ديوان أبي إسحاق الإلبيري

الإِلبِيري، أبو إسحاق

قال الفقيه الزاهد ابو إسحاق إبراهيم بن مسعود الألبيري

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله قَالَ الْفَقِيه الزَّاهِد ابو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مَسْعُود الألبيري رَحْمَة الله عَلَيْهِ تفت فُؤَادك الْأَيَّام فتا ... وتنحت جسمك السَّاعَات نحتا وتدعوك الْمنون دُعَاء صدق ... أَلا يَا صَاح أَنْت أُرِيد أنتا أَرَاك تحب عرسا ذَات غدر ... أَبَت طَلاقهَا الأكياس بتا تنام الدَّهْر وَيحك فِي غطيط ... بهَا حَتَّى إِذا مت انتبهتا فكم ذَا أَنْت مخدوع وَحَتَّى ... مَتى لَا ترعوي عَنْهَا وَحَتَّى

أَبَا بكر دعوتك لَو أجبتا ... إِلَى مَا فِيهِ حظك إِن عقلتا إِلَى علم تكون بِهِ إِمَامًا ... مُطَاعًا إِن نهيت وَإِن أمرتا وتجلو مَا بِعَيْنِك من عشاها ... وتهديك السَّبِيل إِذا ضللتا وَتحمل مِنْهُ فِي ناديك تاجا ... ويكسوك الْجمال إِذا اغتربتا ينالك نَفعه مَا دمت حَيا ... وَيبقى ذخره لَك إِن ذهبتا هُوَ الْغَضَب المهند لَيْسَ ينبو ... تصيب بِهِ مقَاتل من ضربتا وكنز لَا تخَاف عَلَيْهِ لصا ... خَفِيف الْحمل يُوجد حَيْثُ كنتا يزِيد بِكَثْرَة الْإِنْفَاق مِنْهُ ... وَينْقص أَن بِهِ كفا شددتا فَلَو قد ذقت من حلواه طعما ... لآثرت الْعلم التَّعَلُّم واجتهدتا وَلم يشغلك عَنهُ هوى مُطَاع ... وَلَا دنيا بزخرفها فتنتا وَلَا ألهاك عَنهُ أنيق روض ... وَلَا خدر بربربه كلفتا فقوت الرّوح أَرْوَاح الْمعَانِي ... فَإِن أعطاكه الله اخذتا

وَإِن أُوتيت فِيهِ طَوِيل بَاعَ ... وَقَالَ النَّاس إِنَّك قد شبقتا فَلَا تأمن سُؤال الله عَنهُ ... بتوبيخ علمت فَهَل عملتا فرأس الْعلم تقوى الله حَقًا ... وَلَيْسَ بِأَن يُقَال لقد رأستا وضاقي ثَوْبك الْإِحْسَان لَا أَن ... ترى ثوب الإسادة قد لبستا إِذا مَا لم يفدك الْعلم خيرا ... فَخير مِنْهُ أَن لَو قد جهلتا وَإِن أَلْقَاك فهمك فِي مهاو ... فليتك ثمَّ ليتك مَا فهمتا ستجنى من ثمار الْعَجز جهلا ... وتصغر فِي الْعُيُون إِذا كبرنا وتفقد إِن جهلت وَأَنت بَاقٍ ... وتواجد إِن علمت وَقد فقدن وتذكر قولتي لَك بعد حِين ... وتغبطها إِذا عَنْهَا شغلتا لسوف تعض من نَدم عَلَيْهَا ... وَمَا تغني الندامة إِن ندمتا إِذا أَبْصرت صحبك فِي سَمَاء ... قد ارتفعوا عَلَيْك وَقد سفلتا فَرَاجعهَا ودع عَنْك الهوينى ... فَمَا بالبطء تدْرك مَا طلبنا وَلَا تحفل بِمَالك واله عَنهُ ... فَلَيْسَ المَال إِلَّا مَا علمتا وَلَيْسَ لجَاهِل فِي النَّاس معنى ... وَلَو ملك الْعرَاق لَهُ تأتى سينطق عَنْك علمك فِي ندي ... وَيكْتب عَنْك يَوْمًا إِن كتبَتَا وَمَا يُغْنِيك تشييد المباني ... إِذا بِالْجَهْلِ نَفسك قد هدمتا جعلت فو الْعلم جهلا ... لعمرك فِي الْقَضِيَّة مَا عدلتا

وَبَينهمَا بِنَصّ الْوَحْي بون ... ستعلمه إِذا طه قرأتا لَئِن رفع الْغنى لِوَاء مَال ... لأَنْت لِوَاء علمك قد رُفِعَتَا وَإِن جلس الْغنى على الحشايا ... لأَنْت على الْكَوَاكِب قد جلستا وَإِن ركب الْجِيَاد مسومات ... لأَنْت مناهج التَّقْوَى ركبتا وَمهما افتض أبكار الغواني ... فكم بكر من الحكم افتضضتا وَلَيْسَ يَضرك الإقتار شَيْئا ... إِذا مَا أَنْت رَبك قد عرفتا فَمَاذَا عِنْده لَك من جميل ... إِذا بِفنَاء طَاعَته أنختا فقابل بِالْقبُولِ صَحِيح نصحي ... فَإِن أَعرَضت عَنهُ فقد خسرتا وَإِن راعيته قولا وفعلا ... وتاجرت الْإِلَه بِهِ ربحتا فَلَيْسَتْ هَذِه الدُّنْيَا بِشَيْء ... تسؤوك حقبة وتسر وقتا وغايتها إِذا فَكرت فِيهَا ... كفيئك أَو كحلمك إِن حلمتا سجنت بهَا وَأَنت لَهَا محب فَكيف تح مَا فِيهِ سجنتا وتطعمك الطَّعَام وَعَن قريب ... ستطعم مِنْك مَا مِنْهَا طعمتا وتعرى إِن لبست لَهَا ثيابًا ... وتكسى إِن ملابسها خلعتا وَتشهد كل يَوْم دفن خل ... كَأَنَّك لَا ترَاد بِمَا شهدتا

وَلم تخلق لتعمرها وَلَكِن ... لتعبرها فجد لما خلقتا وَإِن هدمت فزدها أَنْت هدما ... وحصن أَمر دينك مَا استطعتا وَلَا تحزن على مَا فَاتَ مِنْهَا ... إِذا مَا أَنْت فِي أخراك فزتا فَلَيْسَ بِنَافِع مَا نلْت فِيهَا ... من الفاني إِذا الْبَاقِي حرمتا وَلَا تضحك مَعَ السُّفَهَاء لهوا ... فَإنَّك سَوف تبْكي إِن ضحكتا وَكَيف لَك السرُور وَأَنت رهن ... وَلَا تَدْرِي أتفدى أم غلقتا وسل من رَبك التَّوْفِيق فِيهَا ... وأخلص فِي السُّؤَال إِذا سألتا وناد إِذا سجدت لَهُ اعترافا ... بِمَا ناداه ذُو النُّون بن مَتى ولازم بَابه قرعا عساه ... سيفتح بَابه لَك إِن قرعتا وَأكْثر ذكره فِي الأَرْض دأبا ... لتذكر فِي السَّمَاء إِذا ذكرتا وَلَا تقل الصِّبَا فِيهِ مجَال ... وفكر كم صَغِير قد دفنتا

وَقل لي يَا نصيح لأَنْت أولى ... بنصحك لَو بعقلك قد نظرتا تقطعني على التَّفْرِيط لوما ... وبالتفريط دهرك قد قطعتا وَفِي صغري تخوفني المنايا ... وَمَا تجْرِي ببالك حِين شختا وَكنت مَعَ الصِّبَا أهْدى سَبِيلا ... فَمَا لَك بعد شيبك قد نكستا وَهَا أَنا لم أخض بَحر الْخَطَايَا ... كَمَا قد خضته حَتَّى غرقتا وَلم أشْرب حميا أم دفر ... وَأَنت شربتها حَتَّى سكرتا وَلم أحلل بواد فِيهِ ظلم ... وَأَنت حللت فِيهِ وانهملتا وَلم أنشأبعصر فِيهِ نفع ... وَأَنت نشأت فِيهِ وَمَا انتفعتا وَقد صاحبت أعلاما كبارًا ... وَلم أرك اقتديت بِمن صحبتا وناداك الْكتاب فَلم تجبه ... ونهنهك المشيب فَمَا انتبهتا ليقبح بالفتى فعل التصابي ... وأقبح مِنْهُ شيخ قد تفتى فَأَنت أَحَق بالتفنيد مني ... وَلَو سكت الْمُسِيء لما نطقتا ونفسك ذمّ لَا تذمم سواهَا ... بِعَيْب فَهِيَ أَجْدَر من ذممتا

فَلَو بَكت الدما عَيْنَاك خوفًا ... لذنبك لم أقل لَك قد أمنتا وَمن لَك بالامان وَأَنت عبد ... أمرت فَمَا أئتمرت وَلَا أطعتا ثقلت من الذُّنُوب وَلست تخشى ... لجهلك أَن تخف إِذا وزنتا وتشفق للمصر على الْمعاصِي ... وترحمه ونفسك مَا رحمتا رجعت الْقَهْقَرَى وخطبت عشوا ... لعمرك لَو وصلت لما رجعتا وَلَو وافيت رَبك دون ذَنْب ... وناقشك الْحساب إِذا هلكتا وَلم يظلمك فِي عمل وَلَكِن ... عسير أَن الْمنَازل فِيهِ شَتَّى لأعظمت الندامة فِيهِ لهفا ... على مَا فِي حياتك قد اضعتا تَفِر من الهجير وتنقيه ... فَهَلا عَن جَهَنَّم قد فررتا وَلست تطِيق أهونها عذَابا ... وَلَو كنت الْحَدِيد بهَا لذبتا فَلَا تكذب فَإِن الْأَمر جد ... وَلَيْسَ كَمَا احتسبت وَلَا ظننتا أَبَا بكر كشف أقل عيبي ... وَأَكْثَره ومعظمه سترتا

فَقل مَا شِئْت فِي من المخازي ... وضاعفها فأنك قد صدقتا وَمهما عبتني فلفرط علمي ... بباطنتي كَأَنَّك قد مدحتا فَلَا ترض المعايب فَهِيَ عَار ... عَظِيم يُورث الانسان مقتا وتهوي بالوجيه من الثريا ... وتبدله مَكَان الفوق تحتا كَمَا الطَّاعَات تنعلك الدراري ... وتجعلك الْقَرِيب وَإِن بعدتا وتنشر عَنْك فِي الدُّنْيَا جميلا ... فتلفى الْبر فِيهَا حَيْثُ كنتا وتمشي مناكبها كَرِيمًا ... وتجني الْحَمد مِمَّا قد غرستا وَأَنت الْآن لم تعرف بعاب ... وَلَا دنست ثَوْبك مذ نشأتا وَلَا سابقت فِي ميدان زور ... وَلَا أَوضعت فِيهِ وَلَا خببتا فَإِن لم تنأ عَنهُ نشبت فِيهِ ... وَمن لَك بالخلاص إِذا نشبتا ودنس مَا تطهر مِنْك حَتَّى ... كَأَنَّك قبل ذَلِك مَا طهرتا وصرت أَسِير ذَنْبك فِي وثاق ... وَكَيف لَك الفكاك وَقد اسرتا وخف أَبنَاء جنسك واخش مِنْهُم ... كَمَا تخشى الضراغم والسبنتى وخالطهم وزايلهم حذارا ... وَكن كالسامري إِذا لمستا

