دليل الداعية

ناجي بن دايل السلطان

مقدمات

المقدمات: مقدمة المراجع: الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ونشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن محمد عبده ورسوله. أما بعد: فقد اطلعت على هذا الكتاب "دليل الداعية" لفضيلة الشيخ ناجي بن دايل السلطان فوجدته مليئا بالإرشادات، والنصائح والتوجيهات التي يستفيد منها عامة المسلمين، وخاصة الدعاة منهم الذين وضع هذا الكتاب من أجلهم ليستفيدوا منه؛ لأنه ثمرة جهد لأخيهم المؤلف جمعها خلال تجاربه في عمل الدعوة طيلة حياته الدعوية، فهو لا يستغني عنه داعية من دعاة الإسلام، وخاصة المبتدئين منهم؛ لأنه ينير لهم طريق الدعوة لكي يتجنب الداعية العقبات التي تعترض سبيله، وحتى يوصل ما لديه من علم بأحسن صورة، وأكثر فائدة فهو يدعو إلى الإخلاص في الدعوة، والترغيب فيها والقيام بها بجد ونشاط، وخاصة من تفرغ لعلم الدعوة، وأخذ عليه أجرا فالأمر في حقه أوجب وستجد أيها القارئ الكريم أن يدعو الدعاة أيضًا إلى أن يكونوا دعاة بأفعالهم، ومعاملاتهم قبل أن يكونوا دعاة بأقوالهم، وذلك بالالتزام بحسن الخلق والمعاملة الحسنة، ونفع الناس والتودد إليهم حتى يحبوه

فيسمعوا منه ويقبلوا دعوته، وأن يكون أسوة حسنة بالحضور إلى المسجد في أول الوقت، وأن يكون في الصف الأول، كما يحث أيضا على كرم الأخلاق، وكذا يرشد إلى معرفة أحوال أهل البلد الذين سيدعوهم وعاداتهم، ولهجاتهم وما هم عليه حتى يبدأ الداعية بالأهم، ثم المهم ثم الذي يليه وهكذا، ومجمل القول أن هذا كتاب كثير الفائدة من أخ كريم يحمل هم الدعوة غيور على دينه هكذا نحسبه، ولا نزكي على الله أحدا أسأل الله العلي القدير أن يجعل ذلك في ميزان حسناته يوم القيامة، وأن لا يحرمنا ولا يحرمه الأجر، والثواب والله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم وبارك على عبده، ورسوله محمد وعلى آله وصحبه. تقديم الدكتور محمد بن سعد بن شقير القاضي بمحكمة خورفكان بالإمارات

تقريظ

تقريظ: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على رسوله نبينا محمد وآله وبعد: فقد اطلعت على هذا الكتاب المبارك المعنون "دليل الداعية" تأليف الأخ في الله الشيخ ناجي بن دايل السلطان، فألفيته مفيدًا في بابه وأنصح الإخوة الدعاة إلى الله، وعموم طلاب العلم بقراءته، والاستفادة منه أسأل الله أن ينفعنا جميعا بما علمنا، وأن يجعلنا من الداعين إليه سبحانه على بصيرة، وأن يجعلنا من المخلصين لوجهه الكريم المتبعين لهدي نبيه عليه الصلاة، والتسليم قال ذلك وكتبه الفقير إلى الله عبد الرحمن بن حماد آل عمر، وصلى الله الله على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه. حرر في 15/ 11/ 1419هـ.

صفحة سكانر

مقدمة المطلع عليها

مقدمة المطلع عليها ... مقدم المطلع عليها: بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، وشاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد: فإن الدعوة إلى الله تعالى من أعظم الصالحات، وأزكى الطاعات وأحب الأعمال إلى الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} . بها تنهض الأمم وتصلح المجتمعات وتستقيم الأحوال، فما أحسن عمل الدعاة وما أنفع جهودهم، وما أسعد الأمة بهم وأشد غبطتها، فمنهم البناة والهداة والسراة، وهم بهجة الدنيا، وزينتها ونعيمها. وإن الحديث عن الدعوة وهمومها وتطلعاتها، ووسائل نهضتها حري بالاهتمام والتأمل، ولا سيما حين يصدر عن ربيب للدعوة وإلف للدعاة، صاحب الفضيلة الشيخ ناجي بن دايل السلطان. فلقد سعدت بتصفح كتابه "دليل الداعية إلى الله تعالى"، وقرأ بعض ما تضمن من التوجيهات، والإرشادات وما جاشت به نفس

المؤلف من آمال، وتطلعات نحو إصلاح شأن الدعاة، وتصحيح سيرتهم وتعضيد كيانهم. وإني لأهنئ المؤلف على ما قام به من مجهود نافع، وعناية بالتنظيم والاستدلال والتوثيق. وأسأل الله تعالى له التوفيق والسداد، وأن يلهمه الثبات على على الحق والاستقامة عليه، وأن يحفظ قادة هذه البلاد، وولاة أمرها ويجزيهم خير الجزاء على ما قاموا به من دعم للدعاة، وتمكين للدعوة الإسلامية الصحيحة.. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. كتبه الوليد بن عبد الرحمن بن محمد آل فريان الرياض 7/ 3/ 1420هـ

المقدمة

المقدمة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وبعد: فإن الدعوة إلى الله عز وجل من أفضل القربات، ومن أجل الطاعات، قال تعالى: {مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 1، وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 2. ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لابن عمه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عندما بعثه إلى خيبر: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدًا خير لك من حمر النعم" 3. وعن ثوبان -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" 4.

_ 1 سورة فصلت: الآية 33. 2 سورة آل عمران: من الآية: 110. 3 رواه الإمام البخاري في الصحيح رقم "3701"، ومسلم رقم "2406"، وأحمد في المسند "5/ 333" من حديث سهل بن سعد. 4 رواه الإمام مسلم في صحيحه باب 53 حديث 1920، ورواه الترمذي "كتاب الفتن": "2229".

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا" 1. بهذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وغيرها في فضل الدعوة إلى الله، ووجوبها وضرورة القيام بها، رأيت أن أضع كتابًا واضح المعالم يحوي على إرشادات، ومعالم في طريق الدعوة خاصًّا بأعمال الدعوة والدعاة عله أن يستنير به كل داعية، كما يكشف هذا الكتاب عن الوسائل والأساليب، والطرق السليمة للدعوة إلى الله. كما أرجو أن يكون لبنة من اللبنات الصالحة لبناء الدعوة ورفع صرحها عالية خفاقة، ويكون نبراسًا يضيء الطريق ويسهل المسير للسالكين، ويزيل العوائق والعقبات التي صارت حجر عثرة في طريق الدعاة جعلت بعضهم يقف، وبعضهم يتراجع، فصار لكل شيخ طريقته، ولكل جماعة منهج، ولكل أمة من الأمم أسلوب، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، والطامة الكبرى أن بعضهم يقف حجر عثرة في طريق البعض الآخر. لكن ولله الحمد يوجد هنا، وهناك فئة مستمرة على الطريق الصحيح يسيرون بخطًا ثابتة، وحجة واضحة، جادون في المسير رغم العقبات، والصعوبات والعوائق، وهم أصحاب الهمة العالية الذين ينطبق عليهم قول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة" 2. الحديث.

_ 1 رواه الإمام مسلم في صحيحه باب 16، حديث رقم "227". 2 الحديث ص "11".

وفعلًا في وقتنا الحاضر ولله الحمد نرى ونسمع، رجالًا أفاضل: يدعون إلى الله، ويلاقون في دعوتهم ما لاقاه أسلافهم ممن سلك طريقهم، ونهج نهجهم في الماضي والحاضر ومع ذلك هم سائرون، فهي سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلًا، ولن تجد لسنة الله تحويلا، والدعوة إلى الله هي طريق المرسلين، وقد لاقى الأنبياء في ذلك ما لاقوا من العنت، والصد والإباء والاستكبار، من لدن نوح عليه الصلة والسلام إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن جاء بعدهم من الدعاة، والمصلحين قد حصل هلم ما حصل من الإيذاء، والكيد فكن أخي الداعية من هذا الصنف الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وقد حاولت أن أسهل العبارة، وأختصر المقالة بقدر الاستطاعة حتى يسهل فهمه لكل قارئ، ويمكن استيعابه لكل سمع، وقد أسميته "دليل الداعية"، وقسمته إلى فصول تحت كل فصل ما يناسبه من الأبواب والموضوعات، ولا أقول: إنني أعطيت الموضوع حقه من البحث، لكني أدليت بدلوي مع الدلاء، وحاولت أن آتي بجديد، يجعل الداعية يحسن التعامل مع رئيسه والمسئولين عنه، ومع الزملاء في العمل ومع الحاكم والمحكوم، ومع الناس أجمعين، بأسلوب فيه سهولة ومرونة، ويسر وتعقل، خال من التعقيد المقيت، والمشادة والخلاف والنزاع الذي لا يأتي بخير، ولم أضع هذا الكتاب للمنتسبين للعمل في الدعوة والوعظ، والإرشاد فحسب، وإنما هو لجميع المسلمين العاملين لنصرة هذا الدين، أيا كان عملهم وحيثما كان موقعهم، فالمسلم يدعو إلى هذا الدين بقوله، وفعله بلسانه وسنانه، ينصر المظلوم ونشر العدل، هذا هو دأب المسلم الواثق من

وعد ربه، المتوكل عليه سبحانه، فإن الله سبحانه وتعالى جعل الرزق والأجل محدودين لكل إنسان، حتى لا تشغل هموم الرزق والأجل، وخشية الموت مؤمنا عن طاعة الله، فالرزق مضمون والأجل محدود، ونحن مكلفون أن نمارس منهاج الله في واقعنا الجديد على نفس النهج، والسنة التي رسمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتبعه صحابته الأبرار وأئمة المسلمين، مرة أخرى أقول: هذا البحث عام، لا يخص المنتسبين لمكاتب الدعوة والوعظ فقط لكن مسئوليتهم أكبر، وعمل الدعوة مطلوب منهم أكثر من غيرهم؛ لأنهم قد فرغوا لذلك العمل، وأخذوا عليه أجرًا، يليهم في المسئولية العلماء والقضاة، وأئمة المساجد، والمسئولون عن التربية والتعليم: المعلم ومدير المدرسة وغيرهم من منسوبي وزارة المعارف "التربية والتعليم"، فمسئولية القيام بالدعوة ونشر هذا الدين وتعليمه، والصبر على الأذى فيه مسئولية الجميع، فلو أن كل واحد قام بما يجب عليه في محيطه، وفي مجتمعه وفي مكان عمله، وسكنه لم يبق جاهل بأمر دينه، فلنبدأ جميعًا: الإمام في مسجده، والعالم في مكانه، والقاضي في محكمته ومحيطه، والمدرس في مدرسته، وكذلك المتفرغون للدعوة وجميع منسوبي وزارات الشئون الإسلامية، فهي أهم مرفق ومديروها هم الذين يحركون الدعوة في الداخل والخارج. إن هؤلاء جميعا ليس لهم الخيار في أن يقوموا بهذا العمل أو يتركوه، فهو واجب على الجميع، أينما كانوا وحيثما حلوا، في أي زمان ومكان، وإن حصل التقاعس والسكون عن المنكرات حتى ظهرت واستشرى شرها وعم وطم ضررها، وركن الجميع إلى الدعة والراحة والسكون، فإن الله قد تكفل بتنحيتهم وتغييرهم بأفضل

منهم. قال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} 1 إذا عرف المسلم هذا فإن الداعية يهتم، ويشمر عن ساعده ويخوض غمار الدعوة، بل يغوص في أعماقها، إن الأمة الإسلامية قد ابتليت في العصر الحديث بتحديات كثيرة كادت أن تهدد هويتها، وظهرت هذه التحديات في صور شتى، فقد وجد من يدعو إلى التشكيك في القرآن الكريم، وصلاحية الشريعة الإسلامية ومبادئها للتطبيق، وسعى دعاة الهدم والإفساد إلى تشويه سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ولم يقفوا عند هذا الحد بل سعوا أيضًا إلى إبعاد الحياة الاجتماعية عن القيم الإسلامية، فدعوا إلى ما سموه تحرير المرأة المسلمة عن طريق الدعوة إلى إلغاء الحجاب وغيره من المخالفات، والدعوات المنحرفة الكثيرة والكثيرة جدًّا، لذا فهي تحتاج إلى من يتصدى لها من أمثالكم أيها الدعاة المخلصون. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفق الدعاة في مشارق الأرض، ومغاربها إلى القيام بما أوجب الله عليهم من نشر هذا الدين والدعوة إليه، وأن يجمع شمل الدعاة على الحق، وأن يوحد كلمتهم ويؤلف بين قلوبهم، وأن يجعلهم هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. ناجي بن دايل السلطان

_ 1 سورة محمد، من الآية: 38.

الفصل الأول: صفات لابد منها للداعية

الفصل الأول: صفات لا بد منها للداعية: 1- الإخلاص: لا بد للداعية إلى الله أن يجعل الإخلاص، والتجرد نصب عينيه، في القول والعمل، في السر والعلانية، وأن يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن؛ لأنه صاحب رسالة وعليه مسئولية عظيمة قد شرفه الله بها، لذا ينبغي أن يكون هدفه إنقاذ البشرية، بهذا الدين الذي هو حياتها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} 1، وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 2. فمهمتكم أيها الدعاة: هي مهمة الأنبياء والرسل، قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 3، فالعمل في الدعوة من أشرف الوظائف وأجل الأعمال، وأعظم المهمات، فاحمدوا الله على هذا الشرف العظيم، وأدوا الأمانة التي حملتموها، فأنتم على ثغر من ثغور الإسلام، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلكم.

_ 1 سورة الأنفال، من الآية: 24. 2 سورة الشورى، الآية: 52. 3 سورة يوسف، الآية: 108.

والإخلاص الذي يريده الله سبحانه وتعالى، ويتوقف عليه قبول العمل هو إفراد الله سبحانه بالطاعة والعبادة، وقصده بها دون سواه، وتجريد النية وتصفيتها من جميع الشوائب، لا يقصد بذلك المدح والثناء، أو أي معنى آخر سوى التقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} 1. والإخلاص مصدره نية القلب، والنية هي معيار الأعمال ومقياسها العادل، فالطاعات تتفاوت بتفاوت النية: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" 2. وقبول العمل عند الله عز وجل يكون بشرطين أساسيين: أ- الإخلاص لله وحده. ب- المتابعة للرسول -صلى الله عليه وسلم. فالداعية يجب عليه أن يبتغي بدعوته للأفراد والجماعات، وجه الله سبحانه وتعالى. كما يجب على الداعية أن يبتعد عن الرياء والسمعة، وأن يخلص العمل لله وحده، ولا يقصد من دعوته تكوين جماعة أو حزب، فإذا أخلص الداعية عمله لله، ورزق المدعو الاستقامة، فإن الله تعالى يكتب للداعية مثل أجر المدعو، ولا ينقص من أجره شيئًا. ففي الحديث: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه غير أنه لا ينقص من أجورهم شيئًا". الحديث3. فأخلص أخي الداعية العمل لله. قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} 4، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-

_ 1 سورة الزمر، الآية: 14. 2 رواه مسلم، كتاب الإمارة: "1907"، ورواه البخاري، كتاب الوحي: رقم "1". 3 رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه، والنووي على مسلم: "16/ 227". 4 سورة الكهف، من الآية: 110.

قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال الله تبارك وتعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" 1. فلا بد للداعية أن يجعل الإخلاص نصب عينيه أثناء قيامه بمهام الدعوة، وفي جميع أعماله، ومنها النصيحة فإنها طاعة وعبادة، والعبادة لا تقبل إلا إذا نوى بها وجه الله والدار الآخرة، فعملك معروض على الله لا تخفى منه خافية، فأتقن العمل فإن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملًا أن يتقنه، ثم ثق ثقة تامة أن الله سوف يجازيك على عملك، فإن الأجير يأخذ أجره، إذا أتقن عمله وأنهاه بشرط أن يكون على المواصفات والشروط المطلوبة، فإن أخل العامل بشرط لم يستحق الأجر، فتنبه أخي الداعية، واجعل الإخلاص شعارك فإنه سبيلك إلى النجاح في الدنيا والآخرة، وأختم هذه الموضوع بقصة تبين أن قوة الداعية وتأثيره يمكنان في إخلاصه؛ لأنه يكون عندئذ موصولًا بالله القوي العزيز. كان عابد من العباد في الأمم السابقة، يعبد الله دهرًا طويلًا، فجاءه قوم فقلوا: إن ههنا قومًا يعبدون شجرة من دون الله تعالى، فغضب لذلك وأخذ فأسه على عاتقه، وقصد الشجرة ليقطعها، فاستقبله إبليس في صورة شيخ، فقال: أين تريد ... رحمك الله؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة. قال: وما أنت وذاك؟ تركت عبادتك، واشتغالك بنفسك وتفرغت لغير ذلك.

_ 1 صحيح الإمام مسلم: الزهد "55/ 5300".

قال: إن هذا من عبادتي. قال: فإني لا أتركك أن تقطعها. فقاتله، وما هي إلا لحظات، حتى طرحه العابد على الأرض، وقعد على صدره. فقال إبليس: أطلقني حتى أكلمك، فقام عنه فقال إبليس: يا هذا ... إن الله تعالى قد أسقط عنك هذا، ولم يفرضه عليك، وأنت لا تعبدها، وما عليك من غيرك؟ ولله أنبياء في أقاليم الأرض، ولو شاء لبعثهم إلى أهلها وأمرهم بقطعها. فقال العابد: لا بد لي من قطعها. ونابذه القتال، وتصارعا، فغلبه العابد ثانية وصرعه وقعد على صدره، فلما رأى إبليس عجزه وضعفه سلك طريق الاحتيال، وعلم أن هذا الرجل ما دام مخلصًا لله فلن تكون قوة في الأرض تغلبه، أو تثنيه عن عمله ... وبالفعل ... فقد لجأ إلى أن يغيير العابد نيته، وأن يريد غير الله وثوابه.. فقال له: هل لك في أمر فصل بين وبينك؟ وهو خير لك وأنفع؟ قال العابد: وما هو؟ قال إبليس: أطلقني حتى أقول لك، فأطلقه. فقال إبليس: أنت رجل فقير لا شيء لك.. إنما أنت كل على الناس يعولونك، ولعلك تحب أن تتفضل على إخوانك وتواسي جيرانك، وتشبع وتستغني عن الناس؟ قال: نعم. قال: فارجع عن هذا الأمر، ولك علي أن أجعل لك في كل ليلة

دينارين تجدهما عند رأسك، إذا أصبحت أخذتهما، فأنفقت على نفسك وعيالك، وتصدقت على إخوانك، فيكون ذلك أنفع لك وللمسلمين من قطع هذه الشجرة التي يغرس مكانها، ولا يغير عبادها قطعها شيئًا، ولا ينفع إخوانك المؤمنين قطعك إياها. فتفكر العابد قليلًا فيما قال ... ثم قال: صدق الشيخ، وتعاهدا وحلف إبليس على الوفاء، ورجع العابد إلى صومعته، فبات فلما أصبح رأي دينارين عند رأسه، فأخذهما وكذلك في الغد مثل ذلك، ثم أصبح في اليوم الثالث وما بعده ولم يجد شيئًا، فغضب وأخذ فأسه على عاتقه ومضى إلى الشجرة يريد قطعها، فاستقبله إبليس في صورة شيخ، فقال له: إلى أين؟ قال: أقطع تلك الشجرة. فقال كذبت؟ والله ما أنت بقادر على ذلك ولا سبيل لك إليها. فتناوله العابد ليفعل به كما فعل أول مرة، فقال: وما هي إلا لحظات حتى أخذه إبليس وصرعه، فإذا هو كالعصفور بين رجليه وقعد إبليس على صدره، وقال: لتنتهين عن هذا الأمر أو لأذبحنك. فنظر العابد، فإذا لا طاقة له به. فقال: يا هذا. غلبتني فخل عني.. وأخبرني كيف غلبتك أولا وغلبتني الآن؟ فقال: لأنك غضبت أول مرة لله، وكانت نيتك الآخرة فغلبتني بقوة الله، وهذه المرة غضبت لنفسك وللدينار.. فصرعتك1.

_ 1 إحياء علوم الدين: "5/ 377".

فالعمل من غير إخلاص يضعف العزيمة، ويبطل العمل الصالح كما في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: حدثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل يقتتل في سبيل الله ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يا رب، قال: فإذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت: ويقول الله: بل أردت أن يقال: إن فلانا قارئ فقد قيل ذاك، ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله له: ألم أوسع عليك؟ حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد، قال: بلى يا رب قال: فماذا عملت فيما آتيتك قال: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له: كذبت وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال: فلان جواد فقد قيل ذاك. ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله تعالى له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال: فلان جريء فقد قيل ذاك، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة" 1. فقال معاوية -رضي الله عنه- وقد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس، ثم بكى بكاءً شديدًا ثم قال: صدق الله ورسوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16] .

_ 1 سنن الترمذي، كتاب الزهد تحقيق أحمد شاكر: "2382"، وعند مسلم كتاب الإمارة رقم "1905".

2- المعاملة الحسنة: من آداب النصحية اجتناب التشهير، بذكر أسماء من تنصحهم أو تعظهم، أو تدعوهم إلى الخير، ولا سيما إذا كانت الموعظة، أو النصحية من فوق المنبر، أو في الصحافة، أو الإذاعة، أو في الأندية الرياضية أو الثقافية، أو في الأشرطة أو النشرات؛ لأن ذكر الأسماء سيؤدي إلى التشويش والفوضى، وسيولد العناد في نفس المدعو، ويقطع عليه طريق الاستجابة ويسبب إثارة الأحقاد، والضغائن والبلبلة، والإنشغال بأمور لا فائة منها، إذًا لا داعي لذكر الأسماء كما هو واضح في منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة فقد كان يقول: "ما بال أقوام" 1. ومن حسن المعاملة أن يكون الداعية رفيقًا حكيمًا "وبمعنى آخر فإن الحكمة إتقان العلم، وإجزاء الفعل على وفق ذلك العلم، ومن شاء الله إتياءه هذه الحكمة -أي خلقه مستعدًّا لذلك قابلًا له، من سلامة التفكير واعتدال القوى، والطبائع- يكون قابلا لفهم الحقائق منقادًا إلى الحق إذا لاح له، لا يصده عن ذلك هوى ولا عصبية، ولا مكابرة ولا أنفة"2. ومن المعاملة الحسنة النصيحة بالتي هي أحسن، وتكون بينك وبينه3 وإلا صارت فضيحة. يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى: "والنصيحة إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة، والشفقة عليه والغيرة

_ 1 "ما بال أقوام يشترطون" رواه الإمام البخاري رقم: "456" وعن عائشة -رضي الله عنها- قال: خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- فحمد الله ثم قال: "ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه" الحديث ... رواه الإمام البخاري: "6101" وغيره كثير. 2 عن كتاب مفهوم الحكمة في الدعوة للدكتور: صالح بن حميد. 3 أي بينك وبين المنصوح سرًّا.

له وعليه، فهو إحسان محض يصدر عن رحمة ورقة، مراد الناصح بها وجه الله ورضاه والإحسان إلى خلقه ... " انتهى كلامه رحمه الله. ولا يكاد يفرق بين النصيحة والتعبير إلا النية والأسلوب، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التثريب، والتعنيف حتى في حالة الخطأ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها، ولا يثرب ثم إذا زنت فليجلدها، ولا يثرب ثم إن زنت الثالثة، فليبعها ولم بحبل من شعر" 1. يقول الفضيل: "المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير" وقد قيل: "من أمر أخاه على رؤوس الملأ فقد عيره"، وشتات من قصده النصحية ومن قصده الفضيحة، وعن المعاملة الحسنة يروي معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- قال: صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله. فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أماه، ما شأنكم تنظرون؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فعرفت أنهم يصمتونني، فلما رأيتهم يسكتونني سكت. قال: فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي ما ضربني ولا سبني. وفي رواية ما رأيت معلمًا قط أرفق من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح، والتكبير وقراءة القرآن" 2. وعن أنس ابن مالك -رضي الله عنه- قال: كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

_ 1 صحيح الإمام البخاري، كتاب البيوع: "18/ 2008". 2 من حديث طويل عن معاوية بن الحكم، رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفي سنن أبي داود، الصلاة: "2/ 795".

وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه جبذة حتى رأيت صفح، أو صفحة عنق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته فقال: "يا محمد أعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء"1. وفي الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: استأذن رهط من اليهود على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: السام عليك، فقلت: بل عليكم السام واللعنة، فقال يا عائشة: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله" قلت: أولم تسمع ما قالوا: قال: "قلت وعليكم" 2 وفي رواية لمسلم: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه". وقال -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه" 3، وقصة الأعرابي الذي بال في المسجد مشهورة معروفة ظهر فيها الرفق، وحسن المعاملة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وقد جاء أحد رجال الدعوة إلى جزار -وهو الذي يبيع اللحم- وقال له: صل يا حمار، فرد عليه الجزار: الحمار لا يصلي، وأخذ الساطورة يريد ضربه بها، لكنه هرب. وتأسف على عمله، وعرف أنه مخطئ، فتنكر وغير ثيابه، وأتى إليه مرة أخرى، وقال: السلام عليكم فرد عليه السلام -وهو يفور غضبًا ويتميز غيظًا- فقال الداعية: هداك الله أما سمعت الأذان؟ هيا نصلي. فرد عليه بعد أن هدأت أعصابه قائلًا:

_ 1 رواه الإمام أحمد، ترقيم إحياء التراث: "12139"، ورواه البخاري، كتاب فرض الخمس: "3149". 2 صحيح الإمام البخاري كتاب استتابة المرتدين: "6415". 3 صحيح الإمام مسلم، كتاب البر والصلة والآداب: رقم "4697".

المعاملة الحسنة

جزاك الله خيرًا، والله إنك أحسن من الذي جاءني قبلك يقول لي: صل يا حمار، فوالله لو وقف لضربته بهذه الساطورة. واستطاع الداعية بحكمته وأسلوبه الطيب أن يأخذه إلى المسجد، بعدها صار هذا الجزار من المحافظين على الصلوات الخمس لا تفوته فريضة في المسجد، بسبب المعاملة الحسنة والدعوة بالتي هي أحسن.

كن قدوة

3- كن قدوة: إن الناس ينظرون إلى الداعية بمنظار دقيق، فهو تحت المجهر، يلاحظون أفعاله وأقواله، ومعاملاته الخاصة والعامة، كما ينظرون إلى مظهره فهو المرآة لمخبره "فكل إناء بما فيه ينضح"، فيجب أن يكون المظهر موافقًا للمخبر، فإن الداعية في نظر الناس قدوة يقتدى بأفعاله وتصرفاته، فجدير بالداعية أن يكون على المستوى اللائق مقتديًا بالأنبياء، وأئمة الهدى، في سيرهم وفي منهجهم في الدعوة والسلوك، فهذا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قد جعله الله إمامًا للناس يقتدى به قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} 1. أخبر تعالى أن في ذريته، عاص وظالم لنفسه لا يستحق الإمامة، بنص قوله تعالى في الآية السابقة: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} . ورأس الأمر وذروة سنامه، هو أن ندعو الناس بأفعالنا قبل أقوالنا، ولذلك لما تمنى الناس، تمنى عمر -رضي الله عنه- رجالًا، أمثال أبي عبيدة، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، قال -رضي الله عنه: "فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله"، فكن أخي الداعية واحدًا من هؤلاء الذين تمنى عمر أمثالهم لإعلاء كلمة الله، وليكن همك الوحيد الدعوة إلى الله بعزيمة قوية، وتصميم يحمل صاحبه إلى العمل، على أن يأخذ نفسه بشيء من الحزم والعزم، ويروضها على ما يريده الإسلام، ويسعى لتطبيق ما يعلم على نفسه أولًا. ومن الشواهد البليغة على عظيم تأثير السلوك

_ 1 سورة البقرة، الآية: 124.

ما تقرره كتب السيرة في صلح الحديبية الذي كان وقعه شديدًا على المسلمين: "لما انتهى أمر الصلح، أمر عليه الصلاة والسلام أصحابه أن يحلقوا رؤوسهم، وينحروا الهدي ليتحللوا من عمرتهم، فاحتمل المسلمون من ذلك همًّا عظيمًا، حتى إنهم لم يبادروا بالامتثال، فدخل -صلى الله عليه وسلم- على أم المؤمنين أم سلمة وقال لها: "هلك المسلمون، أمرتهم فلم يمتثلوا" فقالت: يا رسول الله؟ اعذرهم فقد حملت نفسك أمرًا عظيمًا في الصلح، ورجع المسلمون من غير فتح، فهم لذلك مكروبون، ولكن يا رسول الله اخرج إلى الناس، وابدأهم بما تريد، فإذا رأوك فعلت اتبعوك. فتقدم -صلى الله عليه وسلم- إلى هديه فنحره، ودعا بالحلاق فحلق رأسه، فلما رآه المسلمون تواثبوا على الهدي فنحروه وحلقوا"، فبادر إلى التطيبق بحيث تكون داعية بأفعالك قبل أقوالك، ولا يغيب عن البال أن القدوة الحسنة لها تأثير عظيم في نفوس من تدعوهم، وكما قيل: حال رجل في ألف رجل أفضل من وعظ ألف رجل في رجل، فكن مثالا في الخير أسوة في السلوك، وإياك إياك والإنحدار.... فإن الذي ينحدر، ويهوي لن يستطيع الصعود، ولن يقدر أن يتسلق سلم الطاعات، فلا ينسى الداعية أن الناس ينظرون إليه نظر قدوة، على أنه مثلهم الأعلى الذي يرون في سلوكه مصداق ما يدعو إليه، فإن زل زلوا معه، فإن عاد إلى الصواب بعد ذلك قد لا يعودون؛ لأنهم فقدوا مصداقيته، ثم إن الناس لا ينظرون إلى خطأ الداعية أو العالم كما ينظرون إلى أخطاء العامة، فإن الخطأ من العالم وإن كان صغيرا يراه الناس في أعينهم كبيرا، وقد يستغله ضعاف الإيمان، أو من في قلوبهم مرض للنيل من الإسلام نفسه، فقد يستهزؤن بالعالم

أو الداعية مستخفين به وبدعوته، ويجعلونه حجة على الإسلام مع أن الإسلام حجة على الناس، وأخطاء الناس ليست حجة على الإسلام، ويكون سبب ذلك زلة العالم أو الداعية فاحذر أخي الداعية من أي زلة فإن لها عواقب وخيمة، ولنا في سلفنا الصالح القدوة الحسنة. والمثال على ذلك ما حصل من تمسك شديد، وعدم التنازل والثبات على الدين والمبدأ عند إمام أهل السنة الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في فتنة القول بخلق القرآن في عهد المأمون -وقد بسط القول في ذلك في سيرته- والداعية يكون قدوة في الورع؛ لأن الورع يجعله يترك كثيرًا من المباحات إن التبست عليه مع الحرام، ومن العلامات الأساسية للورعين شدة حذرهم من الحرام، وضعف جرأتهم على ما يجر إليه، فالورع الحقيقي كما وصفه يونس بن عبيد "الخروج من كل شبهة والمحاسبة عن كل طرفة عين"1. ورحلة الانحدار تبدأ بزلة قدم واحدة، والحريص على آخرته يجعل بينه، وبين الانزلاق وقايات تستره وتحميه. عن عبد الله بن العلاء قال: سمعت الخشني يقول: قلت: يا رسول الله أخبرني بما يحل لي ويحرم علي، قال فصعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وصوب فيَّ النظر فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس، ولم يطمئن إليه القلب، وإن أفتاك المفتون" 2. والورع يشمل الكتسب والمعاملات واللسان، وقد نظر ابن قيم الجوزية في أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم. فوجد أنه جمعها في جملة واحدة

_ 1 تهذيب مدارج السالكين عن كتاب هذه أخلاقنا. 2 صحيح الجامع وهو صحيح، مسند الإمام أحمد. باب مسند الشاميين: "17288".

"من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". فكن تقيًّا ورعًا تكن أعبد الناس، إن نجاح الداعية في دعوته يكمن في صدقه، وإخلاصه مع ربه وتطبيقه لأحكام الشريعة ظاهرًا وباطنًا سرًّا وعلانية بحيث لا يخالف فعله قوله، فإذا أمر بفضيلة كان هو أول المطبقين لها، وإذا نهى عن رذيلة كان أول المبتعدين عنها. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} 1. وما أجمل قول الشاعر أبي السوداء حينما قال: يا أيها الرجل المعلم غيره ... هلا لنفسك كان ذا التعليم تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى ... كيما يصح به وأنت سقيم ابدأ بنفسك فإنهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

_ 1 سورة الصف، الآيتان: 2، 3.

كن صادقا

4- كن صادقًا: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} 1، وقال تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} 2، ما أحوج الداعية إلى هذا الخلق والتمسك به، والصدق يشمل كل ما يصدر عن الداعية من الأقوال، والأفعال والتصرفات الظاهرة منها والباطنة، فيكون صادقًا في مواعيده ومعاملاته، فلا يتأخر عن موعد المحاضرة أو الدرس، وإن حصل له مانع، عليه أن يعتذر في الحال، بأن يرسل نائبًا عنه، أو يتصل بالهاتف، أو يرسل من يخبرهم بالتأخير، ولا يترك الناس ينتظرون ويبدأ عندهم الهرج والمرج ويظنون به الظنون، والداعية إلى الله أحوج الناس إلى الصق في كل شيء، فالصدق منهج عام، وسمة من سمات شخصية الداعية في أقواله وأفعاله، والصدق في القول: تعبير عن شخصية واضحة، ومروءة عالية وشهامة وكرم، ولا يلجأ للكذب إلا لئيم الطبع خبيث النفس ضعيف الشخصية؛ والفطرة السليمة تستعيب الكذب وتستقبحه، ولذلك أجمعت الديانات السماوية على تحريمه وتجريمه، فما بالك بالداعية، أتراه يتصور صدور الكذب منه؟ أعتقد بمشيئة الله لا، ولكن قد يتوسع في التورية مما قد يظن السامع أنها كذب إذا فهم خلاف ما يقول. إن صدقنا في حمل دعوتنا هو الذي يجعل الناس يقبلون علينا

_ 1 سورة التوبة، الآية: 119. 2 سورة المائدة، الآية: 119.

ويقبلون دعوتنا، إذا فالوسيلة الأولى لنجاح الداعية هي صدقه في حمل دعوته، وجديته في ذلك، وأن يكون الصدق في الأقوال، والأعمال منهجه وشعاره، وأن يكون حديثه عن معاناة، وقديما قيل: "الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان". والله سبحانه يجزي على الصدق كما يعاقب على الكذب قال الله تعالى: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ} 1، والصدق من الأخلاق الأساسية التي يتفرع عنها غيرها، يقول الحارث المحاسبي: "واعلم -رحمك الله- أن الصدق والإخلاص أصل كل حال، فمن الصدق يتشعب الصبر، والقناعة والزهد والرضا والإنس، وعن الإخلاص: يتشعب اليقين والخوف، والمحبة والإجلال والحياء. والكذب ليس من أخلاق الرجال؛ لأنه منقصة وجبن، وكان العرب في الجاهلية يتحاشون الوقوع فيه، وإن من أشد الكذب إثما وأعظمه جرما أن يكذب على الله ورسوله، فينسب إلى دين الله ما ليس منه، ويدعي في الشرع بما لا يعلم، بأن يفتي الناس بدون علم ولا دليل شرعي، أو يختلق نصوصًا ليس لها أصل، أو يلوي عنق النص من القرآن، أو السنة ليوافق هواه ومبدأه، فهو كذب شنيع على دين الله، عن علي بن ربيعة قال: أتيت المسجد والمغيرة أمير الكوفة قال: فقال المغيرة: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" 2، وعن

_ 1 سورة الأحزاب، من الآية: 24. 2 أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وعند مسلم في المقدمة رقم "4".

حفص بن عاصم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع"، وعن أبي هريرة مثل ذلك1. فليحذر الذين يبادرون إلى الفتوى بغير علم، وليحذر الذين يشيعون الأحاديث المنكرة، والموضوعة من المشاركة في الكذب على الله وعلى رسوله. وهل يكب الناس في النار على وجوههم، وقيل: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، فقد تقوم صراعات وتثور فتن، وتتفرق جماعات وتضيع حقوق وتذهب أوقات دون فائدة بسبب كلمة طائشة، أو اتهامات غاضبة أو نقل لكلام خاطئ، ومنه الغيبة والنمية، والخوض في أعراض الناس في المجالس وغيرها، بل قد تكون فاكهة المجلس ومحور الحديث، فينبغي على الداعية حفظ لسانه عن مثل هذه المحرمات والتحذير منها. يفسر ابن حجر حفظ اللسان "بالامتناع عن النطق بما لا يسوغ شرعا مما لا حاجة للمتكلم به"، ويشير النووي إلى ما يعين المتكلم على حفظ لسانه فيقول: "وينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل نطقه، فإن ظهرت مصلحته تكلم به وإلا أمسك لسانه"، "فالضابط الأساسي لحفظ اللسان الحذر من التسرع في الكلام، والتدبر والتفكر قبل إخراجه ووزن الكلمة في ميزان الشرع، وابتغاء المصلحة الشرعية وإلا فعليه أن يمسك لسانه". ومن حفظ اللسان حمايته من الخوض فيما لا يعني ولا يغني، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد وجه المسلم لاغتنام طاقاته فيما ينفع، وترك ما يضر ففي الحديث الصحيح: "إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا

_ 1 صحيح الإمام مسلم، المقدمة رقم "5".

"يعنيه" 1 ومن سوء استعمال اللسان أن يطلق له العنان، والأصل في اللسان الحفظ والصون قال -صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع" 2.

_ 1 سنن الإمام الترمذي، كتاب الزهد: "33/ 2240". 2 أخرجه الإمام مسلم: "ص33" من هذا الكتاب.

العجب والغرور

5- العجب والغرور: قال الغزالي في كتابه: "إحياء علوم الدين" في تعريف العجب: "العجب هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم"، فبناء على هذا التعريف أقول: إن الداعية أرفع وأسمى من أن يقع في الغرور، والعجب بعمله أو بقوله؛ لأن الداعية لا يريد من دعوته جزاءً ولا شكورًا، ولا تعظيمًا من أحد. ومعلوم أن العمل إذا دخله العجب، والرياء وحب المديح والظهور بطل. ومن المعلوم أن من طبائع الناس أنهم لا يقبلون ممن يستطيل عليهم أن يبدو منه احتقارهم أو استصغارهم، ولو كان ما يقوله حقًّا وصدقًا. إن الداعية الحق لا يصيبه اليأس ولا القنوط من صدود الناس ونفرتهم، بل هو دائم العمل والحركة حيثما حل وأينما كان. ولا ينشغل عن الدعوة إلى الله بالمجادلة، والتعصب للرأي مع إخوانه في طريق الدعوة، ومن واجب طلبة العلم والدعاة إذا تحاوروا فيما بينهم أن ينزع كل واحد منهم هذا المرض -العجب والغرور- من نفسه. ومن أسباب العجب والغرور: الإطراء والمديح في الوجه، دون مراعاة للآداب الشرعية المتعلقة بذلك، فهناك فريق من الناس إذا أطري ومدح في وجهه اعتراه خاطر أنه ما مدح إلا لأنه يملك من المواهب ما ليس لغيره، وما يزال هذا الخاطر يلاحقه، ويلح عليه حتى يصاب بالإعجاب بالنفس، ولذلك ذم الرسول صلى الله عليه وسلم الثناء، والمدح في الوجه كما جاء في الحديث: عن المقداد بن الأسود -رضي الله عنه- قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نحثي في وجه المداحين التراب"1،

_ 1 صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب النهي عن المدح إذا كان فيه إطراء.

وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: مدح رجل رجلًا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ويحك قطعت عنق صاحبك مرارا، إذا كان أحدكم مادحًا صاحبه لا محالة فليقل: "أحسب فلانا والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدًا" 1، فلا تستكبر على أحد وتغتر بعلمك ومنزلتك عند الله، حتى حين ترى الفاسق فتستعلي عليه، وتعامله بأسلوب المتسلط المستكبر المستعلي. عن جندب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدث أن رجلًا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: "من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان؟ فإني قد غفرت له وأحبطت عملك" 2. واعلم أن العمل قد لا يقبل إذا عظم في عينك قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} 3، ولهذا قال بعض السلف: "لو أعلم أن الله قبل مني تسبيحة لتمنيت أن أموت الآن"، والمستكبر المعبج بعمله صاحب نفسية متعاظمة لا يكاد يثني على أحد أو يذكره بالخير، وإن احتاج إلى ذلك شفعه ببعض عيوبه، فهيهات أن ينصاع أو يلين، وما ذاك إلا لمركب النقص في نفسه، ولهذا كان من كمال الإنسان أن يقبل النقد، والملاحظة بدون حساسية أو انزعاج أو شعور بالخجل والضعف، ها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يحمل الراية ويحمل شعار: "رحم الله امرءًا أهدى إلينا عيوبنا"، فعليك أخي الداعية أن تحمل هم الدعوة، وأن يكون شعارك الإخلاص، وأن تبعد عن نفسك حب المدح والإطراء، وعلى الداعية إلى الله أن

_ 1 صحيح البخاري، كتاب الأدب باب ما يكره من التمادح. 2 رواه مسلم كتاب البر والصلة والآداب: "2621". 3 سورة المائدة، من الآية: 27.

يعمل ويجد حتى لو لم يجد تشجيعا، أو مناصرة أو مساندة من الزملاء في العمل أو من مرؤسيه؛ لأنه يعمل لله، والله هو الذي يعلم ويسمع ويرى لا تخفى عليه خافية من عملك فهو الرقيب عليك، فلا تنتظر مدحا أو إطراء أو تشجيعًا من أحد؛ لأن عملك ليس لهم، والجزاء المترتب على العمل ليس من عندهم، فماذا تنتظر منهم بعد ذلك؟ للأسف بعض ضعيفي النفوس والتي قعدت بهمالهمة يقول أحدهم: أصبت بالإحباط؛ لأن عملي مجهول بالنسبة للناس، فهو يريد الإطراء والمدح ويسميه تشجيعًا، وهذا في الواقع خطأ. والصحيح أنه إن أتى من الناس تأييد وموآزرة فحسن، وإن لم يحصل شيء من ذلك، فليس غريبًا وليس مثبطًا عن السير في هذا الطريق، بل عليك أن تسير بخطًا ثابتة، ويقين صادق واحذر العجب والغرور، فإنه مبطل للعمل. كما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: حدثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ... ". الحديث1. فاحذر أخي الداعية من العجب والغرور، فإنه قد يدخل على نفس الداعية من حيث لا يشعر. "فمن مداخله: 1- أن يعجب الداعية كل العجب ببلاغته، وجمال منطقه وحسن إدارته وطلاقة لسانه. 2- أن يغتبط ويسر ويفرح حين يتحدث الناس عن أعماله ونشاطه، ومدى أثره، وتأثيره فيصيبه الغرور. 3- أن يعتقد الداعية أنه أصبح ذا شهرة علمية، وشخصية دعوية عالمية.

_ 1 انظر الحديث: "ص22" من هذا الكتاب.

4- أن يقتنع أنه إذا عالج في المجتمع مشكلة، أو أصدر في مجال العمل الإسلامي رأيًا لا يستطيع أحد أن ينحو نحوه، أو أن يأتي بمثله. 5- أن يرى الناس يعظمونه، ويثنون عليه، ويقومون على خدمته. 6- أن يجد المدعوين قد ازدحموا على درسه، ووثقوا به وتجمعوا حوله. إلى غير ذلك من هذه المداخل الشيطانية التي تجخل على نفوس بعض الدعاة، وتجعل منهم أناسًا يغترون بمواهبهم، ويعجبون بأنفسهم"1. "وقد يقول قائل: كيف يتحول بعض الدعاة من الإخلاص إلى المراءاة والمنافقة، ومن الولاء للإسلام إلى الولاء للفسوق، والكفر، والعصيان؟ وكيف ينحرفون وقد نشئوا في الدعوة، وتربوا على الإسلام؟ أقول: إن من أهم العوامل التي جعلت أولئك يتساقطون على درب الدعوة، وينحرفون عن طريق العمل الإسلامي، هو استشرافهم للزعامة، والوصول إلى السيادة، وتطلعهم إلى الرئاسة والجاه، فلما رأوا الطريق إلى تحقيق هذه الغاية طويلًا، والبلوغ إلى الرئاسة والجاه بعيدا، انحرفوا عن الجادة، وتحولوا عن المسيرة ليصيبوا دنيا زائلة، ويحظوا بزعامة فانية، وهكذا يفعلون"2.

_ 1 من كتاب عقبات في طريق الدعوة، عبد الله ناصح علون: "1/ 64". 2 المصدر السابق: ص "137".

لابد أن تكون يدك ندية

6- لا بد أن تكون يدك ندية 1: الكرم والجود من صفات المسلم، بل من سنن الأنبياء، فقد ورد في القرآن الكريم، خبر إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع ضيوفه عند ما راغ إلى أهله، فجاء بعجل سمين. وكان نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أجود من الريح المرسلة في الخير، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر. قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب أن صفوان قال: "والله؟ لقد أعطاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إلي. فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي"2. وعن أنس -رضي الله عنه: "ما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام شيئًا إلا أعطاه". قال: "فجاء رجل فأعطاه غنمًا بين جبلين، فرجع إلى قومه. فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة"3. ومن مظاهر الكرم والجود، الإهداء والهدية، فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "تهادوا تحابوا" 4 نعم إن الهدية تورث المحبة، ولها ذكرياتها الخاصة فينبغي للداعية أن لا يبخل بشيء من الهدايا، ولو كانت متواضعة وقليلة، فعلى الداعية إذا أراد أن يكسب قلوب الناس أن تكون يده ندية بتقديم الهدية، التي من شأنها أن تقرب الداعية إلى

_ 1 كناية عن الكرم، والجود بالموجود، دون إسراف ولا تقتير. 2 لقد أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- صفوان بن أمية بعد الفتح، وبعد غزوة حنين مائة من الغنم، ثم مائة من الغنم، ثم مائة من الغنم. رواهما الإمام مسلم كتاب الفضائل الحديث: 59، "2313"، "4/ 1806". 3 صحيح الإمام مسلم كتاب الفضائل الحديث: 57 "2312"، "4/ 1806". 4 البيهقي في الكبير: "6/ 169"، وانظر إرواء الغليل: "6/ 44".

قلوب الناس، وبالتالي يستطيع أن يملي عليهم ما يريد، ويكسب قلوبهم فيبوح المدعو بما لديه من آلام ومشاكل سببت له الحيرة والقلق، ينشد عندك أيها الداعية الحل والعلاج، الأمر الذي يجعلك تضع العلاج لمشاكله، وآلامه التي يعاني منها، وهنا تأتي فرصة الداعية، وهي ربط تلك القضايا بالدين، وأنه الحل الوحيد لكثير من القضايا الاجتماعية والمالية وغيرها، وعندها يستطيع الداعية غرس الإيمان في قلوب من يدعوهم، حتى يتمكن الإيمان من سويداء القلب، فيعيش الداعية والمدعو في ظلال هذا الإيمان، وتحت شجرته الوارفة الظلال، شعارهم العمل الدائب، والإخلاص لوجه الله سبحانه وتعالى. وبعد تمكن الإيمان يستطيع كل منهم أن يبذل، ويضحي وبين الكرم والتضحية ارتباط وثيق، وصلة قوية، فالمجاهد يجود بنفسه، وهذا غاية الجود، والمتحرر من شهوة المال يكون أقدر على الجهاد من البخيل بماله، وصاحب الكرم لا بد أن يكون شديد التوكل عظيم الزهد قوي اليقين. إن ديننا بماله من أهداف عظيمة يحتاج إلى النفوس الكريمة التي يفيض خيرها على الأقربين، واليتامى والمساكين، ومن الصفات المميزة لمن تأصلت فيه خصلة الكرم أنه لا يرد أحدا يسأله، وقد كان هذا حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما سئل عن شيء قط فقال: لا، ومن أوجب الكرم معاملة الكرام بما يستحقون في الضيافة وغيرها، فقد ثبت في الحديث عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه" 1، وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على الضيافة كمظهر من مظاهر الكرم، والجود: "من كان يؤمن بالله واليوم

_ 1 سنن ابن ماجه، كتاب الأدب: "3756".

