواضع، توفي سنة ستة وثلاثين وأربعمائة، ومولده سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.

أبو محمد عبد الله بن سعيد بن عبد الله الأموي

أبو محمد عبد الله بن سعيد بن عبد الله الأموي: عرف بابن الشقاق، كبير المفتين بقرطبة، توفي سنة ست وعشريين وأربعمائة، ومولده سنة ست وأربعين وثلاثمائة. محمد بن يحيى بن زكريا بن برطال: ولي القضاء بعد أبو بكر بن زرب، توفي سنة أربع وتسعين وثلاثمائة. أبو المطرف عبد الرحمن بن بشر: كان من الراسخين ومن كبائر المشاورين بالعقود والأحكام، لا يجاره في ذلك، وكان قاضي الجماعة وصابح الصلاة بقرطبة، توفي في النصف من شعبان سنة اثنتين وعشرين وأرعبمائة، وهو ابن نحو ثمان وسبعين سنة، وصلى ابنه عيه يونس بن عبد الله. أبو عبد الله محمد بن سعيد الموثق، المعروف بالملوان: ولي بشرطة الأمير عبد الله، له تأليف في الوثائق، روي عن يحيى بن يحيى، توفي في صدر أيام الأمير عبد الله. ابن حنين: كان عالمًا روى عن عبيد الله بن يحيى بن يحيى، توفي سنة ثمان عشرة وثلاثمائة. محمد بن إبراهيم بن عيسى: ورى عن ابن وضاح، وكان عظيم النعمة متشبهًا بالملوك الأكابر، توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. محمد بن إسحاق بن السليم اللخمي: من أشرف عرب شدونة البيح تنسب المدينة المعروفة ببني السليم، وكان قاضي الجماعة بقرطبة عالمًا بالحديث والفقه، ولي القضاء بعد منذر بن سعيد، توفي سنة سبع وستين وثلاثمائة. أبو محمد عبد الله بن موسى بن سعيد الأنصاري الشارقي: من أهل طليطلة روى عن أبي محمد بن دحون وأبي عمر الطلمنكي، وكان حسن الإدراك حصيف العقل، مع الصلاة الطويلة والصوم الدائم، توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة.

أبو بكر محمد بن محمد بن مغيث بن أحمد مغيث بن أحمد بنمغيث الصدي

أبو بكر محمد بن محمد بن مغيث بن أحمد مغيث بن أحمد بنمغيث الصدي: من طليطلة، روى عن أبي عبد الله بن أبي زمنين وأبي عمر الطلمنكي، وكان من جلة الفقهاء، توفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة. أبو عمر أحمد بن إبراهيم بن هشام التميمي: من طليطلة، كانمعظمًا عند الخاصة والعامة. توفي عشر الثلاثين وأربعمائة. أبو جعفر أحمد بن قاسم بن محمد بن يوسف اللخمي: من طليطلة، يعرف بابن رافع، ورى عن محمد بن إبراهيم الخشني، كان حافظً للفقه راهبًا فيه بصيرة بالحديث وبمثله عارفًا بعقد الشروط، شاعرًا مطلوبًا، توفي ليلة عاشوراء، سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة، قال ابن مظاهر: سمعت الناس يقولون يوم جنازته: اليوم مات العلم. أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن عيسى الأموي: من سرقسطة، كان فقيهًا حارجًا للرأي، استقصاء المقتدر بالله بمدينة سالم، توفي سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. أبو الحكم منذر بن سعيد البلوطي: ولي قضاء الجماعة بقرطبة أيام عبد الرحمن الناصر واستعفى عنها فما أعفى، وله تأليف في السنة والقرآن والورع والزهد وارد على أهل الأهواء، وكان مع ذلك خطيًا بالغًا شاعرًا محسنًا، ولى سنة ثلاث وعشرين ومائتين عند ولاية المنذر بن محمد، وتوفي يوم الخميس لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة خمس وثلاثمائة.

§1/1