وَإِن جهلوا فَقل سَلاما ... لَعَلَّك سَوف تسلم إِن فعلتا وَمن لَك بالسلامة فِي زمَان ... ينَال العصم إِلَّا إِن عصمتا وَلَا تلبث بحي فِيهِ ضيم ... يُمِيت الْقلب إِلَّا إِن كبلتا وَغرب فالغريب لَهُ نفاق ... وشرق إِن بريقك قد شرقتا وَلَو فَوق الْأَمِير تكون فِيهَا ... سموا وأفتخارا كنت أنتا وَإِن فرقتها وَخرجت مِنْهَا ... إِلَى دَار السَّلَام فقد سلمتا وَإِن كرمتها وَنظرت مِنْهَا ... بإجلال فنفسك قد أهنتا جمعت لَك النصائح فامتثلها ... حياتك فَهِيَ أفضل مَا امتثلتا وطولت العتاب وزدت فِيهِ ... لِأَنَّك فِي البطالة قد أطلتا فَلَا تَأْخُذ بتقصيري وسهوي ... وَخذ بوصيتي لَك إِن رشدتا وَقد اردفتها سِتا ... وَكَانَت قبل ذَا مئة وستا

وَله أَيْضا رَحْمَة الله وَرَضي عَنهُ تغازلني الْمنية من قريب ... وتلحظني مُلَاحظَة الرَّقِيب وتنشر لي كتابا فِيهِ طيي ... بِخَط الدَّهْر أسطره مشيبي كتاب فِي مَعَانِيه غموض ... يلوح لكل أواب منيب أرى الْأَعْصَار تعصر مَاء عودي ... وقدما كنت رَيَّان الْقَضِيب أدال الشيب يَا صَاح شَبَابِي ... فعوضت البغيض من الحبيب وبدلت التثاقل من نشاطي ... وَمن حسن النضارة بالشحوب كَذَاك الشَّمْس يعلوها اصفرار ... إِذا جنحت ومالت للغروب تحاربنا جنود لَا تجارى ... وَلَا تلقى بآساد الحروب هِيَ الأقدار والآجال تَأتي ... فتنزل بالمطبب والطبيب تفوق أسهما عَن قَوس غيب ... وَمَا أغراضها غير الْقُلُوب فَأنى باحتراس من جنود ... مؤيدة تمد من الغيوب وَمَا آسى على الدُّنْيَا وَلَكِن ... على مَا قد ركبت من الذُّنُوب فيا لهفي على طول اغتراري ... وَيَا ويحي من الْيَوْم العصيب إِذا أَنا لم أنح نَفسِي وأبكي ... على حوبي بتهتان سكوب فَمن هَذَا الَّذِي بعدِي سيبكي ... عَلَيْهَا من بعيد أَو قريب

وَله رَحمَه الله ونضر وَجهه احمامة البيدا اطلت بكاك ... فبحسن صَوْتك مَا الَّذِي ابكاك إِن كَانَ حَقًا مَا ظَنَنْت فَإِن بِي ... فَوق الَّذِي بك من شَدِيد جواك إِنِّي أَظُنك قد دهيت بفرقة ... من مؤنس لَك فارتمضت لذاك لَكِن مَا أشكوه من فرط الجوى ... بِخِلَاف مَا تجدين من شكواك أَنا إِنَّمَا ابكي الذُّنُوب وأسرها ... ومناي فِي الشكوى منال فكاكي وَإِذا بَكَيْت سَأَلت رَبِّي رَحْمَة ... وتجاوزا فبكاي غير بكاك

وَله أَيْضا رَحْمَة الله عَلَيْهِ من لَيْسَ بالباكي وَلَا المتباكي ... لقبيح مَا يَأْتِي فَلَيْسَ بزاك نادت بِي الدُّنْيَا فَقلت لَهَا اقصري ... مَا عد فِي الأكياس من لباك وَلما صفا عِنْد الْإِلَه وَلَا دنا ... مِنْهُ امْرُؤ صافاك أَو داناك مَا زلت خادعتى ببرق خلب ... وَلَو اهتديت لما انخدعت لذاك قَالَت أغرك من جناحك طوله ... وَكَأن بِهِ قد قصّ فِي أشراكي تالله مَا فِي الأَرْض مَوضِع رَاحَة ... إِلَّا وَقد نصبت عَلَيْهِ شباكي طر كَيفَ شِئْت فَأَنت فِيهَا وَاقع ... عان بهَا لَا يرتجى لفكاك من كَانَ يصرع قرنه فِي معرك ... فعلي صرعته بِغَيْر عرَاك مَا أعرف العضب الصَّقِيل وَلَا القنا ... وَلَقَد بطشت بِذِي السِّلَاح الشاكي فأجبتها مُتَعَجِّبا من غدرها ... أجزيت بالبغضاء من يهواك

لأجلت عَيْني فِي نبيك فكلهم ... أسراك أَو جرحاك أَو صرعاك لَو قارضوك على صنيعك فيهم ... قطعُوا مدى أعمارهم بقلاك طمست عُقُولهمْ وَنور قُلُوبهم ... فتها فتوا حرصا على حلواك فكأنهم مثل الذُّبَاب تساقطت ... فِي الأري حَتَّى استؤ صلوا بِهَلَاك لَا كنت من أم لنا أكالة ... بعد الْولادَة ماأقل حياك وَلَقَد عهدنا الْأُم تلطف بابنها ... عطفا عَلَيْهِ وَأَنت مَا أقساك مَا فَوق ظهرك قاطن أَو ظاعن ... إِلَّا سيهشم فِي ثفال رحاك أَنْت السراب وَأَنت دَاء كامن ... بَين الضلوع فَمَا أعز دواك يعْصى الأله إِذا أَطَعْت وطاعتي ... لله رَبِّي أَن أشق عصاك فرض علينا برنا أماتنا ... وعقوقهن محرم إلاك مَا إِن يَدُوم الْفقر فِيك وَلَا الْغنى ... سيان فقرك عندنَا وغناك أَيْن الْجَبَابِرَة الألى ورياشهم ... قد باشروا بعد الْحَرِير ثراك

ولطالما ردوا بأردية البها ... فتعوضوا مِنْهَا رِدَاء رداك كَانَت وُجُوههم كأقمار الدجا ... فغدت مسجاة بِثَوْب دجاك وعنت لقيوم السَّمَاوَات الْعلَا ... رب الْجَمِيع وقاهر الْأَمْلَاك وجلال رَبِّي لَو تصح عزائمي ... لزهدت فِيك وَلَا بتغيب سواك وَأخذت زادي مِنْك من عمل التقى ... وشددت غيماني بِنَقْض عرَاك وحططت رحلي تَحت ألوية الْهدى ... وَلما رَآنِي الله تَحت لواك مهلا عَلَيْك فَسَوف يلحقك الفنا ... فترى بِلَا أَرض وَلَا أفلاك ويعيدنا رب أمات جميعنا ... ليَكُون يُرْضِي غير من أرضاك وَالله ماالمحبوب عِنْد مليكه ... إِلَّا لَبِيب لم يزل يشناك هجر الغواني واصلا لعقائل ... يضحكن حبا للْوَلِيّ الباكي إِنِّي أرقت لَهُنَّ لَا لحمائم ... تبكى الهديل على غصون أَرَاك لَا عَيْش يصفو للملوك وَإِنَّمَا ... تصفو وتحمد عيشة النساك وَمن الْإِلَه على النَّبِي صلَاته ... عدد النُّجُوم وعدة الْأَمْلَاك

وَله رَضِي الله عَنهُ لَو كنت فِي ديني من الابطال ... مَا كنت بالواني وَلَا البطال ولبست مِنْهُ لأمة فضاضة ... مسرودة من صَالح الْعمَّال لكنني عطلتأقواس التقى ... من نبلها فرمت بِغَيْر نبال وَرمى الْعَدو بسهمه فَأَصَابَنِي ... إِذا لم احصن جنَّة لنضال فَأَنا كمن يلقى الكتبية اعزلا ... فِي مأزق متعرضا لنزال لَوْلَا رَجَاء الْعَفو كنت كناقع ... برح الغليل برشف لمع الْآل شَاب القذال فآن لي أَن أرعوي ... لَو كنت متعظا بشيب قذال وَلَو انني مستبصرا إِذْ حل بِي ... لعَلِمت أنم حلولة ترحالي فَنَظَرت فِي زَاد لدار إقامتي ... وَسَأَلت رَبِّي أَن يحل عقالي

فلكم هَمَمْت بتوبة فمنعتها ... إِذْ لم أكن أَهلا لَهَا وبدالي ويعز ذَاك عَليّ إِلَّا أنني ... متقلب فِي قَبْضَة المتعالي ووصلت دنيا سَوف تقطع شأفتي ... بأفول انجمها وَخسف هلالي شغلت مفتن أَهلهَا بفتونها ... وَمن الْمحَال تشاغل بمحال لَا شَيْء أخسر صَفْقَة من عَالم ... لعبت بِهِ الدُّنْيَا مَعَ الْجُهَّال فغدا يفرق دينه أَيدي سبا ... ويزيله حرصا لجمع المَال لَا خير فِي كسب الْحَرَام وقلما ... يُرْجَى الْخَلَاص لكاسب لحلال مَا إِن سَمِعت بعائل تكوى غَدا ... بالنَّار جَبهته على الإقلال وَإِذا اردت صَحِيح من يكوى بهَا ... فاقرأعقيبة سُورَة الْأَنْفَال مَا يثقل الْمِيزَان إِلَّا بامرىء ... قد خف كَاهِله من الأثقال فَخدَّ الكفاف وَلَا تكن ذَا فضلَة ... فالفضل تسْأَل عَنهُ أَي سُؤال

ودع المطارف والمطي لأَهْلهَا واقنع بأطمار وَلبس نعال فهم وَأَنت وفقرنا وغناهم ... لَا يسْتَقرّ وَلَا يَدُوم بِحَال وَطف الْبِلَاد لكَي ترى آثَار من ... قد كَانَ يملكهَا من الْأَقْيَال عصفت بهم ريح الردى فذرتهم ... ذرو الرِّيَاح الهوج حقف رمال وتزلزلت بهم المنابر بعد مَا ... ثبتَتْ وَكَانُوا فَوْقهَا كجبال واحبس قلوصك سَاعَة بطلولهم ... وَاحْذَرْ عَلَيْك بهَا من الأغوال فلكم بهَا من أَرقم صل وَكم ... قد كَانَ فِيهَا من مها وغزال وَلكم غَدَتْ مِنْهَا وراحت حلبة ... للحرب يقدمهَا ابو الأشبال فتقطعت أسبابهم وتمزقت ... ولقبل مَا كَانُوا كنظم لآل وَإِذا أتيت قُبُورهم فاسألهم ... عَمَّا لقوا فِيهَا من الْأَهْوَال فسيخبرونك إِن فهمت بحالهم ... بِعِبَارَة كالوحي لَا بمقال من لايراقب ربه ويخافه ... تبت يَدَاهُ وَمَا لَهُ من وَال