"الآخر فليكرم ضيفه"، فأنت أيها الداعية أولى بأن تتلبس بهذا الخلق وهذه الصفة بل هذا النهج النبوي الكريم، واحذر البخل فإن البخيل بعيد من الله بعيد من الناس. والمقصود بالبخيل كما عرفه صاحب عقبات في طريق الدعاة1 قال: "هو التقتير الشديد -مع السعة في الرزق- عن كل ما تتطلبه مسئولية الإنفاق العامة والخاصة، سواء ما يتعلق منها بنفقته على المجتمع في تحقيق تكاليفه، أوترميم كوارثه، أو دفع الاعتداء عنه". انتهى كلامه. فالبخل من الآفات القبيحة في المسلم، وخاصة إذا ظهرت في الداعية، وذلك حين يتقبل الهدية ولا يثيب عليها، ويعتاد الجلوس على الموائد، ولا يكافئ الداعين بمثلها، ويحث الناس على الإنفاق في سبيل الله، ولا ينفق في سبيل الله، وهذا الخلق وهو الشح والبخل يسبب النفور، ويستدعي القدح والذم، ولا سيما إذا كان الداعية محط أنظار الناس، ومعقد أملهم ورجاء ثقتهم. أذكر أننا زرنا مركزاً دعويًّا، وقد قدمنا من مسافات بعيدة، فلم يضيفونا، ولم يحتفوا بنا كما هو معروف ومألوف عند العرب حتى قبل الإسلام، فمثل هذا البخل لا يصلح ولا يليق بمسلم، فكيف بالداعية إلى الله. فإن الدعوة تريد منك يدًا ندية باذلة سخية، يدًا تمتد إلى كل من يحتاج العون، والمساعدة من إخوانك المسلمين، أنفق ينفق الله عليك، وتقرب إلى قلوب الناس بالكرم والجود، يكن له أثر وتأثير في قلوب الناس، ومن ذلك المكافأة لمن صنع لك معروفًا، فإن لم تجد فادع له، إن مكافأة من أحسن إليك خلق فطري، ولا يشكر الله

_ 1 لمؤلفه الأستاذ/ عبد الله ناصح علوان: "ص116".

من لا يشكر الناس، وهذه الخصال الحميدة تجعل الداعية قريب من الناس محبوب في المجتمع، مقبول في دعوته، إن المكافأة أو الهدية ابتداءً لها وقع في النفس. ومن أهدى لك شيئًا فكافئه فإن لم تجد فادع له عن ابن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من استعاذ بالله بأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أتى إليكم معروفًا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه، فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه ومن استجاركم فأجيروه" 1 أيها الدعاة إلى الله تعالى أنتم أصحاب النفوس العالية، والهمم الرفيعة تحيون المعروف بين الناس، فلا تدعون محسنا إلا كافأتموه، ولا مسيئا إلا وجهتموه، وأرشدتموه إلى فعل الخير، وفي تقديري أن الداعية إلى الله إذا تدبر الآيات القرآنية، وأمعن النظر في الحاديث النبوية في ذم البخل والشح، والترف والإسراف، فإنه يربأ بنفسه أن يكون شحيحًا بخيلًا، بل ينهج في حياته المعيشية نهج الإسلام في دعوته إلى الوسطية والاعتدال، بل ينهج في بذله، وإنفاقه وأخذه وعطائه منهج الأسخياء الأتفياء الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله، وفي سبيل مصالح الدعوة الإسلامية، ذلك؛ لأن السخي قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من الناس. قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الترمذي، عن أبي هريرة -رضي الله عنه: "السخي قريب من الله قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار" 2 إن الداعية، وهو وارث أخلاق النبوة حري به أن يتخذ البذل والعطاء خلقا له، والكرم والسخاء من سجاياه من غير إسراف ولا تبذير، ومن غير شح ولا تقتير.

_ 1 مسند الإمام أحمد، باب المكثرين من الصحابة: "5709". 2 سنن الترمذي، كتاب البر والصلة: "1961".

القول بلا علم

7- القول بلا علم: الداعية يصول ويجول، يدعو هذا ويلتقي بذاك، ويجلس في المجالس العامة، ويدعو أفرادًا وجماعات، يقوم بإعداد محاضرة، أو خطبة جمعة، أو إعداد ندوة أو المشاركة فيها، أو كتابة مقالة يلقيها في البث المباشر عبر إحدى وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة، وكثيرا ما يسأل الداعية في معظم هذه المناسبات وهذه اللقاءات. فلا بد أن يكون كيسا فظنًا، وأن يعرف من أين تؤكل الكتف -كما يقال- كما أن عليه أن يعرف ويتأكد مما يقول، وأن يزن ذلك بميزان الشرع والحكمة. فبعض الأسئلة مثلا، تستشف منها أن صاحبها لا يقصد الفائدة، وإنما يقصد منها التعجيز أو الإحراج، أو إيقاع الداعية في مشكلة اجتماعية أو سياسية، فينبغي للداعية أن يعلم هذا ولا يتسرع بالجواب إلا بعد معرفة الهدف من السؤال، ولا يتعجل بالكتابة أو المحاضرة، أو خطبة الجمعة إلا بعد أن يزنها بميزان الشرع، ولا يقوم بإصدار حكم إلا وهو موافق للشرع، وأن يكون لكل سؤال جواب يناسبه من الشرع، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قد سئل سؤالًا واحدًا، وكان الإجابة متعددة. من ذلك على سبيل المثال، أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة في وقتها. وقال: لآخر. الجهاد في سبيل الله، وقال لثالث: بر الوالدين فإذا قصد السائل من سؤاله الفائدة، فلا بد من توضيح الجواب مقرونًا بالدليل من الكتاب والسنة ومن أقوال الأئمة الأعلام، وإذا كنت لا تعلم الإجابة، فقل: لا أعلم فمن قال: لا أعلم فقد أفتى. ولا غضاضة في ذلك. فقد سئل الإمام مالك عن عدة مسائل كثيرة، فأجاب على أربع،

وقال عن الباقي: لا أعلم، وكثير من الصحابة كانوا لا يتجرءون على الفتيا إلا للضرورة، وبعد التأكد من المسألة حتى تصبح عندهم مثل الشمس في رابعة النهار، أما محاولة الإجابة عن أي سؤال لا علم، بحيث تجعل السائل في دوامة، فلا تعطيه جوابًا صحيحًا واضحًا، بل تقول له كلامًا مبهما فيه لبس، وتلبيس قد يكون من تلبيس إبليس، لا يفهم منه شيء ولا يستفاد منه أية فائدة تذكر، هذا الأسلوب خطأ كبير، وأكبر منه أن تلوي عنق النص ليوافق هواك الخاطئ، فانتبه وتأكد قبل أن تقول على الله بلا علم، فتتعرض للوعيد الشديد. قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} 1، وقال تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} 2. فليس هناك أظلم ممن كذب على الله، وكذب بالصدق إذ جاءه. ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "إن كذبًا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" 3. فليحذر الذين يبادرون إلى الفتوى بغير علم، وليحذر الذين يشيعون الأحاديث المنكرة والموضوعة من المشاركة في الفتوى بغير علم.

_ 1 سورة الزمر: الآية 32. 2 سورة الزمر: الآية 60. 3 أخرجه البخاري ومسلم، انظر تخريج الحديث: ص32 من هذا الكتاب.

الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية

8- الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية: من الآداب التي يجب على الدعاة وطلبة العلم الاتصاف بها، عند المناصحة والمحاورة أن يحافظوا على صفاء القلوب والخواطر، أخذًا بقول من قال: "واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، وقدوتنا في ذلك السلف الصالح من الصحابة والتابعين، فإنه لم ينشأ بينهم خلاف فيه هجر، وكراهة، فقد كان الاختلاف ينشأ بينهم أحيانا بأدب رفيع، وناقش جاد لا حاد، هدفهم الحق، فمتى اتضح الحق لأحدهم انصاع له، وفعلًا قد حصلت وحدثت بينهم محاورات ومناقشات كثيرة، ليس هذا مكان ذكرها، فليرجع إليها من أراد معرفة ذلك في كتب السير والمراجع وغيرها، ولا حرج أن تختلف مع عالم أو داعية، في رأي أو اجتهاد، متى كنت أهلًا لذلك، لكن الحرج كل الحرج، أن يتحول هذا الخلاف إلى معول هدم، وتنقص من قدر هذا العالم، والحط من مكانته والتشهير به وسوء الأدب معه، وإن حصل هذا من الدهماء والعامة، أو من أهل البدعة والضلال، فإنه لا يجوز بحال أن يقع من أهل السنة والجماعة، ومن طلاب العلم الشرعي ومن الدعاة خاصة، والخلاف باختلاف المقاصد، واختلاف الأحوال، شيء لا بد من حصوله، وهو الاختلاف في الرأي، وفي وجهات النظر وفي الأسلوب الأمثل للدعوة، فالخلاف الناشئ بين الأمم في العقائد، والأحكام والشرائع سبب في إرسال الرسل، وتوالي الكتب السماوية قال الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} 1، ويكون الخلاف غالبًا في أمور الدين

_ 1 سورة البقرة: الآية 213.

والدنيا صغيرها وكبيرها، ولعل من أسباب ذلك تباين الطبائع فالناس مختلفون في عقولهم، وأفهامهم وفي ميولهم ورغباتهم، وفي تنشئتهم وثقافاتهم ناهيك عن اختلاف الهمم، فعلى الدعاة والحالة هذه مراعاة الآداب الشرعية في ذلك. لكن الداعية مطلوب منه موقف شرعي مرجعه الكتاب والسنة. قال الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} 1. وفي هذه الآية الفصل الحق لمن أراد الحق من الخلاف. وهناك أمور خلافية رفع بعض الدعاة شعارها، وحمل رايتها وأخذ يدعو لها ويدافع عنها؛ ألا وهي ما يسمى بالوحدة الوطنية وجمع الكلمة ونسيان الخلاف، دون تحديد ضابط دقيق لمن يمكن الوحدة معهم، ومن تجب مفاصلته لبدعته وضلالته وانحرافه، وفي الطرف الآخر هناك من يبالغ في الشروط، حتى إنه ليريد من الناس أن يوافقوه في كل شيء حتى في اجتهاداته الشخصية الفردية، وآرائه الخاصة، فإذا خلفه أحد في ذلك أعرض عنه، بل يتخذ منه موقفًا مناوئًا لا يقيم له وزنًا ولا يرى له قدرًا، بينما العدل، يقتضي تقبل الخلاف فيما يسوغ الخلاف فيه، كالوسائل في الدعوة، والفرعيات، وبعض الأحكام التي اختلف فيها العلماء السابقون، أما التسامح مع أهل البدع الاعتقادية الغليظة، والانحرافات الجوهرية، بحجة توحيد الصف وجمع الكلمة فمسلك خاطئ، يختلط فيه الحابل بالنابل، والحق بالباطل، ومعلوم أنه لا يجتمع حق وباطل في خندق واحد،

_ 1 سورة الشورى: الآية 10.

بل لا بد من التميز، ليميز الله الخبيث من الطيب. فتنبه لهذا وكن على حذر من أمرك، فما أحوج طلبة العلم وشباب الدعوة إلى أن يتأدبوا بآداب الإسلام الشرعية، ويتخلقوا بأخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة وسلف الأمة في مناصحتهم لولاة المسلمين وعامتهم. دون التشهير وإثارة الخلاف. كما على الدعاة أن يتحلوا أيضًا بهذه الصفات الشرعية والأخلاق النبوية فيما بينهم إذا تحاوروا في مسألة من المسائل الشرعية، حفاظا لأنفسهم من الوقوع في الفتنة والتشهير والجدال والخصام. قال الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} 1. فالتنازع والنزاع، والاختلاف شر كله، ومذهب للقوة، ومسبب للضعف وللشحناء والبغضاء، وقاتل للوقت ومضيع للجهد، ومفرق للجماعة، ومضعف لجهودها، بينما ينتج عن التطاوع -وهو الاستعداد من الطرفين بالتنازل عن بعض الأمور- الألفة، والقوة، والمحبة، والتعاون، والراحة النفسية، وكثرة الإنتاج، والرخاء في المعيشة، وخلق التطاوع كان واضحا بين الصحابة، وقد كان من دعائه -صلى الله عليه وسلم- كما روت عائشة -رضي الله عنها- عندما سألها عبد الرحمن بن عوف بأي شيء كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم- بفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: "اللهم رب جبرائيل، وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات، والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" 2. وأخطر ما يكون التنازع في

_ 1 سورة الأنفال: الآية 46. 2 صحيح الإمام مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها "770".

مواقف الجهاد والدعوة. ولذلك كان من وصاياه -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ وأبي موسى الأشعري قبل إرسالهما إلى اليمن قال: "يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا" 1. ويكون محرجا عند ما يتنازع داعيان فاضلان حول مسألة شرعية، والناس بأعينهم ينظرون، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم" 2، وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- عندما يسوي صفوف الصلاة أن يقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم" 3، تأمل أخي الداعية حتى الاختلاف في صفوف الصلاة قد ينعكس أثره على تأجيج اختلاف القلوب، وكلما كان احتكامنا للشرع صالحًا نكون أبعد عن مهاوي الفرقة والاختلاف، فيجب على عقلاء الأمة، وأصحاب الرأي والعلم دفع كل خلاف، وفض كل نزاع، والمبادرة إلى الأخذ بكل ما يوحد الصفوف، ومن ذلك فعل عمر -رضي الله عنه- في مبايعة أبي بكر عندما كثر اللغط قال: أمدد يدك أبايعك فتتابع الناس، ويكون بهذا العمل كما قيل في المثل: "قطعت جهيزة قول كل خطيب". لا شك أنه كلما زادت الروابط بين أفراد فريق العمل الواحد كلما زاد تماسكه، وكلما زاد تماسكه زادت قوته في التأثير على أفراد المجتمع، فقد دلت الأبحاث على أن كثيرًا من الأفراد ينصاعون لرأي الجماعة المتماسكة حتى ولو كان ذلك مخالفًا لرأيهم، فقرار الجماعة المؤمنة من أقوى القرارات في تعديل بعض الاتجاهات المخالفة، وتلافي السلبيات، ومما يعين على المطاوعة والتنازل، التزام حدود

_ 1 صحيح الإمام البخاري، كتاب الجهاد والسير: "3038". 2-3 صحيح الإمام مسلم، كتاب الصلاة: "432".

الشرع وطاعة الأمير، وقد يكون أمر أميرك -في عمل أو سفر- مخالفا لما تميل إليه، فعليك طاعته، فإن ذهب كل امرئ حسب هواه فسنرى اختلافًا كثيرًا، وإن أطاع أميره وتنازل عن رأيه فتلك هي السنة، وإنما يكون هلاك الأمة باختلافها كما جاء في الحديث الصحيح: "لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا" 1. وينبغي أن يدرك الداعية أن الله الذي رضي الإسلام دينًا خلق عقول الناس، وأفهامهم متفاوته فنشأ الخلاف، لكن المحذور في الخلاف أن ينشأ عن هوى أو ممن لم يستكمل أهلية الاجتهاد الشرعي وشروطه. أما الاختلاف بين من استكملوا أهلية الاجتهاد الشرعي، وشروطه فهذا أمر عادي لم ينكره الشرع ففي الحديث الصحيح عن عمرو بن العاص أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" 2. وقد أقر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الاجتهاد الناشئ عن الاختلاف في فهم النص، فعندما قال للصحابة بعد غزوة الأحزاب: "لا يصلين أحدكم العصر إلا بني قريظة" 3. فهم بعض الصحابة أن الأمر للحث على السرعة في المشي وصلوا العصر قبل غروب الشمس، وفهم البعض الآخر أن وقت العصر الشرعي أصبح في هذا اليوم حين يصلون إلى بني قريظة وصلوه بعد وقته الأصلي، وبعد أن غربت الشمس ووصلوا

_ 1 صحيح الإمام البخاري، الخصومات: "27/ 2233". 2 رواه الإمام البخاري، كتاب الاعتصام: "7352"، ورواه الإمام مسلم، كتاب الأقضية "1716". 3 رواه الإمام البخاري، كتاب المغازي: "4119".

إلى بني قريظة، وأقر -صلى الله عليه وسلم- الفريقين ولم ينكر على أحدهما. "إن مما يحقق الهدف المرجو أن يقوم تفاهم، وتعاون بين الدعاة إلى الله وتنسيق في خطواتهم، حتى يكمل بعضهم بعضًا. علما أن واجب الدعوة ونشر دين الله لا يتم إلا بقيام متفرغين1، عندما يتوفر المتفرغون، فإن التفاهم فيما بينهم يكون أمرًا ميسورًا، وعندما تضمن وجود أناس متفرغين للدعوة في كل بلد من بلاد المسلمين نستطيع أن نطمئن إلى أن الواقع الحالي آخذ بالتغيير"2. وأخيرًا نقول: إن الخلاف أمر حذرت منه الشريعة، وإن كان الخلاف موجودًا فينبغي أن لا يفسد الود ولا يمنع التعاون على البر والتقوى بين الدعاة وغيرهم، "ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك".

_ 1 هنا وهناك الكثير ولله الحمد من الدعاة المتفرغين للدعوة إلى الله تعالى في داخل المملكة العربية السعودية، وفي خارجها عن طريق وزارة الشؤون الإسلامية، والتي قد لا تخلو منها بلد أو دولة من الدول الإسلامية، وحتى غير الإسلامية إلا وفيها دعاة متفرغون لهذا العمل كما هو ممثل في مراكز الدعوة، والإرشاد ودعوة الجاليات داخل المملكة وخارجها. 2 من كتاب "من صفات الداعية" تأليف محمد الصباغ: "ص60".

الداعية صاحب همة

9- الداعية صاحب همة: والهمة تقتضي المبادرة في فعل الخيرات، والثبات عليها والاستمرار دون ملل أو سأم والدوام على ذلك، وهذا دأب رجال الدعوة إلى الله تعالى في كل زمان ومكان، عن علقمة قال: قلت لعائشة -رضي الله عنها: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يختص من الأيام شيئا؟ قالت لا: "كان عمله ديمة وأيكم يطيق ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يطيق" 1. وضده التأخير والتسويف، صورة من صور الضعف البشري التي قد تعتري صاحب الهمة العالية فيفوته خير كثير، وهذا ما أحرق قلب كعب بن مالك، إذ فاته الغزو مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم، عاش بعدها كعب فترة من العذاب النفسي خمسين يومًا من الهجران إلى أن نزلت توبته من فوق سبع سماوات، عاش على ذلك الضيق نتيجة تباطؤ وتسويف انزلق إليه، وكلما ضعف الإيمان ضعفت الهمة عن فعل الطاعات، فكن أخي الداعية صاحب همة عالية، واستعن بالله ولا تعجز، ولا تكل ولا تمل، فأنت صاحب همة عالية وهدف نبيل، كما أنك صاحب رسالة سماوية تسير على هدى ونور من الله تعالى، فإياك إياك أن تخبو جذوة الإيمان في قلبك فتهلك وتهلِك، وصاحب الهمة العالية يستمر في المسير ولا يتوقف في تبليغ دعوة الله تعالى، ونبذ العزلة والانطواء، ثم متابعة المسيرة في إعزاز دين الله تعالى، ومن الأمثلة على ذلك. أبو بكر -رضي الله عنه، صاحب الهمة العالية، والقلب الكبير فقد روت لنا كتب التأريخ

_ 1 صحيح الإمام البخاري: "1987"، وعند مسلم: "هل كان يخص شيئًا من الأيام؟ قالت لا: كان عمله ديمة وأيكم يستطيع ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستطيع" "783".

والسير بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- صموده حيث قال قولته المشهورة: "من كان يعبد محمدًا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت". من كان يظن أن تقوم للإسلام قائمة، بعد أن تولى أبو بكر -رضي الله عنه- الخلافة، فبعد بيعته -رضي الله عنه، عظم الخطب واشتد الحال، ونجم النفاق، وارتد من ارتد من أحياء العرب، وظهر مدعو النبوة، وامتنع قوم عن أداء الزكاة، ولم يبق للجمعة مقام في بلد سوى مكة والمدينة، وأصبح المسلمون كما يقول عروة بن الزبير -رضي الله عنه: "كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية لفقد نبيهم، وقلة عددهم وكثرة عدوهم. حتى وجد من المسلمين من قال لأبي بكر -رضي الله عنه: "يا خليفة رسول الله أغلق بابك، والزم بيتك، واعبد ربك حتى تأتيك اليقين". أي الموت، ولكن خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاحب الهمة العالية والقلب الكبير الثابت الذيث يستمد قوته من خالقه، ومعبوده قاهر الجبابرة وكاسر الأكاسرة، لم يصب بعجز ولم يستحوذ عليه قنوط ولا يأس، وإنما واجه هذه الأحداث الجسام كلها بإيمان راسخ وعزيمة ثابتة، وشجاعة نادرة، وتفاؤل عظيم. "وهو الذي قال للدنيا في غمرة الفتن، والأحداث "لا ينقص الدين وأنا حي"، فهو صاحب همة عالية وعزيمة راسخة، وهو الذي قال لعمر -رضي الله عنه- حين جاءه يعارضه في قتال مانعي الزكاة: "مه يا عمر: رجوت نصرتك، وجئتني بخذلانك، أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام؟؟؟ ماذا عسيت أن أتألفهم بسحر مفتعل أم بشعر مفترى؟ هيهات هيهات؟؟ مضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وانقطع الوحي، فوالله لأجاهدنهم ما استمسك السيف

في يدي، ولأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فوالله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليه". فقال عمر: "ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال، فعلمت أنه الحق فلم يزل صاحب الهمة أبو بكر -رضي الله عنه- يخطط ويعمل، ويجاهد ويجند الجيوش ويبعث البعوث، ويقضي على الفتن، حتى استطاع بتوفيق من الله أن يتغلب على الصعاب، وأن يخمد الثورات، ويمحق المرتدين، ويقاتل مدعي النبوة، ويحارب مانعي الزكاة.. وأن يعيد للمسلمين عزتهم، ولليائسين تفاؤلهم، وللإسلام دولته، وللخلافة هيبتها؟؟ "1. وهكذا يصنع صاحب الهمة العالية صاحب الإيمان القوي الراسخ المعجزات، ويخمد الثورات بنصر من الله، حري بأصحاب الدعوة إلى الله أن يكونوا من هذا الصنف في المضي في الدعوة إلى الله تعالى مهما كانت الظروف، ومهما كانت العقبات، فالداعية بحكمته ولباقته يستطيع بإذن الله تعالى تذليل الصعاب، ومعالجة الخلافات التي قد تعترض طريق الدعاة، فطرق الدعوة كثيرة، ومجالاتها متعددة، فكلما أغلق باب من أبواب الدعوة، أوسد طريق من طرقها فتح الله لك غيره، بل قد يكون خيرًا منه، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، والله هو المدبر والهادي إلى سواء السبيل.

_ 1 من كتاب "عقبات في طريق الدعاة" تأليف عبد الله ناصح علوان أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة "1/ 241".

من خلق الداعية التواضع والقناعة

10- من خلق الداعية التواضع والقناعة: وخلق التواضع من الأمور الأساسية للداعية، بل لكل مسلم، فهو خلق عظيم أمر به القرآن الكريم، وتخلق به النبي -صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 1 فخلق التواضع من الأمور المهمة للداعية إلى الله تعالى، ومن التواضع أن يتواضع المرء مع أقرانه، وكثيرًا ما تثور بين الأقران، والأنداد روح المنافسة والتحاسد، ربما استعلى الإنسان على قرينه، وربما فرح بالنيل منه، والحط من قدره وشأنه، وعيبه بما ليس فيه، أو تضخيم ما فيه، ومن التواضع معرفة قدر النفس بألا ينظر الداعية إلى عمله ويكبر في عينه، ومن التواضع التواضع مع من هو دونك، فإذا وجد الداعية من هو أصغر منه سنًّا أو أقل منه قدرا فلا يحقره، بل يتواضع له -فمن تواضع لله رفعه. ومن التواضع قبول النصيحة من أي إنسان، فإن الشيطان يدعوك إلى ردها، وسوء الظن بالناصح. والتواضع لعامة الناس قد أمر الله به في محكم التنزيل قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} 2. ومعنى ذلك أن من أوصافهم، أنهم يرأفون بالمؤمنين، ويرحمونهم ويلينون لهم الجانب، ويغلظون على الكفار ويعادونهم، والمؤمن

_ 1 سورة القلم: الآية 4. 2 سورة المائدة: من الآية 54.

الشديد على الكفار يتراحم مع المؤمنين، واللائق بالمؤمن العزيز على الكفار، أن يتعامل بالذل مع المؤمنين {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} 1، وقد كان عمر الفاروق -رضي الله عنه- يدرب ولاته على الذلة للرعية، وينهاهم عن إذلال الناس، كما يعلم الناس أن يعيشوا كرامًا، ومما جاء في خطبة له: "ألا إني والله ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسنتكم، فمن فعل به شيء سوى ذلك فليرفعه إلي، فوالذي نفسي بيده إذا لأقصنه منه.. ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم"2. وفي خلق التواضع الاعتراف بالخطأ، والرجوع عنه عندما يتضح لك ذلك، ويعبر عن ذلك ابن القيم: "من أساء إليك ثم جاءك يعتذر عن إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته -حقًّا كانت أم باطلًا- وتكل سريرته إلى الله تعالى، وعلامة الكرم التواضع: أنك إذا رأيت الخلل في عذره لا توقفه عليه ولا تحاجه"3. وليس من خلق التواضع إذلال الناس، فمن أذلك عباد الله، فقد أعلن الحرب على الله قال: في الحديث القدسي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال الله عز وجل: "من أذل لي وليًّا فقد استحل محاربتي، وما تقرب إلي عبدي بمثل الفرائض، وما يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه إن سألني أعطيته، وإن دعاني أجبته ... " الحديث4 إن الداعية

_ 1 سورة الحجر: من الآية 88. 2 مسند الإمام أحمد. 3 تهذيب مدارج السالكين. 4 مسند الإمام أحمد باقي مسند الأنصار "25661".

وهو يتصدر قيادة الناس وتوجييهم، وكسب قلوبهم لا بد أن يتمتع بقدر كبير من التواضع، ولذلك أمر الله تعالى نبيه بقوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} فإذا أردت أن تكسب أنصارًا لدعوتك، ومتبعين لمنهج الحق، فعليك بالتواضع، واحذر العجب والكبر. يقول الفضيل بن عياض: "تواضع المؤمن بأن يخضع للحق، وينقاد له، ويقبله ممن قاله"، وهذا الخضوع للحق هو عين التواضع والعز؛ لأنه طاعة لله ورجوع إلى الصواب، وتعويد للنفس أن لا تصبر على باطل؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما نقصت صدقة مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" 1، ما أكثر هذه الخصال في الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وما أقلها في وقتنا الحاضر الذي نشأ فيه التعصب المقيت للأشخاص وللمذاهب والطرق، وهذا ناتج عن ضعف الإيمان بما تحويه هذه الكلمة من معان كثيرة، ومن الصفات الملازمة للداعية القناعة بما في يده، ولا تنال قناعة إلا بمجاهدة النفس مع توفيق من الله، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن حكيم بن حزام أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله" 2، والزهد فيما في أيد الناس يحبب المرء إليهم، وفي وصية موجزة، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "من يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبر الله.." الحديث3، ومن أسباب القناعة، أن ينظر المرء

_ 1 أخرجه الإمام مسلم، كتاب البر والصلة والآداب: "2588". 2 صحيح الإمام البخاري، كتاب الزكاة: "1428". 3 صحيح الإمام مسلم، كتاب الزكاة: "1053".

إلى من هو دونه ليعرف نعمة الله عليه، كما جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم" 1. ومن التواضع حفظ اللسان عن مدح النفس، واطرائها فمن تواضع لله رفعه.

_ 1 صحيح الإمام مسلم، كتاب الزهد والرقائق: "2963".

الثبات على المبدأ

11- الثبات على المبدأ: الثبات على المبدأ: المقصود به الاستمرار في طريق الهداية، والدعوة والالتزام بمقتضيات هذا الطريق، والمدوامة على الخير، وتحمل التبعات المترتبة على ذلك، وللثبات على طريق الدعوة صور منها: 1- الاستمرار والثبات في طريق الدعوة ليل نهار، سرًّا وعلانية، جماعية وفردية، على شكل زيارات وتنقلات للأقارب وغيرهم، إنها دعوة عالمية؛ لأن هذا الدين عالمي، لا يحده مكان، ولا يختص بزمان دون زمان، وليس مقصورًا على جنس ولا شعب دون شعب، ولا لون دون لون، لذا كان مجالك أيها الداعية واسعا، فكل أرض أرضك تدعو فوق كل أرض، وتحت كل سماء وفوق كل ماء، لا تحد الداعية حدود، ولا توقفه رسوم أو حواجز أو أسوار ولا تثبطه عقبات. 2- الثبات في الشدائد، والأزمات كما ثبت الربيون الكثير مع أنبيائهم مثل ثبات الفئة الصابرة مع طالوت، وثبات الصحابة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزواته الكثير وفي أزماته العديدة، ومن الكبائر في الدين الفرار من الزحف، قال -صلى الله عليه وسلم: "إياك والفرار من الزحف، وإن هلك الناس وإذا أصاب الناس موت، وأنت فيهم فاثبت" 1؛ ولأن الثبات على المبدأ وعلى هذا الدين والدعوة إليه، وتعلمه وتعليمه للناس فضيلة تشغل فكر المسلم، وقد كان من هديه -صلى الله عليه وسلم- أنه يكثر من

_ 1 مسند الإمام أحمد، مسند الأنصار: "21570".

الدعاء بالتثبيت على هذا الدين والدعوة إليه، ويخشى على نفسه في مواجهة الجاهلية أن يداهن أو يلين، ولذلك خاطبه ربه بقوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا، إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} 1. هذا هو حبيب الله وصفيه من خلقه يأتيه التهديد الشديد من السماء محذرًا إياه أنه لو ركن إلى الكفار ولو شيئًا قليلًا، لجاءه العذاب، فاحذر أخي الداعية وأنت تواجه ظلما قد انتشر، وهوى متبعا واستبداد كل ذي رأي برأيه، أن تغيير أو تبدل ولاءك وانتماءك من هذا الدين العظيم إلى غيره من الولاءات والطرق، والأهواء والمجاملات والمداهنات، والتنازلات على حساب الدعوة فتضل وتضل، فقد كان أهل الكتاب من يهود ونصارى يكيدون لهذا الدين من طلوع شمسه إلى يومنا الحاضر، فيتظاهرون بالدخول فيه، ثم يرتدون ليرتد معهم آخرون. قال تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} 2. لكن القرآن فضحهم وكشف مخططهم الإجرامي الخبيث ضد هذا الدين وأهله. فمن ينبري لهم الآن وينذر نفسه لكشف عوارهم، وفضح مخططاتهم الإجرامية ضد هذا الدين وأهله التي تحاك، وتبرم في مؤتمراتهم السرية، والعلنية بل موآمراتهم وخلواتهم إلى شياطينهم السرية، والمعلنة أحيانا ضد المسلمين، والكيد لهذا الدين العظيم، من غيرك أخي الداعية يتصدى لهذا الكيد؟، إن هذا واجبك أن تبصر إخوانك المسلمين بما

_ 1 سورة الإسراء: الآيتان 74، 75. 2 سورة آل عمران: الآية 72.

يحاك ضدهم قبل فوات الأوان، وقبل نزول القارعة بتنفيذ وتطبيق المخططات الإجرامية للقضاء على أغلى شيء لديك وهو دينك وعقيدتك، ولا تكن النملة أفقه منك عندما أنذرت قومها بخطر داهم، فصاحت في جماعتها وقومها أن يدخلوا بيوتهم، ويتحصنوا فيها خوفًا من هذا الخطر القادم، وهو سليمان وجنوده، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} 1. إن عليك أخي الداعية واجب عظيم، وهو الذب عن هذا الدي والدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه، والاستمرار على نشر تعاليمه السمحة لجميع البشر، والثبات على المبدأ القويم، والصراط المستقيم، فالعمل الدائب هو منهج الأنبياء والمصلحين إلى يوم القيامة، واحذر التغيير أو التبديل في المنهج فإنه خطر عظيم. والتغيير والتبديل في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبب لمنع هؤلاء المغيرين، والمبدلين من ورود الحوض والوصول إليه والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يا رب أصحابي أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيدعوا عليهم بقوله سحقًا سحقًا". عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتى المقبرة فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا قالوا: يا رسول الله أولسنا إخوانك، قال: أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، قالوا: يا رسول الله كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك، فقال: أرأيت لو أن رجلا له خيل

_ 1 سورة النمل: الآية 18.

"غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله"، قالوا: بلى يا رسول الله قال: "فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم ألا هلم فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك فأقول: سحقًا سحقًا" 1. وفي رواية أخرى يقال له: "والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم". فاحذر أن تكون من هذا الصنف فتحرم خيري الدنيا والآخرة، لكن الداعية إلى الله وهو على طريق البناء، والإصلاح قد يصاب بشيء من الضعف البشري، فيتعرض لمرض من أمراض القلب، أو آفة من آفات النفس أو نزغة من نزغات الشيطان، فيزل بعد نهوض، أو يضل بعد هدى أو يرائي بعد إخلاص، أو يغضب بعد حلم، أو يفتر بعد عزيمة، أو يبخل بعد كرم، أو يتشاءم بعد تفاؤل، أو يسكت بعد جرأة، أو يجبن بعد شجاعة، أو يعجز بعد صبر، أو يتعاظم بعد تواضع، فإذا أصيب الداعية -لا سمح الله- بهذه الآفات أو ببعضها، ولم يسارع إلى التخلص منها ومعالجتها، فإنه أشد ما يخشى عليه أن تزل قدمه بعد ثبوتها، أو أن يتساقط على طريق الدعوة، أو أن ينحرف عن جادة الإسلام وهو يحسب أنه يحسن صنعًا؟؟ إن الثبات على المبدأ مظهر بارز للاستقامة؛ لأن المذبذب المتقلب لا يقدر على الثبات، ولا يقوى على الاستقامة، والقول الجامع للثبات: هو عندما سئل -صلى الله عليه وسلم- عن حقيقة الإسلام قال: "إيمان وثبات". وعندما سئل أيضًا قل ليس في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك قال: "قل آمنت بالله ثم استقم" 2.

_ 1 صحيح الإمام مسلم، الطهارة: "3/ 367". 2 مسند الإمام أحمد، مسند المكيين: "14990".

والله إني لأحبك

12- والله إني لأحبك. من صفات الداعية التفاني في العمل، وإظهار الحب للناس وخاصة إخوانه المؤمنين وحب الخير لهم، نحن بحاجة إلى داعية يملك قلبًا يتحرق على واقع الإسلام والمسلمين، وعلى أوضاع الأمة في مشارق الأرض ومغاربها، يعطف على إخوانه، ويحقق قول الحق سبحانه وتعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 1، وقول رسوله -صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" 2 هكذا يكون المؤمن الداعية، يعيش هموم الدعوة ويسلك الطرق، والوسائل التي تقربه من الناس وتجعل حديثه مقبولًا، ومن ذلك إظهار الحب للناس وإيصال الخير لهم، بما يقدمه من علم نافع، وتوجيهات صائبة تكون لهم معالم في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، علما أن إظهار الحب من سنن المرسلين، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ: "والله إني لأحبك"، وكان أسامة بن زيد يلقب بحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: مر رجل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- عند النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل جالس، فقال الرجل: والله يا رسول الله إني لأحب هذا في الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه سلم: "أخبرته بذلك؟ قال: لا، قال: قم فأخبره تثبت المودة بينكما فقام إليه الرجل فأخبره فقال: إني أحبك في الله أو قال: أحبك لله، فقال:

_ 1 سورة الفتح: الآية 29. 2 رواه البخاري: "6011"، ومسلم: "2585"، وغيرهما من حديث أبي موسى الأشعري.

"الرجل أحبك الله الذي أحببتني فيه" 1، وما ينبغي للداعية أن يقول للمدعوين: أثناء حديثه معهم: -إني أحبكم في الله، وأحب لكم الخير والسعادة، والسعادة تكمن في التعاون بين أفراد المجتمع، بين الحاكم والمحكوم بين الجار وجاره2، وبين أفراد المجتمع المسلم بعضهم مع بعض وبين أفراد الأسرة، وغيرهم قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} 3، كان الشيخ محمد رشيد رضا يتألم لواقع المسلمين، وتظهر أحزانه على قسمات وجهه حين تحل بأحد المسلمين مصيبة أو قارعة، ويفرح إذا كان الأمر على العكس من ذلك، حتى إن والدته عرفت عنه هذا الخلق، فإذا رأته حزينًا كاسفًا سألته ما لك يا ولدي: أمات اليوم مسلم بالصين؟؟ وهذا هو الولاء الحقيقي للمسلمين وحب الخير لهم، ومن هذه العاطفة الجياشة التي ينبغي أن يحملها المسلم الداعية، أن يملك قلبا يتأثر لأخطاء المسلمين وانحرافه عن الدين، فيحزن لانتشار الفسق والمعاصي بينهم حزنا لا يدفعه لاعتزالهم، إنما يدفعه للعمل المتواصل معهم فهو كالطبيب يحاول إنقاذهم، فإن لم يدرك ذلك كله فليقلل من هذا الانحراف بقدر ما يستطيع، فينبغي

_ 1 رواه الإمام أحمد: "13123". 2 الجوار: يشمل الجار في السكن، الجار في المزرعة، الجار في المتجر وفي المصنع وفي العمل الوظيفي، وكذلك حسن الجوار بين الدول: "لا يؤمن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه". قال -صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمن والله يؤمن"، قيل: من يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يأمن جاره بوائقه". صحيح الإمام البخاري، كتاب الأدب: "6016" من حديث أبي شريح. 3 سورة المائدة: الآية 2.

أن تدعوه هذه العاطفة1 إلى الغيرة على نفسه، وزوجه وولده والناس أجمعين فيأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويمنعهم عن ارتكاب ما يسخط الله سبحانه وتعالى. إن عاطفة حب الناس وحب الخير لهم إذا تحركت في القلب أثمرت دعوة، ونصيحة وصار لها قبول في الأرض وتوفيق في السماء. أما حين يفقد الإنسان هذه العاطفة فيعيش لنفسه، وولده وزوجه، يعيش ليستمتع ويتلذذ بما حوله وينسى هموم إخوانه المسلمين، فإنه حينئذ يكون قد تخلى عن حقيقة الولاء للمؤمنين، وإن دندن في أحاديثه حول الدعوة، والدعاة ومصائب المسلمين، فينبغي أن تصدر الكلمات والعبارات عن حماس وغيرة على هذا الدين وأهله، والسعي الحثيث على توصيل النفع والخير إلى عموم الناس حتى يدخلوا في هذا الدين أفواجًا كما دخل أسلافهم. إن التوازن في شخصية الداعية أمر مطلوب، وإظهار الحب والشفقة واللين من الأمور الأساسية لنجاح الداعية، ومن اللين أن يتعامل مع كل حالة بما يقتضيه من الأخذ بقوة أو الرفق واللين، غير أنه يبقى أن الأصل في التعامل الاجتماعي اللين والرفق؛ لأن اللين والشفقة ظاهرة سلوكية تنبع من القلب. فحب الخير للناس وإظهار الشفقة عليهم، وحب إنقاذهم مما هم فيه من معاص، وآثام تجعلهم ينقادون مع الداعية ويتبعونه، ويتركون ما هم عليه من معاص وشر، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله. إن شخصية الداعية لتقتضي القدرة على التعامل مع كل الناس بالشفقة

_ 1 وهي الولاء للمسلمين وحب الخير لهم.

واللين، وبما أن الداعية له علاقة مع الناس، ينبغي أن تسود هذه العلاقة الشفقة، والرحمة واللين والعطف في جميع صور التعامل في جميع نواحي الحياة التي تقتضي منه السماحة، والشفقة واللين فإن الناس إذا تبين لهم واتضح لهم المقصود من دعوة الداعية، فإنهم سرعان ما يستجيبون وينقادون لهذه الدعوة، وهذا هدف أساسي للداعية إلى الله أن يخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن ظلمات الجهل والجاهلية إلى نور الإسلام، ومن الموت إلى الحياة قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} 1. فإظهار الحب للناس من الأمور الهامة والأساسية للداعية؛ لأن الناس يتوسمون فيه الخير، وينتظرونه منه، فعلى الداعية أن يجمع بين حسن الخلق وحب الخير للناس، فإنه أدعى لقبول دعوته، إذ إن صور الشدة والغلظة والعنف صور مشينة معيبة تنفر منها الطباع البشرية، بينما صور الشفقة والرحمة، تزين صاحبها وترتاح لها النفوس، وتأنس إليها القلوب.

_ 1 سورة الأنعام: الآية 122.

كيف تكسب قلوب الناس

13- كيف تكسب قلوب الناس: عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل" 1، إن الأصل في المسلم وخاصة الداعية أن يسعى إلى تقديم الخدمات لمن يحتاجها من المسلمين، والنصيحة لمن يطلبها، والمنفعة لمن هو بحاجة إليها، ويكون ذلك سجية وخلقًا من أخلاق الداعية التي لا تفارقه في العسر، واليسر في المنشط والمكره، وخاصة مع الأقربين أولا قال تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} 2، ومعلوم أن النافع والضار هو الله سبحانه وتعالى. لكن من ولي أمرًا من أمور المسلمين، قد ينفع ويضر بقدر من الله تعالى. والداعية المؤمن يقدم الخير لجميع الناس، وقد شبهه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنخلة لدوام خضرتها، وإمكانية الانتفاع بها وبكل ما فيها؛ فقال -صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم شجرة ينتفع بها مثل المؤمن" 3، فمن استطاع أن ينفع أخاه، وذلك بتسهيل أمره أثناء مراجعته لإحدى الدوائر الحكومية، وإرشاده إلى أسهل طريق لإنجاز معاملته؛ لأن المراجع غالبا يجهل الأنظمة، والطلبات الخاصة بمعاملته فعلى الموظف المسلم إنجاز المعاملات، وإرشاد المراجعين إلى ما ينهي إجراءات معاملاتهم بيسر وسهولة، وألا يعقد المعاملة، ويعذب المراجع فقد أوصى النبي

_ 1 مسند الإمام أحمد، مسند المكثرين: "13819". 2 سورة الشعراء: الآية 214. 3- مسند الإمام أحمد: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: الحديث. مسند المكثرين من الصحابة: "5919".

-صلى الله عليه وسلم- بالمبادرة إلى تقديم النفع قبل طلبه، واغنتام كل الأوقات في تقديم، وتوصيل الخير للآخرين، ومن لم يقدر أن ينفع فليحرص على أن لا يضر، فقدم الخير للناس تستقطب قلوبهم. إن دينًا يفرض على أتباعه الإحسان في كل شيء، لا يرضى من أتباعه أن يألفوا الإساءة أو أن يمارسوها. أخي الداعية إن الإحسان يقتضي منك إتقان العمل وتحسين الأداء، ولا تكن إمعة إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت. روى البخاري عن عثمان بن مظعون -رضي الله عنه- قوله: "فإن أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم". وتربية القرآن تنشئ في نفس المؤمن صورًا من الإحسان، قال تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} 1.

_ 1 سورة القصص: من الآية 77.

ثمرة مرة

14- ثمرة مرة: إياك ثم إياك والجدل وكثرة المحاجة، فإن كان ولا بد فجادلهم بالتي هي أحسن، وإذا رأيت أن المجادلة أصبحت معاندة، وصاحبها لا يقتنع بالدليل ولا يرضى ويسلم بالأمر الواقع، فأعرض عن مثل هذا الصنف وقل: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين، وقد قال الله تعالى لنبيه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} 1، فالجدل والخلاف "ثمرة مرة". في هذا الموضوع؛ يقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عيثمين -رحمه الله تعالى- وهو يتحدث عن خصائص الفرقة الناجية: "إن اتفاق الكلمة وائتلاف الهدف، والقلب من أبرز خصائص الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، فهم لو حصل بينهم خلاف في بعض الأمور، لا يحمل بعضهم على بعض حقدًا ولا عداوة ولا بغضاء، بل يعتقدون أنهم إخوة، حتى وإن حصل بينهم هذا الخلاف، فقد وقع شيء من ذلك كما ثبت في السنة، من أجل أن تتفق الكلمة وتتآلف القلوب". انتهى كلامه رحمه الله. "حبذا لو راجع الدعاة إلى الله أنفسهم من وقت لآخر؛ لأن وظيفتهم التي شرفهم الله بها تعتمد في أصلها على الحار والمراجعة، وقد فطن لذلك عبد الله بن مسعود بقوله: "والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان". ولنتذكر أن هوى النفس لا يأتي عريانًا بل مزخرفًا بألفاظ النية

_ 1 سورة الأعراف: الآية 199.

الخالصة، إحقاق الحق انتصارًا للأمة.. إلخ. ثم يندس هواه بعد ذلك من حيث يعلم أو لا يعلم"1. ومن أجل أن تتفق الكلمة، وتتآلف القلوب نبين الآداب الشرعية الواجب مراعاتها في المحاورات، والمناظرات والمناقشات، فعندما يتحاور الدعاة والعلماء يجب أن تكون نيتهم طيبة، وهدفهم الوصول إلى الحق، والمسلم دائمًا يسعى أن يجعل أعماله كلها خالصة لوجه الله تعالى ليؤجر عليها، والعمدة في ذلك الحديث المشهور: "إنما الأعمال بالنيات ... " 2 الحديث، ومن مسببات الخلاف والتنازع، والجدل اتباع الهوى في بيان حكم مسألة من المسائل. فليحذر الدعاة من اتباع الهوى في مناقشاتهم، والعجب والغرور، والاعتزاز بالرأي والتعصب له أثناء المناقشة قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 3، {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} 4 فعليك أثناء المجادلة أن تبين المسألة بالدليل قبله من قبله ورده من رده ليس عليك هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء. ولأجل أن تتفق الكلمة وتتآلف القلوب بين دعاة الأمة الإسلامية وعلمائها، الكف عن الجدال الذي لا فائدة فيه، وإذا كان ولا بد من جدال فله آداب شرعية الواجب مراعاتها في المحاورات، والمناظرات والمناقشات إذا حدث ذلك فيما بين الدعاة، أو الجماعات أو الأفراد

_ 1 من كتاب كيف تحاور. د. طارق بن علي الحبيب، ص12. 2 سبق تخريجه: ص18. 3 سورة النحل: الآية 125. 4 سورة طه: الآية 44.

في مسألة شرعية، أو اجتماعية أو مالية أو سياسية أو غير ذلك. أولًا: تنقية وتجريد النية من الشوائب، والانتصار للنفس والتشفي بذلك، فكثيرا ما يظهر الخلاف بين بعض أفراد، وجماعات الدعوة ظاهرها أنه خلاف على مسائل علمية، وباطنها حب الذات واتباع الهوى، والمسلم الداعية يسعى أن تكون أعماله خالصة لوجه الله تعالى والدار الآخرة. ومن الشوائب التي قد تدخل المناقشات الهوى وحب الانتصار للنفس، فكثيرًا ما ترى المحاورات والمناقشات يتنازعها الهوى، فيجب على الداعية والعالم أن يجرد مناقشاته، ومحاوراته عن الهوى، ويفرح بالحق وظهور الحق على يديه أو على يدي خصمه، وإذا دخل الهوى فإن له مضارا كثيرا منها: أ- أنه يصد عن الحق. ب- أنه يفسد العقل والتفكير، ولا يدع لهما مجالا للتفكير والتأمل. ج- أنه يخالف بين قلوب الدعاة ومن الشوائب التي قد تدخل المناقشات العجب والغرور1 ومن أسبابه الإطراء والمديح، فإنه يورث العجب والغرور، وقد ينتج العجب والغرور من تبوء الصدارة للعمل قبل النضج وكمال التربية، ولذلك كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: "تفقهوا قبل أن تسودوا" وفي رواية: "قبل أن تسَوَّدُاوا" 2.

_ 1 قد أفرد بابا كاملا للعجب والغرور، انظر ص35. 2 صحيح البخاري، كتاب الأدب: "250".

ومن شوائب المحاورات: التعصب للرأي أو المذهب، أو الجماعة أو الأشخاص فهو مفسد للحوار مذهب للفائدة موغر للصدر مفرق للجماعة ومن الشوائب في الحوار: سوء الظن في الخصم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تنافسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا" 1. ثانيًا: تنقية اللسان من الشوائب، ومن شوائبه اتهام الآخرين بالكفر بغير دليل ولا حجة واضحة، وقد حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه" 2. ومن شوائب اللسان أثناء المحاورات أن يلعن المسلم أخاه أو يسبه. ومن شوائب اللسان: الجدال والمراء. ثالثًا: الجرأة في قول: لا أدري وهي من الآداب التي يجب على طلبه العلم والدعاة أن يتحلوا بها عند المحاورة، والمناظرة والمناصحة. فإن خرجت المحاورة عن آدابها الشرعية إلى التعصب للرأي، والمذاهب بلا دليل كانت نتائجها مرة وثمرتها ضعف، وتشتت وهلاك.

_ 1 رواه مسلم: "2563"، ومثله عند البخاري: برقم "5144". 2 صحيح البخاري، فتح الباري "10/ 514".

الفصل الثاني: أساليب ومداخل

الفصل الثاني: أساليب ومداخل: 1- معرفة أحوال: الناس 1: من أداب النصيحة معرفة أحوال الناس ومراعاة منازلهم ومقاماتهم، بأن يعرف الداعية من يدعو معرفة يطمئن إليها، ومعرفة تسمح له أن يقدر تقديرًا مبدئيا حالة من يدعوه وطاقته ومقامه، وأن يكون المنهج سليما فإذا اطمأن من تدعوه إلى سلامة منهج الدعوة الإسلامية، وتكاليفها ووعاها وآمن بها واستعد لحملها والدفاع عنها والمضي بها، فإنه يكون قد أصبح قادرًا على أن يدخل مرحلة البناء الإعداد والتربية، ومن ثم يلتزم بالمنهج الخطة السليمة. إن الدعوة الإسلامية، حين تتوجه إلى كافة الناس لإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، وحين تتوجه الدعوة الإسلامية، إلى كافة الشعوب الواسعة، وتتحرر من الإقليمية الضيقة إلى الأفق الواسع إلى أرض الله الواسعة، حينئذ تؤتي ثمارها وتحقق الأهداف المناطة بها، أضف إلى ذلك إذا عرف الداعية مقامات الناس، وأنزلهم منازلهم فإن دعوته يكون لها قبول عند الناس، فالأمي يختلف عن من يحمل شهادات عالية، ونصيحة الرجل العادي تختلف عن نصيحة السلطان،

_ 1 يوجد الآن كتاب بعنوان "مراعاة أحوال المخاطبين" لمؤلفه الدكتور/ فضل إلهي ظهير وفقه الله، يتكون هذا الكتاب من "223 صفحة" أنصح بقراءته والرجوع إليه، فهو جيد في معناه مفيد في محتواه، وهو بحق قد وضع النقاط على الحروف في فن التعامل مع الناس.

وصاحب الجاه يختلف عن غيره في توصيل النصيحة له من حيث الأسلوب والتوجيه، والوقت ولتكن النصيحة بينه وبينه وأن يحذر من نصيحة العلانية، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم"1. فهذا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله" 2، فالناصح الحكيم كالطبيب الماهر الذي يشخص المرض، ويعرف الداء ويعطي بعد ذلك الدواء المناسب على حسب حال المريض ومرضه، مراعيا في ذلك قوة المرض وضعفه وتحمل المريض للعلاج، وهكذا الداعية الناصح الحكيم يعرف أمراض المجتمع، ويحدد الداء ويصف الدواء، فمعرفة أحوال الناس من الأمور الضرورية للداعية، ومما يشهد على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن. فعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: "بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإنهم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" 3، فالدعاة إلى الله هم أطباء المجتمع، ومن شأن الطبيب أن يهتم بمعرفة الأدواء، ثم يعمل على علاجها بادئًا بالأهم قبل المهم، إذا من الضروري جدا

_ 1 رواه مسلم بشرح النووي: "1/ 55". 2 رواه الإمام البخاري، فتح الباري، كتاب العلم: "1/ 225". 3 روه الإمام البخاري: كتاب الزكاة "1496".

للداعية معرفة أحوال الناس، وما هم عليه من عادات وتقاليد، وما لديهم من إيجابيات وسلبيات حتى يتمكن الداعية من تنمية الإيجابيات وتطويرها ورعايتها، والقضاء على السلبيات إن أمكن أو الحد منها على الأقل والوقوف في طريقها، ومنعها من الانتشار في المجتمع؛ لأنها إن تركت فهي كالنار في الهشيم، فإذا عرف الداعية أحوال البلد تمكن بعد ذلك من العمل بجد وإخلاص؛ لأن الطريق أمامه واضح، والهدف مرسوم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرءًا سمع مقالتي هذه فحملها فرب حامل الفقه فيه غير فقيه، ورب حامل الفقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن صدر مسلم: إخلاص العمل لله عز وجل ومناصحة أولي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم" 1، وفي رواية للدارمي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "نضر الله عبدا مع مقالتي فوعاها، ثم أداها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه". وعن تميم بن أوس الداري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدين النصيحة" ثلاثًا قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله عز وجل ولكتابه، ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" 2. فمعرفة أحوال الناس ودرجاتهم، وما يناسبهم من النصيحة التي هي من الدين واجب على العلماء لا سيما الدعاة إلى الله. "فالداعي إلى الله يخاطب جميع أصناف الناس إنه يوجه الدعوة إلى أصحاب السلطة والرعية والعلماء، والأثرياء والفقراء والمساكين،

_ 1 مسند الإمام أحمد. في مسند المكثرين "12937". 2 رواه الإمام البخاري. كتاب الإيمان "55".

وأصحاب المؤسسات والمصانع والعمال، والأزواج والزوجات وعامة الناس وخاصتهم، فيجب عليه أن يحدث كل طائفة من الناس بما هم في حاجة إليه وما ينفعهم. فيبين للولاة ما يجب عليهم تجاه رعيتهم، ويبين للرعية ما فرض الله عليهم من حقوق السلطان، ويذكر أهل العلم بما للعامة من حقوق عليهم، وينبه العوام بما يجب عليهم من احترام العلماء، وحسن الاستفادة منهم. يخبر الأثرياء بما وعد الله تعالى المنفقين على أهل الحاجة، والفقر في الدنيا والآخرة، ويبين للفقراء والمساكين فضل العفاف، وكراهية المسألة. يسمع أرباب العمل وأصحاب المؤسسات، والشركات ما بشر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أعطى الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، ويؤكد على العمال ضرورة الإخلاص في العمل وإتقانه. يوضح للرجال ما لزوجاتهم عليهم من حقوق، ويشرح للزوجات ما فرض الله عليهن تجاه أزواجهن"1. فأئمة المسلمين وعامتهم بحاجة إلى مناصحة، لكن الداعية الذي يريد مناصحة ولاة الأمر لا بد أن يكون عالمًا أمينًا ثقةً صالحًا ورعا مقبولا عند الجميع، وأمر النصيحة لأئمة المسلمين ليس متروكًا للأفراد والجماعات؛ لأنه بهذه الحال سوف يؤدي إلى التشويش والفتنة والفوضى، وهذا هو منهج السلف الصالح، فالعلماء هم الذين كانوا يدخلون على الخلفاء من بني أمية، وبني العباس يعظونهم وينصحونهم، ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، فعلى الداعية أن يدعو الناس إلى الاجتماع، والتحذير من

_ 1 عن كتاب مراعاة أحوال المخاطبين، د. فضل إلهي: "ص60".

التفرق والاختلاف. يقول ابن رجب الحنبلي في كتابه جامع العلوم والحكم: "وأما النصيحة لأئمة المسلمين فحب صلاحهم ورشدهم، وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهة افتراق الأمة عليهم والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل، والبغض لمن رأى الخروج عليهم". وكذلك الدعاء لهم بالهداية ومعاونتهم على الحق، وطاعتهم في غير معصية الله تعالى، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وبما أن الداعية لا بد أن يختلط بالناس فعليه أن يصبر على أذاهم وأن يجنبهم أذاه، فلا يعسر عليهم حيث يمكن التيسير، ولا يشق عليهم حيث يمكن التخفيف، ولما لشخصية الداعية الميسر من كبير الأثر في نفوس المدعوين، فقد حمل النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الوصية للصاحبين، أبي موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- قبل إرسالهما إلى اليمن، فقال -صلى الله عليه وسلم: "يسرا ولا تعسرا وبشرا، ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا" 1، ولم يكن صلوات ربي وسلامه عليه يقبل من أصحابه أي نوع من الغلظة والجفاء والإحراج، وإنما كان يقول لهم كما جاء في الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ جاء أعرابي، فقام يتبول فقال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم: مه، مه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا تزرموه دعوه"، فتركوه حتى بال، ثم إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعاه فقال: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى والصلاة، وقراءة القرآن، ثم أمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فأراقه عليه" 2.

_ 1 صحيح الإمام البخاري "3038"، ومثله عند مسلم برقم "1733". 2 صحيح الإمامين البخاري ومسلم في باب الطهارة: "3/ 429".

وقد ثبت عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما خير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها"1، فتنبه وأنت تقوم بالدعوة في الميدان تنتقل من بلد إلى بلد، ومن قطر إلى قطر ومن مكان إلى آخر، ومن بيت إلى بيت ومن حي إلى حي أن تكون عارفا ومدركا لأحوال الناس، وما يصلح لهم وما يصلح، فلكل مقام مقال ولكل وقت ما يناسبه، ولكل أناس ما يصلح لهم ولكل حادثة حديث. "ومما يدل على ضرورة مراعاة أحوال المخاطبين، وأهميتها في الدعوة إلى الله تعالى أن الله عز وجل اصطفى الأنبياء، والمرسلين عليهم الصلاة والسلام من بين أقوامهم، فلم يرسل رسولا إلا بلسان قومه، قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} 2".

_ 1 صحيح الإمام البخاري: كتاب المناقب "3560". 2 سورة إبراهيم: الآية 44. انظر كتاب مراعاة أحوال المخاطبين: "ص8، 9" لمؤلفه د. فضل إلهي ظهير.

قبل أن تدعو

2- قبل أن تدعو: لا بد أن تكسب قلوب الناس ويكون ذلك بإظهار المودة، والمحبة والنصح وحب الخير لهم، وبصفة أعم التخلق بمجموعة من الصفات الرفيعة والأخلاق العالية التي إن توفرت في شخصية المسلم الداعية تجعل الناس ينجذبون إليه، ويتعلقون به ويقبلون على كلامه ويقبلونه، عن سهل بن سعد الساعدي قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله، وأحبني الناس قال -صلى الله عليه وسلم: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبونك" 1، وقد أثر عنه -صلى الله عليه وسلم: "أنه من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه" 2 الحديث. فاحرص أيها الداعية اللبيب على كسب قلوب الناس أولًا، وليكن قصدك من ذلك ضمان توصيل الخير لهم عن طريق الدعوة بالتي هي أحسن بالوسائل والأساليب المؤثر، علمًا أن هناك وسائل تحبب الناس إليك، وتحببك إلى الناس منها الرفق واللين، والزهد فيما في أيدي الناس، والبشاشة وغيرها كثير لكن ذلك يعتمد على أسلوبك وحسن تصرفك مع الناس، فقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- حريصين كل الحرص أن تكون شخصياتهم مقبولة ومرضية لدى الناس، بالإضافة إلى حرصهم على أن يبلغوا رضى الله سبحانه وتعالى أولا وقبل كل شيء، ولا تعارض بين الحرصين، ولا بين الإرادتين فقد ثبت في الحديث الصحيح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من التمس رضا الله بسخط الناس

_ 1 سنن ابن ماجه/ كتاب الزهد: "4154". 2 صحيح سنن الترمذي/ كتاب المناقب من حديث طويل: "3638".

"كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، وكله الله إلى الناس" 1. وقد كان -صلى الله عليه وسلم- يتحبب إلى بعض ضعاف الإيمان بشيء من العطايا تأليفا لقلوبهم واستنقاذًا لهم من النار. بالإضافة إلى أن "الدعوة الإسلامية تهذب رغبات الناس وشهواتهم، وتسمو بهم إلى مدارج الكمال البشري المنشود، وهي مع ذلك تصادم كثيرًا من الطبائع المنحرفة والفطرة السقيمة، والإرادات الشيطانية، لذا فقد يجنح الداعي إلى توخي رضا من يدعوهم، فهل هذا من آفات ترك الإخلاص؟ الواقع أننا في هذه المسألة إزاء حالتين متباينتين متضادتين. الحالة الأولى: أن يطلب رضا من يدعوهم للرضا ذاته لا يشوبه مقصد آخر من مقاصد الدعوة، وهذا لا يسلكه إلا ضعيف الإيمان. الحالة الثانية: أن يطلب رضا من يدعوهم يتوخى إيمان المدعو، وصلاح أمره وفيأته إلى الحق ورجعته إلى خالقه، فهو يداريه إما توقيا لشره ودفعا لغائلته، أو طلبا لخيره واستجابته من غير مداهنة، فالحال آنئذ لا يطعن في أصل الإخلاص وإنما الأعمال بالنيات، وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلًا استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما رآه قال: "بئس أخو العشيرة، وبئس بن العشيرة". فلما جلس تطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل، قالت له عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت له؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة متى عهدتني فحاشا إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره" 2.

_ 1 صحيح سنن الترمذي/ كتاب الزهد: "2414". 2 متفق عليه رواه الإمام البخاري: "5/ 2244" "5685"، وعند مسلم: "4/ 2002" =

والتحبب إن لم يكن خالصًا لله، فسينقلب إلى نوع من النفاق والمداهنة، فالحب في الله هو الذي يجعلك تحرص على اكتساب قلوب الناس لما تطمح من إيصال الخير لهم على يديك، فالواجب على المؤمن أن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي أمامة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أحب وأبغض لله وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان" 1، ومن الصور الداعية إلى كسب قلوب الناس أيضًا؛ الهدوء والسكينة والوقار، وكذلك اللقاء بالترحيب والبشاشة واستدامة التبسم، وفي سيرته -صلى الله عليه وسلم- الكثير من هذه الصور، فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم ويلاطفهم ويمازحهم. وكثيرًا جدًّا ما كان يفعل ذلك، ومجمل هذه الصفات تجعل صاحبها مقبولًا محبوبا عند الناس، وقد يكون التحبب أحيانًا بصور بسيطة كالتي أشار إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف عن أبي قتادة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان فمن رأى شيئا يكرهه، فلينفث عن شماله ثلاثا وليتعوذ من الشيطان، فإنها لا تضره وإن الشيطان لا يتراء بي" 2، في الحديث الآخر عن أبي سلمة قال: إن كنت لأرى الرؤيا، فتمرضني حتى سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الرؤيا الصالحة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب، فلا يحدث بها إلا من يحب وإن رأى ما يكره، فليتفل عن يساره ثلاثًا

_ = "2591"، والرجل هو عيينة بين حصين الفزاري. عن كتاب أصول الدعوة وطرقها رقم "2/ 53، 54" د. عبد الرب بن نواب الدين. 1 صحيح سنن أبي داود. كتاب السنة: "4681". 2 صحيح الإمام البخاري/ كتاب التعبير: "6995".

"وليتعوذ بالله من الشياطين وشرها، ولا يحدث بها أحدا فإنها لا تضره" 1، وذلك كنوع من المشاركة الوجدانية، واختيار المداخل إلى القلوب لكن ذلك يحتاج منك إلى فطنة، ومعرفة تامة بمداخل القلوب والتسلل إلى أعماقها بأسلوب جذاب تستطيع -أخي الداعية- من خلاله أن تأسر النفوس، وتملك زمام القلوب، وذلك بالصدق والأمانة والحلم والأناة، والتواضع والكرم والسخاء والجود والبذل والعطاء، وهذه الصفات من صفات الأنبياء والمرسلين. كما أنها من خصال الدعاة والمصلحين، وشعار المتقين والصالحين. وأصل الأمر وملاكه أن تكون محبوبًا عند الله، فهو بعد إذ يضع لك القبول في الأرض، فاحرص على حب الله لك يفتح لك قلوب الناس، وتخلق بما يدعو إلى التحبب، فالداعية اللبيب من يكون قادرًا على فتح قلوب العباد قبل فتح البلاد.

_ 1 صحيح الإمام مسلم/ كتاب الرؤيا: "2261".

العلاقات الإنسانية

3- العلاقات الإنسانية: لا بد للداعية من ربط الصلات والعلاقات الطيبة مع الناس، فالداعية صاحب هدف وصاحب منهج فله غاية سامية، وهي إيصال الخير والنفع إلى الناس كافة، وإنقاذهم مما هم فيه من بعد عن الله والدار الآخرة، وانتشالهم من الغفلة التي غطت القلوب، وأضعفت النفوس وجعلتها تركن إلى الدعة والسكون وحب المادة مما جعل الجوانب الروحية تضعف، فانقلبت الموازين عند كثير من الناس حتى صار المعروف منكرًا والمنكر معروفًا والسنة بدعة والبدعة سنة، فقد اختلت المعايير والمقاييس فالداعية عليه والحالة هذه أن يعيد المياه إلى مجاريها، بربط الصلات، والعلاقات الطيبة مع الناس، بما يقدمه لهم من كلمة صادقة، وحسن معاملة، وتطبيق للسنة ظاهرًا وباطنًا، ومما يقربه ويحببه إلى الناس فتح حلقة تعليم القرآن في المسجد، أو إحدى المدارس الخيرية مع ما يقدمه من دروس في العقيدة، والسنة المطهرة والسيرة وغير ذلك من الدروس النافعة وأن يكون الداعية مع ذلك متصفا بالألفة حتى يكون آلفًا مألوفًا، ومما يعين على ربط الصلات وتقوية العلاقات، ما يقوم به الداعية من صلات، وعلاقات وزيارات فردية وجماعية، وما يقدمه في هذه المجالس من أحاديث ودية مع الأفراد ومع الجماعات، ثم فتح قلبك لآرائهم وأفكارهم وتطلعاتهم وتساؤلاتهم، والرد على ذلك بما يغني ويشفي. وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف، ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس" 1، وعدم

_ 1 سلسلة الأحاديث الصحيحة. مسند الإمام أحمد/ باقي مسند المكثرين "8945"، ومثله مسند الإمام أحمد/ باقي مسند الأنصار: "22333".

الألفة من صفات المنافقين. إن الداعية يستطيع جذب قلوب الناس إليه بما يقدمه من خدمات، وما يستطيعه من عون ومساعدة سواء كانت مادية أو معنوية أو بدنية، فإن النفوس من طبيعتها تميل إلى من أحسن إليها بالكلمة الطيبة، والبشاشة الدائمة، وطلاقة الوجه وحلاوة اللسان، وأن يحاول الداعية حل بعض المشاكل التي يفصحون عنها سواء كانت اجتماعية، أو اقتصادية أو غير ذلك، وأن يخالط الداعية الناس ويصبر على أذاهم من أجل مصلحة الدعوة، ومع ذلك على الداعية أن يحافظ على الهيبة والاحترام، وألا يذوب مع الناس ويخوض فيما يخوضون فيه، فعليه وهو يخالط الناس أن يحسن التصرف ويوازن بين المواقف، ولذلك نجد في وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- "من رآه بديهة هابه، ومن خالطه أحبه"، وخيار الدعاة هم الذين يألفون ويؤلفون والداعية يستطيع جذب الناس إليه، وربط الصلات والعلاقات الطية معهم بحسن التعارف والخلطة والمعاشرة، وعدم الانكماش والفتور فإن الانكماش يسبب العزلة والانطواء، والبعد عن الناس ومن ثم يكون عنده عدم ارتياح، واكتئاب كل ذلك ناشئ عن البعد والانطواء، وعدم الخلطة مع الناس. وإذا وصل الداعية إلى الصفات فلا يمكن أن يفيد أو يستفيد، فالحذر كل الحذر من هذه الصفات التي تبعدك عن الناس وعن مخالطتهم، بل يكون شعارك: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". وهذا الشعار يقتضي منك البسمة والبشاشة، وإفشاء السلام ورده وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام، وقد جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله

-صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم" 1، وعن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار المقسم"2.

_ 1 صحيح الإمام مسلم، كتاب الإيمان: "54". 2 صحيح الإمام البخاري، الاستئذان: "59/ 5766".

عليك بالمبادرة

4- عليك بالمبادرة: أخي الداعية أنت قدوة، وأنت داعية بأفعالك قبل أقوالك، فحاول التبكير إلى المسجد من حين سماع النداء بالأذان للصلاة في كل وقت حيثما كنت أو حللت، وخاصة عند إلقاء الدرس أو المحاضرة بل حاول الصلاة في الصف الأول خلف الإمام أو قريبًا منه، واحذر أن تصلي في آخر الصف أو يكون عليك قضاء فوائت، وعندك درس تريد أن تلقيه بعد الصلاة، فإن هذا يؤخذ عليك وينقص من قدرك عند المصلين، فإن من الدعاة من حدد له عمل رسمي في المساجد ومراكز الشباب ومراكز التنمية الاجتماعية وغيرها، فأحيانا الداعية أو الواعظ يتأخر عن موعده وهو قدوة فيتضايق الناس، ويبدأ الهرج والمرج، فإذا حصل لك ظرف طارئ، وعرفت أنك سوف تتأخر فأعلمهم عن هذا التأخر، إذ لا بد من إعلامهم عن طريق الهاتف، أو إرسال بديل أو أي شخص يخبرهم عن هذا التأخر، أما إذا كانت الموعظة في المسجد فعليك التبكير إلى المسجد، سواء كنت واعظًا أم مصليًا، اجعله عادة وسجية فإنك سوف تتعود على ذلك، وتتربى عليه والمبادرة إلى فعل الخيرات مطلوبة، وخاصة من الداعية. أما إذا تأخرت عن الصف الأول فإن العدد التنازلي سيستمر إلى أسفل حتى تفوتك بعض الركعات ثم كامل الصلاة، وهذا مؤشر خطير وغير لائق من الداعية الذي سوف يقوم يعظهم ويحدثهم، وهو يعتبر قدوة في المحافظة على الصلاة، لا شك أنه سوف ينزل من أعين الناس، إذا تخلف عن الصلاة فيصبح كلامه قليل الفائدة، وقد لا

يستمع له أحد إلا القليل، فعلى الداعية أن يريهم من نفسه خيرًا، وألا يتأخر عن المواعيد بل عليه أن يحسب لها حسابًا، ويأتي قبل الموعد تحسبًا لأي طارئ.

النظام

5- النظام 1: لكل بلد نظام وتقاليد وأعراف سائدة ومرعية، ومحمية ومعلنة من قبل الدولة فعلى الداعية مراعاة مثل هذه الأنظمة، وعدم الخروج عليها، أو خرقها أو مخالفتها، بأن يصب كلامه على الأنظمة وما فيها من سلبيات ومخالفات، فالنقد بسيط وإبراز السلبيات والمعايب سهل لكن العلاج صعب، يحتاج من الداعية إلى دراية، وحكمة ووقت طويل وهو يدعو ويدعو ويربي لكن بعض الدعاة هداهم الله يسلك طريق النقد وإبراز العيوب، دون دراسة أو دراية، ولو فتشنا عن العيوب والأخطاء لعشنا في قيل وقال، وغصنا في بحر عميق ونحن لا نحسن السباحة، والذي لا يحسن السباحة يغرق، فعلى الداعية أن يبحث ويسأل المتخصصين، والعلماء الكبار في البلد عن الأنظمة واللوائح التي تسير عليها الدولة، حتى لا يقع تصادم مع النظام فتكون الكارثة، وعدم قبول الدعوة بل محاصرتها أو حصرها في زاوية ضيقة، أو القضاء عليها في مهدها، كثير من الدعاة هداهم الله غفلوا عن هذا الجانب، والله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 2. إن التقيد بنظام البلد ليس معناه عدم إنكار المنكر، والسكوت عن المعاصي وترك الحبل على الغارب لأهل الفساد يعيثون في الأرض فسادًا، وتخريبًا ويهلكون الحرث، والنسل والله لا يحب الفساد، ولا

_ 1 لمزيد من معرفة أنظمة البلد. اقرأ كتاب مسئولية الدولة الإسلامية عن الدعوة، ونموذج المملكة العربية السعودية لمؤلفه: الدكتور/ عبد الله بن عبد المحسن التركي وفقه الله. 2 انظر: "ص69".

أريد أن أدخل في تفاصيل هذا الباب فهو واسع ومتشعب، والآراء فيه كثيرة، فلا نستطيع في هذه العجالة أن نعطيه حقه من البحث والإيضاح، إذ إن له أهلا يعرفون ضوابطه وشروطه ودرجاته الشرعية، يجب الرجوع إليها عند إرادة التغيير، لكنك أيها الداعية بإمكانك الجهر بالدعوة إلى الله، وبيان أن هذا هو الدين الحق لجميع البشر، حتى ولو كنت في مجتمع كافر أو دولة كافرة أو نظام كافر، فالجهر بهذا الدين وإعلانه في أي مكان، وزمان واجب على كل مسلم أينما كان وحيثما حل، كما كان يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو وسط المشركين يدخل عليهم في منتدياتهم، وفي أماكن تجمعهم حتى إنه ينتهز الفرص التي فيها التجمع أكثر، وأكبر مثل مواسم الحج وغيرها، وكان ينادي في المشركين في مكة حتى إذا ما اجتمعوا حوله قال: "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا" حتى دخل الناس في دين الله أفواجا. إن الداعية يجب أن يكون حكيما في دعوته، وتعامله مع الأفراد والجماعات والدول، وألا يتدخل فيما لا يعنيه من انتقاد، أو سب لفرد أو جماعة أو نظام، قال الله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} 1 الآية إذا على الداعية أن يقوم بما أوجب الله عليه من أمور الدعوة مع استصحاب الدليل من الكتاب والسنة، وأقوال أئمة سلف الأمة في كل ما يقول، وفي كل ما يأمر به أو ينهي عنه، ولا يدخل في المسائل الخلافية التي لا يستطيع الإقناع بما هو صواب فيها، ولا يتدخل في بعض المخالفات التي لا يستطيع تغييرها ولا الحد منها، فيتركها لمن هو أقدر منه وأعلم، وعلى الداعية إلى الله أن يهتم بدعوة الناس إلى

_ 1 سورة الأنعام: من الآية 108.

الكتاب والسنة، والعقيدة الصحيحة، وتصحيح العبادات من المخالفات التي انتشرت بين الناس، وتعارفوا عليها بل وألفوها حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من عبادتهم؛ لأن العبادة لا تقبل إلا أن تكون "صحيحة صوابا" ولن تكون عبادات الناس صحيحة صوابًا إلا إذا اجتهد الداعية بالتصحيح، وتعليم الناس كيف يؤدون العبادات بفروضها وواجباتها، وسننها مع الإخلاص وهو "قوة الإيمان"، وقوة الإيمان تجعلك أيها الداعية تحرص على نشر الأمن، والطمأنينة داخل المجتمع، وكف المظالم ورد الحقوق إلى أهلها، ويجمع ذلك كله أن يسعى الداعية إلى تهيئة أرضية خصبة نشر الدعوة، وتعاليم الإسلام السمحة ولا يكون ذلك إلا بالمحافظة على الضرورات الست الذي جاء الإسلام بالمحافظة عليها، وبقائها في المجتمع المسلم وهي: أولًا الدين: وقد جاء الشرع بالمحافظة عليه، ولذلك ورد في الحديث عن عكرمة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من بدل دينه فاقتلوه" 1. ثانيا الأنفس: وقد شرع الله القصاص محافظة على الأنفس {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} 2. ثالثًا العقول: وقد جاء القرآن الكريم بالمحافظة عليها بتحريم الخمر، وكل مسكر ومفتر. رابعًا الأنساب: وقد حافظ الشرع عليها بتحريم الزنا.

_ 1 رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير: "3017". 2 سورة البقرة: من الآية 179.

خامسًا الأعراض: ولأجل المحافظة عليها شرع جلد القاذف وتأديبه. سادسا الأموال: ولأجل المحافظة عليها شرع الله قطع يد السارق. ولعل من أنجح الطرق وأنفعها الاستعانة بعد الله بالإخوة الدعاة الذين هم من أهل البلد الأصليين ممن يوثق بصفاء عقيدتهم، وحسن سيرتهم وذلك لتوضيح الحق لعامة الناس، ودحض الباطل ودفعه بما يرونه مناسبًا بالحكمة، وبالتي هي أحسن.

درجات تغيير المنكر

6- درجات تغيير المنكر: الداعية طبيعة عمله ميداني يصول ويجول، ويغشى الناس في أنديتهم وأماكن تجمعاتهم، حتى في أسواقهم، وأماكن أفراحهم وأتراحهم وأحيانًا في بيوتهم، يقدم لهم الخير والهداية الربانية بالحكمة والموعظة الحسنة، بكل رفق ولين، وهو بهذا العمل العظيم يحسن به أن يكون على درجة عالية من العلم والمعرفة، وخاصة بدرجات تغيير المنكر الوارد في الحديث الصحيح: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" 1، هذا حديث عظيم يرسم لك أيها الداعية الطريق، ويضع عليه المعالم في درجات تغيير المنكر على حسب قدرات الدعاة، وإمكاناتهم ومناصبهم ومسئولياتهم، فمن الدعاة من يستطيع أن يغير بيده كالحاكم، والأمير ومن ينوب عنهم في هذا الأمر فكلهم مكلفون بالدعوة، ومسئولون مسئولية كبيرة في -هذا الباب- تغيير المنكر الظاهر باليد إذ هم الذين يستطيعون تغييره باليد وبيدهم السلطة. فعلى هذا فالدعوة إلى الخير وأعلاها الدعوة إلى الله، واجبة على الجميع على قدر استطاعة الداعية وقدرته؛ لأن هذه الدعوة من صفات المؤمنين والحديث الشريف قد أمر كل مسلم، ومسلمة بإزالة المنكر حسب استطاعته وقدرته، والشأن في المسلم المبادرة إلى الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون انتظار غيره، فقد لا يقوم به الغير فيقع في الإثم، كما أن رب البيت راع في أهل

_ 1 صحيح الإمام مسلم، الإمان: "2/ 70".

بيته ويستطيع تغيير المنكر الذي في بيته بيده، وعليه مسئولية عظمى أمام الله إذا هو ترك المنكر في بيته، أو ساهم فيه أو جلبه إلى بيته أو رضي به، بل تنطبق عليه الدياثة1 الوارد ذكرها في أحاديث كثيرة. فالواجب على كل مسلم أن يتفقد بيته، وأحوال أسرته من أولاد وبنات وزوج، فهو راع ومسئول عن رعيته، ويعتبر بهذه الصفة التفقدية لبيته من الدعاة إلى الله. كما أن الوزير وأمير المنطقة والمحافظ، والوالي مسئول أمام الله يوم القيامة عما يجري في هذا المحيط الذي تحت سلطته كما أن الرئيس المباشر، ومدير الدائرة والمدير العام، ورئيس المصلحة أو الشركة أو مدير المدرسة، أو عميد الكلية أو مدير الجامعة، أو المعلم داخل الفصل، لهم تأثير مباشر على من تحتهم، فالواحد منهم يستطيع أن يأمر وينهى ويسمع كلامه ويدخل حيز التنفيذ، فكل من هؤلاء راع ومسئول عن رعيته بحكم سلطته، ورئاسته فهو مسئول عن تغيير ما يراه منكرًا بيده، وواجب عليه أن يأمر المعروف، وينهى عن المنكر من كان تحت يده وفي دائرة مسئوليته فحري به أن يستجاب له فهو راع ومسئول عن رعيته، وكثير من الناس بل من الدعاة إلى الله يستطيعون تغيير المنكر باللسان بالضوابط الشرعية، والآداب المرعية ولكنه لا يغير ساكنا، والساكت عن الحق شيطان أخرس، وآخر درجة من درجات تغيير المنكر، التغيير بالقلب بأن يحترق قلبه ويتألم لما يرى من المعاصي والمنكرات، وهو غير قادر على تغييرها حتى باللسان فيبقى التغيير بالقلب وذلك أضعف الإيمان، وحديث الملائكة الذين

_ 1 الديوث: هو الذي يقر ويرضى المنكر والفاحشة في أهله.

بعثهم الله إلى القرية للخسف بها، وكان فيها رجل عابد في صومعته فقال الله تعالى: به ابدءوا فإنه لم يتمعر وجهه في قط. فالداعية مطلوب منه أن يكون على درجة عالية من معرفة درجات تغيير المنكر، وأن يكون على دراية واعية بهذا الباب من جميع جوانبه حتى لا يقع في المحذور وهو لا يعلم، فيريد أن يغير منكرًا فيقع في منكر أشد منه وقد قال سبحانه: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} 1، وليس معنى هذا السكوت على المنكر، لكن الأمر يحتاج إلى حكمة ومعرفة ودراية بالمنكر أنه منكر، ومن الأمور التي لا بد من معرفتها في تغيير المنكر أن يكون الناصح رفيقًا حكيمًا، فاعلًا لما يأمر به منتهيًا عما ينهى عنه، فمن الخطأ أن يقع الداعية في فعل ما ينهى عنه، أو ترك ما يأمر به أو يتبع سبيل العنف والغلظة والطيش والتهور، بينما الأصل في النصيحة الرفق واللين، والحكمة وفي الحديث المتفق عليه: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله" 2 إذًا الرفق مطلوب من الداعية فيكون الداعية رفيقًا حكيمًا فيما يأمر به، وفيما ينهى عنه ويبتعد كل البعد عن الشدة، والغلظة والعنف والإثارة، وقد قال سبحانه وتعالى لصفوة خلقه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} 3. والذي نحب أن نصل إليه لرفع اللبس والحيرة، نقول: المنكر لا بد من السعي والعمل على تغييره، والمعروف لا بد من الأمر به،

_ 1 سورة الأنعام: من الآية 108. 2 في الصحيحين البخاري ومسلم. تقدم تخريجه: ص21. 3 سورة آل عمران: الآية 159.

لكن الخلاف بين الدعاة والمصلحين، والعلماء في مشارق الأرض ومغاربها في طريقة تغيير المنكر، والأسلوب المتبع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن الدعاة من يأخذه الحماس ويريد أن يغير بسرعة ولأول وهلة يرى فيها المنكر، ومنهم من يتأنى ويفكر كيف يتم تغيير هذا المنكر دون أن ينتج عنه منكر آخر أو مضاعفات أشد، وفريق آخر من الدعاة إذا أراد أن يغير استشار العلماء وأهل الرأي والصلاح قبل ذلك، فلا يندم على ما عمل بعد ذلك؛ لأن من استشار الناس شاركهم في عقولهم، وهذا هو الطريق الصحيح والخط السليم للدعوة إلى الله على بصيرة وبرهان.

العادات والتقاليد

7- العادات والتقاليد: لا بد للداعية من معرفة اللهجات والعادات، والتقاليد الخاصة بأهل البلد حتى لا يقع في مشكلة وهو لا يعلم. من المعروف والمألوف أن كل دولة تختلف عن الدولة الأخرى، بل قد يوجد في الدولة الواحدة اختلاف كبيرة في العادات والتقاليد واللهجات، وليس هذا مكان تفصيلها، وإنما أرشد وأنبه عليها. فمعرفتها ضروري للداعية حتى لا يقع في مشكلة مع الناس فيقول شيئا، ويفهم الناس غيره، والداعية بحاجة ماسة إلى معرفة اللهجات الدارجة إذا قدم إلى بلد للدعوة فيها سواء كانت من البلاد العربية، أو الإسلامية أو الأجنبية، ويفضل أن يتعلم الداعية لغة البلد التي يدعو فيها من أجل أن يستطيع توضيح بعض المسائل باللهجة المحلية، أو بلغة البلد لو اضطر إلى ذلك، وأنت تعلم أخي الداعية أن الناس متباينون في طبائعهم مختلفون في مداركهم، متفاوتون في العلم والذكاء وفي الأمزجة والمشاعر، مختلفون في الميول والاتجاهات، مما يدعو رجل العلم والدعوة إلى تخير المداخل المناسبة لتلك النفوس المختلفة، والعقول المتباينة. نعم إن فيهم الغضوب والهادئ والمثقف والأمي والوجيه وغيره، إن الداعية اللبيب هو الذي عنده سعة صدر وإحاطة بطبائع النفوس. إذا عرف العادات والتقاليد، واللهجات فهو كفيل بتحقيق الخير في الناس وتوصيل النفع لهم. أما كلام الداعية وإلقاؤه فلا بد أن يكون باللغة العربية الفصحى إذا

كان المخاطبون عربًا؛ لأنها لغة القرآن ويفهمها الجميع، أما إذا كان المخاطبون غير عرب، فلا بد للداعية أن يتحدث إلى الناس باللغة التي يفهمونها، وإذا احتاج الداعية إلى توضيح جملة بالعامية، أو اللهجة المحلية فلا بأس مع استحسان الإكثار من ضرب الأمثال الدارجة في البلد إذا كانت توضح المقصود من الكلام؛ لأن الغاية توصيل المعلومات إلى أذهان الناس بأسهل طريق وأيسر سبيل دون تعقيد، أو التواء أو تنطع في الكلام. ومن الأمور الهامة التي يجب على الداعية معرفتها ما ينتشر في البلد من مذاهب هدامة، وأفكار منحرفة فعلى الداعية أن يعرف هذا ويتنبه له، وخاصة البلد الذي يعيش فيه ويدعو فيه، عليه أن يتعرف أيضًا على ما يقوم عليه البلد من نظم وما يسوده من مذاهب، وما فيه من قوى متصارعة، وما يجري فيه من تيارات متعددة، وما يعاني من متاعب، اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، ومصادر وعوامل ضعف هذا البلد، حتى يتمكن من معالجتها بالتي هي أحسن من جهة، ومن جهة أخرى يشارك في البناء والتعمير بناء القلوب بالعقيدة والإيمان، وتعمير النفوس بالطاعة لله رب العالمين، إن الداعية الواعي لا ينجح في دعوته ما لم يعرف أحوال من يدعوهم، بما في ذلك اللغة واللهجة التي يتكلمونها، حتى يستطيع الداعية أن يتكلم بلسانهم وينطق بلهجتهم، كل ذلك ينبغي أن يعرفه رجل الدعوة قبل أن يبدأ بدعوته، حتى تكون دعوته من علم وتخطيط، وإحكام ودراسة وبهذا تؤدي الدعوة ثمارها، ويجد الداعية لعمله قبولا وفائدة، وتأثيرا واضحا في قلوب الناس، وسلوكهم، وتصرفاتهم ومعاملاتهم، وفي كل شئونهم الخاصة والعامة.

الفصل الثالث: حسن الاختيار

الفصل الثالث: حسن الاختيار: 1- الموضوع: من الأمور الهامة للداعية أن يفكر كثيرًا في اختيار الموضوع المناسب للزمن والوقت والبلد، حتى يكون له فائدة وثمرة، فاختيار المواضيع العصرية والتي هي من أحداث الساعة، وتحتاج إلى بيان وإيضاح وما يتعلق بهذه الأحداث من أحكام شرعية تجليها وتوضحها شرعًا، وتقطع دابر البلبلة والخلاف والنزاع بين الناس، مع التنويع في المواضيع والاعتدال فيها، واجتناب الغلو والتعصب للمذهب وقد قال الحق سبحانه وتعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} 1، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال -صلى الله عليه وسلم: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين" 2، فإن الغلو ينتج عنه التعصب المقيت الذي يجب على الداعية أن ينأى بنفسه عنه في القول والعمل، فحاول اختيار المواضيع التي يكون فيها شيء من رفع الهمة، وتقوية العزيمة في حالات الاضطراب والخوف، فلكل مقام مقال، والداعية يجب أن يكون طبيب عصره ينتقي ما لذ، وطاب من الكلام البليغ المؤثر ومن المواضيع الجديدة الحية العصرية التي تعالج مشاكل الناس الاجتماعية والمالية، والسياسية وغيرها مما يناسب العصر

_ 1 سورة النساء: الآية 171. 2 سنن النسائي: مناسك الحج: "24/ 3007".

ويحرك في الناس وجدانهم ومشاعرهم، والساحة لا تخلو من ذلك في كل زمان ومكان، وحسن اختيار الموضوع ومناسبته يجعل المستمع مرتبطًا مع الداعية طيلة حديثه، فإن المستمع إذا بدأ يخرج من المكان، أو انصرف عن الاستماع أو نام أثناء الحديث، فإن هذا دليل على عجز الداعية عن اختيار الموضوع المناسب، وعن صياغة الأسلوب صياغة تناسب المستمع، فعليه والحالة هذه أن يغير من أسلوبه، ويسهل من عباراته بحيث تكون سهلة الفهم قريبة المعنى وإذا أتى ببعض العبارات الصعبة المعنى، أو اللفظ فعليه توضيح ذلك، ولا باس أن يكثر لهم من ضرب الأمثلة من واقعهم الذي يعيشون فيه حتى يتضح المعنى ويسهل الفهم، مع إيراد بعض الحكم والأمثال، فإنها نافعة وموضحة للموضوع الذي يتكلم فيه، ومعلوم أن الناس تختلف أفهامهم ومداركهم، فلا بد أن يراعي الداعية ذلك أثناء اختيار الموضوع والحديث، فحسن اختيار الموضوع من الأمور الهامة لجذب الناس وإفادتهم.

الوسطية

2- الوسطية: على الداعية مراعاة الوقت فلا يأت بموضوعات طويلة ينثر فيها الكلام نثرًا وكأنه يقرأ في كتاب، أو يهذ عليهم الكلام هذا وكأنه مشغول بشيء آخر يريد إنهاء الحديث سريعًا، ومعلوم أن الناس يحبون الكلام الواضح القصير الذي لا يستغرق منهم وقتا طويلًا، وخاصة الكلمات الوعظية في المساجد فهي تحتاج من الداعية إلى تحضير، وإتقان وإلقاء جيد وصوت واضح فإن إطالة المحاضرة والموعظة أكثر مما حدد لها مما ينفر الناس، ويجعلهم يملون ويكسلون عن السماع والاستيعاب، وبالتالي يفرون ويخرجون. إذًا على الداعية أن يحذر من بتر الموضوع، والاختصار المخل والإسهاب الممل، وإذا كان الموضوع طويلًا ولا بد من استيفائه، فيقسم إلى أقسام متساوية، ومشوقة ومفيدة ونافعة، ومناسبة للزمن يلقيها على فترات، وأن يكون الحديث بإتقان جيد، وأن يختار المتحدث العبارات الجيدة المناسبة للحضور، وأن تكون الكلمات والعبارات جامعة لأطراف الموضوع مانعة من الغموض والإيهام، بحيث تصل إلى المستمع بأوضح عبارة، وأصح مقالة سهلة المعنى واضحة المغزى، أما الموضوعات من حيث الإطالة وعدمها، فإنها تختلف باختلاف الناس والزمان والمكان؛ فإذا كان المستمعون من المثقفين والمتعلمين، وطلاب العلم والمعرفة فإن هؤلاء تناسبهم الإطالة والتفصيل والتوضيح، وذكر بعض الخلاف والترجيح، أما إذا كان المستمعون للداعية من عامة الناس أو خليط من صغار وكبار، فينبغي له أن يراعي عامة الناس، فينزل

إلى مستواهم أكثر، ولا ينسى ما يناسب المثقفين بالإشارة وعدم الإطالة، وإن كان هناك صغار فلا بد أن يشير إلى ما يناسبهم من توجيه وإرشاد، وتشجيع على فعل الخير والتحذير من الشر وبيان عاقبته، وأحيانا يكون الزمان مناسبا والإطالة مطلوبة، مثل مواسم الحج ورمضان وغيرها مما يجعل الناس يحبون الحديث عن أحكام هذه المواسم وما يدور حولها، فعلى الداعية والحالة هذه أن يبسط القول ما دام يرى قبولًا وإقبالًا على حديثه، وأحيانًا يكون المكان غير مناسب، إما ضيقا أو مكتومًا لا يدخله الهواء، أو حارًّا شديد الحرارة، أو الصوت غير واضح للجميع، فعلى الداعية أن يكون فطنًا لهذا الأمر ويوجز في الكلام ويجمل القول في العبارة، ويخفف على الناس معاناتهم فإن هذا أدعى للقبول،

البداية

3- البداية: من الأمور الهامة في بداية المحاضرة أو الموعظة الثناء على الحضور، والإشادة بهم بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم، كما ينبغي لفت انتباه الحضور إلى أهمية الموضوع بالنسبة لهم، ويبين أن هذا الموضوع لا يستغرق منهم وقتًا طويلًا، ولا يستغنون عن سماعه ويشجعهم وبشكرهم على حضورهم وحسن استماعهم، ويبين لهم أثناء حديثه أن الموضوع له علاقة وثيقة بحياتهم اليومية من عبادات، ومعاملات وعادات وتقاليد، وأمور اقتصادية أو اجتماعية إلى غير ذلك ... ، كما ينبغي أن يعلم الحضور أن هذا الموضوع هام حتى يستمعوا إليه بارتياح وانشراح صدر دون ملل أو سأم، ويجعل عباراته سهلة ومتدرجة، وبهذا يستطيع الداعية أن يدخل إلى قلوب الناس يصب فيها ما يريد من أفكار، وأخبار وعلوم ومعارف يأتي لهم بما يقوي عزائمهم، ويشرح صدورهم ويبعث فيهم النشاط، والحيوية بهذا العمل وهذه الكيفية لا يمل المستمع، ولا يسأم حتى لو طال الحديث قليلًا، تجدهم يقبلون على كلامه بكل شوق وارتياح، ولا يريدونه أن يسكت فلكلامه درر وعباراته تصل إلى القلب؛ لأنها تنبع من القلب، ومما يساعد على الاستماع، والبقاء أن يعمل الداعية مقدمة بين يدي الموضوع فهم يحتاجون إليها يبين لهم فيها أن هذا الموضوع يهمهم وله علاقة وثيقة بحياتهم وآخرتهم أو بمعاشهم، أو بأمورهم الاقتصادية أو الاجتماعية، أو بأمورهم التربوية وخاصة تربية الأولاد والطريق الأمثل إلى ذلك، مع أنه ينبغي للداعية بيان فضل الاستماع إلى الذكر والجلوس مع الناس للاستماع، والأجر المترتب على ذلك، والفوائد الجمة التي يجنيها

المستمع ويستفيدها في الدنيا، والآخرة من البقاء والاستماع للذكر، وأن ذلك أي البقاء والاستماع دليل على حب الخير والفائدة، ومن ثم يستطيع المستمع أن يستفيد ويفيد، ويصبح عضوًا نافعا وفاعلا في المجتمع، ينفع نفسه وأهل والمجتمع الذي يعيش فيه، فطلب العلم والاستفادة واجب على كل مسلم ومسلمة، وخاصة العلوم الدينية التي يتعبد الله بها المسلم، ثم يبين الداعية للمستمع أنه لا بد من معرفة الأمور التي يتعبد الله بها بحيث تكون سليمة صحيحة، فلا بد إذًا من حضور مثل هذه المجالس، والمشاركة فيها بالرأي والمناقشة بروح عالية ورغبة جادة في الاستفادة، فعلى الداعية بيان ذلك للحضور والمستمعين، إما عن طريق مقدمة في أول الحديث أو بتخصيص موضوع بعينه لبيان ذلك، وشرحه وتوضيحه من جميع الجوانب، وبيان أن الموضوع عصري ومرتبط بالواقع المحسوس، وأنه يعالج المشاكل الاجتماعية المنتشرة في البلد، ويناقش الظواهر الغير طبيعية عند الشباب، والتي كثيرًا ما نراها تظهر بين فترة، وأخرى بين الشباب تقليدًا أعمى جريًا وراء الموضة -إن صح التعبير- فيكشف الداعية عنها النقاب، ويبين خطر الظواهر الغريبة على ديننا ومجتمعنا المسلم المحافظ، ثم ينبغي أن يشير الداعية إلى أنه سوف يتحدث مثلا عن بعض المذاهب، والانحرافات والخلافات المنتشرة في البلد، والتي تنخر في كيانه وأركانه كما ينخر السوس في الخشب، فيبين الداعية حكم الشرع فيها مقرونًا بالدليل من الكتاب والسنة المطهرة حتى يجلس المستمع، وهو على يقين من الحكم فلا يمل إذا عرف أن الحديث يهمه ويمس كيانه، ويعالج مشاكله ويضع لها الحلول المناسبة.