وَله ايضا رَحْمَة الله أَلا خبر بمنتزح النواحي ... أطير إِلَيْهِ منشور الْجنَاح فأسأله وألطفه عساه ... سيأسو مَا بديني من جراح ويجلو مَا دجا من ليل جهلي ... بِنور هدى كمنبلج الصَّباح فأبصق فِي محيا أم دفر ... واهجرها وأدفعها براحي وأصحو من حمياها وأسلوا ... عفافا عَن جآذرها الملاح وأصرف همتي بِالْكُلِّ عَنْهَا ... إِلَى دَار السَّعَادَة والنجاح أَفِي السِّتين أهجع فِي مقيلي ... وحادي الْمَوْت يوقظ للروح وَقد نشر الزَّمَان لِوَاء شيبي ... ليطويني ويسلبني وشاحي وَقد سل الْحمام عَليّ نصلا ... سيقتلني وَإِن شاكت سلاحي ويحملني إِلَى الأجداث صحبي ... إِلَى ضيق هُنَاكَ أَو انفساح فأجزى الْخَيْر إِن قدمت خيرا ... وشرا إِن جزيت على اجتراحي وَهَا أناذا على علمي بِهَذَا ... بطيء الشأو فِي سنَن الصّلاح ولي شأو بميدان الْخَطَايَا ... بعيد لَا يُبَارى بالرياح

فَلَو أَنِّي نظرت بِعَين عَقْلِي ... إِذن لَقطعت دهري بالنياح وَلم أسحب ذيولي فِي التصابي ... وَلم أطرب بغانية رداح وَكنت الْيَوْم أوابا منيبا ... لعَلي أَن تفوز غَدا قداحي إِذا مَا كنت مكبول الْخَطَايَا ... وعانيها فَمن لي بالبراح فَهَل من تَوْبَة مِنْهَا نصوح ... تطيرني وَتَأْخُذ لي سراحي فيا لهفي إِذا جمع البرايا ... على حَرْبِيّ لديهم وافتضاحي وَلَوْلَا أنني أَرْجُو إلهي ... وَرَحمته يئست من الْفَلاح

وَقَالَ أَيْضا رَحْمَة الله أأحور عَن قصدي وَقد برح الخفا ... ووقفت من عمري الْقصير على شفا وَأرى شؤون الْعين تمسك ماءها ... ولقبل مَا حكت السَّحَاب الوكفا وأخال ذَاك لعبرة عرضت لَهَا ... من قسوة فِي الْقلب اشبهت الصَّفَا ولقل لي طول الْبكاء لهفوتي ... فلربما شفع الْبكاء لمن هفا إِن الْمعاصِي لَا تقيم بمنزل ... إِلَّا لتجعل مِنْهُ قاعا صفصفا وَلَو أنني داويت معطب دائها ... بمراهم التَّقْوَى لوافقت الشفا

ولعفت موردها المشوب برنقها ... وغسلت رين الْقلب فِي عين الصَّفَا وهزمت جحفل غيها بإنابة ... وسللت من نَدم عَلَيْهَا مرهفا وهجرت دنيا لم تزل غرارة ... بمؤمليها الممحضين لَهَا الوفا سحقتهم وديارهم سحق الرحا ... فَعَلَيْهِم وعَلى دِيَارهمْ العفا وَلَقَد يخَاف عَلَيْهِم من رَبهم ... يَوْم الْجَزَاء النَّار إِلَّا إِن عَفا إِن الْجواد إِذا تطلب غَايَة ... بلغ المدى مِنْهَا وبذ المقرفا شتان بَين مشمر لمعادة ... أبدا وَآخر لَا يزَال مسوفا إِنِّي دعوتك ملحفا لتجيرني ... مِمَّا أَخَاف فَلَا ترد الملحفا

وَقَالَ رَحْمَة الله عَلَيْهِ الشيب نبه ذَا النهى فتنبها ... وَنهى الجهول فَمَا استفاق وَلَا انْتهى بل زَاد رَغْبَة فتهافتت ... تبغي اللهى وَكَأن بهَا بَين اللها فَإلَى مَتى ألهو وأفرح بالمنى ... وَالشَّيْخ أقبح مَا يكون إِذا لَهَا مَا حسنه إِلَّا التقى لَا أَن يرى ... صبا بألحاظ الجآذر والمها أَنى يُقَاتل وَهُوَ مفلول الظبا ... كابي الْجواد إِذا اسْتَقل تأوها محق الزَّمَان هلاله فَكَأَنَّمَا ... أبقى لَهُ مِنْهُ على قدر السها

فغدا حسيرا يَشْتَهِي أَن يَشْتَهِي ... وَلكم جرى طلق الجموح كَمَا اشْتهى إِن أَن أَواه وأجهش فِي البكا ... لذنوبه ضحك الظلوم وقهقها لَيست تنهنهه العظات وَمثله ... فِي سنه قد آن أَن يتنهنها فقد اللدات وَزَاد غيا بعدهمْ ... هلا تيقظ بعدهمْ وتنبها يَا ويحه مَا با لَهُ لَا يَنْتَهِي ... عَن غيه والعمر مِنْهُ قد انْتهى قد كَانَ من شيمتي الدها فتركته ... علما بِأَن من الدها ترك الدها وَلَو انني أرْضى الدناءة خطة ... لَوَدِدْت أَنِّي كنت أَحمَق أبلها فَلَقَد رَأَيْت البله قد بلغُوا المدى ... وتجاوزوه وازدروا بأولي النهى من لَيْسَ يسْعَى فِي الْخَلَاص لنَفسِهِ ... كَانَت سعايته عَلَيْهَا لَا لَهَا

إِن الذُّنُوب بتوبة تمحى كَمَا ... يمحو سُجُود السَّهْو غَفلَة من سَهَا

وَقَالَ أَيْضا رَضِي الله عَنهُ قد بلغت السِّتين وَيحك فَاعْلَم ... أَن مَا بعْدهَا عَلَيْك تلوم فَإِذا مَا انْقَضتْ سنوك وَوَلَّتْ ... فصل الْحَاكِم الْقَضَاء فأبرم أَنْت مثل السّجل ينشر حينا ... ثمَّ يطوى من بعد ذَاك وَيخْتم كَيفَ يلتذ بِالْحَيَاةِ لَبِيب ... فوقت نَحوه الْمنية أسْهم لَيْسَ يدْرِي مَتى يفاجيه مِنْهَا ... صائب يقصف الظُّهُور ويقصم مَا لغصني ذوى وَكَانَ نظيرا ... ولظهري انحنى وَكَانَ مقوم ولحدي نبا وَكَانَ مبيرا ... ولجيشي انثنى وَكَانَ عَرَمْرَم ولدهري أدال شرخ شَبَابِي ... بمشيب عِنْد الحسان مذمم فَأَنا الْيَوْم عَن هواهن سَالَ ... وقديما بِهن كنت متيم لَو بروق الزَّمَان يَنْطَح يَوْمًا ... ركن ثهلان هده فتهدم نَحن فِي منزل الفناء وَلَكِن ... هُوَ بَاب إِلَى الْبَقَاء وَسلم ورحى الْمَوْت تستدير علينا ... أبدا تطحن الْجَمِيع وتهشم وَأَنا موقن بِذَاكَ عليم ... وفعالي فعال من لَيْسَ يعلم وَكَذَا امتطي الهوينا إِلَى أَن ... أتوفى فَعِنْدَ ذَلِك أندم فَعَسَى من لَهُ أعفر وَجْهي ... سيرى فَاقَتِي إِلَيْهِ فيرحم

فشفيعي إِلَيْهِ حسن ظنوني ... ورجائي لَهُ وَأَنِّي مُسلم وَله الْحَمد أَن هَدَانِي لهَذَا ... عدد الْقطر مَا الْحمام ترنم وَإِلَيْهِ ضراعتي وابتهالي ... فِي معافاة شيبتي من جَهَنَّم

وَقَالَ رَحمَه الله ينْدب نَفسه ويذكرها الْمعَاد كَأَنِّي بنفسي وَهِي فِي السكرات ... تعالج أَن ترقى إِلَى اللهوات وَقد زم رحلي واستقلت ركائبي ... وَقد آذنتني بالرحيل حداتي إِلَى منزل فِيهِ عَذَاب وَرَحْمَة ... وَكم فِيهِ من زجر لنا وعظات وَمن أعين سَالَتْ على وجناتها ... وَمن أوجه فِي التُّرَاب منعفرات وَمن وَارِد فِيهِ على مَا يسره ... وَمن وَارِد فِيهِ على الحسرات وَمن عاثر مَا إِن يُقَال لَهُ لعا ... على مَا عهدنا قبل فِي العثرات وَمن ملك كَانَ السرُور مهاده ... مَعَ الآنسات الخرد الخفرات

غَدا لَا يذود الدُّود عَن حر وَجهه ... وَكَانَ يذود الْأسد فِي الأجمات وَعوض أنسا من ظباء كناسه ... وأرامه بالرقش والحشرات وَصَارَ بِبَطن الأَرْض يلتحف الثرى ... وَكَانَ يجر الوشي والحبرات وَلم تغنه أنصاره وَجُنُوده ... وَلم تحمه بالبيض والأسلات وَمِمَّا شجاني والشجون كَثِيرَة ... ذنُوب عِظَام أسبلت عبراتي وأقلقني أَنِّي أَمُوت مفرطا ... على أنني خلفت بعد لداتي وأغفلت أَمْرِي بعدهمْ متثبطا ... فيا عجبا مني وَمن غفلاتي إِلَى الله أَشْكُو جهل نَفسِي فَإِنَّهَا ... تميل إِلَى الراحات والشهوات

وَيَا رب خل كنت ذَا صلَة لَهُ ... يرى أَن دفني من أجل صَلَاتي وَكنت لَهُ أنسا وشمسا منيرة ... فأفردني فِي وَحْشَة الظُّلُمَات سأضرب فسطاطي على عَسْكَر البلى ... وأركز فِيهِ للنزول قناتي وأركب ظهرا لايؤوب بِرَاكِب ... وَلَا يمتطى إِلَّا إِلَى الهلكات وَلَيْسَ يرى إِلَّا بِسَاحَة ظاعن ... إِلَى مصرع الفرحات والترحات يسير أدنى النَّاس سيرا كسيره ... بأرفع منعي من السروات فطورا ترَاهُ يحمل الشم والربا ... وطورا ترَاهُ يحمل الحصيات