توحيد الموضوع

4- توحيد الموضوع: إذا أردت أن تتحدث إلى الناس، فيفضل أن يكون حديثك في موضوع واضح المعالم محدد الهدف، ولا تحاول أن تشعب موضوع حديثك وتبعثره، فتضيع الفائدة، فإن الكلام في موضوع واحد وإشباعه بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة من سلف الأمة وعلمائها أفضل وأدعى للقبول. كما ينبغي لك أيها الداعية ألا تخرج عن الموضوع الذي تتحدث فيه، فتزل بك القدم في متاهات قد لا تستطيع الخروج منها، ومن ثم تجعل الناس يعيشون في دوامة وتذبذب لا يخرجون بفائدة، ولا يستفيدون علما؛ لأن الموضع تشعب وتفتت فتبخر، وطار في الهواء وأصبح كصيحة في واد أو نفخة في رماد. يرجع الجميع -إن صح التعبير- "بخفي حنين"، فلا بد للداعية أن يتحدث في موضوع واحد ولا يخرج عنه إلى غيره حتى يتم فهم هذا الموضوع الذي يتحدث عنه، ويرسخ في الأذهان وتستوعبه النفوس وتعيه القلوب، وإليك مثال على ذلك: تريد مثلًا أن تتحدث عن مرض العصر "القلق": أ- أسبابه. ب- علاجه. أولًا أسبابه: 1- ضعف الإيمان. 2- الإعراض عن ذكر الله. 3- الخوف على الحياة وعلى الرزق. 4- ارتكاب المعاصي. 5- الغفلة عن الآخرة.

ثانيًا العلاج: 1- المحافظة على الصلوات الخمس. 2- قراءة القرآن. 3- الدعاء. 4- ذكر الله. 5- شغل وقت الفراغ. 6- مجالسة الصالحين الناصحين. 7- استشارة العلماء وطلب النصح، والتوجيه منهم حول الموضوع. مع إيراد الأدلة من الكتاب والسنة التي فيها تقوية العقيدة والإيمان، ثم على الداعية أن يركز بعد ذلك على بعض النقاط الهامة، والتوقف عنها وخاصة محور الحديث، مع محاولة تكرار بعض العبارات والألفاظ والجمل والأدلة الهامة، للفت الانتباه إليها وبيان أهميتها حتى تعيها القلوب مع ضرورة التحضير مسبقًا للموضوع الذي تريد الحديث عنه حتى تستطيع الكلام عنه بطلاقة، ودراية ووضوح، فإن الحديث عن موضوع واحد، وإيضاحه وبيانه من جميع جوانبه، وإزالة اللبس والغموض، والتساؤلات التي قدتحصل أو كانت شائعة عند الناس، على الداعية أن يجليه ويوضحه للناس ويزيل اللبس، والغموض عنه حتى يتضح كل شيء للحاضرين والمستمعين، ويخرج الجميع بفائدة واقتناع تام ويحصل الحاضر، والمستمع على ثمرة يانعة من هذه المحاضرة أو الموعظة، بهذا يتحقق الهدف ويحصل المطلوب الذي يسعى له الداعية من نشر العلم، والفائدة التي تجعل جميع الحاضرين، والمستمعين يستفيدون ويخرجون بنتائج إيجابية بحيث يرسخ في أذهانهم كل صحيح موافق للشرع، ويبعد عنهم الغث والمخالف

لشرع الله، وبهذا التركيز على موضوع واحد يستطيع المستمع التطبيق، والتركيز والفهم الاستيعاب، ومن ثم يكون عند المستمع حصيلة علمية عن هذا الموضوع الذي تحدث عنه الداعية، والغريب أن بعض الوعاظ هداهم الله لا يركزون على موضوع واحد بل يأتي أحدهم بعدة مواضيع وأحكام ومسائل، وينتقل من موضوع إلى آخر ومن حكم إلى حكم ومن مسألة إلى أخرى، وإذا انهى حديثه وسألت الجالسين، أو أحدهم هل استفدت شيئًا؟ أجابوك بعدم الفائدة، حتى الموضوع الذي يتحدث عنه الداعية أحيانا لا يعرفونه ولا يدركونه، ولا يعرفون عنوانه وهذا خطأ ننبه عليه هنا، وأخيرا أقول: ينبغي للداعية أن يذكر موضوع المحاضرة، أو الدرس أو الموعظة في أول حديثه، وأن يتبع الطرق والأساليب المعروفة والمألوفة، والتركيز على موضوع واحد وإشباعه من جميع الجوانب، فإن ذلك أدعى وأحرى للفائدة والقبول.

حدث الناس بما يعرفون

5- حدث الناس بما يعرفون: من عوامل نجاح الدعوة أن ينزل الداعية الناس منازلهم ويحدثهم بما يعرفون، فمن كان من أهل الوجاهة في قومه أنزله المنزلة التي تليق به، ومن كان شيخا للقبيلة أنزله منزلته وهكذا ... إلخ، فلكل مقام مقال، وكل حادثة حديث، فلا بد من معرفة أحوال الناس ومراعاة ظروفهم وأحوالهم، وما يناسب مداركهم وأفكارهم وأفهامهم، ولا بد من معرفة الأسلوب الأمثل والمؤثر حتى يسلكه الداعية في دعوته وحديثه مع الناس، فلا يأتي لهم بما لا يطيقون ولا يدركون، فيكذبونه، وقد قال علي -رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله". ويقول ابن مسعود -رضي الله عنه: "ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة". وحديث الناس بما يعرفون، أي ما يناسب عقولهم، وما تستوعبه مداركهم وأفهامهم، ويكون حديثه معهم بالتدرج في أمور الشرع وأحكامه، وفي الأمور التكليفية كذلك، ويقول أيضا: على المتحدث مراعاة توفر رغبة الناس في الحديث عند التحدث إليهم، كما أمر بالتوقف عن الموعظة عند انصراف قلوب المخاطبين عن المتحدث، فقد روى الإمام البغوي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم1 وأقبلت عليك قلوبهم، فإذا انصرفت عنك قلوبهم فلا تحدثهم". قيل: وما علامة ذلك؟ قال: إذا التفت بعضهم إلى بعض، ورأيتهم يتثاءبون لا تحدثهم.

_ 1 "حدجوك بأبصارهم" أي رموك بها. يريد: حدثهم ما داموا يشتهون الحدث فإذا أعرضوا عنك فاسكت. "شرح السنة: 1/ 314".

ويقول: أيضا فيما رواه الإمام مسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"1. روى مسلم في مقدمته من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم"2، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كتب كتابا إلى ملك أو غيره أنزله منزلته، فمن ذلك على سبيل المثال ما كتبه إلى هرقل: $"من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم"، الشاهد هنا قوله: عظيم الروم. فإنزال الناس منازلهم وحديثهم بما يعرفون أمر هام، ومطلوب من الداعية مراعاته في جميع الأحوال، فالحديث مع الشباب يختلف عنه مع الكبار، والحديث مع الصغار والأطفال يختلف عنه مع الشباب، وكذلك الحديث مع العلماء والمثقفين يختلف عنه مع عامة الناس، والحديث مع الحكام والسلاطين، وعلية القوم ورؤساؤهم يختلف كذلك، والحديث إلى النساء يختلف عنه مع الرجال، فلا بد أن يكون الداعية مدركا لهذا وحاسبًا له حسابا من أجل أن يعطي كل ذي حق حقه، ويكون لحديثه وقع في النفس، وقبول في قلوب الناس وتقبل وارتياح، فإن الكلام كلما كان مناسبا لمدارك الناس، وأفهامهم كلما كان أدعى للقبول، وكلما كان بعيدا عن أفهامهم كلما كان قبوله بعيدًا، وبالتالي يكون كلام الداعية هباءً منثورًا، أو كسراب بقيعة، فلا بد من مراعاة الناس وأفهامهم ومداركهم، وأخذهم باللين والتدرج معهم في الأوامر والنواهي خطوة خطوة، فكما أن

_ 1 صحيح الإمام مسلم، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع: "1/ 11". 2 صحيح الإمام مسلم. "المقدمة من حديث طويل".

المريض لا يأخذ الدواء جرعة بل يأخذه على جرعات وعلى فترات متقطعة، فأنت أيها الداعية تدرج مع الناس حسب فهمهم، وإدراكهم واستيعابهم لمسائل الشرع بأسلوب لبق وبلاغة عالية. والداعية الناجح هو الذي يحرص على تلمس الجانب الطيب في النفوس، ويقصد إلى تقويتها مع العطف، والصبر على أخطاء الناس وحماقاتهم، من هذا المنطلق لا بد أن يكون الداعية "كيِّس فَطِن".

أسند قولك بالدليل من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة

6- أسند قولك بالدليل من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة: إسناد القول بالدليل وخاصة في الأحكام الشرعية، والأحوال الشخصية والأمور المالية والمعاملات والعبادات، والعادات والتقاليد والحوادث والظواهر الطبيعية وغير الطبيعية، وما يبهر الناس اليوم من التقدم العلمي والصناعي وسرعة الاتصال والمواصلات، والمكالمات الهاتفية بجميع أنواعها وأشكالها حتى أصبح العالم، وكأنه قرية واحدة حيث إنك تستطيع أن تكلم الذي في الشرق، أو الغرب أو الشمال أو الجنوب، بل تستطيع أن تكلم جميع دول العالم، وأنت جالس في مكانك بل وأنت تسير في البر أو البحر، أو الجو فتخبرهم ويخبرونك بما جد وحدث، وقد يأتي أعظم من هذا العلم الذي بهر الناس في هذا الزمان بما هو أشد منه، وأكثر تساؤلًا ودهشة، فالله سبحنه وتعالى كل يوم هو في شأن قال الله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} 1 وأن ما حصل وما سوف يحصل في المستقبل من خلقه وإرادته سبحانه، كل هذا التطور والتغير الذي بهر عقول الناس، وشد انتباهم ما زال يحتاج من الداعية إلى وعي، وإدراك وربط الناس بالخالق سبحانه، وذلك عن طريق البحث الجاد لهذه الأمور، وربطها بالقدرة الإلهية الباهرة والقوة الإلهية القادرة والغالبة، وأن ما يظهر وما يحدث في هذا الكون بتقدير، وعلم مسبق من الخالق المبدع بل هو سبحانه الذي خلقه وقدره، وأوجده من العدم إلى الوجود بدليل قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} 2 فأنت أيها الإنسان مهما

_ 1 سورة النحل: الآية 8. 2 سورة الصافات: الآية 96.

كنت في القوة فأنت مخلوق ضعيف مخلوق من العدم، وعملك مخلوق أيضا فالفضل والشكر كله لله سبحانه وتعالى الذي خلق، وأبدع وخلق الإنسان في أحسن تقويم، وفطر السماوات والأرض {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} 1، فدورك أيها الداعية الكريم أن تربط هذا التطور وهذا التقدم الذي بهر العقول، أن تربطه بالقدرة الإهلية وتبين للناس أن الله سبحانه هو الخالق وحده لهذه الأمور، فهو وحده القادر على تدميرها أو تطويرها، تبين لهم ذلك بأسلوبك، ولباقتك المعهودة لتجعل المؤمن يزداد إيمانًا أما الذي في قلبه مرض، وشك وشرك ونفاق فيزداد ريبة، وظلمة قال الله تعالى: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} 2. إن كل أطروحة وكل قول: يحتاج منك أيها الداعية إلى ما يدعمها بالحجة والبرهان، لا بمجرد الكلام فإن الرد من غير دليل، والوعظ بلا برهان بمنزلة هدم العلم بالشك المجرد، ويشترط للدليل صحته، فلا يحدث عن كذوب، ولا ينقل عن غير ثقة، حتى لو كان ذلك في مصلحة الدعوة إذ إن صحة الدليل شرط لقبوله. وإياك والتحكم في الدليل حسب الهوى، فذلك شأن المبطلين ودأب المضلين، وإن من الأمور الأساسية في أي قول، أو أي ادعاء أن

_ 1 سورة فاطر: الآية 1. 2 سورة المدثر: الآية 31.

يسند بالدليل الواضح الجلي من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة، فإنه أدعى للقبول، إذ إن الدليل يطمئن النفس ويربح الصدر، ويجعل القبول سهلا يسيرًا، والإقناع ممكنا ما دام هذا القول يوافق الدليل والبرهان، أما إذا كان حديث الداعية، وكلامه خاليًا من الدليل مجردًا من الواقعية يغلب عليه الحشو والعبارات الجوفاء المنمقة، فلا تدخل إلى القلب ولا تؤثر في نفوس المستمعين ولا الحاضرين؛ لأن الناس دائما يطالبون المتكلم بالدليل الساطع "من قال الله قال رسوله قال ألوا العلم والعرفان"، وباختصار "الكلام بدون دليل كالطعام بدون ملح"، فليتفطن الداعية لهذا، وليأخذه بالحسبان ولا يغفله أو يغفل عنه أثناء حديثه مع الناس سواء كان هذا الحديث جماعيًّا، أو فرديًّا خاصًّا أو عاما سرا أو علانية فإنه أدعى للقبول والانقياد، إذ إن الحديث في الوعظ والمحاضرات والندوات، وخطب الجمع والعيدين وغيرها إذا لم يتوج بالدليل من الكتاب والسنة، فإنه يكون حافًّا جافًّا لا خير ولا ثمرة، فكثير ما نسمع الكلام الطويل المنمق، والعبارات المعسولة الفصيحة والجمل البليغة الرنانة الخالية من الدليل أثناء الخطب، والمواعظ لا تعد أن تكون مجرد حشو للكلام، وصف للعبارات لا يستفيد منها أحد، ولا تدخل إلى أعماق القلوب، فيا أيها الداعية إلى الله يا من تبذل وقتك، وجهدك بل وحياتك وأغلى ما عندك في سبيل دعوتك، ومنهجك المستمد من السماء أسند قولك بالدليل دائمًا، ولا تترك مجالًا للشك والريب، وعدم الوضوح عند الناس، فيبقى الناس في شك وريبة من أمرهم ولا يقتنعون بما تقول ولا بما تدعو إليه، فإن الدليل مريح للقلب مريح للنفس يجعل قبول الموعظة سهلًا فلا تدع أقوالك

وكتاباتك دون دليل شرعي، واحذر الأجلة الضعيفة أو المكذوبة، فإنها تفسد عليك كلامك، أو مقالتك أو كتابتك فالزم الدليل في جميع ذلك كله تجد الثمرة، والقبول والأجر والثواب عند الله سبحانه وتعالى.

ابدأ مع الناس بالأهم قبل المهم

7- ابدأ مع الناس بالأهم قبل المهم: عند ما يريد الداعية الحديث إلى الناس، فإنه يحتاج إلى أن يقف قليلا ويتأمل، ويفكر كثيرًا فيما يبدأ به وما هو الأهم، وما هي المواضيع التي يجب أن يبدأ بها، ولكثرة المواضيع وحاجة الناس إلى معظمها، فإنه فعلا يحتار ويبدأ يوازن ويعيد حساباته، ثم يرى موضوعًا مهمًّا في نظره فيبدأ به، وإن كان هذا الموضوع غير مهم في نظر غيره، فالداعية هو بماثبة الطبيب الذي يصف الدواء بعد تشخيص الداء، فإن بعض الموضوعات قد يكون مهمًّا عند غير الداعية، فبعض الناس قد يرى ما لا يرى الداعة بالنسبة للأهمية، والحاجة الماسة إلى موضوع "ما" من بين الموضوعات الكثيرة والمحيرة فعلا، عند هذا التوافق وكثرة الموضوعات الهامة والمحيرة بأيها يبدأ الداعية، فإن هناك معايير ومقاييس يجب مراعاتها والرجوع إليها مثل: 1- التأمل في حاجة البلد إذ تختلف عن البلد الآخر. 2- المعاصي والبدع المنتشرة. 3- الظواهر غير الطبيعة في البلد. وباختصار أقول: إذا اجتمع عند الداعية عدة مواضيع فعليه أن ينتقي الأهم، وما تدعو له الحاجة وما يتطلبه البلد من هذه الموضوعات، ولكن الجامع لهذا كله هو التركيز دائمًا على تقوية الإيمان وترسيخ العقيدة والعبادات، والسيرة النبوية، وسيرة الصحابة والعلماء الأبرار، والأحاديث وشرحها والآداب والأخلاق، وكذلك -وهو الأهم- القرآن

الكريم وعلومه، فهو الجامع لما تقدم، فالبلد الذي تنتشر فيه البدع من تعظيم القبور وكثرة الأضرحة المعظمة، والتي تقصد ببعض العبادات كطلب الشفاعة والشفاء وغير ذلك، فهنا الأولى أن يبدأ الداعية بترسيخ العقيدة من جميع جوانبها، والتحذير من الشرك بجميع أنواعه وأشكاله، وبيان خطره على الفرد والمجتمع والدول، ثم بعد ذلك يواصل العمل في الدعوة في الموضوعات الأخرى متدرجًا بالأهم قبل المهم، وبإمكان الداعية أن يجمع بين الأبواب المذكورة بأسلوبه الواضح يشبع الموضوع بحثا وبيانًا من جميع جوانبه، ويبدأ بما تدعو إليه الحاجة وما تقتضيه المصلحة، لكن ينبغي للداعية أن يبدأ بالأهم قبل المهم، وخاصة قضايا العقيدة وترسيخ الإيمان، ففي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لما أرسل معاذًا إلى اليمن: "إنك تقدم قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقراءهم، وإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" 1، ففي هذا الحديث التدرج في الدعوة وعمومها، وأن المسلم يجب عليه معرفة أمور دينه عن طريق الداعية المحتسب الذي يستطيع توصيل العمل النافع إلى كل الناس، فأنت أيها الداعية الكريم كقائد السفينة، فلا تدع السفينة تغرق وأنت فيه، بل أنت من ربانها، فلا بد أن تلتمس الطرق والسبل التي تجعلك تنجو، وتنجي غيرك بإذن الله من الغرق في أوحال المعاصي

_ 1 فتح الباري: "13/ 347"، النووي على مسلم: "1/ 196".

وأعماق البحار المظلمة المخيفة، فاعمل على النجاة من عذاب الله سبحانه وتعالى، فالنجاة إذًا تكون باختيار الموضوع المناسب وتحضيره، ووضع عناصر له مرتبة ومنسقة واجب من واجبات الداعية، والبدء بالموضوعات الأهم ثم التدرج بعد ذلك، وليس أدل على ذلك من حديث مبعوث الدعوة إلى اليمن معاذ بن جبل -رضي الله عنه، وقد رسم له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا المنهج في الدعوة، حين قال له: "إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله....". الحديث تقدم فالمطلوب من الداعية أن يبدأ مع الناس بالأهم قبل المهم، فإنه أدعى لقبول الفائدة وسرعة الانقياد.

عبرة وعظة

8- عبرة وعظة: وفي قصصهم عبرة، لا شك أن إيراد القصص بين فترة وأخرى مما يريح المستمع، ويجعله يتابع ولا يمل، وخاصة إذا كانت القصة تعبر عن الموضوع الذي يتحدث فيه الداعية، إذا كان واعظًا أو خطيبًا، والقرآن الكريم قد اهتم بإيراد القصص، وضرب الأمثال في غير ما موضع من القرآن الكريم، كما أن السنة المطهرة أبرزت هذا الموضوع في كثير من الأحاديث النبوية فكان فيها العبرة، والعظة التي لا تنسى، وإيراد القصة هي بمثابة التجربة في العمل، فنجد الطالب لو نسي كل شيء وغالبا ما ينسى، فإنه لا ينسى التجربة التي أجريت في المعمل أمامه، والقصص في القرآن الكريم كثيرة، وكثيرة جدًّا لا يمكن حصرها ولا الإحاطة بها في هذه العجالة، لكني أشير إلى بعض منها: مثل قصة يوسف وهي من أحسن القصص، وقصص بني إسرائيل مع أنبيائهم، وما أكثرها في القرآن الكريم، قصص الأنبياء مع أممهم، قصص بعض الصالحين، كالخضر، وشعيب، وذي القرنين، ولقمان وغيرهم كثير مما هو مذكور، ومبسوط في كتب التفاسير والسير وغيرهما، مليئة بمثل هذه القصص والأمثال، يحسن الرجوع إليها في مواضعها، واستخلاص العبر والدروس منها، والداعية بحاجة إلى تحريك الشعور ولفت انتباه المستمع، وإزالة الكسل والخمول الذي كثيرًا ما يعتري السامع وخاصة إذا طال الحديث، أو كان عميقا يحتاج إلى تفكير وتجميع واستيعاب، فإن الداعية والحالة هذه يجدر به أن يربط حديثه ببعض القصص القصيرة العبرة المثيرة للشعور المحركة

للوجدان، مع تضمين الكلام ببعض الحكم، والأمثال الدارجة التي توضح المعنى وتزيل اللبس، فإن الداعية اللبيب هو الذي يستطيع بما آتاه الله من العلم الشرعي جذب قلوب الحاضرين والمستمعين إليه، بما يقدمه من علم نافع، وأمثال من الواقع وقصص معبرة وحكم نافعة، وعلم مصوغ بصياغة سهلة وواضحة، بهذا يكون قد جمع على مائدته طبقا منوعا ومشكلًا ومشوقًا، قد جمع فيه من الحكم والأمثال، والقصص المعبرة عن الواقع، فإن المائدة لا تكون شهية إلا بتنوعها وترتيبها وتنظيمها، فمائدة الداعية ينبغي أن تحوي بين جناباتها أصنافًا وألوانًا من الغذاء النافع المفيد للروح، وهو لا بد منه للإنسان إذ إن الروح، والجسد يحتاجان إلى غذاء، وغذاء الروح لا يوجد إلا عندك أيها الداعية اللبيب، فلا تبخل به على إخوانك، فإنه مهم جدًّا ولازم لكل إنسان حتى يكون التوازن، والتكامل بين الجسد والروح، فاحرص وفقك الله على أن يكون موضوع حديثك متضمنًا لما يشفي ويغني فيكون صيبًا نافعًا.

الفصل الرابع: علاقة الداعية بمسئوليه

الفصل الرابع: علاقة الداعية بمسئوليه التغير بالتي هي أحسن ... الفصل الرابع: علاقة الداعية بمسئوليه: 1- التغيير بالتي هي أحسن: قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 1، ففي هذه الآية أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام بالقيام بالدعوة بعدة طرق كما هو واضح من الآية الكريمة حيث أشارت الآية إلى ثلاث طرق وهي: الحكمة، والموعظة الحسنة، المجادلة بالتي هي أحسن. تستخدم مع كل صنف طريقة تناسبه. قال ابن القيم في تفسيره للآية: "جعل الله سبحانه مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فعلى الداعية امتثال الشرع في ذلك، بالتيسير وعدم التعسير ولا ما يدعو إلى التعسر، فقد كان هديه -صلى الله عليه وسلم- أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، والمسلم وخاصة من حمل لواء الدعوة عليه أن يسلك أيسر الطرق في دعوته وأن يبشر ولا ينفر، "والتبشير شعار رفعه المنصورن وتسمو به وسلكو طرقه وأساليبه"، وكثيرًا ما نرى أساليبهم يستبشر بها المتعاملون معهم، بينما كان تعامل بعض الدعاة هداهم الله فيه شيء من القوة، والغلظة وتنفير المدعوين، أوليس الداعية إلى الله أحق أن يكون مبشرًا ميسرًا، وأن يكون هذا خلقا وسجيه فيه لا

_ 1 انظر: "ص69".

تنفك عنه بحال؛ لأن ذلك وسيلة للوصول إلى المقصود وسجية التيسير تعني قابلية الداعية للتنازل، والأخذ بالأيسر طالما أن التيسير ممكن، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "أنه ما خير بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه"1. "ولم تكن دعوته -صلى الله عليه وسلم- في يوم من الأيام وسيلة إلى قهر الناس وإذلالهم ولا العدوان عليهن، طلبًا لمغنم، أو تمكينًا لأتباعه على من خالف الدعوة، وإظهارًا لنصرتهم على أعدائهم فقط، لم تكن الدعوة كذلك حين بلغها النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن آمن به، واتبعه لم يزدد إلا عزا وقربًا من الله ورسوله، وقد أمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذ هؤلاء باللين والرحمة {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 2 "3. وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} 4. فالأمة التي تعد أبناء مجاهدين تعدهم أيضًا ميسيرين. عن معاذ بن جبل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الغزو غزوان فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد، فإن نومه ونبهه أجر كله، وأما من غزا فخرًا ورياءً وسمعة وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنه لم يرجع بالكفاف" 5، ولم يكن صلوات ربي وسلامه

_ 1 صحيح الإمام البخاري، انظر تخريج الحديث ص78. 2 عن كتاب مسئولية الدول الإسلامية عن الدعوة، د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، "ص19". 3 سورة الشعراء: من الآية 215. 4 انظر ص94. 5 سنن أبي داود، كتاب الجهاد: "2515".

عليه يقبل من أصحابه أي نوع من الغلظة والجفاء والإحراج، اقتداؤنا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقتضي منا أن نختار الأيسر للناس ونقبله منهم، وإن كان فيه تنازل عن حق من حقوقنا، فتلك المياسرة في الدنيا طريق لتحصيل التيسير، والمغفرة من الله في الآخرة، وكانت الأئمة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها ما لم يكن إثمًا، فإن عارض الكتاب أو السنة لم يتعدوه إلى غيره اقتدء بالنبي -صلى الله عليه وسلم، ومن لزوم التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم، فقد تكفل الله له بالوقاية من النار، وغفران الذنوب كما جاء ذلك في الحديث الشريف: عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بمن حرم على النار، أو بمن تحرم عليه النار كل قريب سهل" 1، وعنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس" 2 وقال الحق: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 3، وفي الحديث الصحيح: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه" 4، "إن الرفق ما يكون في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه" 4، والتيسير خير وثماره بركة، حتى في الزوجة: "فإن الخيرية والبركة في المرأة التي اتصفت بتيسير خطبتها، وتيسير صداقها"، قال -صلى الله عليه وسلم: "خير النكاح أيسره" 5،

_ 1 مسند الإمام أحمد وصححه الألباني، وسنن الترمذي، كتا صفة القيامة والرقائق والورع "2488". 2 مسند الإمام أحمد، مسند المكثرين من الصحابة رقم "3928". 3 سورة البقرة: من الآية 185. 4 من حديث عائشة -رضي الله عنها، أخرجهما الإمام مسلم وكلاهما في كتاب البر: "2593، 2594". 5 صحيح سنن أبي داود، كتاب النكاح "2117".

لكي يميل الناس إلى البساطة، وعدم المبالغة في المهور والأفراح بما يرهق الراغبين في العفة، ويسد أبواب التحصين ويفتح أبواب الإنحراف، والتيسير مطلوب من المسلم في النكاح، والدعوة ومن أمثلة التيسير في الدعوة بالتي هي أحسن ما حصل من الأعرابي عند ما بال في المسجد عزم الصحابة على نهره، وزجره فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك. مثال آخر جاء حصين ومعه قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى جلسوا قريبا من باب النبي -صلى الله عليه وسلم، ودخل حصين فلما رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أوسعوا للشيخ"، فقال حصين: ما هذا الذي بلغنا عنك؟ أنك تشتم آلهتنا فقال: "يا حصن كم تعبد من آلهة"؟ قال: أعبد سبعا في الأرض وواحدا في السماء، فقال: "فإذا أصابك الضر فمن تدعو"؟ قال: الذي في السماء، قال: "فإذا هلك المال من تدعو"؟ قال: الذي في السماء قال: "فيستحيب لك وحده وتشرك معه غيره، يا حصين أسلم تسلم"، فأسلم فقام إله ولده عمران فقبل رأسه ويديه ورجليه. فلما أراد الخروج قال: شيعوه إلى منزله. فالتيسير مطلوب في كل شيء، وخاصة في الدعوة التي فيها هداية الناس، وإخراجهم مما هم فيه من كفر، وفسوق وعصيان، مطلوب منك أيها الداعية الكثير من الصبر، والمصابرة والرفق، واللين بعباد الله، وليس معنى الصبر والتيسير التفريط في أوامر الله ونواهيه أو التنازل عن شء منها، فعلى الداعية أن يعلم علم اليقين أن الدين دين الله ليس فيه تنازل ولا مداهنة {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} 1. "ولا يفهم مما ذكر أن الدعوة باللين والرفق، والدعوة بالشدة والقسوة كفتان، أو طرفان متساويان للدعوة بل دلت نصوص الكتاب

_ 1 سورة القلم: الآية 9.

والسنة على أن الأصل في الدعوة إلى الله تعالى أن تكون بلين ورفق، ولا يلجأ إلى الشدة، والقسوة إلا عند الضرورة ... في مثل الأحوال التالية: أ- عند انهاك حرمات الله تعالى وإقامة الحدود. ب- عند ظهور العناد والاستهزاء بالدين. ج- عند بدور مخالفة الشرع لدى من لا يتوقع منه ذلك. مع ضرورة مراعاة ما يترتب على ذلك، ولا يظن أحد أنه إذا وجدت تلك الأحوال، أو بعضها شرع في استخدام الشدة، والقسوة في الدعوة من غير النظر إلى العواقب والنتائج. ليس الأمر هكذا، بل يجب عليه مراعاة ما يتوقع حدوثه عند استخدام الشدة والقسوة، فإن تأكد لديه أن لجوءه إلى الشدة سيكون سبب حدوث منكر أعظم من المنكر الذي أراد إزالته، أو ترك معروف أهم منه فليس له أن يلجأ إليا آنذاك"1.

_ 1 من كتاب مراعاة أحوال المخاطبين، د. فضل إلهي ظهير "ص180".

الداعية والأمن

2- الداعية والأمن: الداعية عضو فعال في المجتمع، وله دور كبير وعليه مسئولية عظيمة، وقد تحمل الأمانة التي تبرأت منها السموات والأرض، وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} 1، من هذا المنطلق ومن هذه الأمانة التي تحملها الإنسان وحملها، وهو مسئول فيما بعد عنها أقام بما يجب عليه تجاه هذه الأمانة أم أنه رقد، وقصر وكسل وتكاسل وترك لأعداء الإسلام المجال، وفتح لهم الباب وسهل لهم الطريق بل عبدها لهم، وتركهم يعيثون في الأرض فسادًا فعلى الداعية أن يقف بكل قوة مع إخوانه المسئولين في الدعوة، وفي الدولة بما يخدم المصلحة العامة، وبما يرفع مستوى الدعاة، فلا يبخل على المسئولين في الدعوة، وفي الدولة بالنصح والتوجيه وإبداء الملاحظات، وإظهار السلبيات لتلافيها، وإبراز الإيجابيات وتطويرها وتنميتها، واعتبار الإيجابيات خطوة أولى إلى الطريق الصحيح تتبعها خطوات أخرى، فإن المسئول عن عمل "ما" هو بحاجة إلى من يبصره بالنواقص، ويبصره بعيوبه فرحم الله من أهدى إلينا عيوبنا، فإن الإنسان لا يعرف نفسه إلا عن طريق الآخرين، والمسلم مرآة أخيه، فالداعية غذا رأى خللا في الدائرة التي يعمل فيها فعليه المبادرة، والإسراع إلى سد ذلك الخلل قبل أن يتسع الخرق على الراقع، ولا تسكت حتى تغرق السفينة، وأنت فيها فإن السكوت منكر وجريمة

_ 1 سورة الأحزاب: الآية 72.

تعاقب عليها، فبعض الموظفين سامحهم الله وغفر لنا ولهم قد يكون بينه، وبين رئيسه في العمل خلاف، فنجده يطير فرحا إذا رأى الخلل قد ظهر وبرز في الدائرة، أو الشركة أو المدرسة أو الوزارة بل قد يساهم في هذا الخلل، ويزيد في الشق حتى يتسع الشق على الراقع، فلا يمكن سده ولا رقعه بأية حال، ثم تجد هذا الموظف يبرر لنفسه بأنه ليس مسئولًا ولا رئيسًا لهذا العمل، وما عليه لو فشل العمل وقلَّ الإنتاج وانعدمت الفائدة، وانفلت العقد وسادت الفوضى والاضطراب، وسيطرت الأنانية واستبد كل ذي رأي برأيه كل هذا لا يهم هذا الموظف وأمثاله. نقول: لهذا وأمثاله لا نوافقك على هذا التصرف، ولا على هذه المخالفات، والتجاوزات المشينة وغير المسئولة، فأنت محاسب ولك دور بل أنت مسئول أيضًا عما تعمل وتذر، وأنت عضو من أعضاء هذه الدائرة ونجاحها نجاح لك، وفشلها عليك فإذا اتضح لك الخلل، وتركت سده فأنت مقصر ومسئول، وتعد مخالفا لشرع الله قال -صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" 1. فرئيس العمل أو رئيس الدائرة بشر يصيب ويخطئ، والخطأ ليس عيبًا لكن العيب الاستمرار في الخطأ والتعصب للرأي. كما أن الداعية عليه مسئولية عظيمة وهي تغيير الأعمال المخالفة للشرع، والتي لها مساس بالأمن من أمور تخريبية أو محاولة سرقات أو محاولة خطف، أو سطو أو محاولة إشعال حريق أو إشعال فتيل الفتنة، والفوضى والاضطرابات في البلد على الداعية أن يسعى جاهدا في منع مثل هذه التصرفات التخريبة بل القضاء على مثل هذه التصرفات المشينة التي من شأنها زعزعة الأمن، وإشاعة الفوضى

_ 1 صحيح الإمام مسلم، الإيمان: "2/ 82".

والاضطرابات وإشاعة الرعب، والخوف في قلوب الناس فلا يأمن الناس على أموالهم ولا على أعراضهم بل، ولا على أنفسهم فتضيق عليهم الأرض بما رحبت، فعلى الداعية بذلك الجهد في منع انتشار مثل هذه الأمور، فالداعية جندي من جنود الأمن إذ إن الأمن مطلب شرعي عام لجميع البشر، فلا عيش ولا راحة ولا استقرار، ولا طمأنينة مع الفوضى والاضطراب، وفقدان الأمن فالداعية لا يسمح بهذا بل يكون حصنًا منيعًا من تسرب مثل هذه الأمور الغريبة على الإسلام، وعليه التغيير بالوسائل المتاحة المناسبة حسب تعليمات الشريعة السمحة، فانتشار الفوضى تخلخل في الأمن وقطع مجال الدعوة بل إعلاق بابها في وجه الدعاة المخلصين، فلا مجال للدعوة في بلد تسوده الفوضى، والاضطراب وتسيطر عليه شريعة الغاب، كما هو حاصل في بعض البلدان، فعلى الداعية أن يتفهم الوضع جيدًا ويكون عونا على الخير مانعا للشر والفساد، فكن مفتاحا للخير مغلاقا للشر، فالداعية صاحب رسالة وصاحب هدف عليه أن يسعى جاهدًا لتحقيق الهدف وتأدية الأمانة وتبليغ الرسالة، وهي تبليغ الدعوة ونشر هذا الدين في جميع بلدان العالم، ولا يمكن أن ينتشر هذا الدين إلا بانتشار الأمن، والحماية وتنفيذ الأحكام والحدود التي أمر الله بها وشرعها لحماية المصالح العامة، والخاصة حتى يأمن الناس على أنفسهم وعلى أموالهم وأعراضهم، فالإنسان إذا عاش في بيئة آمنة مطمئنة لا يخاف على شيء مما ذكر، فإنه يستطيع أن يعطي ويأخذ ويتفاعل، وينقاد للدعوة ويتعامل مع الداعية بروح الأخوة والمحبة والتعاون، وهذا أعظم هدف وأبلغ غاية أن يدخل الناس في دين الله أفواجا، وأن يكون

الجميع إخوة على طريق الدعوة الطويل متعاونين متحابين مطبقين لقول الحق سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} 1، فالداعية لا يستطيع الحركة إلا بتوفر الأمن بعدها يستطيع الداعية الانتقال من مكان إلى آخر بكل راحة وطمأنية؛ لأنه يعلم أن عرضه وماله ونفسه محفوظة بحفظ الله سبحانه وتعالى لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه فالأمن مطلب أساسي لنشر هذا الدين، وتبليغ رسالة السماء إلى العالم ومتى فقد الأمن اضطربت الحياة، وعاش الناس في خوف ورعب، وعدم استقرار ينتج عن ذلك عدم تقبل للدعوة؛ لأن الناس مشغولون بالأمن والبحث عن الأماكن الآمنة، والبحث عن العيش والاستعداد للدفاع عن النفس، والعرض والمال الذي يتوقع الهجوم المباغت من قطاع الطريق، وعصابات الإجرام المنتشرة في بعض بلدان العالم حيث لا تجد رادعا ولا موجها ولا ناصحا، ولا واقفا في طريقها بقوة السلاح، فكيف يهنأ هذا الإنسان الأعزل من السلاح في مثل هذه المجتمعات المتفككة، والمنهارة اجتماعيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا بل كيف يكون عند هذا الإنسان استعداد لقبول الدعوة، وهو يعيش هذه الظروف الحرجة والمخيفة والمحفوفة بالمخاطر إذًا لا بد من إيجاد الأرض الآمنة، والعمل على استتباب الأمن حتى يعيش الناس كل الناس في أمن وأمان، فهو مطلب أساسي يجب على الدعاة وغيرهم السعي إلى تحقيقه، وتثبيته بل وترسيخه والدفاع عنه حتى يأمن الجميع على أنفسهم، وأموالهم وأعراضهم أينما كانوا وحيثما حلوا، فالداعية بالذات يجب أن يساهم بقدر كبير من الحفاظ على النظام، وقطع دابر المفسدين

_ 1 تقدمت الآية: ص63.

والمخربين والداعين إلى الفوضى، وانفلات الأمن هؤلاء المفسدون في الأرض لا بد من تضافر الجهود، والقيام بالدور المطلوب من كل فرد على قطع دابرهم حتى يخرس المخربون، والمفسدون في الأرض الذين يدعون الإصلاح، ويرفعون شعاره ظاهرا، وباطنهم الخراب والفساد في الأرض بل المساعدة على انتشار الفوضى، والعمل على زعزعة الأمن والمساعدة في نشر الاضطراب، والفوضى والإزعاج لعباد الله، فهؤلاء المفسدون لا يريدون أحدًا يهنأ براحة، ولا يشعر برائحة الأمن بل يريدون التخريب، ويعجبهم انتشار الفوضى والاضطراب وهم يدعون المحافظة على الأمن وهم ضده، بل إنهم يشاركون في انتشار الفوضى ويصدون عن دين الله ويسخرون من العلماء ويصفونهم بالرجعية والتأخر، ويقفون للدعاة والعلماء بالمرصاد، يقفون حجر عثرة أمام كل داعية إلى الله حتى يتسنا لهم الاصطياد في الماء العكر، وحتى يطلقوا لشهواتهم البهيمية العنان، فهم المفسدون في الأرض حقا، هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنا يؤفكون، هؤلاء يجب على الدعاة وغيرهم كشف الستار عنهم، وتعريتهم وفضح مخططاتهم الإجرامية ضد هذا الدين وأهله، فهل تعرفهم؟ إنهم المنافقون والعلمانيون المرجفون في المدينة يدعون الإصلاح، وهم مخربون ويفرحون بالخراب ويشاركون فيه يدعون العلم والإصلاح، وهم يعملون ضده لجهلهم بهذا الدين ورسالته العالمة لا يعرفون من الدين إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه، فليكن الداعية على حذر من هؤلاء وليعمل على قطع دابرهم، ودابر كل مفسد ومنافق حتى تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذي كفروا السفلى وتصبح الساحة صافية نقية يتحرك فيها

الداعية دون معارض وحتى يعيش الناس في ظل الإسلام، فيشعر الإنسان كل إنسان بقيمة وجوده، بعدها يشعر بطيب العيش وراحة البال، والأمن والأمان وختاما لهذا الموضوع أرجو أن لا يفهم منه خلاف المقصود، كما هو حاصل الآن عند بعض طلبة العلم الصغار هداهم الله من سب، وتجريح لعلماء أفاضل عرفوا بالعلم، والورع وحب الخير والإصلاح، بل حتى الموتى لم يسلموا من شرهم، وتجريحهم والحط من قدرهم، وإنكار علمهم وفضلهم، قد صبوا جام غضبهم على هؤلاء العلماء الأفاضل، وكأنه لا يوجد غيرهم عدوا للإسلام في نظرهم، والعدو الحقيقي للإسلام يتفرج بل يوقد نار الحرب من بعيد وقريب. كما لا يفهم مما سبق أيضًا، أن الداعية إذا عاش في بلد تسوده الفوضى وعدم الاستقرار أن لا يتحرك، ولا يدعو إلى الله؟! بل قد تكون مثل هذه الظروف مكان خصب للدعوة، وسبب لقبول الناس لها فرارا مما هم فيه من الظلم والبؤس الذي يعيشونه، فقد بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوته في أوساط اجتماعية تسودها الفوضى، وعدم الاستقرار والظلم والجهل، ومع ذلك غير هذه المجتماعات في وقت وجيز حتى انتشر هذا الدين، وبانتشاره ساد الأمن والسلام ربوع البلاد التي وصلها الإسلام والحمد لله.

الجندي المجهول

3- الجندي المجهول: الداعية جندي مرابط بل له صولات وجولات أينما حل، وحيثما كان ليس مربوطا بزمان، ولا بمكان فهذا عمله طيلة عمره، وكثيرا ما نسمع بالجندي المجهول والتكريم، والتبجيل وعبارات الثناء والمديح لهذا الجندي الذي يسمونه مجهولا؛ لأنه قدم خدمة لبلده فكيف بالداعية الذي يقدم في كل يوم خدمات لدينه، وعقيدته ويتعب نفسه، ويقضي حياته ويقدم أغلى ما عنده لإرشاد الناس، وإنقاذهم من النار وإخراجهم من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا، والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن الظلمات إلى النور هذا بحق هو الجندي المعلوم، وليس المجهول هذا هو الذي يستحق التكريم، وعلينا جميعا أن نضع أيدينا بيده، ونسير في هذا الطريق طريق الدعوة وننهج هذا النهج القويم والصراط المستقيم {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 1. فالداعية جندي في الميدان ودائما مرابط وعمله في الدعوة رباط إذ هو أشرف عمل وأحسنه؛ لأن الداعية جندي من جنود الله {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} 2، والجندي الذي يعمل للخالق، ويراقب الخالق سبحانه وتعالى، لا يكل ولا يمل من العمل المتواصل، مثله في ذلك مثل الجنود المؤمنين المجاهدين في سبيل الله الصادقين في جهادهم إذا هم خاضوا المعارك الجهادية يصولون، ويجولون وينتقلون من ميدان

_ 1 انظر ص11، من هذا الكتاب. 2 سورة المدثر: الآية 31.

إلى آخر ويقدمون أوراحهم ودماءهم الزكية رخيصة، طاعة لله، يشعرون مع هذا التعب وهذا الجهد والخطر الذي يتوقعونه بين فترة، وأخرى أن تزهق أرواحهم ومع ذلك كله يشعرون بالراحة النفسية، والسعادة الأبدية لا تعدلها راحة ولا توازيها سعادة، وإذا حطت به الرحال وفتر الجهاد، وقعد المجاهدون تجد هذا المجاهد يشعر بالضيق، وعدم الارتياح "سئل أحد المجاهدين وقد أتى إلى أهله في إجازة قصيرة. لماذا لم تستشهد بعد؟؟ فأجاب لم أكن أهلا للشهادة. فمتى صرت أهلا للشهادة لا شك أن الله سيكرمني بها. والدعاية عمله أخف وأقل خطورة من المجاهد المقارع للأعداء الذي يتوقع بين فترة، وأخرى أن تزهق روحه، وأن يدنو أجله ومع ذلك تجده يخوض المعارك، ويقتحم المهالك عله ينال الشهادة ومع ذلك فهو قوي النفس قوي العزيمة عالي الهمة كلما سمع هيعة ذهب إليها. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة، أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه ... " الحديث1. فكن أيها الداعية مثل أخيك المجاهد، في الدعوة إلى الله وتبليغ رسالة ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وخالق الناس بخلق حسن وخالط الناس، واصبر على أذاهم فإن النصر مع الصبر، والداعية أينما كان مطلوب منه عمل وتقارير واقتراحات، وما لديه من سلبيات وإيجابيات أثناء ممارسته العمل في الميدان لتقويم العمل، وتطويره والرفع من مستواه ومعالجة السلبيات وتطوير الإيجابيات، كل ذلك يحتاج من

_ 1 رواه مسلم، كتاب الإمارة: "1889".

الداعية سرعة في الإنجاز مع الاتقان والعمل بصدق وإخلاص، والداعية قد يكون مرتبطا بدائرة حكومية أو مؤسسة إسلامية أو جماعة خيرية، أو منظمة عالمية، أو مدرسة خيرية، فعلى الداعية أن يقوم بما يكلف به من أعمال، حسب الجداول المعدة والخطط المرسومة، ولا تتأخر أو تسوف أو تترك عمل اليوم إلى الغد، وإذا أعطيت جدول عمل فلا تغير أو تبدل ولا تؤخر أو تقدم من تلقاء نفسك إلا بعد الرجوع إلى المسئول المباشر صاحب الصلاحية، وبعد الرجوع إليه عليك أن تنفذ ما تم الاتفاق عليه بينك، وبينه في الوقت المحدد دون تأخير أو تغيير، بل حاول أن تنتهي في مرحلة زمنية قصيرة، وأن تقدم جميع ما طلب منك من آراء واقتراحات وبحوث، أو مذكرات أو الإجابة على بعض التساؤلات والإشكاليات، أو ترجمة بعض المقالات أو طلب منك تقرير عما تقوم به، أو طلب منك خطة عمل عما تقوم به خلال فترة زمنية، أو طلب منك تقديم تقارير عن ما يقوم به مجموعة من الدعاة "مثل مديري مراكز الدعوة في الخارج، والداخل ورؤساء الأقسام وغيرهم من المسئولين عن سير الدعوة"، والداعية يعلم علم اليقين أن العمل الناجح هو الذي تتضافر فيه جهود العاملين حتى يصبحوا يدًا واحدة، وفي خندق واحد تحت ظل هذا المركز أو هذه المؤسسة، أو هذه الجمعية الخيرية، أو هذه الدائرة الحكومية أو القطاع الخاص. ومن مهمات المسئول عما ذكر أن يأخذ آراء جميع العاملين في هذا القطاع والاستفادة من أفكارهم، وخبراتهم في مجال العمل الدعوي وأن يأخذ في الاعتبار آراءهم، واقتراحاتهم وأن يعمل على تنفيذ الصالح منها، والصائب المناسب للبلد أو المكان الذي هم فيه؛ لأن الذي يصلح لبلد

"ما" قد لا يصلح لآخر وهكذا تختلف الطرق، والأساليب باختلاف المكان والزمان، والاهتمام بآراء الدعاة ودرستها والعمل على تنفيذها مما يعطي الدعاة الثقة بالمسئول عنهم، ويكون ذلك تشجيعًا لهم على مضاعفة الجهود وبذل الطاقة، وارتفاع المعنويات والاهتمام بالعمل أكثر؛ لأن الداعية إذا عومل بهذه المعاملة من قبل المسئول يشعر بوجوده وكيانه، وأنه عضو بارز في المجتمع بل داعية موفق، ومسدد إذا هي آخذت آراؤه واقتراحاته بعين الاعتبار مما يكون عنده حافزًا للعمل والزيادة في الإنتاج والرفع من مستوى الأداء، وتطويره واتباع الطرق والأساليب الناجحة في ذلك كما أن الاهتمام بالعاملين من قبل رئيس العمل، وإعطائهم الثقة في أنفسهم وعدم التضييق عليهم بالدوام، والواجبات يزرع في أنفسهم الثقة ويغرس فيهم حب العمل، والتفاني في تطويره وبذل الوقت والجهد الزائد عن أوقات الدوام الرسمي في العمل إذا لزم الأمر، والداعية مطلوب منه أن يكون قدوة في الخير منجزًا لجميع ما يطلب منه من أعمال، فهو عضو فعال من أعضاء هذه الدائرة، أو هذا المركز وهو بمثابة الجندي المرابط، فأقول لهذا الجندي لا تقصر، أو تسوف فإن التقصير ولو من أحد العاملين في الدائرة، أو المركز يضعف العمل ويختل وتقل الفائدة، فلا بد من التعاون على البر والتقوى من الجميع حتى تكون الفائدة ظاهرة، وتحصل الراحة والألفة والانسجام بين الجميع.