وَرب حَصَاة قدرهَا فَوق يذبل ... كمقبول مَا يرْمى من الجمرات وكل صَغِير كَانَ لله خَالِصا ... يُربي على مَا جَاءَ فِي الصَّدقَات وكل كَبِير لايكون لوجهه فَمثل رماد طَار فِي الهبوات وَلكنه يُرْجَى لمن مَاتَ محسنا ... ويخشى على من مَاتَ فِي غَمَرَات وَمَا الْيَوْم يمتاز التَّفَاضُل بَينهم ... وَلَكِن غَدا يمتاز فِي الدَّرَجَات إِذا روع الخاطي وطار فُؤَاده ... وأفرخ روع الْبر فِي الغرفات وَمَا يعرف الْإِنْسَان أَيْن وَفَاته ... أَفِي الْبر أم فِي الْبَحْر أم بفلاة

فيا إخواتي مهما شهدتم جنازتي ... فَقومُوا لرَبي واسألوه نجاتي وجدوا ابتهالا فِي الدُّعَاء وَأَخْلصُوا ... لَعَلَّ إلهي يقبل الدَّعْوَات وَقُولُوا جميلا إِن علمْتُم خِلَافه ... وأغضوا على مَا كَانَ من هفواتي وَلَا تصفوني بِالَّذِي أَنا أَهله ... فأشقى وحلوني بِخَير صِفَات وَلَا تتناسوني فَقدما ذكرتكم ... وواصلتكم بِالْبرِّ طول حَياتِي وبالرغم فَارَقت الْأَحِبَّة مِنْكُم ... وَلما تُفَارِقنِي بكم زفراتي وَإِن كنت مَيتا بَين أَيْدِيكُم لقى ... فروحي حَيّ سامع لنعاتي أناجيكم وَحيا وَإِن كنت صامتا ... أَلا كلكُمْ يَوْمًا إِلَيّ سياتي وَلَيْسَ يقوم الْجِسْم إِلَّا بِرُوحِهِ ... هُوَ القطب والأعضاء كالأدوات ولابد يَوْمًا أَن يحور بِعَيْنِه ... ليجزى على الطَّاعَات والتبعات

وَإِلَّا أكن أَهلا لفضل وَرَحْمَة ... فربي أهل الْفضل والرحمات فَمَا زلت ارجو عَفوه وجنانه ... وأحمده فِي الْيُسْر والأزمات وأسجد تَعْظِيمًا لَهُ وتذللا ... وأعبده فِي الْجَهْر والخلوات وَلست بممتن عَلَيْهِ بطاعتي ... لَهُ الْمَنّ فِي التَّيْسِير للحسنات

وَقَالَ أَيْضا رَحْمَة الله يعرض بِرَجُل من الْفُقَهَاء كَانَ يطْلب الكيمياء مَا أميل النَّفس إِلَى الْبَاطِل ... وأهون الدُّنْيَا على الْعَاقِل ترضي الْفَتى فِي عَاجل شَهْوَة ... لَو خسر الْجنَّة فِي الآجل يَبِيع مَا يبْقى بِمَا ينفضي ... فعل السَّفِينَة الأحمق الْجَاهِل يَا من رأى لي واصلا مرشدا ... وانني أكلف بالواصل يَا من رأى لي عَالما عَاملا ... فألزم الْخدمَة لِلْعَامِلِ أم من رأى عَالما ساكتا ... وعقله فِي عَالم جائل يسرح فِي زهر رياض النهى ... لَيست كروض ماحل ذابل يَا رب قلب كجناح هفت ... قد غَابَ فِي بَحر بِلَا سَاحل يصرف الخطرة مَذْعُورَة ... مِمَّا يرى من منظر هائل آه لسر صنته لم أجد ... خلفا لَهُ قطّ بمستاهل هَل يقظ يسألني علني ... أكشفه لليقظ السَّائِل قد يرحل الْمَرْء لمطلوبه ... وَالسَّبَب الكطلوب فِي الراحل لَو شغل الْمَرْء بتركيبه ... كَانَ بِهِ فِي شغل شاغل

وعاين الْحِكْمَة مَجْمُوعَة ... ماثلة فِي هيكل ماثل يَا أَيهَا الغافل عَن نَفسه ... ويك أفق من سنة الغافل وَانْظُر إِلَى الطَّاعَة مَشْهُورَة ... فِي الْفلك الصاعد والنازل والحظ بِعَيْنَيْك أَدِيم السما ... من طالع فِيهَا وَمن آفل كل على مسلكه لَا يرى ... عَن ذَلِك المسلك بالمائل لَو دبرت أَنْفسهَا لم تغب ... واطلع النَّاقِص كالكامل وَانْظُر إِلَى المزنة مشحونة ... مثقلة الْكَاهِل كالبازل تحن من شوق إِلَى وَقْفَة ... أَو خطرة بِالْبَلَدِ الماحل يَا لَك بُسْتَان عقول بدا لعين قلب الْمُؤمن الْعَاقِل فسر هَذَا الشَّأْن لَا ينجلي ... إِلَّا لعبد مخلص فَاضل

وَله أَيْضا رَضِي الله عَنهُ أَنْت الْمُخَاطب أَيهَا الْإِنْسَان ... فأصخ إِلَيّ يلح لَك الْبُرْهَان أودعت مَا لَو قلته لَك قلت لي ... هَذَا لعمرك كُله هذيان فَانْظُر بعقلك من بنانك وَاعْتبر ... إتقان صَنعته فثم الشان لله أكياس جفوا أوطانهم ... فالأرض أجمعها لَهُم أوطان جالت عُقُولهمْ مجَال تفكر ... وتدبر فَبَدَا لَهَا الكتمان ركبت بحار الْفَهم فِي فلك النهى ... وَجرى بهَا الْإِخْلَاص وَالْإِيمَان فرست بهم لما أَتَوا محبوبهم ... مرسى لَهُم فِيهِ غنى وأمان

وَقَالَ أَيْضا رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ دخل عَلَيْهِ ابْن أبي رَجَاء فِي علته الَّتِي توفّي فِيهَا فعذله على رداءة مَسْكَنه فَقَالَ وَهُوَ آخر شعر قَالَه قَالُوا أَلا تستجد بَيْتا ... تعجب من حسنه الْبيُوت فَقلت مَا ذَلِكُم صَوَاب ... حفش كثير لمن يَمُوت لَوْلَا شتاء ولفح قيظ ... وَخَوف لص وَحفظ قوت ونسوة يبتغين سترا ... بنيت بُنيان عنكبوت وَأي معنى لحسن مغنى ... لَيْسَ لأربابه ثُبُوت مَا أوعظ الْقَبْر لَو قبلنَا ... موعظة النَّاطِق الصموت يوحي إِلَى ممتطي الحشايا ... مَالك من مضجعي عميت

نسيت يومي وَطول نومي ... وسوف تنسى كَمَا نسيت وشدت يَا هادمي قصورا ... نعمت فِيهِنَّ كَيفَ شيت معتنقا للحسان فِيهَا ... مستنشقا مسكها الفتيت تسحب ذيل الصِّبَا وتلهو ... بآنسات يقلن هيت فاذكر مهادي الى التنادي ... وامهد لَهُ قبل أَن يفوت فَعَن قريب تكون طعمي ... سخطت يَا صَاح أم رضيت

وَقَالَ ايضا رَضِي الله عَنهُ ألفت الْعقَاب حذار الْعقَاب ... وعفت الْمَوَارِد خوف الذئاب وأبغضت نَفسِي لعصيانها ... وعاتبتها بأشد العتاب وَقلت لَهَا بَان عَنْك الصِّبَا ... وجردك الشيب ثوب الشَّبَاب وَمَا بعد ذَلِك إِلَّا البلى ... وسكنى الْقُبُور وهول الْحساب فأيقظها العتب من نومها ... وَلكنهَا جمة الإضطراب فكم أنشأت مزنة للتقى ... وعادت وشيكا كَلمعِ السراب وَكم وَعَدتنِي بتوب وَكم ... وَمَا أنجزت وعدها فِي المتاب وَكم خدعتني على أنني ... بَصِير بطرق الخطا وَالصَّوَاب فلست على الْأَمْن من غدرها ... وَلَو حَلَفت لي بآي الْكتاب

وَقَالَ أَيْضا رَضِي الله عَنهُ يَا أَيهَا المغتر بِاللَّه ... فر من الله الى الله ولذ بِهِ واسأله من فَضله ... فقد نجا من لَاذَ بِاللَّه وقم لَهُ اللَّيْل فِي جنحه ... فحبذا من قَامَ لله وأتل من الْوَحْي وَلَو آيَة ... تُكْسَى بهَا نورا من الله وعفر الْوَجْه لَهُ سَاجِدا ... فعو وَجه ذل من الله فَمَا نعيم كمناجاته ... لقانت يخلص لله وابعد عَن الذَّنب وَلَا تاته ... فَبعد قرب من الله يَا طَالبا جاها بِغَيْر التقى ... جهلت مَا يدني من الله لَا جاه يَوْم القضا ... إِذْ لَيْسَ حكم لسوى الله وَصَارَ من يسْعد فِي جنَّة ... عالية فِي رَحْمَة الله يسكن فِي الفردوس فِي قبَّة ... من لُؤْلُؤ فِي جيزة الله وَمن يكن يقْضى عَلَيْهِ الشقا ... فِي جاحم فِي سخط الله يسحب فِي النَّار على وَجهه ... بسابق الحكم من الله يَا عجبا من موقن بالجزا ... وَهُوَ قَلِيل الْخَوْف لله كَأَنَّهُ قد جَاءَهُ مخبر ... بأمنه من قبل الله يَا رب جَبَّار شَدِيد القوى ... أَصَابَهُ سهم من الله

فأنفذ المقتل مِنْهُ وَكم ... أصمت وتصمي أسْهم الله وغاله الدَّهْر وَلم تغنه ... أنصاره شَيْئا من الله واستل قسرا من قُصُور إِلَى ... ال 000000 أجداث واستسلم لله مرتهنا فِيهَا بِمَا قد جنى ... يخْشَى عَلَيْهِ غضب الله لَيْسَ لَهُ حول وَلَا قُوَّة ... الْحول وَالْقُوَّة لله يَا صَاح سر فِي الأَرْض كَيْمَا ترى ... مَا فَوْقهَا من عبر الله وَكم لنا من عِبْرَة تحتهَا ... فِي أُمَم صَارَت إِلَى الله من ملك مِنْهُم وَمن سوقة ... حشرهم هَين على الله والحظ بِعَيْنِك أَدِيم السما ... وَمَا بهَا من حِكْمَة الله ترى بهَا الأفلاك دوارة ... شاهدة بِالْملكِ لله مَا وقفت مذ اجريت لمحة ... أَو دونهَا خوفًا من الله وَمَا عَلَيْهَا من حِسَاب وَلَا ... تخشى الَّذِي يخْشَى من الله وَهِي وَمَا غَابَ وَمَا قد بدا ... من آيَة فِي قَبْضَة الله توَحد الله على عَرْشه فِي غيبَة فَالْأَمْر لله وَمَا تسمى أحد فِي السما ... وَالْأَرْض غير الله بِاللَّه إِن الْحَمد حمى الله منيع فَمَا ... يقرب شَيْء من حمى الله لَا شَيْء فِي الأفواه أحلى من ... الت 000000 وحيد والتمجيد لله وَلَا اطْمَأَن الْقلب إِلَّا لمن ... يعمره بِالذكر لله

وَإِن رأى فِي دينه شُبْهَة ... أمسك عَنْهَا خشيَة الله أَو عرضته فاقة أَو غنى ... لاقاهما بالشكر لله وَمن يكن فِي هَدْيه هَكَذَا ... كَانَ خليقا برضى الله وَكَانَ فِي الدُّنْيَا وَفِي قَبره ... وَبعده فِي ذمَّة الله وَفِي غَد تبصره آمنا ... لخوفه الْيَوْم من الله مَا أقبح الشَّيْخ الَّذِي إِذا مَا صبا ... وعاقه الْجَهْل عَن الله وَهُوَ من الْعُمر على بازل ... يحملهُ حثا الى الله هلا اذا أشفى رأى شَيْبه ... ينعاه فاستحيى من الله كَأَنَّمَا رين على قلبه ... فَصَارَ محجوبا عَن الله مَا يعْذر الْجَاهِل فِي جَهله ... فضلا عَن الْعَالم بِاللَّه داران لَا بُد لنا مِنْهُمَا ... بِالْفَضْلِ وَالْعدْل من الله وَلست أَدْرِي منزلي مِنْهُمَا ... لَكِن توكلت على الله فاعجب لعبد هَذِه حَاله ... كَيفَ نبا عَن طَاعَة الله واسوأتا إِن خَابَ ظَنِّي غَدا ... وَلم تسعني رَحْمَة الله وَكنت فِي النَّار أَخا شقوة نَعُوذ من ذَلِك بِاللَّه كم سوءة مستورة عندنَا ... يكشفها الْعرض على الله

فِي مشْهد فِيهِ جَمِيع الورى ... قد نكسوا الأذقان لله وَكم ترى من فائز فيهم ... جلله ستر من الله فَالْحَمْد لله على نعْمَة ... الإسلم ثمَّ الْحَمد لله

وَقَالَ أَيْضا رَحمَه الله فِي رجل يجر ثِيَابه خُيَلَاء فِي يَوْم عيد وَيُقَال إِنَّه ابْن أبي رَجَاء مَا عيدك الفخم إِلَّا يَوْم يغْفر لَك ... لَا أَن تجر بِهِ مستكبرا حللك كم من جَدِيد ثِيَاب دينه خلق ... تكَاد تلعنه الأقطار حَيْثُ سلك وَكم مُرَقع أطمار جَدِيد تقى ... بَكت عَلَيْهِ السما وَالْأَرْض حِين هلك مَا ضرّ ذَلِك طمراه وَلَا نَفَعت ... هَذَا حلاه وَلَا أَن الرّقاب ملك

وَقَالَ أَيْضا رَضِي الله عَنهُ أَي خطيئاتي ابكي دَمًا ... وَهِي كثير كنجوم السما قد طمست عَقْلِي فَمَا أهتدى ... وأورثت عين فُؤَادِي الْعَمى إِنَّا إِلَى الله لقد حل بِي ... خطب غَدا صبحي بِهِ مظلما

وَقَالَ رَحمَه الله لبرزت فِي ميدان كل بطالة ... وبرز غَيْرِي فِي التقى أَي تبريز إِذا لم يكن فهمي إِلَى الْخَيْر قائدي ... فَلَا كَانَ فهمي لَا وَلَا كَانَ تمييزي تطلبت إخْوَان الصَّفَا فوجدتهم ... زُيُوفًا كأعمالي وَمن لي بإبريز

وَقَالَ أَيْضا رَضِي الله عَنهُ أَلا حَيّ الْعقَاب وقاطنيه ... وَقل أَهلا بِهِ وبزائريه حللت بِهِ فَنَفْس مَا بنفسي ... وأنسني فَمَا استوحشت فِيهِ وَكم ذيب نجاوره وَلَكِن ... رَأَيْت الْمَرْء يُؤْتى من أَخِيه وأيأسني من الْأَيَّام أَنِّي ... رَأَيْت الْوَجْه يزهد فِي الْوَجِيه فآثرت البعاد على التداني ... لِأَنِّي لم أجد من أصطفيه

وَقَالَ رَحمَه الله فِي خراب إلبيرة يضيع مَفْرُوض ويغفل وَاجِب ... وَإِنِّي على أهل الزَّمَان لعاتب أتندب أطلال الْبِلَاد وَلَا يرى ... لإلبيرة مِنْهُم على الأَرْض نادب على أَنَّهَا شمس الْبِلَاد وأنسها ... وكل سواهَا وَحْشَة وغياهب وَكم من مُجيب كَانَ فِيهَا لصارخ ... تجاب إِلَى جدوى يَدَيْهِ السباسب وَكم من نجيب أنجبته وعالم ... بأبوابهم كَانَت تناخ الركائب وَكم بلغت فِيهَا الْأَمَانِي وقضيت ... لصب لبانات بهَا ومآرب وَكم طلعت مِنْهَا الشموس وَكم مشت ... على الأَرْض أقمار بهَا وكواكب وَكم فرست فِيهَا الظباء ضراغما ... وَكم صرعت فِيهَا الكماة كواعب

لعهدي بهَا مبيضة اللَّيْل فاعتذت ... وأيامها قد سودتها النوائب وَمَا كَانَ فِيهَا غير بشرى وأنعم ... فَلم يبْق فِيهَا الْآن إِلَّا المصائب غَدَتْ بعد ربات الحجال قُصُورهَا ... يبابا تغاديها الصِّبَا والجنائب فآه ألوفا تَقْتَضِي عدد الْحَصَا ... على عهدها مَا عاهدتها السحائب عجبت لما ادري بهَا من عَجِيبَة ... فياليت شعري أَيْن تِلْكَ الْعَجَائِب وَمَا فعلت أعلامها وفئامها ... وأرامها أم أَيْن تِلْكَ الْمَرَاتِب وَأَيْنَ بحار الْعلم والحلم والندى ... وَأَيْنَ الأكف الهاميات السواكب شققنا على من مَاتَ مِنْهُم جيوبنا ... وَكَانَ قَلِيلا أَن تشق الترائب

وَإِن فقدت أعيانهم فلتوجدن ... مدى الدَّهْر أَفعَال لَهُم ومناقب وَقد بقيت فِي الأَرْض مِنْهُم بَقِيَّة ... كَأَنَّهُمْ فِيهَا نُجُوم ثواقب فَللَّه ثاويهم وَللَّه حيهم ... فَكل جواد باهر الْفضل واهب لساءلت عَنْهُم رسمها فَأَجَابَنِي ... أَلا كل شَيْء مَا خلا الله ذَاهِب يخاطبنا أَن قد أخذت بذنبكم ... وَمَا أحد مِنْكُم عَن الذَّنب تائب وَأَن قد قست اكبادكم وقلوبكم ... وَمَا مِنْكُم دَاع إِلَى الله رَاغِب لشكلكم أولى وأجدر بالبكا ... على مثله حَقًا تقوم النوادب

وَقَالَ ايضا رَضِي الله عَنهُ يرثي امْرَأَته وَأحسن فِي هَذِه القصيدة كل الاحسان عج بالمطي على اليباب الغامر ... واربع على قبر تضمن ناظري فستستبين مَكَانَهُ بضجيعه ... وينم مِنْهُ إِلَيْك عرف العاطر فلكم تضمن من تقى وتعفف ... وكريم أعراق وَعرض طَاهِر واقر السَّلَام عَلَيْهِ من ذِي لوعة ... صدعته صدعا مَا لَهُ من جَابر فعساه يسمح لي بوصل فِي الْكرَى ... متعاهدا لي بالخيال الزائر فأعلل الْقلب العليل بطيفه ... عَليّ أوافيه وَلست بغادر إِنِّي لأستحييه وَهُوَ مغيب ... فِي لحده فَكَأَنَّهُ كالحاضر ارعى أذمته وأحفظ عَهده ... عِنْدِي فَمَا يجْرِي سواهُ بخاطري إِن كَانَ يدثر جِسْمه فِي رمسه ... فهواي فِيهِ الدَّهْر لَيْسَ بداثر قطع الزَّمَان معي بأكرم عشرَة ... لهفي عَلَيْهِ من أبر معاشر مَا كَانَ إِلَّا ندرة لَا أرتجي ... عوضا بهَا فرثيته بنوادر وَلَو انني أنصفته فِي وده ... لقضيت يَوْم قضى وَلم أستاخر وشققت فِي خلب الْفُؤَاد ضريحه ... وسقيته أبدا بِمَاء محاجري أجد الْحَلَاوَة فِي الْفُؤَاد بِكَوْنِهِ ... فِيهِ وأرعاه بِعَين ضمائري

لسألت مغْفرَة لَهُ وتجاوزا ... عَنهُ من الرب الْجواد الغافر أخلق ببمثلي أَن يرى متطلبا ... حوراء ذَات غدائر وأساور مَقْصُورَة فِي قبَّة من لُؤْلُؤ ... ذخرت ثَوابًا للمصاب الصابر لخلت ذراعي وانفردت فَإِن أكن ... تاجرت فِيهَا كنت أربح تَاجر وَلَئِن حرمت وَلم يفز قدحي بهَا ... فَأَنا لعمر الله أخسر خاسر من جَاوز السِّتين لم يجمل بِهِ ... شغل بجمل والرباب وغادر بل شغله فِي زَاده لمعاده ... فالزاد آكِد شغل كل مُسَافر وَالشَّيْخ لَيْسَ قصاره إِلَّا التقى ... لَا أَن يهيم صبَابَة بجاذر نفرت طباع الغيد عَنهُ كَرَاهَة ... وَمن العناء علاقَة بمنافر هَل يلتقي قرن بقرن فِي الوغي ... إِلَّا بأزرق أَو بعضب باتر وَإِذا تقحم أعزل فِي مأزق ... كَانَ الْأَسير وَلم يكن بالآسر مَا يَشْتَهِي نهدا ولحظا فاترا ... إِلَّا خلي فِي زمَان فاتر حسبي كتاب الله فَهُوَ تنعمي ... وتأنسي فِي وحشتي بدفاتري أفتض أَبْكَارًا بهَا يغسلن من ... يفتضهن بِكُل معنى طَاهِر وَإِذا أردْت نزاهة طالعتها ... فأجول مِنْهَا فِي أنيق زَاهِر وَأرى بهَا نهج الْهِدَايَة وَاضحا ... ينجو بِهِ من لَيْسَ عَنهُ بجائر قد آن لي أَن أستفيق وأرعوي ... لَو أنني مِمَّن تصح بصائري