مراجعات

4- مراجعات: من الأمور الهامة لنجاح العلم أيا كان هذا العمل أن تراجع مديرك، أو المسئول عنك في العمل، أو من تثق برأيه من الزملاء السابقين لك في العمل، والذين لديهم خبرة ودراية ومعرفة، وإحاطة بالملابسات والمداخلات والإيجابيات والسلبيات التي لا يخلو منها عمل من الأعمال، فكن بها على تبصيرة قبل أن تعمل هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن في التشاور وجمع الآراء والأفكار والمقترحات، ثم تعميمها على الجميع بعد صياغتها وترتبيها، وتدقيقها في ذلك توحيد وتنظيم العمل الدعوي، وتضافر الجهود ونجاح العمل بأيسر السبل وأسهل وأقل التكاليف، والدعوة أهم من الأمور المالية التي يوضع لها المحاسب، والمراجع والمدقق ومأمور الصرف وهي أمور مالية، فكيف بأمور الدعوة؟ والداعية مطلوب منه العمل على توحيد الصف، وجمع الكلمة والرجوع إلى العلماء الكبار أهل الحكمة والمشورة في دقائق الأمور الدعوية، وجليلها ولاسيما أن هؤلاء العلماء محل ثقة المسلمين جميعا، على الداعية ولاسيما أن هؤلاء العلماء محل ثقة المسلمين جميعا، على الداعية إلى الله أن لا ينفرد برأيه ويعمل منفردًا، ويخطط وينظم لنفسه من نفسه، إن هذا العمل المنفرد خطأ كبير شعر به الداعية أو لم يشعر، إنه بهذا العمل وهذا المنهج حري به أن يقع في مشاكل يصعب الخروج منها، مع العلم أن المشاورة والتشاور من سنن المرسلين ورد ذكرها في القرآن الكريم، وفي السنة المطهرة في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ

الْمُتَوَكِّلِينَ} 1، كثيرًا ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشاور أصحابه، وهو الذي ينزل عليه الوحي من السماء، ومع ذلك ما استبد برأيه. فلا بد للداعية أن يسير على نهج نبيه وسيرة السلف الصالح من التأني والمشاورة، وعدم البت في أي موضوع إلا بعد دراسته من جميع الجوانب، ووضع الحلول المناسبة وتجنب السلبيات التي قد تعترض الطريق، إذا علم هذا فإنه يتأكد لديك أيها الداعية الكريم المشاورة، والرجوع إلى العلماء وأصحاب الحل، والعقد من المسئولين عن شئون الدعوة، ومعلوم أن الإنسان ضعيف بنفسه قوي باعتماده على ربه ومشاورته لإخوانه؛ لأنه مهما بلغ منالقوة والحنكة والخبرة وسداد الرأي إلا أنه يظل بحاجة إلى المشاورة، والاستفادة من آراء الآخرن وخبراتهم، ولوكانوا أقل منه علما، أو أصغر منه سنا أو أقل منه منزلة، فإذا كنت أيها الداعية تعمل موظفا حكوميًّا في مجال الدعوة، أو في مؤسسة إسلامية أو جماعة خيرية أن ترجع إلى المسئول، وتشاوره وتأخذ برأيه في جميع ما تعمل وتذر شريطة موافقته للكتاب، والسنة وأن تنفذ جميع ما يطلب منك في غير معصية الله سبحانه وتعالى، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فعليك أن تبذل الجهد وتعمل ما يطلب منك بجد واجتهاد وإخلاص وتجرد، متوكلا في ذلك على الله، طالبا منه وحده العون والمدد، فهو وحده المعين والموفق، والهادي إلى سواء السبيل.

_ 1 سورة آل عمران: من الآية 159.

الفصل الخامس: وجوب الدعوة

الفصل الخامس: وجوب الدعوة: 1- على من تجب الدعوة: قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ... } 1، فكن من أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- باتباع سنته والعمل بما جاء في سيرته، فقد أرسل الدعاة يمنة ويسرة إلى القبائل بل، وإلى الدول -التي تسمى عظمى- في عصره -صلى الله عليه وسلم- أرسلهم يدعون الناس إلى دين الله، وينشرون يسره وتعاليمه السمحة إلى البشرية قاطبة في مشارق الأرض ومغاربها، فالداعية إلى الله عليه واجب تكليفي من الله سبحانه وتعالى أينما كان وحيثما حل. "فهي فريضة من فرائض الله المحكمة؛ لأن بها يستمر الدين الإسلامي، ويعبد الله في الأرض على الوجه الذي شرع بأن يدعو إلى الله على علم، وبصيرة وعلى نور من الله سبحانه وتعالى"2. "فمنذ قامت دولة الإسلام في المدينة المنورة والدعوة إلى الله أول واجباتها، وأهم أعمالها، ولقد سالمت وحاربت في سبيل الدعوة إلى دين الله الحق المبين، وإزالة الشرك والكفر، وقامت بحماية الأمة الإسلامية دفاعا عن الدعوة وتأمينًا لبقائها واستمرارها، حتى لا تهلك عصبة المؤمنين في الأرض، ثم حملها الصحابة والتابعون بعد عصر

_ 1 سورة يوسف آية 108. 2 كتاب مسئولية الدولة الإسلامية عن الدعوة، د عبد المحسن التركي ص17.

النبوة، وحملها من بعدهم علماء الأمة ودعاتها حتى يومنا هذا، ولم ينقطع حبل الدعوة المتين في عصر من العصور، فقد حمل الإسلام ودعوته من كل خلف عدوله، ولم يخب صوت الدعوة إلى الله في الأرض حتى، ولو سيطر على بعض أطرافها غير المسلمين، كما حدث في بلاد المشرق، أو المغرب العربي في العصر الحديث"1. فالدعوة إلى الله تجب على كل مسلم ومسلمة تحت قيادة الدولة الإسلامية كما هو حاصل في المدينة المنورة، فترك الدعوة إلى الله معصية وإهمال، وتقصير في حق من حقوق الله سبحانه وتعالى، حيث أمر بها في محكم التنزيل في أكثر من موضع، فعليك القيام بهذا العمل سواء كلفت بها من قبل الدولة، أو المؤسسة أو الجمعية أو غيرها، أخذت عليه أجرًا أم كنت متعاونًا "والأجر من الله العظيم" إلا أن من أخذ أجرًا، وأحسن القصد فإنه بمشيئة الله وبمنه وكرمه سبحانه لا يحرمه الأجر، والثواب لكن العمل متأكد عليه أكثر من غيره؛ لأنه مفرغ لهذا العمل، ولا يسقط العمل الدعوي عن باقي الأمة فالجميع مكلف، وعلى كل واحد أن يقوم بما كلف به من خالقه، ومولاه الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو يطعم ولا يطعم سبحانه وتعالى. "ومن هذا يتضح بجلاء أن المكلف بالدعوة إلى الله هو كل مسلم ومسلمة؛ لأن الأمة الإسلامية تتكون منهم، فكل بالغ عاقل من الأمة الإسلامية -وهي المكلفة بالدعوة إلى الله- مكلف بهذا الواجب، ذكرًا كان أو أنثى، فلا يختص العلماء، أو رجال الحسبة ورجال الدعوة بأصل من هذا الواجب؛ لأنه واجب على الجميع، وإنما

_ 1 من كتاب مسئولية الدولة الإسلامية عن الدعوة، د. عبد المحسن التركي ص23.

يختصون بتبليغ تفاصيله وأحكامه، ومعانيه نظرا لسعة علمهم به، ومعرفتهم بجزئياته ويزيد الأمر وضوحًا -وهو أن المكلف بالدعوة إلى الله تعالى هو كل مسلم ومسلمة- قول ربنا سبحانه وتعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 1، ومعنى ذلك أن من اللوازم الضرورية لإيمان المسلم أن يدعو إلى الله، فإذا تخلف عن الدعوة دل تخلفه هذا على وجود نقص، أو خلل في إيمانه يجب تداركه بالقيام بهذا الواجب، وهو واجب الدعو إلى الله"2. فمن هذا المنطلق نقول: إنه واجب على كل مسلم ومسلمة بعينه3، وليس خاصًّا بفئة من الناس أو بمؤسسة أو جمعية خيرية أو مركز دعوة، أو هيئة من هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو دائرة من الدوائر الحكومية، فالأمر أعم وأشمل وأهم من أن يسند إلى فئة بعينها ويسقط عن الباقين، فلا يحركون ساكنًا ولا يغييرون منكرًا؛ لأن أحدهم لا يعتبر تغيير هذا المنكر في نظره القاصر من خصوصياته ولا من واجباته، حتى لو حصلت هذه المنكرات في بيته فما عليه لو تركها ولم يغيرها، إن هذا الفهم جد خطير ومدمر للأخلاق والقيم، وفهم خاطئ شنيع في فهم الدعوة ومتطلباتها

_ 1 سورة يوسف: الآية 108. 2 عن كتاب أصول الدعوة، تأليف د/ عبد الكريم زيدان "ص309-310". 3 كما أن فيه من قال: إنه فرض كفاية بدليل قول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ... } الآية وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} من هذا يتضح أن الدعوة تكون فرض عين على بعض الناس، وفرض كفاة على البعض الآخر، فهي واجبة على الجميع باتفاق العلماء "المصدر السابق".

وعمومها، فلا تستطيع أن تقوم بها فئة من الناس أو جماعة، أو مؤسسة فالأمر عام وشامل يهم الجميع ويعم الأفراد كل على حسب قدرته وجهده واستطاعته لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فالدعوة بهذا المفهوم الشامل العام "عالمية أوجبها الله سبحانه وتعالى على الجميع الذكر، والأنثى الصغير والكبير الحاكم والمحكوم الحر والعبد، كل على حسب استطاعته وقدرته، فإن من مقتضيات الدعوة وهدفها الأساسي إنقاذ العالم أجمع مما يعانيه منتفكك وتشتت وانحلال وميوعة، ومذاهب وعقائد باطلة وتسلط وعنصرية وبعد عن منهج الله، وإن مما يؤكد أن الدعوة الإسلامية فريضة حتمية، وواجب شرعي على كل مسلم عارف بما يلزم من الدين، وأنها أمر تكليفي من الله في حق كل من ينتمي لهذا الدين، كل على حسبه وطاقته واستعداده، كما أمر سبحانه وتعالى أمة الإسلام في كل زمان، ومكان أن يقوموا بدورهم في إنقاذ العالم الإنساني وهداية البشرية جمعاء"1. قال الله سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ....} 2. وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} 3. وهي ماضية إلى يوم القيامة لا تقف عند حدود، ولا بنهاية زمن محدد يحملها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فكن أخي المسلم

_ 1 من كتاب عقبات في طريق الدعاة "بتصرف يسير" القسم الثاني "ص503-504" عبد الله ناصح علوان أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة. 2 سورة النحل: الآية 125. 3 سورة يوسف: من الآية 108.

ممن يحمل هم الدعوة ويتحمل تبعاتها، فهي باقية ما دامت السماوات والأرض ولها خصائص: "فمن خصائصها أنها ماضية إلى يوم الدين، فهي لست وفقا على قرن دون قرن، ولا على مصر دون مصر، ولا على شعب دون شعب، وبهذه الخاصية تنفرد الدعوة الخاتمة شأنها شأن الرسالة الخاتمة عن دعوات الرسل -عليهم الصلاة والسلام- الذين بعثوا قبل نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم، ومما يدل على استمرار الدعوة الإسلامية وعمومها: 1- ختم الرسالة ببعثته -صلى الله عليه وسلم- ومقتضى ذلك أن تكون الرسالة الخاتمة كاملة تفي بحاجات البشرية، والدعوة إليها مستمرة وباقية ببقائها. 2- أنها عامة إلى الناس كافة. 3- ومن ذلك إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- ببقاء طائفة من أمته على الحق إلى قيام الساعة. 4- ومن ذلك كون الجهاد في سبيل الله ماضيًا إلى قيام الساعة، والجهاد من أبرز وسائل الدعوة وأهمها. 5- ومن ذلك أن الله تكفل بحفظ كتابه من التحريف، والتبديل والتزييف إلى يوم القيامة. 6- ومن ذلك أن الله عز وجل تكفل بتجديد ما اندثر من معالم الدين، وسنن الهدى، وموجبات الرحمة وذلك بوجود ودوام طائفة على الخير"1. وإن مما يدفع المسلم إلى الدعوة الإسلامية أنه يحظى بالأجر والمثوبة من الله، ويبلغ أعلى درجات المنازل والرفعة في الدنيا

_ 1 من كتاب أصول الدعوة وطرقها: "1/ 34-43" باختصار، د. عبد الرب بن نواب الدين.

والآخرة "إذا يتحتم على الدعاة أن يتحركوا للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجاهدوا في سبيلها ويرخصوا الغالي في إعزازها مع اعتقادهم الجازم أن الإسلام هو صمام الأمان في إنقاذ البشرية من كفرها وإباحيتها وانحرافها، وأنه هو الذي يخلص العالم الإسلامي مما يعانيه من تأخر وانحطاط، وما يصيبه من ميوعة وانحلال، فالأمر يتطلب من كل داعية يدعو إلى الله على بصيرة أن يهب من رقدته، وأن يضاعف من نشاطه، وأن يتحمل المسئولية، ليردوا هذا العالم الضائع، والبشرية المنكودة، والأمم التائهة والشعوب الإسلامية المتمزقة إلى نور الحق، وحقيقة التوحيد وآفاق المعرفة وهدي الإسلام، وأن يقولوا للدنيا، كما قال ربعي بن عامر من قبل لرستم: "ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"1. فمطلوب من كل مسلم ذكرًا كان أم أنثى أن يحمل لواء الدعوة، ويعلن حالة الطوارئ القصوى وساعة النفير والتعبئة العامة، وينخرط في ميدان العمل الدعوي بشروطه وضوابطه، فليس لك خيار أن تدعو أن تترك، فالدعوة واجب الجميع، فشارك إخوانك الدعاة في مشارق الأرض ومغاربها في الدعوة إلى الله لتنال الأجر والثواب من الله، وإن قعدت وتكاسلت عن هذا الأمر، فأنت الخاسر والله غالب على أمره وقادر على حماية دينه وتمكينه، وإظهاره في الأرض {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ

_ 1 من كتاب عقبات في طريق الدعاة "بتصرف يسير" القسم الثاني "ص503-504، 505" عبد الله ناصح علوان أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بحدة.

قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} 1، وللأسف الشديد ما نجده من جلد وصبر، ومصابرة وتحمل المشاق والسفر إلى أماكن بعيدة وغير آمنة من قبل النصارى أعداء الإسلام لا يألون في مؤمن إلا، ولا ذمة يدعون إلى دينهم الباطل تجد الواحد منهم يصول، ويجول ويعيش في أصعب الأماكن وأقسى الظروف من أجل نشر دينه الباطل يتحمل المشاق ويبذل المال، وقد يبذل النفس في سبيل ذلك، وليته يقف عند هذا الحد بل إنهم يكيدون للإسلام والمسلمين، ويعملون المكائد والمخططات ضد المسلمين ويعملون على خداعهم، لكنهم يخادعون الله وهو خادعهم فالداعية أولى بالبذل، والتضحية والتحمل وحمل الدعوة ليل نهار حتى يظهر الله هذا الدين على يديك، أو على أيدي من بعدك المهم أنك وضعت لبنة يقوم عليها البناء، ومن واجبات الداعية أن يبدأ بأقاربه {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} 2، والعشيرة تشمل أهل بيته وقبيلته التي ينتمي إليها، وكذلك من الواجبات دعوة الجيران والتوود إليهم وزيارتهم، والجار يشمل ويعم، والجار في السكن، والجار في العمل، والجار في المزرعة، والجار في المصنع، والجار في المتجر، والجار في السفر، وهو الذي بجوارك سواء كان السفر بالطائرة أو بالسيارة أو القطار، أو غير ذلك {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} 3، وكذلك الجوار بين الدول له حقوق، ومن هذه الحقوق أمر الدعوة وإرسال الدعاة والمعلمين، ومن هذه الحقوق الحفاظ على الأمن والاستقرار

_ 1 سورة محمد: من الآية 38. 2 سورة الشعراء: الآية 214. 3 سورة النحل: من الآية 8.

فالتعاون مطلوب من الجميع في تسهيل أمور الدعوة، وتبليغ رسالة الله بين الجيران على اختلافهم، ومن منطلق وجوب الدعوة على الجميع نعلم أن المرأة1 مسئولة عن أمر الدعوة أيضا، وداخلة في خطاب التكليف، فهي في بيتها تربي أولادها وتأمر بالخير، وتنهى عن الشر في بيتها وبين أقاربها وفي جلساتها مع النساء الأخريات، فعملها مع أولادها ومع أقاربها ومع من رأت في الجلسات والمناسبات دعوة، فهي تقوم على خدمة البيت وتربية الأولاد التربية الإسلامية الصحيحة، وتغرس في نفوسهم حب الجهاد وغيره من الفضائل، ومن وجوب الدعوة على الجميع أنها واجبة على الخدم أيضًا، وهم مسئولون عن أمانة الدعوة من المحافظة على الأمانة التي وكلت إليهم، وإتقان العمل والمحافظة على أسرار البيوت، وهذه دعوة بالقدوة وحسن السيرة والسريرة، فقد دخل في الإسلام أقوام بسبب حسن المعاملة والتعامل الصادق الذي كان يعمله التجار المسملون عندما يذهبون للتجارة غلى شرق آسيا كانوا يدعون بأعمالهم، وحسن معاملتهم حتى دخل أهل تلك الديار في دين الله أفواجًا، وما زال هذا الدين في تلك الديار يصيبه المد تارة والجزر تارة أخرى، ومن جوب الدعوة على الجميع نجدها تجب على المعلم، والمعلمة ومن في حكمها كمديري المدارس، ومديري التعليم وجميع من له علاقة عمل بالتربية والتعليم، سواء كان وزيرًا أم وكيلا أم مديرًا لقسم من الأقسام أو مركز إشراف، أو غيرهم كل هؤلاء تتأكد عليهم مسئولية الدعوة، وتوصيلها إلى الأجيال بأيسر الطرق، وأسهل السبل عبر القنوات الموصلة إلى الطالب

_ 1 وقد أفرد باب عن دور المرأة في الدعوة، "ص193".

والطالبة فهو الثمرة التي يجب علينا جميعا أن نوصل له العقيدة الصافية، ونغرس الإيمان وحب التضحية، ونشر الدعوة والعلم الجاد في نفوس الأجيال الصاعدة. عند هذا الحد أتساءل من بقي من المسلمين غير مسئول عن الدعوة وتبليغها؟ ألا كلكم راع ومسئول عن رعيته إنها واجبة على جميع المسلمين كل فيما يخصه، فالكلمة الطيبة دعوة، والقدوة الحسنة دعوة والمعاملة الحسنة دعوة، والصدقة والسعي لسد حاجة الفقير دعوة، وكفالة الأيتام والإنفاق عليهم دعوة، والإنفاق على المشاريع الخيرية دعوة وتوزيع الشريط الإسلامي دعوة، والزيارات للأقارب وغيرهم دعوة، فالدعوة عامة ومجالاتها كثيرة وكثيرة جدًّا فسبيل الدعوة واحد لا يتعدد قد رسمه الحق سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات، وسارت عليه الأنبياء من لدن نوح إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم. لكن الأساليب متنوعة والطرق متعددة وكثيرة جدًّا، وهذه من الحكمة في الدعوة أن بعضنا يكمل بعضا، فمن أتى ببعض ما يجب عليه في الدعوة وترك البعض الآخر الكفائي لغيره فإنه لا يلام، وكذلك من أتى بما يستطيع وما فتح له فيه من أبواب الجهاد، والدعوة والإنفاق والعلم وغيره، فيكون التكامل والتوازن في الدعوة. إذًا على كل مسلم أن يسلك الأيسر له، وما يستطيعه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وكل ميسر لما خلق له وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ومن أكثر الأعمال أجرًا عمل الداعية حيث إن أجره يستمر حتى بعد وفاته: قال -صلى الله عليه وسلم: "من دل على هدى كان له

"من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا" 1، ويقول -صلى الله عليه وسلم: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" 2، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدًا خير لك من حمر النعم" 3، ومعلوم أن حمر النعم الإبل وهي أنفس، وأغلى أموال العرب في ذلك الوقت.

_ 1 رواه الإمام مسلم: "2674". 2 رواه الإمام مسلم: "1893". 3 رواه الإمام البخاري: "2942".

الداعية في سباق مع الزمن

2- الداعية في سباق مع الزمن: عمل الداعية يختلف من غيره فهو يعمل لله ويطلب الأجر من الله، وهو في سباق مع الزمن يستمد من الله العون والقوة، فعمل الداعية ديمة متواصل ليل نهار، لا يكل ولا يمل ولا يفتر، ولا يتوانى فمن الله يستمد العون والقوة فما يزال قويًّا باعتماده على ربه وطلب العون منه لا يشعر بعجز، ولا كسل بل يشعر بالنشوة والقوة مع استمرار العمل الدعوي ليل نهار، هذا هو دأب الأنبياء والصالحين قال تعالى عن نوح عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} 1، فأنت داعية إلى الله في كل وقت وحين، وعمل الداعية ميداني أكثر منه مكتبي، فاغتنم الوقت فإنه يمر كما يمر السحاب، والوقت يمضي لا ينتظر أحدًا فالرابح من استغله، وعمل فيه خيرًا والخاسر من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، وترك الوقت يمر دون أن يقدم شيئًا لدعوته، ودينه خسران مبين فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، بعض من الدعاة هداهم الله فرط في وقته، وضيعه دون فائدة فندم ندما شديدًا، فوقتك هو عمرك والوقت وعاء يحفظ ما وضع فيه، فما عملت فيه من خير أو شر تجده عند رب عليم لا يغادر صغيرة، ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرًا ولا يظلم ربك أحدا، فالوقت الذي تعمل فيه خيرا هو لك وأنت الرابح، والوقت الذي لا تعمل فيه خيرًا هو عليك بل هو حسرة وندامة، فالداعية ليس كغيره من الناس يشعرون بالفراغ القاتل، أما علم

_ 1 سورة نوح: الآيتان 5، 6.

هؤلاء المفرطون أن بعض السلف مر على أناس يلعبون ويلهون فقال: "يا ليت الوقت يشترى فأشتري وقتهم". وهذا ناتج من ضيق الوقت عند هذا المصلح لكثرة عبادته، وكثرة الأعمال والأشغال في الخير وفي الدعوة إلى الله، فالمسلم ليس لديه وقت فراغ، فما بالك بمن جعل همه الدعوة إلى الله لا شك أن هذا الاهتمام، وهذا الهم الذي يحمله لدعته يأخذ منه كل وقته وتفكيره، إنه لا يجد وقت فراغ بل سيكون وقته ضيقًا ولا يتسع لباقي الأعمال الكثيرة التي رتبها ووضع لها الجدول، فهو ما بين قراءة في كتاب، أو تحقيق مسألة علمية، أو كتابة موضوع هام، أو ترتيب بحث أو تحقيق كتاب، أو إعداد كلمات موضوعات وعظية لإلقائها في المساجد، والمناسبات والتجمعات العامة، أو إعداد محاضرة ثم إلقائها، أو إعداد خطبة جمعة أو خطبة عيد وهذه تحتاج إلى إعداد واستعداد أكثر، أضف إلى ذلك أن الداعية إن كان ينتمي إلى دائرة حكومية، فهو مكلف بعمل حسب جدول معد والجدول مليء بالعمل المتواصل المنظم، فما على الداعية إلا أن يقوم بما عليه، وينفذ ما في الجدول المعد من إخوانه الإداريين في تلك الدائرة أو المركز الدعوي، "والدعوة إلى الله بابها واسع تشمل دعوة المسلمين وغير المسلمين، فبالنسبة للمسلمين ينتظم تعليمهم ما لا يسعهم جهله من أحكام دينهم، وتبصيرهم بما ينبغي أن يكونوا عليه في عقائدهم، وعباداتهم ومعاملاتهم، وتبين لهم وجه الحق فيما يلتبس عليهم، تصح المعتقد وترد على المعاند والمكابر. وتنظم وعظا لعامة المسلمين وخاصتهم، وإرشادهم ومناصحتهم وموالاتهم، وتنظيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحمل الناس على الالتزام بشرع الله وغير ذلك

من مجالات الخير والإحسان والبر والتقوى. وبالنسبة لغير المسلمين تبين لهم أن دين الإسلام هو الدين الحق الخاتم، وأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خاتم المرسلين، وأن شريعته ودينه ناسخ لما سبق من الأديان، وأن الإسلام عام للثقلين، الجن والإنس إلى قيام الساعة، وأن فيه الخير والصلاح للإنسانية أجمع، ثم تعرض عليهم محاسن الإسلام وأنه المنقذ للبشرية من ويلاتها، وما هي فيه من مشكلات اجتماعية وساسية واقتصادية وتطلب منهم الدخول فيه، وترك ما سواه من الملل والنحل، وترد على خصوم الإسلام وأعدائه"1. فانتبه أيها الداعية الكريم، ولا تترك وقتك يضيع دون فائدة فهو عمرك بل هو حياتك. قد هيئوك لأمر لو فطنت له ... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل ثم اعلم أن الأوقات تختلف باختلاف استعداد الناس من عدمه، وتهئو النفوس يختلف من موقت لآخر، فإقبال الناس على الخير وتقبلهم له في رمضان يختلف عن غيره، وقبولهم في موسم الحج يختلف عنه في ما سواه، وقل مثل ذلك في المناسبات المختلفة، والأحداث المتجددة من وقوع بعض الظواهر، وانتشار بعض الإشاعات التي تحتاج إلى إيضاح، وبيان من ناحية الشرع وما يحصل عند الناس على مرور الزمن من أفراح، وأتراح ومصائب تحتاج من الداعية إلى إيضاح وبيان، فأخذ الناس في مثل هذه الأوقات ومراعاة أحوالهم يكون له سر عظيم في التأثير والاستجابة.

_ 1 عن كتاب مسئولية الدول الإسلامية عن الدعوة، د. عبد الله بن عبد المحسن التركي "ص16".

كن طبيب عصرك فإن لكل داء دواء

3- كن طبيب عصرك فإن لكل داء دواء: الطبيب هو الذي يعالج من الأدواء، قد يهرع الناس إلى الطبيب زرافات ووحدانا عند الإحساس أو الشعور بأي ألم أو مرض، ولو أن أحدًا أصيب بمرض فلم يذهب للطبيب لامه الناس، وعتبوا عليه واتهموه بالإهمال والتقصير، أليس كذلك؟؟ ولو أن الناس سمعوا بانتشار مرض، أو نزول وباء لأسرعوا إلى مراكز التطعيم المضاد لهذا المرض أو هذا الوباء، وتزاحموا على مراكز التطعيم من كل حدب وصوب، كل هذا محافظة على سلامة الجسم وصحته، هذا شيء طيب ومطلوب ولا بأس أن يتداوى الإنسان، بل هو من الأمور المشروعة المباحة لكن الداعية يكون طبيبًا من نوع آخر، فالطبيب الذي يعمل في المستشفيات، والعيادات الخاصة والعامة طبيب أجسام، والداعية طبيب الروح، فالإنسان مكون من جسم وروح، ولا حياة للجسم بدون روح ولا بقاء للروح بدون جسم. إذًا لا بد من التوازن بين مطالب الروح ومطالب الجسم، إذ إن بينهما ارتباط وثيق فلا بد من التوازن بينهما، فمن الذي يضع التوازن ويهتم به غيرك أيها الداعية الكريم، فأنت طبيب الروح إن كان الطبيب المعروف يعالج الأجسام، فأنت تعالج الروح التي داخل الجسم فهي أدق وأصعب؛ لأنها داخلة وخفية وصعبة الانقياد للعلاج، فمن الأرواح من يقبل العلاج ويقبل عليه وينقاد له، ومنها من يرفضه جملة وتفصيلا ومن الأرواح من يحتاج إلى فترة طويلة تحت العلاج، فمن يقدم هذا العلاج للناس كل الناس إلا الداعية المخلص في دعوته الذي يتنقل من مكان إلى آخر، ويتجول في

أوساط الناس يغشاهم في بيوتهم وأماك تجمعاتهم، وأسواقهم وأنديتهم ليقدم لهم العلاج ويصرف لهم الدواء بدون جزاء ولا مقابل، الناس يأتون إلى طبيب الأجسام، ويبذلون الأموال الطائلة في سبيل الشفاء من المرض، والداعية هو الذي يتحمل المشاق، والتكاليف ويذهب إلى الناس ويعيش معهم في أوساطهم، وأماكن تجمعاتهم حتى يعرف المرض ويشخصه تماما، ومن ثم يقوم بالعلاد ويبدأ في صرف الدواء، فهو طبيب النفوس الحاذق الماهر الذي يعرف الداء ويصرف له الدواء النافع المفيد، فالداعية مسئول أمام الله إذا لم يقم بهذا الدور الفعل في المجتمع الذي يعيش فيه، وهو مكلف تكليفًا أكيدًا لا خيار له فيه، ولا تراجع بل لو تراجع أو ترك الدعوة إلى الله عاقبة الذي كلفه بها، وهو العليم الخبير عالم السر وأخفى لا يخفى عليه شيء من عملك، ولا حركاتك في الدعوة وفي غيرها، إذا مطلوب من الداعية أن يتحرك بين أوساط الناس، وأن يعمل جاهدًا لعلاج الروح، فهي تمرض وتسقم بقدر من الله، فمن هذه الأمراض ما يكون شديدا، ومنه ما يكون خفيفا وخاصة بدايته. مثلها مثل الجسم تمامًا فأول ما يبدأ خفيفا بسيطًا، ثم يبدأ العد التصاعدي في البعد عن منهج الله، فإن عولج هذا المرض في بدايته شفي صاحبه بإذن الله، وإن ترك المرض حتى انتشر في الجسم وتمكن منه صعب علاجه، إن الداعية كالطبيب فلا يقدم للمصاب بمرض السرطان علاج مرض السكر، ولا لمريض السكر علاج مرض الصدر، بل يقدم لكل مريض العلاج المناسب له، ويراعي كذلك عند تقديم العلاج القدر، والأسلوب الملائمين لطبيعة المريض كي لا يصير ضرر العلاج أكثر من نفعه"1.

_ 1 عن كتاب مراعاة أحوال المخاطبين. د. فضل إلهي ظهير "ص159".

فالواجب على الداعية معرفة المرض أولًا من جميع الجوانب، فقد يكون مرض بدعة وقد يكون مرض شبهة، وقد يكون مرض شهوة إلى غير ذلك، فإذا عرفت المرض سهل العلاج، الحمد لله أن هذا العلاج لا يكلف مبالغ مالية ولا تكاليف بدنية؛ لأن العلاج يصرف "بالمجان" -إن صح التعبير- فدور الداعية أن يعطي العلاج بعد معرفة ما عند الفرد، أو الأفراد من مخالفات شرعية في العقيدة أو العبادات أو المعاملات، أو الأخلاق والسلوك إلى غير ذلك مما هو منتشر عند كثير من الناس، فكما أن طبيب الجسم لا يعطي علاجًا واحدًا لعدة أمراض، فكذلك الداعية تعرف على النفوس، وما تميل إليه وما يصلح لها ويصلحها، عندها يمكن للداعية أن يدخل إلى أعماق النفوس والقلوب، ويزيل ما علق بها من أمراض الشهوة والشبهة، والبدعة حتى تصبح بيضاء نقية خالصة لربها وخالقها، "فالمرشدون هم أطباء المجتمع، ومن شأن الطبيب أن يهتم بمعرفة الأدواء، ثم يعمل على علاجها بادئًا بالأهم فالمهم، وهذه طريقة أنصح الأطباء وأعلمهم بالله، وأقوامهم بحقه وحق عباده، سيد ولد آدم عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام، فإنه -صلى الله عليه وسلم- لما بعثه الله بدأ بالنهي عن أعظم أدواء المجتمع، وهو الشرك بالله سبحانه وتعالى، فلم يزل من حين بعثته يحذر الأمة من الشرك، ويدعوهم إلى التوحيد إلى أن مضى عليه عشر سنين، ثم أمر بالصلاة ثم ببقية التشريع، وهكذا الدعاة بعده، عليهم أن يسلكوا سبيله، وأن يقتفوا أثره بادئين بالأهم فالمهم"1.

_ 1 نقلًا عن كتاب: "نحو دعوة إسلامية رشيدة" لمؤلفه: د. محمد عبد القادر هنادي "ص195" من مقال لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في الدعوة "ص71، 72".

فإن هذا دورك وواجبك إن لم تقم به اختل التوازن عند الناس، وضاعت القيم وانتكست الموازين والمعايير والمقاييس، حتى يصبح الحق باطلًا والباطل حقًّا واعتلت النفوس، وهزلت وضعفت عن القيام بالواجبات الشرعية، والأمور الدينية فلا تعرف معروفا، ولا تنكر منكرًا حتى إن السنة تصبح بدعة والبدعة تصبح سنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فيعيش هذا المريض محجوبًا عن نور هذا الدين المشع إلى العالم، فقد أحيا الله به قلوبًا غلفا وفتح به آذانًا صمًّا وأعينا عميا، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب.

الداعية والمجالس

4- الداعية والمجالس: الداعية ينظر الناس إليه بمنظار آخر فهم يرصدون أقواله، وحركاته ويعتبرونه قدوة لهم في كل شيء، فهو داعية بأقواله كما أنه داعية بأفعاله وحركاته ومظهره، ومخبره فالناس ينظرون إليه أنه قدوتهم، وأن ما يفعله من الشرع، فحذار أن يراك الناس وأنت جالس في مجلس فيه منكر، فيظن الناس أن هذا الجلوس، والرضا إقرار منك لهذا المنكر، والمؤمن كيس فطن فلا يجلس في مجلس فيه منكر، وهو لا يقدر على تغييره، مثل أن يجلس في مجلس فيه غيبة ونميمة أو فيه طرب، وغناء ومزمار وموسيقى ورقص ولهو، أو مجلس فيه لعب الورق والشطرنج، وغيرها من الملهيات القاتلة للوقت، أو يجلس على مائدة يدار عليها الخمر، فإن جلوسه دون تغيير هذا المنكر منكر، وقد يظن به السوء ومن ثم ينصرف الناس عن قبول دعوته، وسماع كلامه ويعتبرونه منافقًا ومرائيًا ومداهنًا وموافقا على عمل الحرام وتناول الحرام، فالداعية يربأ بنفسه وبدعوته عن مثل هذه المجالس السيئة، فلا يجلس فيها إلا إذا كان قصده من الجلوس التغيير، والإنكار فلا بأس بذلك شريطة أن يستجاب له ويغير المنكر، ويرى قبولا لدعوته، فإن لم ير قبولًا واستجابة لدعوته فعليه أن يقاطع هذا المجلس، ويخرج منه ولا يجلس مع قوم يعصون الله سبحانه وتعالى، وقدوتنا في ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد كان يغشى قريش في نواديهم، فيأمرهم وينهاهم ولا يجالسهم بل كانت مجالسته للمؤمنين الصادقين امتثالا لأمر ربه {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ

عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} 1، وإياك والمداهنة وهي السكوت عن الحق، أو التكلم بالباطل أو موافقة أهله عليه أو بعضه، ولو بالسكوت على إنكاره مثل أن تجلس مع قوم لا يصلون جماعة في المسجد، أو تكون منهمكًا في العمل الوظيفي، أو غيره من الأعمال الأخرى وتفوتك صلاة الجماعة، فإنك إن فعلت فأنت من الظالمين قال الله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} 2، وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} 3. أما المجاملة: فإنها تختلف عن المداهنة؛ لأنها بمعنى المداراة وهي جائزة إلا فيما حرم الله سبحانه، فإنها تصير مداهنة كما سبق فحافظ على دعوتك، وعلى سمعتك من الخدش والدنس وصنها نظيفة نقية صافية حتى تلقي ربك بقلب سليم، وتصون عرضك وسمعتك عن الدنس بالمحافظة على أوامر الله، والبعد عما نهى الله عنه.

_ 1 سورة الكهف: الآية 28. 2 سورة القلم: الآية 9. 3 سورة الماعون: الآيتان 4، 5.

الفصل السادس: ثقافة الداعية

الفصل السادس: ثقافة الداعية: 1- الإطلاع: من الأمور الهامة للداعية أن يكون واسع الاطلاع كثير القراءة يبحث عن كل جديد، ومن ذلك الكتب الجديدة والنشرات الخاصة بالدعوة، فإن الاطلاع على الكتب، وخاصة كتب العلماء الذين لهم باع طويل وتجربة مديدة في الدعوة، جديرة بالقراءة والاستفادة منها، فسيجد فيها القارئ بغيته وضالته، وسيجد بعض الحلول لمشاكله وتساؤلاته، كما أنه سيجد فيها الأسلوب الأمثل والطريقة الصحيحة للدعوة، وخاصة إذا كانت هذه الكتب قد صدرت من عالم موثوق بعلمه وعقيدته، كما أنه لا بد من الاطلاع على كل ما يصدر من الجهات المسئولة عن أمور الدعوة، والوعظ والإرشاد بين فترة وأخرى من تعاميم، ونشرات وبحوث ومجلات وكتيبات، وتعليمات خاصة بالدعوة والدعاة لا سيما إذا صدرت من قسم الطبع، والترجمة بوزارة الشئون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، أو من جهات موثوقة معروفة بسلامة منهجها، واعتدالها واقتفائها لأثر السلف الصالح. لا شك أنها جديرة بالعناية والاهتمام؛ لأن القارئ سيجد فيها الكثير من التوجيهات والتعليمات، والإرشادات الخاصة بالدعاة، كما يفضل الاحتفاظ بها والرجوع إليها وقت الحاجة، فعمل الدعوة متجدد مع تجدد الزمن

وتغير الوسائل وتعدد الطرق باختلاف المكان والزمان، وتغيرهما فلكل زمان طرقه ووسائله، وأساليبه ولكل مكان الطرق والوسائل، والأساليب الخاصة به فما يحصل في زمان لا يحصل في زمان آخر، وما يصلح في بلد قد لا يصلح في البلد الآخر إذ إن الوسائل متجددة بتجدد الاختراعات، والصناعات فلا بد للدعاة أن يواكبوا ذلك التجديد، ويستخدموا الوسائل الحديثة، ويسخروها في مصلحة الدعوة كما هو حاصل الآن من وسائل الإعلام، وسرعة الاتصال وسهولته حيث إنك تستطيع إيصال صوتك، أو رسالتك إلى أي مكان في العالم، والداعية عليه أن يدخل الميادين التي فيها خدمة للدعوة، ويتعرف على ما جد من طرق وأساليب جديدة في مجال الدعوة، كما أنه ينبغي للداعية أن يكون على اطلاع ومتابعة لما يعمله أعداء الإسلام ضد هذا الدين، وما يحيكونه من مؤامرات في مؤتمراتهم وخلواتهم، حتى لا يخدع وحتى يقابل هذه المخططات، وهذا الهجوم الشرس على الإسلام بصده والوقوف ضده، بل إننا نأمل أن تدخل الدعوة الإسلامية جميع بلدانهم بل بيوتهم، وقراهم حتى يدخل الناس في دين الله أفواجًا وتشرق الأرض بنور ربها بمشيئة الله وقدرته، وما ذلك على الله بعزيز.

الدعوة واللقاءات

2- الدعوة واللقاءات: احرص على حضور اللقاءات والاجتماعات التي تعقدها الدائرة الخاصة بالدعوة، فكثيرًا ما تعمل الدوائر الحكومية والمؤسسات العامة، والشركات والجمعيات اجتماعًا خاصًّا بأفرادها، يناقش في هذا الاجتماع أفضل الطرق، وأسهل السبل لإنجاز الأعمال، ونجاحها والطرق الموصلة إلى ذلك، كما يناقش المجتمعون غالبًا سلبيات وإيجابيات العمل، والوسائل الكفيلة بالقضاء على السبيات التي تقف حجر عثرة في طريق الدعاة، كما ينقاش غالبا الإيجابيات والإنجازات، ووسائل استمرارها والحفاظ على مكتسبات الدعوة بل الرفع منها وتعزيزها وخاصة المكتسبات والمعطيات، والإنجازات التي حققتها الدعوة خلال الفترة الزمنية الماضية، كل هذه الاجتماعات طيبة ومفيدة إذا تم الاستعداد والتحضير لها من قبل المسئولين، وحضرها رئيس الدائرة وكان له دور فعال في إدارة الجلسة، وما يدور فيها من مناقشات واقتراحات، وتساؤلات وطرح بعض العقبات التي تقف في طريق الدعاة، والحلول المناسبة لها وتقريب وجهات النظر، ووضع النقاط على الحروف، واتبع رئيس الجلسة أسلوب الإقناع بالدليل والبرهان، وعدم التعصب للرأي، فإنني أرى والحالة هذه أن حضور مثل هذه اللقاءات سيسفر عن فوائد جمة ونافعة للمجتمعين، وأنهم سيخرجون من هذا الاجتماع بثمار يانعة وفوائد عظيمة، وخاصة إذا كان العضو المشارك عنصرًا فعالًا يدلي

برأيه بجرأة ويطرح اقتراحاته بصراحة وشجاعة، بدون تعصب للرأي أو تحزب لمذهب أو اتباع لشخص بل هدفه تقويم العمل، والرفع من مستواه والعمل على تطويره، ووضع الوسائل الكفيلة لنجاحه، وبذل الجهد والطاقة لإزالة العقبات التي تقف في طريق الدعوة وتذليل الصعاب، علما أن الذي يعمل هو الذي يجد عقبات وصعوبات، وأشواكًا على الطريق، أم الخامل الجالس القاعد عن المسير فهو لا يجد شيئًا من ذلك كيف يجد عقبات، وهو لا يعمل ولا يتحرك بل غير مبال ولا مهتم، فإن مثل العامل الجاد، والجالس القاعد. كمثل المسافر سفرًا شاقًّا، والجالس في مكان مريح -ومكيف- بين أهله وذويه من الأهل، والأقارب والأصدقاء والأحباب، لا يحس بتعب ولا يشعر بملل يأكل ويشرب ويرقد، فالذي يناقش ويقترح ويشارك في كل مسألة ويدلي فيها بدلوه أثناء عقد الاجتماعات والجلسات، والدورات دليل على قوة همته وأنه يعيش فعلا هم الدعوة، ويعمل لها ويحيا من أجلها. أما الذي لا يناقش ولا يحب الزيادة في تكاليف العمل، فهذا دليل على خموله وعدم جديته غالبًا فهو يحب الجلوس وعدم المسير أما الداعية ذو الهمة العالية، فهو يحب المسير إلى الله داعيًا وموجها يتغلب على جميع الصعاب والعقبات ويذللها، وهذا الصنف هو الذي يكون ناجحا في حياته العملية بما يقدمه من فائدة وعمل وإنتاج، وهذه البرامج واللقاءات التدريبية، والدورات الثقافية من الأمور الأساسية في تطوير وإضفاء روح التعاون بين الدعاة، ولم الشمل، وتوحيد الكلمة، وإذكاء الهمم، وإحياء القلوب، وصقل النفوس، وتبصير الجاهل، تقوية الروح المعنوية لدى الداعية، كل هذا وأكثر يحصل

في مثل هذه البرامج المنظمة، من قبل علماء أفاضل مخلصين نذروا أنفسهم للدعوة إلى الله، فلها يحيون ومن أجلها يعيشون وفي سبيلها يموتون، فاحرص وفقك الله إلى الخير، وفعل الخير إلى حضور هذه المجالس، وأن يكون لك دور فعال فيها، وأن تشارك بإحيائها والعمل على نجاحها واستمرارها لخدمة الدعوة والدعاة، وأن تكون إيجابيًّا وعضوا فاعلا نشيطًا في مثل هذه الدورات، والبرامج التي تعقد بين فترة وأخرى، فلا تفوتك مثل هذه البرامج والدورات، فالعلم متجدد ولا يقف عند حد، والداعية مطلوب منه أن يواكب التطور المادي، والحضاري في دعوته بما يوافق الشرع، ولا يعارضه أو يناقضه، ولا يتوقف الداعية عند أساليب، وطرق قديمة -أكل عليها الزمن وشرب- قد تصلح لزمانها ولا تصلح لزماننا، فالقواعد أمام الدعاة موجودة الكتاب والسنة والأساليب كثيرة، ومتعددة كلها سليمة بشرط أن تدور مع الكتاب والسنة حيث دارا. أما ما يحصل من الاقتراحات والأفكار أثناء الاجتماعات، فهي تحتاج وتفتقر إلى اجتماع الرأي والاتفاق على جميع ما طرح من مسائل، واقتراحات وتدوينها ومن ثم توزيعها على المجتمعين، فهو ضروري من أجل أن تكون هذه القرارات حيز التنفيذ، ولا تكون حبرًا على ورق تغمر في سلة المهملات، فيكون الاجتماع مثل ذر الرماد في العيون، فيصاب المجتمعون بخيبة أمل ويكون هدف الاجتماع مجرد تنفيذ، وعقد اجتماع كما هو مطلوب رسمي من رئيس الدائرة بغض النظر عن ثمرته وفوائده، فلا بد من العناية والاهتمام بالقرارات، وخاصة ما تم الاتفاق عليه من قبل المجتمعين حيث إن هذه النتائج لم تأت من فراغ، وإنما هي عصارة وثمرة جهد، وخبرة من إخوان لك عملوا في

الميدان وجربوا كثيرًا، وخدموا الدعوة طويلا فلا بد من أخذ آرائهم، وأفكارهم بعين الاعتبار، والعمل على أن تكون حيز التنفيذ فاحرص أيها الداعية الكريم على حضور جميع ما يعقد من الندوات، والدورات المتخصصة في شئون الدعوة والمحاضرات العلمية، وجميع اللقاءات ومن هذ اللقاءات والاجتماعات النافعة ما يعقد بين فترة، وأخرى من دورات تدريبية وبرامج مكثفة عن الدعوة والدعاة، يقوم بعقدها وتنظيمها جهات مسئولة عن الدعوة داخل الدولة وخارجها، كما أن هذه الجهة المسئولة عن الدعوة تحدد ما يلقى فيها ضمن برنامج زمني محدد، إن مشاركة الداعية في الاجتماعات، واللقاءات أمر بالغ الأهمية حين تدعو الحاجة إليها، وتنظم شكل صحيح تعد هذه الاجتماعات أسلوبًا فعالًا في تبادل الأفكار والآراء، وتقوية العلاقات بين الدعاة.