فلكم أروح وأغتدي فِي غمرة ... مترددا فِيهَا كَمثل الحائر وَأرى شَبَابِي ظَاعِنًا فِي عَسْكَر ... عني وشيبي وافدا بعساكر فغدت مظفرة عَليّ وَلم تزل ... قدما معلاة قداح الظافر وَلَقَد رَأَيْت من الزَّمَان عجائبا ... جربتها بمواردي ومصادري فَوجدت إخْوَان الصَّفَا بزعمهم ... يلقاك أمحضهم بِعرْض سابري ولر بِمَا قد شَذَّ مِنْهُم نَادِر ... وأصولنا أَن لَا قِيَاس بنادر وَإِذا نبا بِي منزل أَو رانبي ... صفقت عَنهُ كالعقاب الكاسر فأجوب أَرضًا سهلها كحزونها ... عِنْدِي وَأول قطرها كالآخر وَلَقَد عجبت لمُؤْمِن فِي شدقه ... جرس كناقوس ببيعة كَافِر لسن يهينم دائبا وَلما يرى ... أَن اللِّسَان كَمثل لَيْث هاصر وَلَو أنني أَدْعُو الْكَلَام أجابني ... كاجابة المأسور دَعْوَة آسر لَكِن رَأَيْت نَبينَا قد عابه ... من كل ثرثار وأشدق شَاعِر فَصمت إِلَّا عَن تقى ولربما ... قذفت بحار قريحتي بجواهر

مَا استحسنوا طول الخطابة بل رَأَوْا ... تَقْصِيرهَا مهما ارْتَقَوْا بمنابر وَلما رَأَوْا سرد الْكَلَام بسائغ ... إِلَّا لعبد قارىء أَو ذَاكر فالعي فِي الْإِكْثَار لَا فِي منطق ... يهدي إِلَى الْأَلْبَاب نفثة سَاحر وَلَقَد أَقُول لبَعض من هُوَ عاذلي ... فِي الْقَصْد فِي شاني وَلَيْسَ بعاذري لما رَأَيْت الأَرْض أصبح مَاؤُهَا ... رنقا كفتني مِنْهُ حسوة طَائِر وَلَو أنني أرْضى القذا فِي مشربي ... لكرعت كرعة ظامىء بهواجر وعبرت بَحر الرزق التمس الْغنى ... حرصا عَلَيْهِ وَكنت أمهر ماهر لكنني عوضت مِنْهُ عناية ... بقناعة وتجمل فِي الظَّاهِر فَمن الْغنى مَا قد يضر بأَهْله ... والفقر عِنْد الله لَيْسَ بضائر وَلَقَد أصبت من المطاعم حَاجَتي ... وَمن الملابس فَوق مَا هُوَ ساتري وَأَنا لعمرك مكرم فِي جيرتي ... ومعظم ومبجل بعشائري وغذا بميدان السباق سنلتقي ... فَيرى الثقيل من الْخَفِيف الضامر واسوأتا إِن كنت سكيتا بِهِ ... أَرْجُو اللحاق على هجين عاثر

وَالْوَيْل كل الويل لي إِن لم يكن ... مولَايَ فِي تِلْكَ الشدائد ناصري إِنِّي لأشكره على آلائه ... فَهُوَ الوفي بعهده للشاكر وَإِلَيْهِ أضرع فِي إنابة مخلص ... فَهُوَ الَّذِي أَرْجُو لسد مفاقري

وَقَالَ رَحمَه الله يمدح القَاضِي ابْن تَوْبَة مَا عناء الْكَبِير بالحسناء ... وَهُوَ مثل الْحباب فَوق المَاء يتصابى ولات حِين تصاب ... بعيون المها وسرب الظباء ولعمري لما تحب فتاة ... يفنا لَو غَدا من الْخُلَفَاء وتحب الْفَتى الرَّقِيق الْحَوَاشِي ... حب ذِي الجدب صَادِق الأنواء كَيفَ لَا وَهُوَ يهنأ النقب مِنْهَا ... بهناء يزِيد فِي البرحاء لحكاها لطافة وحكته ... فهما فِي الْهوى كمزج الْهَوَاء

لَا كصاد أَنَاخَ عِنْد قليب ... دون دلو يُدْلِي بِهِ ورشاء يلحظ المَاء حسرة وَهُوَ مِنْهُ ... متدان فِي حَالَة المتنائي كل قرن يعد سَيْفا كليلا ... للقاء يخونه فِي اللِّقَاء فَمن الرَّأْي أَن تكون جَبَانًا ... سامريا يدين بالانزواء عجبا كم رَأَيْت مَالا مصونا ... وفؤادا نهبا بأيدي النِّسَاء وَإِذا حَازِم على المَال أبقى ... فقواه أَحَق بالإبقاء فتساوى الرِّجَال فِي مثل هَذَا ... فالمجانين فِيهِ كالعقلاء

أَي خير لوالد فِي بنيه ... وَهُوَ عَنْهُم يفر يَوْم الْجَزَاء والتقي الْمُوفق الْبر مِنْهُم ... عدم كالسماع بالعنقاء وَإِذا مَا الأديب شبه فيهم ... جر أذياله من الْخُيَلَاء وازدرى بالشيوخ وَاعْترض الدأ ... مَاء جهلا بنفثة الرقاء ذَنْب أَبتر لعمرك خير ... من طَوِيل يجر فِي الأقذاء وَمن الْغبن هجر دَار خُلُود ... وَبَقَاء وَوصل دَار الفناء واشتغال بفرتنى وبلبنى ... وبدعد عَن خطْبَة الْحَوْرَاء

وَلَئِن عَاد ليل رَأْسِي صبحا ... ووشى بِي شيبي إِلَى الْحَسْنَاء إِن عودي لعاجميه لصلب ... وفؤادي كصارم مضاء وأقضي لبانتي وأروي ... عَامل الرمْح من دم الْعَذْرَاء وَأَنا قُرَّة لعين صديقي ... وقذى فِي محاجر الْأَعْدَاء هذبتني نَوَائِب الدَّهْر حَتَّى ... صرت كالوصل بعد طول الْجفَاء فسفيني تجْرِي بأطيب ريح ... لَا برِيح ضَعِيفَة نكباء بعلي بن تَوْبَة فَازَ قدحي ... وسمت همتي على الجوزاء فهنيئا لنا وللدين قَاض ... مثله عَالم بفصل الْقَضَاء يحسم الْأَمر بالسياسة وَالْعدْل ... ل كحسم الحسام للأعداء

لَو إِيَاس يلقاه قَالَ اعترافا ... غلط الواصفون لي بالذكاء وَلَو أَن الدهاة من كل عصر ... خبروه دانوا لَهُ بالدهاء أَو رأى أحنف أَو احلم مِنْهُ ... حلمه مَا انتموا إِلَى الحلماء لَو رأى أحنفت أَو احلم مِنْهُ ... حلمه مَا انتموا إِلَى الحلماء لَو رأى المنصفون بَحر نداه ... جعلُوا حاتما من البخلاء هُوَ أوفى من السموءل عهدا ... وَلما زَالَ معرما بِالْوَفَاءِ وَحيا المزن ذُو حَيَاء إِذا مَا ... هملت كَفه بوبل الْعَطاء يشْهد الْعَالمُونَ فِي كل فن ... أَنه كالشهاب فِي الْعلمَاء وقضاة الزَّمَان أَرض لَدَيْهِ ... وَهُوَ من فَوْقهم كأفق السَّمَاء لتعرضت مدحه فَكَأَنِّي ... رمت بحرا مساجلا بالدلاء فَأَنا مفحم على أَن خيلي ... لَا تجارى فِي حلبة الشُّعَرَاء

لكساني بمجده ثوب فَخر ... طَال حَتَّى جررته من ورائي وَلَو انصفته وَذَاكَ قَلِيل ... كَانَ خدي لرجله كالحذاء فَأَنا عَبده وَذَاكَ فخاري ... وجمالي بَين الورى وبهائي وثنائي وقف عَلَيْهِ وشكري ... وَدُعَائِي لَهُ بطول الْبَقَاء

وَقَالَ ايضا رَضِي الله عَنهُ ويل لأهل النَّار فِي النَّار ... مَاذَا يقاسون من النَّار تنقد من غيظ فتغلي بهم ... كمرجل يغلي على النَّار فَيَسْتَغِيثُونَ لكَي يعتبوا ... أَلا لعا من عَثْرَة النَّار وَكلهمْ معترف نادم ... لَو تقبل التَّوْبَة فِي النَّار يهوي بهَا الأشقى على رَأسه ... فالويل للأشقى من النَّار فَتَارَة يطفو على جمرها ... وَتارَة يرسب فِي النَّار وَكلما رام فِرَارًا بهَا ... فر من النَّار إِلَى النَّار يطوف من أَفْعَى إِلَى أَرقم ... وسمها أقوى من النَّار وَكم بهَا من أَرقم لايني ... يلسع من يسحب فِي النَّار لَا رَاحَة فِيهَا وَلَا فَتْرَة ... هَيْهَات لَا رَاحَة فِي النَّار أنفاسها مطبقة فَوْقهم ... وَهَكَذَا الأنفاس فِي النَّار سُبْحَانَ من يمسك أَرْوَاحهم ... فِي الدَّرك الْأَسْفَل فِي النَّار وَلَو جبال الأَرْض تهوي بهَا ... ذَابَتْ كذوب الْقطر فِي النَّار طُوبَى لمن فَازَ بدار التقى ... وَلم يكن من حصب النَّار وويل من عمر دهرا وَلم ... يرحم وَلم يعْتق من النَّار يَا أَيهَا النَّاس خُذُوا حذركُمْ ... وحصنوا الْجنَّة للنار

فَإِنَّهَا من شَرّ أعدائكم ... مَا فِي العدا أعدى من النَّار وَأَكْثرُوا من ذكر مولاكم ... فَذكره يُنجي من النَّار وَا عجبا من مرح لَا عب ... يلهو وَلَا يحفل بالنَّار يُوقن بالنَّار وَلَا يرعوي ... كَأَنَّهُ يرتاب فِي النَّار وَهُوَ بهَا فِي خطر بَين ... لَو كاس مَا خاطر بالنَّار إِن الألباء هم قلَّة ... فروا إِلَى الله من النَّار وطلقوا الدُّنْيَا بتاتا وَلم ... يلووا عَلَيْهَا حذر النَّار وأبصروا من عيبها أَنَّهَا ... فتانة تَدْعُو إِلَى النَّار فطابت الْأَنْفس مِنْهُم بِأَن ... أَمنهم من فزع النَّار وَالله لَو أَعقل لم تكتحل ... بِالنَّوْمِ عَيْني خيفة النَّار وَلَا رقا دمعي وَلَا علم ... لي أَنِّي فِي أَمن من النَّار وَلم أرد مَاء وَلَا سَاغَ لي ... إِذا ذكرت الْمهل فِي النَّار وَلم أجد لَذَّة طعم إِذا ... فَكرت فِي الزقوم فِي النَّار أَي التذاذ بنعيم إِذا ... أدّى إِلَى الشقوة فِي النَّار أم أَي خير فِي سرُور إِذا ... أعقب طول الْحزن فِي النَّار ففكروا فِي هولها واحذروا ... مَا حذر الله من النَّار فَإِنَّهَا راصدة أَهلهَا ... تَدعهُمْ دَعَا إِلَى النَّار

فَلَيْسَ مثلي طَالبا حَبَّة ... إِلَّا المعافاة من النَّار وطالما استرحمته ضارعا ... يَا رب حرمني على النَّار فَأَنت مولَايَ وَلَا رب لي ... غَيْرك أعتقني من النَّار وَلم تزل تسمعني قَائِلا ... أعوذ بِاللَّه من النَّار

وَقَالَ أَيْضا رَضِي الله عَنهُ بصرت بِشَيْبَة وخطت نصلي ... فَقلت لَهُ تأهب للرحيل وَلَا يهن الْقَلِيل عَلَيْك مِنْهَا ... فَمَا فِي الشيب وَيحك من قَلِيل وَكم قد ابصرت عَيْنَاك مزنا ... أَصَابَك طلها قبل الهمول وَكم عَايَنت خيط الصُّبْح يجلو ... سَواد اللَّيْل كالسيف الصَّقِيل وَلَا تحقر بِنذر الشيب وَاعْلَم ... بِأَن الْقطر يبْعَث بالسيول فكم مِمَّن مفارقه ثغام ... وأنجمه على فلك الأفول تعوض من ذِرَاع الخطو فترا ... وَمن عضب بمفلول كليل فَكيف بِمثلِهِ لمهاة رمل ... كَأَن وصالها نوم العليل تطلب غير مَا فِي الطَّبْع صَعب ... عَلَيْك فدع طلاب المستحيل ولازم قرع بَاب الرب دأبا ... فَإِن لُزُومه سَبَب الدُّخُول فَمَا من مخلص لله إِلَّا على أَعماله أثر الْقبُول

وَقَالَ رَحمَه الله يُخَاطب صهناجة إِذْ كَانَ الْيَهُودِيّ النغزالي لَعنه الله وزيرا وكاتبا لباديس بن حبوس صَاحب اغرناطة أَلا قل لصنهاجة أَجْمَعِينَ ... بدور الندي وَأسد العرين لقد زل سيدكم زلَّة ... تقر بهَا أعين الشامتين تخير كَاتبه كَافِرًا ... وَلَو شَاءَ كَانَ من الْمُسلمين فعز الْيَهُود بِهِ وانتخوا ... وتاهوا وَكَانُوا من الأرذلين ونالوا مُنَاهُمْ وجازوا المدى ... فحان الْهَلَاك وَمَا يَشْعُرُونَ فكم مُسلم فَاضل قَانِت ... لأرذل قرد من الْمُشْركين

وَمَا كَانَ ذَلِك من سَعْيهمْ ... وَلَكِن منا يقوم الْمعِين فَهَلا اقْتدى فيهم بالألى ... من القادة الْخيرَة الْمُتَّقِينَ وأنزلهم حَيْثُ يستاهلون ... وردهم أَسْفَل السافلين وطافوا لدينا بأخراجهم ... عَلَيْهِم صغَار وذل وهون وقموا الْمَزَابِل عَن خرقَة ... ملونة لدثار الدفين وَلم يستخفوا بأعلامنا ... وَلم يستطيلوا على الصَّالِحين وَلَا جالسوهم وهم هجنة ... وَلَا واكبوهم مَعَ الْأَقْرَبين أباديس أَنْت امْرُؤ حاذق ... تصيب بظنك نفس الْيَقِين فَكيف اختفت عَنْك أعيانهم ... وَفِي الأَرْض تضرب مِنْهَا الْقُرُون وَكَيف تحب فراخ الزِّنَا ... وهم بغضوك إِلَى الْعَالمين وَكَيف يتم لَك المرتقى ... إِذا كنت تبني وهم يهدمون وَكَيف استنمت إِلَى فَاسق ... وقارنته وَهُوَ بيس القرين وَقد أنزل الله فِي وحيه ... يحذر عَن صُحْبَة الْفَاسِقين فَلَا تتَّخذ مِنْهُم خَادِمًا ... وذرهم إِلَى لعنة اللاعنين فقد ضجت الأَرْض من فسقهم ... وكادت تميد بِنَا اجمعين

تَأمل بِعَيْنَيْك أقطارها ... تجدهم كلابا بهَا خَاسِئِينَ وَكَيف انْفَرَدت بتقريبهم ... وهم فِي الْبِلَاد من المبعدين على أَنَّك الْملك المرتضى ... سليل الْمُلُوك من الماجدين وَأَن لَك البق بَين الورى ... كَمَا أَنْت من جلة السَّابِقين وَإِنِّي احتللت بغرناطة ... فَكنت أَرَاهُم بهَا عابثين وَقد قسموها وأعمالها ... فَمنهمْ بِكُل مَكَان لعين وهم يقبضون جباياتها ... وهم يخضمون وهم يقضمون وهم يلبسُونَ رفيع الكسا ... وَأَنْتُم لأوضعها لابسون وهم أمناكم على سركم ... وَكَيف يكون خؤون أَمِين وَيَأْكُل غَيرهم درهما ... فيقصى ويدنون إِذْ يَأْكُلُون وَقد ناهضوكم إِلَى ربكُم ... فَمَا تمْنَعُونَ وَلَا تنكرون وَقد لابسوكم بأسحارهم ... فَمَا تَسْمَعُونَ وَلَا تبصرون وهم يذبحون بأسواقها ... وَأَنْتُم لأطرافها آكلون ورخم قردهم دَاره ... وأجرى إِلَيْهَا نمير الْعُيُون فَصَارَت حوائجنا عِنْده ... وَنحن على بَابه قائمون ويضحك منا وَمن ديننَا ... فَإنَّا إِلَى رَبنَا رَاجِعُون

وَلَو قلت فِي مَاله إِنَّه ... كمالك كنت من الصَّادِقين فبادر إِلَى ذبحه قربَة ... وضح بِهِ فَهُوَ كَبْش سمين وَلَا ترفع الضغط عَن رهطه ... فقد كنزوا كل علق ثمين وَفرق عراهم وَخذ مَالهم ... فانت أَحَق بِمَا يجمعُونَ وَلَا تحسبن قَتلهمْ غدرة ... بل الْغدر فِي تَركهم يعبثون وَقد نكثوا عهدنا عِنْدهم ... فَكيف تلام على النَّاكِثِينَ وَكَيف تكون لَهُم ذمَّة ... وَنحن خمول وهم ظاهرون وَنحن الأذلة من بَينهم ... كأنا أسأنا وهم محسنون فَلَا ترض فِينَا بأفعالهم ... فَأَنت رهين بِمَا يَفْعَلُونَ وراقب إلهك فِي حزبه ... فحرب الْإِلَه هم الغالبون

وَقَالَ أَيْضا رَضِي الله عَنهُ إِن أولي الْعلم بِمَا فِي الْفِتَن ... تهيبوها من قديم الزَّمن فاستعصموا الله وَكَانَ التقى ... أوفى لَهُم فِيهَا من أوفى الجنن واجتمعوا فِي حسن توفيقه ... وافترقوا فِي كل سعي حسن فعالم مستمجد عَامل ... يسْلك بِالنَّاسِ سَوَاء السّنَن ينثر من فِيهِ لَهُم جوهرا ... من علمه لَيْسَ لَهُ من ثمن يقسمهُ طلابه بَينهم ... قسْمَة تَعْدِيل بِقدر الفطن وبهمة مخترط سَيْفه ... يغمده فِي هام أهل الوثن يلبس من إيمَانه لأمة ... فضاضة يغنى بهَا عَن مجن وحابس فِي بَيته نَفسه ... معتزل مستمسك بالسنن يَأْخُذ من دُنْيَاهُ قوتا لَهُ ... مقنعا مثل عذار الرسن قد جعل الْبَيْت كقبر لَهُ ... وبرده فِيهِ لَهُ كالكفن فَهُوَ خَفِيف الظّهْر لكنه ... أثقل فِي مِيزَانه من حضن وهارب شحا على دينه ... إِلَى البراري ورؤوس الْفِتَن يأنس بالوحدة فِي بِيَدِهَا ... أَكثر من تأنيسه بالسكن لَا يرهب الْأسد وَمن لم يخن ... سَيّده فِي عَهده لم يخن

وتائب من ذَنبه مُشفق ... يبكي بكاء الواكفات الهتن تخاله بَين يَدي ربه ... فِي ظلم اللَّيْل كَمثل الْغُصْن إِن مهد النَّاس لدنياهم ... شمر فِي تمهيده للجنن كَأَنَّمَا الأَرْض لَهُ أيكة ... وَهُوَ بهَا قمرية فِي فنن وصامت فِي قلبه مقول ... بِالذكر لله طَوِيل لسن ترَاهُ كالأبله فِي ظَاهر ... وَهُوَ من اذكى النَّاس فِيمَا يظنّ قد نور الله لَهُ قلبه ... بِالذكر فِي السِّرّ لَهُ والعلن فَإِن يبن بالفكر عَن صَحبه ... فجسمه بَينهم لم يبن إِن لَغوا جليس لَهُم ... لم يلج اللَّغْو لَهُ فِي أذن فِي ملكوت الله سُبْحَانَهُ ... تجول ألباب لباب الفطن فهم خُصُوص الله نَحْو الَّتِي ... من حل فِي جيرتها قد أَمن سموا بِفضل الله فِي أرضه حَقًا بهم تدرأعنا المحن ونزهوا الْأَنْفس عَن منزل ... نازله مستوفز للظعن وسمروا الْخَيل ليَوْم بِهِ ... ينكب من يركب فَوق الهجن فليتني كنت لَهُم خَادِمًا ... وليتني إِذْ لم أكن لم أكن وَمن سواهُم فرجال رجوا ... أَن يعبروا الْبَحْر بِغَيْر السفن وَإِنَّمَا قصر بِي عَنْهُم ... حبي لدار ملئت بالفتن

لَا غارت الدُّنْيَا وَلَا أنجدت ... فالعاقل الْحر بهَا ممتحن تميل للأحمق من اهلها ... وَهِي على عاقلهم تضطغن يَا عجبا من غفلتي بعد أَن ... ناداني الشيب أَلا فارحلن وَأدْركَ الْفَائِت من قبل ان ... يفجأك الْمَوْت فَلَا تنظرن اقبح من ترمقه مقلة ... مبصرة شيخ خليع الرسن تقتاده الدَّهْر دواعي الْهوى ... إِلَى الصِّبَا مثل اقتياد الْبدن يأمل آمال فَتى يافع ... كَأَنَّهُ لَيْسَ بشيخ يفن لَيْسَ جمال الشَّيْخ إِلَّا التقى ... والمحو للسؤ بِفعل حسن شغلت بِالْوَصْفِ وَلَو أنني ... أشغل بالموصوف كنت الفطن وَلم أبع رشدا بغي وَلم ... أَرض بعقلي مثل هَذَا الْغبن إِنَّا إِلَى الله لقد حاق بِي ... مَا يُورث الخزي غَدا والحزن وَالْحَمْد لله فَفِي كَفه ... منح لمن شَاءَ وفيهَا المنن وَهُوَ الَّذِي أَرْجُو فَإِن لم يكن ... عِنْد رجائي فِيهِ طولا فَمن