الداعية والعلم

3- الداعية والعلم: الداعية من أحوج الناس إلى رفع مستواه الثقافي والعلمي، وتنمية مواهبه المهارية، وزيادة معارفه ومعلوماته الخاصة والعامة، وذك بتعاهد القرآن الكريم وعلومه، والسنة المطهرة وما يتعلق بها، والاطلاع على أمهات الكتب والمراجع، وخاصة ما يتعلق بأمور العقيدة، ومصنفات الفقه والتأريخ والسير المعتمدة، والمصنفات المأمونة والرجوع إليها عند الحاجة، وخاصة عند ورود سؤال على الداعية لا يجد له جوابًا، أو عند إرادة إعداد بحث لبعض الأمور الخلافية والتحقيق فيها، والتأكد من القول الصحيح المسند بالدليل من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة، فإن السائل أو القارئ غالبًا لا يقتنع إلا إذا سمع الدليل، وأي قول أو تحقيق يخلو من الدليل فهو مردود على قائله، فلا بد للداعية من أن يجتهد، ويبحث ويقرأ ويحقق المسائل الخلافية ويرجح الصواب في ذلك، كما على الداعية أن يبدأ يتفهم الأولويات مثل قضية الإيمان والعقيدة، فلا بد أن تكون عقيدته صافية نقية حتى إذا أراد أن ينقلها للناس ينقلها بهذا الصفاء وهذه الشفافية المرهفة كما علمها، وتعلمها من العلماء الأفاضل، أما إذا كان في إيمان الداعية ضعف، وفي عقيدته غبش أخذ يدعو من غير علم وبصيرة، وروية فإنه يضر أكثر مما ينفع، ويخرب أكثر مما يصلح، ويهدم أكثر مما يبني يتخبط في دعوته يصوب الخطأ، ويخطئ الصواب وينهى عن السنة، ويحث على البدعة جهلًا منه، ويتوخى الحكمة ولا ينظر في العواقب ولا يفقه الترجيح بين المفاسد والمصالح، وبالتالي يتحول إلى معول هدم

ينخر في جسم الأمة كالسوس في الخشب، أو كالسرطان في الجسم، فمثل هذا الذي يدعي الإصلاح ويدعي العمل لصالح الدعوة، وهو في الواقع مفسد ومخرب أقول: يجب على الأمة أن توقفه عند حده، ولا يسمح له بنشر سمومه وأفكاره المنحرفة في المجتمع إلا أن يعرف الحق، ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى ويعلن توبته من الأخطاء التي وقع فيها، أما إن أخذته العزة بالإثم وتكبر على الحق، فيجب أن يؤدب بما يستحق من ولي الأمر أو من ينيبه من القضاة والأمراء، والولاة والسلاطين فإن عليهم مسئولية إيقاف مثل هؤلاء المخربين لعقائد الناس، ومذاهبهم نحمد الله سبحانه وتعالى أن هذا الصنف من الناس قليل فضلا عن الدعاة ففيهم أقل، ثم اعلم أيها الداعية أن مدار الأعمال على النية، فأخلص النية لله وحاول أن تكون علاقتك بالكتب والمكتبات وثيقة، بل يفضل أن تجعل لك وقتا مخصصًا للقراءة يوميا، حاول تدوين1 بعض النقاط الهامة، والعبارات البليغة وغير ذلك مما قد تحتاج إليه فيما بعد، فيسهل الرجوع إليه والاستفادة منه. قال الشاعر: العلم صيد والكتابة قيده ... قيد صيودك بالحبال الواثقة فمن الغباوة أن تصيد غزالة ... وتتركها بين الخلائق ضائعة "ومما يدعو إلى العجب ويثير الدهشة ما صدر من علماء السلف في موضوع العناية بالكتاب والكتابة، وكيفية النسخ والحث على

_ 1 المراد بالتدوين: أي كتابة ملخص قصير عن الكتابة ومحتواه إما في ورقة ملصقة في الكتاب، أو على إحدى صفحات الكتاب الخالية.

الجيد من الورق، وصفة القلم الذي يكتب به، والحبر ولونه1، وبهذا كان حرصهم على جمع الكتب عظيمًا وحبهم لها شديدًا فهي جليسهم الذي لا يمل وصاحبهم في السفر، ومائدتهم في الجلسات وأنيسهم في الخلوات بل إن منهم من قال: "لا يدخل إلا سوق الكتب والسلاح"2، "ومن المعاصرين، الشيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى وغفر لنا وله- يقول عنه الشيخ محمد الشيباني: ولعل الاهتمام بالحديث أصبح شغله الشاغل، حتى كان يغلق محله ويذهب إلى المكتبة الظاهرية، ويبقى فيها اثنتي عشرة ساعة لا يفتر عن المطالعة والتعليق، والتحقيق إلا أثناء فترات أوقات الصلاة. وكان يتناول طعامه البسيط في المكتبة في كثير من الأحيان، ولعمري هكذا الأوائل من أهل الحديث أمثال ابن الجوزي، فقد كان يقول: كنت آكل الخبز اليابس، وأشرب عليه ماء النهر بكورة البصرة"3، والناس في حال القراءة أصناف متعددة فمنهم من يهتم بالأدب والشعر، ومنهم من هو مغرم بالرياضة وأخبارها، ومنهم من يتابع الأخبار والأحداث، ومنهم من هو مهتم بالصحف والمجلات، ومنهم من هو مهتم بالتجارة والاقتصاد، وما ينشر حول ذلك ومنهم من يعجبه، ويشغله أمور أخرى وو و.... إلخ. إلى كل هؤلاء نقول: عليكم مع ذلك بالعلم الشرعي والثقافة الشرعية، ولا سيما الداعية فثقافته تختلف عن هؤلاء، وأولئك فهو إن قرأ

_ 1 ومن اللطائف أن الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- استعمل ثلاث ألوان في كتابه الإصابة الذي ألفه على مدى أربعين عامًا. قال رحمه الله تعالى: وقد قيدت بالحمرة أولًا، ثم بالصفرة، ثم بصورة ما يخالطهما 1/ 699. 2 عن كتاب القراءة، لمؤلفه العتيق "ص 10". 3 انظر كتاب "حياة الألباني".

فيقرأ بعمق لا للإطلاع1، يقرأ ليستفيد ويفيد ويغذي ثقافته، ومعارفه العامة حتى يفيد نفسه أولًا ثم ينقل هذه الفائدة إلى غيره فهو يأخذ، ويعطي فالعبرة من القراءة هي الاستفادة من الكتاب لا بعدد الصفحات، ولا بعدد الكتب التي تنهيها دون أن تستفيد منها، والقراءة المفيدة هي التي يصاحبها ارتياح نفسي وحضور قلب، ورغبة أكيدة وجو مناسب خال من الإزعاج، وإذا مر عليك وأنت تقرأ عبارة غير واضحة، أو حكم شرعي غير واضح كذلك فعليك باللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء، والاستغفار والذكر {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} 2، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} 3، ثم عليك أن تسأل أهل العلم، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون حاول الاطلاع في كتب اللغة العربية لحل ما استعجم من الكلمات، أو الشرح إن كان حديثًا. إذًا لا بد من الحرص على القراءة والاطلاع ولا سيما الدعاة، فهم أحوج الناس إلى أن يتزودوا بالعلم النافع والعمل الصالح، ويتسلحوا بالصبر والإيمان {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} 4. فالعلم خير زاد وخير سلاح؛ لأنه سبب للتقوى وسبب لكل خير وفضيلة وتقدم، إن من أسباب تأخر أمة من الأمم هجرها للقراءة، فهي مصدر الوعي في المجتمعات وهي نماء العقول، وإبصار للأعمى، ومجالسة للعلماء والفضلاء وبها تعرف أخبار السالفين، ومنها تعلم

_ 1 لا بأس أن يقرأ للاطلاع لمعرفة ما يجري في الساحة حتى يستطيع الرد والتوجيه والتغيير، أما ثقافته فينبغي أن يتعاهدها من المصادر المتخصصة الصحيحة. 2 سورة الكهف: الآية 24. 3 سورة البقرة: من الآية 282. 4 سورة البقرة: الآية 197.

أحوال المعاصرين، إن من أفضل ما يعمر به المرء ساعات ليله ونهاره: عبادة ربه جل وعلا، فهي العمر الحقيقي للإنان الذي سيجني ثماره بعد الممات، وإن من أفضل العبادات وأجل القربات: طلب العلم وتحصيله بنية خالصة عن طريق الكتب قراءة على العلماء أو بانفراد، مع الحذر من قراءة أي كتاب مجهول مؤلفه، أو معروف بالفسق والزندقة، والانحراف فالكتب تختلف باختلاف محتواها ومؤلفيها، فهي إما داء أو دواء أخي الداعية عليك بتنمية ثقافتك عن طريق الكتاب النافع، والشريط الإسلامي وحضور المحاضرات والدروس والندوات العلمية، والبرامج الثقافية والدورات الموسمية، أخي على طريق الدعوة احرص وفقك الله على تنمية ثقافتك، وخاصة ما يتعلق بأمور الدعوة، إن الداعية اللبيب هو الذي يحرص كل الحرص على زيادة ثقافته، وتنمية معلوماته العامة، وذلك بالقراءة المستمرة للكتب وخاصة كتب الدعوة، وما يلحق بذلك من بحوث، ورسائل ونشرات تخص الدعوة، ويفضل أن يخصص الداعية وقتًا كافيا للبحث، والتنقيب في أمهات الكتب عن بعض المسائل الخلاقية التي كثيرا ما يتساءل الناس عنها ويختلفون فيها، فيلخص الداعية ما توصل إليه من نتائج وإيجابيات نافعة مقرونة بالدليل، وأن يطلع على ما يجد من بحوث ورسائل وتجارب ناجحة للدعوة الإسلامية، وليس هناك صعوبة في أمر الاطلاع، والقراءة فالكتب والكتيبات والرسائل، والمراجع من أمهات الكتب قل أن تخلو منها مكتبة عامة بل قد توجد جميعها، أو بعضها في المكتبات الخاصة في البيوت والمكاتب المهتمة بالكتب، أما مكتبات وزارة الشئون الإسلامية في المملكة العربية السعودية، والمنتشرة في المدن، وتوابعها

في الداخل وفي الخارج فهي مليئة بأمهات الكتب والمراجع القديم منها والحديث، ومنها يتم التوزيع على المسلمين، وغير المسلمين ممن يريد التعرف على الإسلام، فما عليك أخي الداعية إلا أن تذهب إلى إحدى هذه المكتبات القريبة منك وتنقب وتبحث، وتدون وتسأل وتناقش مع إخوانك وزملائك في العمل الدعوي، فإن العلم ثروة وثمرة يجب أن تحفظه، وتحافظ عليه من النسيان فهو بمثابة الشجرة إن تعاهدتها بالسقي، والإصلاح والعناية وإزالة الشوائب والحشائش نمت، واخضرت وآتت ثمارها يانعة، وإن أهملتها ولم تسقها جفت ويبست وتكسرت، كما أن العلم كذلك، وهو مثل الماء المغمور المجتمع في بئر فإن نزحته، وأخرجت من مائة باستمرار صفا، وتجدد وإن تركته دون تحريك أسن وفسد، فهذان المثلان الأول ينطبق على القراءة، وعدمها والثاني ينطبق على إظهار العلم وتبليغه، أو عدم ذلك، فاختر لنفسك أحد الطريقين واسلك أحد الأمرين لما تقدم من المثلين، واعلم أن الأمة بحاجتك وأن الرب قد كلفك بالدعوة، وسوف يحاسبك ويجازيك على ذلك فلا تجهل بعد العلم، ولا تقصر بعد الجد، ولا تتوقف بعد المسير، ولا تقعد بعد الانطلاق فإن فعلت فهو نكوص، وانتكاسه لا سمح الله {فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} 1، والداعية في هذا العصر في أمس الحاجة إلى التميز علمًا ودينًا وخلقًا، وأن يكون واسع الاطلاع عميق العلم قوي الدين دمث الخلق له اهتمام بحفظ المتون، وعناية بسائر العلوم والفنون، وأن يتجه الداعية إلى التأصيل العلمي والشرعي، والفهم المبني على الكتاب والسنة، وأقوال السلف

_ 1 سورة الأنعام: من الآية 68.

الصالح والتزام منهجهم في المعتقد، والعبادة والدعوة وأن يسعى جاهدا إلى معرفة أحوال الإسلام، والمسلمين في كافة أنحاء العالم -وخاصة الأقليات المسلمة- من أجل تقديم العقيدة الإسلامية الصحيحة لهم أو الدفاع عنها، وتعزيز الدعوة الإسلامية، ومساندة الأقليات والجاليات الإسلامية في تلك الديار. كما أن الداعية عليه أن ينمي ثقافته، ومعلوماته بما يقدم من بحوث علمية، ودراسات متخصصة في عدة مجالات من ذلك على سبيل المثال: 1- أساليب الدعوة الإسلامية، ومشكلاتها ومعوقاتها وطرق الحل. 2- دراسة الفرق والطوائف والمذاهب، والقضايا الفكرية المعاصرة وبيان موقف الإسلام منها. 3- تقديم دراسة بين فترة وأخرى عن أوضاع الجاليات، والأقليات الإسلامية في مختلف العالم. 4- رصد ما ينشر عن الإسلام والمسلمين من كتب، وبحوث ومقالات وبرامج إعلامية، ودراستها وإعداد الرد المناسب عليها عند الحاجة. 5- الاطلاع على أنشطة المؤسسات الإسلامية عامة، وإعداد درسات وبحوث تسهم في تقوية سبل التعاون معها.

الفصل السابع: واجبات الداعية

الفصل السابع: واجبات الداعية: 1- كيف يؤدي الداعية واجبه وما هو دوره؟؟؟ إن الداعية إلى الله أمامه واجبات عظام ومسئوليات جسام، كيف لا وهو يقود الناس إلى هذا الدين، ويرده إليه كلما بعدوا عنه أو انحرفوا إلى غيره، أو لم يدخلوا فيه أصلا ولم يعرفوه، إن الدعوة إلى الله ينبغي أن تكون هم المسلم وديدنه وشغله الشاغل في الليل والنهار، في السر والعلانية، بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، عن طريق ما يقدمه الداعية من محاضرة، أو درس أو خطبة أو نصيحة بينك وبين المدعو مع مراعاة آداب النصيحة، وقدوتك في ذلك الأنبياء عليه الصلاة والسلام، وأولوا العزم منهم خاصة1، فهذا نوح عليه السلام بقي في قومه يدعوهم ليلًا، ونهارًا سرًّا وعلانية ألف سنة إلا خمسين عامًا قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} 2، وقال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا، وَإِنِّي

_ 1 وهم: نوح وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وقد جمع الله أولو العزم من الرسل في هذه الآية الكريمة قال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ....} [الشورى: 13] . 2 سورة العنكبوت: الآية 14.

كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا، ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} 1 الآيات. وهذا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يجعل أول اهتماماته الدعوة سرًّا، ثم علانية حتى قامت دولة الإسلام في المدينة المنورة، وما زالت الدعوة والجهاد من أجل، وأولى اهتماماته -صلى الله عليه وسلم- وكذا الخلف الصالح2 من بعده، إن الداعية إلى الله أمام أبواب كثيرة، وطرق عدة وأساليب متنوعة عليه أن يقوم بما يستطيع من هذه الأمور التي هي من واجبات الداعية حسب طاقته، واستطاعته لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ومن هذه الواجبات: 1- خطب الجمعة والعيدين. 2- إعداد وإلقاء المحاضرات أو التقديم لها والتعليق عليها. 3- إعداد الندوات. 4- إعداد كلمات الوعظ والإرشاد. 5- الكتابة. وتشتمل على: أ- بحوث. ب- تحقيق مسائل خلافية. ج- كتابة موضوعات هامة. د- ترجمة. ر- إرسال الرسائل والرد على الأسئلة كتابيًّا. 6- حضور المناسبات العامة واستغلالها في الدعوة مثل مناسبة الزواج، والعزاء وغيرهما.

_ 1 سورة نوح: الآيات 5-9. 2 انظر كتب السير والمغازي وغيرها ليتضح لك الأمر أكثر.

7- تفقد أحوال الناس، ومعرفة الفقراء والمحتاجين في البلد الذي يقيم فيه الداعية. 8- توزيع بعض الأشرطة والكتيبات. 9- الاشتراك في وسائل الإعلام "مثل الصحف والمجلات، والإذاعة، والتلفاز وغير ذلك". 10- الإجابة على أسئلة الناس الشرعية والاجتماعية. 11- إعداد دورات علمية مكثفة من قبل الداعية بالتعاون مع غيره. 12- عمل دعوي ميداني عام. 13- إقامة دروس دائمة. 14- الاشتراك في الحملات الإغاثية والجمعيات الخيرية. 15- دور المرأة في الدعوة. 16- دعوة غير المسلمين إلى الإسلام. 1- خطب الجمعة والعيدين 1: إن الخطابة إحدى وسائل تبليغ الدعوة إلى الناس كافة، لذا فهي من أكبر الوسائل وأهمها للدعوة، حيث إنها أعظم وسيلة قولية لتوصيل ما يريده الخطيب إلى المستمعين إليه، واستمالتهم نحو ما يدعوهم إليه، وإقناعهم به عن طريق المشافة بين الداعي والمدعو، ولذلك شرعت خطبة الجمعة. يجدر بالداعية أن يجتهد كثيرًا في تحضير الموضوع المناسب المربوط بواقع الأمة، وما يشغلها من هموم وحوادث وظواهر غير طبيعية

_ 1 يحسن الرجوع إلى الفصل الثالث لوجود ما وضح هذه الأبواب من 1-4 فلا داعي لإعادة ما ذكر.

في المجتمع يجب أن تعالج وأن يضع لها الحلول المناسبة، كما أنه يجب أن تشتمل الخطبة على الأركان، والشروط الخاصة بالخطبة، وأن تلقي بلغة غالب السامعين، وإذا كانت باللغة العربية فإنه يراعي فيها التوجيه لأهم القضايا التي تشغل الساحة، وتبصير المصلين بأمور دينهم، وأمورهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. 2- المحاضرات: إن المحاضرة مجال رحب وواسع للدعوة إلى الله يستطيع المحاضر أن يستقطب جمهورًا كبيرًا ويؤثر فيهم، ولعل مما يؤكد أهمية المحاضرة أن موضوعها يكون أوسع من موضوع الخطبة، والدرس والموعظة فلا بد أن يختار الداعية موضوعًا معينًا يشرحه بالتفصيل، والتوضيح على أن تكون عناصر الموضوع مرتبة حسب أهميتها، وقد يتلو المحاضرة حوار مفتوح مع الحاضرين يجيب فيه المحاضر على الأسئلة المطروحة. 3- الندوات: هي عبارة عن لقاء مفتوح بين شخصين فأكثر، لتناول موضوع معين تنتقل فيه الأدوار بين المشاركين لتوضيح أحد عناصر الموضوع في جمع من الناس، أو عبر وسيلة من وسائل الإعلام، فالندوة لا تقل في الأهمية عن المحاضرة إلا أنها تختلف عنها قليلًا كما سبق، ومما يؤكد أهمية الندوة، وأثرها في الدعوة هو تعدد المتحدثين فيها فهو أدعى للقبول. 4- المواعظ: وهذه في الغالب تكون قصيرة وجمهورها قليل، فتكون الموعظة

عبارة عن كلمة توجيهية تناسب المقام، وحال السامعين غير محددة بزمن معين، يفضل أن تشتمل على ما يلين قلوب السامعين ليستعد السامع لفعل الخير، والاستجابة له "والموعظة في معناها تدل على جمع الرغبة بالرهبة، والإنذار بالبشارة، ولهذا قال ابن عطية: "الموعظة الحسنة التخويف والترجئة، والتلطف بالإنسان تجله وتنشطه، وتجعله بصورة من يقبل الفضائل". أما الموعظة الحسنة فلما كان المقصود منها غالبًا ردع نفس الموعظة عن أعمال سيئة، أو عن توقع ذلك منه، كانت مظنة لصدور غلظة من الواعظ، ولحصول إنكسار في نفس الموعوظ"1. ومما ينبغي أن يراعيه الداعية أن تكون الموعظة مختصرة، ومركزة وفي وقت مناسب ففي صحيح البخاري من حديث ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كان يتخولهم بالموعظة كراهة السآمة عليهم" 2. ومما تقدم يتضح أن المحاضرات، والندوات وخطب الجمع والعيدين والنوازل، والمواعظ سمة وعلامة للدعوة الإسلامية، حيث: "أن الخطابة عماد الدعوة من جهة المناهج وطرائق البيان، إذ هي الوسيلة المثلى في تبليغ دين الله وشرعه إلى الناس مباشرة مشافهة، ولقد اعتمد عليها الرسل عليهم الصلاة والسلام في تبليغ رسالة الله ونشر هذا الدين، وقد أولى الدين الحنيف الخطابة عناية خاصة يتضح ذلك من خلال سيرة إمام الدعاة، وقدوة الواعظين -صلى الله عليه وسلم، حتى غدت معلمًا بارزًا من معالم المجتمع الإسلامي، إذ شرعت خطبة الجمعة

_ 1 عن كتاب مفهوم الحكمة في الدعوة. دكتور صالح بن حميد "ص11، 12". 2 فتح الباري: "1/ 163".

والعيدين والنوازل، حتى إن المنبر المعد للخطابة من معالم المسجد النبوي الشريف إذ خطب عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم"1. 5- الكتابة: والكتابة تشمل أشياء كثيرة منها: أ - كتابة بحوث. ب - تحقيق مسائل علمية فيها خلاف. ج- الكتابة الجيدة لبعض المواضيع المعاصرة. د- ترجمة بعض المواضيع الجيدة التي تخدم الدعوة من وإلى العربية. و كتابة إعلانات ومنشورات تخدم الدعوة. هـ- جمع معلومات وإعداد تقارير تخدم الدعوة. ي- إرسال الرسائل الدعوية، والرد على الأسئلة والفتاوى كتابة. ونعني بالكتابة أن يقدم الداعية للقارئ بين فترة، وأخرى ما يجد في الساحة من أحكام وموضوعات معاصرة، وأن يقوم الداعية بإعداد بحوث ودراسات علمية يتناول فيها التحليل، والتفصيل لقضية من قضايا الدعوة للترغيب فيها أو التحذير والترهيب منها، ويقدمها للقارئ بأي وسيلة متاحة من وسائل الإعلام المقروءة، أو المسموعة أو المرئية، وكذا الدراسات التي من شأنها تطوير أعمال الدعوة، واختبار مدى صلاحية أساليبها، كما أنه مطلوب من الداعية القادر أن يحقق المسائل الخلافية بالأدلة الشرعية، ويرجح القول الصحيح في المسائل، وكذلك الكتابة في أي موضوع يرى أنه هام ويخدم الدعوة، يتناوله بالبحث

_ 1 عن كتاب أصول الدعوة وطرقها رقم "4" د. عبد الرب بن نواب الدين "ص9-11".

والدراسة والتقويم والشرح، والإيضاح أو تتبع مسألة علمية مكتوبة كانت أو مسموعة، فيقوم الداعية بالرد عليها بما يجليها، ويوضح ما فيها من خلاف أو مخالفة للشرع، أو تحقيق مسألة فقهية يكثر فيها الخلاف، فيبين القول الراجح في المسألة، كما أن الداعية عليه حق لإخوانه المسلمين الناطقين بغير العربية، فعليه ترجمة ما يخدم الدعوة، وتقديمه بلغة القوم بأي وسيلة متاحة تصل إليها بسهولة مراعيًا في ذلك حاجة الدعوة ومتطلباتها، وأن يكون النقل صحيحًا سليمًا، ما أحوج الدعوة في الوقت الحاضر إلى المخلصين من الدعاة لكثرة المسلمين غير الناطقين بالعربية، وحاجتهم الماسة إلى معرفة تعاليم الإسلام، وأحكامه بلغتهم عن طريق الكاب، أو الشريط أو عن طريق البث الإعلامي بعدة لغات. وكذلك الكتابة فيما يخص الدعوة، وإعداد تقارير عن سيرها وعن العقبات، والسلبيات التي تعترض طريق الدعاة حتى يمكن حلها1، وعن الإيجابيات حتى يمكن تطويرها والرفع منها، وأخيرًا لا بد للدعوة من إدارة2 تصد جميع أعمالها وتحركات الدعاة الذين يتبعون هذه الإدارة، والاطلاع على جميع التقارير، ودراستها بعمق ومن ثم وضع الحلول، والتسهيلات للدعاة وحل جميع ما يعترض طريقهم، وإبعاد ما يصدهم عن المضي في هذا الطريق طريق الأنبياء، والصالحين إلى يوم الدين.

_ 1 راجع كاب عقبات في طريق الدعاة: "ج1، 2" تقدم ص53". 2 قد أفرد للإدارة موضوعًا كاملًا ص216.

6- حضور المناسبات العامة والاشتراك فيها: حضور المناسبات العامة والاشتراك فيها مثل: أ- الأفراح كالزواج وعقد القران، والاحتفالات والمخيمات، والمجالس العامة والديوانيات لهدف التوجيه والإرشاد، والتأثير والدعوة بالتي هي أحسن. ب- العزاء: على الداعية أن يحضر مثل هذه المناسبات من عزاء، وحضور دفن ويبين حكم الشرع فيها مقرونًا بالدليل من الكتاب والسنة. 7- تفقد أحوال الناس: الداعية عنصر فعال من عناصر الإصلاح، ولا يتم الإصلاح إلا بالاهتمام بأحوال الناس، والتعرف على أوضاعهم الاجتماعية والثقافية، ومعرفة فقرائهم وأغنيائهم وعالمهم وجاهلهم، حتى يستطيع الداعية معرفة المحتاجين، والمعدمين فيعمل على مساعدتهم، وتوفير ما يحتاجونه من طعام وشراب وغيره، فيقبلوه ويقبلوا على دعوته، ويتعرف على الأغنياء والوجهاء حتى يتمكن من إرشاد الأغنياء، والوجهاء إلى مساعدة فقرائهم، وبذل المال والجاه في سبيل الدعوة إلى الله حتى يكون التوازن في المجتمع بعطف الغني على الفقير. 8- توزيع الأشرطة والكتيبات: لا شك أن من أنفع ما يقوم به الداعية هو أن يجعل شريطًا إسلاميًّا أو كتابًا نافعًا في يد من يفتقده، وخاصة إذا كان الشريط أو الكتاب "هدية"، فإن له وقع عظيم في قلب المهدي إليه، وقد أثبت هذا العمل فائدته، ونفعه عند كثير من الناس، فبإمكان الداعية استخدام الشريط

خاصة مع الناس الذين لا يحبون القراءة، فيختار الداعية لكل شخص ما يناسبه من الأشرطة، مع الاحتفاظ بأصل الشريط حتى ينسخ منه عند اللزوم، أما من يجيد القراءة ويهواها، فيهدي له كتيبًا مختصرًا؛ لأن الناس في وقتنا هذا يحبون المختصرات، فقد كثرت المشاغل والملهيات، ونادرًا ما تجد أحدًا من عامة الناس يقرأ كتابًا كبيرًا، فحاول أيها الداعية اللبيب قدر المستطاع أن تبحث عن رسالة، أو كتيب موضوعه يناسب عامة الناس، وتوزيعه على من تعرف ومن لا تعرف، ويمكن للداعية أن يسأل العلماء، وطلبة العلم في البلد عما يناسب من الكتب والأشرطة وغيرها، فإذا قام كل داعية بمسئوليته في هذا المجال حسب قدرته، وإمكاناته في محيطه بين أهله وعشيرته، ومن يعرف ومن لا يعرف، أصبح الدعاة يملكون أعظم مؤسسات التوزيع في العالم، وكانت الدعوة الإسلامية تملك من المراسلين جموعًا غفيرة لا تملكها دعوة أخرى في الدنيا كلها. 9- الاشتراك في وسائل الإعلام: على الداعية أن يقوم بدوره وبما يجب عليه، وبما يكلف به من الاشتراك في وسائل الإعلام عبر القنوات المسموح بها، وتقديم أفضل البرامج النافعة في مجال الإصلاح، والبناء بالحجة والبرهان الساطع عبر هذه الوسائل التي يستمع إليها الكثير من الناس في مشارق الأرض ومغاربها، فتجد من يسمع لك ويقرأ لك وينتفع بعلمك، ويستفيد من آرائك، واقتراحاتك الكثير في جميع أنحاء العالم عبر وسائل الإعلام، فعلى الداعية المستطيع أن يشارك في الصحافة المحلية بكتابة مقالات توجيهية دعوية، أو يتولى زاوية في صحيفة

معينة يرتبط بواسطتها بالجمهور لإرشادهم، وتثقيفهم الثقافة الشرعية، وتصحيح مفاهيمهم، واعتقاداتهم الخاطئة عن الإسلام. أما المشاركات الإذاعية: فتعني أن على الداعية الذي يستطيع هذا النمط تقديم، أو إعداد المادة التي تقدم عبر الإذاعة، أو تبني برنامج أو أكثر يخدم الإسلام عبر هذه الوسيلة. أما المشاركة في التلفاز: فعلى الداعية الذي يستطيع هذا النوع من المشاركة أن يقدم كل جديد عن دعوته، وأن يقوم بإعداد البرامج أو تقديمها عبر التلفاز، أو تبني برنامج أو أكثر يخدم الدعوة عن طريقه، ويوضح للناس جميعًا أن هذا هو الدين الحق، وأنه دين جميع الأنبياء إلى غير ذلك ... 10- تلقي الأسئلة والإجابة عليها: ليس كل داعية يستطيع الإجابة على أسئلة الناس، وهنا نقول من تنظيم الدعوة تخصيص دعاة هم الذين يستقبلون الأسئلة ويجيبون عليها، ومع ذلك على كل الدعاة الاستعداد لأسئلة الناس؛ لأنهم يرون في الداعية القدوة، والثقة بما يقول وما يرشدهم إليهم فهم دائمًا يتوجهون للداعية أيا كان بأسئلتهم واستفساراتهم، ومشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية، وحتى الأسرية، فكن لبيبا فطنًا واعيا مدركا متأكدًا من صحة ما تقول، مجيبا إجابة واضحة صريحة لا لبس فيها ولا غموض، وإن كنت لا تعرف الجواب لم تكن متأكد منه الصحيح، أو لم يحضرك الدليل، فقل: لا أعرف، وبإمكانك أن تأخذ عنوان السائل ورقم هاتفه وتخبره بالجواب فيما بعد، بعد أن تبحث في المراجع وتسأل العلماء المتخصصين في ذلك مراعيًا في الإجابة الحكمة، وعدم

الإثارة أو التشكيك وذلك، بالقول الصحيح والبعد عن كل ما يثير العنصرية أو التفرقة بين الناس سواء كانت هذه الأسئلة عن طريق الهاتف، أو الرسائل أو كانت مشافهة، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يهتم بذلك حتى ولو أظهروا الغلظة، والشدة في مخاطبتهم إياه ومن ذلك ما رواه الإمام البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: "بينما نحن جلوس مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال لهم: "أيكم محمد -صلى الله عليه وسلم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- متكئ بين طهرانيهم؟ فقلنا: "هذا الرجل الأبيض المتكئ" فقال له الرجل: "ابن عبد المطلب" فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم: "قد أجبتك". فقال الرجل للنبي -صلى الله عليه وسلم: "إني أسألك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد علي في نفسك". فقال: "سل ما بدى لك". فقال الرجل: "أسألك بربك ورب من قبلك آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ " قال: "نعم" قال: "أنشدك بالله آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ " قال: "اللهم نعم" قال: "أنشدك الله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا، فنقسمها على فقرائنا؟ " فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "اللهم نعم". فقال الرجل: "آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر"1. 11- إعداد دورات تعليمية: الدعوة تحتاج إلى إعداد دورات تعليمية مكثفة، وإعداد المناهج الخاصة بذلك:

_ 1 صحيح البخاري كتاب العلم، باب ما جاء في العلم، الحديث: 63 "1/ 148-149".

من الأمور النافعة والمفيدة إعداد دورات تعليمية للدعاة تعقد في مدة محددة، تكثف فيها المعلومات حول موضوع معين يهم الدعوة، أو ظاهرة معينة ظهرت في المجتمع، وقد تعقد هذه الدورة لفئة معينة من الناس كالمسلمين الجدد، أو الراغبين في دخول الإسلام من غير المسلمين. ومن ثم يجب إعداد مناهج قابلة للتطبيق المستمر يتولاها الداعية بنفسه، أو يكون مشاركًا فيها أو تعمل هذه الدورات بمشورته، وإشرافه مع توثيقها من المختصين، والمسئولين عن هذا الأمر. 12- عمل دعوي ميداني عام: والمقصود به أن يقوم الداعية بجولات وتنقلات في المدن، والقرى المحيطة بالمدينة والبعيدة عنها، فيقوم الداعية بجولات في حدود منطقة عمله سواء كانت هذه الجولات للدعوة، أو تنسيق أعمالها وترتيبها أو الإشراف عليها، مع مراعاة أهل القرى والأرياف فإنهم غالبًا ما ينسون ويتركون، ويهملون لبعدهم وصعوبة الوصول إليهم مع أنهم أحوج من أهل المدن، وأكثر تقبلًا وأكثر جهلًا بأمور الشرع، ولذا كان على الدعاة أن يهتموا بما حولهم من المناطق النائية، وأن يذهبوا إليهم ويبلغوهم دعوة الله، ويتحملوا مشاق الطريق وصعوبته، ويأخذوا معهم بعض الهدايا المعنوية والمادية، ويتفقدوا أحوالهم الاجتماعية، ويتعرفوا على الفقراء فيهم ويحالوا مساعدتهم بما يقدرون عليه من مال وجاه، وغير ذلك حتى يستطيع الداعية أن يرفع من ثقافتهم الشرعية، ويرسخ العقيدة والإيمان في قلوبهم، وعمل الداعية في الميدان يشمل الدعوة الجماعية، والدعوة الفردية وهذه الأخيرة مهمة جدًّا إذ إنها تربي

الأفراد تربية متكاملة، فلا تقتصر أخي الداعية على جانب واحد، وتهمل الباقي بل عليك أن تطرق جميع الأبواب وتسلك جميع السبل، وهذا ما يسمى بالشمولية في التربية، لكن الدعوة الفردية تكون أنجح من الدعوة الجماعية العامة، ولا مانع أن يجمع الداعية هذه وتلك، فالمطلوب من الداعية الشمولية في الدعوة كل على قدر استطاعته، وقدراته وما يتاح له من طرق ووسائل، فصاحب المال يبذل ماله للدعوة وصاحب الجاه يبذل جاهه في تسهيل مهمة الدعاة، وفتح أبواب الدعوة أمامهم، المهم أن يعمل الداعية، ويبذل ويجتهد ولا يكل ولا يمل، ولا يتقاعس فالدعاة يكمل بعضهم بعضًا فمنهم الإداري الناجح، والإداري الدعوي الموفق، والمخطط الماهر والخطيب المفوه والواعظ الحكيم، والموزع الناجح، والصحفي المشهور، والمذيع الفصيح، والكاتب البليغ إلى غير ذلك من الأبواب المتنوعة، والمتعددة أمام الدعاة، لكن على الداعية المتابعة لعمله الدعوي سواءً كان عمله جماعيًّا أو فرديًّا أو كلاهما، فالداعية مثله كالمزارع الذي زرع زرعًا، إن تعاهده وسقاه واعنتى به أثمر وأينع، وإن أهمله وتركه ضعف، وأصفر وصار هشيمًا تذوره الرياح "إن كثيرًا من الناس يجهل أهمية الدعوة الفردية، وذلك ظنا منهم أن الدعوة ينبغي أن تكون للناس عامة، وذلك بإلقاء المواعظ والمحاضرات والدروس العامة، والحقيقة أن هذا لا يكفي، فالدعوة الفردية تكون نافعة في أغلب الأحيان أكثر من الدعوة الجماعية، ولهذا نجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اهتم بالدعوة الفردية خاصة في أول مراحل الدعوة، فقد كان وضع اللبنات الأساسية للدولة الإسلامية من طريق الدعوة الفردية التي أثرت في الناس أيما تأثير، فجعلت الأفراد المتمسكين بهذا الدين

مضحين له بالغالي والنفيس"1. فعلى الدعاة والمربين أن ينشئوا جيل الإسلام، وشباب الدعوة على خلق النصح والمناصحة، بالحكمة والموعظة الحسنة حتى يكونوا جنودا مخلصين للدعوة، وحملة لمشاعل النور والهداية في العالم، مع ملاحظة بناء الشخصية المتكاملة المتوازنة، بحيث يتربى الشاب المنتمي للدعوة الإسلامية على بناء شخصيته بناءً متوازنا متكاملًا بحيث يراعي المربي -وهو الداعية- في تكوين الشاب، التوازن بين المادة والروح، ويوفق بين الدنيا والآخر، ويربط العبادة والحياة معًا، ويجمع بين التزكية والجهاد، ويوازن بين حقوق الله وحقوق العباد، فهذا التوازن والتكامل في بناء الشخصية الإسلامية يستطيع الشاب أن يمارس حياته الاجتماعية، والعملية والفكرية ونظرته للحياة، والواقع بتوازن وانسجام تام مع واقعية الحياة، وعلى الفطرة التي فطر عليها، دون شطط أو انحراف في المنهج والسلوك والتفكير والاعتقاد ومما ينتج عن الانحراف في التربية والتعليم عواقب وخيمة، وصعبة على الشخص نفسه، وعلى المجتمع الذي يعيش فيه، فتنبه أخي الداعي وأنت تقوم بدور الموجه، والمربي لهذه الأمة، فأنت المسئول وحدك عن هذا العمل، وعن القيام بمهام الدعوة والإصلاح حيثما كنت في بيتك، ومع أهلك وجيرانك ومع من تعرف ومن لا تعرف، حتى يكون المجتمع في سعادة وطمأنينة ورخاء في ظل تعاليم الإسلام السمحة، فأنت أيها الداعية الكريم قائد السفينة، فلا تدعها تغرق وأنت فيها.

_ 1 عن كتاب الدعوة الفردية وأهميتها في تربية الأجيال، تأليف: عقيل بن محمد المقطري ص11.

13- إقامة الدروس الدائمة: أخي الداعية إن عملك الدؤوب والمستمر، والهادي مثمر ومفيد مع مرور الزمن، وإن كنت لا تشعر بذلك، فالابن عند أبويه يكبر ولكن لا يشعر بذلك الأبوان لوجوده بينهما، ووجودهما معه في البيت، أما الناس فهم يشعرون بذلك، بل يرونه واضحًا، وكذلك عملك في الدعوة إلى الله إنه يثمر وثماره يانعة، شعرت بذلك أو لم تشعر، بل قد لا تشعر كالأب لا يشعر بنمو ولده، وأنت كداعية ينبغي عليك ألا يشغلك عمل عن عمل فالداعية كالطائر تجده ينتقل من غصن إلى غصن، ومن شجرة إلى أخرى بخفة ورشاقة لا يطول به المقام في مكان واحد، وكذلك الداعية يسلك جميع الطرق، ويتبع جميع السبل الناجحة لتبليغ رسالة ربه إلى الناس كافة، وخاصة الذين في محيطه وبلده أو قريته أو الذين هو مكلف بالعمل معهم، فلو أن كل داعية قام بما يجب عليه في الدائرة المحدودة له لم يبق أحد إلا وصلته الدعوة، وبلغته الرسالة وقامت عليه الحجة، وفي هذا الموضوع يفضل أن يركز الداعية على الدروس الدائمة المستمرة اليومية، أو الأسبوعية في إحدى كتب العقيدة أو العبادات، أو التفاسير أو الأحاديث النبوية أو السيرة، أو اللغة العربية أو غيرها من الكتب الإسلامية المعاصرة، ويفضل الجمع بين بعض هذه العلوم، والتنويع في ذلك يعد أكثر فائدة، فإن التجربة أثبتت نجاح ذلك وعظيم فائدته، وبقاء المعلومات في الذاكرة أكثر وأطول والتأثر بها أبلغ، فحاول أخي الداعية أن يكون لك دروس ثابتة في كتاب معين مفيد، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، فأعن أخاك

بتوصيل العلم له عن طريق إقامة الدروس الدائمة والمستمرة، أو عن طريق نشر العلم في مجتمعات الناس، وأفرادهم فالعلم لا بد من نشره وتوصيله إلى جميع الناس، والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد قال: "بلغوا عني ولو آية" 1. ويقول -صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع" 2. ومما ينبغي عمله تفقد أحوال المدعوين ومن يحض الدروس، والسؤال عن أحوالهم كما هو نهجه -صلى الله عليه وسلم- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- افتقد ثابت بن قيس -رضي الله عنه، فقال رجل: "يا رسول الله أنا أعلم لك علمه". فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه، فقال: "ما شأنك؟ " فقال: "شر، كان يرفع صوته فوق صوت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد حبط عمله، وهو من أهل النار"، فأتى الرجل فأخبره أنه قال: "كذا وكذا" فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكن من أهل الجنة" 3. "وقد تفقد -صلى الله عليه وسلم- من غاب عن حلقته بسبب حزنه على وفاة ابنه. وكان صحابي يحضر حلقة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- مع ابن له، وكان الرجل يحبه حبًّا شديدًا، فمات الولد، وامتنع الرجل أن يحضر الحلقة حزنًا على ابنه. ففقده النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأل عنه فأخبر عن حاله، فلقيه وعزاه. وروى الإمام النسائي عن معاوية بن قرة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: "كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه، فهلك، فامتنع الرجل أن يحضر

_ 1 رواه الإمام البخاري 3461. 2 رواه الإمام أحمد في مسنده "1/ 437". 3 صحيح الإمام البخاري، كتاب المناقب، الحديث "3613"، "6/ 620".

الحلقة لذكر ابنه، فحزن عليه ففقده النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما لي لا أرى فلانا؟ " قالوا: يا رسول الله "بنيه الذي رأيته هلك"، فلقيه النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك فعزاه عليه. ثم قال: "يا فلان؟ أيما كان أحب إليك أن تتمتع به عمرك، أو لا تأتي غدًا إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه بفتحه لك؟ " قال: "يا نبي الله؟ بل يسبقني إلى باب الجنة، فيفتحها لي هو أحب إليَّ" قال: "فذاك لك" 1"، ففي هذا الحديث نجد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأل عن الرجل الذي غاب عن حلقته؟ فأخبر عنه: فلقيه -صلى الله عليه وسلم- وسعى إلى إزالة سبب غيابه، وذلك ببيان فضل من مات ابنه فصبر عليه.

_ 1 سنن الإمام النسائي: "4/ 118" قال عنه الشيخ الألباني صحيح هامش مشكاة المصابيح "1/ 500"، ورواه الإمام أحمد مختصرًا في المسند "5/ 35" عن كتاب مراعاة أحوال المخاطبين، د/ فضل إلهي ظهير.

14- الداعية والجمعيات الخيرية: إن الداعية المخلص هو الذي يستطيع أن يسلك عدة طرق، وأساليب للدعوة وإلى الله، ويكون ذكيًّا لا يخدع ولا يتنازل عن أمر من أمور دينه، فإن الوسائل قد كثرت والأساليب قد تعددت، فلا بد للداعية أن يقتحم هذه المجالات، ويسلك هذه السبل من أجل نشر دعوته، ورفع راية التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله عن طريق الدخول في الجميعات الخيرية والحملات الإغاثية، فإنها تحتاج من الداعية المسلم إلى بذلك الجهد، والمال والفكر والوقت فلا تبخل على إخوانك بمساعدتهم، والدخول معه وبذل ما تستطيعه من الفكر النير، والتخطيط السليم المنظم، وبذل الوقت والجهد ودعم هذه الجمعيات الخيرية ماديا ومعنويا، والارتباط معهم معظم الوقت في إدارة الأعمال والحسابات حتى لو لزم الأمر منك الحضور يوميا فلا تبخل بذلك، إن اشتراك الداعية في الجمعيات الخيرية، والمنظمات الإغاثية المعروفة بصدقها، وسلامة منهجها واستقامة القائمين عليها لهو من أجل الأعمال الدعوية، فعن طريق هذه الجمعيات الخيرية، والمنظمات الإغاثية تصل إلى جمهور الفقراء والمعوزين الذين ألجأتهم ظروف الحياة إلى الحاجة والفقر، ومن غيرك أيها الداعية يستطيع أن يقوم بهذا الدور العظيم، والعمل الخيري المتعدي نفعه إلى خلق كثير والتخفيف من معاناتهم؟؟ إذا لم تحتسب أنت أيها الداعية وتبذل الوقت، والجهد من يفعل ذلك؟؟ إن عمل الداعية في سبيل الوصول إلى هداية الناس، وردهم إلى الصواب وتعليمهم أمر دينهم لهي غاية عظمى، وهدف نبيل من أهداف الدعوة، إن من أهم وسائل الدعوة

أن تقدم للفقير ما يحتاجه من طعام وكساء وعلاج، ومأوى وإذا زارك أو زرته فتستقبله بالبشاشة، وطلاقة الوجه وإظهار الحب والعطف، والنصح بالتي هي أحسن كل هذه الأمور تجعلك قريبًا من الناس يفرحون بقدومك، ويسمعون كلامك ويعملون ما ترشدهم إليه من أمور دينهم، ودنياهم بكل ارتياح دون ملل أو سأم أو ضجر وتبرم، فينبغي للداعية أن يكون له دور فعال ومؤثر في الجمعيات الخيرية، والمنظمات الإغاثية المنتشرة داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، فإن هذه الجمعيات والمنظمات تقوم بجهود جبارة في الإغاثة حال الكوارث والنكبات، وما تقوم به هذه الجمعيات من رعاية وعناية بالأسر الفقيرة، ورعاية الأيتام والأرامل، ومشروع تفطير صائم وكفالة يتيم، وغير ذلك من الجهود التي تقوم بها هذه المنظمات الإغاثية، فعليك أن تشد عضد إخوانك وتعمل معهم، فالعمل معهم يعد بوابة تدخل منها للدعوة إلى الله، ونشر هذا الدين في محيط هؤلاء في بقاع كثيرة من هذه الأرض فرسالة الداعية عالمية لا تحدها حدود، ولا تحصرها أرض ولا تخص جنسًا دون الآخر ولا عرقًا معينا، ولا قبيلة دون الأخرى ولا لونًا دون لون ولا غنيا دون فقير: أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم فالداعية دائما يلتمس أيسر الطرق، وأسهل السبل في دعوته إلى الله فهو كالشمعة تحترق لتضيء الطريق للسالكين، والسائرين إلى الله سبحانه وتعالى، بأمن وأمان فالدعاة يحملون في قلوبهم نور الإسلام وحلاوة الإيمان، وبرد العيش لا يخافون إذا خاف الناس ولا يقلقون إذا فزع الناس، أيها الداعية الكريم عليك أن تحمل راية الدعوة إلى الله وتبذل كل غال ونفيس، فإن الله سبحانه وتعالى يبارك في جهود الدعاة

وينفع بها مع قلة الإمكانات العددية والمالية وحتى المعنوية، ومع ذلك نرى النتائج طيبة، والإيجابيات كثيرة والسلبيات قليلة، ولله الحمد فكن أخي الداعية من حزب الله المخلصين الذين يستمدون قوتهم من فاطر الأرض والسماوات، وبالمقابل هناك منظمات وهيئات إغاثية نصرانية همها، وهدفها التنصير أو إخراج المسلمين من دينهم، أو التشكيك في دين الإسلام والطعن فيه حتى ينسلخ المسلم من دينه، وعقيدته بل وهويته الإسلامية، فيعيش بلا دين ولا مبدأ ولا قيم، ولا أخلاق قد وقع الكثير من المسلمين في حبائل الشيطان، وأسرهم الهوى وكبلتهم المعاصي، والآثام بسبب هذه الدعوات المغرضة، تجدهم يجرون خلف كل ناعق، همهم إشباع بطونهم وفروجهم، وهذا ما يريده أصحاب المنظمات اليهودية والنصرانية، قد خططوا له ورصدوا له الأموال الضخمة بينما نرى تجار المسلمين وأصحاب رؤوس الأموال قد بخلوا في الإنفاق على مشاريع الدعوة إلى الله إلا من رحم ربك، فتنبه أيه االداعية لهذا المخطط الخبيث، وقابله بمخطط مضاد مستمد من تعاليم الدين الحنيف، فأنت صاحب المبدأ السليم تسير على نور وبرهان من رب العالمين، وهم يسيرون على عمى وضلال، لهم صولة وجولة وانتفاشه إذا نام أهل الحق أو غفلوا، أما إذا وقف الدعاة والمصلحون صفًّا واحدًا، فإن الزبد يذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} 1.

_ 1 سورة الأنبياء: الآية 18.

15- دور المرأة في الدعوة: إن ما سبق وما سيأتي في هذا الكتاب عن أهية الدعوة، وواجب الدعاة ودور المربي -يعني الداعية- ينطبق على الرجل والمرأة، فالمرأة مكلفة كما أن الرجل مكلف بشرائع الدين، وأصول العبادة وفروعها، والمرأة جزء من الرجل لها ما له وعليها ما عليه كما أن الرجل جزء من المرأة كذلك -مع التحفظ- ولا نقول كما يقول الغرب الكافر عن المرأة أنها مثل الرجل سواء بسواء في العمل، والخروج إلى الشارع والسفور وممارسة ما تريد دون وزاع أو رادع، وإطلاق العنان لها وللرجل في الشهوات، وعدم المعارضة بحجة الحرية الشخصية، أي حرية تهدر القيم، وتهدم الأسر وتخلط الأنساب؟؟ أي حرية شخصية تهين كرامة المرأة، وتجعلها سلعة رخيصة للرجل تكون بجانبه في المصنع وفي المكتب وفي المتجر، تكد وتكدح تلهث وراء لقمة العيش، وحطام الدنيا الزائل وتترك البيت وتربية الأولاد بل قد لا تنجب أولادًا؛ لأنها مشغولة غير فارغة للبيت والأولاد، مشغولة في شهواتها وملذاتها، وما تلبث أن يكبر بها السن فتكون غير صالح للعمل لكبر سنها، فتتحول إلى دور العجزة ليس لها ابن يحنو عليها، ولا زوج يعطف عليها ولا أخ يرحمها ولا أب يعولها، إن للمرأة في الإسلام دور عظيم مع بني جنسها من النساء إذ إنها تستطيع أن تدخل البيوت وتجتمع بالنساء وتحدثهن، وترشدهن إلى تعاليم الإسلام السمحة والقيام بمهام الدعوة، وتتحمل مسئوليتها في جميع مراحل الدعوة، ولذلك كان من الضروري أن تنال المرأة الحظ الوافر من الرعاية

المستمرة أثناء تعهدها وتربيتها منذ الطفولة حتى تصبح زوجة صالحة، وأما حنونا ومربية فاضلة وداعية جادة، عندها تستطيع أن تقوم بمسئولياتها في الحياة، ولقد ارتكبت الحضارة الغربية جرائم عدة بحق الإنسان، وبحق شعوب الأرض حين نشرت فسادها وفتنتها، وكان من أخطر ما نفذته هو أن دفعت المرأة دفعًا إلى أحضان الرذيلة والزنا والفتنة والفساد، ولقد دفع الغرب المرأة إلى لهيب الشهوة الجنسية، وفتنتها دفعا قويًّا ضاربين بكل القيم التي تدعو إليها الأديان كلها، لقد ضربوا بها عرض الحائط، وعزلوا الدين عن الحياة -كما سبق وأشرنا إلى ذلك في أول هذا الموضوع- ومع هذا وذاك نحمد الله سبحانه وتعالى أن جعل في بلاد المسلمين مسلمات يفهمن هذا الوضع، ويقمن بالدعوة إلى الله والموعظة الحسنة، شأنها في ذلك شأن الرجل، فللمرأة والرجل قضايا مشتركة في ميدان الدعوة، والبلاغ وميدان التربية والبناء، فالإيمان والتوحيد وتدبر منهاج الله، وممارسته وتطبيقه في واقع الحياة قواعد أساسية للمرأة والرجل، وربما تختلف بعض الأساليب، ولكن النهج العام يمضي واحدًا.

16- دعوة غير المسلمين إلى الإسلام: كما تقدم في هذا البحث أن الدعوة إلى هذا الدين واجب على كل مسلم، ومسلمة بعينه حسب قدرته واستطاعته لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ومما تقدم عرفنا كيف نتعامل مع المسلمين في دعوتهم إلى ترك المخالفات الشرعية، والأعمال البدعية التي لا تمت إلى هذا الدين بصلة لا من قريب ولا بعيد، وقد شاعت وانتشرت بين كثير من المسلمين حتى صارت عندهم من الشرع، بل إنهم يغضبون على منكرها، ويناصبونه العداوة والبغضاء جهلًا منهم لهذا العمل البدعي الذي شاب عليه الكبر وشب عليه الصغير، والداعية يتعامل مع المسلمين في دعوتهم إلى ترك المخالفات الشرعية، وامتثال الأوامر التي أمر الله بها وتطبيقها على أرض الواقع، والحث على فعلها والترغيب في الاستمرار عليها، وبيان الأجر العظيم المترتب على فعلها هذا للمدعو، فما لك أنت أيها الداعية إذا دعوت غير مسلم فأسلم وكنت أنت السبب في إسلامه وانقياده، وإنقاذه من النار، ودخوله مع المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، عن سهل بن سعد قال: قال -صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم"1 الحديث. وغير المسلمين أصناف كثيرون فمنهم أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، ومنهم من يعبد الحجر والكواكب وو.. إلخ ومنهم الملحد الذي لا يؤمن بإله البتة ولا ينقاد لدين كالشيوعية، كل هؤلاء أصناف من الناس في ذمتك أيها الداعية، وأنت مسئول عنهم يوم القيامة هل بلغت لهم هذا

_ 1 من حديث طويل يوم خيبر، رواه الإمام البخاري، كتاب الجهاد والسير: "3009".

الدين ودعوتهم إلى اعتناقه أم لا؟؟ إن هؤلاء الأصناف من البشر كالقطيع من الأنعام التي تهيم على وجهها في الأرض، همهم بطونهم وفروجهم لا يعلمون عن الآخرة شيئًا، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} 1 وصفهم الخالق سبحانه وتعالى بقوله: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} 2 ومعلوم أن دين الإسلام هو دين الفطرة التي فطر الناس عليها، فما دام هذا الدين هو دين الفطرة، فيكون اعتناقهم للإسلام سهل ويسير لا سيما في هذا العصر الذي أصبح العالم فيه بمثابة قرية صغيرة من ناحية الاتصالات والمواصلات، فتستطيع أن تتصل بمن شئت من بلاد العالم، وأنت جالس في غرفة بل باستطاعتك أن تتصل وأنت سائر في الطريق في إحدى وسائل النقل الحديثة، وباستطاعتك السفر بسهولة أيضا، والداعية عليه أن يستغل هذه الظروف وهذه الفرص، فتجد المسلم يذهب إلى بلاد الكفار، والكافر يأتي إلى بلاد المسلمين إما للعمل أو للتجارة أو السياحة، وقد يكون للدراسة فهذا الاختلاط وهذه الاتصالات الميسرة يجب أن تستثمر، وتستغل في الدعوة إلى الله من قبل المسلم الذي يرى هؤلاء، ويختلط بهم إما في العمل أو الدراسة أو التجارة، ولا يمل ولا يكل من دعوتهم. وإليك بعض أساليب دعوة أهل الكتاب خاصة: 1- تذكيرهم بنعم الله سبحانه وتعالى. 2- الثناء على أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام، وبيان أنهم يدعون إلى دين واحد وهو الإسلام.

_ 1 سورة الروم: الآية 7. 2 سورة الفرقان: من الآية 44.

3- دعوتهم لمراجعة ما نزل عليهم في كتبهم من الإيمان برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الإنجيل، ولا تزال بعض نسخ الإنجيل سالمة من تحريفهم. 4- ترغيبهم في الإسلام وبيان تميزهم إذا دخلوا في هذا الدين. 5- العدل في الحكم عليهم"1. وهناك أساليب ناجحة ونافعة وهي حسن المعاملة، والتعامل مع الكفار بالصدق، واللين والأناة والحكمة والإكرام فقد أكرم النبي -صلى الله عليه وسلم- وفد نصارى نجران لما قدموا عليه في المدينة، ودخلوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- مسجده، وحانت صلاتهم وكان ذلك بعد العصر، فقاموا يصلون في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأراد الناس أن يمنعوهم، فقال -صلى الله عليه وسلم: "دعوهم"، "وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد بأنه إذا لم يكن ذلك عادة، وكان ذلك في مصلحة الدعوة فلا بأس؛ لأنهم جاءوا يسمعون من النبي -صلى الله عليه وسلم- ويسمع منهم"2، وهناك صنف آخر من الكفار وهم الوثنيون: الذين يعبدون الأصنام في هذا العصر مع تقدم العلم والاختراع، ومع ذلك ما زالوا في كثير من بلدان العالم يسجدون لهذه الأصنام من دون الله، فهناك آلة ترمز عندهم بإله الشمس والشيطان وإله الخير "ورمز بوذا" معروف ومشهور لدى الكثير، وهنا يأتي دور الداعية وخاصة من حكمت عليه ظروف الحياة الاتصال بهؤلاء ومجالستهم، ومحادثتهم والبقاء معهم عليه دعوتهم إلى الدين الصحيح، وبيان عظمة الخالق وعظمة خلقه وبديع صنعه، وأنه وحده المستحق للعبادة، ومن وسائل دعوة غير المسلمين الاهتمام من قبل الداعية بغير المسلم وإشعاره

_ 1 عن كتاب كيف ندعو غير المسلمين باختصار، د/ عبد الله المطلق. 2 زاد المعاد: "3/ 629-638".

بقيمته وأنه عضو نافع وجزء لا يتجزأ من هذا الخلق الذي هو معبد لله وخاضع له، بل إن هذا الكون شمسه وقمره وكواكبه خاضع طائع لخالقه، فكيف بك أيها الإنسان حري بك، وجدير بك أن تخضع وتطيع لهذا الخالق العظيم وتعبده وحده، ولا تشرك به شيئا فهو المستحق للعبادة وحده دون سواه، فقد كان من هديه -صلى الله عليه وسلم- دعوة غير المسلمين من يهود ونصارى، ووثنيين وغيرهم دعوة جماعية، وفردية حسب المقتضيات والظروف بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، وبالمناظرة والمحاورة أحيانًا، وكثيرًا ما كان اليهود يناظرون الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويلقون عليه الأسئلة للتعجيز، والمباهاة فكان يأتيه الجواب من السماء كالصاعقة عليهم، وهناك فئة ثالثة من الكفار وهم الملحدون1، وهم ما يعرف الآن بالشيوعية لا يؤمنون بإله البته لا يدينون بدين، هؤلاء لا بد من مناظرتهم، وبيان أن هذا الكون لا بد له من موجد وخالق عظيم، وأنه لا يمكن لشيء أن يخلق نفسه أو يتكون بنفسه، واضرب له مثالًا أيها الداعية اللبيب بسفينة محملة بأنواع البضائع جاءت من الهند، ورست في ميناء جدة هي التي صنعت نفسها، وحملت نفسها وأفرغت حمولتها بنفسها. سيقول الملحد: هذا غير معقول؟ فنقول له: وهذا الكون والخلق العظيم دون خالق غير معقول، إن الكفار الذي لا يؤمنون بدين أصلًا يسهل دخولهم وانقيادهم للإسلام إذ إن الإنسان بفطرته يبحث عن دين يعتنقه، فتجد الملحد أحيانا يجرب عدة أديان عله يجد فيها السعادة والراحة فلا يجد فيقى حائرًا، فإذا يسر الله له

_ 1 انظر كتاب: كيف تدعو ملحدا، تأليف: أبي يوسف مدحت بن الحسن آل فراج، تقريض فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، دار طيبة للنشر والتوزيع.

داعية يدله ويرشده إلى الدين الحق فإنه يعتنقه بسهولة، من هذا يتبين أن دعوة غير المسلمين بمختلف أنواعهم، وأصنافهم واجب على كل مسلم ومسلمة أن يقدم ما يستطيع من كلمة طيبة، ومعاملة حسنة وإسداء الإحسان والمعروف وتقديم الهدية، فقد ذكر عبد الملك القاسم وفقه الله في إحدى كتبه أن أحد الشباب كان يعمل ممرضًا في المستشفى التخصصي بالرياض، وكانت له علاقات طيبة مع جميع العاملين في المستشفى، وخاصة الأطباء بما فيهم غير المسلمين، فكان يقدم لهم الخدمات ويدعوهم إلى وليمة في مكان جميل وطيب -استراحة- بين فترة وأخرى، وعند انتهاء خدمات أحد الأطباء الإنجليز أراد هذا الشاب أن يقدم له هدية، فاستشار أحد أصدقائه فقال: قدم له كتابًا لعل الله أن ينفعه به، وكان في نية هذا الشاب أن يقدم له تحفة لعلمه أن الإنجليز يحبون التحف، وعندما ذهب يشتري تحفة دخل أحد المكتبات العامة، وإذا بعينه تقع على كتيب صغير باللغة الإنجليزية، فتذكر قول صديقه فاشتراه ووضعه داخل التحفة، وقدمها هدية في حفل متواضع، وذهب هذا الطبيب إلى بلده وفتح الهدية فسر بها كثيرًا وخاصة أن بداخلها كتابًا، ففرح به كثيرًا فبدأ في قراءته فإذا هو عن الإسلام، وقال: في نفسه يا إلهي هذا الدين الذي كنت أسمع عنه كثيرا فشرح الله صدره للإسلام، فأسلم بسبب هذا الكتيب الذي لا يتعدى قيمته خمسة ريالات فقط، وأرسل رسالة بعد فترة إلى صديقه الشاب، وقد نسيه الشاب. وإذا في الرسالة، أخي في الإسلام أخبرك أنني دخلت في الإسلام ونطقت بالشهادتين -أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله- بسبب هذا الكتيب الذي أهديته لي، وقد أختار

اسم صديقه فسمى به نفسه. فانظر أخي الداعية وفقك الله: كم وقع الهدية في النفس وحسن الأخلاق والمعاملة الحسنة التي كان يعامل بها الشاب هذا الكافر الذي أسلم فيما بعد، وقبل ما في الكتاب من خير وهداية، وغيره كثير ممن أسلم بسبب كتاب أو كلمة طيبة، أو شريط إسلامي أو تأثر بأخلاق مسلم، وحسن معاملته وصدقه، فبادر أيها الداعية الكريم إلى تقديم الخير والنور للناس أجمعين وخاصة غير المسلمين، فإنهم بحاجة ماسة إلى هذا الدين الذي هو الحياة، والنور والسعادة للبشر قاطبة، فكم دخل في هذا الدين من أناس كانوا من أشد أعدائه، وألد خصومه قبل إسلامهم، حاربوه وناصبوه العداء، وكادوا لأهله، بل قد قتلوا من ظفروا به من المسلمين، ومع ذلك دخلوا في هذا الدين وبذلوا أرواحهم رخيصة في سبيله بعد أن ذاقوا طعم الإيمان وحلاوة الإسلام. وفي هذا الزمان الذي اختلط فيه المسلمون بغيرهم من الكفار، بل إن غير المسلمين قد وفدوا بكثرة إلى بلاد المسلمين للعمل، مثل: تبادل السفراء والملحقيات العسكرية والثقافية، وغيرها من الشركات التي تعمل في بلاد المسلمين بل إنه قد لا يخلو بيت من بيوت المسلمين من عامل، أو خادمة أو سائق غير مسلم1. سؤال يطرح نفسه.

_ 1 بسبب التبادل التجاري والثقافي والسياحة، والمصالح المشتركة بين دول العالم إذ إن كل دولة لا تستطيع أن تعيش منعزلة، أو منفردة عن الدول الأخرى، لذلك نرى الدول المقاطعة اقتصاديًّا تعاني من أزمات سياسية واقتصادية كبيرة فعلى الدول الإسلامية أن تستغل وجود هؤلاء الكفار في ديارهم في الدعوة إلى الله، وأن تستثمر وجود سفرائها وموظفيها في بلاد الكفار في الدعوة إلى الله، فندعوهم إلى الله وهم في بلادنا وندعوهم إلى الله وهم في بلادهم.

ماذا قدمت لغير المسلمين من دعوة للدخول في هذا الدين؟ ألا تحب أن ينقذك الله من النار إذا بذلت الجهد لإنقاذ هذا الكافر من النار، وأنت تعلم أيها الداعية أنه لو مات على الكفر أنه في النار، ثم هو سيتعلق برقبتك يوم القيامة ويقول: يا رب أنصفني من هذا فقد رآني على الكفر، فلم يأمرني ولم ينهني؟ فماذا يا ترى يكون جوابك أما الجبار في يوم لا ينفع فيه مال، ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم عليك أيها الداعية الكريم أن تعرض الإسلام بصورته الناصعة على من تحت يديك من الخدم، والعمال والسائقين بين فترة وأخرى كلما سنحت الفرصة، فإنك والله مسئول عنهم يوم القيامة، وإذا أردت منهم الاستجابة فعليك بحسن الخلق والمعاملة الحسنة، وأن تلقاهم بوجه طلق، ولا تبخل عليهم بهدية تشجيعية ولا تكلفهم بأكثر مما يطيقون ولا تكثر في لومهم وعتابهم، واحذر الفظاظة والغلظة معهم أو إهانتهم باعتبار أنهم خدم وعبيد، والله سبحانه وتعالى قد قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في محكم التنزيل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} 1 وبهذه المناسبة أذكر أنني كنت في مركز الدعوة والإرشاد في الفجيرة في الإمارات العربية المتحدة، فأتى أحد المواطنين ومعه خادمة تريد أن تسلم، وتعلن إسلامها وتأخذ شهادة بذلك كما هو متبع. فسألته: كيف أسلمت؟؟ ففاجأني بقوله: هذه ثالث خادمة تسلم عندنا والحمد لله. فأعدت عليه نفس السؤال؟؟ فأخبرني أنه تم إسلامها وإسلام غيرها من غير جهد، ولا تعب إنما كان بالمعاملة الحسنة من قبلي ومن قبل جميع أهل البيت من زوجة، وأبناء

_ 1 سورة آل عمران: الآية 159.

كلنا يعاملها وكأنها واحدة من أفراد الأسرة، ولا أذكر أننا قسونا عليها في أي يوم من الأيام، فقلت له: فعلًا هذه من أخلاق النبوة حيث إن أنس بن مالك خدم النبي -صلى الله عليه وسلم- قال أنس: لم يقل لي يومًا "ما" لماذا فعلت ولماذا لم تفعل؟؟ فيا حبذا أن نتحلى بهذه الأخلاق ونتصف بهذه الصفات المرغبة في الإسلام، والتي هي في نفس الوقت دعوة إلى الإسلام بالقدوة الحسنة، حتى يكون لدعوتنا قبول عند غير المسلمين إذا دعوناهم إلى ديننا، يجب علينا جميعًا أن نتحلى، ونتصف بصفات الإسلام ونتأدب بآدابه، ونتخلق بأخلاقه وقدوتنا في ذلك نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد وصفه ربه بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 1 سئلت عائشة -رضي الله عنها- عن خلق النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "كان خلقه القرآن"2 فيا لها من أخلاق حميدة وصفات فاضلة يجدر بكل مسلم أن يتصف بها، ويتخلق بهذه الأخلاق الفاضلة ويتأدب بآداب القرآن، ويتخذه منهج حياة يتربى عليه، ويربي عليه من يعول من أولاد وزوجة وخدم وغيرهم. وإن مما يجدر الإشارة إليه أن كل مسلم يلتقي بكافر في عمل أو دراسة، أو حتى لقاء عابر في سفر أو اجتماع، أو حتى في الطريق أو الأسواق، فإن عليك أيها المسلم حقًّا لهذا الكافر، وهو التبليغ والبيان للإسلام إذا كنت تجيد اللغة وإلا تأتي بمترجم بينك وبينه. أيها المسلم الداعية يا من شرفه الله بالإسلام لا تبخل على غيرك بهذا النور الذي آتاك الله إياه، ولا تيأس من عدم الاستجابة فما عليك إلا البلاغ {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} 3 والهداية بيد الله سبحانه وتعالى: {إِنَّكَ لَا

_ 1 تقدمت ص54. 2 مسند الإمام أحمد، باقي مسند الأنصار: "25285". 2 سورة البقرة: من الآية 272.

تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} 1 ونلخص طريقة دعوة غير المسلمين فيما يأتي: "1- القدوة الحسنة فلا بد أن يكون المسلم قدوة يقتدى به في الخير، ويظهر الإسلام على تصرفاته وأفعاله، وبعض الناس يخطئ في مفهوم القدوة، فيظن أن القدوة تستلزم العصمة. 2- الاتصال الشخصي بالكافر، وهو ما يعرف بالدعوة الفردية، فإما أن يسلم وإما أن يقلل الشر عنده، ويمتنع عن أذى المسلمين. 3- إكرام المدعو بتقديم شيء من الطعام والإهداء، ويتحرج بعض المسلمين من عمل هذا الأمر لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي" 2. فإن المراد أكل المودة، أما تقديم الطعام لغرض الدعوة والإحسان، فلا بأس بذلك بل قد رغب فيه القرآن الكريم فقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} 3. فمدحهم الله سبحانه وتعالى على إطعام الطعام للأسير، والأسير لا بد أن يكون كافرًا؛ لأن المسلم لا يجوز أسره، فالإطعام من باب الإحسان إليه، ومن ثم دعوته إلى الدخول في الإسلام. 4- الدعوة بالمال بتأليف المدعو، والحمد لله أن مكاتب الدعوة قسم الجاليات، ومكاتب الجاليات المنتشرة في المملكة العربية السعودية تقوم بتوصيل هذه المساعدات إلى المحتاجين للإحسان إليهم وتأليف قلوبهم.

_ 1 سرة القصص: آية 56. 2 رواه الإمام الترمذي: "2395"، وأبو داود: "4832". 3 سورة الإنسان: الآيتان 8، 9.

5- الدعوة بالكتيب والنشرة والشريط وهذا ما نجده واضحا في القرآن الكريم والسنة المطهرة، فقد دعا نبي الله سليمان بالكتاب حيث أرسل إلى أهل اليمن كتابا مع الهدهد {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بسم الله الرحمن الرحيم، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} 1، والرسول -صلى الله عليه وسلم- دعا إلى الله بالكتاب أرسل كتابا إلى كسرى، وأرسل كتابا إلى هرقل وأرسل كتاب إلى المقوقس، وأرسل إلى ملوك العرب يدعوهم فيها إلى الإسلام وإلى اعتناق هذا الدين"2، ولكن هناك بعض المفاهيم الخاطئة التي تعيق الدعوة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر. "1- عدم التفريق بين محبة الخير للكافر ومحبة الكافر، فكثير من المسلمين لا يفرقون بين محبة الخير للكافر ومحبة الكافر، إن محبة الخير الذي هو الهداية واجب على كل مسلم؛ لأن الدعوة واجبة والدعوة هي الخير. 2- اعتقاد أن البراءة من الكفار تقتضي الغلظة في التعامل معهم، والقوة عليهم وعدم احترامهم، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الدعوة لا تقوم مع هذه الصفات والله سبحانه وتعالى يقول: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} 3، أي لعموم الناس. 3- يعتقد بعض الناس أنه يجوز له إهانة الكفار وظلمهم وتأخير حقوقهم، وعدم علاج مرضاهم ويستدلون بقوله -صلى الله عليه وسلم: "إذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه" 4.

_ 1 سورة النمل: الآيتان 30، 31. 2 ملخص من كتاب كيف ندعو غير المسلمين إلى الإسلام، د/ عبد الله المطلق. 3 سورة البقرة: من الآية 83. 4 أخرجه الإمام مسلم: "2167".

مما قاله القرطبي: أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يربي المؤمنين على العزة بمعنى لا تفسحوا لهم عن الطريق إكرامًا واحترامًا وليس معناه، إذا لقيتموهم في طريق واسع فألجئوهم إلى حرفه حتى يضيق عليهم؛ لأن ذلك أذى لهم وقد نهينا عن أذاهم بغير سبب. انتهى كلامه رحمه الله. 4- من المفاهيم الخاطئة عن بعض الدعاة أنه لا يعرف التدرج في الدعوة بل يقرن الدعوة بالحسبة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك أن كافرا أراد أن يسلم، فذهب به من يعرفه من المسلمين إلى إمام المسجد عندهم ليسلم على يديه، فلما دخل عليه فتح له محاضرة، وقال له إذا أسلمت: زوجتك عليك حرام لا بد أن تبغض أهلك وتتبرأ من والديك. فقال: أمهلني يا شيخ فخرج ولم يعد. 5- بعض الدعاة يتحرج من تقديم التحية "السلام" للكافر، والمسألة فيها خلاف، والذي أرى أن الكافر لا يجوز أن يُبدأ بالسلام، لكن عندنا من التحيات ما يناسب الكافر الذي هو في فترة الدعوة، وفي وقت التجاذب تقول: "صباح الخير" "مساء الخير" مرحبًا. 6- ومن المفاهيم الخاطئة في الدعوة: أن بعض الدعاة إلى الله عندما يأتي إليه كافر يريد أن يسلم يقول له: اصبر تأن لا تسلم حتى تقتنع، أو يقول: تأتي غدا بعد قراءة هذا الكتاب، لا أريدك أن تسلم اليوم وترتد غدا -يذكره بالردة- أو يفتح معه ملف تحقيق هل هو صادق في إسلامه أم لا؟؟ أيها الداعي الكريم إنه إذا قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله دخل في دين الله، وأصبح من أهل التوحيد، فلنفرض أنه ذهب قبل أن يسلم فمات، كيف يكون مصيره؟؟ وإلى أين يذهب؟؟ من الذي أخر هدايته؟؟ أليس أنت، بل ربما في هذه

الفترة الذي أخرت هدايته تأثر تأثيرا سيئا، فابتعد عن الدين الإسلامي بسبب تصرفك. 7- ومن المفاهيم الخاطئة أن بعض المسلمين يتصور أن الدعوة إنما تكون بالخطبة والمحاضرة والدرس فقط، وهذا خطأ لا بد مع هذا العمل الفردي مع المدعو، انظر إلى أحوال الصحابة الذين أسلموا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر العشرة المبشرين بالجنة أسلموا على يدي أبي بكر"1. بعد أن عرفنا بعض العوائق لتجنبها، نأتي إلى الثمرة والهدف من هذا الجهد، إذا ما أسلم الكافر، ماذا تعمل معه؟ اعلم أنه لبنة جديدة في المجتمع الإسلامي، واللبنة حين توضع في الجدار تحتاج إلى عناية ودراية ووقت، فهي لا تتحمل الاهتزاز تسقطها الحركة البسيطة، وتذيبها العوامل الطبيعية إذا لم تجد حماية، ورعاية في البداية حتى تشتد تجف. من مقتضيات ذلك أن تصبر على هذه اللبنة حتى تجف، وتقوى تحت الحماية والرعاية المركزة، فتبقى في الجدار لبنة قوية متماسكة مع اللبنات تحمل غيرها وتتحمل البناء عليها بعد ذلك، وهكذا المسلم الجديد في بدايتة يشبه اللبنة الرخوة، فعليك أيها الداعية أن تصبر على هذا المسلم الجديد وتتدرج معه في التكاليف، فقد وصلت معه إلى الهدف الأساسي وهو النطق بالشهادتين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم

_ 1 المصدر السابق: "كيف ندعو غير المسلمين".

"وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى" 1. ومما يجدر التنبيه عليه الحرص والإسراع في قبول إسلام من أتى راغبا الدخول في الإسلام، وحثه وتشجيعه على النطق بالشهادتين، حتى لو اشترط الداخل في الإسلام ترك بعض الفرائض مؤقتًا على أمل أن يبدأ القيام بها بعد قليل، ومما يدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد عن نصر بن عاصم عن رجل منهم: "أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأسلم على أن لا يصلي إلا صلاتين، فقبل منه ذلك"2. موافقته -صلى الله عليه وسلم- على ما اشترطت ثقيف لدخولهم في الإسلام أن لا صدقة عليهم ولا جهاد. فقد روى أحمد وأبو داود عن وهب قال: سألت جابرًا -رضي الله عنه- عن شأن ثقيف إذ بايعت قال: اشترطت على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن لا صدقة عليها ولا جهاد، وأنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك يقول: "سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا" 3، إن هذه الموافقة على ترك المقبل على الإسلام بعض الفرائض إجراء مؤقت يرجى من ورائه فتح الباب أمامه كي يدخل في السلم كافة، وها ما بينه الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند قبوله شرط ثقيف لدخولهم في الإسلام: "ألا صدقة عليهم ولا جهاد" حيث قال: "سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا". ثم على الداعية متابعة هذا المسلم الجديد، بمعرفة عنوانه ورقم هاتفه ومكان عمله، وسكنه حتى يمكن الاتصال به وتوصيل تعاليم الإسلام

_ 1 رواه الإمام مسلم: "21"، وعند البخاري من رواية عمر بن الخطاب: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤترا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله" "رقم 25". 2 الفتح الرباني: كتاب الإيمان والإسلام ص52. 3 مسند الإمام أحمد: "3/ 341"، وسنن أبي داود: "3023"، وصححه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: "1888".

إليه بالتدرج ومتابعته، وتدريبه على تطبيق تعاليم الإسلام -وهذا غالبًا ما تفعله مكاتب الجاليات في المملكة العربية السعودية، وقسم الجاليات في مراكز الدعوة والإرشاد المنتشرة داخل المملكة، وخارجها وفق الله العاملين لما يحبه ويرضاه.

الفصل الثامن: التخطيط

الفصل الثامن: التخطيط: 1- التخطيط والمنهج: ويقصد به إعداد دراسة واضحة لعمل يخدم الدعوة الإسلامية في منطقة معينة، أو لفئة معينة، أو لمجموعة عامة، أو مشاركة في إعدادها، أو كشف خطة وإزالة الستار عن مخطط يستخدم ضد الإسلام، ورصد مظاهره ونتائجه والأدلة عليه، حيث إن كل أمة أو جماعة، أو مؤسسة في انطلاقها ونموها ونجاحها تعتمد على سلامة الأسس، والمنهج الذي تسير عليه وعلى صدق الأهداف التي تسعى إليها، ويحمل هذا كله طاقة بشرية صادقة ومخلصة، لذلك تحرص كل أمة على بناء طاقتها البشرية، وتنمية مواهبها والمحافظة على مكتسباتها، وبغير ذلك يتعثر النمو ويضطرب، أو يضمر ويضعف أو يتوقف ويتعطل، أو ينحسر ويتراجع ويتخلف، وخوفًا من هذا فإنه يجب على الداعاة التنسيق والتخطيط فيما بينهم "فالدعاة إلى الإسلام في أيديهم كتاب واحد بلفظه وحرفه ورسمه، وليس عليهم سوى الأمانة في البلاغ عن الله عز وجل مما في القرآن الكريم من الآيات والذكر الحكيم، ومما في السنة النبوية المطهرة التي تعتبر بيانا لكتاب الله الكريم {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} 1، كما أن السنة تعد المصدر الثاني للتشريع قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 2"3. فالتخطيط يجب أن يوافق هذا المنهج الكتاب والسنة ويستنبط منه.

_ 1 سورة النحل: الآية 44. 2 سورة الحشر: الآية 7. 3 نقلًا من كتاب مسئولية الدول الإسلامية. د/ عبد الله التركي ص21.

التخطيط الناجح

2- التخطيط الناجح: أخي الداعية إذا أردت النجاح لدعوتك فلا بد من التخطيط، ووضوح المنهج القويم الذي تسير عليه، وتحديد الدرب ومعالمه كي تصل الدعوة إلى الهدف المنشود، فلا بد أن تجعل لك برنامجًا تسير عليه، وخطة مدروسة واضحة محدودة المعالم والأهداف ينفذها الداعية، ثم يدون ما في هذه الخطة، وما في هذا العمل من حسنات، وإيجابيات وما فيه من نقص وسلبيات تتضح لك أثناء التطبيق، وما يعترض طريقك من عقبات حتى يمكن لها وتذليلها وإيجاد البديل، وذلك بالتشاور مع أصحاب الرأي من المسئولين عن ذلك المرفق "أي مرجعك المباشر". إن التخطيط مهم جدا لنجاح أي عمل، وأي عمل يفقد التخطيط والدراسة قلما ينجح. فإذا أردت أيها الداعية نجاحا لدعوتك فلابد من تطبيق منهاج الله في واقع الحياة، ولا بد من وضع الخطط التي تعالج مشكلات البلد البارزة ويركز على علاجها والقضاء عليها، ويعمل الداعية جهده لتثبيت المنهج الرباني ليؤدي دوره على منهاج النبوة الخاتمة، لذا نقول ونؤكد على بناء شخصية المسلم ونفسيته وتصوراته، وتوفير ميزان أمين يزن به الأمور والأحداث والرجال، وفي هذه المرحلة مرحلة البناء والتخطيط على الداعية أن تثبت من

خطواته ومن نجاحه حتى يستطيع أن يدعو إلى الله على نهج واضح محدد، وعلى علم وبصيرة مرتكزة على خطة سنوية تنظم عمله وحياته، وينشأ عنها خطة يومية وأسبوعية وشهرية، حتى يصبح التخطيط سمة المسلم الداعية الصادق والواعي، فيبدأ عمله بنية صادقة، مصحوبة بالدراسة والنهج والتخطيط، حتى إذا انتهى عمله أخضعه للدراسة والتقويم، وهذه الخطط والوسائل تملك من اليسر والمرونة ما يسمح بتطبيقها في أي ميدان، وأي لقاء فتظل الدعوة عملًا عملًاقا متواصلًا غنيًّا ما دامت القواعد ثابتة على أسس متينة من الكتاب والسنة. إن حياة المسلم الداعية كلها ميدان فسيح للممارسة، والتطبيق على الواقع المحسوس حسب حاجاته ومتطلباته، مع التأكد دائما على أنه يسير على الأهداف والخطط التي يسعى إليها، والوسائل التي يتخذها والأساليب التي يتبعها، ومن ضمن هذه الأساليب والطرق التي على الداعية أن يسلكها بل على المخططين للدعوة أن يضعوها في الحسبان: 1- إرسال الدعاة إلى الأماكن المتاحة، فقد أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- الوفود إلى مشارق الأرض، ومغاربها للدعوة إلى الله ونشر هذا الدين، ومع ذلك جهز الجيوش للمعاندين، والصادين عن دين الله -وكتب السيرة مليئة بذلك. 2- دعوة الناس عامة إلى الإسلام، ونشر هذا الدين عن طريق بعث البعوث وإرسال الرسائل، فقد أرسل -صلى الله عليه وسلم- البعوث والرسائل إلى الملوك والحكام، عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى كسرى، وإلى قيصر وإلى النجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الإسلام وإلى الله تعالى1، وأرسل إلى غيرهم مثل هرقل وغيره كثير. كما كان يعلم

_ 1 سوف يأتي بيان لذلك ص224.

دين الإسلام في بيته وفي مسجده، وفي كثير من الأماكن أثناء المناسبات واللقاءات والاجتماعات في السفر وفي الحضر. لقد قامت الدولة الإسلامية في المدينة المنورة بكل عناصرها الحاكم، والمحكوم الكبير والصغير بأمر الدعوة، واهتمت بها أيما اهتمام حتى جرت في عروقهم، وأصبحت جزاءًا من حياتهم، فلا بد لهذه الأمة الإسلامية أن تنهج هذا النهج، وتهتم بالدعوة في جميع شئونها ومرافقها، وأن تدخل الدعوة جميع مرافق الحياة من صحافة وإعلام، وتعليم وتربية، فينشأ الناس جميعا أفرادا وأسرا جماعات ووحدانا على حب الدعوة، والتفاني في سبيلها وبذل الغالي والنفيس في سبيل الدعوة لرفعة هذا الدين. وينشأ ناشئ الفتيان فينا ... على ما كان عوده أبوه "إن حياة المسلم الداعية كلها ميدان للتخطيط والممارسة والتطبيق، ميدان للتربية والتعليم، إن ميادين الحياة العامة كذلك ميادين إعداد وتطبيق وتدريب، إن حياة الأسرة وحياة الجماعة، وحياة الأمة، والمساجد والمعاهد ووسائل الإعلام كلها ميادين لقاء المؤمنين، وميادين للتربية والبناء. إن الذي يتصدى لمهمات الدعوة الإسلامية عليه أن يتأكد من النهج الذي يسير عليه، والأهداف التي يسعى إليها، والوسائل التي يتخذها، والأساليب التي يتبعها، وقبل كل زاد وقبل كل خبرة، عليه أن يراجع نفسه ويحاسبها حتى يتأكد من نيته، وإخلاصه لله، والنية هي أهم قضية في الميدان الفكري والنظري، وهي أهم قضية في الميدان العلمي والتخطيط"1. إن التخطيط للعمل وتنظيمه يجعل العمل ناجحًا، ويوفر الوقت والجهد بل والمال فلا يصرف في غير محله، والوقت فلا يذهب هدرًا دون فائدة، كما أن التخطيط يجعل المسئول يوزع العمل، والمسئوليات والمهام وفق قدرات الدعاة والموظفين، كما أن من لوازم التنظيم: أ- إعداد دليل للإجراءات والنماذج لكل نشاط دعوي. ب- حفظ المعلومات والوثائق بأسلوب علمي يساعد على سرعة الوصول إليها متى ما أراد ذلك. ج- استخدام التقنية الحديثة والاستفادة منها. د- تطوير اللوائح المنظمة للعمل بصورة مستمرة. هـ- وضع الداعية المناسب في المكان المناسب.

_ 1 عن كتاب النظرية العامة للدعوة الإسلامية، "نهج الدعوة وخطة التربية والبناء" دكتور: عدنان النحوي ص161.

شروط وفوائد التخطيط

3- شروط وفوائد التخطيط: وهي باختصار شديد وعلى شكل نقاط. 1- تحديد الأهداف وترتيب أولوياتها مع ربطها بالوسائل. 2- تحقيق التناسق والانسجام بين الأعمال. 3- توفير البرامج الزمنية المناسبة. 4- يساعد على المراقبة والتقويمك ومعرفة ما تم إنجازه. 5- التوقع للمستقبل واحتمالات تلافيها بإذن الله. 6- يساعد في كثير من النفقات والجهد. 7- يساعد على الاستفادة من الوقت واستغلاله جيدًا. 8- أنه يتيح لجميع العاملين استغلال الطاقات، والإمكانيات المتوقرة والتعرف على الجيد منها. 9- إجراء التعديلات وإعادة البناء. 10- يساعد على انتظام العمل والابتكار والتجديد فيه"1. شروط الخطة: المرونة، الدقة والوضوح، المساهمة في تحقيق الأهداف، الواقعية والمشروعية، التأكد من دقة المعلومات التي تقوم عليها الخطة"2.

_ 1 انظر كتاب "مبادئ الإدارة" د. حمد النعيم وآخرون، ص44 طبع عام 1416هـ، وكتاب "أصول الإدارة" د. سمير عسكر، ص102 طبعة 1987م، دار القلم، دبي الإمارات. 2 المصدر السابق، د. نعيم، ص45، 50.

عناصر التخطيط

4- عناصر التخطيط: أ- الأهداف: واضحة، واقعية، قابلة للقياس. ب- الحساب للمستقبل: التوقع، السياسات، الإجراءات، الأهداف المحددة1. ج- مراحل التخطيط: 1- تحديد الأهداف. 2- جمع المعلومات. 3- البحث عن المجالات البديلة2. د- التنظيم: ويقصد به التوزيع المناسب للأفراد والواجبات. ومن فوائد: عدم الازدواجية، توزيع العمل على الجميع، وضوح مكان الخلل، وضوح المسؤولية3. هـ- التوجيه: ويقصد بذلك، مواجهة المشكلات اليومية والتنسيق بين العاملين4. و الرقابة: وهي: 1- الربط بين الخطط والنتائج. 2- التأكد من أن الخطة تطبق والأهداف تتحقق. 3- التقويم5.

_ 1 انظر المرجع السابق. للدكتور نعيم، ص50. 2 كتاب الإدارة مبادئ ومفاهيم ووظائف، للدكتور/ كامل المغرب، ص258. 3 كتاب الإدارة مدخل بناء المهارات، ط1985م، ص151، الإسكندرية، المكتب العربي الحديث. 4 كتاب الإدارة المعاصرة للدكتور/ علي السلمي، ص171، القاهرة مكتبة غريب. 5 كتاب الإدارة الأصول والأسس العلمية، ط1982م، ص381 القاهرة، مكتبة عين شمس، وكتاب الإدارة مدخل بناء المهارات، ط198، ص237، الإسكندرية، المكتب العربي الحديث.

الإدارة

5- الإدارة: "1- تعريف الإدارة: أ- هي الجهة أو الوحدة التي تقوم بمجموعة معينة من الواجبات لإنجاز أهداف محددة. وقيل: ب- هي النشاط الخاص بقيادة وتوجيه الجهود البشرية، وتخطيط عناصر الإنتاج الأخرى، وتحقيق الرقابة عليها بقصد الوصول إلى الأهداف التي تسعى إليها المنظمة. وبمعنى أسهل وأبسط هي: المعرفة الصحيحة لما يجب أن يقوم به الأفراد، ثم التأكد من أنهم يفعلون ذلك بأفضل الطرق، وأقل التكاليف أي توفير: جهد، وقت، اتصالات، مال"1. 2- ما هي الإدارة: هي مجموعة "أهداف، خطة، برامج، توزيع مهام"، وهي المعرفة الصحيحة لما يجب أن يقوم به الأفراد، ثم التأكد من أنهم يفعلون ذلك بأفضل الطرق وأقل التكاليف. أو هي النشاط الخاص بقيادة وتوجيه الجهود البشرية وتخطيط، وتنظيم عناصر الإنتاج الأخرى وتحقيق الرقابة عليها بقصد الوصول إلى الأهداف التي تسعى إليها الإدارة. هل الإدارة علم أم فن؟ الإدارة علم وفن. فن: ويقصد به: مهارة2 تطبيق العلم حسب اختلاف الأشخاص والأحوال3.

_ 1 كتاب مبادئ الإدارة، د. حمد النعيم وآخرون، ط1416هـ، وزارة المعارف المملكة العربية السعودية ص20، 21. 2 أي موهبة من الله. 3 كتاب الإدارة مبادئ، مفاهيم وظائف، ص41، ط1988م، مطابع لنا، الرياض.

الإدارة والنظام

6- الإدارة والنظام: يستمد مدير المركز أو مدير الدائرة سلطته ونظامه عادة من الجهة التي عينته، كوزارة الشئون الإسلامية مثلا أو المؤسسة الخيرية، أو الجماعة الخيرية أو هيئات الإغاثة العالمية والمحلية أو ... إلخ. ويفضل أن يسمح هذا المدير لغيره يتولى دور القيادة في بعض الأمور مع الإشراف والمتابعة، وبمعنى أوضح توزيع الصلاحيات على جميع العاملين في حقل الدعوة، وإعطائهم الصلاحيات المناسبة لمجال عملهم. ومن هذا المنطلق تجد الجميع يعمل ويتفانا حبًّا لهذا المسئول لا خوفًا منه، راجين الأجر والثواب من الله لا من المسئولين، والمدير الناجح هو الذي يجعل العمل يسير سواءً كان موجودا أو غير موجود ولا يتأثر العمل بغيابه، وأي عمل يرجى نجاحه لا بد له من إدارة، ونظام نابع عن تخطيط ودراسة كما سبق وبينا ذلك في الموضوع السابق. إن عمل الداعية الفردي والمنبعث من الفرد نفسه وبمفرده وحده الناتج

عن اجتهاداته دون الرجوع إلى أهل العلم والمعرفة، ودون الرجوع إلى دائرة تنظم العمل وتخطط له وترصد حركاته ونتائجه، فإنه عمل قليل الفائدة ونتائجه قد تكون عكسية. إذا لا بد للعمل الدعوي من إدارة تنظم وتخطط كغيرها من الدوائر الأخرى. إن الإدارة التي نريدها هي الإدارة التي تنظم الجهود على أعلى مستوى ممكن، لتجتمع على نشر الخير والصلاح والحق، ومحاربة الفتنة والعدوان والظلم. إن بناء هذه الإدارة بخصائصها الإيمانية، ومقوماتها الشاملة لهي مسئولية الأمة المسلمة، والدعاة المسلمين في كل مكان. إن بعض الإدارات قد تكون واحدة لدى جميع الشعوب، فهذا مدير وهذا نائب مدير، وهذا سكرتير وذاك مستخدم، وهنا ملفات وحاسوب وناسخ إلى غير ذلك من الأمور المنظمة للعمل، إن الإدارة المؤمنة هي التي تنظمي العمل في أعلى مستوى من الإتقان، وفي أقصر وقت ممكن، فهي التي تنظم الوقت والجهد، وتوفر التنسيق وتراعي المواهب والكفاءات، وتحرص على تدريبها وتنميتها لتكون قوية غنية ولتنشر الخير والصلاح، وكذلك فهي الإشراف والمراقبة والمتابعة والتوجيه، وتحدد الصلاحيات والمسئوليات، وتقيم التنسيق والتعاون بين الأفراد، هذه أمور لا بد أن تقوم عليها الدعوة إلى الله في أي مكان وفي أي زمان، وهذا ما نجده واضحًا في نظام الدعوة الإسلامية في المملكة العربية السعودية ممثلة في وزارة الشئون الإسلامية حيث نظمت الدعوة في الداخل والخارج بإدارات مستقلة ترتبط بالوزارة مباشرة تنظم شئون الدعوة والدعاة، وتضع لهم المناهج والأسس والخطط السليمة المستمدة من الكتاب والسنة، وتتابع العمل في الداخل والخارج، مراعية في ذلك التقويم

والتطوير المستمر من خلال ما يكتب، ويرفع من تقارير واقتراحات عن سير الدعوة من قبل الدعاة، إن التنسيق والنظام عنصر أساسي لا يقوم العمل الدعوي بدونه، فهو مطلب لا بد منه لتحقيق الانسجام وتوحيد الجهود، فكل دائرة وكل مركز دعوي يهتم بالدعوة مطالب أن يبادر بالتنسيق مع الدوائر الأخرى، والقطاعات الدعوية المنتشرة داخل المملكة العربية السعودية، وخارجها كل فيما يخصه، ويناسب القطاع الذي يعمل فيه، ويفضل استخدام نماذج موحدة لهذا الغرض. فالتنسيق يعطي فرصة المشاركة لجميع المستويات الدعوية في زيادة الإنماء وفي إثراء الأفكار، والتوصل إلى اختيار أفضل البدائل واتخاذ القرارات القابلة للتنفيذ، كما أن من الضروري سرعة الاتصال بين الرئيس والمرءوس، والعكس وبين المراكز والإدارات المختلفة للتنسيق وتوحيد العمل، والإجراءات والاستفادة من تجارب الآخرين، وتبادل المعلومات والأفكار بصورة منظمة وفعالة، ومن الأمور الأساسية في التنسيق: الموضوعية في التقويم، إذ لا يوجد عمل بشري بلا أخطاء، والذي لا يخطئ هو الذي لا يعمل، وهذا بحد ذاته خطأ، عند ما يقع الخطأ يجب البحث عن أسبابه وليس تركيز كل الجهود على توجيه اللوم وتبادل الاتهام. كما أن الإشراف والتقويم عنصر أساسي في الإدارة، ومن المهم جدًّا متابعة عمل الدعاة لتقويم النتائج، وتطبيق مبدأ دعم الإيجابيات وإيقاف السلبيات، وتشجيع المتميزين من الدعاة وتكريمهم وتوجيه المقصرين، وإرشادهم والأخذ بأيديهم ومساعدتهم في عملهم وتقويم أخطائهم وتصحيحها، حتى يصبح الدعاة جميعًا يدًا واحدة وعملا موحدا بهذا يصل الدعاة إلى المستوى اللائق بهم، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

أهمية الإدارة

7- أهمية الإدارة: "أي تجمع بشري مهما صغر لا يمكن أن تسير أموره سيرًا صحيحا بدون أن يكون هناك من يدبر هذا التجمع، ولذا أمر الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس الذين يخرجون في سفر إذا كانوا ثلاثة، فأكثر أن يؤمروا أحدهم وذلك حتى لا تسود الفوضى، ويحصل التخبط في حياة هؤلاء، ومما أبرز أهمية الإدارة في العصر الحديث: 1- أن الإدارة تعتبر عنصرًا مهما في تحقيق النتائج والأهداف المرجوه. 2- كبر حجم التجمعات وتعقد عملياتها. 3- التخصص وتقسيم العمل بحيث يقوم كل فرد بدون، والإدارة هي المسؤولة عن النجاح، أو الإخفاق الذي تصادفه هذه الوزارة أو الإدارة أو المؤسسة. 4- استخدام موارد اقتصادية تتسم بالندرة. 5- العمل في ظروف بيئية سريعة التغير لا بد من معالجتها في وقتها. على ضوء المبادئ الأساسية للإدارة وهي: 1- مبدأ تقسيم العمل. 2- مبدأ المسؤولية والسلطة. 3- النظام والطاعة. 4- وحدة الأمر. 5- وحدة التوجيه. 6- خضوع المصالح الفردية للمصلحة العامة. 7- مبدأ مكافأة الأفراد. 8- مبدأ المركزية. 9- مبدأ تدرج السلطة. 10- مبدأ الترتيب. 11- مبدأ المساواة. 12- مبدأ استقرار العاملين. 13- مبدأ المبادأة. 14- مبدأ الاتحاد"1.