وَقَالَ أَيْضا رَضِي الله عَنهُ تمر لداتي وَاحِدًا بعد وَاحِد ... وَاعْلَم أَنِّي بعدهمْ غير خَالِد وأحمل موتاهم وَأشْهد دفنهم ... كَأَنِّي بعيد مِنْهُم غير شَاهد فها أَنا فِي علمي بهم وجهالتي ... كمستيقظ يرنو بمقلة رَاقِد

وَقَالَ أَيْضا رَضِي الله عَنهُ فِي الْمَدْح مَا توج الْملك إِلَّا بِابْن سلمَان ... وَلَا يشد سواهُ أزر سُلْطَان مَا الرّيح فِي سَيرهَا تحكي عَزَائِمه ... إِلَّا الْجِيَاد إِذا جدت بأقران كَانَت جزيرتنا من قبل أندلسا ... فمذ نشأت بهَا فَهِيَ العراقان نهدي إِلَيْك القوافي وَهِي طيبَة ... كالراح تهدى زفافا بَين خلان مَالِي تلاحظني عين الخطوب وَقد ... أسندت مِنْك إِلَى ركن كثهلان وَكَيف يشكو الصدى مثلي على مقتي ... وماؤك الْغمر يروي كل ظمآن أم كَيفَ يطمح شَيْطَان إِلَى افقي ... وَمن سمائك يرْمى كل شَيْطَان بل كَيفَ يغمرني إِنْسَان أَعينهم ... وَأَنت لي وزر من كل إِنْسَان نبه أَبَا حسن للمعضلات ونم ... نوم الْعَرُوس على روح وَرَيْحَان

وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ وَقد رفع أهل إلبيرة على قاضيهم ابْن أبي زمنين رفعتم على قاضيكم فخفضتم ... وحاولتم خزيا لَهُ فخزيتم وَطَالَ لعمري مَا سعدتم بسعده ... وَلَو أَنه يشقى إِذن لشقيتم وَمَا كَانَ إِلَّا ستركم لَو عقلتم ... وَلَكِنَّكُمْ عَن رشدكم قد عميتم فها هُوَ ذَا يقْضِي على الرغم مِنْكُم فموتوا بغيظ واصنعوا كَيفَ شيتم وحكوا على ظهر الصَّعِيد ستاهكم ... فَلَنْ تعشروه فِي العلى لَو خريتم

وَقَالَ أَيْضا رَضِي الله عَنهُ أيا قَوس خراط يُشِير وَلَا يَرْمِي ... وَيَا سيف رعديد يرض وَلَا يدمي تعلمت خلف الْوَعْد من برق خلب ... فبرقك لَا يثري وَلكنه يعمي

وَكَانَ أَبُو بكر بن الْحَاج قد هجا القَاضِي أَبَا الْحسن بن تَوْبَة وَجَمَاعَة من الْفُقَهَاء مَعَه فَضَربهُ ضربا وجيعا وطيف بِهِ على الْأَسْوَاق فَقَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي ذَلِك السواط أبلغ من قَالَ وَمن قيل ... وَمن نباح سَفِيه بالأباطيل مر المذاق كحر النَّار أبرده ... يعقل المتعاطي أَي تعقيل رأى من الطِّبّ مَا بقراط لم يره ... فِي برْء كل سخيف الْعقل مخذول ضئيل جسم تخَاف الْخَيل سطوته أعدى وأطغى من التمساح فِي النّيل يرقص الْمَرْء ترقيصا بِلَا طرب لَو كَانَ اثقل أَو أجسى من الْفِيل عِنْد السخيف بِهِ خبر وتجربة ... فقد رمى تَحْتَهُ مَا عد بالفول وَقد حسا مِنْهُ امراقا مفلفلة ... جشته شَرّ الجشا من شَرّ مَأْكُول وَقد هجاه بهجو مؤلم وجع ... لَا يشبه الشّعْر فِي نظم وتفصيل فَقل لَهُ إِن جرى هجو بخاطره ... أذكر قيامك محلول السَّرَاوِيل وَاذْكُر طوافك فِي الْأَسْوَاق مفتضحا ... مُجَردا خَاشِعًا فِي ذل مَعْزُول

وَاذْكُر عُقُوبَة مَا زورته سفها ... فِي السَّادة القادة الشم البهاليل عِصَابَة عظم الرَّحْمَن حرمتهَا ... وخصها مِنْهُ إِكْرَاما بتبجيل هم لباب الورى حَقًا وَغَيرهم ... عِنْد الْحَقِيقَة ابقال الغرابيل إِن ابْن تَوْبَة فيهم رَافع علما ... من الْقَضَاء وممتاز بإكليل قضى بتنكيل من لم يرع حَقهم ... وحصن الحكم فِي هَذَا بتسجيل الظّهْر قرطاسه وَالسَّوْط يَطْلُبهُ ... بئس الْكتاب بِعقد غير محلول

قَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ سَافَرت مَعَ القَاضِي أبي الْحسن بن تَوْبَة فِي رِسَالَة الى الْوَزير أَحْمد بن عَبَّاس فوجدناه مشتغلا فَكتبت إِلَيْهِ هَذِه الأبيات أيا وزيرا لم يزل آخِذا ... عِنْد الملمات بِأَيْدِينَا وَسَيِّدًا نحكم فِي مَاله ... وجاهه النامي بِمَا شينا اراك مَشْغُولًا بكسب الْعلَا ... وحارسا دنياك والدينا فَاجْعَلْ من اللَّيْل لنا سَاعَة ... يحكم فِيهَا مَاله جينا وَلَا يكن يحضرنا ثَالِث ... فَرُبمَا الثَّالِث يؤذينا قَالَ فَاجْتَمَعْنَا مَعَه وقضينا الرسَالَة وانصرفنا

انْتهى الْمَجْمُوع من شعر الْفَقِيه الزَّاهِد أبي إِسْحَاق التجِيبِي الإلبيري رَضِي الله عَنهُ ونفعه وَتقبل مِنْهُ وَكتب عبد الله الْفَقِير إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ حكم بن يُوسُف بن حكم البلنسي وَفقه الله بثغر الله بثغر منرقة كلأه الله فِي منتصف ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَسبعين وست مئة الْحَمد لله كَمَا هُوَ أَهله

الْمُسْتَدْرك على مَجْمُوع الإلبيري

قَالَ الألبيري أَيْن الْمُلُوك وَأَيْنَ مَا جمعُوا وَمَا ... ذخروه من ذهب الْمَتَاع الذَّاهِب وَمن السوابغ والصوارم والقنا ... وَمن الصواهل بدن وشوازب كَانَت سوابقها تحمل مِنْهُم ... اقمار أندية وَأسد كتائب كَانُوا لُيُوث خُفْيَة لكِنهمْ ... سكنوا غِيَاض اسنة وقواضب قصفتهم ريح الردى ورمتهم ... كف الْمنون بِكُل سهم صائب

وَقَالَ الإلبيري فَإِن الردى غال أهل التقى ... فَلم يبْق إِلَّا الغشوم العنيد وأودى بِكُل خَلِيل ودود ... فَأَيْنَ وَلَا أَيْن خل ودود وَكم من أخي ثِقَة قد لحدت ... فَللَّه مَا غيبته اللحود وأثكلني الْأنس ثكل اللدات ... فصرت كَأَنِّي غَرِيب وحيد وَكم من شقي يوارى التُّرَاب ... وَكم من سعيد يوارى الصَّعِيد

وَقَالَ الألبيري لَا قُوَّة لي يَا رَبِّي فأنتصر ... وَلَا بَرَاءَة من ذَنبي فأعتذر فَإِن تعاقب فَأهل للعقاب وَإِن ... تغْفر فعفوك مأمول ومنتظر إِن الْعَظِيم إِذا لم يعف مقتدرا ... عَن الْعَظِيم فَمن يعْفُو ويقتدر

وَقَالَ الالبيري وَذي غنى أوهمته همته ... أَن الْغنى عَنهُ غير مُنْفَصِل فجر أذيال عجبه بطرا ... واختال للكبرياء فِي حلل بزته أَيدي الخطوب بزته ... فاعتاض بعد الْجَدِيد بالسمل فَلَا تثق بالغنى فآفته ... الْفقر وَصرف الزَّمَان ذُو دوَل كفى بنيل الكفاف مِنْهُ غنى ... عَنهُ فَكُن فِيهِ غير محتفل

وَقَالَ عَفا الله عَنهُ مبتهلا إِلَى مَوْلَاهُ أَتَيْتُك راجيا يَاذَا الْجلَال ... فَفرج مَا ترى من سوء حَالي عصيتك سَيِّدي ويلي بجهلي ... وعيب الذَّنب لم يخْطر ببالي إِلَى من يشتكي الْمَمْلُوك إِلَّا إِلَى مَوْلَاهُ يَا مولى الموَالِي لعمرى لَيْت أُمِّي لم تلدني ... وَلم أغضبك فِي ظلم اللَّيَالِي فها أَنا عَبدك العَاصِي فَقير ... إِلَى رحماك فاقبل لي سُؤَالِي فَإِن عَاقَبت يَا رَبِّي تعاقب ... محقا بِالْعَذَابِ وبالنكال وَإِن تعف فعفوك قد أَرَانِي ... لأفعالي وأوزاري الثقال

وَقَالَ الْأُسْتَاذ الزَّاهِد أبوإسحاق الإلبيري الغرناطي رَحمَه الله تَعَالَى كل امرىء فِيمَا يدين يدان ... سُبْحَانَ من لم يخل مِنْهُ مَكَان يَا عَامر الدُّنْيَا ليسكنها وَمَا ... هِيَ بِالَّتِي يبْقى بهَا سكان تفنى وَتبقى الأَرْض بعْدك مِثْلَمَا ... يبْقى المناخ وترحل الركْبَان أأسر فِي الدُّنْيَا بِكُل زِيَادَة ... وزيادتي فِيهَا هِيَ النقضان

قَالَ الإلبيري كم آمن للمنون لاه ... عَن الردى بَات مطمئنا صبحه وَافد المنايا ... فعاين الْمَوْت حِين عَنَّا حَتَّى إِذا مَا قضى بكاه ... حميمه معولا مرنا واروه فِي لحده وسنوا ... العليه قيد التُّرَاب سنا وانتهبوا مَاله وشنوا ... الغارات فِيمَا حواه شنا لمثل هَذَا فَكُن معدا ... مَا قد اعد الهداة منا وارتقب الْمَوْت فَهُوَ حتم ... يخترم الطِّفْل والمسنا

§1/1