_ 1 كتاب مبادئ الإدارة "سبق ص215" انظر: ص16-29.

أهمية الإدارة في الدعوة

8- أهمية الإدارة في الدعوة: يفيد من الإدارة كل صاحب اهتمام بحسبه، فالقائد ورجل السياسة يفيد منها في إدارة من يسوس ويقود، والتاجر وصاحب المال يفيد منها في إدارة تجارته وأمواله، وكذلك الداعية الذي لا يرجو بعمله مثلهم، وإنما يرجو الآخرة والآخرة خير وأبقى. وطبيعة المرحلة التي نعيشها في العصر الحاضر الذي نعيش فيه يؤكد أهمية الإدارة في مجال الدعوة المختلفة تخطيطًا وتنظيمًا، وتنسيقًا وتوجيهًا ومتابعةً وتقويما و.... و.... حتى يكون في مواجهة الجهد والكيد الذي ما برح أعداء الإسلام يحيكونه بتخطيط محكم، وحرصهم على القضاء على هذا الدين بصورة منظمة، وبمناهج مدروسة بحرص ومتابعة ولو طال الزمن، المهم أن يصلوا في النهاية إلى ما يريدون، وليس أدل على ذلك من التخطيط لاحتلال فلسطين بعد "50" عاما وفعلا تم لهم ذلك. ومما يؤكد ضرورة الإدارة للدعوة خاصة: كثرة الأعداد المنظمة للدعوة -بتوفيق الله ثم بجهود الدعاة- إلى قافلة الدعاة، وبالتالي فلا بد من إدارة تلك الأعداد إدارة جيدة، وإلا لم يستفد من تلك الطاقات والجهود. ومن المآخذ على بعض الدعاة اليوم أنهم لا يسيروا في دعوتهم وفق مخطط منهجي مدروس يعتمد المراحل التي يبنى بعضا فوق بعض. يقول د/ محمد لطفي الصباغ: "إن العصر الذي نعيش فيه عصر تخطيط، فأي عمل نريد أن نواجه

به الناس لا نستطيع أن نخرجه ما لم يكن قائما على منهج مدروس. وأعداء الإسلام يحاربون ديننا وفق مخطط بذلت له أعظم الجهود في رسمه، واستفيد من كل معطيات الحضارة في وضعه، فلا ينبغي أن تكون حركة الدعاة إلى الله حركة خبط عشواء لا يعرف الواحد منهم ماذا يريد أن يحققه اليوم، وماذا يريد أن يحققه اليوم وماذا يريد أن يحققه غدًا؛ لأن من السنن الكونية أن التنظيم يغلب الفوضى، إن الذي يسير وفق مخطط لا يتردد في مسيرته، ولا يشعر بالتعب ولا يتعثر في المسير ولا يعبأ بما يعترضه من عواء العاوين، ولا يترك للأحداث الطارئة أن تحرفه عن طريقه، ولا يترك للافتراضات والاحتمالات مجالات لتضيع عليه هدفه الذي يرمي إليه. لا يجوز أن يحركنا أعداؤنا كما يشاؤون.... يقوم أعداء الله أحيانا بأحداث مفتعلة، وبأعمال مخالفة للدين، فإذا الدعاة إلى الله يتحركون بمنطق رد الفعل ويستغرق حركتهم، ووقتهم كله ولا يصبح لهم غير مقاومة هذه الأعمال وينسون هدفهم الأول والأهم، ولا يفهم من كلامي هذا أن نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل الذي أريد تقريره: أن علينا أن نمضي في طريقنا وأن نحقق هدفنا الأول، والأهم في إقامة المجتمع الإسلامي، والفرد المسلم على النهج الذي جاء به الإسلام ولا مانع من أن نقول كلمة الحق كلما دعانا إلى ذلك داع دون أن يصرفنا عن تحقيق المطلب الأهم. ويكون ذلك عن تخطيط من هؤلاء الدعاة. إن من يسير في طريق ويلقى في أثناء سيره أن عدوه قد حفر له حفرة عليه أن يتجنبها ويحذر من الوقوع فيها، ويضع لافته تحذر السالكين من الوقوع فيها، ثم يتابع طريقه؛ لأن اشتغاله بردم الحفرة وذمه من حفرها، واهتمامه

بذلك ينسيه غرضه الأصلي، وهدفه الذي سار من أجل الوصول إليه"1.

_ 1 من كتاب خواطر في الدعوة إلى الله، ط1411هـ، د/ محمد لطفي الصباغ، ص32-33، المكتب الإسلامي، بيروت.

الفصل التاسع: نداءات

الفصل التاسع: نداءات: النداء الأول: إلى حكام المسلمين: إن الدعوة الإسلامية من مقومات الدولة، وركيزة من ركائزها، بل هي أسس متن يقوم عليها بناء الدولة الإسلامية، وهي عرقها النابض، وسر نهضتها، ومصدر عزها وسعادتها، من هذا المنطلق كان من الضروري جدًّا الاهتمام بالدعوة الإسلامية داخل الدولة المسلمة، ودعمها وتوفير الحماية لها، دعمها بكل الإمكانات والمقومات الأساسية للرفع منها وتطويرها، بل وجعلها جزءًا لا يتجزأ من المنهج الداسي حتى يعرف الشباب الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة عن طريق العلم الشرعي المنضبط بالكتاب والسنة، فلا إفراط ولا تفريط، بل اعتدال وتوسط في الدعوة، والحركة الإسلامية فينشأ المجتمع سليم الفكر سليم المنهج سليم الاعتقاد، قوي الإيمان فقد كان هذا نهج الدولة الإسلامية الأولى بقيادة النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة النبوية، فكانت مهمته الأولى وغايته الأساسية دعوة الناس الى الإسلام عقيدة، وشريعة ومنهج حياة، وإبلاغهم رسالة ربه، وكان ذلك هو الهدف الأول عند تأسيس الدولة الإسلامية. بل إنه -صلى الله عليه وسلم- لم يقتصر على دعوة القريبين منه فحسب، ولكنه أخذ يدعو ملوك ورؤساء الدولة المجاورة وغير المجاورة بعدة طرق ووسائل منها: أولا: طريق البعوث والرسائل إلى الملوك والحكام، روى مسلم

وغيره من حديث أنس -رضي الله عنه: "كتب إلى كسرى وإلى قيصر وإلى النجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الإسلام وإلى الله تعالى"1. وقد كتب -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل عظيم الروم وفيه: "أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أو أسلم يؤتك الله أجرك مرتين" 2 كما كتب إلى كسرى عظيم الفرس. ثانيًا: الدعوة من قبل الدولة عن طريق إرسال البعوث لتبليغ رسالة الله، وعن طريق استقبال الوفود التي كانت تفد على الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة للدخول في الإسلام. من هذا المنطلق واقتداء بهديه -صلى الله عليه وسلم- في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى كان على حكام العالم الإسلامي مسئولية عظمى في الدعوة إلى الله بالطرق، والأساليب التي كان يفعلها مؤسس الدولة الأولى في المدينة النبوية عليه الصلاة والسلام، نداء إلى من أكرمهم الله بالحكم والولاية على المسلمين أن يعملوا على نشر هذا الدين في بلاده، وفي بلاد العالم الإسلامي كل فيما يخصه، والتعاون فيما بينهم لخدمة الدعوة الإسلامية في بلادهم وخارجها من بلاد العالم، لعالمية هذا الدين وعالمية الدعوة إلى الله. إذ بأيدي الحكام الحل والعقد والأمر والنهي، وتغيير المنكر وإقرار المعروف والأمر به بل والإلزام به والعقوبة عليه في بلادهم، وخارجها بالتعاون مع المسئولين عن أمر الدعوة بتطبيق شرع الله في الحدود، والعقوبات لمن خالف شرع الله وخرج عن تعاليم هذا الدين، بيد أن الدعوة إلى

_ 1 كتاب الجهاد والسير، باب كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ملوك الكفار يدعوهم إلى الله عز وجل. 2 شرح النووي: "5/ 166"، الإمام البخاري: كتاب بدء الوحي "1/ 31-32".

الله تتطلب الرفق واللين بالطرق، والأساليب التي كان يفعلها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وخلفاؤه الراشدون في الدعوة إلى الله، حيث بعث -صلى الله عليه وسلم- الدعاة، والمعلمين إلى الأمصار والدولة المجاورة مثل مصعب بن عمير إلى المدينة المنورة، وبعث الدعاة إلى قبائل العرب في الجزيرة العربية. ثم عقد ألوية الجهاد والسرايا لنشر دين الله والدعوة إليه، وقتال كل من وقف في طريق الدعوة، وصد عن هذا الدين مما جعل الأمن يستتب، والرخاء يعم والطمأنينة تنتشر، والتعاون يسود المجتمع لهذا نوجه هذا النداء إلى حكام العالم الإسلامي بالاهتمام بالدعوة إلى الله، والعمل على نشرها في كل أرض، وتحت كل سماء والله الموفق.

النداء الثاني: إلى رب الأسرة

النداء الثاني: إلى رب الأسرة: وهو غالبًا الأب أو من يقوم مقامه وتكون له الولاية مثل الابن الأكبر، أو العم أو أحد الأقارب وقد تكون ولاية الأسرة لشخص آخر لعدم وجود كفاءة للولاية من الأقارب كالقاضي الشرعي، أو من يوصي به رب الأسرة إذ إن رب الأسرة هو المسئول الأول عنها في حفظ المال والإنفاق، كذلك هو مسئول في حفظ الدين كما هو محاسب على الأموال فهو محاسب أيضا عن الدين، والتربية على الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة لجميع أفراد الأسرة، وهو مسئول غدا أمام الله عن هذه الأسرة هل وفر لها السبل، والطرق والوسائل التي تعين على حب الدين، والقيام بالشعائر الإسلامية كالصلاة والصوم والحج وغيرها، وهو مسئول عن غرس الإيمان والعقيدة الصحيحة لدى جميع أفراد الأسرة، نداء إلى كل أب أن يتعهد جميع أفراد أسرته، ويربيهم التربية الإسلامية السليمة بحيث يكون جميع أفراد الأسرة سليمي الفكر والعقيدة والتصور، فكما أن رب الأسرة مسئول عن توفير الطعام، والشراب كذلك هو مسئول عن سلوك وأخلاق جميع أفراد أسرته، للأسف نقولها بكل مرارة أن بعض أرباب الأسرة يكون معول هدم لأسرته بما يجلبه، ويدخله على أسرته من وسائل التخريب، والدمار تخريب أغلى ما يملكه المسلم دينه، وعقيدته تخريب السلوك فنجد انحرافًا في التربية وغبشا في الفكر، وجهلًا بالدين وتعاليمه السمحة، أخطاء تتكرر في التعامل والمعاملة، انغماس في وحل المعاصي، ورب الأسرة لا يحرك ساكنا وكأن الأمر لا يعنيه، بل قد يساعد على هذا الانحراف

بما يقدمه لأسرته من قدوة سيئة في التعامل، والمعاملة والغياب عن البيت معظم الوقت، أو بما يفعله من معاصي كشرب الدخان، أمام أفراد الأسرة والتخلف عن صلاة الجماعة، وقد لا يصلي وقد ينشأ الخلاف بينه وبين زوجه على مرأى ومسمع من أفراد الأسرة، وقد يكون الخلاف حادًّا وينتهي بالطلاق لغياب المنهج الإسلامي الذي يقوم السلوك، ويقيم العلاقات المتينة بين أفراد الأسرة المستمدة من الشرع القويم، ومن السنة المطهرة، فإذا غاب هذا المنهج القويم عن الأسرة سادتها الأنانية، وحب الذات وانتشرت الخلافات والنزاعات وعدم التعاون، بل قد يكون التفكك والتفرق، والقلق الذي قد يعقبه الأمراض النفسية، فأوجه هذا النداء إلى رب الأسرة، فهو المسئول أمام الله سبحانه وتعالى فيما أؤتمن عليه من جميع أفراد أسرته عليه أن يعلم أن سعادته، وسعادة أسرته في اتباع شرع الله القويم، وصراطه المستقيم بإقامة الدعوة إلى الخير لأفراد أسرته، وإزالة جميع المنكرات وأطرهم على الحق أطرًا؛ لأنه يستطيع أن يأمر وينهى ويغير المنكر بيده بين أفراد أسرته بلا منازع، فهو رئيس الأسرة والعائل لها والمسئول عنها وعن أخلاقها ودينها، فالواجب عليك أيها المسلم أن تتفقد أحوال أسرتك، وأن تتعاهدهم بالمحافظة على أخلاقهم، وسلوكهم والأهم من ذلك كله أن تعودهم على الصلاة في المسجد، والمحافظة عليها وجميع شرائع الإسلام ففيها الخير والسعادة لك ولهم، وتخلو ذمتك من المسئولية التي أنت مكلف بها من قبل خالقك، ومولاك سبحانك وتعالى وسوف تسأل يوم القيامة هل قمت بحقوق أسرتك؟ وما يجب عليك تجاههم من تعليم وتربية ورعاية وتقويم وتعديل لسلوكهم، فأعد للسؤال جوابا وللجواب صوابا.

النداء الثالث: إلى أئمة المساجد

النداء الثالث: إلى أئمة المساجد: إن إمام المسجد له دور كبير وتأثير عظيم في الحي، ومع أفراد المجتمع المقيمين حول المسجد، إنه مسئول عن جماعة مسجده وعن جميع أفراد الحي بصفته يؤم الناس في الصلاة، فقد ارتضوه لأهم شعيرة وأعظم ركن من أركان الإسلام بعد الشهادتين، قد ارتضاه الناس لدينهم أفلا يرتضونه لدنياهم، كالإصلاح بين متخاصمين وحل مشاكلهم الاجتماعية، والأسرية وغيرها إنني أوجه هذا النداء إلى كل إمام يؤم الناس في الصلاة، أن لا ينسى ولا يغفل لحظة واحدة عن إرشاد الناس، وتبصيرهم بأمور دينهم، وتعليم الجاهل وعقد الدروس الدائمة وحلق القرآن الكريم إلى غير ذلك من العلوم، والمعارف وكذلك إقامة الندوات والمحاضرات، والمواعظ بين فترة وأخرى كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وكذلك وضع مسابقات ثقافية، وتوزيع جوائز على المتسابقين بالتعاون مع أفراد الحي ومع المحسنين ومحبي الخير، إن هذا النشاط يعد دعوة وعمل خير يثاب عليه، ويجازى أعظم الجزاء؛ لأن عمله من أعظم الأعمال وأجلها، وأحسنها {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ، أوجه هذا النداء إلى إخواني أئمة المساجد فهم على ثغرة من ثغور الإسلام، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلكم، بتخليكم عن أمر الدعوة وخاصة في الحي الذي تسكنونه وتؤمون فيه الناس، إن إمام المسجد الذي يؤم الناس فقط في جميع الفروض، ولا يقوم بأي نشاط دعوي في مسجده همه أن يصلي بالناس إماما ويأخذ الأجر1

_ 1 لا أقول بعدم جواز الأجر على إقامة الإمامة، فقد صدرت فتاوى في ذلك ليس هذا مكان تفصيلها.

على ذلك في آخر الشهر، يعتبر مقصرا، وفي خطر عظيم بتركه الوعظ والإرشاد، والدعوة إلى الله أوجه هذا النداء إلى هذا الإمام أن ينتبه لنفسه، ويحاسبها قبل أن تحاسب ويعيد الدور العظيم للمسجد، ويقوم بدوره الصحيح المطلوب منه، وهو إعادة رسالة المسجد إليه وإحياؤه بالصلاة، والذكر وقراءة القرآن وتعليم الناس العلم الشرعي النافع والدعوة إلى الله، إن إمامة المسجد ليست قاصرة على أداء الصلوات الخمس فقط بل هي مسئولية عظيمة قد تحملها إمام المسجد، فإما أن يقوم بها على وجهها الصحيح، ويحمل هذه المسئولية ويؤديها كما تحملها، وإلا يفسح المجال لغيره ممن لديه الاستعداد التام في إحياء المسجد، وإعادة دوره الحيوي بنشر العلم والثقافة، وعقد حلقات القرآن الكريم والدروس العامة، وترتيب المحاضرات، والندوات بالاتفاق مع العلماء الأفاضل. كما أنني أوجه هذا النداء إلى إمام المسجد بأن يحتوي شباب الحي، ويشجعهم على الحضور إلى المسجد، ويربط معهم الصلات والعلاقات الطيبة حتى يكون هؤلاء الشباب لبنات نافعة، وقوية في بناء المجتمع الذي هو بحاجة ماسة إلى جهود هؤلاء الشباب، ومشاركتهم في البناء والتعمير، أنادي كل إمام مسجد فأقول: إن إمامة المسجد تقتضي من الإمام تعليم الناس، وإرشادهم وتبصيرهم بأمور دينهم ودنياهم، وذلك بأن يقوم الإمام بزيارات فردية وجماعية لجماعة المسجد في بيوتهم وأماكن تجمعاتهم، وأن يستغل هذه الزيارات وهذه التجمعات في الدعوة إلى الله، وأن يستثمرها في العمل الصالح الذي يقربه إلى الله سبحانه وتعالى، وفي ظل المسجد كان النبي

-صلى الله عليه وسلم- إمام المصلين وسيد المتقين يؤم المسلمين، ويتعهدهم بالموعظة الحسنة والأدب الإسلامي من الرفيع في كل وقت وحين؛ لأن المسجد يعد قلعة الإيمان وحصن الفضيلة، وهو المدرسة الأولى التي يتخرج منها المسلم، لذا فهو منبر مهم من منابر الدعوة التي ينبغي أن تقوم بدورها الإيجابي لدعوة الناس وتوجيههم إلى الخير، فالإمام هو المسئول الأول في المسجد الذي تولى إمامته، فعليه أن يبذل كل ما يستطيع في نصح إخوانه المسلمين، ودعوتهم وإرشادهم إلى طريق الرشاد، ويسلك في ذلك شتى الطرق السليمة وينهج أحسن السبل المتبعة في الدعوة، فإمام المسجد على ثغرة عظيمة عليه أن يقوم بها بإخلاص لله تعالى؛ لأن الإخلاص هو أساس نجاح الأعمال، وأن يتخذ الإمامة طريقا للدعوة إلى الله، فإمام المسجد له مجالات كثيرة يستطيع من خلالها دعوة الناس وإرشادهم إلى الخير، وأخيرًا أوجه هذا النداء إلى كل إمام مسجد أن يستغل هذا العمل في الدعوة إلى الله، وهداية الحيارى وإصلاح المجتمع، وأن يكون الإمام داعية بحاله قبل لسانه وأن يتحلى بالآداب والصفات التي لا بد أن تتوفر فيه ليستطيع من خلالها تأدية دوره، فإن فقد هذه الصفات وهذه الآداب، ولم يؤدي رسالة المسجد كما ينبغي فغيره أولى منه بالإمامة.

النداء الرابع: إلى العلماء الربانيين والقضاة الشرعيين

النداء الرابع: إلى العلماء الربانيين والقضاة الشرعيين: أوجه هذا النداء إلى علماء الأمة الإسلامية وإلى القضاة الشرعيين مع أنني أقل منهم علما، وخبرة وعملا في مجال الدعوة، لكن عزائي في ذلك أنه قد يأخذ العالم ممن هو أقل منه علما، ويسمع العالم من طالب العلم وهذا هو أدب السلف والخلف رحمهم الله تعالى، فإلى هؤلاء العلماء أوجه ندائي وأقول: إن الأمة قد عقدت عليكم آمالها بما تحملونه من علم شرعي، وربطت مصيرها بمصيركم، فأنتم العلماء الربانيون والقضاة الشرعيون، وأنتم قادة الأمة إلى الخير وحماة العقيدة، ودور العلماء عظيم ومسئوليتهم كبيرة، والأمة ترجع إليهم في كثير من المسائل الشرعية والاجتماعية، وتنظر إلى علمائها نظر احترام وتقدير وامتثال لما يأمرون به وانتهاء عما ينهون عنه، أوجه هذا النداء داعيا إلى تضافر الجهود، ولم الشمل واجتماع الكلمة واتحاد الهدف، والمصير والتشاور فيما بين العلماء فيما يصلح الأمة ويقوم سلوكها حتى تسير الأمة على نور، وهداية باتباع المنهج الرباني والسنة المطهرة، فتسعد الأمة بعلمائها ويسعد العلماء بانقياد الأمة لأوامر الله، وانتهائها عن ما نهى عنه سبحانه وتعالى. أوجه هذا النداء إلى كل عالم1 بشرع الله بعينه بأن يجعل الدعوة إلى الله أولى اهتماماته، وإصلاح الناس هدفًا من أهداه، ونشر العلم

_ 1 المقصود بالعالم: العالم بشرع الله سواء كان قاضيا شرعيا، أو عالما ربانيا قد تعلم ودرس العلوم الشرعية في المدارس النظامية، أو عند العلماء الأفاضل أو كان مجالسا للعلماء، ويسمع منهم أو كانت له اهتماماته بالكتب والعلوم الشرعية، سواء كان عمله طبيبًا أو مهندسًا أو عسكريًّا، أو تاجرًا إلى غير ذلك من الأعمال الكبيرة.

وتبليغ رسالة السماء غاية من غاياته، ولا ينشغل بحطام الدنيا الزائل مهما كانت الظروف، فإن العالم إذا ترك الدعوة إلى الله ضعف الإيمان عند الناس، بل عبدوا الله على جهل، وفشت المنكرات وانتشرت البدع والخرافات، وابتعد الناس عن تعاليم الشرع الحكيم، والصراط المستقيم إلى أقوال أهل الجحيم بسبب سكوت العلماء، وتركهم الدعوة إلى الله عندها ينتشر الشر والفساد، وتقوى شوكة الباطل بسكوت أهل الحق فينشرون سمومهم، وبدعهم وانحرافاتهم في المجتمع فيعيش الناس في جهل مطبق، وضلال عظيم وبعد عن منهج الله. أوجه ندائي إليكم أيها العلماء الأفاضل بصفتكم تخافون الله أكثر من غيركم، وتراقبونه أشد المراقبة {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} والذي يخاف الله ويخشاه يعمل ما يرضيه وإن أهم عمل تقوم به هو الدعوة إلى الله -كما سبق وتبين لنا في هذا البحث أنها فريضة من فرائض الله- فالعالم يستطيع بمظهره وبالقدوة الحسنة، والأخلاق الفاضلة والمعاملة الطيبة ودماثة الأخلاق أن يغير بالكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة في المسجد أو الاجتماعات العامة، والمناسبات في اجتماع الناس في الأعياد والأفراح، والعزاء إلى غير ذلك من الاجتماعات العامة والخاصة في البيوت وغيرها، يجب على العالم أن يستغلها ويستثمرها في الدعوة إلى الله، ونشر هذا الدين وتعليمه لجميع الناس عن طريق إلقاء موعظة، أو فتح حوار في موضوع معين أو الإجابة على أسئلة الناس. كما أن العالم باستطاعته إلقاء محاضرة أو درس والقيام بإعداد خطب الجمع والعيدين، وتحديد درس معين في كتاب معين في المسجد، أو البيت أو أي مكان مناسب يحضره طلاب العلم كما كان

الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك، أوجه هذا النداء إلى من يستطيع الدعوة بالزيارات الفردية، والجماعية فعليه أن يفعل ذلك ولا يتأخر، فالأمة بحاجة إلى جميع الجهود، والإمكانات بحاجة إلى من يبصرها بدينها حتى تعبد الله على يقين ومعرفة، نداء إلى علمائنا الأفاضل أن لا ينسو القرى والهجر والأماكن النائية، زرهم وتفقد أحوالهم أوصل لهم النور والعلم والحكمة، فهم من أحوج الناس إلى العلم الشرعي لقلة العلماء لديهم، وتفشي الجهل والمخالفات الشرعية عندهم، نداء أخير لو قام كل منا بدوره على الوجه المطلوب لم يبق جاهل بأمر الدين، فأمر الدعوة واجب عيني على الجميع ولا سيما العالم الرباني، فهي في حقه أوجب وآكد من غيره، فلا تبخل بالكلمة الطيبة وبالموعظة الحسنة بالمحاضرة النافعة بالندوة الشاملة بخطب الجمع، والعيدين المفيدة، بالزيارات الفردية والجماعية. استغلال جميع المناسبات العامة والخاصة والاشتراك فيها، واستثمارها في الدعوة إلى الله، أما أن يكون العالم سلبيا لا يحرك ساكنا ولا يغير منكرا، ولا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، عمله وبرنامجه اليومي العمل الوظيفي الخالي من الدعوة، ثم الرجوع إلى البيت والانهماك في أعمال دنيوية بحته -وليس معنى ذلك أنني أقلل من شأن العمل الوظيفي، أو الأعمال الأخرى الخاصة- لكني أريد أن يخلط العمل الوظيفي بالدعوة، والأعمال الخاصة والعامة بالدعوة إلى الله، وأن يكون له مع هذه الأعمال منهج دعوي مع الزملاء في العمل مع المراجعين، والجمهور الذين يأتون إليه لإنهاء معاملاتهم يستغل ذلك بتوجيههم، ونصحهم إذا رأى عندهم مخالفات شرعية، فالعالم الموظف يستغل وظيفته في الدعوة إلى الله بالكلمة

الطيبة والموعظة الحسنة في وقت العمل الرسمي وغيره بما شاء، فأمر الدعوة هام ومنوط بك أيها العالم الفاضل أكثر من غيرك فتنبه لهذا، ولا تترك الساحة خالية منك ومن أمثالك لأهل الشر والفساد، فإن الشر يزيد ويتفشى كلما ضعف الدعاة إلى الله وتخلوا عن مسئوليتهم، وأي مكان لا يوجد فيه دعاة إلى الله يظهر فيه الشر، والفساد واضحا لكل ذي عينين. "فيجب على العالم ما لا يجب على الجاهل، ويجب على ذي السلطان ما لا يجب على غيره من آحاد المسلمين، ولهذا فإن الله سبحانه وتعالى: خص بالإنذار والوعيد أهل العلم، وحذرهم من كتمان الحق الذي عرفوه. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} 1" 2. فاحرص كل الحرص على استغلال جميع الفرص المتاحة، فالعمر محدود وليس لك إلا ما قدمت فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.

_ 1 سورة البقرة: الآيتان 159-160. 2 عن كتاب أصول الدعوة، د/ عبد الكريم زيدان ص319.

النداء الخامس: إلى كل معلم ومعلمة

النداء الخامس: إلى كل معلم ومعلمة 1: أوجه هذا النداء إلى كل معلم ومعلمة في جميع المراحل التعليمية، وعلى كافة المستويات والأقسام والكليات الخاصة منها والعامة، أبشر هؤلاء جميعا بأنهم يحملون منهاج النبوة ورسالة الأنبياء، فالأنبياء هم معلمو الخير للناس الموصلون رسالة السماء إلى الأرض، فمن يحمل هذا العلم ينشره بين الناس لا شك أنه جدير بالاحترام والتقدير، وما من عالم أو متعلم إلا جلس بين يدي معلم، فالجميع إذا قد تخرج من بين يدي معلم. فإلى هؤلاء المعلمين أوجه هذا النداء وهو أنكم على ثغر من ثغور الإسلام، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلكم، إن المعلم هو الذي يستطيع أن يغرس العقيدة الصحيحة، والإيمان الصافي الخالي من الشرك والشك والنفاق في نفوس الشباب، وبإمكان المعلم أن يغرس الفضائل الحميدة، والأخلاق السليمة والتربية السوية لدى الشباب، فتتخرج طبقة من الناس تحمل هم الدعوة، وتجاهد في سبيل نشرها والذب عنها بكل غال، ونفيس ومن ثم بذل الجهد في توصيلها إلى كافة الناس، إن المعلم هو الذي يستطيع أن يغرس الانتماء في نفوس الطلاب، الانتماء إلى هذا الدين العظيم وإلى أمة الإسلام المترامية الأطراف، فالمعلم هو الذي يصنع اللبنات الأولى للمجتمع، وهو الذي بيده التأسيس الأول ووضع اللبنات التأسيسية، ولا بد للمعلم أن يأخذ في الاعتبار أن يكون الأساس قويا متينا وإلا

_ 1 يفضل الرجوع إلى كتاب رسالة إلى المدرسين والمدرسات بقلم الدكتور/ أبو بكر أحمد السيد، وكتاب المدرس ومهارات التوجيه، لمؤلفه محمد بن عبد الله الدويش، دار القطن للنشر يقع الكتاب في 127 صفحة.

تصدع البناء وآل إلى السقوط، وما أسرع الانهيار وأصعب البناء، فالبناء خلال سنين ينهار خلال ساعات ودقائق، فإليكم أيها المعلمون أوجه هذا النداء وأقول: بيدكم الزمام فالتربية والتعليم هما أساس المجتمعات وسر عزها، وقوتها ونهضتها وفي أعناقكم أمانة عظيمة سيسألكم الله عنها، والآباء قد وضعوا فلذات أكبادهم بين أيديكم قد وثقوا فيكم تمام الثقة وجعلوكم أمناء على أولادهم بل الأمة بأكملها، تنتظر منكم العطاء وضم الأجيال الصاعدة إلى ركب البناء، والتعمير والعمل الجاد لخدمة الإسلام والمسلمين، وتقديم الخير والعطاء لهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وهذا هو سر الخيرية لهذه الأمة المتمسكة بهذا الدين، وبهذه الأخلاق وبهذه الصفات خاصة "أمر بمعروف، نهي عن منكر وإيمان بالله"، وأمل الآباء كبير في المعلمين أنهم أمناء وأن أولادهم ترعاهم أياد أمينة توجه، وتنصح وتربي على الأخلاق والفضائل وخدمة المجتمع الإسلامي. ففي كل عام ينضم إلى ركب البناء كوكبة من أبنائنا بعد تشبعهم بالعلم والأخلاق من معلمين فضلاء، وأساتذة أمناء فمن بين أيديهم تتخرج الجموع الغفيرة من الشباب الأقوياء ينضمون إلى لبنات المجتمع، فيقوى بهم المجتمع وينهض ويرتفع شامخًا قويًّا في وجه الأعاصير، والفتن وما زال ولن يزال المعلم يربي ويعلم الأجيال، ويخرج الأديب والطبيب والمهندس، وحماة الديار من العسكريين بمختلف تخصصاتهم ورتبهم، كما أن المعلم يتخرج من بين يديه المربي وحامل العلوم، والفنون وغيرهم الكثير من جميع التخصصات المختلفة فمن يحمل الدين الصحيح، والفكر السليم والتربية الرفيعة، والمنهج القويم غيرك

أيها المعلم ومن يحمل هم الدعوة إلى الله، ونشر هذا الدين العظيم إلى جميع الخلق بلا استثناء إلا أنت أيها المعلم، إن على كافة المعلمين أن يحرصوا على تخريج شباب أقوياء العقيدة سليمي الفكر، والتصور لا ينخدعون بالشبهات ولا تجرفهم الشهوات همهم الدعوة إلى الله، وإسعاد المجتمع والعمل على أمنه ورخائه واستقراره.

النداء السادس: إلى رجال الدعوة الإسلامية والحسبة

النداء السادس: إلى رجال الدعوة الإسلامية والحسبة 1: هؤلاء هم جزء من العلماء الربانيين، نظرا لما يقومون به من الدعوة إلى الله فهم خير أمة أخرجت للناس: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 2 وقد أفردتهم هنا بالنداء لما أرى من مسئوليتهم العظيمة عن الدعوة أكثر من غيرهم، والعمل للدعوة يتحتم عليهم أكثر من غيرهم؛ لأنهم قد فرغوا لذلك العمل الدعوي وأخذوا عليه أجرا، فأحببت تذكيرهم بأمر الدعوة وأهميتها، وخاصة في هذا الزمان الذي اختلط فيه الخير بالشر والحق بالباطل، وانتشرت في بلاد المسلمين ملل ونحل مختلفة وديانات متعددة، وتعددت الأحزاب والجماعات، حتى أعجب كل ذي رأي برأيه، وكل فرقة أو جماعة ترى أنها مع الحق وأن الحق معها، وأن غيرها على الباطل، حتى أصبح الحليم حيرانا وأصبح العامة في حيرة من أمرهم لا يدري أحدهم أين الحق، ولا من يتبع ولا إلى أين يسير، والحالة هذه أوجه ندائي هذا إليكم بالقيام بدوركم الحتمي كل فيما يخصه بعينه لا خيار ولا تردد، أنادي رجل الدعوة ورجل الحسبة، في خضم هذه الأمواج المتلاطمة والأحداث المتلاحقة التي عصفت، وما زالت تعصف بهذا الدين وأهله، الدور دوركم والساحة تنتظركم والميدان يدعوكم الناس ينتظرونكم {وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} من يبصر الناس بالحق غيركم؟، من ينير

_ 1 رجال الحسبة هم منسوبوا هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "كما هو موجود في المملكة العربية السعودية". 2 سورة آل عمران: من الآية 110.

الطريق ويضع عليه المعالم غيرك أيها الداعية، من المنقذ للبشرية بعد الله إلا أنت؟ من يجعل المسلم متميزًا عن غيره من أهل الديانات الأخرى والملل المنحرفة، والبدع الضالة إلا أنت؟ وذلك بما تقوم به من بيان الحق وكشف الباطل وإظهار عواره، فالباطل لا يصمد أمام الحق طويلا، أوجه هذا النداء إلى الرجال الذين هم صفوة المجتمع وخياره {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} فلا بد من تحقيق هذه الخيرية بالدعوة إلى الله، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالطرق، والأساليب الشرعية الموافقة للكتاب والسنة، وأقوال الأئمة من سلف هذه الأمة وخلفها.

النداء السابع: إلى ربة البيت

النداء السابع: إلى ربة البيت: أخص ربة البيت بهذا النداء ولو أنني قد أفردت لها باب خاصًّا في هذا الكتاب1 مع أنها تدخل في الخطاب العام للدعوة وأنها واجبة على الجميع، أفردتها بالنداء لأهميتها وعظيم دورها في المجتمع، فهي الحاضنة والمربية الأولى للشباب في نعومة أظافرهم وريعان شبابهم، وأول من يتأثر به الطفل يتأثر بأمه سلبًا وإيجابًا، لهذا أوجه هذا النداء إلى المرأة خاصة سواء كانت زوجة، أو أما أو أختا أو بنتا. فإن لها دورًا عظيمًا في الدعوة إلى الله وعليها مسئولية عظمى لا يسعها بحال التخلي عنها، وإسناد المسئولية إلى غيرها، وترك أمر التربية والمتابعة للخدم وغيرها هنا تكون الكارثة على المجتمع، ويبدأ خط الانحراف يتسع -ويتسع الخرق على الرافع- فلا بد إذا من مباشرة المرأة للتربية، والتوجيه بكل صدق وأمانة وإخلاص، فهي في بيتها مسئولة عن أولادها وعن بيتها فلا بد أن تهتم بأولادها، وتربيهم على الدين والأخلاق الفاضلة، واحترام الغير وتنهاهم عن الكذب والغيبة، والنميمة وضياع الوقت والمرأة الداعية هي التي تتغل الوقت مع أولادها، وتنشئهم على حب القرآن الكريم وتعلمه وتتابعهم من تطبيق تعاليم الإسلام على أرض الواقع، ومن أهمها الصلاة في البيت ما دام صغيرا، وفي المسجد بعد سن التمييز، ويفضل أن يذهب في مثل هذا السن مع أبيه أو أخيه الكبير، أو أحد أقاربه حتى يكون ذلك عادة وسجية، ولا يترك يذهب وحده وهو بهذا السن فقد يحصل منه العبث، والإزعاج للمصلين ثم يستحسن

_ 1 بعنوان "دور المرأة في الدعوة": ص193.

تشجيعه على مصاحبة الصالحين، وخاصة من يوثق بدينه وخلقه. ولو خصص لمجموعة من الشباب من يعلمهم ويربيهم، ويخرج معهم للنزهة وغيرها، ويعطي أجرًا على ذلك فإنه نافع ومفيد، مع أن في هذه البلاد الطيبة "المملكة العربية السعودية" أماكن خاصة تحتضن الشباب وتربيهم وتعلمهم. وأخص بالذكر على سبيل المثال: تعليم القرآن الكريم في المساجد لجماعات تحفيظ القرآن الكريم الخيرية في جميع أنحاء المملكة، وكذلك مراكز النشاط الدائمة والموسمية، والدروس الدائمة للعلماء الأفاضل في المساجد وغيرها، فبلادنا ولله الحمد تزخر بالعلم والعلماء، فما على المرأة المسلمة إلا أن توجه ابنها إلى ما ذكر وتشجعه على ذلك لينهل من معين العلم، ويأخذ من رحيق التربية ويتعلم الحكمة {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} . وأختم هذه النداءات والتي فيها تحديد مسئوليات الدعوة إلى الله، وتكليف جميع المؤمنين بالعمل، وتحمل مسئولية الدعوة إلى الله، فهي مسئولية الجميع من الحاكم إلى الخادم لا عذر لأحد أمام الله سبحانه وتعالى، فالجميع مسئول وعن أمر الدعوة إلى الله محاسبون {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} 1 وقد وزع النبي -صلى الله عليه سلم- هذه المسئوليات في هذا الحديث الشريف. عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته: الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده، ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته" 2.

_ 1 سورة الشعراء: آية 88-89. 2 رواه الإمام البخاري، كتاب الجمعة: 893.

الخاتمة

الخاتمة: أيها الداعية الكريم أيها الواعظ اللبيب، أيها المسلم الفطن، أبشر بالخير فإنك قد سلكت أفضل الطرق، ونهجت أحسن منهج {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 1، وحين يكون اهتمام الداعية بدعوته، ومجتمعه وأمة الإسلام كاهتمامه برزقه وبيته، وأهله وولده يكون ناجحًا في دعوته عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من أصبح ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم". مع التزام الصدق في القول والعمل، مع الله ومع الناس، وإذا ألجئت إلى الكذب فلا تقدم عليه، ونذكرك بكلام أبي سفيان مع هرقل حين سأله عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "والله لولا أن يؤثروا عني كذبا لكذبت"، ولقد تجنب هذا الرجل -وكان جاهليًّا- أن يكذب خشية أن ينقلوا عنه الكذب، أو يعيروه به يوما من الأيام مع شدة حاجته إلى الكذب، ونحن نعلم أن أعراض الدعاة اليوم أصبحت هدفا لسهام كثيرة، ولذلك يتعين على الداعية أن يغلق الباب الذي تأتيه منه الريح ليريح، ويستريح ولا يخوض مع الخائضين في أعراض العلماء والدعاة، وغيرهم بل عليه إيقاف مثل هذه التجاوزات المحرمة. كما أن الإخلاص مطلب أساسي للداعية، وهو يقوم بهذه الرسالة رسالة الدعوة إلى الله. قال الله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} 2.

_ 1 انظر ص7. 2 سورة هود: من الآية 7.

قال الفضيل بن عياض: أيكم أحسن عملا أي "أخلصه وأصوبه" قيل: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: "إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، لا يقبل حتى يكون خالصا صوابا"، ونحن اليوم بحاجة ماسة إلى نمط من الدعاة آثروا الصدق في أقوالهم وأفعالهم حتى أصبح الصدق سجية يجري في عروقهم، فإذا رآهم الناس قالوا: هذه ليست بوجوه كذابين، إن صدقنا في حلم دعوتنا هو الذي يجعل الناس يتقبلون ديننا، كما أن الداعية مطلوب منه أن يتحمل ويصبر على ما أصابه في سبيل الدعوة قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} 1، فالصبر مع إخوانك الدعاة أمر مطلوب، والصبر على أذى إخوانك المدعوين أمر مطلوب كذلك، ومع الصبر لا تظهر الغضب ولا التأفف قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 2، بل من خلق الداعية كظم الغيظ والعفو عمن ظلمه، والإحسان إلى الناس جميعًا، وكذلك التواضع وهو تجنب الكبر الذي هو بطر الحق وغمط الناس، ومن التواضع أن يتنازل عن حظ نفسه من حقه ليحل مشكلة هو طرف فيها، أو ليطوي صفحة طال الحديث فيها، أو ليتألف قلبا، أو ليستطيب نفس أخيه، ولا يلح في المطالبة بحقوقه، ومن الأمور الهامة في حياة الداعية "السماحة"، وقد دعا

_ 1 سورة الكهف: الآية 28. 2 سورة آل عمران: الآية 134.

-صلى الله عليه وسلم- للرجل السمح عن جابر عن عبد الله -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى وإذا قضى وإذا اقتضى" 1 وإن صاحب السماحة لا تطيب نفسه بأن يحصل حقا لم تطب به نفس الطرف الآخر فيؤثر التنازل، إن مما حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أمته منعا وهات، وقيل قال وكثرة السؤال، إضاعة المال كما جاء في الحديث الشريف عن المغيرة بن شعبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ومنعًا وهات ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال" 2، ومن احترام الآخرين احترام آرائهم، وأفكارهم ما لم تكن مخالفة للشرع، ومن الأمور الهامة التي يجب على الداعية التنبه لها تقدير العلماء واحترامهم، والأخذ بآرائهم الصائبة في الأمور الدعوية وعدم الخوض في أعراضهم أو إيذائهم بالكلام، أو السب سرًّا أو علنًا قال الله تعالى في الحديث القدسي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه". الحديث3 فاحرص أخي الداعية على هذا المبدأ وانشر الخير، وابتعد عن الشر وكن مفتاحا للخير مغلاقا للشر.

_ 1 صحيح الإمام البخاري، كتاب البيوع: "2076". 2 صحيح الإمام البخاري، كتاب الأدب: "5975". 3 صحيح الإمام البخاري، كتاب الرقائق: "6502".

وفي الختام أشكر كل من ساعد أو ساهم برأي، ونصح وتوجيه صائب كان له أعظم الأثر في إخراج هذا الكتاب بهذا المحتوى "أترك الحكم لك أيها القارئ الكريم"، فقد أخذت بعين الاعتبار كل نصح وتوجيه وتعديل، وتبديل وإضافة -كان لها عظيم الفائدة- من إخواني الذين لم يبخلوا علي بآرائهم، وأفكارهم واقتراحاتهم الصائبة التي كان لها أثر بارز في تقويم هذا الكتاب قبل إصداره وطبعه، وأخص بالذكر أخي الفاضل الشيخ الدكتور/ محمد بن سعد بن شقير القاضي بمحكمة خورفكان في الإمارات العربية المتحدة، فقد قرأ الكتاب، ووضع له مقدمة، فجزاه الله خيرًا وغفر له ولوالديه. وكذلك أخي الشيخ/ عبد الرحمن بن حماد آل عمر فقد قوم الكتاب، ووضع له تقريظًا كما قام بتقويمه أيضا فضيلة الشيخ الدكتور/ الوليد بن عبد الرحمن آل فريان غفر الله لهما ولوالديهما ولجميع المسلمين. كما أن وزارة الشئون الإسلامية ممثلة في قسم الطبع والترجمة قامت بتوجيه من وكيل الوزارة المساعد الدكتور/ عبد الله الزير بقراءة الكتاب قبل طبعه، وأبدى ملاحظاته وتوجيهاته حول الكتاب مما جعله يظهر بهذا الثوب الجديد، فقد تم إضافة بعض الموضوعات الهامة التي لم تكن موجودة إبان كتابتي لهذا الكتاب أثناء عملي في الدعوة، والإرشاد في مركز الفجيرة، والحمد لله أنني تداركتها بفضل من الله، ثم بإرشاد إخواني الذين هم أطول مني باعا، وأكثر خبرة وتجربة في هذا المجال جزاهم الله خيرا على ما قدموا للدعوة والدعاة، وغفر الله لي ولهم ولوالدينا ولجميع المسلمين، ومن قرأ هذا الكتاب أو

استمع إليه. أسأل الله عز وجل أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعله نافعا مفيدا لمن قرأه وسمعه، وأن يعم بنفعه الإسلام والمسلمين إنه جواد كريم. والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. ما كان في هذا الكتاب من صواب فمن الله، وما كان فيه من خطأ وتقصير فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله من ذلك، فمن أراد تقويم هذا الكتاب بتصحيح خطأ أو تعديل عبارة أو إضافة موضوع فأكثر، أو حذف أو زيادة فأطلب منه مشكورًا الكتابة عن طريق الفاكس أو الاتصال بي على العنوان التالي: المملكة العربية السعودية، الرياض، مركز إشراف جنوب الرياض. هاتف: 4952172، فاكس: 4954678 ص. ب: 33776، الرياض: 907، الرمز: 11458.

الفهرس

الفهرس: ص الموضوع 5 مقدمة المراجع. 7 تقريظ المراجع. 8 صورة للتقريظ. 9 مقدمة المطلع على الكتاب. 11 المقدمة. 17 الفصل الأول: صفات لا بد منها للداعية: 17 1- الإخلاص. 23 2- المعاملة الحسنة. 27 3- كن قدوة 31 4- كن صادقا. 35 5- العجب والغرور. 39 6- لا بد ن تكون يدك ندية. 43 7- القول بلا علم. 45 8- الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. 51 9- الداعية صاحب همة. 54 10- من خلق الداعية التواضع والقناعة. 58 11- الثبات على المبدأ. 62 12- والله إني لأحبك.

66 13-كيف تكسب قلوب الناس. 68 14- ثمرة مرة. 73 الفصل الثاني: أساليب ومداخل: 73 1- معرفة أحوال الناس. 79 2- قبل أن تدعو. 83 3- العلاقات الإنسانية. 86 4- عليك بالمبادرة. 88 5- النظام. 92 6- درجات تغيير المنكر. 96 العادات والتقاليد. 99 الفصل الثالث: حسن الاختيار: 99 1- الموضوع. 101 2- الوسطية. 103 3- البداية. 105 4- توحيد الموضوع. 108 5- حدث الناس بما يعرفون. 111 6- أسند قولك بالدليل من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة. 115 7- ابدأ مع الناس بالأهم قبل المهم. 118 8- عبرة وعظة. 121 الفصل الرابع: علاقة الداعية بمسئوليه: 121 1- التغيير بالتي هي أحسن. 126 2- الداعية والأمن. 132 3- الجندي المجهول. 136 4- مراجعات.

139 الفصل الخامس: وجوب الدعوة. 139 1- على من تجب الدعوة. 149 2- الداعية في سباق مع الزمن. 152 3- كن طبيب عصرك فإن لكل داء دواء. 156 4- الداعية والمجالس. 159 الفصل السادس: ثقافة الداعية: 159 1- الإطلاع. 161 2- الدعوة واللقاءات. 165 3- الداعية والعلم. 173 الفصل السابع: واجبات الداعية: 173 كيف يؤدي الداعية واجبه وما هو دوره. 175 1- خطب الجمعة والعيدين. 176 2- المحاضرات، الندوات، المواعظ. 178 3- الكتابة. 180 4- حضور المناسبات، تفقد أحوال الناس، توزيع الأشرطة والكتيبات. 181 5- الاشتراك في وسائل الإعلام. 182 6- تلقي الأسئلة والإجابة عليها. 183 7- إعداد دورات تعليمية. 184 8- عمل دعوة ميداني عام. 187 9- إقامة الدروس الدائمة. 190 10- الداعية والجمعيات الخيرية. 193 11- دور المرأة في الدعوة. 195 12- دعوة غير المسلمين.

209 الفصل الثامن: التخطيط: 109 1- التخطيط والمنهج. 210 2- التخطيط الناجح. 213 3- شروط وفوائد التخطيط. 214 4- عناصر التخطيط. 215 5- الإدارة. 216 6- الإدارة والنظام. 219 7- أهمية الإدارة. 220 8- أهمية الإدارة في الدعوة. 223 الفصل التاسع: نداءات: 223 النداء الأول: إلى حكام المسلمين. 226 النداء الثاني: إلى رب الأسرة. 228 النداء الثالث: إلى أئمة المساجد. 231 النداء الرابع: إلى العلماء الربانيين والقضاء الشرعيين. 235 النداء الخامس: إلى كل معلم ومعلمة. 238 النداء السادس: إلى رجال الدعوة الإسلامية والحسبة. 240 النداء السابع: إلى ربة البيت. 243 الخاتمة. 249 الفهرس. مطبعة دار طيبة، الرياض، ت: 4283840

§1/1